واحترز بالقيد الأول، وهو أن يراد به سحر يوم بعينه من المبهم، فإنه ينصرف1 اتفاقًا نحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] أي من الأسحار، وبالقيد الثاني، وهو أن يستعمل ظرفًا من المعين المستعمل غير ظرف، فإنه يجب تعريفه بـ" أل" أو الإضافة للدلالة على التعيين نحو: طاب السحر سحر ليلتنا، وبالقيد الثالث وهو أن يجرد من "أل" والإضافة، فإنه يصرف اتفاقًا، نحو: جئتك يوم الجمعة السحر، أو سحره، وإليه أشار الناظم بقوله:
671- والعدل والتعريف مانعا سحر إذا به التعيين قصدا يعتبر
"الثالث" من المعدول "فعل". بضم الفاء وفتح العين "علما للمذكر إذا سمع ممنوع الصرف وليس فيه علة ظاهرة غير العلمية". وهو المشار إليه من النظم بقوله:
670- .............................. ................... أو كثعلا
"نحو: عمر" مما ليس بصفة في الأصل. والمحفوظ من ذلك: عمر، ومضر، "وزفر"، وقثم، "وزحل"، وحشم، "وجمح"، وقزح، وعصم، وجحا، ودلف، وهذل، وبلغ، وثعل، "فإنهم قدروه معدولا" عن فاعل غالبًا. "لأن العلمية لا تستقل بمنع الصرف".
وأمكن العدل دون غيره فإن الغالب في الأعلام النقل. فعمر مثلا معدول عن عامر، فإن عامرًا ثابت في الآحاد النكرات بخلاف عمر. "مع أن صيغة فُعَل قد كثر فيها العدل" التحقيقي "كـ: غدر، وفسق"، فإنهما معدولان عن، غادر وفاسق "وكـ: جمع وكتع"، فإنهما معدولان عن: جمعاوات وكتعاوات. "وكـ: أخر"، فإنها معدولة عن آخر بفتح الخاء والمد.
وفائد العدل في الأعلام تخفيف اللفظ، وتحقيق العلمية، ونفي الوصفية وبعضها منقول عن أفعل نحو2: ثعل، فإن ورد فعل مصروفًا، حكم بعدم عدله كـ: أدد.
"و" أما {طُوًى} [طه: 12] فيمن منع صرفه3، فالمعتبر فيه4 التأنيث باعتبار البقعة لا العدل عن طاو5، لأنه" أي العدل "قد أمكن غيره"، وهو التأنيث,
__________
1 في "أ": "يصرف".
2 في "ب": "الفعل عن" مكان "أفعل نحو".
3 في الإتحاف ص302: "وقرأ الباقون بالضم بلا تنوين على عدم صرفه للتأنيث باعتبار البقعة والتعريف، أو للعجمة والعلمية". وانظر معاني القرآن للفراء 2/ 176، والنشر 2/ 319.
4 سقطت من "ب".
5 في "ب": "من طاوي".(2/344)
"فلا وجه لتكلفه" أي العدل، "ويؤيده" أي اعتبار التأنيث "أنه" أي طوى "يصرف باعتبار المكان". فلو كان العدل معتبرًا فيه لما انصرف إذا اعتبر فيه المكان.
واحترز بقوله: علما من1 فعل الوارد جمعًا كـ: غرف وقرب، أو اسم جنس كـ: صرد ونفر، أو صفة كـ: حطم ولبد، أو مصدرًا: كـ: هدى وتقى، فإنها مصروفة اتفاقًا. وبقوله إذا سمع ممنوع الصرف كما سمع مصروفًا كـ: أدد، وعما لم يسمع فيه صرف ولا عدمه فإن فيه خلافًا. فقال سيبويه2: يصرف حملا على الأصل في الأسماء. وقال غيره: يمنع صرفه حملا على الغالب في فُعل علمًا. وليس بجيد، قاله الخضراوي3. وبقوله: وليس فيه علة ظاهرة غير العلمية عن مثل طوى، وتقدم شرحه.
"الرابع" من المعدول "فعال" بفتح الفاء "علما للمؤنث كـ: حذام وقطام، في لغة" بني "تميم" وتميم أبو قبيلة، وهو تميم بن مر بن أد بن طلحة بن إلياس بن مضر4، "فإنهم يمنعون صرفه"5 واختلف في علة ذلك. "فقال سيبويه6: للعلمية والعدل عن فاعلة". ويرجحه أن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة. "وقال المبرد7 للعلمية والتأنيث المعنوي كـ: زينب8" ويرجحه أنهم لا يدعون العدل في نحو: طوى؛ كما تقدم.
"فإن ختم" فعال علما للمؤنث "بالراء كـ: سفار؛ اسما لماء" من مياه العرب؛ ملحوظ فيه معنى التأنيث، ولهذا قال سيبويه9: "اسم الماء". وقال الجوهري10: "اسم لبئر". وهو المناسب، لأن الكلام في أعلام المؤنث، والماء مذكر: "وكـ: وبار اسما لقبيلة11، بنوه على الكسر، إلا قليلا منهم"، أي من تميم12.
__________
1 في "ط": "عن".
2 الكتاب 3/ 222.
3 في كتابه الإفصاح كما قال السيوطي في همع الهوامع 1/ 89.
4 جمهرة أنساب العرب ص466.
5 شرح ابن الناظم ص468، وشرح ابن عقيل 2/ 337.
6 الكتاب 3/ 277.
7 المقتضب 3/ 373، والكامل ص591-592.
8 سقط من "ب".
9 الكتاب 3/ 279.
10 الصحاح "سفر".
11 في جمهرة أنساب العرب ص462: "وبار: ابن أميم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام".
12 في شرح ابن الناظم ص469: "وأما ما آخره راء نحو ظفار ووبار... فيوافق فيه التميميون أهل الحجاز غالبًا".(2/345)
قال الفرزدق: [من الطويل]
792- متى تردن يوما سفار تجد بها أديهم يرمي المستجيز المعورا
وإنما كان الكثير الكسر عندهم لأن مذهبهم الإمالة، فإذا كسروا توصلوا إليها.
ولو منعوه الصرف لامتنعت. قاله الخليل1. "وقد اجتمعت اللغتان"؛ الإعراب والبناء؛ "في قوله"، وهو الأعشى ميمون: [من م. البسيط]
793- ألم تروا إرما وعادا أودى بها الليل والنهار
ومر دهر على وبار فهلكت جهرة وبار
فبنى "وبار" الأولى على الكسر، وأعرب "وبار" الثانية رفعًا2 على الفاعلية بهلكت.
ويحتمل أن تكون الواو الأولى عاطفة، والثانية ضمير لا حرف إطلاق، ووبار فعلا ماضيا من البوار، والجملة معطوفة على هلكت، وفاعل هلكت ضمير مستتر فيها عائد2 على "وبار" المكسور.
والمعنى: هلكت وبارت. وقال أولا: هلكت، على القبيلة، وثانيًا: وباروا، على أهلها. وعلى هذا يكتب باروا بالواو والألف كما يكتب ساروا. فلا شاهد فيه على لغة الإعراب. وإرم اسم قبيلة عاد. وأودى بها: أهلكها. "وأهل الحجاز يبنون الباب كله على الكسر تشبيهًا له بنزال" في التعريف، والعدل، والوزن، والتأنيث3، "كقوله" وهو لجيم بن صعب في امرأته: [من الوافر]
__________
792- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 288، وشرح شواهد المغني 1/ 285، ولسان العرب 4/ 371 "سفر" 4/ 614 "عور"، ومغني اللبيب 1/ 97، ومعجم البلدان 3/ 223 "سفار"، والمقتضب 3/ 50، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب 96.
1 الكتاب 3/ 269.
793- البيتان للأعشى في ديوانه 331، والبيت الثاني في شرح أبيات سيبويه 2/ 240، وشرح الأشموني 2/ 538، وشرح شذور الذهب ص97، وشرح المفصل 4/ 64، 65، والكتاب 3/ 279، ولسان العرب 5/ 273 "وبر"، والمقاصد النحوية 4/ 358، وهمع الهوامع 1/ 29، وبلا نسبة في أمالي بن الحاجب ص364، وأوضح المسالك 4/ 130، وشرح ابن الناظم ص469، وما ينصرف وما لا ينصرف ص77، والمقتضب 3/ 50، 376، والمقرب 1/ 282.
2 سقط من "ب".
3 شرح ابن النظم ص468.(2/346)
974- إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
فبناها1 على الكسر مع انها فاعل "قالت" في الموضعين.
وإذا سمي بباب "حذام" مذكر، زال موجب البناء، وهو التشبيه بنزال لأنه ليس الآن مؤنثًا معدولا فيعرف غير منصرف. ومن العرب من يصرفه، قال سيبويه2.
واعلم أن التشبيه بنزال فيما يذكر إنما يتم على مذهب المبرد. فإنه يقول3: نزال معدول عن مصدر معرفة مؤنث، وبني لتضمنه معنى لام الأمر:
وظاهر كلام سيبويه أنه معدول معرَّف عن نفس الفعل، فيكون التشبيه في العدل والوزن. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
672- وابن على الكسر فعال علما مؤنثا وهو نظير جشما
673- عند تميم................ ...........................
"الخامس" من المعدول: "أمس إذا كان مرادًا به اليوم الذي يليه يومك، ولم يضف، ولم يقرن بالألف واللام"، ولم يصغر ولم يكسر، "ولم يقع ظرفًا، فإن بعض بني تميم يمنع صرفه مطلقًا" رفعًا نصبًا وجرًّا4، "لأنه" علم على اليوم الذي يليه يومك. "معدول عن الأمس" المعروف بـ:"أل" فيقولون: مضى أمس، بالرفع بلا تنوين. وشاهدت أمس، وما رأيت زيدًا مذ أمس، بالفتح فيهما. "كقوله": [من الرجز]
795- لقد رأيت عجبًا مذ أمسا عجائزًا مثل السعالي خمسا
__________
794- البيت للجيم بن صعب في شرح شواهد المغني 2/ 569، والعقد الفريد 3/ 363، ولسان العرب 6/ 306 "رقش"، والمقاصد النحوية 4/ 370، وله أو لوسيم بن طارق في اللسان 2/ 99 "نصت"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 131، والخصائص 2/ 178، وشرح الأشموني 2/ 537، وشرح شذور الذهب ص95، وشرح قطر الندى ص14، وشرح المفصل 4/ 64، وما ينصرف وما لا ينصرف ص75، ومغني اللبيب 1/ 220.
1 في "ب": "فبناؤها".
2 الكتاب 3/ 279-280.
3 المقتضب 3/ 373-374.
4 شرح ابن الناظم ص468.
795- الرجز بلا نسبة في شرح المفصل 4/ 106، 107، والكتاب 3/ 285، وأسرار العربية ص32، وأوضح المسالك 4/ 132، وجمهرة اللغة ص841، 863، وخزانة الأدب 7/ 167، 168، وشرح الأشموني 2/ 537، وشرح شذور الذهب 96، وشرح قطر الندى 16، واللسان 6/ 9، 10 "أمس"، وما ينصرف وما لا ينصرف ص195، والمقاصد النحوية 4/ 357، ونوادر أبي زيد ص57 وهمع الهوامع 1/ 209.(2/347)
فأمس مجرور بالفتحة، والألف فيه للإطلاق، وليست فتحته هنا فتحة بناء خلافًا للزجاجي1، ووهمه الموضح في ذلك، في شرحي القطر2 والشذور3.
وزعم بعضهم أن "أمسى" هنا فعل ماض وفاعله مستتر فيه عائد على المصدر المفهوم منه. أي: مذ أمسى هو، أي المساء4. وفيه بعد، وهذا الإطلاق للقليل من بني تميم. "وجمهورهم يخص ذلك" الإعراب الممنوع الصرف "بحالة الرفع" خاصة، دون حالتي النصب والجر، فيبنيه على الكسر فيهما5. "كقوله": [من الخفيف]
796- اعتصم بالرجاء إن عن بأس وتناس الذي تضمن أمس
وعن؛ بالنون؛ من عن يعن إذا عرض، ويروى: عز؛ بالزاي؛ بمعنى غلب6. وتناس أمرًا من التناسي، وهو أن يرى من4 نفسه أنه نسيه.
"والحجازيون يبنونه على الكسر مطلقًا"، في الرفع والنصب والجر، "على تقديره مضمنًا معنى اللام" المعرفة7.
"قال" أسقف نجران، أو تبع بن الأقرن: [من الكامل]
797- منع البقاء تقلب الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها حمراء صافية وغروبها صفراء كالورس
اليوم أعلم ما يجيء به ومضى بفصل قضائه أمس
__________
1 في "ب": "للزجاج"، وفي شرح شذور الذهب ص100: "وقد وهم الزجاجي فزعم أن من العرب من يبني أمس على الفتح". وانظر كتاب الجمل للزجاجي ص299.
2 شرح قطر الندى ص19.
3 شرح شذور الذهب ص100.
4 سقطت من "ب".
5 انظر شرح ابن النظام ص468.
796- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 133، والدرر 1/ 444، وشرح الأشموني 2/ 537، والمقاصد النحوية 4/ 372، وهمع الهوامع 1/ 209.
6 انظر الدرر اللوامع 1/ 444.
7 شرح ابن الناظم ص468، وشرح شذور الذهب ص98.
797- الأبيات لأسقف نجران في الحماسة البصرية 2/ 406، وثمار القلوب ص374، والحيوان 3/ 88، وسمط اللآلي ص486، ولسان العرب 6/ 9 "أمس"، والمقاصد النحوية 4/ 373، ولبعض ملوك اليمن في كتاب الصناعتين ص201، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 134، والدرر 1/ 443، وشرح قطر الندى ص15، ومراتب النحويين ص103، وهمع الهوامع 1/ 209.(2/348)
فـ"أمس" فاعل "مضى"، وهو مكسور كما ترى. "والقوافي مجرورة" ومكسورة كما أنشدتها. ولا يعارض هذا رفع "أمس" بتضمن في البيت السابق، لأن إحدى اللغتين لا تصادم الأخرى. "فإن أردت بـ"أمس" يومًا من الأيام الماضية مبهما". أي: أمسًا ما من الأموس، "أو عرفته بالإضافة"، نحو: أمس يوم الخميس، "أو" عرفته "بالأداة" نحو: الأمس، أو صغرته نحو: أميس، أو كسرته نحو: أموس، "فهو معرب1 إجماعًا" إعراب المنصرف، "وإن استعملت المجرد" من "أل" والإضافة. "المراد به2 معين، ظرفًا، فهو مبني إجماعًا" لتضمنه معنى الحرف.
__________
1 في "ب": "يعرب".
2 في "ب": "بها".(2/349)
فصل:
"يعرض الصرف لغير المنصرف لأحد أربعة أسباب: الأول: أن يكون أحد سببيه" المانعين له من الصرف: "العلمية ثم ينكر"، فتزول منه العلمية ويبقى السبب الثاني: وهو إما التأنيث، أو الزيادة، أو العدل، أو الوزن، أو العجمة، أو التركيب، أو ألف الإلحاق المقصورة، "تقول: رب فاطمة، وعمران، وعمر، ويزيد، وإبراهيم، ومعدي كرب، وأرطى"، لقيتهم1، بالجر والتنوين في هذه الأنواع السبعة لذهاب أحد موجبي منع صرفها، وهو العلمية، وإليه أشار الناظم بقوله:
673- .............. واصرفن ما نكرا من كل ما التعريف فيه أثرا
"ويستثنى من ذلك" المصروف "ما كان صفة قبل العلمية كـ: أحمر وسكران" إذا نكرا. "فسيبويه يبقيه غير منصرف"، للوزن, أو الزيادة وعود الوصف الأصلي، بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يزل2، "وخالفه3 الأخفش في الحواشي" على كتاب سيبويه، فقال بصرفه بناء على أن الصفة إذا زالت لا تعود4. ورد بأن زوال الصفة كان لمانع وهو العلمية، وإذا زال المانع رجعت الصفة.
وذكر ابن مالك في شرح الكافية5 أن: الأخفش رجع عن مخالفة سيبويه، "ووافقه في" كتابه "الأوسط"6، وأن أكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته، وذكر موافقته أولى لأنها آخر قوليه". انتهى.
__________
1 شرح ابن الناظم ص469، وشرح ابن عقيل 2/ 337.
2 الكتاب 3/ 202.
3 في "ط": "وخالف".
4 في شرح ابن الناظم 469: "وذهب الأخفش في حواشيه على الكتاب إلى صرف نحو: أحمر، بعد التنكير".
5 شرح الكافية الشافية 3/ 1499.
6 في شرح ابن الناظم ص469 أن الأخفش رجع عن صرفه في كتابه الأوسط.(2/350)
السبب "الثاني: التصغير المزيل لأحد السببين" المانعين من الصرف "كـ: حميد وعمير، في" تصغير: "أحمد وعمر" فإن الوزن والعدل زالا بالتصغير، فيصرفان1 لزوال أحد السببين. أما زوال الوزن بالتصغير فواضح. وأما زوال العدل به، فقال الموضح في الحواشي: "إن نحو عمر، قد حكموا فيه بأنه معدول الصيغة، والتصغير لا يزيل شيئًا مما ثبت إذا لم يكن معتادًا له، فالحكم بصرفه بعيد". انتهى.
وجوابه أن ذلك في العدل التحقيقي، أما العدل التقديري فلا، لأنهم إنما ارتكبوه حفظًا لقاعدتهم لما رأوه غير منصرف، فإذا صرف فلا حاجة لتقديره.
"وعكس ذلك" وهو أن ينصرف مكبرًا، ولا ينصرف مصغرًا "نحو: تِحلئ" بكسر التاء المثناة فوق وسكون الحاء المهملة وكسر اللام، وبالهمزة آخره، وهو القشر الذي على وجه الأديم مما يلي منبت الشعر، حال كونه "علمًا فإنه ينصرف مكبرًا ولا ينصرف مصغرًا لاستكمال العلتين بالتصغير"، وهما: العلمية والوزن: فإنه يقال في تصغيره تحيلِئ، بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وكسر رابعه فهو على زنة: تدحرج وتبيطر.
السبب "الثالث: إرادة التناسب" للمنصرف، "كقراءة نافع والكسائي: "سَلاسِلًا" [الإنسان: 4] بالصرف2، لتناسب3 {أَغْلَالًا} [الإنسان: 4] و{قَوَارِيرًا} [الإنسان: 15] بصرفهما4 وصلا ليناسب الأول آخر سائر الآيات، والثاني الأول عند صرفه.
قاله الخبيصي5.
"و" نحو "قراءة الأعمش: "ولا يغوثًا ويعوقًا" [نوح: 23] بصرفهما6 لتناسب:
__________
1 في "ب": "فينصرفان".
2 قرأها كذلك: ابن عامر وعاصم وابن كثير وشعبة ورويس وشبل والأعمش وابن مسعود، انظر الإتحاف 428، ومعاني القرآن للفراء 3/ 214، والنشر 2/ 394، والقراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 4/ 136، وشرح ابن الناظم ص472، وهمع الهوامع 1/ 119.
3 في "أ", "ب": "لمناسبة".
4 قرأها كذلك: عاصم وشعبة وأبو جعفر والحسن والأعمش وهشام والشنبوذي والأزرق وابن شنبوذ وروح، انظر الإتحاف 429، ومعاني القرآن للفراء 3/ 214، والنشر 2/ 395، والقراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 4/ 136، وشرح ابن الناظم ص472، وهمع الهوامع 1/ 229.
5 الموشح في شرح الكافية ص317.
6 قرأها كذلك: الأشهب العقيلي والمطوعي. انظر الإتحاف 425، والقراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 4/ 136، وشرح ابن الناظم ص472.(2/351)
{وَدًّا وَلَا سُوَاعًا} [نوح: 23] {وَنَسْرًا} [نوح: 23]. وأفاد بهاتين القراءتين أنه لا فرق فيما يمتنع صرفه بين أن يكون بعلة واحدة أو بعلتين. وأن الصرف في ذلك للتناسب. لا على قول من صرف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اختيارًا. ولا على قول من زعم أن صرف ما لا ينصرف جائز مطلقًا على لغة.
السبب "الرابع: الضرورة"، أما بالكسر كقوله: [من الطويل]
798- إذا ما غزا في الجيش حلق فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائب
والقوافي مجرورة. أو بالتنوين "كقوله"، وهو امرؤ القيس: [من الطويل]
799- ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة فقالت لك الويلات إنك مرجلي
فصرف عنيزة بالتنوين1، وهي بضم العين المهملة فنون فياء تصغير فزاي فتاء تأنيث, اسم ابنة عمه، وقيل: لقبها واسمها فاطمة، وقيل: فاطمة غيرها. "والخدر، بكسر الخاء المعجمة، وسكون الدال، الهودج". قاله الأعلم2، وفي الصحاح3: الخدر: الستر ومعنى: إنك مرجلي؛ بالجيم؛ أنك تصيرني راجلة، أي ماشية، لعقرك ظهر بعيري.
قال الدماميني: "ينبغي أن يحمل كلامهم في أمثال ذلك، على أنه يحوز للمضطر أن يجعل غير المنصرف كالمنصرف في الصورة باعتبار إدخال التنوين عليه.
ولا يكون هذا التنوين تنوين الصرف لمنافاته لوجود العلتين المحققتين. وإنما يكون تنوين ضرورة". انتهى.
"وعن بعضهم اطراد ذلك في لغة" حكاها الأخفش وقال4: "كأنها لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر فجرت ألسنتهم على ذلك في الكلام".
"وأجاز الكوفيون" إلا أبا موسى الحامض من شيوخهم، والأخفش "والفارسي" من البصريين: "للمضطر أن يمنع صرف المنصرف"5.
__________
798- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص42، وخزانة الأدب 4/ 289، والشعر والشعراء ص175، ولسان العرب 1/ 605 "عصب"، 10/ 63 "حلق" وبلا نسبة في شرح المفصل 1/ 68.
799- تقدم تخريج البيت برقم 10.
1 سقط من "ب".
2 أشعار الشعراء الستة الجاهليين ص31.
3 الصحاح "خدر".
4 انظر همع الهوامع 1/ 120.
5 انظر الارتشاف 1/ 448، والإنصاف 2/ 493، المسألة رقم 70، وهمع الهوامع 1/ 121.(2/352)
قال الموضح في الحواشي: "وهو الصحيح لكثرة ما ورد منه، وهو من تشبيه الأصول بالفروع" "وأباه سائر البصريين" أي باقيهم "واحتج عليهم بنحو قوله" وهو الأخطل: [من الكامل]
800- طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت بشبيب غائلة النفوس غدور
فمنع صرف شبيب للضرورة، وهو علم مصروف، وهو: شبيب بن يزيد، رأس الخوارج الأزارقة، وبالغ في أمره حتى ادعى الخلافة وسمي أمير المؤمنين. وكانت زوجته غزالة أيضًا خارجية، وكانت شديدة البأس، حتى كان الحجاج مع هيبته يخاف منها. [والأزارق، جمع الأزرق، بزاي فراء، مفعول طلب، والأصل: الأزارقة، بالهاء، فحذفها للضرورة. والكتائب الجيوش]1. وهوت من هوى به الأمر: اطمعه وغره. والغائلة:
الشر. وغدور، فعول، من الغدر، بالغين المعجمة، بدل من غائلة فاعل هوت.
"وعن" أبي العباس، أحمد بن يحيى "ثعلب أنه أجاز ذلك"، وهو منع صرف المنصرف، "في الكلام" مطلقًا"2. وفصل بعض المتأخرين بين ما فيه العلمية وغيره، فأجازه مع العلمية لوجود أحد السببين ومنعه مع غيرها. ويؤيده أنه لم يسمع إلا في العلم.
وحكى الفخر الرازي عن أكثر الكوفيين والأخفش أن السبب الواحد يمنع الصرف. ولم يفرق بين العلمية وغيرها، وهو جار على أصلهم فإنهم يدعون أن الفعل أصل للمصدر3، فزالت فرعية الاشتقاق وما بقي إلا فرعية الافتقار1. وينتج من هذا أن ما لا ينصرف أشبه الفعل في فرعية واحدة وهي الافتقار1. فيكون السبب الواحد يمنع الصرف.
قلت: ويلزم من ذلك أن تكون جميع الأعلام ممنوعة من الصرف. ومعلوم أن الأمر ليس كذلك. وإلى المسائل الثلاث أشار الناظم بقوله:
765- ولاضطرار أو تناسب صرف ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
__________
800- البيت للأحظل في ديوانه ص197، والإنصاف 2/ 493، وشرح ابن الناظم ص471، والمقاصد النحوية 4/ 362، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 137، وشرح الأشموني 2/ 543.
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 انظر الارتشاف 1/ 448.
3 انظر الإنصاف 1/ 235، المسألة رقم 28.(2/353)
فصل:
"المنقوص": وهو الذي آخره ياء ساكنة لازمة، :المستحق لمنع الصرف، إن كان غير علم حذفت ياؤه رفعًا وجرا، ونون باتفاق"، سواء كان جمعًا لا نظير له في الآحاد أم مصغرًا.
فالأول "كـ: جوار"، فإن مانعه من الصرف صيغة منتهى الجموع.
"و" الثاني نحو: "أعيم" تصغير أعمى، فإن مانعه من الصرف: الوصف ووزن الفعل، وهو أبيطر، بناء على أن وزن أفيعل1 لا يتعين في الوصف، وهو كذلك كما تقدم بيانه.
"وكذا إن كان علمًا كـ: قاض علم امرأة"، فإن مانعه من الصرف العلمية والتأنيث المعنوي، "وكـ: يرمي علمًا". فإن مانعه من الصرف العلمية ووزن الفعل المنقول عنه، فتقول: جاءني جوار، وأعيم، وقاض2، ويرم، ومررت بجوار، وأعيم، وقاض، ويرم، بالتنوين، وحذف الياء في الجميع في حالتي الرفع والجر3. وإليه أشار الناظم بقوله:
674- وما يكون منه منقوصا ففي إعرابه نهج جواز يقتفي
وهذا قول سيبويه4، والخليل4، وأبي عمرو، وابن أبي إسحاق، وجمهور البصريين5 "خلافًا ليونس، وعيسى" بن عمر، من البصريين، "والكسائي" وأبي زيد، والبغداديين، "فإنهم يثبتون الياء ساكنة رفعًا، ومفتوحة جرًّا"6.
__________
1 في "أ": "أفعل".
2 سقط من "ب".
3 انظر شرح بن الناظم ص470، وشرح ابن عقيل 2/ 338.
4 الكتاب 3/ 308، وشرح ابن الناظم ص470.
5 الارتشاف 1/ 447.
6 انظر الارتشاف 1/ 447، وشرح ابن الناظم ص470.(2/354)
فيقول في الرفع جاءني حواري، وأعيمي، وقاضي، ويرمي، بإثبات الياء ساكنة فيهن، مقدرًا فيها الضمة، ويقولون في الجر، مررت بجواري، وأعيمي، وقاضي، ويرمي بفتح الياء فيهن1، "كما" تفتح "في النصب، احتجاجًا بقوله"، وهو الفرزدق: [من الرجز]
801- قد عجبت مني ومن يعيليا لما رأتني خلقًا مقلوليا
بفتح الياء من: يعيليا مصغر يعلى علم رجل، ولم ينونه لأنه لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل، كـ: مبيطر، وألفه للإطلاق، وخلقًا بفتح الخاء المعجمة واللام، في آخره قاف العتيق جدًا. والمراد هنا: رث الهيئة. والمقلولي، بفتح الميم، المتجافي المنكمش. وقال عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي النحوي: إن الفرزدق أخطأ في فتح الياء من يعيليا، ورد بأنه من إجراء المعتل مجرى الصحيح. "وذلك عند الجمهور ضرورة2، كقوله": وهو الفرزدق "في غير العلم" يهجو عبد الله، لما بلغه مقالة عبد الله المذكور: [من الطويل]
802- فلو كان عبد الله مولى هجرته ولكن عبد الله مولى مواليا
فأظهره الفتحة في حالة الجر، ضرورة3، وكان القياس أن يقول: مولى موال، على حد4: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]
__________
1 سقط من "ط".
801- تقدم تخريج الرجز برقم 208.
2 انظر ما يجوز للشاعر في الضرورة ص198، وضرائر الشعر ص42-43.
802- البيت للفرزدق في إنباه الرواة 2/ 105، وبغية الوعاة 2/ 42، وخزانة الأدب 1/ 325، 239، 5/ 145، والدرر 1/ 27، وشرح أبيات سيبويه 2/ 311، وشرح المفصل 1/ 64، والكتاب 3/ 313، 315، ولسان العرب 15/ 47، "عرا"، 409، "ولى" وما ينصرف وما لا ينصرف ص114، ومراتب النحويين ص31, والمقاصد النحوية 4/ 375، والمقتضب 1/ 143، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 140، وشرح الأشموني 3/ 541، وهمع الهوامع 1/ 36.
3 انظر ما يجوز للشاعر في الضرورة ص199.
4 سقط من "ب".(2/355)
باب إعراب الفعل المضارع:
أجمع النحويون على انه إذا تجرد من الناصب والجازم، وسلم من نوني التوكيد1 والإناث كان مرفوعًا كـ: يقوم. وإنما اختلفوا في تحقيق الرفع له، ما هو على أقوال أصحها "قولهم": رافع المضارع تجرده من الناصب والجازم وفاقًا للفراء وغيره من حذاق الكوفيين والأخفش2. وإليه أشار الناظم بقوله:
676- ارفع مضارعًا إذا يجرد من ناصب وجازم كتسعد
"لا" رافعه "حلوله محل الاسم خلافًا للبصريين"2، غير الأخفش والزجاج. قالوا: ولهذا إذا دخل عليه "لن، ولم" امتنع رفعه، لأن الاسم لا يقع بعدهما، فليس حينئذ حالا محل الاسم.
ولا رافعه حروف المضارعة خلافًا للكسائي، ولا مضارعة للاسم خلافًا لثعلب من الكوفيين، والزجاج من البصريين.
واعترض قول الفراء بأن التجرد أمر عدمي، والعدم لا يكون سببًا لوجوده غيره، وأجيب بأن التجرد "أمر"3 وجودي، وهو كونه خاليًا من ناصب وجازم لا عدم الناصب والجازم.
__________
1 في "ب": "التأكيد".
2 انظر الإنصاف 2/ 553، المسألة رقم 74.
3 إضافة من "ط".(2/356)
واعترض قول البصريين [بأنه]1 غير مطرد "لانتقاضه بنحو: هلا تفعل"، وسوف تفعل. فإن المضارع فيهما مرفوع، وليس حالا محل الاسم، لأن الاسم لا يقع بعد حرف التحضيض، ولا بعد حرف التنفيس. وأجيب بأن الرفع استقر قبل دخول حرفي التحضيض والتنفيس. لم يغيراه، إذا أثر العامل لا يغيره إلا عامل آخر.
واعترض قول الكسائي بأن جزء الشيء لا يعمل فيه.
واعترض قول ثعلب بأن المضارعة إنما اقتضت إعرابه من حيث الجملة، ثم يحتاج كل نوع من أنواع الإعراب إلى عامل يقتضيه. وأجيب بأن الكوفيين يزعمون أن إعراب المضارع بالأصالة، لا بالحمل على الاسم ومضارعته إياه.
"وناصبه أربعة" عند البصريين، وعشرة عند الكوفيين:
"أحدها: لن، وهي لنفي سيفعل" أي: لنفي الفعل المستقبل، إما إلى غاية ينتهي إليها، نحو: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] فإن نفي البراح مستمر إلى رجوع موسى، وإما إلى غير غاية نحو: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: 73]. فإن نفي خلق الذباب مستمر أبدًا، لأن خلقهم الذباب محال، وانتفاء المحال مؤبد قطعًا. وإلا لكان ممكنًا لا محالا.
"ولا تقتضي" لن "تأييد النفي" خلافًا للزمخشري في أنموذجه2، لأنها لو1 كانت للتأبيد لزم التناقض بذكر اليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]. ولزم التكرار بذكر أبدًا في قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95].
ولم تجتمع مع ما هو لانتهاء الغاية نحو قوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: 80]. وتأبيد النفي [في]1: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: 73] لأمر خارجي لا مقتضيات "لن". "ولا" تقتضي "تأكيده"3؛ أي النفي؛ "خلافًا للزمخشري" في كشافه4، في تفسير: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، بل قولك: لن أقوم، محتمل لأن تريد به أنك لا تقوم أبدًا، أو أنك لا تقوم في بعض أزمنة المستقبل، وهو موافق لقولك: لا أقوم، في عدم إفادة التأكيد والتأبيد.
__________
1 سقطت من "ب".
2 الأنموذج ص102.
3 في "ط": "توكيده".
4 الكشاف 2/ 91.(2/357)
"ولا تقع" "لن" "دعائية". بأن يكون الفعل بعدها دعاء، "خلافًا لابن السراج"، وابن عصفور وآخرين مستدلين بقوله تعالى: {لَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17]. مدعين أنه معناه: فاجعلني لا أكون، ولا حجة لهم فيها لإمكان حملها على النفي المحض، ويكون ذلك معاهدة منه لله تعالى أن لا يظاهر مجرمًا، جزاء لتلك النعمة التي أنعم "الله"1 بها عليه، قاله الموضح في شرح القطر2. واختاره في المغني غيره فقال3: وتأتي "لن" للدعاء كما كانت "لا" كذلك وفاقًا لجماعة، والحجة في قوله: [من الخفيف]
803- لن تزالوا كذلكم لا زلـ ـت لكم خالدا خلود الجبال
انتهى.
وهي بسيطة على وضعها الأصلي عند سيبويه4 والجمهور، "وليس أصلها: لا" النافية، "فأبدلت الألف نونًا خلافًا للفراء"5، وحجته أنهما حرفان [نافيان]6 ثنائيان، و"لا" أكثر استعمالا، ويرده أن الإبدال لا يغير حكم المهمل فيجعله7 معملا، وأن المعهود إنما هو إبدال النون ألفًا كـ: "لَنَسْفَعًا" [العلق: 15] لا العكس.
"ولا" أصلها "لا أن" فتكون مركبة من "لا" النافية نظرًا لمعناها، ومن "أن" المصدرية نظرًا لعملها، "فحذفت الهمزة تخفيفًا"8 كما في: ويلمه9، "والألف للساكنين، خلافًا للخليل والكسائي" والخارزنجي، وحجتهم قرب لفظها منهما، وأن معناهما من النفي والتخلص للاستقبال حاصل فيها، وقد جاءت على الأصل في الضرورة.
__________
1 إضافة من "ط".
2 شرح قطر الندى ص58.
3 مغني اللبيب 2/ 284.
803- البيت للأعشى في ديوانه ص63، والدرر 1/ 205، وشرح شواهد المغني 2/ 684، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص68،/ وشرح الأشموني 3/ 548، ومغني اللبيب 2/ 284، وهمع الهوامع 1/ 111، 2/ 4، وتاج العروس "لنن".
4 الكتاب 3/ 5.
5 شرح قطر الندى ص58.
6 إضافة من "ب"، "ط".
7 في "أ": "فتجعله".
8 شرح قطر الندى ص58.
9 في حاشية يس 2/ 230: "أصله: ويل أمه، فحذفت الهمزة".(2/358)
أنشد أبو زيد لجابر الأنصاري: [من الوافر]
804- فإن أمسك فإن العيش حلو إليَّ كأنه عسل مشوب
يرجي المرء ما لا إن يلاقي وتعرض دون أبعده الخطوب
أي: لن يلاقي.
ورد عليهم بأربعة أمور أقواها: "أنه" إنما يصح التركيب إذا كان الحرفان ظاهرين كـ"لولا" وقد لا يظهر أحدهما، كـ"أما"1. قاله الشلوبين. وتركنا الثلاثة الباقية خوف الإطالة.
الناصب. "الثاني: "كي" المصدرية"، وهي الداخل عليها اللام لفظًا نحو: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] أو تقديرًا، نحو: جئتك كي تكرمني إذا قدرت أن الأصل "لكي"، وأنك حذفت اللام استغناء عنها بنيتها، فإن لم تقدر اللام كانت "كي" تعليلية.
"فأما" المصدرية فناصبة بنفسها كما أن "أن" المصدرية كذلك. وأما "التعليلية فجارة، والناصب بعدها "أن" مضمرة", لزومًا في النثر، "وقد يظهر في الشعر" كقوله: [من الطويل]
805- ................................ ...... كيما أن تغر وتخدعا
وسيأتي2.
وما ذكره من أن "كي" مشتركة بين الناصبة والجارة، هو مذهب سيبويه والجمهور3 وحجتهم قولهم: جئتك لكي أتعلم، وقولهم: كيمه؟
__________
804- البيتان لجابر بن رألان الطائي أو لإياس بن الأرت في خزانة الأدب 8/ 440، 443، وشرح شواهد المغني 1/ 85، ونوادر أبي زيد ص60، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 188، والجنى الداني ص210، والدرر 1/ 246، ومغني اللبيب 1/ 25، 2/ 679، وهمع الهوامع 1/ 125.
1 في "ب": "كما".
805- تمام البيت:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا لسانك..............................
وهو لجميل بثينة في ديوانه ص108، وخزانة الأدب 8/ 481، 482، 483، 488، والدرر 2/ 9، وشرح المفصل 9/ 14، 16، وله أو لحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني 1/ 508، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 11، وخزانة الأدب ص125، والجنى الداني ص262، ورصف المباني ص217، وشرح ابن الناظم ص256، وشرح الأشموني 2/ 283، وشرح شذور الذهب ص289, وشرح عمدة الحافظ 267, ومغني اللبيب 1/ 183، وهمع الهوامع 2/ 5.
2 سيأتي البيت رقم 809.
3 الكتاب 3/ 6.(2/359)
وعن الأخفش أن "كي" جارة دائمًا، وأن النصب بعدها بأن مضمرة أو ظاهرة1 ورد بقوله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] فإن زعم أن "كي" تأكيد لام كقوله: [من الوافر]
806- ........................... ولا للما بهم أبدًا دواء
ورد بأن الفصيح2 المقيس لا يخرج عن3 الشاذ. وعن الكوفيين أن "كي" ناصبة دائمًا، ويرده قول العرب: كيمه كما يقولون: لمه، فإن أجابوا بأن الأصل: كي تفعل ماذا؟ يلزمهم كثرة الحذف وإخراج ما الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجر، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب، وكل ذلك لم يثبت.
فإن ادعوا أن حذف المنصوب وبقاء ناصبه قد ثبت في صحيح البخاري في تفسير: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] "كيما فيعود"4، أي كيما يسجد. قلنا: إن ثبت حذف يسجد فهو لا يقاس عليه، على أن الحافظ الشهاب بن حجر قال5: "لم أقف على حذفه".
"وتتعين المصدرية إن سبقتها اللام نحو: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] لئلا يدخل الجار على الجار. "و" تتعين "التعليلية إن تأخرت عنها اللام أو: أن".
فالأول "نحو قوله" وهو عبيد الله بن قيس الرقيات: [من المديد]
807- كي لتقضيني رقية ما وعدتني غير مختلس
__________
1 معاني القرآن للأخفش 1/ 300، 301.
806- صدر البيت:
فلا والله لا يلفى لما بي
وتقدم تخريجه برقم 652.
2 في "ب": "الصحيح".
3 في "ب": "على".
4 أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم 7001، وفيه: "فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا"، وهذا التفسير ليس لقوله تعالى في سورة القيامة كما ذكر الأزهري، بل لقوله تعالى في سورة القلم: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، انظر كتاب التفسير حديث رقم 6435، وفيه: "فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا".
5 فتح الباري 13/ 526.
708- البيت لابن قيس الرقيات في ديوانه ص160، وخزانة الأدب 8/ 488، 490، والدرر 1/ 79، والمقاصد النحوية 4/ 379، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 151، وشرح الأشموني 3/ 550، وهمع الهوامع 1/ 53.(2/360)
مدخل
فـ"كي" هنا تعليلية لتأخر اللام من لتقضيني عنها، وتقضيني منصوب بـ"أن" مضمرة. وأما حكاية الأخفش: لكي ما أضربك، بالرفع، فمخرجة على جعل "ما" موصولة، و"كي" جارة مؤكدة للام1، كما أكدت الكاف بمثل في: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ومثل بالكاف في مثل: [من الرجز]
808-
مثل كعصف مأكول
"و" الثاني: نحو "قوله" وهو جميل بن عبد الله لا حسان خلافًا للزمخشري2: [من الطويل]
809- فقالت أكل الناس أصبحت مانحا لسانك كيما أن تغر وتخدعا
فـ"كي" هنا تعليلية لتأخر "أن" عنها، و"كل الناس": مفعول أول لـ"مانحا" و"لسانك": مفعوله الثاني و"تغر": بضم الغين وبالراء المهملة.
"ويجوز الأمران": المصدرية والتعليلية، إن فقد سبق اللام، وتأخر "أن", أو وجدا.
فالأول كما "في نحو: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7] فإن قدرت قبلها اللام فهي مصدرية، وإن لم تقدر قبلها اللام فهي تعليلية، فيكون على الأول منصوبًا بنفس "كي". وعلى الثاني منصوبًا بـ"أن" مضمرة بعد "كي" والأولى أن تكون مصدرية كما ذكره الموضح في باب حروف الجر3.
["و" الثاني]4 كما في "قوله": [من الطويل]
810- أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع
__________
1 الدرر 1/ 79.
808- تمام الرجز: "فصيروا مثل كعصف مأكول"، وتقدم تخريجه برقم 294.
2 كذا قال العيني في المقاصد النحوية 2/ 204، مع أن الزمخشري نسبه في المفصل ص325 إلى جميل.
809- تقدم تخريجه برقم 805.
3 أوضح المسالك 3/ 13.
4 إضافة من "ب"، "ط".
810- البيت بلا نسبة في الإنصاف 2/ 580، وأوضح المسالك 4/ 154، والجنى الداني ص265، وجواهر الأدب ص232، وخزانة الأدب 1/ 16، 8/ 481، 484, 487، ورصف المباني ص216، 316، وشرح الأشموني 3/ 549، وشرح شواهد المغني 1/ 508، وشرح المفصل 7/ 19، 9/ 16، ومغني اللبيب 1/ 182، والمقاصد النحوية 4/ 405.(2/361)
فـ"كي" تحتمل أن تكون مصدرية لدخول اللام قبلها، وتحتمل أن تكون تعليلية لتأخر "أن" بعدها، فإن كانت مصدرية، فأن مؤكدة لها، بمعنى السبك، وإن كانت تعليلية، فاللام مؤكدة لها لمعنى التعليل, وكونها تعليلية أولى من كونها مصدرية لأن تأكيد الجار بجار أسهل من تأكيد حرف مصدري بحرف مصدري، قال الموضح في الحواشي1. والشن؛ بفتح المعجمة؛ القربة الخلقة، مفعول ثان لتترك، والبيداء؛ بفتح الباء الموحدة والمد؛ الأرض القفراء التي تبيد، أي تهلك من يدخل فيها. والبلقع: الأرض القفراء التي لا شيء فيها.
الناصب "الثالث: أن" المصدرية، وتقع في موضعين:
أحدهما: في الابتداء، فتكون في موضع رفع على الابتداء، "في نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا" خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184].
"و" الثاني: بعد لفظ دال على معنى اليقين، فتكون في موضع رفع على الفاعلية، في نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]، وفي موضع نصب على المفعولية في نحو: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79], وفي موضع جر في نحو: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ} [البقرة: 254]، ومحتملة لهما في نحو: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ خَطِيئَتِي} [الشعراء: 82] أصله: في أن يغفر لي، فحذفت "في" فنصب ما بعدها، أو أبقي على جره.
وأكثر العرب على وجوب إعمالها، "وبعضهم يهملها" جوازًا،"[حملا]2 على "ما" أختها؛ أي: المصدرية" بجامع أن كلا منهما حرف مصدري ثنائي، وإليه أشار الناظم بقوله:
679- وبعضهم أهمل أن حملا على ما أختها حيث استحقت عملا
"كقراءة ابن محيصن "لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ" [البقرة: 233] برفع "يتم"3، والقول بأن أصله "يتمون"، وهو منصوب بحذف النون، وحذفت الواو للتسكين لفظًا، واستصحب ذلك خطأ. والجمع باعتبار معنى من، تكلف.
__________
1 انظر شرح شذور الذهب ص288-290.
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 نسبت القراءة إلى مجاهد في البحر المحيط 2/ 213، وهي من شواهد أوضح المسالك 4/ 156، وشرح ابن الناظم 476، وفيهما أنها قراءة ابن محيصن. وهي في شرح المفصل 8/ 143، ومغني اللبيب 1/ 29.(2/362)
"وكقوله": [من البسيط]
811- أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام وأن لا تشعرا أحدا
فـ"أن" الأولى والثانية مصدريتان، غير مخففتين من الثقيلة، وقد أهملت الأولى وأعملت الثانية. وبعضهم أعمل "ما" المصدرية حملا على "أن" المصدرية. نحو: "كما تكونوا يولى عليكم"1 قاله ابن الحاجب. وما ذكره الموضح تبعًا للناظم من أن "أن" هذه مصدرية، هو قول البصريين. وزعم أنها المخففة من الثقلية، شذ اتصالها بالفعل المتصرف الخبري، والقياس فصله منها بـ"قد" أو إحدى أخواتها.
"وتأتي "أن" مفسرة" بمنزلة "أي"، "وزائدة" دخولها وخروجها سواء، "ومخففة من: أن" المشددة "فلا تنصب" [الفعل]2 "المضارع" في هذه الأحوال الثلاثة، ولكل ضابط يضبطها.
"فالمفسرة: هي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه"، المتأخر عنها جملة، ولم تقترن بجار، "نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ}" [المؤمنون: 27] أي اصنع. "{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}" [ص: 6] أي: امشوا. إذ ليس المراد بالانطلاق هنا3 المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشي المتعارف، بل الاستمرار على الشيء فخرج: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] لعدم تقدم الجملة، وقلت له أن افعل كذا، لأن الجملة السابقة فيها حروف القول.
وفي شرح ابن عصفور الصغير على الجمل أنها قد تكون مفسرة بعد صريح القول. ولا يجوز: "ذكرت عسجدا": أي ذهبًا، لعدم تأخر الجملة. بل يجب الإتيان
__________
811- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 333، والإنصاف 2/ 563، وأوضح المسالك 4/ 156، والجنى الداني ص220، وجواهر الأدب ص192، وخزانة الأدب 8/ 420، 421، 423, 424، والخصائص 1/ 390، ورصف المباني ص113، وسر صناعة الإعراب 2/ 549، وشرح ابن الناظم ص476، وشرح الأشموني 3/ 553، وشرح شواهد المغني 1/ 100، وشرح المفصل 7/ 15، 8/ 143، 9/ 19، ولسان العرب 13/ 33 "أنن"، ومجالس ثعلب ص290، ومغني اللبيب 1/ 30، والمنصف 1/ 278، والمقاصد النحوية 4/ 380.
1 رواه البيهقي في شعب الإيمان، وانظر حاشية يس 2/ 232.
2 إضافة من "ط".
3 سقط من "ب".(2/363)
بـ"أي"، أو ترك حرف التفسير. وليس من التفسيرية: "كتبت إليه بأن افعل" لدخول الجار. نص عليه الموضح في القواعد الصغرى.
وعن الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة. قال في المغني1: "وهو متجه لأنك إذا قلت: كتبت إليك أن افعل، لم يكن "افعل" نفس "كتبت" كما كان الذهب نفس العسجد في قوله: "هذا عسجد": أي: ذهب. ولهذا لو جئت بـ"أي" مكان "أن"، لم تجده مقبولا في الطبع". انتهى. واعترضه الدماميني، ورده الشمني بما يطول ذكره2.
"والزائدة: هي التالية للما" التوقيتية "نحو {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ" أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} [يوسف: 96]. "والواقعة بين الكاف ومجرورها، كقوله" وهو باعث اليشكري: [من الطويل]
812- ........................................ كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
فيمن جر "ظبية" أي: كظبية، و"تعطو": تتطاول إلى الشجر للتناول منه. و"الوارق": اسم فاعل من ورق الشجر يرق مثل3 أورق. و"السلم" بفتحتين: شجر له شوك.
"أو" الواقعة "بين" فعل "القسم" المذكور "و: لو، كقوله" [من الطويل]
813- فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لكم يوم من الشر مظلم
أو المتروك كقوله: [من الوافر]
814- أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق
__________
1 مغني اللبيب 1/ 30.
2 انظر حاشية يس 2/ 233.
812- صدر البيت:
ويوما توافينا بوجه مقسم
وتقدم تخريج البيت برقم 257.
3 سقط من "ب".
813- البيت للمسيب بن علس في خزانة الأدب 4/ 145، 10/ 580، 581، 11/ 318، وشرح أبيات سيبويه 2/ 185، وشرح شواهد المغني 1/ 109، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 160، وجواهر الأدب ص197، وشرح الأشموني 3/ 553، وشرح المفصل 9/ 94، والكتاب 3/ 107، ولسان العرب 12/ 378 "ظلم"، ومغني اللبيب 1/ 33، والمقاصد النحوية 4/ 418.
