وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «1»
__________
(1) لقمان: 12- 19 مكية(2/159)
الأحاديث الواردة في (الأدب)
1-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة:
صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرّامي به، ومنبله وارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا.
ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرّجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرّمي بعد ما علمه رغبة عنه، فإنّها نعمة تركها أو قال:
كفرها» ) * «1» .
2-* (عن معاذ- رضي الله عنه- قال:
أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات. قال: «لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة الله، ولا تشربنّ خمرا، فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية، فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس. وإن أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في الله» ) * «2» .
3-* (عن الشّعبيّ أنّ رجلا من أهل خراسان سألة فقال: يا أبا عمرو! إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها: فهو كالرّاكب بدنته. فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران» ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ:
خذ هذا الحديث بغير شيء. فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة» ) * «3» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال فتلاحق بي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا على ناضح «4» لنا قد أعيا فلا يكاد يسير، فقال لي: «ما لبعيرك؟» . قال: قلت: أعيا. قال:
فتخلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدّامها يسير، فقال لي: «كيف ترى بعيرك؟» . قال قلت: بخير أصابته بركتك. قال:
__________
(1) أبو داود (2513) واللفظ له، والترمذي (1637) وقال الترمذي ومحقق جامع الأصول (5/ 43- 44) : حديث حسن، والنسائي (6/ 28) ومعنى قوله: رغبة عنه أي كراهية له.
(2) أحمد (5/ 238) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رجال أحمد ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع من معاذ، ورواه الطبراني في الكبير وأخرجه المنذري في الترغيب (1/ 383) وقال نحو قول الهيثمي، والألباني مختصرا في صحيح الجامع (3/ 157) من حديث أبي الدرداء.
(3) البخاري- الفتح 6 (3011) ، مسلم (154) واللفظ له.
(4) ناضح: الناضح من الإبل هي ما يستقى عليها منها.(2/160)
«أفتبيعنيه» . قال: فاستحييت- ولم يكن لنا ناضح غيره- قال: فقلت: نعم. قال: «فبعنيه» ، فبعته إياه على أنّ لي فقار ظهره «1» حتّى أبلغ المدينة.
قال: فقلت: يا رسول الله، إنّي عروس، فاستأذنته فأذن لي، فتقدّمت النّاس إلى المدينة، فلقيني خالي فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت به فلامني. قال: وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي حين استأذنته: «هل تزوّجت بكرا أم ثيّبا؟» . فقلت: تزوّجت ثيّبا. قال:
«فهلّا تزوّجت بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» . قلت:
يا رسول الله، توفّي والدي- أو استشهد- ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوّج مثلهنّ فلا تؤدّبهنّ، ولا تقوم عليهنّ، فتزوّجت ثيّبا لتقوم عليهنّ، وتؤدّبهنّ، قال: فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة غدوت عليه بالبعير فأعطاني ثمنه وردّه عليّ. قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا) * «2» .
الأحاديث الواردة في (الأدب) معنى
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدعوت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» . قلت: أنا. قال: فخرج وهو يقول: «أنا، أنا» . وفي بعض الرّوايات: (كأنّه كره ذلك» ) *» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» ) * «4» .
7-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أو سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا انقطع شسع أحدكم- أو من انقطع شسع نعله «5» فلا يمش في نعل واحدة حتّى يصلح شسعه، ولا يمش في خفّ واحد، ولا يأكل بشماله، ولا يحتبي «6» بالثّوب الواحد، ولا يلتحف الصّمّاء «7» » ) * «8» .
8-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله
__________
(1) فقار ظهره: موضع الركوب من الظهر.
(2) البخاري- الفتح 6 (2967) كتاب الرضاع واللفظ له، مسلم (715) ج 2 ص 1089.
(3) البخاري- الفتح 11 (6250) ، مسلم (2155) واللفظ له.
(4) مسلم (2020) .
(5) شسع نعله: الشسع هي قبالة النعل التي يشد إليها زمامها والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع. والصواب وفقا لنص مسلم: إذا انقطع شسع أحدكم- أو من انقطع شسع نعله.
(6) في الأصل يحتبي باثبات الياء، ولعلها تصحيف والاحتباء هو أن يقعد الإنسان على أليتيه وينصب ساقيه ويحتوى عليهما بثوب أو نحوه أو بيده.
(7) الصّمّاء. واشتمال الصماء: أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا بحيث يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كأنها لا تصل إلى شيء ولا يصل إليها شيء كالصخرة الصّمّاء التي ليس فيها خرق ولا صدع. يؤيد ذلك رواية الإمام أحمد في المسند 3/ 475، 476 حديث رقم 12237. واحتبى بثوبه احتباء وهو الاشتمال به.
(8) مسلم (2099) .(2/161)
عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا دخل الرّجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشّيطان:
لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشّيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء» ) * «1» .
9-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإنّ ذلك يحزنه» ) * «2» .
10-* (عن جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة «3» مع ابن الزّبير فرزقنا تمرا، فكان عبد الله بن عمر يمرّ بنا- ونحن نأكل- ويقول: لا تقارنوا؛ فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهي عن الإقران «4» ، ثمّ يقول: إلّا أن يستأذن الرّجل أخاه. قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر) * «5» .
11-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون: ياللمهاجرين، ونادى الأنصاريّ: ياللأنصار. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما هذا؟ دعوى أهل الجاهليّة؟» . قالوا: لا.
يا رسول الله! إلّا أنّ غلامين اقتتلا فكسع «6» أحدهما الآخر. قال: «فلا بأس، ولينصر الرّجل أخاه ظالما أو مظلوما: إن كان ظالما فلينهه؛ فإنّه له نصر، وإن كان مظلوما فلينصره» ) * «7» .
12-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع: بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضّعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السّلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشّرب في الفضّة، ونهى عن تختّم الذّهب، وعن ركوب المياثر «8» ، وعن لبس الحرير والدّيباج، والقسيّ والإستبرق» ) * «9» .
13-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «10» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا «11»
__________
(1) مسلم (2018)
(2) البخاري- الفتح 11 (6288) ، مسلم (2184) واللفظ له.
(3) عام سنة: أي عام جدب وقحط.
(4) الإقران: هو الجمع بين الشيئين، وفي الطعام أن يتناول تمرتين معا في آن واحد.
(5) البخاري- الفتح 9 (5446) واللفظ له، مسلم (2045) .
(6) كسع: الكسع أن تضرب برجلك أو بيدك على دبر إنسان أو شيء.
(7) مسلم (2584) .
(8) ركوب المياثر: هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، وهي جمع مئثرة بكسر الميم.
(9) البخاري- الفتح 11 (6235) واللفظ له، مسلم (2066) .
(10) أبو داود (4843) ، وقال الألباني: حسن.
(11) تزدروا: تحتقروا.(2/162)
نعمة الله» . قال أبو معاوية «عليكم» ) * «1» .
15-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه نهى أن يشرب الرّجل قائما. قال قتادة:
فقلنا: فالأكل؟ فقال: «ذاك أشرّ أو أخبث» ) * «2» .
16-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا يا رسول الله، مالنا بدّ من مجالسنا.
نتحدّث فيها فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟
قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر» ) * «3» .
17-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟
قال: «تطعم الطّعام، وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف» ) * «4» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي في طريق إذ وجد غصن شوك فأخّره فشكر الله له فغفر له» ) * «5» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» . قال: ثمّ من؟
قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» .
قال: ثمّ من؟. قال: «ثمّ أبوك» ) * «6» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خالفوا المشركين، ووفّروا اللّحى وأحفوا الشّوارب «7» » . وكان ابن عمر إذا حجّ أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه) * «8» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام «9» عليكم. قالت عائشة: ففهمتها.
فقلت: وعليكم السّام واللّعنة. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهلا يا عائشة؛ إنّ الله يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» . فقلت: يا رسول الله، أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد قلت «وعليكم» ) * «10» .
22- (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّار فتعوّذ منها وأشاح بوجهه، ثمّ ذكر النّار فتعوّذ منها وأشاح بوجهه. قال شعبة أمّا مرّتين فلا أشكّ، ثمّ قال: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة،
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6490) ، مسلم (2963) واللفظ له.
(2) مسلم (2024) وأشرّ هكذا وقعت بالألف والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير، وهي لغة وإن كانت قليلة.
(3) البخاري- الفتح 11 (6229) ، مسلم (2121) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 1 (12) واللفظ له، مسلم (39) .
(5) الترمذي (1958) . وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(6) البخاري- الفتح 10 (5971) ، مسلم (2548) واللفظ له.
(7) حفا شاربه حفوا وأحفاه: بالغ في أخذه وألزق حزّه، وتوفير اللحى أي تكثيرها وجعلها وافرة.
(8) البخاري- الفتح 10 (5892) ، مسلم (259) .
(9) السام: الموت.
(10) البخاري- الفتح 10 (6024) واللفظ له، ومسلم (2165) .(2/163)
فإن لم يكن فبكلمة طيّبة» ) * «1» .
23-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى «2» » ) * «3» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عشر من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم «4» ، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء» . قال زكريّاء: قال مصعب: ونسيت العاشرة. إلّا أن تكون المضمضة) * «5» .
25-* (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر»
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصّحفة فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك» . فما زالت تلك طعمتي «7» بعد» ) * «8» .
26-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنّه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت:
استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» .
فقال: والله لتقيمنّ عليه بيّنة. أمنكم أحد سمعه من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلّا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك) * «9» .
27-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «10» .
28-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «11» .
29-* (عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم.
فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6023) واللفظ له، مسلم (1016) .
(2) اقتضى: أي طالب بما له من دين.
(3) البخاري- الفتح 4 (2076)
(4) البراجم: غسل البراجم أي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.
(5) مسلم (261) .
(6) الحجر: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، أي في تربيته وتحت نظره، وأنه يربيه في حضنه تربية الولد.
(7) الطّعمة- بكسر الطاء- السيرة في الأكل.
(8) البخاري- الفتح 9 (5376) واللفظ له، مسلم (2022) .
(9) البخاري- الفتح 11 (6245) واللفظ له، مسلم (2153) .
(10) البخاري- الفتح 10 (6077) واللفظ له، ومسلم (2560) .
(11) البخاري- الفتح 1 (13) واللفظ له، مسلم (45) .(2/164)
كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنّهى «2» . ثمّ الّذين يلونهم (ثلاثا) وإيّاكم وهيشات الأسواق «3» » ) * «4» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» ) * «5» .
32-* (عن مقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» ) * «6» .
33-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «7» .
34-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في غزوة خيبر: «من أكل من هذه الشّجرة (يعني الثّوم) فلا يأتينّ المساجد» ) * «8» .
35-* (عن حسين بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» ) * «9» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلّم بخير أو ليسكت. واستوصوا بالنّساء؛ فإنّ المرأة خلقت من ضلع. وإنّ أعوج شيء في الضّلع «10» أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج. فاستوصوا بالنّساء خيرا» ) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (30) واللفظ له، مسلم (1661) .
(2) الأحلام والنهى: أي ذوو الألباب والعقول.
(3) هيشات الأسواق: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها.
(4) مسلم 1 (432) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3560) واللفظ له، مسلم (2327) .
(6) الترمذي (2380) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (7/ 410) : كما قال الترمذي، وصححه الحاكم 4/ 121، ووافقه الذهبي.
(7) النسائي (5/ 82) ، أبو داود (1672) واللفظ له، وقال محقق الجامع (692) : إسناده صحيح، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 314) : صحيح.
(8) البخاري- الفتح 2 (853) ، مسلم 1 (561) واللفظ له.
(9) مالك في الموطأ (2/ 689) واللفظ له، ورواه أحمد والطبراني في الثلاثة، والترمذي (3218) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 18) رجال أحمد والكبير ثقات، وقال الزرقاني في شرح الموطأ: والحديث حسن بل صحيح.
(10) الضّلع والضّلع: لغتان محنية الجنب مؤنثة، والجمع أضلع وأضالع وضلوع.
(11) البخاري- الفتح 6 (3331) ، ومسلم (1468) واللفظ له.(2/165)
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لا يشكر النّاس لا يشكر الله» ) * «1» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه: «من يأخذ (عنّي) هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟ قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي وعدّ خمسا، فقال: اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك؛ فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «2» .
39-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
«نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يرفع الرّجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره» ) * «3» .
40-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اختناث الأسقية» . يعني أن تكسر أفواهها فيشرب منها) * «4» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يسلّم الصّغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير» . وعنه- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» ) * «5» .
42-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما «6» .
ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته «7» إلّا بإذنه» قال الأشجّ في روايته (مكان سلما) سنّا) * «8» .
43-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أراني أتسوّك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السّواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبّر، فدفعته إلى الأكبر منهما» ) * «9» .
44-* (عن ابن أبي عتيق قال: تحدّثت أنا والقاسم عند عائشة- رضي الله عنها- حديثا- وكان القاسم رجلا لحّانة، وكان لأمّ ولد فقالت له عائشة: مالك لا تحدّث كما يتحدّث ابن أخي هذا؟
__________
(1) الترمذي (1954) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) الترمذي (2305) ، وأحمد (2/ 310) وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) حديث حسن واللفظ له، ابن ماجه (4217) ، البيهقي في شعب الإيمان.
(3) أبو داود (4865) وقال الألباني: (3/ 921) : حسن واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 10 (5625) ، مسلم (2023) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 11 (6231، 6232، 6233) .
(6) سلما: أي إسلاما. كقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: أي الإسلام.
(7) تكرمته: قال العلماء: التكرمة الفراش ونحوه.
(8) مسلم 1 (673) .
(9) البخاري- الفتح 1 (246) واللفظ له، مسلم 4 (2271) .(2/166)
أما إنّي قد علمت من أين أتيت «1» . هذا أدّبته أمّه، وأنت أدّبتك أمّك. قال فغضب القاسم وأضبّ «2» عليها. فلمّا رأى مائدة عائشة قد أتي بها قام. قالت:
أين؟ قال: أصلّي. قالت: اجلس قال: إنّى أصلّي.
قالت: اجلس غدر «3» إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا صلاة بحضرة الطّعام، ولا هو يدافعه الأخبثان «4» » ) * «5» .
45-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهنّ وأطعمهنّ وسقاهنّ وكساهنّ من جدته كنّ له حجابا من النّار يوم القيامة» ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الأدب)
46-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بشراب فشرب منه- وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ- فقال للغلام:
«أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. قال: فتلّه»
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده) * «8» .
47-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعبد، ويجيب إذا دعي» .
(وفي رواية) قال: «كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت» ) * «9» .
48-* (عن أبي فراس قال: خطبنا عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «إنّي لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم «10» ، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إليّ أقصّه منه» قال عمرو بن العاص:
«لو أنّ رجلا أدّب بعض رعيّته أتقصّه منه «11» ؟» . قال:
«إي «12» والّذي نفسي بيده أقصّه، وقد رأيت رسول
__________
(1) من أين أتيت: أي حدث لك هذا.
(2) أضب: أي حقد. والمعنى: كره مقولتها فيه.
(3) اجلس غدر: الغدر ترك الوفاء، ويقال لمن غدر: غادر وغدر. وقولها غدر: منادى بحرف نداء محذوف والتقدير: اجلس يا غدر وهي بذلك لا تسبه، وإنما تتبسط معه في الحديث لتزيل من نفسه ما علق بها.
(4) الأخبثان: البول والغائط.
(5) مسلم (560) .
(6) ابن ماجه (3669) ، واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 159) حديث رقم (76) ، وهو بمعناه في الصحيحين.
(7) فتلّه في يده: أي ألقاه في يده، والتّل: الصّبّ، فاستعاره للإلقاء. (انظر النهاية 1/ 195) .
(8) البخاري- الفتح 10 (5620) واللفظ له مسلم (2030) .
(9) البخاري- الفتح 10 (6072) .
(10) البشرة: هي ظاهر الجلد، ويجمع على أبشار.
(11) أي إذا كان التأديب بغير حق فإني آخذ له بالقصاص منه.
(12) قوله: إي ... إلخ معناه: نعم والذي نفسي ... إلخ.(2/167)
الله صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه «1» » ) * «2» .
49-* (عن عبد الله بن بشر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول «السّلام عليكم، السّلام عليكم» ، وذلك أنّ الدّور لم يكن عليها يومئذ ستور) * «3» .
50-* (عن حنظلة بن حذيم- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه أن يدعو الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه» ) * «4» .
51-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده» .
وفي رواية التّرمذيّ قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتّى يكون الرّجل هو يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له» ) * «5» .
52-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: ما عاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأدب)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «خرجت مع جرير بن عبد الله البجليّ في سفر فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل. فقال: إنّي قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلّا خدمته» ) * «7» .
2-* (قال مجاهد: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم» ) * «8» .
3-* (وعند ابن ماجة بعد أن ذكر أحاديث فتنة الدّجّال قال عبد الرّحمن المحاربيّ: «ينبغي أن
__________
(1) أقصّ من نفسه: أي مكّن من آذاه من أن ينزل بالنبي مثل الذي أنزله به.
(2) أبو داود رقم (4537) 4/ 181.
(3) أبو داود (5186) واللفظ له، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 584) وقال محققه: إسناده حسن.
(4) الهيثمي في المجمع (8/ 56) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(5) أبو داود (4794) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 910) : حسن وهو في الصحيحة برقم (2485) ، والترمذي (2490) وقال محقق جامع الأصول (11/ 250) وهو حديث حسن.
(6) البخاري- الفتح 9 (5409) واللفظ له، مسلم (2064)
(7) عن الأخلاق الإسلامية للحبنكة: 2/ 639.
(8) الفتح (8/ 527) .(2/168)
يدفع هذا الحديث إلى المؤدّب، حتّى يعلّمه الصّبيان في الكتّاب» ) * «1» .
4-* (وسئل الحسن البصريّ- رحمه الله- عن أنفع الأدب فقال: «التّفقّه في الدّين، والزّهد في الدّنيا والمعرفة بما لله عليك» ) «2» .
5-* (عن نمير بن أوس أنّه قال: «كانوا يقولون: الصّلاح من الله والأدب من الآباء» ) * «3» .
6-* (قال يحيى بن معاذ: «من تأدّب بأدب الله صار من أهل محبّة الله» ) * «4» .
7-* (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-:
«من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السّنن، ومن تهاون بالسّنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة» ) * «5» .
8-* (وقال: «نحن إلى قليل من الأدب أحوج منّا إلى كثير من العلم» ) * «6» .
9-* (وقال أيضا: «قد أكثر النّاس القول في الأدب ونحن نقول: إنّه معرفة النّفس ورعوناتها، وتجنّب تلك الرّعونات» ) * «7» .
10-* (قال أبو حفص السّهرورديّ:
«حسن الأدب في الظّاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. فالأدب مع الله باتّباع أوامره وإيقاع الحركات الظّاهرة والباطنة على مقتضى التّعظيم والإجلال والحياء» ) * «8» .
11-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: «من كمال أدب الصّلاة: أن يقف العبد بين يدي ربّه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق» ) * «9» .
12-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه. وقلّة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدّنيا والآخرة بمثل الأدب ولا استجلب حرمانها بمثل قلّة الأدب» ) * «10» .
13-* (قال بعضهم: «الزم الأدب ظاهرا وباطنا؛ فما أساء أحد الأدب في الظّاهر إلّا عوقب ظاهرا، وما أساء أحد الأدب باطنا إلّا عوقب باطنا» ) * «11» .
14-* (وقيل: «الأدب في العمل علامة قبول العمل» ) * «12» .
__________
(1) ابن ماجه (2/ 1363) .
(2) مدارج السالكين (2/ 392) .
(3) شرح الأدب المفرد (1/ 177) .
(4) المرجع السابق (2/ 392) .
(5) شرح الأدب المفرد (2/ 397) .
(6) المرجع السابق (2/ 392) .
(7) مدارج السالكين (2/ 392) .
(8) المرجع السابق (2/ 392) .
(9) المرجع السابق (2/ 401) .
(10) المرجع السابق (2/ 407) .
(11) المرجع السابق (2/ 397) .
(12) المرجع السابق (2/ 397) .(2/169)
من فوائد الالتزام بالأدب
مع أنواع الأدب الّتي ذكرت في مقدّمة هذه الصّفة، ومع تقدير أنّ الأدب هو الدّين كلّه، فإنّ الالتزام بالأدب يحقّق فوائد عديدة للإنسان المسلم كما يلي:
1- يصفّي سلوك الفرد ممّا يشينه وينتقصه.
2- يجعل النّاس يتحلّون بالمحامد والمكارم ويبتعدون عن المناقص.
3- يجعل الإنسان يحترز عن الخطأ ويتحرّى الصّواب.
4- يهذّب الأخلاق ويصلح العادات.
5- يجعل الإنسان يلتزم بالمنهج الإلهيّ في الأرض ممّا يصلح أحواله.
6- والالتزام بالأدب مع الله يحقّق التّقوى في قلب الإنسان.
7- والالتزام بالأدب مع رسول الله يحقّق التّسليم والانقياد للطّاعة فيما أمر ونهى.
8- والالتزام بأدب الشّريعة يؤدّي بالإنسان إلى القيام بأركان المنهج الإلهيّ.
9- والالتزام بأدب السّياسة، يؤدّي بالإنسان إلى القيام بواجباته في حياته كلّ بما يستحقّه، وفي هذا ضمان لحسن سير الحياة.
10- يحقّق الالتزام بالأدب توجّها نفسيّا وأثرا قويّا يحمل الإنسان على الاستزادة من الالتزام بضمان الأدب.
11- يحقّق الالتزام بالأدب قاعدة اجتماعيّة قويّة تتيح مناخا ملائما للحياة الصّالحة.
12- يحقّق الالتزام بالأدب تحرّيا للخير، ودعوة إلى القيم الرّفيعة تمنع انفلات الإنسان وهبوطه إلى الأدنى، أو ارتكاب الأفعال الهابطة، بل تدعوه إلى التّسامي وقمع الشّهوات.
13- يحقّق الالتزام بالأدب وحدة، دائمة، وانسجاما في الإنسان وسلوكه الفرديّ والاجتماعيّ.
14- يحقّق الالتزام بالأدب الوحدة في أدب التّلقّي والتّعلّم.
15- يحقّق الالتزام بالأدب الإيجابيّة في الحياة، وإتاحة الفرصة للإبداع والابتكار، والحيويّة في السّلوك.(2/170)
الإرشاد
الإرشاد لغة:
مصدر أرشده إلى الشّيء بمعنى دلّه عليه وهو مأخوذ من مادّة (ر ش د) الّتي تدلّ على استقامة الطّريق، والمراشد مقاصد الطّريق، وهو ابن رشدة إذا كان لنكاح صحيح. الرّشد والرّشد والرّشاد: نقيض الغيّ.
رشد الإنسان (بالفتح) يرشد رشدا (بالضّمّ) ، ورشد (بالكسر) ، يرشد رشدا ورشادا فهو راشد ورشيد إذا أصاب وجه الأمر والطّريق.
وفي الحديث: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي» . والرّاشد اسم فاعل من رشد يرشد رشدا.
يريد بالرّاشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا رحمة الله عليهم ورضوانه وإن كان عامّا في كلّ من سار سيرتهم من الأئمّة. ورشد أمره: رشد فيه.
والرّاشد: المستقيم على طريق الحقّ.
وأرشده الله، وأرشده إلى الأمر، ورشّده: هداه.
واسترشده: طلب منه الرّشد. ويقال: استرشد فلان لأمره إذا اهتدى له، والرّشدى: اسم للرّشاد.
وفي أسماء الله تعالى الرّشيد؛ لأنّه يرشد الخلق إلى مصالحهم أي يهديهم ويدلّهم عليها، فهو فعيل بمعنى
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
12/ 18/ 5
مفعل، وقيل هو الّذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سبيل السّداد من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدّد أي أنّه فعيل بمعنى فاعل «1» .
واصطلاحا:
قال ابن الأثير: إرشاد الضّالّ هدايته الطّريق (المستقيم) وتعريفه به «2» .
الإرشاد في القرآن الكريم:
لم يرد لفظ الإرشاد في القرآن الكريم وإنّما وردت المادّة (ر ش د) في صيغ أخرى منها:
الفعل يرشد مضارع رشد، ومنها: المصادر رشد- رشد- رشاد.
وقد ذهب بعضهم إلى أنّ هناك فرقا بين الرّشد والرّشد؛ إذ الرّشد يكون في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة، والرّشد لا يكون إلّا في الأمور الأخرويّة فقد استعمل لفظ الرّشد في القرآن الكريم على وجهين:
الأوّل: الصّلاح في العقل والمال، كما في قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً في حقّ القياس.
الآخر: التّهدّي للصّلاح في الدّين، وذلك قوله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ...
ومنها أيضا: الصّفات: راشد اسم فاعل من
__________
(1) لسان العرب (3/ 175- 176) . والمعجم الوسيط: (1/ 347) ، ومقاييس اللغة (2/ 318) .
(2) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 225) .(2/171)
رشد يرشد، رشيد صفة من رشد يرشد، مرشد اسم فاعل من أرشد.
وسنذكر فيما يلي الآيات الكريمة الّتي وردت فيها هذه المادّة مقتصرين على ما يتعلّق بالرّشد في معنى الاهتداء في أمر الدّين.
[للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الأسوة الحسنة- التبليغ- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التذكير- الدعوة إلى الله- النصيحة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- اتباع الهوى- الإعراض- الغي والإغواء- الفسوق] .(2/172)
الآيات الواردة في «الإرشاد»
1- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «1»
2- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «2»
3- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «3»
4- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «4»
5-* وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) »
6- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «6»
7- قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) «7»
8- يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) «8»
9- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) «9»
10- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «10»
11- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «11»
12- وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) «12»
__________
(1) البقرة: 186 مدنية
(2) البقرة: 256 مدنية
(3) الأعراف: 146 مكية
(4) الكهف: 10 مكية
(5) الكهف: 17 مكية
(6) الكهف: 23- 24 مكية
(7) الكهف: 66 مكية
(8) غافر: 29 مكية
(9) غافر: 38 مكية
(10) الحجرات: 7 مدنية
(11) الجن: 1- 2 مكية
(12) الجن: 14 مكية(2/173)
الأحاديث الواردة في (الإرشاد)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإمام ضامن «1» ، والمؤذّن مؤتمن «2» ، اللهمّ أرشد الأئمّة، واغفر للمؤذّنين» ) *. «3»
2-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «4»
3-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله «5» » ) * «6» .
4-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم ... - الحديث وفيه- «وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) * «7» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة. قال لأخيه:
اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه يأتيه الخبر من السّماء. فاسمع من قوله، ثمّ ائتني. فانطلق الآخر حتّى قدم مكّة، وسمع من قوله. ثمّ رجع إلى أبي ذرّ فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق. وكلاما ما هو بالشّعر. فقال ما شفيتني فيما «8» أردت. فتزوّد وحمل شنّة «9» له فيها ماء. حتّى قدم مكّة، فأتى المسجد فالتمس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يعرفه. وكره أن يسأل عنه، حتّى أدركه- يعني اللّيل- فاضطجع فرآه عليّ فعرف أنّه غريب، فلمّا رآه تبعه، فلم يسأل
__________
(1) الضّمان هنا بمعنى الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم.
(2) مؤتمن القوم: الذين يثقون إليه ويتخذونه أمينا حافظا، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم.
(3) الترمذي (207) ، وصححه ابن حبان، وقال الألباني: حديث صحيح، وانظر صحيح سنن الترمذي (170) ، وسنن أبي داود (517) وصحيح سنن أبي داود (486) واللفظ فيها واحد.
(4) الترمذي (1956) ، وقال هذا حديث حسن غريب.
(5) قيل: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية، وأمره بالعطف تعظيما لله بتقديم اسمه. وقيل إن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الرموز والإرشادات. وتأول الداني ذلك على وجوب الوقف على رشد، ثم الاستئناف بما بعد ذلك؛ وأن النهي منصب علي الوصل في مواضع الوقف- الداني: الوقف والابتداء- المقدمة ص 13.
(6) مسلم (870) .
(7) مسلم (681) .
(8) ما شفيتني فيما: كذا في جميع نسخ مسلم: فيما، بالفاء، وفي رواية البخاري: مما بالميم، وهو أجود، أي ما بلغتني غرضي، وأزلت عني هم كشف هذا الأمر.
(9) الشنة: هي القرية البالية.(2/174)
واحد منهما صاحبه عن شيء حتّى أصبح، ثمّ احتمل قريبته «1» وزاده إلى المسجد فظلّ ذلك اليوم، ولا يرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أمسى. فعاد إلى مضجعه، فمرّ به عليّ فقال: ما أنى «2» للرّجل أن يعلم منزله؟
فأقامه. فذهب به معه. ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء. حتّى إذا كان يوم الثّالث فعل مثل ذلك.
فأقامه عليّ معه، ثمّ قال له: ألا تحدّثني؟ ما الّذي أقدمك هذا البلد؟. قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنّي فعلت، ففعل. فأخبره. فقال: فإنّه حقّ، وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا أصبحت فاتّبعني، فإنّي إن رأيت شيئا أخاف عليك، قمت كأنّي أريق الماء. فإذا مضيت فاتّبعني حتّى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه «3» حتّى دخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتّى يأتيك أمري» فقال: والّذي نفسي بيده لأصرخنّ بها «4» بين ظهرانيهم «5» ، فخرج حتّى أتى المسجد. فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله ... الحديث) * «6» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم....-
الحديث وفيه- «فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له.
وقالوا: هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا. إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به، ولن نشرك بربّنا أحدا، فأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ «7» » ) * «8»
7-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ «9» ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ) * «10» .
__________
(1) قريبته: على التصغير، وفي بعض النسخ: قربته، بالتكبير، وهي الشنة المذكورة قبله.
(2) ما أنى: وفي بعض النسخ: آن، وهما لغتان، أي ما حان، وفي بعض النسخ: إما بزيادة ألف الاستفهام، وهي مرادة في الرواية الأولى، ولكن حذفت.
(3) يقفوه: أي يتبعه.
(4) لأصرخن بها: أي لأرفعن صوتي بها.
(5) بين ظهرانيهم: أي بينهم، وهو بفتح النون، ويقال: بين ظهريهم.
(6) مسلم (2474) .
(7) الجن: الآية 1.
(8) البخاري- الفتح 8 (4921) ، ومسلم (449) واللفظ له
(9) أي وإن تأمّر عليكم عبد حبشي.
(10) الترمذي (2676) ، واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وصحيح سنن الترمذي (2157) وأبو داود (4607) ، وابن ماجة في المقدمة ص (42) .(2/175)
الأحاديث الواردة في (الإرشاد) معنى
8-* (عن عبّاد بن شرحبيل، قال: أصابتني سنة فدخلت حائطا «1» من حيطان المدينة، ففركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال له: «ما علّمت إذ كان جاهلا، ولا أطعمت إذ كان جائعا» أو قال: «ساغبا» ، وأمره فردّ عليّ ثوبي، وأعطاني وسقا «2» ، أو نصف وسق من طعام) * «3» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله!. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. فذلكم الرّباط» ) * «4» .
10-* (عن أبي مسعود الأنصارىّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي «5» فاحملني. فقال: «ما عندي» ، فقال رجل: يا رسول الله. أنا أدلّه على من يحمله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» ) *» .
11-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه.
ومنّا من ينتضل «7» ومنّا من هو في جشره «8» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «9» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم ... الحديث) * «10»
12-* (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل ذا رحمك» . فلمّا أدبر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة» ) * «11» .
13-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله
__________
(1) السنة: المجاعة وأصلها الجدب. والحائط البستان.
(2) الوسق: الحمل، وقيل حمل البعير.
(3) أبو داود (2620) واللفظ له، والنسائي (8/ 240) ، وابن ماجة (2298) ، وقال محقق جامع الأصول (7/ 451) : حديث صحيح.
(4) مسلم (251) .
(5) أبدع بي: أي هلكت دابتي، وهي مركوبي.
(6) مسلم (1893) .
(7) ينتضل: من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب.
(8) في جشره: الجشر قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم، ولا يأوون إلى البيوت.
(9) الصّلاة جامعة هى بنصب الصلاة على الإغراء ونصب جامعة على الحال.
(10) مسلم (1844) .
(11) البخاري- الفتح 3 (1396) ، ومسلم (13) .(2/176)
عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار.
قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» .
ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة «1» ، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده، وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» . قلت: بلى يا نبىّ الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» ، فقلت:
يا نبىّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس فى النّار على وجوههم أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم) » ) * «2» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا «3» حتّى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟. أفشوا السّلام بينكم» ) * «4» .
15-* (عن معدان بن أبي طلحة اليعمريّ، قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت:
أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنّة. أو قال:
قلت: بأحبّ الأعمال إلى الله فسكت، ثمّ سألته، فسكت. ثم سألته الثّالثة. فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «عليك بكثرة السّجود لله، فإنّك لا تسجد لله سجدة إلّا رفعك الله بها درجة، وحطّ عنك بها خطيئة. قال معدان: ثمّ لقيت أبا الدّرداء فسألته فقال لى مثل ما قال لى ثوبان» ) * «5» .
__________
(1) الجنّة: بضم الجيم وتشديد النون- أي وقاية.
(2) الترمذي (2616) واللفظ له. وقال: حسن صحيح وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (3/ 13) . ابن ماجة (3973) . وقال الألباني في صحيح الترمذي (2110) صحيح.
(3) هكذا في صحيح مسلم بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة.
(4) مسلم (54) .
(5) مسلم (488) .(2/177)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإرشاد)
16-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مه مه «1» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه «2» ، دعوه» . فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاه فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عزّ وجلّ- والصّلاة وقراءة القرآن» . أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنّه «3» عليه) * «4» .
17-* (عن معاوية بن الحكم السّلميّ، قال:
بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمّياه، ما شأنكم تنظرون إليّ؟، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلمّا رأيتهم يصمّتونني، لكنّى سكتّ، فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني «5» ، ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» ) * «6» .
18-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوجد النّاس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم.
قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثمّ أقبل عمر فاستأذن فأذن له. فوجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه، واجما ساكتا ... الحديث وفيه «إنّ الله لم يبعثني معنّتا، ولا متعنّتا «7» ، ولكن بعثني معلّما ميسّرا» ) * «8» .
__________
(1) مه مه: كلمة زجر.
(2) لا تزرموه: أي لا تقطعوا بوله.
(3) فشنّه: أي صبّه.
(4) البخاري- الفتح 1 (219) ، ومسلم (285) ، واللفظ له.
(5) كهرني: من كهر، وكهره يكهره كهرا أي زجره واستقبله بوجه عابس، وانتهره، والكهر الانتهار.
(6) مسلم (537) .
(7) معنتا: أي مشددا على الناس وملزما إياهم ما يصعب عليهم، ولا متعنتا: أي طالبا زلتهم.
(8) مسلم (1478) .(2/178)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإرشاد)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة- وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف- قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟. فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل قال: فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير ... الحديث) * «1» .
2- روى ابن جرير الطّبريّ بسنده عن الرّبيع في قوله تعالى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ يقول:
لعلّهم يهتدون) * «2» .
3-* (قال ابن كثير عند قوله تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً أي إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ وعبد من عباد الله ليس إليّ من الأمر شيء فى هدايتكم ولا غوايتكم بل المرجع في ذلك كلّه إلى الله- عزّ وجلّ-) * «3» .
4-* (وقال عند قوله تعالى إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ، هذا هو الرّشد الّذي أوتيه من صغره، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله- عزّ وجلّ-) * «4» .
5-* (قال سعيد بن جبير فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً يعني صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم) «5» .
من فوائد (الإرشاد)
لا تخفى حاجة المجتمعات والأفراد إلى الإرشاد، والتّوجيه، والدّلالة على الخير وأبوابه وبهذا المعنى الواسع؛ فإنّ الإرشاد بمعنى الهداية والتّعليم، والوعظ، من الأمور المهمّة في الحياة. وهي تساعد على تحقيق عدّة أمور:
1- الهداية إلى أبواب الخير وفعلها.
2- يحقّق للإنسان حياة مستقرّة، ويهديه إلى الحقّ والصّواب.
3- يحقّق للمجتمع حياة فيها سعادة ورشاد.
4- يحقّق التّعلّق بأهداف الإسلام وتوجيهاته والعمل من أجلها.
5- تحقيق وتوفير الميل إلى التّعاون مع الغير من أجل الخير.
6- تحقيق وتنمية القدرة على القيادة والتّبعيّة.
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3911) .
(2) جامع البيان، 2/ 93.
(3) تفسير ابن كثير 4/ 432.
(4) السابق 3/ 182.
(5) السابق 1/ 453.(2/179)
7- تنمية روح المسئوليّة لدى الأفراد في المجتمع الإسلاميّ وتحمّلها.
8- تنمية روح احترام النّظم العامّة والعمل بموجبها بعد تعلّمها وتشرّبها.
9- تعميق الإحساس بالرّضا والشّعور بالسّعادة لدى الأفراد والمجتمعات.
10- مواجهة المشكلات الحياتيّة المتجدّدة، والعمل في ضوء مبادئ الإسلام على حلّها بالإرشاد والتّوجيه السّليمين.
11- مساعدة الأفراد على الاندماج مع الجماعة الإسلاميّة والتّكيّف مع مبادئها.
12- في الإرشاد إلى الخير تحقيق للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
13- في إرشاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخير ما يدني من الجنّة ويباعد عن النّار.
14- ينال المرشد إلى الخير مثل أجر من أرشده.
15- الإرشاد- حتّى في أمور الدّنيا- يكتب في حسنات العبد وهو في الإسلام صدقة.(2/180)
الاستئذان
الاستئذان لغة:
طلب الإذن وهو مصدر استأذن، وتدلّ المادّة الّتي أخذ منها على أمرين: الأوّل: إذن كلّ ذي إذن، والآخر: العلم والإعلام، تقول العرب: قد أذنت بهذا الأمر، أي علمت، وآذنني فلان، أعلمني، وفعله بإذني: أي بعلمي، وقال الخليل: ومن ذلك: أذن لي في كذا، ومن الباب الأذان؛ لأنّه إعلام بدخول الوقت، يقال: أذن بالشّيء إذنا وأذنا وأذانة: علم، وفي التّنزيل العزيز: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (البقرة/ 279) أي كونوا على علم، وقد آذنته بكذا أي أعلمته، واستأذنت فلانا استئذانا طلبت إذنه وأذّنت أكثرت الإعلام بالشّيء، وآذنتك بالشّيء أعلمتك به، قال الله عزّ وجلّ: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ (الأنبياء/ 109) قال الشّاعر:*
آذنتنا ببينها أسماء
ويقال: فعلت كذا وكذا بإذنه؛ أي بعلمه؛ ويكون بإذنه وبأمره، وأذن له في الشّيء إذنا، أباحه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
24/ 33/ 14
له، وأذن له عليه: أخذ له منه الإذن «1» ويأتي أذن أيضا بمعنى سمع نحو قوله تعالى وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ* (الانشقاق/ 5) ، أي استمعت، وفي الحديث: «ما أذن الله لنبيّ كأذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن» يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنّى بالقرآن أي يتلوه ويجهر به «2» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الإذن: فكّ الحجر وإطلاق التّصرّف لمن كان ممنوعا شرعا «3» .
قال التّهانويّ: فكّ الحجر أيّ حجر كان، أي سواء كان حجر الرّقّ أو الصّغر أو غيرهما والّذي فكّ منه الحجر يسمّى مأذونا، ويؤخذ من كلام التّهانويّ أنّ الإذن في كلام الجرجانيّ يراد به: الإذن عند الفقهاء «4» . أمّا الاستئذان الّذي تتعلّق به الصّفة فقد أشار ابن حجر إلى بعض أنواعه فقال في الفتح:
الاستئذان: طلب الإذن في الدّخول لمحلّ لا يملكه المستأذن «5» .
__________
* هو الحارث بن حلّزة.. والبيت مطلع معلقته.
(1) لسان العرب لابن منظور (1/ 5451) ، وانظر كذلك الصحاح للجوهري (5/ 2068، 2069) ، والتعريفات للجرجاني (16) ، ومقاييس اللغة (1/ 76) .
(2) انظر غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 140 (ط. الهند) ، وقارن ب «الغرابة في الحديث النبوي» ص 128.
(3) التعريفات للجرجاني (16) .
(4) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 134) .
(5) الفتح (11/ 3) .(2/181)
الاستئذان في القرآن الكريم:
ورد الإذن والاستئذان في القرآن الكريم في مواضع عديدة على وجوه مختلفة منها:
1- إذن المولى- سبحانه- بمعنى العلم أو الأمر ويكون ذلك للأنبياء والمؤمنين.
2- الاستئذان المطلوب شرعا وسلوكا، وهو يتعلّق بطلب إباحة شيء من الأشياء لا يملكها المستأذن.
وسنصنّف الآيات الواردة في «الإذن والاستئذان» وفقا لهذه الاستعمالات.
[للاستزادة: انظر صفات: الأدب- إفشاء السلام- التعارف- تعظيم الحرمات- الاستقامة- الحياء- الطاعة- حسن الخلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- سوء الخلق- إطلاق البصر- انتهاك الحرمات- سوء المعاملة] .(2/182)
الآيات الواردة في «الاستئذان»
أولا: الإذن من المولى- عز وجل- بأمر من الأمور:
1- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «1»
2- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) «2»
3- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) »
4- وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «4»
5- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «5»
6- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) «6»
7- وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) «7»
8- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) «8»
9- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106)
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107)
__________
(1) البقرة: 213 مدنية
(2) البقرة: 255 مدنية
(3) النساء: 64 مدنية
(4) الأعراف: 58 مكية
(5) يونس: 3 مكية
(6) يونس: 59 مكية
(7) يونس: 100 مكية
(8) الرعد: 38 مكية(2/183)
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108)
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) «1»
10-* إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) «2»
11- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «3»
12-* وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «4»
13-* وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) «5»
14- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) «6»
ثانيا: الإذن ممن يملك ذلك من الناس:
15- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «7»
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
__________
(1) طه: 105- 110 مكية
(2) الحج: 38- 39 مدنية
(3) سبأ: 22- 23 مكية
(4) الشورى: 51 مكية
(5) النجم: 26 مكية
(6) النبأ: 38 مكية
(7) النساء: 25 مدنية(2/184)
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) «1»
17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2»
ثالثا: الاستئذان المطلوب شرعا وخلقا وسلوكا:
18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) «3»
19- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «4»
رابعا: الاستئذان المذموم، وهو يتعلق بالتعلة في الجهاد:
20- فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) «5»
__________
(1) النور: 27- 29 مدنية
(2) الأحزاب: 53 مدنية
(3) النور: 58- 59 مدنية
(4) النور: 62 مدنية
(5) التوبة: 83 مدنية(2/185)
21- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) «1»
22- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «2»
23-* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) «3»
24- وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (13) «4»
__________
(1) التوبة: 86 مدنية
(2) التوبة: 90 مدنية
(3) التوبة: 93 مدنية
(4) الأحزاب: 13 مدنية(2/186)
الأحاديث الواردة في (الاستئذان)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
استأذن حسّان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هجاء المشركين، قال:
«كيف بنسبي؟» . فقال حسّان: لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ائذنوا له.
بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» . فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله: قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام! قال: «أي عائشة؛ إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» ) * «2» .
3-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «استأذن عمر بن الخطّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوته، فلمّا استأذن عمر بن الخطّاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عمر- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك- فقال: أضحك الله سنّك يا رسول الله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله.
ثمّ قال عمر: يا عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلن: نعم أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيها، يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا «3» قطّ إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «4» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دين كان على أبي، فدققت الباب فقال: «من ذا؟» فقلت: أنا. فقال:
«أنا أنا» كأنّه كرهها) * «5» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنت عليه- وهو مضطجع معي في مرطي «6» - فأذن لها. فقالت: يا رسول الله؛ إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة «7» - وأنا ساكتة- قالت: فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي بنيّة. ألست تحبّين ما أحبّ؟» فقالت: بلى.
قال: «فأحبّي هذه» . قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فرجعت إلى أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرتهنّ بالّذي قالت، وبالّذي قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولي له: إنّ
__________
(1) البخاري- لفتح 6 (3531) واللفظ له، مسلم (2489) بنحوه.
(2) البخاري- لفتح 10 (6054) واللفظ له، مسلم (2591) .
(3) الفج: الطريق الواسع بين جبلين.
(4) البخاري- لفتح 7 (3683) واللفظ له، مسلم (2396) .
(5) البخاري- لفتح 11 (6250) واللفظ له، مسلم (2155) ولفظه: استأذنت على النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «من هذا؟» فقلت: أنا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أنا» .
(6) المرط: كساء من صوف أو كتان غير مخيط.
(7) العدل في ابنة أبي قحافة: معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب.(2/187)
أزواجك ينشدنك «1» العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله لا أكلّمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وهي الّتي كانت تساميني «2» منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة «3» من حدّ»
كانت فيها. تسرع منها الفيئة «5» - قالت فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها. على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهي بها فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: يا رسول الله، إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثمّ وقعت بي «6» . فاستطالت عليّ- وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر. قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «7» حين أنحيت عليها «8» . قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: «إنّها ابنة أبي بكر» .
وقولهنّ هذا إنّما هو من باب الغيرة وإلّا فهو صلّى الله عليه وسلّم أعدل الخلق على الإطلاق) * «9» .
6-* (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» ) * «10» .
7-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» ) * «11» .
8-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «إذنك عليّ أن ترفع الحجاب وأن تستمع سوادي «12» حتّى أنهاك» ) * «13» .
9-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: اطّلع رجل من جحر في حجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مدرى «14» يحكّ به رأسه فقال: «لو أعلم أنّك تنظر لطعنت به في عينك، إنّما جعل الاستئذان من أجل البصر» ) * «15» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يوما يحدّث- وعنده رجل من أهل البادية-: «أنّ رجلا من أهل الجنّة استأذن ربّه في الزّرع فقال: أولست فيما شئت؟ قال: بلى ولكنّي أحبّ أن أزرع. فأسرع وبذر، فتبادر الطّرف نباته
__________
(1) ينشدنك: أي يسألنك.
(2) تساميني: أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة.
(3) سورة: السورة الثوران وعجلة الغضب.
(4) من حد: وهي شدة الخلق وثورانه. والمراد الحدّة.
(5) الفيئة: الرجوع.
(6) ثم وقعت بي: أي نالت مني بالوقيعة في.
(7) لم أنشبها: أي لم أمهلها.
(8) أنحيت عليها: أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة.
(9) البخاري- الفتح 5 (2581) ، مسلم (2442) واللفظ له.
(10) قال في المجمع: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير العباس بن محمد الدوري وهو ثقة (8/ 46) .
(11) البخاري- الفتح 2 (865) ، مسلم (442) واللفظ له.
(12) والسّواد: بالكسر السّرّ، يقال: ساودت الرّجل مساودة إذا ساررته.
(13) مسلم (2169) ، أحمد (1/ 388) وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 252) : صحيح، وهذا لفظه.
(14) المدرى: حديدة يسوى بها شعر الرأس وقيل: هو شبه المشط، وقيل: هو عود تسوي به المرأة شعرها.
(15) البخاري- الفتح 11 (6241) واللفظ له، مسلم (2156) .(2/188)
واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال. فيقول الله تعالى: (دونك يا ابن آدم، فإنّه لا يشبعك شيء) » فقال الأعرابيّ: يا رسول الله، لا تجد هذا إلّا قرشيّا أو أنصاريّا، فإنّهم أصحاب زرع، فأمّا نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
11-* (عن ربعيّ بن حراش قال: حدّثنا رجل من بني عامر، قال: إنّه استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل السّلام عليكم، أأدخل؟» ، فسمعه الرّجل، فقال: السّلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل) * «2» .
12-* (عن جبلة بن سحيم قال: كنّا بالمدينة في بعض أهل العراق، فأصابنا سنة، فكان ابن الزّبير يرزقنا التّمر، فكان ابن عمر- رضي الله عنهما- يمرّ بنا فيقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الإقران «3» ، إلّا أن يستأذن الرّجل منكم أخاه) * «4» .
13-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن. فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» فإذا أبو بكر. ثمّ جاء آخر يستأذن. فقال:
«ائذن له وبشّره بالجنّة» . فإذا عمر. ثمّ جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثمّ قال: «ائذن له وبشّره بالجنّة، على بلوى ستصيبه» فإذا عثمان بن عفّان) * «5» .
14-* (عن كلدة بن الحنبليّ- رضي الله عنه- أنّ: صفوان بن أميّة بعثه بلبن ولبأ وضغابيس «6» إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأعلى الوادي- قال:
فدخلت عليه ولم أسلّم ولم أستأذن. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع فقل السّلام عليكم، أأدخل؟» وذلكم بعد ما أسلم صفوان) * «7» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
جاء عمّي من الرّضاعة فاستأذن عليّ، فأبيت أن آذن له حتّى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألته عن ذلك فقال: «إنّه عمّك، فائذني له» ، فقلت: يا رسول الله إنّما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرّجل.
قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه عمّك فليلج عليك» .
قالت عائشة: وذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب. قالت عائشة: يحرم من الرّضاعة ما يحرم من الولادة) * «8»
16-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
دخلت المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس فلمّا غربت الشّمس، قال: «يا أبا ذرّ، هل تدري أين تذهب هذه؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّها تذهب تستأذن في السّجود فيؤذن لها، وكأنّها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها» ، ثمّ قرأ: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7519) .
(2) أبو داود (5177) واللفظ له، وقال الحافظ في الفتح: رواه أبو داود وابن أبي شيبة بسند جيد (11/ 5) .
(3) الإقرآن: أن يأكل تمرتين معا، وهذا النهي مخصوص بوقت الحاجة والشدة.
(4) البخاري- الفتح 5 (2455) واللفظ له. ومسلم (2045)
(5) البخاري- الفتح 7 (3695) واللفظ له. ومسلم (2403) .
(6) والضغابيس: حشيش يؤكل أو البقل.
(7) الترمذي (2710) واللفظ له وقال: حسن غريب من هذا الوجه. أبو داود (5176) وقال الألباني في صحيح أبي داود (4311) : صحيح. والبخاري في الأدب المفرد برقم (1081) .
(8) البخاري- الفتح 9 (5239) واللفظ له، مسلم (1445) .(2/189)
لَها) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد لبنا في قدح فقال: «أبا هرّ، الحق أهل الصّفّة فادعهم إليّ» قال: فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا) * «2» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له- وهو على تلك الحال- فتحدّث ثمّ استأذن عمر فأذن له- وهو كذلك- فتحدّث ثمّ استأذن عثمان فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسوّى ثيابه فدخل فتحدّث، فلمّا خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشّ له، ولم تباله، ثمّ دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله، ثمّ دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك؟ فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» ) * «3» .
19-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
كان لي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة آتيه فيها فإذا أتيته استأذنت. إن وجدته يصلّي فتنحنح دخلت، وإن وجدته فارغا أذن لي) * «4» .
20-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنّه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت. فقال: ما منعك؟ قلت:
استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت- وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» فقال: والله لتقيمنّ عليه بيّنة. أمنكم أحد سمعه من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلّا أصغر القوم- فكنت أصغر القوم- فقمت معه فأخبرت عمر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك) * «5» .
21-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجلس بين رجلين إلّا بإذنهما» ) * «6» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: «لا تنكح الأيّم «7» حتّى تستأمر، ولا تنكح البكر حتّى تستأذن» قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟
قال: «أن تسكت» ) * «8» .
23-* (عن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- أنّه استأذن وهو مستقبل الباب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«لا تستأذن وأنت مستقبل الباب»
وفي رواية قال: جئت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت فقمت مقابل الباب فاستأذنت فأشار إليّ أن تباعد. ثمّ جئت فاستأذنت فقال: «وهل الاستئذان إلّا من أجل النّظر» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7424) وهذا لفظه، مسلم (159) .
(2) البخاري- لفتح 11 (6246) .
(3) مسلم (2401) .
(4) النسائي (3/ 12) وقال في جامع الأصول: حديث حسن (6/ 587) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6245) واللفظ له مسلم (2153) .
(6) أبو داود (4844) ، الترمذي (2752) وقال مخرج صحيح الجامع 53) : إسناده حسن، وقال ابن مفلح: حسن (1/ 405) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 918) : برقم (4054) حسن.
(7) الأيم: الثيب، وتستأمر: تستشار.
(8) البخاري- الفتح 9 (5136) ، مسلم (1419) متفق عليه.
(9) ذكره في المجمع وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح (8/ 43، 44) .(2/190)
24-* (عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتّى يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يؤمّ قوما فيخصّ نفسه بدعوة دونهم حتّى ينصرف، ولا يصلّي وهو حاقن «1» حتّى يتخفّف» ) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقئوا عينه» ) * «3» .
26-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون:
أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم- ويذكر ذنبه فيستحي- ائتوا نوحا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم فيستحي- فيقول: ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه فيقول:
لست هناكم. ائتوا موسى عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر قتل النّفس بغير نفس فيستحي من ربّه- فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول:
لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي- مثله- ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة.
ثمّ أعود الرّابعة فأقول: «ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» ) *» .
الأحاديث الواردة في (الاستئذان) معنى
27-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «جاء عمر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في مشربة «5» له فقال: السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك، أيدخل عمر؟) * «6» .
__________
(1) حاقن: اسم فاعل من حقن بمعنى حبس والمراد لا يصلي: وهو محتبس البول.
(2) أبو داود (90) ، والترمذي (357) وقال: حسن، أحمد (5/ 280) ، البخاري في الأدب المفرد برقم (1098) واللفظ له وفيه قال أبو عبد الله البخاري: أصح ما يروى في هذا الباب هذا الحديث، وذكره في الترغيب والترهيب وعزاه أيضا لابن ماجة (3/ 437) ، وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن بشواهده (5/ 597) .
(3) البخاري- الفتح 12 (6888) ، مسلم (2158) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له، مسلم (193) .
(5) المشربة: الغرفة.
(6) أحمد (4/ 267) واللفظ له، نسخة شاكر وقال: إسناده صحيح، قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8/ 44) .(2/191)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستئذان)
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استأذنت ربّي أن أستغفر لأمّي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي» ) * «1» .
29-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: إنّ جارا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارسيّا كان طيّب المرق. فصنع «2» لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ جاء يدعوه. فقال: «وهذه» لعائشة؟. فقال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . فعاد يدعوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وهذه؟» قال: لا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . ثمّ عاد يدعوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وهذه؟» . قال: نعم في الثّالثة. فقاما يتدافعان حتّى أتيا منزله) * «3» .
30-* (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى بابا يريد يستأذن لم يستقبله، جاء يمينا وشمالا، فإن أذن له وإلّا انصرف) * «4» .
31-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال:
إنّ رجلا من الأنصار يقال له أبو شعيب كان له غلام لحّام، فقال له أبو شعيب: اصنع لي طعام خمسة لعلّي أدعو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خامس خمسة- وأبصر في وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجوع- فدعاه، فتبعهم رجل لم يدع، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا قد اتّبعنا، أتأذن له؟» قال: نعم) * «5» .
32-* (عن قيس بن سعد، يعني ابن عبادة رضي الله عنهما- قال: زارنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منزلنا فقال: «السّلام عليكم ورحمة الله» فردّ سعد ردّا خفيّا. قال قيس: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فقال: ذره يكثر علينا من السّلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام عليكم ورحمة الله» فردّ سعد ردّا خفيّا.
ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام عليكم ورحمة الله» .
ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتّبعه سعد فقال: يا رسول الله إنّي كنت أسمع تسليمك وأردّ عليك ردّا خفيّا لتكثر علينا من السّلام. قال فانصرف معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثمّ ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها، ثمّ رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه وهو يقول: «اللهمّ اجعل صلواتك ورحمتك عليآل سعد بن عبادة» . قال: ثمّ أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الطّعام، فلمّا أراد الانصراف قرّب له سعد حمارا قد وطّأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال سعد: يا قيس؛ اصحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال قيس:
فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اركب» ، فأبيت، ثمّ قال: «إمّا أن تركب وإمّا أن تنصرف» . قال: فانصرفت) * «6» .
33-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
لمّا ثقل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه في أن
__________
(1) مسلم (976) .
(2) فصنع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أقام له مأدبة طعام.
(3) مسلم (2037) .
(4) أبو داود (5186) وفيه زيادة قوله: ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور، الأدب المفرد للبخاري برقم (1082) واللفظ له، أحمد (4/ 189)
(5) البخاري- الفتح 5 (2456) واللفظ له، مسلم (2036) .
(6) أبو داود (5185) ، البزار (2/ 420) كما في كشف الأستار، وقال ابن كثير: قد روي هذا من وجوه أخر فهو حديث جيد قوي والله أعلم (3/ 279) . وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة مسندا ومرسلا، أحاديث (324- 327) .(2/192)
يمرّض «1» في بيتي، فأذنّ له، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين عبّاس ورجل آخر، وكانت عائشة- رضي الله عنها- تحدّث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال بعد ما دخل بيته واشتدّ وجعه: «هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهنّ «2» ، لعلّي أعهد إلى النّاس» .
وأجلس في مخضب لحفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ طفقنا نصبّ عليه تلك حتّى طفق يشير إلينا أن قد فعلتنّ.
ثمّ خرج إلى النّاس) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستئذان)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«من ملأ عينه من قاعة بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق» ) * «4» .
2-* (قال أبو سويد العبديّ: أتينا ابن عمر فجلسنا ببابه ليؤذن لنا فأبطأ علينا الإذن فقمت إلى جحر في الباب فجعلت أطّلع فيه ففطن بي، فلمّا أذن لنا جلسنا فقال: أيّكم اطّلع آنفا في داري؟ قلت: أنا.
قال: بأيّ شيء استحللت أن تطّلع في داري؟ قلت:
أبطأت علينا فنظرت، فلم أتعمّد ذلك) * «5» .
3-* (قال عبد الله بن مسعود لرجل سأله:
«أيستأذن على أمّه؟ قال: ما على كلّ أحيانها تحبّ أن تراها) * «6» .
4-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: في معنى قوله تعالى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... (النور/ 58) : «إنّ الله حكيم رءوف بالمؤمنين يحبّ التّستّر، وكان النّاس ليس لبيوتهم ستور، فربّما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرّجل والرّجل على أهله، فأمر الله بالاستئذان في تلك العورات» ) * «7» .
5-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه- فيمن يستأذن قبل أن يسلّم، قال: «لا يؤذن له حتّى يبدأ بالسّلام» ) * «8» .
6-* (قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- «يستأذن الرّجل على ولده وأمّه- وإن كانت عجوزا. وأخيه وأخته وأبيه» ) * «9» .
7-* (قال أبو موسى- رضي الله عنه- «إذا دخل أحدكم على والدته فليستأذن» ) * «10» .
8-* (قالت زينب الثّقفيّة، امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما-: «كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منّا على أمر يكرهه» «11» .
__________
(1) يمرّض: أي يعالج مرضه ويقاوم ليشفى، ومصدره التمريض.
(2) أوكيتهنّ: الوكاء هو ما يربط به فم قربة الماء من حبل وسيور وخلافه.
(3) البخاري- لفتح 1 (198) واللفظ له، مسلم (418) .
(4) الأدب المفرد للبخاري برقم (921) .
(5) مجمع الزوائد (8/ 44) .
(6) الأدب المفرد للبخاري حديث (1063) وقال المعلق: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. انظر (ص 365) منه.
(7) الآداب الشرعية (1/ 393) .
(8) الأدب المفرد للبخاري برقم (1070) ، وقال: لا يؤذن له حتى يأتي بالمفتاح السلام. منه برقم (1067) .
(9) الأدب المفرد للبخاري برقم (1066) وقال المعلق: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. انظر ص 365 منه.
(10) الآداب الشرعية (1/ 391) .
(11) ابن كثير في التفسير (3/ 280) وقال: إسناده صحيح.(2/193)
وقال أبو عبيدة: كان عبد الله- يعني ابن مسعود- رضي الله عنه- إذا دخل الدّار استأنس «تكلّم ورفع صوته» ) * «1» .
9-* (قال عطاء: قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أستأذن على أختي؟ فقال: نعم. فأعدت فقلت: أختان في حجري- وأنا أمونهما «2» وأنفق عليهما- أستأذن عليهما؟ قال: نعم. أتحبّ أن تراهما عريانتين؟ ثمّ قرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ (النور/ 58) . قال: فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلّا في هذه العورات الثّلاث. قال: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور/ 59) . قال ابن عبّاس: فالإذن واجب، زاد ابن جريج: على النّاس كلّهم» ) * «3» .
10-* (قال موسى بن طلحة- يعني ابن عبيد الله-: «دخلت مع أبي على أمّي فدخل فاتّبعته، فالتفت فدفع في صدري حتّى أقعدني على استي ثمّ قال: أتدخل بغير إذن» ) * «4» .
11-* (قال قتادة في معنى حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا: «هو الاستئذان ثلاثا فمن لم يؤذن له فليرجع. أمّا الأولى: فليسمع الحيّ، وأمّا الثّانية فليأخذوا حذرهم، وأمّا الثّالثة: فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا، ولا تقفنّ على باب قوم ردّوك عن بابهم.
فإنّ للنّاس حاجات ولهم أشغال والله أولى بالعذر» ) * «5» .
12-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: «قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كلّه هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط» ) * «6» .
13-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها (النور/ 27- 29) : «هذه آداب شرعيّة أدّب الله بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان، أمرهم ألّا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتّى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدّخول ويسلّموا بعده، وينبغي أن يستأذن ثلاث مرّات فإن أذن له وإلّا انصرف. وينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه وليكن الباب عن يمينه أو يساره، ولا يقول المستأذن: أنا. إذا قيل من؟ لأنّ هذا مكروه، وإنّما كره ذلك لأنّ هذه اللّفظة لا يعرف صاحبها حتّى يفصح باسمه أو كنيته الّتي هو مشهور بها، وإلّا فكلّ أحد يعبّر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان الّذي هو الاستئناس المأمور به في الآية» ) * «7» .
__________
(1) ابن كثير في التفسير (3/ 280) .
(2) أمونهما: أي احتمل نفقتهما.
(3) الأدب المفرد للبخاري برقم (1067) وقال معلقه: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. انظره ص 365 منه.
(4) البخاري في الأدب المفرد برقم (1061) ، وقال المعلق: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح، انظره (ص 365) منه.
(5) تفسير ابن كثير (3/ 281) .
(6) تفسير ابن كثير (3/ 281) .
(7) تفسير ابن كثير بتصرف يسير (279) .(2/194)
14-* (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-:
«اعلم أنّ المستأذن إن تحقّق أنّ أهل البيت سمعوه لزمه الانصراف بعد الثّالثة؛ لأنّهم لمّا سمعوه، ولم يأذنوا له دلّ ذلك على عدم الإذن، وقد بيّنت السّنّة الصّحيحة عدم الزّيادة على الثّلاث، خلافا لمن قال من أهل العلم: إنّ له أن يزيد على الثّلاث مطلقا، وكذلك إذا لم يدر هل سمعوه أو لا؛ فإنّه يلزمه الانصراف بعد الثّالثة. ثمّ قال: والّذي يظهر لنا رجحانه من الأدلّة، أنّه إن علم أنّ أهل البيت لم يسمعوا استئذانه لا يزيد على الثّالثة بل ينصرف بعدها لعموم الأدلّة، وعدم تقييد شيء منها بكونهم لم يسمعوا خلافا لمن قال: له الزّيادة، ومن فصّل في ذلك، قال: والصّواب- إن شاء الله تعالى- هو ما قدّمنا من عدم الزّيادة على الثّلاث؛ لأنّه ظاهر النّصوص ولا يجوز العدول عن ظاهر النّصّ إلّا بدليل يجب الرّجوع إليه» ) * «1» .
من فوائد (الاستئذان)
(1) يتيح للإنسان أن يتصرّف في بيته كما يشاء بما يرضي الله فيأذن لمن يريد ويردّ من يريد بغير حرج.
(2) سدّ الذّرائع إذ إنّ عدم الاستئذان يستلزم وقوع النّظر على ما لا يحلّ، وقد يكون هذا سببا لفتنة بعد ذلك.
(3) الاستئذان يرفع الحرج عن المستأذن والمستأذن عليه.
(4) الاستئذان يشيع جوّ الأمان في المجتمع فيأمن كلّ عدم اقتحام البيت إلّا بإذنه.
(5) تؤدّي فضيلة الاستئذان إلى الغبطة والسّرور.
(6) الاستئذان يؤدّي إلى الأنس وإزالة الرّهبة والخوف.
(7) الاستئذان يتيح الفرصة لصاحب البيت بأن يداري عوراته وكلّ ما يكره.
(8) بالاستئذان ترضى النّفوس ولا ينزل بها الغضب وتحفظ الحرمات.
__________
(1) أضواء البيان (6/ 175- 176) .(2/195)
الاستخارة
الاستخارة لغة:
الاستخارة: مصدر استخار. وهي من مادّة (خ ي ر) الّتي تدلّ على العطف والميل، فالخير خلاف الشرّ، لأنّ كلّ أحد يميل إليه ويعطف على صاحبه، والخيرة: الخيار، والاستخارة أن تسأل خير الأمرين لك، وتدلّ الاستخارة أيضا على الاستعطاف، والأصل في ذلك استخارة الضّبع، وهو أن تجعل خشبة في ثقبة بيتها حتّى تخرج من مكان إلى آخر، ثمّ استعملت الاستخارة في طلب الخيرة في الشّيء وهو استفعال منه. وتقول: خار الله لك: أي أعطاك ما هو خير لك، وجعل لك فيه الخيرة، وخار الله له: أعطاه ما هو خير له.
واستخار الله: طلب منه الخيرة، وخيّرته بين الشّيئين: أي فوّضت إليه الخيار.
ويقال: استخر الله يخر لك، والله يخير للعبد إذا استخاره.
وأمّا قولك: استخار المنزل: أي استنظفه، واستخار الرّجل: أي استعطفه ودعاه إليه، وفي الحديث: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، الخيار الاسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين: إمّا إمضاء البيع أو
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
1/ 7 فسخه، أمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «تخيّروا لنطفكم» فمعناه اطلبوا ما هو خير المناكح وأزكاها «1» .
واصطلاحا:
الاستخارة: طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما «2» .
وصلاة الاستخارة: هي أن يصلّي المرء ركعتين من غير الفريضة في أيّ وقت من اللّيل أو النّهار يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة، ثمّ يحمد الله ويصلّى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يدعو بالدّعاء الّذى رواه البخاريّ من حديث جابر- رضي الله عنه- (انظر الحديث الأوّل فيما يلى من أحاديث الاستخارة) «3» .
ضرورة الالتزام بالوارد في الاستخارة:
قال أبو عبد الله محمّدّ بن محمّد بن الحاجّ- رحمه الله تعالى-: على المرء أن يحذر ممّا يفعله بعض النّاس، ممّن لا علم عنده، أو عنده علم وليس عنده معرفة بحكمة الشّرع الشّريف في ألفاظه الجامعة للأسرار العليّة، لأنّ بعضهم يختارون لأنفسهم استخارة غير الواردة. وهذا فيه ما فيه من اختيار المرء لنفسه غير ما اختاره له من هو أرحم به وأشفق عليه من نفسه ووالديه، العالم بمصالح الأمور المرشد لما فيه الخير
__________
(1) لسان العرب (3/ 1298- 1300) ، الصحاح (2/ 651 652) ، والمختار منه (195) ، وفتح الباري (11/ 183) ، ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس (2/ 232) .
(2) فتح الباري (11/ 187) .
(3) فقه السنة (1/ 211) .(2/196)
والنّجح والفلاح صلوات الله وسلامه عليه.
وبعضهم يستخير الاستخارة الشّرعيّة ويتوقّف بعدها حتّى يرى مناما يفهم منه فعل ما استخار فيه أو تركه أو يراه غيره. وهذا ليس بشيء، لأنّ صاحب العصمة صلّى الله عليه وسلّم أمر بالاستخارة والاستشارة لا بما يرى في المنام، ولا يضيف إليها شيئا، ويا سبحان الله! إنّ صاحب الشّرع صلوات الله وسلامه عليه قد اختار لنا ألفاظا منتقاة جامعة لخيري الدّنيا والآخرة، حتّى قال الرّاوي للحديث في صفتها على سبيل التّخصيص، والحضّ على التّمسّك بألفاظها وعدم العدول إلى غيرها:
(كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّمنا السّورة من القرآن) ومعلوم أنّ القرآن لا يجوز أن يغيّر أو يزاد فيه أو ينقص منه، ثمّ انظر إلى حكمة أمره عليه الصّلاة والسّلام المكلّف بأن يركع ركعتين من غير الفريضة، وما ذاك إلّا لأنّ صاحب الاستخارة يريد أن يطلب من الله تعالى قضاء حاجته، وقد قضت الحكمة أنّ من الأدب قرع باب من تريد حاجتك منه، وقرع باب المولى- سبحانه وتعالى- إنّما هو بالصّلاة، فلمّا أن فرغ من تحصيل فضائل الصّلاة الجمّة أمره صاحب الشّرع عليه الصّلاة والسّلام بالدّعاء الوارد.
فضل صلاة الاستخارة:
ولو لم يكن فيها من الخير والبركة إلّا أنّ من فعلها كان ممتثلا للسّنّة المطهّرة محصّلا لبركتها، ثمّ مع ذلك تحصل له بركة النّطق بتلك الألفاظ الّتي تربو على كلّ خير يطلبه الإنسان لنفسه ويختاره لها. فيا سعادة من رزق هذا الحال، وينبغي للمرء أن لا يفعلها إلّا بعد أن يتمثّل ما ورد من السّنّة في أمر الدّعاء، وهو أن يبدأ أوّلا بالثّناء على الله- سبحانه وتعالى- ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأخذ في دعاء الاستخارة الوارد ثمّ يختمه بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ الأفضل أن يجمع بين الاستخارة والاستشارة؛ فإنّ ذلك من كمال الامتثال للسّنّة، وقد قال بعض السّلف: من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما ضلّ. فعلى هذا، فمن ترك الاستخارة والاستشارة يخاف عليه من التّعب فيما أخذ بسبيله لدخوله في الأشياء بنفسه دون الامتثال للسّنّة المطهّرة وما أحكمته في ذلك.
قال النّوويّ: وينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، ولا يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا، وإلّا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التّبرّي من العلم والقدرة وإثباتها لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرّأ من الحول والقوّة ومن اختياره لنفسه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- الاستعاذة- الإنابة- التوكل- الدعاء- الذكر- القنوت- الضراعة والتضرع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الأمن من المكر- الكبر والعجب] .
__________
(1) بتصرف يسير من كتاب المدخل (4/ 36- 44) . وفقه السنة للشيخ سيد سابق (1/ 211- 212) .(2/197)
الأحاديث الواردة في (الاستخارة)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كالسّورة من القرآن يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ يقول: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ، إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال فى عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّيني به، ويسمّي حاجته» ) *» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الاستخارة)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «لمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان بالمدينة رجل يلحد «2» وآخر يضرح «3» فقالوا: نستخير ربّنا، ونبعث إليهما فأيّهما سبق تركناه. فأرسل إليهما فسبق صاحب اللّحد، فلحدوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» .
2-* (عن عطاء- رحمه الله- قال: لمّا احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشّام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزّبير. حتّى قدم النّاس الموسم. يريد أن يجرّئهم (أو يحرّبهم «5» ) على أهل الشّام. فلمّا صدر النّاس قال: يا أيّها النّاس، أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثمّ أبني بناءها. أو أصلح ما وهى «6» منها؟ قال ابن عبّاس: فإنّي قد فرق «7» لي رأي فيها. أرى أن تصلح ما وهى منها. وتدع بيتا أسلم النّاس عليه. وأحجارا أسلم النّاس عليها، وبعث عليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال ابن الزّبير: لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتّى يجدّه «8» . فكيف بيت ربّكم؟ إنّي مستخير ربّي ثلاثا. ثمّ عازم على أمري. فلمّا مضى الثّلاث، أجمع رأيه على أن ينقضها.
__________
(1) البخاري الفتح 11 (6382) .
(2) يلحد: أي يجعل للميت لحدا وهو الشق يكون في عرض القبر.
(3) يضرح: أي يدفن بلا لحد.
(4) ابن ماجه (1557) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، أحمد (3/ 139) .
(5) أو يحرّبهم: قيل يغيظهم بما يرونه قد فعل بالبيت، وقيل: يحملهم على الحرب ويحرضهم عليها، وروى الحديث أيضا بلفظ يحزبهم بالزاي- أي يشد قوتهم ويميلهم إليه ويجعلهم حزبا له.
(6) ما وهى من الكعبة: أي ما تهدّم منها.
(7) فرق له رأي: أي بدا له وظهر.
(8) يجده: أي يجعله جديدا.(2/198)
فتحاماه النّاس أن ينزل بأوّل النّاس يصعد فيه أمر من السّماء. حتّى صعده رجل فألقى منه حجارة. فلمّا لم يره النّاس أصابه شيء تتابعوا. فنقضوه حتّى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزّبير أعمدة. فستّر عليها السّتور. حتّى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزّبير: إنّي سمعت عائشة تقول: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لولا أنّ النّاس حديث عهدهم بكفر. وليس عندي من النّفقة ما يقوّي على بنائه- لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابا يدخل النّاس منه، وبابا يخرجون منه» . قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق. ولست أخاف النّاس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر.
حتّى أبدى أسّا «1» نظر النّاس إليه. فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا. فلمّا زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلمّا قتل ابن الزّبير كتب الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أنّ ابن الزّبير قد وضع البناء على أسّ نظر إليه العدول من أهل مكّة. فكتب إليه عبد الملك:
إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزّبير «2» في شيء. أمّا ما زاد في طوله فأقرّه، وأمّا ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه.
وسدّ الباب الّذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه) * «3» .
3-* (قال ابن أبي جمرة- رحمه الله تعالى-:
«الاستخارة في الأمور المباحة وفي المستحبّات إذا تعارضا في البدء بأحدهما، أمّا الواجبات وأصل المستحبّات والمحرّمات والمكروهات كلّ ذلك لا يستخار فيه» ) * «4» .
4-* (وقال أيضا: «الحكمة في تقديم الصّلاة على دعاء الاستخارة: أنّ المراد حصول الجمع بين خيري الدّنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجع من الصّلاة لما فيها من تعظيم الله والثّناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا» ) * «5» .
5-* (قال الطّيبيّ- رحمه الله تعالى-: «سياق حديث جابر في الاستخارة يدلّ على الاعتناء التّامّ بها» ) * «6» .
6-* (قال بعض أهل العلم: «من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب» ) * «7» .
7-* (قال بعض الأدباء: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار» ) * «8» .
__________
(1) حتى أبدى أسا: أي حفر من أرض الحجر ذلك المقدار إلى أن بلغ أساس البيت الذي أسس عليه إبراهيم عليه السلام حتى أرى الناس أساسه. فنظروا إليه فبنى البناء عليه.
(2) إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير: يريد بذلك سبه وعيب فعله يقال: لطخته، أي رميته بأمر قبيح. يعني إنا برآء مما لوثه بما اعتمده من هدم الكعبة.
(3) مسلم (1333) .
(4) الفتح (11/ 188) بتصرف.
(5) المرجع السابق (11/ 189) بتصرف.
(6) المرجع السابق (11/ 188) بتصرف.
(7) إحياء علوم الدين (1/ 206) .
(8) أدب الدنيا والدين (309) .(2/199)
من فوائد (الاستخارة)
(1) دليل على تعلّق قلب المؤمن بالله- عزّ وجلّ- في سائر أحواله.
(2) الرّضا بما قسم الله للإنسان وقدّر.
(3) من أسباب السّعادة في الدّنيا والآخرة.
(4) راحة الإنسان حيث يسعى بما تيسّر له من الأسباب بعد أن يطلب الخير من الله وحيثما رضي وقنع فارتاح.
(5) الحاجة إليها ملحّة في كلّ أمر صغير أو كبير.
(6) الاستخارة ترفع الرّوح المعنويّة للمستخير فتجعله واثقا من نصر الله له.
(7) الاستخارة تزيد ثواب المرء وتقرّبه من ربّه وذلك لما يصحبها من الصّلاة والدّعاء.
(8) الاستخارة دليل على ثقة الإنسان في ربّه ووسيلة للقرب منه.
(9) المستخير لا يخيب مسعاه وإنّما يمنح الخيرة ويبعد عن النّدم.
(10) في الاستخارة تعظيم لله وثناء عليه.
(11) في الاستخارة مخرج من الحيرة والشّكّ وهي مدعاة للطّمأنينة وراحة البال.
(12) في الاستخارة امتثال للسّنّة المطهّرة وتحصيل لبركتها.(2/200)
الاستعاذة
الاستعاذة لغة:
الاستعاذة مصدر استعاذ وهي من مادّة (ع وذ) الّتي تدلّ على الالتجاء إلى الشّيء ثمّ يحمل على ذلك كلّ شيء لصق بشيء أو لازمه. قال الخليل:
تقول أعوذ بالله جلّ ثناؤه أي ألجأ إليه تبارك وتعالى عوذا وعياذا، ويقال فلان عياذ لك أي ملجأ، ومن هذا قولهم: عاذ به يعوذ عوذا وعياذا ومعاذا: لاذ به ولجأ إليه واعتصم. ومعاذ الله أي عياذا بالله. قال الله تعالى: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ (يوسف/ 79) أي نعوذ بالله معاذا أن نأخذ غير الجاني بجنايته، وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه تزوّج امرأة من العرب فلمّا أدخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ فالحقي بأهلك.
والمعاذ في هذا الحديث: الّذي يعاذ به. والمعاذ: المصدر والمكان والزّمان. أي قد لجأت إلى ملجأ ولذت بملاذ. والله- عزّ وجلّ- معاذ من عاذ به وملجأ من لجأ إليه، والملاذ مثل المعاذ، وهو عياذي أي ملجئي.
وعذت بفلان واستعذت به، أي لجأت إليه. وفي التنزيل: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (النحل/ 98) معناه إذا أردت قراءة القرآن فقل: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ووسوسته.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
15/ 96/ 14
والعوذة والمعاذة والتّعويذة: الرّقية يرقى بها الإنسان من فزع أو جنون لأنّه يعاذ بها. وقد عوّذه، يقال: عوّذت فلانا بالله وأسمائه وبالمعوّذتين إذا قلت أعيذك بالله وأسمائه من كلّ ذي شرّ وكلّ داء وحاسد وعين.
والمعوّذتان، بكسر الواو: سورة الفلق وتاليتها؛ لأنّ مبدأ كلّ واحدة منهما «قل أعوذ» . وأمّا التّعاويذ الّتي تكتب وتعلّق على الإنسان من العين فقد نهي عن تعليقها، وهي تسمّى المعاذات أيضا «1» .
وقال القرطبيّ: الاستعاذة في كلام العرب:
الاستجارة والتّحيّز إلى الشّيء على معنى الامتناع به من المكروه، يقال عذت بفلان واستعذت به؛ أي لجأت إليه، وهي عياذي أي ملجئي «2» .
وقال ابن القيّم: لفظ عاذ وما تصرّف منه يدلّ على التّحرّز والتّحصّن والنّجاة، وفي أصله قولان:
أحدهما أنّه مأخوذ من السّتر، والثّاني أنه مأخوذ من المجاورة والالتصاق، ومن الأوّل قولهم للبيت الّذي في أصل الشّجرة «عوّذ» لأنّه عاذ بالشّجرة واستتر بأصلها، وكذلك العائذ قد استتر من عدوّه بمن استعاذ به منه، ومن المعنى الثّاني قولهم للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص منه «عوذ» لأنّه استمسك به واعتصم، وفي المثل أطيب اللّحم عوذه (وهو ما
__________
(1) الصحاح للجوهري (2/ 567) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 318) ، ولسان العرب (4/ 3162) ، ومقاييس اللغة (4/ 183) .
(2) الجامع لأحكام القرآن (1/ 64) .(2/201)
التصق منه بالعظم) ، وكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه، والقولان حقّ، والاستعاذة تنتظمهما جميعا، لأنّ المستعيذ مستتر بمعاذه مستمسك به «1» .
الاستعاذة اصطلاحا:
هي اللّجوء إلى الله- عزّ وجلّ- والاعتصام به من شرّ كلّ ذي شرّ «2» .
والاستعاذة تتضمّن مستعاذا به ومستعاذا منه وصيغة، وسنتناول ذلك بإيجاز- فيما يلي:-
المستعاذ به:
ويسمّى المعاذ والمستعاذ، وهو الله وحده، ولا تنبغي الاستعاذة إلّا به جلّ وعلا وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكلماته التّامة، «ولا يستعاذ بأحد من خلقه، وقد أخبر سبحانه عمّن استعاذ بخلقه أنّ استعاذته زادته طغيانا ورهقا «3» . قال تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (الجن/ 6) يقول ابن كثير فى تفسيرها: كنّا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري كما كانت عادة العرب في جاهليّتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ أن يصيبهم بشيء يسوءهم. فلما رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم خوفا وإرهابا وذعرا حتّى يبقوا أشدّ منهم مخافة وأكثر تعوّذا» «4» .
المستعاذ منه:
المستعاذ منه هو كلّ ما يصيب الإنسان من الشّرّ، وقد لخّص ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أنواع هذا الشّرّ فقال: الشّرّ الذي يصيب الإنسان لا يخلو من قسمين: إمّا ذنوب وقعت منه، وهذا راجع إلى الإنسان نفسه، وإمّا شرّ يقع بالإنسان من غيره، وذلك الغير إمّا مكلّف أو غير مكلّف، والمكلّف إمّا نظيره وهو الإنسان، أو ليس نظيره وهو الجنّيّ، وغير المكلّف مثل الهوامّ وذوات الحمة «5» ونحوها. وقد تضمّنت المعوّذتان «6» الاستعاذة من هذه الشّرور، ففي سورة الفلق الاستعاذة من:
1- شرّ المخلوقات الّتي لها شرّ عموما.
2- شرّ الغاسق إذا وقب (أي اللّيل إذا دخل وأقبل) .
3- شرّ النّفّاثات في العقد.
4- شرّ الحاسد إذا حسد «7» .
أمّا سورة النّاس فقد تضمنت الاستعاذة من الشّرّ الّذي هو سبب ظلم العبد نفسه (أي الشّرّ الدّاخليّ) وهو الوسوسة النّاجمة عن الشّيطان، وهو شرّ داخل تحت التّكليف ويتعلق به النّهي، وهو شرّ المعائب، أمّا الّذي في سورة الفلق فهو شرّ المصائب، والشّرّ كلّه يرجع إمّا إلى المعائب وإمّا إلى المصائب، والوسواس هو الشّيطان نفسه، وقد جاء وصفه
__________
(1) التفسير القيم ص 538- 539 بتصرف واختصار.
(2) قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ يرحمه الله (55) .
(3) التفسير القيم ص 542.
(4) تفسير ابن كثير 4/ 547، وانظر أيضا التفسير القيم في الموضع السابق.
(5) ذوات الحمة: كل ما يلدغ من العقارب والحيّات ونحوها.
(6) المعوذتان هما سورتا الفلق والناس.
(7) التفسير القيم ص 543، 544.(2/202)
بالخنّاس «1» لأنّه كلّما ذكر الله انخنس، أي توارى واختفى، ثم إذا غفل الإنسان عاوده بالوسوسة «2» .
وقد وردت الاستعاذة في القرآن الكريم من الجهل (انظر الآيات 8، 9) ، ومن الفحش (الآية 10، 12) ومن الظّلم (آية 11) ، ومن المتكبّرين الكافرين (آية 13) ، ومن الرّجم (آية 14) ، أمّا في الحديث الشّريف، فقد وردت الاستعاذة من شرّ السّمع والبصر واللّسان والقلب والفرج (حديث 3) ومن الشّرّ كلّه عاجله وآجله (حديث 7، 17) ، ومن عذاب القبر وعذاب جهنّم ومن فتنة المحيا وفتنة الممات وفتنة المسيح الدّجّال (حديث 14) ومن شرّ المرأة والخادم (حديث 16) ، وشرّ الرّياح وما أرسلت به (حديث 17) ، ومن جار السّوء في دار المقام (حديث 24) ومن ضيق المقام يوم القيامة من شرّ ما عمل الإنسان (من الذّنوب والمعاصي) (حديث 29، 31) ، ومن سخط الله وعقوبته (حديث 32) ، ومن الهمّ والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وثقل الدّين وغلبة الرّجال (حديث 33) ، ومن زوال النّعمة وتحوّل العافية (حديث 40) ، وشرّ النّفس والشّيطان (حديث 46، 47) .
حكم الاستعاذة وصيغتها:
الاستعاذة عند قراءة القرآن مطلوبة، والجمهور على أنّها مندوبة، وذكر عن عطاء أنّها واجبة «3» . أمّا صغتها فقد اختار الجمهور أن يقول القارىء: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، وعلّة اختيار ذلك ما وقع في النّصّ بلفظ الأمر الّذي معناه التّرغيب، وذلك في قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (النحل/ 98) ، فحضّنا الله على قول «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» عند القراءة وعلينا امتثال هذا الّذي رغّبنا فيه عند افتتاحها «4» .
وقال ابن الباذش: والّذي صار إليه معظم أهل الأداء «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» لما روى عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وجبير بن مطعم- رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استعاذ عند القراءة بهذا اللّفظ بعينه، وجاء تصديقه في التّنزيل «5» .
أمّا الاستعاذة في المواطن الأخرى فحكمها النّدب أيضا «6» ، ولها صيغ عديدة جاءت بها الآيات مثل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، ... بِرَبِّ النَّاسِ، والأحاديث مثل: «اللهمّ إنّي أعوذ بك، أعوذ بالله وقدرته، أعوذ بكلمات الله التّامّات، اللهمّ أعوذ برضاك ... ، اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وربّ إسرافيل أعوذ بك من كذا» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- الاستغاثة- الاستخارة- الابتهال- التوكل- الدعاء الضراعة والتضرع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغي والإغواء الفتنة- الغرور- الغفلة- الكبر والعجب] .
__________
(1) الخنّاس، مأخوذ من خنس ومعناها الاختفاء بعد الظهور، وقيل: الرجوع إلى الوراء والخنّاس مأخوذ من هذين المعنيين لأن العبد إذا غفل عن ذكر الله تعالى جثم على قلبه الشيطان وبذر فيه الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، فإذا ذكر العبد ربه، واستعاذ به انخنس وانقبض وولّى هاربا لأنه جبان وضعيف يهرب عند ذكر الله تعالى. التفسير القيم لابن القيم ص 606.
(2) المرجع السابق ص 607.
(3) البحر المحيط 5/ 517.
(4) كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 9.
(5) كتاب الاقناع في القراءات السبع 1/ 151.
(6) تفسير القرطبي 1/ 88.(2/203)
الآيات الواردة في «الاستعاذة»
أولا: المستعاذ منه هو الشيطان:
1- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ
(36) «1»
2- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) »
3- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) «3»
4- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «5»
6- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) «6»
7- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
مَلِكِ النَّاسِ (2)
إِلهِ النَّاسِ (3)
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «7»
ثانيا: المستعاذ منه هو الجهل أو الظلم أو الظالمين أو الشر عموما:
8- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) «8»
9- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45)
قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46)
__________
(1) آل عمران: 35- 36 مدنية
(2) الأعراف: 200 مكية
(3) النحل: 98 مكية
(4) المؤمنون: 97- 98 مكية
(5) غافر: 56 مكية
(6) فصّلت: 36 مكية
(7) الناس: 1- 6 مكية
(8) البقرة: 67 مدنية(2/204)
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «1»
10- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) «2»
11- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)
قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) «3»
12- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
(16)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
(17)
قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
(18) «4»
13- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «5»
14-* وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) «6»
15- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2)
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «7»
__________
(1) هود: 45- 47 مكية
(2) يوسف: 23 مكية
(3) يوسف: 78- 79 مكية
(4) مريم: 16- 18 مكية
(5) غافر: 27 مكية
(6) الدخان: 17- 20 مكية
(7) الفلق: 1- 5 مكية(2/205)
الأحاديث الواردة في (الاستعاذة)
1-* (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتّى انتفخ وجهه وتغيّر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد» . فانطلق إليه الرّجل فأخبره بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال: تعوّذ بالله من الشّيطان. فقال: أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب) * «1» .
2-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني سورة هود. أقرئني سورة يوسف. فقال: «لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله- عزّ وجلّ- من قل أعوذ بربّ الفلق» ) * «2» .
3-* (عن شكل بن حميد قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، علّمني تعوّذا أتعوّذ به قال: فأخذ بكتفي فقال: «قل: اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ سمعي، ومن شرّ بصري، ومن شرّ لساني، ومن شرّ قلبي، ومن شرّ منيّي» يعني فرجه) * «3» .
4-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول:
اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء «4» لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي. اغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» قال: «ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «5» .
5-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة من العرب. فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها. فأرسل إليها. فقدمت، فنزلت في أجم «6» بني ساعدة. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءها. فدخل عليها. فإذا امرأة منكّسة رأسها. فلمّا كلّمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أعوذ بالله منك. قال: «قد أعذتك منّي» فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت:
__________
(1) (1) البخاري- الفتح 10 (6048) واللفظ له، ومسلم (2610) .
(2) النسائي (8/ 254) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (4/ 479) ، قد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 572- 573) طرقا كثيرة لهذا الحديث ختمها بقوله: فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث.
(3) الترمذي (3492) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وأبو داود (1551) ، والنسائي (8/ 255) ، والحاكم في المستدرك (1/ 532- 533) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وهو في الصحيحة (1542) .
(4) أبوء: أي أعترف وأقر.
(5) البخاري- الفتح (11/ 6306) .
(6) أجم: هو الحصن، وجمعه آجام.(2/206)
لا. فقالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءك ليخطبك.
قالت: أنا كنت أشقى من ذلك «1» . قال سهل: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ حتّى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه. ثمّ قال «اسقنا» لسهل. قال:
فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه قال:
ثمّ استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له) * «2» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها-:
«أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى «3» نفث «4» على نفسه بالمعوّذات، ومسح عنه بيده. فلمّا اشتكى وجعه الذي توفّي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوّذات الّتي كان ينفث وأمسح بيد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنه» ) * «5» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمها هذا الدّعاء: «اللهمّ إنّي أسألك من الخير كلّه، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرّ كلّه، عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم. اللهمّ إنّي أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيّك. وأعوذ بك من شرّ ما عاذ به عبدك ونبيّك. اللهمّ إنّي أسألك الجنّة وما قرّب إليها من قول أو عمل. وأعوذ بك من النّار وما قرّب إليها من قول أو عمل. وأسألك أن تجعل كلّ قضاء قضيته لي خيرا» ) * «6» .
8-* (عن ابن عابس الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «يا ابن عابس، ألا أدلّك» أو قال: «ألا أخبرك بأفضل ما يتعوّذ به المتعوّذون» قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل أعوذ بربّ الفلق. وقل أعوذ بربّ النّاس هاتين السّورتين» ) * «7» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعلّمهم هذا الدّعاء. كما يعلّمهم السّورة من القرآن. يقول: «قولوا: اللهمّ إنّا نعوذ بك من عذاب جهنّم. وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» ) * «8» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا كان في سفر وأسحر «9» يقول: «سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربّنا صاحبنا وأفضل علينا. عائذا بالله من النّار» ) * «10» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) أنا كنت أشقى من ذلك: ليس أفعل التفضيل هنا على بابه. وإنما مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(2) البخاري- الفتح 9 (5254) ، مسلم (2007) واللفظ له.
(3) اشتكى: مرض.
(4) نفث: أي تفل بغير ريق أو مع ريق خفيف.
(5) البخاري- الفتح 7 (4439) وصحيح البخارى 4/ 1614 برقم (4175) كتاب المغازي باب مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم ووفاته واللفظ له، ومسلم (2912) .
(6) ابن ماجة (3846) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجه (3102) وهو في الصحيحة له (2451) .
(7) النسائي (8/ 251) وصححه الألباني (5020) ، وهو في الصحيحة (1104) .
(8) مسلم (590) .
(9) أسحر: معناه قام في السحر وركب فيه.
(10) مسلم (2718) .(2/207)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «كان يتعوّذ من سوء القضاء، ومن درك الشّقاء «1» ، ومن شماتة «2» الأعداء، ومن جهد البلاء»
» ) * «4» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا؛ فإنّ هذا الغاسق إذا وقب» ) * «5» .
13-* (عن عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ- رضي الله عنه- أنّه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ضع يدك على الّذي تألّم من جسدك وقل باسم الله ثلاثا، وقل سبع مرّات أعوذ بالله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر» ) * «6» .
14-* (عن مسلم بن أبي بكرة: أنّه كان سمع والده يقول في دبر الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر. فجعلت أدعو بهنّ فقال: يا بنيّ، أنّى علّمت هؤلاء الكلمات؟
قلت: يا أبت سمعتك تدعو بهنّ في دبر الصّلاة، فأخذتهنّ عنك، قال: فالزمهنّ يا بنيّ، فإنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهنّ في دبر الصّلاة» ) * «7» .
15-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يضرب غلامه. فجعل يقول: أعوذ بالله.
