قال يفتح الباب أو يكسر.
قال: بل يكسر.
قال: ذلك أجدر أن لا يغلق، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب؟ قال نعم كما يعلم أن دون غد الليلة إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، قال فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق: سله فسأله: هو عمر.
أخرجه البخاري ومسلم أيضاً.
وخرج الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي من حديث مالك بن أنس أن عمر بن الخطاب دخل على بني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت هذا اليهودي لكعب الأحبار يقول إنك باب من أبواب جهنم فقال عمر: ما شاء الله إني لأرجو أن يكون الله خلقني سعيداً، قال ثم خرج فأرسل إلى كعب فدعاه فلما جاءه كعب قال يا أمير المؤمنين: والذي نفسي بيده لا تنسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: أي شيء هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار، قال: والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها، فإذا مت لم يزالوا يتقحمون فيها إلى يوم القيامة.
البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان، فقال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلكة أمتي على يد أغيلمة من قريش» قال مروان لعنة الله عليهم من أغيلمة.
قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حتى تملكوا بالشام، فإذا رآهم أحداثاً وغلماناً قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم.
قلنا: أنت أعلم.(1/1113)
الغلام الطار الشارب والجمع الغلمة والغلمان، ونص مسلم في صحيحه في كتاب الفتن «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يهلك أمتي هذا الحي من قريش قال: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم» .
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان عنده من علم الفتن؟ العلم الكثير، والتعيين على من يحدث عنه الشر الغزير.
ألا تراه يقول لو شئت قلت لكم هم بنو فلان وبنو فلان، لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد، وكأنهم والله أعلم يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية، فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيهم، وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكة وغيرها، وغير خاف ما صدر عن الحجاج، وسليمان بن عبد الملك، وولده من سفك الدماء، وإتلاف الأموال، وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك، وبالجملة وغير ذلك، وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا فضلهم وشرفهم واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/1114)
في وصيته وقابلوه بنقيض مقصودة وأمنيته، فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه، وافضحيتهم يوم يعرضون عليه، والله أعلم.
باب ما جاء في بيان مقتل الحسين رضي الله عنه ولا رضي عن قاتله
ذكر أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ قال: «حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الحلواني.
قال ابن السكن، وأخبرني أبو بكر محمد بن محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن عبد الله بن زياد الحداد قالا: حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد قال: حدثنا عطاء بن مسلم، عن أشعث بن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق، فمن أدركه منكم فلينصره» فقتل أنس يعني مع الحسين بن علي عليهما السلام.
أنبأناه إجازة الشيخ الفقيه القاضي أبو عامر عن أبي القاسم بن بشكوال، عن أبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عتاب وأبي عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد، عن أبي عمر بن عبد البر قال: حدثنا الحافظ أبو القاسم خلف بن القاسم قال: حدثنا الإمام الحافظ أبو علي بن السكن، فذكره.
وخرج الإمام أحمد في مسنده قال: «حدثنا مؤمل قال: حدثنا عمارة بن(1/1115)
زاذان، حدثنا ثابت عن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، فقال لأم سلمة: أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال: وجاء الحسين ليدخل فمنعه فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبيه وعلى عاتقه قال: فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم أتحبه؟ قال: نعم.
قال: أما إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها» قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء.
وقال مصعب بن الزبير: حج الحسين خمسة وعشرين حجة ماشياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي الحسن: «إنهما سيداً شباب أهل الجنة وقال: هما ريحانتاي من الدنيا وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهما هش لهما وربما أخذهما» .
كما روى أبو داود أنهما دخلا المسجد وهو يخطب، فقطع خطبته ونزل فأخذهما وصعد بهما.
قال: «رأيت هذين فلم أصبر» وكان يقول فيهما «اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما» وقتل رحمه الله ولا رحم قاتله يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين بكربلاء بقرب موقع يقال له الطف بقرب من الكوفة.(1/1116)
قال أهل التواريخ: لما مات معاوية وأفضت الخلافة إلى يزيد، وذلك سنة ستين ـ ووردت البيعة على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ بالبيعة إلى أهلها أرسل إلى الحسين بن علي، وإلى عبد الله بن الزبير ليلاً فأتي بهما فقال: بايعاً.
فقالا: مثلنا لا يبايع سراً، ولكن نبايع على رؤوس الناس إذ أصبحنا، فرجعا إلى بيوتهما وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وذلك ليلة الأحد بقيتا من رجب، فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوالاً وذا القعدة، وخرج يوم التروية يريد الكوفة، فبعث عبد الله بن زياد خيلاً لمقتل الحسين، وأمر عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فأدركه بكر بلاء، وقيل: إن عبيد الله بن زياد كتب إلى الحر بن يزيد الرياحي أن جعجع بالحسين.
قال أهل اللغة أراد أحبسه وضيق عليه، والجعجع: الجعجاع الموضع الضيق من الأرض، ثم أمده بعمرو بن سعد في أربعة آلاف، ثم ما زال عبيد الله يزيد العساكر ويستفز الجماهير إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً، وأميرهم عمرو بن سعد، ووعده أن يملكه مدينة الري فباع الفاسق الرشد بالغي، وفي ذلك يقول:
أأترك ملك الري والري منيتي ... وأرجع مأثوماً بقتل حسين
فضيق عليه اللعين أشد تضييق وسد بين يديه وضح الطريق إلى أن قتله يوم الجمعة.
وقيل، يوم السبت العاشر من المحرم.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: قتل يوم الأحد لعشر مضين من(1/1117)
المحرم بموضع من أرض الكوفة يقال له كربلاء، ويعرف بالطف أيضاً وعليه جبة خزد كفاء وهو ابن ست وخمسين سنة.
قاله نسابة قريش الزبير بن بكار، ومولده الخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وفيها كانت غزوة ذات الرقاع وفيه قصرت الصلاة، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، واتفقوا على أنه قتل يوم عاشوراء العاشر من المحرم سنة إحدى وستين، ويسمى عام الحزن، وقتل معه اثنان وثمانون رجلاً من الصحابة مبارزة، منهم الحر بن يزيد، لأنه تاب ورجع مع الحسين، ثم قتل جميع بنيه إلا علياً المسمى بعد ذلك بزين العابدين كان مريضاً أخذ أسيراً بعد قتل أبيه، وقتل أكثر إخوة الحسين وبني أعمامه رضي الله عنهم ثم أنشأ يقول:
يا عين إبكي بعبرة وعويل ... واندبي ـ إن ندبت، آل الرسول
سبعة كلهم لصلب علي ... قد أصيبوا وتسعة لعقيل
قال جعفر الصادق: وجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة بالسيف، وأربع وثلاثون ضربة، واختلفوا فيمن قتله.
فقال يحيى بن معين: أهل الكوفة يقولون: إن الذي قتل الحسين عمرو بن سعد.
قال ابن عبد البر: إنما نسب قتل الحسين إلى عمرو بن سعد، لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتال الحسين.
وأمر عليهم عمرو بن سعد ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله، وكان في تلك الخيل والله أعلم قوم من مصر ومن اليمين وفي شعر سليمان بن فتنة الخزاعي وقيل: إنها لأبي الرميح الخزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين،(1/1118)
وقيل: قتله سنان بن أبي سنان النخعي وقال مصعب النسابة الثقة: قتل الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النخعي، وهو جد شريك القاضي ويصدق ذلك قول الشاعر:
وأي رزية عدلت حسيناً ... غداة تبيده كفا سنان
وقال خليفة بن خياط: الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن وأمير الجيش عمرو بن سعد، وكان شمر أبرص وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال:
أوقر ركابي فضة ذهباً ... أني قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا ... وخيرهم ـ إذ ينسبون ـ نسباً
هذه رواية أبي عمر بن عبد البر في الاستيعاب وقال غيره: تولى حمل الرأس بشر بن مالك الكندي ودخل به على ابن زياد وهو يقول:
أوقر ركابي فضة ذهباً ... إن قتلت الملك المحجبا
وخيرهم إذ يذكرون النسبا ... قتلت خير الناس أما وأباً
في أرض نجد وحرا ويثربا
فغضب ابن زياد من قوله وقال: إذا عملت أنه كذلك فلم قتلته؟ والله لا نلت مني خيراً أبداً ولألحقنك به ثم قدمه فضرب عنقه.(1/1119)
وفي هذه الرواية اختلاف، وقد قيل إن يزيد بن معاوية هو الذي قتل القاتل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: قال عبد الرحمن بن مهدي: «حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه ويتتبعه فيها.
قال قلت يا رسول الله ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم» .
قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم وهذا سند صحيح لا مطعن في، وساق القوم حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تساق الأسرى حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس فجعلوا ينظرون إليهم، وفي الأسارى علي بن حسين وكان شديد المرض قد جمعت يداه إلى عنقه، وزينب بنت علي وبنت فاطمة الزهراء، وأختها أم كلثوم، وفاطمة وسكينة بنت الحسين، وساق الظلمة والفسقة معهم رؤوس القتلة.
روى قطر عن منذر الثوري، عن محمد بن الحنفية قال: قتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من ولد فاطمة عليها الصلاة والسلام.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن الحسن البصري قال: أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم يومئذ شبيه.
وقيل: إنه قتل مع الحسين من ولده وأخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً.(1/1120)
وفي صحيح البخاري في المناقب عن أنس بن مالك: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين، فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنة شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة.
يقال: نكت في الأرض إذا أثر فيها، ونكت بالحصباء إذا ضرب بها، وكان الفاسق يؤثر في رأسه المكرم بالقضيب، وأمد عبيد الله بن زياد من قور الرأس حتى ينصب في الرمح، فتحاماه أكثر الناس، فقام رجل يقال له طارق بن المبارك بل هو ابن المشؤوم الملعون المذموم فقوره ونصبه بباب دار عبيد الله، ونادى في الناس وجمعهم في المسجد الجامع وخطب الناس خطبة لا يحل ذكرها، ثم دعا بزياد ابن حر بن قيس الجعفي فسلم إليه رأس الحسين ورؤوس أخوته وبنيه وأهل بيته وأصحابه، ودعي بعلى بن الحسين فحمله وحمل عماته وأخواته إلى يزيد على محامل بغير وطاء، والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل، حتى قدموا دمشق ودخلوا من باب توما وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي، ثم وضع الرأس المكرم بين يدي يزيد فأمر أن يجعل في طست من ذهب وجعل ينظر إليه ويقول هذه الأبيات:
صبرنا وكان الصبر منا عزيمة ... وأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
نعلق هاماً من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم تكلم بكلام قبيح وأمر بالرأس أن تصلب بالشام، ولما صلبت أخفى خالد بن عفران شخصه من أصحابه، وهو من أفاضل التابعين فطلبوه شهراً حتى وجدوه فسألوه عن عزلته فقال: ألا ترون ما نزل بنا:(1/1121)
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد ... متزملاً بدمائه تزميلاً
وكأنما بك يا ابن بنت محمد ... قتلوا جهاراً عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا ... في قلتك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا
واختلف الناس في موضع الرأس المكرم؟ وأين حمل من البلاد؟ فذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث به إلى المدينة، فأقدم إليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث بث الحسين وبقي من أهله معهم وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة المدينة إلا أمر بها، وبعث برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد العاص، وهو إذ ذلك علمله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إلي.
ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين عليه السلام فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها الصلاة والسلام.
وهذا أصح ما قيل في ذلك، ولذلك قال الزبير بن بكار الرأس حمل إلى المدينة والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء لهذا السبب قال: حدثني بذلك محمد بن حسن المخزومي النسابة.
والإمامية تقول إن الرأس أعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين، وما ذكر أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فشيء باطل لا يصح ولا يثبت، وقد قتل الله قاتله صبراً ولقي حزناً وذعراً وجعل رأسه الذي اجتمع فيه العيب والذم في الموضع الذي جعل فيه رأس الحسين، وذلك بعد(1/1122)
قتل الحسين بستة أعوام وبعث المختار به إلى المدينة، فوضع بين يدي بني الحسين الكرام، وكذلك عمرو بن سعد وأصحابه اللئام ضربت أعناقهم بالسيف وسقوا كأس الحمام وبقي الوقوف بين يدي الملك العلام في يوم {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} .
وفي الترمذي: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير قال: لما أتي برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نصبت في المسجد في الرحبة، فانتهيت إليهم وهم يقولون قد جاءت فإذا هي حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً.
قال العلماء: وذلك مكافأة لفعله برأس الحسين وهي من آيات العذاب الظاهرة عليه، ثم سلط الله عليهم المختار فقتلهم حتى أوردهم النار، وذلك أن الأمير مذحج بن إبراهيم بن مالك لقي عبيد الله بن زياد على خمسة فراسخ من الموصل وعبيد الله في ثلاثة وثلاثين ألفاً، وإبراهيم في أقل من عشرين ألفاً فتطاعنوا بالرماح وتراموا بالسهام واصطفقوا بالسيوف إلى أن اختلط الظلام، فنظر إبراهيم إلى رجل عليه بزة حسنة ودرع سابغة وعمامة خز دكناء، وديباجة خضراء، من فوق الدرع، وقد أخرج يده من الديباجة ورائحة المسك تشم عليه، وفي يده صحيفة له مذهبة، فقصده الأمير إبراهيم لا لشيء(1/1123)
إلا لتلك الصحيفة والفرس الذي تحته، حتى إذا لحقه لم يلبث أن ضربه ضربة كانت فيها نفسه، فتناول الصحيفة وغار الفرس فلم يقدر عليه ولم يبصر الناس بعضهم بعضاً من شدة الظلمة، فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم والخيل لا تطأ إلا على القتلى، فأصبح الناس وقد فقد من أهل العراق ثلاثة وسبعون رجلاً، وقتل من أهل الشام سبعون ألفاً.
فيتعشوا منهم بسبعين ألفاً ... أو يزيدون قبل وقت العشاء
فلما أصبح وجد الأمير الفرس رده عليه رجل كان أخذه، ولما علم أن الذي قتل هو عبيد الله بن زياد كبر وخر ساجداً وقال: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي، فبعث به إلى المختار زيادة على سبعين ألف رأس في أولها أشد رؤوس أهل الفساد عبيد الله المنسوب إلى زياد.
قال المؤلف رحمه الله: فقلت هذا من كتاب مرج البحرين في مزايد المشرقين والمغربين للحافظ أبي الخطاب بن دحية رضي الله عنه.
فصل
ومثل صنيع عبيد الله بن زياد صنع قبله بشر بن أرطأة العامري الذي هتك الإسلام، وسفك الدم الحرام، وأذاق الناس الموت الزؤام، لم يدع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذمام، فقتل أهل بيته الكرام وحكم في مفارقهم الحسام، وعجل لهم الحمام ذبح ابني عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب وهما(1/1124)
صغيران بين يدي أمهما يمرحان، وهما قثم وعبد الرحمن، فوسوست أمهما وأصابها ضرب من الجان لم أشعله الثكل في قلبها من لهب النيران.
روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه في حديث فيه طول: كان أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله يتعوذ من شر يوم البلاء ويوم العورة في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها، قال: فسألناه مم تعوذت وفيم دعوت؟ فقال: تعوذت من يوم البلاء ويوم العورة، فإن نساء من المسلمات ليسبين ليكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله عز وجل أن لا يدركني هذا الزمان ولعلكما تدركانه.
وذكر أبو عمر بن عبد البر قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، أنبأنا أبو محمد إسماعيل بن محمد الحبطلي ببغداد في تاريخه الكبير، حدثنا محمد بن مؤمن بن حماد قال: حدثنا سلمان بن شيخ قال: حدثنا محمد بن عبد الحكم، عن عوانة قال: أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بشر بن أرطأة في جيش، فساروا من الشام حتى قدموا المدينة وعامل المدينة يومئذ لعلي عليه السلام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففر أبو أيوب ولحق بعلي رضي الله عنهما.
ودخل بشر المدينة فصعد منبرها فقال: أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس يعني عثمان بن عفان، ثم قال يا أهل المدينة: والله لولا ما عهدته إلى معاوية ما تركت فيها محتلماً إلا قتلته، ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية، وأرسل إلى بني سلمة فقال ما لكم عند أمان ولا مبايعة(1/1125)
حتى تأتوني بجابر بن عبد الله، فأخبر جابر فانطلق حتى جاء الشام فأتى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: ماذا ترين فإني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة، فقالت: أرى أن تبايع وقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع فأتى جابر بشراً فبايعه لمعاوية، وهدم بشر دوراً بالمدينة، ثم انطلق حتى أتى مكة وبها أبو موسى الأشعري، فخاف أبو موسى.
على نفسه أن يقتله فهرب فقيل ذلك لبشر، فقال: ما كنت لأقتله وقد خلع علياً..
ولم يطلبه وكتب أبو موسى إلى اليمن(1/1126)
أن خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل من الناس من أبى أن يقر بالحكومة، ثم مضى بشر إلى اليمن وعامل اليمن لعلي رضي الله عنه عبيد الله بن العباس، فلما بلغه أمر بشر فر إلى الكوفة واستخلف على المدينة عبيد الله بن عبد مدان الحارثي، فأتى بشر فقتله وقتل ابنه، ولقي ثقل عبيد الله بن العباس وفيه ابنان صغيران لعبيد الله بن عباس فقتلهما ورجع إلى الشام.
وذكر أبو عمرو الشيباني قال: لما وجه معاوية بشر بن أرطاة لقتل شيعة علي رضي الله عنه سار إلى أن أتى المدينة، فقتل ابني عبيد الله بن العباس، وفر أهل المدينة حتى دخلوا الحرة حرة بني سليم، وهذه الخرجة التي ذكر أبو عمرو الشيباني أغار بشر على همدان فقتل وسبى نساءهم، فكن أول نساء سبين في الإسلام وقتل أحياء من بني سعد.
وقد اختلفوا كما ترى في أي موضع قتل الصغيرين من أهل البيت هل في المدينة أو في مكة أو في اليمن، لأنه دخل هذه البلاد وأكثر فيها الفساد وأظهر لعلي رضي الله عنه العناد، وأفرط في بعضه وزاد وسلط على أهل البيت الكريم الأجناد، فقتل وسبى وأباد ولم يبق إلا أن يخد الأخاديد ويعد الأوتاد، وكان معاوية قد بعثه في سنة أربعين إلى اليمن وعليها عبيد الله ابن العباس أخو عبد الله بن العباس، ففر عبيد الله وأقام بشر باليمن وباع دينه ببخس من الثمن فأخاف السبيل ورعى المرعى الوبيل، وباع المسلمات وهتك المحرمات، فبعث علي رضي الله عنه في طلبة حارثة بن قدامة السعدي، فهرب بشر إلى الشام، وقد ألبس بذميم(1/1128)
أفعاله ثياب العار والذمام وبقي الوقوف بين يدي الملك العلام {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} ورجع الشريف أبو عبد الله محمد إلى بلاد اليمن، فلم يزل والياً عليهم حتى قتل علي رضي الله عنه.
ويقال: إن بشر بن أطأرة لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حرفاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو صغير فلا تصح له صحبة.
قاله الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما، وقال آخرون: خوف في آخر عمره.
قال يحيى بن معين: وكان الرجل سوء.
قال المؤلف رحمه الله: كذا ذكره الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله.
وقد ذكر أبو داود، «عن جنادة، عن ابن أبي أمية قال: كنا مع بشر بن أطأرة في البحر فأتى بشارق يقال له منصور وقد سرق بختية، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في الغزو ولولا ذلك لقطعته» .
قال أبو محمد عبد الحق: بشر هذا يقال ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له أخبار سوء في جانب علي وأصحابه، وهو الذي ذبح طفلين لعبيد الله بن العباس، ففقدت أمهما عقلها وهامت على وجهها، فدعا عليه علي رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله، كان كذلك، قال ابن دحية: ولما ذبح الصغيرين وفقدت أمهما عقلهما كانت تقف في الموسم تشعر شعراً يبكي العيون ويهيج بلابل الأحزان والعيون وهو هذا:
هامن أحس بإبني اللذين هما ... كالدرتين تسطا عنهما الصدف
يقال تسطعت العصاة إذا صارت فلقاً، قاله في المجمل وغيره.
هامس أحس بإنبي اللذين هما ... سمعي وعقلي فقلبي اليوم مختطف
حدثت بشراً وما صدقت ما زعموا من قولهم ومن الإفك الذي اقترف
أحنى على ودجي إبني مرهف ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف(1/1129)
باب ما جاء أن اللسان في الفتنة أشد من وقع السيف
أبو داود «عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون تستطف قتلاها في النار.
اللسان فيها أشد من وقع السيف» خرجه الترمذي وقال في حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: لا يعرف لزياد بن سمين كوشى عن عبد الله بن عمر غير هذا الحديث الواحد.
وروي موقوفاً.
وذكره أبو داود «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له.
اللسان فيها كوقوع السيف» أخرجه ابن ماجه أيضاً «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف» .(1/1130)
فصل
قلت: قوله [تستنطف] أي ترمي.
مأخوذ من نطف الماء أي قطر.
والنطفة الماء الصافي قل أو كثر والجمع النطاف.
أي أن هذه الفتنة تقطر قتلاها في النار أي ترميهم فيها لأقتتالهم على الدنيا واتباع الشيطان والهوى وقتلاها بدل من قوله العرب هذا المعنى الذي ظهر لي في هذا ولم أقف فيه على شيء لغيري والله أعلم.
قوله: «اللسان فيها أشد من وقع السيف» أي بالكذب عند أئمة الجور ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ عن ذلك من النهب والقتل والجلد والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها.
وفي الصحيحين، «عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار بعد ما بين المشرق والمغرب» وفي رواية عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» لفظ مسلم.
وقد روي «أن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقى لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً» فقوله: من سخط الله أي مما يسخط الله، وذلك بأن يكون كذبة أو بهتاناً أو بخساً أو باطلاً يضحك به الناس، كما جاء «عن النبي صلى الله عليه وسلم(1/1131)
أنه قال: ويل للذي تكلم بالكلمة من الكذب ليضحك الناس ويل له وويل له» .
وفي حديث ابن مسعود [إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الرفاهية من سخط الله ترديه بعد ما بين السماء والأرض] قال أبو زياد الكلابي: الرفاهية السعة في المعاش والخصب، وهذا أصل الرفاهية، فأراد عبد الله بن أن يتكلم بالكلمة في تلك الرفاهية والأتراف في دنياه مستهيناً بها لما هو فيه من النعمة، فيسخط الله عز وجل عليه.
قال أبو عبيدة وفي الرفاهية لغة أخرى الرفاعية، وليس في هذا الحديث يقال: هو في رفاهية ورفاعية من العيش.
وقوله: صماء بكاء عمياء يريد أن هذه الفتنة لا تسمع ولا تبصر فلا تقلع ولا ترتفع، لأنها لا حواس لها فترعوى إلى الحق وأنه شبهها لاختلاطها وفتل البريء فيها والسقيم بالأعمى الأصم الأخرس الذي لا يهتدي إلى شيء فهو يخبط عشواء، والبكم الخرس في أصل الخلقة، والصم الطرش.(1/1132)
باب الأمر بالصبر عند الفتن وتسليم النفس للقتل عندها والسعيد من جنبها
أبو داود «عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر قلت: لبيك رسول الله وسعديك، وذكر الحديث قال: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت بالوصيف يعني القبر، قلت الله ورسوله أعلم، أو قال ما خار الله لي ورسوله، قال عليك بالصبر أو قال تصبر، ثم قال يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك؟ قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت أحجار قد غرقت بالدم قلت: ما خار الله لي ورسوله.
قال عليك بمن أنت منه قال: قلت يا رسول الله أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذا قال: قلت: فما تأمرني؟ قال تلزم بيتك، قال قلت فإن دخل على بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك بيوء بإثمه وإثمك خرجه ابن ماجه وقال تصبر من غير شك، وزاد بعده قال: كيف أنت وجوع يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك أو لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك.
قال: قلت الله ورسوله أعلم ما خار الله لي ورسوزله، قال: عليك(1/1133)
بالعفة، ثم قال: كيف أنت وقتل يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم الحديث.
وقال: فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار» .
وفي حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر الفتنة قال: الزم بيتك.
قيل: فإن دخل على بيتي؟ قال: فكن مثل الجمل الأورق الثقال الذي لا ينبعث إلا كرهاً ولا يمشي إلا كرهاً.
ذكره أبو عبيدة قال: حدثنيه أبو النضر عن المسعودي، عن علي بن مدرك عن أبي الرواع، عن عبد الله، قال أبو عبيدة سمعت بعض الرواة يقول: الرواع والوجه الرواع بضم الراء.
أبو داود قال «عن المقداد بن الأسود قال: وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها» .
الترمذي «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه: كالقابض على الجمر» قال: حديث غريب.
فصل
قوله بالوصيف الوصيف الخادم يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم، حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت ويدفنه إلا أن يعطى وصيفاً(1/1134)
أو قيمته، وقد يكون معناه أن مواضع القبور تضيق عليهم فيبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف، وقوله: غرقت بالدم أي لزمت والغروق اللزوم فيه، ويروى غرقت وأحجار الزيت موضع المدينة.
روى الترمذي «عن عمير مولى بن أبي اللحم عن أبي اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو» .
وذكر عمر بن أبي شيبة في كتاب المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قال: حدثنا محمد بن يحيى عن ابن أبي فديك قال: أدركت أحجار الزيت ثلاثة أحجار مواجهة بيت أم كلاب وهو اليوم يعرف ببيت بني أسد فعلاً الكنيس الحجارة فاندفنت قال: وحدثنا محمد بن يحيى قال: وحدثنا محمد يحيى، قال أخبرني أبو ضمرة الليثي عن عنان عن ابن الحارث بن عبيد، عن هلال بن طلحة الفهري أن حبيب بن سلمة الفهري كتب إليه أن كعباً سألنسي أن أكتب له إلى رجل من قومي عالم بالأرض.
قال: فلما قدم كعب المدينة جاءني بكتابه ذلك، فقال: أعالم(1/1135)
أنت بالأرض؟ قلت: نعم وكانت بالزوراء حجارة يضعون عليها الزياتون رواياهم فأقبلت حتى جئتها فقلت هذه أحجار الزيت، فقال كعب لا والله ما هذه صفتها في كتاب الله، انطلق أمامي فإنك أهدى بالطريق مني فانطلقنا حتى جئنا بني عبد الأشهل، فقال يا أبا هلال: إني أجد أحجار الزيت في كتاب الله تعالى، فسأل القوم عنها وهم يومئذ متوافرون فسألهم عن أحجار الزيت، وقال إنها ستكون بالمدبنة ملحمة عندها.
فصل
وأما حديث ابن مسعود: كن مثل الجمل الأورق، فقال الأصمعي الأورق وهو الذي في لونه بياض إلى سواد.
ومنه قيل للرماد أورق والحمامة ورقاء.
ذكره الأصمعي قال: وهو أطيب الإبل لحماً وليس بمحمود عند العرب في عمله وسيره، وأما الثقال فهو البطيء.
قال عبيد: إنما خص عبد الله الأورق من الإبل لما ذكر من ضعفه عن العمل، ثم اشترط الثقاتل أيضاً فزاده إبطاء وثقلاً، فقال: كن في الفتنة مثل ذلك، وهذا إذا دخل عليك وإنما أراد عبد الله بهذا التبثط عن الفتنة والحركة فيها.
فصل
وأما أمره صلى الله عليه وسلم أبا ذر بلزوم البيت وتسليم النفس للقتل،(1/1136)
فقالت طائفة: ذلك عند جميع الفتن وغير جائز لمسلم النهوض في شيء منها.
قالوا: وعليه أن يستسلم للقتل إذا أريدت نفسه ولا يدفع عنها، وحملوا الأحاديث على ظاهرها، وربما احتجوا من جهة النظر بأن قالوا: إن كل فريق من المقتتلين في الفتنة فإنه يقاتل على تأويل، وإن كان في الحقيقة خطأ فهو عند نفسه محق وغير جائز لأحد قتله وسبيله سبيل حاكم من المسلمين يقضي بقضاء مما اختلف فيه العلماء على ما يراه صواباً، فغير جائز لغيره من الحكام نقضه إذا لم يخالف بقضائه ذلك كتاباً ولا سنة ولا جماعة، وكذلك المقتتلون في الفتنة كل حزب منهم عند نفسه محق دون غيره مما يدعون من التأويل فغير جائز لأحد قتالهم، وإن هم قصدوا القتلى فغير جائز دفعهم، وقد ذكرنا من تخلف عن الفتنة وقعدوا منهم عمران بن الحصين وابن عمر، وقد روي عنهما وعن غيرهما منهم عبيدة السلماني أن من اعتزل الفريقين فدخل بيته فأتى يريد نفسه فعليه دفعه عن نفسه، وإن أبى الدفع عن نفسه فغير مصيب كقوله عليه الصلاة والسلام «من أريدت نفسه وماله فقتل فهو شهيد» قالوا فالواجب على كل من أريدت نفسه وماله(1/1137)
فقتل ظلماً دفع ذلك ما وجد إليه السبيل متأولاً كان المريد أو معتمداً للظلم.
قلت: هذا هو الصحيح من القولين إن شاء الله تعالى.
وفي صحيح مسلم «عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار» .
وقال ابن المنذر: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» وقد روينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم، وهذا مذهب ابن عمر، والحسن البصري، وقتادة ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، وقال أبو بكر: وبهذا يقول عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله إذا أريد ظلماً للأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص وقتاً من وقت ولا حالاً دون إلا السلطان، فإن جماعة من أهل العلم كالمجتمعين على أن من لم يمكنه أن يمنع نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته أنه لايحاربه ولا يخرج عليه للأخبار الواردة الدالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يكون منهم من الجور والظلم، وقد تقدم ذلك في بابه والحمد لله.(1/1138)
باب ـ جعل الله في أول هذه الأمة عافيتها وفي آخرها بلاءها
مسلم «عن عبد الله بن عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه، ومنا من يتنضل، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيدفق بعضها بعضاً، وتجي الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول هذه منه، فمن أراد أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر قال ابن عبد الرحمن عبد رب الكعبة: فدنوت منه فقلت له: ناشدتك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله عز وجل يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله» .(1/1139)
فصل
قوله: ينتضل الانتضال الرمي بالسهام والجشر المال من المواشي التي ترعى أمام البيوت والديار، يقال: مال جشر يرعى في مكانه لأنه يرجع إلى أهله.
يقال: جشرنا دوابنا أي أخرجناها إلى المرعى وأصله البعد، ومنه يقال للأعزب: جشر وجشير لبعده عن النساء، وفي الحديث: «من ترك قراءة القرآن شهرين فقد جشره» أي بعد عنه.
وقوله: «يدفق بعضها بعضاً» أي يتلو بعضها بعضاً وينصب بعضها على بعض.
والتدفق التصبب.
وهذا المعنى مبين في نفس الحديث لقوله وتجيء الفتنة ثم تنكشف وتجيء الفتنة وتزحزح أي تبعد ومنه قوله تعالى {وما هو بمزحزحه من العذاب} أي بمبعده، وصفقة اليد أصلها ضرب الكف على الكف زيادة في الاستيثاق مع النطق باللسان والالتزام بالقلب، وفي التنزيل.
{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} الآية.
وقوله: فاضربوا عنق الآخر قيل: المراد عنه وخلعه وذلك قتله وموته، وقيل: قطع رأسه وإذهاب نفسه يدل عليه قوله في الحديث الآخر: فاضربوه بالسيف كائناً ما كان، وهو ظاهر الحديث هذا إذا كان الأول عدلاً، والله أعلم.(1/1140)
باب جواز الدعاء بالموت عند الفتن وما جاء أن بطن الأرض خير من ظهرها
مالك، «عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» وقد تقدم هذا في أول الكتاب.
قال ابن وهب: وحدثني مالك قال: كان أبو هريرة يلقى الرجل فيقول له: مت إن استطعت فيقول له لم؟ قال تموت وأنت تدري على ما تموت خير لك من أن تموت وأنت لا تدري على ما تموت عليه.
قال مالك: ولا أرى عمر دعا ما دعا به من الشهادة إلا خالف التحول من الفتن.
قلت: وقد جاء هذا المعنى مرفوعاً عن أبي هريرة، روى النضر بن شميل «عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للعرب من شر قد اقترب موتوا إن استطعتم» .
وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها حين جعل الموت خيراً من مباشرتها.
وروى الترمذي «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان أمراؤكم خياركم وأغيناؤكم سمحاءكم وأموركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم(1/1141)
وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري في حديثه غرائب لا يتابع عليها وهو رجل صالح.