814- البيت بلا نسبة في الإنصاف 1/ 121، وخزانة الأدب 4/ 141، 143، 145، 10/ 82، والجنى الداني ص222، وجواهر الأدب ص197، والدرر 2/ 29، 111، ورصف المباني ص116، وشرح شواهد المغني 1/ 111، ومغني اللبيب 1/ 33، والمقاصد النحوية 4/ 409، والمقرب 1/ 205. وهمع الهوامع 2/ 18، 41.(2/364)
أي: أقسم والله ولو كنت حرًّا، هذا قول سيبيويه1 وغيره.
وفي مقرب ابن عصفور2 أنها في ذلك حرف جيء به ليربط الجواب بالقسم. ويبعده أن الأكثر تركها، والحروف الرابطة ليست كذلك". قاله في المغني3.
والواقعة بعد إذا كقوله: [من الطويل]
815- فأمهله حتى إذا أن كأنه معاطي يد في لجة الماء غامر
فهذه أربعة مواضع وأكثرها الواقعة بعد "لما". وأقلها الواقعة بين الكاف ومجرورها.
وزعم الأخفش أنها تزاد في غير ذلك4، وأنها تنصب المضارع كما تجر "من" و"الباء" الزائدتان الاسم، وجعل منه {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} [إبراهيم: 12].
وأجيب بأن "أن" مصدرية لا زائدة، والأصل: وما لنا في أن لا نتوكل، وإنما لم تعمل الزائدة لعدم اختصاصها بالأفعال، بخلاف "من، والباء" الزائدتين فإنهما لما اختصا بالاسم عملا فيه الجر.
"والمخففة من: أن" المشددة، "هي الواقعة" غالبًا "بعد علم" خالص، سواء أدل عليه بمادة "ع ل م" أم لا. فالأول "نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ}" [المزمل: 20]. "و" الثاني "نحو: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ}" [طه: 89].
وقيدت العلم بالخالص احترازًا من إجرائه مجرى الإشارة، نحو قولهم: ما علمت إلا أن تقوم5. قال سيبويه6: "يجوز فيه النصب لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك: أشير عليك أن تقوم". انتهى. ومن إجرائه مجرى الظن كقراءة بعضهم: "أفلا يرون ألا يرجعَ" [طه: 89] بالنصب7. "أو بعد ظن" مؤول بالعلم
__________
1 الكتاب 3/ 152.
2 المقرب 1/ 205.
3 مغني اللبيب 1/ 33، وانظر الدرر 1/ 29.
815- البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص71 وفيه "غارف" مكان "غامر" والدرر 1/ 30 وشرح شواهد المغني 1/ 112، وبلا نسبة في عمدة الحافظ ص331، ومغني اللبيب 1/ 34، وهمع الهوامع 2/ 18.
4 معاني القرآن 1/ 377.
5 في "ط": "يقوم".
6 الكتاب 3/ 168.
7 الرسم المصحفي: {يرجعُ}؛ بالرفع، وقرأها بالنصب: أبو حيوة والزعفراني وأبان والشافعي. انظر البحر المحيط 6/ 269، والكشاف 2/ 550.(2/365)
"نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ" فِتْنَةٌ} [المائدة: 71] في قراءة الرفع1.
"ويجوز في تالية الظن أن تكون ناصبة"، إجراء للظن على أصله، من غير تأويل"، "و" النصب "هو الأرجح"2، لأن التأويل في خلاف الأصل، "ولهذا" الترجيح "أجمعوا عليه" أي على النصب "في": {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}" [العنكبوت: 1، 2] بحذف النون. "واختلفوا في: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ" فِتْنَةٌ} [المائدة: 71]، "فقرأه غير أبي عمرو والأخوين"، حمزة والكسائي "بالنصب"، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي. بالرفع، لوجود الفصل بين "أن"والفعل بـ"لا" وإنما لم يقرءوا بالرفع في: "يتركوا"، لعدم الفصل3.
فعلم أن التعديل في كون "أن" ناصبة، أو مخففة بعد أفعال الشك واليقين على اعتبار المعنى دون اللفظ، ألا ترى أنك ترفع في: رأيت أن لا يقوم زيد، إذا أردت اليقين، مثل: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ} [طه: 89] وتنصب إذا أردت الظن مثل: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة: 71] خلافًا للمبرد4، فإنه لا يجوز إجراء العلم مجرى خلافه، فتنصب "أن" الواقعة بعده الفعل ولا إجراء غيره مجراه. فيرتفع الفعل الواقع بعد "أن" الواقعة بعده، فالعلم عنده لا يجري مجرى غيره، ولا يجري غيره مجراه، والنوعان عند سيبويه جائزان5، والفراء وابن الأنباري ينصبان بعد العلم الصريح6. وإلى النواصب الثلاثة أشار الناظم بقوله:
677- وبلن انصبه وكي كذا بأن لا بعد علم والتي من بعد ظن
678- فانصب بها والرفع صحح واعتقد تخفيفها من أن فهو مطرد
ومن غير الغالب: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] فأن هنا مخففة من الثقيلة ولم تقع بعد علم ولا ظن.
__________
1 هي قراءة أبي عمرو والكسائي وحمزة ويعقوب وخلف واليزيدي والأعمش. وانظر الإتحاف 202، والنشر 2/ 255، وهي من شواهد أوضح المسالك 4/ 161، وشرح ابن الناظم ص476، والأمالي الشجرية 1/ 252 ومغني اللبيب 1/ 30، والكتاب3/ 166.
2 في شرح ابن الناظم ص476: "النصب هو الأكثر".
3 شرح ابن الناظم ص476.
4 المقتضب 2/ 32.
5 الكتاب 3/ 166.(2/366)
الناصب1 "الرابع: إذن"، والصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من "إذ، وأن" أو "إذا، وأن"، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة بنفسها لا "أن" مضمرة بعدها. "وهي" على القول بالحرفية "حرف جواب وجزاء"، عند سيبويه2.
وقال الشلوبين3: هي كذلك في كل موضع. وقال الفارسي3: في الأكثر. وقد تتمحض للجواب بدليل أنه يقال: أحبك. فتقول: إذا أظنك صادقًا، إذ لا مجازاة هنا. قال الرضي4: لأن الشرط والجزاء إما في الاستقبال أو في الماضي، ولا مدخل للجزاء في الحال.
والمراد بكونها للجواب، أن تقع في كلام يجاب به كلام آخر ملفوظ به1 أو مقدر، سواء وقعت في صدره، أو في حشوه، أو في آخره.
والمراد بكونها للجزاء، أن يكون مضمون الكلام الذي هي فيه جزأ5 لمضمون كلام آخر. وكان القياس إلغاءها لعدم اختصاصها، ومن ثم قالوا: "وشرط إعمالها ثلاثة أمور:
أحدها: أن تتصدر" في أول الجواب، لأنها حينئذ في أشرف محالها. "فإن وقعت حشوا" في الكلام بأن اعتمد ما بعدها على ما قبلها "أهملت"، وذلك في ثلاث مسائل:
إحداها: أن يكون ما بعدها خبرا عما قبلها، نحو: أنا إذن أكرمك.
الثانية: أن تكون جوابًا لشرط ما قبلها نحو: إن تأتني إذن أكرمك.
الثالثة: أن تكون6 جواب قسم قبلها مذكور نحو: والله إذن لا أخرج، أو مقدر، "كقوله" وهو كثير عزة: [من الطويل]
816- لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها وأمكنني منها إذن لا أقيلها
__________
1 سقطت من "ب".
2 الكتاب 3/ 12-13.
3 مغني اللبيب 1/ 27.
4 شرح الرضي 4/ 42.
5 في "أ": "جزاء".
6 سقط من "ب": "أن تكون".
816- البيت لكثير عزة في ديوانه ص305، وخزانة الأدب 8/ 473، 474، 476، والدرر 2/ 11، وسر صناعة الإعراب 1/ 379، وشرح أبيات سيبويه 2/ 144، وشرح شواهد المغني 63، وشرح المفصل 9/ 13، 22، والكتاب 3/ 15، والمقاصد النحوية 4/ 382، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 65، وخزانة الأدب 8/ 447، 11/ 340، ورصف المباني ص66، 243، وشرح ابن الناظم ص477، وشرح الأشموني 2/ 554، وشرح شذور الذهب 290، والعقد الفريد 3/ 8، ومغني اللبيب 1/ 21.(2/367)
برفع أقيلها، لأن إذن لم تتصدر جواب قسم مقدر. والتقدير: والله لئن وجواب الشرط محذوف، وأهملت إذن لوقوعها بين القسم وجوابه لا بين الشرط وجوابه، خلافًا لما وقع في المعنى1، تبعًا للشارح2، وضمير "مثلها" عائد على المقالة التي قالها عبد العزيز بن مروان لـ"كثير". وذلك أن كثيرًا امتدح عبد العزيز بقصيدة، فأعجب بها، فقال له: تمن عليّ أعطك، فتمنى أن يكون كاتبًا له، فلم يجبه إلى ذلك وأعطاه جائزة والمعنى: إن عاد الأمير إلى تمنيتي، وأمكنني منها، لم أترك مقالتي الأولى، وأتمنى عليه أن أكون كاتبا له كما فعلت أولا. وعبد العزيز هذا هو أبو السيد عمر بن عبد العزيز بن مروان رضي الله عنه. "وأما قوله": [من الرجز]
817- لا تتركني فيهم شطيرا إني إذن أهلك أو أطيرا
بنصب "أهلك" بـ"إذن" مع أنها وقعت حشوا بين اسم "إن" وخبرها. "فضرورة أو" لا ضرورة "والخبر" أي خبر "إن" "محذوف، أي: إني لا أستطيع ذلك"، أو: لا أقدر عليه، ثم استأنف بـ"إذن" فنصب، وجملة "إني" على هذا معترضة بين "إذن" وما هي جواب له. والأصل: لا تتركني؛ إذن، أهلك. وذهب الفراء إلى عدم اشتراط التصدر. والشطير؛ بشين معجمة؛ الغريب، وقال الأصمعي: البعيد، وهو مفعول ثان للتركني، لا حال. وإلى هذا الشرط أشار الناظم بقوله:
680- .......................... إن صدرت............
فإن كان السابق عليها؛ أي على إذن؛ واوًا أو فاء، جاز النصب والرفع باعتبارين. فالرفع باعتبار كون ما بعد العاطف من تمام ما قبله، بسبب ربطه بعض الكلام ببعض، والنصب باعتبار كون ما بعد العاطف جملة مستقلة والفعل فيها بعد "إذن" غير معتمد على ما قبلها.
__________
1 مغني اللبيب 1/ 21.
2 شرح ابن الناظم ص477.
817- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 4/ 408 "شطر"، وتهذيب اللغة "11/ 308، وتاج العروس 12/ 172 "شطر"، ومقاييس اللغة 3/ 187، ومجمل اللغة 3/ 185، وأساس البلاغة "شطر"، والإنصاف 1/ 177، وأوضح المسالك 4/ 166، والجنى الداني ص362، وخزانة الأدب 8/ 456، 460، والدرر 2/ 13، ورصف المباني ص66، وشرح ابن الناظم ص477، وشرح الأشموني 3/ 554، وشرح شواهد المغني 1/ 70، وشرح المفصل 7/ 17، ومغني اللبيب 1/ 22، والمقاصد النحوية 4/ 373، والمقرب 1/ 261، وهمع الهوامع 2/ 7.(2/368)
"وقد قرئ" في الشواذ: ""وإذًا لا يلبثوا" [الإسراء: 76] "فإذا لا يؤتوا"" [النساء: 53] بالنصب، بحذف النون فيهما، والأولى قراءة ابن مسعود1، والثانية قراءة أبي بن كعب2، "والغالب الرفع، وقرأ به السبعة" فيهما، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله3:
681- ................. وانصب وارفعا إذا إذن من بعد عطف وقعا
قال في المغني4: "والتحقيق أنه إذا قيل، إن تزرني أزرك وإذن أحسن إليك، فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل علم إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين معًا، جاز الرفع والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لأن ما بعدها مستأنف، أو لأن المعطوف على الأول أولى". انتهى.
الأمر الثاني: "أن يكون" المضارع بعدها "مستقبلا" قياسًا على بقية النواصب، وإليه الإشارة بقول الناظم:
680- ونصبوا بإذن المستقبلا .............................
"فيجب الرفع في نحو: إذن تصدق جوابًا لمن قال: أنا أحب زيدًا"، لأنه حال، ولا مدخل للجزاء في الحال كما تقدم آنفًا.
الأمر "الثالث: أن يتصلا"، أي أن يكون المضارع متصلا بها لضعفها مع الفصل عن العمل فيما بعدها. وإليه الإشارة بقول الناظم:
680- ........................... .... والفعل بعد موصلا
"أو يفصل بينهما القسم"، وهو المشار إليه بقول الناظم:
681- أو قبله اليمين............. ............................
"كقوله": [من الوافر]
818- إذن والله نرميهم بحرب تشيب الطفل من قبل المشيب
__________
1 هي قراءة ابن مسعود وأبي. انظر الإتحاف ص285، والنشر 2/ 308، ومغني الليب 1/ 21، وشرح ابن الناظم ص477.
2 هي قراءة ابن مسعود وابن عباس. انظر المحيط 3/ 273، ومعاني القرآن للفراء 1/ 273، ومغني اللبيب 1/ 21.
3 سقطت من "ب".
4 مغني اللبيب 1/ 21.
818- البيت لحسان بن ثابت في ملحق ديوانه 371، والأشباه والنظائر 2/ 237، والدرر 2/ 11، وشرح شواهد المغني 1/ 79، والمقاصد النحوية 4/ 106، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 168، وشرح الأشموني 3/ 554، وشرح شذور الذهب 291، وشرح قطر الندى 59، ومغني اللبيب 2/ 693، وهمع الهوامع 2/ 7.(2/369)
فنصب "نرميهم" بـ"إذن" مع وجود الفصل بالقسم. لأنه زائد مؤكد فلم يمنع الفصل به من النصب هنا، كما لم يمنع من الجر في قولهم: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت؛ والله؛ ربها. حكاه أبو عبيدة1. و"اشتريته بوالله ألف". حكاه أبن كيسان عن الكسائي1، بخلاف الفصل بغير القسم، ولو كان ظرفًا أو عديله فإنه جزء من الجملة، فلا تقوى "إذن" معه على العمل فيما بعدها.
واغتفر في المغني2 الفصل بـ"لا" النافية، وابن عصفور3 الفصل بالظرف، وابن بابشاذ الفصل بالنداء أو الدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والأرجح حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع. وحكى سيبويه4 عن بعض العرب إلغاء "إذن" مع استيفاء شروط العمل. وهو القياس لأنها غير مختصة، وإنما أعملها الأكثرون حملًا على "ظن" لأنها مثلها في جواز تقديمها على الجملة، وتأخيرها عنها، وتوسطها بين جزأيها، كما حملت "ما" على "ليس" لأنها مثلها في نفي الحال5.
والمراجع في ذلك كله إلى6 السماع.
__________
1 شرح ابن الناظم ص478.
2 مغني اللبيب 1/ 22.
3 المقرب 1/ 262.
4 الكتاب 3/ 16.
5 شرح ابن الناظم ص478.
6 سقطت من "ب".(2/370)
فصل:
"ينصب المضارع بأن مضمرة وجوبًا في خمسة مواضع:
أحدها بعد اللام إن سبقت بكون ناقص ماض" لفظًا ومعنى، أو معنى لا لفظًا "منفي" الأول: بـ"ما" والثاني: بـ"لم" ودون غيرهما من أدوات النفي."نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [العنكبوت: 4]، {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137] فـ"يظلم" و"يغفر"، منصوبان بـ"أن" مضمرة بعد اللام عند البصريين، لا باللام. واللام متعلقة بمحذوف، لا زائدة، وذلك المحذوف هو الخبر لا الفعل الذي دخلت عليه اللام. وخالفهم الكوفيون فيهن1.
وقد صرح بالخبر الذي زعمه البصريون من قال: [من الوافر]
819- سموت ولم تكن أهلًا لتسمو ولكن المضيع قد يصاب
فهذا بمنزلة ما قدروه من قولك: ما كان زيد مريدًا للفعل أو مقدرًا له. واحتج الكوفيون بقوله: [من الطويل]
820- لقد عذلتني أم عمرو ولم أكن مقالتها ما كنت حيا لأسمعا
إذ لو كانت "أن" هي الناصبة لأسمع. لزم تقديم معمول صلتها عليها، وذلك ممتنع. وعورض بمجيء ذلك في صريح "أن" في قوله: [من الرجز]
821- كان جزائي بالعصا أن أجلدا
__________
1 انظر الإنصاف 2/ 593، المسألة رقم 82.
819- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 400، والجنى الداني ص119، والدرر 2/ 13، ولسان العرب 12/ 559 "لوم"، وهمع الهوامع 2/ 8.
820- البيت بلا نسبة في الإنصاف 2/ 593، وخزانة الأدب 8/ 578، وشرح التسهيل 4/ 234، وشرح المفصل 7/ 29.
821- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 281، وخزانة الأدب 8/ 429، 430، 432، والدرر 1/ 170، 209، والمحتسب 2/ 310، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 142، والدرر 2/ 4، وشرح شافية بن الحاجب 2/ 336، وشرح المفصل 9/ 151، واللامات ص59، والمنصف 1/ 129، وهمع الهوامع 1/ 88، 112، 2/ 3، والاشتقاق ص31.(2/371)
والجواب واحد، وعلة امتناع ذكر "أن" بعد لام الجحود أن: ما كان ليفعل، رد على من قال: كان سيفعل. فاللام في مقابلة السين، فكما لا تذكر "أن" مع السين كذلك لا تذكر مع اللام. وزعم بعضهم أنه يجوز إظهار "أن" بشرط حذف اللام. محتجًّا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يونس: 37], ورد بأن "أن" يفترى في تأويل مصدر مخبر به عن القرآن وهو مصدر مثله. وفي هذا الرد نظر، لأن المراد بالقرآن المقروء لا القراءة. والحق أن هذا ليس مما نحن فيه؛ لأن الكلام فيما الخبر فيه مزيد ونحوه.
[وزعم بعضهم أن الحكم لا يختص بـ"كان"، بل في سائر أخواتها، نحو: ما أصبح زيد ليفعل]1، وزعم بعضهم أنه يجوز في "ظن" قياسًا على "كان"، نحو: ما ظننت زيدًا ليفعل. ووسع بعضهم الدائرة, فأجاز ذلك في كل فعل تقدمه نفي، نحو: ما جاء زيد ليفعل كذا. "وتسمى هذا اللام، لام الجحود"، من تسمية العام بالخاص، فإن الجحود عبارة عن إنكار الحق، لا عن مطلق النفي، والنحويون أطلقوه وأرادوا الثاني. وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
683- .................................. وبعد نفي كان حتما أضمرا
الموضع "الثاني: بعد: أو" العاطفة "إذا صلح في موضعها: حتى" المرادفة إلى "نحو: لألزمنك أو تقضيني حقي" أي: حتى تقضيني. وقوله: [من الطويل]
822- لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الأمال إلا لصابر
أي حتى2 أدرك.
"أو" صلح في موضعها "إلا" الاستثنائية "نحو: لأقتلنه"؛ أي الكافر؛ "أو يسلم" أي: إلا أن يسلم3، "وقوله" وهو زياد الأعجم: [من الوافر]
823- وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
822- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 172، والدرر 2/ 161، وشرح ابن الناظم ص479، وشرح الأشموني 3/ 558، وشرح شذور الذهب 298، وشرح شواهد المغني 1/ 206، وشرح ابن عقيل 2/ 346، وشرح قطر الندى ص69، ومغني اللبيب 1/ 67، والمقاصد النحوية 4/ 384، وهمع الهوامع 2/ 10.
2 سقطت من "ب".
3 وشرح ابن الناظم ص479، وشرح ابن عقيل 2/ 346.
823- البيت لزياد الأعجم في ديوانه 101، والأزهية ص122، وشرح أبيات سيبويه 2/ 169، وشرح شواهد الإيضاح 254، وشرح شواهد المغني 1/ 205، والكتاب 3/ 48، واللسان 5/ 389 "غمز" والمقاصد النحوية 4/ 385، والمقتضب 2/ 92، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 172، وشرح ابن الناظم ص479، وشرح الأشموني 3/ 558، وشرح شذور الذهب ص299، وشرح قطر الندى ص70، وشرح المفصل 5/ 15، ومغني اللبيب 1/ 66، والمقرب 1/ 263.(2/372)
أي: إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها، ولا يصلح هنا معنى؛ إلى؛ لأن الاستقامة1 لا تكون غاية للكسر. وغمزت؛ بالغين والزاي المعجمتين: عصرت، والقناة: بالقاف، والنون: الرمح. والكعوب: النواشز في أطراف الأنانبيب. وهذه استعارة تمثيلية.
شبه حاله إذا أخذ في إصلاح قوم اتصفوا بالفساد، فلا يكف عن حسم المواد التي تنشأ عنها فسادهم إلا أن يحصل صلاحهم بحالة إذا غمز قناة معوجة حيث يكسر ما ارتفع من أطرافها ارتفاعًا يمنع من اعتدالها، ولا يفارق ذلك إلا أن تستقيم.
و"أن" والفعل في هذه الأمثلة ونحوها مؤول بمصدر معطوف على مصدر متصيد من الفعل المتقدم. أي: ليكونن لزوم مني أو قضاء منه لحقي، وليكونن استسهال مني للصعب أو إدراك للمني، وليكونن قتل مني [للكافر]2، أو إسلام منه، وليكونن كسر مني لكعوبها. أو استقامة منها. وإليه أشار الناظم بقوله:
684- كذاك بعد أو إذا يصلح في موضوعها حتى أو الا............
الموضع "الثالث: بعد: حتى" الجارة، "إن كان الفعل مستقبلا باعتبار" زمن "التكلم" بما قبلها، "نحو: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ}" [الحجرات: 9] فـ"تفيء" مستقبل باعتبار زمن التكلم بالأمر بالقتال، وإلقائه إلى المخاطب به، "أو" مستقبلا "باعتبار ما قبلها" من غير اعتبار تكلم، "نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}" [البقرة : 214] فإن قول الرسول وإن كان ماضيًا بالنسبة إلى زمن الإخبار وقصه علينا، إلا أنه مستقبل بالنسبة إلى زلزالهم. ولـ"حتى" التي ينتصب الفعل بعدها معنيان، فتارة تكون بمعنى "كي" التعليلية، وذلك إذا كان ما قبلها علة لما بعدها. نحو: أسلم حتى تدخل الجنة. وتارة تكون بمعنى "إلى" الغائية. وذلك إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، نحو: لأسيرن حتى تطلع الشمس. إذا عرفت ذلك فالمثال الأول من أمثلة الموضح مما يصلح للمعنيين معًا، فيحتمل أن يكون المعنى: كي تفيء أو: إلى أن تفيء، والمثال الثاني "حتى" فيه بمعنى "إلى" خاصة أي: إلى أن يقول الرسول، وإلى هذا الموضع3 أشار الناظم بقوله:
__________
1 في "ب": "الاستفادة".
2 إضافة من "ط".
3 سقطت من "ب".(2/373)
685- وبعد حتى هكذا إضمار إن حتم..........................
"ويرفع الفعل بعدها إن كان حالا"، أو مؤولا بالحال، "مسببا" عما قبلها، "فضلة"، ثم الكلام قبله، "نحو: مرض زيد حتى لا يرجونه"، فلا يرجونه حال لأنه في قوة قولك: فهو الآن إلا يرجى، ومسببا عما قبلها لأن عدم الرجاء مسبب عن المرض، وفضلة لأن الكلام ثم قبله بالجملة الفعلية.
"ومنه "حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ"" [البقرة: 214] برفع "يقول" في "قراءة نافع، لأنه مؤول بالحال، أي: حتى حالة الرسول، والذين آمنوا أنهم يقولون ذلك" حينئذ.
وللحال المؤول تفسير آخر، وهو أن يفرض ما كان واقعًا في الزمن الماضي، واقعا في هذا الزمن، فيعبر عنه المضارع المرفوع. وفائدة تأويله بالحال، تصوير تلك الحال العجيبة واستحضار صورتها في مشاهدة السامع ليتعجب منها. وإنما وجب رفع الفعل بعد "حتى" عند إرادة الحال، حقيقة أو مجازًا، لأن نصبه يؤدي إلى تقدير "أن" وهي للاستقبال، والحال ينافي الاستقبال1.
وإنما اشترطت السببية ليحصل الربط معنى، وذلك لأنه لما لم يتعلق ما بعدها بما قبلها لفظا، زال الاتصال اللفظي، فشرطت السببية الموجبة للاتصال المعنوي جبرًا لما فات من الاتصال اللفظي، وإنما اشترطت الفضلية لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر، وذلك أنه إذا رفع كانت "حتى" حرف ابتداء، فالجملة الواقعة بعدها مستأنفة، فإن فقد شرط من الثلاثة، وجب النصب. فيجب النصب في مثل: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] لانتفاء الحال.
"ويجب النصب في مثل: لأسيرن حتى تطلع الشمس". خلافًا للكوفيين. "و: ما سرت" إلى البلدة "حتى أدخلها، و: أسرت حتى تدخلها، لانتفاء السببية" فيهن. أما الأول فلأن طلوع الشمس لا يتسبب عن السير. وأما الثاني فلأن الدخول لا يتسبب عن عدم السير. وأما الثالث فلأن السبب لم يتحقق وجوده, فلو رفع لزم أن يكون مستأنفًا مقطوعًا بوقوعه. وما قبله سبب له. وذلك لا يصح لأن ما قبلها غير سبب فيلزم وقوع المسبب مع نفي السبب أو الشك فيه. قاله المرادي2.
__________
1 انظر شرح بن الناظم ص481، والكتاب 3/ 17-18.
2 شرح المرادي 4/ 204.(2/374)
"بخلاف: أيهم سار حتى يدخلها"، و: متى سرت حتى تدخلها؛ برفعهما، "فإن السير ثابت" محقق، "وإنما الشك في" عين "الفاعل" في الأول، وفي عين الزمان في الثاني. وأجاز الأخفش الرفع بعد النفي على أن يكون أصل الكلام إيجابًا، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره لا على ما قبل "حتى" خاصة، ولو عرضت هذه المسألة بهذا المعنى على سيبويه لم يمنع الرفع فيها، وإنما منعه إذا كان النفي مسلطًا على السبب خاصة، وكل أحد يمنع ذلك.
"و" يجب النصب "في نحو: سيري"؛ بفتح السين؛ "حتى أدخلها، لعدم الفضلية"، فـ"سيري" مبتدأ، و"حتى أدخلها" خبره، ولو رفع الفعل لصار المبتدأ وبلا نسبة في خبر.
"وكذلك" يجب النصب في مثل: "كان سيري أمس حتى أدخلها، إن قدرت "كان" ناقصة"، وحتى أدخلها الخبر، "ولم تقدر الظرف" وهو "أمس" "خبرًا" لـ"كان"، بل قدرته متعلقًا بنفس السير، فإن قدرت "كان" تامة، و"أمس" متعلقًا بـ"سيري"، أو ناقصة، و"أمس" متعلقًا باستقرار محذوف على أنه خبر "كان" رفعت، لأن ما بعد "حتى" حال مسبب, فضلة, و"حتى" فيه ابتدائية، وعلامة كونه حالا أو مؤولا به, صلاحية جعل الفاء في موضع "حتى". وإليه أشار الناظم بقوله:
686- وتلو حتى حالا أو مؤولا به ارفعن وانصب المستقبلا
الموضع "الرابع والخامس: بعد "فاء" السببية، و" بعد "واو المعية"، حال كونهما "مسبوقين بنفي أو طلب محضين"، وإليهما أشار الناظم بقوله:
687- وبعد فالجواب نفي أو طلب محضين.........................
688- والواو كالفا إن تفد مفهوم مع ....................................
فالنفي يشمل ما كان بحرف، أو فعل، أو اسم، وما كان تقليلا مرادًا به النفي.
فالأول "نحو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا}" [فاطر: 36]، والثاني نحو: ليس زيد حاضرًا فيكلمك. والثالث: نحو أنت غير آت فتحدثنا. والرابع نحو: قلما تأتنا فتحدثنا. "و" النفي مع الواو كذلك نحو: "{وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] وقس الباقي. والطالب يشمل: الأمر، والنهي والدعاء، والعرض، والتحضيض، والتمني، والاستفهام. فهذه سبعة، مع النفي صارت ثمانية. "و" زاد الفراء الترجي.(2/375)
مثل الفاء بعد التمني: "{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ}" [النساء: 73]. ومثال الواو بعده: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ} [الأنعام: 27] بالنصب في قراءة حمزة وحفص1.
"و" مثال الفاء بعد النهي: "{وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي}" [طه: 81]. "و" مثال الواو بعده "قوله"، وهو أبو الأسود الدؤلي: [من الكامل]
824- لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وشرط النهي عدم النقض بإلا، فلو نقضت النهي بإلا لم يجز النصب نحو: لا تضرب إلا عمرًا فيغضب، فيجب في "يغضب" الرفع. قاله في شرح الشذور2 تبعًا لسيبويه3.
"و" مثال الفاء بعد الأمر "قوله"، وهو أبو النجم العجلي: [من الرجز]
825- يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا
__________
1 القراءة من شواهد أوضح المسالك 4/ 180، وحاشية يس 2/ 238-239، وشرح ابن الناظم ص485، والكتاب 3/ 44، وفي النص المصحفي: {نُكَذِّبَ}، {نَكُونَ}، بالنصب، وقرأهما بالرفع نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو بكر والكسائي. انظر الإتحاف 206, والنشر 2/ 257.
824- البيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص404، والأزهية ص234، وشرح شذور الذهب ص238 ، 312، وهمع الهوامع 2/ 13، وللمتوكل الليثي في الأغاني 12/ 156، وحماسة البحتري 117، والعقد الفريد 2/ 311، والمؤتلف والمختلف 179، ولأبي الأسود أو للمتوكل في لسان العرب 7/ 447، "عظظ" ولأحدهما أو للأخطل في شرح شواهد الإيضاح ص252، ولأبي الأسود الدؤلي أو للأخطل أو للمتوكل الكناني في المقاصد النحوية 4/ 393، ولأحد هؤلاء أو للمتوكل الليثي أو للطرماح أو للسابق البربري في خزانة الأدب 8/ 564، 567، وللأخطل في الرد على النحاة 127، وشرح المفصل 7/ 24، والكتاب 3/ 42، ولحسان بن ثابت في شرح أبيات سيبويه 2/ 188، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 294، وأمالي بن الحاجب 2/ 864، وأوضح المسالك 4/ 181، وجواهر الأدب 168، والجنى الداني 157، ورصف المباني 424، وشرح ابن الناظم ص485، وشرح الأشموني 3/ 566، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص535، وشرح ابن عقيل 2/ 353، وشرح عمدة الحافظ ص342، وشرح قطر الندى ص77، ولسان العرب 15/ 489 "وا", ومغني اللبيب 2/ 361، والمقتضب 2/ 26.
2 شرح شذور الذهب ص306.
3 الكتاب 3/ 30.
825- الرجز لأبي النجم في الدرر 1/ 200، 2/ 17، والرد على النحاة 123، والكتاب 3/ 35، ولسان العرب 3/ 63 "نفخ" 10/ 274 "عنق"، والمقاصد النحوية 4/ 387، وهمع الهوامع 2/ 10، وتاج العروس "عنق"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 182، ورصف المباني ص381، وسر صناعة الإعراب 1/ 270، 274، وشرح ابن الناظم ص482، وشرح الأشموني 2/ 302، 3/ 562، وشرح شذور الذهب ص305، وشرح ابن عقيل 2/ 350، وشرح قطر الندى ص71، وشرح المفصل 7/ 26، واللمع في العربية ص210، والمقتضب 2/ 14، وهمع الهوامع 1/ 182.(2/376)
والعنق؛ بفتحتين؛ ضرب من السير. والفسيح: الواسع.
"و" مثال الواو بعده "قوله"، وهوالأعشى، أو الحطيئة، فيما زعم ابن يعيش1. أبو ربيعة بن جشم ، فيما زعم الزمخشري2، أبو دثار بن شيبان النمري، فيما زعم ابن بري: [من الوافر]
826- فقلت ادعي وأدعو إن أندى لصوت أن ينادي داعيان
فـ"أدعو" مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الواو. و"أندى" أفعل، من الندى؛ بفتحتين؛ وهو بعد الصوت، و"لصوت" بكسر اللام، متعلق به. و"أن ينادي"، بفتح الهمزة وكسر الدال خبر "إن"، و"داعيان": تثنية داع، فاعل ينادي. والمعنى: فقلت لها ينبغي أن يجتمع دعائي ودعاؤك، فإن أرفع صوت وأبعده دعاء داعيين معًا.
"وقد اجتمع" النصب في جوابي "الطلب والنفي في قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}؛ الآية" وتمامها: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] "لأن تطردهم جواب النفي"، وهو: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، "وتكون، جواب النهي"، وهو: {وَلَا تَطْرُدِ}، على طريق اللف والنشر3 من غير
__________
1 شرح المفصل 7/ 35.
2 المفصل ص248.
826- البيت للأعشى في الدرر 2/ 21، والرد على النحاة ص128 ، والكتاب 3/ 45، وليس في ديوانه، وللفرزدق في أمالي القالي 2/ 90، وليس في ديوانه، ولدثار بن شيبان النمري في الأغاني 2/ 159، وسمط اللآلي ص726، ولسان العرب 15/ 316 "ندى"؛ وللأعشى أبو للحطيئة أو لربيعة بن جشم في شرح المفصل 7/ 35، ولأحد هؤلاء الثلاثة أو لدثار بن شيبان في شرح شواهد المغني 2/ 827، والمقاصد النحوية 4/ 392، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 2/ 864، والإنصاف 2/ 531، وأوضح المسالك 4/ 182، وجواهر الأدب ص167، وسر صناعة الإعراب 1/ 392، وشرح ابن الناظم ص484، وشرح الأشموني 3/ 566، وشرح شذور الذهب ص311، وشرح ابن عقيل 2/ 353، وشرح عمدة الحافظ ص341، ولسان العرب 12/ 560 "لوم"، ومجالس ثعلب 2/ 524، ومغني اللبيب 1/ 397، والمفصل ص248، وهمع الهوامع 2/ 131.
3 اللف والنشر: أن يذكر الناظم في أول البيت أسماء متعددة غير تامة المعنى، ثم يقابلها بأشياء يعددها من غير الأضداد تتمم معناها؛ إما بالجمل، وإما بالألفاظ المفردة، كقوله ابن حيوس:
فعل المدام ولونها ومذاقها في مقلتيه ووجنتيه وريقه
انظر شرح الكافية البديعية لصفي الدين الحلي، ص76.(2/377)
ترتيب، فاندفع ما يقال إن هذه الآية ظاهرها أن: فتكون، جواب "فتطردهم"، أو هما جوابان للطلب أو النفي، والجواب لا يجاب، والشيء الواحد لا يكون له جوابان، كما1 نص عليه النحاة.
ومثال الفاء بعد الدعاء1 قوله: [من الرمل]
827- رب وفقني فلا أعدل عن سنن الساعين في خير سنن
وبعد العرض قوله: [من البسيط]
828- يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما قد حدثوك فما راء كمن سمعا
وبعد التحضيض قولك: هلا اتقيت الله فيغفر لك. وهو والعرض متقاربان يجعلهما التنبيه على الفعل، إلا أن في التحضيض زيادة توكيد وحث، وفي العرض لينا ورفقًا. وبعد الاستفهام قوله: [من البسيط]
829- لاهل تعرفون لباناتي فأرجو أن تقضي فيرتد بعض الروح للجسد
وشرط الاستفهام أن لا يتضمن وقوع الفعل نحو: لم ضربته فيجازيك. فإن الضرب إذا وقع يتعذر سبك مصدر مستقبل منه2، والترجي سيأتي.
قال في شرح الشذور3: "ولم يسمع نصب الفعل بعد الواو إلا بعد واحد من أربعة وهي: النفي، والنهي، والأمر، والتمني، ولذلك اقتصر الموضح في التمثيل عليها". وقال أبو حيان4: "ولا أحفظه بعد الدعاء، والعرض، والتحضيض، والترجي، فينبغي أن لا يقدم على1 ذلك إلا بسماع". انتهى.
__________
1 سقطت من "ب".
827- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 18، وشرح ابن الناظم 482، وشرح الأشموني 3/ 563، وشرح شذور الذهب 306، وشرح ابن عقيل 2/ 350، وشرح قطر الندى ص72، والمقاصد النحوية 4/ 388، وهمع الهوامع 2/ 11.
828- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 19 وشرح ابن الناظم ص483، وشرح الأشموني 3/ 563، وشرح شذور الذهب ص308، وشرح ابن عقيل 2/ 351، وشرح قطر الندى ص74، والمقاصد النحوية 4/ 389، وهمع الهوامع 2/ 12.
829- البيت بلا نسبة في شرح ابن الناظم ص482، وشرح الأشموني 3/ 563، وشرح قطر الندى ص73، والمقاصد النحوية 4/ 388.
2 في "ب": "مستقل به".
3 شرح شذور الذهب ص313.
4 الارتشاف 2/ 415.(2/378)
واحترز الناظم بتقييد النفي والطلب بمحضين من النفي التالي تقريرًا بالهمزة، ومن النفي المتلو بنفي آخر. ومن النفي المنتقض بإلا. فالأول نحو: ألم تأتني فأحسن إليك، بالرفع إذا لم ترد الاستفهام الحقيقي، وإنما أردت أن تحمل مخاطبك على الإقرار والاعتراف بإتيانه إليك وإحسانك إليه.
قال الشيخ عبد القاهر في شرح مختصره: "معنى قولنا الهمزة للتقرير، أنك ألجأت المخاطب إلى الإقرار بأمر قد كان، تقول: أضربت زيدًا، ولا يكون غرضك أن يعلمك أمرًا لم تكن تعلمه، ولكن أردت أن تقرره أي تحمله على أن يقر بفعل قد فعله". انتهى.
والمعنى: أنت أتيتني فأحسنت إليك. على حد قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] أي: الله كاف عبده، لأن نفي النفي إثبات. قال في التخليص1: "وهذا مراد من قال: إن الهمزة فيه للتقرير، أي بما دخله النفي لا بالنفي". انتهى.
فثبت بهذا أن الاستفهام التقريري يتضمن ثبوت الفعل، فلا ينصب المضارع في جوابه، لعدم تمحض النفي. وما ورد منه2 منصوبًا فلمراعاة صورة النفي وإن كان تقريرًا، أو لأنه جواب الاستفهام.
"و" الثاني "نحو: ما تزال تأتينا فتحدثنا، و" الثالث نحو: "ما تأتينا إلا وتحدثنا". فإن معناهما الإثبات، فلذلك وجب رفع الفعل بعدهما. أما الأول فلأن "زال" للنفي، وقد دخل عليها النفي، ونفي النفي إثبات. وأما الثاني فلانتقاض النفي بإلا. ولك في نحو: ما تأتينا3 فأكرمك، أربع أوجه:
أحدها: أن تقدر الفاء لمجرد عطف لفظ الفعل4 على لفظ ما قبلها، فليكون شريكه في إعرابه، فيجب هنا الرفع لأن الفعل الذي قبلها مرفوع والمعطوف شريك المعطوف عليه، وكأنك قلت: ما تأتيني فما أكرمك، فهو شريكه في النفي الداخل عليه.
الثاني: أن يقدر5 الفاء لمجرد السببية، ويقدر5 الفعل الذي بعدها مستأنفًا،
__________
1 التخليص في علوم البلاغة ص166.
2 سقطت من "ب".
3 في "ب"، "ط"، "تأتيني".
4 في "ط": "النفي للفعل" مكان "لفظ الفعل".
5 في "ب", "ط": "تقدر".(2/379)
ومعنى استئنافه أن يقدر1 خبرًا لمبتدأ محذوف، فيجب الرفع أيضًا، لخلو الفعل من الناصب والجازم، والمعنى: ما تأتينا2 فأنا أكرمك لكونك لم تأتني، وذلك إذا كنت كارهًا لإتيانه. والفرق بين هذا الوجه الذي قبله في النفي، أن النفي في الذي قبله، يشمل ما قبل الفاء وما بعدها، وفي هذا الوجه انصب النفي فيه3 إلى ما قبل الفاء خاصة.
الثالث: أن تقدر الفاء لعطف مصدر الفعل الذي بعدها على4 المصدر المؤول مما قبلها، ويقدر5 النفي منصبا على المعطوف دون المعطوف عليه، فيجب حينئذ النصب.
والمعنى: ما يكون منك إتيان يعقبه مني4 إكرام، بل يكون منك إتيان ولا يكون مني إكرام.
الرابع: أن يقدر6 الفاء أيضًا، لعطف مصدر الفعل الذي بعدها، على المصدر المؤول مما قبلها، ولكن يقدر النفي منصبًا على المعطوف عليه، فينتفي المعطوف لأنه مسبب عنه. وقد انتفى. "ويكون المعنى: ما يكون منك إتيان، فكيف يكون مني إكرام، والحاصل في الرفع وجهان وفي النصب وجهان.
"و" احترز "من الطلب باسم الفعل، و" من الطلب "بما لفظه الخبر، وسيأتي" الكلام عليهما بعد أسطر.
"و" احترز "بتقييد الفاء بالسببية، و" تقييد "الواو بالمعية من" الفاء والواو "العاطفتين على صريح الفعل" إذا لم يشعروا بسببية ولا معية. "ومن الاستئنافيتين". فالفاء العاطفة على صريح الفعل "نحو: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] فإنها للعطف". فعطفت "يعتذرون" على لفظ "يؤذن"7 فهو شريك له في رفعه، وفي النفي الداخل عليه. وكأنه قيل: ولا يؤذن لهم فلا يعتذورن8. ولو قرئ بالنسب على أنه جواب النفي لم يمتنع9. والمعنى: لو أذن لهم لاعتذروا مثل: {لَا يُقْضَى
__________
1 في "ب"، "ط": "تقدره".
2 في "ب"، "ط": "تأتيني".
3 سقطت من "ط".
4 سقطت من "ب".
5 في "ب": "تقدير".
6 في "ب"، "ط": "تقدر".
7 في "ب"، "يؤذن لهم".
8 سقط من "ب": "فلا يعتذرون".
9 و يكون حينئذ على الوجه الرابع المار في كلامه. انظر حاشية يس 3/ 240، 241.(2/380)
عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: 36] ولكنه أوثر الرفع للتناسب رءوس الآي. قاله الفراء1.
وفرق ابن عصفور بأن الإذن والاعتذار منفيان بالقصد، وانتفاء الموت لازم عن انتفاء القضاء عليهم. ولم يقصد نفيه كما قصد2 نفي الاعتذار، وبأنه لو وقع القضاء عليهم لماتوا. وليس الإذن سببًا للاعتذار.
"و" الفاء الاستئنافية، نحو "قوله"، وهو جميل صاحب بثينة: [من الطويل]
830- ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق
فـ"ينطق": مرفوع، وهو مبني على مبتدأ محذوف3، أي: فهو ينطق، ولا يضر اقترانه بالفاء "فإنها" فيه "للاستئناف" لا للعطف ولا للسببية، "إذا العطف يقتضي الجزم" لما بعدها، لكونه معطوفًا على مجزوم، وهو: "تسأل". "والسببية تقتضي النصب" له لكونه في جواب الاستفهام.
ونوزع في اقتضاء السببية النصب، فإنه قد جاء الرفع مع تحقق السببية في: {لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36]، كما صرح به بعضهم. ودفع بأن اقتضاءها النصب صحيح على قول الأكثر. قال في المغنى: "والتحقيق أن الفاء فيه للعطف، وأن المعتمد بالعطف الجملة. لا الفعل وحده وإنما يقدر النحويون كلمة "هو" ليبينوا4 أن الفعل ليس المعتمد بالعطف". انتهى. والربع: المنزل، والقواء، بفتح القاف، ومده أكثر من قصره: الخالي الذي لا أنيس به. والبيداء: القفر الذي يبيد من يسلك5، فيه، أي: يهلكه، والسملق، بفتح السين المهملة: القاع الأملس الصفصف6.
__________
1 معاني القرآن 3/ 262.
2 في "ط": "يقصد".
830- البيت لجميل بثينة في ديوانه ص137، وخزانة الأدب 8/ 524، 525، والدرر 2/ 18، وشرح أبيات سيبويه 2/ 210، وشرح شواهد المغني 1/ 474، وشرح المفصل 7/ 36، 37، ولسان العرب 10/ 164، "سملق"، والمقاصد النحوية 4/ 403، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 185، والجنى الداني ص76، والدرر 2/ 417، والرد على النحاة ص127، ورصف المباني 378،/ 385، وشرح الرضي 4/ 66، 71، وشرح شذور الذهب ص300، والكتاب 3/ 37، ولسان العرب 1/ 300 "حدب"، ومغني اللبيب 1/ 168، وهمع الهوامع 2/ 11، 131.
3 سقطت من "ب".
4 في "أ": "ليبينون". انظر حاشية ص 1/ 241.
5 في "ط": "سلك".
6 في "ط": "للصفصف".(2/381)
"وتقول مع الواو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن1؛ بالرفع" على الاستئناف؛ "إذا نهيته عن الأول فقط" وأبحت له الثاني، فكأنك قلت: لا تأكل السمك ولك شرب2 اللبن. "فلإن قدرت النهي عن الجمع" بينهما، "نصبت" على إرادة المعية، وكأنك قلت: لا تأكل السمك مع شرب3 اللبن، "أو" قدرت النهي "عن كل منهما" على حدته. "جزمت" على العطف، وكأنك قلت: لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن.
والفرق بين النصب والجزم في حالتي العطف أنه في النصب من عطف مصدر مؤول من "أن" والفعل، على مصدر متصيد من الفعل السابق لئلا يلزم عطف المصدر على الفعل. وفي الجزم من عطف الفعل على الفعل.
"وإذا سقطت الفاء" من المضارع الواقع "بعد الطلب" المحض "وقصد" بالفعل الذي سقطت منه الفاء، "معنى الجزاء" للطلب السابق عليه، "جزم الفعل"، والمراد بقصد الجزاء أنك تقدره مسببًا عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جزاء الشرط مسبب4 عن فعل الشرط.
واختلف في تحقيق جازمه، فالجمهور يجعلونه "جوابًا لشرط مقدر"، فيكون مجزومًا عندهم5 بأداة شرط مقدرة هي وفعل الشرط "لا" جوابًا "للطلب" المتقدم، فيكون مجزومًا بنفس الطلب، وهو قول الخليل وسيبويه6 والسيرافي7 والفارسي8.
ثم اختلفوا في علته، فقال الخليل وسيبويه6: إنما جزم الطلب "لتضمنه معنى" حرف "الشرط"، كما أن أسماء الشرط إنما جزمت لذلك، وقال الفارسي والسيرافي: لنيابته مناقب الجازم الذي هو حرف الشرط المقدر، كما أن النصب بضربًا، في قولك: ضربًا زيدًا، لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه معناه. " خلافًا لزاعمي ذلك".
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 451، والإنصاف 2/ 415، وشرح شذور الذهب ص312، وشرح ابن عقيل 2/ 355، وشرح قطر الندى ص79، وشرح المفصل 7/ 34، وشرح ابن الناظم ص486.
2 في "ب": "مع شربك".
3 في "ب": "شرب".
4 في "ب": "سبب".
5 سقطت من "ب".
6 الكتاب 3/ 62.
7 شرح كتاب سيبويه 1/ 88.
8 المسائل المنثورة ص158.(2/382)
ومذهب الجمهور أرجح، لأن الحذف والتضمين وإن اشتركا في أنهما خلاف الأصل لكن في التضمين تغيير معنى الأصل، ولا كذلك الحذف. ولأن نائب الشيء يؤدي معناه والطلب لا يؤدي معنى الشرط، ولأن الأرجح في: ضربا زيدًا، أن زيدًا منصوب بالفعل المحذوف لا بالمصدر لعدم حلوله محل فعل مقرون بحرف مصدري، وذلك "نحو: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} [الأنعام: 151] تقدم الطلب وهو "تعالوا" وتأخر المضارع المجرد من الفاء وهو "أتل" وقصد به الجزاء1 فجزم بحرف شرط مقدر. والتقدير: تعالوا إن تأتوني، أتل عليكم فالتلاوة عليهم مسببة عن مجيئهم. وعلامة جزمه حذف الواو.
ومثله: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ} [مريم: 25] فإنه مجزوم باتفاق السبعة. بخلاف {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103], [وإنما أريد: خذ منهم صدقة مطهرة لهم]2. فـ"تطهرهم": مرفوع باتفاق السبعة، وإن كان مسبوقًا بالطلب، وهو: خذ، لكونه ليس مقصودًا به معنى: أن تأخذ منهم صدقة تطهرهم، وإنما أريد: خذ منهم صدقة مطهرة لهم فتطهرهم، صفة لصدقة، ولو قرئ بالجزم على معنى الجزاء لم يمتنع في القياس.