قال: فجعل يضربه. فقال: أعوذ برسول الله «8» .
فتركه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله، لله أقدر عليك منك عليه» قال: فأعتقه) * «9» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا تزوّج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهمّ إنّي أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرّها، ومن شرّ ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك» قال: أبو داود زاد أبو سعيد:
«ثمّ ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة» في المرأة والخادم) * «10» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّها قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الرّيح «11» قال: «اللهمّ إنّي أسألك خيرها،
__________
(1) درك الشقاء: معناه، أعوذ بك أن يدركني شقاء.
(2) شماتة الأعداء: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه.
(3) جهد البلاء: هي الحالة الشاقة.
(4) البخاري- الفتح 11 (6347) ، ومسلم (2707) واللفظ له.
(5) الترمذي (3366) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك (2/ 541) وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6) مسلم (2202) .
(7) النسائي (8/ 262) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5048) والحاكم في المستدرك (1/ 35) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(8) أعوذ برسول الله: أي ألجأ إليك وأعتصم بك. والمشروع من ذلك ما كان في حياته صلّى الله عليه وسلّم أما بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم فلا تشرع الاستعاذة به ولا بغيره من باب أولى.
(9) مسلم (1659) .
(10) أبو داود (2160) واللفظ له، وابن ماجة (2252) ، وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1825) .
(11) عصفت الريح: أي اشتد هبوبها.(2/208)
وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها، وشرّ ما فيها، وشرّ ما أرسلت به..
الحديث» ) * «1» .
18-* (عن جرير عن سهيل- رضي الله عنه- قال: كان أبو صالح يأمرنا «إذا أراد أحدكم أن ينام، أن يضطجع على شقّه الأيمن. ثمّ يقول:
اللهمّ ربّ السّموات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كلّ شيء. فالق الحبّ والنّوى.
ومنزل التّوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته. اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر» وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم صياح الدّيكة، فاسألوا الله من فضله. فإنّها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوّذوا بالله من الشّيطان فإنّها رأت شيطانا» ) * «3» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يرون الرّؤيا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقصّونها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقول فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شاء الله- وأنا غلام حديث السّنّ وبيتي المسجد قبل أن أنكح- فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء فلمّا اضطجعت ليلة قلت: اللهمّ إن كنت تعلم فيّ خيرا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كلّ واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنّم وأنا بينهما أدعو الله: اللهمّ أعوذ بك من جهنّم ثمّ أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال: لم ترع «4» نعم الرّجل أنت لو تكثر الصّلاة. فانطلقوا بي حتّى وقفوا بي على شفير جهنّم فإذا هي مطويّة كطيّ البئر، له قرون كقرون البئر بين كلّ قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى فيها رجالا معلّقين بالسّلاسل، رؤوسهم أسفلهم عرفت فيها رجالا من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين» ) * «5» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق حتّى إذا فرغ منهم قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك. قالت: بلى. قال: فذاك لك ...
الحديث» ) * «6» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في
__________
(1) مسلم (899) .
(2) مسلم (2713) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3303) ، ومسلم (2729) واللفظ له.
(4) لم ترع: أي لم تفزع.
(5) البخاري- الفتح 12 (7028) واللفظ له، ومسلم (2479) .
(6) البخاري- الفتح 10 (5987) ، مسلم (2554) واللفظ له.(2/209)
الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم، قال:
فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟
قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون:
لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟.
قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال:
فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟. قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟. قال: يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟.
قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم.
قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «1» .
23-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به «2» فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» . فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» . قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا «3» لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» . ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال:
«تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» . قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» .
قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «4» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من جار السّوء في دار المقام؛ فإنّ جار البادية يتحوّل عنك» ) * «5» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم تضرّك» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له، مسلم (2689) .
(2) حادت به: أي مالت عن الطريق ونفرت.
(3) فلولا أن لا تدافنوا: أصله تتدافنوا، والمعنى لولا مخافة أن لا تدافنوا.
(4) مسلم (2867) .
(5) النسائي (8/ 274) ، والحاكم في المستدرك: (1/ 532) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهو في صحيح الجامع للألباني (2967) .
(6) مسلم (2709) .(2/210)
26-* (عن أبي التّبّاح قال: قلت لعبد الرّحمن ابن خنبش التّميميّ- وكان كبيرا-: أدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة كادته الشّياطين؟ فقال: إنّ الشّياطين تحدّرت تلك اللّيلة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأودية والشّعاب ومنهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهبط إليه جبريل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، قل، قال: «ما أقول؟» قال:
قل: أعوذ بكلمات الله التّامّة من شرّ ما خلق وذرأ (أو برأ) ومن شرّ ما ينزل من السّماء، ومن شرّ ما يعرج فيها ومن شرّ فتن اللّيل والنّهار، ومن شرّ كلّ طارق «1» إلّا طارقا يطرق بخير، يا رحمن. قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى) * «2» .
27-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة من الله والحلم من الشّيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوّذ من الشّيطان فإنّها لا تضرّه. وإنّ الشّيطان لا يتراءى بي» ) * «3» .
28-* (عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة- رضي الله عنها-: بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيام اللّيل؟. فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك. كان إذا قام كبّر عشرا وحمد الله عشرا، وسبّح عشرا، وهلّل عشرا واستغفر عشرا وقال: اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوّذ من ضيق المقام يوم القيامة» ) * «4» .
29-* (عن فروة بن نوفل الأشجعيّ، قال:
سألت عائشة عمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو به الله.
قالت: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت، ومن شرّ ما لم أعمل» ) * «5» .
30-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فافتتح البقرة.
فقلت «6» يركع عند المائة. ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى. فقلت: يركع بها. ثمّ افتتح النّساء فقرأها. ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا.
إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مرّ بسؤال سأل.
وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه. ثمّ قال:
«سمع الله لمن حمده» . ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع.
ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه) * «7» .
31-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: علّمنا خطبة الحاجة «الحمد
__________
(1) طارق الليل: وهي ما ينوب من النوائب في الليل.
(2) مسند أحمد (3/ 419) واللفظ له، وأبو يعلى 6 (6809) ، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (840) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى، والطبراني بنحوه، ورجال أحد إسنادي أحمد وأبي يعلى وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح. مجمع الزوائد (10/ 127) .
(3) البخاري- الفتح 12 (6995) ، ومسلم (2261) .
(4) أبو داود (766) واللفظ له، والنسائي (3/ 209) ، وابن ماجة (1356) وصححه الألباني صحيح ابن ماجة (1115) .
(5) مسلم (2716) .
(6) فقلت: أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مائة آية.
(7) مسلم (772) .(2/211)
لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ يقرأ ثلاث آيات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) ، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.
(النساء/ 1) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (الأحزاب/ 70) » ) * «1» .
32-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش.
فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «2» . وهما منصوبتان. وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك. لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «3» .
33-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول:
«اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين «4» وغلبة الرّجال ثمّ قدمنا خيبر، فلمّا فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفيّة بنت حييّ بن أخطب- وقد قتل زوجها، وكانت عروسا- فاصطفاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه، فخرج بها حتّى بلغنا سدّ الصّهباء حلّت، فبنى بها، ثمّ صنع حيسا في نطع صغير، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آذن من حولك. فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صفيّة. ثمّ خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحوّي لها وراءه بعبادة، ثمّ يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفيّة رجلها على ركبته حتّى تركب، فسرنا حتّى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، ثمّ نظر إلى المدينة فقال:
اللهمّ إنّي أحرّم ما بين لابتيها بمثل ما حرّم إبراهيم مكّة. اللهمّ بارك لهم في مدّهم وصاعهم» ) *» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل: «ما تقول في الصّلاة؟» قال: أتشهّد ثمّ أسأل الله الجنّة، وأعوذ به من النّار أما والله ما أحسن دندنتك «6» ، ولا دندنة معاذ. قال: «حولها ندندن» ) * «7» .
35-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله
__________
(1) النسائي (3/ 105) واللفظ له، وأبو داود (2118) وصححه الألباني (1860) ، والترمذي (1105) وقال: حديث حسن.
(2) المسجد: الموضع الذي كان يصلي فيه.
(3) مسلم (486) .
(4) ضلع الدين: ثقل الدين.
(5) البخاري- الفتح 6 (2893) ، ومسلم (1365) .
(6) ما أحسن دندنتك: أي كلامك الخفي.
(7) ابن ماجة (3847) وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.(2/212)
عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعيذك بالله يا كعب ابن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة: الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار. يا كعب بن عجرة: إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» ) * «1» .
36-* (عن عقبة بن عامر الجهنيّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أنزل الله عليّ آيات لم ير مثلهنّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخر السّورة وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ إلى آخر السّورة» ) * «2» .
37-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء، ثمّ يقول: «اللهمّ لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما صنع له» ) * «3» .
38-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من عين الجانّ وعين الإنس فلمّا نزلت المعوّذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك» ) * «4»
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النّار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدّجّال» ) * «5» .
40-* (عن عمرو بن ميمون الأوديّ- رضي الله عنه- قال: كان سعد يعلّم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلّم المعلّم الغلمان الكتابة ويقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتعوّذ منهنّ دبر الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» فحدّثت به مصعبا فصدّقه) * «6» .
41-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك» ) * «7» .
42-* (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّها قالت: اللهمّ أمتعني بزوجي،
__________
(1) الترمذي (614) واللفظ له وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، والنسائي (7/ 160) والحاكم في المستدرك (4/ 422) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (814) ، الترمذي (3367) وهذا لفظه وقال: حديث حسن صحيح.
(3) الترمذي (1767) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(4) ابن ماجة (3511) ، والترمذي (2058) وقال: حديث حسن، والنسائي (8/ 271) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5069) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1377) واللفظ له، ومسلم (588) .
(6) البخاري- الفتح 6 (2822) .
(7) مسلم (2739) .(2/213)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيّام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يعجّل شيئا قبل حلّه. أو يؤخّر شيئا عن حلّه. ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النّار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل» ) * «1» .
43-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وربّ إسرافيل أعوذ بك من حرّ النّار ومن عذاب القبر» ) * «2» .
44-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن آتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له، حتّى تعلموا أن قد كافأتموه» ) * «3» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: (من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) » ) * «4» .
46-* (عن خولة بنت حكيم السّلميّة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«من نزل منزلا ثمّ قال: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتّى يرتحل من منزله ذلك» ) * «5» .
47-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: يا أبا بكر قل: «اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة لا إله إلّا أنت ربّ كلّ شيء ومليكه، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجرّه إلى مسلم» ) * «6» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟. حتّى يقول:
من خلق ربّك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته» ) * «7» .
__________
(1) مسلم (2663) .
(2) النسائي (8/ 278) وصحيح الجامع (1305) والصحيحة للألباني (1544) .
(3) أبو داود (5109) وصحيح سنن أبى داود (4261) والنسائي (5/ 82) واللفظ له. وصححه الألباني: صحيح سنن النسائي (2407) وهو في الصحيحة 254.
(4) البخاري- الفتح 11 (6502) .
(5) مسلم (2708) .
(6) الترمذي (5/ 3529) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود (5067) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 238) : إسناده حسن.
(7) البخاري- الفتح 6 (3276) ، ومسلم (134) .(2/214)
الأحاديث الواردة في (الاستعاذة) معنى
49-* (عن خارجة بن الصّلت التّيميّ عن عمّه- رضي الله عنهما- قال: أقبلنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتينا على حيّ من العرب، فقالوا: إنّا أنبئنا أنّكم جئتم من عند هذا الرّجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية مّا؛ فإنّ عندنا معتوها في القيود؟.
قال: فقلنا: نعم. قال: فجاءوا بمعتوه في القيود، قال:
فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيّام غدوة وعشيّة كلّما ختمتها أجمع بزاقي ثمّ أتفل، فكأنّما نشط من عقال، قال: فأعطوني جعلا، فقلت: لا، حتّى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كل فلعمري من أكل برقية «1» باطل، لقد أكلت برقية حقّ» ) * «2» .
50-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد! اشتكيت؟. فقال: «نعم» . قال: «باسم الله أرقيك من كلّ شيء يؤذيك. من شرّ كلّ نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك» ) * «3» .
51-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لجارية في بيت أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى بوجهها سفعة «4» فقال: «بها نظرة «5» ، فاسترقوا لها» يعني بوجهها صفرة) * «6» .
52-* (عن عائشة- رضي الله عنها- «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرها أن تسترقي من العين» ) * «7» .
53-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّوا بماء فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق؟ إنّ في الماء رجلا لديغا، أو سليما.
فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ.
فجاء بالشّاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا:
أخذت على كتاب الله أجرا، حتّى قدموا المدينة.
فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» ) * «8» .
54-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رهطا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انطلقوا في سفرة سافروها حتّى نزلوا في حيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيّفوهم. فلدغ سيّد ذلك الحيّ، فسعوا له بكلّ شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرّهط الّذين قد نزلوا بكم، لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا:
يا أيّها الرّهط، إنّ سيّدنا لدغ، فسعينا له بكلّ شيء،
__________
(1) الرقية: تعني التعويذ.
(2) أبو داود (4/ 3901) وصححه الألباني: صحيح أبي داود (3301) وهو في الصحيحة (2027) .
(3) مسلم (2186) .
(4) السفعة: قد فسرها في الحديث بالصفرة، وقيل: سواد. وقيل هي لون يخالف لون الوجه.
(5) نظرة: النظرة هي العين، أي أصابتها عين.
(6) البخاري- الفتح 10 (5739) ، ومسلم (2197) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 10 (5738) ، ومسلم (2195) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 10 (5737) .(2/215)
لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟. فقال بعضهم: نعم، والله إنّي لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيّفونا، فما أنا براق لكم حتّى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم.
فانطلق فجعل يتفل ويقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* حتّى لكأنّما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة «1» . قال فأوفوهم جعلهم الّذي صالحوهم عليه.
فقال بعضهم: اقسموا. فقال الّذي رقى: لا تفعلوا حتّى نأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنذكر له الّذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له، فقال:
«وما يدريك أنّها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم» ) * «2» .
55-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «3» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «4» . وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك «5» ، رغبة ورهبة إليك «6» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «7» » ) *» .
56-* (عن عبد العزيز بن صهيب، قال:
دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك، فقال ثابت:
يا أبا حمزة اشتكيت. فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: بلى. قال: «اللهمّ ربّ النّاس، مذهب الباس، اشف أنت الشّافي، لا شافي إلّا أنت، شفاء لا يغادر سقما» ) * «9» .
57-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرّقية من العين، والحمة، والنّملة «10» ) * «11» .
58-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لآل حزم في رقية الحيّة. وقال لأسماء بنت عميس: «مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة «12» تصيبهم الحاجة؟» قالت: لا.
ولكن العين تسرع إليهم. قال: «ارقيهم» . قالت:
فعرضت عليه، فقال: «ارقيهم» ) * «13» .
__________
(1) ما به قلبة: أي ما به داء يقلب له.
(2) البخاري- الفتح 10 (5749) واللفظ له، ومسلم (2201) .
(3) إذا أخذت مضجعك: أي إذا أردت النوم في مضجعك.
(4) أسلمت وجهي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك.
(5) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
(6) رغبة ورهبة إليك: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك.
(7) الفطرة: الإسلام.
(8) البخاري- الفتح 11 (6311) ، مسلم (2710) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 10 (5742) ، ونحوه عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (2191) .
(10) الحمة بالتخفيف السّمّ، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السّمّ منها يخرج. والنملة: هي قروح تخرج في الجنب.
(11) مسلم (2196) .
(12) ضارعة: أي نحيفة. والمراد أولاد جعفر رضي الله عنه.
(13) مسلم (2198) .(2/216)
59-* (عن أبي خزامة، عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتّقيها، هل تردّ من قدر الله شيئا؟. قال: «هي من قدر الله» ) * «1» .
60-* (عن الأسود- رضي الله عنه- قال:
سألت عائشة عن الرّقية فقالت: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأهل بيت من الأنصار، في الرّقية من كلّ ذي حمة «2» ) * «3» .
61-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا نرقي في الجاهليّة. فقلنا:
يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليّ رقاكم. لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك» ) * «4»
62-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا رقية إلّا من عين أو حمة» ) * «5» .
63-* (عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال:
لقيت أبا مسعود عند البيت. فقلت: حديث بلغني عنك في الآيتين في سورة البقرة. فقال: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه «6» » ) * «7» .
64-* (عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه- قال: لمّا استعملني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الطّائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتّى ما أدري ما أصلّي. فلمّا رأيت ذلك، رحلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ابن أبي العاص؟» . قلت: نعم يا رسول الله، قال: «ما جاء بك؟» . قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي، حتّى ما أدري ما أصلّي.
قال: «ذاك الشّيطان. أدنه» فدنوت منه فجلست على صدور قدميّ. قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي. وقال: «اخرج. عدوّ الله» ففعل ذلك ثلاث مرّات. ثمّ قال: «الحق بعملك» ) * «8» .
65-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: بسم الله، اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه شيطان أبدا» ) * «9» .
66-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لدغت رجلا منّا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟.
قال: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» ) * «10» .
__________
(1) الترمذي (2065) وقال: حديث حسن صحيح.
(2) الحمة: انظر معناها في حديث رقم 57.
(3) البخاري- الفتح 10 (5741) ، ومسلم (2193) واللفظ له.
(4) مسلم (2200) .
(5) الترمذي (2057) واللفظ له، وأبو داود (3884) وصححه الألباني، صحيح أبي داود (3289) .
(6) كفتاه: أي دفعتا عنه الشر والمكروه.
(7) البخاري- الفتح 9 (5009) ، ومسلم (807) واللفظ له.
(8) ابن ماجة 2 (3548) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2858) .
(9) البخاري- الفتح 13 (7396) واللفظ له، ومسلم (1434) .
(10) مسلم (2199) .(2/217)
67-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من الدّجّال» ) * «1» .
68-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب. وكتبت له مائة حسنة. ومحيت عنه مائة سيّئة.
وكانت له حرزا من الشّيطان، يومه ذلك، حتّى يمسي ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة، حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستعاذة)
69-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «وكّلني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطّعام، فأخذته فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فذكر الحديث- فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ، لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتّى تصبح. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان» ) * «3» .
70-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكابة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهنّ: آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» ) * «4» .
71-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من غلبة الدّين وغلبة العدوّ، وشماتة الأعداء» ) * «5» .
__________
(1) مسلم (809) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6403) ، مسلم (2691) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 6 (3275) .
(4) مسلم (1342) .
(5) النسائي (8/ 265) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5055) وهو في الصحيحة (1541) . كما أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 531) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(2/218)
72-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل «1» والهرم «2» ، والمغرم «3» والمأثم اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب النّار، وفتنة النّار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، وشرّ فتنة الغنى وشرّ فتنة الفقر. ومن شرّ فتنة المسيح الدّجّال. اللهمّ اغسل خطاياي بماء الثّلج والبرد. ونقّ قلبي من الخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس. وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» ) * «4» .
73-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر، والقلّة والذّلّة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم» ) * «5» .
74-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم. لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم. لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «6» .
75-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت.
وبك آمنت. وعليك توكّلت. وإليك أنبت. وبك خاصمت، اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت، أن تضلّني. أنت الحيّ الّذي لا يموت والجنّ والإنس يموتون» ) * «7» .
76-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خاف قوما قال: «اللهمّ إنّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم» ) * «8» .
77-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته، قال: «باسم الله، ربّ أعوذ بك أن أزلّ أو أضلّ أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «9» .
78-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات. اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» . قالت: فقال له قائل: ما أكثر ما
__________
(1) الكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه، مع إمكانه.
(2) الهرم: المراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر.
(3) المغرم: هو الدين.
(4) البخاري- الفتح 11 (6375) واللفظ له، ومسلم (589) .
(5) رواه أبو داود (1544) واللفظ له، والنسائي (8/ 261) ، وصححه الألباني (5046) وهو في الصحيحة (1445) ، والحاكم في المستدرك (1/ 531) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(6) مسلم (2730) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7385) ، مسلم (2717) واللفظ له.
(8) أبو داود (1537) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2/ 142) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأكبر ظني أنهما لم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(9) ابن ماجة (3884) والنسائي (8/ 268) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5061، 5112) .(2/219)
تستعيذ من المغرم يا رسول الله فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم «1» حدّث فكذب ووعد فأخلف» ) * «2» .
79-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعوّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهمّ ربّ النّاس، أذهب الباس، واشفه وأنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» ) *» .
80-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين ويقول:
«إنّ أباكما «4» كان يعوّذ بهما إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التّامّة من كلّ شيطان وهامّة «5» ، ومن كلّ عين لامّة» ) * «6» .
81-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من البرص والجنون، والجذام، ومن سيّء الأسقام» ) * «7» .
82-* (عن جبير بن مطعم، أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة، فقال: «الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا» ثلاثا «أعوذ بالله من الشّيطان من نفخه ونفثه «8» وهمزه» ) * «9» .
83-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان إذا دخل المسجد قال: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشّيطان الرّجيم» .
قال: أقطّ «10» ؟ قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك قال الشّيطان: حفظ منّي سائر اليوم) * «11» .
84-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخلت عليّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي: إنّ أهل القبور يعذّبون في قبورهم، فكذّبتهما، ولم أنعم أن أصدّقهما فخرجتا. ودخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله إنّ عجوزين. وذكرت له. فقال:
«صدقتا، إنّهم يعذّبون عذابا تسمعه البهائم كلّها» . فما رأيته بعد في صلاة إلّا يتعوّذ من عذاب القبر) * «12» .
85-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال:
__________
(1) إذا غرم: أي لزمه دين.
(2) البخاري- الفتح 2 (832) ، مسلم (589) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 10 (5743) واللفظ له، ومسلم (2191) .
(4) أبا كما: يريد سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
(5) الهامة: واحدة الهوام وهي الحيات.
(6) البخاري- الفتح 6 (3371) .
(7) أبو داود 2 (1554) واللفظ له، والنسائي (8/ 270) وصححه الألباني (5068) ، والبغوي في شرح السنة (5/ 170) وقال محققه: إسناده قوي.
(8) نفثه: الشّعر، ونفخه: الكبر لأن المتكبر ينتفخ ويتعاظم وهمزه: الموتة وهي الجنون؛ لأن المجنون ينخسه الشيطان.
(9) أبو داود (764) وقال محقق جامع الأصول (4/ 185- 186) : للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة، وكذا الحاكم في المستدرك (1/ 235) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(10) أقط: معناها هل هذا فحسب.
(11) أبو داود (466) ، وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (441) .
(12) البخاري- الفتح 11 (6366) واللفظ له، ومسلم (903) .(2/220)
«أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله. لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد. وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ أسألك خير هذه اللّيلة، وأعوذ بك من شرّ هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر» ) * «1» .
86-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفّيه ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وبالمعوّذتين جميعا، ثمّ يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة. فلمّا اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به) * «2» .
87-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع» ) * «3» .
88-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من التّردّي، والهدم والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا «4» ، وأعوذ بك أن أموت لديغا» ) * «5» .
89-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الجوع فإنّه بئس الضّجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنّها بئست البطانة» ) * «6» .
90-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل الخلاء قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث «7» » ) * «8» .
91-* (عن زياد بن علاقة عن عمّه- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» ) * «9» .
92-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدع هؤلاء الدّعوات، حين يمسي وحين يصبح: «اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في الدّنيا والآخرة. اللهمّ أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي اللهمّ استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يديّ، ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك
__________
(1) مسلم (2723) .
(2) البخاري، الفتح 10 (5748) .
(3) أبو داود (1548) واللفظ له، والترمذي (3482) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8/ 254، 255) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5050) .
(4) أن أموت في سبيلك مدبرا: أي فارّا من القتال يوم الزحف.
(5) النسائي (8/ 282) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5104) ، وأبو داود (1552) وصحيح أبي داود (1373) .
(6) النسائي (8/ 263) ، وأبو داود (1547) وحسنه الألباني، صحيح أبي داود (1368) .
(7) الخبث والخبائث: ذكران الشياطين وإنائهم.
(8) البخاري- الفتح 1 (142) واللفظ له، ومسلم (375) .
(9) الترمذي (3591) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وصحيح الجامع للألباني، (1298) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 364) : رواه الطبراني وابن حبان وحسنه الترمذي وهو كما قال.(2/221)
أن أغتال من تحتي» ) * «1» .
93-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أعوذ بوجهك» ، فقال: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» ، قال: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أيسر» ) * «2» .
94-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من يوم السّوء ومن ليلة السّوء ومن ساعة السّوء ومن صاحب السّوء ومن جار السّوء في دار المقامة» ) * «3» .
95-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه «4» أمر يدعو: يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» ) * «5» .
96-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ لبيد بن الأعصم اليهوديّ سحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصل فيه تمثالا فيه إحدى عشرة عقدة، فأصابه من ذلك وجع شديد، فأتاه جبريل وميكائيل يعوّذانه. فقال ميكائيل يا جبريل إنّ صاحبك شاك. قال أجل. قال:
أصابه لبيد بن الأعصم اليهوديّ وهو في بئر ميمون في كربة تحت صخرة الماء. قال. فما وراء ذلك؟ قال:
تنزح البئر ثمّ تقلب الصّخرة فتأخذ الكربة «6» فيها تمثال فيه إحدى عشرة عقدة فتحرق. فإنّه يبرأ بإذن الله، فأرسل إلى رهط فيهم عمّار بن ياسر فنزح الماء فوجدوه قد صار كأنّه ماء الحنّاء. ثمّ قلبت الصّخرة إذا كربة فيها صخرة فيها تمثال فيها إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله يا محمّد قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ الصّبح، فانحلّت عقدة مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ من الجنّ والإنس، فانحلّت عقدة وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ اللّيل وما يجيء به اللّيل وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ السّحّارات المؤذيات فانحلّت وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) * «7» .
__________
(1) أبو داود (5074) ، والنسائي (8/ 282) وصححه الألباني صحيح أبي داود (4239) ، وابن ماجة (2/ 3871) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 13 (7406) .
(3) صحيح الجامع للألباني (1299) وعزاه للطبراني في الكبير والصحيحة له (1443) .
(4) في القاموس المحيط. وحزبه الأمر: نابه واشتد عليه أو ضغطه.
(5) أخرجه رزين، ذكره محقق الجامع (4/ 295) وهذا لفظ جامع الأصول وأصله عند البخاري 11 (6347) . ومسلم (2707) . دون قوله: «كان إذا حذبه أمر يدعو» .
(6) الكربة: من أصول سعف تيبس فتصير مثل الكتف.
(7) البخاري- الفتح 10 (5763) .(2/222)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستعاذة)
1-* (كتب أبو عبيدة ومعاذ بن جبل إلى عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنهم- لمّا ولّي الخلافة فقالا:
«من أبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل، إلى عمر بن الخطّاب. سلام عليك. أمّا بعد، فإنّا عهدناك وأمر نفسك لك مهمّ، فأصبحت قد ولّيت أمر هذه الأمّة أحمرها وأسودها. يجلس بين يديك الشّريف والوضيع، والعدوّ والصّديق، ولكلّ حصّته من العدل. فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر فإنّا نحذّرك يوما تعنى فيه الوجوه، وتجف فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج، لحجّة ملك قهرهم بجبروته، فالخلق داخرون له يرجون رحمته ويخافون عقابه، وإنّا كنّا نحدّث أنّ أمر هذه الأمّة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السّريرة. وإنّا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا إليك سوى المنزل الّذي نزل من قلوبنا، فإنّما كتبنا به نصيحة لك والسّلام عليك) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت لا ترى بأسا أن يعوّذ في الماء ثمّ يعالج به المريض) * «2» .
3-* (عن خالد بن عمير العدويّ- رضي الله عنه قال: «خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت «3» بصرم «4» وولّت حذّاء «5» . ولم يبق منها إلّا صبابة «6» كصبابة الإناء. يتصابّها صاحبها. وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم. فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم. فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. والله لتملأنّ. أفعجبتم؟
ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة. وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ»
من الزّحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر. حتّى قرحت «8» أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «9» فاتّزرت بنصفها واتّزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار. وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجرّبون الأمراء بعدنا» ) * «10» .
4-* (قال كعب الأحبار: لولا كلمات
__________
(1) حلية الأولياء (1/ 238) .
(2) شرح السنة للبغوي (12/ 166) .
(3) آذنت: أي أعلمت.
(4) بصرم: الصرم الانقطاع والذهاب.
(5) حذاء: مسرعة الانقطاع.
(6) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء.
(7) كظيظ: أي ممتلىء.
(8) قرحت: أي صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته.
(9) سعد بن مالك: هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(10) مسلم (2967) .(2/223)
أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا، فقيل له وما هنّ؟ قال:
«أعوذ بوجه الله العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه. وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ» ) * «1» .
5-* (قال مالك، دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه «2» ، ثمّ ضرب فخذها فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق «3» أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف. فنحّتها عنها وقالت:
لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الأنعام/ 15) ، فبكت فاطمة وقالت: «اللهمّ أعذه من النّار» ) * «4» .
6-* (عن عديّ بن سهيل الأنصاريّ قال:
قام عمر في النّاس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «أمّا بعد، فإنّي أوصيكم بتقوى الله، الّذي يبقى، ويفنى سواه، والّذي بطاعته ينفع أولياءه، ويضرّ بمعصيته أعداءه.. وأن للنّاس نفرة عن سلطانهم، فعائذ بالله أن تدركني» ) * «5» .
7-* (ذكر القرطبيّ عند قوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وأمّا أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشّيطان. وأمّا الأمر بالانتهاء فعن الرّكون إليها والالتفات نحوها. فمن كان صحيح الإيمان واستعمل ما أمر به ربّه ونبيّه نفعه وانتفع به. وأمّا من خالجه الشّبهة وغلب عليه الحسّ، ولم يقدر على الانفكاك عنها فلا بدّ من مشافهته بالدّليل العقليّ كما قال صلّى الله عليه وسلّم للّذي خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (لا عدوى) .
وقال أعرابيّ: فما بال الإبل تكون في الرّمل كأنّها الظّباء، فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجر بها؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«فمن أعدى الأوّل» فاستأصل الشّبهة من أصلها. فلمّا يئس الشّيطان من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالإغراء والإضلال أخذ يشوّش عليهم أوقاتهم بتلك الألقيّات والوساوس الترّهات؛ فنفرت عنها قلوبهم وعظم عليهم وقوعها عندهم) * «6» .
8-* (قال عصام بن المصطلق دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فأعجبني سمته وحسن روائه، فأثار منّي الحسد ما كان يجنّه صدري لأبيه من البغض، فقلت: أنت ابن أبي طالب! قال نعم. فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رءوف، ثمّ قال: أعوذ بالله من
__________
(1) جامع الأصول (4/ 372) .
(2) خلق ساج عليه: ثياب خلقة كان يرتديها.
(3) ليالي دابق: أيّام كنا بدابق قبل أن يصبح خليفة، ودابق بلد في الشام قريبة من حلب.
(4) سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن الجوزي (164)
(5) مناقب عمر بن الخطاب (184)
(6) القرطبى (221) .(2/224)
الشّيطان الرّجيم. بسم الله الرّحمن الرّحيم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فقرأ إلى قوله:
فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 198- 201) ثمّ قال لي: خفّض عليك استغفر الله لي ولك. إنّك لو استعنتنا أعنّاك، ولو استرفدتنا أرفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك. فتوسّم فيّ النّدم على ما فرط منّي فقال. لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف/ 92) أمن أهل الشّام أنت؟
قلت نعم. فقال: شنشنة أعرفها من أخزم حيّاك الله وبيّاك. وعافاك، وآواك، انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك. تجدنا عند أفضل ظنّك. إن شاء الله. قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت أنّها ساخت بي. ثمّ تسلّلت منه لواذا، وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه) * «1» .
9-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه رأى في عنق امرأة من أهله سيرا فيه تمائم فقطعه، وقال: إنّا آل عبد الله أغنياء عن الشّرك، ثمّ قال:
التّولة والتّمائم والرّقى من الشّرك، فقالت امرأة: إنّ إحدانا لتشتكي رأسها فتسترقي، فإذا استرقت ظنّت أنّ ذلك قد نفعها، فقال عبد الله: إنّ الشّيطان يأتي إحداكنّ فينخس في رأسها فإذا استرقت حبس، فإذا لم تسترق نحر فلو أنّ إحداكنّ تدعو بماء فتنضحه على رأسها ووجهها ثمّ تقول بسم الله الرّحمن الرّحيم ثمّ تقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ نفعها ذلك إن شاء الله) * «2» .
10-* (أخرج الطّستيّ عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قال: أعوذ بربّ الصّبح إذا انفلق عن ظلمة اللّيل. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول:
الفارج الهمّ مسد ولا عساكره ... كما يفرّج غمّ الظّلمة الفلق) *
«3» .
11-* (عن معاوية- رضي الله عنه- في قوله الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ قال: مثل الشّيطان كمثل ابن عرس يضع فمه على فم القلب فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس، وإن سكت عاد إليه فهو الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) * «4» .
12-* (عن قتادة في قوله مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ قال: إنّ من النّاس شياطين فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجنّ) * «5» .
13-* (عن ابن زيد قال: الخنّاس الّذي يوسوس مرّة ويخنس مرّة من الجنّ والإنس، وكان يقال: شيطان الإنس أشدّ على النّاس من شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه وهذا يعاينك معاينة) * «6» .
__________
(1) القرطبي (222- 223) .
(2) الدر المنثور (8/ 686- 687) .
(3) المرجع السابق (8/ 688- 689) .
(4) المرجع السابق (8/ 694) .
(5) الدر المنثور (8/ 695) .
(6) المرجع السابق (8/ 694) .(2/225)
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما من مولود يولد إلّا على قلبه الوسواس فإذا ذكر الله خنس. وإذا غفل وسوس، فذلك قوله:
الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) * «1» .
من فوائد (الاستعاذة)
(1) حصن حصين من الشّيطان الرّجيم.
(2) من استعاذ بالله واعتصم به أعاذه الله.
(3) صمام أمن في الحياة وجنّة من كلّ خطر.
(4) إظهار الضّعف والذّلّة والانكسار لله وتلك حقيقة العبوديّة.
(5) الوقاية خير من العلاج.
(6) الأخذ بالأسباب لا ينافي التّوكّل على الله
(7) الاستعاذة تزيل الغضب وتريح النّفس.
(8) الاستعاذة تقي الإنسان من شرور جوارحه.
(9) الاستعاذة مظهر من أهمّ مظاهر الاستغفار.
(10) في الاستعاذة بالمعوّذتين أثناء المرض اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وكفى بذلك بركة وخيرا.
(11) بالاستعاذة من جار السّوء يحمي الإنسان نفسه ويصون عرضه.
(12) الاستعاذة تقي الإنسان من ضرر الحيوان المؤذي كالأفاعي ونحوها.
(13) بالاستعاذة من الشّيطان يندفع الأثر النّفسيّ السّيّء النّاجم عن الحلم.
(14) بالاستعاذة يتجنّب الإنسان الضّرر حتّى يرحل من منزله الّذي تعوّذ فيه.
__________
(1) الدر المنثور (8/ 694) .(2/226)
الاستعانة
الاستعانة لغة:
مصدر استعان وهو من العون بمعنى المعاونة والمظاهرة على الشّيء، يقال: فلان عوني أي معيني وقد أعنته، والاستعانة طلب العون، قال تعالى:
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ 45) ، والعون الظّهير على الأمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنّث فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أعوان، والعرب تقول: إذا جاءت السّنة جاء معها أعوانها، يعنون بالسّنة: الجدب، وبالأعوان: الجراد والذّئاب والأمراض. وتقول: أعنته إعانة واستعنته واستعنت به فأعانني وتعاونوا عليّ واعتونوا: أعان بعضهم بعضا، وتعاونّا: أعان بعضنا بعضا، والمعونة: الإعانة، ورجل معوان حسن المعونة، وكثير المعونة للنّاس وكلّ شيء أعانك فهو عون لك كالصّوم عون على العبادة «1» .
واصطلاحا:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «الاستعانة:
طلب العون من الله، ويطلب من المخلوق ما يقدر عليه من الأمور» «2» .
الاستعانة الإيمانية والاستعانة الشركية:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ العبد مجبول على أن يقصد شيئا ويريده ويستعين بشيء
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
7/ 17/ 14
ويعتمد عليه في تحصيل مراده، وهذا المستعان به على قسمين وهما:
القسم الأوّل: ما يستعان به لنفسه فيكون هو الغاية الّذي يعتمد عليه العبد ويتوكّل عليه، ويعتضد به، ليس عنده فوقه غاية في الاستعانة.
والقسم الثاّني: ما يكون تبعا لغيره بمنزلة الأعضاء مع القلب، والمال مع المالك، والآلآت مع الصّانع. والنّاظر في أحوال الخلق يجد أنّ النّفس لا بدّ لها من شيء تثق به وتعتمد عليه في نيل مطلوبها هو مستعانها سواء أكان ذلك هو الله أم غيره وإذا كان المستعان غير الله فقد يكون عامّا، وهو الكفر كمن عبد غير الله مطلقا أو سأل غير الله مطلقا. وقد يكون خاصّا في المسلمين ممّن غلب عليهم حبّ المال أو حبّ شخص أو حبّ الرّياسة أو غير ذلك بحيث يعتمد عليها ويستعين بها، وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة، وصلاح العبد في عبادة الله واستعانته به، ومضرّته وهلاكه وفساده في عبادة غير الله والاستعانة بما سواه، وتوحيد الله وإخلاص الدّين له في عبادته واستعانته في القرآن كثير جدّا؛ بل هو قلب الإيمان، وأوّل الإسلام وآخره، وهذا هو دين الإسلام العامّ الّذي بعث به جميع الرّسل، فلا يصرف لغير الله
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (5/ 3179- 3180) ، وانظر الصحاح للجوهري (6/ 2168- 2169) .
(2) مجموع الفتاوى (1/ 103) .(2/227)
شيء من أنواع العبادة والاستعانة، إذ إنّ أنواع العبادة متعلّقة كلّها بألوهيّته، والاستعانة متعلّقة بربوبيّته، والله ربّ العالمين لا إله إلّا هو، ولا ربّ لنا غيره، لا ملك ولا نبيّ ولا غيره «1» .
الاستعانة بالأعمال الصالحة:
جاء الأمر الإلهيّ بالاستعانة بالصّبر والصّلاة في الآية الكريمة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ 45) ، وقوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) فما معنى الاستعانة بذلك؟
يقول الإمام الطّبريّ في تفسير ذلك:
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ: أي استعينوا على الوفاء بعهدي الّذي عاهدتموني في كتابكم، من طاعتي واتّباع أمري وترك ما تهوونه من الرّياسة وحبّ الدّنيا إلى ما تكرهونه من التّسليم لأمري واتّباع رسولي محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالصّبر عليه والصّلاة، وقد قيل: إنّ معنى الصّبر في هذا الموضع الصّوم، والصّوم من معاني الصّبر «2» .
الإنسان محتاج إلى الله في كل حال ولكل شأن:
قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «العبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات، والصّبر على المقدورات كلّها في الدّنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلّا الله- عزّ وجلّ-.
فمن حقّق الاستعانة عليه في ذلك كلّه أعانه الله، ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولا وهو كذلك في أمور الدّنيا لأنّه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضارّه، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعا إلّا الله- عزّ وجلّ- فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول. وهذا هو تحقيق معنى قول العبد «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . والمعنى أنّ العبد لا يتحوّل حاله من حال إلى حال ولا قوّة له على ذلك إلّا بالله- عزّ وجلّ-» «3» .
معنى الاستعانة:
وقد سوّى ابن القيّم بين التّوكّل والاستعانة وقال في تعريفهما: التوكّل والاستعانة: حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله تعالى، والإيمان بتفرّده بالخلق، والتّدبير والضّرّ والنّفع، والعطاء والمنع، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وإن شاءه النّاس، فيوجب له هذا اعتمادا عليه (واستعانة به) ، وتفويضا إليه وطمأنينه به، وثقة به، ويقينا بكفايته لما توكّل عليه فيه واستعان به عليه، وأنّه مليّ به، ولا يكون إلّا بمشيئته، شاء النّاس ذلك أم أبوه «4» .
منزلة الاستعانة ومكانتها:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الاستعانة تجمع أصلين: الثّقة بالله، والاعتماد عليه، فإنّ العبد قد يثق بالواحد من النّاس وهو مع ذلك لا يعتمد عليه لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه- مع عدم ثقته به-
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/ 7434) بتصرف شديد، وتفسير الطبري (1/ 298) .
(2) تفسير الطبري (1/ 298) .
(3) جامع العلوم والحكم (182) بتصرف.
(4) مدارج السالكين (1/ 94) .(2/228)
لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه، مع أنّه غير واثق به، ومثل الاستعانة التّوكّل إذ هو أيضا يلتئم من هذين الأصلين (الثّقة والاعتماد) وهذان الأصلان وهما: التّوكّل (الاستعانة) من ناحية والعبادة من ناحية أخرى قد اقترنا في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها:
1- قوله سبحانه في الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) .
2- قوله سبحانه: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (هود/ 123) .
3- قول الله تعالى على لسان شعيب: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود/ 88) .
4- قوله سبحانه: قُلْ: هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (الرّعد/ 30) .
5- قوله- عزّ من قائل- حكاية عن المؤمنين رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الممتحنة/ 4) .
6- قول الله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا* رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (المزمل/ 8- 9) .
فهذه ستّة مواضع جمع فيها القرآن الكريم بين الأصلين وهما:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي بين العبادة والاستعانة أو ما في معناها وهو التّوكّل «1» .
لماذا قدمت العبادة على الاستعانة؟
لتقديم العبادة على الاستعانة وما في معناها من التّوكّل في آية الفاتحة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفي غيرها أسباب عديدة أشار إليها ابن القيّم وغيره من العلماء، فقال ابن القيّم: وتقديم العبادة على الاستعانة لما يلي:
1- لأنّ العبادة غاية العباد الّتي خلقوا لها «2» .
والاستعانة وسيلة إليها، ومن ثمّ يكون ذلك من قبيل تقديم الغايات على الوسائل.
2- لأنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ متعلّق بألوهيّته- سبحانه- وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ متعلّق بربوبيّته.
3- ولأنّ تقديم العبادة على الاستعانة يتناسب مع تقديم اسم «الله» على لفظ «الرّبّ» المذكورين في أوّل السّورة «3» .
حيث إنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ قسم الرّبّ، فكان من الشّطر الأوّل، الّذي هو ثناء على الله تعالى، لكونه أولى به، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قسم العبد، فكان من الشّطر الّذي له، وهو اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السّورة.
4- ولأنّ العبادة المطلقة تتضمّن الاستعانة من غير عكس، فكلّ عابد لله عبوديّة تامّة، مستعين،
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 86- 87) بتصرف.
(2) يشير ابن القيم بذلك إلى قول الله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) .
(3) يشير بذلك الى قوله سبحانه في الآية الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.(2/229)
ولا ينعكس الأمر لأنّ صاحب الأغراض والشّهوات قد يستعين به على شهواته، فكانت العبادة أكمل وأتمّ، ولهذا كانت قسم المولى- عزّ وجلّ-.
5- ولأنّ الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس (فقدّم الكلّ على الجزء) .
6- ولأنّ الاستعانة طلب منه سبحانه، والعبادة طلب له فقدّم ما هو له على ما هو منه.
7- ولأنّ العبادة لا تكون إلّا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص، ومن ثمّ قدّم ما هو محض الإخلاص.
8- ولأنّ العبادة حقّ الله الّذي أوجبه على العبد والاستعانة طلب العون على العبادة، وذلك بيان لصدقته الّتي تصدّق بها عليك، وأداء حقّه أهمّ من التّعرّض لصدقته (فكان ذلك من باب تقديم الأهمّ على المهمّ.
9- ولأنّ العبادة شكر لنعمته عليك، والله يحبّ أن يشكر، والإعانة فعله بك وتوفيقه لك، فإن التزمت عبوديّته، ودخلت تحت رقّها أعانك عليها، فكان التزامها والدّخول تحت رقّها سببا لنيل الإعانة، وكلّما كان العبد أتمّ عبوديّة كانت الإعانة له من الله أعظم، ومن ثمّ فإنّ في تقديم العبادة تقديما للّسبب على المسبّب.
10- ولأنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لله، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ به، والّذي له مقدّم على ما به، لأنّ ما له متعلّق بمحبّته ورضاه والّذي (يكون) به متعلّق بمشيئته، وما تعلّق بمحبّته، أكمل ممّا تعلّق بمجرّد مشيئته، إذ الكون كلّه متعلّق بمشيئته كذلك، والملائكة والشّياطين والمؤمنون والكفّار والطّاعات والمعاصي، والمتعلّق بمحبّته طاعاتهم وإيمانهم، فالكفّار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبّته، ولهذا لا يستقرّ في النّار شيء لله أبدا، وكلّ ما فيها فإنّه به تعالى وبمشيئته «1» .
أوجه الاستعانة بالله تعالى:
للرّغبة إلى الله في طلب المعونة (الاستعانة) وجهان: أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه ما يقوّي دواعيه ويسهّل الفعل عليه، ومتى لطف له بأن يعلمه أنّ له في فعله الثّواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته.
والآخر: أن يطلب (باستعانته) بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدّد له القدرة حالا بعد حال «2» .
تقسيم الناس بحسب الاستعانة:
يؤخذ من كلام ابن القيّم أنّ النّاس بحسب العبادة والاستعانة أربعة أقسام:
القسم الأوّل: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، وهذا أجلّ الأقسام وأفضلها.
القسم الثّاني: أهل الإعراض عن العبادة والاستعانة به في مرضاته إن سأله أحدهم واستعان به،
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 87- 88) بتصرف واختصار يسير.
(2) مجمع البيان في تفسير القرآن (1/ 55) .(2/230)
فعلى حظوظه وشهواته، لا على مرضاة ربّه وحقوقه.
وهؤلاء هم شرّ البريّة.
القسم الثّالث: من له نوع عبادة بلا استعانة أو باستعانة ناقصة وهؤلاء صنفان:
1- القدريّة القائلون بأنّ الله قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف وأنّه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل، إذ قد أعانه بخلق الآلآت وسلامتها وتعريف الطّريق وإرسال الرّسل وتمكينه من الفعل، ولم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إيّاها.
2- من لهم عبادات وأوراد، ولكن حظّهم ناقص من التّوكّل والاستعانة فهؤلاء وأولئك لهم نصيب من التّوفيق والنّفوذ والتّأثير بحسب استعانتهم وتوكّلهم، ولهم من الخذلان والضّعف والمهانة والعجز بحسب قلّة استعانتهم وتوكّلهم، ولو توكّل العبد على الله حقّ توكّله (واستعان به حقّ استعانته) في إزالة جبل عن مكانه وكان مأمورا بإزالته لأزاله.
القسم الرّابع: هم أولئك الّذين يشهدون تفرّد الله بالنّفع والضّرّ، وأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولم يدر مع ما يحبّه ويرضاه، ومع ذلك توكّل عليه واستعان به على حظوظه وشهواته وأغراضه، فقضيت له وأسعف بها سواء أكانت مالا أو جاها عند الخلق، هؤلاء لا عاقبة لهم ولا يعدو ما أعطوه أن يكون من جنس الملك الظّاهر والأموال الّتي لا تستلزم الإسلام فضلا عن الولاية والقرب من الله تعالى «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستخارة- الاستعاذة- الاستغاثة- التوسل- الضراعة والتضرع التوكل- الدعاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور الغفلة الكبر والعجب- القنوط] .
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 90- 94) بتصرف واختصار.(2/231)
الآيات الواردة في «الاستعانة»
1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1»
2- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45)
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) «3»
4- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) »
5- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16)
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17)
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «5»
6- حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) «6»
7- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «7»
__________
(1) الفاتحة: 1- 7 مكية
(2) البقرة: 44- 46 مدنية
(3) البقرة: 153 مدنية
(4) الأعراف: 128 مكية
(5) يوسف: 16- 18 مكية
(6) الكهف: 93- 95 مكية
(7) الأنبياء: 109- 112 مكية(2/232)
الأحاديث الواردة في (الاستعانة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة «1» والرّوحة «2» وشيء من الدّلجة «3» » ) * «4» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ ضمادا (يعني ابن ثعلبة) قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الرّيح «5» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون. فقال:
لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ.
قال: فلقيه. فقال: يا محمّد، إنّي أرقي من هذه الرّيح.
وإنّ الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضلّ له. ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات.
قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء. فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس «6» البحر، قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعلى قومك» . قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه. فقال صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة «7» . فقال: ردّوها، فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «8» .
3-* (عن مسروق قال: «سألت أمّ رومان وهي أمّ عائشة- رضي الله عنهما- لمّا قيل فيها ما قيل قالت: بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل.
قالت: فقلت: لم؟ قالت: إنّه نمى ذكر الحديث «9» ، فقالت عائشة: أيّ حديث؟ فأخبرتها. قالت:
فسمعه أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: نعم. فخرّت مغشيّا عليها، فما أفاقت إلّا وعليها حمّى بنافض «10» .
فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما لهذه؟» . قلت: حمّى أخذتها من أجل حديث تحدّث به فقعدت. فقالت: والله لئن حلفت لا تصدّقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) .
__________
(1) الغدوة: السير أول النهار من الغداة إلى طلوع الشمس.
(2) الروحة: السير فيما بعد الزوال.
(3) الدلجة: السير آخر الليل، وقيل سير الليل.
(4) البخاري الفتح 1 (39) .
(5) الريح: الريح هنا بمعنى مس الجن أو الجنون.
(6) ناعوس البحر: وفي روايات أخرى قاموس البحر، وهو وسطه ولجّته، ولعل لفظ ناعوس تصحيف.
(7) مطهرة: هي الإناء الذي يتوضأ به ويتطهر به.
(8) مسلم (868) .
(9) الحديث: أي حديث الإفك.
(10) حمى بنافض: أي حمى برعدة شديدة كأنها نفضتها أي حرّكتها.(2/233)
فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله ما أنزل، فأخبرها فقالت: «بحمد الله لا بحمد أحد» ) * «1» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حقّ على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمكاتب «2» الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف» ) * «3» .
5-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: «دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا قلنا: يا رسول الله! دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا. فقال: «ألا أدلّكم على ما يجمع ذلك كلّه؟
تقول: اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك منه نبيّك محمّد، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه نبيّك محمّد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «4» .
6-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة الحاجة: «إنّ الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب 70/ 71) » ) * «5» .
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّمنا السّورة من القرآن، يقول:
«إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ يقول: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3388) وللحديث أطراف في (4143، 1691، 4751) ، ومسلم من حديث عائشة بسياق طويل جدّا.
(2) المكاتب: العبد الذي كاتبه سيده على شيء ما نظير عتقه في حالة الأداء.
(3) الترمذي (1655) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، والنسائي (6/ 61) وقال الألباني (2/ 677) : حسن حديث (3017) ، وابن ماجه (2518) .
(4) الترمذي (3521) وقال: حسن غريب، وذكره النووي في أذكاره ونقل كلام الترمذي (605) .
(5) أبو داود (2118) واللفظ له، الترمذي (1105) وقال: حسن وصحيح سنن الترمذي (882) ، النسائي (6/ 89) ، ابن ماجه (1893) وأصله في مسلم.(2/234)
عنّي، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثمّ أرضني به» قال: ويسمّي حاجته) * «1» .
8-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فقال:
«يا غلام، إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفّت الصّحف» ) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل، فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «3» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «4» (ثلاثا) غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. يقول «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال:
الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة) فوّض إليّ عبدي. فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين.
قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «5» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله
__________
(1) النسائي (6/ 80) واللفظ له وذكره الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني في الصحيحة (2/ 686، 687) ، وهو في البخاري بغير هذا اللفظ.
(2) الترمذي (2516) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (1/ 293، 303) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (4/ 269- 270) حديث (2763) .
(3) مسلم (2664) .
(4) والخداج: النقصان.
(5) مسلم (395) .(2/235)
لم يسرع به نسبه» ) * «1» .
12-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الّذي هو خير، وكفّر عن يمينك» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستعانة)
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قال: «اللهمّ أنت عضدي وأنت نصيري، وبك أقاتل» ) * «3» .
14-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- رضي الله عنها- أنّها قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قبل بدر. فلمّا كان بحرّة الوبرة «4» أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه. فلمّا أدركه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئت لأتّبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تؤمن بالله ورسوله؟» ، قال: لا. قال: «فارجع، فلن أستعين بمشرك» . قالت: ثمّ مضى حتّى إذا كنّا بالشّجرة أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّة. قال: «فارجع، فلن أستعين بمشرك» . قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أوّل مرّة: «تؤمن بالله ورسوله؟» . قال: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلق» ) * «5» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «6» ، وأجب دعوتي وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة «7» قلبي» ) * «8» .
16-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله
__________
(1) سنن الترمذي (1930) ومسلم (2699) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 13 (7147) واللفظ له، مسلم (1652) .
(3) الترمذي (3584) واللفظ له وقال: حسن غريب وعزاه المزي في التحفة إلى سنن النسائي الكبرى وعمل اليوم والليلة (1/ 604) ص (393- 394) . وأحمد (3/ 184) وأبو داود (2632) .
(4) حرة الوبرة: موضع على نحو أربعة أميال من المدينة.
(5) مسلم (1817) .
(6) حوبتي: أي إثمي.
(7) سخيمة قلبي: سخيمة القلب هي الحقد في النفس.
(8) أبو داود (1510) ، وابن ماجه (3830) ، وأحمد (1/ 227) ، الحاكم (1/ 519- 520) وقال: صحيح ووافقه الذهبي، وكذلك قال فيه الترمذي: حسن صحيح. وذكره النووي في أذكاره (606) .(2/236)
عنهما- قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلّا أنّي خرجت أنا وأبي، حسيل»
. قال: فأخذنا كفّار قريش. قالوا:
إنّكم تريدون محمّدا فقلنا: ما نريده. ما نريد إلّا المدينة فأخذوا منّا عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرناه الخبر.
فقال: «انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» ) * «2» .
17-* (عن مسروق- رضي الله عنه- قال:
بينما رجل- يحدّث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، ففزعنا فأتينا ابن مسعود فكان متّكئا فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم؛ فإنّ الله قال لنبيّه: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) . وإنّ قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة «3» حتّى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرّجل ما بين السّماء والأرض كهيئة الدّخان، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمّد! جئت تأمرنا بصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله.
فقرأ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. إلى قوله عائِدُونَ (الدخان/ 10- 15) ... الحديث) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستعانة)
1-* (كان موسى عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، يقول: «اللهمّ لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» ) * «5» .
2-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ! لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني.
وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ!
__________
(1) حسيل: اسم والد حذيفة، ويقال له حذيفة بن حسل ويقال حسيل.
(2) مسلم (1787) .
(3) السنة: هى العام من الجدب.
(4) البخاري- الفتح 8 (4774) .
(5) مجموع الفتاوى (1/ 112)(2/237)
إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي قال:
فوالله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟
قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير، اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال:
وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال عبد الله بن الزّبير: فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير. فقال: يا ابن أخي! كم على أخي من الدّين؟ فكتمه. فقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله:
أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم، فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. قال عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف.
فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف.
وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف.
وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله ابن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه. قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله، لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1»
3-* (قالت عائشة- رضي الله عنها- «لمّا قيل لها: مالك وللدّين؟ قالت: ألتمس عون الله للعبد يستدين على نيّة الأداء» ) * «2» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(2) أحمد (6/ 72) بتصرف.(2/238)
4-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى:
وقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز: «لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه» ) * «1» .
5-* (قال ابن القيّم والفيروزاباديّ- رحمهما الله تعالى-: «التّوكّل نصف الدّين، والنّصف الثّاني الإنابة؛ فإنّ الدّين استعانة وعبادة، فالتّوكّل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة» ) * «2» .
6-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «إنّ عبادة الله هي المقصودة والاستعانة به وسيلة إليها وجميع الخلق وإن كانوا ألف ألف يحتاجون إليه ويفتقرون إليه» ) * «3» .
7-* (قال بعض الحكماء من السّلف:
«يا ربّ، عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك» ) * «4» .
8-* (قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصّبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطّاعة، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصّلاة على طاعة الله وترك معاصيه، والتّعرّي عن الرّياسة وترك الدّنيا.
قيل: إنّ الصّلاة فيها تلاوة كتاب الله الدّاعية آياته إلى رفض الدّنيا، وهجر نعيمها المسلّية النّفوس عن زينتها وغرورها، المذكّرة الآخرة وما أعدّ الله فيها لأهلها، ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجدّ فيها.
كما روي عن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة» ) * «5» .
9-* (قال الطّبريّ عند قوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ أمر الله جلّ ثناؤه الّذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل، أن يجعلوا مفزعهم- في الوفاء بعهد الله الّذي عاهدوه- إلى الاستعانة بالصّبر والصّلاة. كما أمر نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال له: فَاصْبِرْ (يا محمّد (عَلى ما يَقُولُونَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (طه/ 130) فأمره جلّ ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصّبر والصّلاة» ) * «6» .
10-* (عن عيينة بن عبد الرّحمن عن أبيه: أنّ ابن عبّاس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع ثمّ تنحّى عن الطّريق، فأناخ فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثمّ قام يمشي إلى راحلته وهو يقول:
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) * «7» .
11-* (قال أبو العالية: في وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، قال يقول: استعينوا بالصّبر
__________
(1) جامع العلوم والحكم (182)
(2) مدارج السالكين (2/ 118) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 315) .
(3) تفسير ابن كثير (1/ 26) بتصرف.
(4) جامع العلوم والحكم (182) .
(5) الطبري (1/ 298) . وانظر المقدمة اللغوية (215) .
(6) المرجع السابق (1/ 298- 299) .
(7) المرجع السابق (1/ 299) .(2/239)
والصّلاة على مرضاة الله، واعلموا أنّها من طاعة الله» ) * «1» .
12-* (قال ابن جريج في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ قال: إنّهما معونتان على رحمة الله» ) * «2» .
13-* (قال ابن زيد في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ الآية، قال: قال المشركون والله يا محمّد إنّك لتدعونا إلى أمر كبير! قال: إلى الصّلاة والإيمان بالله جلّ ثناؤه» ) * «3» .
14-* (يقول تعالى آمرا عبيده فيما يؤمّلون من خير الدّنيا والآخرة بالاستعانة بالصّبر والصّلاة كما قال مقاتل بن حيّان في تفسير هذه الآية استعينوا على طلب الآخرة بالصّبر على الفرائض والصّلاة» ) * «4» .
من فوائد (الاستعانة)
(1) الاستعانة بالله من مظاهر عبادته وتوحيده.
(2) بالاستعانة بالله يواجه الإنسان الأخطار المحدقة به.
(3) شعور المسلم بالقوّة لأنّه لا يواجه المشاكل وحده بل معه ربّه.
(4) نزع شعور العجز من نفسه.
(5) صلاح قلبه وسدّ خلّة روحه.
(6) الاستعانة تذلّل الصّعاب وتقوّي المرء مع إخوانه على ما لا يستطيعه بمفرده.
(7) الاستعانة بالله تجعل الفرد المسلم وثيق الصّلة بربّه يجيبه إذا سأله، ويفرّج عنه كربه، ويغفر له ذنبه.
__________
(1) الطبري (1/ 299) .
(2) المرجع السابق (1/ 299) .
(3) الطبري (1/ 299)
(4) ابن كثير (1/ 88) .(2/240)
الاستغاثة
الاستغاثة لغة:
الاستغاثة مصدر استغاث وهو مأخوذ من الغوث بمعنى الإغاثة والنّصرة عند الشّدّة، ويقال الغيث في المطر، واستغثته طلبت منه الغوث أو الغيث فأغاثني من الغوث، وغاثني من الغيث، وقوله تعالى وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ (الكهف/ 29) يصحّ أن يكون من الغيث، ويصحّ أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصحّ فيه المعنيان، والغواث بالضّمّ: الإغاثة، وغوّث الرّجل، واستغاث: صاح واغوثاه. ويقول الواقع في البليّة: أغثني أي فرّج عنّي.
واستغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث. واستغثت فلانا فما كان لي عنده مغوثة، ولا غوث. وتقول: ضرب فلان فغوّث تغويثا إذا قال: واغوثاه وأغاثه الله، وغاثه غوثا وغياثا وهو ما أغاثك الله به «1» .
واصطلاحا:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
الاستغاثة طلب الغوث وهو لإزالة الشّدّة كالاستنصار طلب النّصر، والاستعانة طلب
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
16/ 8/ 7
المعونة «2» .
المغيث من أسماء الله الحسنى:
ومن أسماء الله- عزّ وجلّ-: (المغيث) وهو بمعنى المجيب لكن الإغاثة أخصّ بالأفعال، والإجابة أخصّ بالأقوال.
الفرق بين الاستغاثة والدعاء:
وقال بعض أهل العلم: الفرق بين الاستغاثة والدّعاء. أنّ الاستغاثة لا تكون إلّا من المكروب وأمّا الدّعاء فإنّه أعمّ من ذلك؛ إذ إنّه يكون من المكروب وغيره. فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في دعاء المكروب، وينفرد الدّعاء عنها في غير ذلك، فكلّ استغاثة دعاء، وليس كلّ دعاء استغاثة «3» .
وقال أبو عبد الله الحليميّ- رحمه الله تعالى-:
الغيّاث هو المغيث، وأكثر ما يقال غياث المستغيثين، ومعناه المدرك عباده في الشّدائد إذا دعوه، ومجيبهم ومخلّصهم «4» .
__________
(1) لسان العرب (6/ 3312) ، وانظر الصحاح (1/ 289) ، والمختار (483) ، ومقاييس اللغة (4/ 400) ، ومفردات الراغب (367) .
(2) مجموع الفتاوى (1/ 105) .
(3) فتح المجيد (165- 166) بتصرف شديد.
(4) مجموع الفتاوى (1/ 111) .(2/241)
أنواع الاستغاثة:
1- الاستغاثة غير المشروعة: قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى- في بيان معنى الاستغاثة المشروعة وغير المشروعة: من توسّل إلى الله تعالى بنبيّه في تفريج كربة فقد استغاث به، سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التّوسّل أو غيرهما ممّا هو في معناهما، وقول القائل: أتوسّل إليك يا إلهي برسولك أو أستغيث برسولك عندك أن تغفر لي: استغاثة حقيقيّة بالرّسول في لغة العرب وجميع الأمم، والتّوسّل بالرّسول استغاثة به، وهذا لا يجوز إلّا في حياته وحضوره لا في موته ومغيبه، وذلك كلّه فيما يقدر عليه من الأمور كما قال تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ (الأنفال/ 72) وكقوله تعالى: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ (القصص/ 15) . أمّا فيما لا يقدر عليه إلّا الله فلا يطلب إلّا منه سبحانه وتعالى. ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يستسقون به ولا يتوسّلون به بعد موته كما في صحيح البخاريّ:
«أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- استسقى بالعبّاس وقال: اللهمّ إنّا كنّا إذا أجدبنا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا فيسقون» .
وأمّا التّوسّل بغير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سواء سمّي استغاثة أو لم يسمّ، لا نعلم أحدا من السّلف فعله، ولا روي فيه أثر؛ بل لا نعلم فيه إلّا المنع «1» .
2- أمّا الاستغاثة المشروعة فتكون بالله- عزّ وجلّ- أو الأنبياء في حياتهم أو بالصّالحين من عباد الله حال حياتهم لا بعد موتهم فيما يقدرون عليه.
وقال رحمه الله: والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أنّ الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة «2» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: ومن أنواع الشّرك: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتّوجّه إليهم، وهذا أصل شرك العالم؛ فإنّ الميّت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا، فضلا عمّن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستعاذة- الاستعانة- الإغاثة- التعاون على البر والتقوى- الدعاء- التوسل- الضراعة والتضرع- الابتهال.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الشرك- الغفلة- الكسل- القنوط- الكبر والعجب اليأس] .
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/ 101- 105) بتصرف شديد.
(2) المصدر السابق (1/ 111) .
(3) فتح المجيد (168) .(2/242)
الآيات الواردة في «الاستغاثة»
1- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «1»
2- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) «2»
3- وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) «3»
الآيات الواردة في «الاستغاثة» معنى
4- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ
__________
(1) الأنفال: 9- 10 مدنية
(2) القصص: 15 مكية
(3) الأحقاف: 17 مكية
(4) البقرة: 248- 250 مدنية(2/243)
النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «1»
6- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)
فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)
وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «2»
7- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «3»
8-* وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) »
9- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «5»
10- قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) «6»
11- رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) «7»
12- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «8»
13- فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) «9»
14- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) «10»
__________
(1) الأنفال: 72 مدنية
(2) يونس: 84- 86 مكية
(3) الأنبياء: 76- 77 مكية
(4) الأنبياء: 83- 84 مكية
(5) الأنبياء: 87- 88 مكية
(6) الشعراء: 117- 120 مكية
(7) الشعراء: 169 مكية
(8) النمل: 62 مكية
(9) القصص: 21 مكية
(10) ص: 41- 44 مكية(2/244)
15- فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) «1»
16- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) «2»
__________
(1) القمر: 10- 14 مكية
(2) التحريم: 11 مدنية(2/245)
الأحاديث الواردة في (الاستغاثة)
1-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «1» من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارّة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل- وهي ترضعه- حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها.
فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا «2» . ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «3» حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتّى بلغ يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى- أو قال: يتلبّط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها «4» ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه «5» - تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» .
قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة؛ فإنّ ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق
__________
(1) المنطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء: هو ما يشد به الوسط.
(2) إذن لا يضيّعنا بضم العين في فتح الباري.
(3) الثّنيّة: العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه.
(4) درع المرأة: قميصها.
(5) صه: اسم فعل أمر بمعنى اسكت، وكأنها تطلب من نفسها إلانصات حتى تعلم مصدر الصوت.(2/246)
كداء «1» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا «2» أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا- قال وأمّ إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟
فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم.
قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى «3» ذلك أمّ إسماعيل- وهي تحبّ الأنس» - فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم «4» وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم.
وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة.
فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عزّ وجلّ- قال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال:
فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت:
نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك
__________
(1) كداء بفتح الكاف ممدود: هو الموضع الذي دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة منه.
(2) جريّ- كغني- الوكيل والرسول. قال ابن حجر: سمي بذلك لأنه يجري مجرى موكله أو مرسله. ينظر: القاموس المحيط وفتح الباري، ج 6 ص 464.
(3) فألفى: قال ابن حجر: فألفى ذلك: أي وجد أمّ إسماعيل بالنصب على المفعولية، وهي تحب الأنس بضم الهمزة ضد الوحشة ويجوز الكسر أي تحب جنسها. فتح الباري ج 6 ص 464.
(4) أنفسهم: بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي إنه أكثرهم نفاسة وشرفا، ولذلك أعجبهم فكثرت رغبتهم فيه فزوّجوه منهم.(2/247)
وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر.
قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال:
وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) » ) * «1» .
2-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم أعظم من فتنة الدّجّال. وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكلّ مسلم. وإن يخرج من بعدي فكلّ امرىء حجيج نفسه. والله خليفتي على كلّ مسلم، وإنّه يخرج من خلّة «2» بين الشّام والعراق. فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا؛ فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم. ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا. وإنّه أعور. وإنّ ربّكم ليس بأعور. وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كلّ مؤمن، كاتب أو غير كاتب.
وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة وجنّته نار. فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف. فتكون عليه بردا وسلاما. كما كانت النّار على إبراهيم.. الحديث» ) *. «3»
3-* (عن أنس- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس.
خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم. ويذكر ذنبه فيستحي، ائتوا نوحا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم. ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول: ائتوا خليل الرّحمن فيأتونه، فيقول: لست هناكم. ائتوا موسى، عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم. ويذكر قتل النّفس بغير نفس فيستحي من ربّه فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه:
فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3364) .
(2) خلّة: طريق ضيق بين البلدين لا يسع إلا فردا واحدا أو فردين.
(3) أخرجه البخاري مقطعا برقم (7122- 7133) و (7132- 7134) ، ومسلم (2937) ، واللفظ لابن ماجة سنن ابن ماجة (2/ 4077) .(2/248)
أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله ثمّ أشفّع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» ) * «1» .
وله لفظ آخر عند البخاري وهو: «إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثمّ بموسى، ثمّ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وزاد عبد الله: حدّثني اللّيث، حدّثني ابن أبي جعفر: فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم» ) * «2» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: «أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بواكي «3» » ، فقال:
«اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا «4» نافعا غير ضارّ عاجلا غير آجل» . قال: فأطبقت عليهم السّماء» ) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستغاثة)
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه أخبر: أنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا «6» لرجل من اليهود، فاستنظره جابر، فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشفع له إليه.
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّم اليهوديّ ليأخذ تمر نخله بالّتي له فأبى، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل فمشى فيها، ثمّ قال لجابر: جدّ له فأوف له الّذي له، فجدّه «7» بعد ما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالّذي كان فوجده يصلّي العصر، فلمّا انصرف أخبره بالفضل، فقال: «أخبر ذلك ابن الخطّاب» ، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليباركنّ فيها) * «8» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له، مسلم (193) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1475) .
(3) بواكي: جمع بائك وهو الباحث عن الماء.
(4) المريع: المخصب النّاجع، يقال: أمرع الوادي، ومرع مراعة انظر النهاية (5/ 320) .
(5) أبو داود (1169) ، وذكره الألباني في صحيحه برقم (1036) وقال: صحيح (2/ 216) ، ابن ماجة (1270) من حديث ابن عباس وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(6) الوسق: مكيلة معلومة، وهي ستّون صاعا، والصّاع خمسة أرطال وثلث.
(7) فجدّه: أي قطع ثمره من جدّ الثمرة يجدّها أي يقطعها.
(8) البخاري- الفتح 5 (2396) .(2/249)
دار القضاء، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما ثمّ قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: اللهمّ أغثنا. اللهمّ أغثنا.
اللهمّ أغثنا» . قال أنس: ولا والله ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة «1» ، وما بيننا وبين سلع «2» من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس «3» فلمّا توسّطت السّماء انتشرت ثمّ أمطرت قال: فلا والله ما رأينا الشّمس سبتا»
قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع الله يمسكها عنّا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: «اللهمّ حولنا ولا علينا، اللهمّ على الآكام «5» والظّراب «6» وبطون الأودية ومنابت الشّجر» . فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشّمس» ) * «7» .
7-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا.
فاستقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم القبلة ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ آت ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة، حتّى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثمّ التزمه من ورائه، وقال يا نبيّ الله:
كذاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فأمدّه الله بالملائكة ... الحديث» ) * «8» .
8-* (عن السّدّيّ قال: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره فأنزل الله عليه الملائكة) * «9» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستغاثة)
1-* (كان موسى- عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام- يقول: «اللهمّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» ) * «10» .
2-* (قال أبو يزيد (البسطاميّ) - رحمه الله تعالى-: «استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق» ) * «11» .
3-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَنُوحاً إِذْ
__________
(1) قزعة: قطعة من الغيم صغيرة.
(2) سلع: جبل بقرب المدينة.
(3) التّرس- بضم التاء- ما يتوقّى به، ومن جلد الأرض: الغليظ منها، ويبدو أن هذا الأخير هو المراد كما يشير إلى ذلك تشبيه السحابة به.
(4) سبتا: أي قطعة من الزمان.
(5) الآكام: دون الجبل وأعلى من الرابية، وقيل جمع أكمة وهي التل.
(6) الظراب: الروابي الصغار.
(7) البخاري- الفتح 2 (1013) ، مسلم (897) واللفظ له.
(8) مسلم (1763) .
(9) تفسير الطبري (مجلد 6/ ج 9/ 126- 127) .
(10) مجموع الفتاوى (1/ 112) .
(11) المرجع السابق (1/ 106) .(2/250)
نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَنَصَرْناهُ ... (الأنبياء/ 76- 77) .
يقول- تعالى ذكره-: واذكر يا محمّد نوحا إذ نادى ربّه من قبلك ومن قبل إبراهيم ولوط وسألنا أن نهلك قومه الّذين كذّبوا الله فيما توعّدهم به من وعيده، وكذّبوا نوحا فيما أتاهم به من الحقّ من عند ربّه وقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ 26) فاستجبنا له دعاءه، ونجّيناه وأهله- أي أهل الإيمان- من الكرب العظيم أي العذاب الّذي أحلّ بالمكذّبين) * «1» .
4-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) أي تستجيرون به من عدوّكم، وتدعونه للنّصر عليهم (فاستجاب لكم) أي:
أجاب دعاءكم ب أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يردف بعضهم بعضا، ويتلو بعضهم بعضا) * «2» .
5-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ... فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ.. الآيات (القمر/ 9- 15) .
أي: دعا عليهم حينئذ نوح وقال: ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ أي غلبوني بتمرّدهم فَانْتَصِرْ أي فانتصر لي.
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ أي فأجبنا دعاءه، وأمرنا باتّخاذ السّفينة وفتحنا أبواب السّماء بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي كثير..) * «3» .
6-* (قال الشّيخ أبو عبد الله القرشيّ- رحمه الله تعالى-: «استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة السّجين بالسّجين» ) * «4» .
7-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «قال العلماء المصنّفون في أسماء الله تعالى: يجب على كلّ مكلّف أن يعلم أن لا غيّاث ولا مغيث على الإطلاق إلّا الله، وأنّ كلّ غوث فمن عنده» ) * «5» .
من فوائد (الاستغاثة)
(1) فيها صرف الهمّة كلّها إلى الله المتصرّف في الكون كلّه بكمال قدرته واليقين بأنّ الخلق ينفّذون قدره وأمره.
(2) الاستغاثة في الأمور الّتي لا يقدر عليها إلّا الله من التّوحيد؛ فهي دليل الإيمان به وحده.
(3) بالاستغاثة تقوى عزيمة الإنسان لمعرفته بأنّ من يستغيث به قادر على إغاثته.
(4) الاستغاثة سبب من أسباب النّصر كما حدث للمسلمين يوم بدر.
(5) الاستغاثة تقوّي الرّوح المعنويّة للمستغيث وتعلمه بأنّ الفرج قريب.
(6) الاستغاثة مجلبة للخير، وبها يعمّ الخير العباد والبلاد.
__________
(1) تفسير الطبري (مجلد 9/ ج 17/ 37) .
(2) المرجع السابق (مجلد 6/ ج 9/ 126- 127) .
(3) تفسير القرطبي (ج 17/ 131) .
(4) مجموع الفتاوى (1/ 206) .
(5) المرجع السابق (1/ 110- 111) .(2/251)
الاستغفار
الاستغفار لغة:
الاستغفار مصدر قولهم: استغفر يستغفر وهو مأخوذ من مادّة (غ ف ر) الّتي تدلّ على السّتر في الغالب الأعمّ فالغفر السّتر، والغفر والغفران بمعنى (واحد) ، يقال: غفر الله ذنبه غفرا ومغفرة وغفرانا، قال الشّاعر في الغفر:
في ظلّ من عنت الوجوه له ... ملك الملوك ومالك الغفر
وقال ابن منظور: أصل الغفر التّغطية والسّتر.
يقال: اللهمّ اغفر لنا مغفرة وغفرا وغفرانا، وإنّك أنت الغفور الغفّار يا أهل المغفرة. غفر الله ذنوبه أي سترها. واستغفر الله من ذنبه ولذنبه بمعنى، فغفر له ذنبه مغفرة وغفرا وغفرانا.
وفي الحديث: غفار غفر الله لها. قال ابن الأثير: يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخبارا أنّ الله تعالى قد غفر لها. واستغفر الله ذنبه، على حذف الحرف، طلب منه غفره. أنشد سيبويه:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه القول والعمل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
155/ 57/ 7
وتغافرا: دعا كلّ واحد منهما لصاحبه بالمغفرة.
وامرأة غفور، بغير هاء «1» .
وقال الرّاغب: الغفر: إلباس ما يصونه عن الدّنس ومنه قيل: اغفر ثوبك في الدّعاء واصبغ ثوبك فإنّه أغفر للوسخ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، وقيل: اغفروا هذا الأمر بغفرته، أي استروه بما يجب أن يستر به «2» .
الغفور والغفّار وغافر الذّنب من أسماء الله تعالى:
الغفور الغفّار- جلّ ثناؤه- وهما من أبنية المبالغة، ومعناهما السّاتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.
والغفران والمغفرة من الله تعالى: أن يصون الله العبد من أن يمسّه العذاب.. وغافر الذّنب اسم من أسماء الله الحسنى الّتي تضمّ إلى التّسعة والتّسعين اسما المشهورة «3» .
قال الغزاليّ- رحمه الله-: الغفّار: هو الّذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذّنوب من جملة القبائح
__________
(1) لسان العرب (5/ 25، 26) باختصار.
(2) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني (362) .
(3) المقصد الأسنى (80) .(2/252)
الّتي سترها الله بإسبال السّتر عليها في الدّنيا، والتّجاوز عن عقوبتها في الآخرة. والغفر هو السّتر.
والغفور بمعنى الغفّار، ولكنّه بشيء ينبىء عن نوع مبالغة لا ينبأ عنها الغفّار. فالفعّال ينبيء عن كثرة الفعل، والفعول ينبيء عن جودته وكماله وشموله «1» .
وقال الخطّابيّ الحافظ- رحمه الله تعالى-:
الغفّار هو الّذي يغفر ذنوب عباده مرّة بعد أخرى، كلّما تكرّرت التّوبة من الذّنب تكرّرت المغفرة.
فالغفّار: السّتّار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى السّتر في هذا أنّه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة الّتي تشهّره في عيونهم «2» .
واصطلاحا:
الاستغفار من طلب الغفران. والغفران:
تغطية الذّنب بالعفو عنه.
وهو أيضا طلب ذلك بالمقال والفعال «3» .
الفرق بين الغفران والعفو:
قال الكفويّ: إنّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يستعمل إلّا في (حقّ) البارى تعالى، والعفو يقتضي إسقاط اللّوم والنّدم ولا يقتضي نيل الثّواب، ويستعمل في العبد أيضا.
وقال أبو هلال العسكريّ: لا يقال غفر زيد لك إلّا شاذّا قليلا والشّاهد على شذوذه أنّه لا يتصرّف في صفات العبد كما يتصرّف في صفات الله تعالى، ألا ترى أنّه يقال: استغفرت الله تعالى ولا يقال: استغفرت زيدا، والمحو أعمّ من العفو والغفران «4» .
وهناك فروق بين الغفران وكلّ من السّتر والصّفح. (انظر صفتي السّتر والصّفح) .
[للاستزادة: انظر صفات: الابتهال- الإنابة- التوبة- الدعاء- الذكر- الضراعة والتضرع- القنوت.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإصرار على الذنب- الإعراض- الغفلة- الغرور- القنوط] .
__________
(1) المقصد الأسنى (205) .
(2) شأن الدعاء للخطابي (52، 53) .
(3) له الأسماء الحسنى للشرباصي (2/ 263) .
(4) الكليات للكفوي (666- 667) ، والفروق لأبي هلال (195) .(2/253)
الآيات الواردة في «الاستغفار»
أولا: تأميل الراجين وتأنيس المذنبين بمغفرته سبحانه لأنه هو الغفور الغفار:
1- وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) «1»
2- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2»
3- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «3»
4- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «5»
6- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) «6»
7- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «7»
8- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «8»
9- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) «9»
__________
(1) البقرة: 58 مدنية
(2) البقرة: 173 مدنية
(3) البقرة: 182 مدنية
(4) البقرة: 191- 192 مدنية
(5) البقرة: 218 مدنية
(6) البقرة: 226 مدنية
(7) البقرة: 235 مدنية
(8) البقرة: 268 مدنية
(9) آل عمران: 31 مدنية(2/254)
10- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «1»
11- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) «2»
12- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «3»
13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) »
14- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95)
دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «5»
15- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ
__________
(1) آل عمران: 155 مدنية
(2) النساء: 23 مدنية
(3) النساء: 25 مدنية
(4) النساء: 43 مدنية
(5) النساء: 95- 96 مدنية(2/255)
أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97)
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99)
* وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) «1»
16- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
(110) «2»
17- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «3»
18- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) «4»
19- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «5»
20- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «6»
21- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
__________
(1) النساء: 97- 100 مدنية
(2) النساء: 110 مدنية
(3) النساء: 129 مدنية
(4) النساء: 152 مدنية
(5) المائدة: 3 مدنية
(6) المائدة: 33- 34 مدنية(2/256)
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «1»
22- اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) «2»
23- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) «3»
24- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «4»
25- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «5»
26- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «6»
27- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) «7»
28- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «8»
__________
(1) المائدة: 38- 39 مدنية
(2) المائدة: 98 مدنية
(3) المائدة: 101 مدنية
(4) الأنعام: 54 مكية
(5) الأنعام: 145 مكية
(6) الأنعام: 165 مكية
(7) الأعراف: 167- 169 مكية
(8) التوبة: 5 مدنية(2/257)
29- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «1»
30- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «2»
31- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «3»
32- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(102) «4»
33- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «5»
34- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
* وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) «6»
35-* وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) «7»
__________
(1) التوبة: 25- 27 مدنية
(2) التوبة: 90- 91 مدنية
(3) التوبة: 99 مدنية
(4) التوبة: 101- 102 مدنية
(5) يونس: 107 مكية
(6) هود: 40- 41 مكية
(7) يوسف: 53 مكية(2/258)
36- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «1»
37-* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) «2»
38- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «3»
39- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «4»
40- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) «5»
41- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41)
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «6»
42- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) «7»
43- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «8»
44- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
__________
(1) الرعد: 6 مدنية
(2) الحجر: 49- 50 مكية
(3) النحل: 18 مكية
(4) النحل: 110 مكية
(5) النحل: 115 مكية
(6) الإسراء: 41- 44 مكية
(7) الكهف 58 مكية
(8) الحج: 58- 60 مدنية(2/259)
خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «1»
45- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) »
46- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
(70) «3»
47- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) «4»
48- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي
__________
(1) النور: 32- 33 مدنية
(2) الفرقان: 4- 6 مكية
(3) الفرقان: 63- 70 مكية
(4) الأحزاب: 50 مدنية(2/260)
الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «1»
49- قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) «2»
50- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) «3»
51- أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) «4»
52- حم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «5»
53- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38)
يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40)
* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «6»
54- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
(31)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «7»
55- ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) «8»
__________
(1) سبأ: 1- 4 مكية
(2) ص: 65- 66 مكية
(3) الزمر: 5 مكية
(4) الزمر: 52- 53 مكية
(5) غافر: 1- 3 مكية
(6) غافر: 38- 42 مكية
(7) فصلت: 30- 32 مكية
(8) فصلت: 43 مكية(2/261)
56- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «1»
57- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «2»
58- وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «3»
59- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) «4»
60- قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) «5»
61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «6»
62-بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
(2) «7»
63- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16) «8»
__________
(1) الشورى: 22- 23 مكية
(2) الأحقاف: 7- 8 مكية
(3) الحجرات: 5 مدنية
(4) النجم: 31- 32 مكية
(5) المجادلة: 1- 2 مدنية
(6) المجادلة: 12 مدنية
(7) الملك: 1- 2 مكية
(8) البروج: 12- 16 مكية(2/262)
ثانيا: أمر الله بالاستغفار:
64- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) «1»
65-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «2»
66- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105)
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) «3»
67- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) «4»
68- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) «5»
69- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) «6»
70- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «7»
71-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «8»
__________
(1) البقرة: 199 مدنية
(2) آل عمران: 133- 134 مدنية
(3) النساء: 105- 106 مدنية
(4) المائدة: 73- 74 مدنية
(5) غافر: 53- 55 مكية
(6) فصلت: 6 مكية
(7) محمد: 19 مدنية
(8) المزمل: 20 مدنية(2/263)
72- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «1»
ثالثا: دعوة الأنبياء والصالحين أقوامهم للاستغفار:
73- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) «2»
74- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51)
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «3»
75-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «4»
76- وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) «5»
77- فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) »
78-* قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) «7»
__________
(1) النصر: 1- 3 مدنية
(2) هود: 1- 4 مكية
(3) هود: 50- 52 مكية
(4) هود: 61 مكية
(5) هود: 89- 90 مكية
(6) يوسف: 28- 29 مكية
(7) ابراهيم: 10 مدنية(2/264)
79- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «1»
رابعا: الاستغفار من صفات الأنبياء والصالحين:
80- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «2»
81- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147)
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «3»
82- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) «4»
83- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
__________
(1) نوح: 1- 7 مكية
(2) البقرة: 285- 286 مدنية
(3) آل عمران: 146- 148 مدنية
(4) آل عمران: 190- 193 مدنية(2/265)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) «1»
84- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «2»
85- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «3»
86- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «4»
87- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «5»
88- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) «6»
__________
(1) الأعراف: 19- 24 مكية
(2) الأعراف: 148- 150 مكية
(3) الأعراف: 155 مكية
(4) هود: 45- 47 مكية
(5) طه: 72- 73 مكية
(6) المؤمنون: 109- 110 مكية(2/266)
89- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «1»
90- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «2»
91- قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) «3»
92- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «4»
93-* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) «5»
94- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) «6»
__________
(1) المؤمنون: 115- 118 مكية
(2) الشعراء: 49- 51 مكية
(3) الشعراء: 75- 82 مكية
(4) القصص: 15- 16 مكية
(5) ص: 21- 25 مكية
(6) ص: 34- 35 مكية(2/267)
95- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «1»
96- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) «2»
97- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «3»
خامسا: الاستغفار يكون للنفس وللغير:
98- وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «4»
99- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «5»
100- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) «6»
101- قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «7»
__________
(1) الحشر: 10 مدنية
(2) الممتحنة: 5- 7 مدنية
(3) التحريم: 8 مدنية
(4) آل عمران: 157- 159 مدنية
(5) النساء: 64 مدنية
(6) الأعراف: 151- 153 مكية
(7) يوسف: 92 مكية(2/268)
102- فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (96) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) «1»
103- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40)
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «2»
104- يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45)
قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47)
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) «3»
105- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «4»
106- حم (1)
عسق (2)
كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «5»
107- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «6»
108- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)
__________
(1) يوسف: 96- 98 مكية
(2) ابراهيم: 40- 41 مكية
(3) مريم 45- 48 مكية
(4) غافر: 7 مكية
(5) الشورى: 1- 5 مكية
(6) الممتحنة: 12 مدنية(2/269)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «1»
سادسا: غفران الله عز وجل (قبول الاستغفار) يرتبط بالتوبة والعمل الصالح:
109- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) »
110- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «3»
111- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68)
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) «4»
112- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) «5»
113-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) «6»
114- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا
__________
(1) نوح: 26- 28 مكية
(2) الأعراف: 161 مكية
(3) الأنفال: 29 مكية
(4) الأنفال: 67- 70 مكية
(5) النحل: 118- 119 مكية
(6) الإسراء: 23- 25 مكية(2/270)
عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «1»
115- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2»
116- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «3»
117- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4»
118- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) «5»
119- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «6»
120- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) «7»
__________
(1) طه: 80- 82 مكية
(2) النور: 4- 5 مدنية
(3) النور: 22 مدنية
(4) الأحزاب: 59 مدنية
(5) الأحقاف: 29- 31 مكية
(6) الحديد: 21 مدنية
(7) الصف: 10- 12 مدنية(2/271)
سابعا: الاستغفار المقبول يرتبط بمشيئة الله- عزّ وجلّ-:
121- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) «1»
122- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «2»
123- وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) «3»
124- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) «4»
125- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «5»
126- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «6»
127- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) «7»
__________
(1) البقرة: 284 مدنية
(2) آل عمران: 129 مدنية
(3) المائدة: 18 مدنية
(4) المائدة: 40 مدنية
(5) المائدة: 116- 118 مدنية
(6) الأحزاب: 21- 24 مدنية
(7) الفتح: 14 مدنية(2/272)
ثامنا: قبول الاستغفار يكون للمؤمنين والمتقين:
128- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) «1»
129- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) «2»
130- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) «3»
131- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «4»
132- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
(4) «5»
133- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «6»
134- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) «7»
135- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) «8»
__________
(1) المائدة: 9 مدنية
(2) محمد: 15 مدنية
(3) الفتح: 1- 2 مدنية
(4) الفتح: 29 مدنية
(5) الحجرات: 2- 4 مدنية
(6) الحديد: 28 مدنية
(7) التغابن: 16- 17 مدنية
(8) الملك: 12 مكية(2/273)
تاسعا: قبول الاستغفار يكون للكافر إذا أسلم وحسن إسلامه:
136- وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «1»
137- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) «2»
عاشرا: لا يقبل الله استغفارا من مشرك أو فاسق:
138- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) «3»
139- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) «4»
حادي عشر: الأوقات المفضلة للاستغفار:
140-* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «5»
141- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) »
__________
(1) آل عمران: 85- 89 مدنية
(2) الأنفال: 38 مدنية
(3) النساء: 116 مدنية
(4) التوبة: 79- 80 مدنية
(5) آل عمران: 15- 17 مدنية
(6) الذاريات: 15- 18 مكية(2/274)
ثاني عشر: أثر الاستغفار في الدنيا منع العذاب- استجلاب الرحمة- الإمداد بالأموال والبنين) :
142- وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) «1»
143- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55) «2»
144- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «3»
145- ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10)
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (12) «4»
ثالث عشر: البشارة بالمغفرة ودخول الجنة في الآخرة:
146- وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «5»
147- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «6»
148- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) «7»
__________
(1) الأنفال: 33 مدنية
(2) الكهف 55 مكية
(3) النمل: 45- 46 مكية
(4) نوح: 8- 12 مكية
(5) آل عمران: 135- 136 مدنية
(6) الأنفال: 2- 4 مدنية
(7) الأنفال: 74 مدنية(2/275)
149- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «1»
150- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) «2»
151- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «3»
152- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «4»
153- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «5»
154- وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «6»
155- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «7»
__________
(1) هود: 9- 11 مكية
(2) الحج: 49- 50 مدنية
(3) النور: 23- 26 مدنية
(4) الأحزاب: 35 مدنية
(5) يس: 11 مكية
(6) يس: 22- 27 مكية
(7) الحديد: 20 مدنية(2/276)
الأحاديث الواردة في (الاستغفار)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا جاء أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة «1» ثوبه ثلاث مرّات وليقل: باسمك ربّي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: «أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال: أي ربّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب.
ثمّ عاد فأذنب فقال: أي ربّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» . قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثّالثة أو الرّابعة: «اعمل ما شئت» ) * «3» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا:
بلى قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج ثمّ أجافه «4» رويدا. فجعلت درعي «5» في رأسي، واختمرت «6» وتقنّعت إزاري. ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام، فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثّم انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت.
فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل.
فقال: «مالك يا عائش؟ حشيا رابية «7» » . قالت: لا شيء. قال: «لتخبرنّي أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» .
قالت: يا رسول الله؟ بأبي أنت وأمّي فأخبرته. قال:
«فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم.
فلهدني «8» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال:
__________
(1) صنفة: بفتح الصاد وكسر النون وفتح الفاء: هي حاشية الثوب.
(2) البخاري- الفتح 13 (7393) واللفظ له، ومسلم (2714) .
(3) حديث قدسي: أخرجه البخاري- الفتح 13 (7507) ، ومسلم (2758) واللفظ له.
(4) أجافه: أغلقه.
(5) درعي: درع المرأة قميصها.
(6) اختمرت: لبست خماري.
(7) حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها وحشيا معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه المحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره.
(8) لهدني: ضربني.(2/277)
«أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك.
وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «1» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اغفر للمحلّقين» . قالوا:
وللمقصّرين. قال: «اللهمّ اغفر للمحلّقين» قالوا:
وللمقصّرين. قالها ثلاثة، قال «وللمقصّرين» ) * «2» .
5-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار» ) * «3» .
6-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عبد الله بن أبيّ لمّا توفّي جاء ابنه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا رسول الله أعطني قميصك أكفّنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له. فأعطاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قميصه. فقال:
آذنّي أصلّي عليه. فآذنه. فلمّا أراد أن يصلّي عليه جذبه عمر- رضي الله عنه- فقال: أليس الله قد نهاك أن تصلّي على المنافقين فقال: «أنا بين خيرتين» ، قال:
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (التوبة/ 80) . فصلّى عليه. فنزلت وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (التوبة/ 84) » ) * «4» .
7-* (عن جندب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّث: «أنّ رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان. وإنّ الله تعالى قال: من ذا الّذي يتألّى «5» عليّ أن لا أغفر لفلان. فإنّي قد غفرت لفلان.
وأحبطت عملك» أو كما قال) * «6» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لم يعمل حسنة قطّ لأهله: إذا مات فحرّقوه ثمّ اذروا نصفه في البرّ ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذّبنّه عذابا لا يعذّبه أحدا من العالمين، فلمّا مات فعلوا ما أمرهم.
فأمر الله البرّ فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه.