البخاري «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه» أخرجه مسلم، وابن ماجه بمعناه، وزاد مثنى وليس به الدين إلا البلاء.
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت أبا الزعاء يحدث عن عبد الله قال: [ليأتين على الناس زمان يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني مكان هذا.
ليس به حب الله ولكن من شدة ما يرى من البلاء] .
قلت: وكان هذا إشارة إلى أن كثرة الفتن وشدة المحن والمشقات والأنكاد اللاحقة للإنسان في نفسه وماله وولده قد أذهبت الدين منه، ومن أكثر الناس أو قلة الاعتناء به من الذي يتمسك بالدين عند هجوم الفتن، وكذلك عظم قدر العبادة في حالة الفتن حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم «(1/1142)
العبادة في الهرج كهجرة إلي» وقد مضى الكلام في هذا المعنى في أول الكتاب، ونزيده وضوحاً إنه شاء الله تعالى والله أعلم.
باب أسباب الفتن والمحن والبلاء
أبو نعيم، «عن إدريس الخولاني، عن عبيدة بن الجراح، عن عمر بن الخطاب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون أتاني جبريل آنفاً فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون فمم ذلك يا جبريل؟ فقال: إن أمتك مفتتنة بعدك من دهر غير كثير، فقلت: فتنة كفر أو فتنة ضلال؟ فقال: كل سيكون، فقلت ومن أين وأنا تارك فيهم كتاب الله؟ قال فبكتاب الله يفتنون وذلك من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيظلمون حقوقهم ولا يعطونها فيقتتلوا ويفتتنوا، ويتبع القراء أهواء الأمراء الناس الحقوق فيظلمون حوققهم ولا يعطونها فيقتتلوا ويفتتنوا، ويتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون.
قلت: كيف يسلم من يسلم منهم؟ قال: بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوا تركوه» .
البزار «عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم تظهر الفاحشة في قوم فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولا نقضوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجوار السلطان، ولم(1/1143)
يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله ولا عهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وإذا لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» أخرجه ابن ماجه أيضاً في سننه.
وذكره أبو عمر بن عبد البر، وأبو بكر الخطيب من حديث «سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم بن يزيد قال: حدثنا مالك عن عمه أبي سهيل، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم له استعداداً أولئك الأكياس ثم قال يا معشر المهاجرين: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم» وذكر الحديث.(1/1144)
وقال عطاء الخراساني: إذا كان خمس كان خمس: إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة، وإذا جار الحكام قحط المطر، وإذا ظهر الزنا كثر الموت، وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية، وإذا تعدى على أهل الذمة كانت الدولة ذكره أبو نعيم.
الترمذي «عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشت أمتي المطيطا وخدمها أبناء الملوك فارس والروم سلط شرارها على خيارها» قال: هذا حديث غريب.
ابن ماجه، «عن قيس بن أبي حازم قال: قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه» أخرجه أبو داود في سننه، والترمذي في جامعه.
مسلم، «عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن(1/1145)
عوف: نكون كما أمر الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك تنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض» .
وأخرج أيضاً «عن عمرو بن عوف، وهو حليف بني عامر بن لؤي، وكان شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبو عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين قالوا أجل يا رسول الله قال: فأبشروا وأملوا ما بسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم» .
وفي رواية: «فتلهيكم كما ألهتكم بدل فتهلككم» .
وأخرج ابن ماجه «عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدع بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» أخرجه البخاري ومسلم أيضاً.(1/1146)
وأخرج ابن ماجه «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صباح إلا وملكان يناديان ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال» .
وأخرج أيضاً «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيباً وكان فيما قال: إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخفلكم فيها فناظر كيف تعملون ألا فاتقوا الله واتقوا النساء» خرجه مسلم أيضاً وقال: بدل قوله فاتقوا الله فاتقوا النار واتقوا النساء وزاد «فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» .
الترمذي، «عن كعب بن عياض قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.
و «عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سكن البادية جفا،(1/1147)
ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن» قال: وفي الباب عن أبي هريرة.
وهذا حديث حسن غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري.
فصل
حذر الله سبحانه وتعالى عباده فتنة المال والنساء في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عز من قائل {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} وقال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} ثم قال سبحانه وتعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم} فنبه الله على ما يعتصم به من فتنة حب المال والولد في آي ذكر الله فيها فتنة وما كان عاصماً من فتنة المال والولد فهو عاصم من كل الفتن والأهواء.
وقال تعالى {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث} ثم قال تعالى: {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات} فوصف تعالى ما للمتقين عند ربهم، ثم وصف أحوالهم بنعتهم إلى قوله {والمستغفرين بالأسحار}(1/1148)
وهذا تنبيه لهم على تزهيدهم فيما زين لهم وترغيبهم فيما هو خير منه ومثل هذا في القرآن كثير.
والمطيطاء: بضم الميم والمد: المشي بتبختر وهي مشية المتكبرين المفتخرين وهو مأخوذ من مط يمط إذا مد، قال الجوهري: والمطيطاء بضم الميم ممدوداً التبختر ومد اليدين في المشي، وفي الحديث «إذا مشت أمتي المطيطياء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم» وقوله: ثم ينطلقون في مساكن المهاجرين.
قيل في الكلام حذف أي في مساكين المهاجرين، والمعنى أنه إذا وقع التنافس والتحاسد والتباغض حملهم ذلك على أن يأخذ القوي على ما أفاء الله المساكين الذي لا يقدر على مدافعته، فيمنعه عنه ظلماً وقهراً بمقتضى التنافس والتحاسد.
وقيل: ليس في الكلام حذف وأن المعنى المراد أن مساكين المهاجرين وضعفاءهم سيفتح عليهم إذ ذاك من الدنيا حتى يكونوا أمراء بعضهم على رقاب بعض، وهذا اختيار القاضي عياض، والأول اختيار شيخنا أبي العباس القرطبي قال: وهو الذي يشهد له مساق الحديث ومعناه، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أخبرهم أنه يتغير بهم الحال وأنهم عنهم أو عن(1/1149)
بعضهم أحوال غير مرضية تخالف أحوالهم التي كانوا عليها من التنافس والتباغض وانطلاقهم في مساكين المهاجرين، فلا بد أن يكون هذا الوصف غير مرضى كالأوصاف التي قبله، وأن تكون تلك الأوصاف المتقدمة توجيهاً، وحينئذ يلتئم الكلام أوله وأخره والله أعلم، ويعضده رواية السمرقندي فيحملون بعضهم على رقاب بعض أي بالقهر والغلبة.
باب منه وما جاء أن الطاعة سبب الرحمة والعافية
ذكر أبو نعيم الحافظ قال: «حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا المقدام بن داود، حدثنا علي بن معبد الرقي، حدثنا وهب بن راشد، حدثنا مالك بن دينار عن خلاس بن عمرو، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك، وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وأن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع إلي أكفكم ملوككم» .
غريب من حديث مالك مرفوعاً تفرد به علي بن معبد عن وهب ابن راشد.(1/1150)
أبواب الملاحم ـ باب أمارات الملاحم
أبو داود «عن معاذ بن جبل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة فتح القسطنطنية وفتح القسطنطنية خروج الدجال» .
البخاري «عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من آدم فقال: أعدد ستاً بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقفاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلتاه، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيعذرون فيأتونكم تحت ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً» .
وخرجه أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير بمعناه وزاد بعد قوله(1/1151)
إثنا عشر ألفاً [فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة في مدينة يقال لها دمشق] ، ذكره بإسناده أبو الخطاب بن دحية في كتاب مرج البحرين في فوائد المشرقين والمغربين.
وقال: عوف بن مالك الأشجعي: شهد موت النبي وحضر فتح بيت المقدس
مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فتحه صلحاً لخمس خلون من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، ثم حضر قسمة كنوز كسرى على يد أمير المؤمنين عمر، ثم شاهد قتال الجمل وصفين، وشاهد عوف رضي الله عنه أيضاً الموتان الذي كان بالشام قبل ذلك، وهو المسمى بطاعون عمواس مات يومئذ ستة وعشرون ألفاً.
وقال المديني خمسة وعشرين ألفاً.
وعمواس: بفتح العين والميم لأنه [عم وأسى] أي جعل بعض الناس أسوة بعض، وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس مات فيه أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، والأمير الفقيه أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل.
قال الإمام أحمد بن حنبل في تاريخه كان الطاعون عمواس سنة ثمانية عشر.
رواه عن أحمد أبو زرعة الرازي قال: كان الطاعون سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وفي سنة سبع عشرة رجع عمر من سرغ، وموتان بضم الميم هي لغة وغيرهم يفتحونها وهم اسم الطاعون والموت.(1/1152)
وقوله: كقفاص الغنم هو داء يأخذها لا يلبثها قاله أبو عبيدة، لأن القفاص الموت العجل ويقال بالسين، وقيل هو داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق، وقد انقضت هذه الخمس، وعاش عوف بن مالك إلى زمن عبد الله بن مروان سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وقد أربى بصفين على المائة، وقال الواقدي: مات عوف بن مالك بالشام سنة ثلاث وتسعين، فإن صح ما قال فقد مات في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان إن لم يكن تصحيفاً منه، والله أعلم.
باب ما ذكر في ملاحم الروم وتواترها وتداعي الأمم على أهل الإسلام
ابن ماجه، «عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة فيغدرون بكم فيسيرون إليكم في ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً» .
و «عن ذي مخمر، وكان رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ستصالحكم الروم صلحاً آمناً، ثم تغزون أنتم وهم(1/1153)
عدوا فتنصرون وتغنمون وتقتسمون وتسلمون، ثم تنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول فيرفع رجل من أهل الصليب صليبه، فيقول غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه، فعند ذلك تغدر الروم ويجمعون الملحمة، فيأتون تحت ثمانين راية اثنا عشر ألفاً» .
وأخرجه أبو داود وزاد «ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة» .
وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وإسناده صحيح ثابت.
وذو مخمر بالميم لا غير، وهو ابن أخي النجاشي قاله الأوزاعي، وقد عده أبو عمر في موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قاله ابن دحية.
وخرجا جميعاً عن ابن ماجه، وأبو داود، «عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الملحمة الكبرى وفتح قسطنطنية وخروج الدجال في سبعة أشهر»(1/1154)
وخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
«وعن عبد الله بن بشر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة» خرجه ابن ماجه وأبو داود، وقال أبو داود: هذا صحيح من حديث عيسى.
قلت: يريد حديث معاذ المذكور قبله.
مسلم عن بشير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيراً ألا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة.
قال: فقعد وكان متكئاً فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الأسلام وتجمع لهم أهل الإسلام قلت: الروم تعني؟ قال: نعم ويكون عند ذلك القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون(1/1155)
شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجر بينهم الليل فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، وإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية الإسلام فيجعل الله الدائرة عليهم فيقتتلون مقتلة إما قال لم ير مثلها.
وإما قال لا يرى مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجثمانهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً فيتعادى بنو الأب كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح وبأي ميراث يقسم، فبينما هم كذلك إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك، فجاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج في ذراريهم فيرفضون ما بأيديهم ويقبلون فيبعثون عشر فوارس طليعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض أو من خير فوارس يومئذ.(1/1156)
أبو داود «عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
فقال قائل من القوم: من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهاية وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهة الموت» .
فصل
قوله: بني الأصفر.
يعني الروم، وفي تسميتهم بذلك قولان.
أحدهما: أن جيشاً من الحبشة غلبوا على ناحيتهم في بعض الدهر، فوطئوا نساءهم فولدن أولاداً صفراً.
قاله ابن الأنباري.
الثاني: أنهم نسبوا إلى الأصفر ابن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام قاله ابن إسحاق، وهذا أشبه من القول الأول.
والهدنة: الصلح والغاية الراية، كما جاء مفسراً في الحديث بعده.
سميت بذلك لأنها تشبه السحابة لمسيرها في الجو، والغاية والصابة السحابة، وقد رواها بعض رواة البخاري تحت ثمانين غابة بباء مفردة النقطة، وهي الأجمة شبه اجتماع رماحهم وكثرتها بالأجمة التي هي(1/1157)
الغابة، والصحيح الأول لأنها تظل الأجناد لكثرة راياتهم واتصال أويلتهم وعلاماتهم كالسحاب الذي يظل الإنسان.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن تحت كل غاية اثني عشر ألفاً فجملة العدو تسعمائة ألف وستون ألفاً» ذكره الحافظ أبو الخطاب بن دحية.
وقد روي مرفوعاً في حديث فيه طول عن حذيفة: أن الله تعالى يرسل ملك الروم وهو الخامس من الهرقل يقال له ضمارة وهو صاحب الملاحم.
فيرغب إلى المهدي في الصلح، وذلك لظهور المسلمين على المشركين فيصالحه إلى سبعة أعوام فيضع عليهم الجزية عن يد وهم صاغرون، فلا تبقى لرومي حرمة ويكسرون لهم الصليب، ثم يرجع المسلمون إلى دمشق، فبينما الناس كذلك إذا برجل من الروم قد التفت فرأى أبناء الروم وبناتهم في القيود والأغلال فتعير نفسخ فيرفع الصليب ويرفع صوته فيقول: ألا من كان يعبد الصليب فينصره، فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب ويقول: الله أغلب وأنصر، فحينئذ يغدرون وهم أولى بالغدر فيجمعون عند ذلك ملوك الروم في بلادهم خفية، فيأتون إلى بلاد المسلمين حيث لا يشعر بهم المسلمون، والمسلمون قد أخذوا منهم الأمن وهم على غفلة أنهم مقيمون على الصلح، فيأتون أنطاكية في اثني عشر ألف راية تحت كل راية اثنا(1/1158)
عشر ألفاً، فلا يبقى بالجزيرة ولا بالشام ولا بأنطاكية نصراني إلا ويرفع الصليب، فعند ذلك يبعث المهدي إلى أهل الشام والحجاز واليمن والكوفة والبصرة والعراق يعرفهم بخروج الروم وجمعهم، ويقول لهم أعينوني على جهاد عدو الله وعدوكم، فيبعث إليه أهل المشرق أنه قد جاء عدو من خراسان على ساحل الفرات وحل بنا ما شغلنا عنك، فيأتي إليه بعض أهل الكوفة والبصرة، ويخرج إليه المهدي، ويخرج معهم المسلمون إلى لقائهم فيلتقي بهم المهدي ومن معه من المسلمين فيأتون إلى دمشق فيدخلون فيها فتأتي الروم إلى دمشق فيكونون عليها أربعين يوماً، فيفسدون البلاد ويقتلون العباد ويهدمون الديار ويقطعون الأشجار، ثم إن الله تعالى ينزل صبره ونصره على المؤمنين فيخرجون إليه، فتشتد الحرب بينهم ويستشهد من المسلمين خلق كثير، فيا لها من وقعة ومقتلة ما أعظمها وما أعظم هولها، ويرتد من العرب يومئذ أربع قبائل سليم ونهد وغسان وطي، فيلحقون بالروم وينتصرون مما يعاينون من الهول العظيم والأمر الجسيم، ثم إن الله تعالى ينزل النصر والصبر والظفر على المسلمين، فيقتل من الروم مقتلة عظيمة حتى يخوض الخيل في دمائهم وتشتعل الحرب بينهم، حتى إن الحديد يقطع بعضه بعضاً، وإن الرجل من المسلمين ليطعن العلج بالسفود فينفذه وعليه الدرع من الحديد، فيقتل المسلمون من المشركين خلقاً كثيراً حتى تخوض الخيل في الدماء وبنصر الله تعالى المسلمين ويغضب على الكافرين، وذلك رحمة من الله تعالى لهم، فعصابة من المسلمين يومئذ خير خلق الله والمخلصين من عباد الله ليس فيهم مارد ولا مارق ولا شارد ولا مرتاب ولا منافق، ثم إن المسلمين يدخلون إلى بلاد الروم ويكبرون(1/1159)
على المدائن والحصون، فتقع أسوارها بقدرة الله، فيدخلون المدائن والحصون ويغنمون الأموال ويسبون النساء والأطفال، ويكون أيام المهدي أربعين سنة.
عشر سنين في المغرب، واثنتا عشرة سنة بالكوفة، واثنتا عشرة بالمدينة، وستة بمكة، وتكون منيته فجأة بينما الناس كذلك إذ تكلم الناس بخروج الدجال اللعين، وسيأتي من أخبار المهدي ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
وقوله: ليس له هجير.
الدأب والعادة.
يقال: ما زال ذلك هجيراه وإهجيراه وإجيراه أي دأبه وعادته، وهاجت: أي تحركت ريح حمراء أي شديدة احمرت لها الشجر وانكشفت الأرض، فظهرت حمرتها.
ولما رأى ذلك الرجل جاء مجيء الخائف من قرب الساعة والشرطة هنا بضم الشين أول طائفة من الجيش تقاتل.
سموا بذلك لعلامة تميزوا بها.
والأشراط العلامات، وتفنى الشرطة أي تقتل.
وتفيء ترجع.
ومنه حتى تفيء إلى أمر الله، ونهد تقدم ومنه سمي النهد نهداً لتقدمه الصدر.
والدايرة ويروي والدائرة والمعنى متقارب.
قال الأزهري: الدائرة الدولة تدور على الأعداد، والدائرة النصر والظفر يقال: لمن الدائرة، أي لمن الدولة، وعلى من الدائرة؟ أي الهزيمة.
قاله أبو عبيد الهروي: والجنبات جمع جنبة وهي الجانب، ويروى بجثمانهم أي(1/1160)
بأشخاصهم، وقوله: إذ سمعوا بناس بنون وسين.
هم أكثر بالثاء المثلثة، ويروى بباس بباء واحدة أكبر بباء واحدة أيضاً، وهو الأمر الشديد وهو الصواب لرواية أبي داود وإذ سمعوا بأمر هو أكبر من ذلك، والصريخ الصارخ أي المصوت عند الأمر الهائل، ويرفضون أي يرمون ويتركون، والطليعة الذي يتطلع الأمر ويسكتشفه، وتداعى الأمم اجتماعها ودعا بعضها بعضاً حتى تصير العرب بين الأمم كالقصعة والأكلة وغثاء السيل ما يقذف به على جانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش، وكذلك الغثاء بالتشديد.
والجمع: الأغثاء.
والله أعلم.
باب منه وبيان قوله تعالى " حتى تضع الحرب أوزارها "
باب منه وبيان قوله تعالى حتى تضع الحرب أوزارها
«عن حذيفة قال: فتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتح فأتيته فقلت: الحمد لله يا رسول الله ألقى الإسلام بجرانه ووضعت الحرب أوزارها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دون أن تضع الحرب أوزارها خلالاً ستاً أفلا تسألني عنها يا حذيفة؟ قلت: بلى يا رسول الله، فما أولها؟ قال: موتى وفتح بيت المقدس، ثم فئتان دعواهما واحدة يقتل بعضهم بعضاً، ثم يفيض المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيسخطها، وموت كقفاص الغنم وغلام من بني الأصفر ينبت في اليوم كنبات أشهر، وفي الشهر كنبات السنة، فيرغب قومه فيه فيملكونه ويقولون نرجو أن يرد بك علينا ملكنا، فيجمع جمعاً عظيماً ثم يسير حتى يكون بين العريش وأنطاكية فأميركم يومئذ نعم الأمير، فيقول لأصحابه: كيف ترون؟ فيقولون: نقاتلهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فيقول:(1/1161)
لا أرى ذلك ولكن تخلي لهم أرضهم ونسير بذرارينا وعيالنا حتى نحرزهم ثم يغزوهم، وقد أحرزنا ذرارينا وعيالاتنا فيسيرون حتى يأتوا مدينتي هذه ويستمد أهل الشام فيمدونه، فيقول: لا ينتدب معي إلا من باع نفسه الله حتى يلقاهم فيلقاهم، ثم يكسر غمده ثم يقاتل حتى يحكم الله بينهم، فينتدبون سبعون ألفاً أو يزيدون على ذلك، فيقول حسبي سبعون ألفاً لا تحملهم الأرض وفي القوم عين العدو فيخبرهم بالذي كان فيسير إليهم حتى إذا التقوا سألوه أن يخلي بينهم وبين من كان بينهم نسب، فيأتي ويدعو أصحابه فيقول: أتدرون ما يسأل هؤلاء؟ فيقولون: ما أحد أولى بنصر الله وقتاله منا.
فيقول: امضوا واكسروا أغمادكم فيسل الله سيفه عليهم فيقتل منهم الثلثان ويفر في السفن منهم الثلث، حتى إذا تراءت لهم جبالهم فبعث الله عليهم ريحاً فردتهم إلى مراسيهم إلى الشام، فأخذوا وذبحوا عند أرجل سفنهم عند الشاطئ، فيومئذ تضع الحرب أوازارها» .
رواه إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن ربيعة بن سفيان بن ماتع المغافري، عن مكحول، عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا ذكره الفقيه بن برجان في كتاب الإرشاد له، ومنه نقلته(1/1162)
وفي إسناده مقال، والله أعلم.
باب ما جاء في قتال الترك وصفتهم
البخاري «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر» .
وخرج مسلم «عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلون بين يدي الساعة قوماً نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة، حمر الوجوه صغار الأعين ذلف الأنوف» .
وفي رواية «يلبسون الشعر ويمشون في الشعر» خرجه البخاري،، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، والترمذي وغيرهم.
وخرجه ابن ماجه «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغاراً الأعين عراض الوجوه، كأن أعينهم حدق الجراد، وكأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعور، ويتخذون الدرق يربطون خيولهم بالنخيل» .
أبو داود، «عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يقاتلونكم قوم صغاراً الأعين يعني الترك قال تسوقونهم ثلاث مرات حتى تلحقونهم بجزيرة العرب فأما في السياقة الأولى فينجوا منهم من هرب، وأما(1/1163)
في الثانية فينجو بعضهم ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون» .
فصل
قوله: المجان المطرقة.
المجان جمع مجن وهو الترس، والمطرقة هي التي قد عوليت بطراق، وهو الجلد الذي يغشاه شبه وجوههم في عرضها ونتوء وجناتها بالترس والمطرقة، قال معناه الخطابي وغيره وقيده القاضي عياض رحمه الله في كتاب مشارق الأنوار له، فقال: الصواب فيه المطرقة بفتح الطاء وتشديد الراء.
قاله الحافظ أبو الخطاب بن دحية، قال لي شيخنا المحدث الكبير اللغوي النحوي أبو إسحاق الحمزي، بل الصواب فيه المطرقة بسكون الطاء وفتح الراء أي التي أطرقت بالعقب أي ألبست حتى غلظت وكأنها ترس على ترس، ومنه طارقت النعل إذا ركبت جلداً على جلد وخرزته عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: هذا معنى ما نقلناه عن الخطابي، وقال أهل اللغة: وفي الصحاح والمجان المطرقة التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة المخصوفة، يقال: أطرقت الجلد والعصب أي ألبسته وترس مطرق، وقولهم: نعالهم الشعر أي يصنعون من الشعر حبالاً ويصنعون منها نعالاً كما يصنعون منه ثياباً ويشهد بهذا قوله يلبسون الشعر ويمشون في الشعر هذا ظاهره، ويحتمل أن يريد بذلك أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذا أسدلوها كاللباس وذوائبها لوصولها إلى أرجلهم كالنعال، والأول أظهر.
قال ابن دحية: إنما كان نعالهم من ضفائر الشعر أو من جلود مشعرة لما في بلادهم من الثلج العظيم الذي لا يكون في بلد كبلادهم، ويكون من جلد الذئب وغيره.
وقوله: يلبسون الشعر فهو إشارة إلى الشرابيش التي يدار عليها بالقندس، والقندس كلب الماء وهو من ذوات الشعر كالمعز، وذوات الصوف كالضأن، وذوات الوبر الإبل، وقوله: ذلف الأنف أي غلاظها، يقال: أنف أذلف إذا كان فيه غلظ وانبطاح والذلف في اللغة تأخر الأرنبة وقيل تطامن فيها، وقيل فطس الأنوف كما في حديث البخاري عن أبي هريرة، فالحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضاً، ويروى دلف الأنوف بالدال المهملة والمعجمة أكثر.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رضي الله عنه: وخوزا قيدناه في صحيح البخاري ومسلم بالزاي وقيده الجرجاني في خور كورمان بالراء المهملة مضافاً إلى كرمان، وكذا صوبه الدارقطني بالراء المهملة مع الإضافة، وحكاه عن الإمام أحمد بن حنبل، وقال: إن غيره صحف فيه، وقال غير الدارقطني إذا أضيف فبالراء المهلمة لا غير وإذا عطفته فبالزاي لا غير، ويقال: إنهما جنسان.
باب في سياقة الترك للمسلمين وسياقة المسلمين لهم
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال: «حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشر بن المهاجر قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعت النبي يقول: إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات حتى يحلقوهم بجزيرة العرب، أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما السياقة الثانية فيهلك بعض وينجو بعض، وأما السياقة الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم(1/1164)
قالوا يا نبي الله من هم؟ قال: هم الترك، قال: أما والذي نفسي بيده ليربطون خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين، قال: وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء من الترك» .
قال الإمام أبو الخطاب عمر بن دحية، وهذا سند صحيح أسنده إمام السنة والصابر على المحنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، عن الإمام العدل المجمع على ثقته أبي نعيم الفضل بن دكين، وبشير بن المهاجر وثقه.
رأى أنس بن مالك روى عن جماعة من الأئمة فوثقوه.
قال المؤلف رحمه الله: وخرج أبو داود قال، «حدثنا جعفر بن مسافر قال: حدثنا خلاد بن يحيى: حدثنا بشير بن مهاجر قال: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يقاتلونكم صفار الأعين يعني الترك قال: تسوقونهم ثلاث مرات حتى تلحقونهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة الأولى فينجو منهم من هرب، وأما الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون» .
فصل
الاصطلام: الاستئصال وأصله من الصلم وهو القطع.
اصطملت أذنه إذا استوفيت بالقطع، وأنشد الفراء:
ثمت اصطمت إلى الصماخ فلا قرن ولا أذن
والحديث الأول يدل على خروجهم وقتالهم المسملين وقتلهم، وقد وقع ذلك على نحو ما أخبر صلى الله عليه وسلم، فخرج منهم في هذا الوقت أنهم لا يحميهم(1/1165)
إلا الله ولا يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقتدمهم.
قال الحافظ السيد بن دحية رضي الله عنه: يخرج في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة جيش من الترك يقال له الططر، عظم في قتله الخطب والخطر وقضى له من قتل النفوس المؤمنة الوطر، ولم تهتد إلى دفعه بالحيل الفطر يقتلون من وراء النهر وما دونه من جميع البلاد بلاد خراسان ومحو رسوم ملك بني ساسان، وهذا الجيش ممن يكفر بالرحمن ويرى أن الخالق المصور هما النيران، وملكهم يعرف بخان خاقان، وخربوا بيوت مدينة نشاور، وأطلقوا فيها النيران، وخار عنهم من أهل خوارزم كل إنسان ولم يبق منهم إلا من اختبأ في المغارات والكهفان، حتى وصلوا إليها وقتلوا وسبوا وخبروا البنيان، أطلقوا الماء على المدينة من نهر جيحان، فغرق فيها مباني الذرا والأركان، ثم صيروا المشهد الرضوي بطوس أرضاً بعد أن كانوا، وقطعوا ما أمر الله عز وجل به أن يوصل من الدين بأخسر الأديان إلى أن وصلوا بلا قهستان، فخربوا مدينة الري وقزوين وأبهر وزنجان، ومدينة أردبيل ومدينة مراغي كرسي بلاد أذربيجان، واستأصلوا شأفة من في هذه البلاد من العلماء والأعيان، واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان، ثم وصلوا إلى العراق(1/1166)
الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان، ودور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان، وأهلها مشتلون بعلم الحديث فحفضهم الله بهذا الشأن، وكف كف الكفر عنهم بأيمان الإيمان، وأنزل عليهم مواد التأييد والإحسان، فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلد الفرسان، واجتمع فيها مائة ألف إنسان، وخرجوا إليهم كأسد ولكن غاباتها عوامل الخرصان، وقد لبسوا البيضا كثغور الأقحوان، وعليهم دروع فضفاضة في صفاء الغدران، وهيئات للمجاهدين درجات الجنان، وأعدت للكافرين دركات النيران، وبرز إلى الططر القتل في مضاجعهم، وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم، فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمي وأنشدوا:
إلى الوادي فطم على القرى
ففروا منهم فرار الشيطان يوم بدر له خصاص، ورأوا أنهم إن وقفوا لم يمكن لهم من الهلاك محاص، وواصلوا السير بالسرى وهدوا من همدان الوهاد والذرى بعد أن قامت الحرب على ساق، والأرواح في مساق من ذبح مثله وضرب الأعناق، وصعدوا جبل أوزند فقتلوا من فيه من جموع صلحاء المسلمين، وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين وانتهكوا منهم ومن نسائهم حرمات الدين، وكانت استطالتهم على مقدار ثلثي بلاد المشرق الأعلى، وقتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى، وقتلوا في العراق الثاني عدة تقرب أن يستقصى، وربطوا خيولهم في سواري المساجد(1/1167)
والجوامع، كما جاء في الحديث المنذر لخروجهم الشارح الجامع، وأوغلوا في بلاد المشرق أي إيغال، وقادوا الجيوش إليها مقادة أبي رغال في كلام له إلى أن قال: وقطع السبل وأخافوها، وجاسوا خلال الديار وطافوها، وملأوا قلوب المؤمنين رعباً وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحباً، وحكموا سيوفهم في رقاب أهلها وأطلقوا يد التخريب في وعرها وسهلها، ولا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث، وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الآخرة منها.
قال المؤلف رحمه الله: فقد كملت بحمد الله خرجاتهم، ولم يبق إلا قتلهم وقتالهم، فخرجوا على العراق الأول والثاني كما ذكرناه، وخرجوا في هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد، وقتلوا جميع من كان فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد، وحصروا ميا فارقين واستباحوا جميع من فيها من الملوك والمسلمين، وعبروا الفرات إلى أن وصلوا إلى مدينة حلب فخربوها، وقتلوا من فيها إلى أن تركوها خالية يباباً، ثم أوغلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام، وفلقوا بسيوفهم الرؤوس والهام، ودخل رعبهم الديار المصرية ولم يبق إلا الحوق بالدار الأخروية، فخرج إليهم من مصر الملك المظفر الملقب بقطز رضي الله عنه بجميع من معه من المعسكر، وقد بلغت الحناجر القلوب والأنفس بعزيمة صادقة ونية خالصة، إلى أن التقى بعين جالوت فكان له عليهم من النصر والظفر، كما كان لطالوت فقتل منهم جمع كثير وعدد غزير، وانجلوا عن الشام من ساعتهم ورجع جميعه كما كان إلى الإسلام، وعبروا الفرات منهزمين، ورأوا ما لم بشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خائبين خاسرين مدحورين أذلاء صاغرين.(1/1168)
باب منه وما جاء في ذكر البصرة والأيلة وبغداد والإسكندرية
أبو داود الطيالسي قال: حدثنا الحشرج بن نباتة الكوفي، حدثنا سعيد بن جيهان «عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لتنزلن طائفة من أمتي أرضاً يقال لها البصرة ويكثر بها عددهم ونحلهم، ثم يجيء قوم من بني قنطورا عراض الوجوه صغار الأعين، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له دجلة، فيتفرق المسلمون ثلاث فرق: أما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق البادية فهلكت، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها وكفرت وهذه وتلك سواء، وأما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظهورهم ويقاتلون فقتلاهم شهداء، ويفتح الله على بقيتهم» .
وخرجه أبو داود السختياني في سننه بمعناه.
فقال: «حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني سعيد بن جيهان:(1/1169)
حدثنا مسلم بن أبي بكرة قال: سمعت أبي يحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين.
قال ابن يحيى وهو محمد.
قال معمر: ويكون من أمصار المسلمين، فإذ كان آخر الزمان جاء بنو قنطورا عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق: فرقة تأخذ أذناب البقر والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذريتهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم الشهداء» .
قال أبو داود: و «حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم قال: سمعت أبي يقول: انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها الأيلة قلنا: نعم.
قال: من يضمن لي منكم أن يصلي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول لأبي هريرة.
سمعت خليلي يقول: إن الله بيعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم» .