وبخلاف نحو: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ} [مريم: 5، 6] في قراءة الرفع3 فإنه قدره" مع فاعله جملة في موضع نصب "صفة لـ"وليا" لا جوابًا لـ"هب"، كما قدره من جزم"4، وقس على ذلك بقية أنواع الطلب، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
689- وبعد غير النفي جزما اعتمد إن تسقط الفا والجزاء قد قصد
وأما النفي فلا يجزم الفعل في جوابه. فلا يقال: ما تأتينا تحدثنا بجزم "تحدثنا" خلافًا للزجاجي. والكوفيين، ولا سماع معهم ولا قياس لأن الجزم يتوقف على السببية، ولا يكون انتفاء الإتيان سببًا للتحديث.
"وشرط غير الكسائي" من النحويين. "لصحة الجزم بعد النهي، صحة" وقوع "إن لا، في موضعه"، وهو أن تضع موضع النهي شرطًا مقرونًا بـ"لا" النافية,
__________
1 في "ط": "الجزم".
2 سقط ما المعكوفين من "ب".
3 وكذا في الرسم المصحفي.
4 أي: "يرثني ويرث"، وقرأها أو عمرو والكسائي واليزيدي، والشنبوذي والأعمش وطلحة وغيرهم. انظر الإتحاف ص297، ومعاني القرآن للفراء 2/ 161، والنشر 2/ 317.(2/383)
مع صحة المعنى، قاله الموضح في شرح القطر1، والمرادي في شرح النظم2. وظاهر قول الناظم:
690- وشرط جزم بعد النهي أن تضع إن قبل لا دون تخالف يقع
أنك "تضع "إن" قبل "لا الناهية، بالهاء. وشرحه على ذلك الشاطبي. "فمن ثم"؛ بفتح التاء المثلثة؛ أي من أجل هذا الشرط "جاز: لا تدن من الأسد تسلم؛ بالجزم"، لصحة قولك: إن لا تدن من الأسد تسلم، لأن السلامة مسببة عن عدم الدنو. "ووجب الرفع في نحو: لا تدن من الأسد يأكلك"، لعدم صحة قولك: إن لا تدن من الأسد يأكلك. لأن الأكل لا يتسبب عن عدم الدنو، وإنما يتسبب عن الدنو نفسه3.
ولهذا الشرط أجمعت السبعة على الرفع4 في قوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]. "وأما" قوله صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة "فلا يقرب مسجدنا يؤذنا" بريح الثوم"5. "فالجزم" في "يؤذنا"؛ بحذف الياء؛ "على الإبدال" من "يقرب" بدل اشتمال، "لا" على الجواب" للنهي، لعدم صحة: إن لا يقرب يؤذنا، لأن الإيذاء إنما يتسبب عن القرب لا عن عدمه. ولم يشترط الكسائي، قيل: والكوفيون قاطبة، هذا الشرط، واحتجوا بالقياس على النصب، فإنه يجوز: لا تدن من الأسد فيأكلك، بالنصب، وفي التنزيل: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61]، وبقول أبي طلحة6 للنبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تشرف يصبك سهم"7، ويروى: لا تتطاول يصبك، وبالحديث: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"8.
__________
1 شرح قطر الندى ص82.
2 شرح المرادي 4/ 213.
3 في شرح ابن الناظم ص487: "وأجاز الكسائي جزم جواب النهي مطلقًا".
4 وقرأها الحسن وابن أبي عبلة "تستكثر"؛ بالجزم، وقرأها الأعمش ويحيى "تستكثر"؛ بالنصب. انظر المحتسب 2/ 337، والبحر المحيط 8/ 372، وانظر ما تقدم في الجزء الأول من شرح التصريح 89.
5 أخرجه البخاري في صفة الصلاة، باب ما جاء في النوم رقم 815، 816، وهو من شواهد أوضح المسالك 4/ 189، وشرح ابن الناظم ص487.
6 في "ب": "وقول طلحة".
7 الحديث في النهاية 2/ 461، 562، أي لا تشرف من أعلى الموضع، وفيه: "كان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى استشرفه النبي -صلى الله عليه وسلم- لينظر إلى مواقع نبله أي يحقق نظره ويطلع عليه. وأصل الاستشراف أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء".
وانظر شرح ابن الناظم ص487.
8 أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم 121، وأعاده برقم 4143، 6475، 6669.(2/384)
وأجاب البصريون بأنه لو صح القياس على النصب، لصح الجزم بعد النفي قياسًا على النصب. و"يصبك": بدل من "تشرف"، أو "تتطاول". و"يضرب" مدغم. وفي رد القياس نظر فإنهم قائلون بجواز الجزم بعد النفي. كما تقدم.
"وألحق الكسائي في جواز النصب بالأمر", بالفعل، "ما دل على معناه، أي الأمر، "من اسم فعل"1 مطلقًا، سواء أكان فيه لفظ الفعل أم لا، "نحو: نزال فنكرمك"، و: صه فنحدثك.
ووافقه بن جني، وابن عصفور بعد: نزال وتراك، ونحوه، مما فيه معنى الفعل وحروفه، ومنعاه بعد: صه ومه ونحوهما، مما فيه معنى الفعل دون حروفه2، "أو" ما دل على الأمر "من خبر" مثبت"، "نحو: حسبك حديث فينام الناس"، بنصب "ينام" عند الكسائي خاصة3، فـ"حسبك: مبتدأ، وحديث: خبره، والجملة متضمنة معنى اكفف. وعبر الموضح بنحو دون، كقولهم لأن المسموع حسبك ينام الناس4.
واختلف في إعرابه؛ فقال المرادي5: مبتدأ وخبره محذوف، أي: حسبك السكوت، وهو لا يظهر.
وقال جماعة منهم ابن طاهر6: إنه مبتدأ وبلا نسبة في خبر. لأنه في معنى ما لا يخبر عنه.
ومذهب الجمهور منع النصب بعد اسم الفعل والخبر المثبت، لأن النصب إنما هو بإضمار أن، والفاء عاطفة على مصدر متوهم، و"نزال"، و"حسبك"، ونحوهما، لا تدل على مصدر لأنها غير مشتقة، "ولا خلاف في جواز الجزم بعدهما"، أي بعد اسم الفعل والخبر المثبت "إذا سقطت الفاء"، لعدم مقتضى السبك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
691- والأمر إن كان بغير افعل فلا تنصب جوابه وجزمه اقبلا
"كقوله"، وهو عمرو بن الإطنابة الأنصاري [من الوافر]
__________
1 في "ب": "الفعل".
2 انظر شرح قطر الندى ص76، وشرح شذور الذهب ص305.
3 شرح ابن الناظم ص487، وشرح شذور الذهب ص305.
4 شرح ابن الناظم ص487.
5 شرح المرادي 4/ 217.
6 الارتشاف 2/ 419.(2/385)
831- وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
فجزم "تحمدي" في جواب اسم الفعل، وهو مكانك، فإنه في معنى اثبتي. و"قولي": مبتدأ خبره: مكانك تحمدي، على حق قولي: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات: 35].
وجشأت، بالجيم والشين المعجمة والهمزة: ارتفعت، وجاشت، بالجيم والشين المعجمة، غثت، من الغثيان.
"وقولهم"، أي العرب: "اتقى الله امرؤ فعل خيرًا يثب عليه" يجزم "يثب" لأن "اتقى" و"فعل" وإن كان فعلين ماضيين ظاهرهما الخبر، إلا أن المراد بهما الطلب، "أي: ليتق الله وليفعل". فلذلك جزم في جوابهما.
"وألحق الفراء الترجي بالتمني"1 في نصب الفعل المقرون بالفاء بعده بأن مضمرة وجوبًا "بدليل قراءة حفص" عن عاصم {فَأَطَّلِعَ} [غافر: 37] بالنصب"2 في جواب {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36]، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
962- والفعل بعد الفاء في الرجا نصب كنصب ما إلى التمني ينتسب
ومذهب البصريين أن الترجي ليس له جواب منصوب. وتأولوا قراءة النصب بأن "لعل" أشربت معنى "ليت"، لكثرة استعمالها في توقع المرجو، وتوقع المرجو ملازم للتمني.
وفي الارتشاف3: وسماع الجزم بعد الترجي يدل على صحة مذهب الفراء، ومن وافقه من الكوفيين.
__________
831- البيت لعمرو بن الإطنابة في الاقتضاب ص92، وكتاب الاختيارين ص160، وأمالي القالي 1/ 258، والأشباه والنظائر للخالديين 1/ 18، وإنباه الرواة 3/ 281، وأساس البلاغة "جشأ"، وتاج العروس 1/ 176، "جشأ" وحماسة البحتري ص9، والحماسة البصرية 1/ 3، وحماسة القرشي ص148، والحماسة المغربية ص606، والحيوان 6/ 425، وجمهرة اللغة ص1095، وخزانة الأدب 2/ 428، والدرر 2/ 20، 21، وديوان المعاني 1/ 114، وسمط اللآلي ص574، وشرح شواهد المغني 2/ 546، ومجالس ثعلب ص83، والمقاصد النحوية 4/ 415، والكامل ص1434، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 189، والخصائص 3/ 35، وشرح الأشموني 3/ 5698، وشرح شذور الذهب ص345، وشرح قطر الندى ص117، وشرح المفصل 4/ 74، ولسان العرب 1/ 48 "جشأ"، ومغني اللبيب 1/ 203، والمقرب 1/ 273، وهمع الهوامع 2/ 13.
1 انظر شرح ابن الناظم ص487، وشرح الكافية الشافية 3/ 1554.
2 قراءة حفص عن عاصم هي كما في الرسم المصحفي. وقرئ قوله تعالى: "أطلعُ" بالرفع، ونسبت القراءة إلى نافع وابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم وشعبة وأبو جعفر وخلف ويعقوب. انظر الإتحاف 379، ومعاني القرآن للفراء 3/ 9، والنشر 2/ 356. والقراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 4/ 191، وشرح ابن الناظم ص487، وشرح ابن عقيل 2/ 358.
3 الارتشاف 2/ 419.(2/386)
فصل:
"وينصب" المضارع "بأن مضمرة جوازًا بعد" أحرف "خمسة أيضًا"، مصدر آض، إذا عاد:
"أحدها: اللام" الجارة1، "إذا لم يسبقها كون ناقص، ماض" منفي، "ولم يقترن الفعل بلا"، وهو المشار إليه بقول الناظم:
682- .......................... ............... وإن عدم
683- لا فأن اعمل مظهرًا أو مضمرا ....................................
"نحو: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71]، {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}" [الزمر: 12] فأضمرت في: "لنسلم"، وأظهرت في: "أكون"، وما ذكره إلى أن الناصب هو اللام، وجوزوا إظهار "أن" بعدها توكيدا2.
وقال ثعلب الناصب اللام، كما قالوا، ولكن لنيابتها عن "أن" المحذوفة، وقال ابن كيسان والسيرافي3: يجوز أن يكون الناصب "أن" المقدرة بعدها، وأن يكون "كي" ولا تتعين "أن" لذلك، ودليلهم صحة إظهار "كي" بعدها، فتحصل لنا قولان إذا قلنا اللام ناصبة، وقولان إذا قلنا: إنها غير ناصبة.
ودخل تحت قوله اللام، لام العاقبة، نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] ولام التوكيد، وهي الزائدة، نحو: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33]. "فإن سبقت" اللام "بالكون المذكور، وجب إضمار "إن" كما مر" حكمه وتعليله. "وإن قُرن الفعل وبلا نسبة في نافية، أو" زائدة.
__________
1 في "ب": "التعليلية".
2 الإنصاف 2/ 757، المسألة رقم 79.
3 شرح كتاب سيبويه 1/ 83.(2/387)
"مؤكدة، وجب إظهارها" لئلا يتوالى مثلان، وهما: "لام" كي، و"لام" لا، من غير إدغام، وهو ركيك في الكلام. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
682- وبين لا ولام جر التزم إظهار أن.................
"نحو": {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، بإدغام النون في "لا" النافية، لتقارب مخرجيهما. {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29] بإدغام النون في "لا" المؤكدة.
والحاصل، أن لـ"أن" بعد اللام ثلاث حالات: وجوب الإضمار بعد لام الجحود، ووجوب الإظهار وذلك إذا اقترن الفعل بـ"لا" وجواز الأمرين، وذلك بعد "لام" كي، و"لام" العاقبة، و"لام" التوكيد.
"و" الأحرف "الأربعة الباقية" من الأحرف الخمسة التي تضمر أن بعدها جوازًا: "أو، و: الواو، و: الفاء، و: ثم، إذا كان العطف" بها "على اسم" صريح "ليس في تأويل الفعل"، وهو1 نوعان: مصدره وغيره. فغير المصدر، كقول الحصين ابن الحمام2 المري: [من الطويل]
832- ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسوءك علقما
فـ"أسوءك": معطوف على "رجال"، وهو ليس في تأويل الفعل، و"رزام":
حي من نمير. والمصدر "نحو": {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51] في قراءة غير نافع؛ بالنصب"3، بإضمار "أن" بعد "أو". والتقدير: أو أن يرسل، وأن يرسل في تأويل مصدر منصوب. "عطفًا على وحيا4". والتقدير: إلا وحيًا أو إرسالا، ووحيًا مصدر ليس في تأويل الفعل.
"وقوله"، وهو الشخص المسمى ميسون الكلابية، زوج معاوية بن أبي سفيان
__________
1 في "أ": "وهما".
2 في "أ", "ب"، "ط": "حصين بن حمام" بإسقاط "ال" التعريف منهما.
832- البيت للحصين بن حمام في خزانة الأدب 3/ 342، والدرر 2/ 16، وشرح اختيارات المفضل ص334، والكتاب 3/ 50، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 272، وشرح الأشموني 3/ 559، و المحتسب 1/ 326، وهمع الهوامع 2/ 10.
3 قرأها بالرفع "يرسل" نافع وابن عامر والزهري وشيبة وابن ذكوان وهشام وأبو جعفر. انظر الإتحاف 384، والبحر المحيط 7/ 527، والنشر 2/ 368، والقراءة من شواهد أوضح المسالك 4/ 192، وشرح ابن الناظم ص489، وشرح ابن عقيل 2/ 361.
4 انظر شرح ابن الناظم ص487.(2/388)
رضي الله عنه، وأم ابنه يزيد: [من الوافر]
833- ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلى من لبس الشفوف
فـ"تقر" منصوب بـ"أن" مضمرة جوازًا، وهي والفعل في تأويل مصدر مرفوع بالعطف على "لبس", [والتقدير: ولبس عباءة وقرة عيني. و"لبس"]1: بالواو العاطفة على قولها قبله2:
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيف
وفي بعض النسخ: للبس، باللام، وهو تحريف نبه عليه الموضح في شرح بانت سعاد3. "وقوله": [من البسيط]
834- لولا توقع معتر فأرضيه ما كنت أوثر إترابا على ترب
فـ"أرضيه": منصوب بـ"أن" مضمرة جوازًا بعد الفاء، و"أن، وأرضى"، في تأويل مصدر معطوف على توقع، والتقدير: لولا توقع معتر فإرضائي إياه، وتوقع ليس
__________
833- البيت لميسون بنت بحدل في الارتشاف 2/ 422، والاقتضاب ص163، وبلاغات النساء ص161، وتاريخ مدينة دمشق قسم تراجم النساء ص400، والحماسة البصرية 2/ 72، وخزانة الأدب 8/ 503، 504، والدرر 2/ 25، وسر صناعة الإعراب 1/ 273، وشرح شذور الذهب ص314، وشرح شواهد الإيضاح ص250، وشرح شواهد المغني 2/ 653، وعمدة الحفاظ "روح"، ولسان العرب 13/ 408 "مسن" والمحتسب 1/ 326، ومعجم الأديبات الشواعر ص448، ومغني اللبيب 1/ 267، والمقاصد النحوية 4/ 397، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 677، وأوضح المسالك 4/ 192، والجنى الداني ص157، وخزانة الأدب 8/ 523، والرد على النحاة ص128، ورصف المباني ص423، وشرح ابن الناظم ص488، وشرح الأشموني 3/ 571، وشرح ابن عقيل 2/ 358، وشرح عمدة الحافظ ص344، وشرح قطر الندى ص65، وشرح المفصل 7/ 25، والصاحبي في فقه اللغة ص112، 118، والكتاب 3/ 45، والمقتضب 2/ 27.
1 سقطت ما بين المعكوفين من "ط".
2 البيت في الارتشاف 2/ 422، وبلاغات النساء ص161، والحماسة البصرية 2/ 72، وتاريخ مدينة دمشق قسم تراجم النساء ص400، ومعجم الأديبات الشواعر ص400 وخزانة الأدب 5/ 503، وشرح شواهد المغني 2/ 653، والمقاصد النحوية 4/ 397، ولسان العرب 3/ 408 "مسن".
3 شرح قصيدة كعب بن زهير ص106.
834- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 194، والدرر 2/ 26، وشرح ابن الناظم ص488، وشرح الأشموني 3/ 571، وشرح شذور الذهب ص315، وشرح ابن عقيل 2/ 360، والمقاصد النحوية 4/ 398، وهمع الهوامع 2/ 17.(2/389)
في تأويل الفعل. و"المعتر"، بالعين المهملة والتاء المثناء فوق: المعترض للمعروف.
و"الأتراب" جمع ترب، بكسر التاء المثناة فوق وسكون الراء، وترب الرجل: من يولد في الوقت الذي ولد1 فيه، فيساوي في السن2.
والمعنى: لولا توقع من يصرف عن فعل المعروف، وإرضاؤه، ما آثر الشاعر المساوي لغيره في السن، على المساوي له في سنه. "وقوله"، وهو أنس بن مدركة الخثعمي: [من البسيط]
835- إني وقتلي سليكا ثم أعقله كالثور يضرب لما عافت البقر
فـ"أعقله": مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة جوازًا بعد "ثم"، و"أن أعقله": في تأويل مصدر معطوف على قتلي، والتقدير: وقتلي سليكا ثم عقلي إياه. وقتلي ليس في تأويل الفعل. وسليكا، بالتصغير، اسم رجل، مفعول قتلى، وكالثور: خبر أن، والمراد بالثور ذكر البقر لأن البقر تتبعه، فإذا عاف الماء، عافته، فيضرب ليرد الماء لترد معه.
وقيل: المراد بالثور, ثور الطحلب، وهو الذي يعلو على الماء، فيصد البقر عنه، فيضربه صاحب البقر ليفحص عن الماء فيشربه، والمناسب للتشبيه، الأول, الغرض من وقوع الفعل به تخويف غيره.
واحترز الموضح بقوله: ليس في تأويل الفعل، عن الاسم الواقع صلة للألف واللام، فإنه في تأويل الفعل. "وتقول: الطائر فيغضب زيد الذباب3، بالرفع" في يغضب "وجوبًا لأن الاسم" وهو طائر "في تأويل الفعل"، و"أل" الداخلة عليه اسم موصول مرفوع بالابتداء, نقل إعرابها إلى ما بعدها لكونها على صورة الحرف. ويغضب زيد: جملة معطوفة على صلة "أل", ولعطفها بالفاء، لم تحتج لرابط، والذباب: خبر المبتدأ. وصح عطف الفعل في الاسم. لأن الاسم هنا في تأويل الفعل لكونه صلة
__________
1 في "ب"، "ط": "يولد".
2 في "ب"، "ط": "سنه".
835- البيت لأنس بن مالك في الأغاني 20/ 357، والحيوان 1/ 18، والدرر 2/ 27، واللسان 4/ 109، "ثور"، 8/ 380 "وجع" 9/ 260 "عيف" والمقاصد النحوية 4/ 399، بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 195، وخزانة الأدب 4/ 462، وشرح ابن الناظم ص489، وشرح الأشموني 3/ 571، والمقرب 1/ 273، وشرح شذور الذهب ص316، وشرح ابن عقيل 2/ 359، وهمع الهوامع 2/ 17.
3 شرح ابن الناظم ص489، وشرح ابن عقيل 2/ 361.(2/390)
الموصول، "أي: الذي يطير"، فيغضب زيد الذباب. فتحصل من كلامه أولًا وآخرًا.
أن لـ"الفاء"، و"الواو"، و"أو"1، حالتين.
حالة يجب فيها إضمار "أن" بعدهن. وحالة يجوز. فيجب إذا كانت الفاء للسببية، والواو للمعية، بعد النفي أو طلب محضين، و"أو" بمعنى: "إلى" أو: "إلا".
ويجوز إذا عطفن على اسم خالص من التأويل بالفعل و"أن" ثم تشاركهن في الجواز دون الوجوب. وأطلق في النظم العاطف فقال:
693- وإن على اسم خالص فعل عطف تنصبه أن ثابتا او منحذف
"لوا ينتصب" الفعل المضارع "بأن مضمرة في غير هذه المواضع العشرة".
وهي الخمسة المذكورة في وجوب إضمار "أن" والخمسة المذكورة في جوازه. "إلا شاذًا" وهي في ذلك "كله"2 على قسمين: تارة3 يكون في الكلام مثلها، فيحسن حذفها. وتارة لا يكون3.
قالأول: "كقول بعضهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"4 بنصب "169/ ب" "تسمع" بإضمار "أن"، والذي حسن حذفها من "تسمع"، ذكرها في "أن تراه" قاله الموضح في شرح الشذور. وقوله طرفة: "من الطويل"
836- ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
بنصب: أحضر، بأن مضمرة، ويؤيده: وأن أشهد.
__________
1 سقط من "ب"، "ط": "وأو".
2 إضافة من "ب".
3 سقطت من "ب".
4 من الأمثال في مجمع الأمثال 1/ 129، 2/ 420، وكتاب الأمثال لابن سلام ص97، 98، والمستقصى 1/ 370، وفصل المقال ص135، 136، وهو من شواهد أوضح المسالك 4/ 197، وشرح بن الناظم ص489، والكتاب 4/ 44.
836- البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص32، والإنصاف 2/ 560، وخزانة الأدب 1/ 119، 8/ 579، والدرر 1/ 7، 2/ 28، وسر صناعة الإعراب 1/ 285، وشرح شواهد المغني 2/ 800، والكتاب 3/ 99، 100، ولسان العرب 13/ 32 "أنن"، 14/ 272 "دنا"، والمقاصد النحوية 4/ 402، والمقتضب 2/ 85، وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 463، 8/ 807، 580، 585، والدرر 1/ 386، ورصف المباني ص113، وشرح شذور الذهب ص153، وشرح بن عقيل 2/ 362، وشرح المفصل 2/ 7، 4/ 28، 7/ 52، ومجالس ثعلب ص383، ومغني اللبيب 2/ 383، وهمع الهوامع 2/ 17.(2/391)
والثاني، كقول عامر الهذلي: [من الطويل]
837- ........................................... ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله
بالنصب.
"وقول آخر: خذ اللص قبل يأخذك"1 بالنصب. "وقراءة بعضهم: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمَغَه" [الأنبياء: 18] بنصب يدمغه2. وقراءة الحسن "تأمروني أعبدَ" [الزمر: 64]. فحذفت "أن" فيهن وليس معها ما يحسن حذفها، والجميع شاذ، وإليه أشار الناظم بقوله:
694- وشذ حذف أن ونصب في سوى ما مر فاقبل منه ما عدل روى
وفيه إرشاد إلى أنه لا يقاس عليه. وذهب الكوفيون ومن وافقهم من البصريين، إلى أنه يقاس عليه. وأجاز الأخفش حذف "أن" قياسًا، ولكن بشرط رفع الفعل، مثل: {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64]، و"تسمعُ بالمعيدي". في رواية الرفع فيهما. وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا يجوز حذفها إلا في الأماكن العشرة المذكورة، رفعت أو نصبت.
__________
837- صدر البيت:
فلم أر مثلها خباسة واحد
وهو لامرئ القيس في ملحق ديوانه ص471، وله أو لعامر بن جؤين في الأغاني 9/ 39، وشرح أبيات سيبويه 1/ 337، والكتاب 1/ 307، والمقاصد النحوية 4/ 401، ولعامر بن جؤين أو لبعض الطائيين في شرح شواهد المغني 2/ 931، ولعامر بن الطفيل في الإنصاف 2/ 561، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص148، والدرر 1/ 85، 2/ 28، وشرح ابن الناظم ص490، وشرح الأشموني 1/ 129، ومغني اللبيب 2/ 640، والمقرب 1/ 270، وهمع الهوامع 1/ 58.
1 شرح ابن الناظم ص490، وشرح ابن عقيل 2/ 362.
2 الرسم المصحفي: {فَيَدْمَغُهُ}؛ بالرفع، وقرأها بالنصب: عيسى بن عمر. انظر البحر المحيط 6/ 302، والكشاف 2/ 566، ومغني اللبيب 1/ 150، 151.
3 الرسم المصحفي: {أَعْبُدُ}؛ بالرفع، وقرئت بالنصب في البحر المحيط 7/ 439، والكشاف 3/ 407.(2/392)
فصل:
"وجازم الفعل نوعان: جازم فعل1 واحد، وهو" أحرف "أربعة":
أحدها: "لا الطلبية، نهيًا كانت، نحو: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: 13] أو دعاء نحو: {لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] أو التماسًا، نحو: لا تفعل. فالنهي عن الأعلى، والدعاء من الأدنى، والالتماس من المساوي.
"وجزمها فعلي المتكلم"2، المبدوء بالهمزة والمبدوء بالنون، حال كونهما "مبنيين للفاعل، نادر، كقوله"، وهو النابغة الذبياني: [من البسيط]
838- لا أعرفن ربربا حورا مدامعها مردفات على أعقاب أكوار
فـ"لا" ناهية، و"أعرف" مجزوم بها ومؤكد بالنون الخفيفة، مسند إلى ضمير المتكلم. وهذا النوع مما أقيم فيها المسبب مقام السبب أي: لا يكن3 ربرب فأعرفه، والربرب: براءين مهملتين وباءين موحدتين: القطيع من البقر الوحشية، والحور، بضم الحاء المهملة، جمع حوراء، من الحور، بفتحتين: وهو شدة بياض العين في شدة سوادها.
ومدامعها مرفوع بحوراء، وأراد بها العيون لأنها مواضع الدمع في إطلاق الحال
__________
1 في "ط": "لفعل".
2 في "ب": "التكلم".
838- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص75-76، وهو ملفق من بيتين هما:
لا أعرفن ربربًا حورًا مدامعها كأن أبكارها نعاج دوار
خلف العضاريط لا يوقين فاحشة مردفات على أعقاب أكوار
وشرح شواهد المغني 2/ 652، والكتاب 3/ 511، والمقاصد النحوية 4/ 441، وتاج العروس 11/ 335، "دور"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 198، وجواهر الأدب ص251، ومغني اللبيب 1/ 246، وشرح ابن الناظم ص493، وشرح الأشموني 3/ 573.
3 في "ب": "يكون".(2/393)
وإرادة المحل. ومردفات: حال من ربربا، لوصفه بما بعده، والأعقاب: جمع عقب، وعقب كل شيء: آخره، والأكوار: جمع كور، بضم الكاف: وهو الرجل بأداته. "وقوله"، وهو الوليد بن عقبة، لا الفرزدق: [من الطويل]
839- إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد لها أبدًا ما دام فيها الجراضم
فـ"لا" ناهية، أو دعائية، كما في المغني1، و"نعد": مجزوم بها، وهو مسند إلى المتكلم المعظم نفسه، وهو على النهي نادر؛ لأن المتكلم لا ينهى نفسه إلا على المجاز، تنزيلا له منزلة الأجنبي. و"دمشق"، بكسر الدال المهملة وفتح الميم، وقد تكسر، كما في القاموس، وبالشين المعجمة: قصبة الشام، والجراضم، بضم الجيم وبالضاد المهملة: الأكول الواسع البطن، وعنى به معاوية رضي الله عنه.
"ويكثر" جزمها فعلي المتكلم، مبنيين للمفعول. "نحو: لا أخرج، و: لا نخرج، لأن المنهي غير المتكلم"، وهو الفاعل المحذوف النائب عنه ضمير المتكلم، والأصل: لا يخرجني أحد، ولا يخرجنا أحد. فحذف الفاعل، وأنيب عنه ضمير المتكلم، [وعدل عن الفعل المبدوء بياء الغيبية، إلى المبدوء بالهمزة والنون، ليتمكن من الإسناد إلى ضمير المتكلم]2، على حد الالتفات من الغيبية إلى التكلم3.
وما ذكره من التفصيل بين المبني للفاعل والمبني4 للمفعول، طريقة لبعضهم، وعبارة الشارح5: وتصحب فعل المخاطب والغائب كثيرًا، وقد تصحب فعل المتكلم، فسوى بين المخاطب والغائب في الكثرة، ولم يفصل في المتكلم بين المبني للفاعل والمبني للمفعول، وهو موافق لظاهر الكافية6 والتسهيل7.
__________
839- البيت للفرزدق في الأزهية ص150، ومغني اللبيب 1/ 247، وليس في ديوانه، وللفرزدق أو للوليد في شرح شواهد المغني 2/ 633، والمقاصد النحوية 4/ 420، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 200، وشرح ابن الناظم ص493، وشرح الأشموني 3/ 574.
1 مغني اللبيب 1/ 247.
2 سقط ما بين المعكوفين من "ط".
3 في "ب": "المتكلم".
4 سقط من "ب".
5 شرح ابن الناظم ص493.
6 شرح الكافية الشافية 3/ 1565.
7 التسهيل ص235.(2/394)
وليس أصل "لا" الطلبية، لام الأمر زيدت عليها الألف، فانفتحت، خلافًا لبعضهم، وليست "لا" النافية. والجزم بعدها بلام الأمر مضمرة قبلها، وحذفت كراهة اجتماع لامين، خلافًا للكسائي.
"و" الثاني: "اللام الطلبية أمر كانت، نحو: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} [الطلاق: 7]، أو دعاء، نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] أو التماسًا، نحو: ليقم.
فالأمر من الأعلى، والدعاء من الأدنى، والالتماس من المساوي. "وجزمها فعلي المتكلم". والمبدوء بالهمزة والمبدوء بالنون، حال كونهما "مبنيين للفاعل قليل"، لأن المتكلم لا يأمر نفسه. نحو قوله -صلى الله عليه وسلم: "قوموا فلأصل لكم"1 أي لأجلكم. والفاء زائدة. "و" قوله تعالى: "{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}" [العنكبوت: 12] فأصل ونحمل: مجزومان بلام الأمر. فعلامة جزم الأول: حذف الياء، وعلامة جزم الثاني: السكون. "وأقل منه جزمها فعل الفاعل المخاطب، نحو قوله تعالى: "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا" [يونس: 85] بالتاء المثناة فوق2، في قراءة لعثمان وأبي وأنس وزيد. "ونحو" قوله -صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مصافكم"3.
وقول الشاعر: [من الخفيف]
840- لتقم أنت يا ابن خير قريش كي لتقضي حوائج المسلمينا
وزعم الزجاجي أنها لغة جيدة. والجمهور جعلوا جزمها لفعل المخاطب، أقل من جزمها لفعل المتكلم. "و" قالوا: "الأكثر الاستغناء عن هذا"، وهو جزم فعل المخاطب "بفعل الأمر"، نحو افرحوا، وخذوا، وقم. وأصل لام الطلب السكون، لأن الأصل عدم الحركة، لكن منع منه أنها قد تكون في الابتداء, والابتداء بالساكن متعذر فكسرت، وقد تفتح عند سليم، فإذا دخل عليها الواو أو الفاء أو ثم، رجعت إلى سكونها الأصلي غالبًا.
"و" الثالث والرابع: "لم ولما" أختها "ويشتركان في أمور في: الحرفية" والاختصاص بالمضارع "والنفي، والقلب للمضي" وجواز دخول همزة الاستفهام
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب الصلاة في الثياب برقم 373، ومسلم في المساجد رقم 658.
2 الرسم المصحفي {فَلْيَفْرَحُوا}، وقرأها "فلتفرحوا" ابن عامر وأبي وأنس وابن سيرين وقتادة وابن عباس وغيرهم. وانظر الإتحاف 252، والمحتسب 1/ 313، والنشر 2/ 285، والقراءة من شواهد أوضح المسالك 4/ 204, وشرح ابن الناظم ص491، ومغني اللبيب 1/ 186.
3 أخرجه أحمد في المسند 5/ 243، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص492.
840- تقدم تخريج البيت برقم 21.(2/395)
عليهما، فكل منهما حرف يختص بالمضارع وينفي معناه1، ويقلب زمانه إلى المضي، وفاقًا للمبرد, لأنه يقلب اللفظ الماضي إلى المضارع2، خلافًا لأبي موسى، ونسب إلى سيبويه3.
"وتنفرد لم" عن لما، "بمصاحبة أداءة الشرط، نحو: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}" [المائدة: 67] ولا يجوز: إن لما تفعل؛ لأن الشرط يليه مثبت لم. تقول: إن قام زيد قام عمرو، ولا يليه مثبت لما، لا تقول: إن قد قام زيد. فعودل بين النفي والإثبات. وإنما لم تقع بعد الشرط، لأنها تقتضي تحقيق وقوعه وتقريبه من الحال. والشرط يقتضي احتمال وقوعه وعدمه، وقلبه إلى الاستقبال.
"و" تنفرد لم أيضًا "بجواز انقطاع نفي منفيها"، نحو: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] لأن المعنى أنه قد كان بعد ذلك شيئًا مذكورًا، قاله الموضح في شرح القطر4، تبعًا لابن مالك5.
وقال في الحواشي: لا دليل في هذا، لأن قبله: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} فالنفي إنما هو باعتبار ما ذكر من ذلك الحين لا مطلقًا، انتهى.
بخلاف لما، فإن نفي منفيها مستمر إلى زمن الحال. "ومن ثم" أي ومن أجل أن نفي منفي لم يجوز انقطاعه. جاز أن يقال في لم: "لم يكن" الإنسان شيئًا مذكورًا، "ثم كان" شيئًا مذكورًا.
"وامتنع في لما" أن يقال: "لما يكن ثم كان" لما فيه من التناقض، لأن امتداد النفي واستمراره إلى زمن التكلم يمنع من الإخبار بأن ذلك النفي المستمر نفيه وجد في الماضي. نعم الإخبار بأنه سيكون يستقبل صحيح ولا ينافي استمرار النفي في الحال. قاله الدماميني.
"وتنفرد لما" عن لم، "بجواز حذف مجزومها، كـ: قاربت المدينة ولما"، بحذف المجزوم، "أي: ولما أدخلها". وذلك لأنها نفي لـ"قد فعل"، والفعل قد يحذف
__________
1 سقط من "ب".
2 الكامل 1/ 361.
3 الكتاب 3/ 117.
4 شرح قطر الندى ص83، 84.
5 شرح الكافية الشافية 3/ 1573.(2/396)
بعد "قد"، كقوله: [من الكامل]
841- ........................ ............. وكأن قد
"فأما قوله"، وهو إبراهيم بن علي بن محمد الهرمي: [من الكامل]
842- احفظ وديعتك التى استودعتها يوم الأعازب إن وصلت وإن لم
أي: وإن لم تصل. "فضرورة". والأعازب، يروى بالعين المهملة والزاي المعجمة، وبالغين المعجمة والراء المهملة: التباعد.
"و" تنفرد لما أيضًا "بتوقع ثبوته"، أي ثبوت منفيها. "نحو: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: 8] أي: إلى الآن ما ذاقوه وسوف يذوقونه. {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}" [الحجرات: 14] أي: إلى الآن ما دخل في قلوبكم وسوف يدخل. ولم لا تقتضي ذلك.
والعلة فيه أن لما لنفي قد فعل، وهو مفيد للتوقع، بخلاف لم فإنها لنفي فعل، ولا دلالة فيه على التوقع، والتوقع في فلما غالب، لا لازم، كما أن التوقع بـ"قد"، كذلك، ومن غير الغالب: ندم إبليس ولما ينفعه الندم1.
"ومن ثم"، أي ومن أجل أن "لما" يغلب عليها التوقع؛ "امتنع" أن يقال: "لما يجتمع الضدان" لاستحالة اجتماعهما. وتوقع المستحيل محال.
__________
841- تمام البيت:
أزف الترحل غير أن ركبنا لما تزل برحالنا وكأن قد
وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص89، والأزهية ص211، والأغاني 11/ 8، والجنى الداني ص146، 260، وخزانة الأدب 7/ 197، 198، 10/ 407، والدرر اللوامع 2/ 254، وشرح شواهد المغني ص490، 764، وشرح المفصل 8/ 148، 9/ 18، 52، ولسان العرب 3/ 346 "قدد"، ومغني اللبيب ص171، والمقاصد النحوية 1/ 80، 2/ 314، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 56، 356، وأمالي ابن الحاجب 1/ 455، وخزانة الأدب 9/ 8، 11/ 260، ورصف المباني ص72، 125، 448، وسر صناعة الإعراب ص334, 490، 777، وشرح الأشموني 1/ 12، وشرح ابن عقيل 1/ 19، وشرح قطر الندى ص160، وشرح المفصل 10/ 110، ومغني اللبيب ص342، والمقتضب 1/ 42، وهمع الهوامع 1/ 143، 2/ 80.
842- البيت لإبراهيم بن هرمة في ديوانه ص191، وخزانة الأدب 9/ 8، 10، والدرر 2/ 176، وشرح شواهد المغني 2/ 628، والمقاصد النحوية 4/ 443، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 114، وأوضح المسالك 4/ 202، وجواهر الأدب ص256، 424، والجنى الداني ص269، وشرح الأشموني 3/ 576، ومغني اللبيب 1/ 280، وهمع الهوامع 2/ 56.
1 انظر شرح الكافية الشافية 3/ 1574.(2/397)
وقد تتقارض "أن" المصدرية، و"لم" فتجزم بـ"أن"، وتنصب بـ"لم"، وقد تهمل "لم" حملا على "لا" النافية، فيرتفع بعدها الفعل، كقوله: [من البسيط]
843- ............................... ......... لم يوفون بالجار
ومن ثم قال الفراء: أصل لم: "لا" فأبدلت الألف ميمًا، كما قال في "لن"، أصلها "لا" فأبدلت الألف نونًا، والصحيح في لما، قول الجمهور: إنها مركبة من "لم" و"ما" وقيل بسيطة.
"و" النوع الثاني: "جازم فعلين، وهو" إحدى عشرة كلمة، وهي بالنظر إلى الخلاف في حقيقتها وعدمه، "أربعة أنواع":
"حرف باتفاق، وهو إن"، بكسر الهمزة وسكون النون، وهي أم الباب.
"وحرف على الأصح، وهو إذما"، فقال سيبويه1: إنها حرف بمنزلة "إن" الشرطية فإذا قلت: إذما تقم أقم، فمعناه: إن تقسم أقم. وقال المبرد، وابن السراج، والفارسي: إنها ظرف زمان وإن المعنى في المثال: متى تقم أقم. واحتجوا بأنها قبل دخول "ما" كانت اسمًا2. والأصل عدم التغيير. وأجيب بأن التغيير قد تحقق بدليل أنها كانت للماضي فصارت للمستقبل، فدل عى أنها نزع منها ذلك المعنى البتة، واعترض بأنه لا يلزم من تغيير زمانها، تغيير ذاتها كالمضارع. فإنه موضوع لأحد الزمانين، الحال أو الاستقبال، وإذا دخل عليه "لم"، انقلب زمانه إلى المضي مع بقاء ذاته على أصلها.
"واسم باتفاق، وهو: من" بفتح الميم، "و: ما، و: متى، و: أي، و: أين، و: أيان، و: أنى، و: حيثما".
"واسم على الأصح، وهو مهما"، فقال الجمهور، إنها اسم بدليل عود الضمير عليها في قوله تعالى: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} [الأعراف: 132]. وزعم السهيلي، وابن يسعون، بمهملتين، أنها حرف.
__________
843- تمام البيت:
لولا فوارس من ذهل وأسرتهم يوم الصلفياء لم يوفون بالجار
وهو بلا نسبة في الجني الداني ص266، وخزانة الأدب 1/ 205، 9/ 3، 11/ 431، والدرر 2/ 178، وسر صناعة الإعراب 1/ 448، وشرح الأشموني 3/ 576، وشرح شواهد المغني 2/ 674،/ وشرح عمدة الحافظ ص376، وشرح المفصل 7/ 8، ولسان العرب 9/ 189، "صلف"، والمحتسب 2/ 42، ومغني اللبيب 1/ 277، 339، والمقاصد النحوية 4/ 446، وهمع الهوامع 2/ 56.
1 الكتاب 3/ 56، 75.
2 انظر الارتشاف 2/ 547، وشرح الشافية 3/ 1622.(2/398)
وهذه الأنواع الأربعة، ستة أقسام:
أحدها: ما وضع لمجرد تعليق الجواب على الشرط، وهو "إن، وإذما" نحو: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} [الأنفال: 19]، و"إذما تقم أقم".
والثاني: ما وضع للدلالة على من يعقل، ثم ضمن معنى الشرط، وهو من، نحو: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123].
والثالث: ما وضع للدلالة على ما لا يعقل، ثم ضمن معنى الشرط، وهو "ما، ومهما" نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197]، {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ} [الأعراف: 132] الآية.
والرابع: ما وضع للدلالة على الزمان ثم ضمن معنى الشرط، وهو "متى"، و"أيان" نحو: [من الوافر]
844- ..................................... متى أضع العمامة تعرفوني
ونحو: إيان نؤمنك، تأمن غيرنا.
والخامس: ما وضع للدلالة على المكان ثم ضمن معنى الشرط، وهو: أين وأنى وحيثما نحو: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 87]، ونحو: [من الطويل]
845- ... أنى تأتها تشتجر بها ..............................
ونحو: [من الخفيف]
846- حيثما تستقم يقدر لك اللـ ـه نجاحا......................
والسادس: ما هو متردد بين أنواع الاسم الأربعة، وهو "أي"، فإنها بحسب ما تضاف إليه. فهي في "أيهم يقم أقم معه" من باب من، وفي "أي الدواب تركب أركب" من باب ما، وفي "أي يوم تصم أصم" من باب متى، وفي "أي مكان تجلس أجلس" من باب أين.
__________
844- صدر البيت: "أنا ابن جلا وطلاع الثنايا"، وتقدم تخريج البيت برقم 789.
845- تمام البيت:
فأصبحت أنى تأتها تشتجر بها كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص220، وخزانة الأدب 7/ 91، 93، 10/ 45، 46، وشرح أبيات سيبويه 2/ 43، وشرح المفصل 4/ 110، والكتاب 3/ 58، ولسان العرب 5/ 47، "فجر"، والمعاني الكبير ص871، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص364، وشرح قطر الندى ص90، وشرح المفصل 7/ 45، والمقتضب 2/ 48.
846- عجز البيت: "نجاحًا في غابر الأزمان"، هو بلا نسبة في تذكرة النحاة 736، وخزانة الأدب 7/ 20، وشرح ابن الناظم 495، وشرح الأشموني 3/ 510، وشرح شواهد المغني 1/ 391، وشرح ابن عقيل 2/ 368، وشرح قطر الندى ص89، ومغني اللبيب 1/ 133، والمقاصد النحوية 4/ 426.(2/399)
"و" هذه الكلمات "كل منهن يقتضي فعلين، يسمى أولهما شرطًا" لتعليق الحكم عليه، "و" يسمى "ثانيهما جوابًا" لأنه مرتب على الشرط كما يرتب الجواب على السؤال. "وجزاء" لأن مضمونه جزاء لمضمون الشرط. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
689- فعلين يقتضين شرط قدما يتلو الجزاء وجوابًا وسما
وفهم من قوله: "وجازم لفعلين"، أن أداة الشرط جازمة لهما معًا. وهو مذهب الجمهور من البصريين1 واختاره ابن عصفور2 والأبدي.
واعترض بأن الجازم كالجار، فلا يعمل في شيئين، وبأنه ليس لنا ما يتعدد عمله إلا ويختلف كرفع ونصب. ويجاب بالفرق بأن الجازم لما كان لتعليق حكم على آخر عمل فيهما، بخلاف الجار، وبأن تعدد العمل قد عهد من غير اختلاف، كمفعولي "ظن"، ومفاعيل أعلم.
وقيل: الشرط مجزوم بالأداة، والجواب مجزوم بالشرط، كما أن المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالمبتدأ، ونسب إلى الأخفش، واختاره في التسهيل3.
وقيل: الشرط والجواب تجازما، كما قال الكوفيون في المبتدأ والخبر أنهما ترافقا، وهذا نقله ابن جني عن الأخفش4.
وقيل: الأداة والشرط كلاهما جزم الجواب، كما قيل الابتداء والمبتدأ كلاهما رفع الخبر، ونسب هذا القول لـ: سيبويه والخليل5، ورد بأن العامل المركب لا يحذف أحد جزأيه ويبقى الآخر، وفعل الشرط قد يحذف، وبأن العامل المركب لا يفصل بين جزأيه، وقد جاء الفصل، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] وأجيب بأن فعل الشرط هو المحذوف، وهذا مفسر له.
وقيل: الجواب مجزوم بالجوار، قاله الكوفيون قياسًا للجزم على الجر6، ورد بأنه قد يكون بينهما معمولات فاصلة فلا تجاور.
__________
1 انظر الإنصاف 2/ 602، والمسألة رقم 84.
2 المقرب 1/ 273.
3 التسهيل ص237.
4 الخصائص 1/ 18.
5 الكتاب 3/ 62.
6 الارتشاف 2/ 557.(2/400)
"و" لا يشترط في الشرط والجزاء أن يكونا من نوع واحد، بل تارة "يكونان مضارعين نحو: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} [الأنفال: 19]. "و" تارة يكونان "ماضيين نحو: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8]. "و" تارة يكونان مختلفين، "ماضيا فمضارعًا نحو: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20].
وفي الخاطريات لابن جني: قال أبو بكر: إنما حسن لأن الاعتماد في المعنى على خبر "كان"، وهو مضارع، فكأنه قال: ومن يرد نزد، وليس مثل قولك إن آتيتني آتك، قال الموضح: فتتبعت ما ورد به التنزيل من ذلك، فإذا فعل الشرط فيه كلمة "كان".
"و" تارة يكونان "عكسه"، مضارعًا فماضيًا، "وهو قليل" حتى خصه الجمهور بالشعر، ومذهب الفراء1، ومن تبعه، جوازه في الاختيار. "نحو" قوله -صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتساب غفر له". رواه البخاري2.
"ومنه: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ" أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4]، فـ"ظلت": ماض وهو معطوف على الجواب، وهو ننزل، فيكون جوابًا "لأن تابع الجواب جواب.
ورد الناظم" في شرح التسهيل3 "بهذين" الحديث والآية "ونحوهما، على الأكثرين، إذ خصوا هذا النوع بالضرورة". وقالوا: لأنا إذا أعلمنا الأداة في لفظ الشرط، ثم جئنا بالجواب ماضيًا، كنا قد هيأنا العامل للعمل. ثم قطعناه عنه، وهو غير جائز، وللأكثرين أن يجيبوا عن الحديث بأنه يجوز روايته بالمعنى، فليس نصًّا في الدليل. وعن الآية بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، ويتحصل من قول الناظم:
699- وماضيين أو مضارعين تلفيهما أو متخالفين
تسع صور لأن الشرط له ثلاثة أحوال: فإنه يكون ماضي اللفظ، أو مضارعًا عاريًا من "لم" أو مصحوبًا بها، والجزاء كذلك. وإذا ضربت ثلاثًا في ثلاث، بلغت تسعًا، منها ثمان تجوز في الاختيار اتفاقًا، وواحدة مختلف فيها، وهي أن يكون الشرط مضارعًا والجزاء ماضيًا عاريًا من "لم"، كما في الحديث والآية.
__________
1 معاني القرآن 2/ 276.
2 أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم 35، وأعاده في الصوم برقم 1802، 1901.
3 شرح التسهيل 4/ 91، 92.(2/401)
"ورفع الجواب المسبوق بماض أو بمضارع منفي بـ"لم" قوي، كقوله" وهو زهير يمدح هرم بن سنان: [من البسيط]
847- وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم
يرفع يقول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
700- وبعد ماض رفعك الجزا حسن ..................................
والذي حسن ذلك أن الأداء لما لم تعمل في لفظ الشرط لكونه ماضيًا مع قربه، فلا تعمل في الجواب مع بعده، والمراد بالخليل هنا: الفقير المختل الحال، وليس المراد به الصديق. والمسألة، مصدر سأل، يقال: سأله سؤالا ومسألة. ويروى مسغبة، مكان مسألة، وعلى هذا أنشده الجوهري1. والمسغبة، المجاعة. والحرام، بفتح الحاء المهملة وكسر الراء، مصدر كالحرمان، ومعناه: المنع. وهو مبتدأ حذف خبره، أي: لا غائب مالي ولا عندي حرمان. على أحد الاحتمالات. "ونحو: إن لم تقم أقوم" برفع أقوم، لأن مجزوم "لم" لا عمل للأداة فيه فهو كالماضي. "ورفع الجواب في غير ذلك ضعيف". وإليه أشار الناظم بقوله:
700- ........................... ورفعه بعد مضارع وهن
"كقوله"، وهو أبو ذؤيب الهذلي: [من الطويل]
848- فقلت تحمل فوق طوقك إنها مطبعة من يأتها لا يضيرها
__________
847- البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص153، والإنصاف 2/ 625، وخزانة الأدب 9/ 48، 70، والدرر 2/ 182، وشرح ابن الناظم ص497، وشرح ابن عقيل 2/ 373، وشرح أبيات سيبويه 2/ 85، وشرح شذور الذهب ص349، وشرح شواهد المغني 2/ 838، وشرح المفصل 8/ 157، والكتاب 3/ 66، ومغني اللبيب 2/ 422، والمقاصد النحوية 4/ 429، والمقتضب 2/ 70، والكامل ص174، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 207.