ثمّ قال: لم فعلت هذا؟. قال: من خشيتك يا ربّ وأنت أعلم. فغفر الله له» ) * «7» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله تبارك وتعالى ملائكة سيّارة
__________
(1) مسلم (974) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1728) واللفظ له، ومسلم (1302) .
(3) مسلم (2506) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1269) .
(5) يتألى: يحلف.
(6) مسلم (2621) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7506) ، ومسلم (2756) .(2/278)
فضلا يتّبعون مجالس الذّكر. فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحفّ بعضهم بعضا بأجنحتهم.
حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال: فيسألهم الله- عزّ وجلّ- وهو أعلم بهم- من أين جئتم؟. فيقولون:
جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك، ويكبّرونك، ويهلّلونك ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟. قالوا: يسألونك جنّتك. قال:
وهل رأوا جنّتي؟. قالوا: لا. أي ربّ، قال: فكيف لو رأوا جنّتي؟. قالوا: ويستجيرونك. قال: وممّ يستجيرونني؟. قالوا: من نارك يا ربّ. قال: وهل رأوا ناري؟. قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟.
قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم.
فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم ممّا استجاروا. قال:
فيقولون: ربّ فيهم فلان عبد خطّاء. إنّما مرّ فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «1» .
10-* (عن جندب بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه- أنّه بعث إلى عسعس بن سلامة، زمن فتنة ابن الزّبير، فقال: اجمع لي نفرا من إخوانك حتّى أحدّثهم. فبعث رسولا إليهم. فلمّا اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس «2» أصفر. فقال: تحدّثوا بما كنتم تحدّثون به. حتّى دار الحديث. فلمّا دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه. فقال: إنّي أتيتكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيّكم. إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنّهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإنّ رجلا من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنّا نحدّث أنّه أسامة بن زيد، فلمّا رفع عليه السّيف قال: لا إله إلّا الله، فقتله. فجاء البشير إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فسأله فأخبره. حتّى أخبره خبر الرّجل كيف صنع، فدعاه، فسأله. فقال: «لم قتلته؟» . قال: يا رسول الله! أوجع في المسلمين.
وقتل فلانا وفلانا وسمّى له نفرا. وإنّي حملت عليه.
فلمّا رأى السّيّف قال: لا إله إلّا الله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» . قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» . قال: يا رسول الله استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» . قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» ) *» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل. فمن كبّر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس، أو شوكة أو عظما عن
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6408) ، مسلم 4 (2689) .
(2) برنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به.
(3) مسلم (97) .(2/279)
طريق النّاس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى. فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» . قال أبو توبة: وربّما قال:
«يمسي» ) * «1» .
12-* (عن أبي السّائب مولى هشام بن زهرة أنّه دخل على أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- في بيته قال فوجدته يصلّي. فجلست أنتظره حتّى يقضي صلاته. فسمعت تحريكا في عراجين «2» في ناحية البيت. فالتفتّ فإذا حيّة. فوثبت لأقتلها.
فأشار إليّ: أن اجلس. فجلست. فلمّا انصرف أشار إلى بيت في الدّار. فقال: أترى هذا البيت؟. فقلت:
نعم. قال: كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس. قال:
فخرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق. فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنصاف النّهار فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوما. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«خذ عليك سلاحك. فإنّي أخشى عليك قريظة» .
فأخذ الرّجل سلاحه. ثمّ رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة. فأهوى إليها الرّمح ليطعنها به. وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتّى تنظر ما الّذي أخرجني. فدخل فإذا بحيّة عظيمة منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرّمح فانتظمها به. ثمّ خرج فركزه في الدّار. فاضطربت عليه. فما يدرى أيّهما كان أسرع موتا. الحيّة أم الفتى؟
قال فجئنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرنا ذلك له. وقلنا:
ادع الله يحييه لنا. فقال: «استغفروا لصاحبكم» . ثمّ قال: «إنّ بالمدينة جنّا قد أسلموا. فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيّام. فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنّما هو شيطان» ) * «3» .
13-* (عن حمران مو لى عثمان بن عفّان رضي الله عنهما- أنّه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرّات، ثمّ أدخل يمينه في الوضوء، ثمّ تمضمض واستنشق واستنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل كلّ رجل ثلاثا، ثمّ قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ نحو وضوئي هذا وقال: «من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه» ) * «4» .
14-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: إنّي كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدّثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، وإنّه حدّثني أبو بكر وصدق أبو بكر. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل يذنب ذنبا ثمّ يقوم فيتطهّر، ثمّ يصلّي، ثمّ يستغفر الله إلّا غفر له، ثمّ قرأ
__________
(1) مسلم (1007) .
(2) عراجين: أراد بها الأعواد التي في سقف البيت شبهها بالعراجين والعراجين مفردة عرجون وهو العذق الذي يعوج ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا.
(3) مسلم (2236) .
(4) البخاري- الفتح 1 (164) واللفظ له، مسلم (232) مختصرا.(2/280)
هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ (آل عمران/ 135) إلى آخر الآية» ) * «1» .
15-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ونحن قعود معه، إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا. فأقمه عليّ. فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أعاد فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ. فسكت عنه. وأقيمت الصّلاة. فلمّا انصرف نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال أبو أمامة: فاتّبع الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف. واتّبعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنظر ما يردّ على الرّجل. فلحق الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا، فأقمه عليّ.
قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء؟» . قال: بلى. يا رسول الله، قال: «ثمّ شهدت الصّلاة معنا؟» . فقال: نعم يا رسول الله.
قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد غفر لك حدّك- أو قال- ذنبك» ) * «2» .
16-* (عن مسروق- رحمه الله- قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: تركت في المسجد رجلا يفسّر القرآن برأيه. يفسّر هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (الدخان/ 10) قال: يأتي النّاس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم. حتّى يأخذهم منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله: من علم علما فليقل به.
ومن لّم يعلم فليقل: الله أعلم. فإنّ من فقه الرّجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم. إنّما كان هذا، أنّ قريشا لمّا استعصت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد، حتّى جعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. وحتّى أكلوا العظام. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله! استغفر الله لمضر، فإنّهم قد هلكوا. فقال: «لمضر؟ إنّك لجريء» . قال فدعا الله لهم فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (الدخان 51) . قال: فمطروا.
فلمّا أصابتهم الرّفاهية قال: عادوا إلى ما كانوا عليه.
قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 10- 11) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16) قال: يعني يوم بدر» ) * «3» .
17-* (عن بريدة قال: جاء ماعز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، طهّرني.
فقال: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» . قال:
فرجع غير بعيد ثمّ جاء. فقال: يا رسول الله؛ طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك، ارجع
__________
(1) الترمذي (3006) ، أبو داود (1521) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) : صحيح، ابن ماجة (1395) ، جامع الأصول (4/ 230) وقال محققه: إسناده حسن، وقد حسنه غير واحد.
(2) مسلم (2765) .
(3) البخاري- الفتح 8 (4821) ، مسلم (2798) واللفظ له.(2/281)
فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء. فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة، قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» . فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبه جنون؟» . فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» . فقام رجل فاستنكهه «1» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» . فقال: نعم. فأمر به فرجم.
فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز: أنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يديه.
ثمّ قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لماعز بن مالك» . قال:
فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لقد تاب توبة لو قسّمت بين أمّة لوسعتهم» . قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «2» من الأزد، فقالت: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» . فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» . قالت: إنّها حبلى من الزّنى. فقال: «آنت؟» . قالت: نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» . قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال: «إذا لا نرجمها، وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» . فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبيّ الله، قال:
«فرجمها» ) * «3» .
18-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة. حتّى أتى المسجد. فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قطّ. ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده. فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ، وفي رواية ابن العلاء:
كسفت الشّمس. وقال: «يخوّف عباده» ) * «4» .
19-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة، وقد شقّ بصره «5» . فأغمضه؛ ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر» .. فضجّ ناس من أهله. فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلّا بخير. فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» . ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع
__________
(1) فاستنكهه: أي شم رائحة فمه.
(2) غامد: بطن من جهينة.
(3) البخاري- الفتح 12 (6820) مختصرا، مسلم (1695) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (1059) ومسلم (912) واللفظ له.
(5) شقّ بصره: يضبط بالفتح والضم هو المشهور وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه.(2/282)
درجته في المهديّين واخلفه في عقبه «1» الغابرين.
واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره. ونوّر له فيه» ) * «2» .
20-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول:
اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» . قال:
«ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «3» .
21-* (عن عليّ بن ربيعة قال: شهدت عليّا أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال:
بسم الله ثلاثا، فلمّا استوى على ظهرها، قال: الحمد لله، ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13- 14) ثمّ قال: الحمد لله ثلاثا، والله أكبر ثلاثا، سبحانك إنّي قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، ثمّ ضحك. قلت: من أيّ شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟. قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صنع كما صنعت ثمّ ضحك، فقلت:
من أيّ شيء ضحكت يا رسول الله؟. قال: «إنّ ربّك ليعجب من عبده إذا قال ربّ اغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذّنوب غيرك» ) * «4» .
22-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة. فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه. وأكرم نزله. ووسّع مدخله. واغسله بالماء والثّلج والبرد. ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس. وأبد له دارا خيرا من داره. وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه. وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) . قال:
حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت» ) * «5» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة. وذلك أنّ أحدكم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ أتى المسجد. لا ينهزه «6» إلّا الصّلاة لا يريد إلّا الصّلاة، فلم يخط خطوة إلّا رفع له بها درجة. وحطّ عنه بها خطيئة. حتّى يدخل المسجد.
فإذا دخل المسجد كان في الصّلاة ما كانت الصّلاة هي تحبسه. والملائكة يصلّون على أحدكم مادام في
__________
(1) اخلفه في عقبه: أي كن له خليفة في ذريته والغابرين أي الباقين.
(2) مسلم (920) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6306) .
(4) أبو داود رقم (2602) والترمذي (3446) قال: وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: حديث حسن صحيح. قال محقق جامع الأصول (4/ 288) : وهو كما قال. ورواه أيضا ابن حبّان رقم (2689) «الإحسان» .
(5) مسلم (963) .
(6) لا ينهزه: لا ينهضه.(2/283)
مجلسه الّذي صلّى فيه. يقولون: اللهمّ ارحمه. اللهمّ اغفر له. اللهمّ تب عليه. ما لم يؤذ فيه. ما لم يحدث فيه» ) * «1» .
24-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يا ابن آدم، إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان «2» السّماء، ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض «3» خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «4» .
25-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
«قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فنزل أعلى المدينة في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى بني النّجّار فجاءوا متقلّدي السّيوف، كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على راحلته وأبو بكر ردفه «5» وملأبني النّجّار حوله، حتّى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحبّ أن يصلّي حيث أدركته الصّلاة ويصلّي في مرابض الغنم، وأنّه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النّجّار فقال: «يا بني النّجّار، ثامنوني بحائطكم «6» هذا» . قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله. فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وفيه خرب، وفيه نخل.
فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، ثمّ بالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع. فصفّوا النّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه «7» الحجارة، وجعلوا ينقلون الصّخر وهم يرتجزون، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معهم وهو يقول:
اللهمّ لا خير إلّا خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» ) *
«8» .
26-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة:
فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي.
فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا.
حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل «9» ، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش.
فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (445) ، مسلم (649) ، وأحمد (2/ 252) واللفظ له.
(2) عنان: بفتح العين السحاب، وبكسرها لجام الدابة.
(3) بقراب الأرض- بضم القاف- أي بما يقارب ملأها وهو مصدر قارب يقارب.
(4) الترمذي (3540) . قال محقق جامع الأصول (8/ 40) : حسنه الترمذي وهو كما قال، وذكره الحافظ في الفتح وقال: رواه ابن حبان وصححه.
(5) ردفه: أي راكب وراءه.
(6) ثامنوني بحائطكم: أي اذكروا لي ثمن بستانكم.
(7) عضادتيه: عضادتا الباب خشبتان منصوبتان مثبتتان في الحائط على جانبيه.
(8) البخاري- الفتح 1 (428) واللفظ له، مسلم (1805) .
(9) قفل: أي رجع.(2/284)
صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «1» قد انقطع.
فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي «2» .
فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «3» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «4» من الطّعام. فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش.
فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت به. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس»
من وراء الجيش فادّلج «6» .
فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان «7» نائم.
فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «8» حين عرفني. فخمّرت وجهي «9» بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه.
حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «10» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره «11» عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك «12» . ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» . فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعد ما نقهت «13» وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «14» . وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه.
وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين
__________
(1) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.
(2) هودجي: الهودج مركب من مراكب النساء.
(3) لم يهبّلن: يقال هبّله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(4) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(5) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(6) فادّلج: الادلاج هو السير آخر الليل.
(7) سواد إنسان: أي شخصه.
(8) باسترجاعه: أي بقوله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
(9) فخمرت وجهي: أي غطيته.
(10) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
(11) تولى كبره: أي معظمه.
(12) يفيضون في قول أهل الإفك: أي يخوضون.
(13) نقهت: أي أفقت من المرض.
(14) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.(2/285)
فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «1» .
فقالت: تعس «2» مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت.
أتسبيّن رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه «3» أو لم تسمعي ما قال؟. قلت: وماذا قال؟. قالت:
فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم، ثمّ قال: «كيف تيكم؟» . قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟. قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ، فقلت لأمّي: يا أمّتاه، ما يتحدّث النّاس؟.
فقالت: يا بنيّة، هوّني عليك. فوالله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «4» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله وقد تحدّث النّاس بهذا؟. قالت: فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «5» لي دمع ولا أكتحل بنوم «6» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «7» .
يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالذّي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير.
وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «8» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «9» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «10» من عبد الله بن أبيّ بن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن
__________
(1) في مرطها المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره.
(2) تعس: أي هلك، وقيل: سقط بوجهه.
(3) هنتاه: معناه يا هذه وقيل: يا امرأة، وقيل: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم.
(4) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(5) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(6) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(7) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل.
(8) أغمصه: أي أعيبها به.
(9) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(10) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.(2/286)
اجتهلته الحميّة «1» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة:
كذبت. لعمر الله لنقتلنّه؛ فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «2» ، حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت:
وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.
وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت:
فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» . قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «3» حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت:
والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت- وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف:
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت: ثمّ تحوّلت فاضطّجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّأني الله بها. قالت: فو الله ما رام «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «5» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر
__________
(1) اجتهلته الحمية: استخفته وأغضبته وحملته على الجهل.
(2) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.
(3) قلص الدمع: أي ارتفع وذهب.
(4) ما رام: أي ما فارق.
(5) البرحاء: هي الشدة.(2/287)
منه مثل الجمان «1» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة! أمّا الله فقد برّأك» . فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله عزّ وجلّ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر:
والله إنّي لا أحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا.
قالت عائشة: وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري: «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» . فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلّا خيرا.
قالت عائشة: وهي التّي كانت تساميني «2» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «3» فهلكت فيمن هلك) * «4» .
27-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر.
فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه ثمّ يقول: «إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» ) * «5» .
28-* (عن أسير بن جابر، قال: كان عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس. فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال:
من مراد ثمّ من قرن؟. قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟ قال: نعم. قال:
لك والدة؟. قال: نعم. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن «6» من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على
__________
(1) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(2) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(3) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(4) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 1 (20) .
(6) أمداد أهل اليمن: هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو. واحدهم مدد.(2/288)
الله لا أبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» .
فاستغفر لي. فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟.
قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟. قال:
أكون في غبراء النّاس «1» أحبّ إليّ. قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم. فوافق عمر فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت»
قليل المتاع. قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثمّ من قرن. كان به برص فبرأ منه. إلّا موضع درهم. له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» . فأتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال:
استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح.
فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له النّاس. فانطلق على وجهه. قال أسير:
وكسوته بردة. فكان كلّما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟) * «3» .
29-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد «4» في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من حيث علمتم.
فدعا ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنّه دعاني يومئذ إلّا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟
فقلت: لا، قال: فما تقول؟. قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه له، قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا ما تقول) * «5» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «6» .
31-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت
__________
(1) غبراء الناس: أي ضعافهم وصعاليكهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم.
(2) رث البيت: هو بمعنى قليل المتاع. والرثاثة والبذاذة بمعنى واحد وهو حقارة المتاع وضيق العيش.
(3) مسلم (2542) .
(4) وجد: أي غضب.
(5) البخاري- الفتح 8 (4970) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3477) واللفظ له، مسلم 3 (1792) .(2/289)
مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام. وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «1» . واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم.
فأخبرهم بوجههم الّذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير. ولا يجمعه كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلّ-. وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «2» فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه. وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي:
أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط «3» الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس، بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا «4» عليه في النّفاق. أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء.
ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «5» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ.
وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون «7» .
فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا «8» من تبوك، حضرني بثّي «9» ، فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟، وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل، حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقة. وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما. وكان إذا قدم من
__________
(1) ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.
(2) أصعر: أميل.
(3) تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.
(4) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به.
(5) تبوكا: هو في أكثر النسخ بالنصب وكذا هو في نسخ البخاري وكأنه صرفها (نوّنها) لإرادة الموقع دون البقعة.
(6) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(7) لمزه المنافقون: أي عابوه واحتقروه.
(8) توجه قافلا: أي راجعا.
(9) البث: أشد الحزن.(2/290)
سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين. ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون، فطفقوا يتعذّرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» .
فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك «1» ؟» . قال قلت:
يا رسول الله! إنّي، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا «2» . ولكنّي، والله لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «3» ، إنّي لأرجو فيه عقبى الله. والله ما كان لي عذر. والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا، فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت. وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا: نعم.
لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال:
فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة «4» ، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه. فوالله ما ردّ عليّ السّلام.
فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك بالله «5» هل تعلمنّ أنّي
__________
(1) ابتعت ظهرك: أي اشتريت مركبا تركبه.
(2) جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة.
(3) تجد عليّ فيه: أي تغضب.
(4) تسوّرت جدار حائط أبي قتادة: أي علوته وصعدت سوره.
(5) أنشدك بالله: أي أسألك بالله.(2/291)
أحبّ الله ورسوله؟. قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم.
ففاضت عيناي، وتولّيت حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك. قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان. وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك «1» . قال: فقلت، حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فتياممت بها التّنّور فسجرتها بها «2» . حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي «3» ، إذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعزل امرأتك.
قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» .
فقالت: إنّه والله ما به حركة إلى شيء. وو الله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ. قال: فلبثت بذلك عشر ليال.
فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا قال:
ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «4» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر.
قال: فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال فآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الجبل فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني.
فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول
__________
(1) نواسك: أي نواسيك ونشاركك فيما عندنا.
(2) سجرتها بها: أي أحميتها بها يقال: سجر التنور: أحماه والتنور: موقد النار.
(3) استلبث الوحي: أي أبطأ.
(4) أوفى على سلع: أي سعده وارتفع عليه. وسلع: جبل بالمدينة معروف(2/292)
حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره.
قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت: أمن عندك. يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا. بل من عند الله» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك.
قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك.
فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله! إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (9/ التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (9/ التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (9/ التوبة/ 95- 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم.
وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه.
فبذلك قال الله عزّ وجلّ: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1»
32-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له.(2/293)
اللّتين قال الله لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «1» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما:
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. فقال:
واعجبا لك يا ابن عبّاس، عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟
فوالله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة، فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم.
فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ «2» منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو؟ أجاءت غسّان؟. قال: لا.
بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه قال: قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ أنّ هذا يوشك أن يكون. فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟. أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر.
فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر- فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني.
قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه
__________
(1) الإداوة إناء صغير يحمل فيه الماء.
(2) أوضأ: أفعل من الوضاءة وهو بياض الوجه وجماله.(2/294)
فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكىء على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت وأنا قائم طلّقت نساءك؟. فرفع بصره إليّ فقال: «لا» .
ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قلت:
لو رأيتني ودخلت على حفصة. فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «1» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال:
«أو في شكّ أنت يا بن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته «2» عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الشّهر تسع وعشرون» ، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة:
فأنزل آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة. فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» . قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك- ثمّ قال: «إنّ الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى قوله- عَظِيماً (الأحزاب/ 28. 29) . قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «3» .
33-* (عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله ابن أبي أميّة بن المغيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمّ قل: لا إله إلّا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب! أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلّا الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» . فأنزل الله- عزّ وجلّ-: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ 113) .
__________
(1) أهبة: بحركات جمع إهاب على غير قياس، وهو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ.
(2) موجدته: أي حزنه.
(3) البخاري- الفتح 5 (2468) .(2/295)
وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (28/ القصص/ 56)) * «1» .
34-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشميّ «2» بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت: يا عمّ! من رماك؟. فأشار أبو عامر إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الّذي رماني، فقصدت له، فلحقته، فلمّا رآني ولّى، فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكفّ. فاختلفنا ضربتين بالسّيف فقتلته، ثمّ قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السّهم فنزعته فنزا منه الماء «3» . قال: يا ابن أخي، أقريء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّلام وقل له: استغفر لي.
واستخلفني أبو عامر على النّاس. فمكث يسيرا ثمّ مات. فرجعت فدخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيته على سرير مرمّل»
، وعليه فراش قد أثّر رمال السّرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال:
قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضّأ، ثمّ رفع يديه، فقال: «اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر، ورأيت بياض إبطيه» . ثمّ قال: «اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس» . فقلت: ولي فاستغفر.
فقال: «اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» . قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى) * «5» .
35-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لو أنّكم لم تكن لكم ذنوب، يغفرها الله لكم، لجاء الله بقوم لهم ذنوب، يغفرها لهم» ) * «6» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك:
سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» ) * «7» .
37-* (عن زيد- رضي الله عنه- مولى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال أستغفر الله الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه (ثلاثا) غفر له وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «8» .
38-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1360) ، ومسلم (24) واللفظ له.
(2) جشمي: رجل من بني جشم.
(3) نزا منه الماء: أي انصب من موضع السهم.
(4) سرير مرمّل:- بميم مشددة مفتوحة- أي معمول بالرمال وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرّة.
(5) البخاري- الفتح 8 (4323) واللفظ له، مسلم (2498) وسبق تخريجه.
(6) مسلم (2748) .
(7) الترمذي (3433) وقال: حديث حسن غريب واللفظ له، وابن حبان (2366) في صحيحه. وقال محقق جامع الأصول (4/ 277) : إسناده حسن.
(8) أبو داود (1517) واللفظ له، والحاكم (1/ 511) من حديث ابن مسعود وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) : صحيح، الترمذي (3572) .(2/296)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ ضيق مخرجا، ومن كلّ همّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» ) * «1» .
39-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: وارأساه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك» . فقالت عائشة:
واثكلياه، والله إنّي لأظنّك تحبّ موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا «2» ببعض أزواجك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أنا وارأساه، لقد هممت- أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد «3» أن يقول «4» القائلون، أو يتمنّى المتمنّون» ثمّ قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون. أو يدفع الله ويأبى المؤمنون) * «5» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم» ) * «6» .
41-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
للّذي ذخر الله للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. هاجر إليه الطّفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «7» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «8» له، فقطع بها براجمه «9» ، فشخبت «10» يداه حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهمّ! وليديه فاغفر» ) * «11» .
42-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا
__________
(1) أبو داود (1518) واللفظ له، أحمد في المسند (2234) تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده، وابن ماجة (3819) .
(2) معرسا: عرّس بزوجه: أي بنى بها ثم استعمل في كل جماع.
(3) فأعهد: أي أوصي.
(4) أن يقول: أي لئلا يقول.
(5) البخاري- الفتح 10 (5666) .
(6) مسلم (2749) .
(7) اجتووا المدينة: أي كرهوا المقام فيها أو أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول.
(8) مشاقص: سهام طوال.
(9) براجمه: مفاصل أصابعه.
(10) شخبت: أي سال دمها.
(11) مسلم (116) .(2/297)
نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. مازاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله.
ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «1» .
43-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما. عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يا معشر النّساء تصدّقن وأكثرن الاستغفار. فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . قالت امرأة منهنّ، جزلة «2» ، وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النّار. قال «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير. وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبّ «3» منكنّ» قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدّين؟ قال: «أمّا نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا نقصان العقل.
وتمكث اللّيالي ما تصلّي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدّين» ) * «4» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له» ) * «5» .
__________
(1) حديث قدسي رواه مسلم (2577) .
(2) جزلة: ذات عقل ورأي.
(3) اللب: العقل، والمراد هنا كمال العقل.
(4) مسلم (79) واللفظ له، ووردت ألفاظ متقاربة عند البخاري.
(5) البخاري- الفتح 13 (7494) ، مسلم (758) واللفظ له.(2/298)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستغفار)
45-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استغفر للأنصار. قال: وأحسبه قال «ولذراريّ الأنصار، ولموالي الأنصار» لا أشكّ فيه) * «1» .
46-* (عن الفضل بن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام في الكعبة فسبّح وكبّر ودعا الله عزّ وجلّ واستغفر ولم يركع، ولم يسجد) * «2» .
47-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إن كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرّة «ربّ اغفر لي وتب عليّ، إنّك أنت التوّاب الرّحيم» ) * «3» .
48-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال «وجّهت وجهي «4» للّذي فطر السّموات والأرض حنيفا «5» وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت.
أستغفرك وأتوب إليك» ، وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال:
«اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ، ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم، وأنت
__________
(1) مسلم (2507) .
(2) أحمد (1/ 210) وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند 3 (227) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد (3/ 293) ... ورجاله رجال الصحيح.
(3) أبو داود (1516) ، والحاكم (1/ 511) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(4) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي ابتدأ خلقها.
(5) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة، وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي.(2/299)
المؤخّر، لا إله إلّا أنت» ) * «1» .
49-* (عن الأغرّ المزنيّ، وكانت له صحبة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّه ليغان «2» على قلبي، وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة» ) * «3» .
50-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا وقال: «اللهمّ أنت السّلام، ومنك السّلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وقال الوليد- أحد رواة الحديث- فقلت: للأوزاعيّ: كيف الاستغفار؟
قال: تقول: «أستغفر الله، أستغفر الله) * «4» .
51-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي يتأوّل القرآن) * «5» .
52-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قول «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» . قالت فقلت:
يا رسول الله! أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟. فقال: «خبّرني ربّي أنّي سأرى علامة في أمّتي. فإذا رأيتها أكثرت من قول:
سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. فتح مكّة.
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) * «6» .
53-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال:
«اللهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد، لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدك حقّ، ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت- أو- لا إله غيرك» . قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أميّة «ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» قال سفيان: قال سليمان بن أبي مسلم: سمعه من طاوس عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) *» .
54-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمعته استغفر مائة مرّة ثمّ يقول: «اللهمّ اغفر لي وارحمني، وتب
__________
(1) مسلم (771) .
(2) والغين والغيم ما يتغشى القلب.
(3) مسلم (2702) .
(4) مسلم (591) ، وفي حديث عائشة (592) «يا ذا الجلال» .
(5) البخاري- الفتح 8 (4968) ، ومسلم (484) متفق عليه. ومعنى قول عائشة: يتأول القرآن أي يفعل ما أمر به في قوله عز وجل- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً.
(6) البخاري- الفتح 8 (4967) مختصرا، ومسلم (484) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له، ومسلم (769) .(2/300)
عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم أو إنّك توّاب غفور» ) * «1» .
55-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس إلّا قال:
«سبحانك اللهمّ ربّي وبحمدك لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك» فقلت له: يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت. قال: «لا يقولهنّ من أحد حين يقوم من مجلسه إلّا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس» ) * «2» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة» ) * «3» .
57-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا أو غرّبوا» قال أبو أيّوب: فقدمنا الشّام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى) * «4» .
من الآثار الواردة في (الاستغفار)
1-* (قال عبد الرّحمن بن كعب بن مالك:
كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان، استغفر لأبي أمامة، أسعد ابن زرارة، ودعا له. فمكثت حينا أسمع ذلك منه.
ثمّ قلت في نفسي: والله، إنّ ذا لعجز. إنّي أسمعه كلّما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة، ويصلّي عليه، ولا أسأله عن ذلك لم هو؟ فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة. فلمّا سمع الأذان استغفر كما كان يفعل. فقلت له: يا أبتاه أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلّما سمعت النّداء بالجمعة لم هو؟ قال: أي بنيّ، كان أوّل من صلّى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة، في نقيع الخضمات، في هزم من حرّة بني بياضة. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال:
أربعين رجلا) * «5» .
2-* (قال أبو موسى- رضي الله عنه- «كان لنا أمانان، ذهب أحدهما- وهو كون الرّسول فينا وبقي الاستغفار معنا، فإن ذهب هلكنا» ) * «6» .
3-* (قال الرّبيع بن خثيم (تابعيّ من الثّانية) «: تضرّعوا إلى ربّكم وادعوه في الرّخاء فإنّ الله قال: من دعاني في الرّخاء أجبته في الشّدّة، ومن
__________
(1) أحمد (2/ 67) وقال محقق المسند الشيخ أحمد شاكر (7/ 190) : إسناده صحيح.
(2) الحاكم (1/ 496، 497) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) البخاري- الفتح 11 (6307) .
(4) البخاري- الفتح 1 (394) واللفظ له، مسلم (264) .
(5) ابن ماجة (1082) .
(6) التوبة إلى الله، للغزالي (124) .(2/301)
سألني أعطيته، ومن تواضع لي رفعته، ومن تضرّع لي رحمته، ومن استغفرني غفرت له» ) * «1» .
4-* (قال الفضيل- رحمه الله تعالى-:
«استغفار بلا إقلاع توبة الكذّابين؛ ويقاربه ما جاء عن رابعة العدويّة: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير» ) * «2» .
5-* (سئل سهل عن الاستغفار الّذي يكفّر الذّنوب فقال: «أوّل الاستغفار الاستجابة، ثمّ الإنابة، ثمّ التّوبة. فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب. والتوبة إقباله على مولاه، بأن يترك الخلق ثمّ يستغفر الله من تقصيره الّذي هو فيه» ) * «3» .
6-* (قال ابن الجوزيّ إنّ إبليس قال:
«أهلكت بني آدم بالذّنوب وأهلكوني بالاستغفار وب (لا إله إلّا الله) ، فلمّا رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون، لأنّهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا» ) * «4» .
7-* (وعن بعض الأعراب أنّه تعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: «اللهمّ إنّ استغفاري مع إصراري لؤم، وإنّ تركي الاستغفار مع علمي بسعة عفوك لعجز، فكم تتحبّب إليّ بالنّعم مع غناك عنّي، وأتبغّض إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا من إذا وعد وفّى، وإذا توعّد تجاوز وعفا، أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الرّاحمين» ) * «5» .
من فوائد (الاستغفار)
(1) الاستغفار يجلب الغيث المدرار للمستغفرين ويجعل لهم جنّات ويجعل لهم أنهارا.
(2) الاستغفار يكون سببا في إنعام الله- عزّ وجلّ- على المستغفرين بالرّزق من الأموال والبنين.
(3) تسهيل الطّاعات، وكثرة الدّعاء، وتيسير الرّزق.
(4) زوال الوحشة الّتي بين الإنسان وبين الله.
(5) المستغفر تصغر الدّنيا في قلبه.
(6) ابتعاد شياطين الإنس والجنّ عنه.
(7) يجد حلاوة الإيمان والطّاعة.
(8) حصول محبّة الله له.
(9) الزّيادة في العقل والإيمان.
(10) تيسير الرّزق وذهاب الهمّ والغمّ والحزن.
(11) إقبال الله على المستغفر وفرحه بتوبته.
(12) وإذا مات تلقّته الملائكة بالبشرى من ربّه.
(13) إذا كان يوم القيامة كان النّاس في الحرّ والعرق، وهو في ظلّ العرش.
(14) إذا انصرف النّاس من الموقف كان المستغفر من أهل اليمين مع أولياء الله المتّقين.
(15) تحقيق طهارة الفرد والمجتمع من الأفعال السّيّئة
(16) دعاء حملة عرش ربّنا الكريم له.
__________
(1) منهاج الصالحين (951) .
(2) الأذكار (481) .
(3) التوبة إلى الله للغزالي (125) .
(4) مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/ 142) .
(5) الأذكار (482) .(2/302)
الاستقامة
الاستقامة لغة:
مصدر استقام على وزن استفعل، وهو مأخوذ من مادّة (ق وم) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما جماعة من النّاس والآخر انتصاب أو عزم، وإلى هذا المعنى ترجع الاستقامة في معنى: الاعتدال، يقال قام الشّيء واستقام: اعتدل واستوى. يقال استقام له الأمر. أي اعتدل.
وأمّا قوله تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ (فصلت/ 6) : أي في التّوجّه إليه دون الآلهة، ومعنى الاستقامة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (فصلت/ 30) : عملوا بطاعته ولزموا سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
وقول القائل: استقام فلان بفلان: أي مدحه وأثنى عليه.
وقال أبو إسحاق: استقام الشّعر: اتّزن. وقوّم السّلعة واستقامها: قدّرها.
وقوام الأمر (بالكسر) : نظامه وعماده، وكذلك ملاكه الّذي يقوم به، أمّا القوام (بالفتح) فمعناه العدل، قال تعالى: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (الفرقان/ 67) .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
49/ 19/ 14
والقائم: الثّابت، وكلّ من قام على شيء فهو ثابت عليه مستمسك به.
وفي قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ (آل عمران/ 113) المراد: المواظبة على الدّين القائمة به.
ويقال: فلان قائم بكذا إذا كان حافظا له متمسّكا به.
قال ابن برّي: «القائم على الشّراء: الثّابت عليه. والقيّم المعتدل، والملّة القيّمة المعتدلة وكذلك الأمّة القيّمة» . «1»
معنى القيّوم في أسماء الله تعالى:
وأمّا القيّوم في أسماء الله تعالى فمعناه: الّذي يقوم بذاته، ولا قوام له بغيره، ولا يشترط في دوام وجوده وجود غيره، ويقوم به كلّ موجود حتّى لا يتصوّر للأشياء وجود، ولا دوام وجود إلّا به «2» .
وقال الخطّابيّ- رحمه الله-: القيّوم: القائم الدّائم بلا زوال، ويقال: هو القيّم على كلّ شيء بالرّعاية له، ويقال: قمت بالشّيء: إذا وليته بالرّعاية والمصلحة «3» .
__________
(1) لسان العرب (6 (3781- 3787) ، الصحاح (5/ 2016- 2018) .
(2) المقصد الأسنى للغزالي (132) بتصرف.
(3) شأن الدعاء، للخطابي (80، 81) .(2/303)
واصطلاحا:
الاستقامة: «هي سلوك الصّراط المستقيم، وهو الدّين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطّاعات كلّها الظّاهرة والباطنة وترك المنهيّات كلّها كذلك» «1» .
وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-:
«الاستقامة كناية عن التّمسّك بأمر الله تعالى فعلا وتركا» «2» .
ويقول الجرجانيّ: الاستقامة: هي كون الخطّ بحيث تنطبق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض على جميع الأوضاع، وفي اصطلاح أهل العلم: هي الوفاء بالعهود كلّها، وملازمة الطّريق المستقيم برعاية حدّ التّوسّط في كلّ الأمور من الطّعام والشّرب واللّباس، وفي كلّ أمر دينيّ ودنيويّ، فذلك هو الطّريق المستقيم.
وعرّف بعضهم الاستقامة بقوله: «أن يجمع بين أداء الطّاعة، واجتناب المعاصي؛ وقيل: الاستقامة ضدّ الاعوجاج، وهي مرور العبد في طريق العبوديّة بإرشاد الشّرع والعقل «3» .
وأورد الماورديّ خمسة أوجه في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَقامُوا: من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (فصلت/ 30) .
أحدها: ثمّ استقاموا على أنّ الله ربّهم وحده وهو قول أبي بكر- رضي الله عنه- ومجاهد.
الثّاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه، قاله ابن عبّاس والحسن وقتادة.
الثّالث: على إخلاص الدّين والعمل إلى الموت، قاله أبو العالية والسّدّيّ.
الرّابع: ثمّ استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم.
الخامس: ثمّ استقاموا سرّا كما استقاموا جهرا.
قال: «ويحتمل سادسا: أنّ الاستقامة أن يجمع بين فعل الطّاعات واجتناب المعاصي؛ لأنّ التّكليف يشتمل على أمر بطاعة يبعث على الرّغبة، ونهي عن معصية يدعو إلى الرّهبة» «4» .
الاستقامة طريق النجاة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الاستقامة هي لزوم المنهج القويم. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (فصلت/ 30) . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ (الأحقاف/ 13) ، إلى قوله: يَعْمَلُونَ، وقال تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ (هود/ 112) إلى قوله:
بَصِيرٌ، فبيّن أنّ الاستقامة بعدم الطّغيان، وهو مجاوزة الحدود. وقال: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ 6) . والمقصود من العبد الاستقامة وهي السّداد. فإن لم يقدر عليها فالمقاربة. وعند مسلم من
__________
(1) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (193) .
(2) الفتح (13/ 257) .
(3) التعريفات للجرجاني (19) بتصرف يسير.
(4) النكت والعيون: تفسير الماوردي (5/ 179، 180) .(2/304)
حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أنّه لن ينجو أحد منكم بعمله.
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» فجمع في هذا الحديث مقامات الدّين كلّها. فأمر بالاستقامة وهي السّداد، والإصابة في النّيّات والأقوال. وأخبر في حديث ثوبان أنّهم لا يطيقونها فنقلهم إلى المقاربة، وهي أن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم، كالّذي يرمي إلى الغرض، وإن لم يصبه يقاربه. ومع هذا فقد أخبرهم أنّ الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة، فلا يركن أحد إلى عمله، ولا يرى أنّ نجاته به؛ بل إنّما نجاته برحمة الله وغفرانه وفضله. فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصّدق، والوفاء بالعهد.
والاستقامة تتعلّق بالأقوال والأفعال والأحوال والنّيّات. فالاستقامة فيها، وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله.
قال بعضهم: كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة؛ فإنّ نفسك متحرّكة في طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستقامة. فالاستقامة للحال بمنزلة الرّوح من البدن، فكما أنّ البدن إن خلا عن الرّوح فهو ميّت فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد. وكما أنّ حياة الأحوال بها، فزيادة أعمال الزّاهدين أيضا ونورها وزكاؤها بها، فلا زكاء للعمل ولا صحّة بدونها «1» .
وقال رحمه الله تعالى: «من هدي في هذه الدّار إلى صراط الله المستقيم الّذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصّراط المستقيم الموصل إلى جنّته دار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصّراط الّذي نصبه الله لعباده في هذه الدّار، يكون ثبوت قدمه على الصّراط المنصوب على متن جهنّم، وعلى قدر سيره على هذا الصّراط يكون سيره على ذاك الصّراط، ولينظر العبد الشّبهات والشّهوات الّتي تعوقه عن سيره على هذا الصّراط المستقيم؛ فإنّها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصّراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا، وقويت فكذلك هي هناك وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت/ 46) » «2» .
إذا استقام القلب استقامت الجوارح:
قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «أصل الاستقامة استقامة القلب على التّوحيد، وقد فسّر أبو بكر- رضي الله عنه- الاستقامة في قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*: بأنّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبّته وإرادته ورجائه ودعائه والتّوكّل عليه والإعراض عمّا سواه، استقامت الجوارح كلّها على طاعته، فإنّ القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 103- 109) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (4/ 311- 313) .
(2) بتصرف من التفسير القيم (109) .(2/305)
من الجوارح اللّسان، فإنّه ترجمان «1» القلب والمعبّر عنه» . «2»
وأورد الطّاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* ما يلي:
الاستقامة حقيقتها: عدم الاعوجاج والميل، والسّين والتّاء فيها للمبالغة في التّقوّم، فحقيقة استقام:
استقلّ غير مائل، ولا منحن. وتطلق الاستقامة أيضا على ما يجمع معنى حسن العمل والسّير على الحقّ والصّدق، قال تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ 6) وقال: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ (هود/ 112) فاستقاموا تشمل معنى الوفاء بما كلّفوا به، وأوّل ما يشمل من ذلك أن يثبتوا على التّوحيد، أي لا يغيّروا ولا يرجعوا عنه، وعن أبي بكر: ثُمَّ اسْتَقامُوا لم يشركوا بالله شيئا، وعن عمر: استقاموا على الطّريقة لطاعته ثمّ لم يروغوا روغان الثّعالب.
وقال عثمان: ثمّ أخلصوا العمل لله، وعن عليّ: ثمّ أدّوا الفرائض. وكلّ هذه الأقوال ترجع إلى معنى الاستقامة في الإيمان وآثاره.
والاستقامة زائدة في المرتبة على الإقرار بالتّوحيد؛ لأنّها تشمله وتشمل الثّبات عليه والعمل بما يستدعيه.
وجمع قوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أصلي الكمال الإسلاميّ، فقوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ يشير إلى الكمال النّفسانيّ وهو معرفة الحقّ للاهتداء به، ومعرفة الخير لأجل العمل به.
والخلاصة أنّ الاستقامة- كما يقول صاحب البصائر- كلمة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصّدق والوفاء بالعهد، وهي تتعلّق بالأقوال والأفعال والنّيّات، والاستقامة فيها وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله تبارك وتعالى «3» .
وقوله: اسْتَقامُوا يشير إلى أساس الأعمال الصّالحة، وهو الاستقامة على الحقّ، أي أن يكون وسطا غير مائل إلى طرفي الإفراط والتّفريط ...
فكمال الاعتقاد راجع إلى الاستقامة، فالاعتقاد الحقّ أن لا يتوغّل في جانب النّفي إلى حيث ينتهي إلى التّعطيل، ولا يتوغّل في جانب الإثبات إلى حيث ينتهي إلى التّشبيه والتّمثيل؛ بل يمشي على الخطّ الفاصل بين التّشبيه والتّعطيل، ويستمرّ كذلك فاصلا بين الجبريّ والقدريّ، وبين الرّجاء والقنوط، وفي الأعمال بين الغلوّ والتّفريط «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإيمان- الإخلاص- الإسلام- الأدب- التقوى- تعظيم الحرمات- حسن الخلق- الحجاب- حسن العشرة غض البصر- حسن المعاملة- الهدى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاعوجاج- اتباع الهوى- الضلال- الفسوق- الفجور- العصيان- الفساد- الغي والإغواء- الفحش- التبرج- إطلاق البصر- الإعراض] .
__________
(1) ترجمان: بفتح التاء وضمها وهو المعبّر عن لسان بلسان آخر.
(2) جامع العلوم والحكم (193- 194) بتصرف يسير.
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 312) .
(4) التحرير والتنوير (24/ 282- 284) .(2/306)
الآيات الواردة في «الاستقامة»
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1»
2-* سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) «2»
3- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «3»
4- إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ* (51) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «5»
6- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67)
وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) «6»
7- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «7»
__________
(1) الفاتحة: 2- 7 مكية
(2) البقرة: 142 مدنية
(3) البقرة: 213 مدنية
(4) آل عمران: 51 مدنية
(5) آل عمران: 100- 101 مدنية
(6) النساء: 65- 68 مدنية
(7) النساء: 174- 175 مدنية(2/307)
8- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ
سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
(16) »
9- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) «2»
10- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)
وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86)
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)
ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88)
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89)
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «3»
11- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «4»
12- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «5»
__________
(1) المائدة: 15- 16 مدنية
(2) الأنعام: 38- 39 مكية
(3) الأنعام: 83- 90 مكية
(4) الأنعام: 125- 126 مكية
(5) الأنعام: 153 مكية(2/308)
13- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «1»
14- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) «2»
15- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «3»
16- وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)
* لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) «4»
17- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88)
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) «5»
18- إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) «6»
19- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)
__________
(1) الأنعام: 160- 163 مكية
(2) الأعراف: 16- 17 مكية
(3) التوبة: 7 مدنية
(4) يونس: 25- 26 مكية
(5) يونس: 87- 89 مكية
(6) هود: 56 مكية(2/309)
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114)
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) «1»
20- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) «2»
21-* ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «3»
22- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) «4»
23- وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «5»
24- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27)
يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31)
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32)
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) «6»
__________
(1) هود: 110- 115 مكية
(2) الحجر: 39- 42 مكية
(3) النحل: 75- 76 مكية
(4) النحل: 120- 121 مكية
(5) الإسراء: 35 مكية
(6) مريم: 27- 36 مكية(2/310)
25- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «1»
26- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «2»
27- وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73)
وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74) «3»
28- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) «4»
29- إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180)
* أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)
وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) «5»
30- يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) «6»
31-* أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «7»
32- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114)
وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116)
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) «8»
__________
(1) الحج: 54 مدنية
(2) الحج: 67 مدنية
(3) المؤمنون: 71- 74 مكية
(4) النور: 46 مدنية
(5) الشعراء: 177- 182 مكية
(6) يس: 1- 5 مكية
(7) يس: 60- 61 مكية
(8) الصافات: 114- 118 مكية(2/311)
33- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) «1»
34- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
(31)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «2»
35- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «3»
36- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «4»
37- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) «5»
38- وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «6»
39- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14) «7»
40- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) »
__________
(1) فصّلت: 6- 8 مكية
(2) فصّلت: 30- 32 مكية
(3) الشورى: 15 مكية
(4) الشورى: 52- 53 مكية
(5) الزخرف: 43- 44 مكية
(6) الزخرف: 61 مكية
(7) الأحقاف: 13- 14 مكية
(8) الأحقاف: 29- 30 مكية(2/312)
41- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) «1»
42- وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) «2»
43- أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) «3»
44- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «4»
45- إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27)
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29) «5»
الآيات الواردة في «الاستقامة» معنى
46- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)
اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) «6»
47- قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135) «7»
48- وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) «8»
49- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «9»
__________
(1) الفتح: 1- 3 مدنية
(2) الفتح: 20 مدنية
(3) الملك: 22 مكية
(4) الجن: 16- 17 مكية
(5) التكوير: 27- 29 مكية
(6) إبراهيم: 1- 2 مكية
(7) طه: 135 مكية
(8) القصص: 22 مكية
(9) ص: 22 مكية(2/313)
الأحاديث الواردة في (الاستقامة)
1-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصّلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن» ) * «1» .
2-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا، ونعمّا إن استقمتم، وخير أعمالكم الصّلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ معاذ بن جبل أراد سفرا فقال: يا رسول الله أوصني قال: «اعبد الله لا تشرك به شيئا» قال: يا رسول الله زدني قال: «إذا أسأت فأحسن» .
قال: يا رسول الله زد. قال: «استقم ولتحسن خلقك» ) * «3» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإنّ أعضاءه تكفّر «4» اللّسان تقول: اتّق الله فينا فإنّك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» ) * «5» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال:
هذا سبيل الله، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: هذه سبل (متفرّقة) على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ثمّ قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) *.
واللفظ الآخر: «هذه سبيل الله مستقيما» ) * «6» .
6-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبواب مفتّحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب
__________
(1) ابن ماجه (277) وقال في الزوائد: إسناده ثقات أثبات إلا أن فيه انقطاعا بين سالم وثوبان. ولكن أخرجه الدارمي وابن حبان في صحيحه من طريق ثوبان متصلا. والحديث في الدارمي (1/ 174) رقم (655) . أحمد (5/ 277، 282) واللفظ له. الحاكم (1/ 013) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (1/ 325) رقم (952) .
(2) ابن ماجه (279) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده ضعيف. وذكره الألباني في صحيح الجامع، وقال: صحيح وعزاه للطبراني من حديث عبادة بن الصامت (1/ 325) رقم (953)
(3) الحاكم (4/ 244) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن صالح وقد وثق وضعفه جماعة، وأبو السميط سعيد بن أبي مولى المهري لم أعرفه (8/ 23) واللفظ له، وذكره الشيخ ناصر في الصحيحة وعزاه لابن حبان (3/- 23) رقم (1228) .
(4) تكفر: تذل له وتخضع لأمره.
(5) الترمذي (2407) . أحمد (3/ 96) رقم (11927) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن ورواه أيضا ابن خزيمة والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا (11/ 728) .
(6) الحاكم (2/ 318) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. أحمد (1/ 435، 465) ، رقم (4142، 4437) واللفظ له، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح في الموضعين (6/ 89، 199) ، وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 190) وعزاه كذلك للنسائي في تفسيره وهو فيه (1/ 485) وقال مخرجاه (سيد الجليمي وصبري الشافعي) : صحيح.(2/314)
الصّراط داع يقول: أيّها النّاس ادخلوا الصّراط جميعا ولا تتفرّجوا، وداع يدعو من جوف الصّراط فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنّك إن تفتحه تلجه والصّراط الإسلام والسّوران حدود الله- تعالى- والأبواب المفتّحة محارم الله- تعالى- وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب الله- عزّ وجلّ- والدّاعي فوق الصّراط واعظ الله في قلب كلّ مسلم» ) * «1» .
7-* (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: قل آمنت بالله فاستقم «2» » ) * «3» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «4» .
9-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين، وإنّما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمّة مستقيما حتّى تقوم السّاعة، أو حتّى يأتي أمر الله» ) * «5» .
10-* (عن أبي فاطمة اللّيثيّ أو الدّوسيّ واسمه أنيس وقيل عبد بن أنيس صحابيّ سكن الشّام ومصر- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«عليك بالهجرة فإنّه لا مثل لها» ) * «6» .
__________
(1) أحمد (4/ 182، 183) واللفظ له، الترمذي نحوه (2859) وقال: حديث غريب، والحاكم (1/ 73) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي والنسائي (2/ 191) . وذكره في المشكاة (191) وذكر الشيخ ناصر: كلام الحاكم والذهبي وقال: هو كما قالا (1/ 73) .
(2) قل آمنت بالله فاستقم: قال القاضي عياض- رحمه الله- هذا من جوامع كلمة صلّى الله عليه وسلّم وهو مطابق لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*، أي وحدوا الله وآمنوا به، ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن تؤفّوا على ذلك.
(3) مسلم (38) .
(4) مسلم (770) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7312) واللفظ له، مسلم (1037) .
(6) النسائي (7/ 145) واللفظ له، وقال الألباني: حسن صحيح (3/ 837) رقم (3885) . ابن ماجه (2/ 457) وفيه قال: عليك بالسجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة. وأحمد (3/ 428) بلفظ آخر.(2/315)
الأحاديث الواردة في (الاستقامة) معنى
11-* (عن رفاعة الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كنّا بالكديد «1» أو قال: بقديد فجعل رجال منّا يستأذنونه إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «ما بال رجال يكون شقّ الشّجرة الّتي تلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبغض إليهم من الشّقّ الآخر» فلم نر عند ذلك من القوم إلّا باكيا، فقال رجل: إنّ الّذي يستأذنك بعد هذا لسفيه فحمد الله، وقال: حينئذ: «أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله صدقا من قلبه ثمّ يسدّد إلّا سلك في الجنّة، وقد وعدني ربّي عزّ وجلّ أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة» ، وقال: «إذا مضى نصف اللّيل أو قال: ثلثا اللّيل ينزل الله- عزّ وجلّ- إلى السّماء الدّنيا فيقول لا أسأل عن عبادي أحدا غيري من ذا يستغفرني فأغفر له؟ من الّذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني أعطيه حتّى ينفجر الصّبح» ) * «2» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «3» .
13-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «4» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «5» .
تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا.
فقلت: ربّ إذا يثلغوا «6» رأسي فيدعوه خبزة «7» . قال:
استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «8» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو
__________
(1) الكديد: موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة (معجم البلدان (4/ 442) .
(2) أحمد (4/ 16) واللفظ له. والطبراني في الكبير (5/ 49، 50) برقم (4556) واللفظ له، مجمع الزوائد (10/ 408) وقال: رواه الطبراني والبزار ورجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح، وعند ابن ماجه طرف منه يسير. والنسائي في عمل اليوم والليلة (475) .
(3) البخاري- الفتح 1 (39) واللفظ له. ومسلم (782) من حديث عائشة- رضي الله عنها-.
(4) فاجتالهم: أى استخفّوهم فذهبوا وأزالوهم عما كانوا عليه.
(5) لا يغسله الماء: أي محفوظ في الصدور.
(6) يثلغوا: يشدخوا.
(7) خبزة: كالرغيف.
(8) نغزك أي نعينك.(2/316)
سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «1» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا.
والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه.
ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب والشّنظير «2» (الفحّاش) ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) *» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المسلم المسدّد «4» ليدرك درجة الصّوّام القوّام بآيات الله بحسن خلقه، وكرم ضريبته «5» » ) * «6» .
15-* (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- أنّه قال: «جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة ويباعدني من النّار. قال:
«تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل ذا رحمك» ، فلمّا أدبر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة» ) * «7» .
16-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل: اللهمّ اهدني وسدّدني «8» واذكر بالهدى هدايتك «9» الطّريق، والسّداد سداد السّهم» ) * «10» .
17-* (عن قيس بن عبادة- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة.
فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته. فقلت:
إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم.
وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض، وأعلاه في السّماء، في أعلاه عروة، فقيل لي ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف «11» فرفع ثيابي
__________
(1) لا زبر له: لا عقل له يمنعه من الوقوع في الخطأ أي ضعيف الرأي.
(2) الشّنظير: هو الفحاش سيىء الخلق.
(3) مسلم (2865) .
(4) المسدد: المستقيم المقتصد في الأمور.
(5) الضريبة: الطبيعة والسجية.
(6) أحمد (2/ 177) رقم (6648) وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 134) واللفظ له. وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه: ابن لهيعة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح (8/ 22) . وكذا المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 257) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 164) رقم (1945) . وفي الصحيحة (2/ 58) رقم (522) وعزاه كذلك إلى مكارم الأخلاق للخرائطي.
(7) البخاري- الفتح 3 (1396) . ومسلم (13) واللفظ له.
(8) سددني: أي وفقني واجعلني مصيبا في جميع أموري مستقيما، وأصل السداد: الاستقامة والقصد في الأمور. وسداد السّهم: تقويمه.
(9) معنى اذكر بالهدى هدايتك: أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه ومسدد السهم يحرص على تقويمه ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وقيل: ليتذكر بهذا اللفظ السداد والهدى لئلا ينساه.
(10) مسلم (2725) .
(11) المنصف والوصيف: الخادم.(2/317)
من خلفي، فرقيت، حتّى كنت في أعلاها. فأخذت في العروة. فقيل له: استمسك، فاستيقظت، وإنّها لفي يدي، فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» ، وذلك الرّجل عبد الله بن سلام» ) * «1» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في النّار اجتماعا يضرّ أحدهما الآخر» ، قيل: من هم يا رسول الله؟
قال: «مؤمن قتل كافرا، ثمّ سدّد «2» » ) * «3» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنّة لا يأمن جاره بوائقه» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستقامة)
1-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: ما تقولون في هاتين الآيتين إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* والَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ؟ قالوا: لم يذنبوا قال: لقد حملتموها على أمر شديد الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ يقول: بشرك والَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان) * «5» .
2-* (سئل صدّيق الأمّة وأعظمها استقامة أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- عن الاستقامة فقال: «ألّا تشرك بالله شيئا» يريد الاستقامة على محض التّوحيد» ) * «6» .
3-* (وقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنّهي، ولا تروغ روغان الثّعالب» ) * «7» .
4-* (وقال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- «استقاموا: أخلصوا العمل لله» ) * «8» .
5-* (وقال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- وابن عبّاس- رضي الله عنهما- «استقاموا أدّوا الفرائض» ) * «9» .
6-* (وقال الحسن: «استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته» ) * «10» .
7-* (وقال مجاهد «استقاموا على شهادة أن
__________
(1) البخاري الفتح 7 (3813) واللفظ له. مسلم (2484) .
(2) سدد: استقام على الطريقة المثلى.
(3) مسلم (1891) .
(4) أحمد (3/ 198) واللفظ له، وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفي إسناده علي بن مسعدة، وثقه جماعة وضعفه آخرون (1/ 53) وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام (2/ 44) .
(5) الدر المنثور (7/ 322) .
(6) مدارج السالكين (2/ 108) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 312) .
(7) مدارج السالكين (2/ 109) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق. نفسه، والصفحة نفسها.
(10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(2/318)
لا إله إلّا الله حتّى لحقوا بالله» ) * «1» .
8-* (عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر- رضي الله عنه- على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تكلّم، فقال: «ما لها لا تكلّم؟ قالوا:
حجّت مصمته، قال لها: تكلّمي؛ فإنّ هذا لا يحلّ، هذا من عمل الجاهليّة فتكلّمت فقالت: من أنت؟ قال:
امرؤ من المهاجرين، قالت: أيّ المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أيّ قريش أنت؟ قال: إنّك لسئول، أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصّالح الّذي جاء الله به بعد الجاهليّة؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمّتكم. قالت: وما الأئمّة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال:
فهم أولئك على النّاس» ) * «2» .
9-* (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: «يا معشر القرّاء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «3» .
10-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*: «استقاموا على أداء الفرائض» وقال أيضا: أخلصوا له الدّين والعمل. وقال فيها: استقاموا على طاعة الله» ) * «4» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* قال: على شهادة أن لا إله إلّا الله) * «5» .
12-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل أيّ آية في كتاب الله أرجى؟ قال: قوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* على شهادة أن لا إله إلّا الله قيل له: فأين قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ «6» .
13-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «أعظم الكرامة لزوم الاستقامة» ) * «7» .
14-* (وقال أيضا: «استقاموا على محبّته وعبوديّته، فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة» ) * «8» .
من فوائد (الاستقامة)
(1) الاستقامة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) بها ينال الإنسان الكرامات ويصل إلى أعلى المقامات.
(3) استقامة القلوب استقامة للجوارح.
(4) المداومة عليها أفضل من كثير من الأعمال الّتي يتطوّع بها.
(5) صاحبها يثق به النّاس، ويحبّون معاشرته.
(6) الاستقامة أعظم الكرامة.
(7) دليل اليقين ومرضاة ربّ العالمين.
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 109) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3834) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7282) .
(4) جامع العلوم والحكم (192) .
(5) الدر المنثور (7/ 322) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) مدارج السالكين (2/ 110) .
(8) المرجع السابق (2/ 109) .(2/319)
الإسلام
الإسلام لغة:
الإسلام مصدر أسلم وهو مأخوذ من مادّة (س ل م) التي تدلّ في الغالب على الصّحّة والعافية.
فالسّلامة أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى. والله جلّ ثناؤه هو السّلام لسلامته ممّا يلحق المخلوقين من العيب والنّقص والفساد، ومن الباب الإسلام وهو الانقياد لأنّه يسلم من الإباء والامتناع ومن الباب أيضا السّلم وهو الصّلح «1» . الإسلام والاستسلام: الانقياد. يقال: فلان مسلم، وفيه قولان: أحدهما: هو المستسلم لأمر الله والثّاني هو المخلص لله العبادة، من قولهم سلّم الشّيء لفلان أي خلّصه، وسلم الشّيء له، أي خلص له «2» .
قال الرّاغب: «والإسلام الدّخول في السّلم، وهو أن يسلم كلّ واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه.
ومصدر أسلمت الشّيء إلى فلان إذا أخرجته إليه ومنه السّلم في البيع، والإسلام في الشّرع على ضربين:
أحدهما دون الإيمان وهو الاعتراف باللّسان، وبه يحقن الدّم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، وإيّاه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
50/ 81/ 10
قصد بقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ 14) ، والثّاني:
فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل واستسلام لله في جميع ما قضى وقدّر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السّلام- في قوله إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ 131) ، وقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران/ 19) ، وقوله تَوَفَّنِي مُسْلِماً (يوسف/ 101) أي اجعلني ممّن استسلم لرضاك، ويجوز أن يكون معناه: اجعلني سالما عن أسر الشّيطان ... وقوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة/ 46) أي الّذين انقادوا من الأنبياء الّذين ليسوا من أولى العزم لأولي العزم» «3» .
وقوله عزّ وجلّ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (البقرة/ 208) ، قال: عني به الإسلام وشرائعه كلّها.
والسّلم: الإسلام، قال الأحوص:
فذادوا عدوّ السّلم عن عقر «4» دارهم ... وأرسوا عمود الدّين بعد التّمايل
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 90) .
(2) اللسان- سلم (2080) .
(3) المفردات (240) .
(4) العقر: أصل كل شيء ومعظمه.(2/320)
ومنه قول امرىء القيس بن عابس:
فلست مبدّلا بالله ربّا، ... ولا مستبدلا بالسّلم دينا» «1» .
واصطلاحا:
إظهار القبول والخضوع لما أتى به محمّد صلّى الله عليه وسلّم وقيل: إظهار الشّريعة، والتزام ما أتى به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقيل: هو الاستسلام لله بالتّوحيد والانقياد له بالطّاعة والخلوص من الشّرك. وقيل: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا.
وقال الكفويّ: الإسلام على نوعين:
الأوّل: دون الإيمان وهو الاعتراف باللّسان وإن لم يكفّ له اعتقاد، وبه يحقن الدّم.
الآخر: فوق الإيمان، وهو الاعتراف (أي الإقرار بالشّهادتين) . مع الاعتقاد بالقلب والوفاء بالفعل» .
الفرق بين الإسلام والإيمان*:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: اختلفوا في أنّ الإسلام هو الإيمان أو غيره وإن كان غيره، فهل هو منفصل عنه يوجد دونه، أو مرتبط به يلازمه؟. فقيل:
إنّهما شيء واحد، وقيل: إنّهما شيئان لا يتواصلان، وقيل: إنّهما شيئان، ولكن يرتبط أحدهما بالآخر.
والحقّ أنّ في هذا ثلاثة مباحث:
بحث عن موجب اللّفظين في اللّغة، وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشّرع، وبحث عن حكمهما في الدّنيا والآخرة.
المبحث الأوّل لغويّ والثّاني تفسيريّ، والثّالث فقهيّ شرعيّ. المبحث الأوّل: في موجب اللّغة، والحقّ فيه أنّ الإيمان عبارة عن التّصديق. قال الله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا (يوسف/ 17) أي بمصدّق، والإسلام عبارة عن التّسليم، والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمّرّد والإباء والعناد، وللتّصديق محلّ خاصّ وهو القلب، واللّسان ترجمان.
وأمّا التّسليم؛ فإنّه عامّ في القلب واللّسان والجوارح، فإنّ كلّ تصديق بالقلب هو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللّسان، وكذلك الطّاعة والانقياد بالجوارح. فموجب اللّغة أنّ الإسلام أعمّ، والإيمان أخصّ، فكان الإيمان عبارة عن أشرف أجزاء الإسلام، فإذن كلّ تصديق تسليم، وليس كلّ تسليم تصديقا.
المبحث الثّاني: عن إطلاق الشّرع، والحقّ فيه أنّ الشّرع قد ورد باستعمالهما على سبيل التّرادف، وقد ورد أيضا باستعمالهما على سبيل الاختلاف والتّداخل، أمّا التّرادف ففي قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الذاريات/ 35- 36) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم «بني الإسلام على خمس ... » . وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّة عن
__________
(1) الصحاح للجوهري (5/ 1950) . ولسان العرب (12/ 293 295) .
(2) الكليات للكفوي (112) .
* انظر: صفة الإيمان.(2/321)
الإيمان فأجاب بهذه الخمس. وأمّا الاختلاف فقوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ 14) ومعناه استسلمنا في الظّاهر، فأراد بالإيمان ههنا التّصديق بالقلب فقط، وبالإسلام الاستسلام ظاهرا باللّسان والجوارح، وفي حديث جبريل عليه السّلام لمّا سأله عن الإيمان فقال:
«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشرّه» ، فقال: فما الإسلام؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس، فعبّر بالإسلام عن تسليم الظّاهر بالقول والعمل.
وفي الحديث عن سعد أنّه صلّى الله عليه وسلّم أعطى رجلا عطاء، ولم يعط الآخر. فقال له سعد: يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو مؤمن. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلم» فأعاد عليه، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا التّداخل فممّا روي أيضا أنّه سئل: فقيل أيّ الأعمال أفضل؟. فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«الإسلام» . فقال: أيّ الإسلام أفضل؟. فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«الإيمان» . وهذا دليل على الاختلاف وعلى التّداخل، وهو أوفق الاستعمالات في اللّغة؛ لأنّ الإيمان عمل من الأعمال، وهو أفضلها، والإسلام هو تسليم إمّا بالقلب، وإمّا باللّسان، وإمّا بالجوارح، وأفضلها الّذي بالقلب، وهو التّصديق الّذي يسمّى إيمانا، والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف، وعلى سبيل التّداخل وعلى سبيل التّرادف، كلّه غير خارج عن طريق الاستعمال في اللّغة.
المبحث الثّالث: عن الحكم الشّرعيّ. للإسلام والإيمان حكمان أخرويّ ودنيويّ.
أمّا الأخرويّ: فهو الإخراج من النّار، ومنه التّخليد «1» .
أمّا الدّنيويّ فإنّه يثبت بالإقرار بالشّهادتين؛ لأنّ الإيمان (والإسلام) كما يقول العينيّ هو بالكلمة فإذا قالها حكمنا بإيمانه اتّفاقا بلا خلاف وتطبّق عليه حينئذ أحكام المسلمين من حيث الدّفن في مقابرهم والتزام مواريثهم وعدم أخذ الجزية ... إلخ.
قال ابن تيميّة- رحمه الله-: لفظ الإسلام يستعمل على وجهين: متعدّيا كقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (النساء/ 125) ويستعمل لازما كقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ 131) .
وهو يجمع معنيين أحدهما: الانقياد والاستسلام، والثّاني: إخلاص ذلك، وإفراده وعنوانه «2» قول «لا إله إلّا الله» ، وله معنيان:
أحدهما: الدّين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الّذي بعث به جميع الأنبياء، والثّاني: ما اختصّ به محمّد صلّى الله عليه وسلّم من الدّين والشّرعة والمنهاج، وهو الشّريعة والطّريقة، وله مرتبتان: إحداهما:
__________
(1) انظر إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (1/ 116- 117) . والصحاح للجوهري (5/ 1950) . وأصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (ص 9) . وعمدة القاري (1/ 109) بتصرف يسير.
(2) العنوان- بالضم والكسر-: سمة الكتاب في الأصل، ثم استعمل سمة لكل شيء.(2/322)
الظّاهر من القول والعمل، وهي المباني الخمسة، والثّانية: أن يكون ذلك الظّاهر مطابقا للباطن، وهو أعمّ من الإيمان فكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم مؤمنا، وبالتّفسير الثّاني يقال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران/ 19) . وقوله: آمركم بالإيمان بالله وفسّره بخصال الإسلام، وعلى هذا التّفسير فالإيمان التّامّ، والدّين والإسلام سواء «1» .
الإسلام في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: الإسلام في القرآن الكريم على خمسة أوجه:
أحدها: اسم للدّين الّذي تدين به ومنه قوله سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران/ 19) .
والثّاني: التّوحيد ومنه قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة/ 44) .
والثّالث: الإخلاص (إخلاص العبادة لله) ومنه قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ 131) .
والرّابع: الاستسلام، ومنه قوله عزّ من قائل:
وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (آل عمران/ 83) .
والخامس: الاقرار باللّسان، ومنه قوله تعالى:
قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ 14) «2» .
ويمكن أن يضاف إلى ذلك وجه سادس وهو الإقرار باللّسان والعمل بالأركان.
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الاتباع- الإخلاص- الاستقامة- إقامة الشهادة- التوحيد الحج والعمرة- الزكاة- العبادة- الصلاة- الطاعة- معرفة الله عز وجل- الهدى- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- الإلحاد- الشرك- النفاق- الضلال- الزندقة- الإعراض- ترك الصلاة- الفسوق- العصيان- الفساد- اتباع الهوى] .
__________
(1) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية (7/ 235- 236) .
(2) نزهة الأعين النواظر (136) وما بعدها.(2/323)
الآيات الواردة في «الإسلام»
أولا: الإسلام هو إخلاص العبادة لله وحده:
1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111)
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) «1»
2- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «2»
3- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) «3»
4- قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) «4»
__________
(1) البقرة: 109- 112 مدنية
(2) البقرة: 127- 128 مدنية
(3) البقرة: 130- 135 مدنية
(4) البقرة: 136 مدنية(2/324)
5-* فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) «1»
6- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «2»
7- ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) «3»
8- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) «4»
9- وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) «5»
10- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «6»
11- قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)
قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125)
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «7»
12- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «8»
__________
(1) آل عمران: 52 مدنية
(2) آل عمران: 64 مدنية
(3) آل عمران: 67 مدنية
(4) آل عمران: 79- 80 مدنية
(5) النساء: 125 مدنية
(6) الأنعام: 71 مكية
(7) الأعراف: 123- 126 مكية
(8) التوبة: 74 مدنية(2/325)
13- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) «1»
14- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «2»
15-* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «3»
16-* وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) «4»
17- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) «5»
18-* قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) «6»
ثانيا: الإسلام هو الدين الحق:
19- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «7»
20- قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) «8»
21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
__________
(1) يونس: 71- 72 مكية
(2) هود: 13- 14 مكية
(3) يوسف: 101 مكية
(4) لقمان: 22 مكية
(5) الزمر: 11- 12 مكية
(6) غافر: 66 مكية
(7) آل عمران: 19- 20 مدنية
(8) آل عمران: 83- 85 مدنية(2/326)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) «1»
22- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «2»
23- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) «3»
24- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «4»
25- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «5»
26- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ
__________
(1) آل عمران: 102- 105 مدنية
(2) المائدة: 3 (نزلت بعرفة)
(3) الأنعام: 14- 16 مكية
(4) الأنعام: 125- 126 مكية
(5) الأنعام 161- 164 مكية(2/327)
كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) «1»
27- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) »
28- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «3»
29- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «4»
30- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «5»
31- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) «6»
32- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «7»
ثالثا: الإسلام هو التوحيد:
33- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) «8»
34- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) «9»
__________
(1) النحل: 81- 82 مكية
(2) النحل: 89 مكية
(3) النحل: 101- 102 مكية
(4) الحج: 78 مدنية
(5) النمل: 91- 93 مكية
(6) الزمر: 22 مكية
(7) فصلت: 33 مكية
(8) المائدة: 44 مدنية
(9) المائدة: 111 مدنية(2/328)
35- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) «1»
36-* وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «2»
37-* قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «3»
38-* قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «4»
رابعا: الإسلام هو الاستسلام والانقياد:
39- أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) «5»
40-* وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «6»
41- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «7»
42- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
__________
(1) الأنبياء: 107- 109 مكية
(2) القصص: 51- 54 مكية
(3) الحجرات: 14 مدنية
(4) الذاريات: 31- 37 مكية
(5) آل عمران: 83 مدنية
(6) يونس: 90- 92 مكية
(7) الحج: 34- 35 مدنية(2/329)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44) «1»
43- إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «2»
44-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «3»
45- فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) «4»
46-* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) «5»
47- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «6»
رابعا: الإسلام هو الإقرار باللسان والعمل بالأركان:
48- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ
__________
(1) النمل: 38- 44 مكية
(2) النمل: 80- 81 مكية
(3) العنكبوت: 46 مكية
(4) الروم: 52- 53 مكية
(5) الزمر: 53- 54 مكية
(6) الأحقاف 15 مكية(2/330)
وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) «1»
49- يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) «2»
50- عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «3»
__________
(1) الأحزاب: 35- 36 مدنية
(2) الزخرف: 68- 70 مكية
(3) التحريم: 5 مدنية(2/331)
الأحاديث الواردة في (الإسلام)
1-* (عن قيس بن عاصم- رضي الله عنه- قال: «أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر «1» » ) * «2» .
2-* (عن مجاشع بن مسعود السّلميّ- رضي الله عنه- قال أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخي بعد الفتح فقلت يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال:
«ذهب أهل الهجرة بما فيها» . فقلت: على أيّ شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» ) * «3» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «4» ، قال:
فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل- يعني عظيم الرّوم- قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ... الحديث. وفيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد! فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت، فإنّ عليك إثم الأريسيّين «5» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) » ) * «6» .
4-* (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: كيف تصوم؟
فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه. قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه ... الحديث» ) * «7» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ الإسلام خير؟. قال: تطعم الطّعام وتقرأ السّلام على من
__________
(1) السدر: شجر النبق.
(2) أبو داود (355) واللفظ له. والترمذي (605) وقال: هذا حديث حسن. والبغوي في شرح السنة (10: 176) وقال: حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 7 (4305) .
(4) في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الصلح يوم الحديبية.
(5) الأريسيين: الأشهر أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب ولأنهم أسرع انقيادا فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا، الثاني: أنهم اليهود والنصارى وهم أتباع عبد الله ابن أريس الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى والثالث: أنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها.
(6) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) واللفظ له.
(7) مسلم (1162) .(2/332)
عرفت، ومن لم تعرف» ) * «1» .
6-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال»
. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «3» وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «4» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «5» عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب «6» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «7» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «8» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «9» . فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «10» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّفّ ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة الضّعيف الّذي لا زبر له «11» الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا.
والخائن الّذي لا يخفى له طمع «12» وإن دقّ إلّا خانه.
ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك. وذكر البخل أو الكذب والشّنظير «13» الفحّاش» ) * «14» .
7-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله. فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم من
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (12) .
(2) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال لله تعالى: كل مال ... إلخ. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وإنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(3) حنفاء كلهم: أي مسلمين.
(4) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم. وجالوا معهم في الباطل.
(5) فمقتهم: المقت أشد البغض والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(6) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل.
(7) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده والصبر في الله تعالى وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر ومن ينافق.
(8) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الزمان.
(9) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز أي يكسر.
(10) نغزك: أي نعينك.
(11) لا زبر له: أي لا عقل له يزجره ويمنعه مما لا ينبغي.
(12) والخائن الذي لا يخفى له طمع؛ معنى لا يخفى: لا يظهر. وقال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته.
(13) الشنظير: فسره في الحديث أنه الفحاش. وهو السيء الخلق.
(14) مسلم (2865) .(2/333)
بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها. فقال رجل: يا رسول الله! أو يأتي الخير بالشّرّ؟. فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له: ما شأنك؟ تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟ فرأينا أنّه ينزل عليه. قال: فمسح عنه الرّحضاء «1» . فقال: أين السّائل؟ - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ «2» إلا آكلة الخضراء «3» ، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها «4» استقبلت عين الشّمس فثلطت «5» وبالت ورتعت، وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل، أو كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّه من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «6» .
8-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه! أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟. قال:
فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على أطباق ثلاث «7» لقد رأيتني، وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» .
قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» .
قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟. وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟.
وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» . وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لا أنّي لم أكن أملأ عيني منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا «8» عليّ التّراب شنّا، ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي» ) * «9» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد
__________
(1) الرحضاء: العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى.
(2) يلم: أي يقارب الهلاك.
(3) إلا آكلة الخضراء. أي إلا الماشية التي تأكل الخضر وهي البقول التي ترعاها المواشي.
(4) امتدت خاصرتاها: أي امتلأت شبعا وعظم جنباها.
(5) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا.
(6) البخاري- الفتح 3 (1465) واللفظ له ومسلم (1052) .
(7) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث.
(8) شنّوا علي التراب: بالسين المهملة وبالمعجمة وكذا قال القاضي قال: وهو الصبّ وقيل بالمهملة الصب في سهولة وبالمعجمة التفريق.
(9) مسلم (121) .(2/334)
فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «1» .
وكان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسّيّئة بمثلها إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «2» .
10-* (عن المقداد بن عمرو- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ «3» منّي بشجرة فقال: أسلمت لله. أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» . فقال: يا رسول الله! إنّه قطع إحدى يديّ. ثمّ قال ذلك بعدما قطعها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله، فإن قتلته، فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «4» .
11-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان «5» فقال يا كريب: انظر ما اجتمع له من النّاس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون؟. قال: نعم. قال: أخرجوه، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «6» .
12-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنّة. قلنا: وثلاثة؟. قال:
«وثلاثة» . قلنا: واثنان؟. قال: «واثنان؟. ثمّ لم نسأله عن الواحد) * «7» .
13-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله» ) * «8» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها، تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» ) * «9»
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما، فليأكل منه، ولا يسأله عنه، وإن سقاه شرابا فليشرب منه ولا يسأله عنه» ) * «10» .
16-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله
__________
(1) زلفها: اقترفها وفعلها.
(2) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. مسلم (129) .
(3) لاذ: احتمى.
(4) البخاري- الفتح 7 (4019) واللفظ له. ومسلم (95) .
(5) قديد وعسفان: موضعان بين الحرمين (الحرم المكي والحرم المدني)
(6) مسلم (948) .
(7) البخاري- الفتح 5 (2643) .
(8) البخاري- الفتح 1 (25) واللفظ له. ومسلم (22) .
(9) البخاري- الفتح 1 (42) .
(10) أحمد في المسند (2/ 399) . وهو في الصحيحة للألباني (627) . والحاكم (4/ 126) واللفظ له.(2/335)
عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا، ومعه نبل فليمسك على نصالها»
» . أو قال: «فليقبض بكفّه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء» ) * «2» .
17-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد ليدرك درجة الصّوّام القوّام بآيات الله عزّ وجلّ- لكرم ضريبته «3» وحسن خلقه» ) * «4» .
18-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة «5» الجنّة حتّى يرجع» ) * «6» .
19-* (عن جامع بن شدّاد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ في اللّيل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه. وذلك كلّ ليلة» ) * «7» .
20-* (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «8» .
21-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي «9» فيه، والجافي عنه «10» ، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «11» .
22-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة فلقّنني: «فيما استطعت، والنّصح لكلّ مسلم» ) * «12» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ. فطوبى للغرباء» ) * «13» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه
__________
(1) النصال: جمع نصل وهو حد السهم.
(2) البخاري- الفتح 13 (7075) واللفظ له مسلم (2615)
(3) ضريبته: أي طبيعته وسجيته.
(4) أحمد في المسند (2/ 22.) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 404) . والهيثمي في المجمع (8/ 22) . والألباني، الصحيحة (522) .
(5) خرفة الجنة: اسم ما يخترف من النخل حين يدرك. وقيل: أي في حائط النخل يخترف من ثمارها، أي يجتني.
(6) مسلم (2568) .
(7) مسلم (757) .
(8) أبو داود (4876) وقال محقق جامع الأصول (8/ 449) : إسناده صحيح.
(9) الغلو: التشدد ومجاوزة الحد.
(10) الجافي عنه: أي البعيد عنه.
(11) أبو داود (4843) قال النووي: حديث حسن وحسّن سنده الحافظان: العراقي وابن حجر.
(12) البخاري- الفتح 13 (7204) ومسلم (55) واللفظ له.
(13) مسلم (145) .(2/336)
بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة «1» ؟» فقال: عندي خير.
يا محمّد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» .
فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتّى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال:
عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أن محمّدا رسول الله. يا محمّد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ وإنّ خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة.
فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«انطلقوا إلى يهود» ، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدراس «3» ، فقال: «أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله» ) * «4» .
26-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقاتلكم اليهود فتسلّطون عليهم، حتّى يقول الحجر: يا مسلم! هذا يهوديّ ورائي فاقتله» ) * «5»
27-* (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال:
حدّثنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: «أنّهم كانوا يسيرون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع «6» مسلما» ) * «7» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «حقّ المسلم على قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السّلام، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدّعوة، وتشميت العاطس» ) * «8» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك.
(2) البخاري- الفتح 8 (4372) . ومسلم (1764) .
(3) بيت المدراس: هو البيت الذي يقرءون فيه والمدراس مفعال من الدرس.
(4) البخاري- الفتح 6 (3167) واللفظ له. ومسلم (1765) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3593) ومسلم (2921) واللفظ له
(6) الروع: الفزع والخوف.
(7) أبو داود (5004) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (11/ 58) : إسناده صحيح.
(8) البخاري- الفتح 3 (1240) واللفظ له ومسلم (2162) .(2/337)
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «حقّ على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيّام، يغسل رأسه وجسده» ) * «1» .
30-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخازن المسلم الأمين الّذي ينفذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به كاملا موفّرا طيّبا به نفسه فيدفعه إلى الّذي أمر له به- أحد المتصدّقين» ) * «2» .
31-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنّك توعك «3» وعكا شديدا. قال: «أجل. إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك بأنّ لك أجرين. قال: «أجل.
ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى- شوكة فما فوقها- إلّا كفّر الله بها سيّئاته، كما تحطّ «4» الشّجرة ورقها» ) * «5» .
32-* (عن تميم الدّاريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّين النّصيحة» . قلنا لمن؟. قال:
«لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» ) * «6» .
33-* (عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرّجل فلقيني أبو بكرة. فقال: أين تريد؟. قلت: أنصر هذا الرّجل. قال: ارجع فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النّار» . فقلت: يا رسول الله هذا القاتل. فما بال المقتول؟. قال: «إنّه كان حريصا على قتل صاحبه» ) * «7» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ) * «8» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر. فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النّار» . فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل:
يا رسول الله الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكنّ به جراحا شديدا فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه.
فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال الله أكبر، أشهد أنّي عبد الله ورسوله. ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: «إنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة. وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «9» .
36-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع:
«يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى
__________
(1) البخاري- الفتح (897) ومسلم (849) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1438) واللفظ له ومسلم (1023) .
(3) توعك: الوعك قيل: هو الحمى وقيل: ألمها.
(4) تحط: تلقيه منتثرا.
(5) البخاري- الفتح 10 (5648) واللفظ له، ومسلم (2571) .
(6) مسلم (55) .
(7) البخاري- الفتح 1 (31) واللفظ له ومسلم (2888) .
(8) البخاري- الفتح 1 (48) . ومسلم (64) .
(9) البخاري- الفتح 6 (3062) واللفظ له. ومسلم (111) .(2/338)
قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ) * «1» .
37- (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلح جائز بين المسلمين- زاد أحمد- إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» وزاد سليمان بن داود قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون على شروطهم» ) * «2» .
38-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» قالوا: فإن لم يجد. قال: «فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» . قالوا: فإن لم يستطع. أو لم يفعل؟. قال:
«فيعين ذا الحاجة الملهوف» . قالوا: فإن لم يفعل؟.
قال: «فليأمر بالخير» . أو قال: «بالمعروف» . قال: فإن لم يفعل؟. قال: «فيمسك عن الشّرّ؛ فإنّه له صدقة» ) *» .
39-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة؟. قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر» ) * «4» .
40-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه» ) * «5» .
41-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت أشياء كنت أتحنّث «6» بها في الجاهليّة من صدقة أو عتاقة ومن صلة رحم. فهل فيها من أجر؟. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أسلمت على ما سلف من خير» ) * «7» .
42-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه. قال: قلت: يا رسول الله أيّ الإسلام أفضل؟.
قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ) * «8» .
43-* (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ قال:
قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك؟. قال: «قل آمنت بالله فاستقم» ) * «9» .
44-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان غلام يهوديّ يخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمرض فأتاه النّبيّ
__________
(1) الترمذي (2032) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب. والبغوي في شرح السنة (13/ 104) وقال محققه: أخرجه الترمذي وسنده حسن.
(2) أبو داود (394) . والترمذي (1352) وقال: حسن صحيح. والألباني في الصحيحة (1905) وقال محقق جامع الأصول (2/ 629) : سنده حسن.
(3) البخاري- الفتح 1. (6022) واللفظ له ومسلم (1008) .
(4) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له ومسلم (120) .
(5) مسلم (1054) .
(6) أتحنث: أتعبد.
(7) البخاري- الفتح 3 (1436) واللفظ له ومسلم (123) .
(8) البخاري- الفتح 1 (11) ولفظه: قالوا: يا رسول الله ... إلخ. ومسلم (42) واللفظ له.
(9) مسلم (38) .(2/339)
صلّى الله عليه وسلّم يعوده فقعد عند رأسه. فقال له: «أسلم» . فنظر إلى أبيه وهو عنده. فقال له: أطع أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم.
فأسلم، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أنقذه من النّار» ) * «1» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟. قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث. قال: ما الإسلام؟. قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، قال: متى السّاعة؟
قال: ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها «2» . وإذا تطاول رعاة الإبل «3» البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية (لقمان/ 34) . ثمّ أدبر فقال: «ردّوه» .
فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «4» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ كلم يكلمه «5» المسلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها إذ طعنت تفجّر دما، اللّون لون الدّم والعرف عرف المسك «6» » ) * «7» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» . فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «8» فسمعت أمّي خشف قدميّ «9» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة «10» الماء. قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت:
يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «خيرا» . قال:
قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1356) .
(2) ربها: سيدها ومالكها.
(3) رعاة الإبل: معناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهوا فيها.
(4) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. ومسلم (9) ..
(5) كل كلم يكلمه: أي كل جرح يجرحه.
(6) والعرف عرف المسك: أي الريح ريح المسك لينتشر في أهل الموقف إظهارا لفضله.
(7) البخاري- الفتح 1 (237) . ومسلم (1876) .
(8) مجاف: مغلق.
(9) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض.
(10) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.(2/340)
«اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّة إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «1» .
48-* (عن قيس بن عبادة- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة.
فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته. فقلت:
إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم.
وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض، وأعلاه في السّماء، في أعلاه عروة، فقيل لي:
ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف «2» فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت، حتّى كنت في أعلاها. فأخذت بالعروة. فقيل له: استمسك، فاستيقظت، وإنّها لفي يدي، فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» ) * «3» .
49-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار. قال:
«لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. حتّى بلغ- يَعْمَلُونَ ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه» . قلت: بلى يا رسول الله. قال:
«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد ... الحديث» ) * «4» .
50-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال» . وفي رواية أبي أيّوب الأنصاريّ: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «5» .
__________
(1) مسلم (2491) .
(2) منصف: أي خادم من خدام الجنة.
(3) البخاري- الفتح 7 (3813) واللفظ له. ومسلم (2484) .
(4) الترمذي (2616) وقال: حديث حسن صحيح.
(5) البخاري- الفتح 10 (6076) . ومسلم (2559، 2560) واللفظ له.(2/341)
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا «1» ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره «2» ، التّقوى ههنا، ويشير إلى صدره، ثلاث مرّات، بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام دمه، وماله وعرضه» ) * «3» .
52-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تنتفوا الشّيب، ما من مسلم يشيب في الإسلام إلّا كانت له نورا يوم القيامة» ) * «4» .
53-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يتوضّأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلّى صلاة إلّا غفر الله له ما بينه وبين الصّلاة الّتي تليها» ) * «5» .
54-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث، كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس» . فوالله ما زنيت في جاهليّة ولا في إسلام قطّ، ولا أحببت أنّ لي بديني بدلا منذ هداني الله، ولا قتلت نفسا فبم يقتلونني؟) * «6» .
55-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة دفع الله عزّ وجلّ إلى كلّ مسلم يهوديّا أو نصرانيّا، فيقول: هذا فكاكك من النّار» وفي رواية عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت رجل مسلم إلّا أدخل الله مكانه النّار يهوديّا أو نصرانيّا» ) * «7» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «8» » ) * «9» .
57-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو كنت متّخذا خليلا «10» لا تّخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي» . وفي لفظ آخر: «لو كنت متّخذا خليلا لا تّخذته خليلا ولكن
__________
(1) ولا تناجشوا: النجش في البيع أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها.
(2) لا يحقره: لا يحتقره.
(3) مسلم (2564) .
(4) أبو داود (4202) واللفظ له. الترمذي (2821) وقال: حديث حسن. النسائي (8/ 136) وقال محقق جامع الأصول: وإسناده حسن.
(5) مسلم (227) .
(6) أبو داود (4502) واللفظ له. والترمذي (2158) وقال: حديث حسن. والبغوي في شرح السنة (1./ 148) وقال محققه: إسناده صحيح.
(7) مسلم (2767) .
(8) تحلة القسم: أي ما ينحل به القسم وهو اليمين. (تحلة القسم) : هي تحلة قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (مريم/ 71) . والقسم قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ (مريم/ 68) .
(9) البخاري- الفتح 3 (1251) . ومسلم (2632) واللفظ له.
(10) الخلة: الصداقة والمحبة.(2/342)
أخوّة الإسلام أفضل» ) *» .
58-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حقّ امرىء مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبة عنده» ) * «2» .
59-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام شيئا إلّا أعطاه.
قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنّ محمّدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة. فقال أنس: «إن كان الرّجل ليسلم ما يريد إلّا الدّنيا فما يسلم حتّى يكون الإسلام أحبّ إليه من الدّنيا وما عليها» ) * «3»
60-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلّا قال الملك: ولك بمثل) * «4» .
61-* (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد مسلم يصلّي لله كلّ يوم ثنتي عشرة ركعة تطوّعا غير فريضة، إلّا بنى الله له بيتا في الجنّة- أو إلّا بني له بيت في الجنّة-» ) * «5» .
62-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة» ) * «6» .
63-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقاه الله فتنة القبر» ) * «7» .
64-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر الله لهما قبل أن يفترقا» ) * «8» .
65-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مصيبة تصيب المسلم، إلّا كفّر الله بها عنه حتّى الشّوكة يشاكها» ) * «9» .
66-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من ميّت يصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3656، 3657) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 5 (2738) . ومسلم (1627) واللفظ له.
(3) مسلم (2312) .
(4) مسلم (2732) .
(5) مسلم (728) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2320) واللفظ له ومسلم (1553) .
(7) الترمذي (1074) . وأحمد في المسند. وقال محقق جامع الأصول (9/ 272) : والحديث بمجموع طرقه لا ينزل عن رتبة الحسن.
(8) الترمذي (2727) وقال: حديث حسن. وأبو داود (5212) واللفظ لهما. وابن ماجة (3703) . صححه الألباني، صحيح الترمذي (2197) ، وهو في الصحيحة له (525) .
(9) مسلم (2572) .
(10) مسلم (947) .(2/343)
67-* (عن أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب «1» ولا وصب «2» ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها- إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «3» .
68-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «4» .
69-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ) * «5» .
70-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها، فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين كلّ قيراط مثل أحد. ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنّه يرجع بقيراط» ) * «6» .
71-* (عن أبي أمامة الحارثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النّار، وحرّم عليه الجنّة» . فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله. قال: «وإن قضيبا من أراك» ) * «7» .
72-* (عن حسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ) * «8»
73-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة «9» سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «10» .
74-* (عن كعب بن مرّة- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شاب شيبة في
__________
(1) النصب: التعب.
(2) الوصب: الوجع.
(3) البخاري- الفتح. 1 (5641، 5642) واللفظ له. ومسلم (2573) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له. مسلم (2580) .
(5) البخاري- الفتح 1 (10) واللفظ له. مسلم (40) .
(6) البخاري- الفتح 1 (47) واللفظ له. ومسلم (945) .
(7) مسلم (137) .
(8) أحمد في المسند 1 (201) ، وقال محققه: إسناده صحيح. والترمذي (2318) واللفظ له. والهيثمي في المجمع (8/ 18) . وقال: رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ورجال أحمد والكبير ثقات. وهو عند الترمذي أيضا من حديث أبي هريرة، وانظر كلام محقق «جامع الأصول» (11/ 729) و (10/ 134) .
(9) السّنة: الطريقة والسيرة. وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا، مما لم ينطق به الكتاب العزيز.
(10) مسلم (1017) .(2/344)
الإسلام كانت له نورا يوم القيامة» ) * «1» .
75-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ) * «2» .
76-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا. وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «3» .
77-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا سعيد من رضي بالله ربّا، وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا وجبت له الجنّة» ) * «4» .
78-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة «5» » ) * «6» .
79-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد، قال «اللهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ ولك الحمد، لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدك الحقّ ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «7» .
__________
(1) الترمذي (1634) وقال: حديث حسن وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1334) .
(2) مسلم (2699) .
(3) الترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) .
(4) مسلم (1884) . ومن لفظ له: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» مسلم (34) .
(5) فرسن شاة: الفرسن: الظلف، وأصله في الإبل وهو فيها مثل القدم.
(6) البخاري- الفتح 5 (2566) . ومسلم (1030) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له. ومسلم (478) .(2/345)
الأحاديث الواردة في (الإسلام) معنى
80-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟» . قالت: فلانة- تذكر من صلاتها «1» - قال:
«مه، عليكم بما تطيقون فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا.
وكان أحبّ الدّين إليه مادام عليه صاحبه» ) * «2» .
81-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإسلام)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«لاحظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة» ) * «4» .
2-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: «إنّ عرى الدّين وقوامه الصّلاة والزّكاة لا يفرق بينهما، وحجّ البيت وصيام رمضان، وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والجهاد» ) * «5» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال لابن أبي موسى الأشعريّ: «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟. قال: قلت: لا. قال: فإنّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى! هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد لنا»
، وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس. فقال أبي: لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنّا لنرجو ذلك، فقال أبي: إنّي أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملنا بعد، نجونا منه كفافا «7» رأسا برأس. فقال ابن أبي موسى لابن عمر: إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «8» .