ذكر الخطيب أبو بكر بن أحمد بن ثابت في تاريخ بغداد أنبأنا أبو القاسم الأزهري، «حدثنا أحمد بن محمد بن موسى قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن المنادني قال: ذكر في إسناد شديد الضعف، عن سفيان الثوري، عن أبي(1/1170)
إسحاق الشيباني، عن أبي قيس عن علي رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تبنى مدينة بين الفرات ودجلة يكون فيها شر ملك بني العباس وهي الزوراء يكون فيها حرب مقطعة تسبى فيها النساء ويذبح فيها الرجال كما تذبح الغنم» قال أبو قيس فقيل لعلي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين: قد سماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزوراء، فقال: لأن الحرب تزور في جوانبها حتى تطبقها.
وقال أرطأة بن المنذر قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان أخبرني عن تفسيرقوله تعالى {حم * عسق} فأعرض عنه حتى أعاد ثلاثاً، فقال حذيفة: أنا أنبأك بها قد عرفت لم تركها.
نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتين بشق النهر بينهما شقاً، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم بعث الله على إحداها ناراً ليلاً فتصبح سوداء مظلمة، فتحترق كلها كأنها لم تكن في مكانها فتصبح صاحبتها متعجبة كيف قلبت فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعاً فذلك {حم * عسق} أي عزيمة من عزمات الله وفتنة وقضاء حم أي حم ما هم كائن ع عدلاً منه س سيكون ق واقع في هاتين المدينتين.(1/1171)
ونظير هذا التفسير ما «روى جرير بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والفرات يجتمع فيها جبابرة الأرض تجيء إليها الخزائن يخسف بها.
وفي رواية يخسف بأهلها فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة» وقرأ ابن عباس [حم عسق] بغير عين وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود، حكاه الطبري.
وقال العباس وكان علي يعرف الفتن بها.
و «ذكر القشيري والثعلبي في تفسيرهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجهه فقيل له يا رسول الله: ما أحزنك؟ قال: أخبرت ببلايا تصيب أمتي من خسف وقذف ونار تحشرهم وريح تقذفهم في البحر وآيات متتابعات بنزول عيسى وخروج الدجال» لفظ الثعلبي.
وقد روي حديث الزوراء محمد بن زكريا الغلابي، وأسند عن «علي عليه السلام عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: أما هلاكها على يد السفياني كأني بها، والله قد صارت خاوية على عروشها» ومحمد بن زكريا قال الدارقطني كان يضع الحديث على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/1172)
وذكر ابن وهب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قيل له بالاسكندرية: إن الناس قد فزعوا فأمر بسلاحه وفرسه فجاءه رجل فقال من أين هذا الفزع؟ قال: سفن تراءت من ناحية قبرس.
قال: انزعوا عن فرسي.
قال: قلنا اصلحك الله إن الناس قد ركبوا.
فقال: ليس هذا بملحمة الإسكندرية إنما يأتون من ناحية المغرب من نحو أنطابلس فيأتي مائة ثم مائة حتى عدد تسعمائة.
وخرج الوائلي أبو نصر في كتاب الإبانة من حديث رشدين بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن كعب قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل على موسى بن عمران أن للإسكندرية شهداء يستشهدون في بطحائها خير من مضى وخيرمن بقى، وهم الذين يباهي الله عز وجل بهم شهداء بدر.
فصل
قوله: المجان يفتح الجيم جمع مجن بكير الميم وهو الترس والمطرقة هي التي قد عدلت بطراق، وهو الجلد الذي يغشاه شبه(1/1173)
وجوههم في عرضها ونتوء وجناتها بالترسة والمطرقة.
وفي الصحاح والمجان المطرقة التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة المخصوفة، ويقال: أطرقت بالجلد والعصب أي لبست وترس مطرق، وقوله: نعالهم الشعر أي يصنعون من الشعر حبالاً ويصنعون منها نعالاً كما يصنعون منه ثيابهم، ويشهد لهذا قوله يلبسون الشعر ويمشون في الشعر هذا ظاهره، ويحتمل أن يريد بذلك أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذ أسدلوها كاللباس وذوائبها لوصولها إلى أرجلهم كالنعال، والأول أظهر والله أعلم.(1/1174)
وقوله: ذلف الأنف أي غلاظها يقال: أنف إذا كان فيه غلظ وانبطاح وأنوف ذلف، والاصطلام: الاستئصال وأصله من الصلم وهو القطع.
قوله: بغائط الغائط المطمئن من الأرض، والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة، وبنوا قنطورا هم الترك يقال إن قنطورا جارية كانت لإبراهيم عليه السلام ولدت له أولاداً من نسلهم الترك.
وقيل: هم من ولد يافث وهم أجناس كثيرة، فمنهم أصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رؤوس الجبال والبراري والشعاب ليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد منهم ودج دابته فشوى الدم في مصران فأكله، وهم يأكلون الرخم والغربان وغيرهما وليس لهم دين، ومنهم من كان على دين المجوسية، ومنهم من تهود وملكهم الذي يقال له خاقان يلبس الحرير وتاج الذهب ويحتجب كثيراً، وفيهم بأس شديد، وفيهم سحر وأكثرهم مجوس.
وقال وهب بن منبه: الترك بنو عم يأجوج وز مأجوج يعني أنهم كلهم من ولد يافث.
وقيل: إن أصل الترك أو بعضهم من اليمن من حمير، وقيل فيهم: إنهم من بقايا قوم تبع، والله أعلم.
ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإبانة.
باب
ذكر أبو نعيم الحافظ «عن سمرة بن جندب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(1/1175)
يوشك أن يملأ الله أيديكم مالك العجم ثم يجعلهم أسداً لا يفرون فيقتلون مقاتلكم، ويأكلون فيئكم» غريب من حديث يونس تفرد به عنه حماد.
باب ما جاء في فضل الشام وأنه معقل من الملاحم
البزار، «عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام» خرجه أبو بكر أحمد بن سلمان النجار، وقال عود الإسلام.
قال أبو محمد عبد الحق: هذا حديث صحيح، ولعل هذه الفتن هي التي تكون عند خروج الدجال، والله ورسوله أعلم.
قلت: وخرجه الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الحكم بن عبد الله بن خطاف الأزدري وهو متروك، «عن الزهري عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: هب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه مذعوراً وهو يرجع فقلت: مالك بأبي أنت وأمي؟ قال: سل عمود الإسلام من تحت رأسي ثم رميت بصري، فإذا هو قد غرز في وسط الشام فقيل لي يا محمد إن الله اختار لك الشام وجعلها لك عزاً ومحشراً ومنعة، وذكر أن من أراد الله به خيراً أسكنه(1/1176)
الشام وأعطاه نصيبه منها، ومن أراد الله به شراً أخرج سهماً من كنانته فهي معلقة وسط الشام فرماه به فلم يسلم دنيا ولا أخرى» .
وروي عن عبد الملك بن حبيب أن قال: حدثني من أثق به أن الله عز وجل قال للشام: أنت صفوتي من أرضي وبلادي ليسكنك خيرتي من خلقي وإليك المحشر من خرج منك رغبة عنك فبسخط مني عليه، ومن دخلك رغبة فيك فبرضى مني دخلك.
أبو داود، «عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام» .
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، «عن أبي الزاهرية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معقل المسلمين من الملاحم دمشق، ومعقلهم من الرجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور» .
قلت: هذا صحيح ثبت معناه مرفوعاً في غير ما حديث وسيأتي.(1/1177)
باب ما جاء أن الملاحم إذا وقعت بعث الله جيشاً يؤيد به الدين
ابن ماجه، «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعت الملاحم بعث الله جيشاً من الموالي هم أكرم العرب فرساناً وأجوده سلاحاً يؤيد الله بهم الدين» .
باب ما جاء في المدينة ومكة وخرابهما
مسلم «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبلغ المساكن أهاب أو يهاب» قال زهير: قلت لسهيل فكم ذاك من المدينة؟ قال كذا وكذا ميلاً.
أبو داود «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح» قال الزهري: وسلاح قريب من خيبر.
قلت: المسالح: المطالع ويقال القوم مستعد بهم في المراصد ويرتبون لذلك، وسموا بذلك لحملهم السلاح، وقال الجوهري: والمسلحة كالثغر والمرقب.
وفي الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب(1/1178)
قال بشر:
بكل قياد مسنفة عنود ... أضر بها المسالح والفرار
القياد: حبل تقاد به الدابة.
والمسنف: المتقدم.
يقال: أسنف الفرس أي تقدم الخيل، فإذا سمعت في الشعر مسنفة بكسر النون، فهي من هذا وهي الفرس التي تتقدم الخيل في سيرها، والعنود: من عند الطريق يعند بالضم عنوداً أي عدل فهم عنود، والعنود أيضاً من النوق التي ترعى ناحية، والجمع عند.
ومنه قوله تعالى: {إنه كان لآياتنا عنيداً} أي مجانياً للحق معانداً له معرضاً عنه.
يقال عند الرجل إذا عتا وجاوز قدره.
مسلم «عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدان وحشاً حتى إذا بلغ ثانية الوداع خرا على وجهيهما»
«وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة: ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي يعني السباع والطير» وعن «حذيفة قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى(1/1179)
يوم القيامة فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة» .
وذكر أبو زيد عمر بن شبه في كتاب المدينة على ساكنها الصلاة والسلام عن أبي هريرة قال: ليخرجن أهل المدينة خير ما كانت.
نصفها زهو ونصفها رطب قيل ومن يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال: أمراء السوء.
قال أبوزيد، «وحدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج أهل المدينة منها ثم يعودون إليها إليها فيعمرونها حتى تمتلىء ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبداً» .
وخرج «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليخرجن أهل المدينة ثم ليعودون إليها، ثم ليخرجن منها ثم لا يعودون إليها أبداً، وليدعنها وهي خير ما تكون مونقة.
قبل فمن يأكلها؟ قال الطير والسباع» .
وخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والذي نفسي بيده لتكونن بالمدينة(1/1180)
ملحمة يقال لها الحالقة لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين فاخرجوا من المدينة ولو على قدر بريد.
وعن الشيباني قال: لتخربن المدينة والبنود قائمة.
البنود جمع بند وهو العلم الكبير قاله في النهاية.
قال مسلم، «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: يخرب الكعبة ذو السويقتين رجل من الحبشة» .
البخاري «عن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً» الفحج: تباعد ما بين الفخذين.
وفي حديث «حذيفة الطويل عنه صلى الله عليه وسلم: كأني بحبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن، وأصحابه ينقضونها حجراً حجراً ويتناولنها حتى يرموا بها إلى البحر يعني الكعبة» ذكره أبو الفرج بن الجوزي وهو حديث فيه طول، وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام في حديث علي عليه السلام استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع أحمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم.
قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن حفصة، عن أبي العالية، عن علي(1/1181)
قال الأصمعي قوله أصعل هكذا يروى، فأما كلام العرب فهو صعل بغير ألف وهو الصغير الرأس الحبشة كلهم قال، والأصمع الصغير الأذن يقال منه رجل أصمع وامرأة صمعاء وكذلك غير الناس.
أبو داود الطيالسي، «عن أبي هريرة، النبي صلى الله عليه وسلم يبايع لرجل بين الركن والمقام وأول من يستحل هذا البيت أهله فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خراب لا يعمر بعده أبداً وهم الذين يستخرجون كنزه» .
ذكر الحليمي فيما ذكر أنه يكون في زمن عيسى عليه السلام، وأن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين الحبشي قد سار إلى البيت لهدمه، فيبعث إليه عيسى عليه السلام طائفة من الناس ما بين الثمان إلى التسع.
وذكر أبو حامد في كتاب مناسك الحج له وغيره، ويقال: لا تغرب الشمس يوماً إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدل، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة ليس فيها أثر، وهذا إذا أتى عليها(1/1182)
سبع سنين لم يحجها أحد، ثم يرتفع القرآن من المصاحف فيتصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة واحدة، ثم ترجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية، ثم يخرج الدجال وينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقتل الدجال والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب تتوقع ولادتها.
وفي الخبر استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة.
قال المؤلف رحمه الله وقيل: إن خرابه يكون بعد رفع القرآن من صدور الناس ومن المصاحف، وذلك بعد موت عيسى عليه السلام وهو الصحيح في ذلك على ما يأتي بيانه.
فصل: ثبت في الصحيح الدعاء للمدينة والحث على سكناها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمن يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم كانوا يعلمون، والذي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه إلا أن المدينة كالكير تخرج الخبث.
لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد» رواه أبو هريرة وخرجه مسلم.
خرج «عن سعيد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» .
ونحوه عن(1/1183)
أبي هريرة رضي الله عنه ومثل هذا كثير وهو خلاف ما تقدم، وإذا كان هذا فظاهره التعارض وليس كذلك، فإن الحض على سكناها ربما كان عند فتح الأمصار ووجود الخيرات بها، كما جاء في حديث «سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» رواه الأئمة واللفظ لمسلم فحض صلى الله عليه وسلم على سكناها حين أخبر بانتقال الناس عنها عند فتح الأمصار، لأنها مستقر الوحي وفيها مجاورته، ففي حياته صحبته ورؤية وجهه الكريم وبعد وفاته مجاورة حدثه الشريف ومشاهدة آثاره العظيمة، ولهذا قال: «لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت شفيعاً أو شهيداً له يوم القيامة» .
وقال: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن مات بها ثم إذاتغيرت الأحوال واعتورتها الفتن والأهوال كان الخروج منها غير قادح والانتقال منها حسناً غير قادح» .(1/1184)
فصل:
وأما قوله: «من أراد أهل المدينة بسوء» فذلك محمول على زمانه وحياته، كما في الحديث الآخر «لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه» وقد خرج منها بعد موته صلى الله عليه وسلم من الصحابة من لم يعوضها الله خيراً منه، فدل على أن ذلك محمول على حياته، فإن الله تعالى كان يعوض أبداً رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً ممن رغب عنه وهذا واضح، ويحتمل أن يكون قوله: أذابه الله كناية عن إهلاكه في الدنيا قبل موته، وقد فعل الله ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله عند مصرفه عنها إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير.
بلاه الله بالماء الأصفر في بطنه فمات بقديد بعد الوقعة بثلاث.
وقال الطبري مات بهرشي وذلك بعد الوقعةبيثلاث ليال، وهرشي جبل من بلاد تهامة على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة، وكإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغرائه أهل المدينة حرم النبي المختار وقتله بها بقايا المهاجرين والأنصار، فمات بعد هذه الوقعة وإحراق الكعبة بأقل من ثلاثة أشهر، ولأنه توفي بالذبحة وذات الجنب في نصف ربيع الأول بحوارين من قرى حمص، وحمل إلى دمشق وصلى عليه ابنه خالد.
وقال المسعودي: صلى عليه ابنه معاوية ودفن في(1/1185)
مقبرة باب الصغير، وقد بلغ سبعاً وثلاثين سنة فكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوماً.
فصل:
وأما قوله: «تتركون المدينة» حدثنا المخاطب فمرداه غير المخاطبين، لكن نوعهم من أهل المدينة أو نسلهم وعلى خير ما كانت عليه فيما قبل، وقد وجد هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنها صارت بعده صلى الله عليه وسلم معدن الخلافة وموضعها، ومقصد الناس وملجأهم معلقهم حتى تنافس الناس فيها وتوسعوا في خططها وغرسوا وسكنوا منها ما لم يسكن قبل، وبنوا فيها وسيدوا حتى بلغت المساكن أهاب، فلما انتهت حالها كمالاً وحسناً تناقص أمرها إلى أن أقفرت جهاتها بتغلب الأعراب عليها وتوالي الفتن فيها، فخاف أهلها وارتحلوا عنها وصارت الخلافة بالشام، ووجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزي في جيش عظيم من أهل الشام، فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم وقتلهم بحرة المدينة قتلاً ذريعاً واستباح المدينة ثلاثة أيام، فسميت وقعة الحرة لذلك، وفيه يقول الشاعر:(1/1186)
فإن تقتلونا يوم حرة واقم ... فإنا على الإسلام أول من قتل
وكانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا لذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ويقال لها حرة زهرة، وكانت الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبع مائة، وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها من حملة القرآن سبعمائة رجل من قريش، وسبعة وتسعون قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً.
وقال الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم في المرتبة الرابعة وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالت وراثت بين القبر والمنبر أدام الله تشريفها، وأكره الناس على أن يبايعوا ليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق، وذكر له يزيد بن عبد الله بن زمعة البيعة على حكم القرآن والسنة، فأمر بقتله فضربت عنقه صبراً.
وذكر الأخباريون أنها خلت من أهلها وبقيت ثمارها لعوافي الطير والسباع كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع الناس إليها وفي حال خلوها غدت الكلاب على سواري المسجد، والله أعلم.
وذكر أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد أنه قرأ كتاباً بالكعبة: ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم أمر يفزعهم حتى يتركوها وهي مذللة، وحتى تبول السنانير على قطائف الخز ما يروعها شيء، وحتى تخرق الثعالب في أسواقها ما يروعها شيء،(1/1187)
وأما قوله في الراعيين حتى إذا بلغا ثنية المداع خرا على وجهيهما فقيل سقطا ميتين.
قال علماؤنا: وهذا إنما يكون في آخر الزمان وعند انقراض الدنيا بدليل ما قال البخاري في هذا الحديث: آخر من يحشر راعيان من مزينة.
قيل: معناه آخر من يموت فيحشر، لأن الحشر بعد الموت، ويحتمل أن يتأخر حشرها لتأخر موتهما.
قال الداودي أبو جعفر أحمد بن نصر في شرح البخاري له: وقوله الراعيين ينعقان بغنمهما يعني يطلبان الكلأ.
وقوله: وحشا يعني خالية، وقوله ثنية الوداع يعني موضعاً قريباً من المدينة مما يلي مكة.
وقوله: خرا على وجهيهما يعني أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى وهو الموت.
وقوله: آخر من يحشر يعني أنهما بأقصى المدينة فيكونان في أثر من يبعث منها ليس أن بعض الناس يخرج بعد بعض من الأجداث إلا بالشيء المتقارب يقول الله تعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدةً فإذا هم جميع لدينا محضرون} .
وقوله النبي صلى الله عليه وسلم «يصعق الناس فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو كان من الذين استثنى الله» .
وقال شيخنا أبو العباس القرطبي: ويحتمل أن يكون معناه آخر من يحشر إلى المدينة أي يساق إليها، كما في كتاب مسلم رحمه الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله: وقد ذكر ابن شبة خلاف هذا كله، فذكر عن حذيفة بن أسيد قال: آخر الناس يحشر رجلان من مزينة يفقدان الناس، فيقول أحدهما لصاحبه: قد فقدنا الناس منذ حين انطلق بنا إلى شخص بني فلان،(1/1188)
فينطلقان فلا يجدان بها أحداً، ثم يقول: انطلق بنا إلى المدينة فينطلقان فلا يجدان بها أحداً، ثم يقول: انطلق بنا إلى منازل قريش ببقيع الغرقد فينطلقان فلا يريان إلا السباع والثعالب فيوجهان نحو البيت الحرام.
وقد ذكر عن أبي هريرة قال: [آخر من يحشر رجلان رجل من جهينة وآخر من مزينة فيقولان: أين الناس فيأتيان المدينة فلا يريان إلا الثعلب، فينزل إليهما ملكان فيسحبانهما على وجهيهما حتى يلحقاهما بالناس] .
فصل:
وأما قوله في حديث أبي هريرة: يبايع لرجل بين الركن والمقام فهو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان على مانذكره أيضاً يملك الدنيا كلها.
والله أعلم.
فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران.
فالمؤمنان سليمان بن داود والإسكندر، والكافران نمروذ وبخت نصر، وسيملكها من هذه الأمة خامس وهو المهدي.
باب ـ في الخليفة الكائن في آخر الزمان المسمى بالمهدي وعلامة خروجه
مسلم عن أبي نضيرة قال: كنا جلوساً عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء قفيز ولا درهم.
قلنا: من أين؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك.
ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجيء دينار ولا مدى.
قلنا من أين لك ذلك؟ قال من قبل الروم، ثم سكت هنيهة(1/1189)
ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان خليفة يحثى المال حثياً ولا يعده عداً» قيل لأبي نضرة وأبي العلاء تريان أنه عمر بن عبد العزيز قالا: لا.
أبو داود، «عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب العراق فيبايعونه، ثم ينشر رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيغتم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» .
وذكر ابن شبة فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن مسلمة قال: حدثنا أبو المهزم عن أبي هريرة قال: يجيء جيش من قبل الشام حتى يدخل المدينة فيقتل المقاتلة ويبقر بطون النساء ويقولون للحبلى في(1/1190)
البطن اقتلوا صبابة السوء فإذا علوا البيداء من ذي الخليفة خسف بهم فلا يدرك أسفلهم أعلاهم، ولا أعلاهم أسفلهم، قال أبو المهزم: فلما جاء جيش ابن دلجة قلناهم فلم يكونوا هم.
قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو ضمرة الليثي، عن عبد الرحمن بن الحرب بن عبيد، عن هلال بن طلحة الفهري قال: قال كعب الأحبار: تجهز يا هلال قال فخرجنا حتى إذا كنا بالعقيق ببطن المسيل دون الشجرة والشجرة يومئذ قائمة.
قال يا هلال إني أجد صفة الشجرة في كتاب الله.
قلت هذه الشجرة قال: فنزلنا فصلينا تحتها ثم ركبنا حتى إذا استوينا على ظهر البيداء قال يا هلال: إني أجد صفة البيداء، قلت أنت عليها قال: والذي نفسي بيده إن في كتاب الله جيشاً يؤمون البيت الحرام، فإذا استووا عليها نادى آخرهم أولهم ارفقوا، فخسف بهم وبأمتعتهم وأموالهم وذرياتهم إلى يوم القيامة، ثم خرجنا حتى إذا انهبطت رواحلنا أدنى الروحاء قال يا هلال: إني أجد سفة الروحاء.
قال قلت الآن حين دخلنا الروحاء.(1/1191)
قال: وحدثنا أحمد بن عيسى قال: وحدثنا ابن عيسى قال: وحدثنا عبيد الله بن وهب قال: وحدثني ابن لهيعة، عن بشر بن محمد المعفري قال: سمعت أبا نواس يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إذا أخسف الجيش بالبيداء فهو ظهور المهدي.
قلت: ولخروجه علامتان يأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى.
فصل:
قوله: ثم سكت هنية بضم الهاء وتشديد الياء أي مدة يسيرة بتصغيرهن، ويروى بهاءين.
ورواه الطبري هنيئة مهموز وهو خطأ لا وجه له.
فيه دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عما سيكون بعد فكان.
ومثله الحديث الآخر: منعت العراق درهمها وقفيزها الحديث.
أي ستمنع وأتى بلفظ الماضي في الأخبار، لأنه ماض في علم الله أنه سيكون كقوله عز من قائل {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} والمعنى أنه لا يجيء إليها كما جاء مفسراً في هذا الحديث، ومعناه والله أعلم سيرجعون عن الطاعة ويأبون من إذا ما وظف عليهم في أحد الأمر، وذلك أنهم يرتدون عن الإسلام وعن أداء الجزية، ولم يكن ذلك في زمانه، ولكن أخبر أنهم سيفعلون ذلك.
وقوله «يحثي المال حثياً» قال ابن الأنباري أعلى اللغتين حثاً يحثي وهو أصح وأفصح، ويقال حثاً يحثو ويحثي واحث بكسر الثاء وضمها كلها لمعنى اغرف بيديك.(1/1192)
باب ـ منه في المهدي وخروج السفياني عليه وبعثه الجيش لقتاله وأنه الجيش الذي يخسف به
روي من حديث «حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة، فيسير الجيش نحو المشرق حتى ينزل بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة يعني مدينة بغداد قال فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفتضون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها أكثر من ثلاثمائة كبش من ولد العباس، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام، فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش على ليلتين فيقتلونهم حتى لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويحل جيشه الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث الله جبريل عليه السلام فيقول يا جبريل إذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، وذلك قوله تعالى عز وجل {ولو ترى إذ(1/1193)
فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة» ولذلك جاء القول: وعند جهينة الخبر اليقين.
قلت: حديث حذيفة هذا فيه طول، وكذلك حديث ابن مسعود فيه ثم إن عروة بن محمد السفياني يبعث جيشاً إلى الكوفة خمسة عشر ألف فارس، ويبعث جيشاً آخر فيه خمسة عشر ألف راكب إلى مكة والمدينة لمحاربة المهدي ومن تبعه، فأما الجيش الأول فإنه يصل إلى الكوفة فيتغلب عليها ويسبي من كان فيها من النساء والأطفال ويقتل الرجال ويأخذ ما يجد فيها من الأموال، ثم يرجع فتقوم صيحة بالمشرق، فيتبعهم أمير من أمراء بني تميم يقال له شعيب بن صالح، فيستنفذ ما في أيديهم من السبي ويرد إلى الكوفة.
وأما الجيش الثاني فإنه يصل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقاتلونها ثلاثة أيام، ثم يدخلونها عنوة ويسبون ما فيها من الأهل والولد، ثم يسيرون نحو مكة أعزها الله لمحاربة المهدي ومن معه، فإذا وصلوا إلى البيداء مسحهم الله أجمعين فذلك قول الله تعالى {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} .
وقد ذكر خبر السفياني مطولاً بتمامة أبو الحسين أحمد بن جعفر بن(1/1194)
المنادى في كتاب الملاحم له، وأنه الذي يخسف بجيشه.
قال: واسمه عتبة بن هند، وهو الذي يقوم في أهل دمشق فيقول يا أهل دمشق: أنا رجل منكم وأنت خاصتنا جدي معاوية بن أبي سفيان وليكم من قبل فأحسن وأحسنتم، وذكر كلاماً طويلاً إلى أن ذكر كتابه إلى الجرهمي وهو على ما يليه من أرض الشام، وأتىالبرقي وهو على ما يليه من حد برقة وما وراء برقة من المغرب إلى أن قال: فيأتي الجرهمي فيبايعه واسم الجرهمي عقيل بن عقال، ثم يأتيه البرقي واسم البرقي همام بن الورد، ثم ذكر مسيره إلى أرض مصر وقتاله لملكها فيقتلون على قنطرة الفرما أو دونها بسبعة أيام، ثم ينصر أهل مصر وقد قتل منهم زهاء سبعين ألفاً ونيفاً ثم يصالحه أهل مصر ويبايعونه فينصرف عنهم إلىالشام، ثم ذكر تقدميه الأمراء من العرب رجل من حضرموت، ولرجل من خزاعة، ولرجل من عبس، ولرجل من ثعلبة، وذكر عجائب وأن جيشه الذي يخسف بهم تبتلعهم الأرض إلى أعناقهم وتبقى رؤوسهم خارجة، ويبقى جميع خيلهم وأموالهم وأثقالهم وخزائنهم وجميع مضاربهم والسبي على حاله إلى أن يبلغ الخبر الخارج بمكة، واسمه محمد بن علي من ولد السيط الأكبر الحسن بن علي فيطوي الله تعالى له الأرض فيبلغ البيداء من يومه، فيجد القوم أبدانهم داخلة في الأرض ورؤوسهم خارجة وهم أحياء فيحمد الله عز وجل هو وأصحابه وينتحبون بالبكاء، ويدعون الله عز وجل ويسبحونه ويحمدونه على حسن(1/1195)
صنيعه إليهم ويسألونه تمام النعمة والعافية، فتبلغهم الأرض من ساعتهم يعني أصحاب السفياني ويجد الحسنى العسكر على حاله والسبي على حاله، وذكر أشياء كثيرة الله أعلم بصحتها أخذها من كتاب دانيال فيما زعم.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: ودانيال نبي من أنبياء إسرائيل كلامه عبراني وهو على شريعة موسى بن عمران، وكان قيل عيسى بن مريم بزمان، ومن أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد سقطت عدالته إلا أن يبين وضعه لتصح أمانته.
وقد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم وما كان من الحوادث وسيكون، وجمع فيه التنافي والتناقض بين الضب والنون، وأغرب فيما أغرب في روايته عن ضرب من الهوس والجنون، وفيه من الموضوعات ما يكذب آخرها أولها ويتعذر على المتأول لها تأويلها وما يتعلق به جماعة الزنادفة من تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم أن في سنة ثلاثمائة يظهر الدجال من يهودية أصبهان، وقد طعنا في أوائل سبعمائة في هذا الزمان وذلك شيء ما وقع ولا كان ومن الموضوع فيه المصنوع والتهافت الموضوع الحديث الطويل الذي استفتح به كتابه، فهلا اتقى الله وخاف عقابة، وأن من أفضح فضيحة في الدين نقل مثل هذه الاسرائيليات عن المتهودين، فإنه لا طريق فيما ذكر عن دانيال إلا عنهم ولا رواية تؤخذ في ذلك إلا منهم.
وقد روى البخاري في تفسير سورة البقرة، «عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» .
وقد ذكر في كتاب الاعتصام أن ابن عباس قال: كيف تسألونه أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزله الله على رسوله أحدث شيء تقرؤونه محضاً لم(1/1196)
يشب، وقد حدثكم أهل الكتاب بدلوا كلام الله وغيروه، وقد كتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
قال ابن دحية رضي الله عنه: وكيف يؤمن من خان الله وكذب عليه وكفر واستكبر وفجر.
وأما حديث الدابة فقد نطق بخروجها القرآن ووجب التصديق بها والإيمان.
قال الله تعالى {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} وكنت بالأندلس قد قرأت أكثر من كتب المقرئ الفاضل أبي عمر عثمان بن سعيد بن عثمان توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة فمن تأليفه: كتاب السنن الواردة بالفتن وغوائلها والأزمنة وفسادها والساعة وأشراطها، وهو مجلد مزج فيه الصحيح بالسقيم، ولم يفرق فيه بين نسر وظلم، وأتى بالموضوع وأعرض عما ثبت من الصحيح المسموع، فذكر الدابة في الباب الذي نصه باب ما روي أن الوقعة التي تكون بالزوراء وما يتصل بها من الوقائع والآيات والملاحم والطوام، وأسند ذلك «عن عبد الرحمن، عن سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن ربعي بن خداش، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون وقيعة بالزوراء قالوا يا رسول الله وما الزوراء؟ قال: مدينة بالمشرق بين أنهارها يسكنها شرار خلق الله وجبابرة من أمتي تعذب بأربعة أصناف من العذاب.(1/1197)
ثم ذكر حديث خروج السفياني في ستين وثلاثمائة راكب حتى يأتي دمشق، ثم ذكر خروج المهدي قال واسمه أحمد بن عبد الله، وذكر خروج الدابة.
قال: قلت يا رسول الله: وما الدابة؟ قال: ذات وبر وريش عظمها ستون ميلاً ليس يدركها طالب ولا يفوتها هارب، وذكر يأجوج ومأجوج وأنهم ثلاثة أصناف: صنف مثل الأرز الطوال، وصنف آخر منهم عرضه وطوله سواء عشرين ومائة ذراع في عشرين ومائة ذراع في عشرين ومائة ذراع هم الذين لا يقوم لهم الحديد، وصنف يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى» .
وهذه الأسانيد عن حذيفة في عدة أوراق ظاهرة الوضع والاختلاف، وفيها ذكر مدينة يقال لها [المقاطع] وهي على البحر الذي لا يحمل جارية قال لأنه ليس له قعر إلى أن قال حذيفة قال عبد الله بن سلام: والذي بعثك بالحق إن صفة هذه في التوراة طولها ألف ميل وعرضها خمسمائة ميل.
قال: «لارسول الله صلى الله عليه وسلم لها ستون وثلاثمائة باب يخرج من كل باب منها مائة ألف مقاتل» قال الحطافظ أبو الخطاب رضي الله عنه: ونحن نرغب عن تسويد الورق بالموضوعات فيه، ونثبت الصحيح الذي يقربنا من إله الأرضين والسموات، فعبد الرحمن الذي يرويه عن الثوري هو ابن هانئ أبو نعيم النخعي الكوفي قال يحيى بن معين: كذاب، وقال أحمد: ليس بشيء،(1/1198)
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، وقد رواه عن الثوري عمر بن يحيى بالسند المذكور آنفاً، وقال: «تعذب بأربعة أصناف بخسف ومسح وقذف» قال البرقاني ولم يذكر الرباع وعم ابن يحيى متروك الحديث.
وقد روى حديث الزوراء محمد بن زكريا الغلابي، وأسند «عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أما أن هلاكها على يد السفياني كأني والله بها قد صارت خاوية على عروشها» ، ومحمد بن ذكريا الغلابي قال أبو الحسن الدارقطني: كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظم هذه الدابة المذكورة، وطول يأجوج ومأجوج على تلك الصورة يدل على وضع هذا الحديث بالتصريح، ويقطع العاقل بأنه ليس بصحيح، لأنه مثل هذا القدر في العظم والطول يشهد على كذب واضعه في المنقول، وأي مدينة تسع طرقاتها دابة عرضها ستون ميلاً ارتفاعاً، وأي سبيل يضم يأجوج ومأجوج وأحدهم طولاً وعرضا مائتان وأربعون ذراعاً.