1 أنشده الجوهري في الصحاح كرواية أوضح المسالك، ولعل ما ذكره الأزهري ورد في نسخة أخرى من الصحاح.
848- البيت لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب 9/ 52، 75، 71، وشرح أبيات سيبويه 2/ 193، وشرح أشعار الهذليين، 1/ 308، والشعر والشعراء 2/ 569، والكتاب 3/ 70، ولسان العرب 4/ 495، "ضير"، 8/ 233 "طبع"، والمقاصد النحوية 4/ 431، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 208، وشرح ابن الناظم ص498، وشرح الأشموني 3/ 586، وشرح المفصل 8/ 158، والمقتضب 2/ 72. يصف قرية كثيرة الطعام، من امتار منها وحمل فوق طاقته لم ينقصها شيئًَا، والطوق. الطاقة. والمطبعة: المملوءة طعامًا ويقصد القربة.(2/402)
برفع "يضيرها". "وعليه قراءة طلحة بن سليمان" في الشواذ: ""أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ"" [النساء" 78] برفع "يدرككم"1. ووجه ضعفه أن الأداة قد عملت في فعل الشرط. فكان القياس عملها في الجواب. وتخريجه عن سيبويه على نية التقديم والتأخير. أو إضمار الفاء، والأول عنده أولى إن تقدم عل الشرط ما يطلب المرفوع المذكور. كقوله: [من الرجز]
849- .............................. إنك إن يصرع أخوك تصرع
والمبرد يقطع بتقدير2 الفاء فيهما3. لأن ما يحل محلا يمكن أن يكون له، لا ينوي به غيره. وهذان التخريجان ضعيفان، لأن التقديم والتأخير يحوج إلى جواب، ودعوى حذفه وجعل المذكور دليله خلاف الأصل وخلاف فرض المسألة، لأن الغرض أنه الجواب. وإضمار الفاء مع غير القول مختص بالضرورة.
__________
1 الرسم المصحفي {يُدْرِكْكُمُ} بالجزم. وانظر قراءة طلحة بن سليمان في البحر المحيط 3/ 299، والمحتسب ص193، وهي من شواهد شرح ابن الناظم ص498، ومغني اللبيب 2/ 127، وأوضح المسالك 4/ 209، والدرر 2/ 190.
849- قبل البيت الشاهد: "يا أقرع بن حابس يا أقرع" وهو لجرير بن عبد الله البجلي في شرح أبيات سيبويه 2/ 121، والكتاب 3/ 67، ولسان العرب 11/ 46، "بجل" وله أو لعمرو بن خثارم العجلي في خزانة الأدب 8/ 20، 23، 28 وشرح شواهد المغني 2/ 897، والمقاصد النحوية 4/ 430، ولعمرو بن خثارم البجلي في الدرر 1/ 121، وديوان الأدب 1/ 435، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص202، والإنصاف 2/ 623، ورصف المباني 104، وشرح ابن عقيل 2/ 347، وشرح ابن الناظم ص498، وشرح الأشموني 3/ 586، وشرح المفصل 8/ 185، وعمدة الحفاظ "صرع"، والكامل ص175، ومغني اللبيب 2/ 553، والمقتضب 2/ 72، وهمع الهوامع 1/ 72.
2 في "ب": "بتقديم".
3 انظر الكامل ص175، والمقتضب 2/ 72.(2/403)
فصل:
يشترط في الشرط ستة أمور:
أحدها: أن يكون فعلا غير ماضي1 المعنى فلا يجوز: إن قام زيد أمس قمت. وأما قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116]، فالمعنى: إن ثبت أني كنت قلته.
والثاني: أن لا يكون طلبًا، فلا يجوز: إن قم، و: إن لا تقم.
والثالث: أن لا يكون جامدًا، فلا يجوز: إن عسى، ولا: إن ليس.
والرابع: أن لا يكون مقرونًا بحرف تنفيس2، فلا يجوز: إن سوف يقم.
والخامس: أن لا يكون مقرونًا بـ"قد" فلا يجوز: إن قد قام، ولا: إن قد يقم.
والسادس: أن لا يكون مقرونًا بحرف نفي غير "لم، ولا"، فلا يجوز: إن لما تقم3، ولا: إن لن تقم4.
إذا تمهد ذلك فتقول5: كل جواب يصلح6 جعله شرطًا بأن يكون7 ماضي اللفظ دون المعنى، مجردًا من "قد" وغيرها، أو مضارعًا مجردًا، أو منفيًّا بـ"لم، أو لا"، فالأكثر خلوه من الفاء، ويجوز اقترافه بها، ويبقى الماضي على حاله ويرفع المضارع، نحو: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: 90]، ونحو {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ} [الجن: 13] قاله الشارح8، وقال غيره: إذا رفع المضارع فالجواب جملة اسمية. والتقدير: فهو لا يخاف9.
__________
1 في "ب": "ماض".
2 في "ب": "التنفيس".
3 في "ب"، "ط": "يقم".
4 في "أ": "تقوم"، والوجه حذف واوه للجزم، وفي "ط": "يقوم".
5 في "ب": "فنقول".
6 في "ب"، "ط": "ويصح".
7 في "ب", "ط": "كان".
8 شرح ابن الناظم ص498، 499.
9 بعده في "ط": "قال المرادي: وهذا هو التحقيق. ا. هـ. بمعناه".(2/404)
"وكل جواب يمتنع جعله شرطًا" لخلوه عما شرط، "فإن الفاء تجب فيه" لتربطه بشرط، لأن الجزم الحاصل به الربط مفقود، وليس على تقدير [الظهور]1.
وخصت الفاء بذلك لما فيها من معنى السببية، ولمناسبتها للجزاء معنى. "وذلك" من حيث إن معناه التعقيب بلا فصل. كما أن الجزاء يتعب على الشرط كذلك.
والممتنع جعله شرطًا. "الجملة الاسمية، نحو: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}" [الأنعام: 17] فـ"هو" مبتدأ و"قدير" خبره. "وعلى كل شيء" تتعلق بـ"قدير". فإن قلت: "قدير" صفة مشبهة فكيف تقدم معمولها عليها. قلت: قد مضى، في بابها؛ أن عملها في الظرف وعديله لما فليها من رائحة الفعل، وذلك لا يمنع التقديم.
والجملة الطلبية نحو: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] وقس عليه بقية أنواع الطلب من النهي والدعاء، ولو بصيغة الخر والاستفهام والعرض والتحضيض2 والتمني والترجي. ولا نطيل بأمثلتها، فالذكي ينال بمثال الواحد ما لا يناله الغبي بألف شاهد.
وقد تكون الجملة الواحدة اسمية طلبية في آن واحد، وقد اجتمعتا3 في قوله تعالى {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 160] فجملة: "من ذا الذي ينصركم" اسمية، لأن صدره اسم وهو "من" وطلبية لأن "من" فيها استفهامية وهي مبتدأ، و"ذا" اسم إشارة خبرها، "والذي": نعت له أو بيان، ويحتمل أن تكون "ذا" ملغاة، والخبر الموصول والجملة جواب الشرط.
"والتي فعلها" ماضي المعنى، نحو: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] قاله الموضح في شرح الشذور4. وقال الشاطبي5: هو على إضمار "قد" أي: فقد صدقت.
"والتي فعلها جامد، نحو: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: 39] {فَعَسَى رَبِّي" أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} [الكهف: 40]. "أو مقرون بـ"قد"، نحو:
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 في "ب": "التخصيص".
3 في "أ": "اجتمعا".
4 شرح شذور الذهب ص341.
5 انظر شرح المرادي 4/ 250.(2/405)
{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ" لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يونس: 77] "أو تنفيس نحو: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28]. "أو "لن"، نحو: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115].
يقم فإن أقوم.
والحاصل أن الفاء تدخل لامتناع الجملة من أن تقع شرطًا. إما لذاتها أو لما اقترن بها من نفي أو إثبات، فالأول ثلاثة أنواع: الجملة الاسمية، والجملة الطلبية، والجملة التي فعلها جامد. والثاني ثلاثة أنواع أيضًا: "ما، ولن، وإن" النافيات. والثالث ثلاثة أنواع أيضًا: "قد" لفظًا أو تقديرًا، و"السين، وسوف".
"وقد تحذف" الفاء في الندرة كقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب لما سأله عن اللقطة: "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها". أخرجه البخاري1. أو "في الضرورة، كقوله"، وهو عبد الرحمن بن حسان -رضي الله عنه2: [من البسيط]
580- من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
أراد: فالله يشكرها.
وعن المبرد أنه منع ذلك مطلقًا، وزعم أن الرواية3:
من يفعل الخير فالرحمن يشكره .........................................
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب اللقطة برقم 2294.
2 في "ط": "عبد الرحمن بن حسان بن ثابت -رضي الله تعالى عنهما".
850- البيت لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب 2/ 365، ولسان العرب 11/ 47، "بجل"، والمقتضب 2/ 72، ومغني اللبيب 2/ 56، والمقاصد النحوية 4/ 433، ونوادر أبي زيد ص31، ولكعب بن مالك في ديوانه ص288، وشرح أبيات سيبويه 2/ 109، وله أو لعبد الرحمن بن حسان في خزانة لأدب 9/ 49، 52، وشرح شواهد المغني 1/ 178، ولحسان بن ثابت في الدرر 2/ 187، والكتاب 3/ 65، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 281، وسر صناعة الإعراب 1/ 264، 265، وشرح ابن الناظم ص499، وشرح شواهد المغني 1/ 286، وشرح المفصل 9/ 2، 3، والكتاب 3/ 114، والمحتسب 1/ 193، والمقرب 1/ 276، والمنصف 3/ 118، وهمع الهوامع 2/ 60. ويروى "سيان" مكان "مثلان".
3 المقتضب 2/ 72.(2/406)
ويرد بالحديث المتقدم. "و" بنحو "قوله: [من الطويل]
851- ومن لا يزل ينقاد للغي والصبا سيلفى على طول السلامة نادمًا
"أراد: فسيلفى، بالفاء1، أي: سيوجد، من ألفى بمعنى وجد.
وإلى الربط2 بالفاء أشار الناظم بقوله:
701- واقرن بفا حتما جوابًا لو جعل شرطًا لإن أو غيرها لم ينجعل
"ويجوز أن تغني إذا الفجائية عن الفاء" في الربط، لأنها أشبهت الفاء في كونها لا يبتدأ بها، ولا تقع إلا بعد ما هو معقب بما بعدها فقامت مقامها، "إن كانت الأداة" الجازمة "إن" لأنها أم باب الجوازم الشرطية، أو كانت الأداة غير الجازمة "إذا" الشرطية لأنها تشبه "إن" في كونها أم باب الشروط غير الجازمة3، "والجواب" فيهما "جملة اسمية" موجبة, "غير طلبية" وغير مقرونة بـ"إن" التوكيدية، "نحو: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}" [الروم: 36] فجملة: هم يقنطون: جواب "إن" والرابط "إذا" الفجائية، ونحو: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25] فـ"أنتم تخرجون": جواب "إذا" الشرطية مرتبطة بإذا الفجائية، وقد يجمع بين الفاء و"إذا" الفجائية تأكيدًا، خلافًا لمن منع ذلك4. قال الله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97]. قال الزمخشري5: إذا [هذه]6 هي الفجائية، وقد تقع في المجازاة سادة مسد الفاء، فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء فيتأكد، ولو قيل هي شاخصة، أو فهي شاخصة، كان سديدًا. انتهى. وإلى خلف "إذا" الفجائية للفاء، أشار الناظم بقوله:
702- وتخلف الفاء إذا المفاجأه ................................
__________
851- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 211، وشرح ابن الناظم ص499، وشرح الأشموني 3/ 588، والمقاصد النحوية 4/ 433.
1 في "ب": "فسيلقي"؛ بالقاف.
2 في "أ", "ب": "الرابط".
3 في "ب"، "ط": "الجوازم".
4 انظر شرح ابن عقيل 2/ 376، والارتشاف 2/ 553.
5 الكشاف 2/ 584.
6 سقطت من "أ".(2/407)
فصل:
"وإذا انقضت الجملتان"، جملة الشرط وجملة الجواب. "ثم جئت بمضارع مقرون بالفاء أو بالواو، فلك جزمه بالعطف" على لفظ الجواب، إن كان مضارعًا مجزومًا، وعلى محله إن كان ماضيًا أو جملة، "ورفعه على الاستئناف، ونصبه بـ"أن" مضمرة وجوبًا"، لأن مضمون الجزاء لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام، "وهو قليل"1.
"قرأ عاصم بن عامر {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284]؛ بالرفع" على الاستئناف2، "وباقيهم؛ بالجزم"3؛ عطفًا على لفظ: {يُحَاسِبْكُمْ} [البقرة: 284].
"و" قرأ "ابن عباس"، وأبو حيوة، والأعرج، في غير السبع؛ " بالنصب" بـ"أن" مضمرة وجوبًا بعد الفاء4، "وقرئ بهن"؛ أي بالرفع والنصب والجزم؛ "أيضًا في قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [الأعراف: 186]؛ بالرفع على الاستئناف، وبه قرأ أبو عمرو وعاصم، مع الياء2، والباقون، مع النون5، والجزم بالعطف على محل جملة: "فلا هادي له"، وبه قرأ الكسائي وحمزة، مع الياء6، والنصب بـ"أن" مضمرة وجوبًا بعد الواو، ولم أقف على من قرأ به. وإلى ذلك أشار
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص500، وشرح ابن عقيل 2/ 377، وشرح شذور الذهب ص351، والكتاب 3/ 89، 90.
2 كما في الرسم المصحفي.
3 هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي والأعمش. انظر البحر المحيط 2/ 360، والإملاء للعكبري 1/ 71.
4 انظر المحيط 2/ 360، والإملاء للعكبري 1/ 71.
5 أي: "نذرهم" وقرأ بها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر. انظر النشر 2/ 273، والكشاف 2/ 106.
6 أي: يذرهم" وقرأها مع الكسائي وحمزة: ابن مصرف والأعمش وخلف. وانظر النشر 2/ 273، والكشاف 2/ 106.(2/408)
الناظم بقوله:
703- والفعل من بعد الجزا إن يقترن بالفا أو الواو بتثليث قمن
"وإذا توسط المضارع المقرون بالفاء أو بالواو بين الجملتين"، جملة الشرط وجملة الجواب. "فالوجه الجزم" بالعطف على الشرط المجزوم لفظًا أو محلا، ويجوز النصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء أو الواو، وإليه أشار الناظم بقوله:
704- وجزم أو نصب لفعل إثر فا أو واو ان بالجملتين اكتنفا
وامتنع الرفع إذ لا يصح الاستئناف قبل الجواب. قال سيبويه1: سألت الخليل عن قولك: إن تأتني فتحدثني، أو وتحدثني، أحدثك، بالنصب، فقال: هذا يجوز والجزم الوجه. وجاء النصب مصرحًا به، "كقوله": [من الطويل]
852- ومن يقترب منا ويخضع نؤوه ولا يخش ظلمًا ما أقام ولا هضما
الرواية: بنصب: يخضع، ولا يصح الوزن إلا به، والهضم؛ بالضاد المعجمة؛ من قولهم: هضم أخاه: إذا لم ينصفه ويوفه حقه. وقابل الظلم بالهضم مع أنه نوع منه، اقتباسًا من قوله تعالى: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112]. والنصب في مسألة التوسط أمثل منه في مسألة التأخر، لأن العطف فيها على فعل الشرط، وفعل الشرط غير واجب فكان قريبًا من الاستفهام والأمر والنهي ونحوها، قاله الشاطبي.
ونقل عن الكوفيين أنهم أجروا "ثم" مجرى الفاء والواو، فيقولون: إن تأتني ثم تحدثني أكرمك. بنصب تحدثني. احتجوا بقراءة بعضهم: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] بنصب يدركه وهي قراءة قتادة والجراح2، وقد قرئ بالرفع، وهي قراءة طلحة بن سليمان، وإبراهيم النخعي2، والجزم قراءة الجماعة3، وهذه القراءات لم يثبت البصريون بها حكما لندورها.
__________
1 الكتاب 3/ 88، ونقله ابن الناظم في شرحه ص500.
852- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 214، وشرح ابن الناظم ص501، وشرح الأشموني 3/ 591، وشرح شواهد المغني 2/ 401، وشرح شذور الذهب ص351، وشرح عمدة الحافظ ص361، ومغني اللبيب 2/ 566، والمقاصد النحوية 4/ 434.
2 انظر البحر المحيط 3/ 337، والكشاف 1/ 294، والمحتسب 1/ 195.
3 كما في الرسم المصحفي.(2/409)
فصل:
"يجوز حذف ما علم من شرط إن كانت الأداة: إن حال كونها "مقرونة" بـ:لا" النافية "كقوله"، وهو الأحوص يخاطب مطرًا، وكان مطر1 ذميم الخلقة وتحته امرأة جميلة: [من الوافر]
853- فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرقك الحسام
فحذف الشرط لدلالة قوله "فطلقها" عليه، وأبقى جوابه. "أي2: وإلا تطلقها يعل".
وقد يختلف واحد من "إن" والاقتران بـ"لا"، وقد يتخلفان معًا.
فالأول ما حكاه ابن الأنباري في الإنصاف3 عن العرب: "من سلم عليك فسلم عليه، ومن لا فلا تعبأ به. أي: ومن لا يسلم عليك فلا تعبأ به". قال الشاطبي: وهذا نص في الجواز.
والثاني: نحو: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} [النساء: 128] فحذف الشرط مع انتفاء اقتران "إن" بـ"لا".
والثالث كقوله: [من الطويل]
854- متى توخذا قسرا بظنة عامر ولم ينج إلا في الصفاد يزيد
__________
1 سقط من "ب": "وكان مطر".
853- البيت للأحوص في ديوانه ص190، والأغاني 15/ 234، وخزانة الأدب 2/ 151، والدرر 2/ 191، وشرح شواهد المغني 2/ 767، 936، والمقاصد النحوية 435، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 56، والإنصاف 1/ 72، وأوضح المسالك 4/ 251، ورصف المباني ص106، وشرح ابن الناظم ص501، وشرح الأشموني 3/ 591، وشرح التسهيل 4/ 80، وشرح شذور الذهب ص343، وشرح ابن عقيل 2/ 380، وشرح عمدة الحافظ ص369، ولسان العرب 15/ 4691 "إما لا"، ومغني اللبيب 2/ 647، والمقرب 1/ 276، وهمع الهوامع 2/ 62.
2 سقطت من "ب".
3 الإنصاف من "ب".
854- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 193، وشرح ابن الناظم ص501، وشرح الأشموني 3/ 592، والمقاصد النحوية 4/ 463، وهمع الهوامع 2/ 63.(2/410)
أي: متى تثقفوا تؤخذوا، فحذف الشرط مع انتفاء الأمرين. والقسر: القهر. والظنة؛ بكسر المشالة: التهمة. والصفاد؛ بكسر المهملة، ما يوثقف به الأسير من قيد وغيره1.
"و" يجوز حذف "ما علم من جواب" شرطه ماض، "نحو": {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ "فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا} الآية"، وتمامها {فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ} [الأنعام: 35]، فإن استطعت: شرط حذف جوابه لدلالة الكلام عليه، والتقدير: فافعل. والشرط الثاني وجوابه جواب الشرط الأول. والمعنى إن استطعت منفذًا تحت الأرض تنفذ فيه، فتطلع لهم بآية، أو سلمًا تصعد به إلى السماء، فتنزل منها بآية، فافعل.
ويجوز حذف الشرط والجزاء معا وإبقاء الأداة، كقول النمر بن تولب: [من المتقارب]
855- فإن المنية من يخشها فسوف تصادفه أينما
أي: أينما يذهب2 تصادفه.
وقد اجتمع حذف جواب2 وشرط في قوله -صلى الله عليه وسلم: "فإنه جاء صاحبها وإلا استمتع بها"3 فحذف من الأول الجواب ومن الثاني الشرط، والتقدير: فإن جاء صاحبها فردها إليه4 وإن لم يجئ فاستمتع بها.
"ويجب حذف الجواب إن كان الدال عليه ما تقدم مما هو جواب في المعنى" ولا يصح جعله جوابًا صنعة، إما لكون جملة اسمية مجردة من الفاء، "نحو: أنت ظالم إن فعلت"، أي: فأنت ظالم وإما لكونه جملة منفية بـ"لم"5 مقرونة بالفاء، نحو قوله: [من الطويل]
856- فلم أرقه إن ينج منها..... .................................
__________
1 ورد هذا الشرح بتمامه في الدرر 2/ 192.
855- البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص378، وأدب الكاتب ص214، والاقتضاب ص557، والمعاني الكبير ص1264، والمقاصد النحوية 1/ 575، وبلا نسبة في رصف المباني ص72، 125.
2 سقط من "ب".
3 أخرجه البخاري في كتاب اللقطة برقم 2294، وتقدم ص406.
4 سقط من "ب": "فردها إليه".
5 في "ط": "بل" مكان "بـ: لم".
856- تمام البيت:
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت فطعنة لا غس ولا بمغمر
وهو لزهير بن مسعود في لسان العرب 6/ 154 "غسس" ونوادر أبي زيد ص70، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 626، وجمهرة اللغة ص133، والخصائص 2/ 388، وكتاب العين 4/ 417، وشرح الكافية الشافية 3/ 1611.(2/411)
وإما لكونه مضارعًا مرفوعًا لزومًا، نحو: أقوم إن قمت، والجواب في ذلك كله محذوف وجوبًا لدلالة المتقدم عليه، وليس المتقدم بجواب عند جمهور البصريين1؛ لأن أداة الشرط لها صدر الكلام فلا يتقدم عليها الجواب، ولالتزام العرب حينئذ كون الفعل الثاني للأداة ماضيًا، كما يلتزم ذلك حيث يحذف الجواب، ولأن المتقدم لا يصلح كونه جوابًا.
أما الجملة الاسمية فلعدم اقترانها بالفاء، وأما الفعلية المجزوم فعلها بـ"لم" المقترنه بالفاء، فلأن الجواب المنفي بـ"لم" تدخل عليه الفاء. وأما رفع المضارع فإنه ينافي جعله جوابًا.
وذهب الكوفيون1، والمبرد2، وأبو زيد3، إلى أنه لا حذف، والمتقدم هو الجواب.
وأجابوا عن الأول بأن الفاء إنما لم تدخل لأنها لا تناسب الصدر، ولأنها خلف عن العمل ولا عمل مع التقديم.
وعن الثاني: بأن الفاء قد تدخل على المنفي بـ"لم"4. أجاز الزمخشري في: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} الآية [الأنفال: 17]، أن يكون التقدير: "إن افتخرتم بقتلهم، فلم تقتلوهم"5.
وعن الثالث بأن رفع المضارع لضعف الحرف أن يعمل مؤخرًا، وجميع ذلك ضعيف.
والذي يدل على أن المتقدم ليس جوابًا أن المتكلم أخبر جازمًا، ثم بدا له التعليق، فهو كالتخصيص بعد التعميم، بخلاف من بنى كلامه من أول الأمر على الشرط. فإن الجواب المعنوي يتأخر في كلامه، فيكون جوابًا في الصناعة والمعنى. وإلى حذف الجواب وبقاء الشرط6 وعكسه. أشار الناظم بقوله:
__________
1 انظر الإنصاف 2/ 623، المسألة رقم 87.
2 المقتضب 2/ 66.
3 نوادر أبي زيد ص283.
4 الإنصاف 2/ 627.
5 الكشاف 2/ 119.
6 في "ط": "إبقاء".(2/412)
705- والشرط يغني عن جواب قد علم والعكس قد يأتي إن المعنى فهم
"أو" كان الدال على جواب الشرط "ما تأخر عن1 جواب قسم سابق" عليه، أي على الشرط، "نحو: {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ}؛ الآية؛ وتمامها: {عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] فجملة "لا يأتون": جواب قسم سابق على الشرط، وهو أن يدل على تقدمه تقدم اللام في "لئن" لأنها موطئة لقسم قبلها، وجواب الشرط محذوف [وجوبًا]2 استغناء عنه بجواب القسم.
"كما يجب إغناء جواب الشرط عن جواب قسم تأخر عنه، نحو: إن تقم؛ والله؛ أقم"، فحذف جواب القسم استغناء عنه بجواب الشرط وهو: أقم.
والحاصل أنه متى اجتمع شرط قسم، استغنى بجواب المتقدم منهما عن جواب المتأخر لشدة الاعتناء بالمتقدم. وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
706- واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم
هذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر، "وإذا تقدمهما ذون خبر جاز جعل الجواب للشرط مع تأخره، ولم يحب خلافًا لابن مالك" في التسهيل3 والكافية4، وخالف ذلك في النظم فقال:
707- وإن تواليا وقبل ذو خبر فالشرط رجح مطلقًا بلا حذر
"نحو: زيد؛ والله؛ إن يقم أقم". وجاز الجواب للقسم لتقدمه، نحو: زيد؛ والله؛ إن يقم لأقومن. والأرجح مراعاة الشرط تقدم أو تأخر، كما ذكره ابن عصفور5 وغيره6، وجرى عليه الناظم في الخلاصة.
وإنما رجح الجواب للشرط مع تقدم ذي خبر، لأن سقوط الشرط يخل بمعنى الجملة التي هو منها؛ بخلاف القسم، فإنه مسوق لمجرد التوكيد.
والمراد بذي خبر: ما يطلب خبرًا، من مبتدأ أو اسم كان ونحو، "ولا يجوز" جعل الجواب للشرط مع تأخره عن القسم. "إن لم يتقدمهما" ذو خبر، فلا يجوز: والله،
__________
1 "أ", "ط": "من".
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 التسهيل ص153.
4 شرح الكافية الشافية 3/ 16161.
5 المقرب 1/ 208.
6 شرح ابن الناظم ص502، وشرح ابن عقيل 2/ 383.(2/413)
إن قام زيد أقم. "خلافًا له" أي لابن مالك؛ في قوله في1 النظم:
708- وربما رجح بعد قسم شرط بلا ذي خبر مقدم
"و" خلافًا "للفراء" في إجازته ذلك2.
وأما ما استدلا به، "و" هو "قوله": [من الطويل]
857- لئن كان ما حدثته اليوم صادقا أصم في نهار القيظ للشمس باديا
وأركب حمارًا بين سرج وفروة وأعر من الخاتام صغرى شماليا
فهو عند البصريين "ضرورة، أو اللام" من "لئن" "زائدة"، لا موطئة للقسم. وهذان البيتان قالتهما امرأة عقيلية.
"وحيث حذف الجواب" جوازًا أو وجوبًا، "اشترط في غير ضرورة مضى الشرط"، لفظًا أو معنى، كما مثلنا، "فلا يجوز: أنت ظالم إن تفعل، ولا: والله، إن تقوم لأقومن"، لكون الشرط مضارعا غير منفي بـ"لم" عند البصريين والفراء، وأجازه بقية الكوفيون قياسًا، واحترز بقوله: "في غير الضرورة" عما جاء في الشعر، كقوله: [من الطويل]
858- لئن تك قد ضاقت عليكم ليعلم ربي أن بيتي واسع
فحذف الجواب مع أن الشرط مضارع غير منفي بـ"لم" وإذا دخل شرط على شرط، فتارة يكون بعطف, وتارة يكون بغيره. فإن كان بعطف، فأطلق ابن مالك أن الجواب لأولهما لسبقه3، وفصل غيره فقال: إن كان العطف بالواو، فالجواب لهما لأن الواو للجمع، نحو: إن تأتني وإن تحسن إلي، أحسن إليك.
__________
1 في "ط": "قول" مكان "قوله في".
2 معاني القرآن 1/ 66.
857- البيتان لامرأة من عقيل في خزانة الأدب 11/ 328، 329، 330، 336، والدرر 2/ 122، 123، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص503، ولسان العرب 12/ 164: "ختم" وتاج العروس "ختم"، والبيت الأول في شرح شواهد المغني 2/ 610، والمقاصد النحوية 4/ 438، وأوضح المسالك 4/ 216، وشرح الأشموني 3/ 595، ومغني اللبيب 1/ 236، وهمع الهوامع 2/ 43.
858- البيت للكميت بن معروف في معاني القرآن للفراء 1/ 66، 2/ 131، وديوان الكميت ص172، وخزانة الأدب 10/ 68، 70، 11/ 331، 351، 429، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص441، وشرح الأشموني 2/ 496، 3/ 595، والمقاصد النحوية 4/ 327.
3 شرح الكافية الشافية 3/ 1614.(2/414)
وإن كان العطف بـ"أو"، فالجواب لأحدهما، لأن "أو" لأحد الشيئين، نحو: إن جاء زيد أو إن جاءت هند، فأكرمه، أو فأكرمهما، وإن كان العطف بـ"الفاء"، فالجواب للثاني، والثاني وجوابه جواب للأول، وإن كان بغير عطف فالجواب لأولهما، والشرط الثاني مقيد للأول، كتقييده بحال واقعة موقعه، كقوله: [من البسيط]
859- إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم
فتجدوا، جواب: إن تستغيثوا وإن تذعروا، بالبناء للمفعول مقيد للأول على معنى: إن تستغيثوا بنا مذعورين تجدوا.
وإذا دخل الاستفهام على الشرط، فعن يونس1 أن الجواب لاستفهام لتقدمه لا للشرط، قياسًا على مسألة تقدم القسم على الشرط، نحو: أإن قام زيد تقوم.
__________
859- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 112، وخزانة الأدب 11/ 358، والدرر 2/ 193، وشرح الأشموني، 3/ 596، ومغني اللبيب 2/ 614، والمقاصد النحوية 4/ 452، وهمع الهوامع 2/ 63.
1 انظر الكتاب 3/ 83، ورده سيبويه بقوله: "وهذا قبيح يكره في الجزاء، وإن كان في الاستفهام".(2/415)
فصل في أوجه "لو":
"لـ "لو" ثلاثة أوجه" وضعفها، فتكون ستة:
"أحدها: أن تكون مصدرية، فترادف: أن" المصدرية في المعنى والسبك، إلا أنها لا تنصب. "وأكثر وقوعها" في الماضي والمضارع "بعد "ود" نحو: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}" [القلم: 9] أي: الإدهان، "أو" بعد "يود، نحو: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}" [البقرة: 96] أي: التعمير. "ومن القليل قوله قتيلة"، مصغر قتلة، بالقاف والتاء المثناة فوق، بنت النضر بن الحارث الأسدية، تخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قتل أباها النضر، صبرًا، بالصفراء، بعد أن انصرف من غزوة بدر: [من الكامل]
860- ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق
أي: ما كان ضرك منك.
وسبب قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباها، أنه كان يقرأ أخبار العجم على العرب، ويقول: محمد يأتيكم بأخبار عاد وثمود، وأنا آتيكم بخير الأكاسرة والقياصرة، يريد بذلك أذى النبي -صلى الله عليه وسلم. فلما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا البيت، وهو من جملة1 أبيات أنشدتها بين يديه، قال2: "لو سمعته قبل قتله ما قتلته، ولعفوت عنه". ثم قال: لا يقتل قرشي بعد هذا صبرًا
__________
860- البيت لقتيلة بنت النضر في الأغاني 1/ 19، وبلاغات النساء ص235، ومعجم البلدان "أثيل"، وحماسة البحتري ص276، والجنى الداني ص288، وخزانة الأدب 11/ 239، والدرر 1/ 140، وشرح الأشموني 3/ 598، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص966، وشرح شواهد المغني 2/ 648، ولسان العرب 7/ 450 "غيظ"، 10/ 70 "حنق" والمقاصد النحوية 4/ 471، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 223، وتذكرة النحاة ص38، ومغني اللبيب 1/ 265، وهمع الهوامع 1/ 81.
1 سقطت من "ب".
2 في "أ" "فقال".(2/416)
والمغيظ، بفتح الميم: اسم مفعول من غاظه يغيظه، بالغين والظاء المعجمتين، وفي القاموس: الغيظ: الغضب أو شدته أو سورة أوله، والمحنق، بضم لميم وفتح النون: اسم مفعول من أحنقه، بالحاء المهملة، إذا أغاظه، فهو توكيد للمغيظ.
و"لو" المصدرية لا جواب لها، وممن ذهب إلى مصدرية "لو" الفراء، وأبو علي [الفارسي]1 وأبو البقاء، والتبريزي، وابن مالك2. وذهب الأكثرون إلى المنع، ويدعون أن "لو" في نحو: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} [البقرة: 96] شرطية، وأن مفعول "يود" وجواب "لو" محذوفان، والتقدير: يود أحدهم التعمير، لو يعمر ألف سنة لسره ذلك. قال في المغني3: ولا خفاء بما في ذلك من التكلف، ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] [بحذف النون، فعطف: يدهنوا؛ بالنصب؛ على: تدهن، لما كان معناه: أن تدهن]4. ويشكل عليهم دخولها على "أن" في نحو: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30]، وجوابه: أن لو إنما دخلت على فعل محذوف مقدر بعد "لو" تقديره: يود لو ثبت أن بينها. انتهى.
"و" "لو" المصدرية "إذا وليها" الفعل "الماضي بقي علي مضيه، أو" الفعل "المضارع، تخلص للاستقبال، كما [أن]5 "أن" المصدرية كذلك".
"و" الوجه "الثاني" من أوجه "لو": "أن تكون للتعليق"، أي: لتعليق6 الجواب على الشرط "في المستقبل، فترادف: إن" الشرطية إلا أنها لا تجزم على الأفصح، "كقوله"، وهو قيس بن الملوح، مجنون ليلى: [من الطويل]
861- ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن دون ومسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
__________
1 إضافة من "ط".
2 انظر شرح الكافية الشافية 3/ 1635، والمقاصد النحوية 4/ 471.
3 مغني اللبيب 1/ 265.
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
5 إضافة من "ط"، "ب".
6 في "أ": "لتعلق".
861- البيتان لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص938، وشرح شواهد المغني ص643، وهما للمجنون في ديوانه ص39، والمقاصد النحوية 4/ 470، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 224، وشرح الأشموني 3/ 600، ومغني اللبيب 1/ 261.(2/417)
فـ"لو تلتقي": شرط، و"لظل": جوابه: و"الأصداء"، بالمد: جمع صدى، بالقصر: وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، و"الصدى" أيضًا: ذكر البوم. "والرمس" القبر أو ترابه. والأول عن القاموس1، والثاني عن الصحاح2. و"السبسب" بمهملتين وموحدتين: المفازة. و"الرمة" بكسر الراء [وتشديد الميم]3: العظام البالية. و"يهش": يرتاح، من هششت، بكسر العين، قال في الصحاح4: هششت لفلان، بالكسر، أهش هشاشة، إذا ارتحت له. انتهى. و"الطرب": خفة لسرور، و"لصوت" بكسر اللام، متعلق بـ"يهش"، ومتعلق بـ"طرب" محذوف مماثل لمتعلق يهش والتقدير، يهش لصوت صدى ليلى ويطرب له.
"وإذا كانت "لو" للتعليق في المستقبل و"وليها" فعل "ماض" لفظًا، "أول" بالفعل المستقبل معنى، كما أن [إن]5 كذلك "نحو {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 9] أي: إن شارفوا أن يتركوا. وإنما أول الترك بمشارفة الترك لأن الخطاب للأوصياء، وإنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعده أموات. قاله في المغني6. وأنكر ابن الحاج في نقده على المقرب، وتبعه ابن الناظم, مجيء "لو" للتعليق في المستقبل.
قال ابن الحاج: ولهذا لا تقول: لو يقوم زيد فعمرو منطلق، كما تقول ذلك مع "إن". وقال ابن الناظم7: وعندي أن "لو" لا تكون لغير الشرط في الماضي، وما تمسكوا به من قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} [النساء: 9] لا حجة لهم فيه لصحة حمله على المضي. انتهى. ورد عليه الموضح في المغني بآيات، ومثال، وشاهد فلينظر منه8.
"أو" تلاها "مضارع تخلص للاستقبال"، كقوله: [من الكامل]
__________
1 القاموس المحيط "صدى".
2 الصحاح "صدي".
3 إضافة من "ب".
4 الصحاح "هشش".
5 إضافة من "ب"، "ط".
6 مغني اللبيب 1/ 261.
7 شرح ابن الناظم ص505.
8 مغني اللبيب 2/ 263.(2/418)
862- لا يلفك الراجوك إلا مظهرا خلق الكرام ولو تكون عديما
"كما أن "إن" الشرطية" كذلك.
الوجه "الثالث: أن تكون للتعليق"، أي لتعليق الجواب على الشرط "في" الزمن "الماضي، و" هذا القسم "هو أغلب أقسام: لو" وإليه أشار الناظم بقوله:
709- لو حرف شرط في مشي ويقل إيلاؤه مستقبلا لكن قبل
ثم هي مع الماضي مفيدة لثلاثة أمور:
أحدها: الشرطية، أعني: عقد السببية بين الجملتين بعدها1.
والثاني: تقييد الشرطية بالزمن الماضي. وبهذا2 الوجه وما يذكر بعده فارقت "إن"، فإن "إن" لعقد السببية والمسببية في المستقبل، ولهذا قالوا: الشرط بـ"إن" سابق على الشرط بـ"لو". وذلك لأن الزمن المستقبل سابق3 على الزمن الماضي، ألا ترى أنك تقول: إن جئتني غدًا أكرمتك، فإذا انقضى الغد ولم تجئ4، قلت: لو جئتني أمس أكرمتك، وفي الأسبق من الأزمنة الثلاثة خلاف. قال الفخر الرازي: والحق قول الزجاج أن المقدم وهو المستقبل، فإذا وجد صار حاضرًا، فإذا انقضى صار ماضيًا. انتهى.
الثالث: الامتناع، وقد اختلف النحاة في إفادتها له، وكيفية إفادتها إياه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها لا تفيده بوجه، وهو قول الشلوبين. عم أنها لا تدل على امتناع الشرط، ولا على امتناع الجواب.
والثاني أنها تفيد امتناع الشرط، وامتناع الجواب جميعًا. وردهما في المغني5.
"و" الثالث: "أنها تقتضي امتناع شرطها دائمًا". مثبتًا كان أو منفيًّا، "خلافًا للشلوبين. ولا" تقتضي امتناع "جوابها، خلافًا للمعربين".
__________
862- البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص285، وجواهر الأدب ص267، وشرح الأشموني 3/ 600، وشرح شواهد المغني 2/ 646، ومغني اللبيب 1/ 261، والمقاصد النحوية 4/ 469.
1 سقط من "ب".
2 في "ب": "ولهذا".
3 سقط من "ب".
4 في "ب": "يجيء".
5 مغني اللبيب 1/ 260.(2/419)
"ثم إن لم يكن لجوابها سبب غير" ذلك الشرط، "لزم امتناعه" أيضًا لملازمته له شرعًا أو عقلا أو عادة. فالأول "نحو" قوله تعالى؛ في بلعم بن باعوراء1: "{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}" [الأعراف: 176] فـ"لو" هنا دالة على أن مشيئة الله تعالى لرفع هذا المنسلخ منفية، ويلزم من نفيها أن يكون رفع المنسلخ منفيًّا إذ لا سبب للرفع إلا المشيئة وقد انتفت فيكون منفيًّا، لأن انتفاء السبب يستلزم انتفاء المسبب ضرورة. كما أن ثبوت السبب يستلزم ثبوت المسبب كذلك لما بينهما من التلازم الشرعي.
"و" الثاني: "كقولك: لو كانت الشمس طالعة، كان النهار موجودًا"2، فطلوع الشمس سبب لوجود النهار، وقد انتهى بدخول "لو" عليه فينتفي وجود النهار لأن وجود النهار ليس له سبب غير طلوع الشمس، وقد انتفى. فيكون منفيًّا، لأن انتفاء السبب المساوي، يستلزم انتفاء المسبب لما بينهما من التلازم العقلي.
والثالث: كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي: السماوات والأرض، ففسادهما، وهو خروجهما عن نظامها المشاهد، منساب لتعدد الآلهة للزومه له على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء، وعدم الاتفاق عليه3، فينتفي الفاسد بانتفاء التعدد المفاد بـ"لو" نظرًا إلى الأصل فيها. وإن كان القصد من الآية العكس، لأنها إنما سيقت لإثبات الوحدانية. ونفي التعدد. فوجوب أن يقال: إن معناه انتفاء التعدد لانتفاء الفساد, لما بينهما من التلازم العادي، وإلا بأن كان لجواب "لو" سبب غير شرطها، لم يلزم من امتناع شرطها امتناع جوابها ولا ثبوته. ثم تارة يكون ثبوته بالأولى، نحو: لو كان الشمس طالعة [بالفعل]4 كان الضوء موجودًا، فإنه لا يلزم من انتفاء الشمس انتفاء وجود النهار، لاحتمال أن يكون بالسراج مثلا، فإثبات الضوء مع طلوع الشمس أولى.
"ومنه" الأثر المروي عن عمر رضي الله عنه: "نعم العبد صهيب. "لو لم يخف الله لم يعصه""5. فإنه لا يلزم من انتفاء: لم يخف, انتفاء: لم يعص، حتى يكون
__________
1 كان بلعم بن باعوراء يعلم اسم الله الأعظم، فلما دعا على موسى عليه السلام وعلى بني إسرائيل أنساه الله تعالى الاسم. انظر المعارف ص42.
2 شرح ابن الناظم ص504.
3 سقطت من "ب".
4 إضافة من "ط".
5 النهاية 2/ 88، وهو من شواهد مغني اللبيب 1/ 257.(2/420)
قد خاف وعصى. لأن انتفاء العصيان له سببان: أحدهما: خوف العقاب، وهو وظيفة العوام، والثاني: الإجلال والإعظام، وهو وظيفة الخواص. والمراد أن صهيبًا رضي الله تعالى عنه من قسم الخواص، وأنه لو قدر خلوه عن الخوف لم يقع منه معصية، فكيف والخوف حاصل له؟
وإنما لم تدل "لو" على انتفاء الجواب ههنا، لأن دلالتها على ذلك إنما هو من باب مفهوم المخالفة، [إذ مفهوم الشرط من أقسام مفهوم المخالفة، وفسر مفهوم المخالفة بأن يكون المسكوت عنه مخالفًا لحكم المذكور إثباتًا أو نفيًا، ومفهوم الموافقة بأن يكون المسكوت عنه موافقًا في الحكم المذكور]1.
وفي هذا الأثر دل مفهوم الموافقة على عدم المعصية، لأنه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف، فعند الخوف أولى، وإذا تعارض هذان المفهومان، قدم مفهوم الموافقة [على عدم المعصية]2. ومن نسب هذا الأثر بهذا اللفظ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد وهم3، وإنما أورد ما رواه أبو نعيم في الحلية4، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سالم مولى أبي حذيفة: "إنه شديد الحب لله تعالى، لو كان لا يخاف الله ما عصاه"، وتارة يكون بالمساوي، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في درة بنت أم سلمة: "لو لم تكن ربيبتي5 في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة"6، [رواه الشيخان. فإن حلها له، عليه الصلاة والسلام، منتف من وجهين: كونها ربيبته، وكونها ابنة أخيه من الرضاع]7. وهما متساويان في منع الحل.
وتارة يكون بالأدون، كقولك فيمن عرضت عليك نكاحها: لو انتفت أخوة الرضاع لما حلت من النسب، فإن حلها منتف من وجهين: أخوة الرضاع، والنسب. إلا أن حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب.
"وإذا" كانت "لو" للتعليق في الماضي، و"وليها مضارع أول بالماضي"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
__________
1 إضافة من "ط".
2 إضافة من "ب".
3 في "أ": "وهن".
4 حلية الأولياء 1/ 177.
5 في "أ": "ابنتي".
6 أخرجه البخاري في النكاح برقم 4813، ومسلم في الرضاع برقم 1449.
7 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/421)
711- وإن مضارع تلاها صرفا إلى المضي.............
"نحو: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}" [الحجرات: 7] أي: لو أطاعكم لعنتم.
"وتختص "لو" مطلقًا". شرطية كانت أو مصدرية. "بالفعل" على الأصح، والناظم اقتصر على الشرطية فقال:
710- وهي في الاختصاص بالفعل كإن ........................................
"ويجوز أن يليها قليلا1 اسم" مرفوع، "معمول لفعل محذوف" وجوبًا، "يفسره ما بعده"، أو اسم منصوب كذلك، أو خبر لـ"كان" محذوفة، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ، ما بعده خبره2.
فالأول، كقول عمر لأبي عبيدة رضي الله عنهما: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة"3، "وكقوله"، وهو الغطمش الضبي: [من الطويل]
863- أخلاي لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الدهر معتب
فـ"غير" فاعل بفعل محذوف يفسره "أصابكم". والتقدير: لو أصابكم غير الحمام، وهو بكسر الحاء: الموت. وعتبت: جواب "لو"، ومعتب، بفتح الميم والتاء، مصدر ميمي بمعنى العتاب.
وقولهم في المثال: "لو ذات سوار لطمتني"4، أخذًا من قول حاتم الطائي حين لطمته جارية وهو مأسور في بعض أحياء العرب. وسبب اللطمة أن صاحبة المنزل أمرته أن يفصد ناقة لها، لتأكل دم فصدها، فنحرها، فقيل له في ذلك، فقال: هذا فصدي. فلطمته الجارية فقال: "لو ذات سوار لطمتني". فـ"ذات سوار" فاعل بفعل محذوف على الشرطية التفسير. والتقدير: لو لطمتني ذات سوار. وذات السوار: الحرة، لأن الإمام عند العرب لا يلبس السوار. وجواب "لو" محذوف تقديره: لهان علي ذلك.
__________
1 سقط من "ب".
2 في "أ": "خبر".
3 حلية الأولياء 1/ 47، وجواب "لو" محذوف، تقديره وجهان: أحدهما: لو قالها غيرك لأدبته. والثاني: لو قالها غيرك لم أتعجب منه وإنما العجب من قولك مع فضلك. انظر حاشية يس 2/ 258.
863- البيت للغطمش الضبي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص893، 1036، ولسان العرب 1/ 577 "عتب"، والمقاصد النحوية 4/ 465، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 229، وتذكرة النحاة ص40، والجنى الداني ص279، وشرح الأشموني 3/ 601.
4 مجمع الأمثال 2/ 174، 202، وفصل المقال ص381، وكتاب الأمثال لابن سلام ص268، وجمهرة الأمثال 2/ 193، والمستقصى 2/ 297.(2/422)
والثاني: لو زيدًا رأيته أكرمته.
والثالث: نحو: "التمس ولو خاتمًا من حديد"1 أي: ولو كان خاتمًا.
والرابع كقوله: [من الرمل]
864- لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري
فولي "لو" اسم هو في الظاهر مبتدأ. وشرق: خبره. قيل: وهو مذهب الكوفيين. واختلف البصريون في تخريجه. فقال الفارسي: "حلقي": فاعل بفعل محذوف، وشرق: خبر مبتدأ محذوف، والأصل: لو شرق حلقي، هو شرق. فحذف الفعل أولا والمبتدأ آخرًا، وخرجه غيره على إضمار "كان" الثانية. واسمها وجملة ما بعد "لو" اسمية خبر "كان".
"و" يجوز أن يلي "لو" "كثيرًا: أن" المشددة الموصولة "وصلتها، نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات: 5] وموضعهما عند الجميع رفع. ثم اختلف في رفعه، "فقال سيبويه2، وجمهور البصريين: مبتدأ. ثم قيل: لا خبر له" لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه. "وقيل: له خبر محذوف"، ثم قيل: يقدر مقدمًا على المبتدأ، أي: ولو ثابت صبرهم، على حد: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا} [يس: 41].
وقال ابن عصفور: يقدر مؤخرًا على الأصل، أي: ولو صبرهم ثاتب. "وقال الكوفيون والمبرد والزجاج والزمخشري: فاعل بثبت مقدرا"، أي: ولو ثبت صبرهم3. والدال عليه "أن" فإنها تعطي معنى الثبوت "كما قال" النحاة "الجميع في" "أن" الواقعة بعد "ما" الموصولة، من كون "أن" "وصلتها في"
__________
1 أخرجه البخاري في النكاح، باب السلطان ولي، برقم 4842.
864- البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص93، والأغاني 2/ 49، وجمهرة اللغة 731، والحيوان 5/ 138، 593، وخزانة الأدب 8/ 508، 11/ 15، 203، والدرر 2/ 199، وشرح شواهد المغني 2/ 658، والشعر والشعراء 1/ 235، واللامات 128، ولسان العرب 4/ 580 "عصر" 7/ 61 "غصص"، 10/ 177 "شرق"، والمقاصد النحوية 4/ 454، وكتاب العين 4/ 342، وأساس البلاغة "عصر"، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 573، والاشتقاق 269، وتذكرة النحاة ص40، والجنى الداني 280، وجواهر الأدب 263، وشرح ابن الناظم 506، وشرح الأشموني 3/ 601، وشرح التسهيل 4/ 98، وشرح عمدة الحافظ ص323، والكتاب 3/ 121، ومغني اللبيب 2/ 268، وهمع الهوامع 2/ 66.