4-* (قال حذيفة- رضي الله عنه-:
«الإسلام ثمانية أسهم، الصّلاة سهم، والزّكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، وحجّ البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والإسلام سهم. وقد خاب من لا سهم له» ) * «9» .
__________
(1) تذكر من صلاتها أي تذكر كثرة صلاتها.
(2) البخاري- الفتح 1 (43) .
(3) البخاري- الفتح 1 (39) والدّلجة السير آخر الليل.
(4) الزهد للإمام أحمد (145) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (11: 46) .
(6) برد لنا: أي ثبت ودام، يقال برد على الغريم حق أي ثبت.
(7) كفافا أي لا يوجب ثوابا ولا عقابا.
(8) البخاري- الفتح 7 (3915) .
(9) المصنف لابن أبي شيبة (11: 7) .(2/346)
5-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «ما أسلم أحد إلّا في اليوم الّذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيّام وإنّي لثلث «1» الإسلام» ) * «2» .
6-* (عن طارق بن شهاب، قال: «خرج عمر بن الخطّاب إلى الشّام ومعنا أبو عبيدة بن الجرّاح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين: أنت تفعل هذا تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة. ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوه «3» . لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنّا كنّا أذلّ قوم، فأعزّنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله» ) * «4» .
7-* (قيل لمحمّد بن الحنفيّة- رحمه الله-:
«أبو بكر كان أوّل القوم إسلاما؟ قال: لا. قيل فبم علا أبو بكر وسبق حتّى لا يذكر غير أبي بكر؟ فقال كان أفضلهم إسلاما حين أسلم حتّى لحق بالله» ) * «5» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
ما زال الله يشفّع ويدخل الجنّة، ويشفّع ويرحم حتّى يقول: «من كان مسلما فليدخل الجنّة» ) * «6» .
9-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال:
«إنّ دين الله وضع فوق الغلوّ ودون التّقصير» ) * «7» .
10-* (أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن نوف الشّاميّ في قوله تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى قال: «المسلم» ) * «8» .
__________
(1) المراد بثلث الإسلام أنه كان بحسب علمه ثالث ثلاثة دخلوا في الإسلام والاثنان الآخران أبو بكر وخديجة.
(2) البخاري- الفتح 7 (3727) .
(3) أوه: كلمة توجع وتضجر. وهي ساكنة الواو مكسورة الهاء. وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا: آه من كذا، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا: أوّه، وربما حذفوا الهاء فقالوا: أوّ. وبعضهم يقول: أوّه (النهاية (1/ 82) .
(4) الحاكم في المستدرك (1: 62) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) المصنف لابن أبي شيبة (7/ 472) ط (دار الفكر) 1414 هـ.
(6) ابن جرير في التفسير (8/ 14) . وابن أبي الدنيا في حسن الظن: (ص/ 1440) .
(7) الدر المنثور للسيوطي (2/ 466) .
(8) المرجع السابق (2/ 229) .(2/347)
من فوائد (الإسلام)
(1) عصمة المال والدّم والعرض.
(2) إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
(3) تحقيق العدالة الاجتماعيّة والرّحمة والمساواة.
(4) القضاء على النّظم الوضعيّة والمناهج الإلحاديّة.
(5) حفظ كرامة الإنسان وحقوقه ومكتسباته.
(6) يورث هداية القلب.
(7) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(8) حصول الألفة والمحبّة والتّآخي بين النّاس.
(9) مصدر العزّة والسّعادة في الدّارين.
(10) يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور فيعزّ النّاس بالذّلّ إلى الله سبحانه فيحصلون على شرف العبوديّة له.
(11) يحصل صاحبه ومتّبعه على كمال الأمن والاهتداء في الدّنيا والآخرة.
(12) الإسلام يحقّق الأمان في المجتمع فيعيش كلّ فرد آمنا من أذى أخيه قولا وفعلا.
(13) الإسلام يحقّق التّكافل بين النّاس فيأخذ غنيّهم بيد فقيرهم وقويّهم بيد ضعيفهم ويصبح الجميع إخوة متحابّين.
(14) الإسلام يورث التّواضع ويكسو المسلم ثوب العزّة.(2/348)
الأسوة الحسنة
الأسوة لغة:
اسم مصدر من الائتساء، وهي مأخوذة من مادّة (أس و) الّتي تدلّ على المداواة والإصلاح، يقال: أسوت الجرح إذا داويته، ولذلك يسمّى الطّبيب: الآسي، ويقال أسوت بين القوم إذا أصلحت بينهم، ومن هذا الباب لي في فلان أسوة (بالكسر والضّمّ) أي قدوة، أي إنّي أقتدي به، وأسّيت فلانا إذا عزّيته، من هذا أي قلت له: ليكن لك بفلان أسوة، فقد أصيب بمثل ما أصبت به فرضي وسلّم.
وقال ابن منظور: الأسوة والإسوة: القدوة.
ويقال: إئتس به أي اقتد به وكن مثله. قال اللّيث:
فلان يأتسي بفلان أي يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به، وكان في مثل حاله، والقوم أسوة في هذا الأمر أي حالهم فيه واحدة. والتّأسّي في الأمور: الأسوة، وكذا المؤاساة «1» .
وقال البغويّ: هي فعلة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر، أي به اقتداء حسن «2» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 16/ 17
واصطلاحا:
قال المناويّ: الأسوة: الحالة الّتي يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره إن حسنا وإن قبيحا وإن سارّا وإن ضارّا «3» .
قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ في تفسير قوله تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ... (الممتحنة/ 4) : الأسوة كالقدوة، وهي اتّباع الغير على الحالة الّتي يكون عليها حسنة أو قبيحة «4» .
قال القرطبيّ: واختلف في هذه الأسوة بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم، هل هي على الإيجاب أو على الاستحباب على قولين: أحدهما على الإيجاب حتّى يقوم دليل على الاستحباب. الثّاني على الاستحباب حتّى يقوم دليل على الإيجاب. ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدّين وعلى الاستحباب في أمور الدّنيا «5» .
لا بد للناس من مثل واقعية ونماذج قوية:
لا يتمّ كسر القيود إلّا برؤية مثل، ورؤية نماذج من البشر تقدّم للنّاس أمثلة رائعة.
__________
(1) لسان العرب (14/ 35) . وانظر ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/ 50) ، والمقاييس لابن فارس (1/ 106) .
(2) تفسير البغوي (3/ 519) .
(3) التوقيف (51) ، والكليات للكفوي (114) .
(4) أضواء البيان (8/ 135) .
(5) الجامع لأحكام القرآن (155- 156) .(2/349)
يرهب الإنسان القوّة ويحترم البطولة. وتأخذ المعاني الرّائعة بجماع قلبه وتسري إلى فؤاده فتوقظ مشاعره وتتفتّح أمامه معاني الحقّ، ويسهل عليه اتّباعه، وأعلى درجات القوّة قوّة الحقّ والدّعوة إليه والصّبر في سبيله. ولولا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القريبون منه، ولولا هؤلاء لما كان من بعدهم من النّاس، ولولا الفتح لما دخل النّاس في دين الله أفواجا، وليس شيء من هذا مادّيّا، ولكنّ القوّة المادّيّة تخضع في النّهاية لقوّة الحقّ. لقد تمّ الإصلاح الّذي تمّ ببعثة محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّذي غيّر صفحة التّاريخ. لقد تمّ ذلك بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وكانوا العنصر العمليّ التّنفيذيّ، وكان الوحي العنصر الأوّل الّذي كان يتلقّاه محمّد صلّى الله عليه وسلّم من خالق الأرض والسّماء ويبلّغه أصحابه. كان الوحي داعيا إلى كسر أغلال الجاهليّة، وكان الوسيلة القويّة إلى ذلك محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الّذين كانوا نماذج الحقّ والقوّة الّتي حطّمت الأغلال وأهابت بالنّاس أن يخرجوا أنفسهم من القيود الجائرة.
وليس للمسلمين من سبيل إلّا هذا السّبيل، طليعة تتأسّى خطوات محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه شبرا بشبر وذراعا بذراع في كلّ ظاهرة وخفيّة وفي كلّ دقيقة وجليلة، في العبادة والتّفكير والحرب والتّدبير والسّياسة والدّعوة والجرأة والحكمة: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) ولا يصلح آخر هذه الأمّة إلّا بما صلح عليه أوّلها. إنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم لم يعمد إلى إصلاح اقتصاديّ أو أخلاقيّ أو صحّيّ أو سياسيّ أو إداريّ أو علميّ، ولكنّه عمد إلى إصلاح الإيمان، ودعا بدعوة التّوحيد، فكان من بعد ذلك كلّ إصلاح وكلّ قوّة وكلّ خير.
فرجل العقيدة هو السّبيل الوحيد لعلاج أنواع الانحرافات، ورجل العقيدة أعظم ذخر نقدّمه للعقيدة وأكبر رصيد نعدّه في سبيل نصرتها «1» .
أنواع الأسوة:
ذكر الشّيخ صالح بن حميد أنّ الأسوة نوعان حسنة وسيّئة، فالحسنة الاقتداء بأهل الخير والفضل والصّلاح في كلّ ما يتعلّق بمعالي الأمور وفضائلها.
والسّيّئة: تعني السّير في المسالك المذمومة واتّباع أهل السّوء والاقتداء من غير حجّة أو برهان «2» .
أهمية القدوة الحسنة:
وهي تكمن في الأمور الآتية:
1- المثال الحيّ المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العامل قدرا كبيرا من الاستحسان والإعجاب والتّقدير والمحبّة.
2- القدوة الحسنة تعطي الآخرين قناعة بأنّ بلوغ هذه الفضائل من الأمور المختلفة.
__________
(1) مقتطفات من كتاب المسؤولية للشيخ محمد أمين المصري (37- 40) .
(2) مبادئ ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد (5، 6) بتصرف.(2/350)
3- الأتباع ينظرون إلى القدوة نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم «1» .
أصول القدوة:
الأصل الأوّل: الصّلاح وهو يتحقّق بثلاثة أركان. الرّكن الأوّل: الإيمان، والثّاني: العبادة، والثّالث: الإخلاص.
الأصل الثّاني: حسن الخلق.
الأصل الثّالث: موافقة القول العمل «2» .
شواهد حية في مواقف القدوة:
يعدّ الصّحابة نموذجا أعلى في القدوة وعلى رأسهم إمام الأئمّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والإمام أحمد في فتنة خلق القرآن، وكذلك العلماء العاملون على مرّ الزّمان «3» .
أثر القدوة الحسنة في انتشار الإسلام:
إنّ من الوسائل المهمّة جدّا في تبليغ الدّعوة إلى الله، وجذب النّاس إلى الإسلام وامتثال أوامره واجتناب نواهيه القدوة الطّيّبة للدّاعي وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزّاكية ممّا يجعله أسوة حسنة لغيره، يكون بها نموذجا يقرأ فيه النّاس معاني الإسلام فيقبلون عليها، وينجذبون إليها؛ لأنّ التّأثّر بالأفعال والسّلوك أبلغ وأكثر من التّأثّر بالكلام وحده.
إنّ الإسلام انتشر في كثير من بلاد الدّنيا بالقدوة الطّيّبة للمسلمين الّتي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الإسلام، والقدوة الحسنة الّتي يحقّقها الدّاعي بسيرته الطّيّبة هي في الحقيقة دعوة عمليّة للإسلام يستدلّ بها سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أنّ الإسلام حقّ من عند الله «4» .
[للاستزادة، انظر صفات: الاتباع- الاستقامة- الطاعة- الولاء والبراء.
وفي ضد ذلك تنظر صفات: القدوة السيئة- الابتداع- اتباع الهوى- الإساءة- موالاة الكفار- الاعوجاج- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف] .
__________
(1) مبادىء ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد (6- 11) بتصرف.
(2) المرجع السابق (11- 29) بتصرف.
(3) المرجع السابق (32- 38) بتصرف.
(4) المرجع السابق (7- 8) بتصرف.(2/351)
الآيات الواردة في «الأسوة الحسنة»
1- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «1»
2- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «2»
الآيات الواردة في «الأسوة الحسنة» معنى
3- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)
ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «3»
4- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «4»
__________
(1) الأحزاب: 21 مدنية
(2) الممتحنة: 4- 6 مدنية
(3) الأنعام: 82- 90 مكية
(4) الأحقاف: 35 مكية(2/352)
الأحاديث الواردة في (الأسوة الحسنة)
1-* (عن زرارة أنّ سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «1» ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فنهاهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟» . فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها وأشهد على رجعتها «2» . فأتى ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. فقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول صلّى الله عليه وسلّم؟.
قال: من؟. قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك «3» . فانطلقت إليها. فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها «4» فقال: ما أنا بقاربها «5» . لأنّي نهيتها أن تقول في هاتين الشّيعتين»
شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «7» . قال فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟. قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟. قال: ابن عامر. فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) . فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ألست تقرأ القرآن؟. قلت: بلى قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن «8» ، قال:
فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت ثمّ بدا لي فقلت: انبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟. قلت:
بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك خاتمتها «9» اثني عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال:
__________
(1) الكراع: اسم للخيل.
(2) رجعتها: بفتح الراء وكسرها. والفتح أفصح عند الأكثرين. وقال الأزهري: الكسر أفصح.
(3) بردها عليك: أي بجوابها لك.
(4) فاستلحقته إليها: أي طلبت منه مرافقته إياي في الذهاب إليها.
(5) ما أنا بقاربها: يعني لا أريد قربها.
(6) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان. والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة علي وأصحاب الجمل.
(7) فأبت فيهما إلا مضيا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا.
(8) فإن خلق نبي الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.
(9) وأمسك الله خاتمتها: تعني أنها متأخرة النزول عما قبلها. وهي قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ الآية.(2/353)
قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله «1» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسّوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّي التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بنيّ. فلمّا سنّ «2» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم «3» ، أوتر بسبع.
وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنّي. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- فحدّثته بحديثها. فقال:
صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال: قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «4» ما حدّثتك حديثها) * «5» .
2-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا» فانطلق النّاس لا يلوي أحد على أحد «6» ، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير حتّى ابهارّ اللّيل «7» وأنا إلى جنبه. قال: فنعس «8» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته «9» من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى تهوّر اللّيل «10» مال عن راحلته. قال: فدعمته من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى إذا كان من آخر السّحر مال ميلة. هي أشدّ من الميلتين الأوليين. حتّى كاد ينجفل «11» . فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» . قلت: أبو قتادة. قال: «متى كان هذا مسيرك منّي؟» . قلت:
مازال هذا مسيري منذ اللّيلة. قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيّه «12» » . ثمّ قال: «هل ترانا نخفى على النّاس؟» . ثمّ قال: «هل ترى من أحد؟» . قلت: هذا راكب. ثمّ قلت: هذا راكب آخر. حتّى اجتمعنا فكنّا سبعة ركب «13» . قال: فمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن
__________
(1) فيبعثه الله: أي يوقظه؛ لأن النوم أخو الموت.
(2) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول سن. وفي بعضها، أسن. وهذا هو المشهور في اللغة.
(3) وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم. وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه.
(4) لو علمت أنك لا تدخل عليها ... : قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها.
(5) مسلم (746)
(6) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف.
(7) ابهار الليل: أي انتصف.
(8) فنعس: النعاس مقدمة النوم.
(9) فدعمته: أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها.
(10) تهور الليل: أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده.
(11) ينجفل: أي يسقط.
(12) بما حفظت به نبيه: أي بسبب حفظك نبيه.
(13) سبعة ركب: هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره.(2/354)
الطّريق. فوضع رأسه. ثمّ قال: «احفظوا علينا صلاتنا» فكان أوّل من استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والشّمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين. ثمّ قال:
«اركبوا» . فركبنا فسرنا. حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل.
ثمّ دعا بميضأة «1» كانت معي فيها شيء من ماء. قال:
فتوضّأ منها وضوءا دون وضوء «2» . قال: وبقي فيها شيء من ماء. ثمّ قال لأبي قتادة: «احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ» . ثمّ أذّن بلال بالصّلاة.
فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين. ثمّ صلّى الغداة فصنع كما كان يصنع كلّ يوم. قال: وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض «3» :
ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟. ثمّ قال: «أما لكم فيّ أسوة «4» ؟» . ثمّ قال: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط «5» . إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها» . ثمّ قال: «ما ترون النّاس صنعوا؟» . قال: ثمّ قال: أصبح النّاس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا» . «6» . قال: فانتهينا إلى النّاس حين امتدّ النّهار، وحمي كلّ شيء. وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا. عطشنا. فقال: «لا هلك عليكم «7» » . ثمّ قال: «أطلقوا لي غمري «8» » . قال: ودعا بالميضأة.
فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبّ، وأبو قتادة يسقيهم.
فلم يعد أن رأى النّاس ماء في الميضأة تكابّوا عليها «9» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحسنوا الملأ «10» . كلّكم سيروى» . قال: ففعلوا. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) بميضأة: هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة.
(2) وضوءا دون وضوء: أي وضوءا خفيفا.
(3) يهمس الى بعض: أي يكلمه بصوت خفي.
(4) أسوة: الّاسوة كالقدوة، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا. وإن سارّا وإن ضارّا. ولهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب.
(5) ليس في النوم تفريط: أي تقصير في فوت الصلاة. لانعدام الاختيار من النائم.
(6) ما ترون النّاس صنعوا قال: ثمّ قال ... إلخ: (قال النّوويّ: معنى هذا الكلام أنّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا صلّى بهم الصّبح، بعد ارتفاع الشّمس، وقد سبقهم النّاس. وانقطع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطّائفة اليسيرة عنهم. قال: ما تظنّون النّاس يقولون فينا؟. فسكت القوم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أمّا أبو بكر وعمر فيقولان للنّاس: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءكم. ولا تطيب نفسه أن يخلّفكم وراءه ويتقدّم بين أيديكم. فينبغي لكم أن تنتظروه حتّى يلحقكم. وقال باقي النّاس: إنّه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنّهما على الصّواب) .
(7) لاهلك عليكم: أي لا هلاك.
(8) أطلقوا لي غمري: أي ائتوني به. والغمر القدح الصغير.
(9) فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها: أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، أي تزاحمهم عليها، مكبّا بعضهم على بعض.
(10) أحسنوا الملأ: الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم.(2/355)
يصبّ وأسقيهم حتّى ما بقي غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثمّ صبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي:
«اشرب» . فقلت: لا أشرب حتّى تشرب يا رسول الله.
قال: «إنّ ساقي القوم آخرهم شربا» . قال: فشربت.
وشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فأتى النّاس الماء جامّين رواء «1» قال: فقال عبد الله بن رباح: إنّي لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع «2» . إذ قال عمران بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث. فإنّي أحد الرّكب تلك اللّيلة. قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال:
ممّن أنت؟. قلت: من الأنصار. قال: حدّث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدّثت القوم. فقال عمران:
لقد شهدت تلك اللّيلة وما شعرت أنّ أحدا حفظه كما حفظته «3» ) * «4» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصّفا والمروة، وقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21)) * «5» .
الأحاديث الواردة في (الأسوة الحسنة) معنى
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: اتّخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاتما من ذهب فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي اتّخذت خاتما من ذهب» . فنبذه وقال: «إنّي لن ألبسه أبدا فنبذ النّاس خواتيمهم» ) *» .
5-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي خالته؛ قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى انتصف اللّيل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ «7» معلّقة، فتوضّأ منها فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي، قال ابن عبّاس:
فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع صلّى الله عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلّى ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر ثمّ اضطجع
__________
(1) جامين رواء: أي مستريحين قد رووا من الماء. والرواء ضد العطاش جمع ريان وريا، مثل عطشان وعطشى.
(2) في مسجد الجامع: هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته. فعند الكوفيين يجوز ذلك بغير تقدير. وعند البصريين لا يجوز إلا بتقدير. ويتأولون ما جاء بهذا بحسب مواطنه. والتقدير هنا: مسجد المكان الجامع. وفي قول الله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ أي المكان الغربي. وقوله تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ* أي الحياة الآخرة.
(3) حفظت: ضبطناه، حفظته بضم التاء وفتحها. وكلاهما حسن.
(4) مسلم 1 (681) .
(5) النسائي (5/ 235) أين يصلي ركعتي الطواف.
(6) البخاري- الفتح 13 (7298) .
(7) الشّنّ: القربة الخلق والجمع شنان.(2/356)
حتّى أتاه المؤذّن فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح» ) * «1» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش «2» لها، ممّا بي من القوّة على العبادة، من الصّوم والصّلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته «3» ، حتّى دخل عليها، فقال لها:
كيف وجدت بعلك؟. قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة، من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل عليّ، فعذمني «4» ، وعضّني بلسانه، فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها «5» ، وفعلت وفعلت، ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني، فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال لي: أتصوم النّهار؟. قلت: نعم، قال: وتقوم اللّيل؟. قلت: نعم، قال: لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي، قال: اقرأ القرآن في كلّ شهر، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال- أحدهما إمّا حصين وإمّا مغيرة-: فاقرأه في كلّ عشرة أيّام، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فاقرأه في كلّ ثلاث «6» ، قال: ثمّ قال: صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: صم يوما وأفطر يوما، فإنّه أفضل الصّيام، وهو صيام أخي داود،. قال حصين في حديثه- ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة «7» ، ولكلّ شرّة فترة فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» ، قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفّي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «8» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضّل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممّن فضّل عليه» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (183) واللفظ له. ومسلم (763) .
(2) أنحاش: لا أنفر لها ولا أقبل عليها.
(3) الكنّة: امرأة الابن وجمعها كنائن.
(4) فعذمني: العذم الأخذ باللسان واللوم.
(5) فعضلتها: فقهرتها وضيقت عليها.
(6) أي في كل ثلاثة أيام، إذا حذف المعدود جاز في العدد التذكير والتأنيث.
(7) الشرة: النشاط والرغبة. والفترة: الهدوء بعد الحدة.
(8) البخاري- الفتح 4 (1975 و1976) . ومسلم (1159) . وأحمد (9/ 6477) وهذا لفظه. وقال الشيخ أحمد شاكر (9/ 235) : إسناده صحيح وهو حديث مشهور.
(9) البخاري- الفتح 11 (6490) ، ومسلم (2963) واللفظ له.(2/357)
8-* (عن مجاهد- رحمه الله- قال:
دخلت أنا ويحيى بن جعدة على رجل من الأنصار من أصحاب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مولاة لبني عبد المطّلب فقال: إنّها قامت اللّيل وتصوم النّهار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكنّي أنا أنام وأصلّي وأصوم وأفطر. فمن اقتدى بي فهو منّي ومن رغب عن سنّتي فليس منّي. إنّ لكلّ عمل شرّة ثمّ فترة، فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضلّ ومن كانت فترته إلى سنّتي فقد اهتدى» ) * «1» .
9-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
سأل رجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمسك القوم، ثمّ إنّ رجلا أعطاه فأعطى القوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من سنّ خيرا فاستنّ به كان له أجره ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ شرّا فاستنّ به كان عليه وزره ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا» ) * «2» .
10-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبطحاء وهو منيخ «3» ، فقال: «أحججت؟» . قلت: نعم. قال:
«بم أهللت «4» ؟» . قلت: لبّيك بإهلال كإهلال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: «أحسنت. طف بالبيت وبالصّفا والمروة ثمّ أحلّ «5» » . فطفت بالبيت وبالصّفا والمروة، ثمّ أتيت امرأة من قيس فقلّت رأسي، ثمّ أهللت بالحجّ، فكنت أفتي به حتّى كان في خلافة عمر، فقال: إن أخذنا بكتاب الله، فإنّه يأمرنا بالتّمام وإن أخذنا بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّه لم يحلّ
حتّى يبلغ الهدي محلّه) * «6» .
11-* (عن مجاهد- رحمه الله- قال: قلت لابن عبّاس: أنسجد في (ص) «7» ؟ فقرأ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ حتّى أتى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «8» فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: «نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ممّن أمر أن يقتدي بهم» ) * «9» .
12-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
كنت مع عليّ حين أمّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على اليمن فأصبت معه أواقي فلمّا قدم عليّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال عليّ:
وجدت فاطمة قد نضحت البيت بنضوح «10» قال:
فتخطّيته فقالت لي: مالك، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمر أصحابه فأحلّوا. قال: قلت: إنّي أهللت بإهلال
__________
(1) الهيثمي في المجمع (3/ 193) واللفظ له وقال: رواه أحمد (5/ 409) ورجاله رجال الصحيح.
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 91) واللفظ له وقال: رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ورواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة. والهيثمي في المجمع (1/ 167) وقال: رجاله رجال الصحيح. والترمذي (2677) من حديث بلال بن الحارث نحوه وقال حسن.
(3) منيخ: اسم فاعل من أناخ أي أبرك جمله أو ناقته.
(4) أهل المعتمر والحاج: رفع صوته بالتلبية.
(5) أحلّ المحرم لغة في حلّ.
(6) البخاري- الفتح 3 (1795) واللفظ له، ومسلم (1221) .
(7) أنسجد في «ص» : أي عند قوله تعالى في سورة «ص» وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ.
(8) الآيات 84- 90 من سورة الأنعام.
(9) البخاري- الفتح 6 (3421) .
(10) نضح البيت: رشه، والنضوح ما يرش به. والنّضوح- أيضا-: ضرب من الطيب تفوح رائحته. قال ابن الأثير في هذا الحديث: ونضحته بنضوح: أي طيّبته. (النهاية 5/ 70) .(2/358)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «كيف صنعت؟» . قلت: إنّي أهللت بما أهللت قال: «فإنّي قد سقت الهدي وقرنت» ) * «1» .
13-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي، إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره. ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. من جاهدهم بيده فهو مؤمن. ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» قال أبو رافع: فحدّثت عبد الله بن عمر فأنكره عليّ. فقدم ابن مسعود فنزل بقناة «2» . فاستتبعني إليه عبد الله ابن عمر يعوده. فانطلقت معه. فلمّا جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدّثنيه كما حدّثته ابن عمر» ) * «3» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبيت أحد ثلاث ليال إلّا ووصيّته مكتوبة، قال: فما بتّ من ليلة بعد إلّا ووصيّتي موضوعة» ) * «4» .
15-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لأرمقنّ اللّيلة صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فتوسّدت عتبته أو فسطاطه، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين خفيفتين ثمّ صلّى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة» ) * «5» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة عينا «6» وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب، حتّى إذا كانوا بالهدا «7» بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى وجدوا مأكلهم التّمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب، فاتّبعوا آثارهم. فلمّا حسّ بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيّها القوم، أمّا أنا فلا أنزل في ذمّة كافر. ثمّ قال: اللهمّ أخبر عنّا
__________
(1) النسائي (5/ 157، 158) الحج بغير نية يقصده المحرم واللفظ له. وأصله عند البخاري 3 (1651) . ومسلم (1250) عن أنس.
(2) قناة: واد من أودية المدينة (علم مؤنث) .
(3) مسلم (50) .
(4) أحمد وقال الشيخ شاكر (4469) : إسناده صحيح.
(5) مسلم (765) . وتنوير الحوالك: (1/ 143 144) . وأبو داود (1366) واللفظ له.
(6) عشرة عينا: أي عشرة رجال يكونون عينا له.
(7) وقد وردت بلفظ الهدأة وفقا لما ورد في صحيح البخاري- ضبط الدكتور/ مصطفى البغا.(2/359)
نبيّك صلّى الله عليه وسلّم: فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق. منهم خبيب وزيد ابن الدّثنة ورجل آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، قال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر، والله لا أصحبكم، إنّ لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرّروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد بن الدّثنة حتّى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا- وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتّى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها، فأعارته، فدرج بنيّ لها وهي غافلة حتّى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب.
فقال: أتخشين أن أقتله؟. ما كنت لأفعل ذلك.
قالت: والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنّه لموثّق بالحديد، وما بمكّة من ثمرة. وكانت تقول: إنّه لرزق رزقه الله خبيبا، فلمّا خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ. قال لهم خبيب: دعوني أصلّي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: لولا أن تحسبوا أنّ ما بي جزع لزدت. ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثمّ أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع
ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله.
وكان خبيب هو سنّ لكلّ مسلم قتل صبرا الصّلاة.
وأخبر- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدّثوا أنّه قتل- أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظّلّة من الدّبر «1» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا» ) * «2» .
__________
(1) الدّبر: ذكور النحل أو الزنابير.
(2) البخاري- الفتح 7 (3989) .(2/360)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأسوة الحسنة)
1-* (عن أبي وائل، قال: «جلست إلى شيبة في هذا المسجد، قال: جلس إليّ عمر في مجلسك هذا. فقال: «هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلّا قسمتها بين المسلمين» . قلت: ما أنت بفاعل.
قال: «لم؟» . قلت: لم يفعله صاحباك. قال: «هما المرآن يقتدى بهما» ) * «1» .
2-* (عن عمر- رضي الله عنه- أنّه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله، فقال: «إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك» ) * «2» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم، فقال عمر: «ما هذا الثّوب المصبوغ يا طلحة» . فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، إنّما هو مدر»
. فقال عمر:
«إنّكم أيّها الرّهط أئمّة يقتدي بكم النّاس فلو أنّ رجلا جاهلا رأى هذا الثّوب لقال إنّ طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثّياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيّها الرّهط شيئا من هذه الثّياب المصبغة» ) * «4» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام، قال: إنّي صائم، قال: إنّكم أئمّة يقتدى بكم، قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب، وقال يحيى مرّة:
أهل بيت يقتدى بكم» ) * «5» .
5-* (عن جابر بن سمرة؛ قال: قال عمر لسعد: قد شكوك في كلّ شيء حتّى في الصّلاة. قال:
أمّا أنا فأمدّ في الأوليين وأحذف في الأخريين. وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: ذاك الظّنّ بك. أو ذاك ظنّي بك» ) * «6» .
6-* (عن نافع: أنّ ابن عمر دخل عليه ابنه عبد الله وظهره «7» في الدّار، فقال: إنّي لا آمن أن يكون العام بين النّاس قتال فتصدّ عن البيت، فلو أقمت؟. فقال: قد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحال كفّار قريش بينه وبين البيت، فإن يحل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قال: إنّي قد أوجبت عمرة، ثمّ سار حتّى إذا كان بالبيداء، قال: ما أرى أمرهما إلّا واحدا، أشهدكم أنّي قد أوجبت مع عمرتي حجّا، ثمّ قدم فطاف لهما طوافا واحدا» ) * «8» .
7-* (عن سعيد بن يسار؛ أنّه، قال: كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكّة. قال سعيد: فلمّا خشيت الصّبح نزلت فأوترت. ثمّ أدركته. فقال لي ابن عمر: أين كنت؟. فقلت له: خشيت الفجر
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7275) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1597) .
(3) المدر: الطين.
(4) تنوير الحوالك/ شرح موطأ مالك (1/ 304) .
(5) أحمد (1/ 346) وقال الشيخ أحمد شاكر (3239) : إسناده صحيح.
(6) البخاري- الفتح 2 (770) .
(7) الظهر: ما يركب أو يحمل عليه في السفر.
(8) أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر (4480) : إسناده صحيح واللفظ له. رواه مالك في الموطأ (1/ 329/ 330) مختصرا. ورواه البخاري مطولا، ورواه مسلم كما في الفتح، انظر (6/ 223) .(2/361)
فنزلت فأوترت، فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة؟. فقلت: بلى والله. قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يوتر على البعير» ) * «1» .
8-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس بن حصن وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن لعيينة، فلمّا دخل قال: يا ابن الخطّاب، والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ بأن يقع به، فقال الحرّ:
يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) وإنّ هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «2» .
9-* (عن سعيد بن جبير قال: «كنت مع ابن عمر حيث أفاض من عرفات، ثمّ أتى جمعا فصلّى المغرب والعشاء، فلمّا فرغ قال: فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا المكان مثل ما فعلت. قال هشيم مرّة: فصلّى بنا المغرب، ثمّ قال: الصّلاة، وصلّى ركعتين، ثمّ قال:
هكذا فعل بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا المكان» ) * «3» .
10-* (عن إبراهيم بن أدهم؛ قال: سألت ابن شبرمة عن شيء وكانت عندي مسألة شديدة، فقلت: رحمك الله انظر فيها، قال: «إذا وضح لي الطّريق ووجدت الأثر لم أحبس «4» » ) * «5» .
11-* (قال مجاهد- في قول الله تعالى:
وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (الفرقان/ 74) قال:
أئمّة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدى بنا من بعدنا» ) * «6» .
12-* (عن إبراهيم النّخعيّ؛ قال: لقد أدركت أقواما، لو لم يجاوز أحدهم ظفرا لما جاوزته، كفى إزراء على قوم أن تخالف أفعالهم) * «7» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه» ) * «8» .
14-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التّأسّي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله. ولهذا أمر الله تبارك وتعالى النّاس بالتّأسّي بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربّه عزّ وجلّ) * «9» .
__________
(1) مسلم (700) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7286) .
(3) أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر (4460) : إسناده صحيح.
(4) أي لم أحبس كلامي عنك.
(5) الدارمي (1/ 83) برقم (220) .
(6) قال الحافظ في الفتح (13/ 265) أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما بسند صحيح.
(7) الدارمي (1/ 83) برقم (218) .
(8) الفوائد (67) .
(9) تفسير القرآن العظيم (3/ 483) .(2/362)
15-* (قال ابن حجر: «كانت الأئمّة بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السّنّة لم يتعدّوه إلى غيره اقتداء بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
16-* (قال بعضهم في التّأسّي بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا ... كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وإن نحن أضللنا الطّريق ولم نجد ... دليلا كفانا نور وجهك هاديا
) * «2» .
17-* (عن وهب بن منبّه؛ قال: «كان جبّار في بني إسرائيل يقتل النّاس على أكل لحوم الخنازير، فلم يزل الأمر ... حتّى بلغ إلى عابد من عبّادهم، قال: فشقّ ذلك على النّاس، فقال له صاحب الشّرطة: إنّي أذبح لك جديا، فإذا دعاك الجبّار لتأكل فكل، فلمّا دعاه ليأكل أبى أن يأكل، قال: أخرجوه فاضربوا عنقه، فقال له صاحب الشّرطة: ما منعك أن تأكل وقد أخبرتك أنّه جدي قال: إنّي رجل منظور إليّ، وإنّي كرهت أن يتأسّى بي في معاصيّ، قال: فقتله» ) * «3» .
من فوائد (الأسوة الحسنة)
(1) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المثل الأعلى في الأسوة الحسنة في أخلاقه وأفعاله وأقواله وسائر صفاته.
(2) والمسلم إذا راقب الله- عزّ وجلّ- في عباداته ومعاملاته وأجراها وفق ما أمر الله وما أمر رسوله كان متأسّيا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(3) دليل الحبّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نتأسّى به.
(4) إذا ظهر المسلم بمظهر التّأسّي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّه النّاس ووثقوا به وجعلوه قدوة يحتذى بها.
(5) المسلم المتتبّع لنهج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المقتفي أثر السّلف يجد في نفسه سعادة ما بعدها سعادة لأنّه يرى نفسه على بصيرة وهدى وينظر بنور ويسير في الطّريق الصّحيح.
(6) على العلماء أن يكونوا قدوة للنّاس في أعمالهم لأنّهم موضع الأسوة.
(7) في الأخذ بالكتاب والسّنّة اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(8) بالأسوة الحسنة يتحقّق النّجاح في مجال التّربية.
(9) في التّشدّد والتّطرّف خروج عن الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(10) التّأسّي في الدّين يكون بنظر الإنسان إلى من هو فوقه وفي الدّنيا بالنّظر لمن هو دونه.
(11) من سنّ خيرا فاتّخذه النّاس قدوة وتأسّوا به كان له أجره وأجر من عمل بمثل عمله.
__________
(1) فتح الباري (13/ 351) .
(2) الفوائد (56) .
(3) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (114- 115) .(2/363)
الإصلاح
الإصلاح لغة:
مصدر أصلح يصلح وهو مأخوذ من مادّة (ص ل ح) الّتي تدلّ على «خلاف الفساد» يقال:
صلح الشّيء يصلح صلاحا، ويقال أيضا: صلح (بفتح اللّام) والمصدر صلوح، وذلك كما في قول الشّاعر:
وكيف بأطرافي إذا ما شتمتني ... وما بعد شتم الوالدين صلوح
وقال ابن منظور: الإصلاح: نقيض الإفساد.
وأصلح الشّيء بعد فساده: أقامه. وأصلح الدّابّة:
أحسن إليها فصلحت. والصّلح: تصالح القوم بينهم. والصّلح: السّلم. وقد اصطلحوا وصالحوا وتصالحوا واصّلحوا واصّالحوا مشدّدة الصّاد قلبوا التّاء صادا، وأدغموها في الصّاد بمعنى واحد. وقوم صلوح: متصالحون، كأنّهم وصفوا بالمصدر.
والصّلاح- بكسر الصّاد-: مصدر كالمصالحة، والعرب تؤنّثها، والاسم الصّلح، يذكّر ويؤنّث.
وأصلح ما بينهم وصالحهم مصالحة وصلاحا «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
25/ 17/ 8
واصطلاحا:
مأخوذ من الصّلح: وهو عقد يرفع النّزاع وهو بمعنى المصالحة، وهو المسالمة خلاف المخاصمة، وأصله من الصّلاح وهو ضدّ الفساد، ومعناه دالّ على حسنه الذّاتيّ، وكم من فساد انقلب به إلى الصّلاح بحسنه؛ ولهذا أمر الله تعالى به عند حصول الفساد والفتن بقوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما (الحجرات/ 9) ، وقال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. قالوا:
معناه جنس الصّلح خير ... فيعلم بهذا أنّ جميع أنواع الصّلح حسنة؛ لأنّ فيه إطفاء الثّائرة بين النّاس، ورفع المنازعات الموبقات عنهم «2» .
من أنواع الإصلاح:
إصلاح ذات البين: ومعنى ذات البين: صاحبة البين، والبين في كلام العرب يأتي على وجهين متضادّين: فيأتي بمعنى الفراق والفرقة، ويأتي بمعنى الوصل. وإصلاح ذات البين على المعنى الأوّل:
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (2/ 516، 517) . وانظر: مختار الصحاح (367) . ومقاييس اللغة (3/ 303) .
(2) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (5/ 29، 30) .(2/364)
يكون بمعنى إصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين، وإصلاحها يكون بإزالة أسباب الخصام، أو بالتّسامح والعفو، أو بالتّراضي على وجه من الوجوه، وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحلّ عقدة الفرقة. أمّا إصلاح ذات البين على المعنى الثّاني، فيكون بمعنى إصلاح صاحبة الوصل والتّحابب والتّآلف بين المسلمين، وإصلاحها يكون برأب ما تصدّع منها، وإزالة الفساد الّذي دبّ إليها بسبب الخصام والتّنازع على أمر من أمور الدّنيا «1» .
الإصلاح في القرآن الكريم:
وقد ورد الإصلاح في القرآن الكريم في مواضع متعدّدة، منها قوله تعالى على لسان موسى- عليه السّلام- يوصي أخاه هارون: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (الأعراف/ 142) . وهو هنا بمعنى الرّفق.
ومنه قوله تعالى على لسان نبيّ الله شعيب عليه السّلام: قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود/ 88) . وهو هنا بمعنى الإحسان. ومنه قوله تعالى في وصف المنافقين: قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (البقرة/ 11) .
ومنه قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 85) .
قال المفسّرون: الإصلاح هنا الطّاعة، ضدّ الإفساد وهو المعصية.
ومنه قوله تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (هود/ 117) والإصلاح هنا بمعنى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التعاون على البر والتقوى- حسن المعاملة. العفو- المروءة- النصيحة- التقوى الصفح.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الفساد- التعاون على الإثم والعدوان- سوء المعاملة- العدوان] .
__________
(1) انظر: الأضداد للأنباري: 75، والأضداد للأصمعي والسجستاني وابن السكيت (52، 351- 352، 225) . والأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 230) .
(2) انظر: نزهة العيون النواظر (397/ 398) بتصرف.(2/365)
الآيات الواردة في «الإصلاح»
الإصلاح بعد التوبة مطمع في الغفران:
1- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «1»
2- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)
خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «2»
3- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) «3»
4- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «4»
5- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «5»
6- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «6»
__________
(1) البقرة: 159- 160 مدنية
(2) آل عمران: 86- 89 مدنية
(3) النساء: 15- 16 مدنية
(4) النساء: 145- 146 مدنية
(5) الأنعام: 48- 49 مكية
(6) الأنعام: 54 مكية(2/366)
7- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) «1»
8- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2»
الأمر بإصلاح ذات البين:
9- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «3»
10- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) «4»
11- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) »
12- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «6»
13-* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «7»
14- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما
__________
(1) الأعراف: 35 مكية
(2) النور: 4- 5 مدنية
(3) البقرة: 180- 182 مدنية
(4) البقرة: 224- 225 مدنية
(5) البقرة: 228 مدنية
(6) النساء: 34- 35 مدنية
(7) النساء: 114 مدنية(2/367)
يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127)
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128)
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129)
وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «1»
15- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) «2»
16- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «3»
النهي عن الإفساد بعد الإصلاح:
17- وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «4»
18- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «5»
19- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)
__________
(1) النساء: 127- 130 مدنية
(2) الأنفال: 1 مدنية
(3) الحجرات: 9- 10 مدنية
(4) الأعراف: 56 مكية
(5) الأعراف: 85 مكية(2/368)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* (144)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145)
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «1»
20- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «2»
الأمر بالإصلاح في النبوة والإمارة:
21-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3»
22-* وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) «4»
23- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)
__________
(1) الشعراء: 141- 152 مكية
(2) النمل: 45- 51 مكية
(3) البقرة: 219- 220 مدنية
(4) الأعراف: 142 مكية(2/369)
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «1»
ثواب الإصلاح والمصلحين:
24- وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) «2»
25- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) «3»
__________
(1) هود: 87- 88 مكية
(2) الأعراف: 170 مكية
(3) الشورى: 40 مكية(2/370)
الأحاديث الواردة في (الإصلاح)
1-* (عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول: «استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها، فقال له معاوية- وكان والله خير الرّجلين-: أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس- عبد الرّحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه، فتكلّما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن عليّ: إنّا بنو عبد المطّلب؛ قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلّا قالا: نحن لك به، فصالحه: فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على النّاس مرّة وعليه أخرى ويقول: «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ) * «1» .
2-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة؟ قالوا: بلى، قال:
صلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة» ) * «2»
3-* (عن زيد بن ملحة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين ليأرز «3» إلى الحجاز كما تأرز الحيّة إلى جحرها، وليعقلنّ الدّين من الحجاز معقل الأرويّة «4» من رأس الجبل. إنّ الدّين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الّذين يصلحون ما أفسد النّاس من بعدي من سنّتي» ) * «5» .
4-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم «6» بالمعروف، والإصلاح بين المسلمين) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2704) واللفظ في 13 (7109) .
(2) أبو داود 4 (4919) . والترمذي 4 (2509) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين..» . وقال محقق جامع الأصول (6/ 668) : وهو حديث صحيح.
(3) يأرز إلى الحجاز: أي يجتمع وينضم كما تأرز الحية إلى جحرها.
(4) الأروية: هي أنثى الوعول، برؤوس الجبال وجمعها: أروى.
(5) الترمذي 5 (2630) . وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(6) عانيهم: العاني الذليل والأسير.
(7) أحمد (1/ 271) واللفظ له. والهيثمي في المجمع (4/ 206) وأشار إلى رواية أحمد وقال: فيه الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ولكنه ثقة.. وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (11/ 125، ح 6904) : إسناده صحيح. وأشار إلى رواية ابن عباس أيضا (ح 2443) .(2/371)
5-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس إذ رأيناه ضحك حتّى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمّي؟ قال: «رجلان من أمّتي جثيا بين يدي ربّ العزّة، فقال أحدهما: يا ربّ خذ لي مظلمتي من أخي. فقال الله- تبارك وتعالى- للطّالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا ربّ فليحمل من أوزاري» . قال: وفاضت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبكاء ثمّ قال: «إنّ ذاك اليوم عظيم يحتاج النّاس أن يحمل عنهم من أوزارهم. فقال الله تعالى للطّالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان. فرفع رأسه فقال: يا ربّ أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكلّلة باللّؤلؤ لأيّ نبيّ هذا؟ أو لأيّ صدّيق هذا؟ أو لأيّ شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثّمن. قال: يا ربّ ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: بماذا؟.
قال: بعفوك عن أخيك. قال يا ربّ فإنّي قد عفوت عنه. قال الله- عزّ وجلّ- فخذ بيد أخيك فأدخله الجنّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: اتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإنّ الله تعالى يصلح بين المسلمين» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء «2» فيقال: أنظروا هذين «3» حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «4» .
7-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «5» . فإمّا دعا، وإمّا بسق «6» فيها. قال: فجاشت «7» . فسقينا واستقينا. قال:
ثم إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة.
قال: فبايعته أوّل النّاس ثمّ بايع وبايع حتّى إذا كان في وسط من النّاس، قال: «بايع. يا سلمة» . قال: قلت:
قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس. قال: «وأيضا» .
قال: ورآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزلا «8» (يعني ليس معه سلاح) . قال: فأعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجفة أو درقة «9» ثمّ بايع حتّى إذا كان في آخر النّاس قال: ألا
__________
(1) الحاكم في المستدرك (4/ 576) واللفظ له، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والمنذري في الترغيب (3/ 309) وأشار إلى تصحيح الحاكم وقال: أخرجه البيهقي.
(2) شحناء: عداوة وبغضاء.
(3) انظروا: أي أخروهما.
(4) مسلم (2565) .
(5) جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
(6) وإما بسق: هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعنى. والسين قليلة الاستعمال.
(7) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، اذا ارتفع.
(8) عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
(9) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.(2/372)
تبايعني يا سلمة؟» . قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال: «وأيضا» قال:
فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» . قال: قلت: يا رسول الله لقيني عمّي عامر عزلا. فأعطيته إيّاها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «1» : اللهمّ أبغني»
حبيبا هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «3» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض «4» ، واصطلحنا. قال وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله «5» .
أسقي فرسه، وأحسّه «6» ، وأخدمه، وآكل من طعامه.
وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها «7» فاضطجعت في أصلها.
قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم، واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين؛ قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «8» ثمّ شددت «9» على أولئك الأربعة، وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا «10» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «11» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «12» يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فرس مجفّف «13» . في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «14» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ
__________
(1) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي إنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(2) أبغني: أي أعطني.
(3) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(4) مشى بعضنا في بعض: في هنا بمعني إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع. فيكون المعنى مشى بعضنا مع بعض.
(5) كنت تبيعا لطلحة: أي خادما أتبعه.
(6) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(7) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(8) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(9) شددت: حملت وكررت.
(10) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(11) الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
(12) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. ترده إلى الواحد.
(13) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(14) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.(2/373)
بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلها ...
الحديث) * «1» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وركب حمارا فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة- فلمّا أتاه النّبيّ قال: إليك عنّي.
والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطيب ريحا منك.
فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما «2» فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنّعال. فبلغنا أنّها أنزلت وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما الحجرات/ 9) * «3» .
9-* (عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- وكانت من المهاجرات الأول اللّاتي بايعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس، ويقول خيرا وينمي «4» خيرا» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (الإصلاح) معنى
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس يعدل «6» بين النّاس صدقة» ) * «7» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإصلاح)
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له. فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي. إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى «8» الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال:
فتحا كما إلى رجل فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟
__________
(1) مسلم (1807) .
(2) فشتما: هكذا في الفتح، وعبارة البخاري (طبعة البغا) : فشتمه.
(3) البخاري- الفتح 5 (2691) واللفظ له. ومسلم (1799) وليس عند مسلم قوله «فشتما» .
(4) ينمي: بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وإصلاح وبالتشديد الإفساد.
(5) البخاري- الفتح 5 (2692) . مسلم (2605) واللفظ له.
(6) يعدل بين الناس: يصلح بينهم.
(7) البخاري- الفتح 5 (2707) واللفظ له. ومسلم (1009) .
(8) شرى: باع.(2/374)
فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال:
أنكحوا الغلام الجارية. وأنفقوا على أنفسكما منه.
وتصدّقا» ) * «1» .
12-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-:
أنّ ناسا من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أناس من أصحابه يصلح بينهم، فحضرت الصّلاة، ولم يأت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأذّن بلال بالصّلاة، ولم يأت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فجاء إلى أبي بكر فقال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حبس، وقد حضرت الصّلاة، فهل لك أن تؤمّ النّاس؟ فقال: نعم، إن شئت. فأقام الصّلاة فتقدّم أبو بكر، ثمّ جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمشي في الصّفوف حتّى قام في الصّفّ الأوّل، فأخذ النّاس في التّصفيح «2» حتّى أكثروا- وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت في الصّلاة- فالتفت فإذا هو بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه، فأشار إليه بيده، فأمره أن يصلّي كما هو، فرفع أبو بكر يده فحمد الله ثمّ رجع القهقرى وراءه حتّى دخل في الصّفّ فتقدّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بالنّاس. فلمّا فرغ أقبل على النّاس فقال: «يا أيّها النّاس، إذا نابكم شيء في الصّفّ، في صلاتكم أخذتم بالتّصفيح، إنّما التّصفيح للنّساء، من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله، فإنّه لا يسمعه أحد إلّا التفت. يا أبا بكر، ما منعك حين أشرت إليك لم تصلّ بالنّاس؟» فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
13-* (عن كعب بن مالك أنّه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتّى سمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيته فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهما حتّى كشف سجف حجرته فنادى كعب بن مالك، فقال:
«يا كعب» فقال: لبّيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشّطر. فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قم فاقضه» ) * «4» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول: والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أين المتألّي على الله لا يفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله، فله أيّ ذلك أحبّ) * «5» .
15-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: توفّي أبي وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التّمر بما عليه فأبوا، ولم يروا أنّ فيه وفاء فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال: «إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . فجاء ومعه
__________
(1) مسلم (1721) .
(2) التصفيح: قال النووي: التصفيح أن تضرب المرأة كفها الأيمن ظهر كفها الأيسر، وقد يحدث من الرجال كما هنا.
(3) البخاري- الفتح 5 (2690) واللفظ له. ومسلم (421) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2710) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2705) . (ومعنى أيّ ذلك أحب) أي من الوضع أو الرفق وراجع صفة «الإحسان» .(2/375)
أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة ثمّ قال: «ادع غرماءك فأوفهم «1» » . فما تركت أحدا له على أبي دين إلّا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقا: سبعة عجوة وستّة لون «2» ، أو ستّة عجوة وسبعة لون. فوافيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المغرب فذكرت ذلك له فضحك فقال: «ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما» فقالا: لقد علمنا- إذ صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما صنع- أن سيكون ذلك) * «3» .
16-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ أهل قباء اقتتلوا حتّى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإصلاح)
1-* (روي أنّ ابن أبي عذرة الدّؤليّ- وكان في خلافة عمر- رضي الله عنه- كان يخلع النّساء اللّاتي يتزوّج بهنّ، فطارت له في النّاس من ذلك أحدوثة يكرهها، فلمّا علم بذلك أخذ بيد عبد الله بن الأرقم حتّى أتى به إلى منزله، ثمّ قال لامرأته: أنشدك بالله هل تبغضينني؟ قالت: لا تنشدني، قال: فإنّي أنشدك الله، قالت: نعم. فقال لابن الأرقم: أتسمع؟
ثمّ انطلقا حتّى أتيا عمر- رضي الله عنه- فقال:
إنّكم لتحدّثون أنّي أظلم النّساء وأخلعهنّ فاسأل ابن الأرقم. فسأله فأخبره، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة فجاءت هي وعمّتها، فقال: أنت الّتي تحدّثين لزوجك أنّك تبغضينه؟ فقالت: إنّي أوّل من تاب وراجع أمر الله تعالى. إنّه ناشدني فتحرّجت أن أكذب.
أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فاكذبي، فإن كان إحداكنّ لا تحبّ أحدنا فلا تحدّثه بذلك؛ فإنّ أقلّ البيوت الّذي بني على الحبّ ولكنّ النّاس يتعاشرون بالإسلام والأحساب» ) * «5» .
2-* (قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخّص في شيء ممّا يقول النّاس كذب إلّا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرّجل امرأته وحديث المرأة زوجها» ) * «6» .
3-* (قال ابن بابويه: «إنّ الله- عزّ وجلّ- أحبّ الكذب في الإصلاح، وأبغض الصّدق في الفساد» ) *» .
4-* (يقول ابن القيّم- رحمه الله-: «فالصّلح الجائز بين المسلمين هو الّذي يعتمد فيه رضا الله سبحانه ورضا الخصمين، فهذا أعدل الصّلح وأحقّه، وهو يعتمد العلم والعدل، فيكون المصلح عالما
__________
(1) فأوفهم: أي أعطهم وأوسع عليهم.
(2) اللون: ماعدا العجوة، وقيل: هو الدقل وهو الرديء، وقيل: اللون اللين واللينة، وقيل: الأخلاط من التمر
(3) البخاري- الفتح 5 (2709) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2693) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 138) .
(6) البخاري- الفتح 5 (353) .
(7) منهاج الصالحين للبليق (420) .(2/376)
بالوقائع، عارفا بالواجب، قاصدا للعدل، فدرجة هذا أفضل من درجة الصّائم القائم» ) * «1» .
5-* (عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت جالسا مع محمّد بن كعب القرظيّ، فأتاه رجل فقال له القوم: أين كنت؟ فقال: أصلحت بين قوم، فقال محمّد بن كعب: أصبت. لك مثل أجر المجاهدين، ثمّ قرأ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ ...
(النساء/ 114)) * «2» .
6-* (قال العلماء: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إمّا أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا، فإن كان الأوّل؛ فالواجب في ذلك أن يمشى بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكافّة والموادعة. فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغى صير إلى مقاتلتهما، وأمّا إن كان الثّاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكفّ وتتوب؛ فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغيّ عليها بالقسط والعدل، فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقّة، فالواجب إزالة الشّبهة بالحجّة النّيّرة والبراهين القاطعة على مراشد الحقّ. فإن ركبتا متن اللّجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتّباع الحقّ بعد وضوحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين) * «3» .
7-* (قال الطّبريّ عند قوله تعالى: أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (النساء/ 114) «هو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليرجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به) * «4» .
8-* (قال الفضيل: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل يا أخي اعف عنه فإنّ العفو أقرب للتّقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله- عزّ وجلّ- قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل وإلّا فارجع إلى باب العفو فإنّه باب أوسع؛ فإنّه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام اللّيل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلّب الأمور) * «5» .
من فوائد (الإصلاح)
(1) الإصلاح بين المؤمنين إذا تنازعوا واجب لا بدّ منه لتستقيم حياة المجتمع ويتّجه نحو العمل المثمر.
(2) بالإصلاح تحلّ المودّة محلّ القطيعة، والمحبّة محلّ الكراهية، ولذا يستباح الكذب في سبيل تحقيقه.
(3) الإصلاح بين النّاس يغرس في نفوسهم فضيلة
__________
(1) أعلام الموقعين (1/ 109- 110)
(2) المرجع السابق (2/ 685) .
(3) الجامع لأحكام القرآن الكريم (16/ 208) .
(4) تفسير الطبري (4/ 276) .
(5) حلية الأولياء (5/ 112) .(2/377)
العفو.
(4) الإصلاح منبعه النّفوس السّامية ولذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخرج بنفسه ويسعى للإصلاح بين النّاس.
(5) اكتساب الحسنات والثّواب الجزيل من جرّاء الإصلاح بين النّاس.
(6) إصلاح ذات البين أفضل من نافلة الصّيام والصّلاة والصّدقة.
(7) يثمر المغفرة للمتخاصمين عند المصالحة.
(8) عدم الإصلاح يؤدّي إلى استشراء الفساد وقسوة القلوب، وضياع القيم الإنسانيّة الرّفيعة.
(9) الإصلاح بين النّاس عهد أخذ على المسلمين.(2/378)
الاعتبار
الاعتبار لغة:
مصدر «اعتبر» وهو مأخوذ من مادّة (ع ب ر) الّتي تدلّ على النفوذ والمضيّ في الشّيء، يقال: عبرت النّهر عبورا، وعبر النّهر (بالفتح والكسر) شطّه..
والمعبر شطّ نهر هيّيء للعبور، والمعبر سفينة يعبر عليها النّهر، ومن الباب العبرة، قال الخليل: عبرة الدّمع جريه، قال: والدّمع أيضا عبرة؛ لأنّ الدّمع يعبر أي ينفذ ويجري.
فأمّا الاعتبار والعبرة فهما عند ابن فارس مقيسان من عبري النّهر (أي شاطئيه) لأنّ كلّ واحد منهما مساو لصاحبه، فذاك عبر لهذا وهذا عبر لذاك، فإذا قلت اعتبرت الشّيء، فكأنّك نظرت إلى الشّيء فجعلت ما يعنيك عبرا لذاك فتساويا عندك، هذا اشتقاق الاعتبار. وقال تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (الحشر/ 2) كأنّه قال: انظروا إلى من فعل ما فعل فعوقب بما عوقب به، فتجنّبوا مثل صنيعهم لئلّا ينزل بكم مثل ما نزل بأولئك، ومن الدّليل على صحّة هذا القياس قول الخليل: عبّرت الدّنانير تعبيرا إذا وزنتها دينارا دينارا، والعبرة الاعتبار بما مضى «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
13/ 2/ 22
وقال الرّاغب: أصل العبر تجاوز من حال إلى حال، فأمّا العبور فيختصّ بتجاوز الماء.. ومنه عبر النّهر لجانبه حيث يعبر إليه (المرء) أو منه، واشتقّ منه عبر العين للدّمع والعبرة كالدّمعة، وقيل عابر سبيل أي المارّ وعبر القوم إذا ماتوا كأنّهم عبروا قنطرة الدّنيا، والاعتبار والعبرة (يكون) بالحالة الّتي يتوصّل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد، قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً* «2» وقال: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «3» «4» ، وفي حديث أبي ذرّ: «فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلّها» ، والعبر جمع عبرة وهي كالموعظة ممّا يتّعظ به الإنسان ويعمل به ويعتبر ليستدلّ به على غيره «5» والعبرة أيضا: الاعتبار بما مضى، وقيل: العبرة الاسم من الاعتبار، والعرب تقول: اللهمّ اجعلنا ممّن يعبر الدّنيا ولا يعبرها، أي ممّن يعتبر بها ولا يموت سريعا حتّى يرضيك بالطّاعة، ويقال: عبرت عينه واستعبرت: دمعت وعبر عبرا واستعبر: بدت عبرته وحزن. وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه- أنّه ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ استعبر فبكى هو، استفعل من العبرة وهي تحلّب الدّمع «6» .
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 209، 210) (بتصريف يسير) .
(2) الآية 13 من سورة آل عمران و26 من النازعات.
(3) الآية 2 من سورة الحشر.
(4) مفردات الراغب (320) .
(5) النهاية (3/ 171) .
(6) لسان العرب (عبر) ص 2782.(2/379)
والاعتبار اصطلاحا:
قال الكفويّ: الاعتبار هو النّظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنّظر فيها شيء آخر من جنسها، وقيل: الاعتبار هو التّدبّر وقياس ما غاب على ما ظهر.
وقال المناويّ: العبرة والاعتبار: الّاتعاظ، ويكون بمعنى الاعتداد بالشّيء في ترتيب الحكم، وقال بعضهم: الاعتبار المجاوزة من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى، ومن علم أدنى إلى علم أعلى «1» .
وقال الجرجانيّ: الاعتبار: أن يرى الدّنيا للفناء. والعاملين فيها للموت. وعمرانها للخراب.
وقيل: الاعتبار اسم من المعتبرة، وهي رؤية فناء الدّنيا كلّها باستعمال النّظر في فناء جزئها «2» .
كيفية التفكر والاعتبار:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب، ليستثمر منهما معرفة ثالثة. ومثاله أنّ من مال إلى العاجلة، وآثر الحياة الدّنيا، وأراد أن يعرف أنّ الآخرة أولى بالإيثار من العاجلة فله طريقان: أحدهما: أن يسمع من غيره أنّ الآخرة أولى بالإيثار من الدّنيا، فيقلّده، ويصدّقه من غير بصيرة بحقيقة الأمر، فيميل بعمله إلى إيثار الآخرة اعتمادا على مجرّد قوله، وهذا يسمّى تقليدا ولا يسمّى معرفة. والطّريق الثّاني: أن يعرف أنّ الأبقى أولى بالإيثار، ثمّ يعرف أنّ الآخرة أبقى. فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة، وهو أنّ الآخرة أولى بالإيثار، ولا يمكن تحقّق المعرفة بأنّ الآخرة أولى بالإيثار إلّا بالمعرفتين السّابقتين.
فإحضار المعرفتين السّابقتين في القلب للتّوصّل به إلى المعرفة الثّالثة يسمّى تفكّرا واعتبارا وتذكّرا ونظرا وتأمّلا وتدبّرا. أمّا التّدبّر والتأمّل والتّفكّر: فعبارات مترادفة على معنى واحد ليس تحتها معان مختلفة. وأمّا اسم التذكّر والاعتبار والنّظر؛ فهي مختلفة المعاني، وإن كان أصل المسمّى واحدا؛ كما أنّ اسم الصّارم، والمهنّد «3» ، والسّيف؛ يتوارد على شيء واحد، ولكن باعتبارات مختلفة. فالصّارم يدلّ على السّيف من حيث هو قاطع، والمهنّد يدلّ عليه من حيث نسبته إلى موضعه، والسّيف يدلّ دلالة مطلقة من غير إشعار بهذه الزّوائد «4» .
[للاستزادة، انظر صفات: التدبر- التأمل- التذكر- التذكير- التفكر.
وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإعراض- البلادة والغباء- الغفلة- التفريط والإفراط- الضلال- سوء الخلق] .
__________
(1) الكليات للكفوي (147) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (235) .
(2) كتاب التعريفات (30) .
(3) المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.
(4) إحياء علوم الدين (4/ 425- 426) .(2/380)
الآيات الواردة في «الاعتبار»
الاعتبار بالمشاهدات:
1- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «1»
2- وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66)
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) «2»
3- وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (21)
عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
(22) «3»
4- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) «4»
5- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «5»
الاعتبار بالمرويات:
6- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «6»
__________
(1) آل عمران: 13 مدنية
(2) النحل: 65- 67 مكية
(3) المؤمنون: 21- 22 مكية
(4) النور: 43- 44 مدنية
(5) الحشر: 1- 2 مدنية
(6) يوسف: 111 مكية(2/381)
7- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15)
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16)
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18)
وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20)
فَكَذَّبَ وَعَصى (21)
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22)
فَحَشَرَ فَنادى (23)
فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) «1»
الآيات الواردة في «الاعتبار» معنى
8- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) «2»
9- وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) «3»
10- لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)
فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «4»
11- وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) «5»
__________
(1) النازعات: 15- 26 مكية
(2) البقرة: 164 مدنية
(3) هود: 102- 103 مكية
(4) الحجر: 72- 77 مكية
(5) النحل 9- 12 مكية(2/382)
12- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «1»
13- فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) «2»
__________
(1) الشعراء: 7- 8 مكية
(2) الشعراء: 60- 67 مكية(2/383)
الأحاديث الواردة في (الاعتبار)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل: لأصدّقنّ اللّيلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد على زانية، لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على غنيّ، قال: اللهمّ لك الحمد على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنّي وعلى سارق. فأتي.
فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله، ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّ فيها عبرة. ونهيتكم عن النّبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحلّ مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا وادّخروا» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (الاعتبار) معنى
[انظر صفات: التدبر- التذكر- التفكر- الوعظ]
__________
(1) مسلم (1022)
(2) أحمد (3/ 38) ، وقال الحاكم في المستدرك (1/ 375) واللفظ له: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأصله في الصحيحين من حديث بريدة.(2/384)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاعتبار)
1-* (عن طاوس قال: قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام: «يا روح الله! هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ونظره عبرة، فإنّه مثلي» ) * «1» .
2-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «الشّقيّ من شقي في بطن أمّه، والسّعيد من وعظ بغيره» ) *» .
3-* (وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة «3» فيقف على بابها فينادي بصوت حزين: أين أهلك؟ ثمّ يرجع إلى نفسه فيقول: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) * «4» .
4-* (وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله-: أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر) * «5» .
5-* (قال وهب بن منبّه: «ما طالت فكرة امرىء قطّ إلّا فهم، ولا فهم امرؤ قطّ إلّا علم، ولا علم امرؤ قطّ إلّا عمل» ) * «6» .
6-* (قال سفيان بن عيينة: «الفكر نور يدخل قلبك، وربّما تمثّل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كلّ شيء له عبرة» ) * «7» .
7-* (قال عبد الله بن المبارك: «مرّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر، كنز الرّجال وكنز الأموال» ) * «8» .
8-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكّرا فهو سهو، ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو» ) * «9» .
9-* (قال حاتم الأصمّ: «من العبرة يزيد العلم، ومن الذّكر يزيد الحبّ، ومن التّفكّر يزيد الخوف» ) * «10» .
10-* (قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: «إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله عليّ فيه نعمة ولي فيه عبرة» ) * «11» .
__________
(1) إحياء علوم الدين (4/ 424) . ونحوه عند ابن كثير، (مج 1، ج 4، ص 448) .
(2) مسلم (2645) جزء من حديث طويل.
(3) الخربة: المكان الخرب.
(4) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) .
(5) المرجع السابق (مج 1، ج 4، ص 439) .
(6) المرجع السابق (مج 1، ج 4، ص 439) .
(7) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) ، وإحياء علوم الدين (3/ 425) .
(8) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) .
(9) إحياء علوم الدين (4/ 424) .
(10) المرجع السابق (4/ 425) .
(11) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) .(2/385)
11-* (قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم؛ وشاهدوا الموقف بقلوبكم؛ وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار ومقامها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» ) * «1» .
12-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ... (النحل/ 66) إنّ لكم أيّها النّاس في الإبل والبقر والغنم آية، ودلالة حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه» ) * «2» .
13-* (وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (النازعات/ 26) أي لمن يتّعظ وينزجر) * «3» .
14-* (وقال في تفسير قوله تعالى: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (النور/ 44) أي لدليلا على عظمته تعالى) * «4» .
15-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-:
«يا خاطبا حور الجنّة وهو لا يملك فلسا من عزيمة، افتح عين الفكر في ضوء العبر لعلّك تبصر مواقع خطابك» ) * «5» .
16-* (وقال أيضا- رحمه الله-: «العجب ممّن يقول: اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى ولو فطن علم أنّه مقبرة يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها خصوصا من قد أوغل «6» في السّنّ، فإنّ شهوته ضعفت، وقواه قلّت، والحواسّ كلّت «7» والنّشّاط فاتر «8» ، والشّعر أبيض. فليعتبر بما فقد وليستغن عن ذكر من فقد، فقد استغنى بما عنده عن التّطلّع إلى غيره» ) * «9» .
17-* (وقال الحسين بن عبد الرّحمن: نزهة
المؤمن الفكر ... لذّة المؤمن العبر
نحمد الله وحده ... نحن كلّ على خطر
ربّ لاه وعمره ... قد تقضّى وما شعر
ربّ عيش قد كان فو ... ق المنى مونق الزّهر
في خرير من العيو ... ن وظلّ من الشّجر
وسرور من النّبا ... ت وطيب من الثّمر
غيّرته وأهله ... سرعة الدّهر بالغير «10»
نحمد الله وحده ... إنّ في ذاك معتبر
إنّ في ذا لعبرة ... للبيب إن اعتبر» ) * «11»
18-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار» ) * «12» .
19-* (عن عمرو بن شيبة قال: «كنت
__________
(1) المرجع السابق (مج 1، ج 4، 439) .
(2) المرجع السابق (مج 2، ج 14، ص 575) .
(3) المرجع السابق (مج 4، ج 30، ص 469) .
(4) المرجع السابق (مج 3، ج 18، ص 298) .
(5) صيد الخاطر (386) .
(6) أوغل: طعن فيه وتقدم وأوغل في الأرض أبعد فيها.
(7) كلت: تعبت.
(8) فاتر: ضعيف قد لان بعد شدته.
(9) صيد الخاطر (450) .
(10) الغير: صروف الدهر وأحواله.
(11) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 440) .
(12) إحياء علوم الدين (4/ 423) .(2/386)
بمكّة بين الصّفا والمروة، فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان ينفّرون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد، فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر «1» طويل الشّعر، قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله. فقال لي: مالك تنظر إليّ، فقلت له:
شبهتك برجل رأيته بمكّة، ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال:
ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس، فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «2» .
20-* (قال محمّد بن الحسين: «دخلت على محمّد بن مقاتل، فقلت له: عظني، فقال: اعمل فإن متّ لم تعد أبدا. وانظر إلى الذّاهبين هل عادوا؟
تذهب أيّامنا على لعب ... منّا بها والذّنوب تزداد
أين أحبابنا وبهجتهم؟ ... بطيب أيّام عيشهم بادوا) * «3» .
21-* (قال بعض الحكماء: من نظر إلى الدّنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة» ) * «4» .
22-* (قال الشّاعر:
اعتبر يا أيّها المغ ... رور بالعمر المديد
أنا شدّاد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد
وأخو القوّة والبأ ... ساء والملك الحشيد
دان أهل الأرض طرّا ... لي من خوف الوعيد
وملكت الشّرق والغر ... ب بسلطان شديد
فأتى هود وكنّا ... في ضلال قبل هود
فدعانا لو قبلنا ... هـ إلى الأمر الرّشيد
فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد
فأتتنا صحيحة ته ... وي من الأفق البعيد
فتوافينا كزرع ... وسط بيداء «5» حصيد) * «6»
من فوائد (الاعتبار)
(1) كثرة التّفكّر والاعتبار تقوّي الإيمان بالله عزّ وجلّ.
(2) توسّع مدارك المؤمن وتدلّه على آيات الله تعالى.
(3) تكسب المؤمن خوفا من الله عزّ وجلّ ومهابة من عقابه.
(4) تجعله يعرف الدّنيا أنّها ظلّ زائل وأنّ الآخرة هي دار القرار.
(5) يقنع المؤمن بما رزقه الله عمّا في أيدي النّاس.
(6) يعيش المؤمن بسعادة واطمئنان.
__________
(1) حاسر: مكشوف الرأس.
(2) إحياء علوم الدين (3/ 343) .
(3) برد الأكباد عند فقد الأولاد (68) .
(4) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) .
(5) بيداء: صحراء واسعة.
(6) زاد المسير لابن الجوزي (9/ 116- 117) .(2/387)
الاعتذار
الاعتذار لغة:
الاعتذار مصدر اعتذر وهو مأخوذ من مادّة (ع ذ ر) الّتي تدلّ على معان كثيرة غير منقادة ومنها:
العذر وهو روم الإنسان إصلاح ما أنكر عليه بكلام.
يقال منه: عذرته أعذره عذرا من باب ضرب، والاسم:
العذر (بالضم) والجمع: أعذار. ويقال: فلان قام قيام تعذير فيما استكفيته، إذا لم يبالغ وقصّر فيما اعتمد عليه فيه. وقد تضمّ الذّال بالإتباع فيقال «عذر» «1» .
ويقال: اعتذر فلان اعتذارا ومعذرة وعذرة من دينه فعذرته، وهو معذور. وتقول: اعتذر إليّ، طلب قبول معذرته، واعتذر عن فعله أظهر عذره، وأمّا قولك:
اعتذرت منه فمعناه شكوته، وعذر الرّجل صار ذا عيب وفساد، ومثله أعذر، وأعذر فيه. أي بالغ في الأمر، ولهذا فإنّ معنى حديث «أعذر الله إلى من بلغ من العمر ستّين سنة» أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدّة ولم يعتذر. وأمّا عذّر الرّجل (بالتّضعيف) فمعناه أنّه اعتذر ولم يأت بشيء، ولم يثبت له عذر. وأعذر (بالألف) يعني ثبت له عذره
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
9/ 14/ 12
وجاءت الآية في التّوبة بالقراءتين على كلا المعنيين وهي قوله تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ (التوبة/ 90) فبالتّثقيل معناه أنّهم تكلّفوا العذر ولا عذر لهم، وبالتّخفيف: الّذين لهم عذر، وعلى هذا ورد الأثر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- رحم الله المعذّرين ولعن الله المعذّرين، ويقال أعذر من أنذر أي بالغ في العذر، أي في كونه معذورا. ومن عذيري من فلان، وعذيرك من فلان. قال عمرو بن معد يكرب:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
ومعناه: هلمّ من يعذرك منه إن أوقعت به، وذلك لأنّه أهل للإيقاع به، فإن أوقعت به كنت معذورا.
وقال بعضهم: أصل العذر من العذرة وهي الشّيء النّجس، ومنه سمّيت القلفة العذرة، فقيل عذرت الصّبيّ إذا طهّرته وأزلت عذرته، وكذا عذرت فلانا: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو كقولك غفرت له أي سترت ذنبه «2» .
__________
(1) الاتباع هنا الانسجام الصوتي بضم الذال تبعا لضمة العين
(2) الصحاح (2/ 737- 740) ، ولسان العرب (2854- 2856) . والمصباح المنير (398- 399) والمقاييس (4/ 252) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 36) والمفردات للراغب (328) .(2/388)
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الاعتذار: محو أثر الذّنب «1» .
وقال الكفويّ: الاعتذار: إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك فى إتيانه عذرا «2» .
وقال المناويّ: الاعتذار: تحرّي الإنسان ما يمحو أثر ذنبه» .
وقد سوّى بعض العلماء بين العذر والاعتذار في المعنى. فقال الرّاغب الأصفهانيّ: العذر تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه «4» وإلى مثل هذا ذهب الفيروزاباديّ في «البصائر» «5» .
وقد فرّق الجرجانيّ بين الأمرين فذكر أنّ الاعتذار هو (تحرّي) محو أثر الذّنب (كما سبق) ، وأنّ العذر ما يتعذّر على المعنّى (فعله) على موجب الشّرع إلّا بتحمّل ضرر زائد «6» .
أساليب الاعتذار:
قال الفيروزاباديّ- رحمه الله تعالى: الاعتذار على ثلاثة أضرب: أن يقول: لم أفعل، أو يقول:
فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، والثّالث أن يقول: فعلت ولا أعود، ونحو هذا.
وهذا الثّالث هو التّوبة، وكلّ توبة عذر، وليس كل عذر توبة «7» .
[للاستزادة، انظر صفات: الألفة- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- المحبة.
وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإساءة- سوء المعاملة الهجر- البغض- الكبر والعجب- الغرور] .
__________
(1) التعريفات (29) ونعتقد أن هذا في قبول الاعتذار؛ لأن المحو من شأن المعتذر إليه لا المعتذر ولعلّ المراد تحرّي الإنسان محو أثر الذنب.
(2) الكليات (308) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (55) .
(4) المفردات (327) .
(5) انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 35) .
(6) التعريفات (153) والعبارة في الأصل: ما يتعذر عليه المعنى على موجب الشرع وقد أضفنا ما بين القوسين لتوضيح العبارة، والمعنى هو المريض ونحوه.
(7) بصائر ذوي التمييز (4/ 36) بتصرف، وراجع: المفردات في غريب القرآن (327) والكليات للكفوي (308) .(2/389)
الآيات الواردة في «الاعتذار»
1- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) «1»
2- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65)
لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) «2»
3- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «3»
4-* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93)
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) «4»
5- قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) «5»
6- يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) «6»
7- بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
(14)
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
(15) «7»
8- وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1)
فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2)
وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3)
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5)
عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) «8»
9- هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35)
وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) «9»
__________
(1) الأعراف: 163- 164 مكية
(2) التوبة: 65- 66 مدنية
(3) التوبة: 90 مدنية
(4) التوبة: 93- 95 مدنية
(5) الكهف: 76 مكية
(6) غافر: 52 مكية
(7) القيامة: 14- 15 مكية
(8) المرسلات: 1- 6 مكية
(9) المرسلات: 35- 36 مكية(2/390)
الأحاديث الواردة في (الاعتذار)
1-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح «1» عنه فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، من أجل غيرة «2» الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «3» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك وكلّ أمر يعتذر منه» ) * «4» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة، فلمّا لقينا العدوّ انهزمنا في أوّل عادية، فقدمنا المدينة في نفر ليلا، فاختفينا، ثمّ قلنا: لو
خرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعتذرنا إليه، فخرجنا، فلمّا لقيناه قلنا: نحن الفرّارون يا رسول الله، قال: «بل أنتم العكّارون «5» وأنا فئتكم» . قال أسود بن عامر: «وأنا فئة كلّ مسلم» ) * «6» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد» ) * «7» .
5-* (عن أمّ رومان وهي أمّ عائشة- رضي الله عنهما- لمّا قيل فيها ما قيل، قالت: بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل. قالت: فقلت: لم؟
قالت: إنّه نمى ذكر «8» الحديث، فقالت عائشة: أيّ
__________
(1) مصفح: هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده. وفى النهاية رواية كسر الفاء من مصفح وفتحها فمن فتح جعلها وصفا للسيف وحالا منه ومن كسر جعلها وصفا للضارب وحالا منه.
(2) غيرة: الغيرة صفة كمال والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو غيره.
(3) البخاري- الفتح 13 (7416) ، ومسلم (1499) واللفظ له.
(4) الحاكم. والألباني في صحيح الجامع (1/ 520/ 2671) وفي الصحيحة له (1/ 354) وقال: حسن وعزاه للمختارة ونقل قول المناوي عزوه للديلمي والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث جماعة آخرين من الصحابة.
(5) العكارون: الكرّارون إلى الحرب والعطافون نحوها. وقيل: العكّار هو الذي يولّى في الحروب ثم يكرّ راجعا (اللسان 4/ 599) .
(6) أحمد (2/ 70، 99، 100، 111) . وقال أحمد شاكر (7/ 203) ، (8/ 89، 153) : صحيح.
(7) الترغيب والترهيب وقال المنذري: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418) . وقال الهيثمي في المجمع (8/ 19) رجاله رجال الصحيح واللفظ لهما.
(8) نمى: نقل.(2/391)
حديث؟ فأخبرتها. قالت: فسمعه أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: نعم. فخرّت مغشيّا عليها، فما أفاقت إلّا وعليها حمّى «1» بنافض فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما لهذه؟» قلت: حمّى أخذتها من أجل حديث تحدّث به فقعدت فقالت: والله لئن حلفت لا تصدّقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، والله المستعان على ما تصفون. فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله ما أنزل، فأخبرها فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (الاعتذار) معنى
6-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه مغضبا، فاتّبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال أبو الدّرداء:
ونحن عنده- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» ، وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقصّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر. قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إنّي قلت: يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعا. فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت» ) * «3» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم، وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل إليه، فأسلم) * «4» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على راهب فأتاه، فقال: إنّه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال:
لا. فقتله فكمّل به مائة، ثمّ سأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل عالم، فقال: إنّه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول
__________
(1) حمّى بنافض: أي حمى برعدة.
(2) البخاري- الفتح 6 (3388) وخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة بسياق طويل جدا. انظره بطوله في (الاستغفار) .
(3) البخاري- الفتح 8 (4640) .
(4) صحيح النسائي (3792) وقال مخرجه: صحيح الإسناد وهو في السنن (7/ 107) واللفظ له. وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 380) وقال: رواه ابن جرير ومثله النسائي. والحاكم وابن حبان، وقال أحمد شاكر في المسند: إسناده صحيح (4/ 47- 48) حديث رقم (2218) .(2/392)
بينه وبين التّوبة. انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإنّ بها أناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنّها أرض سوء، فانطلق حتّى إذا نصف الطّريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرّحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنّه لم يعمل خيرا قطّ. فأتاهم ملك في صورة آدميّ فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض الّتي أراد. فقبضته ملائكة الرّحمة» ) * «1» .
9-* (عن أبي البختريّ- رحمه الله- عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يهلك النّاس حتّى يعذروا «2» من أنفسهم» ) * «3» .
10-* (عن عبد الله بن معقل بن مقرّن قال: دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّدم توبة» فقال له أبي: أنت سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: النّدم توبة؟» قال: نعم) * «4» .
11-* (قال عائذ بن عمرو: إنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر. فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها. قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟ فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره، فقال: «يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك» . فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه؟
أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخيّ» ) * «5» .
12-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم «أنّه لم يتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى غزوة غزاها قطّ غير غزوتين ... الحديث وفيه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أمّ سلمة تيب على كعب» قالت: أفلا أرسل إليه فأبشّره؟ قال: «إذا يحطمكم «6» النّاس، فيمنعونكم النّوم سائر اللّيلة» . حتّى إذا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الفجر، آذن بتوبة الله علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتّى كأنّه قطعة من القمر وكنّا أيّها الثّلاثة الّذين خلّفوا عن الأمر الّذي قبل من هؤلاء الّذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التّوبة) *» .
13-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلمّا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم (2766) واللفظ له.
(2) يعذروا: يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيعذروا من أنفسهم ويستوجبوا العقوبة.
(3) أبو داود (4347) . وأحمد (4/ 260) واللفظ له. وذكره في جامع الأصول (10/ 55) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(4) ابن ماجة (4252) واللفظ له. وأحمد (1/ 376) وقال شاكر (5/ 195) : إسناده صحيح- حديث (3568) . والحاكم (4/ 272) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(5) مسلم (2504) وأخي بضم الهمز على التصغير، وهو تصغير تحبيب وترقيق وملاطفة. وفي بعض النسخ بفتحها.
(6) يحطمكم: أي يزدحمون عليكم.
(7) البخاري- الفتح 8 (4677) واللفظ له. ومسلم (2769) . وقد ذكر الحديث بتمامه في مواضع أخرى.(2/393)
كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد.
قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى- أو نظنّ- أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) إلى آخر الآية» ) * «1» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل.
فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «2» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «3» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «4» من وراء الجيش فأدلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم.
فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «5» حين عرفني، فخمّرت «6» وجهي بجلبابي ... قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين؛ من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2805) .
(2) عقدي من جزع ظفار: العقد نحو القلادة. والجزع خرز يمانيّ. وظفار، مبنية على الكسر. تقول: هذه ظفار ودخلت ظفار وإلى ظفار، بكسر الراء بلا تنوين في الأحوال كلها. وهي قرية باليمن.
(3) لم يهبّلن: ضبطوه على أوجه: أشهرها ضم الياء وفتح الهاء والباء المشدّدة، أي يثقلن باللحم والشحم. قال أهل اللغة: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(4) قد عرّس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان والمشهور الأول.
(5) استرجاعه: بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
(6) فخمّرت: فغطيت.(2/394)
ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد ابن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... الحديث) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاعتذار)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: رحم الله المعذّرين ولعن الله المعذّرين) * «2» .
2-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- يعرض النّاس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأمّا عرضتان، فجدال ومعاذير، وأمّا العرضة الثّالثة فعند ذلك تطير الصّحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله) * «3» .
3-* (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال معتذرا: يا هذا- لرجل سأله- حقّ سؤالك إيّاي يعظم لديّ، ومعرفتي بما يجب لك تكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلّفه من واجب حقّك فعلت، فقال:- يا ابن رسول الله- أقبل وأشكر العطيّة، وأعذر على المنع، فدعا الحسن بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها، فقال: هات الفضل من الثّلثمائة ألف درهم، فأحضر خمسين ألفا قال: فما فعلت بالخمسمائة دينار؟ قال: هي عندي. قال: أحضرها، فأحضرها، فدفع الدّنانير والدّراهم إلى الرّجل، قال: هات من يحملها لك، فأتاه بحمّالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمّالين، فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم! فقال: أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم» ) * «4» .
4-* (اعتذر رجل إلى إبراهيم النّخعيّ رحمه الله تعالى، فقال له: «قد عذرتك غير معتذر، إنّ المعاذير يشوبها الكذب» ) * «5» .
5-* (قدّم إلى الحجّاج أسرى ليقتلوا فقدّم رجل ليضرب عنقه فقال: «والله لئن كنّا أسأنا في الذّنب لما أحسنت في العقوبة» فقال الحجّاج: «أفّ لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا؟
وأمسك عن القتل» ) * «6» .
6-* (اعتذر رجل إلى سليمان بن وهب
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له.
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 36) .
(3) قال الحافظ ابن حجر: لا يصح رفعه كما قال الترمذي (2425) وصح وقفه على ابن مسعود كما عند البيهقي في البعث. ذكر ذلك محقق جامع الأصول (10/ 455) .
(4) الإحياء (3/ 248) .
(5) الصحاح (2/ 737) .
(6) الآداب الشرعية (1/ 350- 351) .(2/395)
فأكثر، فقال له سليمان: حسبك فإنّ الوليّ لا يحاسب، والعدوّ لا يحتسب له» ) * «1» .
7-* (اعتذر رجل إلى الحسن بن سهل من ذنب كان له، فقال له الحسن: «تقدّمت لك طاعة، وحدثت لك توبة، وكانت بينهما منك نبوة، ولن تغلب سيّئة حسنتين» ) * «2» .
8-* (قال عبد الرّحمن بن المبارك اليزيديّ (مؤدّب ولد يزيد بن منصور الحميريّ) يعتذر إلى المأمون لأنّه امتنّ عليه بتأديبه إيّاه:
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو» ) * «3» .
9-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
يا لهف قلبي على مال أجود به ... على المقلّين من أهل المروءات
إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات) * «4» .
10-* (دخل رجل على المنصور فقال له:
تكلّم بحجّتك. فقال الرّجل: لو كان لي ذنب تكلّمت بعذري وعفوك أحبّ إليّ من براءتي» ) * «5» .
11-* (أتي الهادي برجل من الحبس فجعل يقرّره بذنوبه فقال الرّجل: اعتذاري ردّ عليك، وإقراري يوجب لي ذنبا، ولكنّي أقول:
إذا كنت ترجو في العقوبة راحة ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر
فعفا عنه» ) * «6» .
12-* (قال الخرائطيّ- رحمه الله تعالى-:
أنشدني محمّد بن إسماعيل الإسحاقيّ:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكان الّذي لا يقبل العذر جانيا» ) * «7» .
من فوائد (الاعتذار)
(1) الاعتذار يمحو الذّنوب.
(2) استجلاب المنافع من المعتذر إليه.
(3) الأصل ألّا يقدم الإنسان على ما يعتذر منه، فإن فعل فالاعتذار يصفّي القلوب.
(4) يرزق قابل الاعتذار مودّة الله فهو أكثر معاذير من كلّ أحد.
(5) يرزق المعتذر والمعتذر إليه التّواضع.
(6) المسلم الّذي يقبل العذر من أخيه يشجّعه على فعل الخير.
(7) الاعتذار يقي النّاس من الهلاك.
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 349) .
(2) المرجع السابق (1/ 351) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) الإحياء (3/ 251) .
(5) الآداب الشرعية (1/ 351) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) مساوىء الأخلاق ومذمومها (312) .(2/396)
الاعتراف بالفضل
الاعتراف لغة:
مصدر اعترف بالشّيء أي أقرّ به، وهو مأخوذ من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل تتابع الشّيء متّصلا بعضه ببعض ومن ذلك عرف الفرس، والآخر السّكون والطّمأنينة ومنه المعرفة والعرفان، تقول عرف فلانا عرفانا ومعرفة، وهذا أمر معروف لأنّ من عرف شيئا اطمأنّ إليه، ومن أنكره توحّش منه ونبا عنه. ومن هذا المعنى قولهم: اعترف بالشّيء إذا أقرّ، كأنّه عرفه فأقرّ به «1» ، وجاء في الصّحاح:
والاعتراف بالذّنب: الإقرار به واعترفت القوم، إذا سألتهم عن خبر لتعرفه.
وربّما وضعوا اعترف موضع عرف كما وضعوا عرف موضع اعترف «2» ، ويقال عرف بذنبه عرفا واعترف (اعترافا) : أقرّ «3» . وضدّ (الاعتراف) الجحود والنكران، وفي التّنزيل يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (النحل/ 83) .
وأمّا الفضل: فهو الإحسان وهو ضدّ النّقص والنّقيصة، ويقال: رجل مفضال وامرأة مفضالة على قومها إذا كانت ذات فضل سمحة، وأفضل عليه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 21/ 4
وتفضّل بمعنى. وأمّا المتفضّل فهو الّذي يدّعي الفضل على أقرانه، وتقول: فضّلته على غيره تفضيلا:
إذا حكمت له بذلك، وفاضلته ففضلته، إذا غلبته بالفضل. والفضلة والفضالة، ما فضل من شيء «4» .
الاعتراف بالفضل اصطلاحا:
ولا يختلف المعنى الاصطلاحيّ للاعتراف بالفضل عن معناه المألوف في اللّغة، وهو أن يقرّ المتفضّل عليه من النّاس بفضل من يصدر عنه الفضل ولا يجحده أو يتناساه، ولا شكّ أنّ المولى- عزّ وجلّ- هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، إذ هو المتفضّل على أهل الدّنيا مسلمهم وكافرهم بنعمه الّتي لا تحصى، وفي الآخرة يدخل عباده الصّالحين الجنّة ويورثهم دار المقامة من فضله.
الاعتراف بالفضل في القرآن الكريم:
أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم بألّا ننسى الفضل فيما بيننا، وأن ننسب هذا الفضل إلى أهله، ولمّا كان الله- عزّ وجلّ- هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، فقد امتدحت آي الذّكر الحكيم من يعترف بهذا الفضل له سبحانه، كما نعى على الكفّار
__________
(1) باختصار وبعض تصرف عن مقاييس اللغة (4/ 281) .
(2) الصحاح (4/ 1402) .
(3) لسان العرب (ع ر ف) (ص 2899) .
(4) لسان العرب (6/ 3428- 3430) . والصحاح (5/ 1791 1792) .(2/397)
جحودهم ونكرانهم لفضله عزّ وجلّ، وفضل الأنبياء.
قال الطّبريّ عند تفسير وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة/ 237) : يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا أيّها النّاس، الأخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، ولكن ليتفضّل الرّجل المطلّق زوجته قبل مسيسها، فيكمّل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه. وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها، فليتفضّل عليها بالعفو عمّا يجب له ويجوز له الرّجوع به عليها، وذلك نصفه. فإن شحّ الرّجل بذلك وأبى إلّا الرّجوع بنصفه عليها، فتتفضّل المرأة المطلّقة عليه بردّ جميعه عليه، إن كانت قد قبضته منه. وإن لم تكن قبضته، فلتعف عن جميعه. فإن هما لم يفعلا ذلك وشحّا وتركا ما ندبهما الله إليه- من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل- فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النّكاح وله نصفه «1» .
منزلة الاعتراف بالفضل:
لهذه الصّفة منزلة جليلة لما يعود منها من خير على المجتمع بأسره حيث يؤدّي ذلك إلى استقرار هذا المجتمع وتآلف أفراده وتشجيع ذوي الفضل أن يستمرّوا في تفضّلهم الّذي يلقى الاعتراف من الآخرين، ولمّا كان من طبع الإنسان أن يهشّ إذا نسب إليه الخير، وتوجّه إليه بالشّكر، كان الاعتراف بالفضل باعثا على مرضاته، بعد مرضاة الله تعالى؛ لأنّ من يشكر النّاس فإنّما هو في الحقيقة يشكر المولى الّذي أجرى الخير علي أيديهم، وقد جاء في الحديث:
أنّ «من لا يشكر النّاس لا يشكر الله» «2» .
ويفهم من ذلك أنّ من يشكر النّاس فإنّما يشكر الله- عزّ وجلّ- أيضا، والشّكر لله يزيد في النّعمة ويورث الرّضا:
الشّكر لله كنز لا نفاد له ... من يلزم الشّكر لم يكسب به ندما
وقال الآخر:
ومن يشكر المخلوق يشكر لربّه ... ومن يكفر المخلوق فهو كفور «3»
[للاستزادة: انظر صفات: الإنصاف- الثناء- الشكر- المروءة- التودد- بر الوالدين- البر- حسن الخلق- الحمد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: نكران الجميل- الجحود- عقوق الوالدين- التفريط والإفراط- الإساءة- الكبر والعجب] .
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 567) .
(2) انظر الحديث رقم (21) .
(3) انظر هذين البيتين وغيرهما في روضة العقلاء (ص 349) .(2/398)
الآيات الواردة في «الاعتراف بالفضل»
الاعتراف بالفضل في القرآن الكريم:
1- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «1»
2- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «2»
3- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37)
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «3»
4- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «4»
5- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «5»
__________
(1) البقرة: 237 مدنية
(2) يونس: 57- 58 مكية (3)
(3) يوسف: 36- 38 مكية
(4) النمل: 40 مكية
(5) فاطر: 32- 35 مكية(2/399)
الأحاديث الواردة في (الاعتراف بالفضل)
1-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: صلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية- على أثر سماء»
كانت من اللّيلة- فلمّا انصرف أقبل على النّاس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأمّا من قال: بنوء «2» كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ) * «3» .
2-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه كان يقول في دبر كلّ صلاة حين يسلّم: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، لا إله إلّا الله، ولا نعبد إلّا إيّاه له النّعمة، وله الفضل وله الثّناء الحسن لا إله إلّا الله مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون» . وقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهلّل بهنّ دبر كلّ صلاة) * «4» .