لقد اجترأ هذا الفاسق على الله العزيز الجبار بما اختلقه على نبيه المختار، فقد صح عنه بإجماع من أئمة الآثار أنه قال: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ثم يطرق إلينا تكذيب اليهود لنا فيما نقلناه عن توراتهم ويكذبوننا بسبب ذلك في كل حال» .
مسلم، «عن أم سلمة وسئلت عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بالبيت عائذ(1/1199)
فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فقلت يا رسول الله: وكيف بما كان كارهاً؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته» وقال أبو جعفر: هي بيداء المدينة.
وقال عبد العزيز بن رفيع: إنما قال ببيداء من الأرض قال كلا إنها والله لبيداء المدينة، «وعن عبد الله بن صفوان قال: أخبرتني حفصة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم، ثم يخسف بهم فلا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم» أخرجه ابن ماجه وزاد.
فلما جاء جيش الحجاج ظننا أنهم هم فقال رجل: أشهد أنك لم تكذب على حفصة، وإن حفصة لم تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«وعنه عن أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قوم ليس لهم منعة ولا عدد ولاعدة يبعث(1/1200)
إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم» قال يوسف بن ماهك: وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة، قال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش.
فصل
قوله: ليس له منعة.
بفتح الميم والنون أي جماعة يمنعونه وهو مانع وهو أكثر الضبط فيه، ويقال: بسكون النون أي عزة وامتناع يمتنع بها اسم الفعلة من منع أو الحال بتلك الصفة أو مكان بتلك الصفة، وأنكر أبو حاتم السجستاني إسكان النون وليس في هذه الأحاديث أنه يخسف بأمتعتهم، وأنما فيها أنه يخسف بهم.
باب منه آخر في المهدي وذكر من يوطئ له ملكه
ابن ماجه، «عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلا واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي» .
إسناده صحيح.
وخرج «عن عبد الله بن الحارث بن جز الزبيدي قال: قال(1/1201)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه» .
وخرج أبو داود «عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم كما مكنت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وجبت على كل مؤمن نصرته أو قال إعانته» .
باب منه آخر في المهدي وصفته واسمه وإعطائه ومكثه وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتال الدجال
أبو داود «عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي المهدي أن قصر فسبع وإلا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا بمثلها قط، تؤتى أكلها ولا تترك منهم شيئاً والمال يومئذ كرؤوس.
يقم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ» .
وخرج عنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف تملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً فيملك سبع وسنين» .(1/1202)
وذكر عبد الرزاق، «أخبرنا معمر، عن أبي هارون العبدي، عن معاوية بن قرة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلايا تصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء شيئاً من قطرها إلا صبته مدراراً ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته حتى تتمنى الأحياء أن لا موات.
يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمانين سنين أو تسع سنين» .
ويروى هذا من غير وجه عن أبي سعيد الخدري أبو داود.
«وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم قال زائدة في حديثه لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أمتي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» خرجه الترمذي بمعناه وقال: حديث حسن صحيح.
وفي حديث حذيفة الطويل مرفوعاً «فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى تأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام» .
وخرج الترمذي، «عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا صلى الله عليه وسلم حدث فسألنا النبي قال: إن في أمتي المهدي، يخرج(1/1203)
يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ـ زيد للشك قلنا وما ذاك؟ قال: يجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» قال: هذا حديث حسن.
وذكر أبو نعيم الحافظ «من حديث محمد بن الحنفية، عن أبيه علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي منا أهل البيت يصلحه الله عز وجل في ليلة أو قال في يومين» .
فصل
وقع في كتاب الشهاب: لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحاً، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم.
قلت: خرجه ابن ماجه في سننه.
قال: «حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال: حدثني محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزداد الأمر إلا شدة فذكره» .
قال ابن ماجه لم يروه إلا الشافعي.
قال المؤلف رحمه الله: وخرجه أبو الحسين الأجري قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن(1/1204)
خالد البرذعي في المسجد الحرام، حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصري فذكره.
فقوله ولا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب.
فقيل إن هذا الحافظ: الجندي هذا مجهول واختلف عليه في إسناده قتادة يرويه عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً مع ضعف أبان، وتارة يرويه عن أبان ابن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بطوله، فهو منفرد به مجهول عن أبان وهو متروك عن الحسن منقطع والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه.
قلت: ونور ضريحه، وذكر أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي شيخ أشياخنا محمد بن خالد الجندي روى عن أبان بن صالح، عن الحسن البصري، وروى فيه الإمام بن إدريس بن الشافعي رضي الله عنه وهو راوي حديث: «لا مهدي إلا عيسى بن مريم» وهو مجهول، وقد وثقه يحيى بن معين روى له ابن ماجه.
قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الأبري السجزي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم يعني المهدي، وأنه من أهل بيته وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً يخرج مع عيسى عليه السلام، فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم(1/1205)
هذه الأمة وعيسى صلوات الله عليه يصلي خلفه في طول من قصته وأمره.
قلت: ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: «ولا مهدي إلا عيسى» أي لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض.
باب منه في المهدي ومن أين يخرج وفي علامة خروجه وأنه يبايع مرتين ويقاتل السفياني ويقتله
تقدم من حديث أم سلمة وأبي هريرة أن المهدي يبايع بين الركن والمقام، وظاهر أنه لم يبايع وليس كذلك، فإنه روي من حديث ابن مسعود وغيره من الصحابة أنه يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى يمشي النصر بين يديه أربعين ميلاً راياته بيض وصفر فيها رقوم فيها اسم الله الأعظم مكتوب: فلا تهزم له راية، وقيام هذه الرايات وانبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له ماسنة من قبل المغرب، فيعقد هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله لهم ميثاق النصر والظفر {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} الحديث بطوله وفيه: [فيأتي الناس من كل جانب ومكان فيبايعونه يومئذ بمكة وهو بين الركن والمقام، وهو كاره لهذه المبايعة الثانية بعد البيعة الأولى التي بايعه الناس بالمغرب، ثم إن المهدي يقول: أيها الناس اخرجوا إلى قتال عدو الله وعدوكم فيجيبونه ولا يعصون له أمراً، فيخرج المهدي ومن معه من المسلمين من مكة إلى الشام لمحاربة عروة بن محمد السفياني وكل من معه من كلب، ثم يتبدد جيشه ثم يوجد عروة(1/1206)
السفياني على أعلى شجرة وعلى بحيرة طبرية، والخائب من خاب يومئذ من قتال كلب ولو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة] .
فيروى «عن حذيفة أنه قال: قلت يا رسول الله: كيف يحل قتلهم وهم مسلمون موحدون؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما إيمانهم على ردة لأنهم خوارج ويقولون برأيهم إن الخمر حلال ومع ذلك إنهم يحاربون الله، قال الله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} » .
وذكر الحديث وسيأتي تمامه.
وخبر السفياني خرجه عمرو بن عبيد في مسنده، والله أعلم.
وروى من حديث «معاوية بن أبي سفيان في حديث فيه طول، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ستفتح بعدي جزيرة تسمى بالأندلس فتغلب عليهم أهل الكفر فيأخذون من أموالهم وأكثر بلدهم ويسبون نساءهم وأولادهم ويهتكون الأستار ويخربون الديار ويرجع أكثر البلاد فيافي وقفاراً، وتنجلي أكثر الناس عن ديارهم وأموالهم فيأخذون أكثر الجزيرة ولا يبقى إلا أقلها، ويكون في المغرب الهرج والخوف، ويستولي عليهم الجوع والغلاء، وتكثر الفتنة ويأكل الناس بعضهم بعضاً، فعند ذلك يخرج رجل من المغرب الأقصى من أهل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المهدي القائم في آخر الزمان وهو أول أشراط الساعة» .
قلت: كل ما وقع في حديث معاوية هذا فقد شاهدنا بتلك البلاد وعاينا(1/1207)
معظمه إلا خروج المهدي.
ويروي من حديث شريك أنه بلغه أن قبل خروج المهدي تكسف الشمس في رمضان مرتين والله أعلم.
وذكر الدراقطني في سننه قال: حدثنا أبو سعيد الإصطخري قال: حدثني محمد بن عبد الله بن نوفل، حدثنا عبيد بن يعيش، حدثنا يونس بن بكير، عن عمر بن شمر، عن جابر، عن محمد بن علي قال: إن لمهدينا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه ولم يكونا منذ خلق الله السماوات والأرض.
باب ما جاء أن المهدي يملك جبل الديلم والقسطنطينية ويستفتح رومية وأنطاكية وكنيسة الذهب وبيان قوله تعالى " فإذا جاء وعد أولاهما " الآية
باب ما جاء أن المهدي يملك جبل الديلم والقسطنطينية ويستفتح رومية وأنطاكية وكنيسة الذهب وبيان قوله تعالى فإذا جاء وعد أولاهما الآية
ابن ماجه «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله عز وجل حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينة» إسناده صحيح.
وروى «من حديث حذيفة عن النبي وفيه بعد قوله {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} ، ثم إن المهدي ومن معه من المسلمين يأتون إلى مدينة أنطاكية وهي مدينة عظيمة على البحر، فيكبرون عليها ثلاثة تكبيرات فيقع سورها من(1/1208)
البحر بقدرة الله عز وجل، فيقتلون الرجال ويسبون النساء والأطفال، ويأخذون الأموال ثم يملك المهدي أنطاكية، ويبني فيها المساجد ويعمر عمارة أهل الإسلام، ثم يسيرون إلى الرومية والقسطنطينية وكنيسة الذهب، فيقتحمون القسطنطينية ورومية ويقتلون بها أربعمائة ألف مقاتل، ويفتضون بها سبعين ألف بكر، ويستفتحون المدائن والحصون ويأخذون الأموال، ويقتلون الرجال ويسبون النساء والأطفال ويأتون كنيسة الذهب فيجدون فيها الأموال التي كان المهدي أخذها أول مرة، وهذه الأموال هي التي أودع فيها ملك الروم قيصر حين غزا بيت المقدس، فوجد في بيت المقدس هذه الأموال فأخذها واحتملها على سبعين ألف عجلة إلى كنيسة الذهب بأسرها كاملة، كما أخذها ما نقص منها شيئاً فيأخذ المهدي تلك الأموال فيردها إلى بيت المقدس، قال حذيفة قلت يا رسول الله.
لقد كان بيت المقدس عند الله عظيماً جسيم الخطر عظيم القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو من أجل البيوت ابنتاه الله لسيمان بن داود عليهما السلام من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد، وذلك أن سليمان بن داود سخر الله له الجن فأتوه بالذهب والفصة من المعادن، وأتوه بالجواهر والياقوت والزمرد من البحار يغوصون كما قال الله تعالى {كل بناء وغواص} فلما أتوه بهذه الأصناف بناه منها، فجعل فيه بلاطاً من ذهب وبلاطاً من فضة، وأعمدة من ذهب، وأعمدة من فضة وزينه بالدر والياقوت والزمرد، وسخر الله تعالى له الجن حتى بنوه من هذه الأصناف.(1/1209)
قال حذيفة: فقلت يا رسول الله وكيف أخذت هذه الأشياء من بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل لما عصوا وقتلوا الأنبياء سلط الله عليهم بخت نصر وهو من المجوس فكان ملكه سبعمائة سنة وهو قوله تعالى {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً} فدخلوا بيت المقدس وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال وأخذوا الأموال وجميع ما كان في بيت المقدس من هذه الأصناف، واحتملوها على سبعين ألف عجلة حتى أودعوها
أرض بابل، وأقاموا يستخدمون بني إسرائيل ويستملكونهم بالخزي والعقاب والنكال مائة عام، ثم إن الله عز وجل رحمهم فأوحى الله إلى ملك من ملوك فارس أن يسير إلى المجوس في أرض بابل يستنقذ ما في أيديهم من بني إسرائيل، فسار إليهم ذلك الملك حتى ذلك أرض بابل، فاستنقذ من بقي من بني إسرائيل من أيدي المجوس واستنقذ ذلك الحلى الذي كان في بيت المقدس ورده إليه كما كان أول مرة، وقال لهم يا بني إسرائيل: إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالسبي والقتل، وهو قوله تعالى {عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا} يعني إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالعقوبة، فلما رجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس عادوا إلى المعاصي، فسلط الله عليهم ملك الروم قيصر وهو قوله تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا} فغزاهم في البر والبحر فسبقهم وقتلهم وأخذ أموالهم(1/1210)
ونساءهم وأخذ حلى جميع بيت المقدس، واحتمله على سبعين ألف عجلة حتى أودعه كنيسة الذهب فهو فيها إلى الآن حتى يأخذه المهدي ويرده إلى بيت المقدس، ويكون المسلمون ظاهرين على أهل الشرك، فعند ذلك يرسل الله عليهم ملك الروم وهو الخامس من آل هرقل» على ما تقدم من تمام الحديث، والله أعلم.
باب ما جاء في فتح القسطنطينية من أين تفتح وفتحها علامة خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه
مسلم «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين الذين هم إخواننا فيقاتلهم فيهزم الثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتتنون أبداً فيفتحون القسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم وقد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهلكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم فأمهم فإذ رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو(1/1211)
تركه لذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» .
وخرج ابن ماجه قال: «حدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا يعقوب الحنيني عن كثير بن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء، ثم قال يا علي يا علي يا علي ثم قال يا بني قال: إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم حتى يخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ثم فيفتحون قسطنطينية بالتسبيح والتكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة، فيأتي آت فيقول إن المسيح قد خرج إلى بلادكم ألا وهي كذبة فالآخذ نادم والتارك نادم» .
وخرج مسلم «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها ألفاً من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم.
قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها.
قال ثور لا أعلمه قال إلا الذي في البحر ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم تقول الثالثة(1/1212)
لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون» .
الترمذي عن أنس قال: فتح القسطنطينية مع قيام الساعة هكذا رواه موقوفاً وقال حديث غريب.
والقسطيطينية مدينة الروم وتفتح عند خروج الدجال والقسطنطينية قد فتحت في زمن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: هو عثمان بن عفان ذكر الطبري في التاريخ له، ثم دخلت سنة سبع وعشرين ففيها كان فتح أفريقية على يد عبد الله بن أبي سرح، وذلك أن عثمان رضي الله عنه لم ولي عمرو بن العاص على عمله بمصر كان لا يعزل أحداً إلا عن شكاية، وكان عبد الله بن أبي سرح من جند عثمان، فأمره عثمان رضي الله عنه على الجند ورماه بالرجال وسرحه إلى أفريقية، وسرح معه عبد الله بن نافع بن قيس، وعبد الله بن نافع بن الحصين الفهريني، فلما فتح عبد الله أفريقية خرج عبد الله وعبد الله إلى الأندلس، فأتياها من قبل البحر، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه إلى من انتدب إلى(1/1213)
الأندلس:
أما بعد: فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في الآجر فيقال إنها فتحت في تلك الأزمان، وستفتح مرة أخرى كما في أحاديث هذا الباب، والذي قبله، وقد قال بعض علماؤنا: أن حديث أبي هريرة أول الباب يدل على أنها تفتح بالقتال، وحديث ابن ماجه يدل على خلاف ذكل مع حديث أبي هريرة، والله أعلم.
قلت: لعل فتح المهدي يكون لها مرتين.
مرة بالقتال ومرة بالتكبير، كما أنه يفتح كنيسة الذهب مرتين، فإن المهدي إذا خرج بالمغرب على ما تقدم جاءت إليه أهل الأندلس فيقولون يا ولي الله: انصر جزيرة الأندلس فقد تلفت وتلفت أهلها وتغلب عليها أهل الكفر والشرك من أبناء الروم، فيبعث كتبه إلى جميع قبائل المغرب وهم قزولة وخذالة وقذالة وغيرهم من القبائل من أهل المغرب أن انصروا دين الله وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيأتون إليه من كل مكان ويجيبونه ويقفون عند أمره ويكون على مقدمته صاحب الخرطوم وهو صاحب الناقة الغراء وهو صاحب المهدي وناصر دين الإسلام وولى الله حقاً، فعند ذلك يبايعونه ثمانون ألف مقاتل بين فارس وراجل قد رضي الله عنهم {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} فباعو أنفسهم لله والله ذو الفضل(1/1214)
العظيم، فيعبرون البحر حتى ينتهوا إلى حمص وهي إشبيلية، فيصعد المهدي المنبر في المسجد الجامع ويخطب خطبة بليغة، فيأتي إليه أهل الأندلس فيبايعه جميع من بها من أهل الإسلام، ثم يخرج بجميع المسلمين متوجهاً على البلاد بلاد الروم، فيفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم يخرجها من أيدي العدو عنوة.
الحديث.
وفيه: ثم إن المهدي ومن معه يصلون إلى كنيسة الذهب فيجدون فيها أموالاً، فيأخذها المهدي فيقسمها بين الناس بالسوية، ثم يجد فيها تابوت السكينة وفيها غفارة عيسى وعصا موسى عليهما السلام وهي العصا التي هبط بها آدم من الجنة حين أخرج منها، وكان قيصر ملك الروم قد أخذها من بيت المقدس في جملة السبي حين سبي بيت المقدس، واحتمل جميع ذلك إلى كنيسة الذهب فهو فيها إلى الآن حتى يأخذها المهدي، فإذا أخذ المسلمون العصا تنازعوا عليها فكل منهم يريد أخذ العصا،(1/1215)
فإذا أراد الله تمام أهل الإسلام من الأندلس خذل الله رأيهم وسلب ذوي الألباب عقولهم، فيقمسون العصا على أربعة أجزاء فيأخذ كل عسكر منهم جزءاً وهم يومئذ أربعة عساكر، وإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم الظفر والنصر ووقع الخلاف في ذلك بينهم.
قال كعب الأحبار: ويظهر عليهم أهل الشرك حتى يأتوا البحر، فيبعث إليهم ملكاً في صورة إبل فيجوز بهم القنطرة التي بناها ذو القرنين لهذا المعنى خاصة، فيأخذ الناس وراءه حتى يأتوا إلى مدينة فارس والروم ووراءهم، فلا يزالون كذلك كلما ارتحل المسملون مرحلة ارتحل المشركون كذلك، حتى يأتوا إلى أرض مصر والروم وراءهم، وفي حديث حذيفة ويتملكون مصر إلى الفيوم، ثم يرجعون والله تعالى أعلم.
باب أشراط الساعة وعلاماتها
فأما وقتها فلا يعمله إلا الله.
وفي حديث جبريل: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل الحديث خرجه مسلم.
وكذلك روى الشعبي قال: لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى: متى الساعة؟ فانتفض جبريل عليه السلام في أجنحته وقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات والأرض لا تأتكيم إلا بغتة.
وذكر أبو نعيم «من حديث مكحول عن حذيفة قال: قال(1/1216)
رسول الله صلى الله عليه وسلم للساعة أشراط قيل: وما أشراطها؟ قال: علو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف قال أعرابي: فم تأمرني يا رسول الله؟ قال: دع وكن حلساً من أحلاس بيتك» غريب من حديث مكحول لم نكتبه إلا من حديث حمزة النصيبي عن مكحول.
فصل
قال العلماء رحمهم الله تعالى: والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها تنبيه الناس من رقدتهم وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها والله أعلم.
وتلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا وانقضائها.
فمنها: خروج الدجال، ونزول عيسى، وقتله الدجال، ومنها خروج يأجوج ومأجوج ودابة الأرض، ومنها طلوع الشمس من مغربها هذه هي الآيات هذه هي الآيات العظام على ما يأتي بيانه وأما ما يتقدم من هذه قبض العلم وغلبة الجهل واستيلاء أهله وبيع الحكم وظهور المعازف واستفاضة شرب الخمور واكتفاء النساء والرجال بالرجال وإطالة البنيان وزخرفة المساجد وإمارة الصبيان ولعن آخر هذه الأمة أولها وكثرة الهرج فإنها أسباب حادثة، ورواية الأخبار المنذرة بها بعدما صار الخبر بها عياناً تكلف، لكن لا بد من ذكرها حتى يوقف عليها ويتحقق بذلك معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه في كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.(1/1217)
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " بعثت أنا والساعة كهاتين "
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة كهاتين
مسلم «عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى.
وروي من طرق أخرجها البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه رضي الله عنهم.
ومعناها كلها على اختلاف ألفاظها تقريب من الساعة التي هي القيامة وسرعة مجيئها وهذا كما حدثنا الله تعالى {فقد جاء أشراطها} وقوله {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر} وقوله تعالى:
{اقترب للناس حسابهم} وقوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} وقال: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} » .
«ويروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه قوله تعالى {أتى أمر الله} وثب فلما أنزل {تستعجلوه} جلس» .
قال بعض العلماء إنما وثب عليه الصلاة والسلام خوفاً منه أن تكون الساعة قد قامت، وقام الضحاك والحسن: أول أشرطها محمد صلى الله عليه وسلم وروى موسى ابن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال علي عليه السلام: من اقتراب الساعة ظهور البواسير وموت الفجاءة.
فصل
إن قيل ثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن الساعة فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» الحديث فهذا يدل على أنه لم يكن عنده علم ورويتم عنه أنه قال «بعثت أنا والساعة كهاتين» وهذا يدل على أنه كان عالماً فكيف يتألف الخبران؟ قيل(1/1218)
له قد نطق القرآن بقوله الحق {قل إنما علمها عند ربي} الآية فلم يكن يعلمها هو ولا غيره، وأما قوله «بعثت أنا والساعة كهاتين» فمعناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر، وإنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما أصبع أخرى، وهذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها وهي مع ذلك كائنة لأن أشراطها متتابعة، وقد ذكر الله الأشراط في القرآن فقال {فقد جاء أشراطها} أي دنت، وأولها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نبي آخر الزمان، وقد بعث وليس بيني وبين القيامة نبي ثم بين صلى الله عليه وسلم ما يليه من الأشراط، فقال: «أن تلد الأمة ربتها» إلى غير ذلك مما سنذكره ونبينه بحول الله تعالى في أبواب إن شاء الله تعالى.
باب أمور تكون بين يدي الساعة
البخاري «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم ويكثر الزلازل ويتقارب الزمان ويظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل يقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين {لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً}(1/1219)
ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ـ ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» .
فصل قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هذه ثلاث عشرة علامة جمعها أبو هريرة في حديث واحد، ولم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات والأشراط في عموم إنذار النبي صلى الله عليه وسلم بفساد الزمان وتغيير الدين وذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة والأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة.
ومن ذلك حديث ما رواه قتادة «عن أنس بن مالك عن رسول الله: أن في سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين يكون كذا وكذا، وفي العشيرين كذا وفي الثلاثين كذا، وفي الأربعين كذا، وفي الخمسين كذا، وفي الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنة والإنس» ، فهل كان هكذا وقد مضت هذه المدة، وهذا شيء يعم وسائر الأمور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منه أخرى، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق ولا غرب، فإن كان المائتين من الهجرة فقد مضت، وإن كان من موت النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضت وأيضاً دلالة أخرى على أنه مفتعل أن التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما وضعوه على عهد عمر رضي الله عنه، فكيف(1/1220)
يجوز هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين ومائتين ولم يكن وضع شيء من التاريخ؟ .
وكذلك ما روى «عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كانت سنة تسع وتسعين وخمس مائة يخرج المهدي في أمتي على خلاف من الناس يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويفتح الله له كنوز الأرض، وتنزل السماء قطرها، وتخرج الأرض ثمرها، ويزرع الزارع في الأرض صاعاً فيصيب مائة صاع، ويذهب الغلاء والقحط والجوع عن الناس، ويجوز إلى الأندلس ويقيم فيها ويملكها تسع سنين، ويستفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم ويغنم رومية وكنيسة الذهب، فيجد فيها تابوت السكينة وفيها غفارة عيسى وعصا موسى عليهما السلام، فيكسرون العصا على أربعة أجزاء، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم النصر والظفر، ويخرج عليهم ذو العرف في مائة ألف مقاتل بعد أن يتحالف الروم أنهم لا يرجعون أو يموتون، فينهزم المسلمون حتى يأتوا سرقسطة البيضاء، فيدخلوها بإن الله تعالى ويكرم الله من فيها بالشهادة ولا يكون للمسلمين بعد خراب سرقسطة سكنى ولا قرار بالأندلس، وينتهون إلى قرطبة فلا يجدون فيها أحداً لما أصاب الناس من شدة الفزع من الروم يهربون من الأندلس يريدن العدو، فإذا اجتمعوا على ساحل البحر ازدحموا على المراكب فيموت منهم خلق كثير، فينزل الله إليهم(1/1221)
ملكاً في صورة إبل فينجو من نجا وغرق من غرق» .
قلت: كل ما جاء في هذا الحديث المذكور في حديث حذيفة وغيره، وإنما المنكر فيملك الروم والأندلس إلى خروج الدجال.
ومنه تعيين التاريخ وقد كان سنة وتسعين وخمسمائة ولم يكن شيء من ذلك، بل كان بالأندلس تلك السنة وقعة الأرك التي أهلك الله فيها الروم، ولم يزل المسملون في نعمة وسرور إلى سنة تسع وستمائة فكانت فيها وقعة العقاب هلك فيها كثير من المسلمين، ولم يزل المسلمون في تلك الوقعة بالأندلس يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو وغلبهم بالفتن الواقعة بينهم والتفصيل يطول، ولم يبق الآن من الأندلس إلا اليسير، فنعوذ بالله من الفتن والخذلان والمخالفة والعصيان وكثرة الظلم والفساد والعدوان.
والذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والكوائن أن ذلك يكون وتعيين الزمان في ذلك من سنة كذا ويحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر، وإنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أي سنة هي ولا أي شهر إما أنها تكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه وهي الساعة التي خلق فيها آدم عليه السلام، ولكن أي جمعة لا يعلم تعيين ذلك اليوم(1/1222)
إلا الله وحده لا شريك له، وكذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم، والله أعلم.
وقد سمعت من بعض أصحابنا: أنا ما وقع من التاريخ «في حديث أبي سعيد الخدري إنما ذلك بعد المائة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم إن يعيش هذا الغلام فعس هذا أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» .
وفي رواية: قال أنس ذلك الغلام من أترابي يومئذ.
خرجه مسلم.
وفي حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما على الأرض نفس منفوسة يعني اليوم يأتي عليها مائة سنة» .
قال أبو عيسى: هذا الحديث حسن صحيح.
ومعلوم أن أنس توفي في عشر المائة بالبصرة، فعلى هذا يكون سنة سبع وتسعين وست مائة، وهذا لم يجيء بعد، فالله تعالى أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: وبحديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وجابر استدل من قال إن الخضر ميت ليس بحي، وقال الثعالبي في كتاب العرائس: والخضر على جمع الأقوال نبي معمر محجوب عن الأبصار.
وذكر عمرو بن دينار قال: إن الخضر وإلياس لا يزالان يحييان في سورة، فإذا رفع القرآن ماتا، وهذا هو الصحيح في الباب على ما بيناه في سورة(1/1223)
الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن، والحمد الله.
فصل
وأما الثلاث عشرة خصلة: فقد ظهر أكثرها من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة» يريد فيه معاوية وعلياً كرم الله وجهه بصفين، وقد تقدم الإشارة إليهما قال القاضي أبو بكر بن العربي وهذا أول خطب طرق في الإسلام.
قلت: بل أول أمر دهم الإسلام موت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعده موت عمر.
فبموت النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي وماتت النبوءة، وكان أول أظهر الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه،(1/1224)
قال أبو سعيد: ما نقصنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.
وقال أبو بكر الصديق في أبيات يرثي بها النبي صلى الله عليه وسلم:
فلتحدثن حوادث من بعده ... تعنى بهن جوانح وصدور
وقالت صفية بنت عبد المطلب في أبيات ترثى بها النبي صلى الله عليه وسلم:
لعمرك ما أبكي النبي لفقده ... ولكن ما أخشى من الهرج آتيا
وبموت عمر سل سيف الفتنة وقتل عثمان، وكان من قضاء الله وقدره ما يكون، وكان على ما تقدم وقوله: حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين.
الدجال ينطلق في اللغة على أوجه كثيرة يأتي ذكرها.
أحدها الكذاب كما جاء في هذا الحديث.
وصحيح مسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون» الحديث، ولا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلا يذهب بناء المبالغة منه، فلا يقال إلا دجالون، كما قال عليه الصلاة والسلام «وإن كان قد جاء مكسراً» وهو شاذ أنشد سيبويه لابن مقبل:
إلا الإفادة فاستولت ركائبنا ... عند الجبابير بالبأساء والنقم
وقال مالك بن أنس في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة(1/1225)
نحن أخرجناه من المدينة.
قال عبد الله بن إدريس الأودي: وما عرفت أن دجالاً يجمع على دجالة حتى سمعتها من مالك بن أنس.
وقوله: قريب من ثلاثين قد جاء عددهم معيناً في حديث حذيفة قال: قال رسول الله: «تكون في أمتي دجالون كذابون سبعة وعشرون.
منهم أربع نسوة، وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي» خرجه أبو نعيم الحافظ وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام، ووجد في كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن علي بن المديني.
وقال القاضي عياض: هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمني النبي إلى الآن ممن أشهر بذلك وعرف واتبعه جماعة على ضلالته، لوجد هذا العدد فيهم ومن طالع كتاب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا.
وقوله: حتى يقبض العلم، فقد قبض العمل به ولم يبق إلا رسمه على ما يأتي بيانه.
وقوله: وتكثر الزلازل فقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع منها بعراق العجم كثير، وقد شاهدنا بعضها بالأندلس وسيأتي(1/1226)
وقوله: ويتقارب الزمان قيل: المعنى يتقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، كما هو اليوم لغلبة الفسق وظهور أهله.
وفي الحديث: لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف الله عز وجل يلجأ إليهم عند الشدائد ويستقسي بآرائهم ويتبرك بدعائهم وآثارهم، وقيل: غير هذا حسب ما تقدم في باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.
وقوله: حتى يكثر فيكم المال فيفيض وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته هذا مما لم يقع بل يكون على ما يأتي ورب مفعول يهم ومن يقبل فاعل يهم.
يقال: أهمني ذلك الأمر أحزنني وأقلقني وهمه يهمه إذا بالغ في ذلك وقوله: حتى يتطاول الناس في البنيان هذا مشاهد في الوجوه مشاهدته تغني عن الكلام فيه.
وقوله: حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه.
ذلك لما يرى من عظيم البلاء وربح الأعداء وغبن الأولياء ورئاسة الجهلاء وخمول(1/1227)
العلماء واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم والجهر بالمعاصي واستيلاء الحرام على أموال الخلق والتحكم في الأبدان والأموال والأعراض بغير حق، كما في هذا الزمان، وقد تقدم أول الكتاب حديث أبي عيسى الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال ستاً» .
الحديث.
وروى الأعمش سليمان بن مهران، عن عمرو بن مرة، عن أبي نضرة، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة، ويغبط الرجل باختفائه عن السلطان وجفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه وكرامته عليه، وحتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه، فيقول يا ليتني مكان هذا.
قال قلت يا أبا ذر: وإن ذلك من أمر عظيم؟ قال: يا ابن أخي عظيم عظيم.
قلت: هذا هو ذلك الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكساً والحق عكساً لا يوصل إليه ولا يقدر عليه.
بدلوا دين الله وغيروا حكم الله سماعون للكذب أكالون للسحت {ومن لم يحكم بما(1/1228)
أنزل الله فأولئك هم الكافرون} و {الظالمون} و {الفاسقون} في الكفار خاصة كلها، وقيل عامة.
فيمن بدل حكم الله وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله: اليهود والنصاري؟ قال: فمن» .
ولقد أحسن ابن المبارك حيث يقول في أبيات له:
وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأخبار سوء ورهبانها
وقوله: حتى تطلع الشمس من مغربها إلى آخره يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى واللقحة: الناقة العزيزة اللبن، ويليط يصلح.
يقال: لاط حوضه يليط ويلوط ليطاً ولوطاً إذا لطخه بالطين وأصلحه، والأكلة بضم الهمزة اللقمة فإذا كانت بمعنى المرة الواحدة فهي بالفتح لأنها مصدر، وهي المرة الواحدة من الأكل كالضربة من الضرب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاجله من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله، واقترب من ذلك رفع الأكلة وهي اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة دون بلوغها إليه، وكذلك القول في المتتابعين من نشر الثوب وطبه، فاعلمه.