2 الكتاب 3/ 121.
3 الارتشاف 2/ 573، والجنى الداني ص280.(2/423)
موضع رفع على الفاعلية بثبت مقدرًا في: "لا أكلمه ما أن في السماء نجمًا"1، أي: ما ثبت أن في السماء نجمًا. ورجع هذا بأن فيه إبقاء "لو" على اختصاصها بالفعل. ويبعده أن الفعل لم يحذف بعد "لو" وغيرها من أدوات الشرط إلا مفسرًا بفعل بعده، إلا "كان"، والمقرون بـ"لا" بعد "إن". قاله الموضح في شرح بانت سعاد2. وإليه أشار الناظم بقوله3:
710- ........................... لكن لو أن بها قد تقترن
واختصت "أن" من بين سائر ما يؤول بالاسم المرفوع. بالوقوع بعد "لو"، كما اختصت "غدوة"، بالنصب بعد "لدن"4.
"وجواب "لو" إما ماض معنًى نحو: لو لم يخف الله لم يعصه، أو" ماض "وضعًا، وهو" أي الماضي وضعًا، "إما مثبت، فاقترانه باللام، نحو: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 65] أكثر من تركها، نحو {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}" [الواقعة: 70].
قال عبد اللطيف في باب اللامات: هذه اللام تسمى لام التسويف، لأنها تدل على تأخير وقوع الجواب عن الشرط، وتراخيه عنه، كما أن إسقاطها يدل على التعجيل، أي أن الجواب يقع عقب الشرط بـ"لا" مهملة، ولهذا دخلت في: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 65] وحذفت في: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70] أي: لوقته في المزن من غير تأخير، والفائدة في تأخير جعله حطامًا، وتقديم جعله أجاجًا، تشديد العقوبة، أي: إذا استوى الزرع على سوقه وقويت به الأطماع. جعلناه حطامًا، كما قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} الآية [يونس: 24]. انتهى.
"وإما منفي" بـ"ما"، عطف على مثبت، "فالأمر بالعكس"، فالأكثر تجرده من اللام، ويقل اقترانه بها، فالأول، "نحو: {لَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}" [الأنعام: 112].
"و" الثاني: نحو "قوله" [من الوافر].
865- ولو نعطى الخيار لما افترقنا ولكن لا خيار مع الليالي
__________
1 شرح ابن الناظم ص506.
2 شرح قصيدة كعب بن زهير ص121-122.
3 في "ط": في "قوله".
4 شرح ابن الناظم ص505.
865- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 231، وخزانة الأدب 4/ 145، 10/ 82، والدرر 2/ 201، وشرح الأشموني 3/ 604، وشرح المغني 2/ 665، ومغني اللبيب 1/ 271، وهمع الهوامع 2/ 66.(2/424)
فأدخل اللام على "ما" النافية، ولا تدخل اللام على ناف غيرها، وتقدم في باب "إن" توجيه ذلك.
"قيل: وقد تجاب" لو "بجملة اسمية" مقرونة باللام. "نحو": {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا "لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}" [البقرة: 103] صرح بذلك ابن مالك في شرح التسهيل فقال1: إن اللام في "المثوبة" جواب "لو". وإن بين الماضي والاسم تشابها عن هذه الجهة. قال الزمخشري2: وإنما جعل جوابها جملة اسمية دلالة على استمرار مضمون الجزاء. وقيل: الجملة مستأنفة، صرح به أبو حيان في البحر فقال3: "اللام" في "لمثوبة"، لام الابتداء، لا الواقعة في جواب "لو"، وهو أحد احتمالي الزمخشري.
أو "جواب لقسم مقدر". صرح بذلك ابن مالك في بعض نسخ التسهيل فقال4: وإذا وليها جملة اسمية فهي جواب قسم. وارتضاه في المغني فقال5: والأولى أن تكون لام "لمثوبة" الاسمية استعيرت مكان الفعلية ففيه تعسف. انتهى. وأن "لو" في هذين الوجهين الأخيرين. وهما: الاستئناف وجواب القسم، للتمني فلا جواب لها على الأصح الآتي.
الوجه الرابع من أوجه "لو": أن تكون للتمني نحو: لو تأتني6 فتحدثني. بالنصب. واختلف فيها، فقال ابن الضائع وابن هشام: هي قسم برأسها فلا تحتاج إلى جواب. وقال بعضهم: هي لو الشرطية أشربت معنى ليت7.
الوجه الخامس: أن تكون للعرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا. ذكره في التسهيل8.
الوجه السادس: أن تكون للتقليل نحو: "تصدقوا ولو بظلف محرق"9.
ذكره ابن هشام اللخمي وغيره.
__________
1 شرح التسهيل 4/ 100.
2 الكشاف 1/ 86.
3 البحر المحيط 1/ 335.
4 التسهيل ص241.
5 مغني اللبيب 1/ 228.
6 في "ب"، "ط": "تأتيني".
7 مغني اللبيب 1/ 227.
8 انظر الإعراب عن قواعد الإعراب ص87.
9 في سنن النسائي 5/ 81: "ردوا السائل ولو بظلف محرق". وانظر الإعراب عن قواعد الإعراب 87.(2/425)
فصل في "أما" بفتح الهمزة وتشديد الميم
فصل في "أما" بفتح الهمزة وتشديد الميم:
"وهي حرف شرط"، أي متضمن معنى شرط، "و" حرف "توكيد دائمًا، و" حرف "تفصيل غالبًا. يدل على" المعنى "الأول"، وهو الشرط، "مجيء الفاء بعدها" غالبًا نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ} [البقرة: 26].
ولو كانت الفاء للعطف لم تدخل على الخبر، إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه. ولو كانت زائدة لصح الاستغناء عنها. ولما لم يصح الاستغناء عنها، ولا عطفها الخبر على مبتدئه تعين أنها فاء الجزاء وأن "أما" للشرط.
"و" يدل "على" المعنى "الثالث" وهو التفصيل "استقراء مواقعها" وعطف مثلها عليها "نحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ"، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 9, 10] "{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}" [آل عمران: 106]، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 107] "{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}" [الليل: 5] {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8] الآيات الثلاث. وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلام يذكر بعدها.
فالأول نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء: 174، 175] وقسيمه في المعنى: وأما الذين كفروا فلهم كذا وكذا.
"و" الثاني "منه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] الآية، وقسيمه في المعنى قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" يَقُولُونَ} [آل عمران: 7] "الآية، فالوقف دونه"، وقف تام، فيقف القارئ لهذه الآية على قوله تعالى: {إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] ويبتدئ بما بعده.(2/426)
"والمعنى: وأما الراسخون" في العلم "فيقولون": آمنا به "وذلك" مبني "على أن المراد بالمتشابه" بالقرآن "ما استأثر الله تعالى بعلمه"، أي اختص به فلا يشاركه فيه غيره، ولا طريق لمخلوق إلى معرفته إلا بتوفيق منه سبحانه وتعالى. وهذا التقدير الذي قدره الموضح في هذه الآية هو [أحد]1 أدلة الحشوية على جواز الخطاب بالمهمل. وتقرير2 الدليل منه أنهم قالوا: الوقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] واجب حتى يكون3 قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] كلامًا مستأنفا.
إذ لو لم يقف عليه، بل وقف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] حتى يكون عطفا على4 قوله: {إِلَّا اللَّهُ} فإذا ابتدئ بقوله {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} كان المراد به: قائلين آمنا، فيكون حالا، وهو باطل لأنه لا يخلو إما أن يكون حالا عن الله وعن الراسخين، في العلم، حتى كأن الله تعالى والراسخين في العلم قالوا: آمنا به كل من عند ربنا. وذلك في حق الله تعالى محال. أو يكون حالا عن الراسخين [في العلم]5 فقط، وحينئذ يتخصص المعطوف بالحال دون المعطوف عليه.
وهو أيضًا غير جائز لأنه مناف للقاعدة المقررة في العربية: أن المعطوف في حكم المعطوف عليه. فثبت أن الوقف على قوله تعالى: {إِلَّا اللَّهُ} وأجب، وإذا كان الوقف عليه واجبا فقد خاطبنا الله6 بما لا نفهمه. وهو المهمل. وأجيب عنه بأنه يجوز تخصيص المعطوف بالحال حيث لا لبس، كقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72]، فإن نافلة حال من المعطوف فقط وهو يعقوب. لأن النافلة ولد الولد، وإنما هو يعقوب دون إسحاق. قال العكبري7.
"ومن تخلف التفصيل قولك: أما زيد فمنطلق". هذا هو المنقول، وبحث فيه الموضح في الحواشي فقال: والظاهر أن: أما زيد فمنطلق، لا يقال إلا إذا وقع تردد في شخصين نسبا أو أحدهما إلى ذلك، فهو على هذا للتفصيل أي: وأما غيره فهو ليس كذلك. انتهى.
__________
1 إضافة من "ط".
2 في "أ": "تقدير".
3 بعده في "ط": "عطفًا على".
4 سقط من "ط": "عطفًا على".
5 إضافة من "ب"، "ط".
6 سقط من "ب".
7 التبيان 2/ 922.(2/427)
"وأما" المعنى "الثاني" وهو التوكيد، "فذكره الزمخشري فقال: أما حرف يعطي الكلام فضل" بالمعجمة، أي زيادة "توكيد، تقول: زيد ذاهب فإذا قصدت" توكيد ذلك و"أنه لا محالة ذاهب". وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، "قلت: أما زيد فذاهب" انتهى.
"وزعم أن ذلك" التوكيد "مستخرج من كلام سيبويه" حيث فسر "أما" بمهما يكن من شيء1. قال الزمخشري: وهذا التفسير مدل بفائدتين: كونه توكيدًا، وأنه في معنى الشرط. انتهى. وقال الطيبي ما معناه وتحريره2: مهما قدر من الموانع والحوادث، فإنه لا يمنع زيدًا من الذهاب فإنه بصدد الذهاب لا محالة. انتهى.
"وهي نائبة عن أداة شرط وجملته"، وموضعها صالح لهما، وهي قائمة مقامها لتضمنها معنى الشرط، وليست أما بمعنى: مهما، وشرطها لأنها حرف والحرف لا يصلح أن يكون بمعنى اسم وفعل، قاله المرادي3. "ولهذا" المذكور من النيابة "نؤول بمهما يكن من شيء" كما يؤخذ من تفسير سيبويه السابق.
قال الموضح في الحواشي: فشيء في كلام سيبويه عام يراد به خاص، وكان تامة. والمعنى: مهما يوجد شيء من موانع مصدر جوابها فجوابها ثابت للمسند إليه. فما ظنك إذا انتفت الموانع؟ وإنما عمم سيبويه العبارة لأنه لا يمكنه ذكر حدث خاص لأنه لم يفسرها باعتبار كلام معين. بل فسرها بما يشمل جميع مواردها، ويتلخص أنها تفيد ثلاثة أمور.
أحدها: التوكيد، إذ معنى قولك: أما زيد فمنطلق، أنه منطلق لا محالة، وهذا لا يعطيه الكلام بدونها.
والثاني: معنى الشرط، إذ المراد، مهما قدر مانع من انطلاقه، فانطلاقه واقع، ومن هنا كان الانطلاق واقعًا لا محالة.
والثالث: معنى التفصيل، وهذا لا يشعر به، مهما، ولهذا لا يكاد يعثر عليها إلا مردفة بأخرى مثلها معطوفة عليها، وقد تخلو4 من هذا بدليل قولهم: أما العسل فأنا شراب، وأما حقا فإنك ذاهب، حكاهما سيبويه5. انتهى.
__________
1 الكتاب 4/ 235.
2 في "ب": "تجريده".
3 شرح المرادي 2/ 285.
4 في "أ": "يخلو".
5 الكتاب 1/ 111، 3/ 137.(2/428)
وكون "أما" تقدر بهما هو قول الجمهور. وقال بعضهم: إذا قلت: أما زيد فمنطلق، فالأصل إن أردت معرفة حال زيد، فزيد منطلق حذفت أداة الشرط وفعل الشرط وأنيبت "أما" مناب ذلك. وعلى القولين لا بد لـ"أما" من جملة، "ولا بد" لها "من فاء تالية لتاليها"، نحو: أما زيد فمنطلق، والأصل أن يقال: أما فزيد منطلق، فتجعل الفاء في صدر الجواب كما هي مع غير "أما" من أدوات الشرط. ولكن خولف هذا الأصل مع "أما" فرارًا من قبحه لكونه في صورة معطوف بلا معطوف عليه. ففصلوا بين "أما والفاء بجزء من الجواب. وهو واحد من ستة أمور:
أحدها: المبتدأ، كما مثلنا.
والثاني: الخبر نحو: أما في الدار فزيد.
والثالث: جملة شرط دون جوابه، نحو: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ} [الواقعة: 88، 89].
والرابع: اسم منصوب لفظا ومحلا نحو: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 10، 11].
والخامس: اسم منصوب بمحذوف يفسره ما بعد الفاء نحو: أما زيدًا فاضربه.
والسادس: ظرف نحو: أما اليوم فأضرب زيدًا. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
712- أما كمهما يك من شيء وفا لتلو تلوها وجوبا ألفا
"إلا إن دخلت" الفاء "على قول قد طرح"، أي حذف، "استغناء عنه"، أي عن القول: "بالمقول، فيجب حذفها معه" للاستغناء عنهما بالمقول، "كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ" بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106]، فـ"أكفرتم": مقول لقول محذوف. والقول ومقوله جواب أما "أي: فيقال لهم: أكفرتم. ولا تحذف" الفاء "في غير ذلك إلا في ضرورة، كقوله": [من الطويل]
866- فأما القتال لا قتال لديكم ولكن سيرا في عراض المواكب
__________
866- البيت للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص45، والأغاني 1/ 38، وخزانة الأدب 1/ 452، والدرر 2/ 207 وبلا نسبة في أسرار العربية ص106، والأشباه والنظائر 2/ 153، وأوضح المسالك 4/ 234، والجنى الداني ص524، وسر صناعة الإعراب ص265، وشرح ابن الناظم ص509، وشرح شواهد الإيضاح ص107، وشرح شواهد المغني ص177، وشرح ابن عقيل 2/ 391، وشرح المفصل 7/ 134، 9/ 412، والمنصف 3/ 118، ومغني اللبيب ص56، والمقاصد النحوية 1/ 577، 4/ 474، والمقتضب 2/ 71، وهمع الهوامع 2/ 67.(2/429)
والأصل: فلا قتال. فحذف الفاء ضرورة. قال أبو الفرج1: "هذا البيت مما هجي به قديمًا بنو أسد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس"، وعراض. بالعين المهملة والضاد المعجمة: الشق والناحية، لا جمع عرصة؛ بمهملتين؛ وهي الساحة. والمواكب جمع موكب: وهم القوم الركوب على الإبل. "أو" في "ندور، نحو" قوله -صلى الله عليه وسلم: "أما بعد! ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله". والحديث أخرجه البخاري2، والأصل: فما بال رجال. و"ما" استفهامية مبتدأ. و"بال"، بمعنى شأن: خبرها، وإلى حذف الفاء أشار الناظم بقوله:
713- وحذف ذي الفا قل في نثر إذا لم يك قول معها قد نبذا
__________
1 الأغاني 1/ 38.
2 أخرجه البخاري في المساجد، باب ذكر البيع والشراء على المنبر، حديث رقم 444، وهو من شواهد أوضح المسالك 4/ 235، وشرح ابن الناظم ص509، وشرح ابن عقيل 2/ 392.(2/430)
فصل في ذكر وجهي "لولا ولوما" على ما في النظم
فصل في ذكر وجهي "لولا ولوما" على ما في النظم:
"لـ: لولا ولوما وجهان:
أحدهما: أن يدلا على امتناع جوابهما لوجود تاليهما فيختصان بالجمل الاسمية". وإليه أشار الناظم بقوله:
714- لولا ولوما يلزمان الابتدا إذا امتناعا بوجود عقدا
نحو: "{لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، وقوله: [من الكامل]
867- لوما الإضاحة للوشاة لكان لي من بعد سخطك في رضاك رجاء
وبهذا رد على المالقي، حيث زعم أن "لوما" لا تأتي إلا للتخصيص، وكون المرفوع بعد "لولا" مبتدأ هو الصحيح، وهو قول سيبويه، وقيل: مرفوع بـ"لولا" أصالة، وهو قول الفراء. وقيل: مرفوع بها نيابة، وهو قول حكاه الفراء عن بعضهم. وقيل: مرفوع بفعل محذوف، وهو قول الكسائي. وعلى القول الصحيح فقال الجمهور: يجب في الخبر أن يكون كونًا مطلقًا محذوفًا، وذهب غيرهم إلى أنه يجوز أن يكون كونًا مطلقًا كالوجود والحصول فيجب حذفه.
ويجوز أن يكون كونًا مقيدًا كالقيام والقعود، فيجب ذكره إن لم يعلم دليله وإلا جاز حذفه وذكره والخبر في هذه الآية يحتمل أن يكون كونا مطلقًا، والتقدير: لولا أنتم موجودون، ويحتمل أن يكون مقيدًا. والتقدير: لولا أنتم صددتمونا عن الهوى بعد إذ جاءنا، بدليل: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} [سبأ: 32] ولم أقف على الخلاف في المرفوع بعد "لوما" ولم يبعد مجيئه.
__________
867- البيت بلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 608، وشرح عمدة الحافظ ص316، ومغني اللبيب ص276.(2/431)
"و" الوجه "الثاني: أن يدلا على التحضيض"، بمهملة ومعجمتين. وإليه أشار الناظم بقوله:
715- وبهما التحضيض مز....... ................................
"فيختصان بـ" الجمل "الفعلية"، لأن التحضيض طلب بحث وإزعاج. ومضمون الجملة الفعلية حادث ومتجدد، فيتعلق الطلب به، بخلاف الاسمية فإنها للثبوت وعدم الحدوث. "نحو: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ}" [الفرقان: 21]، "و" نحو: "{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} [الحجر: 7]. ويساويها في" إفادة "التحضيض والاختصاص بالأفعال: هلا، وألا، وألا"، بفتح أولها وتشديد اللام في الأولين وتخفيفها في الثالث: نحو: هلا ضربت زيدًا، وألا أهنته، وألا شتمته فيتأدب. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
715- ................... وهلا ألا ألا وأولينها الفعلا
686- ...................................... .... فهلا نفس ليلى شفيعها
فتقديره: فهلا كان هو، أي: الشأن. "وقد يلي حرف التحضيض اسم معلق بفعل" على جهة كون الاسم معمولا للفعل. وذلك الفعل:
"إما مضمر، نحو" قوله -صلى الله عليه وسلم- لجابر حين أخبره بأنه تزوج بثيب: "فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك"1 فـ"بكرًا": متعلق بفعل محذوف "أي: فهلا تزوجت بكرًا.
أو مظهر مؤخر" عن حرف التحضيض "نحو" قوله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ}" [النور: 16] فـ"لولا" بمعنى "هلا". وفي المغني2: أنها هنا للتوبيخ.
و"إذ" متعلقة بـ"قلتم"، و"قلتم" فعل مظهر مؤخر من تقديم. و"سمعتموه" مجرور بإضافة "إذ" إليه، "أي: هلا قلتم إذ سمعتموه". وإليه أشار الناظم بقوله:
716- وقد يليها اسم بفعل مضمر علق أو بظاهر مؤخر
__________
868- صدر البيت:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة
وتقدم تخريج البيت برقم 531.
1 أخرجه البخاري في البيوع برقم 1991.
2 مغني اللبيب ص278.(2/432)
باب الإخبار بالذي وفروعه:
التي، والذي، واللتين، والذين، واللاتي. "وبالألف واللام".
وكثيرًا ما يصار إلى الإخبار لقصد الاختصاص. أو تقوي الحكم، أو تشويق السامع، أو إجابة الممتحن، أو قوة ملكة في التصرف1 في الكلام.
"و" لذلك "يسميه بعضهم في" الصدر الأول: "باب السبك" أي سبك النحو، وهي تسمية قديمة.
وقد بالغ فيه النحويون، ووضعوه على أبواب النحو كـ: باب الفاعل، والمبتدأ والخبر ونواسخهما، وجميع المفعولات، والتوابع، والإعمال وغير ذلك، ليحصل للطالب بالامتحان فيه ملكة يقوى بها على التصرف.
"وهو باب" واسع "وضعه النحويون للتدريب في الأحكام النحوية، كما وضع التصريفون مسائل التمرين" الآتية وهي: كيف تبني من كذا مثل كذا "في القواعد التصريفية؟
والكلام فيه في فصلين:" أحدهما: في بيان حقيقته، وثانيهما: في بيان شروط ما يخبر عنه.
__________
1 في "ب": "التصريف".(2/433)
الفصل الأول في بيان حقيقته:
وهي أن تدخل1 الموصول على أول الكلام الذي فيه الاسم المخبر عنه واقعًا على معنى ذلك الاسم، ثم يعوض من ذلك الاسم ضميرًا مكانه على حسبه في الإعراب والإفراد، والتثنية, والجمع، والتذكير والتأنيث، ويكون ذلك الضمير عائدًا على ذلك الموصول، ويكون الموصول أيضًا مطابقًا للضمير فيما تقدم. ثم يصير ذلك الاسم الذي أردت الإخبار عنه خبرًا عن الموصول، وباقي الجملة صلة الموصول.
وبيان ذلك أنك "إذا قيل لك: كيف تخبر عن زيد" المبتدأ "من قولنا2: زيد منطلق بالذي؟ متعلق بتخبر. "فاعمد إلى ذلك الكلام" الذي فيه زيد. "فاعمل فيه أربعة أعمال:
أحدها: أن تبتدئه بموصول" يكون في موضع رفع بالابتداء "مطابق" ذلك الموصول "لـ: زيد، في إفراده وتذكيره". وذلك المطابق لـ: "زيد" فيما ذكر "هو: الذي" الواقع في الابتداء.
العمل "الثاني: أن تؤخر زيدًا إلى آخر التركيب"، لأنك تريد أن تجعله خبرًا عن الموصول.
العمل "الثالث: أن ترفعه"، أي زيدًا، "على أنه خبر للذي"3.
العمل "الرابع: أن تجعل في مكانه"، أي مكان زيد. "الذي نقلته عنه ضميرًا مطابقًا له في معناه و" في "إعرابه، فتقول: الذي هو منطلق زيد"، فالموصول وهو "الذي: مبتدأ" فمن حيث كونه موصولا، يحتاج إلى صلة وعائد، ومن حيث كونه مبتدأ، يحتاج إلى خبر "و" جملة: "هو منطلق، مبتدأ وخبر" على الترتيب، "والجملة"
__________
1 في "ب": "يدخل".
2 في "ب": "قولك".
3 في "ب": "الذي".(2/434)
من المبتدأ والخبر "صلة الذي، والعائد منها" إلى الموصول، "الضمير" المرفوع على الابتداء "الذي جعلته خلفًا عن زيد في إعرابه "الذي هو الآن"، وهو زيد, "كمال الكلام". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
717- ما قيل أخبر عنه بالذي خبر عن الذي مبتدأ قبل استقر
718- وما سواهما فوسطه صله عائدها خلف معطي التكمله
"وقد تبين بما شرحناه، أن زيدًا" في المثال المذكور "مخبر به، لا عنه، وأن الذي بالعكس" أي: مخبر عنه لا به. "وذلك خلاف ظاهر السؤال"، وهو قولهم: كيف تخبر عن زيد من قولنا: زيد منطلق، بالذي؟ فظاهر هذا السؤال أن زيدًا، مخبر عنه، وأن الذي مخبر عنه، "فوجب تأويل كلامهم على" أوجه:
أحدها: لابن عصفور: أنهم أرادوا بقولهم: الإخبار بالذي، أن تخبر عن المسمى ويكون الاسم المخبر عنه في وقت الإخبار: الذي, فعبر عن المسمى: بالذي. فإذا قيل: أخبر عن زيد بالذي، كان على "معنى أخبر عن مسمى زيد في حال تعبيرك عنه بالذي".
وثانيهما لابن الضائع، بمعجمة فمهملة، الأقرب أن يكون الكلام محمولا على المعنى، وذلك أن زيدًا هو المخبر عنه في الحقيقة. وإن كان في اللفظ خبرًا، فعبروا عنه بأنه مخبر عنه نظرًا إلى الحقيقية.
وثالثها: أنه على القلب وأن "عن" بمعنى الباء، ورابعها: أنه لما كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، صح أن يطلب عليه أنه مخبر عنه، وإذا كان المخبر عنه مثنى أو مجموعًا على حدة، أو مؤنثًا، جيء بالموصول على وفقه، لوجوب مطابقة الخبر للمبتدأ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
720- وباللذين والذين والتي اخبر مراعيا وفاق المثبت
"تقول في نحو: بلغت من أخويك إلى العمرين"؛ بكسر الراء؛ "رسالة، إذا أخبرت عن التاء" من بلغت، "بالذي: الذي بلغ من أخويك إلى العمرين رسالة أنا". فالذي: مبتدأ، وأنا: خبره، وما بينهما صلة، وعائدها ضمير مستتر في بلغ لأنه أمكن اتصاله فلا يعدل إلى انفصاله.
"فإذا أخبرت عن أخويك" بالتثنية "قلت: اللذان بلغت منهما إلى العمرين رسالة أخواك"، فاللذان: مبتدأ، وأخواك: خبره، وما بينهما صلة وعائدها ضمير التثنية(2/435)
المجرور بـ"من". "أو" أخبرت عن "العمرين" بالجمع "قلت: الذين بلغت من أخويك إليهم رسالة العمرون". فالذين مبتدأ، والعمرون. خبره، وما بينهما صلة، وعائدها ضمير الجمع المجرور بـ"إلى". أو" أخبرت "عن الرسالة قلت: التي بلغتها من أخويك إلى العمرين رسالة" بالرفع، فالتي، مبتدأ: ورسالة: خبره، وما بينهما صلة، وعائدها الهاء من: بلغتها، وكان حق ضمير الرسالة أن يكون مكانها منفصلا ويكون التقدير: التي بلغت من أخويك إلى العمرين إياها رسالة.
لكن حيث أمكن1 الاتصال "فتقدم الضمير وتصله" بالفعل، "لأنه إذا أمكن الوصل لم يجز العدول" عنه "إلى الفصل" إلا في الضرورة، "وحينئذ"، أي حين إذ قدمته ووصلته "فيجوز" لك "حذفه" وإثباته "لأنه عائد متصل منصوب بالفعل" وتقدم في باب الموصول أن العائد إذا كان منصوبًا متصلا بالفعل، جاز حذفه نحو: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] وشرط الضمير العائد إلى الموصول في هذا الباب أن يكون ضمير غيبة ولو كان خلفًا عن حاضر2. وأجاز أبو ذر الخشني المطابقة في الخطاب. فتقول في الإخبار عن تاء المخاطب: الذي ضربت أنت. ويلزمه إجازة ذلك في المتكلم نحو: الذي قمت أنا، إذ لا فرق. ورد بأنه يلزم أن تكون فائدة الخبر ما صلة في المبتدأ، وذلك خطأ، والخبر في هذا الباب واجب3 التأخير عند الجمهور، ونقل ابن العلج عن المبرد أنه يجوز تقديمه خبرًا عن الذي أو مبتدأ4.
__________
1 في "ب", "ط": "أمكنك".
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "جائز".
4 انظر الارتشاف 2/ 6.(2/436)
الفصل الثاني في شروط ما يخبر عنه:
فيجب استحضارها عند إرادة الإخبار:
"اعلم أن الإخبار إن كان بالذي أو أحد1 فروعها" من التأنيث والتثنية والجمع. "اشترط للمخبر عنه سبعة شروط:
أحدها: أن يكون قابلا للتأخير"، لما مر من أنه يجب تأخيره. "فلا يخبر عن أيهم" في الاستفهام "من قولك: "أيهم في الدار؟" لأنك تقول حينئذ: "الذي هو في الدار أيهم". فتزيل الاستفهام عن صدريته". وأجاز ذلك ابن عصفور بشرط تقدمه نحو: أيهم الذي هو في الدار فـ"أيهم": خبر مقدم، و"الذي": مبتدأ مؤخر. وقال ابن الضائع: بل "أيهم" مبتدأ، و"الذي": خبره.
والأقرب قول ابن عصفور، وإن كان الأصح عند الجمهور المنع مطلقًا2. "وكذا القول في جميع أسماء الاستفهام و" أسماء "الشرط، و"كم" الخبرية، و"ما" التعجبية، وضمير الشأن"، على القول بأن له صدر الكلام. "لا يخبر عن شيء منها لما ذكرنا" من إزالة ما له صدر الكلام عن صدريته، وبيان ذلك أنك تقول في الإخبار عن اسم الشرط من قولنا: "أيهم يكرمني أكرمه": الذي هو يكرمني أكرمه أيهم1. وعن "كم" الخبرية من قولنا: كم عبد ملكت؟ [الذي إياه عبد ملكت]3 كم. وعن "ما" التعجبية من قولنا: "ما أحسن زيدًا": الذي هو أحسن زيدًا ما. وعن ضمير الشأن من قولنا: "هو زيد قائم": الذي هو زيد قائم هو. فتزيل ما له صدر الكلام عن صدريته، وثم مانع آخر وهو أن الضمير الحال محل المخبر عنه لا يتضمن معناه ولا يعمل عمله.
__________
1 سقط من "ب".
2 انظر الارتشاف 2/ 5.
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/437)
أما في مسألة الاستفهام فلأن الضمير لا يستفهم به، وأما في مسألة الشرط فلأن الضمير لا يجزم، وأما في مسألة "كم" فلأن الضمير لا يضاف. وأما في مسألة "ما" التعجبية فلأن الضمير لا يخبر عنه بأفعل في التعجب، وأما في مسألة ضمير الشأن فلأن ضمير الشأن لا يتقدم على الجملة الواقعة صلة الموصول.
"وفي التسهيل1 أن الشرط أن يقبل الاسم أو خلفه، التأخير. وذلك لأن الضمائر المتصلة كالتاء من: "قمت"، يخبر عنها مع أنها لا تتأخر، ولكن يتأخر خلفها، وهو الضمير المنفصل. تقول" إذا أخبرت عن التاء من "قمت": "الذي نام أنا". فعلى هذا يصير المتصل منفصلا لكونه خبرًا ويصير المتكلم غائبًا لعوده على: الذي فلذلك عزاه للتسهيل.
الشرط "الثاني: أن يكون" المخبر منه "قابلا للتعريف، فلا يخبر عن الحال والتمييز" مما هو ملازم للتنكير. "لأنك لو قلت في: جاء زيد ضاحكًا"، وفي: "ملكت تسعين نعجة": "الذي جاء زيد إياه ضاحك"، والتي ملكت تسعين إياها نعجة، "لكنت [قد]2 نصبت الضمير" في الأول "على الحال"، وفي الثاني على التمييز، "وذلك ممتنع، لأن الحال" والتمييز كل منهما "واجب التنكير، وكذا القول في نحوه. وهذا القيد"3: وهو قبول التعريف المذكور في النظم في قوله:
721- قبول تأخير وتعريف لما أخبر عنه ههنا قد حتما
"لم يذكره" [الناظم]4 "في التسهيل" بهذا اللفظ، وذكر بلفظ غيره فقال1: منوبًا عنه بضمير. قال شراحه، أبو حيان5 ومتابعوه: المرادي6 وابن عقيل7 وناظر الجيش والسمين واللفظ له.
قوله: منوبًا عنه بضمير، أي عن ذلك الاسم الذي تريد أن تخبر عنه. وتحرز بذلك من الأسماء التي يجوز إضمارها8، كالحال والتمييز، والأسماء العاملة عمل الفعل,
__________
1 التسهيل ص251.
2 إضافة من "ط": وأوضح المسالك 4/ 240.
3 في "ط": "التقييد".
4 إضافة من "ب"، "ط".
5 الارتشاف 2/ 3.
6 شرح المرادي 4/ 297.
7 شرح ابن عقيل 2/ 410.
8 في "أ": "إظهارها".(2/438)
نحو: اسم الفاعل واسم المفعول. وأمثلة المبالغة، والمصادر، والصفات المشبهة، وأسماء الأفعال. انتهى.
الشرط "الثالث: أن يكون" المخبر عنه "قابلا للاستغناء عنه بالأجنبي" في صحة وقوعه قبل الإخبار، كـ زيد من: "ضربت زيدًا"، فإنه يصح وقوع عمرو مثلا موقعه في تركيب آخر، فتقول: ضربت عمرًا، بخلاف الهاء في: "زيد ضربه"، فلا يصح وقوع أجنبي موقعها لفوات العائد إلى المبتدأ. "فلا يخبر عن الهاء من نحو: "زيد ضربته"، لأنها لا يستغنى عنها بالأجنبي، كـ: "عمرو وبكر" لما ذكرنا.
"وإنما امتنع الإخبار عما هو كذلك، لأنك لو أخبرت عنه لقلت: الذي زيد ضربته هو، فالضمير المنفصل" وهو "هو" المتأخر في آخر التركيب، "هو الذي كان متصلا بالفعل قبل الإخبار, والضمير المتصل الآن" وهو الهاء، "خلف عن ذلك الضمير الذي كان متصلا بالفعل، ففصلته وأخرته.
ثم هذا الضمير" المنصوب "المتصل"، وهو الهاء من ضربته. "إن قدرته رابطًا للخبر بالمبتدأ، الذي هو: زيد، بقي الموصول"، وهو الذي "بلا عائد، وإن قدرته عائدًا على الموصول، بقي الخبر بلا رابط"، ولا سبيل إلى كونه عائدًا عليهما، إذ عود ضمير مفرد على شيئين محال هذا1 من جهة الصناعة، وأما من جهة المعنى فقال: الفارسي: لا فائدة في هذا الإخبار، لأن الخبر حينئذ لا زيادة فيه على المبتدأ، فهو كقولك: الذاهب جاريته صاحبها. انتهى.
الشرط "الرابع: أن يكون" المخبر عنه "قابلا للاستغناء عنه بالمضمر، فلا يخبر [عن المجرور]2 بـ"حتى"، أو بـ"مذ"، أو بـ"منذ" لأنهن لا يجررن إلا الظاهر، والإخبار يستدعي إقامة ضمير مقام المخبر عنه؛ كما تقدم" أول الباب: فلا يخبر عن رأسها من قولك "أكلت السمكة حتى رأسها"، بالجر، فلا تقل: الذي أكلت حتاه رأسها، ولا عن يومين من قولنا: "ما رأيته مذ أو منذ يومين"، فلا تقل: اللذان، ما رأيته مذهما، أو منذهما، يومان، لأن "حتى" و"مذ" و"منذ" لا يجررن ضميرًا. وإلى هذين الشرطين أشار الناظم بقوله:
722- كذا الغنى عنه بأجنبي أو بمضمر شرط...............
__________
1 سقط من "ب".
2 إضافة من "ط"، وفي أوضح المسالك 4/ 240: "عن الاسم المجرور".(2/439)
وكذلك لا يجوز الإخبار عن مضاف دون مضاف إليه، ولا عن مصدر عامل دون معموله، ولا عن موصوف دون صفته1، ولا عن صفة دون موصوفها.
"فـ" على هذا "إذا قيل: "سر أبا زيد قرب من عمرو الكريم"، جاز الإخبار عن زيد" خاصة. "وامتنع الإخبار عن الباقي، لأن الضمير" يخلف زيدًا و"لا يخلفهن". تقول في الإخبار عن زيد: "الذي سر أباه قرب من عمرو الكريم زيد". ولا تقل في الإخبار عن الأب وحده: "الذي سر أبا زيد قرب من عمرو الكريم أب" ولا عن قرب: "الذي سر أبا2 زيد هو من عمرو الكريم قرب". ولا عن عمرو: "الذي سر أبا زيد قرب منه الكريم عمرو". ولا عن الكريم: "الذي سر أبا زيد قرب من عمرو هو الكريم". "أما: "الأب" فلأن الضمير" الحال محله "لا يضاف، وأما "القرب" فلأن الضمير" الحال محله "لا يتعلق به جار ومجرور وغيره" من المعمولات، عند البصريين.
وذهب الكوفيون إلى أن ضمير المصدر يعمل عمل المصدر، "وأما، "عمرو الكريم" فلأن الضمير" الحال محل عمرو، "لا يوصف، و" الضمير الحال محل الكريم، "لا يوصف به، نعم إن أخبرت عن المضاف والمضاف إليه معًا". وهما: "أبا زيد"، أو عن العامل ومعموله معًا، وهما: "قرب من عمرو" أو عن الموصوف وصفته، وهما: "عمرو الكريم". "فأخرت ذلك" المخبر عنه برمته، "وجعلت مكانه ضميرًا" مطابقًا له في معناه وإعرابه، "جاز" ذلك، "فتقول في الأخبار عن المتضايفين" وهما: أبا زيد: "الذي سره قرب من عمرو الكريم أبو زيد، وكذا الباقي". فتقول في الإخبار عن العامل ومعموله: "الذي سر أبا زيد قرب من عمرو الكريم". ففي: "سر", ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية وهو خلف عن: "قرب" وكان القياس أن يوضع في محله، لكن ضرورة الاتصال ألجأت إلى تقديمه3 واتصاله بعامله، فاستتر فيه. وتقول في الإخبار عن الموصوف وصفته معًا وهما: عمرو الكريم: الذي سر أبا زيد قرب منه عمرو الكريم.
الشرط "الخامس: جواز وروده في الإثبات، فلا يخبر عن: أحد، من نحو:
__________
1 في "ب": "موصوفه".
2 في "ط": "ويأباه".
3 في "أ": "تقدمه".(2/440)
"ما جاءني أحد"، لأنه لو قيل: الذي ما جاءني أحد، لزم وقوع: "أحد" في الإيجاب"، فإنه خبر "الذي"، وفاعل "جاءني"، ضمير مستتر فيه، وهو ضمير "أحد".
ونص في التسهيل في باب العدد1 على أن نفي ضمير: أحد، مسوغ لوقوع: أحد في الإيجاب، كقوله: [من الطويل]
869- إذا أحد لم يعنه شأن طارق ...................................
فإن قلت: الضيمر في جاءني يعود على الموصول، لا على: أحد، قلت: أحد: خبر الموصول، والخبر في هذا الباب نفس المبتدأ.
الشرط "السادس: كونه في جملة خبرية، فلا يخبر عن الاسم" المعمول لفعل طلب كالواقع "في مثل: اضرب زيدًا"، فلا تقل في الإخبار عن زيد: الذي أضربه زيد.
"لأن الطلب لا يقع صلة" للموصول، لما مر في بابه.
الشرط "السابع: أن لا يكون" المخبر عنه "في إحدى جملتين مستقلتين"، ليس في الأخرى منهما ضميره، ولا بين الجملتين عطف بالفاء. وذلك "نحو: زيد من قولك: قام زيد وقعد عمرو". فلا يقال: الذي قام وقعد عمرو زيد، لأن جملة: "قعد عمرو" ليس فيها ضمير يعود على الموصول، ولا هي معطوفة بالفاء، فلا يصلح أن تكون معطوفة على جملة الصلاة، "بخلاف" ما إذا كان في إحدى جملتين غير مستقلتين، كالشرط والجزاء، نحو: إن قام زيد قعد عمرو". فيحوز الإخبار عن زيد، فتقول: الذي إن قام قعد عمرو وزيد، لأن الشرط والجزاء كالجملة الواحدة، بخلاف ما إذا كان في إحدى جملتين مستقلتين وتضمنت الثانية ضميره، أو كانت معطوفة بالفاء، فإنه يجوز الإخبار لحصول الرابط2 بين الجملتين بالضمير أو بالفاء.
فالأول: كالمتنازع فيه من نحو: "ضربني وضربت زيدًا"، ونحو: "أكرمني وأكرمته عمرو" تقول في الإخبار عن زيد: "الذي ضربني وضربته زيد"، وعن عمرو: "الذي أكرمني وأكرمته عمرو".
والثاني: كأحد المرفوعين، من نحو: "يطير الذباب فيغضب زيد"، تقول في الإخبار عن الذباب "الذي يطير فيغضب زيد الذباب"، وفي الإخبار عن زيد: "الذي
__________
1 التسهيل ص118-119.
869- عجز البيت: "لعدم فإنا مؤثروه على الأهل"، وهو بلا نسبة في شرح التسهيل 2/ 407 .
2 في "ب": "الربط".(2/441)
"ما جاءني أحد"، لأنه لو قيل: الذي ما جاءني أحد، لزم وقوع: "أحد" في الإيجاب"، فإنه خبر "الذي"، وفاعل "جاءني"، ضمير مستتر فيه، وهو ضمير "أحد".
ونص في التسهيل في باب العدد1 على أن نفي ضمير: أحد، مسوغ لوقوع: أحد في الإيجاب، كقوله: [من الطويل]
869- إذا أحد لم يعنه شأن طارق ...................................
فإن قلت: الضيمر في جاءني يعود على الموصول، لا على: أحد، قلت: أحد: خبر الموصول، والخبر في هذا الباب نفس المبتدأ.
الشرط "السادس: كونه في جملة خبرية، فلا يخبر عن الاسم" المعمول لفعل طلب كالواقع "في مثل: اضرب زيدًا"، فلا تقل في الإخبار عن زيد: الذي أضربه زيد.
"لأن الطلب لا يقع صلة" للموصول، لما مر في بابه.
الشرط "السابع: أن لا يكون" المخبر عنه "في إحدى جملتين مستقلتين"، ليس في الأخرى منهما ضميره، ولا بين الجملتين عطف بالفاء. وذلك "نحو: زيد من قولك: قام زيد وقعد عمرو". فلا يقال: الذي قام وقعد عمرو زيد، لأن جملة: "قعد عمرو" ليس فيها ضمير يعود على الموصول، ولا هي معطوفة بالفاء، فلا يصلح أن تكون معطوفة على جملة الصلاة، "بخلاف" ما إذا كان في إحدى جملتين غير مستقلتين، كالشرط والجزاء، نحو: إن قام زيد قعد عمرو". فيحوز الإخبار عن زيد، فتقول: الذي إن قام قعد عمرو وزيد، لأن الشرط والجزاء كالجملة الواحدة، بخلاف ما إذا كان في إحدى جملتين مستقلتين وتضمنت الثانية ضميره، أو كانت معطوفة بالفاء، فإنه يجوز الإخبار لحصول الرابط2 بين الجملتين بالضمير أو بالفاء.
فالأول: كالمتنازع فيه من نحو: "ضربني وضربت زيدًا"، ونحو: "أكرمني وأكرمته عمرو" تقول في الإخبار عن زيد: "الذي ضربني وضربته زيد"، وعن عمرو: "الذي أكرمني وأكرمته عمرو".
والثاني: كأحد المرفوعين، من نحو: "يطير الذباب فيغضب زيد"، تقول في الإخبار عن الذباب "الذي يطير فيغضب زيد الذباب"، وفي الإخبار عن زيد: "الذي
__________
1 التسهيل ص118-119.
869- عجز البيت: "لعدم فإنا مؤثروه على الأهل"، وهو بلا نسبة في شرح التسهيل 2/ 407 .
2 في "ب": "الربط".(2/442)
فصل:
"وإذا رفعت1 صلة: أل" اسما ظاهرًا، كالمثال المتقدم، فلا إشكال فيه، وإذا رفعت "ضميرًا"، فلا يخلو إما أن يكون "راجعا إلى نفس: أل" وإما أن يكون راجعًا إلى غيرها. فإن كان راجعًا إلى نفس "أل". "استتر" ذلك الضمير "في الصلة" وجوبًا، "ولم يبرز" لكون الصفة جارية على من هي له. "تقول في الإخبار عن التاء من: بلغت" من أخويك إلى العمرين رسالة"، "في المثال المتقدم: "المبلغ من أخويك إلى العمرين رسالة أنا". ففي "المبلغ" ضمير مستتر" مرفوع على الفاعلية، ولم يبرز "لأنه في المعنى لـ"أل"، لأنه"أي الضمير المستر، "خلف عن ضمير2 المتكلم" المؤخر المجعول خبرًا، "و"أل" للمتكلم، لأن خبرها" "أنا" وهو ضمير المتكلم. والمبتدأ" في هذا الباب "نفس الخبر"، والصفة نفس3 موصوفها، فيكون الضمير المستتر في: المبلغ يرجع إلى "أل"، فلذلك وجب استتاره. "وإن رفعت صلة "أل" ضمير" راجعا "لغير "أل" وجب بروزه وانفصاله" من الصلة لما تقرر [من]4 أن الصلة5 إذا جرت على غير من هي له، امتنع أن ترفع ضمير مستتر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
725- وإن يكن ما رفعت صلة أل ضمير غيرها أبين وانفصل
"ما إذا أخبرت عن شيء من بقية أسماء المثال" المتقدم، "تقول في الإخبار عن الأخوين: "المبلغ أنا منهما إلى العمرين رسالة أخواك"، و" تقول في الإخبار "عن العمرين: "المبلغ أنا من أخويك إليهم رسالة العمرون, و" تقول في الإخبار "عن الرسالة: المبلغها أنا من أخويك إلى العمرين رسالة"، بالرفع6.
__________
1 في "ب": "وقعت".
2 سقط من "ب".
3 في "أ": "نحو".
4 إضافة من "ب", "ط".
5 في "أ": "الصفة".
6 انظر شرح ابن الناظم ص516، وشرح ابن عقيل 2/ 404.(2/443)
فـ"أنا" فيهن فاعل المبلغ، وهو ضمير منفصل لأنه لغير "أل" "وذلك لأن التبليغ فعل المتكلم"، لأن فعله مسند إلى المتكلم في: بلغت، "و"أل" فيهن لغير المتكلم لأنها نفس الخبر الذي أخرته"، وهو: الأخوان في الأول: والعمرون في الثاني، والرسالة في الثالث، ولا فرق في ذلك بين المتنازع فيه وغيره.
تقول في الإخبار بـ"أل" عن المتنازع فيه من نحو: ضربت وضربني زيد: "الضارب أنا والضاربي زيد". وإنما أبرزنا فاعل الأول لأن "أل" الأولى، كـ"أل" الثانية في أنها نفس الخبر الذي هو: زيد. والضرب الأول ليس لزيد.
وتقول في الإخبار بـ"أل" عن غير المتنازع فيه على رأي الأخفش فإنه يغير الترتيب بأن يقدم المتنازع فيه ويجعله معمولا للأول بعدما كان معمولا للثاني، إذا أخبرت عن التاء من: "ضربت"، في المثال المذكور: "الضارب زيدًا، والضاربه هو أنا". قدمت "زيدًا" وجعلته لأول المتنازعين لأنه كان يطلبه منصوبًا، وأضمرت في الوصف الأول ضميرًا غائبًا عائدًا على "ألا" عوضًا عن التاء1 المخبر عنها، ليصح له2 أن يعود على الموصول، فاستتر في الوصف بجريانه على ما3 هو له، لأن "أل" نفس "أنا" لأن الذي فعل الضرب هو "أنا" في المعنى. ثم جئت بموصول ثان لأن "أل" لا تفصل من صلتها، فلا يصح أن تعطف وصفًا على وصف هو صلة لـ"أل"، وأتيت مكان ياء المتكلم بهاء الغيبة ليعود إلى "أل"، وفصلت ضمير الفاعل وهو "هو" لأن الصفة جرت على غير صاحبها، لأن "أل" نفس "أنا". والذي فعل الضرب ثانيًا إنما هو زيد، كما أن فاعل الضرب في الجملة الأولى4 هو المتكلم. وهذا أولى مما ذهب إليه المازني من مراعاة الترتيب الأصلي بأن يؤتى لكل من الموصولين بخبر يخصه غير خبر الآخر5، لفظًا ومعنى، فعلى هذا تقول في الإخبار عن تاء المتكلم الفوقانية في المثال المذكور: "الضاربه أنا هو، والضاربه زيد أنا". ووجهه أنا أخبرنا أولا عن الفاعل، وهو التاء الفوقانية ففصلناه وأخرناه، وأوقعنا "أل" الأولى على المضروب، كما أوقعنا "أل"6
__________
1 في "أ": "الياء".
2 سقط من "ب".
3 في "ب"، "ط": "من".
4 سقط من "ب".
5 في "ب": "الأول".
6 سقط من "ب".(2/444)
الثانية على الضارب. ثم وصلنا1 صلته بضمير المفعول العائد على "أل"، ثم أبرزنا ضمير الفاعل لجريان الصفة على غير من هي له، ثم جئنا بضمير المفعول خبرًا عن الموصول الأول، ثم جئنا بهاء الغائب مكان ياء المتكلم لتعود2 على "أل"، وذكرنا فاعل الوصف بعد ذلك وهو زيد، ثم جئنا بالمخبر عنه وهو: أنا. ثم يقال لمن قال بموافقة المازني وشرح كلامه بما3 تقدم: عليك مؤاخذة من ثلاثة أوجه.
أحدها: أنك سئلت عن الإخبار عن الفاعل، فأخبرت عن المفعول في الجملة الأولى، وعن الفاعل في الجملة الثانية.