الأحاديث الواردة في (الاعتراف بالفضل) معنى
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام «5» أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها- عزّ وجلّ- ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «6» لا صخب «7» فيه ولا نصب «8» » ) * «9» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّدقة فقيل: منع ابن جميل «10» ، وخالد بن الوليد وعبّاس بن عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأمّا خالد، فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدرعه وأعتده «11» في سبيل لله، وأمّا العبّاس ابن عبد المطلّب، فعمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهي عليه صدقة ومثلها معها» ) * «12» .
__________
(1) أثر سماء: أي بعد المطر.
(2) بنوء: النوء في أصله ليس هو الكوكب نفسه، فإنه مصدر ناء بمعنى سقط وغاب ثم استعمل اسما للكوكب.
(3) البخاري- الفتح 2 (846) واللفظ له، ومسلم (71) .
(4) مسلم (594) .
(5) إدام: ما يؤتدم به وهو ما يؤكل مع الخبز.
(6) المراد بالقصب: اللؤلؤ المجوف.
(7) الصخب: الصوت المختلط المرتفع.
(8) ولا نصب: النصب الحزن والإعياء.
(9) البخاري- الفتح 13 (7497) . ومسلم (2433) واللفظ له.
(10) منع ابن جميل: أي منع الزكاة وامتنع من دفعها.
(11) وأعتده: هي ما يعده المرء من المال والسلاح، وقيل هي الخيل خاصة.
(12) البخاري- الفتح 3 (1468) واللفظ له. ومسلم (983) .(2/400)
5-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «1» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي وأنا منهم» ) * «2» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص «3» وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم «4» .
فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال:
فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل- (أو قال: البقر شكّ إسحق) إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدهما:
الإبل، وقال الآخر: البقر- قال فأعطي ناقة عشراء «5» . فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا.
فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال:
أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال فمسحه فردّ الله إليه بصره.
قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟. قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «6» . فأنتج هذان وولّد هذا «7» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته.
فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «8» في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثم بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة.
فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟
فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «9» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن
__________
(1) أرملوا: أي نفد زادهم.
(2) البخاري- الفتح 5 (2386) . ومسلم (2500) واللفظ له.
(3) أبرص: قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله.
(4) يبتليهم: أي يختبرهم.
(5) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة.
(6) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها.
(7) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء.
(8) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق.
(9) إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة.(2/401)
سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك- بالّذي ردّ عليك بصرك- شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري فخذ ما شئت، ودع ما شئت.
فوالله لا أجهدك اليوم «1» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «2»
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «3» على رأس جبل وعر «4» ، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية:
زوجي لا أبثّ خبره «5» ، إنّي أخاف أن لا أذره «6» ، إن أذكره أذكر عجره وبجره «7» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «8» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «9» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «10» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد.
قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «11» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء1»
طباقاء، كلّ داء له داء «13» ، شجّك أو فلك «14» أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «15» ، والمسّ مسّ أرنب. قالت
__________
(1) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه.
(2) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له.
(3) غث: مهزول، وهو هنا صفة اللحم ويجوز فيه الجر صفة للجمل.
(4) على رأس جبل وعر: المعنى أنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة، وقولها لا سمين فينتقل: أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته.
(5) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(6) إنى أخاف أن لا أذره: إني أخاف أن لا أترك من خبره شيئا.
(7) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه وقال ابن الأعرابي: العجرة: نفخة في الظهر، فإن كانت في السرة فهي بجرة.
(8) زوجي العشنق: العشنق: أي الطويل أو المذموم الطول أو طويل العنق، وكل ذلك بغير نفع.
(9) زوجي كليل تهامة: ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة: معتدل لا حر ولا برد مفرط.
(10) زوجي إن دخل فهد: تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وتصفه إذا صار بين الناس أو مارس الحرب بالأسد.
(11) زوجي إن أكل لفّ: قال ابن الأعرابي هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته.
(12) زوجي غياياء أو عياياء: بالعين المهملة العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وبالغين المعجمة مأخوذ من الغياية. وهي الظلمة ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره قمعا أو العاجز عن الكلام.
(13) كل داء له داء: أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه.
(14) شجك أو فلك: أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما.
(15) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس.(2/402)
التّاسعة: زوجي رفيع العماد «1» ، طويل النّجاد «2» ، عظيم الرّماد «3» قريب البيت من النّادي «4» . قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك «5» ، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر «6» ، أيقنّ أنهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع، أناس من حليّ أذنيّ «7» ، وملأ من شحم عضديّ «8» ، وبجّحني «9» فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ «10» ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «11» فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «12» . أمّ أبي زرع فما أمّ أبي زرع، عكومها رداح «13» ، وبيتها فساح «14» ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسلّ شطبة «15» ، ويشبعه ذراع الجفرة «16» . بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها «17» ، وغيظ جارتها «18» . جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبثّ حديثنا تبثيثا «19» ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «20» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا «21» ؛ قالت: خرج
__________
(1) زوجي رفيع العماد موصوف بالشرف وسناء الذكر.
(2) طويل النجاد: طويل القامة.
(3) عظيم الرماد: جواد كثير الأضياف.
(4) قريب البيت من النادي: الضيفان يقصدون النادي وأصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب للنادي واللئام يتباعدون من النادي.
(5) زوجي مالك وما مالك الأولى وما عطف عليها اسم زوجها كررته تفخيما لشأنه؛ وقولها مالك خير من ذلك أي خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر.
(6) المزهر: هو العود الذي يضرب به.
(7) أناس من حلي أذني حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها.
(8) وملأ من شحم عضدي: معناه أسمنني وملأ بدني شحما.
(9) وبجّحني فبجحت عظّمني فعظمت عليّ نفسي أو فرّحني ففرحت.
(10) وجدني بأهل غنيمة بشق: أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأصحاب الخيل.
(11) ودائس ومنق: المقصود أنه صاحب زرع يدرسه وينقيه.
(12) فأتقنّح: بعض الناس يرويه بالميم وبعضهم يرويه بالنون فالميم معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري، وبالنون معناه أقطع الشراب وأتمهل فيه.
(13) عكومها رداح: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة، ورداح: أي عظام كبيرة.
(14) وبيتها فساح: واسع.
(15) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل.
(16) وتشبعه ذراع الجفرة والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به.
(17) وملء كسائها: أي سمينة الجسم.
(18) وغيظ جارتها: يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها.
(19) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(20) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(21) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر.(2/403)
أبو زرع والأوطاب تمخض «1» ، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «2» ، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا «3» وأخذ خطّيّا «4» ، وأراح عليّ نعما ثريّا «5» ، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، قال كلي أمّ زرع، وميري أهلك «6» ، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع «7» » ) *» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ أبو بكر والعبّاس- رضي الله عنهما- بمجلس من مجالس الأنصار، وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منّا. فدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بذلك، قال: فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أوصيكم بالأنصار فإنّهم كرشي «9» وعيبتي «10» وقد قضوا الّذي عليهم، وبقي الّذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» ) * «11» .
9-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته فقال: يا جرير لأيّ شيء جئت؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله، قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه.
وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي» ) * «12» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا:
يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم
__________
(1) والأوطاب تمخض: أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع، والأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن.
(2) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة فيها الرمان.
(3) رجلا سريا ركب شريا: سريا معناه سيدا شريفا وشريا هو الفرس الذي يستشري في سيره.
(4) وأخذ خطيا: الخطي الرمح.
(5) وأراح عليّ نعما ثريا: أي أتى بها إلى مراحها وهو موضع مبيت الماشية.
(6) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم بالميرة وهي الطعام.
(7) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها.
(8) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له.
(9) كرشي: بكسر الكاف أي جماعتي وموضع ثقتي وفي الكلام تشبيه لهم بالكرش.
(10) عيبتي: موضع سري وأمانتي أي إنهم بطانتي وخاصتي.
(11) البخاري- الفتح 7 (3799) . ومسلم (2510) واللفظ له.
(12) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- بدون القصة. سنن البيهقي (8/ 168) واللفظ له. وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) .(2/404)
عليهم» ) * «1»
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «2»
12-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثّناء» ) * «3»
13-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا محمّد إنّا أصل وعشيرة، فمنّ علينا، منّ الله عليك، فإنّه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك. فقال: «اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم» ، قالوا: خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، فإذا صلّيت الظّهر فقولوا: إنّا نستشفع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المؤمنين، وبالمؤمنين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نسائنا وأبنائنا. قال:
ففعلوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» ، وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالت الأنصار: مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أمّا ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا، وقال عبّاس ابن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا، فقالت الحيّان «4» : كذبت، بل هو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن تمسّك بشيء من الفيء «5» فله علينا ستّة فرائض من أوّل شيء يفيئه الله علينا» ، ثمّ ركب راحلته، وتعلّق به النّاس، يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا، حتّى ألجئوه إلى شجرة فخطفت رداءه، فقال: «يا أيّها النّاس: ردّوا عليّ ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثمّ لا تلفوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا» ، ثمّ دنا من بعيره، فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السّبّابة والوسطى ثمّ رفعها، فقال: «يا أيّها النّاس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم فردّوا الخياط والمخيط، فإنّ الغلول «6» يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا «7» ، فقام رجل معه كبّة من
__________
(1) أبو داود (4812) . والترمذي (2487) واللفظ له. وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه.
(2) النسائي (5/ 82) . وأبو داود (1672) وقال محقق جامع الأصول (11/ 692) : إسناده صحيح. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 314) : صحيح.
(3) الترمذي (2035) وقال: حسن جيد غريب. والنسائي في عمل اليوم والليلة (75) .
(4) الحيّان: المراد بهم بنو تميم وبنو سليم.
(5) الفيء: الغنيمة.
(6) الغلول: الخيانة في المغنم.
(7) شنارا: الشنار بالفتح العيب.(2/405)
شعر، فقال: إنّي أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر «1» قال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك» ، فقال الرّجل: يا رسول الله أمّا إذ بلغت ما أرى فلا أرب «2» لي بها، ونبذها» ) * «3» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد- أخت خديجة- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك فقال: اللهمّ هالة بنت خويلد، فغرت فقلت:
وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشّدقين هلكت في الدّهر فأبدلك الله خيرا منها» ) * «4» .
15-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» «5» فسلّم، وقال: يا رسول الله: إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) » ، ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر «6» حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟
(مرّتين) فما أوذي بعدها» ) * «7» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما غرت على نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلّا على خديجة. وإنّي لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا ذبح الشّاة، فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد رزقت حبّها» ) * «8» .
17-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس وقال:
«إنّ الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» . قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا
__________
(1) دبر: الدّبر بفتح الباء هو الجرح الذي يكون على ظهر البعير، والبردعة والبرذعة (بالدال والذال) الحلس الذي يلقى تحت الرحل.
(2) أرب: الأرب الحاجة.
(3) أحمد (2/ 184) واللفظ له، وقال شاكر: إسناده صحيح (11/ 18) رقم (6729) .. وروى أبو داود بعضه (2694) . البيهقي في السنن الكبرى (6/ 336، 337) . وإنما فعل بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك؛ لأنه استرضع منهم أمه من الرضاع (حليمة السعدية) فرد لهم فضلهم واعترف بجميلهم.
(4) البخاري- الفتح 7 (3821) 0 مسلم (2437) واللفظ له، عند أحمد قال عليه الصلاة والسلام: آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء. ذكره الحافظ في الفتح (7/ 137) .
(5) غامر: خاصم.
(6) يتمعر: تذهب نضارته من الغضب.
(7) البخاري- الفتح 7 (3661) .
(8) البخاري- الفتح 7 (3816) . ومسلم (2435) واللفظ له.(2/406)
لبكائه أن يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقينّ باب في المسجد إلّا سدّ «1» إلّا باب أبي بكر» ) * «2» .
18-* (عن جبير بن مطعم بن عديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عديّ حيّا ثمّ كلّمني في هؤلاء النّتنى «3» لتركتهم له» ) * «4» .
19-* (عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين قسم في النّاس في المؤلّفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنّهم وجدوا «5» إذ لم يصبهم ما أصاب النّاس فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ كلّما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: كلّما شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال:
لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا. ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير، وتذهبون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها. الأنصار شعار «6» والنّاس دثار «7» إنّكم ستلقون بعدي أثرة «8» فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «9» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، لا تسبّوا أصحابي، فوالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» ) * «10» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يشكر النّاس لم يشكر الله- عزّ وجلّ-» ) * «11» .
__________
(1) المعنى: لا تبقوا بابا غير مسدود إلا باب أبي بكر.
(2) البخاري- الفتح 7 (3654) 0 قال الحافظ: في الحديث فوائد منها: شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه (7/ 16) .
(3) النتنى: المراد بهم أسرى بدر المشركين.
(4) البخاري- الفتح 6 (3139) . وانما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك اعترافا منه بالجميل لما أدخله في جواره بعد أن رده أهل الطائف.
(5) وجدوا: أي غضبوا.
(6) شعار: ما يلي الجسد.
(7) دثار: ما يتدثر به الإنسان وهو ما يلقيه عليه من كساء أو غيره فوق الشعار.
(8) أثرة: استئثار بأمور الدنيا. والأصل فيه الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه.
(9) البخاري- الفتح 7 (4330) واللفظ له. ومسلم (1061) .
(10) مسلم (2540) واللفظ له. والبخاري في الفتح 7 (3673) من حديث أبي سعيد.
(11) المسند (2/ 258) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: رواه أبو داود (4811) ، والترمذي (3 (132) وقال: حديث صحيح.(2/407)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الاعتراف بالفضل)
1-* (قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ- رحمه الله تعالى-: «الواجب على المرء أن يشكر النّعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إن قدر فبالضّعف، وإلّا فبالمثل وإلّا فبالمعرفة بوقوع النّعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشّكر. وقوله: جزاك الله خيرا. وقال أنشدني عليّ بن محمّد:
علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا ما صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذّنب عندي للّذي خان أو فجر
) * «1» 2-* (كان إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تعالى- إذا صنع إليه أحد معروفا حرص على أن يكافئه، أو يتفضّل عليه. قال صاحب له: فلقيني وأنا على حمار، وأنا أريد بيت المقدس، جائيا من الرّملة، وقد اشترى بأربعة دوانيق»
تفّاحا وسفرجلا وخوخا وفاكهة فقال لي: أحبّ أن تحمل هذا. وإذا عجوز يهوديّة في كوخ لها فقال: أحبّ أن توصّل هذا إليها، فإنّني مررت وأنا ممس، فبيّتني عندها فأحبّ أن أكافئها على ذلك» ) * «3» .
3-* (وقال ابن حبّان البستيّ- رحمه الله تعالى-: إنّي لأستحبّ للمرء أن يلزم الشّكر للصّنائع، والسّعي فيها من غير قضائها، والاهتمام بالصّنائع؛ لأنّ الاهتمام ربّما فاق المعروف، وزاد على فعل الإحسان. إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى النّاس، وهو غير مهتمّ به ولا مشفق عليه وربّما فعله الإنسان، وهو كاره والاهتمام لا يكون إلّا من فرط عناية، وفضل ودّ، فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره المعروف. أنشدني عبد العزيز ابن سليمان:
لأشكرنّك معروفا هممت به ... إنّ اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشّيء بالقدر المجلوب مصروف) * «4» .
4-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- أنشدني المنتصر بن بلال:
ومن يسد معروفا إليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع
ولا تبخلن بالشّكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع
وقال أنشدني الكريزيّ:
__________
(1) روضة العقلاء (353- 354) .
(2) دوانيق: مفرد دانق والدانق الإسلامي حبّتا خرنوب وثلثا حبة خرنوب؛ والدرهم الإسلامي ست عشرة حبة خرنوب.
(3) روضة العقلاء (352- 353) بتصرف.
(4) روضة العقلاء (354) .(2/408)
أحقّ النّاس منك بحسن عون ... لمن سلفت لكم نعم عليه
وأشكرهم أحقّهم جميعا ... بحسن صنيعة منكم إليه
وقال أنشدني بعض أهل العلم:
فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم ... وأفضل عليهم إن قدرت وأنعم
ومن كان ذا شكر فأهل زيادة ... وأهل لبذل العرف من كان ينعم
وقال: الحرّ لا يكفر النّعمة، ولا يتسخّط المصيبة، بل عند النّعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنّعم لا تستجلب زيادتها، ولا تدفع الآفات عنها إلّا بالشّكر» ) * «1» .
من فوائد (الاعتراف بالفضل)
(1) اعتراف بالمنعم والنّعمة.
(2) سبب من أسباب حفظ النّعمة بل المزيد.
(3) لا يكون باللّسان فقط بل اللّسان يعبّر عمّا في الجنان وكذلك يكون بعمل الجوارح والأركان.
(4) كثرة النّعم من المنعم لا يمكن أن يؤدّي الإنسان حقّها، وبالشّكر يؤدّي حقّها.
(5) يكسب رضا الرّبّ ومحبّته.
__________
(1) روضة العقلاء (350) .(2/409)
الاعتصام
الاعتصام لغة:
يقول ابن فارس: «العين والصّاد والميم أصل واحد صحيح يدلّ على إمساك ومنع وملازمة، والمعنى في ذلك كلّه معنى واحد، من ذلك العصمة:
أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه، واعتصم العبد بالله تعالى: إذا امتنع، واستعصم: التجأ ... إلخ «1» .
والاعتصام: الاستمساك بالشّيء، ومنه قول أبي طالب:
ثمال «2» اليتامى عصمة للأرامل.
أي يمنعهم من الضّياع والحاجة، والعصمة:
المنع، واعتصم فلان بالله، إذا امتنع به، والعصمة:
الحفظ، وعصم إليه: اعتصم به، وأعصمه: هيّأ له شيئا يعتصم به، وأعصم بالفرس: امتسك بعرفه.
قال الزّجّاج: أصل العصمة الحبل، وكلّ ما أمسك شيئا فقد عصمه، وأعصم الرّجل بصاحبه إعصاما إذا لزمه «3» .
الاعتصام بالكتاب والسنة اصطلاحا:
اجتماع المسلمين على الاستعانة بالله، والوثوق به
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
9/ 8/ 6
وعدم التّفرّق عنه، والاجتماع على التّمسّك بعهده على عباده، وهو الإيمان والطّاعة أو الكتاب «4» (والسّنّة) لأنّ من أطاع الرّسول فبفرض الله ذلك فى كتابه كما قال الله- عزّ وجلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء/ 80) «5» .
أنواع الاعتصام:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الاعتصام نوعان:
اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. قال الله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران/ 103) ، وقال: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج/ 78) .
ومدار السّعادة الدّنيويّة والأخرويّة: على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلّا لمن تمسّك بهاتين العصمتين.
فأمّا الاعتصام بحبله: فإنّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به: يعصم من الهلكة، فإنّ السّائر إلى الله كالسّائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطّريق. والسّلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلّا بعد حصول هذين الأمرين له. فالدّليل كفيل بعصمته
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 331) .
(2) ثمال اليتامى: مطعمهم وعمادهم أو ظلهم وقيل مطعمهم في الشدة.
(3) لسان العرب لابن منظور (12/ 404- 405) .
(4) اقتبسنا هذا التعريف من تفسير الكشاف. للعلامة الزمخشري (1/ 206) .
(5) أوردت كتب الاصطلاحات تعريفا للعصمة ولم تذكر الاعتصام، ومن ذلك تعريف الجرجاني للعصمة بأنها: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، انظر التعريفات (ص 15) .(2/410)
من الضّلالة، وأن يهديه إلى الطّريق، والعدّة والقوّة والسّلاح الّتي بها تحصل له السّلامة من قطّاع الطّريق وآفاتها.
فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتّباع الدّليل. والاعتصام بالله يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح، والمادّة الّتي يستلئم بها في طريقه. ولهذا اختلفت عبارات السّلف في الاعتصام بحبل الله، بعد إشارتهم كلّهم إلى هذا المعنى.
فقال ابن عبّاس: تمسّكوا بدين الله.
وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال: «عليكم بالجماعة، فإنّها حبل الله الّذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة خير ممّا تحبّون في الفرقة»
وقال مجاهد وعطاء «بعهد الله» وقال قتادة والسّدّيّ وكثير من أهل التّفسير: «هو القرآن» .
وقال مقاتل: بأمر الله وطاعته، ولا تفرّقوا كما تفرّقت اليهود والنّصارى.
قال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره.
ويريد بمراقبة الأمر: القيام بالطّاعة لأجل أنّ الله أمر بها وأحبّها، لا لمجرّد العادة، أو لعلّة باعثة «1» سوى امتثال الأمر، كما قال طلق بن حبيب في التّقوى: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.
فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل، والله أعلم.
وأمّا الاعتصام به: فهو التّوكّل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإنّ ثمرة الاعتصام به: هو الدّفع عن العبد، والله يدافع عن الّذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كلّ سبب يفضي «2» به إلى العطب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشّبهات والشّهوات، وكيد عدوّه الظّاهر والباطن، وشرّ نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشّرّ بعد انعقادها، بحسب قوّة الاعتصام به وتمكّنه، فتفقد في حقّه أسباب العطب، فيدفع عنه موجباتها ومسبّباتها. «3»
قال الشّيخ أحمد شاكر في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا: أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرّق، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنّة ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الألفة- الاجتماع- التعاون على البر والتقوى- التعارف.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التفرق- التفريط والإفراط- التنازع- الضعف- الوهن] .
__________
(1) باعثة: دافعة.
(2) يفضي: أي يصل به.
(3) مدارج السالكين (1/ 495، 497) .
(4) عمدة التفسير لأحمد شاكر (3/ 16) .(2/411)
الآيات الواردة في «الاعتصام»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(103) «1»
2- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «2»
3- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «3»
4- قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) «4»
5- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «5»
6-* وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) «6»
__________
(1) آل عمران: 100- 103 مدنية
(2) النساء: 145- 146 مدنية
(3) النساء: 174- 175 مدنية
(4) هود: 43 مكية
(5) الحج: 78 مدنية
(6) يوسف: 30- 32 مكية(2/412)
الآيات الواردة في «الاعتصام» معنى
7- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1»
8-* وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) «2»
9- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) «3»
__________
(1) البقرة: 256 مدنية
(2) لقمان: 22 مكية
(3) الزخرف: 43 مكية(2/413)
الأحاديث الواردة في (الاعتصام)
1-* (عن الحارث بن هشام- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بأمر أعتصم به؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «املك هذا» وأشار إلى لسانه) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ ... الحديث وفيه «2» - «وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله ... » ) * «3»
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «4» جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم: قيل وقال «5» ، وكثرة السّؤال «6» ، وإضاعة المال» ) * «7» .
4-* (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: حدّثني بأمر أعتصم به، قال: «قل ربّي الله ثمّ استقم» . قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: «هذا» ) * «8» .
الأحاديث الواردة في (الاعتصام) معنى
5-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «إنّ خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدّع الأطراف «9» » ) * «10» .
6-* (عن مالك بن أنس- رحمه الله- بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّة رسوله» ) *1» .
7-* (عن أمّ الحصين- رضي الله عنها- قالت: حججت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجّة الوداع،
__________
(1) رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد- المعجم الكبير (3/ 295) (3348، 3349) ، وانظر الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 527) . ويتقوى بشواهده عند أحمد (5/ 295) ، وابن المبارك في الزهد (134) .
(2) انظر آل عمران (103) .
(3) مسلم (1218) .
(4) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بآدابه.
(5) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس.
(6) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال مما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة.
(7) مسلم (1715) .
(8) الترمذي (2522) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (3972) ، وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجه (3208) .
(9) وإن كان عبدا مجدع الأطراف: أي مقطوعها، والمراد أخس العبيد أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسبة، حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة.
(10) مسلم (1837) .
(11) أخرجه مالك في الموطأ وهو حديث حسن، وانظر جامع الأصول: (ص 277) .(2/414)
فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف، وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الشّمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولا كثيرا، ثمّ سمعته يقول: «إن أمّر عليكم عبد مجدّع «1» أسود يقودكم بكتاب الله تعالى، فاسمعوا له وأطيعوا» ) * «2» .
8-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب «3» ، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي «4» » ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاعتصام)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال فى قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ قال: «حبل الله الجماعة» ) * «6» .
2-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ هذا الصّراط محتضر، تحضره الشّياطين ينادون يا عبد الله هلمّ «7» هذا هو الطّريق، ليصدّوا عن سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله، فإنّ حبل الله القرآن» ) * «8» .
3-* (عن أبي العالية في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ قال: بالإخلاص للهّ وحده وَلا تَفَرَّقُوا يقول: لا تعادوا «9» عليه- يقول على الإخلاص- وكونوا عليه إخوانا) * «10» .
4-* (عن ابن زيد في وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ، قال: «الإسلام» ) * «11» .
5-* (عن سماك بن الوليد الحنفيّ؛ أنّه لقي ابن عبّاس فقال: «ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، ويشتموننا، ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟، قال: لا، أعطهم، الجماعة الجماعة «12» ،
__________
(1) مجدع: أي مقطع الأعضاء.
(2) مسلم (1298) .
(3) يريد ملك الموت الذي يقبضه فيلحق بالرفيق الأعلى.
(4) يفيد هذا الإلحاح في التوصية بأهل بيته.
(5) مسلم (2408) .
(6) الدر المنثور للسيوطي (2/ 285) .
(7) هلمّ: أقبل (اسم فعل أمر) .
(8) الدر المنثور للسيوطي (2/ 284) .
(9) تعادوا: لا تجعلوا عداوتكم تفرقكم عليه.
(10) الدر المنثور للسيوطي (2/ 286) .
(11) المرجع السابق (2/ 287) .
(12) الجماعة الجماعة أسلوب إغراء أي الزم الجماعة.(2/415)
إنّما هلكت الأمم الخالية بتفرّقها، أما سمعت قول الله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» ) * «1» .
6-* (قال ابن بطّال: «لا عصمة لأحد إلّا في كتاب الله، أو في سنّة رسوله، أو في إجماع العلماء على معنى في أحدهما» ) * «2» .
من فوائد (الاعتصام)
(1) دليل صلاح المرء واستقامته.
(2) يورث محبّة الله ومحبّة النّاس.
(3) يثمر السّعادة في الدّارين.
(4) يجنّب الإنسان مسالك الشّيطان ومضلّاته.
(5) دليل على صدق الإيمان ومحبّة الرّحمن.
(6) يقوّي الأمّة ويرفعها.
(7) في الاعتصام تجمّع، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
(8) الاعتصام بالله يدفع عن العبد ويحمي من الشّهوات والشّبهات.
__________
(1) الدر المنثور للسيوطي (2/ 285- 286) .
(2) فتح الباري (13/ 246) .(2/416)
الإغاثة
الإغاثة لغة:
مصدر قولهم: أغاثه يغيثه، وهو مأخوذ من مادّة (غ وث) ، الّتي تدلّ على الإعانة والنّصرة عند الشّدّة، أمّا مادّة (غ ي ث) اليائيّة فإنّها تدلّ على الحيا (المطر) النّازل من السّماء «1» ، وقيل: الغيث المطر في إبّانه «2» ، (أي في الوقت الّذي يحتاج إليه فيه) ، يقال من الأصل الأوّل (غ وث) : استغثته فأغاثني، أي استعنت به عند الشّدّة فأعانني، ومن الأصل الثّاني (غ ي ث) استغثنا الله فغاثنا «3» أي طلبنا المطر فأمدّنا الله به، قال ذو الرّمّة: ما رأيت أفصح من أمة آل فلان، قلت لها كيف كان المطر عندكم؟ قالت: غثنا ما شينا (أي ما شئنا) «4» .
وقال الجوهريّ: يقال: غوّث الرّجل: قال:
واغوثاه، والاسم «5» من ذلك: الغوث والغواث والغياث والغياث (بتثليث الغين) ، يقال: أجاب الله
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
11/ 15/ 8
دعاءه وغواثه، ولم يرد بالفتح (أي بفتح أوّله) من الأصوات «6» سواه، والقياس أن يأتي بالضّمّ مثل البكاء والدّعاء، وبالكسر مثل النداء والصّياح، وشاهد ذلك قول العامريّ:
بعثتك مائزا فلبثت حولا ... متى يأتي غواثك من تغيث؟ «7»
والاسم من الإغاثة: الغياث، وأصله الغواث، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها «8» ، والغياث: ما أغاثك الله به «9» ، وقال ابن منظور: الغواث بالضّمّ:
الإغاثة، وقولهم: استغاث (مثل غوّث) أي صاح واغوثاه «10» ، قال الزّبيديّ: هذا أصله، ثمّ إنّهم استعملوه بمعنى: صاح ونادى طلبا للغوث «11» ، وفي حديث هاجر (أمّ إسماعيل) ، «.. فهل عندك غواث؟» ، الغواث بالفتح كالغياث بالكسر من الإغاثة بمعنى الإعانة «12» ، ومن ذلك الحديث
__________
(1) ابن فارس: مقاييس اللغة 4/ 400 (غ وث) ، 4/ 403 (غيث) .
(2) الكليات للكفوي (3/ 313) .
(3) المرجع السابق (1/ 173) بتصرف.
(4) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 403) .
(5) كذا قال الجوهري، ولعلّ الصّواب: المصدر لأنه سيذكر الاسم بعد ذلك وهو الغياث.
(6) أي من الكلمات الدالة على صوت.
(7) السابق، الصفحة نفسها، وقد ورد البيت منسوبا في اللسان (2/ 174) لعائشة بنت سعد بن أبي وقاص. ومعنى مائرا: أي جالبا للميرة وهي الطعام.
(8) الصحاح (1/ 289) .
(9) تاج العروس للزبيدي (5/ 214) .
(10) لسان العرب (2/ 175) .
(11) تاج العروس (5/ 313) .
(12) النهاية لابن الأثير (3/ 392) ، واللسان (2/ 174) ط. بيروت) . انظر الحديث رقم (3) .(2/417)
الأخر: اللهمّ أغثنا، بالهمزة من الإغاثة، أمّا الحديث الآخر: «فادع الله يغيثنا (بفتح الياء) ، (فهو من الغيث) ، يقال غاث الله البلاد يغيثها، إذا أرسل عليها المطر، أمّا ما جاء في حديث توبة كعب:
«فخرجت قريش مغوثين لعيرهم» فالمعنى: مغيثين فجاء به على الأصل ولم يعلّه، كما في استحوذ واستنوق، قال ابن الأثير، ولو روي مغوّثين بالتّشديد من غوّث بمعنى أغاث- لكان وجها «1» ، وتأتي الإغاثة أيضا بمعنى التّفريج، قال ابن سيدة: يقول (المضطرّ) الواقع في بليّة: أغثني، أي فرّج عنّي، واستغثت فلانا فما كان لي عنده مغوثة ولا غوث أي إغاثة «2» ، قال في اللّسان: وغوث جائز في هذه المواضع، أن يوضع- وهو اسم- موضع المصدر- أي الإغاثة «3» وقال الرّاغب: الغوث يقال في النّصرة، والغيث يقال في المطر. ويقال: استغثته: طلبت الغوث أو الغيث، فأغاثني من الغوث، وغاثني من الغيث، أمّا غوّث فلا تكون إلّا من الغوث، وقول الله تعالى:
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ (الكهف/ 29) فإنّه يصحّ أن يكون من الغيث ويصحّ أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصحّ فيه المعنيان «4» .
المغيث من أسمائه تعالى:
قال صاحب موسوعة «له الأسماء الحسنى» :
المغيث، اسم من الأسماء الحسنى الزّائدة عن الأسماء المعروفة «5» .
وقال الإمام ابن تيميّة: ومن أسماء الله- عزّ وجلّ- المغيث، وهو بمعنى «المجيب» لكنّ الإغاثة أخصّ بالأفعال، والإجابة أخصّ بالأقوال»
، ويمكن- لغة- أن يكون المعنى أنّه سبحانه هو الغيّاثّ الّذي يقدّم العون والنّصرة للمضطرّين كما أنّه ينزّل الغيث على العباد والبلاد، فهو سبحانه غياث المستغيثين الّذين يطلبون الغوث (المعونة والنّصرة) أو الغيث (المطر الّذي يحتاج إليه) ، قال أبو عبد الله الحليميّ- رحمه الله تعالى- الغيّاث هو المغيث، وأكثر ما يقال: غياث المستغيثين ومعناه: المدرك عباده في الشّدائد إذا دعوه وهو مجيبهم ومخلّصهم «7» .
الإغاثة اصطلاحا:
الإغاثة تقديم الغوث وهو «التّخليص من الشّدّة والنقمة والعون على الفكاك من الشّدائد «8» .
الفرق بين الإغاثة والاستغاثة:
المراد بالاستغاثة هنا طلب الغوث أي النّصرة والإعانة من قبل المضطرّ أو المحتاج، أمّا الإغاثة فهي تقديم ذلك العون ممّن وفّقه الله تعالى لمن هو في حاجة إليه.
__________
(1) النهاية (3/ 293) .
(2) اللسان (2/ 174) ، وتاج العروس (5/ 214) ، ولم ترد كلمة المضطر في اللسان.
(3) اللسان (2/ 174) .
(4) المفردات للراغب (550) .
(5) موسوعة له الأسماء الحسنى، للشيخ أحمد الشرباصي (2/ 115) .
(6) مجموع الفتاوى (1/ 111) .
(7) المرجع السابق، الصفحة نفسها، وقارن بصفة الاستغاثة.
(8) تاج العروس للزبيدي (5/ 214) .(2/418)
الإغاثة واجب إسلامي أصيل:
إنّ تقديم العون والنّصرة لمن يحتاج إليها سلوك إسلاميّ أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوّة الصّادقة، وقد كانت حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير مثال يحتذى فيما يتعلّق بإغاثة المظلوم أو الملهوف، وتقديم العون لكلّ من يحتاج إليه، وقد عرف بذلك حتّى قبل البعثة المباركة، وعند ما قال للسّيّدة خديجة- رضي الله عنها- «لقد خشيت على نفسي» أجابته في ثقة واطمئنان «كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ» «1» ، وكأنّه قد استقرّ في الطّباع السّليمة أنّ صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وأنّ من أغاث النّاس وأعانهم لابدّ من أن يغيثه ربّه ويعينه، فالجزاء من جنس العمل. وبعد الإسلام أصبحت الإغاثة واجبا ينهض به القادرون وعملا من أعمال الخير يتنافس فيه المتنافسون، وأصبح من الحقائق المسلّمة عندهم أنّ «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» «2» كما أخبرهم بذلك المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وحثّهم عليه. وقد كان الصّحابة- رضوان الله عليهم- مضرب المثل في تقديم الغوث لمن هم في حاجة إليه. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما حدث في عام الرّمادة «3» ، عندما أصاب النّاس جدب في المدينة وما حولها وكان ذلك في العام الثّامن عشر للهجرة في خلافة عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- الّذي قال: «الله أكبر، بلغ البلاء مدّته فانكشف. وكتب إلى أمراء الأمصار» . «أغيثوا أهل المدينة ومن حولها» «4» وكان عمرو بن العاص واليا على مصر فأرسل يجيبه: إنّه سيصلهم غوث لا انقطاع له.
ولقد قام المسلمون- أخيرا- بجزء من واجبهم في هذا السّبيل فكوّنوا هيئة الإغاثة الإسلاميّة.
إنّ المؤمنين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، ألم يأن لهم أن يوقظوا هذا الخلق الإسلاميّ الرّفيع، ويحيوا سنّة نبيّهم ومجد أسلافهم فيتقدّموا طائعين راضين بتقديم الغوث لإخوان لهم شرّدتهم الحروب، ويتّمت أطفالهم ورمّلت نساءهم الهجمات الشّرسة من القوى الصّليبيّة والصّهيونيّة والإلحاديّة، إنّ على المسلمين ألّا يتركوا إخوانهم فريسة في أيدي من لا يرجون لله وقارا، أولئك الّذين يقدّمون باسم الإنسانيّة بعض ما يفيض عندهم صدقة وإحسانا، إنّنا لسنا في حاجة إلى «إنسانيّة» هؤلاء الّذين يمدّون العدوّ بالسّلاح ليقتل ويشرّد ثمّ يقدّمون لنا فائض الغذاء أو الدّواء- فقط- إذا أثخنتنا الجراح، ما أحوج المسلمين
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (3) ، وانظر الحديث بتمامه في الأحاديث الواردة في الاغاثة معنى/ حديث رقم (9) .
(2) انظر الحديث رقم (11) .
(3) وسمي عام الرمادة لأن المدينة كانت تسفي إذا ريحت (أي أصابتها الريح) ترابا كالرماد.
(4) راجع أحداث عام الرمادة في تاريخ الطبري (4/ 96- 101) تحقيق أبي الفضل، ط. دار سويدان، بيروت.(2/419)
اليوم إلى التمسّك بهذا الخلق الإسلاميّ الرّفيع الّذي يجعل كلّ مسلم في أيّ مكان في الأرض مرفوع الهامة، رابط الجأش، واثقا من النّصر، لأنّ إخوانا له يقدّمون العون والإغاثة من منطلق إسلاميّ لا منّة فيه، ولا مطمع من ورائه، إن فعلوا نجوا وإلّا فلينتظروا زوال النّعمة عنهم مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ لله عند أقوام نعما أقرّها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين، ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم» «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاستغاثة- التناصر- التعاون على البر والتقوى- الشهامة- تفريج الكربات- الإيثار- الرجولة- البر المروءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- الأثرة الإعراض- البخل- التفريط والإفراط- التهاون] .
__________
(1) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 390) .(2/420)
الآيات الواردة في «الإغاثة»
أولا: الإغاثة من الله- عز وجل-:
1- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)
قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) «1»
ثانيا: الإغاثة على سبيل التهكم بالكفار:
2- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «2»
ثالثا: الإغاثة بإنزال الغيث:
3- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) «3»
4-* وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «4»
5- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «5»
__________
(1) يوسف: 46- 49 مكية
(2) الكهف: 29 مكية
(3) لقمان: 34 مكية
(4) الشورى: 27- 28 مكية
(5) الحديد: 20 مدنية(2/421)
الآيات الواردة في «الإغاثة» معنى
6- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «1»
7- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «2»
8- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «3»
9- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62)
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «4»
10- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) «5»
11- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114)
وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116)
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) «6»
__________
(1) الأنعام: 63- 64 مكية
(2) الأنفال: 9- 10 مدنية
(3) الأنبياء: 76- 77 مكية
(4) النمل: 62- 64 مكية
(5) الصافات: 75- 79 مكية
(6) الصافات: 114- 119 مكية(2/422)
الأحاديث الواردة في (الإغاثة)
1-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوم جلوس في الطّريق، قال: «إن كنتم لابدّ فاعلين فاهدوا السّبيل، وردّوا السّلام، وأغيثوا المظلوم» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس بالطّرقات» قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدّث فيها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أبيتم فأعطوا الطّريق حقّه» ، قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟
قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر» «2» .
عن أبي حجير العدويّ قال: سمعت عمر بن الخطّاب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذه القصّة، قال: «وتغيثوا الملهوف، وتهدوا الضّالّ» ) * «3» .
3-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «4» من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل- وهي ترضعه- حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها.
فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم: قالت: إذن لا يضيّعنا «5» . ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «6» حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتّى بلغ يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى- أو قال: يتلبّط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها «7» ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على
__________
(1) أحمد، المسند (4/ 291) .
(2) البخاري- الفتح (6229) ومسلم (2121) وأبو داود (4815) .
(3) المرجع السابق (4817) .
(4) المنطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء: هو ما يشد به الوسط.
(5) إذن لا يضيّعنا بضم العين فى فتح الباري والصواب فتحها كما فى البدر العيني.
(6) الثّنيّة: العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه.
(7) درع المرأة: قميصها.(2/423)
المروة سمعت صوتا فقالت: صه «1» - تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» .
قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة؛ فإنّ ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق كداء «2» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا «3» أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا- قال وأمّ إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟
فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم.
قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى «4» ذلك أمّ إسماعيل- وهي تحبّ الأنس» - فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم «5» وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم.
وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة.
فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم.
جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله- عزّ وجلّ- قال: ما طعامكم؟ قالت:
اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن
__________
(1) صه: اسم فعل أي بمعنى اسكت وكأنها تطلب من نفسها الإنصات حتى تعلم مصدر الصوت.
(2) كداء بفتح الكاف ممدود: هو الموضع الذي دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة منه.
(3) جريّ- كغني- الوكيل والرسول: قال ابن حجر: سمي بذلك لأنه يجري مجرى موكله أو مرسله. ينظر: القاموس المحيط وفتح الباري (6/ 464) .
(4) فألفى: قال ابن حجر: فألفى ذلك: أي وجد أمّ إسماعيل بالنصب على المفعولية وهي تحب الأنس بضم الهمزة ضد الوحشة ويجوز الكسر أي تحب جنسها. فتح الباري ج 6 ص 464.
(5) أنفسهم: بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي أنه أكثرهم نفاسة وشرفا ولذلك أعجبهم فكثرت رغبتهم فيه فزوجوه منهم.(2/424)
لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت:
نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال:
فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك.
قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتا- وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ) * «1» .
4-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها حتّى كانت غزوة تبوك إلّا بدرا، ولم يعاتب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحدا تخلّف عن بدر، إنّما خرج يريد العير، فخرجت قريش مغوثين»
لعيرهم فالتقوا عن غير موعد كما قال الله- عزّ وجلّ- «ولعمري إنّ أشرف مشاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس لبدر، وما أحبّ أنّي كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام، ثمّ لم أتخلّف بعد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى كانت غزوة تبوك» ...
الحديث) * «3» .
5-* (عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه، فلمّا حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثمّ أتينا بطيب فتطيّبنا، ثمّ جئنا المسجد، فجلسنا إلى رجل فحدّثنا عن الدّجّال، ثمّ جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا إليه، فجلسنا، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يكون للمسلمين ثلاثة أمصار، مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشّام، فيفزع النّاس ثلاث فزعات، فيخرج الدّجّال في أعراض النّاس، فيهزم من قبل المشرق، فأوّل مصر يرده المصر الّذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول:
نشامه «4» ننظر ما هو. وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الّذي يليهم، ومع الدّجّال سبعون ألفا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3364) .
(2) مغوثين، ومغيثين، ومعناهما واحد، وفي مسند أحمد مغّوثين وهي من الغوث بمعنى الإعانة والنصرة.
(3) انظر الحديث بطولة في الترمذي برقم (3102) واللفظ له، وأحمد (6/ 387) . وأصل الحديث في الصحيحين.
(4) أصل الشيم: النظر الى البرق، وهي هنا بمعنى ننظر اليه وقيل: نختبره.(2/425)
عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنّساء، ثمّ يأتي المصر الّذي يليه فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول نشامه وننظر ما هو. وفرقة تلحق بالمصر الّذي يليهم بغربيّ الشّام وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون سرحا لهم فيصاب سرحهم فيشتدّ ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتّى إنّ أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله. فبينماهم كذلك إذ نادى مناد من السّحر: يا أيّها النّاس، أتاكم الغوث ثلاثا، فيقول بعضهم لبعض: إنّ هذا الصّوت صوت رجل شبعان، وينزل عيسى ابن مريم عليه السّلام عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: روح الله، تقدّم صلّ، فيقول: هذه الأمّة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدّم أميرهم فيصلّي، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدّجّال، فإذا رآه الدّجّال ذاب كما يذوب الرّصاص، فيضع حربته بين ثندوته فيقتله، وينهزم أصحابه، فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا، حتّى إنّ الشّجرة لتقول: يا مؤمن، هذا كافر. ويقول الحجر:
يا مؤمن، هذا كافر) * «1» .
6-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلقى على أهل النّار الجوع، فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيستغيثون بالطّعام فيغاثون بطعام ذي غصّة «2» ، فيذكرون أنّهم كانوا يجيزون الغصص في الدّنيا بالشّراب فيستغيثون بالشّراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهنّم، فيقولون: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر/ 50) قال: فيقولون: ادعوا مالكا، فيقولون: يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قال:
فيجيبهم إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (الزخرف/ 77) .
قال الأعمش: نبّئت أنّ بين دعائهم وبين إجابة مالك إيّاهم ألف عام. قال: فيقولون: ادعوا ربّكم فلا أحد خير من ربّكم، فيقولون: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قال: فيجيبهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون/ 106- 108) . قال: فعند ذلك يئسوا من كلّ خير، وعند ذلك يأخذون في الزّفير والحسرة والويل.
قال عبد الله بن عبد الرّحمن: والنّاس لا يرفعون هذا الحديث) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام فينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال:
لا ألفينّ أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك
__________
(1) أحمد (4/ 216، 217) .
(2) الإغاثة هنا على سبيل التهكم.
(3) الترمذي/ كتاب صفة جهنم حديث رقم (2586) . وقال: إنما نعرف هذا الحديث عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء. وشهر بن حوشب حسن الحديث (انظر في توثيقه تهذيب التهذيب: 4/ 371- 372) .(2/426)
لك شيئا، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت «1» فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق «2» ، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» «3» ) * «4» .
8-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» ، فقالوا: يا نبيّ الله فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده ويتصدّق. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف «5» » قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في (الإغاثة) معنى
9-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بديء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال «ما أنا بقاريء» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد.
ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقاريء» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد «7» . ثمّ أرسلني فقال اقرأ فقلت: «ما أنا بقاريء» فأخذني فغطّني الثّالثة. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (القلم/ 1- 3) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان امرءا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من
__________
(1) صامت: أي الذهب والفضة، وقيل: ما لا روح فيه.
(2) رقاع تخفق: أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح، وقيل: معناه تلمع والمراد بها الثياب.
(3) البخاري- الفتح 6 (3073) .
(4) يوضح هذا الحديث الشريف أن الإغاثة لا تكون لأصحاب الغلول يوم القيامة.
(5) قال ابن حجر في الفتح: الملهوف المستغيث (3/ 361) ، وهو أعمّ من أن يكون مظلوما أو عاجزا. قلت والإعانة هنا إغاثة له.
(6) البخاري الفتح 3 (1445) ، واللفظ له، ومسلم (1008) .
(7) بلغ مني الجهد: يروى بنصب الجهد ورفعه ومعنى رواية النصب أن الغطّ بلغ منه المشقة والتعب، وعلى رواية الرفع بلغ منه الجهد مبلغا عظيما.(2/427)
ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟
فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس «1» الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «2» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «3» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «4» .
10-* (عن عبد الله بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «5» .
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «6» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر في الدّنيا يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدّنيا ستر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) * «7» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النّار ثلاث خنادق، كلّ خندق أبعد ممّا بين الخافقين) * «8» .
14-* (عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«على كلّ نفس في كلّ يوم طلعت فيه الشّمس صدقة منه على نفسه» . قلت: يا رسول الله، من أين أتصدّق وليس لنا أموال؟ قال: «إنّ من أبواب الصّدقة التكبير، وسبحان الله والحمد لله واستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشّوكة عن طريق النّاس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصمّ
__________
(1) الناموس: هو جبريل، وقال أهل اللغة: الناموس صاحب سر الخبر.
(2) جذعا: أي شابا قويا.
(3) لم ينشب: أي لم يلبث.
(4) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) .
(5) مسلم (1563) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، ومسلم (2580) وأبو داود حديث رقم (4946) والترغيب والترهيب (3/ 389) .
(7) مسلم (2699) والترمذي واللفظ له، كتاب البر- حديث رقم (1930) وأبو داود باب المعونة للمسلم برقم (4946) وابن ماجة (مقدمة) حديث رقم (225) . وأحمد (2/ 252) . والحاكم وقال: صحيح على شرطهما والترغيب والترهيب (3/ 390) .
(8) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 391) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، وقال: صحيح الاسناد، إلا أنه قال: لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته- وأشار بأصبعه- أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين.(2/428)
والأبكم حتّى يفقه، وتدلّ المستدلّ على حاجته قد علمت مكانها، وتسعى بشدّة ساقيك إلى اللهفان المستغيث «1» ، وترفع بشدّة ذراعيك مع الضّعيف. كلّ ذلك من أبواب الصّدقة منك على نفسك، ولك في جماعك زوجتك أجر» . قال أبو ذرّ: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات، أكنت تحتسب به؟» قلت: نعم. قال: «فأنت خلقته؟» قال: بل الله خلقه. قال: «فأنت هديته؟» قال: بل الله هداه. قال:
«فأنت ترزقه؟» . قال: بل الله كان يرزقه. قال: «كذلك فضعه في حلاله، وجنّبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته، ولك أجر» ) * «2» .
15-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» ، فقالوا: يا نبيّ الله فمن لم يجد؟. قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق» . قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف «3» » . قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإغاثة)
1-* (كتب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عام الرّمادة إلى أمراء الأمصار يقول: «أغيثوا أهل المدينة ومن حولها» ) * «5» .
2-* (عن الحسن- رضي الله عنه- أنّه أمر ثابتا البنانيّ بالمشي في حاجة، فقال: أنا معتكف، فقال له: يا أعمش، أما تعلم أنّ مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجّة بعد حجّة) * «6» .
3-* (قال بعضهم: إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكّره ثانية فلعلّه أن يكون قد نسي، فإن لم يقضها فكبّر عليه واقرأ هذه الآية وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ (الأنعام/ 36)) * «7» .
4-* (اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره الّتي في السّوق بتسعين ألف درهم، فلمّا كان اللّيل سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله: ما لهؤلاء؟
قال: يبكون على دارهم. قال: يا غلام، ائتهم فأعلمهم أنّ الدّار والمال لهم جميعا) * «8» .
5-* (قال جعفر بن محمّد: إنّي لأتسارع إلى قضاء حوائج إخواني مخافة أن أردّهم فيستغنوا عنّي.
قال الغزاليّ: هذا في الأعداء فكيف في الأصدقاء؟) * «9» .
__________
(1) وجه الإغاثة هنا هو حث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على إغاثة اللهفان بأقصى سرعة ممكنة فهذا الحديث كان في الاستغاثة لفظا إلّا أنه في الإغاثة معنى.
(2) أحمد في مسنده (5/ 168، 169) .
(3) قال الحافظ في الفتح: الملهوف: المستغيث.
(4) البخاري- الفتح 3 (1445) واللفظ له، مسلم (1008) .
(5) تاريخ الطبري (4/ 99) (أحداث عام الرمادة 18 هـ) .
(6) دليل الفالحين (3/ 35) .
(7) الإحياء (2/ 175) .
(8) مختصر منهاج القاصدين/ المقدسي (203) .
(9) الإحياء (2/ 175) .(2/429)
6-* (قال الغزاليّ: «.. ينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهمّ من حاجتك، وأن تكون متفقّدا لأوقات الحاجة، غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السّؤال وإظهار الحاجة إلى الإستعانة، بل تقوم بحاجته كأنّك لا تدري أنّك قمت بها، ولا ترى لنفسك حقّا بسبب قيامك بها، بل تتقلّد منه بقبوله سعيك في حقّه وقيامك بأمره.
ولا ينبغي أن تقتصر على قضاء الحاجة، بل تجتهد في البداية بالإكرام في الزّيادة والإيثار والتّقديم على الأقارب والولد» ) * «1» .
7-* (قال ابن علّان معلّقا على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ومن نفّس عن مؤمن كربة..
الحديث) : وفيه عظيم فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسّر من علم، أو مال، أو جاه، أو نصح، أو دلالة على خير، أو إعانة بنفسه، أو سفارته، أو وساطته، أو شفاعته، أو دعائه له بظهر الغيب) * «2» .
8-* (قال عليّ- رضي الله عنه-:
إنّ أخاك الحقّ من كان معك ... ومن يضّرّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمان صدّعك ... شتّت فيه شمله ليجمعك) *» .
من فوائد (الإغاثة)
(1) في إغاثة المظلوم والمكروب رضا الله عزّ وجلّ.
(2) الإغاثة تفتح لصاحبها طريقا إلى الجنّة.
(3) الإغاثة كفيلة بتحقيق السّلام الاجتماعيّ بين أفراد الأمّة وتحقّق التّضامن والتّكافل بين المسلمين.
(4) في إغاثة المحتاجين ما يجعلهم يحبّون إخوانهم ويتفانون في خدمتهم ويحافظون على أموالهم.
(5) إغاثة المسلم للمسلم تفتح له طريق النّصر وتجعله قادرا على صدّ العدوان.
(6) في الإغاثة ما يساعد على إجابة الدّعاء.
(7) إذا أغاث المسلم أخاه رزقه الله- عزّ وجلّ- بمن يغيثه عند شدّته.
(8) في الإغاثة نجاة من كرب يوم القيامة.
(9) الإغاثة نوع من الصّدقة خاصّة لمن لا يجد ما يتصدّق به.
(10) من أراد أن يغيثه الله يوم القيامة فعليه أن يبتعد عن الغلول.
(11) إغاثة الملهوف من الأعمال الّتي تنجّي صاحبها في الدّنيا لا أنّ صنائع المعروف تقي مصارع السّوء.
__________
(1) الإحياء (3/ 175، 176) .
(2) دليل الفالحين (3/ 34، 35) .
(3) الإحياء (2/ 172) .(2/430)
إفشاء السلام
الإفشاء لغة:
مصدر قولهم: أفشى بمعنى أذاع ونشر، قال في الصّحاح: فشا الخبر يفشو فشوّا، أي ذاع، وأفشاه غيره، وتفشّى الشّيء أي اتّسع، وقال ابن منظور:
يقال «فشا الشّيء يفشو فشوّا إذا ظهر، وهو عامّ في كلّ شيء ومنه إفشاء السّرّ (في معنى إظهاره) . وفي حديث الخاتم: فلمّا رآه أصحابه قد تختّم به فشت خواتيم الذّهب أي كثرت وانتشرت، وفي الحديث:
أفشى الله ضيعته أي كثّر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة «1» .
السلام لغة:
السّلام في أصل اللّغة السّلامة، يقال: سلم يسلم سلاما وسلامة ومنه قيل للجنّة «دار السّلام» لأنّها دار السّلامة من الآفات، والسّلام (أيضا) الاسم من التّسليم، قال محمّد بن يزيد (المبرّد) السّلام في لغة العرب أربعة أشياء، فمنها: سلّمت سلاما (اسم مصدر) ، ومنها السّلام جمع سلامة، ومنها السّلام اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السّلام شجر «2» ، ومعنى السّلام الّذي هو اسم مصدر من «3» سلّمت أنّه دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
28/ 65/ 25
وتأويله التّخليص. قال: وتأويل السّلام «اسم الله» أنّه ذو السّلام الّذي يملك السّلام أي يخلّص من المكروه، وقيل: لسلامته من النّقص والعيب والفناء، وقيل: إنّه سلم ممّا يلحق الغير من آفات الغير والفناء، وقال الرّاغب: السّلامة التّعرّي من الآفات الظّاهرة والباطنة قال تعالى: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الصافات/ 84) أي متعرّ من الدّغل فهذا في الباطن، وقال تعالى:
مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها (البقرة/ 71) فهذا في الظّاهر، وقد سلم يسلم سلامة وسلاما وسلّمه الله. والسّلامة الحقيقيّة ليست إلّا في الجنّة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم، وجاء في الصّحاح: السّلام: السّلامة، والسّلام: الاستسلام والسّلام الاسم من التّسليم، والسّلام: البراءة من العيوب، وقيل العافية، ومنه قوله تعالى: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (الفرقان/ 63) معناه تسلّما وبراءة لا خير بيننا وبينكم ولا شرّ. وقال نحوه ابن عرفة. وقيل: قالوا سلاما، أي سدادا من القول وقصدا لا لغو فيه. وقيل: أي سلّموا سلاما.
وقوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر/ 5) أي لا داء فيها، ولا يستطيع الشّيطان أن يصنع
__________
(1) الصحاح 6/ 2455، لسان العرب (فشا) ص 3418.
(2) والسّلام هنا لغة في السّلم وهو الشجر المعروف.
(3) في اللسان أن السّلام مصدر سلّمت بتشديد اللام والصواب أنه اسم مصدر؛ لأن قياس مصدر فعّل هو التفعيل وليس فعالا كما توهم عبارة ابن منظور وقد صرح بذلك الجوهري عندما قال: والسّلام الاسم من التسليم.(2/431)
فيها شيئا. وقد يجوز أن يكون السّلام جمع سلامة.
والسّلام: التّحيّة. وقال أبو الهيثم: السّلام والتّحيّة معناهما واحد، ومعناهما السّلامة من جميع الآفات.
قال الجوهريّ: والسّلم بالكسر: السّلام. والتّسليم:
مشتقّ من السّلام، لسلامته من العيب والنّقص.
وقيل: إنّ معناه: أنّ الله مطّلع عليكم فلا تغفلوا، وقيل معناه سلمت منّي فاجعلني أسلم منك من السّلامة بمعنى السّلام «1» .
وقوله تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال بعضهم: السّلام ههنا الله ودليله السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ (الحشر/ 23) «2» .
السلام من أسماء الله تعالى:
قال الغزاليّ: السّلام هو الّذي تسلم ذاته عن العيب، وصفاته عن النّقص، وأفعاله عن الشّرّ، حتى إذا كان كذلك، لم يكن في الوجود سلامة إلّا وكانت معزيّة إليه صادرة منه «3» .
وقال ابن حجر- رحمه الله-: السّلام من أسماء الله تعالى، فقد جاء في حديث التّشهّد: «فإنّ الله هو السّلام» وكذا ثبت في القرآن في أسماء الله تعالى:
السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ (الحشر/ 23) ومعنى السّلام: السّالم من النّقائص، وقيل: المسلم لعباده، وقيل: المسلّم على أوليائه. أ. هـ. «4»
وقال ابن منظور: والسّلام الله- عزّ وجلّ-، اسم من أسمائه لسلامته من النّقص والفناء، وقيل معناه: أنّه سلم ممّا يلحق الغير من آفات الغير والفناء، وأنّه الباقي الدّائم الّذي تفنى الخلق ولا يفنى، وهو على كلّ شيء قدير «5» .
إفشاء السلام اصطلاحا:
قال ابن حجر- رحمه الله-: إفشاء السّلام المراد نشره سرّا أو جهرا «6»
أو هو: نشر السّلام بين النّاس ليحيوا سنّته صلّى الله عليه وسلّم، أخرج البخاريّ في الأدب المفرد «إذا سلّمت فأسمع فإنّها تحيّة من عند الله» قال النّوويّ:
أقلّه أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسّنّة «7» .
صيغ السلام:
هي أن يقال: السّلام عليكم، وسلام عليكم، هذا إذا كان السّلام لمن لقيك من المسلمين، فإذا كان المرء مسلّما على الأموات فليقل: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين، فإذا كان السّلام موجّها إلى من يرجى إسلامه، فإنّ صيغته هي: السّلام على من اتّبع الهدى، وستأتي صيغ أخرى في الحديث الشّريف (انظر الأحاديث 2، 4، 11، 13) وسلام، بحذف عليكم، ولم يرد في القرآن غالبا إلّا منكّرا كقوله
__________
(1) الصحاح 5/ 195، ولسان العرب 12/ 289- 291، والمفردات للراغب ص 239.
(2) لسان العرب (12/ 289- 300) .
(3) المقصد الأسنى (69) .
(4) فتح الباري (11/ 15) .
(5) لسان العرب (4/ 2078) ط. دار المعارف.
(6) فتح الباري (1/ 103) .
(7) فتح الباري (11/ 20) .(2/432)
تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ.
فأمّا في تشهّد الصّلاة فيقال فيه معرّفا ومنكّرا.
قال: وأمّا في السّلام الّذي يخرج به من الصّلاة فروى الرّبيع عن الشّافعيّ أنّه قال: لا يكفيه إلّا معرّفا، وأقلّ ما يكفيه (السّلام عليكم) فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلّم. ووجهه أن يكون أراد بالسّلام اسم الله فلم يجز حذف الألف واللّام «1» .
السلام في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ السّلام في القرآن الكريم على أوجه:
أحدها: اسم من أسماء الله- عزّ وجلّ- ومنه قوله تعالى في الحشر: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ (آية/ 23) .
والثّاني: التّحيّة المعروفة، ومنه قوله تعالى في النّور: فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (آية/ 61) .
والثّالث: السّلامة من كلّ شرّ، ومنه قوله تعالى في الواقعة: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (آية/ 91) .
والرّابع: الخير، ومنه قوله تعالى في سورة القدر: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (آية/ 5) .
قال ابن قتيبة: «خير هي» «2» .
والخامس: الثّناء الجميل، ومنه قوله تعالى في الصّافّات: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ، سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ (الصافات/ 109، 130، 79) .
والسّادس: الجنّة: ومنه قوله تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ (الأنعام/ 127) «3» .
للاستزادة: انظر صفات: الكلم الطيب- الأدب- الإخاء- الألفة- التودد- حسن الخلق- طلاقة الوجه- الطمأنينة.
[وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الإعراض- التفريط والإفراط- قطيعة الرحم- الكبر والعجب- العبوس- الهجر] .
__________
(1) لسان العرب (12/ 289- 300) .
(2) تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (534) .
(3) نزهة الأعين النواظر (357- 358) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (3/ 252- 254) .(2/433)
الآيات الواردة في «إفشاء السلام»
السلام اسم من أسماء الله تعالى:
1- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «1»
السلام بمعنى التحية المعروفة:
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «2»
3- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «3»
4- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45)
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «5»
__________
(1) الحشر: 22- 24 مدنية
(2) النساء: 94 مدنية
(3) الأنعام: 54 مكية
(4) الأعراف: 44- 46 مكية
(5) يونس: 9- 10 مكية(2/434)
6- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) «1»
7-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «2»
8- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «3»
9- اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) «4»
10- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «5»
11- وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74)
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75)
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) «6»
12- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) «7»
__________
(1) هود: 69 مكية
(2) الرعد: 19- 24 مكية
(3) ابراهيم: 23 مكية
(4) طه: 42- 48 مكية
(5) الفرقان: 63 مكية
(6) الفرقان: 74- 76 مكية
(7) النمل: 59- 60 مكية(2/435)
13-* وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «1»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) «2»
15- إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) «3»
16- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «4»
17- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «5»
السلام بمعنى الثناء الجميل:
18- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «6»
19- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27)
يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
__________
(1) القصص: 51- 55 (51 مكية؛ 52- 55 مدنية)
(2) الأحزاب: 41- 44 مدنية
(3) يس: 55- 58 مكية
(4) الزمر: 73- 75 مكية
(5) الزخرف: 88- 89 مكية
(6) مريم: 12- 15 مكية(2/436)
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31)
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32)
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) »
20- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) «2»
21- وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «3»
22- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «4»
23- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) «5»
__________
(1) مريم: 27- 34 مكية
(2) الصافات: 75- 81 مكية
(3) الصافات: 104- 111 مكية
(4) الصافات: 114- 122 مكية
(5) الصافات: 123- 132 مكية(2/437)
24- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «1»
السلام بمعنى السلامة من كل شر:
25- فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90)
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) «2»
26- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «3»
السلام بمعنى الخير:
27- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) «4»
دار السلام هي الجنة:
28- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)
* لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) «5»
__________
(1) الصافات: 180- 182 مكية
(2) الواقعة: 88- 91 مكية
(3) ق: 31- 35 مكية
(4) القدر: 1- 5 مكية
(5) الأنعام: 126- 127 مكية(2/438)
الأحاديث الواردة في (إفشاء السلام)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله؛ هذه خديجة قد أتت. معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب.
فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها عزّ وجلّ.
ومنّي. وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «1» ، لا صخب «2» فيه، ولا نصب «3» » ) * «4» .
2-* (عن جابر بن سليم- رضي الله عنه- قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: عليك السّلام يا رسول الله مرّتين، قال: لا تقل: عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك، قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ، فدعوته كشفه عنك «5» ، وإن أصابك عام سنة «6» ، فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء، أو فلاة، فضلّت راحلتك، فدعوته ردّها عليك، قلت: اعهد إليّ، قال: لا تسبّن أحدا، قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة، قال: ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار فإنّها من المخيلة «7» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه» ) * «8» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلّم؛ فليست الأولى بأحقّ من الآخرة» ) * «9» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» ) * «10» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلّم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثمّ
__________
(1) القصب: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف.
(2) الصخب: الصوت المختلط المرتفع.
(3) النصب: التعب.
(4) البخاري- الفتح 7 (3820) واللفظ له، مسلم (2432) .
(5) الهاء في «دعوته» ترجع إلى الله عز وجل.
(6) عام سنة: أي عام جدب.
(7) المخيلة: هنا بمعنى الكبر.
(8) أبو داود (8404) واللفظ له وقال الألباني (2/ 770) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (11/ 746) ،: إسناده صحيح.
(9) أبو داود (5208) واللفظ له وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 978) : حسن صحيح، والترمذي (2706) .
(10) البخاري- الفتح 11 (6258) واللفظ له، ومسلم (2163) .(2/439)
لقيه فليسلّم عليه» ) * «1» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحجّ، فقالت امرأة لزوجها:
أحجّني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما عندي ما أحجّك عليه، قالت: أحجّني على جملك فلان. قال:
ذاك حبيس في سبيل الله عزّ وجلّ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي تقرأ عليك السّلام ورحمة الله، وإنّها سألتني الحجّ معك قالت: أحجّني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: ما عندي ما أحجّك عليه، فقالت:
أحجّني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: «أما إنّك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله» قال: وإنّها أمرتني أن أسألك: ما يعدل حجّة معك؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرئها السّلام ورحمة الله وبركاته، وأخبرها: أنّها تعدل حجّة معي» ) * «2» يعني. عمرة في رمضان.
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أصبحنا يوما ونساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبكين، عند كلّ امرأة منهنّ أهلها، فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من النّاس، فجاء عمر بن الخطّاب، فصعد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في غرفة له، فسلّم فلم يجبه أحد، ثمّ سلّم فلم يجبه أحد، ثمّ سلّم فلم يجبه أحد، فناداه، فدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أطلّقت نساءك؟ فقال: «لا؛ ولكن آليت «3» منهنّ شهرا» فمكث تسعا وعشرين، ثمّ دخل على نسائه) * «4» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعجز النّاس من عجز في الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «5» .
9-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفشوا السّلام كي تعلوا» ) * «6» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وهو مردف «7» أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر؛ من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال: فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير فالتفت أبو بكر، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس
__________
(1) أبو داود (5200) وقال الألباني (3/ 977) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 595) : إسناده صحيح
(2) أبو داود (1990) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 374) : حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (9/ 464) : إسناده حسن.
(3) آليت: أقسمت ألا أقربهن شهرا.
(4) البخاري الفتح 9 (3، 52) واللفظ له، ومسلم (1479) قطعه من حديث طويل.
(5) المنذري في الترغيب (3/ 340) واللفظ له وقال: إسناده جيد قوي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 31) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثقة.
(6) المنذري في الترغيب (3/ 426) واللفظ له وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 30) : رواه الطبراني وإسناده جيد.
(7) مردف: أي راكب خلفه.(2/440)
قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه» ، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم «1» ، فقال:
يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة «2» له، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وحفّوا «3» دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة:
جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام، وهو في نخل لأهله يخترف «4» لهم، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال: فانطلق فهيّأ لنا مقيلا. قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فوالله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟
قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام؛ اخرج عليهم» فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا:
كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلنا:
بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما»
ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا «7» ، وانتعل رويدا،
__________
(1) الحمحمة هي: صوت الفرس دون الصهيل.
(2) مسلحة له: هم القوم الذين يعدون بالسلاح لحراسة الجيش.
(3) وحفّوا: طافوا.
(4) يخترف: يجتني من الثمار.
(5) البخاري- الفتح 7 (3911) .
(6) إلّا ريثما: معناه إلّا قدر ما.
(7) أخذ رداءه رويدا: أي أخذا لطيفا لئلا ينبهها.(2/441)
وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «1» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «2» ، واختمرت «3» وتقنّعت إزاري «4» .
ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت.
فأحضر فأحضرت «5» فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش! حشيا رابية! «6» » قالت: قلت: لا شيء. قال:
«لتخبرنّي أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: فأنت السّواد «7» الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «8» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم. قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك «9» . ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله! قال: قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «10» .
12-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع: بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضّعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السّلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشّرب في الفضّة، ونهى عن تختّم الذّهب، وعن ركوب المياثر «11» ، وعن لبس الحرير والدّيباج، والقسّيّ «12» والإستبرق) * «13» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) ثم أجافه: أي أغلقه. وإنما فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل.
(2) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها.
(3) واختمرت: أي ألقيت على رأسي الخمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها.
(4) وتقنعت إزاري: هكذا هو في الأصول: إزاري، بغير باء في أوله. وكأنه بمعنى لبست إزاري، فلهذا عدي بنفسه.
(5) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو. أي فعدا فعدوت، والعدو الجري فوق الهرولة.
(6) مالك يا عائش حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها. وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. وحشيا: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفس وتواتره. يقال: امرأة حشيا وحشية. ورجل حشيان وحش. قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. رابية: أي مرتفعة البطن.
(7) فأنت السواد: أي الشخص.
(8) فلهدني: قال أهل اللغة: لهده ولهّده، بتخفيف الهاء، وتشديدها، أي دفعه.
(9) أخفاه منك أي النداء وأخفيته منك أي الجواب.
(10) مسلم (974) .
(11) المياثر: هي أغشية السروج تتخذ من الحرير، وقيل هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب فوق الرحال.
(12) القسّيّ: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقسّ بفتح القاف وهو موضع من بلاد مصر.
(13) البخاري- الفتح 11 (6235) واللفظ له مسلم (2066) .(2/442)
أنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في نفر من قريش- وكانوا تجّارا بالشّام- فأتوه.. فذكر الحديث قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ، فإذا فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الرّوم: السّلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ... » ) * «1» .
14-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولى النّاس بالله من بدأهم بالسّلام» ) * «2» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في ناحية المسجد- فصلّى، ثمّ جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعليك السّلام، ارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ» . فرجع فصلّى، ثمّ جاء فسلّم، فقال: «وعليك السّلام، فارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ» . فقال في الثّانية- أو في الّتي بعدها- علّمني يا رسول الله.
فقال: «إذا قمت إلى الصّلاة فأسبغ الوضوء، ثمّ استقبل القبلة فكبّر، ثمّ اقرأ بما تيسّر معك من القرآن، ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تستوي قائما، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» ) * «3» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطّعام، وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف» ) * «4» .
17-* (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد والنّاس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذهب واحد، فلمّا وقفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سلّما، فأمّا أحدهما، فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الآخر فأدبر ذاهبا، فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة؟ أمّا أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأمّا الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ) * «5» .
18-* (عن كلدة بن حنبل: أنّ صفوان بن أميّة، بعثه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلبن وجداية «6» وضغابيس «7» ، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأعلى مكّة، فدخلت ولم
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6260) .
(2) أبو داود (5197) واللفظ له وقال الألباني: (3/ 976) : صحيح.
(3) البخاري- الفتح 11 (6251) واللفظ له، مسلم (397) .
(4) البخاري- الفتح 1 (28) ، مسلم (39) متفق عليه.
(5) البخاري- الفتح 1 (66) ، والترمذي (2724) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا لفظ الترمذي.
(6) الجداية ولد الظبية إذا بلغ ستة أشهر أو سبعة، بمنزلة الجدي من المعز وكانت في الأصل (حداية) بالحاء المهملة.
(7) الضغابيس: جمع ضغبوس: الصغير من القثاء. وقيل: نبات يشبه الهليون أو العكوب، ويفهم من كلام الترمذي: أنه يطبخ مع أول حليب الشاة. ونسخه الشيخ (صغابيس بالصاد المهملة) وليس بشيء.(2/443)
أسلّم، فقال: «ارجع فقل السّلام عليكم» ، وذاك بعد ما أسلم صفوان بن أميّة» ) * «1» .
19-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المؤمن إذا لقي المؤمن، فسلّم عليه، وأخذ بيده، فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشّجر» ) * «2» .
20-* (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كأنّما على رؤوسهم الطّير، فسلّمت ثمّ قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله؛ أنتداوى؟
فقال: «تداووا فإنّ الله- عزّ وجلّ- لم يضع داء إلّا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم» ) * «3» .
21-* (عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثا حتّى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم سلّم عليهم ثلاثا» ) * «4» .
22-* (عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عبّاس إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى «5» ليس بموسى بني إسرائيل إنّما هو موسى آخر. فقال: كذب عدوّ الله، حدّثنا أبيّ بن كعب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قام موسى النّبيّ خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال: يا ربّ وكيف به؟ فقيل له: احمل حوتا في مكتل فإذا فقدته فهو ثمّ.
فانطلق وانطلق بفتاه يوشع بن نون. وحملا حوتا في مكتل، حتّى كانا عند الصّخرة وضعا رءوسهما وناما، فانسلّ الحوت من المكتل فاتّخذ سبيله في البحر سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة ليلتهما ويومهما.
فلمّا أصبح، قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ولم يجد موسى مسّا من النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به. فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنّي نسيت الحوت. قال موسى:
ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذا رجل مسجّى بثوب- أو قال: تسجّى بثوبه- فسلّم موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام؟ فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن
__________
(1) أبو داود (5176) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 972) : صحيح.
(2) المنذري في الترغيب (3/ 433) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورواته لا أعلم فيهم مجروحا. وقال الهيثمي (8/ 36) : رواه الطبراني في الأوسط ويعقوب بن محمد بن الطحلاء روى عنه غير واحد ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات.
(3) أبو داود (3855) واللفظ له وقال الألباني (2/ 731) : صحيح، وفي صحيح ابن ماجة (3436) .
(4) البخاري- الفتح 1 (95) ، قال ابن حجر، قال الإسماعيلي يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلّم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره وأما أن يمر المرء مسلّما فالمعروف عدم التكرار.
(5) أي موسى الذي وردت قصته في سورة الكهف.(2/444)
تستطيع معي صبرا. يا موسى إنّي على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت. وأنت على علم علّمكه لا أعلمه. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة. فمرّت بهما سفينة فكلّموهم أن يحملوهما. فعرف الخضر فحملوهما بغير نول «1» . فجاء عصفور فوقع على حرف السّفينة، فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلّا كنقرة هذا العصفور في البحر، فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه فقال موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها. قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت.
فكانت الأولى من موسى نسيانا. فانطلقا فإذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فاقتلع رأسه بيده «2» . فقال موسى: أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس؟. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ (قال ابن عيينة وهذا أوكد) . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها، فأبوا أن يضيّفوهما. فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه.
قال الخضر بيده فأقامه «3» . فقال له موسى: لو شئت لا تّخذت عليه أجرا. قال: هذا فراق بيني وبينك. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددنا لو صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما» ) * «4» .
23-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» ، فقالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس، فأعطوا الطّريق حقّه» ، قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «5» .
24-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تسليم الرّجل بأصبع واحدة- يشير بها- فعل اليهود» ) *» .
25-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطّاب، فقال: السّلام عليكم. هذا عبد الله بن قيس. فلم يأذن له. فقال: السّلام عليكم. هذا أبو موسى. السّلام عليكم. هذا الأشعريّ. ثمّ انصرف. فقال: ردّوا عليّ. ردّوا عليّ. فجاء فقال: يا أبا موسى ما ردّك؟ كنّا في شغل. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«الاستئذان ثلاث. فإن أذن لك، وإلّا فارجع» .
__________
(1) النول: الأجرة.
(2) أي فعل ذلك الخضر بيده.
(3) قال الخضر بيده بمعني فعل بيده (هذا من إطلاق القول على الفعل) .
(4) البخاري- الفتح 1 (122) واللفظ له ورقم (4725) ، مسلم (2380) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له، مسلم (2121) .
(6) المنذري في الترغيب (3/ 435) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني واللفظ له، وقال الهيثمي (8/ 38) : رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط واللفظ له، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.(2/445)
قال: لتأتينّي على هذا ببيّنة. وإلّا فعلت وفعلت.
فذهب أبو موسى.
قال عمر: إن وجد بيّنة تجدوه عند المنبر عشيّة، وإن لم يجد بيّنة فلم تجدوه. فلمّا أن جاء بالعشيّ وجدوه. قال: يا أبا موسى! ما تقول؟ أقد وجدت؟
قال: نعم. أبيّ بن كعب. قال: عدل. قال: يا أبا الطّفيل ما يقول هذا؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك يابن الخطّاب! فلا تكوننّ عذابا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: سبحان الله إنّما سمعت شيئا. فأحببت أن أتثبّت) * «1» .
26-* (عن ربعيّ، قال: حدّثنا رجل من بني عامر: أنّه استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت.
فقال: ألج «2» ؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لخادمه: «اخرج إلى هذا! فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل: السّلام عليكم، أأدخل؟» . فسمعه الرّجل. فقال: السّلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل) * «3» .
27-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
خرجنا من قومنا غفار. وكانوا يحلّون الشّهر الحرام.
فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا. فنزلنا على خال لنا.
فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا. فحسدنا قومه، فقالوا:
إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثا «4» علينا الّذي قيل له. فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد فقرّبنا صرمتنا «5» . فاحتملنا عليها. وتغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة.
فنافر «6» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها «7» . فأتيا الكاهن. فخيّر أنيسا. فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صلّيت، يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال: للهّ.
قلت: فأين توجّه «8» ؟ قال: أتوجّه حيث يوجّهني ربّي. أصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء «9» . حتّى تعلوني الشّمس. فقال أنيس:
إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني. فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة. فراث عليّ «10» . ثمّ جاء فقلت: ما صنعت؟
قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك. يزعم أنّ الله أرسله. قلت: فما يقول النّاس؟ قال: يقولون:
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6245) ، مسلم (2154) واللفظ له.
(2) الولوج: الدخول. وقد ولج يلج.
(3) أبو داود (5177) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 973) : صحيح وهو في الصحيحة (818) .
(4) فنثا: أي أشاعه وأفشاه.
(5) صرمتنا: الصرمة هي القطعة من الإبل. وتطلق على القطعة من الغنم.
(6) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا. وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر.
(7) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه تراهن هو وآخر أيهما أفضل. وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك. فأيهما كان أفضل أخذ الصّرمتين. فتحاكما إلى الكاهن. فحكم بأن أنيسا أفضل. وهو معنى قوله فخيّر أنيسا. أي جعله الخيار والأفضل.
(8) توجّه أي تتوجه في صلاتك.
(9) خفاء: هو الكساء. وجمعه أخفية. ككساء وأكسية.
(10) فراث علي: أي أبطأ.(2/446)
شاعر، كاهن، ساحر. وكان أنيس أحد الشّعراء.
قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة. فما هو بقولهم. ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «1» فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنّه شعر، والله إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون. قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر. قال فأتيت مكّة. فتضعّفت «2» رجلا منهم. فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصّابأ؟ فأشار إليّ، فقال: الصّابأ «3» . فمال عليّ أهل الوادي بكلّ مدرة «4» وعظم. حتّى خررت مغشيّا عليّ. قال فارتفعت حين ارتفعت، كأنّي نصب أحمر «5» . قال فأتيت زمزم فغسلت عنّي الدّماء: وشربت من مائها.
ولقد لبثت، يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم. فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني «6» . وما وجدت على كبدي سخفة جوع «7» .
قال: فبينا أهل مكّة في ليلة قمراء «8» إضحيان «9» ، إذ ضرب على أسمختهم «10» . فما يطوف بالبيت أحد.
وامرأتين «11» منهم تدعوان إسافا ونائلة. قال: فأتتا عليّ في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى. قال:
فما تناهتا «12» عن قولهما. قال: فأتتا عليّ. فقلت:
هن مثل الخشبة «13» . غير أنّي لا أكني. فانطلقتا تولولان «14» . وتقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارن «15» قال: فاستقبلهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر.
وهما هابطان. قال: «ما لكما؟» قالتا: الصّابأ بين الكعبة وأستارها. قال: «ما قال لكما؟» قالتا: إنّه قال لنا كلمة تملأ الفم «16» . وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى استلم الحجر. وطاف بالبيت هو وصاحبه. ثمّ صلّى.
فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام. قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول
__________
(1) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه.
(2) فتضعفت: يعني نظرت إلى أضعفهم فسألته. لأن الضعيف مأمون الغائلة دائما.
(3) الصابأ: منصوب على الاغراء. أي انظروا وخذوا هذا الصابأ.
(4) مدرة: الطين اللزج المتماسك.
(5) نصب أحمر: يعني من كثرة الدماء التي سالت مني بضربهم. والنصب الصنم والحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، فيحمر بالدم. وجمعه أنصاب. ومنه قوله تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ.
(6) عكن بطني: جمع عكنة، وهو الطي في البطن من السّمن. معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه.
(7) سخفة جوع: بفتح السين وضمها. هي رقة الجوع وضعفه وهزاله.
(8) قمراء: أي مقمرة.
(9) إضحيان: أي مضيئة، منورة. يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة. وضحياء ويوم أضحيان.
(10) أسمختهم: هكذا في جميع النسخ. وهو جمع سماخ، وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس. يقال: صماخ وسماخ. والصاد أفصح وأشهر. والمراد بأسمختهم، هنا، آذانهم. أي ناموا: قال الله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي أنمناهم.
(11) وامرأتين: هكذا هو في معظم النسخ بالياء. وفي بعضها: وامرأتان، بالألف. والأول منصوب بفعل محذوف. أي ورأيت امرأتين.
(12) فما تناهتا: أي ما انتهتا.
(13) هن مثل الخشبة: الهن والهنة، بتخفيف نونهما، هو كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر. فقال لهما أير مثل الخشبة في الفرج، وأراد بذلك سب إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك.
(14) تولولان: الولولة الدعاء بالويل.
(15) أنفارنا: الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة.
(16) تملأ الفم: أي عظيمة لا شي أقبح منها. كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره. وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها. كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها.(2/447)
الله فقال: «وعليك ورحمة الله» . ثمّ قال: «من أنت؟» قال: قلت: من غفار. قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته. فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده. فقدعني «1» صاحبه.
وكان أعلم به منّي. ثمّ رفع رأسه. ثمّ قال: «متى كنت ههنا؟» قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم. قال: «فمن كان يطعمك؟» قال قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم. فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني. وما أجد على كبدي سخفة جوع. قال: «إنّها مباركة. إنّها طعام طعم» «2» . فقال أبو بكر: يا رسول الله؛ ائذن لي في طعامه اللّيلة.
فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر. وانطلقت معهما.
ففتح أبو بكر بابا. فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف. وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها. ثمّ غبرت ما غبرت «3» . ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه قد وجّهت لي أرض «4» ذات نخل. لا أراها «5» إلّا يثرب»
. فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت.
قال: ما بي رغبة عن دينك. فإنّي قد أسلمت وصدّقت. فأتينا أمّنا. فقالت: ما بي رغبة عن دينكما «7» . فإنّي قد أسلمت وصدّقت. فاحتملنا «8» حتّى أتينا قومنا غفارا. فأسلم نصفهم. وكان يؤمّهم إأيماء «9» بن رحضة الغفاريّ. وكان سيّدهم. وقال نصفهم إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة: فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم «10» . فقالوا: يا رسول الله إخوتنا. نسلم على الّذي أسلموا عليه. فأسلموا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها. وأسلم سالمها الله» ) * «11» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خلق الله عزّ وجلّ آدم على صورته «12» . طوله ستّون ذراعا. فلمّا خلقه قال: اذهب فسلّم على أولئك النّفر. وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك. فإنّها تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك قال: فذهب فقال: السّلام عليكم. فقالوا: السّلام عليك
__________
(1) فقدعني: أي كفّني. يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه.
(2) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.
(3) غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت.
(4) وجهت لي أرض: أي أريت جهتها.
(5) أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها.
(6) يثرب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة. وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب.
(7) ما بي رغبة عن دينكما: أي لا أكرهه؛ بل أدخل فيه.
(8) فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا، وسرنا.
(9) أيماء: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور. وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح.
(10) أسلم قبيلة مجاورة لغفار.
(11) البخاري- الفتح 7 (3861) ، مسلم (2473) واللفظ له.
(12) على صورته: الضمير في صورته عائد إلى آدم. والمراد أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض. وتوفي عليها. وهي طوله ستون ذراعا. ولم ينتقل أطوارا كذريته. وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير.(2/448)
ورحمة الله. قال فزادوه: ورحمة الله. قال: فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم. وطوله ستّون ذراعا.
فلم يزل الخلق ينقص بعده حتّى الآن» ) * «1» .
29-* (عن أمّ هانئ بنت أبي طالب- رضي الله عنها- تقول: ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح.
فوجدته يغتسل. وفاطمة ابنته تستره بثوب. قالت:
فسلّمت، فقال: «من هذه؟» قلت: أمّ هاني بنت أبي طالب. قال: «مرحبا بأمّ هانئ» ، فلمّا فرغ من غسله قام فصلّى ثماني ركعات. ملتحفا في ثوب واحد. فلمّا انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمّي عليّ بن أبي طالب أنّه قاتل رجلا أجرته، فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هاني» قالت أمّ هانئ: وذلك ضحى» ) * «2» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه فأفشوه بينكم؛ فإنّ الرّجل المسلم إذا مرّ بقوم، فسلّم عليهم، فردّوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إيّاهم، فإن لم يردّوا عليه ردّ عليه من هو خير منهم وأطيب» ) * «3» .
31-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا. وقال: «اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام.
تباركت ذا الجلال والإكرام»
قال الوليد: فقلت للأوزاعيّ: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله، أستغفر الله) * «4» .
32-* (عن حنظلة- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فوعظنا فذكر النّار. قال: ثمّ جئت إلى البيت فضاحكت الصّبيان ولا عبت المرأة.
قال: فخرجت فلقيت أبا بكر. فذكرت ذلك له.
فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر. فلقينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة. فقال:
«مه «5» » فحدّثته بالحديث. فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل. فقال: «يا حنظلة! ساعة وساعة. ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذّكر، لصافحتكم الملائكة، حتّى تسلّم عليكم في الطّرق» ) * «6» .
33-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي فيردّ علينا، فلمّا رجعنا من عند النّجاشيّ سلّمنا عليه فلم يردّ علينا، فقلنا: يا رسول الله، إنّا كنّا نسلّم عليك
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3326) ، ومسلم (2841) .
(2) البخاري- الفتح 1 (357) ، مسلم (336) لكنه مؤخر عن موضعه الأول جاء في (1/ 498) واللفظ له.
(3) المنذري في الترغيب (3/ 428427) وقال: رواه البزار والطبراني وأحد إسنادي البزار جيد قوي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 29) واللفظ له: رواه البزار بإسنادين والطبراني بأسانيد وأحدهما رجاله رجال الصحيح عند البزار والطبراني.
(4) مسلم (591) .
(5) مه قال القاضي: معناه الاستفهام. أي ما تقول؟ والهاء هنا هاء السكت. قال: ويحتمل أنها للكف والزجر والتعظيم.
(6) مسلم (2750) .(2/449)
فتردّ علينا، قال: «إنّ في الصّلاة شغلا» . فقلت لإبراهيم: كيف تصنع أنت؟ قال: أردّ في نفسي) * «1» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول: التّحيّة في الصّلاة ونسمّي ويسلّم بعضنا على بعض. فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قولوا: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. فإنّكم إن فعلتم ذلك فقد سلّمتم على كلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض» ) * «2» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا. أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم» ) * «3» .
36-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه مرّ على صبيان فسلّم عليهم وقال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» ) * «4» .
37-* (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، فيصدّ هذا ويصدّ هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» . وذكر سفيان أنّه سمعه منه ثلاث مرّات) * «5» .
38-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه توضّأ في بيته ثمّ خرج، فقال: لألزمنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: خرج وجّه ههنا «6» ، قال:
فخرجت على إثره أسأل عنه حتّى دخل بئر أريس، قال: فجلست عند الباب. وبابها من جريد، حتّى قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجته وتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسّط قفّها «7» وكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر «8» . قال: فسلّمت عليه ثمّ انصرفت فجلست عند الباب. فقلت: لأكوننّ بوّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك «9» ، ثمّ ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . قال:
فأقبلت حتّى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3875) واللفظ له، ومسلم (538) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1202) واللفظ له، ومسلم (402) .
(3) مسلم (54) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6247) واللفظ له. ومسلم (2168) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6237) واللفظ له، ومسلم (2560) .
(6) وجه هاهنا: المشهور في الرواية: وجه، بتشديد الجيم. وضبطه بعضهم بإسكانها. وحكى القاضي الوجهين ونقل الأول عن الجمهور ورجح الثاني لوجود خرج أي قصد هذه الجهة.
(7) وتوسط قفها: القف حافة البئر. وأصله الغليظ المرتفع من الأرض.
(8) ودلاهما في البئر: في هذا دليل للغة الصحيحة أنه يجوز أن يقال: دليت الدلو في البئر ودليت رجلي وغيرها فيه. كما يقال: أدليت، قال الله تعالى: فَأَدْلى دَلْوَهُ.
(9) على رسلك بكسر الراء وفتحها، لغتان. الكسر أشهر. ومعناه تمهل وتأن.(2/450)
صلّى الله عليه وسلّم يبشّرك بالجنّة. قال: فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه في القفّ ودلّى رجليه في البئر كما صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكشف عن ساقيه. ثمّ رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني. فقلت: إن يرد الله بفلان- يريد أخاه- خيرا يأت به. فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطّاب، فقلت على رسلك. ثمّ جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه، وقلت: هذا عمر يستأذن فقال:
«ائذن له وبشّره بالجنّة» فجئت عمر فقلت: أذن ويبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة. قال: فدخل فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القفّ عن يساره ودلّى رجليه في البئر. ثمّ رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا- يعني أخاه- يأت به، فجاء إنسان فحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفّان، فقلت: على رسلك، قال: وجئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة مع بلوى تصيبه» . قال:
فجئت فقلت: ادخل، ويبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة. مع بلوى تصيبك. قال: فدخل فوجد القفّ قد ملأ، فجلس وجاههم «1» من الشّقّ الآخر» .
قال شريك: فقال سعيد بن المسيّب: فأوّلتها قبورهم «2» » ) * «3» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر. وقريش تسألني عن مسراي. فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها «4» . فكربت كربة ما كربت مثله قطّ «5» . قال: فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء.
فإذا موسى قائم يصلّي. فإذا رجل ضرب «6» جعد كأنّه من رجال شنوءة. وإذا عيسى ابن مريم عليه السّلام قائم يصلّي. أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ. وإذا إبراهيم عليه السّلام قائم يصلّي. أشبه النّاس به صاحبكم (يعني نفسه) فحانت الصّلاة فأممتهم. فلمّا فرغت من الصّلاة، قال قائل: يا محمّد! هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه. فالتفتّ إليه فبدأني بالسّلام» ) * «7» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحد يسلّم عليّ إلّا ردّ الله عليّ روحي حتّى أردّ عليه السّلام» ) * «8» .
41-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: مرّ يهوديّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
__________
(1) وجاههم: بكسر الواو وضمها: أي قبالتهم.
(2) فأولتها (قبورهم) : يعني الثلاثة دفنوا في مكان واحد. وعثمان في مكان بائن عنهم. وهذا من باب الفراسة الصادقة.
(3) البخاري- الفتح 13 (9707) ، مسلم (3024) واللفظ له.
(4) لم أثبتها: أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها.
(5) ما كربت مثله قطّ: الضمير في مثله يعود على معنى الكربة، وهو الكرب أو الغمّ الذي يأخذ بالنفس.
(6) رجل ضرب: أي ماض خفيف اللحم.
(7) مسلم (172) واللفظ له، وعند البخاري مقطعا وبألفاظ مختلفة (3394، 3437، 0471) .
(8) أبو داود (2041) واللفظ له، وأحمد في المسند (2/ 527) . وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: حديث حسن (1/ 383) . وقال محقق جامع الأصول (8/ 546) : إسناده حسن.(2/451)
السّام «1» عليك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعليك» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما يقول؟ قال:
السّام عليك» ، قالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: «لا، إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا:
وعليكم» ) * «2» .
42-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بنيّ إذا دخلت على أهلك فسلّم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك» ) *» .
43-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السّلام» . قالت: قلت: وعليه السّلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى. تريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
تابعه شعيب. وقال يونس والنّعمان عن الزّهريّ «وبركاته» ) * «4» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» ) * «5» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يسلّم الصّغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في (إفشاء السلام) معنى
46-* (عن قتادة- رضي الله عنه- قال:
قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: نعم) * «7» .
47-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال:
لمّا جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد جاءكم أهل اليمن، وهم أوّل من جاء بالمصافحة» ) * «8» .
48-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر لهما قبل أن يفترقا» ) * «9» .
49-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: «لا» . قال:
أفيلتزمه ويقبّله؟ قال: «لا» قال: أيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم» ) * «10» .
__________
(1) السام: الموت.
(2) البخاري- الفتح 12 (6926) .