باب منه
أبو نعيم الحافظ «عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون في آخر الزمان عباد جهال وقراءة فسقة» هذا حديث غريب من حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت وهو قاض بصري في حديثه نكارة.(1/1229)
قلت: صحيح المعنى لما ظهر في الوجود من ذلك.
وقال مكحول: [يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة الحمار] .
وقد خرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال: «حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا حوشب بن عبد الكريم: حدثنا حماد بن زين عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله يكون في آخر زمان ديدان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهم الأنتنون، ثم تظهر قلانس البرد فلا يستحى يومئذ من الزنا والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمرة والمتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم» .
وأخرج الدارمي أبو محمد قال: «أخبرنا محمد بن المبارك: حدثنا صدقة بن خالد، عن ابن جابر، عن شيخ يكنى أبا عمرو، عن معاذ بن جبل قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب.
أعمالهم طمع لا يخالطهم خوف إن قصدوا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا.
إنا لا نشرك بالله شيئاً، وقد تقدم في باب {وقودها الناس والحجارة} حديث العباس بن عبد المطلب وفيه ثم يأتي أقوام يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا من قرأ منا من أعلم منا، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئك من(1/1230)
خير؟ قالوا: لا قال أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار» .
باب منه
مسلم «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تضطرب اليات دوس حول ذي الخلصة وكانت صنماً تعبدها دوس في الجاهلة» .
«وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تذهب الليالي حتى يملك رجل يقال له الجهجاه» في غير مسلم رجل من الموالي يقال له جهجاه، فسقط من رواية الجلودي من الموالي وهو خطأ.
«وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان بسوق الناس بعصاه» .
وخرج البخاري ومسلم «عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» .(1/1231)
الترمذي «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالشام» قال حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن عمر.
البخاري «عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» .
الترمذي «عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم» قال هذا حديث غريب خرجه ابن ماجه أيضاً.
وذكر عبد الرزاق قال «أخبرنا معمر، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه قال، فقعد الذئب على تل فأقعى واستقر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ثم انتزعته مني، فقال الرجل بالله إن رأيت كاليوم، ذئب يتكلم! فقال الذئب أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم.
قال: فكان الرجل يهودياً، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها أمارات بين يدي(1/1232)
الساعة قد يوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده» .
ويروى هذا «عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الراعي إلا أن من أشراط الساعة كلام السباع للإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بحديث أهله بعده» .
الترمذي «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره، فخذه بما أحدث أهله بعده» قال هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرف إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: حكم أبو عيسى بصحته ونظرنا سنده دون أن نقلده، فوجدناه له علة.
قال أبو عيسى: حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا أبي، عن القاسم بن الفضل قال: حدثنا أبو نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري فذكره، قال ابن دحية: سفيان بن وكيع لم يخرج له البخاري ومسلم حرفاً واحداً في صحيحهما، وذلك بسبب وراق كان له يدخل عليه الحديث الموضوع يقال له قرطمة.
قال البخاري: يتكلمون في سفيان لأشياء لقنوه إياه.
وقال أبو محمد بن عدي: كان سفيام إذا لقن يتلقن، فهذه علة(1/1233)
الحديث التي جهلها أبو عيسى الترمذي.
مسلم «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، وحتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً» .
فصل حول ذي الخلصة والخلصة
ثبت حديث ذي الخلصة في الصحيحين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى هذا البيت قال جرير: فنفرت إليها مائة وخمسين من أخمس فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده» .
قال أبو الخطاب بن دحية: وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول أهل اللغة واليسير وبفتحها قيدناه في الصحيحين، وكذا قال ابن هشام، وقيده الإمام أبو الوليد الكنائي الوقشي بفتح الخاء وسكون اللام، وكذا قال ابن زيد واختلف فيه فقيل، هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب، وقيل: هو صنم كان عمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حتى نصبت الأصنام في مواضع شتى، وكانوا يلبسونه القلائد ويعلقون عليه بيض النعام ويذبحون عنده،(1/1234)
وقيل: ذو الخلصة هي الكعبة اليمانية، فكان معناهم في تسميتها بذلك أن عبادة خالصة، والمعنى المراد بالحديث أنهم يرتدون ويرجعون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فترسل نساء دوس طائفات حوله فترتج أردافهن عند ذلك في آخر الزمان، وذلك بعد موت جميع من قلبه مثقال حبة من إيمان وهو كم جاء في عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تذهب الليالي والأيام حتى تعبد اللات والعزى» الحديث وسيأتي بكماله.
وقوله: يسوق الناس بعصاه.
كناية عن استقامة الناس وانقيادهم إليه واتفاقهم عليه، ولم يرد نفس العصا، وإنما ضرب بها مثلاً لطاعتهم له واستيلائه عليهم إلا أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم وعسفه بهم وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل والماشية، وذلك لشدة عنفه وعدواه ولعل هذا الرجل القحطاني هو الرجل الذي يقال له الجهجاه، وأصل الجهجهة الصياح بالسبع.
يقال: جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح ويقال: جهجه عني.
أي انته.
وهذه الصفة توافق ذكر العصا والله أعلم.(1/1235)
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية عائذ بن عمرو وكان ممن بايع تحت الشجرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن شر الرعاة الحطمة» والرعاة في اللغة جمع راع، وضرب رسول الله بهذا مثلاً لوالي السوء، لأن الحطمة هو الذي يعنف بالإبل في السوق والإيراد والإصدار، فيحطمها أي يكسرها ولا يكاد يسلم من فساده شيء وسواق حطم كذلك يعنف في سوقه.
وقوله: حتى تخرج نار من أرض الحجاز، فقد خرجت نار عظمة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة، وذلك ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة إلى ضحى النهار يوم الجمعة، فسكنت وظهرت النار بقرطبة عند قاع التنعيم بطرف الحرة يحيط بها قرى في صورة البلد العظيم كأعظم ما يكون البلدان.
عليها سور يحيط بها عليه شرافات كشرافات الحصون وأبراج ومآذن ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوي كدوي الرعد، يأخذ الصخور والجبال بين يديه، وينتهي إلى البحرة محط الركب العراقي، فأجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة، وكان يلي المدينة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم نسيم بارد ويشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر، وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها.
قال لي بعض أصحابنا: ولقد رأيتها صاعدة في الهواء من جحر مسيرة خمسة أيام من المدينة.
قلت: وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى من بعد هذه النار أخرى أرضية بحرم المدينة أحرقت جميع الحرم، حتى إنها أذابت الرصاص التي عليها العمد، فوقعت ولم يبق غير(1/1236)
السور واقفاً، ونشأ بعد ذلك أخذ بغداد يتغلب التتر عليها، فقتل من كان فيها وسباه وذلك عمود الإسلام وماؤه، فانتشر الخوف وعظم الكرب وعم الرعب وكثر الحزن، فانتشار التتر في البلاد وبقي الناس حيارى سكارى بغير خليفة ولا إمام ولا قضاء فزادت المحنة وعظمت الفتنة لم يتدارك الله سبحانه بالعفو والفضل والمنة.
أما قوله: وستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل القيامة فلعلها النار التي جاء ذكرها في حديث حذيفة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتقصدنكم اليوم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برجوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام تطير طير الريح والسحاب حرها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها بين الأرض والسماء دوي كدوي الرعد القاصف.
هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش قلت: يا رسول الله هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر يتسافدون كما تتسافد البهائم وليس فيهم رجل يقول: مه مه» كذا رواه أبو نعيم الحافظ في باب مكحول أبي عبد الله إمام أهل الشام عن أبي سلمة عنه عن حذيفة.
وقوله: عذبة سوطه.
يريد السير المعلق في طرف السوط.
وفي هذين الحديث ما يرد على كفرة الأطياء والزنادقة الملحدين، وأن الكلام ليس مرتبطاً بالهيبة والبله، وإنما الباري جلت قدرته يخلقه متي شاء في أي شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن، فقد كان الحجر والشجر يسلمان عليه صلى الله عليه وسلم تسليم من نطق وتكلم.
ثبت ذلك في غير ما حديث، وهو قول أهل أصول الدين في القديم والحديث، وثبت باتفاق(1/1237)
حديث البقرة والذئب، وأنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه وسلم في الصحيحين.
قاله ابن دحية.
وقوله: حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً.
إخبار عن خروج عادتهم من إنتاج الكلأ ومواضع العشب بحفر الأنهار وغرس الأشجار وبناء الديار.
باب منه آخر
أبو عمر بن عبد البر، «عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بين يدي الساعة التسليم على الخاصة وفشو التجارة، حتى تعيب المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام، وفشو القلم وظهور شهادة الزوور وكتمان شهادة الحق» قال أبو عمر ابن عبد البر: أما قوله: وفشو القلم، فإنه أراد ظهور الكتاب وكثرة الكتاب.
خرجه أبو جعفر الطحاوي بلفظه ومعناه، إلا أنه قال: حتى تعين المرأة بدل تعيب ولم يذكر وقطع الأرحام.
ذكره أبو محمد عبد الحق.
وخرج أبو داود الطيالسي يقال: «حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال: قال(1/1238)
عمرو بن ثعلبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة، وإن من أشراط الساعة أن تكثر التجارة ويظهر القلم» .
وذكر ابن المبارك بن فضالة «عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويفيض المال ويظهر القلم وتكثر التجارة» قال الحسن: لقد أتى علينا زمان إنما يقال تاجر بني فلان وكاتب بني فلان ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد، وذكره أبو داود الطيالسي، عن عبد الله بن مسعود قال: كان يقال إن من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً وأن يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة، وأن يتجر الرجل وامرأته جميعاً، وأن تغلو مهور النساء والخيل، ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة.
باب منه
البخاري «عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» .
أخرجه مسلم من حديث أنس.(1/1239)
مسلم «عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب لا يجد أحداً يأخذها منه، قال: ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء» .
فصل
قوله: «ويرى الرجل يتبعه أربعون امرأة» يريد والله أعلم أن الرجال يقتلون في الملاحم وتبقى نساؤهم أرامل، فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن، كما قال في الحديث الآخر قبله: حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد الذي يسوسهن ويقوم عليهن من بيع وشراء وأخذ وعطاء، وقد كان هذا عندنا أو قريباً منه بالأندلس.
وقيل: إن لقلة الرجال وغلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول أنكحني أنكحني، والأول أشبه، ويكون معنى يلذن يستترن ويتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة.
ولقد أخبرني صاحبنا أبو القاسم رحمه الله أخو شيخنا أبو العباس أحمد ابن عمر رحمه الله: أنه ربط نحواً من خمسين امرأة واحدة بعد أخرى في حبل واحد مخافة سبي العدو حتى خرجوا من قرطبة أعادها الله.
وأما ظهور الزنا، فذلك مشهور في كثير من الديار المصرية.
من ذلك مأثور، ومن ذلك إظهار الخمر والمأخوذ(1/1240)
نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وأما قلة العلم، وكثرة الجهل، فذلك شائع في جميع البلاد ذائع أعني برفع العلم وقلة ترك العمل به، كما قال عبد الله بن مسعود [ليس حفظ القرآن بحفظ حروفه، ولكن إقامة حدوده] ذكره ابن المبارك وسيأتي هذا المعنى مبيناً مرفوعاً إن شاء الله تعالى.
باب كيف يقبض العلم
البخاري ومسلم رحمهما الله عن عبد الله بن عمرو قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم فيضلون ويضلون» .
وفي رواية: «حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
انتزاعاً مصدر من غير اللفظ، كما قال الله عز وجل {والله أنبتكم من الأرض نباتاً} » .
أبو داود «عن سلامة بن الحر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/1241)
يقول: من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد الإمامة فلا يجدو إماماً يصلي بهم» .
باب ما جاء أن الأرض تخرج ما في جوفها من الكنوز والأموال
روى الأئمة «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً» وفي رواية: «عن جبل من ذهب» لفظ البخاري ومسلم، وقال مسلم في رواية: «فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل واحد منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو» وقال ابن ماجه [فيقتل الناس عليه فيقتل من كل عشرة تسعة] .
وخرج مسلم والترمذي «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه لا(1/1242)
يأخذون منه شيئاً» لم يذكر الترمذي السارق وقطع يده، وقال حديث حسن غريب.
فصل
قال الحليمي رحمه الله في كتاب منهاج الدين له، وقال عليه الصلاة والسلام: «يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً» فيشبه أن يكون هذا في آخر الزمان الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المال يفيض فيه فلا يقبله أحد، وذلك زمن عيسى عليه السلام، فلعل بسب هذا الفيض العظيم ذلك الجبل مع ما يغنمه المسلمون من أموال المشركين، ويحتمل أن يكون نهيه عن الأخذ من ذلك الجبل لتقارب الأمر وظهور أشراطه، فإن الركون إلى الدنيا والاستكثار مع ذلك جهل واغترار، ويحتمل أن يكون إذا حرصوا على النيل منه تدافعوا وتقاتلوا، ويحتمل أن يكون لا يجري به مجرى المعدن، فإذا أخذه أحدهم ثم لم يجد من يخرج حق الله إليه لم يوفق بالبركة من الله تعالى فيه، فكان الانقباض عنه أولى.
قال المؤلف رحمه الله: التأويل الأوسط هو الذي يدل عليه الحديث، والله أعلم.(1/1243)
باب في ولاة آخر الزمان وصفتهم وفيمن ينطق في أمر العامة
البخاري «عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال.
وقال بعضهم: بل لم يسمع ما قال حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» .
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله: الرواية الصحيحة عند جميع رواة البخاري [إذا وسد] ورواه الفقيه الإمام المحدث أبو الحسن القابسي: [أسد] قال: والذي أحفظ [وسد] وفي نسخة من البخاري إشكال بين وسد أو أسد على ما قيد له لأنه كان أعمى وهما بمعنى.
قال أهل اللغة: يقال إساد ووساد واشتقاقهما واحد يقال: إساد ووسادة ووساد فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله» أي أسند وجعل إليهم وقلدوه بمعنى الإمارة، كما في زماننا اليوم، لأن الله تعالى ائتمن الأئمة والولاة على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم لقوله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فينبغي لهم تولية أهل الدين والأمانة للنظر في أمور الأمة، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي فرض الله عليهم.
وخرج مسلم «من حديث جبريل الطويل وفيه قال: أخبرني عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان» .(1/1244)
وفي رواية: «إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها، وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها» .
الترمذي «عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع» قال حديث حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو.
وخرج الغيلاني أبو طالب محمد: «حدثنا أبو بكر والشافعي: حدثنا موسى بن سهل بن كثير، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن قدامة عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة» وقال أبو عبيد: التافه الرجل الخسيس الخامل من الناس، وكذلك كل شيء خسيس فهو تافه قال: ومما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال: «من أشراط الساعة أن ترى رعاء الشاء رؤوس الناس، وأن ترى العراة الحفاة يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربتها» .
وذكر أبو عبيد في الغريب له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم «لا تقوم(1/1245)
الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول ويظهر التحوت.
قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الوعول وما التحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» وأسند أبو نعيم عن حذيفة مرفوعاً: من أشراط الساعة، علو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف فقال أعرابي فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: «دع وكن حلساً من أحلاس بيتك» وفي معناه أنشدوا:
أيا دهر أعملت فينا أذاكا ... ووليتنا بعد وجه قفاكا
قلبت الشرار علينا رؤوساً ... وأجلست سفلتنا مستواكا
فيا دهر إن كنا عاديتنا ... فها قد صنعت بنا ما كفاكا
وقال آخر:
ذهب الرجال الأكرمون ذوو الحجا ... والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضاً ليدفع مغرور عن معور
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وغيره مما تقدم ويأتي قد ظهر أكثره وشاع في الناس معظمه، فوسد الأمر إلى غير(1/1246)
أهله وصار رؤوس الناس أسافلهم عبيدهم وجهالهم فيملكون البلاد والحكم في العباد فيجمعون الأموال ويطيلون البنيان كما هو مشاهد في هذه الأزمان، فلا يسمعون موعظة ولا ينزحرون عن معصية فهم صم بكم عمي.
قال قتادة: صم عن استماع الحق بكم عن التكلم به.
عمي عن الإبصار له، وهذه صفة أهل البادية والجهالة.
والبهم: جمع بهيمة وأصلها صغار الضأن والمعز، وقد فسره في الرواية الأخرى في قوله: رعاء الشاه.
وقوله وأن تلد الأمة ربها، وفي رواية ربتها تأنيث رب أي سيدها، وقال وكيع، وهو أن تلد العجم العرب، ذكره ابن ماجه في السنن.
قال علماؤنا: وذلك بأن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه ومنزلته بأبيه، وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين واتساع خطتهم وكثرة الفتوح وهذا قد كان.
وقيل: هو أن يبيع السادات أمهات الأولاد ويكثر ذلك.
فيتداول الملاك المستولدت، فربما يشتريها ولدها ولا يشعر فيكون ربها، وعلى هذا الذي يكون من أشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور.(1/1247)
وقيل: المراد أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب، ويشهد لهذا ما جاء في حديث أبي هريرة المرأة مكان الأمة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «حتى يكون الولد غيظاً» .
وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قلت: وهذا ظاهر في الوجود من غير نكير مستفيض وشهير.
وقيل: إنما كان سيدها وربها لأنه كان سبب عتقها، كما قال عليه الصلاة والسلام في مارية: «أعتقها ولدها» .
قلت: وقول خامس سمعت شيخنا الأستاذ المحدث النحوي المقرئ أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن حجة يقوله غير مرة وهو الإخبار عن استيلاء الكفار على بلاد المسلمين كما في هذه الأزمان التي قد استولى فيها العدو على بلاد الأندلس وخراسان وغيرهما من البلدان، فتسبى المرأة وهي حبلى أو ولدها صغير فيفرق بينهما فيكبر الولد فربما يجتمعان ويتزوجها كما قد وقع من ذلك كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ويدل على هذا قوله: إذا ولدت المرأة بعلها، وهذا هو المطابق للأشراط مع قوله عليه الصلاة والسلام «لا تقوم الساعة حتى تكون الروم أكثر أهل الأرض» والله أعلم.
باب إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة حل بها البلاء
الترمذي «عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا(1/1248)
فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل وما هي يا رسول الله قال:
إذا كان المغنم دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً» قال: هذا حديث غريب وفي إسناده فرج بن فضالة وضعف من قبل حفظه.
وخرج أيضاً «من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتخذ الفيء دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء أو زلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات متتباعات كنظام بال قطع سلكه فتتابع» قال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
باب منه
أبو نعيم «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشهدون أن لا إله(1/1249)
إلا الله وأنك رسول الله ويصومون؟ قال: نعم.
قيل: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: يتخذون المعازف والقينات والدفوف ويشربون الأشربة فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير» .
ابن ماجه «عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالدفوف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير» .
وخرجه أبو داود «عن مالك بن أبي مريم: قال دخلنا على عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء قال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» زاد ابن أبي شيبة «يضرب على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض» .
قال أبو محمد عبد الحق: روياه جميعاً من حديث معاوية بن صالح الحمصي، وقد ضعفه قوم منهم يحيى بن معين ويحيى بن سعيد فيما ذكره ابن أبي حاتم وقال أبو حاتم فيه: حسن الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، ووثقه أحمد بن حنبل وأبو زرعة.(1/1250)
البخاري «عن أبي مالك الأشعري أو عن عامر سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكونن ناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب عالم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً فيبيتهنم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» .
قال المؤلف رحمه الله: هذا يصحح ما قبله من الأحاديث.
والحر: هو الزنا.
قاله الباهلي ويروى الخز بالخاء والزاي والصواب ما تقدم.
باب منه
ذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علي، عن عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي قال: أنبأنا مالك بن أنس، عن نافع بن عمر قال: كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن وجه نضلة أبا معاوية الأنصاري إلى حلوان العراق فليغيروا على ضواحيها قال: فوجه سعد نضلة في ثلاثمائة فارس فخرجوا حتى أتوا حلوان العراق، فأغاروا على ضواحيها فأصابوا غنيمة وسبياً، فأقبلوا يسرقون الغنيمة والسبي حتى رهقهم(1/1251)
العصر وكادت الشمس أن تؤوب، قال: فألجأ نضلة الغنيمة والسبي إلى سفح الجبل، ثم قال: فأذن فقال: الله أكبر فإذا مجيب من الجبل يجيب كبرت تكبيراً يا نضلة، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال كلمة الإخلاص يا نضلة، قال أشهد أن محمداً رسول الله قال: هذا النذير وهو الذي بشر به عيسى عليه السلام وعلى رأس أمته تقوم القيامة، قال حي على الصلاة قال: طوبى لمن مشى إليها وواظب عليها، قال حي على الفلاح قال: أفلح من أجاب محمداً صلى الله عليه وسلم وهو البقاء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال: أخلصت الإخلاص كله يا نضلة فحرم الله بها جسدك على النار، فلما فرغ من أذانه قمنا فقلنا له: من أنت يرحمك الله، أملك أنت أم ساكن من الجن أم طائف من عباد الله؟ أسمعنا صوتك فأرنا شخصك فإنا وفد الله ووفد رسوله ووفد عمر بن الخطاب، قال: فانفلق الجبل عن هامة كالرحاء أبيض الرأس واللحية، وعليه طمران من صوف فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قلنا: وعليك السلام ورحمته وبركاته من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا زرنب بن برثملا وصي العبد الصالح عيسى بن مريم أسكنني هذا الجبل، ودعا لي بطول البقاء إلى نزوله من السماء، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويتبرأ مما نحلته النصارى، فأما إذا فاتني لقاء محمد صلى الله عليه وسلم فأقرئوا عمر مني السلام وقولوا له يا عمر: سدد وقارب فقد دنا الأمر، وأخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها إذا ظهرت هذه الخصال في أمة(1/1252)
محمد صلى الله عليه وسلم الهرب فالهرب: إذا استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وانتسبوا في غير مناسبهم وانتموا إلى غير مواليهم، ولم يرحم كبيرهم صغيرهم ولم يوقر صغيرهم كبيرهم، وترك المعروف فلم يؤمر به وترك المنكر فلم ينه عنه، وتعلم عالمهم العلم ليجلب به الدراهم والدنانير، وكان المطر قيظاً، والولد غيظاً وطولوا المنارات وفضضوا المصاحف وشيدوا البناء واتبعوا الشهوات وباعوا الدين بالدنيا، واستخفوا بالدماء وقطعت الأرحام وبيع الحكم وأكل الربا وصار الغني عز وخرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه فسلم عليه، وركبت النساء السروج، ثم غاب عنا قال: فكتب بذلك نضلة إلى سعد فكتب سعد إلى عمر وكتب عمر إلى سعد يا سعد: لله أبوك سر أنت ومن معك من المهاجرين والأنصار حتى تنزلوا هذا الجبل فإن لقيته فأقرئه مني السلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن بعض أوصياء عيسى بن مريم نزل ذلك الجبل ناحية العراق، قال: فخرج سعد في أربعة آلاف من المهاجرين والأنصار حتى نزل ذلك الجبل فأقام أربعين يوماً ينادي بالأذان في كل وقت صلاة فلا جواب.
قال الخطيب: تابع إبراهيم بن رجاء أبو موسى عبد الرحمن الراسبي على(1/1253)
رواية عن مالك وليس بثابت من حديثه.
باب منه آخر
خرج أبو نعيم «من حديث حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب واستخفوا بالدماء، واستعلوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا، وتقطعت الأرحام ويكون الحكم ضعفاً، والكذب صدقاً، والحرير لباساً، وظهر الجور، وكثر الطلاق، وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصدق الكاذب، وكذب الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قيظاً، والولد غيظاً وفاض اللئام فيضاً، وغاص الكرام غيضاً، وكان الأمراء فجرة والوزراء كذبة، والأمناء خونة والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مسوح الضأن قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة، وتظهر الصفراء يعني الدنانير وتطلب البيضاء يعني الدراهم، وتكثر الخطايا، وتغل الأمراء، وحليت المصاحف وصورت المساجد، وطولت المنابر، وخربت القلوب، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة قد صاروا ملوكاً، وشاركت المرأة زوجها في التجارة،(1/1254)
وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وحلف بالله وشهد المرء من غير أن يستشهد، وسلم للعرفة وتفقه لغير الدين، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة، واتخذ المغنم دولاً، والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً، وكان زعيم القوم أرذلهم، وعق الرجل أباه، وجفا أمه، وبر صديقه، وأطاع زوجته، وعلت أصوات الفسقة في المساجد، واتخذت القينات والمعازف، وشربت الخمور في الطرق واتخذ الظلم فخراً، وبيع الحكم، وكثر الشرط واتخذ القرآن مزامير، وجلود السباع صفاقاً، والمساجد طرقاً، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات» .
غريب من حديث عبد الله بن عمير عن حذيفة لم يروه عنه فيما أعلم إلا فرج بن فضالة.
قال المؤلف رحمه الله: وهذه الخصال قد تقدم ذكرها في أحاديث متفرقة وكلها بنية المعنى إلا قوله وجلود السباع صفاقاً.
قال الجوهري: الصفاق الجلد الرقيق تحت الجلد الذي عليه الشعر.
وخرج الدارقطني، «عن عامر الشعبي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال: لليلتين وأن تتخذ المساجد طرقاً وأن يظهر موت الفجأة» ، قاله الجوهري معنى قبلاً أن يرى ساعة يطلع لعظمه.
ويوضحه(1/1255)
حديث آخر من أشراط الساعة انتفاخ الأهلة، ويقال: رأيت الهلال قبلاً، وقبلاً أي معاينة.
باب منه
الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال: «حدثنا عمر بن أبي عمر قال: حدثنا هشام بن خالد الدمشقي، عن إسماعيل بن عياش، عن ليث، عن ابن سابط عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي فزعة فيصير الناس إلى علمائهم فإذا هم قردة وخنازير» ، قال أبو عبد الله: فالمسخ تغير الخلقة عن جهتها، فإنما حل بهم المسخ لأنهم غيروا الحق عن جهته وحرفوا الكلم عن مواضعه فمسخوا أعين الخلق وقلوبهم عن رؤية الحق، فمسخ الله صورهم وبدل خلقهم كما بدلوا الحق باطلاً.
باب في رفع الأمانة والإيمان عن القلوب
روى الأئمة البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم واللفظ لمسلم «عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال» ، قال ابن ماجه:(1/1256)
حدثنا الطنافسي يعني وسط قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فنفط فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى على زمان ما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه على دينه ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه على ساعيه فأما فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً» .
فصل
الجذر.
بالذال المعجمة ويقال بفتح الجيم وكسرها وهو الأصل من كل شيء من النسب والحساب والشجر وغيره.
والوكت: بإسكان الكاف وهو الأثر اليسير يقال: أوكتت البسرة: إذا ظهرت فيها نكتة من الإرطاب وهو مصدر وكته يكته وكتاً وهو أيضاً مثل نكته في العين وغيرها.
والمجل: هو النفخ الذي يرتفع من جلد باطن اليد عند العمل بفأس أو محذاف أو نحوه يحتوي على ماء ثم يصلب ويبقى عقداً، قال ابن دحية قيدناه في الحديث بسكون الجيم وأجاز أهل اللغة والنحو فتح الجيم مصدر مجلت يده تمجل مجلاً بفتح الجيم في المصدر إذا غلظت من العمل وقوله: فنفط أي ارتفع جلدها وانتفخ، فتراه منتبراً أي(1/1257)
منتفطا ومعناه مرتفعاً جلده من لحمه وهو افتعال من النبر وهو الرفع وكل شيء رفع شيئاً فقد نبره ومنه اشتق المنبر وأراد بذلك خلو القلوب من الأمانة كما يخلو المجل المنتبر عن شيء يحويه كجمر دحرجته يعني أطلقته فينطلق ظهر اليدين من ذلك.
وقول حذيفة: لقد أتى على زمان الحديث: يعني كانت الأمانة موجودة، ثم قلت في ذلك الزمان.
وقوله ليردنه على ساعيه يعني من كان رئيساً مقدما فيهم والياً عليهم أن ينصفني منه وإن لم يكن له الإسلام وكل من ولوي على قوم ساع لهم.
وقوله فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً.
قال أبو عبيدة: هو من البيع والشراء لقلة الأمانة.
باب في ذهاب العلم ورفعه وما جاء أن الخشوع والفرائض أول علم يرفع من الناس
ابن ماجه قال: «حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قال: ذللك عند أوان ذهاب العلم قلت يا رسول الله: كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتك أمك يا زياد: إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء منهما» .
وخرجه الترمذي «عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: كنا(1/1258)
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا على شيء منه فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس منا ونحن قد قرأنا القرآن فو الله لنقرؤه ولنقرئه نساءنا وأبناءنا، فقال: ثكلتك أمك يا زياد: إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم» .
قال جبير: فلقيت عبادة بن صامت فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس.
الخشوع يوشك أن يدخل الرجل مسجد جماعة فلا يرى فيه رجلاً خاشعاً.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
ومعاوية بن صالح ثقة عند أهل الحديث، ولا أعلم أحداً تكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان.
وروى بعضهم هذا الحديث، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك.
قال المؤلف رحمه الله: خرجه لهذا الإسناد الحافظ أبو محمد عبد الغني فقال: «حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال: حدثنا يحيى بن أيوب: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير قال: حدثني عوف بن مالك الأشجعي قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء يوماً وقال: هذا أوان رفع العلم فقال له رجل(1/1259)
من الأنصار يقال له زياد بن لبيد يا رسول الله: وكيف يرفع العلم وقد كتب في الكتب ووعته الصدور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة وذكر اليهود والنصارى وضلالتهم على ما في أيديهم من كتاب الله» .
فذكرت ذلك لشداد بن أوس فقال: صدق عون بن مالك.
ألا أخبرك بأول ذلك: يرفع الخشوع حتى لا ترى رجلاً خاشعاً.
ذكره في باب تقييد الحديث بالكتابة وهو حديث حسن.
قلت: وقد ذكرناه في مسند زياد بن لبيد بإسناد صحيح على ما ذكره ابن ماجه وهو يبين لك ما ذكرناه من أن المقصود برفع العلم العمل به، كما قال عبد الله بن مسعود: ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف ولكن إقامة حدوده، ثم بعد رفع العمل بالعلم يرفع القلم والكتاب ولايبقى في الأرض من القرآن آية تتلى على ما يأتي في الباب بعد هذا.
وقد خرج الدراقطني وابن ماجه «من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا الفرائص وعلموها للناس فإنها تصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي» .
لفظ الدراقطني ولا تعارض والحمد لله، فإن الخشوع من علم القلوب، والفرائض علم الظاهر فافترقا والحمد لله.
باب في دروس الإسلام وذهاب القرآن
ابن ماجه قال: «أخبرنا علي بن محمد قال: أنبأنا أبو معاوية، عن(1/1260)
أبي مالك الأشجعي، عن ربيعي بن خراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرس الإسلام كما يدرس وشى الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويسري بكتاب الله تعالى في ليلة فلا بيقى منه في الأرض آية وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها قال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لايدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه حذيفة فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثاً» .
قلت: هذا إنما يكون بعد موت عيسى عليه السلام لا عند خروج يأجوج ومأجوج على ما تقدم من رواية مقاتل.
وذكر أبو حامد من رفعه، فإن عيسى عليه السلام إنما ينزل مجدداً لما درس من هذه الشريعة فإنه يحججه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
باب العشر آيات التي تكون قبل الساعة وبيان قوله تعالى: " اقتربت الساعة وانشق القمر "
باب العشر آيات التي تكون قبل الساعة وبيان قوله تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر
«روي عن حذيفة أنه قال: كنا جلوس بالمدينة في ظل حائط وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة فأشرف علينا وقال: ما يجلسكم؟ فقلنا: نتحدث.
فقال: فيماذا؟ فقلنا: عن الساعة فقال: إنكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات، أولها طلوع الشمس من مغربها ثم الدخان ثم الدجال ثم الدابة ثم(1/1261)
ثلاث خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج عيسى وخروج يأجوج ومأجوج، ويكون آخر ذلك ناراً تخرج من اليمن من حفرة عدن لا تدع أحداً خلفها إلا تسوقه إلى المحشر» ذكره القتبي في كتاب عيون الأخبار له.
وخرجه مسلم بمعناه «عن حذيفة قال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال: لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان والدابة ويأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم وثلاث خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا» .
خرجه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن.
وفي رواية: «الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم وثلاث خسوفات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطردهم إلى محشرهم» .