والوجه الثاني: أنك أخرت المخبر عنه من الجملة الأولى التي كان فيها، إلى الجملة الأخرى بعدها.
والوجه الثالث: أن قولك: "هو" في الجملة الأولى لا يعلم له مرجع إلا بتقديم الجملة الثانية، والغرض أنها متأخرة.
واختار الموضح في الحواشي أن يقال: الضاربه أنا والضاربه زيد أنا. فتأتي للوصف الأول بمفعول يعود على زيد وهو الهاء. وتفصل الفاعل وهو "أنا" وتجعله خبرًا وتجعل مكان التاء التي فصلتها ضميرًا مثلها في المعنى والإعراب، لكن تجعله غائبًا ليعود على الموصول. وتجعله مستترًا، لأن "أل" هي نفس الخبر الذي هو "أنا" والضرب فعل المتكلم، فجرت الصفة على صاحبها، وتأتي للوصف الثاني بالهاء مكان ياء المتكلم وهي المفعول والعائد، وزيد: الفاعل، وأنا: الخبر، انتهى.
__________
1 في "أ": "فصلنا".
2 في "أ", "ب": "ليعود".
3 في "ط": "كما".(2/445)
باب العدد:
بفتحتين، وهو ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه، القريبتين أو البعيدتين على السواء، [كـ: الاثنين]1 فإن حاشيته السفلى واحد2، والعليا ثلاثة، ومجموع ذلك أربعة، ونصف الأربعة اثنان، وهو المطلوب. ومن ثم قيل: الواحد ليس بعدد لأنه لا حاشية له سفلى حتى تضم مع العليا. والمراد به هنا الألفاظ الدالة على المعدود، كما يقال الجمع، للفظ الدال على الجماعة.
"اعلم أن الواحد والاثنين يخالفان الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين:
أحدهما: أنهما يذكران مع المذكر، فتقول: واحد، اثنان، ويؤنثان مع المؤنث، فتقول: واحدة، واثنتان"، على لغة الحجازيين، و"ثنتان" على لغة بني تميم.
ويشاركهما في ذلك ما وازن فاعلا مطلقًا، والعشرة إذا ركبت، فتقول: الجزء الثالث والثالث عشر، والمقامة الثالثة والثالثة عشرة. "والثلاثة وأخواتها تجري على عكس ذلك"، فتؤنث مع المذكر وتذكر مع المؤنث. "فتقول: ثلاثة رجال بالتاء, وثلاث إماء3، بتركها. قال الله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}" [الحاقة: 7]. وقال ابن مالك4. وإنما حذفت التاء من عدد المؤنث وأثبتت في عدد المذكر في هذا القسم، لأن
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 في "ط": "واحدة".
3 سقط من "ب".
4 شرح التسهيل 2/ 397.(2/446)
الثلاثة وأخواتها أسماء جماعات كـ: "زمرة وأمة وفرقة"، فالأصل أن تكون1 بالتاء لتوافق نظائرها، فاستصحب الأصل مع المذكر لتقدم رتبته، وحذفت مع المؤنث فرقًا لتأخر رتبته. انتهى.
"و" الحكم "الثاني" من حكمي2 واحد واثنين: "أنهما لا يجمع بينهما وبين المعدود، لا تقول: واحد رجل، ولا: اثنا رجلين، لأن قولك: رجل، يفيد الجنسية والوحدة وقولك: رجلان، يفيد الجنسية وشفع الواحد، فلا حاجة إلى الجمع بينهما"، فأما قوله: [من الرجز]
871- ......................... ............ ثنتا حنظل
فقليل3.
وأما البواقي، وهي الثلاثة والعشرة وما بينهما، فلها ثلاثة أحوال: الأول: أن يقصد بها العدد المطلق. والثاني: أن يقصد بها معدود ولا يذكر، والثالث: أن يقصد بها معدود ويذكر.
فأما لو قصد بها العدد المطلق، فإنها كلها بالتاء، نحو: ثلاثة نصف ستة، ولا تنصرف لأنها أعلام مؤنثة، خلافًا لبعضهم؛ وأما إذا أريد بها معدود ولم يذكر في اللفظ.
__________
1 في "ب": "يكون".
2 في "أ": "حكم".
871- تمام الرجز:
كأن خصييه من التدلدل ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
وهو لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو للشماء الهذلية في خزانة الأدب 7/ 400، 404، ولجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو للشماء الهذلية في الدرر 1/ 532، وللشماء الهذلية في خزانة الأدب 7/ 526، 529، 531، وبلا نسبة في إصلاح المنطق 189، وتاج العروس "دلل" "هدل" "ثنى" "خصى"، وتهذيب اللغة 6/ 199، 7/ 478، وخزانة الأدب 7/ 508، وديوان الأدب 4/ 11، وشرح ابن الناظم ص518، وشرح أبيات سيبويه 2/ 361، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1847، وشرح المفصل 4/ 143، 144، 6/ 16، 18، والكتاب 3/ 569، 624، وكتاب العين 4/ 25، 287 ولسان العرب 11/ 249 "دلل"، 692 "هدل"، 14/ 117 "ثنى"، 230، "خصا"، والمخصص 12/ 110، 16/ 98، 17/ 100، والمقتضب 2/ 156، والمنصف 2/ 131، وهمع الهوامع 1/ 253.
3 وقيل: "ضرورة". انظر شرح ابن الناظم ص518، وهمع الهوامع 1/ 253، والدرر 1/ 532، والارتشاف 1/ 358.(2/447)
فالفصيح أن تكون1 بالتاء للمذكر وبحذفها للمؤنث، كما لو ذكر المعدود : فتقول: "صمت خمسة"، تريد أيامًا، و"سهرت خمسة"، تريد ليالي.
ويجوز أن تحذف التاء كما2 في المذكر، كالحديث: "ثم أتبعه بست من شوال"، وأما إذا قصد بها معدود وذكر. "فلا تستفاد العدة والجنس إلا من العدد والمعدود جميعًا، ذلك لأن قولك: "ثلاثة" يفيد العدة دون الجنس. وقولك: "رجال"، يفيد الجنس دون العدة، فإذا قصدت الإفادتين"، وهما العدة والجنس. "جمعت بين الكلمتين" وهما: العدد والمعدود. فقتل: ثلاثة رجال. وثلاث إماء، بالتاء مع المذكر، وبعدمها مع المؤنث، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
726- ثلاثة بالتاء قل للعشره في عد ما آحاده مذكره
727- في الضد جرد........ ........................
__________
1 في "أ": "يكون".
2 سقط من "ب"، "ط".(2/448)
فصل:
ألفاظ الأعداد بالنسبة إلى الاستعمال أربعة أنواع:
مفرد، وهو عشرة ألفاظ: واحد واثنان1 وعشرون وتسعون وما بينهما.
ومضاف، وهو أيضًا عشرة ألفاظ. مائة وألف وثلاثة وعشرة وما بينهما.
ومركب، وهو تسعة ألفاظ: أحد عشر وتسعة عشر وما بينهما.
ومعطوف وهو: أحد وعشرون، وتسعة وتسعون وما بينهما، فمميز العشرين، والتسعين وما بينهما، والأحد عشر والتسعة عشر وما بينهما، والأحد والعشرين، والتسعة والتسعين وما بينهما، مفرد منصوب. و"مميز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جنس ". وهو ما يفرق بينه وبين مفرده بالتاء غالبًا. "كـ: "شجر وتمر". أو اسم جمع"، وهو ما دل على الجمع، وليس له مفرد من لفظه غالبًا"، "كـ: "قوم ورهط"، خفض بـ"من" تقول: "ثلاثة" من الشجر غرستها"، و"خمسة "من التمر" أكلتها"، "و"عشرة من القوم" لقيتهم"، و"تسعة من الرهط صحبتهم". "قال الله تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}" [البقرة: 260]. وعلل الأخفش امتناع الإضافة إلى اسم الجنس بأنه قد يقع على الواحد، ولا يضاف هذا الجمع إلى الواحد فكذا ما أشبهه.
قال الموضح في الحواشي: قلت وكذا اسم الجمع بالنسبة إلى الصيغة، فإن صيغته كصيغة الواحد، وإن كان لا ينطبق2 على الواحد، والدليل على أنه يعامل لفظًا معاملة الواحد، أنه قد يعود عليه ضمير الواحد، ويفرد الخبر عنه، نحو: الركب سائر. انتهى.
"وقد يخفض" مميز اسمي الجنس والجمع، "بإضافة العدد" إليه، فاسم الجمع "نحو: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48]. وفي الحديث: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"3. وقال الشاعر": [من الوافر]
__________
1 في "أ", "ط": "اثنتان.
2 في "أ", "ط": "ينطلق".
3 أخرجه البخاري برقم 1340، 1390، ومسلم في أول كتاب الزكاة برقم 979.(2/449)
872- ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد جار الزمان على عيالي
والذود من الإبل: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. كذا في الصحاح1. وذاله الأولى معجمة، والثانية مهملة. و"الأنفس": جمع نفس، وهي مؤنثة، وإنما أنت عددها، لأن النفس كثر استعمالها مقصودًا بها إنسان قاله المرادي2. واسم الجنس كقول جندل بن المثنى: [من الرجز]
873- كأن خصييه من التدلدل ظرف عجوز فليه ثنتا حنظل
فـ"حنظل": اسم جنس مخفوض بالإضافة على حد: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] قاله الموضح، واتفق الجميع على الخفض بـ"من". وأما بالإضافة ففيه مذاهب:
أحدها: الجواز على قلة، وهو ظاهر كلام الموضح هنا3، تبعًا لابن عصفور4.
والثاني: الاقتصار على ما سمع، وهو مذهب الأكثرين5.
والثالث: التفصيل في اسم الجمع، فإن كان مما يستعمل للقليل فقط نحو: "نفر ورهط، وذود"، جاز. وإن كان مما يستعمل للقليل والكثير، كـ: "قوم ونسوة"، لم يجز.
حكاه الفارسي عن أبي عثمان المازني. وعلله المبرد بأن العدد لا يضاف لواحد ولا لما يدل على الكثرة، وأما: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فمسموع. انتهى.
"وإن كان" مميزها "جمعا، خفض بإضافة العدد إليه، نحو: ثلاثة رجال"
وثلاث إماء، "ويعتبر التذكير والتأنيث مع اسمي الجمع والجنس بحسب حالهما" باعتبار
__________
872- البيت للحطيئة في ديوانه 270، والأغاني 2/ 144، والإنصاف 2/ 771، وخزانة الأدب 7/ 367، 369، 394، والخصائص 2/ 412، والكتاب 3/ 565، ولسان العرب 3/ 168، "ذود"، 6/ 235 "نفس"، ولأعرابي أو للحطيئة أو لغيره في الدرر 1/ 534، ولأعرابي من أهل البادية في المقاصد النحوية 4/ 485، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 246، والدرر 2/ 490، 540، وشرح ابن الناظم 519، وشرح الأشموني 2/ 620، ومجالس ثعلب 1/ 304، وهمع الهوامع 1/ 253، 2/ 170.
1 الصحاح "ذود".
2 شرح المرادي 4/ 304.
873- تقدم تخريج البيت برقم 871.
3 سقط من "ط".
4 المقرب 2/ 305.
5 انظر الارتشاف 1/ 358.(2/450)
عود الضمير عليهما1، تذكيرًا وتأنيثًا، "فيعطى العدد عكس ما يستحقه ضميرهما"2، مذكرًا، أنت العدد، وإن كان مؤنثًا ذكر.
"فتقول" في اسم الجنس: "ثلاثة من الغنم" عندي، "بالتاء" في ثلاثة، "لأنك تقول: غنم كثير، بالتذكير" للضمير المستتر في: كثير، "وثلاث من البط، بترك التاء" من ثلاثة3، "لأنك تقول: بط كثيرة، بالتأنيث" للضمير المستتر في: كثيرة.
"و" تقول: "ثلاثة من البقر"، بالتاء، "أو: ثلاث"، بتركها، "لأن" ضمير البقر يجوز فيه التذكير والتأنيث باعتبارين، وذلك أن4 "في البقر لغتين: التذكير والتأنيث، قال الله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70] بتذكير الضمير، "وقرئ: تشابهت" بتأنيثه5.
وحاصل ما ذكره من أمثلة اسم الجنس ثلاثة أنواع: ما فيه لغتان، التذكير فقط [وهو: الغنم. وما فيه لغة التأنيث فقط وهو: البط, وما فيه لغتان، التذكير والتأنيث وهو: البقر، ولم يمثل]6 لاسم الجمع، وفصل فيه ابن عصفور فقال7: إن كان لمن يعقل فحكمه حكم المذكر كـ: القوم والرهط والنفر. وإن كان لما لا يعقل فحكمه حكم المؤنث كـ: الجامل والباقر.
"و" التذكير والتأنيث "يعتبران مع الجمع بحال مفرده" فإن كان مفرده مذكرًا أنت عدده، وإن كان مؤنثًا ذكر، "فلذلك تقول: إصطبلات" جمع إصطبل، بقطع الهمزة المكسورة. "وثلاثة حمامات" جمع حمام؛ بتشديد الميم؛ "بالتاء فيهما" اعتبارًا بالإصطبل والحمام فإنهما مذكران، ولا تقول: ثلاث، بتركها؛ "اعتبارًا بالجمع، خلافًا للبغداديين" والكسائي8. ونقل سيبويه والفرء أن كلام العرب على خلاف ذلك9.
__________
1 في "ب": "إليهما".
2 في "ب": "ضميرها".
3 في "أ", "ب": "ثلاث".
4 في "ب": "لأن".
5 في البحر المحيط 1/ 254، وتفسير القرطبي 1/ 452، أنها قراءة أبي.
6 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
7 المقرب 2/ 306-307.
8 الارتشاف 1/ 361.
9 الكتاب 3/ 561-562.(2/451)
وتقول: ثلاث سحابات؛ بترك التاء؛ اعتبارًا بالسحابة فإنها مؤنثة، "ولا يعتبر من حال الواحد حال لفظه" في التأنيث والتذكير "حتى يقال: ثلاث طلحات؛ بترك التاء" نظرا إلى تأنيث لفظ واحده وهو: طلحة، "ولا" يعتبر "حال معناه" تذكيرًا وتأنيثًا، "حتى يقال: ثلاث أشخص؛ بتركها" أيضًا؛ نظرًا إلى تأنيث معنى واحده وهو شخص، "تريد: نسوة"، لأن الشخص يقع على المذكر والمؤنث1. "بل ينظر إلى ما يستحقه المفرد باعتبار ضميره، فيعكس حكمه في العدد، فكما تقول: طلحة حضر، وهند شخص جميل, بالتذكير فيهما تقول: ثلاثة طلحات، وثلاثة أشخص؛ بالتاء فيهما؛ فأما قوله" وهو عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل]
874- فكان مجني دون من كنت أتقى ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
"فضرورة".
وكان القياس فيه: ثلاثة شخوص؛ بالتاء؛ ولكنه كنى بالشخوص عن النساء. "والذي سهل ذلك قوله: كاعبان ومعصر"، أي: هن كاعبان ومعصر، "فاتصل باللفظ ما يعضد المعنى المراد" وهو التأنيث. "ومع ذلك فليس بقياس خلافًا للناظم"، بل قال2: إن اقترن باللفظ ما يرجح جانب المعنى، ترجح. والكاعب: الجارية حين يبدو ثديها للنهود. والمعصر؛ بضم الميم وكسر الصاد المهملة، الجارية أول ما أدركت، سميت بذلك لكونها دخلت في عصر الشباب، قاله الخليل. "وإذا كان المعدود صفة" منونا موصوفها، "فالمعتبر" في التذكير والتأنيث "حال الموصوف المنوي لا حالها". فإن كان الموصوف مذكرًا، أنث العدد، وإن كان مؤنثًا ذكر. "قال الله تعالى": {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] بترك التاء؛ لأن الموصوف مؤنث، "أي: عشر حسنات أمثالها، ولولا ذلك" الاعتبار "لقيل: عشرة" بالتاء "لأن المثل" الذي هو
__________
1 في شرح ابن الناظم ص519: "الشخص مؤنثة"، وفي الكتاب 3/ 562: "الشخص اسم مذكر".
874- البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص100، والأشباه والنظائر 5/ 48، 129، والأغاني 1/ 90، وأمالي الزجاجي ص118، والإنصاف 2/ 770، وخزانة الأدب 5/ 3210، 312، 7/ 394، 396، 398، والخصائص 2/ 417، وشرح أبيات سيبويه 2/ 366، وشرح شواهد الإيضاح 313، والكتاب 3/ 566، ولسان العرب 7/ 45، "شخص"، والمقاصد النحوية 4/ 483، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 104، وأوضح المسالك 4/ 251، وشرح ابن الناظم ص519، وشرح الأشموني 3/ 620، وشرح عمدة الحافظ ص519، وعيون الأخبار 2/ 174، والمقتضب 2/ 148، والمقرب 1/ 307.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1664.(2/452)
واحد الأمثال "مذكر. و" تقدم أنه يعتبر مع الجمع حال مفرده. "تقول: عندي ثلاثة ربعات، بالتاء" في ثلاثة "إن قدرت" الموصوف "رجالا، وبتركها إن قدرت" [الموصوف]1 "نساء"، لأن ربعات؛ بفتح الباء؛ في الأصل اسم. ثم استعملت في الصفة، وهي جمع ربعة؛ بسكونها؛ يوصف به المذكر والمؤنث. يقال: رجل ربعة وامرأة ربعة: وهي المربوع لا طويل ولا قصير.
واعتبار توهم الموصوف كاعتبار نيته. "ولهذا" ترى العرب "يقولون: ثلاثة دواب؛ بالتاء؛ إن2 قصدوا ذكورا، لأن الدابة" وهي لغة كل ما يدب على الأرض "صفة في الأصل" غلبت عليها الاسمية. "فكأنهم قالوا: ثلاثة أحمرة"، جمع حمار، "دواب، وسمع" من كلامهم: "ثلاث دواب ذكور"، بترك التاء، لأنهم" اعتبروا تأنيث اللفظ، و"أجروا الدابة مجرى" الاسم "الجامد" نظرًا إلى الحال. "فلا يجرونها على موصوف"، قال ابن مالك3 أخذًا من قول ابن عصفور4: وأما ثلاث دواب فعلى جعل الدابة اسمًا.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 في "ب", "ط": "إذا".
3 شرح التسهيل 2/ 400.
4 المقرب 2/ 307.(2/453)
فصل:
"الأعداد التي تضاف للمعدود عشرة، وهي نوعان:
أحدهما: الثلاثة والعشرة وما بينهما" وذلك ثمانية ألفاظ، "وحق ما تضاف إليه أن يكون جمعًا مكسرًا" ليطابق العدد المعدود لفظًا، "من أبنية القلة" ليتطابقا معنى.
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
727- ............. والمميز اجرر جمعا بلفظ قلة في الأكثر
"نحو: ثلاثة أفلس" من الجوامد، "وأربعة أعبد" من المشتقات الجارية مجرى الجوامد.
و: {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] من المائعات، وثمانية أحمال، وتسعة حبية، وعشرة أرغفة.
"وقد يختلف كل واحد من هذه الأمور الثلاثة"، وهي: الجمع والتكسير والقلة. "فيضاف للمفرد" في مسألتين:
إحداهما: أن يكون اسم جمع، وذلك قليل نحو: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48]، و: "خمس ذود"1.
والثانية: في لفظ واحد. "وذلك إن كان نحو: ثلاثمائة وتسعمائة"، لأن المائة وإن أفردت لفظًا فهي جمع معنى، لأنها عشر عشرات وهو عدد قليل. قاله الموضح في الحواشي.
"وشذ في الضرورة قوله"، وهو الفرزدق: [من الطويل]
875- ثلاث مئين للملوك وفى بها ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
ووجه شذوذه أن المائة إذا جمعت كان أقل مفهوماتها ثلاثمائة، وهو مما يفيد الكثرة فكان غير مناسب2.
__________
1 أخرجه البخاري في الزكاة برقم 1340، 1390.
875- البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 310، وخزانة الأدب 7/ 370، 373، واللسان 14/ 317 "ردي"، والمقاصد النحوية 4/ 480، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 253، وشرح ابن الناظم ص518، وشرح الأشموني 2/ 622، وشرح عمدة الحافظ 518، وشرح المفصل 6/ 21، 23، والمقتضب 2/ 170.
2 في شرح ابن الناظم ص518: "يقال: ثلاث مائة، وقد يقال ثلاث مئات وثلاث مئين".(2/454)
"ويضاف لجمع التصحيح في مسألتين:
إحداهما: أن يهمل تكسير الكلمة، نحو: {سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة: 29] و: خمس صلوات و: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يوسف: 43] فإن: سماء وصلاة وبقرة، لم يسمع لها جمع تكسير أصلا، فضلا عن أن يكون للقلة فلما لم يسمع لها جمع تكسير أضيف إليها وهي جمع تصحيح لأنه يفيد القلة عند سيبويه وأتباعه1.
"والثانية: أن يجاور"؛ بالراء المهملة؛ "ما أهمل تكسيره"، وإن كان هو مسموع التكسير "نحو: {سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ} [يوسف: 43] فإنه" كسر على: سنابل. ولكنه "في التنزيل مجاور لـ: سبع بقرات" المهمل تكسيره، فلذلك حسن تصحيحه وقد جاء في التنزيل مكسرًا نحو: {سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261].
وبقي مسألتان:
إحداهما: أن يكون تكسير الكلمة غير مقيس نحو: ثلاث سعادات فإن2 جمع سعاد على: سعائد، خلاف القياس. كذا قال ابن مالك3. وهو مبني على أن فعائل إنما يطرد في المؤنث، بالعلامة نحو: رسالة ورسائل، وأن نحو: عجائز، يحفظ ولا يقاء عليه.
والثانية: أن يكون تكسير الكلمة قليل الاستعمال نحو: {تِسْعَ آَيَاتٍ} [النمل: 12] قال الموضح: كذا ظهر لي، فإن تكسير آية على: آي جائز لكنه ليس بالفاشي. وجعلها ابن مالك مما أهمل تكسيره. قال: وفيه نظر.
"ويضاف لبناء الكثرة في مسألتين:
إحداهما: ان يهمل بناء القلة: نحو: ثلاث جوار، وأربعة رجال، وخمسة دراهم". فإن جارية ورجلا ودرهمًا، لم يستعمل لها جمع قلة. وأما أرجل فجمع: رجل، بكسر الراء وسكون الجيم.
"والثانية: أن يكون له بناء قلة، ولكنه شاذ قياسًا أو سماعًا، فينزل لذلك منزلة المعدوم" ويعدل عنه4 إلى جمع الكثرة.
"فالأول" وهو الشاذ قياسًا "نحو: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فإن جمع: قرء؛ بالفتح؛ على أقراء، شاذ" كما سيأتي في باب جمع التكسير. نعم إن جعل قروء
__________
1 الكتاب 3/ 603.
2 في "أ": "فإنه".
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1866.
4 في "أ": "منه".(2/455)
جمعًا لـ: قرء؛ بالضم؛ كان قياسًا. والقرء بالفتح والضم؛ يطلق على الطهر والحيض.
"والثاني": وهو الشاذ سماعًا "نحو: ثلاثة شسوع"؛ بمعجمة فمهملة؛ "فإن أشساعًا" وإن كان قياسًا لأن مفرده: شسع، بكسر أوله1 وسكون ثانيه: أحد سيور النعل1، وأفعال قياس فيه كـ: حمل وأحمال؛ بالحاء المهملة؛ ولكنه "قليل الاستعمال".
"النوع الثاني" من النوعين: "المائة والألف، وحقهما أن يضافًا إلى مفرد نحو": {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، "و" نحو: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] وإنما كان حقهما ذلك؛ لأن المائة اجتمع فيها ما افترق في عشرة وعشرين من الإضافة والإفراد، لأنها مشتملة عليهما، فأخذت من العشرة الخفض ومن العشرين الإفراد. والألف عوض من2 عشر مائة، هي تميز3 بمفرد مخفوض، فعوملت الألف معاملة ما عوضت منه. "وقد تضاف المائة إلى جمع، كقراءة الأخوين حمزة والكسائي: "ثلاثمائة سنين" [الكهف: 25] بحذف التنوين للإضافة4.
قيل: ووجه تشبيه المائة بالعشرة إذ كانت تعشيرًا للعشرات، والعشرة تعشيرًا للآحاد، وقيل: إنه من وضع الجمع موضع المفرد. ومن نون فقيل: هو عطف بيان، أو بدل من ثلاثمائة5.
ورد بأن البدل على نية طرح الأول. وعلى تقدير طرحه يكون لمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين. فيفوت التنصيص على كمية العدد. ويجاب بأن نية الطرح غالبة لا لازمة. ولا يكون: سنين تمييزًا لأنه يقتضي أنهم أقل ما لبثوا: تسعمائة وتسع سنين.
قاله الموضح في الحواشي. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
728- ومائة والألف للفرد أضف ومائة بالجمع نزرا قد ردف
"وقد تميز" المائة "بمفرد منصوب6، كقوله"، وهو الربيع بن ضبع
__________
1 سقط ما بينهما من "ب".
2 في "أ": "عن".
3 في "أ", "ب": "تمييز".
4 الرسم المصحفي: {مِائَةٍ} وقرأها "مِائَةِ" بالإضافة: حمزة والكسائي وخلف والحسن والأعمش وطلحة بن سعدان، انظر الإتحاف 289، ومعاني القرآن للفراء 2/ 138، وهي من شواهد أوضح المسالك 4/ 255، وشرح ابن الناظم ص520، وشرح ابن عقيل 2/ 407.
5 انظر الإتحاف ص289، ومعاني القرآن للفراء 2/ 138.
6 في شرح ابن الناظم ص520: "وقد شذ تمييز المائة بمفرد منصوب".(2/456)
الفزاري: [من الوافر]
876- إذا عاش الفتى مائتين عامًا فقد ذهب المسرة والفتاء
فـ"عامًا": تمييز منصوب بعد مائتين.
قال ابن مالك1: وذلك يقوي ما أجازه ابن كيسان من نحو: الألف درهما والمائة دينارًا بالنصب. ويؤيده قوله حذيفة رضي الله عنه: "ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة" بالنصب، فأجرى "أل" في تصحيح نصب التمييز مجرى التنوين والنون، وروي بحفض مائة، على زيادة "أل"، أو تقدير مضاف مماثل لمصحوب "أل" أو إبدال مائة من المخفوض على إنابة المفرد عن الجمع مثل: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54]، والحق أن البيت ضرورة، والرواية شاذة.
__________
876- البيت للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى 1/ 254، وخزانة الأدب 7/ 379، 380، 38، 385 والدرر 1/ 534، وشرح ابن الناظم ص520، وشرح عمدة الحافظ ص545، والكتاب 1/ 208، 2/ 162، ولسان العرب 15/ 145، "فتا"، والمقاصد النحوية 4/ 481، وهمع الهوامع 1/ 135، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص299، وأوضح المسالك 4/ 255، وجمهرة اللغة ص1032، وشرح الأشموني 3/ 623، وشرح المفصل 6/ 21، ومجالس ثعلب ص333، والمقتضب 2/ 169، والمنقوص والممدود ص17.
1 شرح التسهيل 2/ 395.(2/457)
فصل:
"فإذا تجاوزت العشرة جئت بكلمتين:
الأولى: النيف" بفتح النون وتشديد الياء مكسورة؛ وقد تخفف1 كـ: هين، وأصله الواو، من ناف ينوف إذا زاد. وقال أبو زيد2: "وهو التسعة فما دونها"، وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات3: النيف من العدد: ما جاوز العقد إلى الثلاثة. هذا قول أهل اللغة، وفي الصحاح والقاموس4: كل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني. انتهى.
والعقد ما كان من مرتبة العشرات أو المئات أو الألوف، "وحكمت لها"، أي للكلمة الأولى وهي النيف، "في التذكير والتأنيث بما ثبت لها قبل ذلك" التركيب، "فأجرت الثلاثة والتسعة وما بينهما على خلاف القياس، و" أجريت "ما دون ذلك" وهو: الأحد5 والاثنان "على القياس, إلا أنك تأتي بأحد وإحدى" بإبدال الواو همزة فيهما.
إلا أن الأول شاذ لازم6 غالبًا. والثاني: مطرد على الأصح كـ: إشاح وإكاف، ولهذا نبهوا على الأصل في أحد فقالوا: وحد. ولم ينبهوا عليه في إحدى، وأتوا بأحد وإحدى مع التركيب "مكان واحد وواحدة" مع الإفراد، خوف الالتباس بالصفة.
"ويبنى الجميع" من النيف والعقد بعد التركيب "على الفتح"، ليعادل خفته ثقل التركيب، أما بناء الكلمة الأولى فلأنها منزلة صدر الكلمة من عجزها، وأما
__________
1 في "ط": "يخفف".
2 في شرح القصائد التسع ص228، أن الجرمي حكى عن أبي زيد: أن النيف ما بين الواحد إلى التسعة.
3 شرح القصائد التسع ص228.
4 الصحاح والقاموس "نوف".
5 في "أ": "الواحد".
6 في "أ": "لا لازم".(2/458)
بناء الثانية فلتضمنها حرف العطف، وقيل: لوقوعها موقع التنوين، "إلا اثنين واثنتين فتعربهما" بالألف رفعًا وبالياء جرًّا ونصبًا "كالمثنى"، لوقوع ما بعدهما موقع النون وليسا مضافين للعقد. وقيل: مضافان إليه. وعليهما فالعقد لتضمنه معنى حرف العطف.
وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن اثنين واثنتين مبنيان مركبان مع العقد كسار أخواتهما1.
ورد بأنهما لو كانا مبنيين لزما الياء لأنها نظير الفتحة في الواحد، ولهذا قالوا: لا يدين بها2 لك "وإلا: ثماني، فلك فتح الياء" لأنها مفتوحة في ثمانية، قاله السهيلي في الروض. "و" لك "إسكانها" كما في: معدي كرب.
"ويقل حذفها مع بقاء كسر النون" لأنها ياء زائدة فحذفت وبقيت الكسرة دليلا عليها فأشبهت: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 6] "و" يقل3 حذفها "مع فتحها"، أي النون لأنها لما كانت تضم الآخر إذا كان الآخر نون، كقوله: [من الرجز]
877- لها ثنايا أربع حسان وأربع فثغرها ثمان
جعلت فتحة بناء على التركيب.
"والكلمة الثانية" من الكلمتين: "العشرة، ويرجع بها إلى القياس" في "التذكير مع المذكر والتأنيث مع المؤنث"، فتجردها من التاء مع المذكر وتؤنثها مع المؤنث، رجوعًا إلى الأصل، لئلا يجمع بين علامتي تأنيث، "وتبنيها على الفتح مطلقًا" سواء أكانت مع انثني واثنتين أم مع غيرهما. أما بناؤها مع اثنين واثنتين فلأنها واقعة موقع النون المحذوفة لشبه الإضافة. والاسم إذا وقع موقع الحرف بني. وأما بناؤها مع غيرهما فلأنها واقعة موقع التنوين، وهو حرف مبني على السكون، وخالفت في البناء حكم ما وقعت موقعه تنبيهًا على الفرعية، واختير الفتح طلبًا للتخفيف.
__________
1 الارتشاف 1/ 366.
2 في "أ", "ب"، "ط": "لها"، والتصويب من لسان العرب 15/ 424 "يدي"، وفيه: "ابن سيده: وقولهم لا يدين لك بها، معناه لا قوة لك بها، لم يحكه سيبويه إلا مثنى، ومعنى التثنية هنا: الجمع والتكثير". وفي الكتاب 2/ 279 أن إثبات النون في هذا القول أحسن وهو الوجه.
3 في "ط" "ونقل".
877- الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 365، وشرح الأشموني 3/ 627، واللسان 4/ 103، "ثغر" 13/ 81، "ثمن"، وتاج العروس. 10/ 32 "ثغر" "ثمن"، وتهذيب اللغة 15/ 107 وشرح التسهيل 2/ 403.(2/459)
"وإذا كانت" العشرة مختومة "بالتاء سكنت" أنت "شينها في لغة الحجازيين"، فإنهم ينطقون بها ساكنة كراهة، توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة.
"وكسرتها في لغة" أكثر بني "تميم"1 تشبيها بتاء كيف. "وبعضهم"، وهم الأقلون من بني تميم "يفتحها". إبقاء لها على أصلها من الفتح، وبذلك قرأ يزيد بن القعقاع: "فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنًا"2 [البقرة: 60] وبعضهم يسكن العين من عشرة فيقول: أحدَ عْشَرَ، احترازًا من توالي المتحركات. قاله في المفصل3.
"وقد تبين بما4 ذكرنا أنك تقول": عندي "أحد عشر عبدًا، واثنا عشر رجلا، بتذكيرهما" أي: النيف والعقد من المثالين، و"ثلاثة عشر عبدًا بتأنيث الأول" وهو ثلاثة، "وتذكير الثاني" وهو عشر. "وتقول": عندي "إحدى عشرة أمة، واثنتا عشرة جارية، بتأنيثهما، أي: النيف والعقد من المثالين.
وإنما جمعوا بين تأنيثين في: إحدى عشرة لاختلاف لفظي العلامتين، وفي اثنتا عشر إما لأن التاء بدل من الياء، وليست للتأنيث. أو لأنها زائدة للإلحاق بـ"أصبهان". وإما لأن "اثنان واثنتان" معربان، وعشرة مبنية، والمبني غير المعرب فكأنهما اسمان: مضاف ومضاف إليه، وإما لأنهما متضايفان حقيقة بدليل حذف النون.
قال الموضح: كل ذلك قد قيل، والسؤال عندي من أصله ليس بالقوي لأنهم قالوا في اسم الفاعل: خامس عشر في المذكر، وخامسة عشرة في المؤنث فأنثوا الكلمتين جميعًا وبنوهما على الفتح، وذلك مجمع عليه، وكذا في الباقي فدل على أنهم اعتبروا حالة الكلمتين قبل التركيب. انتهى.
"و" تقول: عندي "ثلاث عشرة جارية، بتذكير" الجزء "الأول وتأنيث" الجزء "الثاني" وإلى هذا الفصل أشار الناظم بقوله:
__________
1 شرح ابن عقيل 2/ 409، وشرح ابن الناظم ص521، والارتشاف 1/ 365.
2 لم تنسب هذه القراءة إلى يزيد، بل إلى الأعمش، وابن فضل الأنصاري، انظر البحر المحيط 1/ 229, والكشاف 1/ 71، والمحتسب 1/ 85، وقد نسب إلى يزيد أنه قرأها "عشرة"؛ بكسر الشين، انظر المصادر السابقة، وحاشية يس 2/ 274.
3 لم أجده في المفصل خلال حديثه عن العدد، انظر المفصل ص212-216, وفي لسان العرب 4/ 568 "عشر": "قال ابن السكيت: ومن العرب من يسكن العين فيقول أحد عشر، وكذلك يسكنها إلى تسعة عشر، وقال الأخفش: إنما سكنوا العين لما طال الاسم وكثرت حركاته".
4 في "ط": "مما".(2/460)
729- وأحد اذكر وصلنه بعشر ...............................
الأبيات الستة1.
"فإذا جاوزت التسعة عشر في التذكير، والتسع عشرة في التأنيث، استوى لفظًا المذكر والمؤنث تقول": عندي "عشرون عبدًا"، وعشرون أمة وثلاثون عبدًا "وثلاثون أمة". والمدار في التذكير والتأنيث على التمييز، "وتمييز ذلك كله مفرد منصوب نحو: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4]، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]، {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}" [الأعراف: 142]، {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]، {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32]، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، "{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً}" [ص: 23].
"وأما قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا" أُمَمًا} [الأعراف: 160]، "فـ: أسباطا" ليس بتمييز لأنه جمع؛ وإنما هو "بدل من اثنتي عشرة"، بدل كل من كل، "والتمييز محذوف أي: اثنتي عشرة فرقة"، قاله الشلوبين وابن أبي الربيع وغيرهما. "ولو كان: أسباطًا، تمييزًا" عن اثنتي عشرة، "لذكر"؛ بتشديد الكاف؛ "العددان" ولقيل: اثني عشر بتذكيرهما وتجريدهما من علامة التأنيث، "لأن السبط" واحد الأسباط "مذكر"، فكان يجب أن تجرد التاء من عدده.
"وزعم الناظم" في شرح الكافية2 "أنه" لا حذف، وأن أسباطا "تمييز، وأن ذكر "أمما" رجح حكم التأنيث" في أسباطًا لكونه وصف بـ"أمما" جمع أمة، "كما رجحه"؛ أي التأنيث، في شخوص "ذكر كاعبان ومعصر في قوله": [من الطويل]
__________
1 الأبيات هي:
............................ مركبا قاصد معدود ذكر
وقل لدى التأنيث إحدى عشره والشين فيها عن تميم كسره
ومع غير أحد وإحدى ما معهما فعلت فافعل قصدا
ولثلاثة وتسعة وما بينهما إن ركبا ما قدما
وأول عشرة اثنتي وعشرا إثني إذا أنثى تشا أو ذكرا
واليا لغير الرفع وارفع بالألف والفتح في جزءي سواهما ألف
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1664.(2/461)
878- فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وكان القياس: ثلاثة شخوص، لأن الشخص مذكر، ولكنه لما فسره بـ: كاعبان ومعصر، وهما مؤنثان رجح تأنيثه، وما ذكره الناظم في الآية، مخالفًا في شرح التسهيل1 "إن أسباطا بدل لا تمييز"، انتهى.
والقول بالبدلية من اثنتي عشرة مشكل على قولهم: إن المبدل منه في نية الطرح غالبًا، ولو قيل: وقطعناهم أسباطًا لفاتت فائدة كمية العدد، وحمله على غير الغالب لا يحسن تخريج القرآن عليه.
والقول بأنه تمييز مشكل على قولهم: إن تمييز العدد المركب مفرد، وأسباطًا جمع، وقال الحوفي: "يجوز أن يكون أسباطا نعت الفرقة، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وأمما: نعت الأسباط وأنت العدد وهو واقع على الأسباط، وهو مذكر لأنه بمعنى فرقة أمة كقوله: [من الوافر]
879- ثلاثة أنفس........... ...........................
يعني رجالا. انتهى.
فارتكب الوصف بالجامد، والكثير خلافه، وذهب الفراء إلى جواز جميع التمييز وظاهر الآية يشهد له، ويشهد له أيضًا ما روي من قول ابن مسعود؛ رضي الله تعالى عنه.
"قضى في دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض" وتخريج أبي حيان على أن: بني مخاض: حال من عشرين، أو نعت لها، والتمييز محذوف خلاف الأصل، وإلى تمييز المركب أشار الناظم بقوله:
736- وميزوا مركبا بمثل ما ميز عشرون فسوينهما
__________
878- تقدم تخريج البيت برقم 874.
1 شرح التسهيل 2/ 293.
879- تمام البيت:
ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد جار الزمان على عيالي
وتقدم تخريجه برقم 872.(2/462)
فصل:
"ويجوز في العدد المركب، غير اثني عشر واثنتي عشرة، وأن يضاف إلى مستحق المعدود، فيستغنى عن التمييز، نحو: هذه أحد عشر زيد"، فـ"هذه" مبتدأ، وأحد عشر، خيره: وزيد: مضاف إليه. وإنما لم يضف: اثنا عشر واثنتا عشرة لأن ما بعد اثنين واثنتين واقع موقع النون، فكما أن الإضافة تمتنع مع النون فكذلك تمتنع مع ما وقع موقعها، ولا كذلك الباقي. "ويجب" حينئذ "عند البصريين البناء في الجزأين" معًا، كما يبقى مع التمييز.
"وحكى سيبويه1 الإعراب في آخر" الجزء "الثاني" بحسب العوامل، وإبقاء الجزء الأول على بنائه على الفتح "كما في: بعلبك" فتقول: هذه أحد عشر زيد، ورأيت أحد عشر زيد، ومررت بأحد عشر زيد. بفتح أحد في الجميع، ورفع عشر في الأول ونصبه في الثاني وجره في الثالث. والفتح في النصب على هذه اللغة غير الفتحة في اللغة الأولى، لأن تلك فتحة بناء وهذه فتحة إعراب. "وقال" سيبويه2 في هذه اللغة: "هي لغة رديئة" وقال الأخفش: حسنة.
واختارها ابن عصفور3 وزعم أنها الفصحى، ووجه ذلك بأن الإضافة ترد الأسماء إلى أصلها من الإعراب، ورده ابن مالك في شرح التسهيل4 بأن المبني قد يضاف نحو: كم رجل عندك، انتهى.
وقد يفرق بين ما بناؤه أصلي فلا يرد إلى الإعراب، وما بناؤه عارض بسبب التركيب فيرد إليه بأدنى ملابسة. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
737- وإن أضيف عدد مركب يبق البنا وعجز قد يعرب
__________
1 الكتاب 3/ 299.
2 الكتاب 3/ 299، وانظر شرح ابن الناظم ص523.
3 المقرب 2/ 309.
4 شرح التسهيل 2/ 419.(2/463)
"وحكى الكوفيون وجهًا ثالثًا وهو أن يضاف" الجزء "الأول إلى" الجزء "الثاني"، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل، ويجر الجزء الثاني بالإضافة "كما في: عبد الله، نحو" ما حكى الأخفش1 أنه سمع ممن سمع من أبي فقعس الأسدي، وأبي2 الهيثم العقيلي: "ما فعلت خمسة عشرك"، برفع خمسة. وجر عشرك3.
"وأجازوا أيضًا هذا الوجه"، وهو إعراب المتضايفين "دون إضافة" إلى مستحق المعدود نحو: هذه خمسة عشر، ورأيت خمسة عشر، ومررت بخمسة عشر، بجر عشر في الأحوال الثلاثة، وإعراب خمسة بحسب العوامل، "استدلالا بقوله"؛ وهو نفيع بن طارق على ما قيل: [من الرجز]
880- كلف من عنائه وشقوته بنت ثماني عشرة من حجته
فـ: "بنت": مفعول ثان بـ"كلف"، ومفعوله الأول مستتر فيه قائم مقام الفاعل، وثماني: مضاف إليه4، وعشرة: بالتنوين مجرورة بإضافة ثماني إليها، ولم يضف إلى مستحق المعدود. والعناء، بفتح العين المهملة: التعب والمشقة. والشهوة، بكسر الشين المعجمة: الشقاوة.
وقول ابن مالك في التسهيل5: ولا يجوز بإجماع ثمان يعشر إلا في الشعر. مردود فإن الكوفيين أجازوا ذلك مطلقًا في الشعر وغيره، كما قال الموضح فليس نقل الإجماع بصحيح.
__________
1 نسب هذا القول إلى الفراء في شرح ابن الناظم ص523.
2 في "ط": "ابن".
3 بعده في شرح ابن الناظم ص523: "والبصريون لا يرون ذلك، بل يستصحب عندهم البناء في الإضافة كما يستصحب مع الألف واللام بإجماع".
880- الرجز لنفيع بن طارق في الحيوان 6/ 463، والدرر 2/ 491، والمقاصد النحوية 4/ 488، وبلا نسبة في لسان العرب 14/ 438 "شقا"، والإنصاف 1/ 309، وأوضح المسالك 4/ 259، وتهذيب اللغة 9/ 209، وخزانة الأدب 6/ 430، وشرح الأشموني 3/ 627، وشرح التسهيل 2/ 402، والمخصص 14/ 92، 14/ 102، وهمع الهوامع 2/ 149.
4 في "ب", "ط": "إليها".
5 التسهيل ص118.(2/464)
فصل:
"ويجوز أن تصوغ" أي تشتق "من لفظ اثنين وعشرة وما بينهما اسم فاعل"
على وزن فاعل، "كما تصوغه من فعل" المفتوح العين، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
738- وصغ من اثنين فما فوق إلى عشرة كفاعل من فعلا
"فتقول: ثان وثالث ورابع إلى العاشر، كما تقول" من فعل المتعدي: "ضارب، و" من اللازم: "قاعد"، إلا أن الاشتقاق من أسماء العدد سماعي، لأنه من قبيل الاشتقاق من أسماء الأجناس كـ: "تربت يداك"1 من التراب، واستحجر الطين من الحجر، على ما هو مبين في علم الاشتقاق، ويستثنى من ذلك ما إذا أريد به معنى فاعل فإن له فعلا، كما صرح به في التسهيل2, فيكون مصوغًا من المصدر.
قال في شرح التسهيل3: وقولهم مصوغ من العدد تقريب على المتعلم، وفي الحقيقة أنه مصوغ من الثلث إلى العشر، وهي مصادر: ثلثت الاثنين إلى عشرت التسعة. انتهى.
وفي الصحاح4: عشرت القوم أعشرهم عشرًا إذا صرت عاشرهم.
"و" اسم الفاعل من العدد "يجب فيه أبدًا أن يذكر مع المذكر ويؤنث مع المؤنث" على القياس. "كما يجب ذلك مع ضارب ونحوه" من أسماء الفاعلين.
"فأما ما دون الاثنين فإنه وضع على ذلك" الحكم "من أول الأمر فقيل" في المذكر: "واحد، و" في المؤنث: "واحدة"، وهما من: وحد يحد.
__________
1 من حديث أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم 4802 ومسلم في الرضاع برقم 1466، وتمامه: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
2 التسهيل ص121.
3 شرح التسهيل 2/ 413.
4 الصحاح "عشر".(2/465)
"ولك في اسم الفاعل المذكور" وهو: ثان1 وعاشر2 وما بينهما، "أن تستعمله بحسب المعنى الذي تريده على سبعة أوجه:
أحدها: أن تستعمله مفردًا" عن الإضافة "ليفيد الاتصاف بمعناه مجردًا" عن الاتصال بالعشرة، "فتقول: ثالث ورابع"، ومعناه حينئذ واحد موصوف بهذه الصفة وهي كونه ثالثًا ورابعًا، "قال" النابغة الذبياني: [من الطويل]
881- توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
والمعنى: وقع في وهمي أي: ذهني، علامات للمرأة فعرفت العلامات بعد ستة أعوام، وهذا العام الذي أنا فيه سابع.
الوجه "الثاني: أن تسعمله مع أصله" الذي صيغ هو منه، "ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
740- وإن ترد بعض الذي منه بني تضف إليه.....................
"فتقول: خامس خمسة أي: بعض جماعة منحصرة في خمسة" أي: واحد من خمسة لا زائد عليها، "ويجب حينئذ إضافته إلى أصله"؛ كما مثل؛ "كما يجب إضافة البعض إلى كله" كـ: يد زيد. "قال الله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ}" [التوبة: 40], فـ: "ثاني" حال من الهاء في "أخرجه"، و"اثنين" مضاف إليهما "وقال" الله "تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}" [المائدة: 73]، فـ"ثالث" خبر "إن"، و"ثلاثة" مضاف إليه.
"وزعم الأخفش وقطرب" من البصريين، "والكسائي وثعلب" من الكوفيين. "أنه يجوز إضافة الأول" وهو الفرع، "إلى الثاني" وهو الأصل، "ونصبه إياه"3. فعلى هذا يجوز: ثالث ثلاثة, بجر ثلاثة ونصبها، ونصبه إياه فعلى هذا يجوز: ثالث ثلاثة، بجر ثلاثة ونصبها. "كما يجوز في: ضارب زيد" جر زيد ونصبه.
__________
1 في "ط": "ثاني".
2 في "ب": "عشر".
881- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص31، وخزانة الأدب 2/ 453، وشرح أبيات سيبويه 1/ 447، والصاحبي في فقه اللغة ص113، والكتاب 2/ 86، ولسان العرب 4/ 569 "عشر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 406، 4/ 482، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 261، وشرح شواهد الشافية ص108، والمقتضب 4/ 422، والمقرب، وتاج العروس "لوم".
3 الارتشاف 1/ 367.(2/466)
"وزعم الناظم" في التسهيل1 "أن ذلك جائز في ثان فقط" دون غيره. وعلله في شرح التسهيل2: بأن العرب تقول: ثنيت الرجلين، إذا كنت الثاني منهما، يعني ولا تقل ثلثت الرجلين3، إذا كنت الثالث منهم.
ثم قال4: فمن قال: ثاني اثنين بهذا المعنى عذر لأنه له فعلًا، ومن قال: ثالث ثلاثة1 لا يعذر لأنه لا فعل له. وتعقبه أبو حيان فقال6: ثنيت الرجلين، مخالف لنقل النحاة، ثم هو ليس نصًا في: ثنيت الاثنين، حتى يبنى عليه جواز: ثنيت الاثنين. قال الموضح: وما نقله ابن مالك عن العرب قاله ابن القطاع في كتاب الأفعال7. وإذا جاز ثنيت الرجلين، جاز ثنيت الاثنين، ولا يتوقف في ذلك إلا ظاهري جامد. انتهى.
الوجه "الثالث: أن تستعمله8 مع ما دون أصله" الذي صيغ منه بمرتبة واحدة، "ليفيد معنى التصيير" والتحويل. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
741- وإن ترد جعل الأقل مثل ما فوق فحكم جاعل له أحكما
"فتقول: هذا رابع ثلاثة" بتنوين رابع ونصب ثلاثة، "أي: جاعل الثلاثة بنفسه أربعة، قال الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ}" [المجادلة: 7]، أي إلا هو مصيرهم أربعة ومصيرهم ستة.