(3) الترمذي (2698) وقال: هذا حديث حسن غريب. قال محقق جامع الأصول (6/ 595) في معرض التعليق على هذا الحديث. قال تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ.
(4) البخاري- الفتح 11 (6249) واللفظ له، ومسلم (2447) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6233) واللفظ له، ومسلم (2160) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6231) واللفظ له، مسلم (2160) .
(7) البخاري الفتح 11 (6263) .
(8) أبو داود (5213) واللفظ له وقال الألباني (3 (979) : صحيح. إلا أن قوله:" وهم أول.." مدرج فيه من قول أنس الروض. النضير (1045) .
(9) أبو داود (5212) واللفظ له وقال الألباني (3/ 979) : صحيح. الصحيحة (525) .
(10) الترمذي (2728) وقال: حديث حسن.(2/452)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (إفشاء السلام)
50-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان. قال:
فسلّم علينا. فبعثني إلى حاجة. فأبطأت على أمّي.
فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنّها سرّ.
قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. قال أنس:
والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك، يا ثابت!) * «1» .
51-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، وهو في قبّة من أدم، فسلّمت فردّ وقال: «ادخل» فقلت:
أكلّي يا رسول الله؟ قال: «كلّك» فدخلت) * «2» .
52-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «3» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا «4» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب، فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل، فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد، فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «5» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «6» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك.
فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه، فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «7» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل
__________
(1) مسلم (2482) .
(2) أبو داود (5000) وقال الألباني (3/ 944) : صحيح. وصححه محقّق «جامع الأصول» (6/ 584) .
(3) الجهد: بفتح الجيم، الجوع والمشقة.
(4) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلّين ليس عندهم شيء يواسون به.
(5) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره. والفعل منه جرعت.
(6) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.
(7) حافلة: الحفل في الأصل الاجتماع. قال في القاموس: الحفل والحفول والحفيل الاجتماع. يقال: حفل الماء واللبن حفلا وحفولا وحفيلا، إذا اجتمع. وكذلك يقال: حفله إذا جمعه. ويقال للضرع المملوء باللبن: ضرع حافل وجمعه حفل ويطلق على الحيوان كثير اللبن، حافلة، بالتأنيث.(2/453)
محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال:
فحلبت فيه حتّى علته رغوة «1» فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله، اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فقلت:
يا رسول الله، اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت «2» أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك «3» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «4» ، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» ، قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك من أصابها من النّاس» ) * «5» .
53-* (عن عمير مولى ابن عبّاس قال:
أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصّمّة الأنصاريّ، فقال أبو الجهيم: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يردّ عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثمّ ردّ عليه السّلام) * «6» .
54-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «7» ، تحته قطيفة «8» فدكيّة «9» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر، حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «10» ، خمّر «11» عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه. ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «12» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ وقف فنزل. فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «13» إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في
__________
(1) رغوة: هي زبد اللبن الذي يعلوه. وهي بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات. ورغاوة بكسر الراء، وحكى ضمها. ورغاية بالضم، وحكي بالكسر. وارتغيت شربت الرغوة.
(2) فلما عرفت ... إلخ: معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكونه أذهب نصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتعرض لأذاه. فلما علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه: سرورا بشرب النبي صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة.
(3) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي.
(4) ما هذه إلا رحمة من الله: أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله.
(5) مسلم (2055) .
(6) البخاري- الفتح 1 (337) واللفظ له، ومسلم (369)
(7) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس.
(8) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف.
(9) فدكية: منسوبة الى فدك. بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة.
(10) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها.
(11) خمر أنفه: أي غطاه.
(12) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار.
(13) لا أحسن من هذا: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: لا أحسن. أي ليس شيء أحسن من هذا. وكذا حكاه القاضي عن جماهير رواة مسلم. قال: وقع للقاضي أبي علي: لأحسن من هذا. قال القاضي: وهو عندي أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك.(2/454)
مجالسنا. وارجع إلى رحلك «1» . فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا. فإنّا نحبّ ذلك. قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود. حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «2» . ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة فقال: «أي سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ) قال كذا وكذا» قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح. فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «3» أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «4» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك»
. فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
55-* (عن غالب، قال: إنّا لجلوس بباب الحسن، إذ جاء رجل فقال: حدّثني أبي، عن جدّي، قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ائته، فأقرئه السّلام، قال: فأتيته فقلت: إنّ أبي يقرئك السّلام، فقال: «عليك وعلى أبيك السّلام» ) * «7» .
56-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حاجة له، فانطلقت، ثمّ رجعت وقد قضيتها، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ، فوقع في قلبي ما الله أعلم به، فقلت في نفسي: لعلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجد عليّ أنّي أبطأت عليه. ثمّ سلّمت عليه فلم يردّ عليّ، فوقع في قلبي أشدّ من المرّة الأولى. ثمّ سلّمت عليه، فردّ عليّ فقال: «إنّما منعني أن أردّ عليك أنّي كنت أصلّي» وكان على راحلته متوجّها إلى غير القبلة) * «8» .
57-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: بني على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطّعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثمّ يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتّى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت: يا نبيّ الله ما أجد أحدا أدعوه، فقال: فارفعوا طعامكم. وبقي ثلاثة رهط يتحدّثون في البيت، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السّلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك، بارك الله لك. فتقرّى «9» حجر نسائه كلّهنّ، يقول
لهنّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدّثون- وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شديد الحياء- فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري
__________
(1) إلى رحلك: أي إلى منزلك.
(2) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم.
(3) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. قال القاضي: وروينا في غير مسلم: البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها، هنا، مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(4) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه.
(5) شرق بذلك: أي غصّ. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) البخاري- الفتح 8 (4566) ، مسلم (1798) واللفظ له.
(7) أبو داود (5231) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 982) : حسن.
(8) البخاري- الفتح 3 (1217) واللفظ له، مسلم (1/ 450) .
(9) فتقرى: فتتبع.(2/455)
أخبرته أو أخبر أنّ القوم خرجوا، فرجع حتّى إذا وضع رجله في أسكفّة «1» الباب داخله وأخرى خارجه أرخى السّتر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب) * «2» .
58-* (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه-: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال:
بينما أنا في الحطيم- وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت، فقدّ- قال أو سمعته يقول: فشقّ- ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود، وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول من قصّه إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثمّ أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثمّ حشي، ثمّ أعيد، ثمّ أتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض- فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتّى أتى السّماء الدّنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل:
ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال:
نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه. فسلّمت عليه، فردّ السّلام ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء.
ففتح. فلمّا خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة.
قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما، فسلّمت، فردّا، ثمّ قالا: مرحبا بالأخ الصّالح، والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي إلى السّماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟
قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل:
وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت إذا يوسف، قال:
هذا يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال:
مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الرّابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟
قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس، فسلّم عليه، فسلّمت عليه فردّ ثمّ قال:
مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟
قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل:
وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت فإذا هارون. قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال:
مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء السّادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟
__________
(1) أسكفة الباب: عتبته.
(2) البخاري الفتح 8 (4793) واللفظ له، مسلم (1428) .(2/456)
قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قال:
مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. فلمّا تجاوزت بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّن يدخلها من أمّتي. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل:
ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال:
نعم. قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء. فلمّا خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه. قال فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار:
نهران باطنان، ونهران ظاهران. فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أمّا الباطنان فنهران في الجنّة، وأمّا الظاهران فالنّيل والفرات. ثمّ رفع لي البيت المعمور.
ثمّ أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللّبن، فقال: هي الفطرة الّتي أنت عليها وأمّتك. ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟
قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله
التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله.
فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت:
أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التخفيف لأمّتك. قال:
سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم.
قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» ) * «1» .
59-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«السّلام عليكم، فردّ عليه السّلام، ثمّ جلس، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عشر» ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة الله، فردّ عليه، فجلس فقال: «عشرون» ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردّ عليه، فجلس، فقال:
«ثلاثون» ) * «2» .
60-* (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له، ومسلم (164) .
(2) أبو داود (5195) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 976) : صحيح، الترمذي (2689) وحسنه. وحسنه محقق جامع الأصول (6/ 602) .(2/457)
قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب، من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: «السّلام عليكم، السّلام عليكم» وذلك أنّ الدّور لم يكن عليها يومئذ ستور» ) * «1» .
61-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا خرج، أقرع بين نسائه.
فطارت القرعة على عائشة وحفصة. فخرجتا معه جميعا. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا كان باللّيل، سار مع عائشة، يتحدّث معها. فقالت حفصة لعائشة: ألّا تركبين اللّيلة بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة. وركبت حفصة على بعير عائشة. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلّم ثمّ سار معها. حتّى نزلوا. فافتقدته عائشة فغارت. فلمّا نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر «2» ، وتقول: يا ربّ! سلّط عليّ عقربا أو حيّة تلدغني. رسولك «3» ولا أستطيع أن أقول له شيئا» ) * «4» .
62-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «5» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب.
وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «6» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «7» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل «8» الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل
__________
(1) أبو داود (5186) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 974) : صحيح، والمشكاة (4673) . وحسّنه محقق جامع الأصول (6/ 584) .
(2) الإذخر: نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البريّة.
(3) رسولك: بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. تقديره هو رسولك ويجوز النصب على تقدير فعل.
(4) مسلم (2445) .
(5) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار مبنية على كسر الراء في الأحوال كلها وهي قرية باليمن.
(6) لم يهبّلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(7) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(8) في البخاري «خفّة هودجي» وهي أنسب للمعنى.(2/458)
السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «1» من وراء الجيش فادّلج «2» فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم.
فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «3» . حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته. فوطيء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «4» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي.
إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» . فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعد ما نقهت «5» وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «6» .
وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل.
وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه «7» . وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا.
فعثرت أمّ مسطح في مرطها «8» . فقالت: تعس مسطح.
فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه «9» أو لم تسمعي ما قال؟ قلت:
وما الّذي قال؟. قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك.
فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم، ثمّ قال: «كيف تيكم؟» . قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟. قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ، فقلت لأمّي: يا أمّتاه، ما يتحدّث النّاس؟. فقالت: يا بنيّة هوّني عليك. فوالله! لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «10» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها «11» . قالت: قلت: سبحان الله، وقد تحدّث النّاس بهذا؟. قالت: فبكيت تلك
__________
(1) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(2) فادّلج: الادّلاج هو السير آخر الليل.
(3) فاستيقظت باسترجاعه: أي انتبهت من نومي بقوله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
(4) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
(5) نقهت بفتح القاف وكسرها، لغتان. والفتح أشهر. والنّاقه هو الذي أفاق من المرض.
(6) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.
(7) التنزه: الخروج لقضاء الحاجة.
(8) في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره.
(9) أي هنتاه: أي يا هذه أو يا امرأة وقيل: يا بلهاء لعدم معرفتها بمكايد الناس.
(10) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(11) كثّرن عليها: أي أكثر القول في عيبها.(2/459)
اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «1» لي دمع ولا أكتحل بنوم «2» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «3» . يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ.
فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت:
فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة:
والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «4» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن»
فتأكله.
قالت فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «6» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «7» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «8» ، حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت:
وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينماهما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.
وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت:
فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا.
فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب
__________
(1) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(2) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(3) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل.
(4) أغمصه: أي أعيبها به، وإن رأيت: معناها ما رأيت.
(5) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(6) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر.
(7) اجتهلته الحمية: أي أغضبته وحملته على الجهل.
(8) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.(2/460)
فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» . قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «1» حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال: فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت:
والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله! لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف:
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت:
ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله عزّ وجلّ فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «3» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «4» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» . فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (24/ النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله عزّ وجلّ هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله عزّ وجلّ:
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر:
والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا.
قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري: «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» . فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلّا خيرا.
__________
(1) قلص دمعي: أي ارتفع لاستعظام ما يعيبني من الكلام.
(2) ما رام: أي ما فارق.
(3) البرحاء: هي الشدة.
(4) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.(2/461)
قالت عائشة: وهي التّي كانت تساميني «1» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «2» فهلكت فيمن هلك» ) * «3» .
63-* (عن سيّار قال: كنت أمشي مع ثابت البنانيّ. فمرّ بصبيان فسلّم عليهم وحدّث ثابت؛ أنّه كان يمشي مع أنس. فمرّ بصبيان فسلّم عليهم وحدّث أنس؛ أنّه كان يمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمرّ بصبيان فسلّم عليهم» ) * «4» .
64-* (عن جابر- رضي الله عنه- لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر قدم جعفر- رضي الله عنه- من الحبشة، تلقّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبّل جبهته ثمّ قال:
«والله ما أدري بأيّهما أنا أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر» ) * «5» .
65-* (عن أسماء ابنة يزيد- رضي الله عنها- قالت: مرّ علينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نسوة فسلّم علينا» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (إفشاء السلام)
1-* (عن الأغرّ أغرّ مزينة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر لي بجزء من ثمر عند رجل من الأنصار، فمطلني به فكلّمت فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اغد معه يا أبا بكر فخذ له ثمره» . فوعدني أبو بكر المسجد إذا صلّينا الصّبح، فوجدته حيث وعدني فانطلقنا فكلّما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلّم عليه فقال أبو بكر: أما ترى ما يصيب القوم عليك من الفضل لا يسبقك إلى السّلام أحد، فكنّا إذا طلع الرّجل بادرناه بالسّلام قبل أن يسلّم علينا» ) * «7» .
2-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه» ) * «8» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«أنّه سمع عمر بن الخطّاب. وسلّم عليه رجل فردّ عليه السّلام. ثمّ سأل عمر الرّجل: كيف أنت؟
فقال أحمد إليك الله، فقال عمر: ذلك الّذي أردت
__________
(1) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(2) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(3) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (277.) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 11 (6247) ، مسلم (2168) واللفظ له.
(5) الحاكم في المستدرك (3/ 211) ، وقال: هذا حديث صحيح، (وفي سنده أجلح بن عبد الله) ، قال فيه ابن حجر: صدوق (انظر التقريب ص 896) . وذكره الهيثمي في المجمع (9/ 272) .
(6) أبو داود (5204) واللفظ له وقال الألباني (3/ 977) : صحيح، وابن ماجة (3701) .
(7) قال الهيثمي (8/ 32، 33) : رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
(8) آداب العشرة للغزي (16) .(2/462)
منك» ) * «1» .
4-* (عن عمرو بن ميمون الأوديّ قال:
«رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال:
يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-، فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال:
ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا، ثمّ قل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي، فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. فقال:
ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «2» .
5-* (أخرج ابن سعد وغيره: أنّ الجنّ رثوا عمر بن الخطّاب بأبيات منها:
عليك السّلام من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزّق» ) * «3» .
6-* (عن تميم بن سلمة: «أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لقي أبا عبيدة بن الجرّاح فصافحه وقبّل عمر يده وتنحّيا يبكيان» ) * «4» .
7-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال: «يجزأ عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلّم أحدهم ويجزأ عن الجلوس أن يردّ أحدهم» ) * «5» .
8-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«إنّي أرى لردّ الجواب حقّا كما أرى لردّ جواب السّلام» ) * «6» .
9-* (عن محمّد بن عمرو بن عطاء: أنّه قال:
«كنت جالسا عند عبد الله بن عبّاس، فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السّلام عليكم ورحمة الله
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 732) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (6/ 606) : إسناده صحيح.
(2) البخاري- الفتح 3 (1392) .
(3) فتح الباري (11/ 7) .
(4) كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي: 2/ 825.
(5) أبو داود (5210) وقال الألباني (3/ 978) : صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 598) أسناده حسن.
(6) آداب العشرة: 42. (والجواب الأولى المقصود فيها جواب الكتاب) .(2/463)
وبركاته، ثمّ زاد بعد ذلك شيئا مع ذلك أيضا. قال ابن عبّاس وهو يومئذ قد ذهب بصره: من هذا؟ قالوا:
هذا اليمانيّ الّذي يغشاك، فعرّفوه إيّاه، فقال ابن عبّاس: إنّ السّلام انتهى إلى البركة» ) * «1» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
«كان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا» ) * «2» .
11-* (عن عامر قال: «كان ابن عمر إذا حيّا ابن جعفر قال: السّلام عليك يا ابن ذي الجناحين» ) * «3» .
12-* (عن الطّفيل بن أبيّ بن كعب أخبر: «أنّه كان يأتي عبد الله بن عمر، فيغدو معه إلى السّوق، قال: فإذا غدونا إلى السّوق، لم يمرّ عبد الله بن عمر على سقّاط «4» ، ولا صاحب بيعة «5» ، ولا مسكين، ولا أحد إلّا سلّم عليه، قال الطّفيل:
فجئت عبد الله بن عمر يوما، فاستتبعني إلى السّوق، فقلت له: وما تصنع في السّوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السّلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السّوق؟ قال وأقول: اجلس بنا ههنا نتحدّث، قال: فقال لي عبد الله بن عمر: يا أبا بطن!:
وكان الطّفيل ذا بطن إنّما نغدو من أجل السّلام، نسلّم على من لقينا» ) * «6» .
13-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-:
«دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام إليّ طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني» ) * «7» .
14-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
«آخر ما ودّعت محمّد بن عليّ فإنّي معه بالبقيع فقال:
أتراك غاديا؟ قلت: نعم، فأخذ بيدي فغمزها وقال:
أستودعك الله، وأقرأ عليك السّلام أتدري ما غمزي بيدي إيّاك؟ هذا قبلة المؤمن أخاه المؤمن» ) * «8» .
15-* (عن أبي أمامة (صديّ بن عجلان) - رضي الله عنه- قال: «من تمام تحيّاتكم المصافحة» ) * «9» .
16-* (عن أبي البختريّ؛ قال جاء الأشعث ابن قيس وجرير بن عبد الله البجليّ إلى سلمان الفارسيّ، فدخلا عليه في حصن في ناحية المدائن، فأتياه فسلّما عليه، وحيّياه ثمّ قالا: أنت سلمان الفارسيّ. قال: نعم. قالا: أنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: لا أدري. فارتابا وقالا:
لعلّه ليس الّذي نريد. قال لهما: أنا صاحبكما الّذي تريدان. إنّي قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجالسته، فإنّما
__________
(1) أخرجه الموطأ (2/ 732) ط 2، دار الحديث 1413 هـ/ 1993 م. واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (6/ 106) : إسناده صحيح.
(2) قال الهيثمي (8/ 36) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
(3) البخاري- الفتح 7 (4264) .
(4) سقاط: بائع السقط. وهو الرديء من المتاع.
(5) بيعة: المرة من البيع، ومن كسر الباء: أراد به: الحرفة والصناعة من البيع؛ فإن الفعلة بكسر الفاء هي الحالة، كالجلسة والركبة.
(6) أخرجه الموطأ (2/ 733) ط 2. دار الحديث 1413 هـ وقال محقق جامع الأصول (6/ 598) إسناده صحيح.
(7) فتح الباري: 11/ 56.
(8) كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي: 2/ 823 مطبعة المدني. ط. أولى 1411 هـ.
(9) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا (177) ، ونقل مثله عن عبد الرحمن بن الأسود.(2/464)
صاحبه من دخل معه الجنّة فما حاجتكما؟ قالا:
جئناك من عند أخ لك بالشّام. فقال: من هو؟ قالا:
أبو الدّرداء. قال: فأين هديّته الّتي أرسل بها معكم.
قالا: ما أرسل معنا هديّة. قال: اتّقيا الله وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلّا جاء معه بهديّة قالا: لا يرفع علينا هذا أنّ لنا أموالا فاحتكم فيها. قال: ما أريد أموالكما ولكنّي أريد الهديّة الّتي بعث بها معكما.
قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلّا أنّه قال لنا: إنّ فيكم رجلا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خلا به لم يبغ أحدا غيره، فإذا أتيتماه فاقرئاه منّي السّلام. قال: فأيّ هديّة كنت أريد منكما غير هذه، وأيّ هديّة أفضل من السّلام تحيّة من عند الله مباركة طيّبة» ) * «1» .
17-* (قال عمّار- رضي الله عنه-: «ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السّلام للعالم، والإنفاق من الإقتار» ) *» .
18-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: «الرّجل يدخل بيته بالسّلام ضامن على الله تعالى أن يدخله الجنّة» ) * «3» .
19-* (عن معاوية بن قرّة عن أبيه؛ قال: «يا بنيّ إذا كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة فقل السّلام عليكم فإنّك شريكهم فيما يغتنمون في ذلك المجلس» ) * «4» .
20-* (عن أبي حازم عن أبيه عن سهل؛ قال: كنّا نفرح يوم الجمعة. قلت لسهل: ولم؟ قال:
كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة- نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السّلق فتطرحه في قدر وتكركر «5» حبّات من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا، ونسلّم عليها، فتقدّمه إلينا فنفرح من أجله، وما كنّا نقيل ولا نتغدّى إلّا بعد الجمعة» ) * «6» .
21-* (عن عبد الله بن أبي موسى؛ قال:
أرسلني مدرك بن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء قال: فأتيتها فإذا هي تصلّي الضّحى، فقلت: أقعد حتّى تفرغ. فقالوا: هيهات. فقلت: لآذنها كيف أستأذنعليها. فقال: قل السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين السّلام على أمّهات المؤمنين أو أزواج النّبيّ صلّى الله عليكم ... فذكر الحديث» ) * «7» .
22-* (قال الحسن البصريّ: «المصافحة تزيد في الودّ» ) * «8» .
23-* (قال ابن هبيرة: «من سلّم على رجل فقد أمنه» ) * «9» .
24-* (قال ابن حجر- رحمه الله-:
__________
(1) قال الهيثمي (8/ 41) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن إبراهيم المسعودي وهو ثقة.
(2) البخاري- الفتح، باب إفشاء السلام من الإسلام: (1/ 103) .
(3) مكارم الأخلاق للخرائطي 2/ 819.
(4) قال الهيثمي (8/ 35) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير بسطام بن مسلم وهو ثقة.
(5) وتكركر حبّات من شعير أي: تطحن.
(6) البخاري- الفتح 11 (6248) .
(7) قال الهيثمي (8/ 44) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(8) المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق (189) .
(9) الآداب الشرعية (1/ 370) .(2/465)
جمعت آداب من رام الجلوس على الطّر ... يق من قول خير الخلق إنسانا
أفش السّلام وأحسن في الكلام ... وشمّت عاطسا وسلاما ردّ إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكفّ أذى ... وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا) * «1» .
25-* (قال بعضهم:
لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من غمّ العداوات
إنّي أحيّي عدوّي حين رؤيته ... لأدفع الشّرّ عنّي بالتّحيّات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنّه قد حشا قلبي مسرّات) * «2» .
من فوائد (إفشاء السلام)
(1) السّلام من أسماء الله تعالى وهو المسلّم لعباده المسلّم على أوليائه.
(2) والجنّة دار السّلام فهي دار السّلامة من الآفات.
(3) والسّلام أمان الله في الأرض وهو تحيّة المؤمنين في الجنّة وتحيّة أهل الإسلام في الدّنيا.
(4) وهو طريق المحبّة والتّعارف بين المسلمين.
(5) في إشاعة السّلام بين المسلمين تنشأ المودّة والمحبّة ويشعر كلّ مسلم بالاطمئنان تجاه الآخرين.
(6) البخل بالسّلام أشدّ من البخل بالمال.
(7) قد يزيل العداوة وينهي الخصومة ويسلّ؟ سخيمة الصّدور.
(8) في المداومة عليه تمييز للمسلمين وكيد لأعداء الدّين.
(9) من حافظ عليه حاز فضل الاتّباع وجزاء الطّاعة.
(10) كلّما زادت كلمات السّلام زادت حسناته.
__________
(1) فتح الباري (11/ 13) .
(2) آداب العشرة للغزي (17) .(2/466)
إقامة الشهادة
أ- الإقامة لغة:
الإقامة مأخوذة من أقام الشّيء أدامه، والشّرع أظهره، والصّلاة أدام فعلها.
ب- والشهادة لغة:
من شهد المجلس يشهده شهودا، حضره واطّلع عليه، وعاينه فهو شاهد، جمعه شهود وشهّد وأشهاد، وشهد عند الحاكم لفلان على فلان بكذا يشهد، أدّى ما عنده من الشّهادة. وشهد على كذا:
أخبره به خبرا قاطعا.
قال ابن فارس: الشّهادة الإخبار بما قد شوهد.
الشهادة اصطلاحا:
الشّهادة: بيان الحقّ، سواء كان عليه أو على غيره، وهي خبر قاطع يختصّ بمعنى يتضمّن ضرر غير المخبر فيخرج الإقرار. وقيل: إقرار مع العلم وثبات اليقين. والإقرار قد ينفكّ عن ذلك. ولذلك أكذب الله الكفّار في قولهم: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) ولمّا كان الخبر الخاصّ مبيّنا للحقّ من
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
20/ 24/ 8
الباطل سمّي شهادة. وسمّي المخبر به شاهدا، فلهذا شبّهت الدّلالة في كمال وضوحها بالشّهادة. وشهد الرّجل على كذا يشهد عليه شهادة: إذا أخبر به قطعا وشهد له بكذا يشهد به شهادة: إذا أدّى ما عنده من الشّهادة. والشّهادة تقام بلفظ الشّهادة. أعني: أشهد بالله، وتكون قسما ومنهم من يقول: إن قال (أشهد) يكون قسما (وإن لم يقل بالله) «1» .
وقال الرّاغب: الشّهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر «2» .
وقال المناويّ: الشّهادة إخبار عن عيان بلفظ أشهد في مجلس القاضي بحقّ لغيره على غيره «3» .
إقامة الشّهادة*: هي الإخبار بحقّ للغير على آخر عن يقين في مجلس الحكم.
قال الجرجانيّ: هي إخبار عن عيان بلفظ الشّهادة في مجلس القاضي بحقّ للغير على آخر، فالإخبارات ثلاثة: إمّا بحقّ للغير على آخر، وهو الشّهادة، أو بحقّ للمخبر على آخر، وهو الدّعوى، أو بالعكس وهو الإقرار «4» .
__________
(1) الكليات للكفوي (527- 528) .
(2) المفردات للراغب (268) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (209) .
* تضم أداء الشهادة، والشهادة في المعاملات.
(4) التعريفات للجرجاني (129) ، لسان العرب (3/ 238- 241) ، (12/ 503) ، المصباح المنير (1/ 348) ، (2/ 180) .(2/467)
لفظ الشهادة:
قال الإمام الفيّوميّ: جرى على ألسنة الأمّة، سلفها وخلفها في أداء الشّهادة أشهد، مقتصرين عليه، دون غيره من الألفاظ الدّالّة على تحقيق الشّيء، نحو أعلم وأتيقّن، وهو موافق لألفاظ الكتاب والسّنّة أيضا فكان كالإجماع على تعيين هذه اللّفظة، دون غيرها، ولا يخلو من معنى التّعبّد، إذ لم ينقل غيره، ولعلّ السّرّ فيه أنّ الشّهادة اسم من المشاهدة، وهي الاطّلاع على الشّيء عيانا، فاشترط في الأداء ما ينبأ عن المشاهدة، وأقرب شيء يدلّ على ذلك ما اشتقّ من اللّفظ، وهو أشهد، بلفظ المضارع، ولا يجوز شهدت؛ لأنّ الماضي موضوع للإخبار عمّا وقع نحو قمت، أي؟ فيما مضى من الزّمان، فلو قال شهدت: احتمل الإخبار عن الماضي، فيكون غير مخبر به في الحال، وعليه قوله تعالى، حكاية عن أولاد يعقوب عليهم السّلام: وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا
(يوسف/ 81) ، لأنّهم شهدوا عند أبيهم أوّلا بسرقته، حين قالوا إنّ ابنك سرق، فلمّا اتّهمهم اعتذروا عن أنفسهم بأنّهم لا صنع لهم في ذلك، وقالوا: وما شهدنا عندك سابقا بقولنا إنّ ابنك سرق، إلّا بما عاينّاه من إخراج الصّواع «1» من رحله، والمضارع موضوع للإخبار في الحال، فإذا قال أشهد، فقد أخبر في الحال، وعليه قوله تعالى: قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) : أي نحن الآن شاهدون بذلك، وأيضا، فقد استعمل أشهد في القسم، نحو (أشهد بالله لقد كان كذا) أي أقسم، فتضمّن لفظ أشهد معنى المشاهدة والقسم والإخبار في الحال، فكأنّ الشّاهد قال: أقسم بالله لقد اطّلعت على ذلك، وأنا الآن أخبر به، وهذه المعاني مفقودة في غيره من الألفاظ، فلهذا اقتصر عليه احتياطا، واتّباعا للمأثور «2» .
الشهيد من أسماء الله تعالى الحسنى:
ذكر ابن القيّم أنّ من أسماء الله: الشّهيد أي الّذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء؛ بل هو مطّلع على كلّ شيء، مشاهد له، عليم بتفاصيله «3» .
الشهيد من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم:
ومن أسماء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الشّاهد والشّهيد، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ (الحج/ 78) وقال أيضا: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة/ 143) ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) .
والشّهادة خبر قاطع؛ كذا في الصّحاح «4» .
__________
(1) الصّواع: المكيال أو الإناء يشرب فيه وبهما فسر قوله تعالى قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ.
(2) المصباح المنير (1/ 124) .
(3) انظر التفسير القيم (190- 195) .
(4) الصحاح للجوهري، مادة «شهد» .(2/468)
وأصلها: المعاينة، وفيه أيضا: الشّهيد الشّاهد ومعنى الاسمين: أنّه صلّى الله عليه وسلّم يشهد على الأمم يوم القيامة بتبليغ الأنبياء رسالات الله إليهم، ويشهد على أمّته بالتّبليغ إليهم ولهم بالإيمان.
أخرج الشّيخان عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يدعى نوح يوم القيامة، فيقال: هل بلّغت؟ فيقول:
نعم. فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم: فيقولون:
ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد وأمّته» . فذلك قوله تعالى:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (البقرة/ 143) والوسط العدل «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإصلاح- الإنصاف- التناصر- العدل والمساواة- القسط- الصدق- الأمانة- الوفاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: شهادة الزور- الكذب- التخاذل- الظلم- نقض العهد] .
__________
(1) الرياض الأنيقة (183) .(2/469)
الآيات الواردة في «إقامة الشهادة»
الشهادة عن تبليغ الرسالة:
1- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1»
2- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) «2»
3- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «3»
4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) «4»
5- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «5»
6- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* (8) «6»
7- إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) «7»
الشهادة في الحقوق المتعلقة بالأموال:
8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ
__________
(1) البقرة: 143 مدنية
(2) النساء: 41 مدنية
(3) الحج: 78 مدنية
(4) الأحزاب: 45 مدنية
(5) الأحقاف: 10 مكية
(6) الفتح: 8 مدنية
(7) المزمل: 15 مكية(2/470)
إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
* وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «1»
9- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «2»
10-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «3»
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «4»
12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «5»
__________
(1) البقرة: 282- 283 مدنية
(2) النساء: 6 مدنية
(3) النساء: 135 مدنية
(4) المائدة: 8 مدنية
(5) المائدة: 106- 108 مدنية(2/471)
13-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) »
الشهادة في الحقوق المتعلقة بالأعراض والأنكحة:
14- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) «2»
15- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25)
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26)
وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) «3»
16- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
__________
(1) المعارج: 19- 35 مكية
(2) النساء: 15 مدنية
(3) يوسف: 23- 28 مكية(2/472)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7)
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8)
وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «1»
17- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «2»
18- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1)
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «3»
الشهادة على الأعمال:
19- الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) «4»
20- حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20)
وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) «5»
__________
(1) النور: 4- 9 مدنية
(2) النور: 23- 25 مدنية
(3) الطلاق: 1- 3 مدنية
(4) يس: 65 مكية
(5) فصلت: 20- 22 مكية(2/473)
الأحاديث الواردة في (إقامة الشهادة)
1-* (عن أبي الأسود قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر- رضي الله عنه- فمرّت جنازة فأثني خيرا، فقال عمر: وجبت. ثمّ مرّ بأخرى فأثني خيرا، فقال عمر وجبت. ثمّ مرّ بالثّالثة فأثني شرّا، فقال: وجبت. فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنّة» . قلنا:
وثلاثة قال: «وثلاثة» . قلنا: واثنان؟ قال: «واثنان» .
ثمّ لم نسأله عن الواحد» ) * «1» .
2-* (عن ربعيّ بن حراش، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: اختلف النّاس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيّان فشهدا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالله لأهلّ الهلال أمس عشيّة. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس أن يفطروا» - زاد خلف في حديثه-: «وأن يغدوا إلى مصلّاهم» ) * «2» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أعمى كانت له أمّ ولد تشتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمّا كانت ذات ليلة جعلت تقع في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتشتمه فأخذ المغول «3» فوضعه في بطنها، واتّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطّخت ما هناك بالدّم. فلمّا أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجمع النّاس فقال:
«أنشد الله رجلا فعل ما فعل، لي عليه حقّ، إلّا قام» فقام الأعمى يتخطّى النّاس، وهو يتزلزل حتّى قعد بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها كانت تشتمك، وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرهم فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمّا كانت البارحة، جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتّكأت عليها حتّى قتلتها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا اشهدوا أنّ دمها هدر» ) * «4» .
4-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة «5» من ماله لابنها، فالتوى بها سنة «6» ، ثمّ بدا له «7» فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2643) .
(2) رواه أبو داود (2339) وقال الألباني (2/ 445) : صحيح.
(3) المغول: شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه.
(4) رواه أبو داود (4361) وقال الألباني (3/ 824) : صحيح.
(5) الموهوبة: هكذا هو في معظم النسخ. وفي بعضها: بعض المواهبة. وكلاهما صحيح، وتقدير الأول بعض الأشياء الموهبة.
(6) فالتوى بها سنة: أي مطلها.
(7) ثم بدا له: أي ظهر له في أمرها ما لم يظهر أولا. والبداء وزان سلام، اسم منه.(2/474)
أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بشير! ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم.
فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا، فقال:
«فلا تشهدني إذا. فإنّي لا أشهد على جور «1» » ) * «2» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يجمع بين الرّجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثمّ يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير إلى أحدهما قدّمه في اللّحد، وقال:
«أنا شهيد على هؤلاء» وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم) * «3» .
6-* (عن عمارة بن خزيمة أنّ عمّه حدّثه- وهو من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابيّ، فاستتبعه إلى منزله ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشي، وأبطأ الأعرابيّ بالفرس، فطفق رجال يعترضون الأعرابيّ يساومونه بالفرس، لا يشعرون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاعه «4» ، فنادى الأعرابيّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلّا بعته. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابيّ، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابيّ: لا، والله ما بعتكه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى قد ابتعته منك» فطفق الأعرابيّ يقول: هلمّ شهيدا. فقال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته، فأقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خزيمة. فقال: «بم تشهد؟» قال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين» ) * «5» .
7-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق «6» ، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «7» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلّفه ألف دينار فقال: ائتنى بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا. قال:
__________
(1) جور: الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور. سواء كان حراما أو مكروها.
(2) رواه مسلم برقم (1623) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1347) .
(4) ابتاعه: أي اشتراه.
(5) رواه أبو داود (3607) وقال الألباني (2/ 688) : صحيح والنسائي 3/ 301، 302. وقال محقق جامع الأصول (10/ 196) : إسناده حسن واللفظ لجامع الأصول.
(6) السّخّاب: كذا بالسين وهي بالصاد أشهر، من الصخب وهو الصياح وشدة الصوت، واختلاطه.
(7) البخاري- الفتح 8 (4838) .(2/475)
فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال:
صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا* يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج «1» موضعها، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بذلك. وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «2» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال لعبد الله بن أبي صعصعة: إنّي أراك تحبّ الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك- أو باديتك- فأذّنت بالصّلاة فارفع صوتك بالنّداء، فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
10-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا. فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التّوراة؟
قالا: نجد في التّوراة إذا شهد أربعة أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما؟» قالا: ذهب سلطاننا، فكرهنا القتل.
فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالشّهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجمهما) * «4» .
11-* (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا
__________
* ضبطت اللفظة بكسر الكاف في فتح الباري والصواب بالفتح. راجع: لسان العرب مادة ركب، وصحيح البخاري ط. البغا.
(1) زجج موضعها: أي سوّاه وأصلحه.
(2) البخاري- الفتح 4 (2291) .
(3) البخاري- الفتح 2 (609) .
(4) رواه أبو داود (4452) وقال الألباني (3/ 843) : صحيح شاهده (3625) .(2/476)
أبا اليسر «1» ، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومعه غلام له معه ضمامة من صحف «2» وعلى أبي اليسر بردة «3» ومعافريّ «4» ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ، فقال له أبي: يا عمّ، إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «5» .
قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال.
فأتيت أهله فسلّمت. فقلت: ثمّ هو؟ قالوا:
لا. فخرج عليّ ابن له جفر»
فقلت له: أين أبوك؟
قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي «7» . فقلت:
اخرج إليّ. فقد علمت أين أنت، فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله أحدّثك.
ثمّ لا أكذبك، خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكنت والله معسرا. قال: قلت: آلله! قال: آلله «8» !. قلت:
آلله! قال: آلله. قلت: آلله! قال: آلله. قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ. فأشهد، بصر عينيّ هاتين «9» (ووضع إصبعيه على عينيه) ، وسمع أذنيّ هاتين «10» ، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه «11» ) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظلّه الله في ظلّه» ) * «12» .
12-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام حنين. فلمّا التقينا
__________
(1) أبا اليسر: اسمه كعب بن عمرو، شهد العقبة وبدرا، وهو ابن عشرين سنة وهو آخر من توفي من أهل بدر رضي الله عنهم. توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين.
(2) ضمامة من صحف: بكسر الضاد المعجمة أي رزمة يضم بعضها إلى بعض، هكذا وقع في جميع نسخ مسلم ضمامة وكذا نقله القاضي وقال بعض شيوخنا: صوابه إضمامة بكسر الهمزة قبل الضاد، قال القاضي: ولا يبعد عندي صحة ما جاءت به الرواية هنا. كما قالوا: ضبارة وإضبارة لجماعة الكتب، وهي لفافة يلف فيها الشيء. هذا كلام القاضي. وذكر صاحب نهاية الغريب أن الضمامة لغة في الإضمامة. والمشهور في اللغة إضمامة بالألف.
(3) بردة: البردة شملة مخططة. وقيل: كساء مربع فيه صغر يلبسه الأعراب. وجمعه برد.
(4) ومعافري: نوع من الثياب يعمل بقرية اسمها معافر بفتح الميم وضمها. وقيل: هي نسبة إلى قبيلة نزلت تلك القرية. والميم فيه زائدة.
(5) سفعة من غضب: هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان. أي علامة وتغير.
(6) جفر: الجفر هو الذي قارب البلوغ. وقيل: هو الذي قوي على الأكل. وقيل: ابن خمس سنين.
(7) أريكة أمي: قال ثعلب: هي السرير الذي في الحجلة، ولا يكون السرير المفرد، وقال الأزهري: كل ما اتكأت عليه فهو أريكة.
(8) قلت: آلله. قال: الله: الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام. والثاني بلا مد، والهاء فيهما مكسورة، هذا هو المشهور. قال القاضي: رويناه بكسرها وفتحها معا. قال: وأكثر أهل العربية لا يجيزون غير كسرها.
(9) بصر عيني هاتين: هو بفتح الصاد ورفع الراء هذه رواية الأكثرين، ورواه جماعة بضم الصاد وفتح الراء، عيناي هاتان. وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى.
(10) سمع أذني هاتين: بإسكان الميم ورفع العين. هذه رواية الأكثرين، ورواه جماعة سمع بكسر الميم، أذناي هاتان وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى.
(11) مناط قلبه: هو بفتح الميم، وفي بعض النسخ المعتمدة نياط بكسر النون، ومعناهما واحد، وهو عرق معلق بالقلب.
(12) مسلم (3006) .(2/477)
كانت للمسلمين جولة «1» قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين «2» . فاستدرت إليه حتّى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه «3» . وأقبل عليّ فضمّني ضمّة وجدت منها ريح الموت «4» ، ثمّ أدركه الموت فأرسلني. فلحقت عمر بن الخطّاب فقال: ما للنّاس؟ فقلت: أمر الله. ثمّ إنّ النّاس رجعوا. وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة «5» فله سلبه «6» » قال: فقمت، فقلت:
من يشهد لي «7» ؟ ثمّ جلست. ثمّ قال مثل ذلك.
فقال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثمّ جلست.
ثمّ قال ذلك الثّالثة فقمت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك يا أبا قتادة» ؟ فقصصت عليه القصّة، فقال: رجل من القوم: صدق يا رسول الله! سلب ذلك القتيل عندي. فأرضه من حقّه، وقال أبو بكر الصّدّيق: لاها الله إذا «8» لا يعمد «9» إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيعطيك سلبه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدق «10» فأعطه إيّاه» فأعطاني، قال: فبعت الدّرع فابتعت به مخرفا «11» في بني سلمة. فإنّه لأوّل مال تأثّلته «12» في الإسلام. وفي حديث اللّيث فقال أبو بكر الصّدّيق: كلّا، لا يعطيه
__________
(1) جولة: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها. وهذا إنما كان في بعض الجيش. وأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطائفة معه فلم يولوا.
(2) قد علا رجلا من المسلمين: يعني ظهر عليه وأشرف على قتله، وأصرعه وجلس عليه لقتله.
(3) على حبل عاتقه: هو ما بين العنق والكتف.
(4) وجدت منها ريح الموت: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت. ويحتمل قاربت الموت.
(5) له عليه بينة: أي بينة على قتله أي شاهد ولو واحدا.
(6) فله سلبه: هو ما على القتيل ومعه ثياب وسلاح ومركب وجنيب يقاد بين يديه.
(7) من يشهد لي: أي بأني قتلت رجلا من المشركين فيكون سلبه لي.
(8) لاها الله إذا: هكذا هو في جميع روايات المحدثين في الصحيحين وغيرهما: لاها الله إذا بالألف. وأنكر الخطابي هذا وأهل العربية. وقالوا: هو تغيير من الرواة. وصوابه: لاها الله ذا بغير ألف في أوله. وقالوا: وهو بمعنى الواو التي يقسم بها. فكأنه قال: لا والله ذا، قال أبو عثمان المازري رضي الله عنه: معناه لاها الله ذا يميني أو ذا قسمي. وقال أبو زيد: ذا زائدة، وفيها لغتان: المد والقصر. قالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو. قالوا: ولا يجوز الجمع بينهما. فلا يقال: لاها والله. وفي هذا الحديث دليل على أن هذه اللفظة تكون يمينا. اهـ. كلام الإمام النووي رضي الله تعالى عنه. وانظر في نقض ذلك كله، مع التحقيق الدقيق، الوافي الشافي، كلمة أستاذ الدنيا في علم الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني في عصره، فتح الباري، ج 8 ص 30 طبعة بولاق.
(9) لا يعمد: الضمير عائد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. أي لا يقصد عليه السلام إلى إبطال حق أسد من أسود الله يقاتل في سبيله، وهو أبو قتادة بإعطاء سلبه إياك.
(10) صدق: أي أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-.
(11) مخرفا: بفتح الميم والراء وهذا هو المشهور. وقال القاضي: رويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد والمسكن، بكسر الكاف. والمراد بالمخرف هنا: البستان. وقيل: السكة من النخل تكون صفين يخرف من أيها شاء، أي يجتني. وقال ابن وهب: هي الجنينة الصغيرة، وقال غيره: هي نخلات يسيرة. وأما المخرف، بكسر الميم وفتح الراء فهو الوعاء الذي يجعل فيه ما يجتنى من الثمار، ويقال: اخترف الثمر، إذا جناه، وهو ثمر مخروف.
(12) تأثلته: أي اقتنيته وتأصلته، وأثلة الشيء أصله.(2/478)
أضيبع من قريش ويدع أسدا من أسد الله. وفي حديث اللّيث: لأوّل مال تأثّلته) * «1» .
13-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إنّه قائل «2» ، فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟
قلت: نعم. قال: ادخل. فوالله! ما جاء بك هذه السّاعة، إلّا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة متوسّد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلان، قال: يا رسول الله! أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم. وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يحبه، فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره، وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما) * «3» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأقبل أعرابيّ، فلمّا دنا منه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين تريد؟» قال:
إلى أهلي، قال: «هل لك في خير؟» قال: وما هو؟
قال: «تشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» قال: ومن يشهد على ما تقول؟
قال: «هذه السّلمة» «4» فدعاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي بشاطيء الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه، فأشهدها فشهدت ثلاثا أنّه كما قال، ثمّ رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابيّ إلى قومه. وقال: إن اتّبعوني أتيتك بهم، وإلّا رجعت مكثت معك) * «5» .
15-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- يقول: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» ، ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3142) ومسلم برقم (1751) واللفظ له. والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح.
(2) من القيلولة.
(3) مسلم برقم (1493) واللفظ له وللبخاري نحوه 9 (5308) من حديث سهل بن سعد الساعدي.
(4) السّلمة- محركة- شجر ليس له خشب وإن عظم وله شوك دقاق وورقها القرظ الذي يدبغ به الأديم.
(5) الدارمي (16) وقال محققه: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح وأبو يعلى والبزار.(2/479)
شرّا. فقال: «وجبت» . فقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: ما وجبت؟. قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنّة، وهذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النّار، أنتم شهداء الله في الأرض» ) * «1»
16-* (عن أبي وائل قال: قال عبد الله- رضي الله عنه-: من حلف على يمين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، ثمّ أنزل الله تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا- فقرأ إلى- عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران/ 77) . ثمّ إنّ الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قال: فحدّثناه، قال: فقال:
صدق، لفيّ نزلت، كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«شاهداك أو يمينه» ، قلت: إنّه إذن يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ، ثمّ أنزل الله تصديق ذلك، ثمّ اقترأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ) * «2» .
17-* (عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل- أو ذوي عدل- ولا يكتم ولا يغيّب، فإن وجد صاحبها فليردّها عليه، وإلّا فهو مال الله- عزّ وجلّ- يؤتيه من يشاء» ) * «3» .
18-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: نسخت الصّحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بها، فلم أجدها إلّا مع خزيمة بن ثابت الأنصاريّ الّذي جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته شهادة رجلين، وهو قوله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) » ) * «4» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه أقبل يريد الإسلام- ومعه غلامه- ضلّ كلّ واحد منهما من صاحبه، فأقبل بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك» ، فقال: أما إنّي أشهدك أنّه حرّ. قال فهو حين يقول:
يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنّها من دارة الكفر نجّت) *
«5» .
20-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ سعد بن عبادة- رضي الله عنه- توفّيت أمّه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إنّ أمّي توفّيت، وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدّقت به عنها؟ قال:
«نعم» . قال: فإنّي أشهدك أنّ حائطي «6» صدقة
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1367) . وراجع الحديث رقم (1) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2515، 2516) ومسلم برقم (138) .
(3) أبو داود (1709) وقال الألباني (1/ 321) : صحيح، وابن ماجه (20) وأحمد (4/ 162) . وصححه أيضا محقّق «جامع الأصول» (10/ 708) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2807) . وراجع الحديث رقم (7) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2530) .
(6) الحائط: البستان.(2/480)
عليها» ) * «1» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟
قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا:
لا. قال: «فوالّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال:
«فيلقى العبد فيقول: أي فل «2» ألم أكرمك، وأسوّدك»
، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «4» وتربع «5» ؟ فيقول: بلى. قال:
فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول:
فإنّي أنساك كما نسيتني «6» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول:
أي فل، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى أي ربّ. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول:
لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربّ! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقول ههنا إذا «7» قال: ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه.
ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر «8» من نفسه.
وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «9» .
22-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح وأمّته، فيقول الله تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم أي ربّ. فيقول لأمّته هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ وهو قوله جلّ ذكره (البقرة/ 143) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» ) *. والوسط العدل «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2756) .
(2) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي.
(3) أسودك: أي أجعلك سيدا على غيرك.
(4) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم.
(5) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها يقال: ربعتهم أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه: ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قوله: اربع على نفسك، أي ارفق بها.
(6) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي.
(7) هاهنا إذا: معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت مفكرا.
(8) ليعذر: من الإعذار، والمعنى ليزيل الله عذره من لدن نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.
(9) مسلم برقم (2968) .
(10) البخاري- الفتح 6 (3339) .(2/481)
الأحاديث الواردة في (إقامة الشهادة) معنى
23-* (عن عقبة بن الحارث أنّه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والّتي تزوّج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنّك أرضعتني، ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل أبي إهاب يسألهم فقالوا: ما علمناها أرضعت صاحبتنا. فركب إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فسأله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كيف وقد قيل» ففارقها، ونكحت زوجا غيره» ) * «1» .
24-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: تراءى النّاس الهلال، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه» ) * «2» .
من الآثار الواردة في (إقامة الشهادة)
1-* (عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر ابن الخطّاب النّاس في ملاص المرأة «3» قال المغيرة بن شعبة: شهدت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قضى فيه بغرّة: عبد أو أمة.
قال فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك. قال: فشهد له محمّد بن مسلمة» ) * «4» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
لمّا ولي عمر بن الخطّاب، خطب النّاس، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذن لنا في المتعة ثلاثا، ثمّ حرّمها. والله لا أعلم أحدا يتمتّع وهو محصن إلّا رجمته بالحجارة.
إلّا أن يأتيني بأربعة يشهدون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحلّها بعد إذ حرّمها» ) * «5» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: شهد عندي رجال مرضيّون- وأرضاهم عندي عمر- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصّلاة بعد الصّبح، حتّى تشرق الشّمس وبعد العصر حتّى تغرب» ) * «6» .
4-* (عن حصين بن المنذر أبي ساسان.
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2640) .
(2) أبو داود (2342) وقال الألباني (2/ 446) : صحيح.
(3) في ملاص المرأة: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ملاص وهو جنين المرأة، والمعروف في اللغة إملاص المرأة قال أهل اللغة: يقال: أملصت به وأزلقت به وأمهلت به وأخطأت به، كله بمعنى. وهو إذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص ملصا وأملصته أنا. قال القاضي: قد جاء ملص الشيء إذا أفلت، فإن أريد به الجنين صح ملاص مثل لزم لزاما.
(4) مسلم برقم (1689) ج 3/ 1311.
(5) ابن ماجرقم (1963) في الزوائد في إسناده أبو بكر بن حفص. اسمه إسماعيل الإبائي. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كتب عنه وعن أبيه، وكان أبوه يكذب، قلت: لا بأس به. قال ابن أبي حاتم: وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن نمير وغيرهم. وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك.
(6) رواه البخاري. انظر الفتح 2 (581) .(2/482)
قال: شهدت عثمان بن عفّان وأتي بالوليد «1» قد صلّى الصّبح ركعتين. ثمّ قال أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان:- أحدهما حمران- أنّه شرب الخمر. وشهد آخر أنّه رآه يتقيّأ. فقال: عثمان: إنّه لم يتقيّأ حتّى شربها. فقال: يا عليّ قم فاجلده. فقال عليّ: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها «2» فكأنّه وجد عليه «3» فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. وعليّ يعدّ. حتّى بلغ أربعين.
فقال: أمسك، ثمّ قال: جلد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أربعين. وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكلّ سنّة، وهذا أحبّ إليّ» ) * «4» .
5-* (عن سفيان قال: سمعت عمرا قال:
كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدّثهما بجالة سنة سبعين- عام حجّ مصعب بن الزّبير بأهل البصرة- عند درج زمزم قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمّ الأحنف، فأتانا كتاب عمر ابن الخطّاب قبل موته بسنة: فرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس.
حتّى شهد عبد الرّحمن بن عوف أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر» ) * «5» .
6-* (عن جابر قال: سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان قوت كلّ رجل منّا في كلّ يوم تمرة فكان يمصّها، ثمّ يصرّها في ثوبه، وكنّا نختبط بقسيّنا «6» ونأكل. حتّى قرحت أشداقنا «7» فأقسم أخطئها «8» رجل منّا يوما، فانطلقنا به ننعشه «9» فشهدنا أنّه لم يعطها، فأعطيها، فقام فأخذها» ) * «10» .
__________
(1) شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد: أي حضرت عنده بالمدينة وهو خليفة. والوليد هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي أنزل فيه: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أتي به من الكوفة. كان واليا عليها، وكان شاربا سيء المسيرة صلى بالناس الصبح أربعا وهو سكران، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ قال أهل الصف الأول: ما زلنا في زيادة منذ وليتنا وما تزيدنا؟ لا زادك الله من الخير! وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد، فشاع ذلك في الكوفة، وجرى من الأحوال ما اضطر سيدنا عثمان إلى استحضاره.
(2) ولّ حارها من تولى قارها: الحار الشديد المكروه والقار البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب قال الأصمعي وغيره: معناه ولّ شدّتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذّاتها. والضمير عائد إلى الخلافة والولاية. أي كما أن عثمان وأقاربه تولوا هنيء الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها ومعناه ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصته الأقربين.
(3) وجد عليه: أي غضب عليه.
(4) مسلم برقم (1707) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3156، 3157) .
(6) كنا نختبط بقسينا: معنى نختبط نضرب الشجر ليتحات ورقه فنأكله. والقسي جمع قوس.
(7) حتى قرحت أشداقنا: أي تجرحت من خشونة الورق وحرارته.
(8) فأقسم أخطئها: معنى أقسم أحلف. وقوله أخطئها أي فاتته. ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم، فيعطي كل إنسان تمرة كل يوم فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانا فلم يعطه تمرته، وظن أنه أعطاه، فتنازعا في ذلك وشهدنا له أنه لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة.
(9) ننعشه: أي نرفعه ونقيمه من شدة الضعف والجهد، وقال القاضي: الأشبه عندي أن معناه نشد جانبه في دعواه ونشهد له.
(10) مسلم برقم (3011) .(2/483)
7-* (عن حسين بن الحارث الجدليّ- من جديلة قيس- أنّ أمير مكّة خطب، ثمّ قال: عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن ننسك للرّؤية، فإن لم نره، وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكّة؟ قال: لا أدري ثمّ لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب، أخو محمّد بن حاطب، ثمّ قال الأمير: إنّ فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منّي، وشهد هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأومأ بيده إلى رجل. قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي:
من هذا الّذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق، وكان أعلم بالله منه. فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
8-* (قال شريح القاضي، وسأله إنسان الشّهادة، فقال: ائت الأمير حتّى أشهد لك. وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: لو رأيت رجلا على حدّ- زنا أو سرقة- وأنت أمير، فقال:
شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: صدقت.
وقال عمر: لولا أن يقول النّاس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرّجم بيدي، وأقرّ ماعز عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالزّنا أربعا فأمر برجمه، ولم يذكر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشهد من حضره، وقال حمّاد: إذا أقرّ مرّة عند الحاكم رجم، وقال: الحكم أربعا» ) * «2» .
من فوائد (إقامة الشهادة)
1- إقامة الشّهادة مرضاة للرّبّ ومسخطة للشّيطان.
2- إقامة للعدل ودفع للظّلم.
3- تعين على أداء الحقوق إلى أهلها.
4- كتم الشّهّادة إثم عظيم وشرّ مستطير.
5- العدل مبنيّ على إقامة الشّهادة بالحقّ، وبالعدل تقوى الأمم.
6- شهادة الحقّ مطلوبة في كلّ المعاملات والعبادات والعلاقات.
7- المسلم الّذي يؤدّي الشّهادة على وجهها يطمئنّ قلبه ويرضي ربّه.
8- إقامة الشّهادة علامة الجرأة ودليل القوّة في الدّين.
9- إقامة الشّهادة لله من ثمار اليقين.
10- طاعة لأوامر الله سبحانه.
__________
(1) رواه أبو داود (2338) وقال الألباني (2/ 445) : صحيح.
(2) فتح الباري (13/ 169، 170) بتصرف.(2/484)
أكل الطيبات
أكل الطيبات لغة:
الأكل معروف وهو ما يطعمه الإنسان من صنوف الأغذية وغيرها.
والطّيّب خلاف الخبيث، قال ابن سيدة:
طاب الشّيء طيبا وطابا: لذّ وزكا. وطاب الشّيء أيضا يطيب طيبا وطيبة وتطيابا، وطعام طيّب للّذي يستلذّ الآكل طعمه.
وقد تكرّر في الحديث ذكر الطّيّب والطّيّبات، وأكثر ما يرد بمعنى الحلال. ويقال أرض طيّبة للّتي تصلح للنّبات، وريح طيّبة إذا كانت ليست بشديدة، وطعمة طيّبة إذا كانت حلالا، وامرأة طيّبة إذا كانت حصانا «1» عفيفة، ومنه قوله تعالى: الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ (النور/ 26) وكلمة طيّبة إذا لم يكن فيها مكروه، والكلمة الطّيّبة: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله. وليلة طيّبة أي آمنة كثيرة الخير، ومنه قوله تعالى بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ/ 15) «2» .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الطّيّب: ما أفتاك قلبك أن ليس فيه جناح، وقيل: الطّيّب ما يستلذّ من المباح. وقيل:
الطّيّب ما لا يعصى الله في كسبه ولا يتأذّى حيوان
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
17/ 9/ 8
بفعله.
وقال الرّاغب: «وأصل الطّيّب ما تستلذّه الحواسّ وما تستلذّه النّفس، والطّعام الطّيّب في الشّرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز ومن المكان الّذي يجوز» «3» .
الطيب من كل شيء مختار الله:
قال ابن القيّم رحمه الله: «اختار الله- سبحانه وتعالى- من كلّ جنس من أجناس المخلوقات أطيبه، واختصّه لنفسه وارتضاه دون غيره، فإنّه تعالى طيّب لا يحبّ إلّا الطّيّب، ولا يقبل من العمل والكلام والصّدقة إلّا الطّيّب، فالطّيّب من كلّ شيء هو مختاره تعالى.
من سمات الطيبين أكل الطيبات:
وأمّا خلقه تعالى، فعامّ للنّوعين، وبهذا يعلم عنوان سعادة العبد وشقاوته، فإنّ الطّيّب لا يناسبه إلّا الطّيّب، ولا يرضى إلّا به، ولا يسكن إلّا إليه، ولا يطمئن قلبه إلّا به. فله من الكلام الكلم الطّيّب الّذي لا يصعد إلى الله- تعالى- إلّا هو، وهو أشدّ شيء نفرة «4» عن الفحش في المقال، والتّفحّش في اللّسان والبذاء «5» ، والكذب والغيبة،
__________
(1) حصان: هي المرأة العفيفة وجمعها حصن.
(2) لسان العرب (1/ 563) .
(3) الكليات للكفوي (2/ 252) ، والمفردات للراغب (38) .
(4) النّفرة مصدر النفور ومعناها هنا الابتعاد.
(5) البذاء: الفحش في القول.(2/485)
والنّميمة والبهت «1» ، وقول الزّور، وكلّ كلام خبيث.
وكذلك لا يألف من الأعمال إلّا أطيبها، وهي الأعمال الّتي اجتمعت على حسنها الفطر السّليمة مع الشّرائع النّبويّة، وزكّتها العقول الصّحيحة، فاتّفق على حسنها الشّرع والعقل والفطرة، مثل أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبّب إليه جهده وطاقته، ويحسن إلى خلقه ما استطاع، فيفعل بهم ما يحبّ أن يفعلوا به، ويعاملوه به، ويدعهم ممّا يحبّ أن يدعوه منه، وينصحهم بما ينصح به نفسه، ويحكم لهم بما يحبّ أن يحكم له به، ويحمل أذاهم ولا يحمّلهم أذاه، ويكفّ عن أعراضهم، ولا يقابلهم بما نالوا من
عرضه، وإذا رأى لهم حسنا أذاعه، وإذا رأى لهم سيّئا كتمه، ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما لا يبطل شريعة، ولا يناقض لله أمرا ولا نهيا.
وله أيضا من الأخلاق أطيبها وأزكاها، كالحلم، والوقار، والسّكينة، والرّحمة، والصّبر، والوفاء، وسهولة الجانب، ولين العريكة»
، والصّدق، وسلامة الصّدر من الغلّ والغشّ والحقد والحسد، والتّواضع، وخفض الجناح لأهل الإيمان، والعزّة والغلظة على أعداء الله، وصيانة الوجه عن بذله وتذلّله لغير الله، والعفّة، والشّجاعة، والسّخاء، والمروءة، وكلّ خلق اتّفقت على حسنه الشّرائع والفطر والعقول.
وكذلك لا يختار من المطاعم إلّا أطيبها، وهو الحلال الهنيء المريء الّذي يغذّي البدن والرّوح أحسن تغذية، مع سلامة العبد من تبعته.
وكذلك لا يختار من المناكح إلّا أطيبها وأزكاها، ومن الرّائحة إلّا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعشراء إلّا الطّيّبين منهم، فروحه طيّب، وبدنه طيّب، وخلقه طيّب، وعمله طيّب، وكلامه طيّب، ومطعمه طيّب، ومشربه طيّب، وملبسه طيّب، ومنكحه طيّب، ومدخله طيّب، ومخرجه طيّب، ومنقلبه طيّب، ومثواه «3» كلّه طيّب. فهذا ممّن قال الله تعالى فيه: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل/ 32) ومن الّذين يقول لهم خزنة الجنّة:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (الزمر/ 73) وهذه الفاء تقتضي السّببيّة، أي: بسبب طيبكم ادخلوها. وقال تعالى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ (النور/ 26) وقد فسّرت الآية بأنّ الكلمات الخبيثات للخبيثين، والكلمات الطّيّبات للطّيّبين، وفسّرت بأنّ النّساء الطّيّبات للرّجال الطّيّبين، والنّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين. وهي تعمّ ذلك وغيره، فالكلمات، والأعمال، والنّساء الطّيّبات لمناسبها من الطّيّبين، والكلمات، والأعمال، والنّساء الخبيثات لمناسبها من الخبيثين، فالله- سبحانه وتعالى- جعل الطّيّب
__________
(1) البهت: من بهت الرجل يبهته إذا قال عليه ما لم يفعله.
(2) العريكة: الطبيعة. وليّن العريكة: أي سلس..
(3) مثواه: المثوى المنزل.(2/486)
بحذافيره في الجنّة، وجعل الخبيث بحذافيره في النّار، فجعل الدّور ثلاثة: دارا أخلصت للطّيّبين، وهي حرام على غير الطّيّبين، وقد جمعت كلّ طيّب وهي الجنّة، ودارا أخلصت للخبيث والخبائث، ولا يدخلها إلّا الخبيثون وهي النّار، ودارا امتزج فيها الطّيّب والخبيث وخلط بينهما، وهي هذه الدّار، ولهذا وقع الابتلاء والمحنة بسبب هذا الامتزاج والاختلاط، وذلك بموجب الحكمة الإلهيّة، فإذا كان يوم معاد الخليقة، ميّز الله الخبيث منالطّيّب، فجعل الطّيّب وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، وجعل الخبيث وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، فعاد الأمر إلى دارين فقط: الجنّة وهي دار الطّيّبين، والنّار، وهي دار الخبيثين، وأنشأ الله تعالى من أعمال الفريقين ثوابهم وعقابهم فجعل طيّبات أقوال هؤلاء وأعمالهم وأخلاقهم هي عين نعيمهم ولذّاتهم، أنشأ لهم منها أكمل أسباب النّعيم والسّرور، وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم، فأنشأ لهم منها أعظم أسباب العقاب والآلام، حكمة بالغة، وعزّة باهرة قاهرة، ليري عباده كمال ربوبيّته، وكمال حكمته وعلمه وعدله ورحمته، وليعلم أعداؤه أنّهم كانوا هم المفترين الكذّابين، لا رسله البررة الصّادقون. قال الله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (النحل/ 38- 39)
والمقصود أنّ الله- سبحانه وتعالى- جعل للسّعادة والشّقاوة عنوانا يعرفان به، فالسّعيد الطّيّب لا يليق به إلّا طيّب، ولا يأتي إلّا طيّبا ولا يصدر منه إلّا طيّب، ولا يلابس إلّا طيّبا، والشّقيّ الخبيث لا يليق به إلّا الخبيث، ولا يأتي إلّا خبيثا، ولا يصدر منه إلّا الخبيث، فالخبيث يتفجّر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه، والطّيّب يتفجّر من قلبه الطّيب على لسانه وجوارحه. وقد يكون في الشّخص مادّتان، فأيّهما غلب عليه كان من أهلها فإن أراد الله به خيرا طهّره من المادّة الخبيثة قبل الموافاة. فيوافيه يوم القيامة مطهّرا، فلا يحتاج إلى تطهيره بالنّار، فيطّهّر منها بما يوفّقه له من التّوبة النّصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفّرة، حتّى يلقى الله وما عليه خطيئة، ويمسك عن الآخر موادّ التّطهير، فيلقاه يوم القيامة بمادّة خبيثة، ومادّة طيّبة وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في داره بخبائثه، فيدخله النّار طهرة له وتصفية وسبكا، فإذا خلصت سبيكة إيمانه من الخبث، صلح حينئذ لجواره، ومساكنة الطّيّبين من عباده. وإقامة هذا النّوع من النّاس في النّار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها، فأسرعهم زوالا وتطهيرا أسرعهم خروجا، وأبطؤهم أبطؤهم خروجا، جزاء وفاقا، وما ربّك بظلّام للعبيد. ولمّا كان المشرك خبيث العنصر، خبيث الذّات، لم تطهّر النّار خبثه، بل لو خرج منها لعاد خبيثا كما كان كالكلب إذا دخل البحر، ثمّ خرج منه، فلذلك حرّم- الله تعالى- على المشرك الجنّة. ولمّا كان المؤمن الطّيّب المطيّب مبرّءا من(2/487)
الخبائث، كانت النّار حراما عليه؛ إذ ليس فيه ما يقتضي تطهيره بها، فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب، وشهدت فطر عباده وعقولهم بأنّه أحكم الحاكمين، وربّ العالمين، لا إله إلّا هو «1» .
الفرق بين الطيب والحلال:
قال الكفويّ:
الحلال: ما أفتاك المفتي أنّه حلال.
والطّيّب: ما أفتاك قلبك أن ليس فيه جناح.
وقيل: الحلال: مالا يعصى الله فيه، والطّيّب ما يستلذّ من المباح «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الصلاح- الطاعة- القناعة- مجاهدة النفس- محاسبة النفس المراقبة- العفة- النزاهة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الحرام- اتباع الهوى- التطفيف- الربا- الغلول- السرقة الغش] .
__________
(1) انظر زاد المعاد (1/ 65- 68) .
(2) الكليات للكفوي (2/ 253) . وقد ذكر فى موضع آخر (3/ 162) أن الطيب قد يستعمل ويراد به الطاهر والحلال والمستلذ مما يعني أن هناك ترادفا جزئيا بين هذه الألفاظ الثلاثة.(2/488)
الآيات الواردة في «أكل الطيبات»
لا بد أن يكون المأكل طيبا:
1- وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) «1»
2- يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) «3»
4- وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) «4»
5- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) «5»
6- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «6»
لا بد أن يكون الإنفاق من الطيب:
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «7»
الطيب هو ما أحله الله وساقه:
8- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ
__________
(1) البقرة: 57 مدنية
(2) البقرة: 168 مدنية
(3) البقرة: 172 مدنية
(4) الأعراف: 159- 160 مكية
(5) طه: 80- 81 مكية
(6) المؤمنون: 51 مكية
(7) البقرة: 267 مدنية(2/489)
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «1»
9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) «2»
10- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) «3»
11- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4»
12- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «5»
13- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «6»
14- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) «7»
15-* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «8»
16- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) «9»
17- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) «10»
__________
(1) المائدة: 4- 5 مدنية
(2) المائدة: 87 مدنية
(3) الأعراف: 32 مكية
(4) الأعراف: 157 مكية
(5) الأنفال: 26 مدنية
(6) يونس: 93 مكية
(7) النحل: 72 مكية
(8) الإسراء: 70 مكية
(9) غافر: 64 مكية
(10) الجاثية: 16 مكية(2/490)
الأحاديث الواردة في (أكل الطيبات)
1-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلّا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسبه من طيّب» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتصدّق أحد بتمرة من كسب طيّب، إلّا أخذها الله بيمينه، فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوّه «2» أو قلوصه «3» . حتّى تكون مثل الجبل أو أعظم» ) * «4» .
3-* (عن المقدام بن معد يكرب الزّبيديّ رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما كسب الرّجل كسبا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرّجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس! إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ. يا ربّ. ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذّي بالحرام. فأنّى يستجاب لذلك؟» ) * «6» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أطيب ما أكل الرّجل من كسبه، وإنّ ولده من كسبه» ) * «7» .
الأحاديث الواردة في (أكل الطيبات) معنى
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير الكسب كسب العامل إذا نصح «8» » ) * «9» .
7-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكفّ الله بها وجهه خير من أن يسأل النّاس أعطي أم منع» ) * «10» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) ابن ماجة (4130) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2) فلوّه: المهر يفصل عن أمه والجمع أفلاء.
(3) قلوصه: هي الناقة الفتية.
(4) البخاري- الفتح 3 (1410) ، ومسلم (1014) واللفظ له.
(5) أخرجه ابن ماجة (2138) . وصححه الألباني: صحيح سنن ابن ماجة (1739) .
(6) مسلم (1015) .
(7) أخرجه أبو داود (3528) ، وابن ماجة في سننه (2137) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (9/ 329) وقال محققه: إسناده صحيح.
(8) نصح: إذا أخلص وصدق.
(9) قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 560) : رواه أحمد ورواته ثقات.
(10) البخاري- الفتح 5 (2373) .(2/491)
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدّق به ويستغني به من النّاس، خير له من أن يسأل رجلا، أعطاه أو منعه ذلك. فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى. وابدأ بمن تعول «1» » ) *» .
9-* (عن المقدام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود- عليه السّلام- كان يأكل من عمل يده» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (أكل الطيبات)
1-* (قال أبو عبد الله الباجيّ الزّاهد: «خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله- عزّ وجلّ- ومعرفة الحقّ، وإخلاص العمل لله، والعمل على السّنّة، وأكل الحلال» ) * «4» .
2-* (قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله- بعد قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- تعالى- طيّب لا يقبل إلّا طيّبا وإنّ الله- تعالى- أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ... » قال: المراد بهذا أنّ الرّسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطّيّبات الّتي هي الحلال وبالعمل الصّالح) * «5» .
3-* (قال ابن كثير عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً (البقرة/ 168) أباح لهم أن يأكلوا ممّا في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيّبا أي مستطابا فى نفسه غير ضارّ للأبدان ولا للعقول) «6» .
4-* (وقال عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدّعاء والعبادة، كما أنّ الأكل من الحرام يمنع قبول الدّعاء والعبادة) «7» .
5-* (قال الحسن البصريّ عند قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ (المؤمنون/ 51) قال: أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم، ولا حلوكم ولا حامضكم ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه) * «8» .
6-* (وقال سعيد بن جبير والضّحّاك:
كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ يعني الحلال) * «9» .
7-* (وقال عمرو بن شرحبيل: «كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمّه» ) * «10» .
__________
(1) تعول: تكفلهم وتقوم بهم.
(2) البخاري- الفتح 3 (1470) ، ومسلم (1042) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 4 (2072) .
(4) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (111)
(5) نفس المرجع السابق (110) .
(6) تفسير ابن كثير (1/ 204) .
(7) المرجع السابق (1/ 206) .
(8) المرجع السابق (3/ 247) .
(9) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(2/492)
8-* (عن عمر بن عبد العزيز. أنّه قال يوما:
«إنّي أكلت حمّصا وعدسا فنفخنى» . فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إنّ الله يقول في كتابه: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ* فقال عمر: «هيهات ذهبت به إلى غير مذهبه. إنّما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطّعام» ) * «1» .
من فوائد (أكل الطيبات)
1- طريق موصل إلى محبّة الله وجنّته.
2- سبب لإجابة الدّعاء.
3- البركة في العمر، والنّماء في المال.
4- السّعادة في الدّنيا، والفوز والنّجاة في الآخرة.
5- يورث حلاوة المقال والفعال.
6- البركة في الذّرّيّة من ثمار الكسبالطّيّب (أيّما عبد نبت جسمه من سحت فالنّار أولى به) .
7- كسب الرّجل من عمل يده رفعة وكرامة.
__________
(1) الدر المنثور (1/ 406) .(2/493)
الألفة
الألفة لغة:
هي الاسم من الائتلاف وكلاهما مأخوذ من مادّة (أل ف) الّتي تدلّ على انضمام الشّيء إلى الشّيء، والأشياء الكثيرة أيضا، ومن ذلك الألف لأنّه اجتماع المئين، قال الخليل: ألفت الشّيء آلفه، والألفة مصدر الائتلاف، وإلفك وأليفك: الّذي تألفه، وكلّ شيء ضممت بعضه إلى بعض فقد ألّفته تأليفا، ويقال: ألف الشّيء إلفا فهو آلف، وآلفته وأنا مؤلف.
قال أبو زيد: أهل الحجاز يقولون: آلفت المكان والقوم، وآلفت غيري أيضا: حملته على أن يألف، وأوالف الطّير: الّتي بمكّة وغيرها. ويقال: آلفت الطّير موضع كذا، وهنّ مؤلفات لأنّها لا تبرح «1» .
ويقال للمألوف: إلف وآلف، والمؤلّف: ما جمع من أجزاء مختلفة ورتّب ترتيبا قدّم فيه ما حقّه التّقديم، وأخّر فيه ما حقّه أن يؤخّر، وقول الله تعالى:
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (قريش/ 1) مصدر من آلف، والمؤلّفة قلوبهم هم الّذين يتحرّى فيهم بتفقّدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله بقوله: لَوْ أَنْفَقْتَ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 8/ 23
ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) وأوالف الطّير: ما ألفت الدّار، والألف: العدد المخصوص، وسمّي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة.
وآلفت الدّراهم أي بلغت بها الألف «2» .
وقال الجوهريّ يقال: ألفه يألفه (بالكسر) أعطاه ألفا، وآلفت القوم إيلافا، أي كمّلتهم ألفا، والإلف: الأليف، يقال: حنّت الإلف إلى الإلف، والجمع ألائف، والألّاف: جمع آلف، ويقال: فلان قد ألف هذا الموضع (بالكسر) يألفه إلفا (أي اعتاده) وآلفه إيّاه غيره، ويقال أيضا: آلفت الموضع إيلافا وكذلك آلفته مؤالفة وإلافا، ويقال: ألفت بين الشّيئين تأليفا فتألّفا وأتلفا، وتألّفته على الإسلام، ومن هذا المؤلّفة قلوبهم، وقول الله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ (قريش/ 1) معناه: أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكّة، لتولف قريش رحلة الشّتاء والصّيف، أي تجمع بينهما «3» .
وقيل الإيلاف: العهد والذّمام، وفي حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: قد علمت قريش أنّ أوّل من أخذ لها الإيلاف لهاشم، قال ابن الأثير: كان
__________
(1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 131) بتصرف يسير.
(2) المفردات للراغب (20) .
(3) الصحاح للجوهري (4/ 1331، 1332) .(2/494)
هاشم ابن عبد مناف أخذه من الملوك لقريش «1» ، وأورد ابن منظور في: «لإيلاف قريش» ثلاثة أوجه:
لإيلاف، ولإلاف، ووجه ثالث لإلف قريش، فمن قرأ لإلافهم وإلفهم فهو من ألف يألف، ومن قرأ لإيلافهم، فهو من آلف يؤلف، يقال: ألف الشّيء وآلفه إلفا وإلافا وألفانا: لزمه، وآلفه إيّاه ألزمه، وفلان قد ألف هذا الموضع بالكسر (لا غير) ، وقول الله- عزّ وجلّ- قال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) ، قال فيها أبو منصور:
نزلت في المتحابّين في الله، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (التوبة/ 60) في آية الصّدقات قوم من سادات العرب أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في أوّل الإسلام بتألّفهم؛ أي بمقاربتهم وإعطائهم ليرغّبوا من وراءهم في الإسلام، فلا تحملهم الحميّة مع ضعف نيّاتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفّار على المسلمين، وقد نفّلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين بمائتين من الإبل تألّفا لهم «2» .
الألفة اصطلاحا:
الألفة والإلف: اجتماع مع التئام ومحبّة «3» .
أمّا التّألّف: فهو المداراة والإيناس لمن هم حديثو عهد بكفر ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إلى أيديهم من المال «4» .
وقال التّهانويّ: الألفة (بالضّمّ) : هي ميلان القلب إلى المألوف «5» .
وقال الجرجانيّ: الألفة اتّفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش «6» .
درجات الألفة:
قال التّهانويّ: نقلا عن بعضهم: للألفة خمس درجات:
الأولى: النّظر في أفعال الصّانع
وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد
وهذا بمنزلة أن يذكر إنسان بخصاله الحميدة فتعلق مودّته بالقلب.
الثّانية: كتمان الحبّ إذ يخفي الأليف حقيقة حاله مهما اعتراه في سبيل ذلك.
الثّالثة: مرتبة تمنّي اللّقاء، وفيها لا يعنيه وجود أو هلاك لنفسه.
الرّابعة: الإخبار والاستخبار، والأليف في هذا المقام يريد الإخبار والاستخبار عن أحوال مألوفه.
__________
(1) النهاية (1/ 60) .
(2) لسان العرب (ألف) (1/ 108) ط. دار المعارف، وتهذيب اللغة للأزهري (15/ 378) .
(3) اقتبسنا هذا التعريف من قول الراغب (المفردات- 20) والإلف اجتماع مع التئام ومنه الألفة (أي ومن هذا المعنى) ، أما قيد المحبة فقد أخذناه من قول أبي منصور الأزهري في تفسير قوله تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ حيث قال: إنها نزلت في «المتحابين في الله» .
(4) النهاية لابن الأثير (1/ 60) ، ولسان العرب (1/ 108) ط. دار المعارف.
(5) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 114) ، المناوي في التوقيف (60) .
(6) التعريفات (35) ، ويحتمل هنا أن يكون هذا التعريف للإلفة (بكسر الهمزة) وقد جزم بذلك.(2/495)
الخامسة: التّضرّع والخشوع للمألوف «1» .
الألفة وصلاح الإنسان:
ذكر الماورديّ: أنّ الألفة الجامعة هي إحدى القواعد المهمّة الّتي يصلح بها حال الإنسان، وذلك أنّ الإنسان مقصود بالأذيّة، محسود بالنّعمة، فإذا لم يكن آلفا مألوفا تخطّفته أيدي حاسديه، وتحكّمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدّة، فإذا كان آلفا مألوفا انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت له مدّته «2» عنهم، وإن كان صفو الزّمان عسرا وسلمه خطرا «3» .
الألفة والعلاقات الاجتماعية:
يقول الدّكتور عليّ خليل: هذه الألفة الجامعة بين الأفراد من خواصّ الجانب الاجتماعيّ في الشّخصيّة المسلمة باعتبارها تجاذب يشدّ الفعل الاجتماعيّ المختار، والعلاقات والتّفاعلات الاجتماعيّة بعضها إلى بعض، وهي تؤدّي إلى القوّة في التّرابط والصّحّة في التّوافق، والمتعة في التّضام، وهي الّتي تشدّ بناء الجماعة المسلمة بعضه إلى بعض.
ووظيفتها الاجتماعيّة مهمّة، لأنّها داعية إلى التّماسك الاجتماعيّ، واستقرار بنائه، ولها أهمّيّتها الخاصّة لكلّ من الفرد والجماعة لما فيها من داع إلى التّناصر والسّلامة الاجتماعيّة، ولما توفّره من جوّ اجتماعيّ سليم صحيح لنموّ الشّخصيّة الاجتماعيّة، وقد حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الألفة لأنّها كما يقول الإمام الماورديّ: «تجمع الشّمل وتمنع الذلّ «4» » .
أسباب الألفة ودواعيها:
أسباب الألفة خمسة، وهي: الدّين، والنّسب، والمصاهرة، والمودّة، والبرّ.
فأمّا الدّين: فلأنّه يبعث على التّناصر، ويمنع من التّقاطع والتّدابر.
وبمثل ذلك وصّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه، فروى سفيان عن الزّهريّ عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا. وكونوا عباد الله إخوانا، لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» هذا وإن كان اجتماعهم في الدّين يقتضيه، فهو على وجه التّحذير من تذكّر تراث الجاهليّة، وإحن «5» الضّلالة، فقد بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعرب أشدّ تقاطعا وتعاديا، وأكثر اختلافا وتماديا، حتّى إنّ بني الأب الواحد كانوا يتفرّقون أحزابا، فتثور بينهم بالتّحزّب والافتراق أحقاد الأعداء وإحن البعداء، وكانت الأنصار أشدّهم تقاطعا وتعاديا، وكان بين الأوس والخزرج من الاختلاف والتّباين، أكثر من غيرهم، إلى أن أسلموا، فذهبت إحنهم، وانقطعت
__________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 114) ، ومن الواضح هنا أن الألفة المقصودة لا تكون إلّا مع جناب المولى- عز وجل-.
(2) المدة هنا بمعنى معيشة الإنسان وأيام حياته.
(3) أدب الدنيا والدين (148) .
(4) قراءة تربوية في فكر أبي الحسن البصري الماوردي للدكتور علي خليل مصطفى (296- 297) .
(5) الإحن: جمع إحنة وهي الحقد في الصدر.(2/496)
عداوتهم، وصاروا بالإسلام إخوانا متواصلين، وبألفة الدّين أعوانا متناصرين، قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) يعني أعداء في الجاهليّة فألّف بين قلوبكم بالإسلام، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (مريم/ 96) يعني: حبّا، وعلى حسب التّأليف على الدّين تكون العداوة فيه، إذا اختلف أهله، فإنّ الإنسان قد يقطع في الدّين من كان به بارّا، وعليه مشفقا. هذا أبو عبيدة بن الجرّاح وقد كانت له المنزلة العالية في الفضل، والأثر المشهور في الإسلام. قتل أباه يوم بدر طاعة للهّ- عزّ وجلّ- ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، حين بقي على ضلاله، وانهمك في طغيانه، فلم تعطفه عليه رحمة، ولا كفّه عنه شفقة، وهو من أبرّ الأبناء، تغليبا للدّين على النّسب، ولطاعة الله تعالى على طاعة الأب. وعلّة ذلك أنّ الدّين والاجتماع على العقد الواحد فيه لمّا كان أقوى أسباب الألفة، كان الاختلاف فيه من أقوى أسباب الفرقة.
وأمّا النّسب: وهو الثّاني من أسباب الألفة، فلأنّ تعاطف الأرحام، وحميّة القرابة، يبعثان على التّناصر والألفة. وتمنعان من التّخاذل والفرقة، أنفة من استعلاء الأباعد على الأقارب، وتوقيّا من تسلّط الغرباء الأجانب. ولذلك حفظت العرب أنسابها، لمّا امتنعت عن سلطان يقهرها، ويكفّ الأذى عنها لتكون بها متضافرة على من ناوأها، متناصرة على من شاقّها وعاداها، حتّى بلغت بألفة الأنساب تناصرها على القويّ الأيد، وتحكّمت فيه تحكّم المتسلّط المتشطّط.
وأمّا المصاهرة: وهي الثّالث من أسباب الألفة، فلأنّها استحداث مواصلة، وتمازج مناسبة، صدرا عن رغبة واختيار، وانعقدا عن خبرة وإيثار، فاجتمع فيها أسباب الألفة، وموادّ المظاهرة، قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم/ 21) يعني بالمودّة المحبّة، وبالرّحمة الحنوّ والشّفقة، وهما من أوكد أسباب الألفة. وفيها تأويل آخر، قاله الحسن البصريّ- رحمه الله-: إنّ المودّة النّكاح، والرّحمة الولد. وقال تعالى:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً (النحل/ 72) .
ولم تزل العرب تجتذب البعداء، وتتألّف الأعداء بالمصاهرة، حتّى يرجع النّافر مؤانسا، ويصير العدوّ مواليا، وقد يصير للصّهر بين الاثنين، ألفة بين القبيلتين، وموالاة بين العشيرتين.
حكي عن خالد بن يزيد بن معاوية: أنّه قال:
كان أبغض خلق الله- عزّ وجلّ- إليّ آل الزّبير، حتّى تزوّجت منهم «رملة» فصاروا أحبّ خلق الله- عزّ وجلّ- إليّ.
وأمّا المؤاخاة بالمودّة: وهي الرّابع من أسباب الألفة، فلأنّها تكسب بصادق الودّ إخلاصا ومصافاة، وتحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة، وهذا أعلى مراتب الألفة، ولذلك آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه، لتزيد ألفتهم، ويقوى تضافرهم وتناصرهم.(2/497)
وقيل: إنّما سمّي الصّديق صديقا لصدقه، والعدوّ عدوّا لعدوه عليك «1» . وقال ثعلب: إنّما سمّي الخليل خليلا؛ لأنّ محبّته تتخلّل القلب. فلا تدع فيه خللا إلّا ملأته.
وأمّا البرّ: وهو الخامس من أسباب الألفة:
فلأنّه يوصّل إلى القلوب ألطافا، ويثنيها محبّة وانعطافا، ولذلك ندب الله تعالى إلى التّعاون به، وقرنه بالتّقوى له، فقال: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) لأنّ له في التّقوى رضا الله تعالى، وفي البرّ رضا النّاس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النّاس، فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته «2» .
أثر الإسلام في التأليف بين الأمم:
ويقول الشّيخ ابن عاشور: كان العرب جميعا قبل الإسلام في عداوة وحروب، فالأوس والخزرج كانت بينهم حروب دامت مائة وعشرين سنة قبل الهجرة، كان منها يوم بعاث، والعرب كانوا في حروب وغارات، وجميع الأمم الّتي دعاها الإسلام كانوا في تفرّق وتخاذل، فصار الّذين دخلوا في الإسلام إخوانا، أولياء بعضهم لبعض، لا يصدّهم عن ذلك اختلاف انساب، ولا تباعد مواطن، ولقد حاول حكماؤهم، وأولو الرّأي منهم التّأليف بينهم، وإصلاح ذات بينهم، بأفانين الدّعاية من خطابة، وجاه وشعر، فلم يصلوا إلى ما ابتغوا حتّى ألّف الله بين قلوبهم بالإسلام فصاروا بذلك التّأليف بمنزلة الإخوان.
وقد امتنّ الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها: فحالة كانوا عليها هي حالة العداوة والتّفاني والتّقاتل. وحالة أصبحوا عليها وهي حالة الأخوّة ولا يدرك الفرق بين الحالتين إلّا من كانوا في السّوأى فأصبحوا في الحسنى، والنّاس إذا كانوا في حالة بؤس وضنك واعتادوها صار الشّقاء دأبهم، وذلّت له نفوسهم، فلم يشعروا بما هم فيه، ولم يتفطّنوا لوخيم عواقبه، حتّى إذا هيّأ لهم الصّلاح، وأخذ يتطرّق إليهم استفاقوا من شقوتهم. وعلموا حالتهم ولأجل هذا المعنى جمعت الآية ذكر الحالتين وما بينهما فقالت: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاجتماع- الإخاء الكلم الطيب- البر- التعاون على البر والتقوى- المحبة- حسن الخلق- صلة الرحم- التودد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغض- التفرق- التنازع- القسوة- قطيعة الرحم] .
__________
(1) عدوه عليك: أي تجاوزه وتعدّيه.
(2) أدب الدنيا والدين (149- 150) بتصرف يسير.
(3) التحرير والتنوير (4/ 33، 34) .(2/498)
الآيات الواردة في «الألفة»
1- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) «1»
2- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «2»
الآيات الواردة في «الألفة» لفظا ولها معنى آخر
3-* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «3»
4- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) «4»
5- لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1)
إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) «5»
__________
(1) آل عمران: 103 مدنية
(2) الأنفال: 62- 63 مدنية
(3) التوبة: 60 مدنية
(4) النور: 43 مدنية
(5) قريش: 1- 2 مكية(2/499)
الأحاديث الواردة في (الألفة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الأرواح جنود مجنّدة» .
فما تعارف «2» منها ائتلف «3» وما تناكر «4» منها اختلف «5» » ) * «6» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ- رضي الله عنه- إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذهيبة «7» ، فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظليّ ثمّ المجاشعيّ، وعيينة بن بدر الفزاريّ، وزيد الطّائيّ ثمّ أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامريّ، أحد بني كلاب، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد «8» أهل نجد ويدعنا، قال: «إنّما أتألّفهم» فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين «9» ، ناتيء الجبين «10» ، كثّ اللّحية محلوق، فقال: اتّق الله يا محمّد، فقال: «من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟» فسأله رجل قتله- أحسبه خالد بن الوليد- فمنعه، فلمّا ولّى قال: «إنّ من ضئضىء «11» هذا- أو: في عقب هذا- قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم «12» ، يمرقون «13» من الدّين مروق السّهم من الرّميّة، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد «14» » ) * «15» .
3-* (عن عبد الله بن زيد بن عاصم- رضي الله عنه- قال: لمّا أفاء الله على رسوله «16» صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، قسم في النّاس في المؤلّفة قلوبهم، «17» ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنّهم وجدوا «18» إذ لم يصبهم ما أصاب النّاس، فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي» كلّما قال شيئا قالوا: الله
__________
(1) جنود مجندة: جموع مجتمعة وأنواع مختلفة. والأرواح جمع روح، وهو الذي يقوم به الجسد وتكون الحياة.
(2) تعارف: توافقت صفاتها وتناسبت في أخلاقها.
(3) ائتلف: من الألفة وهي المحبة والمودة.
(4) تناكر: تنافرت في طبائعها.
(5) اختلف: تباعد.
(6) البخارى- الفتح 6 (3336) واللفظ له، مسلم (2638) .
(7) ذهيبة: قطعة من ذهب.
(8) صناديد أهل نجد: أي ساداتها، واحدها: صنديد.
(9) مشرف الوجنتين: أي غليظهما.
(10) ناتئ الجبين: أي بارزه.
(11) ضئضئ: الأصل والعقب وقيل هو كثرة النسل.
(12) لا يجاوز حناجرهم: لا يفقهون معناه، ولا ينتفعون بتلاوته.
(13) يمرقون: يخرجون منه.
(14) قتل عاد: أي استأصلهم بالكلية بأي وجه، ولا أبقي أحدا منهم.
(15) البخارى- الفتح 6 (3344) ، واللفظ له. ومسلم (1064) .
(16) أفاء الله على رسوله: أعطاه غنائم الذين قاتلهم.
(17) المؤلفة قلوبهم: ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا فأعطاهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليتمكن الإسلام من قلوبهم. وقيل: كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية. وقد سرد أسماءهم الإمام ابن حجر في شرح هذا الحديث.
(18) وجدوا: أي غضبوا.(2/500)
ورسوله أمنّ «1» ، قال: «لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير، وتذهبون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار «2» والنّاس دثار، إنّكم ستلقون بعدي أثرة «3» ، فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «4» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّي أعطي قريشا أتألّفهم «5» ، لأنّهم حديثو عهد بجاهليّة» ) * «6» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن مؤلّف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ) * «7» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّكم إليّ أحاسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا «8» ، الّذين يألفون ويؤلفون، وإنّ أبغضكم إليّ المشّاءون بالنّميمة «9» المفرّقون بين الأحبّة الملتمسون للبراء العيب» «10» ) * «11» .
الأحاديث الواردة في (الألفة) معنى
انظر صفة: الاجتماع
__________
(1) أمنّ: أفعل تفضيل من المنّ.
(2) الشعار: الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، والدثار: الذي فوقه، يريد أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم.
(3) الأثرة: هي الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه.
(4) البخاري- الفتح 7 (4330) ، واللفظ له، ومسلم (1061) ، أحمد (4/ 42) .
(5) أتألفهم: أطلب إلفهم وأجلبهم إلى الإسلام الحق.
(6) البخارى- الفتح 6 (3146) ، واللفظ له، ومسلم (1059) .
(7) أحمد (2/ 400) واللفظ له. وفي (5/ 335) عن سهل ابن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «المؤمن مألفة ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» . وفي الفردوس للديلمي عن جابر: «المؤمن مألف مألوف حيي ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس» (4/ 77) برقم (6549) .
(8) الموطئون أكنافا: الأكناف جمع كنف وهو الجانب والمراد الذين يلين جانبهم لإخوانهم.
(9) المشاءون بالنميمة: أي الذين يكثرون من السعي بين الناس بالإفساد.
(10) الملتمسون للبراء العيب: أي الذين يتهمون الأبرياء بعيوب ليست فيهم.
(11) له شاهد عند الترمذي من حديث جابر- رضي الله عنه، وقال عنه: حسن (4/ 370) (2018) ، الترغيب والترهيب (3/ 410) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود باختصار وورد في الطبراني الصغير، (2/ 89 برقم 830) .(2/501)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الألفة)
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين: حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كلّ رجل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس: فحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبّة من أدم، ولم يدع أحدا غيرهم، فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقالت الأنصار: أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا وأمّا ناس حديثة أسنانهم فقالوا: كذا وكذا للّذي قالوا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألّفهم- أو قال:
أستألفهم- أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون برسول الله إلى رحالكم، فوالله لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» . قالوا: أجل يا رسول الله! قد رضينا. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله فإنّي فرطكم على الحوض «1» » . قال أنس: فلم نصبر) * «2» .