وفي البخاري «عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول أشراط الساعة نار تخرج تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» .
مسلم «عن عبد الله بن عمر قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/1262)
يقول: إن أول الآيات خروجاً عن طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فأخرى على أثرها قريباً منها» .
وفي حديث حذيفة مرفوعاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «كأني أنظر إلى حبشي أحمش الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن، وقد صف قدميه على الكعبة هو وأصحاب له وهم ينقضونها حجراً حجراً ويتداولونها بينهم حتى يطرحوها في البحر، فعند ذلك تكون علامات منكرات طلوع الشمس من مغربها ثم الدجال ثم يأجوج ومأجوج ثم الدابة» وذكر الحديث.
فصل
جاءت هذه الآيات في هذه الأحاديث مجموعة غير مرتبة ما عدا حديث حذيفة المذكور أولاً، فإن الترتيب فيه بثن وليس الأمر كذلك على ما نبينه، وقد جاء ترتيبها «من حديث حذيفة أيضاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه فاطلع إلينا فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة.
قال: إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس» .
وقال بعض الرواة في العاشرة: ونزول عيسى بن مريم، وقال بعضهم: وريح يلقى الناس في البحر أخرجه مسلم فأول الآيات على ما في هذه الرواية الخسوفات الثلاثة، وقد وقع بعضها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره ابن وهب وقد تقدم.(1/1263)
وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع بعراق العجم زلازل وخسوفات هائلة هلك بسببها خلق كثير.
قلت: وقد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعنا من بعض مشايخنا بقرية يقال لها [قطرطندة] من قطر دانية سقط عليها جبل هناك فأذهبها.
وأخبرني أيضاً بعض أصحابنا أن قرية من أعمال برقة يقال لها [ترسة] أصابها زلزلة شديدة هدت حيطانها وسقفها على أهلها فماتوا تحتها، ولم ينج منهم إلا قليل، ووقع في هذا الحديث دابة الأرض قبل يأجوج ومأجوج وليس كذلك، فإن أول الآيات ظهور الدجال، ثم نزول عيسى عليه السلام، ثم خروج يأجوج ومأجوج، فإذا قتلهم الله بالنغف في أعناقهم على ما يأتي، وقبض الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام، وخلت الأرض منا، وتطاولت الأيام على الناس، وذهب معظم دين الإسلام أخذ الناس في الرجوع إلى عاداتهم وأحدثوا الأحداث من الكفر والفسوق، كما أحدثوه بعد كل قائم نصبه الله تعالى بينه وبينهم حجة عليهم ثم قبضه، فيخرج الله تعالى لهم دابة من الأرض فتميز المؤمن من الكافر ليرتدع بذلك الكفار عن كفرهم والفساق عن فسقهم ويستبصروا وينزعوا عما هم فيه من الفسوق والعصيان، ثم تغيب الدابة عنهم ويمهلون، فإذا أصروا على طغيانهم طلعت الشمس من مغربها ولم يقبل ببعد ذلك لكافر ولا فاسق توبة وأزيل الخطاب والتكليف عنهم، ثم كان قيام الساعة(1/1264)
على أثر ذلك قريباً لأن الله تعالى يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فإذا قطع عنهم التعبد لم يقرهم بعد ذلك في الأرض زماناً طويلاً.
هكذا ذكره بعض العلماء.
وأما الدخان: فروي «من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة دخاناً يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث في الأرض أربعين يوماً» .
فأما المؤمن: فيصيبه منه شبه الزكام.
وأما الكافر: فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من أنفه ومنخريه وعينيه وأذنيه ودبره وقيل: هذا الدخان من آثار جهنم يوم القيامة.
وروي هذا عن علي وابن عمر وأبي هريرة وابن عباس وابن أبي مليكة والحسن وهو معنى قوله تعالى {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} .
وقال ابن مسعود في هذه الآية: إنه ما أصاب قريشاً من القحط والجهد حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء كهيأة الدخان من الجهد حتى أكلوا العظام،(1/1265)
وقد مضت البطشة والدخان واللزام، والحديث عنه بهذا في كتابي مسلم والبخاري وغيرهما، وقد فسر البطشة بأنها وقعة بدر.
قال أبو الخطاب ابن دحية: والذي يقتضيه النظر الصحيح حمل ذلك على قضيتين: إحدهما وقعت وكانت الأخرى ستقع وستكون، فأما التي كانت فالتي كانوا يرون فيها كهيأة دخان وهي الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور آيات التي هي من الأشراط والعلامات، ولا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} فيكشف عنهم ثم يعودون لقرب الساعة، وقول ابن مسعود لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من تفسيره، وقد جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه.
قال المؤلف رحمه الله: قد روي عن ابن مسعود أنهما دخانان.
قال مجاهد:(1/1266)
كان ابن مسعود يقول: هما دخانان قد مضى أحدهما والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة، وأما الكافر فتثقب مسامعه فتبعث مسامعه فتبعث عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ويبقى شرار الناس.
واختلف في البطشة واللزام فقال أبي: هو القتل بالسيف يوم بدر.
وإليه نجا ابن مسعود وهو قول أكثر الناس، وعلى هذا تكون البطشة واللزام شيئاً واحداً قال ابن مسعود: البطشة الكبرى وقعة بدر.
وقيل: هي يوم القيامة وأصل البطش الأخذ بشدة وقع الألم.
واللزام في اللغة: الفصل في القضية.
وفسره ابن مسعود بأن ذلك كان يوم بدر وهو البطشة الكبرى في قوله أيضاً.
وقيل: إن اللزام هو المذكور في قوله تعالى {فسوف يكون لزاماً} وهو العذاب الدائم.
وأما الدجال فيأتي ذكره في أبواب أخرى، وأما الدابة فهي التي قال الله تعالى {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} .
وذكر أهل التفسير أنه خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد، فتسم المؤمن فتنير وجهه ويكتب بين عينيه كافر.(1/1267)
وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن هذه الدابة هي الجساسة على ما يأتي ذكره في خبر الدجال، وروي عن ابن عباس أنها الثعبان الذي كان يبئر الكعبة فاختطفه العقاب.
وسيأتي بيانه.
وأما قوله: وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، وفي الرواية الأخرى من قعر عدن.
وفي الرواية الأخرى من أرض الحجاز قال القاضي عياض، فلعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس أو يكون ابتداء خروجهما من اليمن فظهورهما من الحجاز.
قلت: أما النار التي تخرج من أرض الحجاز فقد خرجت على ما تقدم القول فيها، وبقيت النار التي تسوق الناس إلى المحشر وهي التي تخرج من اليمن وقد مضى القول في الحشر، ويأتي القول في طلوع الشمس من مغربها.
فأما قوله الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} فقد روي أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فأراهم القمر منشقاً نصفين والجبل بينهما فقال اشهدوا.
ثبت في الصحيحين وغيرهما.(1/1268)
ومن العلماء مكن قال: إنه ينشق كقوله تعالى {أتى أمر الله} أي يأتي.
قال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له: فإن كان هذا فقد أتى ورأيت ببخاري الهلال وهو ابن ليلتين منشقاً نصفين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس، وما زلت أنظر إليهما حتى اتصلا كما كانا، ولكنهما في شكل واحد شكل أترجة، ولم أمل طرفي عنهما إلى أن غابت وكان معي ليلتئذ كتيبة من شريف وفقيه وغيرهما من طبقات الناس وكلهم رأى ما رأيت، وأخبرني من وثقت به أنه رأى الهلال وهو ابن ثلاث منشقاً نصفين: قال الحليمي: فقد ظهر أن قول الله {وانشق القمر} إنما خرج على الانشقاق الذي هو من أشراط الساعة دون الانشقاق الذي جعله الله آية لرسوله صلى الله عليه وسلم.
باب ما جاء أن الآيات بعد المائتين
ابن ماجه «عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآيات بعد المائتين» .
«وعن زيد الرقاشي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل بر وتقوى، ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل، تم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع، ثم الهرج الهرج النجا النجا» .(1/1269)
وفي رواية «عن أبي معن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاماً، فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان، وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر وتقوى» ثم ذكر نحوه.
باب ما جاء فيمن يخسف به أو يمسخ
أبو داود «عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا أنس إن الناس يمصرون أمصاراً وإن مصراً منها يقال لها البصرة أو البصيرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلأها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف ورجف، وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازير» .
وخرج ابن ماجه «عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام فقال له: بلغني أنه قد أحدث فإن كان أحدث فلان فلا تقرئه السلام،(1/1270)
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في أمتي أو في هذه الأمة خسف مسخ وقذف ونحوه» .
عن سهل بن سعد وقد تقدمت الأخبار والأحاديث في خسف الجيش الذي يقصد مكة لقتال المهدي.
خرجهما مسلم وغيره.
وكذلك تقدم حديث البخاري وغيره في باب إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة، وذكر الثعالبي في تفسيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والسراة يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبي إليها الخزائن ويخسف بها.
وفي رواية: يخسف بأهلها فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة يقال إنها بغداد» وقد تقدم والله أعلم.
باب ـ ذكر الدجال وصفته ونعته
ذكر الدجال وصفته ونعته ومن أين يخرج وما علامة خروجه وما معه إذا خرج وما ينجى منه وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى.
قال ابن دحية قال العلماء: الدجال في اللغة يطلق على عشرة وجوه:
الأول: أن الدجال الكذاب قاله الخليل وغيره وأنها دجلة بسكون الخيم، ودجلة بفتحها كذبة لأنه يدجل الحق بالباطل، وجمعه دجالون ودجاجلة في التكسير وقد تقدم.(1/1271)
الوجه الثاني: أن الدجال مأخوذ من الدجل، وهو طلاء البعير بالقطران سمي بذلك لأنه يغطي الحق ويستره بسحره وكذبه، كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة وهي القطران يهنأ به البعير واسمه إذا فعل به ذلك المدجل قاله الأصمعي.
الوجه الثالث: إنما سمي بذلك لضربه في نواحيه الأرض وقطعه لها يقال: دجل الرجل إذا فعل ذلك.
الوجه الرابع: أنه من التغطية لأنه يغطي الأرض بمجموعه، والدجل التغطية.
قال دريد: كل شيء غطيته فقد دجلته ومنه سميت دجلة لانتشارها على الأرض وتغطية ما فاضت عليه.
الوجه الخامس: سمي دجالاً لقطعه الأرض إذ يطأ جميع البلاد إلا مكة والمدينة.
والدجالة الدفقة العظيمة.
وأنشد ابن فارس في المجمل:
دجالة من أعظم الرقاق.
الوجه السادس: سمي دجالاً، لأنه يغر الناس بشره كما يقال لطخني فلان بشره.
الوجه السابع: الدجال: المخرق.
الوجه الثامن: الدجال: المموه قاله ثعلب ويقال سيف مدجل إذ كان قد طلى بالذهب.
الوجه التاسع: الدجال: ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن باطله وداخله خزف أو عود سمي الدجال بذلك لأنه يحسن الباطل.
الوجه العاشر: الدجال: فرند السيف، والفرند جوهر السيف وماؤه ويقال بالفاء والباء إذ أصله عين صافية على ما تنلطق به العجم، فعربته العرب، ولذلك(1/1272)
قال سبيويه وهو عندهم خارج عن أمثله العرب.
والفرند أيضاً الحرير.
وأنشد ثعلب:
بحلية الياقوت والفرندا ... مع الملاب وعبير أصردا
أي خالصاً.
قال ابن الأعرابي يقال للزعفران الشعر والملاب والعبير والمردقوش والحشاد.
ذكر هذه الأقوال العشرة الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله في كتاب مرج البحرين في فوائد المشرقين والمغربين.
مسلم «عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال» وفي رواية: «من آخر سورة الكهف» .
أبو بكر بن أبي شيبة، «عن الفلتان بن عاصم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى عريض المنخر فيه الدفاء» قوله فيه: دفا أي انحناء.
«و(1/1273)
عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار» وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا أعلم بما مع الدجال منه.
معه نهرنان يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض وأحدهم الآخر رأي العين نار تأجج، فأما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض وليطأطئ رأسه فيشرب فإنه ماء بارد وأن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: كذا عند جماعة.
رواه مسلم فإما أدركن قال ابن دحية: وهو وهم فإن لفظه هو لفظ الماضي ولم أسمع دخول نون التوكيد على لفظ الماضي إلا ها هنا، لأن هذه النون لا تدخل على الفعل وصوابه ما قيده العلماء في صحيح مسلم منهم التميمي أبو عبد الله: فإما أدركه أحد.
«وعن عبد الله بن عمر: قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية» .
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أراني الليلة في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال تضرب لمته(1/1274)
بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعاً يده على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو المسيح بن مريم، ورأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور العين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعاً يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت فقلت من هذت قالوا هو المسيح الدجال» .
أبو بكر بن أبي شيبة «عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدجال أعور مدهجان أقمر كأن رأسه غضنة شجرة أشبه الناس بعبد العزي بن قطن الخزاعي فإما أهلك هلك فإنه أعور وأن الله ليس بأعور..
أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما مسيح فإنه أعور العين أجلي الجبهة عريض المنحر فيه اندفاء مثل قطن بن عبد العزي، فقال له الرجل: أيضر بي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهه؟ فقال: لا أنت مسلم هو كافر» .
وخرج «عن أبي بن كعب قال ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم أو قال(1/1275)
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وتعوذ بالله من عذاب القبر» .
الترمذي، «عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدجال ليخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أفواج كأن وجوههم المجان المطرقة» إسناده صحيح.
وذكر عبد الرزاق قال: «أخبرنا معمر بن عن أبي هانئ العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم السيجان والسيجان جمع الساج وهو طيلسان أخضر» .
وقال الأزهري هو المطيليل المقور بنسج كذلك.
الطبراني، «عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الدجال فقال: إن قبل خروجه ثلاث أعوام تمسك السماء في العام الأول ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها، والعام الثاني تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والعام الثالث تمسك السماء قطرها والأرض نباتها حتى لا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف إلا مات» وذكر الحديث.
خرجه أبو داود الطيالسي قال: حدثنا هشام عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء.
وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة،(1/1276)
وفي بعض الروايات بعد قوله: وفي السنة الثالثة يمسك الله المطر وجميع النبات فما ينزل من السماء قطرة ولا تنبت الأرض خضرة ولا نباتاً، حتى تكون الأرض كالنحاس والسماء كالزجاج، فيبقى الناس يموتون جوعاً وجهداً، وتكثر الفتن والهرج، ويقتل الناس بعضهم بعضاً، ويخرج الناس بأنفسهم ويستولي البلاء على أهل الأرض، فعند ذلك يخرج الملعون الدجال من ناحية أصبهان من قرية يقال لها اليهودية وهو راكب حماراً أبتر يشبه البغل ما بين أذني حماره أربعون ذراعاً ومن نعت الدجال: أنه عظيم الخلقة طويل القامة جسيم أجعد قطط أعور العين اليمنى كأنها لم تخلق، وعينه الأخرى ممزوجة بالدم وبين عينيه مكتوب: كافر يقرؤه كل مؤمن بالله فإذا خرج يصيح ثلاث صيحات ليسمع أهل المشرق والمغرب.
ويروى أنه إذا كان في آخر الزمان تخرج من البحر امرأة ذات حسن وجمال بارع، فتدعو الناس إلى نفسها وتخترق البلاد فكل من أتاها كفر بالله، فعند ذلك يخرج الله عليكم الدجال، ومن علامة خروجه فتح القسطنطينية لأن الخبر ورد أن بين خروجه وفتح القسطنطينية سبعة أشهر وقد تقدم هذا.
وذكر أبو داود الطيالسي قال: «حدثنا الحشرج بن نباتة قال:(1/1277)
حدثنا سعيد ابن جمهان عن سفينة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر أمته الدجال.
ألا وإنه أعور العين بالشمال وباليمين ظفرة غليظة.
بين عينيه كافر يعني مكتوب كافر يخرج معه واديان أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة وجنته نار فيقول الدجال للناس: ألست بربكم أحيي وأميت ومعه ملكان يشبهان نبيين من الأنبياء إني لأعرف اسمهما واسم آبائهما لو شئت أن أسميهما سميتهما أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فيقول: ألست بربكم أحيي وأميت؟ فيقول أحدهما: كذبت فلا يسمعه من الناس أحد إلا صاحبه، ويقول الآخر: صدقت وذلك فتنة ثم يسير حتى يأتي المدينة فيقول هذه قرية ذاك الرجل فلا يؤذن له أن يدخلها، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق» .
وخرجه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي في الجزء العاشر من مختصر المعجم له بمعناه فقال: «حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا حشرج عن سعيد ابن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي قبل إلا وقد حذر أمته من الدجال إنه أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن بالله معه واديان: أحدهما جنة والآخر نار، ومعه ملكان يشبهان نبين من الأنبياء، ولو شئت سميتهما بأسماء وأسماء آبائهما، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فيقول الدجال: ألست بربكم أحيي وأميت فيقول أحد الملكين: كذبت فلا يسمعه أحد من الناس إلا(1/1278)
صاحبه، فيقول له صدقت، فيسمعه الناس فيظنون أنه صدق الدجال فذلك فتنة ثم يسير الدجال حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيقول هذه قرية ذلك الرجل، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة افيق» .
قال ابن برجان في كتاب الإرشاد له: والذي يغلب على ظني أن النبيين المشبه بها أحدهما المسيح ابن مريم والآخر محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك ما أنذرا بذلك ووصيا.
وخرج أبو داود في سننه، «عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني كنت حدثتكم عن المسيح الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ولا حجراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز وجل ليس بأعور» .
فصل
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وصفاً لم يبق معه لذي لب إشكال ولتك الأوصاف كلها ذميمة تبين لكل ذي حاسة سليمة، لكن من قضى الله عليه بالشقاوة تبع الدجال فيما يدعيه من الكذب والغباوة وحرم اتباع الحق ونور التلاوة، فقوله عليه الصلاة والسلام «إنه أعور وأن الله ليس بأعور» تبيين للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصاً في ذاته عاجزاً عن إزالة نقصه لم يصلح أن يكون إلها لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزاً عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع(1/1279)
غيره وعن مضرته.
وجاء في حديث حذيفة: أعور العين اليسرى، وفي حديث ابن عمر: أعور العين اليمنى، وقد أشكل الجمع بين الحديثين على كثير من العلماء، قال: وحتى إن أبا عمر بن عبد البر، ذكر ذلك في كتاب التمهيد له.
وفي حديث «سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيىالموتى ويقول للناس: أنا ربكم فمن قال: أنت ربي فقد فتن ومن قال: ربي الله عز وجل حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته، ولا فتنة عليه ولا عذاب فيلبث في الأرض ما شاء، ثم يجيء عيسى عليه السلام من قبل المغرب مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلىملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة» .
قال أبو عمر بن عبد البر ففي هذا الحديث أعور العين الشمال، وفي حديث مالك: أعور العين اليمنى.
فالله أعلم.
وحديث مالك أصح من جهةالإسناد لم يزد على هذا.
قال أبو الخطاب بن دحية ليس كما قال بل الطرق كلها صحيحة في العينين وقال شيخنا أحمد بن عمر في كتاب المفهم له: وهذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما، وقد تكلف القاضي عياض الجمع بينهما(1/1280)
فقال: الجمع بين الروايتين عندي صحيح وهو أن كل واحدة منهما عوراء من وجه ما إذ العور حقيقة في كل شيء العيب والكلمة.
العوراء هي المعيبة فالواحدة عوراء بالحقيقة وهي التي وصفت بالحديث بأنها ليست بحجراء ولا ناتئة وممسوحة ومطموسة وطافية على رواية الهمز، والأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة أو كأنها كوكب دري أو كأنها عنبة طافية بغير همز، وكل واحدة منهما يصح فيه الوصف بالعور بحقيقة العرف والاستعمال أو بمعنى العور الأصلي.
قال شيخنا وحاصل كلامه: أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء أحدهما بما أصاب حتى ذهب إدراكها، والثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة، لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور، فتأمله.
قلت: ما قاله القاضي عياض وتأويله صحيح، وأن العور في العينين مختلف كما بيناه في الروايات، فإن قوله: كأنها لم تخلق هو معنى الرواية الأخرى مطموس العين ممسوخها ليست بناتئة ولا حجراء، ووصف الأخرى بالمزج بالدم وذلك عيب عظيم لا سيما مع وصفها بالظفرة الغليظة التي هي عليها وهي جلدة غليظة تغشى العين.
وعلى هذا فقد يكون العور في العينين سواء، لأن الظفرة مع غلظها تمنع من الإدراك فلا تبصر شيئاً فيكون الدجال على هذا أعمى أو قريباً منه، إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة وفي الشمال في حديث سمرة بن جندب.(1/1281)
وقد يحتمل أن يكون كل عين عليها ظفرة غليظة، فإن في حديث حذيفة: وإن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة وإذا كانت الممسوخة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى فتتفق الأحاديث، والله أعلم.
وقيل في الظفرة: إنها لحمة تنبت عند المآقي كالعلقة، وقيده بعض الرواة بضم الظاء وسكون الفاء وليس بشيء قاله ابن دحية رحمه الله.
فصل ـ الإيمان بالدجال وخروجه حق
الإيمان بالدجال وخروجه حق، وهذا مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث خلافاً لمن أنكر أمره من الخوارج وبعض المعتزلة ووافقنا على إثباته بعض الجهنمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخارق وحيل قالوا لأنها لو كانت أموراً صحيحة لكان ذلك إلباساً الكاذب بالصادق، وحينئذ لا يكون الفرق بين النبي والمتنبي وهذا هذيان لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه، فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة وليس كذلك فإنه إنما ادعى الإلهية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليس بأعور» تنبيهاً للعقول على فقره وحدثه ونقصه وإن كان عظيماً في خلقه، ثم قال: «مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن ومؤمنة كاتب أو غير كاتب» وهذا الأمر مشاهد للحس يشهد بكذبه وكفره.
وقد تأول بعض الناس: مكتوب بين عينيه كافر فقال: معنىذلك ما ثبت من سمات حدثه وشواهد عجزه وظهور نقصه قال: ولو كان على ظاهره وحقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن والكافر.
وهذا عدول وتحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب لذلك، وما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن والكافر في قراءة ذلك لايلزم لأن الله تعالى يمنع الكافر من إدراكه(1/1282)
ليغتر باعتقاده التجسيم حتى يوردهم بذلك نار الجحيم.
فالدجال فتنة ومحنة من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فيقول لهم: أنا ربكم فيقول المؤمنون: نعوذ بالله منك.
حسب ما تقدم لا سيما وذلك الزمان قد انخرقت فيه عوائد فليكن هذا منها، وقد نص على هذا بقوله: يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب.
وقراءة غير الكاتب خارقة للعادة.
وأما الكافر فمصروف عن ذلك بغفلته وجهله وكما انصرف عن إدراك نقص عوره وشواهد عجزه، كذلك يصرف عن قراءة سطور كفره ورمزه.
وأما الفرق بين النبي والمتنبي، فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبي لأنه لزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب وهو محال.
وقولهم: إن ما يأتي به الدجال حيل ومخاريق فقول معزول عن الحقائق لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الأمور حقائق والعقل لا يحيل شيئاً منها، فوجب إبقاؤها على حقائقها.
وسيأتي تفصيلها بعون الله تعالى.
باب ما يمنع الدجال أن يدخله من البلاد إذ خرج
البخاري ومسلم «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» وذكر الحديث.
وفي حديث فاطمة بنت قيس: «فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة(1/1283)
غير مكة وطيبة هما محرمتان علي كلتهاهما» الحديث وسيأتي.
وذكر أبو جعفر الطبري من حديث عبد الله بن عمرو إلا الكعبة وبيت المقدس زاد أبو جعفر الطحاوي: ومسجد الطور.
رواه من حديث جنادة بن أبي أمية عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي بعض الروايات: فلا يبقى له موضع إلا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور، فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع.
باب منه وما جاء أنه إذا خرج يزعم أنه الله ويحصر المؤمنين في بيت المقدس
أبو بكر بن أبي شيبة، «عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الدجال قال: وإنه متى يخرج فإنه يزعم أنه الله فمن آمن به واتبعه وصدقه فليس ينفعه صالح من عمل سلف، ومن كفر به وكذبه فليس يعاقب بشيء من(1/1284)
عمل سلف، وأنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحزم وبيت المقدس وأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس» .
قال: فيهزمه الله وجنوده حتى إذا جدر الحائط وأصل الشجرة ينادي: يا مؤمن هذا كافر يستتر بي فقال: اقتله.
قال: ولن يكون قولك حتى تبدو أمور يتفاج شأنها في أنفسكم تتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً وحتى تزول جبال من مراتبها على أثر ذلك القبض.
باب منه وفي عظم خلق الدجال وعظم فتنته وسبب خروجه وصفة حماره وسعة خطوه وفي حصره المسلمين في جبال الدخان وكم ينكث في الأرض وفي نزول عيسى عليه السلام وقت السحر لقتل الدجال ومن اتبعه
مسلم «عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال» وفي رواية: «امرؤ بدل خلق» .
وفي حديث تميم الداري قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً، الحديث وسيأتي.
وعن ابن عمر أنه لقى ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها(1/1285)
فقالت: يرحمك الله ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما يخرج من غضبة يغضبها» وسيأتي من أخبار ابن صياد ما يدل عليه أنه هو الدجال إن شاء الله تعالى وذكر قاسم بن أصبغ.
وخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال: «حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهيمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم أي قلة من أهله.
وله أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً فيقول للناس: أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله تعالى عليه وقامت الملائكة بأوابهما ومعه جبال من خبز والناس في جهد إلامن اتبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول له: الجنة ونهر يقول له: النار فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال: وتيعث معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة بأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ويقتل نفساً ثم(1/1286)
يحييها فيما يرى الناس فيقول للناس: أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب فيفر الناس إلى جبل الدخان وهو بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهداً شديداً، ثم ينزل عيسى عليه السلام فيأتي في السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون: هذا رجل فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم عليهما السلام فيقام للصلاة فيقال له: تقدم يا روح الله فيقول: ليتفضل إمامكم فليصل بكم فإذا صلوا صلاة الصبح خرجوا إليه فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيقتله حتى إن الشجر والحجر ينادي: يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله» .
قوله: ينماث كما ينماث الملح في الماء أي يذهب وينحل ويتلاشى.
وفي بعض الروايات: وذكر أن حماره حين يخطو من خطوة إلى خطوة ميل ولا يبقى له سهل ولا وغز إلا يطؤه ولا يبقى موضع إلا يأخذه غير مكة والمدينة حسبما تقدم ويأتي الكلام أبو حنيفة في حكم أيامه.
وذكر عبد الرزاق قال: «أخبرنا معمر عن ابن خيثم، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاضطرام السعفة في النار» والصحيح أنه يمكث أربعين يوماً كما في حديث جابر، وكذلك في صحيح مسلم على ما يأتي في الكتاب بعد هذا.(1/1287)
باب منه آخر في خروج الدجال وما يجيء به من الفتن والشبهات وسرعة سيره في الأرض وكم يلبث فيها، وفي نزول عيسى عليه السلام ونعته كم يكون في الأرض يومئذ من الصلحاء وفي قتله الدجال واليهود وخروج يأجوج ومأجوج وموتهم، وفي حج عيسى وتزويجه ومكثه في الأرض وأين يدفن إذامات صلى الله عليه وسلم
وقد تقدم من حديث حذيفة رضي الله عنه أن له جنة وناراً فجنته نار وناره جنة.
أبو داود «عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات» .
مسلم «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال فيتوجه قبل رجال من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد فيقول: أعمد إلى هذا الرجل الذي خرج فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا حقاً، فيقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس ربكم قد نهاكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ قال: فينطلقون به(1/1288)
إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيأمر به الدجال فيشج فيقول: خذوه وشجوه فيوجع ظهره وبطنه ضرباً قال: فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال: ثم يمشي بين القطعتين ثم يقول قم فيستوي قائماً فيقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول: يا أيها الناس إنه يفعل بعدي بأحد من الناس قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه إنما قذف به في النار وإنما ألقي به في الجنة» .
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين» .
قال أبو إسحاق السبيعي يقال: إن هذا الرجل هو الخضر وفي رواية: قال «يأتي وهو محرم عليه أن يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا.
قال: فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن(1/1289)
قال: فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلطه الله عليه» .
خرجه البخاري.
«وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من بلد إلاسيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليها الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف ثلاث رجفات يخرج إليه كل كافر ومنافق» وفي رواية: كل منافق ومنافقة خرجه البخاري.
«وعن النواس بن سمعان الكلابي قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: ما غير الدجال أخوفني عليكم أن يخرج وأنا منكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم.
إنه شاب قطط عيناه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فلقرأ عليه سورة الكهف إنه خارج حلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وشمالاً يا عباد الله فاثبتوا قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم فقلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدره.
قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له قال: فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت وتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغة ضروعاً وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف(1/1290)
عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ستهلل وجهه يضحك، فبينا هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فنزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل بكافر يجد نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى عليه السلام قوم قد عصمهم الله منه فيمسح على وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد يقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج {وهم من كل حدب ينسلون} فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب عيسى وأصحابه، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكون منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها.
ويبارك الله في الرسل أي اللبن حتى(1/1291)
إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيباً فتأخذ بهم تحت آباطهم فيقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها كتهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة.
زاد في أخرى بعد قوله مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً» أخرجه الترمذي في جامعه.
وذكر رمى يأجوج ومأجوج بنشابهم متصلة بالحديث.
فقال: ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من الأرض فهلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم محمراً دماً ويحاصر عيسى بن مريم الحديث.
وقال بدل قوله: فيطرحهم حيث شاء الله قال: فتحملهم فتطرحهم بالنهبل قال: ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم سبع سنين قال: ويرسل الله عليهم مطراً.
الحديث إلى آخره في غير الترمذي فيطرحهم في المهيل والمهيل البحر الذي عند مطلع الشمس.(1/1292)
وخرجه ابن ماجه في سننه أيضاً، كما خرجه مسلم ولم يذكر الزيادة التي ذكرها مسلم متصلة ولا الترمذي متصلة من حديث النواس بن سمعان، وإنما ذكرها من حديث أبي سعيد الخدري، وسيأتي.
وذكر ما ذكره الترمذي، فقال «حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا ابن جابر عن يحيى بن جابر الطائي قال: حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يستوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين» .
قال: «وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن المجاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن ابي عمر الشيباني زرعة عن أبي أمامة الباهلي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه وكان من قوله أن قال: إنه لم يكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله تعالى آدم صلى الله عليه وسلم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من حلة بين الشام(1/1293)
والعراق، فيعبث يميناً ويعبث شمالاً.
يا عباد الله أيها الناس فاثبتوا فإن سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي إنه يبدو فيقول: أنا نبي الله.
ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم.
ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وأنه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كل مؤمن من كاتب وغير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنةً وناراً، فمن ابتلي بناره فليستعذ بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم، وإن فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت.
إن أحييت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك، وأن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها فينشرها بالمنشار حتى يلقى نصفين ثم يقول: انظروا إلى عبدي فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أنه له ربا غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: رب الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أسد بصيرة بك مني اليوم» .
قال أبو الحسن الطنافسي: «فحدثنا المحاربي قال: حدثنا عبد الله بن الوليد الرصافي، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة» قال: قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله.(1/1294)
قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال: وإن من فتننته أن يأمر السماء أن تمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقوه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من بيوتهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعاً، وأنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة فإنه لا يأتي من نقب من أنقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف المصلتة حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا بقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فينفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص.
فقالت أم شريك بنت أبي العسكر: يا رسول الله فأين العرب؟ قال: «هم قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام، فيرجع ذلك الإمام ينكص القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى عليه السلام يده على كتفه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وسلاح، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وانطلق هارباً، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند الباب اللد الشرقي فيضربه فيقتله فيهزم الله اليهود ولا يبقى شيء مما خلقه الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء ولا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله» .(1/1295)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإن من أيامه أربعون سنة السنة كنصف سنة والسنة كالشهر والشهر كالجمعة وآخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي» .
فقيل: يا رسول الله: كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: «تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا» .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيكون عيسى عليه السلام في أمتي حكماً وعدلاً وغماماً مقسطاً يدف الصلب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير وترفع الشحناء والتباغض وترفع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره وتغز الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم عليه السلام، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال وتكون الفرس بالدريهمات» .