"ويجوز حينئذ"، أي حين إذا كان بمعنى مصير "إضافته" إلى ما دونه "وإعماله" بشرط كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، واعتماده على نفي أو استفهام، أو ذي خبر أو حال أو موصوف. "كما يجوز الوجهان": وهما الإضافة والإعمال "في جاعل ومصير ونحوهما" من أفعال التحويل والانتقال.
__________
1 التسهيل ص121.
2 شرح التسهيل 2/ 412.
3 في جميع النسخ: "الرجال", والتصويب من شرح ابن الناظم ص523 الذي أجاز أن يقال: "ثلثت الرجلين إذا انضممت إليهما، فصرتم ثلاثة".
4 شرح التسهيل 2/ 412.
5 في "أ": "ثالثة".
6 الارتشاف 1/ 373.
7 في كتاب الأفعال 1/ 144 أن هذا كلام العرب، والقياس غيره.
8 في "أ": "يستعمل"، والتصويب من "ب", "ط"، وأوضح المسالك 4/ 262.(2/467)
"ولا يستعمل بهذا الاستعمال ثان، فلا يقال: ثاني واحد، ولا: ثان واحدًا". نص على ذلك سيبويه1. "وأجازه بعضهم"، وهو الكسائي "وحكاه عن العرب" فقال2: تقول ثاني واحد. وحكى الجوهري3: ثان واحدًا.
وإنما ساغ عمل فاعل من العدد لأن له فعلا، كما أن جاعلا، كذلك، يقال: كانوا تسعة وعشرين فثلثتهم، أي: فصيرتهم ثلاثين، أثلثهم، فأنا ثالثهم. وهكذا إلى كانوا تسعة وثمانين فتسعتهم، أي: فصيرتهم تسعين أتسعهم، فأنا تاسعهم. إلا أن المضارع من ربعتهم وسبعتهم وتسعتهم مفتوح العين لا مكسورها. فإذا تجاوزت ذلك قلت: كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم، على أفعلتهم، وكذا كانوا تسعمائة وتسعًا وتسعين فآلفتهم، فأنا ممءٍ ومؤلفٌ.
ومن الغريب ما وقع في شرح موجز ابن السراج لأبي الحسن بن الأهوازي: كان القوم عشرة فحدعشتهم إلى تسعشتهم، وهم محدعشون، وأنا محدعش ومتسعش، قال: وكذا العقود، يقال: معشرن ومثلثن، ومن المائة والألف: ممء ومؤلف، لأن فعلهما: أمأى وأألف. انتهى.
والوجه "الرابع: أن تستعمله مع العشرة ليفيد الاتصاف بمعناه" حال كونه "مقيدًا بمصاحبة العشرة". وهو أنه واحد موصوف بهذه الصفة. "فتقول: حادي عشر، بتذكيرهما" على القياس، "وحادية عشرة، بتأنيثهما" على القياس أيضًا. "وكذا تصنع في البواقي: تذكر اللفظين مع المذكر، وتؤنثهما مع المؤنث4. تقول: الجزء الخامس عشر" بتذكيرهما، "والمقاومة السادسة عشرة" بتأنيثهما. "وحيث استعملت الواحد أو الواحدة مع العشرة أو مع ما فوقها كالعشرين، فإنك تقلب فاءهما" وهي الواو، "إلى موطن لامهما" وهي الدال. وتقول: حادو وحادوة "وتصيرها" أي الواو "ياء"، لأن إذا تطرفت إثر الكسر5 قلبت ياء، وتاء التأنيث في حكم الانفصال، إلا أنك تعل حاديًا إعلال قاض، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين وهما: الياء والتنوين ولا تعل حادية لتحرك الياء.
__________
1 الكتاب 3/ 559.
2 انظر الارتشاف 1/ 372-373.
3 الصحاح "ثنى".
4 في "أ": المؤنثة".
5 في "ط": "الكسرة".(2/468)
"فتقول: حاد" بحذف الياء، ووزنه: عالف، "وحادية"، بإثبات الياء ووزنها: عالفة لأنهما من الوحدة، وحكى الكسائي عن بعض العرب: واحد عشر على الأصل. فلم يلتزم القلب كل العرب1.
الوجه "الخامس: أن تستعمله معها"، أي مع العشرة، "ليفيد معنى: ثاني اثنين، وهو انحصار العدة فيما ذكر، ولك في هذه الحالة ثلاثة أوجه:
أحدها؛ وهو الأصل؛ أن تأتي بأربعة ألفاظ: أولها: الوصف"، وهو اسم الفاعل. والثاني: العشرة، حال كون الوصف "مركبًا مع العشرة، و" اللفظ "الثالث: ما اشتق منه الوصف، و" الرابع: العشرة حال كون ما اشتق منه الوصف "مركبًا أيضًا مع العشرة. وتضيف جملة التركيب الأول"، وهو الوصف المركب مع العشرة "إلى جملة التركيب الثاني"، وهو ما اشتق منه الوصف المركب مع العشرة. "فتقول: ثالث عشر ثلاثة عشر2" فالوصف هو: ثالث، وما اشتق منه هو: ثلاثة، وكل منهما مركب مع العشرة، وهذه الألفاظ الأربعة مبنية على الفتح، وجملة التركيب الأول مضافة، وجملة التركيب الثاني مضاف إليها.
الوجه "الثاني" من هذه الحالة: "أن تحذف عشر من" التركيب "الأول استغناء به في" التركيب "الثاني"، وتعرب الجزء الأول من أول التركيبين لزوال التركيب منه وتضيفه إلى جملة التركيب الثاني، فتقول: هذا ثالث ثلاثة عشر برفع: ثالث، بلا تنوين، وبناء: ثلاثة عشر. قال أبو حيان3: وهذا الوجه أكثر استعمالا وجائز اتفاقًا، وإعراب اسم الفاعل فيه لعدم التركيب، وقياس من أجاز الإعمال في: ثاني اثنين، أن يجيزه هنا. انتهى.
الوجه "الثالث" من هذه الحالة: "أن تحذف العقد"، وهو العشرة "من" التركيب "الأول، و" تحذف "النيف"، وهو الثلاثة في مثالنا، "من" التركيب "الثاني. ولك في هذا الوجه" المشتمل على الحذفين المذكورين "وجهان:
أحدهما: أن تعربهما لزوال مقتضى البناء" وهو: التركيب "فيهما فتجري الأول" وهو الوصف "بمقتضى حكم العوامل" في الرفع والنصب والجر. "وتجر الثاني"
__________
1 انظر شرح المرادي 4/ 322.
2 أنكر ثعلب ذلك وقال: "إنما الوجه: ثالث ثلاثة عشر لا غير". انظر كتاب الحلل ص236.
3 الارتشاف 1/ 371.
4 إضافة من "ط".(2/469)
وهو العقد، "بالإضافة" دائمًا فتقول: جاءني ثالث عشر، ورأيت ثالث عشر، ومررت بثالث عشر، بجر عشر في الأحوال الثلاثة. "و" إعراب ثالث بحسب العوامل، جزم بذلك ابن عصفور1. قال أبو حيان2: وينبغي أن لا يقدم على هذا إلا بسماع لما فيه من الإجحاف.
الوجه "الثاني" من هذين الوجهين: "أن تعرب" الجزء "الأول"، وهو الوصف، بحسب العوامل، "وتبني" الجزء "الثاني" وهو: العقد على الفتح، "حكاه الكسائي، و" يعقوب "بن السكيت، وابن كيسان3، ووجه أنه" أعرب الأول لزوال التركيب، "وقدر ما حذف من الثاني فبقي البناء بحاله" لنية الصدر. ونظيره: لا حول ولا قوة إلا بالله. فيمن فتح قوة. فإنه بنى مع كلمة أخرى ثم حذفها، وبقي البناء بحاله. قاله ابن مالك4.
قال أبو حيان5: "ولا يقاس على هذا الوجه لقلته. وزعم بعضهم"، وهو أبو محمد بن السيد6، "أنه يجوز بناؤها لحلول كل منهما محل المحذوف من صاحبه". فتقول: جاء ثالث عشر، ورأيت ثالث عشر، ومررت بثالث عشر، ببناء الجزأين على الفتح في الأحوال الثلاثة.
"وهذا مردود لأنه لا دليل حينئذ"، أي حين إذ بنيا، "على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين، بخلاف ما إذا أعرب" الجزء "الأول" فإنه يدل على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين.
"ولم يذكر الناظم" في التسهيل "وابنه" في شرح النظم "هذا الاستعمال الثالث"، وهو أن يحذف العقد من الأول، والنيف من الثاني، "بل ذكرا مكانه"، في الكتابين المذكورين7: "أنك تقتصر على التركيب الأول، باقيًا بناء صدره، وذكرا"، أي الناظم وابنه "أن بعض العرب يعربه" زاد ابنه: حكى ذلك ابن السكيت وابن
__________
1 المقرب 2/ 317.
2 الارتشاف 1/ 371.
3 في شرح ابن الناظم ص525: "حكى ذلك ابن السكيت وابن كيسان".
4 تخليص الشواهد ص405-406.
5 الارتشاف 1/ 371.
6 كتاب الحلل ص235، 236.
7 التسهيل ص121، و شرح ابن الناظم ص525.(2/470)
كيسان1. قال الموضح: "والتحرير ما قدمته" من الاستعمال الثالث بوجهيه. وأن ما حكاه ابن السكيت وابن كيسان من إعراب الأول إنما هو فيما إذا حذف العقد من الأول والنيف من الثاني، لا فيما إذا اقتصر على التركيب الأول خاصة. وما ذكره الناظم وابنه يجب حمله على تركيب واحد، وإلا فقد قال أبو حيان2: إنه باطل، لأنه يلتبس بما ليس أصله تركيبتين. ورده الموضح في الحواشي بأن الذي أجازه ابن مالك في التسهيل لا يمنعه بشر وأنه يقال: حادي عشر، وليس في كلامه ما يقتضي أنه منتزع من تركيبين: انتهى. وعبارة النظم ناطقة بما قال أبو حيان: فإن قوله:
744- وشاع الاستغنا بحادي عشرا .....................................
معناه: استغنى بحادي عشر عن بقية التركيب، وتلخص في هذه المسألة خمسة أوجه:
الأول: الإتيان بأربعة ألفاظ، وإليه يشير قول الناظم.
742- ................................... ........... فجيء بتركيبين
وهو قليل الاستعمال، حتى إن بعضهم منعه.
الثاني: أن تحذف عقد الأول. وإليه يشير قول الناظم:
743- أو فاعلًا بحالتيه أضف إلى مركب .............
الثالث: حذف هذا ونيف الثاني، وبناء ما بقي.
الرابع: حذفهما وإعراب ما بقي.
الخامس: إعراب الوصف مع حذف عقده وبناء عشر مع حذف نيفه.
الوجه "السادس" من أوجه استعمال اسم3 الفاعل: "أن تستعمله معها؛ أي مع العشرة "لإفادة معنى: رابع ثلاثة"، فيكون بمعنى: جاعل، وليس بمسموع. فتأتي أيضًا بأربعة ألفاظ، ولكن يكون" اللفظ "الثالث منها دون ما اشتق منه الوصف فتقول: رابع عشر ثلاثة عشر. أجاز ذلك سيبويه"4, وجماعة من المتقدمين قياسًا، "ومنعه بعضهم"، وهم الكوفيون وأكثر البصريين، وقوفًا مع السماع5. "وعلى الجواز فيتعين بالإجماع أن يكون التركيب الثاني" من التركيبين "في موضع خفض"،
__________
1 شرح ابن الناظم ص525.
2 الارتشاف 1/ 371.
3 سقط من "ط".
4 الكتاب 3/ 559.
5 في كتاب الحلل ص236-237: "أكثر النحويين على أنه لا يجوز".(2/471)
بإضافة التركيب الأول إليه. ويمتنع النصب وإن كان الوصف فيه بمعنى جاعل، لأن عمل الوصف إنما يتأتى مع تنوينه أو اقترانه بـ"أل"، وهما منتفيان مع التركيب، ومن ثم أجاز بعض النحويين1: هذا ثان أحد عشر وثالث اثني عشر، بتنوين الوصف ونصب ما بعده لعدم تركيب الوصف مع العشرة.
"ولك" إذا أتيت بتركيبين "أن تحذف العشرة من" التركيب "الأول" فتقول: رابع ثلاثة عشر، "وليس لك مع ذلك" الحذف للعشرة من الأول. "أن تحذف النيف من" التركيب "الثاني". وتقول: رابع عشر، بفتحهما، "للإلباس" بما ليس أصله تركيبين.
ومقتضى البناء في الجزأين الباقيين حلول كل منهما محل المحذوف من صاحبه. ويزول الإلباس بإعراب الأول، كما ذكر في الوجه الخامس، ولم أره مسطورًا.
الوجه "السابع: أن تستعمله مع العشرين وأخواتها" إلى التسعين. "فتقدمه" في اللفظ، "وتعطف عليه العقد بالواو خاصة"، فتقول حاد وعشرون وحادية وعشرون وكذا الباقي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
744- .............................. ..... وقبل عشرين اذكرا
745- وبابه الفاعل من لفظ العدد بحالتيه قبل واو يعتمد
وهذا لا يختص باسم الفاعل، بل للعشرين وأخواتها مع النيف ثلاثة أحكام: وجوب تأخيرها عنه لأن الأقل سابق للأكثر طبعًا، ووجوب عطفها عليه ليرتبطا ووجوب كون العاطف الواو، لأنه عدد واحد والواو للجمع.
__________
1 منهم ثعلب، انظر كتاب الحلل ص236.(2/472)
باب كنايات العدد وهي ثلاث كم وكأي وكذا:
ولكل منها كلام يخصها، وشرح يكشف عن حقيقة أمرها.
"أما "كم" فتنقسم إلى: استفهامية بمعنى: أي عدد"، قليلا كان أو كثيرًا, ويستعملها من يسأل عن كمية الشيء "و" إلى "خبرية بمعنى" عدد "كثير". ويستعملها من يريد الافتخار والتكثير. "ويشتركان في خمسة أمور":
أحدها: "كونهما كنايتين عن عدد مجهول الجنس" والحقيقة، "والمقدار" والكمية.
"و" الثاني: كونهما مبنيين"، وسب بنائهما مشابهة الحرف في المعنى. وهو في الاستفهامية حرف الاستفهام، وفي الخبرية حرف التكثير الذي كان يستحق الوضع، أو في الوضع على حرفين.
"و" الثالث: "كون البناء" فيهما "على السكون"، وهو الأصل في البناء.
"و" الرابع: "لزوم التصدير"، فكل منهما له صدر الكلام.
"و" الخامس: "الاحتياج إلى التمييز"، لأن كل منهما عدد مجهول.
"ويفترقان أيضًا في خمسة أمور:
أحدها: أن "كم" الاستفهامية تميز بمنصوب مفرد"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
746- ميز في الاستفهام كم بمثل ما ميزت عشرين......................(2/473)
"نحو: كم عبدًا ملكت"، بفتح تاء الخطاب، أما إفراده فلازم خلافًا للكوفين، فإنهم يجيزون جمعه نحو: "كم شهودًا لك"، والصحيح مذهب جمهور البصريين، وما أوهم الحقيقة يحمل على الحال، ويجعل التمييز محذوفًا.
وذهب الأخفش إلى جواز جمعه إن كان السؤال عن الجماعات، نحو: "كم غلمانًا لك"؟ إذا أردت أصنافًا من الغلمان1.
وأما نصبه ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه لازم، ولا يجوز جره مطلقًا، وهو مذهب بعض النحويين.
والثاني: أنه ليس بلازم، بل يجوز جره مطلقًا حملا على الخبرية، وإليه ذهب الفراء، والزجاج، والفارسي2.
"و" الثالث: أنه "يجوز جره بـ"من" مضمرة جوازًا، إن جرت "كم" بحرف"3. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
747- وأجز أن تجره من مضمرا إن وليت كم حرف جر مظهرا
"نحو: بكم درهم اشتريت ثوبك"؟ هذا هو المشهور، ولم يذكر سيبويه جره، إلا إذا دخل على "كم" حرف جر، ليكون حرف الجر الداخل على "كم" عوضًا من اللفظ بـ"من" المضمرة، وذهب الزجاج إلى أن جر التمييز إنما هو بإضافة "كم" إليه. ورد بأن "كم" بمنزلة عدد مركب، والعدد المركب لا يعمل الجر في مميزه، فكذلك ما كان بمنزلته، قاله ابن خروف4.
"وتميز الخبرية بمجرور" بإضافتها إليه حملا لـ"كم" على ما هي مشابهة له من العدد. وقال الفراء5: على إضمار "من"، لأن "من" كثر دخولها على تمييز "كم" الخبرية، فجاز إضمارها لدلالة الحال عليه. وهذا القول نقله ابن الخباز في شرح الجزولية. وابن مالك فلي شرح الكافية6، عن الخليل. "مفرد أو مجموع".
__________
1 في الكتاب 2/ 159: "ولم يجز يونس والخليل رحمهما الله: كم غلمانا لك، لأنك لا تقول: عشرون ثيابًا لك... ويقبح أن تقول: كم غلمانًا لك".
2 انظر المسائل المنثورة ص76-77، وشرح المرادي 4/ 324، وكتاب الحلل ص239.
3 كتاب الحلل ص239.
4 شرح ابن الناظم ص527.
5 الارتشاف 1/ 379.
6 شرح الكافية الشافية 4/ 1710.(2/474)
لأن "كم" بمنزلة عدد يضاف إلى مميزه تارة إلى جمع كالعشرة فما دونها، وتارة إلى مفرد، كالمائة فما فوقها. فاستعمل بالوجهين إجراء له مجرى الضربين. "نحو: كم رجال جاؤوك". كما يقال: عشرة رجال جاؤوك. "وكم امرأة جاءتك". كما يقال: مائة امرأة جاءتك.
"والإفراد أكثر" في الاستعمال "وأبلغ" في المعنى من الجمع، حتى ادعى بعضهم أن الجمع على نية معنى الواحد, فكم رجال، على معنى: كم جماعة من الرجال، ودخل في المفرد ما يؤدي معنى الجمع نحو: كم قوم صدقوني. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
748- واستعملنها مخبرًا كعشره أو مائة.........................
"و" الأمر "الثاني: أن الخبرية تختص بـ" الزمن "الماضي كـ: رب" بجامع التكثير فيهما، فلهذا "لا يجوز: كم غلمان سأملكهم، كما لا يجوز: رب غلمان سأملكهم"، لأن التكثير والتقليل إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، "ويجوز" في الاستفهامية: "كم عبدًا ستشتريه"، لأن الاستفهام لتعيين المجهول.
"و" الأمر "الثالث" مما تختص به الخبرية: "أن المتكلم بها لا يستدعي"، أي لا يطلب "جوابًا من مخاطبه" لأنه مخبر بخلاف المتكلم بالاستفهامية فإنه مستخبر.
"و" الأمر "الرابع: أنه"؛ أي المتكلم بالخبرية؛ "يتوجه إليه التصديق والتكذيب"، لأنه منشئ، والإنشاء لا يحتمل ذلك.
"و" الأمر "الخامس" مما تختص به الخبرية: "أن المبدل منها لا يقترن بهمزة الاستفهام" لأنه خبر، والخبر لا يتضمن معنى الاستفهام. "تقول: كم رجال في الدار عشرون بل ثلاثون". بخلاف المبدل من الاستفهامية فإنه يجب اقترانه بهمزة الاستفهام، لتضمنها معنى الاستفهام. "و" لهذا "يقال: كم مالك أعشرون أم ثلاثون"؟ فـ"كم" في موضع رفع بالابتداء، و"مالك "خبره، عند سيبويه1، وعند الأخفش بالعكس. و"أعشرون" بدل من "كم"، و"أم" عاطفة وفيها معنى الاستفهام وتسمى معادلة الهمزة. و"ثلاثون" معطوف على "عشرون".
تنبيه:
"يروى قول الفرزدق"، وهو همام بن غالب التميمي، في هجو جرير: [من الكامل]
__________
1 الكتاب 2/ 160.(2/475)
882- كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري
"بجر: عمة وخالة، على أن "كم" خبرية، وبنصبهما. فقيل: إن تميمًا نصب مميز الخبرية مفردًا"، أي: كثيرًا من عماتك وخالاتك من جملة خدمي1.
"وقيل: على الاستفهام التهكمي"، أي: أخبرني بعدد عماتك وخالاتك اللاتي كن يخدمنني فقد نسيته. "وعليهما": أي الجر والنصب، "فهي": أي "كم" مبتدأ، و" جملة "قد حلبت: خبر، و" أفرد الضمير حملا على لفظ "كم". أو "التاء" في: حلبت "للجماعة، لأنهما" في المعنى: "عمات وخالات، و" يروى "برفعهما على الابتداء"، لتخصيص المعطوف عليه بوصفه بـ: لك، وبـ: فدعاء، محذوفة مدلول عليها بالمذكورة، إذ ليس المراد تخصيص الخالة بوصفها بالفدع، كما حذف: "لك" مع خالة استدلالا عليها بـ"لك" الأولى. "و" قد "حلبت: خبر للعمة أو الخالة، وخبر الأخرى محذوف. وإلا لقيل: قد حلبتا" لأن المخبر عنه في هذا الوجه متعدد لفظًا ومعنى، نظيره: زينب وهند قامت. "والتاء في: حلبت" على هذا "للوحدة، لأنها عمة واحدة وخالة واحدة. و: كم" على هذا الوجه محلها "نصب على المصدرية، أو" على "الظرفية" الزمانية. "أي كم حلبة"، على المصدرية. "أو" كم "وقتا" على الظرفية.
والفدعاء، بسكون الدال المهملة: من الفدع، بفتح الفاء، والدال: وهو اعوجاج الرسغ من اليد والرجل، حتى ينقلب الكف والقدم إلى إنسيهما، بكسر الهمزة والسين المهملة وبالنون الساكنة والياء المثناة تحت المشددة: وهو الجانب الأيسر على رأي أبي زيد، والأيمن: على رأي الأصمعي، والعشار, بكسر العين، جمع عشراء: وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر. ومعنى "علي": على كره مني،
__________
882- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 361، والأشباه والنظائر 8/ 123، وأوضح المسالك 4/ 271، وخزانة الأدب 6/ 458، 459، 493، 495، 498، والدرر 1/ 537، وشرح شواهد المغني 14/ 511، وشرح عمدة الحافظ ص536، وشرح المفصل 4/ 133، والكتاب 2/ 72، 162، 166، ولسان العرب 4/ 573 "عشر" واللمع ص228، ومغني اللبيب 1/ 185، والمقاصد النحوية 4/ 489، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 331، وشرح ابن الناظم ص527، وشرح الأشموني 1/ 98، وكتاب الحلل ص241، ولسان العرب 12/ 528 "كمم"، والمتقضب 3/ 58، والمقرب 1/ 312، وهمع الهوامع 1/ 254.
1 انظر كتاب الحلل ص241، والدرر 1/ 537.(2/476)
لأن "على" تستعمل في الضر، كما أن اللام تستعمل في النفع، نحو: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
"وأما "كأين" فبمنزلة "كم" الخبرية" في خمسة أمور: "في إفادة التكثير"، وفي الإبهام، "وفي لزوم التصدير"، وفي البناء، "وفي انجرار التمييز. إلا أن حرجه بـ"من" ظاهرة لا بالإضافة"، بخلاف "كم". "قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: 60] وقد ينصب" تمييز: "كأين"، "كقوله": [من الخفيف].
883- اطرد اليأس بالرجا فكأين آلما حم يسره بعد عسر
فـ"آلما" بمد الهمزة على وزن فاعلا، من: ألم يألم إذا وجع، منصوب على التمييز بـ"كأين" و"اطرد" أمر من طرد يطرد؛ كـ: قتل يقتل. و"اليأس" بالياء المثناة تحت: القنوط: و "الرجا" بالقصر للضرورة: الأمل و"حم" بضم الحاء المهملة؛ بمعنى: قدر.
يقول: لا تقنط وترج حصول الفرج بعد الشدة، فكم من عديم قدر الله غناه بعد فقره.
و"كأين" تخالف "كم" في أمور:
منها أنها مركبة من كاف التشبيه، و"أي" المنونة، و"كم" بسيطة على الأصح. وقيل: مركبة من الكاف و"ما" الاستفهامية ثم حذفت ألفها لدخول الجار، وسكنت ميمها للتخفيف، لثقل الكلمة بالتركيب.
ومنها أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور، خلافًا لابن قتيبة، وابن عصفور، وابن مالك1.
ومنها أنها لا تقع مجرورة، خلافًا لابن قتيبة، وابن عصفور فإنهما أجازا: بكأين تبيع هذا الثوب2.
ومنها أن خبرها لا يقع مفردًا.
__________
883- البيت بلا نسبة في الارتشاف 1/ 386، وأوضح المسالك 4/ 276، والدرر 1/ 542، وشرح الأشموني 3/ 637، وشرح التسهيل 2/ 423، وشرح شواهد المغني 2/ 513، ومغني اللبيب 1/ 186، والمقاصد النحوية 4/ 495، وهمع الهوامع 1/ 255.
1 شرح التسهيل 2/ 423.
2 الارتشاف 1/ 387.(2/477)
"وأما "كذا" فيكنى بها عن العدد القليل والكثير"، وتوافق "كأين" في أربعة أمور:
التركيب، فإنها مركبة من كاف التشبيه و"ذا" الإشارية، والبناء والإبهام والافتقار إلى التمييز بمفرد.
"و" تخالفها في ثلاثة أمور:
أحدها: أنه "يجب في تمييزها النصب"، فلا يجوز جره بـ"من" اتفاقًا، ولا بالإضافة، لأن عجزها اسم لم يكن له قبل التركيب نصيب في الإضافة فأبقي على ما كان عليه، خلافًا للكوفيين، أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال: كذا ثوبا، وكذا أثواب.
بالجر قياسًا على العدد الصريح. وقال الزجاجي: يجوز الجر على ضرب من الحكاية. وقال الحوفي. على البدل من "ذا".
"و" الثاني: أنها "ليس لها الصدر، فلذلك تقول: قبضت كذا وكذا درهما". والثالث: أنها لا تستعمل غالبًا إلا معطوفًا عليها كقوله: [من الطويل]
884- عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرًا كذا وكذا لطفًا به نسي الجهد
وإلى "كأين" و"كذا" أشار الناظم بقوله:
749- ككم كأين وكذا وينتصب تمييز ذين أو به صل من تصب
__________
884- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 281، والدرر 1/ 543، وشرح شواهد المغني 2/ 514، ومغني اللبيب 1/ 188، والمقاصد النحوية 4/ 497، وهمع الهوامع 1/ 256.(2/478)
باب الحكاية:
وهي إيراد لفظ المتكلم على حسب ما أورده، وهي ثلاثة أنواع: حكاية الجمل وتختص بالقول، وحكاية المفرد: وتختص بالعلم، وحكاية حال المفرد: وتختص بـ"أي" و"من" الاستفهاميتين.
"فحكاية الجمل مطردة بعد القول" وفروعه من الفعل، والوصف بأنواعهما، "نحو": {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ} [النساء: 157]، "{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}" [مريم: 30]، {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 140] الآية. {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [سبأ: 48]، {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 81] فتحكى الجمل على ترتيب اللفظ.
"ويجوز حكايتها على المعنى1 فتقول في حكاية: زيد قائم: قال عمرو قائم زيد"، بعكس الترتيب، "فإن كانت الجملة ملحونة تعين المعنى" في حكايتها "على الأصح" صونًا من ارتكاب اللحن، ولئلا يتوهم أن اللحن نشأن من الحاكي.
فعلى هذا إذا قيل لشخص2: جاء زيد؛ بالجر؛ وأردت حكاية كلامه قلت: قال فلان جاء زيد؛ بالرفع؛ ولكنه خفض زيدًا، لتنبه بالاستدراك على لحنه، وإلا لتوهم أنه نطق به على الصواب. وعلى القول الثاني تقول: قال فلان جاء زيد بالجر، مراعاة للفظه.
__________
1 في حاشية يس 2/ 282: "المراد بالمعنى: ما قابل المحكي بهيئته, فيصدق على تقديم ألفاظ المحكي وتأخيرها وتغيير إعرابها أنه حكاية معنى لا لفظًا، فلا يقال: إن مع التقديم والتأخير حكاية اللفظ أيضًا".
2 في "ب" "ط": "قال شخص".(2/479)
"وحكاية المفرد1 في غير الاستفهام شاذة، كقول بعضهم: ليس بقرشيًّا، ردًّا على من قال: إن في الدار قريشًا" وكقول ذي الرمة: [من الوافر]
885- سمعت الناس ينتجعون غيثا فقلت لصيدح انتجعي بلالا
فإنه سمع قومًا يقولون: الناس ينتجعون غيثًا فحكى ذلك كما سمع، فرفع الناس. وصيدح: اسم ناقته. قاله الزجاجي في جمله2.
قال ابن مالك في شرح الكافية3: ويمكن أن يكون من هذا ما كتب بواو في خط الصحابة رضي الله عنهم: فلان بن أبو فلان؛ بالواو؛ كأنه قيل: فلانًا ابن المقول فيه أبو فلان. فالمختار فيه عند المحققين أن يقرأ بالياء. وإن كان مكتوبًا بالواو كما تقرأ الصلاة والزكاة بالألف، وإن كانتا مكتوبتين بالواو على أن المنطوق به منقلب عن واو. انتهى.
وعندي أنه يقرأ بالواو لوجهين: أحدهما: أن الغرض أنه محكي وقراءته بالياء تفوت ذلك، بخلاف الصلاة والزكاة فإنهما غير محكيتين. والثاني: أنه يحتمل أن يكون وضع بالواو فيكون من استعمال الاسم في أول أحواله. وذلك لا يغير.
"وأما" حكاية حال المفرد "في الاستفهام، فإن كان المسئول عنه نكرة" مذكورة "والسؤال بـ: "أي" أو بـ"من"، حكي في لفظ "أي" ولفظ4 "من" ما ثبت لتلك النكرة المسئول عنها من رفع ونصب وجر، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية"، حقيقة أو صالحة لوصفها بها. "وجمع" سالم موجود فيه، أو صالح لوصفه به.
"تقول لمن قال: رأيت رجلا، وامرأة، وغلامين، وجاريتين، وبنين، وبنات: أيا"؟ في حكاية رجلا، "وأية"؟ في حكاية امرأة، "وأيين"؟ بالتثنية في حكاية غلامين، "وأيتين"؟ في حكاية جاريتين، "وأيين"؟ بالجمع في حكاية بنين، "وأيات"؟ في حكاية بنات.
__________
1 في حاشية يس 2/ 282: "أي حاله".
885- البيت لذي الرمة في ديوانه ص1535، والجمل ص329، وجمهرة اللغة ص503، وخزانة الأدب 9/ 167، وسر صناعة الإعراب 1/ 232، ولسان العرب 2/ 509، "صدح"، 8/ 347، "نجع"، والمقتضب 4/ 10، ونوادر أبي زيد ص32، وبلا نسبة في أسرار العربية ص390، وخزانة الأدب 9/ 268، 393، وشرح الأشموني 3/ 644.
2 الجمل ص329.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1722.
4 في "ط": "وفي".(2/480)
وقولنا في التثنية: أو صالحة لوصفها بها ليشمل مثل: رأيت شاعرًا وكاتبًا. فإنك تقول في حكايتهما: أيين، مع أنهما ليسا مثنيين صناعة، إلا أنهما يوصفان بالتثنية فتقول: الظريفين. وقولنا في الجمع السالم: أو صالح لوصفه به، ليشمل مثل: رأيت رجالا أو نساء، فإنك تقول في حكاية الأول، أيين. وفي حكاية الثاني: أيات مع أنهما ليسا جمعي سلامة, إلا أنهما يوصفان لجمع السلامة. فتقول: رأيت رجالا، صالحين، ونساء صالحات، وقس على ذلك حكاية المرفوع بالفاعلية والمجرور.
واختلف في الحركات اللاحقة لـ"أي"، فقيل:
حركات حكاية و"أي" بمنزلة "من" في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف.
وقيل: هي حركات إعراب. فإذا وقعت سؤالا عن مرفوع بالفاعلية نحو: قام رجل فقيل: أي؟ فـ"أي" فاعل بالفعل، وهو سابق عليها في التقدير، لأن الاستثبات يزيل الصدر، فكأنك أعدت ما قاله السائل وكأنك إنما ذكرت "أيا" فقط. ويجوز أن تصرح بالفعل مؤخرًا توكيدًا، قاله الكوفيون. ومقتضى قواعد البصريين أنه يتعين كونها مبتدأ والخبر محذوف تقديره: أي قام، لأن الفاعل لا يتقدم والاستفهام لا يتأخر. والكوفيون يجيزونهما.
فإن سألت بها عن منصوب أو مجرور, فقياس قول البصريين أنها مبتدأ والخبر محذوف والحركة للحكاية أو معمولة لمحذوف متأخر، ولك أن تصرح به توكيدًا مع التأخر.
فتقول: أيا رأيت؟ وبأي مرورت؟ وعند الكوفيين منعهما. وعلى القول بجواز تقديم العامل، فهو أولى للمطابقة.
"وكذلك تقول في: من" إذا حكيت بها النكرة، رفعًا ونصبًا وجرًّا، وإفرادًا وتثنية وجمعًا على حدها, تذكيرًا وتأنيثًا، كما تقدم من الأمثلة.
"إلا أن بينهما فرقًا من أربعة أوجه:
أحدها: أن "أيا" عامة في السؤال فيسأل بها عن العاقل؛ كما مثلنا" من قولنا: رأيت رجلا، إلخ. "وعن غيره كقول القائل، رأيت حمارًا أو حمارين"، أو أتانًا أو أتانين، أو حمرًا أو أتنا، "و "من" خاصة بـ" السؤال عن "العاقل".
الفرق "الثاني: أن الحكاية في "أي" عامة في الوقف والوصل، يقال: جاءني رجلان فتقول: أيان"؟ بالوقف والإسكان، "أو أيان هذا"، بالوصل(2/481)
"والحكاية في "من" خاصة بالوقف، تقول" لمن قال: جاءني رجلان. "منان، بالوقف والإسكان" في النون، "وإن وصلت قلت: من يا هذا"؟ بالسكون "وبطلت الحكاية" كما سيأتي أنك تقول في حكاية المذكر: منو ومنا ومنى؟1
وهذه2 الأحرف كأحرف الإطلاق لا تكون إلا في الوقف. "فأما قوله"، وهو شمر بن الحارث الضبي، أو تأبط شرًّا: [من الوافر]
886- أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلاما
والقياس. من أنتم. "فنادر في الشعر"، وحمله سيبويه على لغة من قال: ضرب منو منا3.
قال4: إنما يجوز منون على هذا فهو عنده معرب كـ"أي" مجموع بالواو والنون.
وقال الكسائي5: ربما احتاج الشاعر فزاد هذه الزوائد6 في الوصل7. قال ابن خروف8: وتوجيه سيبويه أجود، وهو أن يكون معربًا وجمعه كأي.
__________
1 شرح ابن الناظم ص530-531.
2 من هنا حتى قوله: "انتهى" في نهاية الصفحة التالية قبل حديثه عن الفرق الثالث؛ نقله الشنقيطي في الدرر 2/ 524-525.
886- البيت لشمر بن الحارث في الحيوان 4/ 482، 6/ 197، وخزانة الأدب 6/ 167، 168، 170، والدرر 2/ 524 ولسان العرب 3/ 149 "حسد"، 13/ 420 "منن" ونوادر أبي زيد ص123، ولسمير الضبي في شرح أبيات سيبويه 2/ 183، ولشمر أو لتأبط شرا في شرح المفصل 4/ 16، ولأحدهما أو لجذع بن سنان في المقاصد النحوية 4/ 498، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 462، أوضح المسالك 4/ 282، وجواهر الأدب ص107، والحيوان 1/ 328، والخصائص 1/ 128، والدرر 2/ 154، ورصف المباني ص437، وشرح ابن الناظم ص531، وشرح الأشموني 2/ 642، وشرح ابن عقيل 2/ 426، وشرح شواهد الشافية ص295، وشرح الكافية الشافية 4/ 1718، والكتاب 2/ 411، وكتاب الحلل ص360، ولسان العرب 6/ 12، "أنس"، 14/ 378 "سرًّا"، والمقتضب 2/ 307، والمقرب 1/ 300، وهمع الهوامع 2/ 157، 211.
3 في الكتاب 2/ 411: "وزعم يونس أنه سمع أعرابيًّا يقول: ضرب من منا".
4 في الكتاب: "وهذا بعيد لا تتكلم به العرب، ولا يستعمله منهم ناس كثير، وكان يونس إذا ذكرها يقول: لا يقبل هذا كل أحد فإنما يجوز: منون يا فتى على ذا".
5 الدرر 2/ 525.
6 في "ط": والدرر "الرواية".
7 في الدرر: "الأصل".
8 الدرر 2/ 525.(2/482)
وحكى الكوفيون أن منهم من يقول: منو أنت، ومنان أنتما، ومنون أنتم؟ فيكون البيت على هذا.
"ولا يقاس عليه خلافًا ليونس"، وحجته أنه سمع بعض العرب يقول: ضرب من منا؟ ومنو منا؟ لمن قال: ضرب رجل رجلا. حكاه عنه سيبويه1، ووجهه أنه أزال الاستفهام عن صدريته وأعرب أحدهما فاعلا، والآخر مفعولا في الأولين، وحكاهما في الوصل في الباقين، واستبعده سيبويه.
وفي هذا البيت شذوذان آخران:
أحدهما: أنه حكى الضمير في: أتوا وهو معرفة، وليس وجه شذوذه أنه حكى مقدرًا. خلافًا للشارح2.
والثاني: أنه حرك النون وحكمها السكون3.
وعموا؛ بكسر العين المهملة؛ أي: أنعموا. وظلامًا: جوز فيه ابن السيد4 كونه ظرفًا، أي انعموا في ظلامكم، وكونه تمييزًا أي: من جهة ظلامكم. انتهى.
والأول أولى، ويؤيده أنه ينشد:
............................ .......... عموا صباحًا5
وهو إنشاد صحيح6 وقع في قصيدة حائية منسوبة إلى جذع بن سنان الغساني.
ونص ابن الحاجب في الأمالي7: على أنه لا يحسن أن يكون ظرفًا إذ ليس المراد أنهم نعموا في ظلام أو في صباح، وإنما المراد أنهم نعم ظلامهم أو صباحهم، انتهى8.
__________
1 الكتاب 2/ 411.
2 في شرح ابن الناظم ص532: "أنه حكى مقدرًا، غير مذكور".
3 في شرح ابن الناظم ص532: "أنه أثبت العلامة في الوصل، وحقها ألا تثبت إلا في الوقف".
4 كتاب الحلل ص 360-361.
5 انظر هذه الرواية في شرح المفصل ص174 "الحاشية"، ولسان العرب 14/ 381 "سرا".
6 في كتاب الحلل ص360 أن الزجاجي قال في كتابه الجمل ص336-337: "وقد رأيت بعض من لا يعرف هذا الشعر يرويه: عموا صباحًا, وهو غلط". وعلق ابن السيد في الحلل ص360 فقال: "ليس بغلط كما ذكر، ولكنهما شعران، أحدهما على قافية الميم وهو الذي أنشده عن ابن دريد، والثاني على قافية الحاء، وهو أطول من هذا".
7 أمالي ابن الحاجب 1/ 462.
8 إلى هنا ما نقله صاحب الدرر 2/ 525.(2/483)
الفرق "الثالث": أن "أيا" يحكى فيها حركات الإعراب غير مشبعة، فتقول" في حكاية المفرد المرفوع: "أي. و" في حكاية المنصوب. "أيا، و" في حكاية المجرور "أي. ويجب في "من" الإشباع" في الحركات1 في حكاية المفرد المذكر خاصة على اللغة الفصحى. "فتقول" لمن قال: جاءني رجل: "منو؟ و" لمن قال: رأيت رجلا: "منا؟ و" لمن قال: مررت برجل: "مني"؟
ومن العرب من يحكي بـ"من" إعراب المسئول عنه فقط، ولم يزد علامة التأنيث والتثنية والجمع. فتقول لمن قال: قام رجل، أو رجلان، أو رجال، أو امرأة، أو امرأتان، أو نساء، منو في الجميع، وفي النصب: منا، وفي الجر: مني.
وما ذكره من أن الواو والألف والياء نشأت من حركات الإشباع، وأن الحركات حكاية هو قول السيرافي. زعم أن الحركات حكاية، وأنهم أشبعوا بيانًا للحركة في الوقف إذ لا يوقف على متحرك.
ورد بأن الحركات إنما تبين بهاء السكت وبالألف في "أنا" و"حيهلا"، خاصة وبأن الموضع للوقف ولا حركة فيه.
وقال المبرد والفارسي: الحكاية مشبهة بالإعراب، فالحروف اجتلبت أولا للحكاية فلزم تحريك ما قبلها2، وصوبه ابن خروف، وصححه أبو حيان3.
وقال بعضهم: الحروف عوض عن التنوين، فإذ قيل: منو، فالحكاية بالضمة والواو بدل التنوين. وكذا "منا ومني". ورده أبو حيان4 بأن ذلك لغة قليلة. وهذا الحروف يتكلم بها جميع العرب.
وقال بعضهم4: الحروف عوض عن لام العهد لأن قياس النكرة إذا أعيدت أن تعاد بلفظ المعرفة لئلا يتوهم أنها غيرها.
الفرق "الرابع: أن ما قبل تاء التأنيث في "أي" واجب الفتح تقول: أية وأيتان" كما تقول: آية وآيتان: "ويجوز الفتح والإسكان في: من" إذا اتصل بها تاء الحكاية. "تقول: منه"، بفتح النون وقلب التاء هاء, "ومنت"، بسكون النون وسلامة التاء من القلب هاء، وإنما قلبت مع فتح ما قبلها ولم تقلب مع سكونه اعتبارًا بحالة الوقف.
__________
1 في "ط": "للحركات" مكان "في الحركات".
2 المقتضب 2/ 306.
3 الارتشاف 1/ 321-323.
4 الارتشاف 1/ 321-323.(2/484)
"ومنتان" بفتح النون الأولى، "ومنتان"، بسكونها. "والأرجح الفتح في المفرد والإسكان في التثنية"، وإنما عبرنا بتاء الحكاية دون تاء التأنيث لأن تاء التأنيث لا يسكن ما قبلها. قال الموضح في الحواشي: وهو الحق. وظاهر كلامه هنا أنها للتأنيث. والقول بأنه في "أية" للتأنيث، وفي "منه" للحكاية، مجرد عناية.
وإنما كان الأرجح الفتح في المفرد لأن التاء فيه متطرفة فهي ساكنة للوقف. فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان, ولا كذلك في التثنية، وتقول في حكاية الجمع بالألف والتاء. منات, بإسكان التاء للوقف. هذا حكم غير العطف.
وأما العطف فإذا قال:جاءني امرأة ورجل. فإنك تقول: من ومنو؟ وإذا قال: جاءني رجل وامرأة، فإنك تقول: من ومنه؟ تلحق العلامة آخر الكلام لأنه محل الوقف دون ما قبله. لأنه في حكم الوصل. وكذا إذا قال: جاءني رجال ونساء قلت: من ومنات؟ فإذا قال: مررت بنسوة ورجل قلت: من ومني؟ وإذا خلط ما لا يعقل بمن يعقل، جعلت السؤال عما لا يعقل بـ"أي"، وعمن يعقل بـ"من". فإذا قال: رأيت رجلا وحمارًا. قلت: من وأيا؟ وإذا قال: مررت بحمار ورجل. قلت: أي ومني؟ وإذا قال: رأيت ثوبًا وغلامًا. قلت: أيا ومنا؟ وكذلك ما أشبهه. ذكره الزجاجي1.
ثم انتقل إلى النوع الثالث: وهو حكاية العلم، وجعله قسيمًا لقوله أولا، فإن كان المسئول عنه نكرة فقال: "وإن كان المسئول عنه علمًا لمن يعقل، غير مقرون، بتابع" من التوابع الخمسة، "وأداة السؤال "من" غير مقرونة بعاطف، فالحجازيون يجيزون حكاية إعرابه2، فيقولون: من زيدًا؟ لمن قال: رأيت زيدًا، ومن زيد؟ بالخفض لمن قال: مررت بزيد" فالفتحة والكسرة للحكاية والرفع في موضعهما مقدر لأن الواقع بعد "من" مبتدأ خبره "من" عند الجمهور3. أو خبر مبتدؤه "من" عند سيبويه4، وإن كان المحكي مرفوعًا كقوله5: من زيد؟ لمن قال: جاءني زيد، برفع ما بعد "من" على اللغتين6، ويختلف التقدير، فعلى لغة الحكاية يكون الإعراب مقدرًا لاشتغال
__________
1 الجمل ص335-336.
2 شرح ابن الناظم ص532.
3 الارتشاف 1/ 323.
4 الكتاب 2/ 413، وانظر شرح ابن الناظم ص532.
5 في "ط": "كقوله".
6 شرح ابن الناظم ص532.(2/485)
آخر المحكي بحركة الحكاية فالرفع في اللفظ غير الرفع في التقدير. وعلى لغة الغير فالحكم ظاهر. "وتبطل الحكاية في نحو": أي زيد؟ لأن أداة السؤال غير "من" وفي نحو: "ومن زيد؟ لأجل العاطف" الداخل على "من". "وفي نحو: من غلام زيد، لانتفاء العلمية"، خلافًا ليونس في إجازته حكاية جميع المعارف1. وفي نحو: من شدقم؟ لانتفاء العقل. "وفي نحو: من زيد الفاضل؟ لوجود التابع"، وهو النعت.
"ويستثنى من ذلك أن يكون التابع ابنًا متصلا بعلم كـ: رأيت زيد بن عمرو، أو علمًا معطوفًا"، بالواو خاصة "كـ: رأيت زيدًا وعمرًا، فتجوز فيهما الحكاية على خلاف في الثانية". فتقول لمن قال: رأيت زيدًا بن عمرو. من زيد بن عمرو؟ ولمن قال: مررت بزيد بن عمرو: من زيد بن عمرو؟ بنصب زيد في الأول، وخفضه في الثاني. وتقول لمن قال: رأيت زيدًا وعمرًا: من زيدًا وعمرًا، بنصبهما. ولمن قال: مررت بزيد وعمرو: من زيد وعمرو. بخفضهما. وذهب يونس وجماعة إلى أن عطف أحد الاسمين على الآخر يبطل الحكاية، وبنو تميم لا يحكون العلم مطلقًا ويوجبون رفع ما بعد "من". ومدرك الحجازيين أن الأعلام كثرت في كلامهم فأجازوا فيها الحكاية. لما فيها من ربط أحد الكلامين بالآخر وشرطوا أن تكون الحكاية بـ"من" دون "أي" لوجهين:
أحدهما: كثرة استعمالهم لها دون "أي" قاله سيبويه2.
والثاني: أن "من" مبنية، لا يظهر معها قبح الحكاية لسكونها على كل حال، بخلاف "أي" فإنه لو حكي بها: أي زيدًا؟ وأي زيد؟ برفع "أي" فيهما، ونصب "زيد" في الأول، وجره في الثاني، لظهر القبح في اختلاف إعراب المبتدأ والخبر.
قال ابن الضائع: والأول أولى، وعليه اعتمد سيبويه وزاد ابن خروف وجها ثالثًا: وهو كون "من" على حرفين. وأما شرط انتفاء التابع، فلأنهم استغنوا بإطالته عن الحكاية، واستثنى النعت بابن لأنه صار مع المنعوت كشيء واحد، واستثنى عطف النسق لأنه ليس فيها بيان للمتبوع، فلا يبين إلا بالحكاية.
وأما اشتراط انتفاء اقتران العاطف بـ"من" فلأن الغرض بالحكاية بيان أن المسئول عنه هو المتقدم في الذكر لا غير. فإذا عطفت جملة السؤال على كلام المسئول صار في ذلك بيان أن المسئول عنه هو الأول فلم يحتج للحكاية. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
757- والعلم احكينه من بعد من إن عريت من عاطف بها اقترن
__________
1 شرح ابن الناظم ص532.
2 الكتاب 2/ 413، 414.(2/486)
باب التأنيث:
اعلم أن من المعاني المدلول عليها بالألفاظ: أشخاص الجواهر، وهي على قسمين: حيوان وجماد، والحيوان ضربان: ذكر وأنثى. "ولما كان التأنيث فرع التذكير لأن الأصل في جميع الأشياء التذكير كما قاله سيبويه1 "احتاج" المؤنث "لعلامة" تميزه من المذكر.
"وهي إما "تاء" محركة" بوجوه الإعراب. "وتختص بالأسماء كـ: قائمة" وهاوية، وتبدل في الوقف هاء فلذلك رسمت بالهاء.
"أو تاء ساكنة، وتختص بالأفعال" الماضية "كـ: قامت" ونعمت: "وإما ألف مفردة" عن ألف قبلها "كـ: حبلى" وسكرى.
"أو ألف قبلها ألف" زائدة "فتقلب هي" أي الألف الثانية، "همزة كـ: حمراء".
هذا مذهب الجمهور من البصريين2، وذهب بعضهم إلى أن الهمزة والألف قبلها معًا علامة التأنيث3.