8-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» قال الزّهريّ: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» وقد ألّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «3» .
__________
(1) فرطكم على الحوض: أي متقدمكم وسابقكم.
(2) البخاري- الفتح 7 (4330) ، أحمد (3/ 166) ، واللفظ له.
(3) أحمد (1/ 190) . وقال أحمد شاكر (3/ 121- ح 1655) : إسناده صحيح، والقسم الأخير منه مرسل. وقد ورد معناه في أحاديث كثيرة موصولة ومرسلة.(2/502)
من الآثار الواردة في (الألفة)
1-* (عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا، فلمّا رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدنيك ويستعملك؟
قال: أي بنيّ! قد كان ذلك وسأخبرك عن ذلك. إنّي والله ما أدري «أحبّا ذلك أم تألّفا يتألّفني» ولكن أشهد على رجلين أنّه قد فارق الدّنيا وهو يحبّهما ابن سميّة وابن أمّ عبد، فلمّا حدّثه وضع يده موضع الغلال»
من ذقنه وقال: اللهمّ أمرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا إلّا مغفرتك، وكانت تلك هجّيراه «2» حتّى مات) * «3» .
2-* (قال أبو حاتم- رضي الله عنه- سبب ائتلاف النّاس وافتراقهم- بعد القضاء السّابق- هو تعارف الرّوحين. وتناكر الرّوحين، فإذا تعارف الرّوحان وجدت الألفة بين نفسيهما، وإذا تناكر الرّوحان وجدت الفرقة بين جسميهما) * «4» .
3-* (عن مجاهد قال: رأى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- رجلا فقال: «إنّ هذا ليحبّني، قالوا: وما علمك؟ قال: إنّي لأحبّه، والأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) * «5» .
4-* (قال مالك- رضي الله عنه- «النّاس أشكال كأجناس الطّير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبطّ مع البطّ، والصّعو مع الصّعو، وكلّ إنسان مع شكله» ) * «6» .
5-* (قال أبو حاتم- رضي الله عنه- إنّ من النّاس من إذا رآه المرء يعجب به، فإذا ازداد به علما ازداد به عجبا، ومنهم من يبغض حين يراه، ثمّ لا يزداد به علما إلّا إذا ازداد له مقتا، فاتّفاقهما يكون باتّفاق الرّوحين قديما. وافتراقهما يكون بافتراقهما، وإذا ائتلفا ثمّ افترقا فراق حياة من غير بغض حادث، أو فراق ممات، فهنالك الموت الفظيع، والأسف الوجيع، ولا يكون موقف أطول غمّة، وأظهر حسرة وأدوم كآبة، وأشدّ تأسّفا، وأكثر تلهّفا من موقف الفراق بين المتواخيين، وما ذاق ذائق طعما أمرّ من فراق الخلّين، وانصرام القرينين) * «7» .
6-* (وفي لفظ لابن جرير، فلمّا كان من أمر عائشة ما كان. فتشاور الحيّان قال بعضهم لبعض:
موعدكم الحرّة، فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) (آل عمران/ 103) * «8» .
7-* (عن ابن إسحق قال: كانت الحرب بين
__________
(1) الغلال: هو ما يوضع في عنق الأسير.
(2) هجّيراه: أي دأبه وشأنه وعادته.
(3) أحمد (4/ 199، 200) .
(4) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (154) .
(5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) الدر المنثور (2/ 287) .(2/503)
الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة، حتّى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم إخوان لأب وأمّ، فلم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم ثمّ إنّ الله- عزّ وجلّ- أطفأ ذلك بالإسلام، وألّف بينهم برسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
8-* (وعن قتادة في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم، حتّى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم، وألّف به بينكم. أما والله الّذي لا إله إلّا هو إنّ الألفة لرحمة، وإنّ الفرقة لعذاب) * «2» .
9-* (وقال أبو جعفر: يعني بقوله- جلّ ثناؤه- وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ واذكروا ما أنعم الله به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام.
واذكروا أيّها المؤمنون، نعمة الله عليكم الّتي أنعم بها عليكم، حين كنتم أعداء في شرككم، يقتل بعضكم بعضا عصبيّة في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله فألّف الله بالإسلام بين قلوبكم. فجعل بعضكم لبعض إخوانا بعد إذ كنتم أعداء تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه) * «3» .
10-* (وقال أبو جعفر في قوله تعالى:
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، فإنّه يعني: فأصبحتم بتأليف الله- عزّ وجلّ- بينكم بالإسلام وكلمة الحقّ، والتّعاون على نصرة أهل الإيمان، والتّآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانا متصادقين، لا ضغائن بينكم ولا تحاسد) * «4» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: النّعمة تكفر، والرّحم تقطع، وإنّ الله تعالى: إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ثمّ تلا لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (الأنفال/ 63)) * «5» .
12-* (عن مجاهد- رضي الله عنه- قال:
إذا لقي الرّجل أخاه فصافحه، تحاتّت «6» الذّنوب بينهما كما ينثر الرّيح الورق، فقال رجل: إنّ هذا من العمل اليسير. فقال: ألم تسمع الله قال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) * «7» .
13-* (عن ابن إسحق في قوله تعالى:
لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وألّف بين قلوبهم على الهدى الّذي بعثك به إليهم بدينه الّذي جمعهم عليه، يعني الأوس والخزرج) * «8» .
14-* (عن الوليد بن أبي مغيث، عن مجاهد
__________
(1) تفسير الطبري (3/ 381) ، الدر المنثور (2/ 287) .
(2) الدر المنثور (2/ 287) . تفسير الطبري (3/ 381) .
(3) تفسير الطبري (3/ 380) .
(4) المرجع السابق (3/ 383) .
(5) الدر المنثور (4/ 100) .
(6) تحاتّت: أي تساقطت.
(7) المرجع السابق (4/ 100) .
(8) تفسير الطبري (6/ 280) .(2/504)
قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما، قال قلت لمجاهد: بمصافحة يغفر لهما؟ فقال مجاهد: أما سمعته يقول: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم منّي) * «1» .
15-* (عن السّدّيّ في قوله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، قال: هؤلاء الأنصار، ألّف بين قلوبهم من بعد حرب، فيما كان بينهم) * «2» .
16-* (عن عبد الله قال: نزلت هذه الآية في المتحابّين في الله: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) * «3» .
17-* (عن الأوزاعيّ قال: كتب إليّ قتادة:
إن يكن الدّهر فرّق بيننا فإنّ ألفة الله الّذي ألّف بين المسلمين قريب) * «4» .
18-* (قال أحد الشّعراء (أحمد بن محمّد بن أبي بكر الأنباريّ) :
إنّ القلوب لأجناد مجنّدة ... لله في الأرض بالأهواء تعترف
فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف) * «5» .
19-* (وقال منصور بن محمّد الكريزيّ:
فما تبصر العينان والقلب آلف ... ولا القلب والعينان منطبقان
ولكن هما روحان تعرض ذي لذي ... فيعرف هذا ذي فيلتقيان) * 6.
20-* (وقال المنتصر بن بلال الأنصاريّ:
يزين الفتى في قومه ويشينه ... وفي غيرهم أخدانه ومداخله
لكلّ امريء شكل من النّاس مثله ... وكلّ امرئ يهوي إلى من يشاكله) * «7» .
21-* (وقال محمّد بن عبد الله بن زنجيّ البغداديّ:
إن كنت حلت، وبي استبدلت مطّرحا ... ودّا، فلم تأت مكروها ولا بدعا
فكلّ طير إلى الأشكال موقعها ... والفرع يجري إلى الأعراق منتزعا) * 8
22-* (وقال محمّد بن إسحاق بن حبيب الواسطيّ:
تعارف أرواح الرّجال إذا التقوا ... فمنهم عدوّ يتّقى وخليل
كذاك أمور النّاس والنّاس منهم ... خفيف إذا صاحبته وثقيل) * «9» .
23-* (وقال أحمد بن عبد الأعلى الشّيبانيّ:
__________
(1) تفسير الطبري (6/ 380) .
(2) المرجع السابق نفسه.
(3) المرجع السابق (6/ 381) .
(4) الدر المنثور (4/ 101) .
5، 6 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (154) .
7، 8 المرجع السابق نفسه (155) .
(9) المرجع السابق، والبيت الأول ينسب إلى الشاعر الجاهلي (طرفة بن العبد) ، انظر ديوانه (ص 121) بتحقيق د. علي الجندي.(2/505)
فيا عجبا ممّن يمدّ يمينه ... إلى إلفه عند الفراق فيسرع
ضعفت عن التّوديع لمّا رأيته ... فصافحته بالقلب، والعين تدمع) * «1» .
من فوائد (الألفة)
1- ألفة الصّالحين بشارة.
2- تفيد الاجتماع والقوّة.
3- تحقّق الاجتماع على الخير.
4- دليل البراءة من النّفاق.
5- دليل وجود الخير فيمن يألف ويؤلف.
6- محبّة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين.
7- تحقّق التّماسك الاجتماعيّ وتشيع روح المودّة بين المسلمين.
8- داعية إلى التّناصر وسلامة المجتمع المسلم.
9- توفّر جوّا اجتماعيّا سليما لنموّ الإنسان المسلم نموّا سليما في إطار مبادئ الإسلام.
10- داعية إلى التوحّد الاجتماعيّ ونبذ أسباب الفرقة والمعاداة.
11- تشيع التّعاون بين المسلمين، وفي ذلك مدعاة لرضا الله- تعالى- ثمّ رضا النّاس.
__________
(1) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (157) .
رقم الإيداع: 1179/ 18 ردمك:- 00- 838- 9960 (مجموعة) 6- 02- 838- 9960 (ج 2)(2/506)
المجلد الثالث
موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم
الإشراف العام
صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع
لجنة الإعداد:
بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أ. محمد أحمد سيد أحمد أ. محمد إسماعيل السيد أحمد أ. صلاح محمد عرفات أ. ناصر مهلل محمد حامد
لجنة المراجعة والضبط:
بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي د. عزت عبد الحميد إبراهيم د. أحمد علي محمود ربيع د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد د. يس إبراهيم عفيفي
لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة:
بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أ. د. محمد أحمد حسب الله أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أ. د. سيد أحمد طهطاوي أ. د. سعيد محمد صوابي أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن د. أحمد كامل صالح د. فراج جودة فراج د. عاصم بدري حسين أ. سبيع حمزة حاكمي أ. أحمد شعبان الباسل أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي أ. فؤاد محمد نور أبو الخير
إعداد السيرة النبوية:
أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا
إعداد السيرة النبوية:
أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي
استاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا
إعداد المقدمة التربوية:
أ. د. علي خليل أبو العينين
أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية
الإدارة والمتابعة:
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير
برامج الحاسب الآلي:
م. ناظم يحيى عبد الرازق م. نبيل أكرم نوح
الجمع والتنضيد بإشراف:
توني نجيب زيدان أحمد طارق علي بيومي هاني محمد أحمد فرج كمال حمزة أحمد يوسف عبد الباقي محمود مصطفى سعد محمد محمد رضا محمد محمود كمال مصطفي أبو زيد عبد الإله محمود عساف(3/)
[من شارك في إعداد هذه الموسوعة]
بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة 1- الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا.
2- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة.
3- أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا.
4- أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا.
5- أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
6- أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا.
7- أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
8- أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف.
9- أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية.
10- أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.
11- أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.
12- أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف.
13- أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.
14- أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف.
15- أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
16- د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة.
17- د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالالامبور بماليزيا.
18- د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف.
19- د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالمملكة العربية السعودية.
20- د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف.
21- د. فراج جودة فراج أستاذ المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف.
22- د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر.
23- أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا.
24- أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
25- أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
26- أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
27- أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
28- أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية.
29- أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية.
30- أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى.
31- أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) .(3/)
محتويات المجلد الثالث
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة تابع حرف الألف 30/ الأمانة/ 507
31/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ 525
32/ الإنابة/ 540
33/ الإنذار/ 547
34/ الإنصاف/ 576
35/ الإنفاق/ 598
36/ الإيثار/ 629
37/ الإيمان/ 641
حرف الباء 38/ البر/ 750
39/ بر الوالدين/ 767
40/ البشارة/ 780
41/ البشاشة/ 812
42/ البصيرة والفراسة/ 823
43/ البكاء/ 833
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف التاء 44/ التأمل/ 843
45/ التأني/ 864
46/ التبتل/ 872
47/ التبليغ والتبيين/ 876
48/ التبين (التثبت) / 901
49/ التدبر/ 909
50/ التذكر/ 916
51/ تذكر الموت/ 931
52/ التذكير/ 968
53/ التسبيح/ 980
54/ التعارف/ 1004
55/ التعاون على البر والتقوى/ 1008
56/ تعظيم الحرمات/ 1028
57/ التفاؤل/ 1045(3/)
[تابع حرف الألف]
الأمانة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
16/ 30/ 10
الأمانة لغة:
الأمانة مصدر قولهم: أمن يأمن أمانة أي صار أمينا، وهو مأخوذ من مادّة (أم ن) الّتي تدلّ على سكون القلب، ويقال: أمنت الرّجل أمنا وأمنة وأمانا وآمنني يؤمنني إيمانا، ورجل أمنة: إذا كان يأمنه النّاس ولا يخافون غائلته، وأمنة بالفتح إذا كان يصدّق ما سمع ولا يكذّب بشيء، وقال الجوهريّ: الأمنة: الّذي يصدّق بكلّ شيء وكذلك الأمنة مثال الهمزة، واستأمن إليه دخل في أمانه.
وقال ابن منظور: الأمان والأمانة بمعنى، والأمانة: ضدّ الخيانة. وقال ابن الأثير: الأمنة جمع أمين، وهو الحافظ. وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً (البقرة/ 125) قال أبو إسحاق: أراد ذا أمن، فهو آمن وأمن وأمين.
ورجل أمن وأمين بمعنى واحد.
ويقال: أمنته على كذا، وائتمنته بمعنى.
وتقول: اؤتمن فلان على ما لم يسمّ فاعله، فإن ابتدأت به صيّرت الهمزة الثّانية واوا فنقول: أؤتمن.
وقال الرّاغب: والأمن والأمان والأمانة في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة الّتي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة (تجعل الأمانة) اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) أي ما ائتمنتم عليه، وقول الله سبحانه إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الأحزاب/ 72) قيل هي كلمة التّوحيد وقيل: العدالة، وقيل: حروف التّهجّي، وقيل: العقل وهو صحيح؛ فإنّ العقل هو الّذي لحصوله يتحصّل معرفة التّوحيد وتجري العدالة وتعرف حروف التّهجّي، بل لحصوله تعلّم كلّ ما في طوق البشر تعلّمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضّل (الإنسان) على كثير ممّن خلقه «1» .
وقال الطّبريّ: اختلف في معنى هذه الآية الكريمة، فقال بعضهم: المعنى أنّ الله تبارك وتعالى عرض طاعته وفرائضه على السّموات والأرض والجبال على أنّها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيّعت عوقبت، فأبت حملها شفقا منها ألّا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم، إنّه كان ظلوما لنفسه، جهولا بالّذي فيه الحظّ له، وقد استدلّ أبو جعفر على ذلك
__________
(1) (الصحاح (5/ 2071) ، ولسان العرب (13/ 21، 22) مختصرا. ومفردات الراغب (29) ، ومقاييس اللغة (1/ 133) .(3/507)
بما روي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وغيره من أنّ الأمانة في الآية الكريمة هي الفرائض الّتي افترضها الله على عباده، وبما روي عنه أيضا من قوله (أي ابن عبّاس) الأمانة: الطّاعة عرضها الله عليها أي على السّموات والأرض والجبال قبل أن يعرضها على آدم، فلم تطقها، فقال لآدم: يا آدم، إنّي قد عرضت الأمانة على السّموات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا ربّ وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت فأخذها آدم فتحمّلها» «1» ، قال الطّبريّ: وقال آخرون: عني بالأمانة في هذا الموضع أمانات النّاس، وذهب فريق ثالث إلى أنّ المراد بالأمانة هنا ائتمان آدم عليه الصّلاة والسّلام ابنه قابيل على أهله وولده «2» ، وأولى هذه الأقوال بالصّواب ما قاله الّذين قالوا إنّه عني بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدّين، وأمانات النّاس، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ لم يخصّ بقوله «عرضنا الأمانة» بعض معاني الأمانات دون بعض «3» .
وقال القرطبيّ: «الأمانة تعمّ جميع وظائف الدّين، ونسب هذا القول لجمهور المفسّرين، فالأمانة هي الفرائض الّتي ائتمن الله عليها العباد، واختلف في تفاصيل بعضها على أقوال: فقيل هي أمانات الأموال كالودائع وغيرها وقيل: في كلّ الفرائض، وأشدّها أمانة المال، وقيل: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها، وقال بعضهم: غسل الجنابة أمانة، وقيل: الأمانة هي الصّلاة (إن شئت قلت: صلّيت، وإن شئت قلت: لم أصلّ) ، وكذلك الصّيام وغسل الجنابة، وعلى ذلك فالفرج أمانة «4» ، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللّسان أمانة، والبطن أمانة واليد أمانة، والرّجل أمانة، قال:
«ولا إيمان لمن لا أمانة له» «5» ، وقيل: هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السّموات والأرض والجبال والخلق من الدّلائل على ربوبيّته أن يظهروها فأظهروها إلّا الإنسان فإنّه كتمها وجحدها، والمراد بالإنسان على ذلك هو الكافر والمنافق «6» .
أمّا ما جاء في الحديث: «المؤذّن مؤتمن» ، أراد به: مؤتمن القوم الّذي يثقون إليه، ويتّخذونه أمينا حافظا. والأمانة تقع على الطّاعة والعبادة والوديعة والثّقة والأمان.
ويقال: رجل أمين وأمّان أي له دين. وقيل:
مأمون به ثقة. قال الأعشى:
ولقد شهدت التّاجر ال ... أمّان مورودا شرابه
والتّاجر الأمّان بالضّمّ والتّشديد: هو الأمين «7» .
وقال ابن الأنباريّ: والأمين من حروف الأضداد، يقال: فلان أمين، أي مؤتمن، وفلان
__________
(1) تفسير الطبري المجلد العاشر ح 22 ص 38، 39.
(2) ذكر القرطبي أن الحكيم الترمذي قد اعترض على هذا الرأي، وتعجب من قائله لأن الآثار وظاهر النص وباطنه، كل ذلك يتعارض معه تعارضا واضحا، قلت: والأمر كما قال. انظر تفسير القرطبي 14/ 256.
(3) المرجع السابق (ص 49) .
(4) أي حفظ الفرج.
(5) أي لمن لم يحفظ هذه الأمانات التي استودعها الله إياه.
(6) انظر هذه الآراء وغيرها في تفسير القرطبي 14/ 253- 258.
(7) النهاية في غريب الحديث 1/ 71 ولسان العرب 13/ 22.(3/508)
أميني، أي مؤتمني الّذي أأتمنه على أمري، قال الشّاعر:
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنّني ... حلفت يمينا لا أخون أميني
أي مؤتمني» .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض الله على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار، وقال في موضع آخر: كلّ ما يؤتمن عليه من أموال وحرم وأسرار فهو أمانة «2» .
وقيل: هي خلق ثابت في النّفس يعفّ به الإنسان عمّا ليس له به حقّ، وإن تهيّأت له ظروف العدوان عليه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس، ويؤدّي به ما عليه أو لديه من حقّ لغيره، وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس.
وهي أحد الفروع الخلقيّة لحبّ الحقّ وإيثاره وهي ضدّ الخيانة.
وقد ظهر من تعريف الأمانة أنّها تشتمل على ثلاثة عناصر.
الأوّل: عفّة الأمين عمّا ليس له به حقّ.
الثّاني: تأدية الأمين ما يجب عليه من حقّ لغيره.
الثّالث: اهتمام الأمين بحفظ ما استؤمن عليه، وعدم التّفريط بها والتّهاون بشأنها «3» . أي بالأمانة.
أمانة الرسل:
والأمانة من أبرز أخلاق الرّسل- عليهم الصّلاة والسّلام-. فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب- في سورة الشّعراء- يخبرنا الله- عزّ وجلّ- أنّ كلّ رسول من هؤلاء قد قال لقومه: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ*.
ورسولنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد كان في قومه قبل الرّسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنّه الأمين. وكان النّاس يختارونه لحفظ ودائعهم عنده. ولمّا هاجر صلّى الله عليه وسلّم وكلّ عليّ بن أبي طالب بردّ الودائع إلى أصحابها.
وجبريل- عليه السّلام- أمين الوحي، وقد وصفه الله بذلك في قوله- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (الشعراء/ 192- 194) .
مجالات الأمانة:
والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة منها:
الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ونقل الحديث والأسرار والرّسالات والسّمع والبصر وسائر الحواسّ، ولكلّ واحدة من التّفصيل ما يناسبها «4» .
__________
(1) الأضداد (24) .
(2) الكليات للكفوي (176، 186) بتصرف يسير.
(3) الأخلاق الإسلامية وأسسها (1/ 646- 647) .
(4) الأخلاق الإسلامية وأسسها (1/ 646، 647) .(3/509)
الأمانة والتّكليف:
قال النّيسابوريّ: الأمانة هي الطّاعة وهي التّكليف، ثمّ ذكر أنّ التّكليف هو الأمر بخلاف ما في الطّبيعة «1» ، وهذا النّوع ليس في السّموات والأرض والجبال، لأنّ السّموات لا يطلب منها الهبوط، والأرض لا يطلب منها الصّعود ولا الحركة، والجبال لا يطلب منها السّير، وكذا الملائكة مهتمّون بالتّسبيح والتّقديس، (وإنّما في الإنسان وحده) ، وسمّي التّكليف أمانة لأنّ من قصّر فيه فعليه الغرامة ومن أدّاه فله الكرامة، وعرض الأمانة بهذا المعنى على هذه الأجرام وإباؤها من حملها هو لعدم صلوحها لهذا الأمر، وقد خصّ بعضهم التّكليف بقول: «لا إله إلّا الله عزّ وجلّ، قال النّيسابوري: والأظهر عندي أنّ الأمانة هي الاستعداد الّذي جبل كلّ نوع من المخلوقات عليه، وحمل الأمانة عبارة عن عدم أداء حقّها، كما يقال: فلان ركب عليه الدّين، فكلّ من أخرج ما في قوّته إلى الفعل فهو مؤدّ للأمانة وقاض حقّها، وإلّا فهو حامل لها، ولا ريب أنّ السّموات مسخّرات بأمر الله كلّ يجري لأجل مسمّي، والأرض ثابتة في مستقرّها، والجبال راسخة في أمكنتها، وهكذا كلّ نوع إلّا الإنسان، فإنّ كثيرا من الأشخاص، بل أكثرها مائلة إلى أسفل سافلين، فلا جرم إن لم يقض حقّ الأمانة وانحطّ إلى رتبة الأنعام، فوصف بالظّلوميّة لأنّه صرف الاستعداد في غير ما خلق لأجله، وبالجهوليّة لأنّه جهل عاقبة إفساد الاستعداد، أو علم ولم يعمل بعلمه، فنفي عنه العلم لانتفاء ثمرته، وعلى ذلك فالمراد بالإنسان هو الآدميّون، وحمل الشّيء على بعض الجنس يكفي في صدقه على الجنس كلّه» «2» .
لقد ذكر كثير من المفسّرين ما يؤيّد أنّ الأمانة هي التّكليف عند ما قال: إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى محمله، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته، قال أبو حيّان: أي أنّ الإنسان لم يكن حاله- فيما يصحّ منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان صالح للتّكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد «3» ، وقال ابن كثير: ما قيل في الآية الكريمة من الأقوال العديدة لا تنافي بينها، بل هي متّفقة وراجعة إلى أنّها التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي بشرطها، وهو أنّه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب» «4» .
__________
(1) المراد بذلك: الأمر بما فيه حرية واختيار للمخلوق بخلاف ما يكون في طبيعة المخلوقات من إحداث أمور لا اختيار لها فيها.
(2) تفسير النيسابوري (بهامش الطبري) مجلد 10 ح 22 ص 34، 35
(3) البحر المحيط لأبي حيان 7/ 244 (باختصار وتصرف) .
(4) تفسير ابن كثير 3/ 530، وتجدر الإشارة إلى أن ابن كثير قد سبق الأستاذ العقاد بهذا الرأي وهو أن المراد بالأمانة هو التكليف وأن من لم يذكر ذلك من المفسرين بنصه ذكره بمقتضياته ومتعلقاته انظر: الإنسان في القرآن ص 42.(3/510)
الأمانة في القرآن الكريم:
ذكر ابن الجوزيّ- نقلا عن بعض المفسّرين أنّ الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أو جه:
أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) .
الثّاني: الوديعة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (النساء/ 58) .
الثّالث: العفّة (والصّيانة) ، ومنه قوله تعالى:
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص/ 26) «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- إقامة الشهادة- الاستقامة- النزاهة- التبليغ- الصدق كتمان السر- العفة- المسئولية- الورع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الخيانة- إفشاء السر- التهاون- شهادة الزور- التطفيف- الغلول التنصل من المسئولية- الكذب- نقض العهد] .
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (1/ 105، 106) ، وقد أضفنا إلى الوجه الثالث لفظ (والصيانة) نقلا عن الفيروزابادي في البصائر (2/ 153) ولم يذكر (الفيروزابادي) سوى الوجهين الأول والثالث.(3/511)
الآيات الواردة في «الأمانة»
أولا: ما يؤتمن عليه الإنسان من ودائع ونحوها:
1- وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «1»
2- وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) «2»
3- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «3»
4- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (57) «4»
5- فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63)
قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) «5»
6- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «6»
__________
(1) البقرة: 283 مدنية
(2) آل عمران: 75 مدنية
(3) النساء: 58 مدنية
(4) يوسف: 54- 57 مكية
(5) يوسف: 63- 64 مكية
(6) المؤمنون: 1- 11 مكية(3/512)
7- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)
إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34)
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1»
ثانيا: ما يؤمن عليه الإنسان من الفرائض والتكاليف:
8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «2»
9- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «3»
ثالثا: ما يؤمن عليه الإنسان من الأعراض (العفة والصيانة) والتكاليف:
10- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «4»
11- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
__________
(1) المعارج: 19- 35 مكية
(2) الأنفال: 27- 28 مدنية
(3) الأحزاب: 72- 73 مدنية
(4) النمل: 38- 40 مكية(3/513)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) «1»
رابعا: ما يؤتمن عليه الرسل والملائكة في التبليغ عن المولى- عز وجل-:
12- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66)
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «2»
13- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «3»
14- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) «4»
15- وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) «5»
16- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) «6»
__________
(1) القصص: 20- 26 مكية
(2) الأعراف: 65- 68 مكية
(3) الشعراء: 105- 110 مكية
(4) الشعراء: 123- 127 مكية
(5) الدخان: 17- 19 مكية
(6) التكوير: 19- 21 مكية(3/514)
الأحاديث الواردة في (الأمانة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب في حجّة الوداع فكان ممّا قال: «اتّقوا الله في النّساء؛ فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله. وإنّ لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ...
الحديث» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «أخبرني أبو سفيان أنّ هرقل قال له:
سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنّه يأمر بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبيّ» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» ) * «4» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانة» ) * «5» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «6» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإمام ضامن «7» والمؤذّن مؤتمن»
. اللهم أرشد الأئمّة واغفر للمؤذّنين» ) * «9» .
8-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما-: أنّ أباه استشهد يوم أحد وترك ستّ بنات وترك عليه دينا. فلمّا حضره جذاذ النّخل «10» أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، قد علمت أنّ والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا وإنّي
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (33) ، مسلم (59) .
(2) مسلم (1218) وبدل (بأمانة الله) قوله (بأمان الله) .
(3) البخاري- الفتح 1 (6) ، ومسلم (1773) .
(4) أبو داود (3535) والترمذى (1264) وقال حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (1/ 323) : حديث صحيح.
(5) الترمذي 4 (1959) وقال: هذا حديث حسن. أبو داود 4 (4868) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 922) : حسن وهو في الصحيحة برقم (1089) وفي صحيح الجامع (486) .
(6) البخاري- الفتح 1 (34) واللفظ له، ومسلم (58) .
(7) ضامن: المراد ضمان الحفظ والرعاية لأنه يحفظ على القوم صلاتهم.
(8) يعنى أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم.
(9) الترمذي 1 (207) وقال: وفي الباب عن عائشة وسهل ابن سعد وعقبة بن عامر: وقد علق الشيخ أحمد شاكر على هذا الحديث بقوله حديث صحيح ثابت (1/ 403- 405 حاشية) . ورواه أبو داود (517) وأحمد في المسند (2/ 377، 378، 419، 514) وقال محقق جامع الأصول (9/ 413) : وهو حديث صحيح.
(10) هنا جذاذ- بذالين معجمتين- وهو نص فتح الباري(3/515)
أحبّ أن يراك الغرماء. قال: «اذهب فبيدر كلّ تمر على ناحية. ففعلت ثمّ دعوته فلمّا نظروا إليه أغروا بي تلك السّاعة. فلمّا رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا «1» ثلاث مرّات. ثمّ جلس عليه ثمّ قال:
«ادع أصحابك» فما زال يكيل لهم حتّى أدّى الله أمانة والدي. وأنا والله راض أن يؤدّي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي تمرة. فسلم- والله- البيادر كلّها حتّى إنّي أنظر إلى البيدر الّذي عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّه لم ينقص تمرة واحدة» ) * «2» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يبغض الفحش والتّفحّش. والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يخوّن الأمين، ويؤتمن الخائن.
حتّى يظهر الفحش والتّفحّش. وقطيعة الأرحام.
وسوء الجوار. والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل القطعة من الذّهب، نفخ عليها صاحبها فلم تغيّر ولم تنقص. والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا. ووضعت طيّبا. ووقعت فلم تكسر ولم تفسد» . قال وقال: «ألا إنّ لي حوضا ما بين ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكّة» ، أو قال: «صنعاء إلى المدينة، وإنّ فيه من الأباريق مثل الكواكب، هو أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل. من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا» ) * «3» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لي على قريش حقّا، وإنّ لقريش عليكم حقّا، ما حكموا فعدلوا، وأتمنوا فأدّوا، واسترحموا فرحموا» ) * «4» .
11-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الأمانة «5» عند الله يوم القيامة: الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها» . وفي رواية: «من أشرّ النّاس» ) * «6» .
12-* (عن أمّ سلمة- رضي الله تعالى عنها- في حديث هجرة الحبشة، ومن كلام جعفر في مخاطبة
__________
(2781) من الجذ وهو القطع لكن رواه العيني في عمدة القاري كتاب الوصايا مجلد 7 ج 14 ص 77 حضر «جداد» بدالين مهملتين وبفتح الجيم وكسرها قال: وهو صرام النخل وهو قطع ثمرتها، وفي لسان العرب أن الجداد- بفتح الجيم. وكسرها: أوان الصرام، ولعله المناسب هنا.
(1) فبيدر: بيدر الحنطة ونحوها كوّمها، والبيدر: الجرن من القمح ونحوه.
(2) قال أبو عبد الله: أغروا بي: يعني هيجوا بي وفي عمدة القاري: أي لجّوا في مطالبتي وألحوا فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ. البخاري- الفتح 5 (2781) .
(3) مسند أحمد (2/ 162، 199، 238) وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 90) : إسناده صحيح. وروى ابن ماجة 2 (4036) نحوه عن أبي هريرة.
(4) مسند أحمد (2/ 270) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (14/ 72) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد: 5/ 1920، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.
(5) إن من أعظم الأمانة: على حذف المضاف، أي أعظم خيانة الأمانة.
(6) مسلم (1437) .(3/516)
النّجاشيّ. فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوىّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث. وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام. فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث» ) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما النّبي صلّى الله عليه وسلّم في مجلس يحدّث القوم جاء أعرابيّ فقال: متى السّاعة؟ فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث.
فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتّى إذا قضى حديثه قال:
«أين أراه السّائل عن السّاعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «فإذا ضيّعت الأمانة فانتظر السّاعة» .
قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السّاعة» ) * «2» .
14-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدّثنا أنّ الأمانة «3» نزلت في جذر قلوب الرّجال، ثمّ علموا من القرآن ثمّ علموا من السّنّة. وحدّثنا عن رفعها. قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت «4» . ثمّ ينام النّومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل «5» ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط «6» .
فتراه منتبرا «7» وليس فيه شيء، ويصبح النّاس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدّي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرّجل ما أعقله، وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيّكم بايعت «8» .
لئن كان مسلما ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، وأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا» ) * «9» .
__________
(1) أحمد (1/ 202) وقال المحقق الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح، وهو في سيرة ابن هشام (217- 221) عن ابن إسحاق. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) البخاري- الفتح 1 (59) .
(3) الأمانة: المقصود هنا التكليف الذي كلف الله به العباد.
(4) الوكت: هو الأثر اليسير أو سواد يسير.
(5) المجل: أثر العمل في اليد.
(6) نفط: إذا صار بين الجلد واللحم ماء.
(7) منتبرا: مرتفعا.
(8) بايعت: المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان.
(9) البخاري- الفتح 13 (7086) ، مسلم (143) .(3/517)
15-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الخازن الأمين الّذي يؤدّي ما أمر به طيّبة نفسه أحد المتصدّقين» ) * «1» .
16-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من جاء بهنّ مع إيمان دخل الجنّة: من حافظ على الصّلوات الخمس على وضوئهنّ وركوعهنّ وسجودهنّ ومواقيتهنّ.
وصام رمضان. وحجّ البيت إن استطاع إليه سبيلا وأعطى الزّكاة طيّبة بها نفسه. وأدّى الأمانة» . قالوا: يا أبا الدّرداء: وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة» ) * «2» .
17-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، فقال: «يا غلام، هل من لبن؟» قال قلت: نعم. ولكنّي مؤتمن. قال: «فهل من شاة لم ينز «3» عليها الفحل؟» فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر. ثمّ قال للضّرع: «اقلص» فقلص «4» . قال: ثمّ أتيته بعد هذا. فقلت: يا رسول الله، علّمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي، وقال: «يرحمك الله، فإنّك غليّم معلّم» ) * «5» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كيف بكم، وبزمان يوشك أن يأتي يغربل النّاس «6» فيه غربلة، ثمّ تبقى حثالة «7» من النّاس قد مرجت «8» عهودهم وأماناتهم، فاختلفوا هكذا وشبّك بين أصابعه- قالوا: كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: تأخذون بما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصّتكم، وتذرون أمر عوامّكم» ) * «9» .
19-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأهل نجران: لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حقّ أمين. فاستشرف لها أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث أبا عبيدة» ) * «10» .
20-* (عن أمّ سلمة وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستشار
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2260) ، مسلم (1023) واللفظ للبخاري.
(2) أبو داود (1/ 429) وقال الألباني (1/ 87) : حسن، وأورده في مجمع الزوائد (1/ 47) إلا أن السؤال وقع للنبي صلّى الله عليه وسلّم لا لأبي الدرداء وزاد بعدها: إن الله لم يأمن بني آدم على شيء من دينه غيرها، وقال رواه الطبراني في الكبير وإسناده جيد.
(3) نزا عليها الفحل أي وثب.
(4) فقلص: أي اجتمع.
(5) مسند الإمام أحمد 5 (3598) بتحقيق أحمد شاكر (5/ 210) : إسناده صحيح. وجاء بإسناد بعده. قال: فأتاه أبو بكر بصخرة منقورة، فاحتلب فيها وشرب، وشرب أبو بكر وشربت. قال: ثم أتيته بعد ذلك. قلت: علمني من هذا القرآن، قال: إنك غلام معلم، قال: فأخذت من فيه سبعين سورة.
(6) يغربل الناس: يذهب خيارهم ويبقى شرارهم.
(7) حثالة من الناس: الحثالة الرديء من كل شيء.
(8) مرجت: اختلفت وفسدت.
(9) ابن ماجة (3958) واللفظ له، أبو داود برقم (4343) وقال الألباني (3/ 820) : حسن صحيح، وفي المسند تحقيق أحمد شاكر برقم (7049) وقال: حديث صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 6) : حديث صحيح.
(10) البخاري- الفتح 13 (7254) ، ومسلم (2420) .(3/518)
مؤتمن» ) * «1» .
21-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ أمّة أمين، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة» ) * «2» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الملك في قريش والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد» يعني اليمن» ) * «3» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم» ) * «4» .
24-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنّه كان يقول للرّجل إذا أراد سفرا: ادن منّي أودّعك كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يودّعنا: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» ) * «5» .
25-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثمّ قال: «يا أبا ذرّ إنّك ضعيف، وإنّها أمانة، وإنّها يوم القيامة خزي وندامة، إلّا من أخذها بحقّها وأدّى الّذي عليه فيها» ) * «6» .
26-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يجمع الله تبارك وتعالى النّاس فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «7» لهم الجنّة. فيأتون آدم فيقولون:
يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم، لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنّما كنت خليلا من وراء وراء «8» ، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) الترمذي (2822، 2823) وقال: هذا حديث حسن. وعن أم سلمة: غريب، وفي الباب عن ابن مسعود وابن عمر أيضا. ورواه أبو داود (5128) وقال محقق جامع الأصول (11/ 562) : وهو حديث حسن.
(2) البخاري- الفتح 13 (7255) ، مسلم (2419) .
(3) الترمذي 5 (3936) وساق سندا آخر عن أبي هريرة نحوه ولم يرفعه وقال الترمذي: وهذا أصح من حديث زيد بن حباب. ورواه أحمد (3/ 364) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 310) : إسناده صحيح، وأشار السيوطي في الجامع الصغير إلى أنه حديث صحيح.
(4) الترمذي 5 (2627) وقال: هذا حديث حسن صحيح، النسائي (8/ 104، 105) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 240) : إسناده قوي وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (26) وأورد من حديث أنس بلفظ نحوه.
(5) الترمذي (3443) واللفظ له، وأبو داود (2600) وقال الألباني (2/ 493) : صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(6) مسلم 3 (1825) .
(7) تزلف: تقرب.
(8) وراء وراء: كلمة مؤكدة كشذر مذر وشغر مغر. فركبهما وبناهما على الفتح.(3/519)
فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة والرّحم «1» فتقومان جنبتي الصّراط يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق» .
قال قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال:
«ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح. ثمّ كمرّ الطّير، وشدّ الرّجال «2» . تجري بهم أعمالهم «3» . ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا» . قال: «وفي حافتي الصّراط كلاليب معلّقة مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس «4» في النّار» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (الأمانة) معنى
27-* (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العامل على الصّدقة بالحقّ كالغازي في سبيل الله حتّى يرجع إلى بيته» ) * «6» .
28-* (عن أبي زرارة عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة، قال:
فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأنّي أنظر إليه.
فقال: يا رسول الله اقبل عنّي عملك، قال: وما لك؟
قال: سمعتك تقول: كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن.
من استعملناه منكم على عمل فليجأ بقليله وكثيرة. فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى» ) * «7» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الأمانة)
29-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة «8» في أديم مقروظ «9» ، لم تحصّل من ترابها «10» . قال فقسمها بين أربعة نفر:
بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل
__________
(1) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكبير موقعهما. فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى.
(2) شد الرجال: الشد هو العدو البالغ الجري.
(3) تجري بهم أعمالهم: هو تفسير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيمر أولكم كالبرق» ثم كمر الريح ...
(4) مكدوس في النار: أي مدفوع فيها.
(5) مسلم (195)
(6) الحاكم (1/ 406) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7) مسلم (1833) واللفظ له، أبو داود (3581) .
(8) ذهيبة: تصغير ذهبة وأنثها على معنى القطعة.
(9) أديم مقروظ: أي في جلد مدبوغ بالقرظ، والقرظ حب يؤخذ من ثمر شجر العضاه.
(10) لم تحصّل من ترابها: لم تميز ولم تصفّ من تراب معدنها.(3/520)
من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين «1» ، ناشز الجبهة «2» كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله اتّق الله! قال: «ويلك: أولست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا؛ لعلّه أن يكون يصلّي» . فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس «3» ولا أشقّ بطونهم» . قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «4» فقال: «إنّه يخرج من ضئضىء «5» هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» . وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود «6» » ) * «7» .
30-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبان قطريّان غليظان. فكان إذا قعد فعرق، ثقلا عليه، فقدم بزّ «8» من الشّام لفلان اليهوديّ. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة. فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد. إنّما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب. قد علم أنّي من أتقاهم لله وآداهم للأمانة» ) * «9» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأمانة)
1-* (عن زيد بن ثابت قال: بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة، وعنده عمر. فقال أبو بكر:
إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استحرّ «10» يوم القيامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلّها فيذهب قرآن كثير، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتّى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: وإنّك رجل شابّ عاقل
__________
(1) مشرف الوجنتين: أي غليظهما. والوجنتان تثنية وجنة وهي ما ارتفع من لحم الخد.
(2) ناشز الجبهة: أي مرتفعها.
(3) لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس: أي أفتش وأكشف.
(4) وهو مقفّ: أي ذهب موليا وكأنه من القفا أي أعطاه قفاه وظهره.
(5) ضئضىء هذا: هو أصل الشيء. وهو بالمعجمتين والمهملتين.
(6) قتل ثمود: يعني الاستئصال.
(7) البخاري- الفتح 7 (4351) واللفظ له، مسلم (1064) .
(8) البزّ: الثياب وقيل: ضرب من الثياب. لسان العرب «بزز» .
(9) الترمذي 3 (1213) وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي 7/ 294) ، البيوع: باب البيع إلى أجل معلوم، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 660) : إسناده صحيح.
(10) استحر: اشتد وحمى.(3/521)
لا نتّهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتتبّع القرآن فاجمعه. قال زيد: فو الله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليّ ممّا كلّفني من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو بكر: هو- والله- خير، فلم يزل يحثّ مراجعتي حتّى شرح الله صدري للّذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك رأيا. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب «1» والرّقاع واللّخاف «2» وصدور الرّجال فوجدت آخر سورة التّوبة لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخرها مع خزيمة أو أبي خزيمة- فألحقتها في سورتها. وكانت الصّحف عند أبي بكر حياته حتّى توفّاه الله- عزّ وجلّ- ثمّ عند عمر حياته حتّى توفّاه الله، ثمّ عند حفصة بنت عمر» ) * «3» .
قال محمّد بن عبيد الله: اللّخاف: يعني الخزف» ) *
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«لمّا استخلف أبو بكر، قال: لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه» ) * «4» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أنا أوّل من أتى عمر حين طعن. فقال:
احفظ عنّي ثلاثا، فإنّي أخاف أن لا يدركني النّاس، أمّا أنا فلم أقض في الكلالة «5» قضاء. ولم أستخلف على النّاس خليفة. وكلّ مملوك له عتيق. فقال له النّاس: استخلف. فقال: أيّ ذلك أفعل فقد فعله من هو خير منّي: أن أدع إلى النّاس أمرهم فقد تركه نبيّ الله عليه الصّلاة والسّلام، وأن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، فقلت له أبشر بالجنّة، صاحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأطلت صحبته.
وولّيت أمر المؤمنين فقويت، وأدّيت الأمانة. فقال:
أمّا تبشيرك إيّاي بالجنّة، فو الله لو أنّ لي- قال عفّان:
فلا والله الّذي لا إله إلّا هو لو أنّ لي الدّنيا بما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر.
وأمّا قولك في أمر المؤمنين، فو الله لوددت أنّ ذلك كفافا لا لي ولا عليّ، وأمّا ما ذكرت من صحبة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فذلك» ) * «6» .
4-* (عن أبي رافع: أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كان مستندا إلى ابن عبّاس وعنده ابن عمر، وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أنّي لم أقل في الكلالة شيئا، ولم أستخلف من بعدي أحدا وأنّه من أدرك وفاتي من سبي العرب، فهو حرّ من مال الله- عزّ وجلّ- فقال سعيد بن زيد: أما إنّك لو أشرت برجل
__________
(1) العسب: جريد النخل.
(2) اللخاف: حجر رقيق محدّد.
(3) البخاري- الفتح 13 (7191) .
(4) البخاري- الفتح 4 (2070) .
(5) الكلالة: أن يموت المرء وليس له والد أو ولد يرثه، بل يرثه ذوو قرابته وفي التنزيل العزيز يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ....
(6) أحمد (1/ 47) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 295) : إسناده صحيح، وأصل الحديث في البخاري.(3/522)
من المسلمين لائتمنك النّاس. فعل ذلك أبو بكر وأتمنه النّاس، فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصا سيّئا، وإنّي جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّتّة الّذين مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض.
ثمّ قال عمر: لو أدركني أحد رجلين، ثمّ جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجرّاح» ) * «1» .
5-* (قال ابن عبّاس- رضي الله تعالى عنهما-: «القرآن أمين على كلّ كتاب قبله» ) * «2» .
6-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لم يرخّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة» ) * «3» .
7-* (عن أبي عبد الله بن سالم بن سبلان قال: «وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره.
فأرتني كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ ... الحديث» ) * «4» .
8-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك.
قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال:
فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟
قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال عبد الله ابن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير. فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟
فكتمه فقال: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا،
__________
(1) مسند الإمام أحمد (1/ 20) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 212) : إسناده صحيح.
(2) البخاري- الفتح (8/ 619) كتاب فضائل القرآن في أوله.
(3) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (5/ 265) ، ويمسك الأمانة بمعنى يأخذها ويأكلها.
(4) النسائي (83) الطهارة (1/ 72، 73) ، وقال محقق جامع الأصول (7/ 160) : وفي سنده عبد الملك بن مروان بن أبي ذباب، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات.(3/523)
فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم، فقال عبد الله: لا.
قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف.
فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف.
وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف.
وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين:
ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال:
فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» .
9-* (قال البخاريّ- رحمه الله تعالى- فأداء الأمانة أحقّ من تطوّع الوصيّة» ) * «2» .
10-* (وقال الزّهريّ- رحمه الله تعالى- فيمن قال إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثا:
يسأل عمّا قال، وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين، فإن سمّى أجلا أراده، وعقد عليه قلبه حين حلف جعل ذلك في دينه وأمانته» ) * «3» .
من فوائد (الأمانة)
(1) الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) يقوم عليها أمر السّموات والأرض.
(3) هي محور الدّين وامتحان ربّ العالمين.
(4) بالأمانة يحفظ الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ...
(5) الأمين يحبّه الله ويحبّه النّاس.
(6) من أعظم الصّفات الخلقيّة الّتي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* (المؤمنون/ 8، والمعارج/ 32) .
(7) مجتمع تفشو فيه الأمانة مجتمع خير وبركة.
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(2) البخاري- الفتح (5/ 443) .
(3) فتح الباري (9/ 300)(3/524)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 13/ 33/ 13/
المعروف لغة:
المعروف: كالعرف وهو ما تعرفه النّفس من الخير وتطمئنّ إليه، وقوله تعالى: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (لقمان/ 5) أي مصاحبا معروفا، قال الزّجّاج: المعروف هنا ما يستحسن من الأفعال.
وقوله- عزّ وجلّ-: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (المرسلات/ 1) قال بعض المفسّرين فيها: إنّها (الملائكة) أرسلت بالعرف والإحسان، وقيل: هو مستعار من عرف الفرس أي يتتابعون كعرف الفرس.
والعرف، والمعروف واحد ضدّ النّكر. وقد تكرّر ذكر المعروف في الحديث، وهو من الصّفات الغالبة أي أمر معروف بين النّاس إذا رأوه لا ينكرونه. والمعروف:
النّصفة وحسن الصّحبة مع الأهل وغيرهم من النّاس، والمنكر ضدّ ذلك جميعه «1» .
المنكر لغة:
النّكر والنّكراء: الدّهاء والفطنة. ورجل نكر ونكر ونكر ومنكر من قوم مناكير: داه فطن. وامرأة نكراء، ورجل منكر داه، والإنكار: الجحود. والنّكرة:
إنكارك الشّيء، وهو نقيض المعرفة. قال ابن سيده:
والصّحيح أنّ الإنكار المصدر والنّكر الاسم. وفي التّنزيل العزيز: نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً (هود/ 70) .
والإنكار: الاستفهام عمّا ينكره. والاستنكار:
استفهامك أمرا تنكره.
والمنكر من الأمر: خلاف المعروف، وقد تكرّر في الحديث الإنكار والمنكر، وهو ضدّ المعروف، وكلّ ما قبّحه الشّرع وحرّمه وكرهه، فهو منكر، واستنكره فهو مستنكر، والجمع مناكير. والنّكير والإنكار:
تغيير المنكر. «2»
المعروف اصطلاحا:
اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة الله والتّقرّب إليه، والإحسان إلى النّاس، وكلّ ما ندب إليه الشّرع، ونهى عنه من المحسّنات والمقبّحات.
والمنكر اصطلاحا:
كلّ ما قبّحه الشّرع وحرّمه ونهى عنه «3» .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الأمر بالمعروف: هو الإرشاد إلى المراشد المنجّية.
والنّهي عن المنكر: الزّجر عمّا لا يلائم في الشّريعة.
وقيل: الأمر بالمعروف الدّلالة على الخير.
والنّهي عن المنكر: المنع عن الشّرّ.
وقيل: الأمر بالمعروف: أمر بما يوافق الكتاب والسّنّة.
__________
(1) الصحاح للجوهري (2/ 837) . ولسان العرب لابن منظور (9/ 239، 241) .
(2) لسان العرب 5/ 232- 233.
(3) المرجع السابق (233) .(3/525)
والنّهي عن المنكر: نهي عمّا تميل إليه النّفس والشّهوة.
وقيل: الأمر بالمعروف: الإشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أقوال العبد وأفعاله.
والنّهي عن المنكر: تقبيح ما تنفّر عنه الشّريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في شرع الله تعالى «1» .
منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال النّوويّ- رحمه الله-: اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر قد ضيّع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلّا رسوم قليلة جدّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عمّ العقاب الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم أوشك أن يعمّهم الله تعالى بعقابه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور/ 63) . فينبغي لطالب الآخرة، والسّاعي في تحصيل رضا الله- عزّ وجلّ- أن يعتني بهذا الباب؛ فإنّ نفعه عظيم لا سيّما وقد ذهب معظمه، وعلى الآمر بالمعروف أن يخلص نيّته ولا يهابنّ من ينكر عليه لارتفاع مرتبته لأنّ الله تعالى قال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (الحج/ 40) ، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (آل عمران/ 101) ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (العنكبوت/ 69) ، وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (العنكبوت/ 2- 3) واعلم أنّ الأجر على قدر النصب ولا يتركه أيضا لصداقته ومودّته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإنّ صداقته ومودّته توجب له حرمة وحقّا، ومن حقّه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارّها، وصديق الإنسان، ومحبّه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدّى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوّه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصّل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. وإنّما كان إبليس عدوّا لنا لهذا، وكانت الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا وتوفيق أحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته. وينبغي للآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-: «من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه» «2» ، ثمّ إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض النّاس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم الكلّ ممّن تمكّن منه بلا عذر ولا خوف. ثمّ إنّه قد يتعيّن كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلّا هو أو لا يتمكّن من إزالته إلّا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء- رحمهم الله-: «لا يسقط عن المكلّف الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكونه لا
__________
(1) التعريفات (37) .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 24) .(3/526)
يفيد في ظنّه، بل يجب عليه عليه الأمر والنّهي لا القبول، وكما قال الله عزّ وجلّ: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ (المائدة/ 99) ومثّل العلماء هذا بمن يرى إنسانا في الحمّام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك، قال العلماء: لا يشترط في الآمر والنّاهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر، وإن كان مخلّا بما يأمر به، والنّاهي وإن كان متلبّسا بما ينهى عنه، فإنّه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلّ بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر. قال العلماء:
ولا يختصّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بأصحاب الولايات؛ بل ذلك جائز لآحاد المسلمين.
قال إمام الحرمين: والدّليل عليه إجماع المسلمين، فإنّ غير الولاة في الصّدر الأوّل، والعصر الّذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إيّاهم وترك توبيخهم على التّشاغل بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من غير ولاية. ثمّ إنّه إنّما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشّيء، فإن كان من الواجبات الظّاهرة والمحرّمات المشهورة كالصّلاة والصّيام والزّنا والخمر ونحوها، فكلّ المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وممّا يتعلّق بالاجتهاد لم يكن للعوامّ مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء، ثمّ العلماء إنّما ينكرون ما أجمع عليه، أمّا المختلف فيه فلا إنكار فيه «1» .
القطب الأعظم في الدين:
قال الإمام أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابتعث الله له النّبيّين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطّلت النّبوّة، واضمحلّت الدّيانة، وعمّت الفترة «2» ، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلّا يوم التّناد، وقد كان الّذي خفنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلّيّة حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل النّاس في اتّباع الهوى والشّهوات استرسال البهائم، وعزّ «3» على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فمن سعى في تلافي هذه الفترة، وسدّ هذه الثّلمة إمّا متكفّلا بعملها أو متقلّدا لتفنيدها مجدّدا لهذه السّنّة الدّاثرة ناهضا بأعبائها ومتشمّرا في إحيائها كان مستأثرا من بين الخلق بإحياء سنّة أفضى الزّمان إلى إماتتها، ومستبدّا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- الإنذار- التبليغ- التذكير- التعاون على البر والتقوى- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الغي والإغواء- الفسوق- التهاون] .
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 23) .
(2) الفترة: هي السكون بعد الحدّة، والهدوء بعد الشّدّة.
(3) عزّ: قلّ.
(4) إحياء علوم الدين للغزالي (2/ 306) .(3/527)
الآيات الواردة في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»
1- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) «1»
2- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110)
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112)
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)
وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) «2»
3- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «3»
4- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4»
5- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) «5»
6- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ
__________
(1) آل عمران: 104 مدنية
(2) آل عمران: 110- 115 مدنية
(3) النساء: 114 مدنية
(4) الأعراف: 156- 157 مكية
(5) الأعراف: 199- 200 مكية(3/528)
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «1»
7- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «2»
8- الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «3»
9- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) «4»
الآيات الواردة في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» معنى
10- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44) «5»
11- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «6»
12- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «7»
13- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «8»
__________
(1) التوبة: 71 مدنية
(2) التوبة: 111- 112 مدنية
(3) الحج: 40- 41 مدنية
(4) لقمان: 17 مكية
(5) البقرة: 44 مدنية
(6) الأعراف: 29- 30 مكية
(7) النحل: 76 مكية
(8) النحل: 90 مكية(3/529)
الأحاديث الواردة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم» ) * «1»
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو أربعين رجلا. فقال: «إنّه مفتوح لكم، وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى فهو يمدّ بذنبه» ) * «2» .
3-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟
قال: أيّة آية؟ قلت: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال ابن المبارك وزادني غير عتبة: قيل يا رسول الله: أجر خمسين منّا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «3»
4-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه سلّم: يا رسول الله، ذهب أهل الدّثور «4» بالأجور، يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصّدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «5»
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل ما دخل النّقص على بني إسرائيل كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول: يا هذا اتّق الله ودع ما تصنع فإنّه لا يحلّ لك،
__________
(1) سنن ابن ماجه (4004) وقال الألباني (2/ 367) : حسن.
(2) أحمد في المسند (1/ 389) . والترمذي (2257) وقال: حسن صحيح. الحاكم (4/ 159) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وهذا لفظ الحاكم.
(3) أبو داود (4341) . والترمذي (3058) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه (4005) . ومحمد بن نصر المروزي في السنة (ص 9) من حديث عتبة بن غزوان. والبغوي في شرح السنة (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها.
(4) الدثور: جمع دثر، وهو المال الكثير. انظر «النهاية» (2/ 100) .
(5) مسلم (1006) .(3/530)
ثمّ يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثمّ قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (المائدة/ 78- 81) إلى قوله فاسِقُونَ ثمّ قال «كلّا والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يدي الظّالم ولتأطرنّه «1» على الحقّ أطرا ولتقصرنّه على الحقّ قصرا» ) * «2» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل. فمن كبّر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس، أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى «3» . فإنّه يمشي يومئذ، وقد زحزح نفسه عن النّار» ) * «4» .
7-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس على الطّرقات» ، فقالوا: ما لنا بدّ، إنّما هي مجالسنا نتحدّث فيها. قال: «فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطّريق حقّها» . قالوا: وما حقّ الطّريق؟ قال:
«غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر» ) * «5» .
8-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «6» .
9-* (عن أبي كثير السّحيميّ عن أبيه قال:
سألت أبا ذرّ قلت: دلّني على عمل إذا عمل العبد به دخل الجنّة؟ قال: سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تؤمن بالله واليوم الآخر. قلت: يا رسول الله، إنّ مع الإيمان عملا؟ قال: يرضخ «7» ممّا رزقه الله.
قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به؟ قال: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان عييّا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال:
__________
(1) ولتأطرنه: أي لتردنه إلى الحق ولتعطفنه عليه.
(2) أحمد في المسند (1/ 391) برقم (3712) ، وقال محققه: صحيح الإسناد وأبو داود (4336) واللفظ له. والترمذي (3048) وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه (4006) .
(3) السلامى: بضم السين وتخفيف اللام- هو المفصل، وجمعه سلاميات. وفى القاموس: هي عظام صغار طول إصبع فى اليد والرجل.
(4) مسلم (1007) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2465) واللفظ له ومسلم (2121)
(6) الترمذي (7195) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (9/ 561) : حديث حسن.
(7) يرضخ: أي يعطي عطية قليلة.(3/531)
يصنع لأخرق، قلت: أرأيت إن كان أخرق أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مغلوبا. قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا؟ قال: ما تريد أن يكون في صاحبك من خير؟، يمسك عن أذى النّاس، فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنّة؟
قال: ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلّا أخذت بيده حتّى تدخله الجنّة» ) * «1» .
10-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله علّمني عملا يدخلني الجنّة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «2» ، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» .
قال: أوليستا بواحد؟ قال: لا، إنّ عتق النّسمة أن تفرّد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف «3» ، والفيء على ذي الرّحم «4» الظّالم. فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظّمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر. فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من الخير» ) * «5» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنظر في وجهه والتّسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال:
ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله.
قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وأنا قد وجدت بعض ذلك» ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التّيّهان الأنصاريّ، وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟
فقالت انطلق يستعذب لنا الماء، ولم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها «6» فوضعها، ثمّ جاء يلتزم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويفدّيه بأبيه وأمّه، ثمّ انطلق بهم إلى حديقته، فبسط لهم بساطا، ثمّ انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا تنقّيت لنا من رطبه؟» فقال: يا رسول الله إنّي أردت أن تختاروا، أو قال: تخيّروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا والّذي نفسي بيده من النّعيم الّذي تسألون عنه يوم القيامة؛ ظلّ بارد، ورطب طيّب، وماء بارد» فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تذبحنّ ذات درّ» . قال:
فذبح لهم عناقا أو جديا، فأتاهم بها فأكلوا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك خادم؟» قال: لا. قال: «فإذا أتانا سبي فأتنا» فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اختر منهما» فقال: يا نبيّ الله اختر لي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا فإنّي رأيته يصلّي واستوص به
__________
(1) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 230) ، وقال رواه الطبراني في الكبير واللفظ له ورواته ثقات. وابن حبان في صحيحه والحاكم (1/ 63) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(2) أعرضت المسألة: أي جئت بها عريضة أي واسعة.
(3) المنحة الوكوف: الغزيرة اللبن الكثيرة الدر.
(4) الفيء على ذي الرحم: الرجوع عليهم بما رد الله تعالى عليك من أموال.
(5) أحمد في المسند (4/ 299) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (9/ 354) وقال محققه: إسناده صحيح. والأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) ورجاله ثقات.
(6) يزعبها: أي يحملها مملوءة.(3/532)
معروفا» . فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن تعتقه، قال فهو عتيق. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يبعث نبيّا ولا خليفة إلّا وله بطانتان:
بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السّوء فقد وقي» ) * «1» .
12-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» قالوا: فإن لم يستطع، أو لم يفعل؟
قال: «فيعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يفعل؟
قال: «فليأمر بالخير» أو قال: «بالمعروف» قالوا:
فإن لم يفعل؟ قال: «فليمسك عن الشّرّ، فإنّه له صدقة» ) * «2» .
13-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
كنّا جلوسا عند عمر- رضي الله عنه- فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت: أنا، كما قاله، قال: إنّك عليه- أو عليها- لجريء. قلت: فتنة الرّجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّوم والصّدقة والأمر والنّهي. قال: ليس هذا أريد. ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال:
ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إنّ بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أيكسر أم يفتح؟ قال: يكسر. قال:
إذن لا يغلق أبدا» ) * «3» .
14-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه. وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «4» .
15-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثمّ تدعونه فلا يستجاب لكم» ) * «5» .
16-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة. فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة. وكلّ تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. ويجزأ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «6» .
__________
(1) مسلم (2038) . والترمذي (2369) واللفظ له، وقال حسن صحيح غريب.
(2) البخاري- الفتح 10 (6022) واللفظ له. ومسلم (1008) .
(3) البخاري- الفتح 2 (525) واللفظ له. ومسلم (144) . والترمذى (2258) .
(4) البخاري. الفتح 13 (7198) .
(5) الترمذي (2169) وقال: هذا حديث حسن وحسنه الألباني (صحيح سنن الترمذي: 1762) . والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 227) .
(6) مسلم (720) .(3/533)
الأحاديث الواردة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) معنى
17-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتّباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الدّاعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، وردّ السّلام، وتشميت العاطس.
ونهانا عن آنية الفضّة وخاتم الذّهب، والحرير، والدّيباج، والقسّيّ «1» والإستبرق» ) * «2»
18-* عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان «3» تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك» ) * «4» .
19-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا فكان فيما قال:
«ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة النّاس أن يقول بحقّ إذا علمه» ) * «5» .
20-* (عن تميم الدّاريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّين النّصيحة» . قلنا: لمن؟
قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» ) * «6» .
21-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) * «7» .
22-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: «بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم» ) * «8» .
23-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره. وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. وعلى أن نقول بالحقّ
__________
(1) القسّيّ: بفتح القاف هو الصحيح المشهور وقد تكسر: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس- بفتح القاف- موضع بمصر على ساحل البحر قريبة من تنيس.
(2) البخاري- الفتح 3 (1239) واللفظ له. ومسلم (2066) والإستبرق: غليظ الديباج.
(3) ببهتان: البهتان الكذب الذي يبهت سامعه. وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما.
(4) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، مسلم (1709) .
(5) ابن ماجه (4007) وصححه الألباني- صحيح ابن ماجه (3237) وهو في الصحيحة له (168) . والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 448) وقال: رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(6) مسلم (55) .
(7) أبو داود (4344) . والترمذي (2174) واللفظ له، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وصحيح ابن ماجة (3240) . وهو في الصحيحة (491) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1401) واللفظ له. ومسلم (56) .(3/534)
أينما كنّا. لا نخاف في الله لومة لائم» ) * «1» .
24-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة، قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه.
ومنّا من ينتضل «2» ومنّا من هو في جشره «3» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «4» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها.
وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «5» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن:
هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتي إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» ) * «6» .
25-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا:
يا رسول الله إنّا هذا الحيّ من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر. ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام. فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا. قال: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلّا الله- وعقد بيده هكذا- وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة. وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدّبّاء «7» والحنتم «8» والنّقير «9» والمزفّت «10» » ) * «11» .
26-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته، ويقتدون بأمره، ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف. يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7199، 7200) . ومسلم (1709) كتاب الإمارة (ج 3 ص 1470) .
(2) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب.
(3) في جشره: الجشر قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم.
(4) نصب الصلاة على الإغراء، وجامعة على الحال.
(5) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل: معناه يشبه بعضه بعضا.
(6) مسلم (1844) .
(7) الدبّاء: القرع اليابس أي الوعاء منه.
(8) الحنتم: جرار حمر أو خضر يجلب فيها الخمر.
(9) النقير: جذع ينقر وسطه.
(10) المزفت: وهو المطلي بالقار وهو الزفت.
(11) البخاري- الفتح 3 (1398) واللفظ له. ومسلم (23) .
(12) مسلم (50) .(3/535)
27-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «1» .
28-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ) * «2» .
29-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: يا أيّها النّاس إنّكم تقرءون هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ النّاس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
30-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استعمل ابن اللّتبيّة على صدقات بني سليم، فلمّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحاسبه قال:
هذا الّذي لكم وهذه هديّة أهديت لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فهلّا جلست في بيت أبيك وبيت أمّك حتّى تأتيك هديّتك إن كنت صادقا؟ ثمّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس وحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي أستعمل رجالا منكم على أمور ممّا ولّاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هديّة أهديت لي، فهلّا جلس في بيت أبيه وبيت أمّه حتّى تأتيه هديّته إن كان؟ فو الله لا يأخذ أحدكم منها شيئا. قال هشام:
بغير حقّه- إلا جاء الله يحمله يوم القيامة، ألا فلأعرفنّ ما جاء الله رجل ببعير له رغاء «4» ، أو ببقرة لها خوار «5» ، أو شاة تيعر «6» » ، ثمّ رفع يديه حتّى رئي بياض إبطيه فقال: «اللهمّ هل بلّغت؟) * «7» .
31-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2493) .
(2) مسلم (49) .
(3) أبو داود (4338) . والترمذي (3057) وقال: حديث حسن صحيح
(4) الرغاء: صوت الإبل.
(5) الخوار: صوت البقر.
(6) تيعر: صوت الشاة وهي تصيح.
(7) البخاري- الفتح 13 (7197) واللفظ له. ومسلم (1832) .(3/536)
ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «1» أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «2» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل. لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «3» » ) * «4» .
32-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رأى خاتما من ذهب في يد رجل. فنزعه فطرحه وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده» فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا، والله لا آخذه أبدا. وقد طرحه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
33-* (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى حنين مرّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط «6» كما لهم ذات أنواط، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنّة من كان قبلكم» ) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
1-* (دخل معاوية يوما مسجد دمشق وجلس على المنبر. فناداه أبو مسلم الخولانيّ قائلا: يا معاوية إنّما أنت قبر من القبور، إن جئت بشيء كان لك شيء، وإن لم تجأ بشيء لك. يا معاوية لا تحسبنّ الخلافة جمع المال وتفرّقه، ولكنّ الخلافة العمل بالحقّ، والقول بالمعدلة، وأخذ النّاس في ذات الله- عزّ وجلّ-، يا معاوية إنّنا لا نبالي بكدر الأنهار ما صفا لنا رأس عيننا، وأنت رأس عيننا. يا معاوية إيّاك أن تحيف على قبيلة من قبائل العرب، فيذهب حيفك بعدلك» ) * «8» .
2-* (قالت أمّ الدّرداء: من وعظ أخاه سرّا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه» ) * «9» .
3-* (قال حذيفة- رضي الله عنه- الإسلام ثمانية أسهم، الصّلاة سهم، والزّكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والإسلام «10» سهم،
__________
(1) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه.
(2) ذفراه: ذفرى البعير الموضع الذي يعرق من قفاه.
(3) تدئبه: تتعبه وتشقيه.
(4) أبو داود (2549) ، قال محقق جامع الأصول (4/ 527) : إسناده صحيح. وهو عند مسلم دون قصة الجمل.
(5) مسلم (2090) .
(6) شجرة ذات تعاليق تعلق بها سيوفهم ويعكفون عليها كما كان يفعل المشركون.
(7) أخرجه الترمذي (2180) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (10/ 34) : إسناده صحيح.
(8) الآمرون بالمعروف في الإسلام للمنجد (52) .
(9) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال (49) .
(10) المراد بالإسلام: النطق بكلمة الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله، والسهم الثامن هو حج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلا.(3/537)
وقد خاب من لا سهم له» ) * «1» .
4- (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وإلّا كنتم أنتم الموعظات «2» » ) * «3» .
5-* (قال ميمون بن مهران لصاحب له:
قل لي في وجهي ما أكره. فإنّ الرّجل لا ينصح أخاه حتّى يقول له في وجهه ما يكره» ) * «4» .
6-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-: «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى» ) * «5» .
7-* (قال سفيان- رحمه الله- «إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق» «6» .
8-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله- «دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى، فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت له: اتّق الله قد ملأت الأرض ظلما وجورا. قال: فطأطأ رأسه ثمّ رفعه وقال: ارفع إلينا حاجتك. فقلت إنّما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا فاتّق الله، وأوصل إليهم حقوقهم، قال: فطأطأ رأسه، ثمّ رفعه وقال: ارفع إلينا حاجتك. فقلت: حجّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما. وأرى ههنا أموالا لا تطيقها الجبال» ) * «7» .
9-* (دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك فقال: إنّك قد اكتفيت رجالا، ابتاعوا دنياك بدينهم، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنّك مسئول عمّا اجترحوا، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك.
فقال له سليمان: لقد سللت لسانك. فقال: لك لا عليك) * «8» .
10-* (أوصى بعض السّلف بنيه فقال: «إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطّن نفسه على الصّبر، وليثق بالثّواب من الله تعالى، فمن وثق بالثّواب لم يجد مسّ الأذى، ولقد كان الله تعالى يحفظ أكثرهم من بأس الظّالمين ببركة إخلاصهم وحسن مقصدهم، وقوّة توكّلهم وابتغائهم بكلامهم وجه الله تعالى» ) * «9» .
11-* (سئل الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- عن الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: «يأمر بالرّفق والخضوع، ثمّ قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 7) .
(2) الموعظات: أي يوعظ بكم غيركم لما يحل بكم من سخط الله ولعنته بسبب إهمال هذا الأصل.
(3) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلّال (49) .
(4) الآمرون بالمعروف في الاسلام للمنجد (54) .
(5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلّال (46) .
(6) المرجع السابق (58) .
(7) تنبيه الغافلين (43، 44) . والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 106) .
(8) الشفاء لابن الجوزي (89) .
(9) تنبيه الغافلين لابن النحاس (43) .(3/538)
ينتصر لنفسه» ) * «1» .
12-* (قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه رحمه الله- قال: «إنّه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل.
قال: قلت: رجل تكلّم بكلام سوء يجب عليّ فيه أن أغيّره في ذلك الوقت، فلا أقدر على تغييره، وليس لي أعوان يعينونني عليه. قال: «إذا علم الله من قلبك أنّك منكر لذلك فأرجو ألّا يكون عليك شيء» ) * «2» .
13-* (قال الأصمعيّ: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كلّ بطن وذلك بمكّة المكرّمة في وقت حجّه في خلافته، فلمّا نظر إليه قام إليه وأجلسه معه على السّرير وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمّد ما حاجتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين اتّق الله في حرم الله وحرم رسوله صلّى الله عليه وسلّم فتعاهده بالعمارة، واتّق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنّك بهم جلست هذا المجلس، واتّق الله في أهل الثّغور فإنّهم حصن المسلمين، وتفقّد أمور المسلمين فإنّك وحدك المسئول عنهم، واتّق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم. فقال له: أفعل، ثمّ نهض وقام فقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمّد، إنّما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها، فما حاجتك؟ فقال: مالي إلى مخلوق حاجة، ثمّ خرج، فقال عبد الملك: هذا والله الشّرف، هذا والله الشّرف» ) * «3» .
من فوائد (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر صمام أمن الحياة وضمان سعادة الفرد والمجتمع.
(3) يثبّت معاني الخير والصّلاح في الأمّة.
(4) يزيل عوامل الشّرّ والفساد من حياتها ويقضي عليها أوّلا فأوّلا حتّى تسلم الأمّة وتسعد.
(5) يهيّأ الجوّ الصّالح الّذي تنمو فيه الآداب والفضائل وتختفي فيه المنكرات والرّذائل ويتربّى في ظلّه الضّمير العفيف والوجدان اليقظ.
(6) يكوّن الرّأي العامّ المسلم الحرّ الّذي يحرس آداب الأمّة وفضائلها وأخلاقها وحقوقها ويجعل لها شخصيّة وسلطانا هو أقوى من القوّة وأنفذ من القانون.
(7) يبعث الإحساس بمعنى الأخوّة والتّكافل والتّعاون على البرّ والتّقوى واهتمام المسلمين بعضهم ببعض.
(8) هو سبب النّجاة في الدّنيا والآخرة.
(9) هو سرّ أفضليّة هذه الأمّة. لقوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران/ 110) .
(10) هو سبب للنّصر والتّمكين في الدّنيا.
__________
(1) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلّال (50) .
(2) المرجع السابق (40) .
(3) تنبيه الغافلين لابن النحاس (45، 46) .(3/539)
الإنابة
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 18/ 4/ 8/
الإنابة لغة:
تدور مادّة (ن وب) حول الرّجوع. يقول ابن فارس «النّون والواو والباء كلمة واحدة تدلّ على اعتياد مكان ورجوع إليه» «1» . تقول «أناب فلان إلى الشّيء، رجع إليه مرّة بعد أخرى، وإلى الله تاب ورجع» «2» . وقال الرّاغب «الإنابة إلى الله تعالى:
الرّجوع إليه بالتّوبة وإخلاص العمل» «3» .
وفي التّنزيل العزيز: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم/ 31) أي راجعين إلى ما أمر به، غير خارجين عن شيء من أمره. وقوله عزّ وجلّ: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ (الزمر/ 54) أي توبوا إليه وارجعوا.
وقال الجوهريّ: «أناب إلى الله أي أقبل وتاب» .
وقال ابن الأثير: يقال أناب ينيب إنابة، فهو منيب، إذا أقبل ورجع، وفي حديث الدّعاء: «وإليك أنيب» «4» .
واصطلاحا:
الإنابة: إخراج القلب من ظلمات الشّبهات. وقيل:
الإنابة: الرّجوع من الكلّ إلى من له الكلّ.
وقيل: الإنابة: الرّجوع من الغفلة إلى الذّكر، ومن الوحشة إلى الأنس.
وقال الكفويّ: الإنابة: الرّجوع عن كلّ شيء إلى الله تعالى «5» .
وقال ابن القيّم: الإنابة: الإسراع إلى مرضاة الله مع الرّجوع إليه في كلّ وقت، وإخلاص العمل له «6» .
أنواع الإنابة:
الإنابة إنابتان: إنابة لربوبيّته. وهي إنابة المخلوقات كلّها. يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر. قال الله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم/ 33) . فهذا عامّ في حقّ كلّ داع أصابه ضرّ. كما هو الواقع. وهذه «الإنابة» لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشّرك والكفر. كما قال تعالى في حقّ هؤلاء: ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ* لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ (الروم/ 33- 34) . فهذا حالهم بعد إنابتهم.
والإنابة الثّانية. إنابة أوليائه. وهي إنابة لإلهيّته إنابة عبوديّة ومحبّة، وهي تتضمّن أربعة أمور:
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 367) .
(2) المعجم الوسيط (2/ 961) .
(3) المفردات (نوب) (508) .
(4) انظر: الصحاح، للجوهري (1/ 229) ، والنهاية، لابن الأثير (5/ 123) ، ولسان العرب، لابن منظور (1/ 775) .
(5) التعريفات (39) ، والكليات للكفوي (308) .
(6) مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 467) بتصرف.(3/540)
محبّته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عمّا سواه. فلا يستحقّ اسم «المنيب» إلّا من اجتمعت فيه هذه الأربع. وتفسير السّلف لهذه اللّفظة يدور على ذلك «1» .
منزلة الإنابة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «من نزل في منزل التّوبة، وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام، فإذا استقرّت قدمه في منزل التّوبة نزل بعده في منزل الإنابة، وقد أمر الله تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها، فقال: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ (الزمر/ 54) وقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (هود/ 75) . وأخبر أنّ آياته إنّما يتبصّر بها ويتذكّر، أهل الإنابة. فقال: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها إلى أن قال تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (ق/ 6- 7) .
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (غافر/ 31) ، كما أخبر تعالى أنّ ثوابه وجنّته لأهل الخشية والإنابة. فقال: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ* ادْخُلُوها بِسَلامٍ (ق/ 31- 34) ، وأخبر سبحانه أنّ البشرى منه، إنّما هي لأهل الإنابة فقال: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى (الزمر/ 17) «2» .
[للاستزادة انظر صفات: الإخبات- التوبة الخشوع- الخشية- الدعاء- الضراعة والتضرع- القنوت.
وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإعراض- الإصرار على الذنب- الغفلة- الكبر والعجب- الغفلة] .
__________
(1) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 467) بتصرف.
(2) المرجع السابق (1/ 446، 467) .(3/541)
الآيات الواردة في «الإنابة»
الإنابة صفة النبيين والمؤمنين:
1- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «1»
2- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «2»
3- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «3»
4- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «4»
5- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) «5»
6- قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) «6»
7- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) «7»
8- قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
__________
(1) هود: 75 مكية
(2) هود: 87- 88 مكية
(3) الروم: 30- 32 مكية
(4) لقمان: 14- 15 مكية
(5) سبأ: 9 مكية
(6) ص: 24- 25 مكية
(7) ص: 34- 35 مكية(3/542)
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) «1»
9- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «2»
10- وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «3»
11- وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) «4»
12- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) «5»
ثمرة الإنابة:
13- اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (26)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «6»
14- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) «7»
15- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «8»
16- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) «9»
الإنابة إلى الله في الضر وتركه في الرخاء ليس من دأب المؤمنين:
17- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) «10»
18- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «11»
__________
(1) الزمر: 53- 54 مكية
(2) غافر: 13 مكية
(3) الشورى: 10 مكية
(4) ق: 7- 8 مكية
(5) الممتحنة: 4 مدنية
(6) الرعد: 26- 27 مدنية
(7) الزمر: 17 مكية
(8) الشورى: 13 مكية
(9) ق: 31- 33 مكية
(10) الروم: 33 مكية
(11) الزمر: 8 مكية(3/543)
الأحاديث الواردة في (الإنابة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد أنت نور السّموات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّموات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ! اجعلني لك شكّارا. لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا «2» ، إليك أوّاها «3» منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «4» ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة «5» قلبي» ) * «6» .
3-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تمنّوا الموت فإنّ هول المطّلع شديد، وإنّ من السّعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة» ) * «7» .
4-* (عن ابن بريدة عن أبيه قال: «خرج بريدة عشاء فلقيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيده فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تراه مرائيا فاسكت بريدة!» فإذا رجل يدعو فقال: اللهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت الله الّذي لا إله إلّا أنت الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؛ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده- أو قال- والّذي نفس محمّد بيده: لقد سأل الله باسمه الأعظم الّذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» ، قال:
فلمّا كان من القابلة خرج بريدة عشاء فلقيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت الرّجل يقرأ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتقوله مراء «8» ؟» فقال بريدة:
أتقوله مراء يا رسول الله «9» ؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، بل مؤمن منيب، لا، بل مؤمن منيب» ، فإذا الأشعريّ يقرأ بصوت له بجانب المسجد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ الأشعريّ- أو إنّ عبد الله بن قيس- أعطي مزمارا من مزامير داود،» فقلت: ألا أخبره يا رسول الله، قال: «بلى فأخبره» ، فأخبرته» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7385) ، ومسلم (769) واللفظ له.
(2) مخبتا: متواضعا خاشعا سائرا في الطريق المطمئن الواسع.
(3) أواها: كثير التأوّه، وغلب على معنى التضرع إلى الله في العبادة والندم على الذنوب.
(4) حوبتي: إثمي وخطيئتي.
(5) سخيمة: حقد وضغينة.
(6) أبو داود (1510) ، وابن ماجة (3830) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال محقق جامع الأصول (4/ 337) : حديث صحيح.
(7) أحمد (3/ 332) .
(8) أتقوله مراء: أي هل تظنّه مرائيا بقراءته هذه.
(9) هذا القول الثاني من بريدة يريد الاستفهام من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حقيقة موقف الرجل.
(10) أحمد (5/ 349) .(3/544)
الأحاديث الواردة في (الإنابة) معنى
انظر صفات: (الاخبات- التوبة- الخشوع)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنابة)
1-* (أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة- رحمه الله- في قوله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم/ 31) قال: تائبين.
وقال- رحمه الله- في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (سبأ/ 9) قال: تائب مقبل على الله- عزّ وجلّ-) *.
2-* (أخرج ابن المنذر عن ابن جريج- رحمه الله- في قوله تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ (لقمان/ 15) قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
3-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الإنابة هي عكوف القلب على الله- عزّ وجلّ- كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبّته، وذكره بالإجلال والتّعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله، ومن لم يعكف قلبه على الله وحده، عكف على التّماثيل المتنوّعة، كما قال إمام الحنفاء لقومه ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (الأنبياء/ 52) » ) * «2» .
4-* (وعن مجاهد فى قوله تعالى: أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (هود/ 75) حدّثنا بشر قال: الأوّاب: القانت الرّجّاع) * «3» .
5-* (عن قتادة، قوله وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ (الزمر/ 17) : وأقبلوا إلى الله) * «4» .
6-* (حدّثنا محمّد عن السّدّيّ، قوله وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ (الزمر/ 17) قال: أجابوا إليه) * «5» .
7-* (قال ابن زيد، في قوله: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ (الزمر/ 54) قال: الإنابة: الرّجوع إلى الطّاعة، والنّزوع عمّا كانوا عليه، ألا تراه يقول:
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ) * «6» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «إذا بلغ الرّجل المسلم أربعين سنة آمنة الله من أنواع البلايا من الجنون والبرص والجذام، وإذا بلغ الخمسين ليّن الله عليه حسابه، وإذا بلغ السّتّين رزقه الله إنابة يحبّه عليها، وإذا بلغ السّبعين أحبّه الله وأحبّه أهل السّماء، وإذا بلغ الثّمانين تقبّل الله منه حسناته ومحا عنه سيّئاته، وإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وسمّي أسير الله في الأرض وشفّع في أهله) * «7» .
__________
(1) انظر الدر المنثور (6/ 494، 552، 675) .
(2) الفوائد، لابن القيم (196) .
(3) تفسير الطبرى (7/ 79) .
(4) المرجع السابق (10/ 625) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق (11/ 17) .
(7) أحمد (2/ 89) .(3/545)
من فوائد (الإنابة)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) دليل على سلامة النّيّة وحسن الطّويّة.
(3) بشارة الله للمنيبين وهدايته لهم.
(4) معلم على صلاح العبد وقربه من ربّه.
(5) دليل على حسن ظنّ العبد بربّه.
(6) طريق موصّل إلى الجنّة.
(7) المنيب يرزق خشية الله.(3/546)
الإنذار
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 96/ 19/ 20/
الإنذار لغة:
مصدر قولهم أنذر ينذر، وهو مأخوذ من مادّة (ن ذ ر) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على التّخويف أو التّخوّف، قال: ومنه الإنذار أي الإبلاغ، ولا يكاد يكون إلّا في التّخويف، وتناذر القوم خوّف بعضهم بعضا، ومنه أيضا النّذر «1» ، ووجه تسميته بذلك أنّ صاحبه يخاف إذا أخلف «2» .
وقال الرّاغب: الإنذار إخبار فيه تخويف كما أنّ التّبشير إخبار فيه سرور، ومن ذلك قوله تعالى فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (الليل/ 14) والنّذير: المنذر ويقع على كلّ شيء فيه إنذار إنسانا كان أو غيره قال تعالى: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذّاريات/ 50) «3» .
وقال ابن الأثير: أصل الإنذار الإعلام، يقال:
أنذرته أنذره إنذارا إذا أعلمته، فأنا منذر ونذير أي معلم ومخوّف ومحذّر، ويقال نذرت به إذا علمته ومنه الحديث: كلّما عرف أن قد نذروا به هرب.. أي علموا وأحسّوا مكانه، أمّا قوله «أنذر القوم» فمعناه: احذر منهم واستعدّ لهم وكن منهم على علم وحذر «4» .
وقال الفيروز اباديّ: النّذيرة من الجيش:
طليعتهم الّذي ينذرهم أمر عدوّهم، ونذر بالشّيء كفرح، علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا ونذرا، ويضمّ (نذرا) ، وبضمّتين (نذرا) ، ونذيرا: أعلمه وحذّره وخوّفه في إبلاغه، والاسم من ذلك: النّذرى بالضّمّ والنّذر (بضمّتين) ، ومنه قوله تعالى: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (القمر/ 16) أي إنذاري، والنّذير:
الإنذار، كالنّذارة، (بالكسر) وهذه عن الإمام الشّافعيّ «5» - رحمه الله- والمنذر (وجمعه نذر) : صوت القوس، والرّسول، والشّيب، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «6» ونذير القوم طليعتهم الّذي ينذرهم العدوّ، وتناذروه (أي الأمر) خوّف منه بعضهم بعضا، ومنه قول النّابغة:
تناذرها الرّاقون من سوء سمّها «7» .
ومنه أيضا: قول الخنساء:
يا صخر ورّاد ماء قد تناذره ... أهل الموارد ما في ورده عار
__________
(1) النّذر (بفتح فسكون) أن توجب على نفسك ما ليس بواجب (بصائر ذوي التمييز 5/ 24) .
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 514) بتصرف يسير.
(3) المفردات للراغب (742) تحقيق محمد أحمد خلف.
(4) النهاية لابن الأثير (5/ 39) .
(5) أي أنّها وردت بهذا المعنى في كلام الشافعي- رحمه الله.
(6) القاموس المحيط (نذر) (619) ط: بيروت.
(7) بصائر ذوي التمييز (5/ 34) .(3/547)
ويفهم من كلام الفيروز ابادي وغيره أنّ الفعل «تناذر «يستعمل متعدّيا بنفسه كما في بيتي النّابغة والخنساء، وقد يستعمل لازما كما في قولهم: «تناذر القوم» أي أنذر بعضهم بعضا، أمّا الفعل: أنذر فإنّه يتعدّى إلى مفعوليه إمّا بالباء كما في قولهم: أنذرتهم به، أو بنفسه كما في قولهم: أنذرته إيّاه، وأمّا الثّلاثي نذر فإنّه لا يتعدّى إلّا بالباء الجارّة كقولهم: نذر القوم بالعدوّ «1» .
وقال ابن منظور: يقال: نذر بالشّيء وبالعدوّ:
علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا (المصدر) ، ونذرا (اسم المصدر) ، ونذيرا (اسم مصدر أيضا) ، وفي التنزيل العزيز: فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (الملك/ 17) معناه فكيف كان إنذاري «2» .
وقول الله عزّ من قائل: عُذْراً أَوْ نُذْراً (المرسلات/ 6) قرئت: «عذرا أو نذرا» قال الزّجّاج معناها المصدر وقد انتصبا على المفعول له (لأجله) ، والمعنى فالملقيات ذكرا للإعذار أو الإنذار.. والنّذير:
المحذّر، فعيل بمعنى مفعل، والجمع نذر، وقول الله عزّ وجلّ-: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (فاطر/ 37) ، قال ثعلب: هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال أهل التّفسير «3» : يعني النّبيّ، كما قال عزّ من قائل: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) ، وقال بعضهم:
النّذير هنا الشّيب ورجّح الأزهريّ الرّأي الأوّل، ويقال: أنذرت القوم سير العدوّ إليهم فنذروا أي أعلمتهم ذلك فعلموا وتحرّزوا «4» . ومن أمثال العرب:
«قد أعذر من أنذر» أي من أعلمك أنّه يعاقبك على المكروه منك فيما يستقبل، ثمّ أتيت المكروه فعاقبك فقد جعل لنفسه عذرا يكفّ به لائمة النّاس عنه، والعرب تقول: عذراك لانذراك، أي أعذر ولا تنذر- والنّذير العريان رجل من خثعم «5» ، حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته، وقيل:
هو الزّبير بن عمرو الخثعميّ وكان ناكحا في بني زبيد، فأرادت بنو زبيد أن يغيروا على خثعم فخافوا أن ينذر قومه فألقوا عليه براذع وأهداما واحتفظوا به فصادف غرّة ففلت منهم وأتى قومه فقال:
أنا المنذر العريان ينبذ ثوبه ... إذا الصّدق لا ينبذ لك الثّوب كاذب
ومن أمثالهم: أنا النّذير العريان وإنّما قالوا ذلك لأنّ الرّجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم وأراد إنذار قومه
__________
(1) انظر القاموس المحيط (619) ط. بيروت.
(2) قال أبو حيان: النّذير: الإنذار، وقد أثبت ورش ياء نذيري ونكيري وحذفها باقي السبعة، واستشهد على استعمال النذير في معنى الإنذار بقول حسان رضي الله عنه:
فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرّحمن إن قبلت نذيرا
البحر المحيط (8/ 296) .
(3) قال القرطبي: النّذير معناها الإنذار وقد اختلف فيه فقيل: القرآن وقيل: الرّسول، وقيل: الشّيب، وقيل الحمّى، وقيل: موت الأصل والأقارب وقيل كمال العقل، (تفسير القرطبي 14/ 353) (وانظر نصه كاملا في الآثار) . وقال ابن كثير: روي عن ابن عبّاس وعكرمة وغيرهما في هذه الآية: النّذير الشّيب، وقال ابن أسلم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعن قتادة قوله: احتجّ عليهم بالعمر والرّسل (تفسير ابن كثير 3/ 567) .
(4) المراد أنّ صيغة فعل تستعمل مطاوعا لصيغة أفعل.
(5) خثعم قبيلة من قبائل العرب، وزبيد كذلك.(3/548)
تجرّد من ثيابه وأشار بها ليعلم ذلك، ثمّ صار مثلا لكلّ شيء تخاف مفاجأته «1» .
وقال الزّبيديّ: أو هو كلّ منذر بحقّ «2» ، وفي الحديث كان صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته واشتدّ غضبه، كأنّه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم، المنذر هو المعلم الّذي يعرّف القوم بما يكون قد دهمهم من عدوّ أو غيره وهو المخوّف أيضا «3» .
الإنذار اصطلاحا:
قال ابن المناويّ: الإنذار: هو الإعلام بما يحذر، ولا يكاد يكون إلّا في تخويف يسع زمانه الاحتراز (منه) ، فإن لم يسع كان إشعارا «4» .
وقال الكفويّ: الإنذار: هو إبلاغ الأمر المخوف منه، والتّهديد (به) ، والتّخويف منه، قال:
وذكر الوعيد مع الإنذار واجب لا مع التّهديد «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإرشاد. التبشير- التذكير- الدعوة إلى الله- الصدق- الوعظ- التبليغ.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإهمال- التفريط والإفراط- التهاون] .
__________
(1) لسان العرب (نذر) (5/ 200- 203) ط. بيروت. بتصرف واختصار.
(2) تاج العروس (14/ 201) ط. الكويت.
(3) المرجعان السابقان (نذر) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (64) .