قيل يا رسول الله وما يرخص الفرس؟ قال: «لا يركب الحرب أبداً فقيل له: يا رسول الله وما يغلي الثور؟ قال: تحرث الأرض كلها وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب بها الناس جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر الله السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تمطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها فلا تنبت خضراً ولا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس إلا(1/1296)
هلكت إلا ما شاء الله فقيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجزي ذلك عنهم مجزى الطعام» .
قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول: ينبغي أن يرفع هذا الحديث للمؤدب حتى يعلمه للصبيان في المكتب.
وفي حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية قالوا: يا رسول الله ذكرت الدجال فو الله إن أحدنا ليعجن عجينة فما يخبز حتى يخشى أن يفتن وأنت تقول: الأطعمة تزوي إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يكفي المؤمن يومئذ ما يكفي الملائكة.
فقالوا فإن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولكنها تقدس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام المؤمنين يومئذ بالتسبيح» .
وذكر عبد الرزاق، «عن معمر، عن قتادة، عن شهر حديث حوشب، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال فقال: إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء ثلث مطرها والأرض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت وإن من أشد فتنته أنه يأتي لأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى فيمثل الشيطان له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه سمنة قال: ويأتي الرجل مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيت إن أحييت لك أخاك وأحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى فيتمثل الشيطان نحو أبيه وأخيه.
قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/1297)
لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به قالت فأخذت بجنبتي الباب فقال: مهيم يا أسماء قلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفة على كل مؤمن قالت أسماء: فقلت يا رسول الله وإنا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس» .
وخرج مسلم وابن ماجه «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية وليتركن القلاص فلا يسعى عليها، وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون الناس إلى المال فلا يقبله أحد» .
«وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم»(1/1298)
وفي رواية «فأمكم منكم قال ابن أبي ذئب: تدري ما إمامكم منكم؟ قلت تخبرني: قال: فأمكم بكتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بنفج من الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما» .
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليدركن المسيح بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم أو خيراً منك» يقول ذلك ثلاث مرات.
ذكره ابن برجان في كتاب الارشاد له.
وروي «عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة خيار من على الأرض يومئذ وكصلحاء من مضى» .
«وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل عيسى بن مريم فيتزوج ويولد له ولد ويمكث خمساً وأربعين سنة ويدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى من قبر واحد بين أبي بكر وعمر» ذكره الميانشي أبو حفص ويقال: «إنه يتزوج امرأة من العرب بعد ما يقتل الدجال وتلد له بنتاً فتموت ثم يموت هو بعد ما يعيش سنتين» ذكره أبو الليث السمرقندي وخالفه كعب في هذا وأنه يولد له ولدان وسيأتي.
وفي حديث «أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعين سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه»(1/1299)
ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة، وبهذا السند «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأنا أولى بالناس بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر ولم يصبه بلل، وأنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويفيض المال حتى يهلك في زمانه الملك كلها غير الإسلام، وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الأعور الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل والنمر مع البقر والذئب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضاً يبقى في الأرض أربعين سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه» وفي بعض الروايات: «أنه يمكث أربعاً وعشرين سنة» .
وفي حديث «عبد الله بن عمر: ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عدواة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام» الحديث خرجه مسلم وقد تقدم بكماله، وهذا يدل على أنه يمكث في الأرض سبع سنين والله أعلم.
وقال كعب الأحبار: إن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة ويكثر الخير على يديه، وتنزل البركات في الأرزاق حتى إن العنبة ليأكل منها الرجل حاجته ويفضل، والقطف من العنب يأكل منه الجمع الغفير والخلق الكثير، حتى إن(1/1300)
الرمانة لتثقل الجمل، وحتى إن الحي لعبر بالميت فيقول: قم فانظر ما أنزله الله من البركة، وأن عيسى عليه السلام يتزوج بامرأة من آل فلان ويرزق منها ولدين فيسمى أحدهما محمد والآخر موسى ويكون الناس معه على خير وفي خير زمان وذلك أربعين سنة، ثم يقبض الله روح عيسى ويذوق الموت ويدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة ويموت خيار الأمة ويبقى شرارها في قلة من المؤمنين فذلك قوله عليه السلام: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ» وقيل: إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء.
فصل:
ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناه من حديث أبي هريرة وبقوله تعالى: {وخاتم النبيين} وقوله عليه الصلاة والسلام: «لانبي بعدي» وقوله «وأنا العاقب» يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبياً بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر صلى الله عليه وسلم حيث قال لعمر: «لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي» .
«و(1/1301)
قد روى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعالى صل بنا فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء لكرامة الله لهذه الأمة» خرجه مسلم في صحيحه وغيره.
فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقرراً لهذه الشريعة ومجدداً لها إذ هي آخر الشرائع، ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل فينزل حكماً مقسطاً وإذا صار حكماً فإنه سلطان يومئذ للمسلمين ولاإمام ولاقاضي ولامفتي قد قبض الله تعالى وخلا الناس منه، فينزل وقد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس والعمل به في نفسه، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه ويحكمونه على أنفسهم إذ لا أحد يصلح لذلك غيره، ولأن تعطيل الحكم غير جائز.
وأيضاً فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض الله الله على ما يأتي، وهذا واضح.
فصل
فإن قيل: فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
أحدها: يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتله وصلبه وجرى أمرهم معه على ما بينه الله تعالى في كتابه وهم(1/1302)
أبداً يدعون أنهم قتلوه وينسبونه في السحر وغيره إلى ما كان الله يراه ونزهه منه، ولقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام وأظهره راية، ولا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان ولا قوة ولا شوكة، ولا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة فيظهر الدجال وهو أسحر السحرة ويبايعه اليهود فيكون يومئذ جندة مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين والمخالفين حياً ونصره على رئيسهم وكبيرهم المدعي الربوبية فقتله وهزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين فلا يجدون يومئذ مهرباً وإن توارى أحد منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه: يا روح الله ها هنا يهودي حتى يوقف عليه..
فإما أن يسلم وإما أن يقتل، وكذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر.
والوجه الثاني: وهو أنه يحتمل أن يكون إنزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قال الله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} فينزله الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراه فيها من يقرب منه ويسمع به من نأى عنه، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره ويصلون(1/1303)
عليه ويدفن حيث دفن الأنبياء الذين أمه مريم من نسلهم وهي الأرض المقدسة، فينشر إذا نشر معهم، فهذا سبب إنزاله غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد.
هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك وكان الدجال قد بلغ من فتنته أنه ادعى الربوبية ولم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقلتهم كان هو أحق بالتوجه إليه ويجري قتله على يديه إذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته، وأنزل عليه كتابه وجعله وأمه آية، فعلى هذا الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنه ينزل لقتال الدجال قصداً.
والوجه الثالث: أنه وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم حسب ما قال وقوله الحق {ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل} فدعا الله عز وجل أن يجعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله تعالى دعاءه ورفعه إلى السماء إلى أن ينزله آخر الزمان مجدداً لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام فوافق خروج الدجال فقتله.
ولا يبد على هذا أن يقال: إن قتاله للدجال يجوز أن يكون من حيث إنه إذا حصل بين ظهراني الناس وهم مفتونون قد عم فرض الجهاد أعيانهم وهو أحدهم لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره، فذلك يقوم به وذلك داخل في اتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق.
واختلف حيث يدفن فقيل: بالأرض المقدسة ذكره الحليمي.
وقيل: يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه في الأخبار.(1/1304)
فصل في الاختلاف في لفظة المسيح حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل
واختلف في لفظة المسيح على ثلاثة وعشرين قولاً ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين وقال: لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقى الرجال.
القول الأول: وهو مسيح بسكون السين وكسر الياء على وزن مفعل، فأسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء.
القول الثاني: قال ابن عباس: كان لا يمسح ذا عامة إلا برىء، ولا ميتاً إلا حيى فهو هنا من أبنية أسماء الفاعلين مسيح بمعنى ماسح.
القول الثالث: قال إبراهيم النخعي المسيح: الصديق وقاله الأصمعي وابن الأعرابي.
القول الرابع: قال أبو عبيد: أظن هذه الكلمة [هاما شيحا] بالشين المعجمة فعربت إلى [مسياً] وكذلك تنطق به اليهود.
القول الخامس: قال ابن عباس أيضاً في رواية عطاء عنه: سمي مسيحاً لأنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص، والأخمص ما لا يمس الأرض من باطن الرجل، فإذا لم يكن للقدم أخمص قيل فيه قدم رحاء ورجل رحاء ورجل أرح وامرأة رحاء.
القول السادس: قيل مسيحاً لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن.
القول السابع: قيل سمي مسيحاً لأنه مسح عند ولادته بالدهن.
القول الثامن: قال الإمام أبو إسحاق الجواني في غريبه الكبير: هو اسم خصه الله تعالى به أو لمسح زكريا.(1/1305)
القول التاسع: قيل: سمي بذلك لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة الجميل الوجه.
يقال على وجهه مسعة من جمال وحسن، ومنه ما يروى في الحديث الغريب الضعيف: يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك.
القول العاشر: المسيح في اللغة: قطع الفضة وكذلك المسيحة: القطعة من الفضة، وكذلك كان المسيح بن مريم أبيض مشرب حمرة من الرجال عريض الصدر جعداً، والجعد ها هنا اجتماع الخلق وشدة الأسر.
القول الحادي عشر: المسيح في اللغة: عرق الخيل: وأنشد اللغويون:
إذا الجياد فضن بالمسيح.
يعني العرق.
ثبت في صحيح مسلم «من حديث أبي كعب: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيتني ضرب في صدري ففصدت عرقاً وكأني أنظر إلى الله عز وجل فرقاً» ذكره الخطابي في شرحه بالصاد والضاد.
وأنشد العجاج:
إذا الجياد فضن بالمسيح.
يعني العرق.
القول الثاني عشر: المسيح: الجماع يقال مسحها إذا جامعها.
قاله المجمل لابن فارس.
القول الثالث عشر: المسيح: السيف.
قاله أبو عمرو المطرز.
القول الرابع عشر: المسيح: المكاري.
القول الخامس عشر: المسيح: الذي يمسح الأرض أي يقطعها.
قاله الثقة اللغوي أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب، ولذلك سمي عيسى مسيحاً كان تارة بالشام وتارة بمصر وتارة على سواحل البحر وفي المهامة(1/1306)
والقفار.
والمسيح الدجال كذلك سمياً بذلك لجولانهما في الأرض.
القول السادس عشر: ذكره بسنده إلى أبي الحسن القابسي، وقد سأله الحافظ النقري أبو عمرو الداني: كيف يقرأ المسيح الدجال؟ فقال: بفتح الميم وتخفيف السين مثل المسيح بن مريم لأن عيسى عليه السلام مسح بالبركة وهذا مسحت عينه.
قال أبو الحسن: ومن الناس من يقرؤه بكسر الميم وتثقيل السين فيعرف بذلك وهو وجه.
وأما أنا فلا أقرؤه إلا كما أخبرتك.
قال ابن دحية: وحكى الأزهري أنه يقال: مسيح بالتشديد على وزن فعيل قال: فرقاً بينه وبين عيسى عليه السلام، ثم أسند عن شيخه أبا القاسم بن بشكوال، عن أبي عمران بن عبد الرحمن قال: سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البر يقول: ومنهم من قال ذلك بالخاء عني المعجمة وذلك كله عند أهل العلم خطأ لا فرق بينهما وكذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نطق به ونقله الصحابة المبلغون عنه.
وأنشد في ذلك أهل اللغة قول عبد الله بن قيس الرقيات:
وقالوا: دع رقية واجتنبها ... فقلت لهم: إذا خرج المسيح
يريد إذا خرج الدجال هكذا فسره ولذلك ذكرناه.
قال الراجز:
إذا المسيح قتل المسيحا
يعني عيسى بن مريم عليه السلام يقتل الدجال بنبزك.
قرأته في المجلد الأول من شرح ألفاظ الغريب من الصحيح لمحمد بن إسماعيل تأليف القاضي الإمام المفتى أبي الأصبغ بن سهل.
القول السابع عشر: قيل سمي الدجال مسيحاً، لأن المسيح الذي لا عين له ولا حاجب.
قال ابن فارس: والمسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له(1/1307)
ولا حاجب، ولذلك سمي الدجال مسيحاً، ثم أسند عن حذيفة مستدلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة خرجه مسلم.
القول الثامن عشر: المسيح الكذاب: وهذا يختص به الدجال لأنه يكذب فيقول: أنا الله فهذا كذب البشر ولذلك خصه الله بالشوه والعار.
القول التاسع عشر: المسيح: المارد والخبيث وهو التمسيح أيضاً عن ابن فارس، ويقال هو الكذاب وكذلك التمساح بألف.
القول العشرون: قيل: الدجال: المسيح لسياحته وهو فعيل بمعنى فاعل، والفرق بين هذا وبين ما تقدم في الخامس عشر أن ذلك يختص بقطع الأرض وهذا بقطع جميع البلاد في أربعين ليلة أو مكة والمدينة.
القول الحادي والعشرون: المسيح: الدرهم الأطلس بلا نقش.
قاله ابن فارس وذلك مطابق لصفة الأعور الدجال إذ أحد شقي وجهه ممسوح وهو أشوه الرجال.
القول الثاني والعشرون: قال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من تأليفه: سمي ابن مريم مسيحاً لأن الله مسح الذنوب عنه.
القول الثالث والعشرون: قال الحافظ أبو نعيم في الكتاب المذكور: وقيل: سمي ابن مريم مسيحاً لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة وهو قوله تعالى {وجعلني مباركا أين ما كنت} .(1/1308)
فصل في بيان ما وقع في الحديث من الغريب
قوله: فيشج أي يمد والميشار، مفعال من أيشرت ووشرت أشراً ووشراً، ويقال منشار بالنون أيضاً والوجهين في الحديث وهو مفعال أيضاً من نشرت.
وقوله: فخفض ورفع بتخفيف الفاء أي أكثر من الكلام فيه، فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد، وتارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان، وهذه حالة الكثر في الكلام وروي بتشديد الفاء على التضعيف.
والتكثير.
وقوله: إنه خارج محلة.
يروي بالخاء المعجمة وبالحاء المهملة المهملة قاله الهروي، والخلة موضع حزن وضجور والحلة ما بين البلدين.
وقال الحافظ ابن دحية: ورواه هامان والحميدي حله بفتح الحاء المهملة وضم اللام وكأنه يريد حلوله، قال: وقرأت في أصل القطيعي من مسند الإمام أحمد بن حنبل وأنه يخرج حيله، ولا أعلم روى ذلك أحد غيره، وقد سقطت هذه اللفظة لأكثر رواة مسلم وبقي الكلام أنه خارج بين الشام والعراق.
وجاء في حديث الترمذي أنه يخرج بخراسان، وفي الرواية الآخرى: من ناحية أصبهان من قرية تسمى اليهودية، وفي حديث ابن ماجه(1/1309)
ومسلم بين الشام والعراق ووجه أم مبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان، ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق والشام، والله أعلم.
وعاث بالعين المهملة والثاء المثلثة والتنوين على أنه اسم فاعل، وروى بفتح الثاء على أنه فعل ماض، ووقع في حديث أبي أمامة على الفعل المستقبل والكل بمعنى الفساد عادت يعيث عيثاً، فهو عاث عثى يعثي، عثلا يعثو لغتان، وفي التنزيل: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} .
وقوله: يا عباد الله فاثبتوا.
يعني على الإسلام يحذرهم من فتنته لأنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت.
وقوله: فاقدروا له قدره، قال القاضي عياض: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع، ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عن الأوقات المعروفة في غيره من الأيام.
قلت: وكذلك الأيام القصار الحكم فيها أيضاً ما حكمه صاحبه الشرع.
وقد حمل بعض العلماء أن هذه الأيام الطوال ليست على ظاهرها، وإنما هي محمولة على المعنى.
أي يهجم عليكم غم عظيم لشدة البلاء وأيام البلاء طوال، ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني ثم يتناقص في اليوم الثالث، ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل: اليوم عندي سنة ومنه قولهم:
وليل المحب بلا آخر
وقال آخر:(1/1310)
وأيام لنا غير طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا
وهذا القول يرده قولهم: أتكفنا فيه صلاة يوم وليلة قال: لا، اقدروا له قدره.
والمعنى قدروا الأوقات للصلوات، وكذلك لا التفات لطعنه في صحة هذه الألفاظ، أعني قوله: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره فقال: هذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا، ولو كان صحيحاً لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال، ولو كان لقوي اشتهاره ولكان أعظم وأفظع من طلوع الشمس من مغربها.
والجواب: أن هذه الألفاظ صحيحة حسب ما ذكره مسلم وحسبك به إماماً، وقد ذكرها الترمذي من حديث النواس أيضاً وقال: حديث حسن صحيح، وخرجها أبو داود أيضاً وابن ماجه من حديث أبي أمامة، وقاسم بن أصبغ من حديث جابر، وهؤلاء أئمة أجلة من أئمة أهل الحديث، وتطرق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم والتحرز والثقة بعيد لا يلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد، ثم إن ذلك في زمن خرق العادات وهذا منها.
وقوله: ممحلين أي مجدبين، ويروى: أزلين والمحل والأزل والقحط والجدب بمعنى واحد، ويعاسيب النحل فحولهما، وأحدهما يعسوب، وقيل: امراؤها.
ووجه التشبيه أن يعاسب النحل يتبع كل واحد منهم(1/1311)
طائفة من النحل فتراها جماعات في تفرقة، فالكنوز تتبع الدجال كذلك.
وقوله: بين مهروتين أي بين شقي ثوب، والشقة نصف الملاءة أو في حلتين مأخوذ من الهرد بفتح الهاء وسكون الراء وهو الشق والقطع.
قال ابن دريد: إنما سمي الشق هرداً للإفساد لا للإصلاح.
وقال يعقوب: هرد القصار الثوب، وهردته بالتاء والمثناة باثنتين من فوق إذا أحرقه وخرقه.
وقال أكثرهم: في ثوبين مصبوغين بالصفرة وكأنه الذي صبغ بالهرديء ووقع في بعض الروايات بدل مهرودتين ممصرتين كذلك، ذكره أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة، والممصرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة.
والجمان ما استدار من اللؤلؤ والدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر وهو تشبيه واقع وليست بالمشبعة.
وقال ابن الأنباري: مهرودتان بدال مهملة وذال معجمة معاً أي ممصرتين كما جاء في الحديث الآخر.
وقال غيره: الهرود الذي يصبغ بالعروق التي يقال لها الهرد بضم الهاء، وقال الهروي: هرد ثوبه بالهرد وهو صبغ يقال له العروق، وقال القتبي: إن كان المحفوظ بالدال فهو مأخوذ من الهرد.
والهرد(1/1312)
والهرت: الشق ومعناه بين شقين والشقة نصف الملاءة وقال: وهذا عندي خطأ من النقلة، وأراد مهرودتين أي صفراوين يقال: هرت العمامة ألبستها صفراً وكان الثلاثي منه هروت، فخالف الجماعة من أهل اللغة فيما قالوه، وقد خطأه ابن الأنباري وقال: إنما يقول العرب هريت الثوب لا هروت ولو كان من ذلك لقيل مهراة لا مهروة، واللغة نقل ورواية لا قياس، والعرب إنما تجوز ذلك في العمامة خاصة لا في الشقة ولا يجوز قياس الشقة على العمامة.
وأما رواية الذال المعجمة فهو إبدال من الدال المهملة فإن الذال والدال قد يتعاقبان فيقال رجل مدل بالدال المهملة ومذل بالذال المعجمة إذا كان قيل اللحم خفي الشخص.
والجمان: ما استدار من اللؤلؤ والدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر، وهو تشبيه حسن.
وقوله: فحرز عبادي إلى الطور، أي ارتحل بهم إلى جبل بحرزون فيه أنفسهم.
والطور: الجبل بالسريانية.
قال الحافظ بن دحية: قيدناه في صحيح مسلم جوز بالجيم والواو والزاي كذا قيدناه في جامع الترمذي، وقيدناه أيضاً حدر بدال مهملة، فأما حرز فهو الذي رواه أكثرهم وصحح بعضهم رواية حدر وكلاهما صحيح، لأن ما خير فقد أحرز وكذلك جوز بالجيم.
وأما حدر بدال مهملة فمعناه أنزلهم إلى جهة الطور من حدرت الشيء فانحدر إذا أرسلته في صبب وحدر.(1/1313)
والنغف: جمع نغفة وهي الدود الذي يكون في أنوف الإبل والغنم.
وفرسى أي هلكى وهو جمع فريس يعني مفروس مثل قتيل وقتلى وصريع وصرعى وأصله من فرس الذب الشاة وأفرسها أي قتلها كأن تلك النغف فرستهم.
ويروى فيصحبون موتى.
والزهم: النتن.
والبخت: إبل غلاظ الأعناق عظام الأجسام.
والزلفة: المصففة الممتلئة والجمع زلف.
قال ابن دحية: قيدناه في صحيح مسلم بالفاء والقاف وهو المرآة كذا فسره ابن عباس وقاله اللغويان: أبو زيد الأنصاري وأبو العباس الشيباني.
واللقحة: الناقة الحلوب.
والغيام: الجماعة من الناس.
والفخذ: دون القبيلة وفوق البطن.
والفاثور بالفاء: الخوان يتخذ من الرخام ونحوه.
قال الأغلب العجيلي
إذا نجلى فاثور عين الشمس يقال هم على فاتور واحد أي على مائدة واحدة منزلة واحدة والفاثور أيضاً: موضع.
قاله الجوهري.
والله أعلم.
باب ما جاء في أن حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل ـ هم أصحاب الكهف وفي حجهم معه
«حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا ابن أبي أويس قال: حدثنا كثير بن عبد الله بن(1/1314)
عوف عن أبيه عن جده قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وقد تقدم.
وفيه: ولا تقدم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم عبد الله ورسوله حاجاً أو معتمراً أو ليجمعن الله ذلك له» قال كثير: فحدثت بهذا الحديث محمد بن كعب القرظي قال: ألا أرشدك في حديثك هذا؟ قلت: بلى.
فقال: كان رجل يقرأ التوراة والإنجيل فأسلم وحسن إسلامه فسمع هذا الحديث من نص بعض القوم فقال: ألا أبشركم في هذا الحديث؟ فقالوا: بلى فقال: إني أشهد أنه لمكتوب في التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام وأنه مكتوب في الانجيل الذي أنزله الله على عيسى بن مريم عليه السلام عبد الله ورسوله وأنه يمر بالروحاء حاجاً أو معمتراً أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم، فيمرون حجاجاً فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا.
باب ما جاء أن عيسى إذا نزل يجد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم خلقاً من حواريه
ذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول في الأصل الثالث.
والعشرين والمائة قال:
«حدثنا الفضل بن محمد الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن الوليد الدمشقي قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الملك بن عقبة الإفريقي، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بعثني خالد بن الوليد بشيراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤته فلما دخلت عليه قلت: يا رسول الله فقال: على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد حتى قتل رحم الله زيداً، ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل جعفر حتى قتل(1/1315)
رحم الله جعفراً، ثم أخذ اللواء عبد الله ابن رواحة فقاتل حتى قتل رحم الله عبد الله بن رواحة، ثم أخذ اللواء خالد ففتح الله لخالد فخالد سيف من سيوف الله فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حوله فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: وما لنا لا نبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا فقال: لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتنب رواكبها وهيأ مساكبها وحلق سعفها فأطعمت عاماً فوجاً، ثم عاماً فوجاً فلعل آخرها عاماً طعماً يكون أجودها قنوانا وأطولها شمراخا، والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلقاً من حواريه» .
«حدثنا علي بن سعيد بن مرزوق الكندي قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو السكسكي، عن عبد الرحمن بن حسين، عن جبير بن نفير الحضري قال: لما اشتد جزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أصيب مع زيد ابن حارثة يوم مؤته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو خير منكم ثلاث مرات ولن يخزى الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها» .
والله أعلم.
باب ما جاء أن الدجال لا يضر مسلماً
البزار «عن حذيفة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الدجال فقال: لفتنة من بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ليس من فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تضع لفتنة الدجال، فمن نجا من فتنة ما قبلها فقد نجا منها والله لا يضر مسلماً.
مكتوب بين عينيه: كافر» .(1/1316)
فصل
قلت: إن قيل: كيف قال في هذا الحديث لا يضر مسلماً، وقد قتل الرجل الذي خرج إليه من المدينة ونشره بالمنشار وذلك أعظم الضرر؟ قلنا: ليس المراد ذلك وإنما المعنى أن المسلم المحقق لا يفتنه الدجال فيرده عن دينه لما يرى عليه من سيماء الحدث، ومن لم يكن بهذه الصفة فقد يفتنه ويتبعه لما يرى من الشبهات كما في الحديث المذكور في الباب قبل هذا.
ويحتمل أن يكون عموماً يخصه ذلك الحديث وغيره، والله أعلم.
باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال واسمه صاف ويكنى أبا يوسف وسبب خروجه وصفة أبويه وأنه على دين اليهود
البزار «عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد: الدجال فقلت له: أتحلف على ذلك! قال: إني سمعت عمر يحلف بالله على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم» وأخرجه أبو داود في سننه.
وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد أخرجه أبو داود أيضاً وإسناده صحيح.(1/1317)
مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجاً أو عماراً ومعنا ابن صياد قال فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه قال: وجاء بمتاعه فوضعه على متاعي فقلت: إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة قال ففعل فرفعت لنا غنم فانطلق بعس فقال: اشرب أبا سعيد فقلت: إن الحر شديد واللبن حار ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده أو قال: آخذه عن يده فقال: أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم مشعر الأنصار ألست من أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو كافر وأنا مسلم» ، أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة ولا مكة فقد أقبلت من المدينة وأنا مكة» ! وفي رواية: وقد حججت قال أبو سعيد: حتى كدت أني أعذره ثم قال: أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن.
قال: قلت له: تباً لك سائر اليوم(1/1318)
وفي رواية: قال أبو سعيد وقيل له أيسرك أنك ذاك الرجل أي الدجال قال: فقال لو عرض علي ما كرهت.
وعن ابن عمر قال: لقيت ابن صياد مرتين، فقلت لبعضهم، هل تحدثون أنه هو؟ قال: لا والله.
قال: قلت كذبتني والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالاً وولداً، فكذلك هو زعموا اليوم، قال: فتحدثنا ثم فارقته قال فلقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه قال: فقلت متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري.
قال: قلت: لا تدري وهي في رأسك.
قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت قال: فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت، وأما أنا فو الله ما شعرت قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تعلم أنه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضبه يغضبه، وعنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صيد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل وهو يحتل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد(1/1319)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقى بجذوع النخل فقالت لابن صياد: يا صاف وهم اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركته بين» .
وفي رواية: «ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبثاً فقال ابن صياد: هو الدخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير في قتله» أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: فقدنا ابن صياد يوم الحسرة.
الترمذي «عن أبي بكرة قال: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاماً لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما ولد أعور أضر شيء وأقله منفعة تنام عينه ولا ينام قلبه، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين» ، قال أبو بكر: فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما فقلنا:(1/1320)
هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ولد ثم لنا غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه، قال: فخرجنا من عندهما، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي.
قال: حديث حسن غريب روى نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة.
قلت: خرجه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه.
وروي «من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله.
وفي آخره: فأخبرني عن الدجال أمن ولد آدم هو أم من ولد إبليس؟ قال: هو من ولد آدم لا أنه من ولد إبليس وأنه على دينكم معشر اليهود» ، وذكر الحديث.
وقيل: إنه لم يولد بعد.
وسيولد في آخر الزمان والأول أصح لما ذكرنا، وبالله توفيقنا.
وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد، والله أعلم.(1/1321)
فصل في اختلاف الناس في ابن صياد
قال أبو سليمان الخطابي: وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً كثيراً وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يقارن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعى النبوة كاذباً ويتركه بالمدينة يساكنه في داره ويجاوره فيها وما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك: اخسأ فلن تعدو قدرك.
قال أبو سليمان والذي عندي أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفاءهم، وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبينهم كتاباً وصالحهم فيه على أن لا يهاجروا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلاً في جملتهم وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب، فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره فلما كلمه علم أنه معطل وأنه من جملة السحرة والكهنة يأتيه ربيب من الجنة أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قول الدخ زجره وقال: اخسأ ولن تعدو قدرك يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان، وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم ويصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعض وذلك معنى قوله: «يأتي صادق وكاذب» .
فقال له عند ذلك خلط عليك.(1/1322)
والحكمة في أمره أنه كان فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وقد امتحن الله قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وهلكوا ونجا من هداه الله وعصمه منهم، وقد اختلف الروايات في أمر ابن صياد في ما كان من شأنه بعد كبره، فروي أنه تاب عن ذلك القول، ثم إنه مات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم اشهدوا.
قال الشيخ: الصحيح خلاف هذا لحلف جابر وعمر أن ابن صياد الدجال.
وروي أن أبا ذر كان يقول هو الدجال، وروي ذلك عن ابن عمر، وقال ابن جابر فقدناه يوم الحرة هذا وما كان مثله يخالف رواية من روى أنه مات بالمدينة، والله أعلم.
وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد عند كلامنا على خبر الجساسة إن شاء الله تعالى.
باب في ما جاء في نقب يأجوج ومأجوج السد وخروجهم وصفتهم وفي لباسهم وطعامهم وبيان قوله تعالى " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً "
باب في ما جاء في نقب يأجوج ومأجوج السد وخروجهم وصفتهم وفي لباسهم وطعامهم وبيان قوله تعالى فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً
ابن ماجه «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فتستحفرونه غداً، فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فتستحفرونه غداً إن شاء، فيرجعون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن(1/1323)
الناس منهم في حصونهم فيرمون سهامهم إلى السماء فيرجع إليها الدم، الذي أحفظ فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفاً في أقفائهم، فيقتلون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن دواب الأرض تسمن وتشكر شكراً من كثرة ما تأكل من لحومهم» .
قال الجوهري: شكرت الناقة تشكر شكراً فهي شكرة واشتكر الضرع امتلأ.
قال كعب الأحبار: إن يأجوج ومأجوج ينقرون بمناقرهم السد حتى إذا كادوا أن يخرجوا قالوا: نرجع إليه غداً وقد عاد كما كان، فإذا بلغ الأمر الأمر ألقى على بعض أن يقولوا نرجع إن شاء الله غداً فنفرغ منه، قال: فيرجعون إليه وهو كما تركوه فيخرقونه ويخرجون، فيأتي أولهم البحيرة فيشربون ما فيها من ماء، ويأتي أوسطهم عليها فيلحسون ما كان فيها من طين، ويأتي آخرهم فيقولون: قد كان ها هنا ماء ثم يرمون بنبالهم نحو السماء فيقولون: قد قهرنا من في الأرض وظهرنا على من في السماء قال: فيصب الله عليهم دواب يقال له النغف فيأخذ في أقفائهم فيقتلهم النغف حتى تنتن الأرض من ريحهم، ثم يبعث الله عليهم طيراً فتنقل أبدانهم إلى البحر فيرسل الله السماء أربعين، فتنبت الأرض حتى إن الرمانة لتشبع السكن.
قيل لكعب: وما السكن؟ قال: أهل البيت.(1/1324)
قال: ثم يسمعون الصيحة.
وخرج ابن ماجه «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله تعالى: {وهم من كل حدب ينسلون} ، فيعمون الأرض وينحاز منهم المسلمون حتى يصير بقية المسلمين في مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم حتى إنهم ليمرون بالنهر فيشربونه حتى ما يذروا فيه شيئاً فيمر آخرهم على أثرهم فيقول قائلهم: لقد كان بهذا المكان مرة ماء ويظهرون على الأرض فيقول قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم لننازلن أهل السماء حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم، فيقولون: قد قتلنا أهل السماء فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم دواب كنغف الجراد، فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضاً.
فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حساً.
فيقولون: هل من رجل يشتري نفسه وينظر ما فعلوا، فينزل إليهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى، فيناديهم ألا أبشروا فقد هلك عدوكم فيخرج الناس ويخلون سبيل مواشيهم فما يكون لهم مرعى إلا لحومهم فتشكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط» .
وخرج ابن ماجه أيضاً وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لابن ماجة، عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان ليلة أسري برسول الله لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهما السلام فتذاكروا الساعة فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده علم منها، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده علم منها فردوا الحديث(1/1325)
إلى عيسى قال: قد عهد إلي فيما دون وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله فذكروا خروج الدجال، قال فأنزلوا إليه فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج مأجوج {وهم من كل حدب ينسلون} فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا شيء إلا أفسدوه فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم فتنتن الأرض من ريحهم فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء فتحملهم فتلقيهم في البحر، ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم فعهد إلي إذا كان ذلك كانت الساعة من الناس كالحامل التي لا يدري أهلها متى تعجلهم بولادتها.
قال ابن أبي شيبة: ليلاً أو نهاراً.
قال العوام: ووجه تصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون} ، فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا شيء إلا أفسده زاد ابن أبي شيبة: {واقترب الوعد الحق} .
وروي عن عمر بن العاص قال: إن يأجوج ومأجوج ذرء ليس فيهم صديق، وهم على ثلاثة أصناف: على طول الشبر، وعلى طول الشبرين، وثلث منهم طوله وعرضه سواء، وهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام.
وروي عن عطية بن حسان أنه قال: يأجوج ومأجوج أمتان في كل أمة(1/1326)
أربعمائة ألف ليس منها أمة تشبه بعضها بعضاً.
وروي عن الأوزاعي أنه قال: الأرض سبعة أجزاء، فستة أجزاء منها: يأجوج ومأجوج، وجزء فيه سائر الخلق.
وروي عن قتادة أنه قال: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ يعني الجزء الذي فيه سائر الخلق غير يأجوج ومأجوج، فإثنا عشر للهند والسند، وثمانية آلاف للصين وثلاثة آلاف للروم وألف فرسخ للعرب.
وذكر علي بن معبد، عن أشعث، عن شعبة، عن أرطأة بن المنذر قال: إذا خرج يأجوج ومأجوج أوحى الله تبارك وتعالى إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت خلقاً من خلقي لا يطيقهم أحد غيري فمر بمن معك إلى جبل الطور ومعه من الذراري اثنا عشر ألفاً، قال: يأجوج ومأجوج ذرء في جهنم، وهم على ثلاث أثلاث: ثلث على طول الأرز وثلث مربع طوله وعرضه واحد وهم أشد، وثلث يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى، وهم من ولد يافث بن نوح.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يأجوج أمة لها أربعمائة أمير، وكذلك مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده، صنف منهم كالأرز، وصنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعاً، وصنف منهم يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى، لا يمرون بفيل ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية، فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس» .(1/1327)
ويروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض، وليس لله خلق ينمي كنمائهم في العام الواحد ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم، يتداعون تداعي الحمام ويعوون عواء الكلاب ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا: صح أصله في كتاب القصد والأمم في أنساب العرب والعجم قال: ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة يأكلون اللحوم نيئة.
وقال كعب الأحبار: خلق الله يأجوج ومأجوج على ثلاثة أصناف: صنف أجسامهم كالأرز، وصنف أربعة أذرع طولاً وأربعة أذرع عرضاً، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى فيأكلون مشائم نسائهم.
ذكره أبو نعيم الحافظ وذكره عبد الملك بن حبيب أنه قال في قول الله عز وجل في قصة ذي القرنين: {فأتبع سبباً} يعني منازل الأرض ومعاليها وطرقها حتى إذا بلغ بين السدين يعني الجبلين اللذين خلفهم يأجوج ومأجوج وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً أي كلاماً {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} .
قال عبد الملك: وهما أمتان من ولد يافث بن نوح مد الله لهما في العمر وأكثر لهما في النسل، حتى ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له ألف ولد، فولد آدم كلهم عشرةأجزاء: يأجوج ومأجوج منهم تسعة أجزاء، وسائر ولده كلهم جزء واحد.
قال عبد الملك: كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرض القوم الذين هم قريب منهم فلا يدعون لهم شيئاً إذا كان إذا أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا حملوه،(1/1328)
فقال أهل تلك الأرض لذي القرنين: هل لك أن نجعل خرجاً يعني جهلاً {على أن تجعل بيننا وبينهم سداً} قال: ما مكني فيه ربي خير من جعلكم ولكن {أعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً} قالوا له وما تريد؟ قال: {آتوني زبر الحديد} أي قطع الحديد فوضع بعضها على بعض كهيئة البناء فيما بين السدين وهما جبلان {حتى إذا ساوى بين الصدفين} يعني جانبي الجبلين {قال انفخوا} أي أوقدوا {حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} أي من تحته.
وقال عبد الملك في قوله {أفرغ عليه قطراً} يعني نحاساً ليلتصق فأفرغه عليه فدخل بعضه في بعض قال {فإذا جاء وعد ربي جعله دكا} .
وفي تفسير الحوفي أبي الحسن: أن ذا القرنين لما عاين ذلك منهم انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وهو في منقطع الترك مما يلي مشرق الشمس، فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ فلما أنشأ في عمله حفر له أساساً حتى إذا بلغ الماء جعل عرضه خمسين فرسخاً، وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس يذاب ثم يصب عليه، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقاً من نحاس فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وجمرته وسواد الحديد، فلما فرغ منه وأحكمه انطلق عائداً إلى جماعة الإنس والجن.
انتهى كلام الحوفي.
وعن علي رضي الله عنه قال: وصنف منهم في طول شبر لهم مخالب وأنياب(1/1329)
كالسباع وتداعي الحمام وتسافد البهائم وعواء الذئب، وشعور تقيهم الحر والبرد وآذان عظام إحداهما وبرة يشتون فيها، والأخرى جلدة يصيفون فيها.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: الأرض ستة أجزاء فخمسة أجزاء يأجوج ومأجوج، وجزء فيه سائر الخلق.
وقال كعب الأحبار: احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك.
قال علماؤنا: وهذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لا يحتلمون.
وقال الضحاك: هم من الترك.
وقال مقاتل: هم من ولد يافث بن نوح وهذا أشبه كما تقدم.
والله أعلم.
وقرأ عاصم يأجوج ومأجوج بالهمزة فيهما، وكذلك في الأنبياء على أنهما مشتقان من أجة الحر وهي شدته وتوقده، ومنه أجيج النار.
ومن قولهم: ملح أجاج فيكونا عربيين من أج ومج ولم يصرفا لأنهما جعلا اسمين فهما مؤنثتان معرفتان، والباقون بغير همز جعلوهما لقبيلتين أعجميتين ولم يصرفا للعجمة والتعريف(1/1330)
باب ذكر الدابة وصفتها ومتى تخرج ومن أين تخرج وكم لها من خرجة وصفة خروجها وما معها إذا خرجت وحديث الجساسة وما فيها من ذكر الدجال قال الله تعالى: " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم "
باب ذكر الدابة وصفتها ومتى تخرج ومن أين تخرج وكم لها من خرجة وصفة خروجها وما معها إذا خرجت وحديث الجساسة وما فيها من ذكر الدجال قال الله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم
وذكر أبو بكر البزار قال: حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن موسى بن عبيدة، عن صفوان بن سليم، عن ابن لعبد الله بن مسعود، عن أبيه رضي الله عنه قال: أكثروا من زيادة هذا البيت من قبل أن برفع وينسى الناس مكانه، وأكثروا من تلاوة القرآن من قبل أن يرفع.
قالوا يا أبا عبد الرحمن: هذه
المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال؟ قال: يصبحون فيقولون: قد كنا نتكلم بكلام ونقول قولاً فيرجعون إلى شعر الجاهلية وأحاديث الجاهلية وذلك حين يقع القول عليهم.
قال العلماء: معنى وقع القول عليهم: أي وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان والعقوق والطغيان وإعراضهم من آيات الله وتركهم تدبرها والنزول على حكمها، وانتهابهم في المعاصي إلى ما لا ينجع معه فيهم موعظة ولا يصرفهم عن غيهم تذكرة يقول عز من قائل ـ فإذا صاروا كذاك: {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلم} أي دابة تعقل وتنطلق ـ وذلك والله أعلم ليقع لهم العلم بأنه آية من قبل الله تعالى ضرورة فإن الدواب في العادة لا كلام لها ولا عقل.(1/1331)
ابن ماجه، «عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع البادية قريب من مكة، فإذا أرض يابسة حولها رمل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فتر في شبر» قال ابن بريدة: فحججت بعد ذلك بسنتين فأرانا عصا له فإذا هو بعصاي هذا وكذا الفتر ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتها قاله الجوهري.
وخرج ابن ماجه أيضاً «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان بن داود، وعصا موسى بن عمران، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فتقول هذا يا مؤمن وتقول هذا يا كافر» .
وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.
وذكر أبو داود الطيالسي في مسنده «عن حذيفة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: لها ثلاث خرجات من الدهر: فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية مكة، ثم تكمن زماناً طويلاً، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية ويدخل ذكرها القرية يعني(1/1332)
مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على المسجد الحرام لن تدعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى ومعاً، وتثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكواكب الدري وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه، فتقول له يا فلان: الآن تصلي فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول: يا كافر اقض حقي وحتى إن الكافر يقول يا مؤمن اقض حقي وقد قيل: إنها تسم وجوه الفريقين بالنفخ فتنقش في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر» .
قال المؤلف رحمه الله: ولا يبعد أن تظهر السمة وتتبين بالنفخ فتجمع عليه الأمرين وعلى هذا لا تعارض والله أعلم.
وذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا علي بن الجعد، عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأعز: وسئل عنه يحيى بن معين فقال: ثقة.
عن عطية العوفي عن ابن عمر قال: تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها.
وذكر الميانشي «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دابة الأرض تخرج من جياد فيبلغ صدرها الركن ولم يخرج ذنبها بعد وهي دابة ذات وبر وقوائم» .(1/1333)
فصل: هذه الأحاديث وما تقدم من ذكر العلماء في الدابة ويأتي.
يرد قول من قال من المفسرين المتأخرين: إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم ليتقطعوا، فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
قال شيخنا أبو العباس: وعلى هذا لا يكون فيها آية خاصة خارقة للعادة ولا يكون من جملة العشر آيات المذكورة في(1/1334)
الحديث، لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة ينبغي أن يذكر من العشر.
قلت: فساد ما قاله هذا المتأخر واضح وأقوال المفسرين بخلافه.
«وروى من حديث هشام بن يوسف القاضي أبي عبد الرحمن الصنعاني، عن رباح بن عبيد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الشعب جياد قالوا: وفيم ذلك يا رسول الله؟ قال: تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين لم يتابع رباح على هذا» أخرج الحديث أبو أحمد بن عدي الجرجاني رحمه الله.
وعن عمرو بن العاص قال: تخرج الدابة من مكة من شجرة وذلك في أيام الحج فيبلغ رأسها السحاب وما خرجت رجلاها بعد من التراب ذكره القتبي في عيون الأخبار له.
وأصح أقوال المفسرين بخلاف ما قال: وأنها خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فينير وجهه وتكتب بين عينيه: مؤمن، وتسم الكافر فيسود وجهه وتكتب بين عينه كافر.
وقال عبد الله بن عمر: تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه وقال عبد الله بن عمرو ونحوه، وقال: لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت.
وروي عن قتادة أنها تخرج من تهامة.
وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث نار تنور نوح، وقيل: من أرض الطائف.
وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين وهي في السحاب وقوائمها في الأرض.
وروي عن ابن الزبير: أنها جمعت من خلق كل حيوان.
فرأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب(1/1335)
كبش
، وقوائهما قوائم بعير.
بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً.
ذكره الثعلبي.
والماوردي وغيرهما.
وحكى النقاش عن ابن عباس: أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعاها العقاب حتى أرادت قريش بناء الكعبة، ويروى أنها دابة مزعبة شعراً ذات قوائم طولها ستون ذراعاً.
ويقال إنها الجساسة في حديث فاطمة بنت قيس الحديث الطويل.
وخرجه مسلم وذكره الترمذي وأبو داود مختصراً والسياق لمسلم وفيه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكنني جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال.
حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حيث مغرب الشمس، قال: فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر» .
وقال الترمذي: إن ناساً من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بداية لباسة ناشرة(1/1336)
شعرها، فقالوا: من أنت؟ قالت: أنا الجساسة وذكر الحديث.
راجع سياق مسلم فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
قالوا وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق.
قال لما سمعت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة.
قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا هو أعظم إنسان رأيناه خلقاً وأشد وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
وقال الترمذي: فإذا رجل موثق بسلسلة.
قال أبو داود: فإذا الرجل يجر شعره مسلسلاً في الأغلال ينزو فيها بين السماء والأرض.
قلنا: ويلك ما أنت: قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم.
قالوا: نحن ناس من العرب ركبنا سفينة بحرية فصادفنا البحر قد اغتلم فلعب الموج بنا شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر.
فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة فقلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم(1/1337)
بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها وما نأمن أن تكون شيطانة.
فقال: أخبروني عن نخل بيسان.
وقال الترمذي: الذي بين الأردن وفلسطين.
قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا له: نعم.
قال: أما أنها يوشك أن لا تثمر.
قال: أخبروني عن بحيرة طبرية.
قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء أما أن ماؤها يوشك أن يذهب.
قال: أخبروني عن عين زغر.
قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها.
قال أخبرني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب.
قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم.
قال: كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه.
قال لهم قد كان ذلك؟ قلنا: نعم قال أما إن ذلك هو خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني أنا المسيخ الدجال.
وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة هما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها وأن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم.
قال: فإنه أعجبني(1/1338)
حديث تميم الداري فإنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة، إلا أنه في بحر الشام وبحر اليمن لا بل من قبل المشرق وما هو من قبل المشرق، وأومأ بيده إلى المشرق» قال: حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد خرج ابن ماجه «حديث فاطمة بنت قيس: قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وصعد المنبر وكان لا يصعد عليه مثل ذلك اليوم إلا يوم الجمعة، فاشتد ذلك على الناس فمن بين قائم وجالس فأشار إليهم بيده أن اقعدوا، فو الله ما قمت مقامي إلا لأمر ينفعكم لا رغبة ولا رهبة، ولكن تميم الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا أن ابن عم لتميم الداري أخبرني أن الريح ألجأتهم إلى جزيرة لا يعرفونها، فقعدوا في قوارب السفينة فخرجوا بها فإذا هم بشيء أهدب أسود كثير الشعر.
قالوا لها: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
قالوا: أخبرينا.
قالت: ما أنا مخبرتكم شيئاً ولا سائلكتم، وليكن هذا الدير قد رهقتموه فائتوه فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن تخبروه ويخبركم فأتوه فدخلوه عليه، فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق مظهر الحزن شديد التشكي قال لهم: من أين؟ فقالوا: من الشام.
فقال: ما فعلت العرب؟ قالوا: نحن قوم من العرب عم تسأل؟ قال: ما فعل الرجل الذي خرج فيكم؟ قالوا: خيراً أتى قوماً فأظهره الله عليهم، فأمرهم اليوم جميع إلههم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد.
قال: ما فعلت عين زغر؟ قالوا: خيرا يسقون منها لزروعهم ويستقون منها لشعبهم.
قال: ما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: يطعم ثمره كل عام.
قال: ما فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا تدفق بجنباتها من كثرة الماء.
قال: فزفر ثلاث زفرات(1/1339)
ثم قال: لو انفلت من وثاقي هذا لم أدع أرضاً إلا وطئتها برجلي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سبيل» .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى هذا انتهى وحيى هذه طيبة والذي نفسي بيده ما فيها طريق ضيق ولا واسع ولا سهل ولا جبل إلا وعليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة» .
قال المؤلف رحمه الله: هذا حديث صحيح، وقد خرجه مسلم والترمذي وأبو داود وغيرهم رضي الله عنهم.
وقد قيل: إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له حجر فدخل فيه ثم انطبق عليه، فهو فيه إلى وقت خروجه حتى يخرج بإذن الله تعالى.
قلت: ويدل على هذا القول حديث حذيفة المذكور في هذا الباب وفيه: وهي ترغو والرغال إنما هو للإبل والله أعلم.
ولقد أحسن من قال:
واذكر خروج فعيل ناقة صالح ... يسم الورى بالكفر والإيمان
فصل: وقد استدل من قال من العلماء: إن الدجال ليس ابن صياد بحديث الجساسة وما كان في معناه، والصحيح أن ابن صياد هو الدجال بدلالة ما تقدم وما يبعد أن يكون بالجزيرة ذلك الوقت، ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر إلى أن فقدوه يوم الحرة، وفي كتاب أبي داود في خبر الجساسة من(1/1340)
حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: شهد جابر أنه هو ابن صياد(1/1341)
قلت فإنه قد مات قال: وإن مات.
قلت: فإنه قد أسلم قال وإن أسلم.
قلت: فإنه قد دخل المدينة.
قال: وإن دخل المدينة.
وذكر سيف بن عمر في كتاب الفتوح والردة: ولما نزل أبو سبرة في الناس على السوس وأحاط المسلمون بها وعليهم الشهربان أخو الهرمزان ناوشوهم القتال.
كل ذلك يصيب أهل السوس من المسلمين.
فأشرف عليهم يوما الرهبان والقسيسيون فقالوا: يا معشر العرب إن مما عهد علماؤنا وأوائلنا أنه لا يفتح السوس إلا ال أو قوم فيهم الدجال.
فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها وإن لم يكن فيكم فستفتحونها وإن لم يكن فيكم فلا تعنوا أنفسكم بالحصار.
قال وصاف ابن صياد يومئذ مع النعمان في جند فأتى باب السوس غضبان فدقه برجله وقال: انفتح فطار فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون، وقصته مع أبي سعيد، وقوله: والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن.(1/1342)
وقال الترمذي: وأين هو الساعة من الأرض وأعرف والده كالنص في أنه هو واحتجاجه بأنه مسلم وولد له ودخل المدينة وهو يريد مكة تلبس منه، وأنه سيكفر إذا خرج، وحينئذ لا يولد له ولا يدخل مكة والمدينة، والله أعلم.
وقوله: ارفأوا: أي الجأوا إلى جزيرة لجأوا مرفأ السفينة حيث ترسي، يقال: أرفأت السفينة إذا قربتها من الشط، وذلك الموضع مرفأ، وأرفأت إليه لجأت إليه، وأقرب السفينة هي القوارب الصغار يتصرف بها ركاب السفينة والواحد قارب على غير قياس.
قال الخطابي والماذري: والمهلب: الشعر الغليظ، وقال: أهلب على معنى الحبوان أو الشخص ولو راعى اللفظ لقال هلبا كأحمر وحمر.
والأهلب أيضاً عند بعض أهل اللغة: الذي لا شعر عليه وهو من الأضداد واستفهامهم منها: ظناً منهم أنها ممن لا تعقل، فلما كلمتهم، فرقوا: أي فزعوا.
واغتلام البحر: هيجانه وتلاطم أمواجه وبيسان وزغر: موضعان بالشام بين الأردن وفلسطين.
كما في حديث الترمذي.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: كانت بيسان مدينة وفيها سوق كبيرة وعين تسمى عين فلوس يسقى منها، وبحيرة طبرية هي بحيرة عظيمة طولها عشرة أميال وعرضها ستة أميال وموجها في سور قلعتها وهي عميقة تجري فيها السفن ويصاد منها السمك وماؤها حلو فرات، وبين بحيرة طبرية وبيت المقدس نحو من مائة ميل وهي من الأردن ولزمتها(1/1343)
هي لصغيرة بحرة ولا بحر، لأن البحر مذكر، وتصغيره بحيرة، وعين زغر بضم الزاي وفتح الغين وامتناع صرفه للعلمية والعدل لأنه معدول عن زاغر كعمر معدول عن عامر، وزعم الكلبي أن زغر اسم امرأة نسبت هذه العين إليها، فإن كان ما قاله حقاً فلأن هذه المرأة استنبطتها واتخذت أرضها داراً لها.
فنسبت إليها.
ذكره ابن دحية في كتاب البشارات والإنذارات له من تأليفه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن» .
شك أو ظن منه عليه الصلاة والسلام أو قصد على الإبهام على السامع، ثم نفى ذلك وأضرب عنه بالتحقيق فقال: «لا بل من قبل المشرق» ، ثم أكد ذلك بما الزائدة وبالتكرار اللفظي فما زائدة لا نافية، فاعلم ذلك.
باب طلوع الشمس من مغربها وإغلاق باب التوبة وكم يمكث الناس بعد ذلك؟
مسلم «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض» .
وخرج الترمذي والدارقطني.
«عن صفوان بن عسال المرادي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.(1/1344)
وقال سفيان: [قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً يعين التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه] قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وذكر أبو إسحاق الثعلبي وغيره من المفسرين في حديث فيه طول، «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: أن الشمس تحبس على الناس حتى تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد مقدار ليلة تحت العرش كلما سجدت واستأذنت ربها عز وجل من أين تطلع لم يحر إليها جواب، حتى يوافيها القمر فيسجد معها ويستأذن من أين يطلع فلا يجر إليه جواب، حتى يجلسا مقدار ثلاث ليالي للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف ما طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض، وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين، فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام، فيقول: إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيطلعان من مغاربهما أسودين لا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك، فذلك قوله تعالى {وجمع الشمس والقمر} وقوله {إذا الشمس كورت} فيرتفعان كذلك مثل البعيرين والفرسين، فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي نصفها جاءهما جبريل فأخذ بقرونها وردهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما، ولكن يغربهما من باب التوبة، ثم يرد المصراعين ثم يلتئم بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة ولم تنفعه حسنة يعملها من كان قبل ذلك محسناً، فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم، فذلك قوله(1/1345)
تبارك وتعالى {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} .
ثم إن الشمس والقمر يكسبان بعد ذلك الضوء والنور، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كان قبل ذلك يطلعان ويغربان» وذكر الميانشي وقال عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم «ويبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة» .
فصل
قال العلماء: وإنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوعها من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» أي تبلغ روحه رأس حلقه وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة ومقعده من النار، فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله.
وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش، لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة، فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ولا يتحدثون عنه إلا قليلاً، فيصير الخبر عنه خاصاً وينقطع التواتر عنه، فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه، والله أعلم.(1/1346)
وقد قيل: إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمرود: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر} وإن الملحدين والمنجمين عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون: هو غير كائن فيطلعها الله تعالى يوماً من المغرب ليرى المنكرين لذلك قدرته من أن الشمس في قدرته إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب، وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأما المصدق فإنه تقبل توبته وينفعه إيمانه قبل ذلك، والله أعلم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيراً يومئذ فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل منه ومن كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قبل منه.
وروي عن عمران بن حصين أنه قال: إنمالم تقبل وقت الطلوع حتى تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس، فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت ثم هلك لم تقبل توبته، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته.
ذكره الليث السمرقندي في تفسيره.
فصل
واختلفت الروايات في أول الآيات، فروي أن طلوع الشمس من مغربها أولها على ما وقع حديث مسلم في هذا الباب.
وقيل: خروج الدجال.
وهذا القول أولى القولين وأصح لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الدجال خارج فيكم لا محالة» الحديث بطوله.
فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم(1/1347)
أيام عيسى عليه السلام، ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحداً بإسلام من أسلم منه.
وقد تقدم القول مبيناً في هذا، وأن أول الآيات الخسوفات، فإذا نزل عيسى عليه السلام وقتل الدجال خرج حاجاً إلى مكة، فإذا قضى حجة انصرف إلى زيارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا وصل إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل الله عند ذلك ريحاً عنبرية فتقبض روح عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، فيموت عيسى عليه السلام ويدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في روضته، ثم تبقى الناس حيارى سكارى فيرجع أكثر أهل الإسلام إلى الكفر والضلالة وتستولي أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام، فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها، وعند ذلك يرفع القرآن من صدور الناس ومن المصاحف، ثم تأتي الحبشة إلى بيت الله فينقضونه حجراً حجراً ويرمون بالحجارة في البحر، ثم تخرج حينئذ دابة الأرض تكلمهم، ثم يأتي دخان يملأ ما بين السماء والأرض، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ويضيق أنفاسهم، ثم يبعث الله ريحاً من الجنوب من قبل اليمن مسها مس الحرير وريحها ريح المسك، فتقبض روح المؤمن والمؤمنة، وتبقى شرار الناس ويكون الرجال لا يشبعون من النساء والنساء لا يشبعن من الرجال، ثم يبعث الله الرياح فتلقيهم في البحر.
هكذا ذكر بعض العلماء الترتيب في الأشراط وفيه بعض اختلاف، وقد تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم، والله أعلم.(1/1348)
وقيل: إذا أراد الله انقراض الدنيا وتمام لياليها وقربت النفخة خرجت نار من قعر عدن لتسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم وتقيل معهم حتى يجتمع الخلق بالمحشر الإنس والجن والدواب والوحوش والسباع والطير والهوام وخشاش الأرض وكل من له روح، فبينما الناس قيام في أسواقهم يتبايعون وهم مشتغلون بالبيع والشراء إذا هم بهدة عظيمة من السماء يصعق منها نصف الخلق فلا يقومون من صعقتهم مدة ثلاثة أيام، والنصف الآخر من الخلق تذهل عقولهم فيبقون مدهوشين قياماً على أرجلهم، وهو قوله تعالى {ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} فبينما هم كذلك إذا هدة أخرى أعظم من الأولى غليظة فظيعة كالرعد القاصف، فلا يبقى على وجه الأرض أحد إلا مات.
كما قال ربنا جل وعلا {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} فتبقى الدنيا بلا آدمي ولا جني ولا شيطان، ويموت جميع من في الأرض من الهوام والوحوش والدواب وكل شيء له روح، وهو الوقت المعلوم الذي كان بين الله تعالى وبين إبليس الملعون.
باب خراب الأرض والبلاد قبل الشام
ما جاء في خراب الأرض والبلاد قبل الشام ومدة بقاء المدينة خراباً قبل يوم القيامة وفي علامة ذهاب الدنيا ومثالها وفي أول ما يخرب ما يخرب منها.
«روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ويبدأ الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من العراق، وخراب مصر من جفاف النيل،(1/1349)
وخراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وخراب الأيلة من الحصار، وخراب فارس من الصعاليك، وخراب الترك من الديلم، وخراب الديلم من الأرمن، وخراب الأرمن من الخزر، وخراب الخزر من الترك، وخراب الترك من الصواعق وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب الزوراء من السفياني، وخراب الروحاء من الخسف، وخراب العراق من القحط» .
ذكره أبو الفرج الجوزي رحمه الله في كتاب روضة المشتاق والطريق إلى الملك الخلاق وسمعت أن خراب الأندلس من الريح العقيم.
والله أعلم.
وذكر أبو نعيم الحافظ، عن أبي عمران الجوني وأبي هارون العبدي أنهما سمعا نوفا البكالي يقول: إن الدنيا مثلت على طير، فإذا انقطع جناحاه وقع وإن جناحي الأرض مصر والبصرة، فإذا خربتا ذهبت الدنيا.
وذكر أبو زيد عمر بن شبة، «حدثنا موسى ابن إسماعيل قال: حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير قال: ذكر لي عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما والله يا أهل المدينة لتتركها قبل يوم القيامة أربعين» .
وقال كعب: ستخرب الأرض قبل الساعة بأربعين سنة، وليهاجرن الرعد والبرق إلى الشام حتى لا تكون رعدة ولا برقة إلا ما بين العريش والفرات.
«ويروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: إني إذا أردت أن أخرب الدنيا بدت ببيتي فأخربه، ثم أخرب الدنيا على أثره» قد(1/1350)
تقدم أن الذي يخربه ذو السويقتين على ما تقدم، والله أعلم.
باب لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله
مسلم «عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله» .
وفي رواية أخرى: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله» .
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قيد الله برفع الهاء ونصبها فمن رفعها فمعناه ذهاب التوحيد، ومن نصبها فمعناه انقطاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أي لا تقوم الساعة على أحد يقول: اتق الله.
قال المؤلف رحمه الله: ويدل على صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث حذيفة: «لتقصدنكم نار هي خامدة» الحديث وفيه هم شر من الحمر يتسافدون تسافد البهائم وليس فيهم رجل يقول: مه مه.
وقد قيل: إن هذه الإسم أجراه الله على ألسنة الأمم من لدن آدم عليه السلام ولم تنكره أمة بل هو دائر على ألسنتهم من عهد أبيهم إلى انقضاء الدنيا، وقد قال قوم نوح: {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} الآية، وقال قوم هود: {أجئتنا لنعبد الله وحده} ، وقالوا {إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً} إلى غير ذلك.
وقال: {ولئن(1/1351)
سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} فإذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين وانتزع هذا الاسم من ألسنة الجاحدين وفجأهم عند ذلك الحق اليقين، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة وعلى الأرض من يقول: الله» .
وفي الخبر: إن الله تعالى يقول لإسرافيل عليه السلام: إذ سمعت قائلاً يقول: لا إله إلا الله فأخر النفخة أربعين سنة إكراماً لقائلها.
والله أعلم.
باب على من تقوم الساعة؟
مسلم «عن عبد الرحمن بن شماسة المهدي قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وهم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم، فبينما هم كذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له ابن شماسة يا عقبة: اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك فقال عبد الله: أجل.
ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها كمس الحرير لا تترك نفساً في قلبها مثقال حبة من إيمان إلا قبضتها ثم تبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة» .
وفي حديث عبد الله بن مسعود: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً يتهارجون كما تتهارج الحمر.
قال الأصمعي: قوله يتهارجون يقول: يتسافدون يقال: بات فلان يهرج.
والهرج في غير هذا: الاختلاط والقتل.(1/1352)
وخرج مسلم، «عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى تعبد اللات والعزى، فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} أن ذلك عام.
قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث ار ريحاً طيبة فتتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم» .
والله أعلم.
فصل
ذكر أبو الحسن بن بطال رحمه الله في هذا الحديث في شرح البخاري له مبيناً لحديث البخاري «عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة» الحديث وقد تقدم وقال: هذه الأحاديث وما جاء فيها معناها الخصوص وليس المراد بها أن الدين كله ينقطع في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريباً كما بدأ» .
«روى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل(1/1353)
آخرهم المسيح الدجال» ، وكان مطرف يقول هم أهل الشام.
قلت: ما ذكره من أن الدين لا ينقطع وأن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة يرده حديث عائشة وعبد الله بن عمرو، وما ذكره من حديث عمران بن حصين وقد تقدم أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال ويخرج يأجوج ومأجوج ويموتون ويبقى عيسى عليه السلام ودين الإسلام لا يعبد في الأرض غير الله كما تقدم، وأنه يحج ويحج معه أصحاب الكهف فيما ذكره المفسرون، وقد تقدم أنهم حوارية إذا نزل فإذا توفي عيسى عليه السلام بعث الله تعالى عند ذلك ريحاً باردة من قبل الشام، فتأخذ تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة كذا في حديث النواس بن سمعان الطويل، وقد تقدم.
وفي حديث عبد الله بن عمرو: ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو دخل أحدكم في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث.
وقد تقدم بكماله.
وفيه ذكر النفخ والصعق والبعث، فهذا غاية في البيان في كيفية انقراض هذا الخلق وهذه الأزمان، فلا تقوم الساعة وفي الأرض من يعرف الله ولا من يقول: الله الله.(1/1354)
وذكر أبو نعيم عن أبي الزهراية، عن كعب الأحبار قال: يمكث الناس بعد خروج ويأجوج ومأجوج في الرخاء والخصب والدعة عشر سنين، حتى إن الرجلين ليحملان الرمانة الواحدة بينهما ويحملان العنقود الواحد من العنب، فيمكثون على ذلك عشر سنين، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فلا تدع مؤمناً إلا قبضت روحه، ثم تبقى الناس بعد ذلك يتهارجون تهارج الحمر في المروج حتى تأتيهم أمر الله والساعة وهم على ذلك.
نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالشهداء والصالحين، وأن يجعلنا من عباده المتقين الفائزين، ويجعل ما كتبته خالصاً لوجهه الكريم، بمنه وكرمه، وأن ينفعنا به ووالدينا، وغفر الله لصاحب هذا الكتاب، ولوالديه، ولسائر المسلمين أجمعين.
آمين يا رب العالمين.
تم الكتاب وربنا محمود ... وله المكارم والعلا والجود
وعلى النبي محمد صلواته ... ما ناح قمري وأورق عود
ووافق الفراغ من نسخه، في منتصف شهر رمضان المعظم قدره، من شهور سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة.
على يد أقل عباد الله وأحوجهم إلى لطفة الخفي.
الحسين بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي.
غفر الله له ولوالديه، ولمن قرأ فيه، ودعا له بالتوبة النصوح، والمغفرة والرحمة يا رب العالمين، ولسائر المسلمين أجمعين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
حسبنا الله ونعم الوكيل.(1/1355)