(5) الكليات للكفوي (1/ 338) .(3/549)
الآيات الواردة في «الإنذار»
آيات اقترن فيها الإنذار بالتبشير:
1- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «1»
2- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «2»
3- إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163)
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «3»
4- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) «4»
5- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) «5»
6- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187)
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «6»
__________
(1) البقرة: 119 مدنية
(2) البقرة: 213 مدنية
(3) النساء: 163- 165 مدنية
(4) المائدة: 19 مدنية
(5) الأنعام: 48 مكية
(6) الأعراف: 187- 188 مكية(3/550)
7- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) «1»
8- وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «2»
9- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «3»
10- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96)
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) «4»
11- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55)
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56)
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) «5»
12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47)
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «6»
13- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
__________
(1) هود: 1- 4 مكية
(2) الإسراء: 105- 109 مكية
(3) الكهف: 56 مكية
(4) مريم: 96: 97 مكية
(5) الفرقان: 54- 57 مكية
(6) الأحزاب: 45- 48 مدنية(3/551)
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29)
قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) «1»
14- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25)
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) «2»
15- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «3»
16- حم (1)
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2)
كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) «4»
17- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «5»
أمر الله نبيّه والمؤمنين بالإنذار:
18- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «6»
19- وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44)
__________
(1) سبأ: 24- 30 مكية
(2) فاطر: 24- 26 مكية
(3) يس: 11 مكية
(4) فصلت: 1- 7 مكية
(5) الفتح: 8- 9 مدنية
(6) التوبة: 122 مدنية(3/552)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) «1»
20- وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) «2»
21- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «3»
الإنذار من صفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين:
22- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «4»
23- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1)
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «5»
24- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) «6»
25- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «7»
26- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) «8»
27- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
__________
(1) إبراهيم: 44- 45 مكية
(2) الشعراء: 214- 216 مكية
(3) المدثر: 1- 7 مكية
(4) الأعراف: 182- 185 مكية
(5) يونس: 1- 2 مكية
(6) هود: 12 مكية
(7) الرعد: 7 مدنية
(8) الحجر: 87- 89 مكية(3/553)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «1»
28- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) «2»
29- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «3»
30- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «4»
31- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) «5»
32- وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45)
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «6»
33- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19)
وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (20)
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ
__________
(1) الحج: 48- 51 مدنية
(2) النمل: 91- 92 مكية
(3) القصص: 46- 48 مكية
(4) العنكبوت: 50- 52 مكية
(5) السجدة: 3 مكية
(6) سبأ: 44- 46 مكية(3/554)
مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) «1»
34- يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) «2»
35-لْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
(70) «3»
36- وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «4»
37- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)
قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «5»
38- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31)
__________
(1) فاطر: 19- 23 مكية
(2) يس: 1- 7 مكية
(3) ص: 65- 70 مكية
(4) الزخرف: 23- 25 مكية
(5) الأحقاف: 7- 10 مكية(3/555)
وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «1»
39- فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) «2»
40- هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (56) «3»
41- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25)
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) «4»
الإنذار من صفة الرسل الكرام:
42- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «5»
43- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) «6»
44- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) «7»
45- وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49)
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) «8»
46- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)
قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112)
__________
(1) الأحقاف: 29- 32 مكية
(2) الذاريات: 50- 51 مكية
(3) النجم: 56 مكية
(4) الملك: 25- 27 مكية
(5) الأعراف: 63 مكية
(6) هود: 25- 26 مكية
(7) النحل: 1- 2 مكية
(8) الفرقان: 48- 52 مكية(3/556)
إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) «1»
47- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «2»
48- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «3»
49- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) «4»
50- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «5»
51- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) «6»
الإنذار بالقرآن الكريم:
52- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي
__________
(1) الشعراء: 105- 115 مكية
(2) الصافات: 72- 73 مكية
(3) الزمر: 71- 72 مكية
(4) الأحقاف: 21- 25 مكية
(5) الملك: 6- 11 مكية
(6) نوح: 1- 4 مكية(3/557)
وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) «1»
53- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «2»
54- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «3»
55- المص (1)
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «4»
56- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «5»
57- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2)
ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3)
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) «6»
58- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) «7»
59- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) «8»
60- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192)
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)
بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) «9»
61- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) «10»
__________
(1) الأنعام: 19 مكية
(2) الأنعام: 51 مكية
(3) الأنعام: 92 مكية
(4) الأعراف: 1- 3 مكية
(5) ابراهيم: 52 مكية
(6) الكهف: 1- 4 مكية
(7) الأنبياء: 45 مكية
(8) الفرقان: 1- 2 مكية
(9) الشعراء: 192- 195 مكية
(10) يس: 69- 70 مكية(3/558)
62- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) «1»
63- حم (1)
وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «2»
64- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «3»
65- وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1)
فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2)
وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3)
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5)
عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) «4»
الإنذار بيوم القيامة أو بجهنم:
66-يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
(130) «5»
67- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) «6»
68- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14)
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15)
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16)
__________
(1) الشورى: 7- 8 مكية
(2) الدخان: 1- 6 مكية
(3) الأحقاف: 11- 12 مكية
(4) المرسلات: 1- 6 مكية
(5) الأنعام: 130 مكية
(6) مريم: 37- 40 مكية(3/559)
الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) «1»
69- نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) «2»
70- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43)
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45)
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46) «3»
71- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14)
لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18)
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19)
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20)
وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «4»
المؤمنون هم المنتفعون بالإنذار:
72- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «5»
استواء الإنذار وعدمه لدى الكفار والمنافقين:
73- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6)
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) «6»
74- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) «7»
75- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «8»
__________
(1) غافر: 14- 18 مكية
(2) المدثر: 36 مكية
(3) النازعات: 42- 46 مكية
(4) الليل: 14- 21 مكية
(5) فاطر: 18 مكية
(6) البقرة: 6- 7 مدنية
(7) يونس: 101- 103 مكية
(8) الكهف: 56 مكية(3/560)
76- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) «1»
77- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «2»
78- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «3»
79- وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) «4»
80- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2)
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) «5»
81- حم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) «6»
82- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) «7»
83- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
__________
(1) سبأ: 34 مكية
(2) فاطر: 36- 37 مكية
(3) فاطر: 42- 44 مكية
(4) يس: 10 مكية
(5) ص: 1- 4 مكية
(6) الأحقاف: 1- 3 مكية
(7) ق: 1- 5 مكية(3/561)
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) «1»
الكفار يطلبون ملائكة منذرين:
84- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) «2»
عاقبة من لم يستجب للإنذار:
85- فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «3»
86- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164)
أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165)
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166)
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168)
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)
إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172)
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «4»
87- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208)
ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) «5»
88- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
__________
(1) القمر: 1- 7 مكية
(2) الفرقان: 7 مكية
(3) يونس: 73 مكية
(4) الشعراء: 160- 175 مكية
(5) الشعراء: 208- 209 مكية(3/562)
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57)
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) «1»
89- أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) «2»
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
90- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ
(14) «3»
91- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) «4»
92- كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) «5»
93- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) «6»
94- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ
__________
(1) النمل: 54- 58 مكية
(2) الصافات: 176- 179 مكية
(3) فصلت: 13- 14 مكية
(4) القمر: 9- 17 مكية
(5) القمر: 18- 22 مكية
(6) القمر: 23- 32(3/563)
نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) «1»
95- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «2»
96- أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) «3»
__________
(1) القمر: 33- 40 مكية
(2) القمر: 41- 42 مكية
(3) الملك: 16- 18 مكية(3/564)
الأحاديث الواردة في (الإنذار)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه كأنّه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ، ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول: «أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «1» .
2-* (عن عليّ- أو عن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يخطبنا فيذكّرنا بأيّام الله حتّى نعرف ذلك في وجهه، وكأنّه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسّم ضاحكا حتّى يرتفع عنه) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه انطلق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رهط قبل ابن صيّاد حتّى وجده يلعب مع الصّبيان عند أطم بني مغالة «3» ، وقد قارب ابن صيّاد يومئذ الحلم. فلم يشعر حتّى ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظهره بيده، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن صيّاد: «أتشهد أنّي رسول الله؟» فنظر إليه ابن صيّاد فقال: أشهد أنّك رسول الأمّيّين.
فقال ابن صيّاد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتشهد أنّي رسول الله؟
فرفضه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «آمنت بالله وبرسله» ثمّ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماذا ترى؟» قال ابن صيّاد:
يأتيني صادق وكاذب. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«خلّط عليك الأمر» ثمّ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد خبأت لك خبيئا» فقال ابن صيّاد: هو الدّخّ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اخسأ، فلن تعدو قدرك» ، فقال عمر بن الخطّاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله» .
قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-:
انطلق بعد ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبيّ بن كعب الأنصاريّ إلى النّخل الّتي فيها ابن صيّاد، حتّى إذا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل طفق يتّقي بجذوع النّخل،
__________
(1) مسلم (867) .
(2) أحمد في مسنده (1/ 167) حديث رقم (1437) . قال الشيخ شاكر: إسناده صحيح. وقال: الشك في أن الحديث عن علي أو عن الزبير لا أثر له في صحته، وهو في مجمع الزوائد 2/ 188 وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه. وأبويعلى عن الزبير وحده. ورجاله رجال الصحيح.
(3) بنو مغالة: كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط، مستقبل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأطم: هو الحصن، جمعه: آطام.(3/565)
وهو يختل أن يسمع من ابن صيّاد شيئا «1» ، قبل أن يراه ابن صيّاد، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة «2» ، فرأت أمّ ابن صيّاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يتّقي بجذوع النّخل، فقالت لابن صيّاد: يا صاف: (وهو اسم ابن صيّاد) هذا محمّد، فثار ابن صيّاد «3» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو تركته بيّن» «4» .
قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجّال فقال: «إنّي لأنذركموه. ما من نبيّ إلّا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه، تعلّموا «5» ، أنّه أعور، وأنّ الله تبارك وتعالى ليس بأعور» ) * «6» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم عن الدّجّال حديثا ما حدّثه نبيّ قومه؟ إنّه أعور، وإنّه يجيء معه مثل الجنّة والنّار، فالّتي يقول إنّها الجنّة، هي النّار، وإنّي أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه» ) * «7» .
5-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا نحدّث بحجّة الوداع، ولا ندري أنّه الوداع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا كان في حجّة الوداع خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر المسيح الدّجّال، فأطنب في ذكره، ثمّ قال: ما بعث الله من نبيّ إلّا قد أنذره أمّته، لقد أنذره نوح أمّته، والنّبيّون من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه، فلا يخفينّ عليكم أنّ ربّكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه، فلا يخفينّ عليكم أنّ ربّكم ليس بأعور) * «8» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجّال فقال: إنّي لأنذركموه، وما من نبيّ إلّا وقد أنذر قومه ولكنّي سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه، إنّه أعور، وإنّ الله ليس بأعور) * «9» .
7-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم يا ربّ،
__________
(1) (وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا) يختل: أي يخدع ابن صياد ويستغفله يسمع شيئا من كلامه ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أم ساحر، ونحوهما.
(2) (في قطيفة له فيها زمزمة) القطيفة: كساء مخمل. والزمزمة، والرمرمة، والرمزة (روايات) وكلها بمعنى: صوت خفي لا يكاد يفهم، أو لا يفهم.
(3) فثار ابن صياد: أي نهض من مضجعه وقام.
(4) لو تركته بين: أي لو لم تخبره ولم تعلمه أمه بمجيئنا لبين لنا من حاله ما تعرف به حقيقة أمره.
(5) تعلّموا: أي اعلموا وتحققوا.
(6) البخاري- الفتح 6 (3337) ، ومسلم (2930، 2931) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 6 (3338) ، ومسلم (2936) واللفظ له.
(8) رواه أحمد في مسنده (2/ 131، 2/ 135) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (10/ 359) وقال محققه: حديث صحيح.
(9) البخاري- الفتح 13 (7127) واللفظ له، ومسلم (2933) .(3/566)
فتسأل أمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير. فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمّد وأمّته، فيجاء بكم تشهدون» ، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- قال: عدلا- لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) * «1» .
8-* (عن أبي موسى رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال: رأيت الجيش بعيني، وإنّي أنا النّذير العريان «2» ، فالنّجاء النّجاء، فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا، وكذّبته طائفة فصبّحهم الجيش فاجتاحهم» ) * «3» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد، يا أهل الجنّة، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت.
وكلّهم قد رآه، ثمّ ينادي: يا أهل النّار، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلّهم قد رآه، فيذبح، ثمّ يقول: يا أهل الجنّة، خلود فلا موت، ويا أهل النّار، خلود فلا موت، ثمّ قرأ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ- وهؤلاء في غفلة أهل الدّنيا- وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» ) * «4» .
10-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة- رضي الله عنه-:
لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه «5» ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«أتعجبون من غيرة سعد؟ فو الله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله «6» ، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله «7» ، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة «8» من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنّة «9» » ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7349) .
(2) (النذير العريان) قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل ذلك ربيئة القوم، وهو طليعتهم ورقيبهم، وقال ابن بطال: النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف الى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر.. راجع: الفتح (11/ 323) .
(3) البخاري- الفتح (11/ 322، 323) واللفظ له. ومسلم (2283) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4730) واللفظ له، ومسلم (2849) .
(5) غير مصفح:- بكسر الفاء وفتحها. أما على الكسر فمعناه: غير ضارب بصفح السيف وإنما بحده، وأما بالفتح فعلى أنها وصف للسيف وحال منه. ومن كسر جعلها وصفا للضارب وحالا منه.
(6) ولا شخص أغير من الله: أي لا أحد. وقيل: لا شخص- استعارة- وقيل: معناه لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله تعالى ولا يتصور ذلك منه.
(7) ولا شخص أحب إليه العذر من الله، أي ليس أحد أحب إليه الإعذار من الله تعالى، فالعذر بمعنى الإعذار والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث المرسلين.
(8) المدحة: أي المدح.
(9) من أجل ذلك وعد الله الجنة: أي لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه.
(10) البخاري- الفتح 13 (741) . ومسلم (1499) واللفظ له.(3/567)
11-* (عن أبي غالب الرّاسبيّ أنّه لقي أبا أمامة- رضي الله عنه- بحمص فسأله عن أشياء، حدّثهم أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «ما من عبد مسلم يسمع أذان صلاة فقام إلى وضوئه إلّا غفر الله له بأوّل قطرة تصيب كفّه من ذلك الماء، فبعدد ذلك القطر حتّى يفرغ من وضوئه إلّا غفر له ما سلف من ذنوبه وقام إلى صلاته وهي نافلة» ، قال أبو غالب: قلت لأبي أمامة: أنت سمعت هذا من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: إي، والّذي بعثه بالحقّ بشيرا ونذيرا. غير مرّة، ولا مرّتين، ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ستّ ولا سبع ولا ثمان ولا تسع ولا عشر وعشر وعشر، وصفّق بيديه» * «1» .
12-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً.
قال في التّوراة: «يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «2» .
13-* (عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا خيبر فصلّينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في زقاق خيبر وإنّ ركبتي لتمسّ فخذ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ حسر الإزار عن فخذه حتّى أنّي أنظر إلى بياض فخذ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا دخل القرية قال: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . قالها ثلاثا. قال: وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: «محمّد- قال عبد العزيز، وقال بعض أصحابنا- والخميس: يعني الجيش. قال: فأصبناها عنوة، فجمع السّبي، فجاء دحية فقال: يا نبيّ الله، أعطني جارية من السّبي. قال: اذهب فخذ جارية.
فأخذ صفيّة بنت حييّ، فجاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله: أعطيت دحية بنت حييّ سيّدة قريظة والنّضير، لا تصلح إلّا لك. قال: ادعوه بها، فجاء بها، فلمّا نظر إليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خذ جارية من السّبي غيرها» . قال: فأعتقها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتزوّجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة، ما أصدقها؟ قال:
نفسها، أعتقها وتزوّجها حتّى إذا كان بالطّريق جهّزتها له أمّ سليم فأهدتها له من اللّيل، فأصبح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عروسا، فقال: «من كان عنده شيء فليجىء به» ، وبسط نطعا فجعل الرّجل يجيء بالتّمر، والرّجل يجيء
__________
(1) مسند أحمد (5/ 254) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط. وفي رواية أحمد عبد الحميد بن بهرام عن شهر واختلف في الاحتجاج بهما والصحيح أنهما ثقات.
(2) البخاري- الفتح 8 (4838) .(3/568)
بالسّمن، قال: وأحسبه قد ذكر السّويق، قال فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
14-* (عن عروة بن الزّبير عن المسور بن مخرمة ومروان- يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه- قالا: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل، فألحّت. فقالوا:
خلأت القصواء. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل..
الحديث» ) * «2» .
من الأحاديث الواردة في (الإنذار) معنى
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعذر الله إلى امرىء أخّر عمره حتّى بلّغة ستّين سنة» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإنذار)
16-* (عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال:
لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا، فعمّ وخصّ، فقال: يا بني كعب بن لؤيّ، يا بني مرّة بن كعب، يا بني عبد شمس، ويا بني عبد مناف، ويا بني هاشم، ويا بني عبد المطّلب أنقذوا أنفسكم من النّار. ويا فاطمة
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (371) واللفظ له، ومسلم (120) مختصرا.
(2) البخاري- الفتح 5 (2731، 3732) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6419) واللفظ له، وأحمد في مسنده (2/ 275) حديث رقم (7699) بلفظ (لقد أعذر الله إلى عبد..) ثم كررها في آخر الحديث مرتين. قال ابن بطال: إنما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار، لطفا من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل الى حالة العلم، ثم أعذر اليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حبّ الدنيا وطول الأمل، لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية. وفي الحديث إشارة إلى أن استكمال الستين مظنة لانقضاء الأجل.(3/569)
أنقذي نفسك من النّار، إنّي لا أملك لكم من الله شيئا غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها «1» » ) * «2» .
17-* (عن سماك قال: «سمعت النّعمان يخطب وعليه خميصة له، فقال: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب وهو يقول: «أنذرتكم النّار» ، فلو أنّ رجلا موضع كذا وكذا سمع صوته» «3» . وفي رواية: «حتّى لو كان رجل كان في أقصى السّوق سمعه وسمع أهل السّوق صوته وهو على المنبر» ) * «4» .
18-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عديّ- لبطون قريش- حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا:
نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) * «5» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال: يا معشر قريش- أو كلمة نحوها- اشتروا لأنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا.
يا عبّاس بن عبد المطّلب، لا أغني عنك من الله شيئا.
ويا صفيّة عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أغني عنك من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وسلّم سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» ) * «6» .
__________
(1) غير ان لكم رحما سأبلها ببلالها: أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا، والبلال: جمع بلل، وقيل: هو كل ما بل الحلق من ماء أو لبن أو غيره.
(2) النسائي (3644) ، والترمذي (2310) . وقال: حديث حسن غريب.
(3) مسند أحمد (4/ 268) .
(4) المرجع السابق (4/ 272) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4770) واللفظ له، ومسند أحمد (1/ 281) حديث رقم (2544) وروايته (صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما الصفا، فقال: يا صباحاه، يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتم لو أخبرتكم.. إلخ.
(6) البخاري- الفتح 8 (4771) .(3/570)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنذار)
1-* (قال ابن حجر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً أي: شاهدا على الأمّة، ومبشّرا للمطيعين بالجنّة وللعصاة بالنّار، أو شاهدا للرّسل قبله بالإبلاغ» ) * «1» .
2-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً* أي: وما أرسلناك يا محمّد إلى من أرسلناك إليه إلّا مبشّرا بالثّواب الجزيل من آمن بك وصدّقّك وآمن بالّذي جئتهم به من عندي وعملوا به (ونذيرا) من كذّبك وكذّب ما جئتهم به من عندي. فلم يصدّقوا به، ولم يعملوا..» ) * «2» .
3-* (قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى:
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً أي: تبارك الّذي نزّل الفصل بين الحقّ والباطل فصلا بعد فصل وسورة بعد سورة على عبده محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليكون محمّد لجميع الجنّ والإنس الّذين بعثه الله إليهم داعيا إليه (نذيرا) يعني منذرا ينذرهم عقابه، ويخوّفهم عذابه إن لم يوحّدوه ولم يخلصوا له العبادة ويخلعوا كلّ ما دونه من الآلهة والأوثان» ) * «3» .
4-* (قال ابن زيد في قوله تبارك وتعالى:
لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً. قال: النّبيّ النّذير، وقرأ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ، وقرأ وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ قال: المنذرون، الرّسل.
قال: وكان نذيرا واحدا بلغ ما بين المشرق والمغرب ذو القرنين، ثمّ بلغ السّدّين، وكان نذيرا، ولم أسمع أحدا يحقّ أنّه كان نبيّا» ) * «4» .
5-* (قال ابن كثير في قوله تعالى: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً يقولون: هلّا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون شاهدا على صدق ما يدّعيه) * «5» .
6-* (قال ابن حجر في قوله تعالى:
... وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ اختلف أهل التّفسير فيه، فالأكثر على أنّ المراد به الشّيب، لأنّه يأتي في سنّ الكهولة فما بعدها، وهو علامة لمفارقة سنّ الصّبا الّذي هو مظنّة اللهو. وقال عليّ: المراد به: النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
7-* (قال ابن كثير في قوله تعالى في قصّة نوح مع قومه، وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أي إنّما بعثت نذيرا فمن أطاعني واتّبعني وصدّقني كان منّي وأنا منه سواء كان شريفا أو وضيعا، جليلا أو حقيرا» ) * «7» .
8-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (فاطر/ 37) وقرأ: وجاءتكم النّذر واختلف فيه، فقيل: القرآن. وقيل: الرّسول.
__________
(1) الفتح (8/ 450) .
(2) تفسير الطبري المجلد التاسع (19/ 18) .
(3) المرجع السابق (18/ 136) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) تفسير ابن كثير (3/ 322) .
(6) الفتح (11/ 243) .
(7) تفسير ابن كثير (3/ 352) .(3/571)
وقال ابن عبّاس وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفرّاء والطّبريّ: هو الشّيب.
وقيل: النّذير: الحمّى. وقيل: موت الأهل والأقارب.
وقيل: كمال العقل. والنّذير: بمعنى الإنذار.
ثمّ قال: فالشّيب، والحمّى، وموت الأهل كلّه إنذار بالموت، قال صلّى الله عليه وسلّم «الحمّى رائد الموت» .
قال الأزهريّ معناه أنّ الحمّى رسول الموت، أي كأنّها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه. والشّيب نذير أيضا. لأنّه يأتي في سنّ الاكتهال وهو علامة لمفارقة سنّ الصّبا الّذي هو سنّ اللهو واللّعب. قال:
رأيت الشّيب من نذر المنايا ... لصاحبه وحسبك من نذير
وقال آخر:
فقلت لها: المشيب نذير عمري ... ولست مسوّئا وجه النّذير
وأمّا موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرّحيل في كلّ وقت وأوان، وحين وزمان.
قال:
وأراك تحملهم ولست تردّهم ... فكأنّني بك قد حملت فلم ترد
وقال آخر:
الموت في كلّ حين ينشر الكفنا ... ونحن في غفلة عمّا يراد بنا
وأمّا كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسّيّئات، فالعاقل يعمل لآخرته، ويرغب فيما عند ربّه، فهو نذير.
وأمّا محمّد صلّى الله عليه وسلّم فبعثه الله بشيرا ونذيرا إلى عباده، قطعا لحججهم، قال تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... ، وقال: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) * «1» .
9-* (قال أبو حيّان في قوله تعالى وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً إلى قوله تعالى وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة/ 122) . « ... والّذي يظهر أنّ هذه الآية إنّما جاءت للحضّ على طلب العلم والتّفقّه في دين الله، وأنّه لا يمكن أن يرحل المؤمنون كلّهم في ذلك، فتعرى بلادهم منهم، ويستولي عليها وعلى ذراريهم أعداؤهم، فهلّا رحل طائفة منهم للتّفقّه في الدّين ولإنذار قومهم، فذكر العلّة للنّفير وهي التّفقه أوّلا، ثمّ الإعلام لقومهم بما علموه من أمر الشّريعة. أي: فهلّا نفر من كلّ جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم، فكفوهم النّفير، وقام كلّ بمصلحة، هذه بحفظ بلادهم وقتال أعدائهم، وهذه لتعلّم العلم وإفادتها المقيمين إذا رجعوا إليهم.
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ أي:
وليجعلوا غرضهم ومرمى همّتهم في التّفقّه إنذار قومهم وإرشادهم والنّصيحة لهم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ إرادة أن يحذروا الله تعالى فيعملوا عملا صالحا.
ووجه آخر، وهو: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك، وبعد ما نزل في المتخلّفين من الآيات الشّدائد استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النّفير، وانقطعوا جميعا عن الوحي والتّفقّه في الدّين،
__________
(1) تفسير القرطبي (14/ 353- 354) .(3/572)
فأمروا بأن ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة إلى الجهاد، وتبقى أعقابهم يتفقّهون حتّى لا ينقطعوا عن التّفقّه الّذي هو الجهاد الأكبر، لأنّ الجهاد بالحجّة أعظم أمرا من الجهاد بالسّيف. وقوله تعالى لِيَتَفَقَّهُوا الضّمير فيه للفرق الباقية بعد الطّوائف النّافرة (ولينذروا قومهم) ولتنذر الفرق الباقية قومهم النّافرين إذا رجعوا إليهم ما حصّلوا في أيّام غيبتهم من العلوم ... » ) * «1» .
10-* (قال ابن حجر في قوله تعالى ... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ.. عن ابن عباس: يعني أهل مكّة، وقوله وَمَنْ بَلَغَ ... قال:
ومن بلغه هذا القرآن من النّاس فهو له نذير» ) * «2» .
11-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ خصّ عشيرته الأقربين بالإنذار لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إيّاهم على الشّرك. وعشيرته الأقربون: قريش.
وقيل: بنو عبد مناف) * «3» .
12-* (قال أبو حيّان في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ العشيرة تحت الفخذ وفوق الفصيلة، ونبّه على العشيرة وإن كان مأمورا بإنذار النّاس كافّة كما قال أَنْذِرِ النَّاسَ؟ (يونس/ 2) ، لأنّ في إنذارهم- وهم عشيرته- عدم محاباة ولطف بهم، وأنّهم والنّاس في ذلك شرع واحد في التّخويف والإنذار، فإذا كانت القرابة قد خوّفوا وأنذروا مع ما يلحق الإنسان في حقّهم من الرّأفة كان غيرهم في ذلك أوكد وأدخل، أو لأنّ البداءة تكون بمن يليه ثمّ من بعده، كما قال قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ (التوبة/ 123) وقال عليه الصّلاة والسّلام: «كلّ ربا في الجاهليّة موضوع تحت قدميّ هاتين فأوّل ما أضع ربا العبّاس» إذ العشيرة مظنّة الطّواعية، ويمكنه من الغلظة عليهم ما لا يمكنه مع غيرهم، وهم له أشدّ احتمالا.
وامتثل صلّى الله عليه وسلّم ما أمره به ربّه من إنذار عشيرته، فنادى الأقرب فالأقرب فخذا» ) * «4» .
13-* (قال ابن كثير في قوله تعالى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ الآية ... أي: إنّما يتّعظ بما جئت به أولو البصائر والنّهى الخائفون من ربّهم الفاعلون ما أمرهم به) * «5» .
14-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (وأنذر به) أي بالقرآن.
وقيل (به) أي بالله. وقيل: باليوم الآخر. وخصّ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا لأنّ الحجّة عليهم أوجب، فهم خائفون من عذابه، لا أنّهم يتردّدون في الحشر، فالمعنى: (يخافون) أي يتوقّعون عذاب الحشر.
وقيل: (يخافون) يعلمون. فإن كان مسلما أنذر ليترك المعاصي، وإن كان من أهل الكتاب أنذر ليتّبع الحقّ.
وقال الحسن: المراد المؤمنون. قال الزّجّاج: كلّ من أقرّ بالبعث من مؤمن وكافر. وقيل: الآية في المشركين، أي:
__________
(1) تفسير البحر المحيط (5/ 116- 117) .
(2) الفتح (8/ 137) .
(3) تفسير القرطبي (13/ 143) .
(4) تفسير البحر المحيط (7/ 43) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم «كل ربا في الجاهلية موضوع ... » .
(5) تفسير ابن كثير (3/ 569) .(3/573)
أنذرهم بيوم القيامة. والأوّل أظهر) * «1» .
15-* (قال الطّبري في قوله تعالى وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (الإسراء/ 41) يقول- تعالى ذكره-: ولقد صرّفنا لهؤلاء المشركين المفترين على الله في هذا القرآن العبر والآيات والحجج، وضربنا لهم فيه الأمثال، وحذّرناهم فيه، وأنذرناهم ليتذكّروا تلك الحجج عليهم فيعقلوا خطأ ما هم عليه مقيمون، ويعتبروا بالعبر فيتّعظوا بها، وينيبوا من جهالتهم فما يعتبرون بها، ولا يتذكّرون بما يرد عليهم من الآيات والنّذر (وما يزيدهم) تذكيرنا إيّاهم (إلّا نفورا) أي: إلّا ذهابا عن الحقّ وبعدا منه وهربا) * «2» .
16-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ قال: أي أنذر عذاب ربّك ووقائعه في الأمم وشدّة نقمته إذا انتقم) * «3»
17- وقال الشّافعيّ:
خبت «4» ، نار نفسي باشتعال مفارقي «5» ... وأظلم ليلي إذ أضاء شهابها
أيا بومة قد عشّشت فوق هامتي «6» ... على الرّغم منّي حين طار غرابها
رأيت خراب العمر منّي فزرتني ... ومأواك من كلّ الدّيار خرابها
أأنعم عيشا بعد ما حلّ عارضي «7» ... طلائع شيب ليس يغني خضابها «8»
وعزّة عمر المرء قبل مشيبه ... وقد فنيت نفس تولّى شبابها
إذا اصفرّ لون المرء وابيضّ شعره ... تنغّص «9» من أيّامه مستطابها
فدع عنك سوءات الأمور «10» فإنّها ... حرام على نفس التّقيّ ارتكابها «11»
18-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (النجم/ 56) . قال ابن جريج ومحمّد بن كعب: يريد أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم نذير بالحقّ الّذي أنذر به الأنبياء قبله، فإن أطعتموه أفلحتم، وإلّا حلّ بكم ما حلّ بمكذّبي الرّسل السّالفة) * «12» .
19-* (وقال قتادة: يريد القرآن، وأنّه نذير بما أنذرت به الكتب الأولى. وقيل: أي هذا الّذي أخبرنا به من أخبار الأمم الماضية الّذين هلكوا تخويف لهذه الأمّة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك من النّذر) * «13» .
20-* (وقال السّدّيّ: أخبرني أبو صالح قال:
هذه الحروف الّتي ذكر الله تعالى من قوله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ إلى قوله: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى كلّ هذه في صحف إبراهيم وموسى) * «14» .
__________
(1) تفسير القرطبي (6/ 430- 431) .
(2) تفسير الطبري (14/ 64) ط. دار الفكر.
(3) الدر المنثور (8/ 325) وتفسير الطبري (14/ 144) ط. دار الفكر.
(4) خبت: أطفئت.
(5) المفارق: جمع مفرق وهو وسط الرأس.
(6) الهامة: الرأس.
(7) العارض: صفحة خد الإنسان.
(8) الخضاب: ما يلون به الشعر.
(9) تنغص: تكدر وساء.
(10) سوءات الأمور: قبيحها وساقطها.
(11) ديوانه (50- 51) .
(12) تفسير القرطبي (17/ 121) .
(13) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(14) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/574)
من فوائد (الإنذار)
(1) الإنذار يبرّأ ساحة المنذر من المسئوليّة تجاه الآخرين.
(2) قبول الإنذار دليل على خشية المنذر واتّباعه الذّكر.
(3) قبول الإنذار فيه بشارة بدخول الجنّة.
(4) قبول الإنذار يؤذن بمغفرة الذّنوب ووعد بالأجر والثّواب.
(5) الإنذار فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(6) المنذر مؤتمن على قومه حريص عليهم.
(7) في إنذار الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الأمّة دليل على كمال شفقته ورحمته بالأمّة.
(8) في الإنذار انقطاع عذر الكفّار والمنافقين وإقامة الحجّة عليهم.
(9) في اقتران الإنذار بالبشارة في كثير من آي الذّكر الحكيم والأحاديث الشّريفة دليل على أنّ المنذر يراعي حالة النّاس ويهتمّ بأمر المخاطبين الّذين قد يحتاجون إلى الإنذار والتّخويف أحيانا وإلى التّبشير بالجنّة وثواب الله أحيانا، وإليهما معا في أحيان ثالثة.
(10) للإنذار وسائل عديدة فقد يكون بيوم الآزفة أو بالحسرة في القيامة وقد يكون بالقرآن أو بالشّيب في الدّنيا.(3/575)
الإنصاف
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 6/ 9/ 33/
الإنصاف لغة:
مصدر قولهم: أنصف ينصف، وهو مأخوذ من مادّة «ن ص ف» الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: شطر الشّيء، والآخر: على جنس من الخدمة والاستعمال، فالأوّل: نصف الشّيء ونصيفه شطره، وفي الحديث:
«ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» . ومن ذلك الإنصاف في المعاملة، وكأنّه الرّضا بالنّصف، والنّصف:
الإنصاف أيضا «1» .
والنّصف أحد شقّي الشّيء، والنّصف أيضا:
النّصفة، وهي الاسم من الإنصاف، قال الفرزدق:
ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني ... بنو عبد شمس من مناف وهاشم
يقال: أنصف النّهار: أي انتصف، وأنصف (الشّخص) إذا عدل، ويقال: أنصفه من نفسه، وانتصفت أنا منه، وتناصف القوم: أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه «2» . وقيل: إذا تعاطوا الحقّ بينهم «3» . وأنصفت الرّجل إنصافا: عاملته بالعدل والقسط «4» . وقيل: إذا أعطيته الحقّ «5» .
وقال الفيروز اباديّ: يقال: نصفهم ينصفهم وينصفهم نصافا ونصافة إذا خدمهم، والنّصف والنّصفة: الاسم من الإنصاف، أي العدل، وتناصفوا:
أنصف بعضهم بعضا، قال ابن هرمة:
من ذا رسول ناصح فمبلّغ ... عنّي عليّه غير قيل الكاذب
أنّى غرضت إلى تناصف وجهها ... غرض المحبّ إلى الحبيب الغائب
يعني استواء المحاسن كأنّ بعض أجزاء الوجه أنصف بعضا في أخذ قسطه من الجمال «6» .
وقال في القاموس: انتصف منه: استوفى حقّه منه كاملا حتّى صار كلّ على النّصف سواء، كاستنصف منه، وتنصّف السّلطان سأله أن ينصفه «7» .
وفي لسان العرب: النّصف: أحد شقّي الشّيء، وقيل أحد جزأي الكمال، ونصف الشّيء، وانتصفه، وتنصّفه ونصّفه: أخذ نصفه ونصف الشّيء الشّيء ينصفه: بلغ نصفه، وقيل: كلّ ما بلغ نصفه في ذاته فقد أنصف، وكلّ ما بلغ نصفه في غيره فقد نصف.
ومنصف الشّيء: وسطه، والمنصف: نصف الطّريق، وفي الحديث: حتّى إذا كان بالمنصف أي الموضع
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 431- 432) .
(2) الصحاح (4/ 1432- 1434) .
(3) الجمهرة لابن دريد (3/ 82) .
(4) المصباح المنير (835) .
(5) الجمهرة (3/ 82) .
(6) باختصار وتصرف يسير عن بصائر ذوي التمييز (5/ 71- 72) .
(7) القاموس المحيط (1107) ط. بيروت.(3/576)
الوسط بين الموضعين، ومنتصف اللّيل والنّهار وسطه، ونصّفت الشّيء: إذا أخذت نصفه، وتنصيف الشّيء جعله نصفين. والنّصف والنّصفة والإنصاف: إعطاء الحقّ، وقد انتصف منه (أخذ حقّه) ، وأنصف الرّجل صاحبه إنصافا، وقد أعطاه النّصفة وقال بعضهم:
أنصف إذا أخذ الحقّ وأعطى الحقّ، وتفسير ذلك أن تعطي لغيرك من نفسك النّصف أي تعطيه من الحقّ كالّذي تستحقّ لنفسك، يقال: انتصفت من فلان: أي أخذت حقّي كملا حتّى صرت أنا وهو على النّصف سواء «1» ، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- مع زنباع بن روح:
متى ألق زنباع بن روح ببلدة ... لي النّصف منها، يقرع السّنّ من ندم
النّصف بالكسر، الانتصاف، ومن ذلك أيضا قول عليّ- رضي الله عنه- «ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا» أي إنصافا «2» . ويأتي النّصف والإنصاف والنّصافة بمعنى الخدمة، يقال نصفه ينصفه وينصفه نصفا ونصافة ونصافا ونصافا وأنصفه وتنصّفه كلّه:
خدمه «3» ، وأنشد الجوهريّ للّتنصّف بمعنى الخدمة قول حرقة بنت النّعمان:
فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف «4» .
وقد يأتي التّنصّف بمعنى العبادة، وأنشد ابن برّيّ شاهدا على ذلك قول الشّاعر:
فإنّ الإله تنصّفته ... بألّا أعقّ وألّا أحوبا
وقد يأتي التنصّف بمعنى طلب المعروف «5» .
الإنصاف اصطلاحا:
قال المناويّ: الإنصاف: هو العدل في المعاملة بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا ما يعطيه، ولا ينيله من المضارّ إلّا كما ينيله «6» ، وأضاف الرّاغب إلى ذلك: الإنصاف في الخدمة وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النّفع «7» .
وقيل: هو استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسّياسات الفاضلة.
ويؤخذ من كلام اللّغويّين والمفسّرين وشرّاح الحديث أنّه يمكن تعريف الإنصاف أيضا بأنّه: أن تعطي غيرك من الحقّ مثل الّذي تحبّ أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال، في الرّضا والغضب، مع من نحبّ ومع من نكره.
بين الإنصاف والعدل:
قال المناويّ: الإنصاف والعدل توءمان نتيجتهما علوّ الهمّة وبراءة الذّمّة باكتساب الفضائل وتجنّب الرّذائل «8» .
أنواع الإنصاف:
للإنصاف أنواع عديدة منها:
أن ينصف المرء نفسه من نفسه، إذ كيف
__________
(1) لسان العرب (9/ 332) ط. بيروت.
(2) النهاية لابن الأثير (5/ 66) .
(3) لسان العرب (9/ 333) ط. بيروت.
(4) الصحاح للجوهري (4/ 1433) .
(5) لسان العرب (9/ 333) ط. بيروت.
(6) التوقيف على مهمات التعاريف (64) .
(7) المفردات (475) تحقيق محمد أحمد خلف الله.
(8) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (64) .(3/577)
ينصف النّاس من لا ينصف نفسه.
أن ينصف المرء خالقه عزّ وجلّ، حيث لا يتصوّر أن ينصف المخلوقين من لا ينصف الخالق عزّ وجلّ.
إنصاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
إنصاف العباد.
وسوف نتحدّث عن هذه الأنواع المختلفة بإيجاز فيما يلي:
أوّلا: إنصاف المرء نفسه من نفسه:
إنّ أولى درجات الإنصاف، أن يكون الإنسان منصفا نفسه لأنّ من لم يفعل ذلك لا يستطيع إنصاف غيره انطلاقا من القاعدة المعروفة [فاقد الشّيء لا يعطيه] يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- ويدخل في الإنصاف: إنصاف المرء نفسه من نفسه، بألّا يدّعي لها ما ليس لها، ولا يخبّثها بتدنيسه لها، وتصغيره إيّاها وتحقيرها بمعاصي الله عزّ وجلّ، بل ينمّيها ويكبّرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده، وحبّه وخوفه ورجائه، والتّوكّل عليه، والإنابة إليه، وإيثار مرضاته على مراضي الخلق ومحابّهم.. إنّ إنصاف المرء نفسه من نفسه يوجب عليه معرفة ربّه وحقّه عليه، ومعرفة نفسه، وما خلقت له، وألّا يزاحم بها مالكها وفاطرها ويدّعي لها الملكة والاستحقاق، ويزاحم مراد سيّده، ويدفعه بمراده هو، أو يقدّم مراده (كالشّهوات مثلا) ويؤثره على مراد مولاه، أو يقسم إرادته بين مراد سيّده ومراده هو، وهذه قسمة ضيزى مثل قسمة الّذين قالوا: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (الأنعام/ 136) . فلينظر العبد ألّا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركائه (من ناحية) ، وبين الله عزّ وجلّ (من ناحية أخرى) . وإلّا يفعل لبّس عليه وهو لا يشعر، وكيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه؟ فظلمها أقبح الظّلم، وسعى في ضررها أعظم السّعي، ومنعها أعظم لذّاتها من حيث ظنّ أنّه يعطيها إيّاها فأتعبها كلّ التّعب، وأشقاها كلّ الشّقاء من حيث ظنّ أنّه يريحها ويسعدها، وجدّ كلّ الجدّ في حرمانها حظّها من الله عزّ وجلّ وهو يظنّ أنّه ينيلها حظوظها، كيف يرجى الإنصاف (للغير) ممّن هذا إنصافه لنفسه؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه، فماذا تراه بالأجانب يفعل؟ «1» .
ثانيا: إنصاف الله- عزّ وجلّ-:
قال ابن القيّم: «طوبى لمن أنصف ربّه فأقرّ له بالجهل في علمه، والآفات في عمله، والعيوب في نفسه، والتّفريط في حقّه، والظّلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منّته وصدقته عليه، فإن قبلها فمنّة وصدقة ثانية، وإن ردّها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عمل سيّئة رآها من تخلّيه عنه وخذلانه له، وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه، فيرى في ذلك فقره إلى ربّه، وظلمه في نفسه، فإن غفرها له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه. ونكتة
__________
(1) باختصار وتصرف عن زاد المعاد لابن القيم (2/ 408- 410) .(3/578)
المسألة وسرّها أنّه لا يرى ربّه إلّا محسنا، ولا يرى نفسه إلّا مسيئا أو مفرّطا أو مقصّرا، فيرى كلّ ما يسرّه من فضل ربّه عليه، وإحسانه إليه، وكلّ ما يسوؤه من ذنوبه وعدل الله فيه «1» . ومن الإنصاف في حقّ المولى عزّ وجلّ الإنصاف في معاملته، وفي هذا يقول ابن القيّم أيضا:
«الإنصاف في معاملة الله أن يعطي العبوديّة حقّها، وأن لا ينازع ربّه صفات إلهيّته، وأن لا يشكر على نعمه سواه، ولا يستعين بها على معاصيه، ولا يحمد غيره، ولا يعبد سواه» «2» .
ثالثا: إنصاف النبي صلّى الله عليه وسلّم:
وذلك بالقيام بحقوقه صلّى الله عليه وسلّم من الإيمان به، ومحبّته وتقديمها على محبّة الخلق كلّهم، وطاعته وتوقيره وتبجيله، وتقديم أمره وقوله على أمر غيره وقوله. فمن الظّلم العظيم أن يخلّ العبد بشيء من حقوق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأرحم بهم وأرأف بهم من كلّ أحد من الخلق، وهو الّذي لم يصل إلى أحد خير إلّا على يديه. «3» .
رابعا: إنصاف العباد
يقصد بإنصاف العباد أن يقوم المسلم بإنصاف الغير من نفسه أو ممّن يحبّ، حتّى لو كان هذا الغير مخالفا له في الرّأي، أو في الدّين، أو في المذهب، أو غير ذلك ممّا يقتضي التّحامل، أو يكون مظنّة للجور، ومن إنصاف النّاس- كما يقول ابن القيّم: أن تؤدّي حقوقهم وألّا تطالبهم بما ليس لك، وألّا تحمّلهم فوق وسعهم، وأن تعاملهم بما تحبّ أن يعاملوك به، وأن تعفيهم ممّا تحبّ أن يعفوك منه، وأن تحكم لهم أو عليهم بما تحكم به لنفسك أو عليها «4» ، ولإنصاف العباد صور كثيرة ونماذج متعدّدة جاء بها القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة، ودلّت عليها آثار سلفنا الصّالح، وهذا ما سوف نتناوله في الفقرة التالية.
القرآن الكريم يقدم المثل الأعلى للإنصاف:
إنّ إنصاف المرء أخاه في النّسب أو الدّين قد يكون أمرا معقولا تقرّه الطّبائع السّليمة والفطر النّقيّة، أمّا إنصاف العدوّ وتبرئة ساحته مع مخالفته لنا في الدّين فهذا ما لا يستطيعه إلّا من تربّى على مائدة الإسلام وتشبّع بروح العدل والإنصاف الّتي جاء بها القرآن، يقول أبو حيّان في تفسير قول الله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (النساء/ 105) ، يتلخّص سبب النّزول في «أنّ طعمة ابن أبيرق سرق درعا في جراب فيه دقيق لقتادة بن النّعمان، وخبّأها عند يهوديّ، فحلف طعمة مالي بها علم، فاتّبعوا أثر الدّقيق إلى دار اليهوديّ، فقال اليهوديّ: دفعها إليّ طعمة» «5» . فلمّا همّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء في هذه المسألة نزلت الآيات الكريمة (انظر
__________
(1) الفوائد (49) .
(2) نقلا عن كتاب الانصاف لابن غازي (24.)
(3) الإنصاف لأبي الحسن ساعد بن عمر بن غازي (24) ، وقد نقل عن بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن السعدي (41- 42) .
(4) زاد المعاد (2/ 407) بتصرف.
(5) تفسير البحر المحيط (3/ 358) .(3/579)
الشاهد الأول وهو الآيات 105- 113 من سورة النساء) مبرّءة ساحة هذا اليهوديّ ومنصفة.
يقول أحد العلماء المعاصرين معلّقا على هذه الواقعة: يا لله! إنّه الإسلام! الإسلام وحده في تاريخ البشريّة كلّه. وغير الإسلام لم يكن ضميره ليتحرك لتبرئة متّهم ينتمي إلى قوم بينه وبينهم كلّ ذلك العداء.
ألا إنّها القمّة السّامقة الّتي لا يقيمها ابتداء إلّا الإسلام، ولا يرقاها إلّا المسلمون في كلّ التّاريخ.
لقد كانت كلّ الظّروف «مشجّعة» على اتّهام ذلك اليهوديّ وتبرئة ذلك المنافق الّذي ينتمي ولو شكلا إلى الإسلام!.
فالعداوة بين المسلمين واليهود قائمة في المدينة، وكيد اليهود للمسلمين قائم واضح للعيان.
إلّا أنّ الإسلام ما جاء ليتستّر على انحرافات البشريّة أو يتسامح مع شيء منها! وما جاء ليجاري الجاهليّات فيما تقع فيه من انحراف. وإنّما جاء لينشأ الإنسان الصّالح في الأرض.
إنّها ليست حادثا عارضا يمرّ فينسى، إنّها درس هائل في التّربية على الأفق الأعلى لا يقدّمه إلّا الإسلام، ولا يقدر عليه إلّا المسلمون. وإنّه لدرس في التّطبيق العمليّ للإنصاف الإلهيّ والعدل الرّبّانيّ الّذي لم تعرفه أمة في التّاريخ، إلّا الأمّة الّتي ربّاها القرآن الكريم. تسع آيات كريمة تنزل لكشف ذلك المنافق الّذي انضمّ إلى المشركين بعد فضحه، ولتبرئة ساحة ذلك اليهوديّ، وما كان الإسلام ليتألّف قلب المنافق لأنّه يحمل اسما مسلما على حساب الإنصاف والعدل الّذي يريد إقامتهما في الأرض نبراسا لكلّ البشريّة.. لقد ذهب ابن أبيرق مع الشّيطان، وبقي ذلك الدّرس الرّبّانيّ الخالد درسا وعاه المسلمون وحفظوه، لتتعلّمه البشريّة منهم يوم تفيء إلى رشدها وتحبّ أن تعرف «1» الطّريق إلى ما فيه خيرها وسعادتها «2» .
ومع أنّ هؤلاء اليهود هم أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا إلّا أنّ هذه العداوة لم تمنع القرآن الكريم من إنصافهم إن هم أحسنوا أو أحسن بعضهم، ومن مظاهر هذا الإنصاف ثناؤه عزّ وجلّ على بني إسرائيل ثناء عظيما، يبلغ بهم ذروة شاهقة من الرّضا والتّقدير، كما قال تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ
__________
(1) دراسات قرآنية (466- 469) بتصرف وايجاز.
(2) أين هذا ممّا نشاهده في عالمنا المعاصر من ازدواجية في الحكم على الناس وعلى أعمالهم؟ إنّ ازدواجية المعايير هذه قد أورثت كثيرا من النفوس حقدا ومرارة على الظالمين والطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنصاف، وكان من آثار ذلك ما نشاهده اليوم من أعمال إرهابية طائشة لا تفرق بين ظالم ومظلوم. ليت اليهود ومن يوالونهم يطبقون على غيرهم ما طبقه القرآن الكريم عليهم منذ خمسة عشر قرنا من الزمان فينصفون المسلمين الذين أوقعهم حظهم التعس تحت سيطرتهم، ويعاملونهم بما عاملهم به المسلمون يوما ما- ولا يزالون- متأسين بروح القرآن الكريم. إنه لا خلاص للعالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه إلا بالتحلي بروح الإنصاف وإقامة العدل بين الناس جميعا بغض النظر عن جنسياتهم ودياناتهم وألوانهم، وإذا تم ذلك بالفعل جفت منابع الإرهاب وانقطعت حجة الإرهابيين، ونعم العالم كله بالسلام وساده الأمن والأمان، وما ذلك على الله- عز وجل- بعزيز.(3/580)
يَعْدِلُونَ (الأعراف/ 159) وقوله عزّ من قائل:
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) ، ثمّ في معظم الأحيان تبلغ حملته عليهم حدّا رهيبا من التّقريع والتّنديد، والذّمّ والتّوبيخ والسّبب في هذا الموقف القرآنيّ هو الإنصاف التّامّ لهم، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وكلّ ذي باطل ما يستحقّه، فهو يمدحهم إن أحسنوا وأطاعوا، وهو يذمّهم إن عاندوا وشاقّوا، وقد كان من تمام إنصافه عزّ وجلّ معهم أنّه دائما يستثني منهم القلّة الصّالحة- على ندرتها- كما قال تعالى: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ (المائدة/ 13) «1» .
إنصاف الرسول صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين لأهل الذمة:
لقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإنصاف أهل الذّمّة والمستأمنين، ونهى عن ظلمهم في أحاديث كثيرة، فهو القائل صلّى الله عليه وسلّم: «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» «2» . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة «3» . وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» «4» .
وحرص الخلفاء الرّاشدون والصّحابة على ذلك، فها هو عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوصي بأهل الذّمّة قائلا: «أوصيكم بذمّة الله فإنّها ذمّة نبيّكم ورزق عيالكم» .
وروى مسلم عن المستورد بن شدّاد القرشيّ أنّه حدّث عن عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» .
فقال عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: لئن قلت ذاك إنّ فيهم لخصالا أربعا: إنّهم أحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك» . فانظر إلى إنصاف عمرو وذكره ما يعلمه من الخصال الحسنة للرّوم، مع أنّنا لا نشكّ في براءته منهم وعداوته لهم.
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء الله- عزّ وجلّ-، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إيّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض» «5» .
قال الحافظ بن عبد البرّ: وفيه أنّ المؤمن وإن
__________
(1) انظر معركة الوجود بين القرآن والتلمود لعبد الستار سعيد (72- 75) بتصرف.
(2) أبو داود 3 (3052) .
(3) يرح بفتح الياء والمراد أصلها يراح والمعنى لم يجد ريح الجنة.
(4) البخاري- الفتح 6 (3166) .
(5) الحديث أخرجه أحمد (3/ 367) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 121) : ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، وللحديث شواهد في موطأ مالك (439) ، وأبي داود (347) ، وابن ماجة (1/ 557- 558) ، والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا.(3/581)
أبغض في الله لا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه» «1» .
لقد امتثل عبد الله بن رواحة- رضي الله عنه- للمنهج الرّبّانيّ الّذي يكفل العدل بين النّاس، والّذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه من المسلمين وغير المسلمين. ففي هذا الحقّ يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين. قال تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء/ 135) «2» . وقد أقرّ اليهود صنيع عبد الله بن رواحة لعلمهم أنّ العدل قد أمر الله عزّ وجلّ- به النّاس جميعا، لأنّه واجب لكلّ أحد على كلّ أحد في جميع الأحوال. والظّلم لا يباح منه شيء بحال، ولذا قالوا لعبد الله بن رواحة: (هذا الحقّ به تقوم السّماء والأرض) : أي بهذا الحقّ والعدل قامت السّموات فوق الرّءوس بغير عمد، والأرض استقرّت على الماء تحت الأقدام «3» .
تناصف الصّحابة. رضوان الله عليهم.:
لإنصاف الصّحابة- رضوان الله عليهم- غيرهم ممّن يحبون أو يكرهون أمثلة عديدة ونماذج مشرّفة ذكرنا كثيرا منها في الآثار فأغنى ذلك عن ذكرها هنا (انظر الآثار أرقام: 4، 5، 6، 7، 8) .
إنصاف أهل السنة والجماعة للمبتدعة:
وإذا كنّا مأمورين بالإنصاف مع غير المسلمين فلأن نكون منصفين لأهل البدعة ممّن لم يخرجوا عن الإسلام أولى.
يقول ابن تيمية- رحمه الله-: كلّ من كان مؤمنا بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم فهو خير من كلّ من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة سواء كانت بدعة الخوارج والشّيعة والمرجئة والقدريّة أو غيرهم، فإنّ اليهود والنّصارى كفّار كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنّه موافق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا مخالف له لم يكن كافرا به، ولو قدر أنّه يكفّر فليس كفره مثل كفر من كذّب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «4» .
وقال- وهو يتحدّث عن الصّوفيّة وما أحدثوه من السّماع والرّقص وتمزيق الثّياب: «والّذين شهدوا هذا اللّغو متأوّلين من أهل الصّدق والإخلاص غمرت حسناتهم ما كان لهم من السّيّئات أو الخطأ في مواقع الاجتهاد، وهذا سبيل كلّ صالحي الأمّة في خطئهم وزلّاتهم» «5» .
وقال فيمن خالفوه وكفّروه من أهل البدع:
«هذا، وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنّه وإن تعدّى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبيّة جاهليّة فأنا لا أتعدّى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمّا بالكتاب الّذي أنزله الله وجعله هدى للنّاس حاكما فيما اختلفوا فيه» . إلى أن قال: «وذلك أنّك ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه» «6» .
وأمّا ابن القيّم- رحمه الله- فحين تحدّث عن
__________
(1) التمهيد (9/ 140) .
(2) المرجع السابق نفسه.
(3) عون المعبود شرح سنن أبي داود (3/ 273) بواسطة الإنصاف (51) .
(4) مجموع الفتاوى (35/ 201) .
(5) الاستقامة (1/ 197- 198) .
(6) مجموع الفتاوى (3/ 245- 246) .(3/582)
الصّوفيّة وشطحاتهم قال فيما قال: « ... هذا ونحوه من الشّطحات الّتي ترجى مغفرتها بكثرة الحسنات، ويستغرقها كمال الصّدق، وصحّة المعاملة، وقوّة الإخلاص، وتجريد التّوحيد، ولم تضمن العصمة لبشر بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولو كان (كلّ) من أخطأ أو غلط ترك جملة، وأهدرت محاسنه، لفسدت العلوم والصّناعات، والحكم، وتعطّلت معالمها «1» .
وإذا كانت هذه الشّطحات قد أوجبت فتنة على طائفتين من النّاس: إحداهما حجبت بها (أي بالشّطحات) عن محاسن هذه الطّائفة والأخرى:
حجبت بما رأوه من محاسن القوم عن رؤية عيوب شطحاتهم وكلا هاتين الطّائفتين معتد مفرّط.
أمّا أهل العدل والإنصاف فهم هؤلاء الّذين أعطوا كلّ ذي حقّ حقّه، ولم يحكموا للصّحيح بحكم السّقيم، ولا للسّقيم بحكم الصّحيح، ولكن قبلوا ما يقبل وردّوا ما يردّ «2» .
آداب أهل الإنصاف:
التّحلّي بصفة الإنصاف، وسلوك درب المنصفين يلزم معه التّأدّب باداب خاصّة، وقد التزم بها أهل السّنّة والجماعة، وعلى من يسير على منهجهم أن يتأدّب بتلك الاداب، وأهمّها:
1- التّجرّد وتحرّي القصد عند الكلام على المخالفين:
وذلك أنّه قد تلتبس المقاصد عند الكلام عن المخالفين، فهناك قصد حبّ الظّهور، وقصد التّشفّي والانتقام، وقصد الانتصار للنّفس أو للطّائفة الّتي ينتمي إليها النّاقد.. وقد حذّر ابن تيمية من يردّ على أهل البدع من التباس المقاصد فقال: « ... وهكذا الرّدّ على أهل البدع من الرّافضة وغيرهم، وإذا غلّظ في ذمّ بدعة أو معصية كان قصده بيان ما فيها من إفساد ليحذر العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرّجل عقوبة وتعزيرا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرّحمة والإحسان، لا للتّشفّي والانتقام» وقد انتبه ابن القيّم- رحمه الله- إلى هذا الأمر فوضع قاعدة لمن يريد أن يتجرّد من الهوى فقال: «وكلّ أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف بها حقيقة ما تحت الألفاظ من الحقّ والباطل، ولا تغترّ باللّفظ كما قيل في هذا المعنى:
تقول هذا جنى النّحل تمدحه ... وإن تشأ قلت: ذا قيء الزّنابير
مدحا وذمّا وما جاوزت وصفهما ... والحقّ قد يعتريه سوء تعبير
2- أهمية التبين والتثبت قبل إصدار الأحكام:
وذلك امتثالا لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات/ 6) ، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94) .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 40، 41) .
(2) مدارج السالكين (2/ 41) .(3/583)
والتّبيّن والتّثبّت من خصائص أهل الإيمان، قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «المؤمن وقّاف حتّى يتبيّن» وقال الإمام محمّد بن عبد الوهّاب- رحمه الله-:
«ومتى لم يتبيّن لكم المسألة لم يحلّ لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتّى يتبيّن لكم خطؤه، بل الواجب السّكوت والتّوقّف» .
3- حمل الكلام على أحسن الوجوه، وإحسان الظن بالمسلمين:
فالواجب على المسلم أن يحسن الظّنّ بكلام أخيه المسلم، وأن يحمل العبارة المحتملة محملا حسنا.
فقد حثّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على إحسان الظّنّ بالمسلم حين قال وهو يطوف بالكعبة: «ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والّذي نفس محمّد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن لا يظنّ به إلّا خيرا» .
وقال سعيد بن المسيّب: كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا» .
4- ألّا ينشر سيّئات المخالف ويدفن حسناته:
فقد ذكّر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عمر بحسنات حاطب فقال: «وما يدريك يا عمر لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .
فكون حاطب من أهل بدر ترفعه ويذكر له في مقابل خطئه الفاحش، ولذا غفر له خطؤه.
5- النقد يكون للرأي وليس لصاحب الرأي:
فالنّقد الموضوعيّ هو الّذي يتّجه إلى الموضوع ذاته وليس إلى صاحبه. وكان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إذا حدث خطأ من أحد أصحابه أو بعضهم. لا يسمّيهم غالبا وإنّما يقول: «ما بال أقوام» ، «ما بال رجال» .
6- الامتناع عن المجادلة المفضية الى النزاع:
وقد حذّر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من الجدل المفضي إلى الخصومة فقال: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» .
وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لا تمار أخاك فإنّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تؤمن غائلته..» .
وقال مالك بن أنس: «المراء يقسّي القلوب، ويورث الضّغائن» .
7- حمل كلام المخالف على ظاهره وعدم التعرض للنوايا والبواطن:
وقد علّمنا ذلك رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم حينما قتل أسامة بن زيد المشرك بعد أن قال: لا إله إلّا الله، فلمّا علم صلّى الله عليه وسلّم أنكر ذلك عليه، فقال أسامة: إنّما قالها متعوّذا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هلّا شققت عن قلبه» . «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- التوسط- العدل والمساواة- القسط- المروءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- البغى- الظلم- العدوان] .
__________
(1) بتصرف وايجاز عن: إصاف أهل السنة والجماعة ومعاملتهم لمخالفيهم محمد بن صالح بن يوسف العلي (69- 101) ، ط دار الأندلس الخضراء، جدة.(3/584)
الآيات الواردة في «الإنصاف» معنى
1- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105)
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106)
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107)
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110)
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111)
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «3»
4- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152) «4»
__________
(1) النساء: 105- 113 مدنية
(2) النساء: 135 مدنية
(3) المائدة: 8 مدنية
(4) الأنعام: 152 مكية(3/585)
5- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «1»
6- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «2»
__________
(1) ص: 26 مكية
(2) الممتحنة: 8- 9 مدنية(3/586)
الأحاديث الواردة في (الإنصاف)
1-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
اشتكى ابن لأبي طلحة، فخرج أبو طلحة إلى المسجد فتوفّي الغلام، فهيّأت أمّ سليم الميّت، وقالت لأهلها:
لا يخبرنّ أحد منكم أبا طلحة بوفاة ابنه، فرجع «1» إلى أهله، ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه، قال:
ما فعل الغلام؟ قالت: خير ما كان، فقرّبت إليهم عشاءهم فتعشّوا، وخرج القوم، وقامت المرأة إلى ما تقوم إليه المرأة، فلمّا كان آخر الّليل قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عاريّة «2» فتمتّعوا بها، فلمّا طلبت كأنّهم كرهوا ذاك، قال: ما أنصفوا قالت: فإنّ ابنك كان عاريّة من الله تبارك وتعالى، وإنّ الله قبضه، فاسترجع «3» وحمد الله، فلمّا أصبح غدا على رسول الله فلمّا رآه قال: بارك الله لكما في ليلتكما، فحملت بعبد الله، فولدته ليلا، وكرهت أن تحنّكه حتّى يحنّكه رسول الله فحملته ومعي تمرات عجوة، فوجدته يهنأ «4» أباعر له أو يسمها «5» ، قال: فقلت: يا رسول الله، إنّ أمّ سليم ولدت الّليلة فكرهت أن تحنّكه «6» ، حتّى يحنّكه رسول الله فقال: أمعك شيء، قلت: تمرات عجوة، فأخذ بعضهنّ فمضغهنّ، ثمّ جمع بزاقه فأوجره «7» إيّاه، فجعل يتلمّظ «8» فقال: حبّ الأنصار التّمر «9» ، قال:
قلت يا رسول الله، سمّه قال: هو عبد الله) * «10» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه «11» قال:
«من يردّهم عنّا وله الجنّة، أو هو رفيقي في الجنّة؟» فتقدّم رجل من الأنصار، فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا. فقال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة، أو هو رفيقي في الجنّة؟» فتقدّم رجل من الأنصار، فقاتل حتّى قتل.
فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنصفنا أصحابنا» «12» ) * «13» .
__________
(1) أي رجع أبو طلحة.
(2) العاريّة (بتشديد الياء) هي المنيحة.
(3) الاسترجاع أن يقول المرء: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» .
(4) يهنأ من هنأ البعير إذا طلاه بالهناء وهو القطران.
(5) يسمها أي يجعل لها وسما وهو العلامة.
(6) تحنيك الصّبيّ: أن يمضغ التمر ثم يدلك بحنك الصّبي داخل فمه.
(7) أوجره إياه، أدخله في فيه أو في وسط حلقه.
(8) التلمظ هو أن يدير لسانه في فيه ويحركه يتتبع أثر التمر (النهاية 4/ 271) .
(9) يروى بضم الحاء فيكون اسما من المحبة وذلك على سبيل المبالغة في حب الأنصار للتمر، وبكسر الحاء يكون بمعنى المحبوب، والتمر يروى منصوبا ومرفوعا، النصب على أنه مفعول المصدر ويكون الخبر محذوفا، والرفع على أنه خبر المبتدأ، وقد جاء في بعض الروايات: انظروا حب الأنصار التمر. انظر النهاية 1/ 327 وقارن باللسان (1/ 290) .
(10) المسند (3/ 105- 106) .
(11) رهقوه أي غشوه وقربوا منه، قال القاضي عياض: قيل لا يستعمل ذلك إلّا في المكروه، وقيل: كل شيء دنوت منه فقد رهقته.
(12) المعنى على هذه الرواية: ما أنصفت قريش الأنصار، لكون القرشيّين لم يخرجا للقتال، بل خرجت الأنصار واحدا تلو الآخر وقد روي أيضا: ما أنصفنا أصحابنا والمراد بالأصحاب حينئذ الذين فروا من القتال فإنهم لم ينصفوه لفرارهم.
(13) مسلم (1789) .(3/587)
الأحاديث الواردة في (الإنصاف) معنى
3-* (عن قتادة عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «1» .
4-* (عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة «2» وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال:
إنّي ساببت «3» رجلا فعيّرته بأمّه «4» ، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة «5» .
إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «6» .
5-* (عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عند بعض نسائه قال: أظنّها عائشة، فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، قال:
فضربت الأخرى بيد الخادم فكسرت القصعة بنصفين، قال: فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «غارت أمّكم» . قال: وأخذ الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الأخرى فجعل فيها الطّعام، ثمّ قال: «كلوا» فأكلوا، وحبس الرّسول والقصعة حتّى فرغوا، فدفع إلى الرّسول قصعة أخرى، وترك المكسورة مكانها) * «7» .
6-* (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
« ... فجاءت الغامديّة فقالت يا رسول الله، إنّي قد زنيت فطهّرني، وإنّه ردّها. فلمّا كان الغد قالت: يا رسول الله، لم تردّني؟ لعلّك أن تردّني كما رددت ماعزا.
فو الله إنّي لحبلى. قال: «إمّا لا، فاذهبي «8» حتّى تلدي» ، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ في خرقة. قالت: هذا قد ولدته. قال: «اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه» . فلمّا فطمته أتته بالصّبيّ في يده كسرة خبز، فقالت: هذا، يا نبيّ الله، قد فطمته، وقد أكل الطّعام، فدفع الصّبيّ إلى رجل من المسلمين، ثمّ أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر النّاس فرجموها. فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضّح «9» الدّم على وجه خالد، فسبّها، فسمع نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم سبّه إيّاها، فقال: «مهلا يا خالد! فوالّذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» ) * «10» .
7-* (عن عائشة رضي الله عنها- قالت:
أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنت وهو مضطجع معي في
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (13) ، ومسلم (71) . ولفظهما واحد. وفي مسلم: «حتى يحب لأخيه (أو قال لجاره) ..» .
(2) الربذة- بفتح الراء والباء والذال-: موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل.
(3) ساببت: أي وقع بيني وبينه سباب، وهو من السبّ، وأصله القطع.
(4) فعيرته بأمه: أي نسبته الى العار، وفي رواية.. قلت له يا ابن السوداء.
(5) أي هذا التعيير من أخلاق الجاهلية فعنك خلق من أخلاقهم.
(6) البخاري- الفتح 1 (30) . واللفظ له، ومسلم (1661) .
(7) مسند أحمد (3/ 105) .
(8) إما لا فاذهبي: أي إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك.
(9) تنضح: ترشش وانصب.
(10) مسلم (1695) .(3/588)
مرطي، فأذن لها، فقالت يا رسول الله، إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل «1» في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي بنيّة، ألست تحبّين ما أحبّ؟ فقالت: بلى، قال: «فأحبّي هذه» قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله، فرجعت إلى أزواج النّبيّ فأخبرتهنّ بالّذي قالت، وبالّذي قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء ... قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش زوج النّبيّ وهي الّتي كانت تساميني منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به «2» إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّ «3» (وفي رواية من حدّة) كانت فيها تسرع منها الفيئة «4» ، قالت:
فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها، على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت (عائشة) ثمّ وقعت بي فاستطالت عليّ، وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «5» حين أنحيت عليها «6» ، قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: إنّها ابنة أبي بكر «7» - رضي الله عنهما-) * «8» .
8-* (جاء في حديث الإفك قول عائشة- رضي الله عنها-: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلّا خيرا، قالت (عائشة) ، وهي (أي زينب) الّتي كانت تساميني «9» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعصمها الله بالورع «10» ) * «11» .
__________
(1) أي التسوية بينهن في محبة القلب.
(2) تصدّق، وتقرب، الأصل فيهما تتصدق وتتقرب بتاءين حذفت الأولى تخفيفا.
(3) المراد بالحدّ أو الحدّة هنا شدة الخلق وثورانه.
(4) أي تسرع الى الرجوع منها.
(5) لم أنشبها أي لم أمهلها.
(6) أنحيت عليها أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة.
(7) مسلم 4/ (2442) .
(8) ووجه الانصاف هنا ان الغيرة واستطالة زينب على عائشة لم يمنعا عائشة من انصاف زينب ووصفها بالتقوى وصدق الحديث الخ ما قالت.
(9) تساميني أي تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانتها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، واللفظ مأخوذ من السمو وهو الارتفاع.
(10) انظر الحديث بطوله في البخاري- الفتح 8 (4750) ، ومسلم (2770) .
(11) ووجه الإنصاف في هذا الحديث أن الغيرة لم تمنع زينب من قول الحق في عائشة- رضوان الله عليهم أجمعين.(3/589)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإنصاف)
9-* (عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب: فلا آذن، ثمّ لا آذن، ثمّ لا آذن، إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة منّي يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها «1» .
وقد ترجم الإمام البخاريّ لهذا الحديث بقوله:
باب ذبّ الرّجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف قال ابن حجر: أي في دفع الغيرة عنها والإنصاف لها) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنصاف)
1-* (قال عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم والإنفاق من الإقتار) * «3» .
2-* (قال ابن القيّم: كيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق؟ جاء في أثر إلهيّ يقول الله عزّ وجلّ:
«ابن آدم ما أنصفتني، خيري إليك نازل، وشرّك إليّ صاعد، كم أتحبّب إليك بالنّعم وأنا غنيّ عنك وكم تتبغّض إليّ بالمعاصي وأنت فقير إليّ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إليّ منك بعمل قبيح» ) * «4» .
3-* (وقال ابن القيّم أيضا: وجاء في أثر آخر: «ابن آدم ما أنصفتني، خلقتك وتعبد غيري، وأرزقك وتشكر سواي» ) * «5» .
4-* (سمعت عائشة- رضي الله عنها- عروة ابن الزّبير يسبّ حسّان بن ثابت، وكان ممّن خاض في حديث الإفك.. فقالت- رضي الله عنها-: «يا ابن أختي دعه، فإنّه كان ينافح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» .
5-* (وقال عروة: كانت عائشة تكره أن يسبّ عندها حسّان وتقول، إنّه الّذي قال:
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء)
* «7» .
6-* (عن عاصم بن كليب عن أبيه قال انتهينا إلى عليّ- رضي الله عنه- فذكر عائشة فقال:
خليلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول الذّهبيّ: هذا يقوله أمير المؤمنين في حقّ عائشة مع ما وقع بينهما) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5230) .
(2) فتح الباري (9/ 238) .
(3) البخاري- الفتح (1/ 103) .
(4) زاد المعاد (2/ 409) .
(5) المرجع السابق (2/ 410) ، وقال محققا «زاد المعاد» رواه الديلمي والرافعي عن علي رضي الله عنه ثم ذكرا أنه لا يصح.
(6) البخاري 7 (4145) ، ومسلم (2487) واللفظ له.
(7) البخاري 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له.
(8) نزهة الفضلاء (1/ 129) ، ووجه الانصاف هنا هو أن الخصومة بين علي وعائشة- رضوان الله عليهما- لم تمنع أمير المؤمنين من انصاف عائشة المتمثل في وصفها بأحب ما توصف به أمهات المؤمنين.(3/590)
7-* (عن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة، فقالت: ممّن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن حديج «1» في غزاتكم هذه؟
قلت: خير أمير، ما يقف لرجل منّا فرس ولا بعير إلّا أبدله مكانه بعيرا، ولا غلام إلّا أبدل مكانه غلاما، قالت: إنّه لا يمنعني قتله أخي أن أحدّثكم ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّي سمعته يقول: اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن شقّ عليهم فاشقق عليه) * «2» .
8-* (عن ابن أبي زائدة قال: سمعت عامرا يقول: تزوّج عليّ (بن أبي طالب) - رضي الله عنه- أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها: محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن جعفر (الطّيّار) ، فقال كلّ منهما أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك. فقال لها عليّ كرّم- الله وجهه- اقض بينهما. قالت- رضي الله عنها- ما رأيت شابّا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك. قالت: إنّ ثلاثة أنت أخسّهم خيار) * «3» .
9-* (عن عروة بن الزّبير أنّه سأل عائشة عن قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ... (النساء/ 3) قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليّها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها «4» ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ «5» من الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ.
قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية فيهنّ فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (النساء/ 127) .
قالت: والّذي ذكر الله تعالى، أنّه يتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى الّتي قال الله فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (النساء/ 3) .
قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى:
وترغبون أن تنكحوهنّ، رغبة أحدكم عن اليتيمة الّتي
__________
(1) ابن حديج هو ابن نعيم الكندي كان عثمانيّا وكان من أخلص أتباع معاوية، وهو قاتل محمّد بن أبي بكر (أخي عائشة) .
(2) نزهة الفضلاء 1/ 215، ووجه الانصاف هنا أن عائشة رضي الله عنها أشارت الى أن قاتل أخيها ممن دعا لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يرفق الله بهم، ولم تمنعها كراهيته قتل أخيها على يديه من أن تنصفه بذكر بشارة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له.
(3) نزهة الفضلاء 1/ 148، ووجه الانصاف هنا أنها أعطت زوجيها الراحلين: أبو بكر الصديق وجعفر بن أبي طالب حقهما أمام زوجها الثالث وهو عليّ كرم الله وجهه- ولم تمنع وفاة كل منهما أن يعطى حقه، وكان من انصاف علي- رضي الله عنهم أجمعين- أن أقرها على ما قالت رغما عن أنها لم تبق له (من المديح) شيئا، كما أنه لم يغضب عند ما ذكرت أنّه أقل الثلاثة رتبة وإن كانوا جميعا من الأخيار.
(4) يقسط في صداقها: أي يعدل.
(5) أعلى سنتهن: أي أعلى عادتهن في مهورهن ومهور أمثالهن.(3/591)
تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ) * «1» .
10-* (عن سعيد بن المسيّب أنّ رجلا من أهل الشّام يقال له ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلهما معا، فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه، فكتب إلى أبي موسى
الأشعريّ يسأل له عليّ بن أبي طالب عن ذلك، فسأل أبو موسى عن ذلك عليّ بن أبي طالب فقال له عليّ: إنّ هذا شيء ما هو بأرضي. عزمت عليك لتخبرنّي. فقال له أبو موسى كتب إليّ معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك. فقال عليّ: أنا أبو حسن: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمّته «2» . وفيه: شهادة من معاوية بفقه وعلم عليّ رغم ما حدث بينهما) *.
11-* (جاء رجل فوقع في عليّ وفي عمّار رضي الله عنهما- عند عائشة، فقالت: أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا، وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما» ) * «3» .
12-* (خطب عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- في أهل العراق- قبل وقعة الجمل- ليكفّهم عن الخروج مع أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فقال: «والله إنّها لزوجة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي» .
ومعلوم أن عمّارا كان في صفّ عليّ- رضي الله عنهما- قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث أنّ عمّارا كان صادق اللهجة، وكان لا تستخفّه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه، فإنّه شهد لعائشة بالفضل التّام مع ما بينهما من الحرب» «4» .
قال ابن حجر: مراد عمّار بذلك أنّ الصّواب في تلك القصّة كان مع عليّ، وأنّ عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، فكان ذلك يعدّ من إنصاف عمّار وشدّة ورعه وتحرّيه قول الحقّ) * «5» .
13-* (وقال خالد بن الوليد لعديّ بن زيد العباديّ- في الحوار الّذي دار بينهما-: ما أنتم؟
أعرب فما تنقمون من العرب؟ أو عجم فما تنقمون من الإنصاف والعدل؟ فقال له عديّ: بل عرب عاربة وأخرى متعرّبة) * «6» .
14-* (عن سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر (أي الباقر) وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر،
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4574) ، 9 (5092) ، ومسلم (3018) واللفظ له.
(2) رواه مالك في الموطأ (460) ، وقوله: ان لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته: أي يسلم الى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا- وانظر/ الانصاف (60) .
(3) مسند أحمد 6/ 113 واللفظ له، والترمذي رقم (3799) ، وابن ماجة (1/ 66) . ورد هذا الأثر شرحا للحديث الوارد ضمن سياق الأثر.
(4) فتح الباري (13/ 59) .
(5) المرجع السابق (13/ 58) .
(6) تاريخ الأمم والملوك للطبري (3/ 361) .(3/592)
فقالا لي: يا سالم، تولّهما وابرأ من عدوّهما، فإنّهما كانا إمامي هدى «1» .
وكان سالم فيه تشيّع ظاهر، ومع هذا فيبثّ هذا القول الحقّ. وإنّما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل. وكذلك ناقلها ابن فضيل شيعيّ ثقة) * «2» .
15-* (قال حصين بن المنذر: صلّى الوليد الفجر أربعا وهو سكران ثمّ التفت، وقال: أزيدكم؟
فبلغ ذلك عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- فطلبه وحدّه) * «3» .
16-* (قال عليّ بن أبي حملة: قدم علينا مسلم ابن يسار دمشق، فقلنا له: يا أبا عبد الله، لو علم الله أنّ بالعراق من هو أفضل منك لجاءنا به، فقال: كيف لو رأيتم عبد الله بن زيد أبا قلابة الجرميّ؟
قال: فما ذهبت الأيّام واللّيالي حتّى قدم علينا أبو قلابة) *.
17-* (قال الإمام الشّافعيّ في الإمام أحمد رحمهما الله-: «خرجت من بغداد وما خلّفت بها أحدا أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل» ) * «4» .
18-* (قال محمّد بن سيرين: «ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره» ) * «5» .
19-* (وقال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-:
«عند ذكر الصّالحين تنزل الرّحمة، ومن لم يحفظ من أخبارهم إلّا ما بدر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والتّعصّب والشّهوات دون أن يعي بفضائلهم حرم التّوفيق ودخل في الغيبة وحاد عن الطّريق» ) * «6» .
20-* (قال الإمام الذّهبيّ في ترجمته لقتادة بن دعامة: «وكان من أوعية العلم، وممّن يضرب به المثل في قوّة الحفظ، وهو حجّة بالإجماع إذا بيّن السّماع، فإنّه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر- نسأل الله العفو- ومع هذا فما توقّف أحد في صدقه، وعدالته وحفظه، ولعلّ الله يعذر أمثاله ممّن تلبّس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عمّا يفعل. ثمّ إنّ الكبير من أئمّة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحرّيه للحقّ، واتّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتّباعه، يغفر له زلله، ولا نضلّله ونطرحه وننسى محاسنه. نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التّوبة من ذلك» ) * «7» .
21-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله- في تفسيره لقوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا
__________
(1) نزهة الفضلاء (1/ 409) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) نزهة الفضلاء 1/ 292، ومعنى حدّه: أقام عليه الحدّ، وفي هذا من الإنصاف ما فيه، حيث لم تمنع قرابة الحاكم للوليد من اقامة الحد عليه، وقد كان الوليد أخا لعثمان من أمه.
(4) غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/ 299.
(5) البدآية والنهاية لابن كثير 9/ 275 بواسطة انصاف أهل السنة والجماعة ص 89.
(6) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 162 بواسطة انصاف أهل السنة والجماعة ص 89.
(7) نزهة الفضلاء 1/ 489، وانظر ترجمته لابن عبد البر القرطبي 3/ 1269 اذ يقول: « ... ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه» .(3/593)
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى.. قال: «فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفّار على ألّا يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع أو متأوّل من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألّا يحمله ذلك على ألّا يعدل على مؤمن وإن كان ظالما له» ) * «1» .
22-* (قال القرطبيّ- في قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ الآية:
في هذه الآية تشريف للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه، وتقويم أيضا على الجادّة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أبيرق، وكانوا ثلاثة إخوة: بشر وبشير ومبشّر، وأسير بن عروة ابن عمّ لهم، نقبوا مشربة لرفاعة بن زيد في اللّيل، وسرقوا أدراعا له وطعاما، فعثر على ذلك.
وقيل: إنّ السّارق بشير وحده، وكان يكنى أبا طعمة، أخذ درعا، قيل: كان الدّرع في جراب فيه دقيق، فكان الدّقيق ينتثر من خرق في الجراب حتّى انتهى إلى داره، فجاء ابن أخي رفاعة واسمه قتادة بن النّعمان يشكوهم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجاء أسير بن عروة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين فأنّبوهم بالسّرقة ورموهم بها من غير بيّنة، وجعل يجادل عنهم حتّى غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قتادة ورفاعة، فأنزل الله تعالى وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
الآية، وأنزل الله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
. وكان البريء الّذي رموه بالسّرقة لبيد بن سهل. وقيل: زيد بن السّمين، وقيل: رجل من الأنصار) * «2» .
23-* (وقال القرطبيّ في قوله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً نهى الله- عزّ وجلّ- رسوله عن عضد أهل التّهم والدّفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجّة. وفي هذا دليل على أنّ النّيابة عن المبطل والمتّهم في الخصومة لا تجوز. فلا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلّا بعد أن يعلم أنّه محقّ) * «3» .
24-* (قال ابن كثير في قوله تعالى: ... وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ... أي: لا يحملنّكم بغض قوم على ترك العدل، فإنّ العدل واجب على كلّ أحد، في كلّ حال، وقد قال بعض السّلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه) * «4» .
25-* (قال أبو عبيدة والفرّاء، في قوله تعالى:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا.. (المائدة/ 2) أي: لا يكسبنّكم بغض قوم أن تعتدوا الحقّ إلى الباطل، والعدل إلى الظّلم) * «5» .
26-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها
__________
(1) الاستقامة (1/ 38) تحقيق د/ محمد رشاد سالم.
(2) تفسير القرطبي (5/ 375، 376) .
(3) المرجع السابق (5/ 377) .
(4) تفسير ابن كثير (2/ 7) .
(5) تفسير القرطبي (6/ 45) .(3/594)
أَذِلَّةً (النمل/ 34) أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور. فصدّق الله قولها (وكذلك يفعلون) . قال ابن الأنباريّ: قوله تعالى: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً هذا وقف تامّ. فقال الله عزّ وجلّ تحقيقا لقولها وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ «1» ، قال الشّيخ ابن غازي: فعلى هذا يكون قوله تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ من تصديق الله تعالى لقول ملكة سبأ وهي كافرة. وهذا غاية العدل والإنصاف) * «2» .
27-* (قال القاسميّ في قوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية. قال:
في الآية بيان وجوب الحكم بالحقّ، وألّا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل) * «3» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«لم أعقل أبويّ قط إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتّى بلغ برك الغماد. لقيه ابن الدّغنّة وهو سيّد القارة. فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنّة: فإنّ مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، فأنا جار. إرجع واعبد ربّك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة، فطاف ابن الدّغنّة عشيّة في أشراف قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فلم تكذّب قريش بجوار ابن الدّغنّة) * «4» .
29-* (قال الذّهبي: كان زياد معظّما للأحنف، فلمّا ولّي بعده ابنه عبيد الله تغيّر أمر الأحنف، وقدّم عليه من هو دونه، ثمّ وفد على معاوية في الأشراف، فقال لعبيد الله: أدخلهم عليّ على قدر مراتبهم. فأخّر الأحنف، فلمّا رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال: إليّ يا أبا بحر، وأجلسه معه وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله بن زياد، وسكت الأحنف، فقال له: لم لا تتكلّم؟ قال: إن تكلّمت خالفتهم. قال: اشهدوا أنّي قد عزلت عبيد الله. فلمّا خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة. ثمّ أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كلّ واحد شخصا، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ قال: إن ولّيت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله. فقال: قد أعدته. قال:
فخلا معاوية بعبيد الله، وقال: كيف ضيّعت مثل هذا الرّجل الّذي عزلك وأعادك وهو ساكت!؟. فلمّا رجع
__________
(1) تفسير القرطبي (13/ 174) .
(2) الإنصاف (18) .
(3) محاسن التأويل (14/ 5095) بواسطة الإنصاف (22) .
(4) وجه الإنصاف هنا أن ابن الدّغنّة وهو كافر قد أنصف أبا بكر وأقرته قريش على هذا الإنصاف مما يدل على أن التحلي بالإنصاف من الأمور التي يقرها الطبع السليم، وانظر في هذا الوجه من الإنصاف كتاب «الإنصاف» لأبي الحسن ساعد بن عمر بن غازي (49) .(3/595)
عبيد الله جعل الأحنف صاحب سرّه) * «1» .
30-* (قال أبو الزّناد بن سراج وغيره: «إنّ العبد إذا اتّصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقّا إلّا أدّاه، ولم يترك شيئا ممّا نهاه عنه إلّا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان» ) * «2» .
31-* (عن أحمد بن بشير قال: قدم على عمر ابن عبد العزيز رجل من حضر موت فناداه:
دعوت حرّان ملهوفا ليأتيكم ... فقد أتاك بعيد الدّار مظلوم
قال: من ظلمك؟ قال: الوليد بن سليمان أخذ أرضا لي باليمن فقال: اكتبوا له إلى عامل اليمن: إن أقام عندك شاهدين ذوي عدل، فاردد عليه أرضه، ثمّ قال له: إنّي أراك قد كلّفت في وجهك «3» هذا، قال:
كلّفت زادا وراحلة. فأمر له بثلاثين دينارا) * «4» .
32-* (وقال الشّيخ عبد الوهّاب خلّاف:
حين جاء الإسلام كان إنصاف الضّعفاء من الأقوياء أظهر شعائره وأوّل أهدافه، كذلك أنصف الفقراء من الأغنياء، فقرّر في أموال الأغنياء حقّا معلوما للسّائل والمحروم، وأنصف اليتامى ممّن يتولّون أمرهم فقال سبحانه وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (النساء/ 2)) * «5» .
33-* (وقال شوقي مخاطبا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم:
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى ... فالكلّ في حقّ الحياة سواء
فلو أنّ إنسانا تخيّر ملّة ... ما اختار إلّا دينك الفقراء
) * «6» .
من فوائد (الإنصاف)
1- الإنصاف دليل على كمال الإيمان وصحّة الإسلام.
2- الإنصاف عامل أساسيّ في استقرار المجتمعات وشيوع المحبّة بين النّاس.
3- إنصاف العبد من نفسه دليل على التّجرّد من الأنانيّة.
4- بالإنصاف تسود المحبّة ويشعر كلّ امرى بالطّمأنينة ويأمن على نفسه وماله وعرضه.
5- بالإنصاف تعود الحقوق إلى أصحابها وتعمّ روح العدالة، ويشعر الإنسان بأنّه آمن في يومه وغده.
6- بالإنصاف تنتزع صفات الحقد والكراهيّة
__________
(1) نزهة الفضلاء (1/ 341، 342) .
(2) البخاري- الفتح 1 (104) .
(3) لعل المراد في سفرك هذا.
(4) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (284) .
(5) باختصار وتصرف يسير من كتابه نور من القرآن والسنة ص (121) .
(6) ديوان شوقي (1/ 39) .(3/596)
والحسد لتحلّ محلّها صفات الاحترام والحبّ والتّنافس في الخيرات.
7- بالإنصاف يشعر الفقير والضّعيف واليتيم بما يطمئنه على مستقبله دون خوف من ظلم أو خشية من جور.
8- بالإنصاف تشعر كلّ طوائف المجتمع بالأمان فتندفع كلّ طائفة إلى عملها دون خوف أو وجل أو شعور بالظّلم ويصبح المجتمع خليّة متآلفة تعمّها روح الإخاء والتّسامح بغضّ النّظر عن الاختلافات الدّينيّة أو العرقيّة.
9- بالإنصاف مع المخالفين في الرّأي أو المذهب تسلم المجتمعات من المكائد والمؤامرات الّتي لا يلجأ إليها في العادة سوى المقهورين الّذين يخشون على أنفسهم لو عملوا في النّور.
10- بالإنصاف بين الدّول والجماعات تجفّ إحدى منابع الإرهاب الدّولي، وتفسد على شياطين الإنس والجنّ خططهم الخسيسة لزعزعة المجتمعات الآمنة.
11- في تناصف العلماء والكبراء يعمّ التّعاون فيما بينهم ممّا يعود بالخير على المجتمع بأسره.(3/597)
الإنفاق
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 38/ 82/ 6/
الإنفاق لغة:
مصدر أنفق، يقال: أنفق ينفق إنفاقا فهو منفق، وتدور هذه المادّة حول معنيين أحدهما يدلّ على انقطاع شيء وذهابه، والآخر على إخفاء شيء وإغماضه، وصفة الإنفاق إنّما هي من المعنى الأوّل، يقال نفق الشّيء: فني، وأنفق الرّجل افتقر أي ذهب ما عنده، قال ابن الأعرابيّ: ومنه قوله تعالى: إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ (الإسراء/ 100) والنّفقة ما أنفقت، واستنفقت على العيال وعلى نفسك:
والنّفقة أيضا: ما أنفق، والجمع نفاق (بالكسر) ، ونفقات.
وقال الجوهريّ: رجل منفاق أي كثير النّفقة.
وقال ابن علّان: النّفقة من الإنفاق وهو الإخراج. والنّفقة: الدّراهم ونحوها من الأموال وتجمع على نفقات وعلى نفاق (بالكسر) «1» .
واصطلاحا:
الإنفاق إخراج المال الطّيّب في الطّاعات والمباحات «2» .
والنّفقة على العيال والأهل: مقدّرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النّفقة في مقدارها، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: هي مقدّرة بمقدار لا يختلف في القلّة والكثرة.
وقال ابن علّان: النّفقة هي سائر المؤن من كسوة ونفقة وسكن على من يعول من زوجة وولد وخادم «3» .
من معاني النفقة في القرآن الكريم:
وردت النّفقة في القرآن على وجوه منها:
(1) بمعنى فرض الزّكاة: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (البقرة/ 3) أي يزكّون ويتصدّقون.
(2) بمعنى التّطوّع بالصّدقات: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ (آل عمران/ 134) أي يتطوّعون بالصّدقة وشبهها: وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً (الرعد/ 22) .
(3) بمعنى الإنفاق في الجهاد: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (البقرة/ 195) . وقوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (البقرة/ 262) ، وقوله: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (8/ 4508) ، والصحاح (1/ 1560) ، وو دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 216) ، ومقاييس اللغة 5/ 454.
(2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 514) .
(3) المغني لابن قدامة (7/ 564، 565) .(3/598)
وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (الحديد/ 10) .
(4) بمعنى الإنفاق على العيال والأهل: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ (الطلاق/ 6) . وكذلك: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (الطلاق/ 7) .
(5) بمعنى الفقر والإملاق. كقوله تعالى: إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ (الإسراء/ 100) «1» .
الإنفاق والقرض الحسن:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة/ 245) . صدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمّن معنى الطّلب، وهو أبلغ في الطّلب من صيغة الأمر.
والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟
وسمّي ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثّا للنفوس، وبعثا لها على البذل؛ لأنّ الباذل متى علم أنّ عين ماله يعود إليه ولا بدّ طوّعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أنّ المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه، فإن علم أنّ المستقرض يتّجر له بما اقترضه، وينمّيه له ويثمّره حتّى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنّه مع ذلك كلّه يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض، فإنّ ذلك القرض حظّ عظيم، وعطاء كريم؛ فإنّه لا يتخلّف عن قرضه إلّا لآفة في نفسه من البخل والشّحّ، أو عدم الثّقة بالضّمان. وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصّدقة برهانا لصاحبها. وهذه الأمور كلّها تحت هذه الألفاظ الّتي تضمّنتها الآية، فإنّه سمّاه قرضا، وأخبر أنّه هو المقترض- لا قرض حاجة- ولكن قرض إحسان إلى المقرض واستدعاء لمعاملته، وليعرف مقدار الرّبح فهو الّذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به ثمّ أخبر عمّا يعطيه فوق ذلك من الزّيادة وهو الأجر الكريم، وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيّده بكونه حسنا، وذلك يجمع أمورا ثلاثة:
أوّلها: أن يكون من طيّب ماله، لا من رديئه وخبيثه.
ثانيها: أن يخرجه طيّبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة الله.
ثالثها: أن لا يمنّ به ولا يؤذي.
فالأوّل يتعلّق بالمال، والثّاني يتعلّق بالمنفق بينه وبين الله، والثّالث بينه وبين الآخذ.
وأمّا قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 261) فقد شبّه الله سبحانه النّفقة في
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (5/ 104- 107) باختصار.(3/599)
سبيله سواء كان المراد بها الجهاد أو جميع سبل الخير بمن بذر بذرا فأنبتت كلّ حبّة منه سبع سنابل اشتملت كلّ سنبلة على مائة حبّة. والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها. فإنّ ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص، والتّثبيت عند النّفقة، وهو إخراج المال بقلب ثابت، قد انشرح صدره بإخراجه وشرحت به نفسه وخرج من قلبه قبل خروجه من يده، فهو ثابت القلب عند إخراجه غير جزع ولا هلع، ولا متّبعته نفسه، ترجف يده وفؤاده. ويتفاوت بحسب نفع الإنفاق وبحسب مصادفته لموقعه، وبحسب طيب المنفق وزكائه. وتحت هذا المثل من النّفقة: أنّه سبحانه شبّه الإنفاق بالبذر، فالمنفق ماله الطّيّب لله، لا لغيره، باذر ماله في أرض زكيّة، فمغلّه «1» بحسب بذره، وطيب أرضه وتعاهد البذر بالسّقي، ونفي الدّغل والنّبات الغريب عنه. فإذا اجتمعت هذه الأمور ولم يحرق الزّرع نار، ولا لحقته جائحة جاء أمثال الجبال، وكان مثله كمثل جنّة بربوة فتتربّى الأشجار هناك أتمّ تربية. فنزل عليها من السّماء مطر عظيم القطر فروّاها ونمّاها. فآتت أكلها ضعفي ما يؤتيه غيرها، لسبب ذلك الوابل فإن لم يصبها وابل فطلّ، فيكفيها لكرم منبتها، فتزكو على الطّلّ، وتنمو عليه، وفي هذا إشارة إلى نوعي الإنفاق الكثير والقليل. فمن النّاس من يكون إنفاقه وابلا، ومنهم من يكون إنفاقه طلّا. والله لا يضيع مثقال ذرّة ... «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- الإيثار- البر- الزكاة- الصدقة- السخاء- الجود- الكرم.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل- الشح- الكنز] .
__________
(1) مغلّه: أي حاصد ما أغلّه.
(2) التفسير القيم لابن القيم (148- 151) بتصرف يسير.(3/600)
الآيات الواردة في «الإنفاق»
الإنفاق دفع الزكاة (وذلك حيث قرنت بالصلاة) :
1- الم (1)
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
2- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) «2»
3- فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20)
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) «3»
4- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) «4»
5- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «5»
6- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «6»
__________
(1) البقرة: 1- 5 مدنية
(2) الأنفال: 2- 3 مدنية
(3) الرعد: 19- 22 مدنية
(4) إبراهيم: 31 مكية
(5) الحج: 34- 35 مدنية
(6) فاطر: 29- 30 مكية(3/601)
7- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) «1»
الإنفاق بمعنى التطوع بالصدقات:
8- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) «2»
9- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «4»
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «5»
12- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270)
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272)
__________
(1) الشورى: 36- 39 مكية
(2) البقرة: 215 مدنية
(3) البقرة: 219- 220 مدنية
(4) البقرة: 254 مدنية
(5) البقرة: 267 مدنية(3/602)