وذهب الكوفيون إلى أن الهمزة للتأنيث وليست مبدلة من ألف التأنيث والألفان المقصورة, "و" الممدودة "يختصان بالأسماء" الظاهرة. وإلى التاء والألف أشار الناظم بقوله:
__________
1 الكتاب 3/ 241، وانظر شرح ابن الناظم 534، وشرح ابن عقيل 2/ 492، وهمع الهوامع 2/ 170.
2 انظر شرح المرادي 5/ 3.
3 وهو مذهب الأخفش، كما في الارتشاف 1/ 293.(2/487)
758- علامة التأنيث تاء أو ألف ...............................
ولا يجمع بينهما فلا يقال: حبلاة، وأما: علقاة، فالألف مع وجود التاء للإلحاق بجعفر، ومع عدمها للتأنيث1.
"و" العرب "قد أنثوا أسماء كثيرة بتاء مقدرة، ويستدل على ذلك" التقدير "بالضمير العائد عليها نحو: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحج: 72], {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4], {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}" [الأنفال: 61]. فالنار والحرب والسلم مؤنثات بدليل عود ضمير المؤنث عليها. ولا يخفى ما في ترتيب الآيات من المناسبة. وما في مقابلة الحرب بالمصالحة من الطباق.
"وبالإشارة إليها نحو: {هَذِهِ جَهَنَّمُ}" [يس: 63]، فجهنم: مؤنثة: بدليل الإشارة إليها بإشارة المؤنث وهي: هذه.
"وبثبوتها؛ أي التاء؛ في تصغيره، نحو: عيينة، وأذينة"، مصغري: عين وأذن من الأعضاء المزدوجة، فإن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، وغير المزدوج مذكر كـ: الرأس والقلب، "أو" بثبوتها في "فعله نحو: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ}" [يوسف: 94]، فالعير مؤنثة، بدليل تأنيث فعلها.
"وبسقوطها من عدده كقوله"، وهو حميد الأرقط يصف قوسًا عربية: [من الرجز]
887- أرمي عليها وهي فرع أجمع وهي ثلاث أذرع وأصبع
فأذرع: جمع ذراع، وهي مؤنثة بدليل سقوط التاء من عددها وهو: ثلاث. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
758- .................................... وفي أسام قدروا التا كالكتف
759- ويعرف التقدير بالضمير ونحوه كالرد في التصغير
__________
1 الارتشاف 1/ 293.
887- الرجز لحميد الأرقط في شرح شواهد الإيضاح ص341، والمقاصد النحوية 4/ 504، وبلا نسبة في ديوان الأدب 1/ 118، وإصلاح المنطق ص310، وأوضح المسالك 4/ 286، والاقتضاب ص343، 707، وجمهرة اللغة ص1314، وخزانة الأدب 1/ 214، والمخصص 1/ 167، 6/ 38، 14/ 65، 16/ 80، ومقاييس اللغة 1/ 26، وشرح التسهيل 3/ 160، وشرح عمدة الحافظ ص576، والخصائص 2/ 307، ولسان العرب 8/ 93 "ذرع" 247 "فرع", 14/ 335 "رمى", 15/ 88 "علا"، وأدب الكاتب ص507 والأزهية ص276، والأشباه والنظائر 5/ 219، والكتاب 4/ 226، وتاج العروس 21/ 481 "فرع"، "رمى"، وتهذيب اللغة 3/ 184.(2/488)
فصل:
"الغالب في التاء أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كـ: قائم وقائمة"، ومن غير الغالب في الأسماء غير الصفات1 نحو: رجل ورجلة، وغلام وغلامة، وفي الصفات التي تنزل على مقصدين، وهي الصفات المختصة بالمؤنث كـ: حائض وطامث، فإن قصد بها الحدوث في أحد الأزمنة، لحقتها التاء فقيل: حائضة وطامثة. وإن لم يقصد بها ذلك لم تلحقها، فيقال: حائض وطامث، بمعنى: ذات أهلية للحيض والطمث.
"ولا تدخل هذه التاء" الفاصلة صفة المؤنث من صفة المذكر "في خمسة أوزان:
أحدها: فَعُول" بفتح الفاء "بمعنى: فاعل كـ: رجل صبور"، بمعنى: صابر، "وامرأة صبور"، بمعنى صابرة. وإنما لم تدخله التاء لعدم جريانه على الفعل ودخول التاء على الصفة محمول على فعلها. قاله الشاطبي. "ومنه"، أي من: فعول بمعنى: فاعل: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] أصله: بغويًا"، اجتمعت فيه الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، "ثم أدغم" الياء في الياء وإلا لو كان فعيلا، بمعنى فاعل، لحقته التاء.
وسأل المازني جماعة من نحاة الكوفة عن هذه الآية بحضرة الواثق بالله، فلم يأتوا بوجه الصواب، فسأله الواثق عنها فأجاب بما قاله الموضح.
"وأما قولهم: امرأة ملولة" من الملل، بمعنى: مالة وقد لحقته التاء، "قالتاء" فيه ليست للفصل وإنما هي "للمبالغة، بدليل" دخولها في المذكر نحو "رجل ملولة، وأما: امرأة عدوة" أصله: عدووة، بواوين ثم أدغم، "فشاذ" لخروجه عن القاعدة ومع ذلك فإنه "محمول على: صديقة" كما في عكسه وهو حمل صديق على عدوة، في قوله: [من الطويل]
__________
1 في شرح ابن الناظم ص534: "وهو في الأسماء قليل، نحو: رجل ورجلة...".(2/489)
888- ............................. ... لم أبخل وأنت صديق
والقياس، صديقة. وهم يحملون الضد على ضده، كما يحملون النظير على نظيره.
"ولو كان فعول بمعنى مفعول، لحقته التاء" الفاصلة جوازًا "نحو: جمل ركوب، وناقة ركوبة"، وإنما لحقته وإن لم يجر على الفعل، فرقًا بين المقصدين.
"و" الوزن "الثاني: فعيل بمعنى مفعول نحو: رجل جريح، وامرأة جريح" بمعنى: مجروحة. والعلة فيها ما تقدم. "وشذ: ملحفة جديدة"، بالتاء، فإنها بمعنى مجدودة، ولحقتها التاء. "فإن كان فعيل بمعنى فاعل، لحقته التاء" الفاصلة، "نحو امرأة رحيمة، وظريفة"، وإنما لحقت فعيلا بمعنى فاعل، دون فعيل بمعنى مفعول فرقًا بينهما. واختصت بـ"فعيل" بمعنى "فاعل"، لأنه يجري على الفعل، لأن الوصف من: رحم وظرف يأتي على فعيل اطرادًا، فصار كفاعل من فعل بخلافه بمعنى: مفعول.
"فإن قلت: مررت بقتيلة بني فلان، وألحقت التاء خشية الإلباس" بالمذكر، "لأنك لم تذكر الموصوف" المأمون معه الإلباس.
"و" الوزن "الثالث": مِفْعال، بكسر الميم "كـ: منحار"، يقال: رجل منحار، وامرأة منحار، أي: كثيرة النحر, بالحاء المهملة. "وشذ: ميقانة"، بالقاف والنون، من اليقين وهو عدم التردد، يقال: رجل ميقان: لا يسمع شيئًا إلا أيقنه، وامرأة ميقانة. وإنما لم تدخل التاء الفاصلة هنا لأنه صفة لا تجري على فعل، ولأنه يشبه المصادر الميمية، بزيادة الميم في أوله. قاله ابن الأنباري.
"و" الوزن "الرابع: مِفْعِيل" بكسر الميم "كـ: معطير" من العطر، "وشذ: امرأة مسكينة" لخروجه عن القاعدة، ومع ذلك فإنه محمول على: فقيرة. "وسمع": امراة "مسكين, على القياس" حكاه سيبويه1.
__________
888- تمام البيت:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق
وهو بلا نسبة في الأزهية ص62، والأشباه والنظائر 5/ 238، 262، والإنصاف 1/ 205، والجنى الداني ص218، وخزانة الأدب 5/ 246، 427، 10/ 381، 382، والدرر 1/ 302، ورصف المباني ص115، وشرح الأشموني 1/ 146، وشرح شواهد المغني 1/ 105، وشرح ابن عقيل 1/ 384، وشرح المفصل 8/ 71، ولسان العرب 4/ 181 "حرر"، 10/ 194، "صدق"، 13/ 30 "أنن"، ومغني اللبيب 1/ 31، والمقاصد النحوية 1/ 311، والمنصف 3/ 128، وهمع الهوامع 1/ 143، تاج العروس. 10/ 573 "حرر", "أنن".
1 الكتاب 2/ 640 ونقله ابن الناظم في شرحه ص536.(2/490)
"و" الوزن "الخامس: مِفْعَل"؛ بكسر الميم وسكون الفاء وفتح العين؛ "كـ: مغشم" بالغين والشين المعجمتين؛ وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه من شجاعته. "ومدغس" بالدال والعين والسين المهملات؛ من الدعس وهو الطعن. يقال: رمح يدعس به. وعلة عدم لحاق التاء في هذين الوزنين، ما تقدم في [المثال]1 الثالث. وإلى هذه الأوزان الخمسة أشار الناظم بقوله:
760- ولا تلي فارقة فعولا ........................
الأبيات الثلاثة2.
"وتأتي التاء لفصل الواحد من الجنس" الجامد الذي لا يصنعه مخلوق "كثيرًا كـ: تمرة" وتمر؛ بفتح المثناة فوق وسكون الميم؛ "ولعكسه"، أي لفصل الجنس من واحده "في: جبأة" بفتح الجيم وسكون الموحدة بعدها همزة، ضرب من الكمأة أحمر. "وكمأة"؛ بفتح الكاف وسكون الميم وبفتح الهمزة؛ وهي التي تميل إلى الغبرة والسواد. وقول الموضح: "خاصة:" مخرج لـ: سيارة وميارة. فإنهما جمعا: سيار وميار، لا من أسماء الأجناس لغلبة التأنيث عليهما. قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} [يوسف: 19] وعلى تقدير كونهما من أسماء الأجناس. فالقيد مصروف إلى الجامد، وهذان مشتقان.
وتأتي التاء لفصل الواحد من الجنس الذي يصنعه المخلوق قليلا نحو: لبن ولبنة.
وقد تكون التاء لازمة فيما يشترك فيه المذكر والمؤنث كـ: ربعة: وهو المعتدل والمعتدلة من الرجال والنساء لا بالطويل ولا القصير3.
"و" تأتي التاء "عوضًا من فاء كـ: عدة". وأصلها: وعد، بكسر الواو، فكرهوا ابتداء الكلمة بواو مكسورة فنقلوا كسرة الواو إلى العين ثم حذفوا الواو وعوضوا منها التاء في غير محل المعوض منه، لأن تاء التأنيث لا تقع صدرًا.
__________
1 إضافة من "ب".
2 الأبيات الثلاثة هي:
.................................. أصلا ولا المفعال والمفعيلا
كذاك مفعل وما تليه تا الفرق من ذي فشذوذ فيه
ومن فعيل كقتيل إن تبع موصوفه غالبًا التا تمتنع
3 في "ط": "بالقصر".(2/491)
وتأتي عوضًا من عين كـ: إقامة، "أو من لام كـ: سنة"، وأصلها: سنو أو سنه بدليل قولهم في الجميع بالألف والتاء: سنوات أو سنهات، فكرهوا تعاقب حركات الإعراب على الواو لاعتلالها. وعلى الهاء لخفائها، فحذفوا الواو والهاء وعوضوا منها التاء في محل المعوض منه على القياس.
"أو" عوضًا "من" حرف "زائد لمعنى"، وهو ياء النسب، "كـ: أشعثي وأشاعثة"، وأزرقي وأزارقة، ومهلبي ومهالبة، نسبة إلى: أشعث وأزرق ومهلب، فالتاء فيهن عوض من ياء النسب ألا ترى أنهما لا يجتمعان وإنما يقال: الأشعثيون والأشاعثة، وكذا الباقي.
"أو" عوضًا "من" حرف "زائد لغير معنى"، وهو ياء مفاعيل، "كـ: زنديق وزنادقة"، فالتاء عوض من [ياء]1 زنديق. فإذا جيء بالياء لم يجأ بالتاء. بل يقال: زناديق. فالياء والتاء متعاقبان هنا، قاله في شرح الكافية2. والزنديق: هو الذي لا ينتحل دينًا. وقيل: هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر3.
"و" تأتي التاء "للتعريب" بالعين المهلمة؛ أي: تعريب الأسماء الأعجمية "كـ: موازجة" جمع موزج؛ بفتح الميم وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة بعدها جيم؛ وهو الخف وقيل الجورب، والقياس: موازج، فدخلت التاء في جمعه لتدل على أن أصله أعجمي فعرب. والفرق بين المعرب وغيره, أن العرب إذا استعملت الأعجمي فإن خالفت بين ألفاظه فقد عربته. وإلا فلا.
"و" تأتي التاء "للمبالغة" في الوصف "كـ: راوية" لكثير الرواية، وإنما أنثوا المذكر لأنهم أرادوا أنه غاية في ذلك الوصف، والغاية مؤنثة. :ولتأكيدها"، أي: المبالغة الحاصلة بغير التاء "كـ: نسابة"، وذلك لأن فعالا يفيد المبالغة بنفسه، فإذا دخلت عليه التاء أفادت تأكيد المبالغة لأن التاء للمبالغة.
"و" تأتي التاء "لتأكيد التأنيث كـ: نعجة"، لأن انفراد المؤنث باسم غير المذكر يفيد التأنيث كـ: عجوز وأتان، فكان يكفي أن يقال: نعج، لأنه يفيد التأنيث بنفسيه، فدخول التاء فيه لتأكيد التأنيث.
__________
1 إضافة من "ط".
2 شرح الكافية الشافية 4/ 1736.
3 انظر حاشية يس 2/ 288.(2/492)
فصل:
"لكل واحدة من ألفي التأنيث" المقصورة والممدودة "أوزان نادرة، ولا نتعرض لها في هذا المختصر" لكون الناظم لم يذكرها. "وأوزان مشهورة" في الاستعمال، وتقدم في باب ما لا ينصرف: أن المقصورة أصل للمدودة، فلذلك قدمها.
"فمشهور أوزان المقصورة اثنا عشر" وزنًا:
"أحدها: فعلى، بضم الأول وفتح الثاني كـ: أربى"، بالراء المهملة والباء الموحدة، اسمًا للداهية، بالدال المهملة، وجمعها: دواه وأعظمها الموت، "وأدمى وشعبى"، بمعجمة فمهملة فموحدة، اسمين "لموضعين، قال" جرير: [من الوافر]
889- أعبدًا حل في شعبي غريبًا ألؤما لا أبالك واغترابا
"وزعم ابن قتيبة أنه لا رابع لها" في لسان العرب1.
"ويرد عليه: أرنى، بالنون"، اسمًا "لحب" من البقل "يجبن به اللبن وجنفى" بالجيم والنون والفاء، اسمًا "لموضع، وجعبى"، بالجيم والعين المهملة والباء الموحدة، اسمًا "لعظام النمل" جمع عظيم لا عظم، والمراد به: كبار النمل اللاتي يعضضن ولهن أفواه واسعة. قاله القالي2. ورحبى، بالراء والحاء المهملتين والباء الموحدة، لموضع، وحلكى، بالحاء المهملة، لدويبة، قال أبو علي الفارسي3: هي مقصورة. حكاه عنه ابن جني في القد. "وقد تبين" من عدم اشتهار ما ذكر "أن عد الناظم لـ: فعلى في الأوزان المشهورة مشكل"، لأنها من الأوزان النادرة، بل قال خطاب الماردي4: إنها شاذة.
__________
889- تقدم البيت برقم 398، 702.
1 أدب الكاتب ص593، وانظر المزهر 2/ 66، 99، والاقتضاب ص390.
2 قاله في كتابه المقصور والممدود، وقد صرح بذلك ابن السيد في الاقتضاب 390، وانظر المزهر 2/ 64.
3 التكملة ص99.
4 في "ب": "المازني"، وفي "ط": "المرادي".(2/493)
الوزن "الثاني": فُعْلى، بضم الأول وسكون الثاني، اسمًا كان كـ: بهمى"، بالموحدة اسمًا لنبت. قاله الجوهري1. يقال: أبهمت الأرض: كثر بهماها. "أو صفة" لا مذكر لها "كـ: حبلى، و" ما لها مذكر نحو: "الطولى"، أنثى الأطول. "أو مصدرًا كـ: رجعى" مصدر: رجع.
الوزن "الثالث: فَعَلَى؛ بفتحتين؛ اسمًا كان كـ: بردى" بالموحدة "لنهر بدمشق أو مصدرًا كـ: مرطى" بالطاء المهملة "لمشية، أو صفة كـ: حيدى" بالحاء والدال المهملتين بينهما ياء مثناة تحتانية، يقال: حمار حيدى، أي: يحيد عن ظله إذا تخيل منه.
الوزن "الرابع: فَعْلَى، بفتح أوله وسكون ثانيه، بشرط أن يكون إما جمعًا كـ: قتلى" جمع: قتيل، "وجرحى" جمع جريح، "أو مصدرًا كـ: دعوى" مصدر: دعا، "أو صفة كـ: سكرى وسيفى، مؤنثي: سكران، وسيفان للطويل، فإن كان فعلى اسمًا كـ: أرطى وعلقى، ففي ألفه وجهان" مبنيان على الصرف وعدمه، فمن صرف قدر الألف للإلحاق، ومن منع قدرها للتأنيث، والأرطى: شجر الرمل يدبغ به الأديم. يقال: أديم مأروط أي: مدبوغ. وقد يكون: أرطى أفعل2، لأنه يقال: أديم مرطي، حكاه في الصحاح3، والعلقى: نبت.
الوزن "الخامس: فُعَالى بضم أوله" وتخفيف ثانيه "كـ: حُبَارى" بالحاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة. "وسُمَانى": بالسين المهملة والنون: "لطائرين" ذكرين أو أنثيين، "وفي الصحاح4: أن ألف حبارى ليست للتأنيث، وهو وهم" بفتح الهاء، من صاحب الصحاح، "فإنه قد وافق على أنه ممنوع الصرف". ومنع الصرف دليل على أن ألفه للتأنيث.
الوزن "السادس: فعلى، بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحًا كـ: سمهى" بالمهملة "للباطل" وللكذب، وللهواء بين السماء والأرض.
الوزن "السابع: فعلى، بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه كـ: سبطرى" بمهملات وموحدة "ودفقى" بالدال والفاء والقاف: "لضربين من المشي"، فالأول: مشية فيها تبختر والثاني: مشية فيها تدفق وإسراع.
__________
1 الصحاح "بهم".
2 في "ب": "الفعل".
3 الصحاح "أرط": رطا" وانظر حاشية يس 2/ 289.
4 الصحاح "حبر".(2/494)
الوزن "الثامن: فِعْلَى، بكسر أوله وسكون ثانيه، إما مصدرًا كـ: ذكرى" مصدر: ذكر ذكرا1. وذكرى مما توافق فيه كلمتان فيما عدا ألف التأنيث. "أو جمعًا وذلك" شيئان: "حجلى" بالحاء المهملة [والجيم]2: "جمعًا للحجل؛ بفتحتين؛ اسمًا لطائر وظربى؛ بالظاء المشالة" والراء والباء الموحدة: "جمعًا لظربان، بفتح أوله وكسر ثانيه، اسمًا لدويبة. ولا ثالث لهما في الجموع"3، وذلك معلوم من عدم الإتيان معهما بالكاف، ولكن ذكره تأكيدًا.
الوزن "التاسع: فعيلى، بكسر أوله وثانيه مشددًا نحو: حثيثي" بحاء مهملة وثاءين مثلثتين بينهما ياء مثناة تحتانية، اسم مصدر: حث على الشيء إذا حض عليه.
"وخليفى" بالخاء المعجمة والفاء: الخلافة. وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه: "لولا الخليفي لأذنت"4. "وحكى الكسائي: هو من خصيصاء قومه5؛ بالمد؛ وهو شاذ"، وقياسه القصر، كما مثل به في التسهيل6.
الوزن "العاشر: فعلى، بضم أوله وثانيه وتشديد ثالثه كـ: كفرى" بالفاء والراء. وفي القاموس7 أنه مثلث الكاف والفاء. والكفرى والكافور "لوعاء الطلع" أي: طلع النخل. سمي بذلك لأنه حين يتشقق يكفره، أي: يستره ويغطيه، والشيباني يجعله للطلع نفسه. والفراء يجعله للطلع حين يتشقق. قال القالي: والأول هو الصحيح لأن الاشتقاق يدل على صحته. "وحذرى وبذرى"، بذالين معجمتين مهملتين وبحاء مهملة في الأول وباء موحدة في الثاني: وهما "من: الحذر والتبذير". وقال ابن ولاد: البذرى. قالذال المعجمة، الباطل.
الوزن "الحادي عشر: فعيلى، بضم أوله وفتح ثانيه مشددًا كـ: خليطى" بالخاء المعجمة والطاء المهملة، اسمًا "للاختلاط", يقال: وقعوا في خليطى إذا اختلط عليهم أمرهم. "وقبيطى". بالقاف والباء الموحدة والطاء المهملة، اسمًا "للناطف".
__________
1 سقط من "ب".
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 قاله الفارسي، انظر المزهر 2/ 103.
4 النهاية 2/ 69 "خلف".
5 في المزهر 2/ 101، "زعم الكسائي أنه سمع المدر والقصر في خصيصى".
6 التسهيل ص255.
7 القاموس المحيط "كفر".(2/495)
الوزن "الثاني عشر: فُعَّالى، بضم أوله وتشديد ثانيه نحو: شقارى" بالشين المعجمة والقاف والراء المهملة "وخبازى" بالخاء المعجمة والباء الموحدة والزاي، اسمين "لنبتين. وخضارى" بالخاء والضاد المعجمتين والراء المهملة: اسمًا "لطائر".
تنبيه:
"نحو جنفى" مما كان على وزن: فعلى، بضم الفاء وفتح العين. "ونحو: خليفى"، مما كان على وزن: فعيلى، بكسر الفاء وتشديد العين المكسورة. "ونحو: خليطى"، مما كان على وزن: فعيلى، بضم الفاء وتشديد العين المفتوحة. "ليس من الأوزان المختصة بالمصورة بدليل" وجودها في أوزان الممدودة.
فالأول كما في: "عرواء"، بضم العين المهملة وفتح الراء المهملة "قرة الحنى ومسها في أول رعدتها" كما في القاموس1 زيادة على الصحاح2.
"و" الثاني كما في: "فخيراء" بكسر الفاء وتشديد المعجمة من الفخر، والفخير3: الرجل الفخر.
"و" الثالث كما في: "دخيلاء" بضم الدال المهملة وتشديد الخاء المعجمة، ولم يحفظ بالمد غيره. يقال: هو عالم بدخيلاء أمورك. أي: بباطنها.
"ومشهور أوزان الممدودة سبعة عشر"وزنًا:
"أحدها: فعلاء، بفتح أوله وسكون ثانيه، اسمًا كان كـ: صحراء أو مصدرًا كـ: رغباء" مصدر: رغب، بالراء المهملة والغين المعجمة. "أو صفة كـ: حمراء، وديمة هطلاء" والديمة؛ بكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت؛ قال أبو زيد: هو المطر الذي ليس4 فيه رعد ولا برق، وأقله ثلث النهار أو ثلث الليل. والهطل: تتابع المطر. "أو جمعًا في المعنى كـ: طرفاء"، بالطاء والراء المهملتين وبالفاء، ويضاف للغابة. بالموحدة، فيقال: طرفاء الغابة وهي شجر، ومنها اتخذ منبره -صلى الله عليه وسلم- وفي القاموس5: أنها أربعة أصناف منها: الأثل، الواحدة: طرفاءة وطرفة. وفي الصحاح6: قال سيبويه7: واحد وجمع.
__________
1 القاموس المحيط "عرا".
2 الصحاح "عرا".
3 في "ط": "الفخيراء".
4 سقط من "ب".
5 القاموس المحيط "طرف".
6 الصحاح "طرف".
7 الكتاب 3/ 569.(2/496)
"و" الوزن "الثاني والثالث والرابع: أفعلاء، بفتح العين، وأفعلاء بكسرها، وأفعلاء بضمها، كقولهم: يوم الأربعاء"، بفتح الباء وكسرها وضمها. "سمع فيه الأوزان الثلاثة"، وهو اليوم المعروف. وفي تحشية التسهيل بخط مؤلفه1: اسم اليوم: أربعاء, بفتح الباء وكسرها، وبفتح الهمزة وضم الباء: عمود الخيمة: وبضمهما: موضع2.
والوزن، "الخامس: فعللاء" بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه "كـ: عقرباء": اسما لمكان خارج دمشق3.
والوزن "السادس: فِعَالاء، بكسر الفاء، كـ: قصاصاء"؛ بقاف وصادين مهملتين: اسمًا "للقصاص".
والوزن "السابع: فُعْلُلاء، بضم الأول والثالث، كـ: قرفصاء" بقاف فراء فصاد مهملة: لنوع من القعود. يقال: قعد القرفصاء: إذا قعد على قدميه، وأمس الأرض إلييه.
الوزن "الثامن: فاعُولاء، بضم الثالث كـ: عاشوراء" لعاشر المحرم، وحكى أبو عمرو الشيباني فيه القصر4.
الوزن "التاسع: فَاعِلاء، بكسر الثالث، كـ: قاصعاء"؛ بالقاف والصاد والعين المهملتين اسمًا "لأحد جحرة اليربوع"، وهو حيوان فوق الفارة، يداه أقصر من رجليه، وعكس الزرافة، ومن أسماء جحرته أيضًا: غائباء ونافقاء.
الوزن العاشر: فِعْلياء، بكسر الأول وسكون الثاني. نحو: كبرياء، بمعنى، التكبر.
الوزن "الحادي عشر: مفعولاء، كـ: مشيوخاء" بالشين والخاء المعجمتين: للشيوخ: وضبطه ابن مالك بالحال المهملة، قال5: ومعناه اختلاط الأمر.
__________
1 في "ب": "المؤلف".
2 التسهيل ص256.
3 سقط من "ب"، "ط": "خارج دمشق".
4 في المزهر 2/ 69: "زاد بن خالويه: ساموعاء، وهو اللحم في التوارة، وخابوراء يعني النهر، وزاد البغدادي في شرح الفصيح، الضاروراء والساروراء والدالولاء".
5 انظر شرح الكافية الشافية 4/ 1754.(2/497)
الوزن "الثاني عشر: فَعَالاء، بفتح أوله وثانيه نحو: بَرَاساء" بالباء الموحدة والراء والسين المهملتين "بمعنى: الناس. يقال: ما أدري أي البراساء هو" أي: أي الناس هو. "وبراكاء" بالموحدة والراء المهملة "بمعنى: البروك"، وهو أن يبركوا إبلهم وينزلوا عن خيلهم ويقاتلوا رجالة. وبراكاء كل شيء: معظمه وشدته. يقال: وقع في براكاء الأمر، وفي براكاء القتال، أي: في معظمه وشدته. قال بشر بن أبي خازم: [من الوافر]
890- ولا ينجي من الغمرات إلا براكاء القتال أو الفرار
قاله القالي1.
الوزن "الثالث عشر: فَعِيلاء، بفتح أوله وكسر ثانيه، نحو: قريثاء وكريثاء"، بمثلثتين وراءين مهملتين فيهما2، وبالقاف في الأول والكاف في الثاني "نوعان من البسر" بضم الموحدة وسكون المهملة. قال الكسائي: بسر قريثاء ممدود، وهو أطيب التمر بسرًا وقال أبو الجراح، تمر قريثا, غير ممدود.
الوزن "الرابع عشر: فَعُولاء، بفتح أوله وضم ثانيه، نحو: دبوقاء" بالدال المهملة والباء الموحدة والقاف: العذرة، بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة.
الوزن "الخامس عشر: فَعَلاء بفتحتين كـ: خفقاء" بالخاء المعجمة والفاء والقاف. اسمًا "لموضع. قاله ابن الناظم" في بعض نسخ الشرح3. "وإنما هو بالجيم والنون والفاء، كما هو الغالب في نسخ ابن الناظم ونصه3: وفعلاء كجنفاء، اسم مكان. "ولا نظير إلا: دأثاء4" بفتح الدال المهملة والهمزة والتاء المثلثة، اسمًا "للأمة، وفرماء" بالفاء والرء: اسمًا "لموضع". ذكره في الصحاح في مادة الفاء5، ولم
__________
890- البيت لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص79، وجمهرة اللغة ص325، وخزانة الأدب 7/ 506، وشرح المفصل 4/ 50، ولسان العرب 10/ 398 "برك"، وبلا نسبة في الاشتقاق ص247، وجمهرة اللغة ص1229.
1 في كتابه المقصور والممدود، وهو مفقود، انظر المقصور والممدود لابن ولاد ص21.
2 سقط من "ب".
3 شرح ابن الناظم ص540.
4 في المزهر 2/ 53: "وفي كتاب المقصور للقالي زيادة: نفساء، لغة في نفساء، والسحناء، الهيئة، لغة في السحناء، ويقال في ثأْداء وثأَداء، بالفتح والسكون".
5 الصحاح "فرم".(2/498)
يذكره في مادة القاف1. [قال في القاموس في فصل الفاء2: وقول الجوهري: فرماء موضع، سهو، وإنما هو بالقاف، وقال في فصل القاف3: وقرمى كجمزى، ويمد: موضع باليمامة لبني امرئ القيس، وموضع بين مكة والمدينة. "على هذا" التقدير "فعد الناظم لذلك في المشهور" من أوزان الممدودة "مشكل" لأنه وزن نادر جدًّا. "وفي المحكم" لابن سيده "أن جنفى، بالجيم والنون والفاء والقصر، موضع، وأنه بالمد أيضًا موضع". فذكره فيما يختض بالمد مشكل]4.
الوزن "السادس عشر: فعلاء، بكسر أوله وفتح ثانيه نحو5: سيراء" بالسين المهملة والياء المثناة التحتانية: ثوب مخلوط بحرير، وقيل: ما عمل من القز، وقيل: برد في خطوط صفر وأيضًا نبت، وأيضًا: الذهب1.
الوزن "السابع عشر: فُعَلاء، بضم أوله وفتح ثانيه كـ: خيلاء" بالخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية: الكبر والعجب.
__________
1 في حاشية يس 2/ 291: "قرماء؛ بالقاف وتحريك العين: موضع، ذكره الجوهري بالفاء، وهو تصحيف، إنما هو بالقاف".
2 القاموس المحيط "فرم".
3 القاموس المحيط "قرم".
4 سقط من "أ": من قوله "قال في القاموس..." إلى هنا.
5 سقط من "ب".
6 في المزهر 2/ 107: "وليس في الكلام فِعَلاء، إلا ثلاثة أحرف: السيراء: ضرب من البرود، ويقال الذهب، والحولاء: والكلام فيه بالضم، والعنباء: للعنب".(2/499)
باب المقصور والممدود:
المقصور: هو الاسم المتمكن الذي حرف إعرابه ألف لازمة كـ: الفتى والعصا، بخلاف: إذا، ورأيت أخاك، فلا يسمى مقصورًا.
والممدود: هو الاسم المتمكن الذي آخره همزة بعد ألف زائدة كـ: كساء ورداء، بخلاف. أولاء ورشاء، فلا يسمى ممدودًا.
"قصر الأسماء ومدها ضربان: قياسي، وهو وظيفة النحوي. وسماعي وهو وظيفة اللغوي، وقد" اعتنى اللغويون بهما حتى "وضعوا في ذلك كتبًا1 وضابط الباب عند النحويين" ليرجع إليه، "أن الاسم المعتل بالألف ثلاثة أقسام:
أحدها: ما له نظير في الصحيح" الآخر، "يجب فتح ما قبل آخره" قياسًا، "وهذا النوع مقصور بقياس"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
771- إذا اسم استوجب من قبل الطرف فتحا وكان ذا نظير كالأسف
772- فلنظيره المعل الآخر ثبوت قصر بقياس ظاهر
"وله أمثلة منها: كونه مصدر: فعل" بكسر العين "اللازم، نحو: جوي جوى"2 بالجيم، "وهوي هوى، وعمي عمى، فإن تظيرها من الصحيح" الآخر: "فرح فرحًا"، وبطر بطرًا، "وأشر أشرًا" وفتح ما قبل آخرها واجب مطرد, لأن "فعل"، اللازم قياس مصدره "فعل" بفتحتين.
__________
1 ألف العلماء ما يزيد على أربعين كتابًا في المقصور والممدود، وقد أحصاها محققًا المقصور والممدود والفراء في مقدمتهما ص13-19.
2 في "ب": "يحوي".(2/500)
"قال ابن عصفور وغيره" تبعًا لسيبويه1 والفراء2: "وشذ الغراء" بالغين المعجمة المفتوحة والمد؛ "مصدر غري"؛ بكسر الراء، فهو غر. وفي الصحاح3 في فصل الغين المعجمة والراء: غري بالشيء, بالكسر، أي: أولع به، والاسم الغراء، بالفتح والمد. "وأنشدوا" لكثير: [من الطويل]
891- إذا قلت مهلا غارت العين بالبكا غراء ومدتها مدامع نهل
هذا قول ابن عصفور وموافقيه.
"وفيما قالوه نظر، لأن أبا عبيدة حكى" عن خالد بن كلثوم4: "غاريت بين الشيئين غراء أي: واليت" بينهما. "ثم أنشده"، أي بيت كثير المتقدم. "وعلى" قول أبي عبيدة "هذا فالمد قياسي؛ كما سيأتي؛ لأن غاريت غراء" بالكسر، له نظير من الصحيح يجب قبل آخره ألف "كـ: قاتلت قتالا". ثم قال أبو عبيدة5: "وغاريت: فاعلت من غريت" بالشيء أغرى "به. وأنشد" أبو عبيدة والجوهري6: "أسلو بدل: مهلا. وفاضت بدل: غارت: وحفل: بدل نهل"، بضم النون وتشديد الهاء، أي: كثيرة متتابعة، دل عليه رواية "حفل"، بضم الحاء المهملة وتشديد الفاء. أي: ممتلئة.
ولا يبعد عندي أن يقال: الغراء؛ بالفتح والمد؛ اسم مصدر كـ: الكلام والسلام، وقياس المصدر: غرى، بالقصر، وما حكاه أبو عبيدة من باب "فاعل" لا من باب "فعل" وكل استشهد بحسب ما رواه. وقد جزم الجوهري6 بأن "الغراء" بالفتح والمد: اسم مصدر غري، "والغراء" بالكسر والمد. مصدر غاريت.
__________
1 الكتاب 3/ 538.
2 المقصور والممدود للفراء ص40.
3 الصحاح "غري".
891- البيت لكثير عزة في ديوانه ص255، وأمالي القالي 1/ 60، وسمط اللآلي ص223، ولسان العرب 11/ 157 "حفل"، 15/ 121 "غرا"، وشرح المفصل 6/ 39، وتاج العروس "حفل" وفيه "حفل" مكان "نهل"، وغر" والمقاصد النحوية 4/ 509، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 292، وشرح الأشموني 3/ 655.
4 في "أ", "ب"، "ط": "خالد بن مكتوم" والتصويب من لسان العرب 15/ 121 "غرا"، وأمالي القالي 1/ 60، حيث ورد قوله وقول أبي عبيدة.
5 انظر أمالي القالي 1/ 60، ولسان العرب 15/ 121 "غرا"، والصحاح "غرا".
6 الصحاح "غرا".(2/501)
واختلفوا في بيت كثير، فابن عصفور يرى أنه بالفتح والمد. وأبو عبيدة يرى أنه بالكسر والمد. وتابعه على ذلك الجوهري، فلم يتواردا على محل واحد.
"ومنها "فعل" بكسر أوله وفتح ثانيه جمعًا لـ"فِعْلة"؛ بكسر أوله وسكون ثانيه، نحو: فرية وفرى"؛ بالفاء والراء: الكذب. "ومرية ومرى" بالراء: الجدال. "فإن نظيره" من الصحيح: "قربة وقرب" بكسر القاف فيهما.
"ومنها: "فعل" بضم أوله وفتح ثانيه جمعًا لـ"فُعْلة" بضم أوله وسكون ثانيه نحو: دمية ودمى" بالدال المهملة، الصور المنقوشة في الحائط، وتطلق1 على الصور الجميلة على سبيل التشبيه، "ومدية ومدى" بالدال المهملة: السكين، "وزبية وزبى" بالزاي المضمومة وسكون الموحدة: الحفيرة تحفر للأسد. "وكسوة وكسى" بالكاف والسين المهملة، "فإن نظيرها" من الصحيح: "حجة وحجج، وقربة وقرب" بضم الحاء والقاف فيهما. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
773- كفعل وفعل في جمع ما كفعلة وفعلة نحو الدمى
"ومنها: اسم مفعول، ما زاد على ثلاثة نحو: معطى" من الرباعي، ومقتفى من الخماسي، "ومستدعى" من السداسي، "فإن نظيره" من الصحيح:" "مكرم" ومحترم "ومستخرج" بفتح ما قبل الآخر فيهن.
القسم "الثاني" من أقسام المعتل بالألف: "أن يكون له نظير من الصحيح يجب قبل آخره ألف، وهو النوع ممدود بقياس". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
774- وما استحق قبل آخر ألف فالمد في نظيره حتما عرف
"وله أمثلة منها: أن يكون الاسم مصدرًا لـ: أفعل"، بسكون الفاء وفتح العين، "أو لـ: فعل"، بكسر الفاء وسكون العين، "أوله همزة وصل".
فالأول "كـ: أعطى إعطاءً و" الثاني نحو: "ارتأى ارتآء". قال الجوهري2: ارتأى افتعل، من الرأي والتدبير. انتهى. والأصل: ارتأى ارتآيا، قلبت الياء في الفعل ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وفي المصدر قلبت همزة لتطرفها إثر ألف زائدة، "واستقصى" الأمر "استقصاء" تتبعه. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
775- كمصدر الفعل الذي قد بدئا بهمز وصل كارعوى وكارتأى
__________
1 في "ب": "ويطلق".
2 الصحاح "رأى".(2/502)
"فإن نظير ذلك" أي: نظير ما كان مصدرًا لـ"أفعل" من الصحيح: أكرم إكرامًا، ونظير ما كان مصدرًا لفعل أوله همزة وصل من الصحيح: "اكتسب اكتسابًا"، فإنه من: افتعل، "واستخرج استخراجًا"، فإنه من: استفعل.
"ومنها: أن يكون مفردًا لـ: أفعلة"، سواء كانت الهمزة فيه مبدلة عن واو أو ياء، فالأول "نحو: كساء وأكسية، و" الثاني نحو: "رداء وأردية"، والأصل: كساو ورداي، "فإن نظيره" من الصحيح: "حمار وأحمرة، وسلاح وأسلحة. ومن ثم"، أي من أجل أن: أفعله حقها أن تكون جمعًا للممدود ولا تكون جمعًا للمقصور.
"قال الأخفش: أرحية" جمع رحي. من اليائي، "وأقفية" جمع قفى. من الواوي، "من كلام المولدين، لأن رحى وقفى مقصوران". والرحى: الطاحونة مؤنثة. والقفا: مؤخر العنق، يذكر ويؤنث. "وأما قوله"، وهو مرة بن محكان التميمي: [من البسيط]
892- في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
"والمفرد: ندى، بالقصر، فضرورة. وقيل": ليس بضرورة ولكنه "جمع" بالبناء للمفعول "ندى" بالقصر "على نداء" بالمد "كـ: جمل وجمال" بالجيم، "ثم جمع نداء" الممدود "على أندية"، فأندية على هذا جمع الجمع. "و" هذا القول "يبعده أنه لم يسمع. نداء جمعًا" ولو سمع لنقل، واللازم منتف فالملزوم كذلك.
"ومنها: أن يكون مصدرًا لـ"فعل" بالتخفيف" والفتح، حال كونه "دالا على صوت كـ: الرغاء والثغاء"، بضم المهملة والمثلثة وفتح ثانيهما وإعجامه، والرغاء: صوت ذوات الخف، والثغاء، صوت الشاة من الضأن والمعز "فإن نظيره" من الصحيح "الصراخ. أو" دالا "على داء نحو: المشاء"، يقال: مشى بطنه مشاء، "فإن نظيره" من الصحيح: "الدوار" بضم الدال وفي آخره مهملة، زاد في القاموس: فتح الدال، قال1 فهو شبه2 الدوران يأخذ في الرأس، والزكام بضم الزاي.
__________
892- البيت لمرة بن محكان في الأغاني 3/ 318، والخصائص 3/ 52، 237، وسر صناعة الإعراب ص620، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1563، ولسان العرب 15/ 313 "ندى" والمقاصد النحوية 4/ 510، والمقتضب 3/ 81، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 294، وشرح الأشموني 3/ 656، وشرح شافية بن الحاجب ص329، وشرح المفصل 10/ 17، ولسان العرب 11/ 268 "رجل".
1 القاموس المحيط "دور".
2 في "ط": شبيه".(2/503)
القسم "الثالث: أن يكون لا نظير له" من الصحيح، "فهذا إنما يدرك قصره ومده بالسماع، فمن المقصور سماعًا، الفتى واحد الفتيان، والسنا: الضوء، والثرى" بالمثلثة: "التراب، والحجا" بكسر الحاء المهملة وبالجيم: "العقل"، وهو صفة يميز بها بين الحسن والقبيح. "ومن الممدود سماعًا: الفتاء، لحداثة السن، والسناء للشرف" بالشين المعجمة، "والثراء بالمثلثة "لثكرة المال، والحذاء" بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة، "للنعل" بالنون والعين المهملة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
776- والعادم النظير ذا قصر وذا مد بنقل كالحجا وكالحذا
"مسألة:
أجمعوا على جواز قصر الممدود للضرورة"1، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
777- وقصر ذي المد اضطرارًا مجمع عليه..........................
"كقوله": [من الرجز]
893- "لا بد من صنعا وإن طال السفر" وإن تحنى كل عود ودبر
فقصر: صنعا للضرورة، وجواب الشرط محذوف، أي: لا بد منه، وتحنى: من حنى ظهره إذا احدودب، والعود، بفتح العين المهملة وسكون الواو: المسن من الإبل. ودبر، بفتح الدال وكسر الموحدة، من دبر البعير، بالكسر، يدبر دبرة ودبورًا إذا عقر ظهره.
"وقوله": [من الطويل]
894- فهم مثل الناس الذي يعرفونه وأهل الوفا من حادي وقديم
فقصر: الوفا للضرورة، وهو ممدود. وأراد2: أن هؤلاء القوم مدحتهم مثل للناس، يعرفونه
__________
1 في شرح ابن الناظم ص542: "ولا خلاف في جواز قصر الممدود للضرورة"، وانظر شرح ابن عقيل 2/ 440، والإنصاف 2/ 645، المسألة رقم 109.
893- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 296، والدرر 2/ 506، وشرح الأشموني 3/ 657، والمقاصد النحوية 4/ 11، وهمع الهوامع 2/ 156، والمخصص 15/ 11، 16/ 42 وتاج العروس 21/ 369 "صنع"، ولسان العرب 8/ 212 "صنع"، وكتاب العين 2/ 219.
894- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 296، والدرر 2/ 506، وشرح الأشموني 3/ 657، والمقاصد النحوية 4/ 512، وهمع الهوامع 2/ 156.
2 في "ط": "والدرر 2/ 506: "يعرفونهم".(2/504)
ويضربون بهم1 مثلا في كل نوع من أنواع الخير، وأنهم مع هذا أهل الوفاء بالعهود من حادث متجدد2، وقديم ماض.
ومنع الفراء قصر الممدود للضرورة فيما له قياس يوجب مده، نحو: فعلاء "أفعل"3، لأن "فعلاء" تأنيث أفعل لا يكون إلا ممدودا، فلا يجوز عنده أن يقصر للضرورة، ورد بقول الأقيشر: [من المنسرح]
895- فقلت لو باكرت مشمولة صفرا كلون الفرس الأشقر
فقصر: صفراء، للضرورة، وهي: فعلاء أنثى: أفعل فلهذا لم يعتد بخلافه، وحكي الإجماع على الجواز تبعا للناظم.
"واختلفوا في جواز مد المقصور للضرورة، فأجازه الكوفيون متمسكين بنحو قوله: [من الوافر]
896- سيغنيني الذي أغناك عني فلا فقر يدوم ولا غناء
فمد: غنى للضرورة مع أنه مقصور، وورد في الاختيار كقراء طلحة بن مصرف: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} [النور: 43] بالمد4، ووافقهم ابن ولاد5، وابن خروف "ومنعه البصريون" وقالوا: القراءة شاذة، "وقدروا الغناء في" هذا "البيت مصدرا لـ: غانيت" لأنه يقال: غانيت غناء كـ: قاتلت قتالا، لا مصدر لـ: غنيت" غنى كـ: رضيت رضى، "وهو تعسف" وإلى الخلاف في ذلك أشار الناظم بقوله:
777- .................................. ........ والعكس بخلف يقع
__________
1 في "أ": "يضربونهم".
2 في "أ": "ممتد".
3 سقط من "ط"، والدرر 2/ 506.
895- البيت للأقيشر الأسدي في ديوانه ص43، والدرر 2/ 507، والمقاصد النحوية 4/ 516، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص448، والحماسة البصرية 2/ 368، وشرح الأشموني 3/ 658، ومجالس ثعلب 1/ 110، وهمع الهوامع 2/ 156.
869- البيت بلا نسبة في الإنصاف ص747، وأوضح المسالك 4/ 297، وتذكر النحاة ص509، والدرر 2/ 508، وشرح الأشموني 3/ 658، وشرح ديوان زهير ص73، ولسان العرب 15/ 136 "غنا", والمقاصد النحوية 4/ 513، والمنقوص والممدود ص28.
4 انظر هذه القراءة في المحتسب 2/ 114، والبحر المحيط 6/ 465، والدرر 2/ 508.
5 المقصور والممدود لابن ولاد ص53-54.(2/505)
باب كيفية التثنية:
وهي1 جعل الاسم2 القابل لها دليل اثنين بزيادة في آخره. "والاسم" القابل للتثنية "على خمس أنواع:
أحدها: الصحيح"، وهو ما ليس آخره حرف علة "كـ: رجل وامرأة".
و "الثاني: المنزل منزلة الصحيح"، وهو ما كان آخره ياء أو واوًا قبلها سكون "كـ ظبي ودلو".
و"الثالث: المعتل المنقوص" وهو ما كان آخره ياء ساكنة قبلها كسرة لازمة من المعرب "كـ: القاضي" والقاضية.
"وهذه الأنواع الثلاثة يجب أن لا تغير" عن حالها "في التثنية، تقول: رجلان وامرأتان، وظبيان، ودلوان، والقاضيان"، والقاضيتان، "وشذ في" تثنية: "ألية": بفتح الهمزة، "وخصية" بضم الخاء المعجمة: "أليان وخصيان"؛ بحذف التاء. والقياس: أليتان وخصيتان. قال عنترة: [من الوافر]
897- متى ما تلقني فردين ترجف روانف أليتيك وتستطارا
__________
1 "أ": "هو".
2 في "ب": "جمع للاسم".
897- البيت لعنترة في ديوانه ص234، وخزانة الأدب 4/ 297، 7/ 507، 553، 8/ 22، والدرر 2/ 196، وشرح شواهد الشافية ص505، وشرح عمدة الحافظ ص460، وشرح المفصل 2/ 55، ولسان العرب 4/ 513، "طير" 14/ 43 "ألا" 14/ 231 "خصا", والمقاصد النحوية 3/ 174، وبلا نسبة في أسرار العربية ص191، وأمالي ابن الحاجب 1/ 451، وشرح ابن الناظم ص242، وشرح الأشموني 3/ 579، وشرح التسهيل 1/ 90، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 301، وشرح المفصل 4/ 116، 6/ 87، ولسان العرب 9/ 127 "رنف", وهمع الهوامع 2/ 63.(2/506)
والروانف، بالراء، والنون والفاء: أطراف الألية، وقيل: أليان وخصيان، ليسا تثنية: ألية وخصية المؤنثين، وإنما "هما تثنية: ألي وخصي" المذكرين.
النوع "الرابع: المعتل المقصور"، هو ما آخره ألف لازمة من المعرب، "وهو نوعان:
[أحدهما]1 ما يجب قلب ألفه ياء" في التثنية، "وذلك في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تتجاوز [ألفه]1 ثلاثة أحرف"، وأن2 تكون ألفه رابعة "كـ: حبلى وحبليان، وملهى وملهيان"، بفتح الميم وسكون اللام، وهو ما يلهى به.
أو خامسة كـ: معطى ومعطيان، أو سادسة كـ: مستدعى ومستدعيان. "وشذ قولهم في تثنية: قهقرى". وهو الرجوع إلى خلف. "وخوزلى" بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وفتح الزاي. وهو مشية فيها تثاقل، وقيل: مشية بتبختر: "قهقران وخوزلان، بالحذف" للألف دون قلبها ياء.
المسألة "الثانية: أن تكون" الألف "ثالثة مبدلة من ياء كـ: فتى. قال الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}" [يوسف: 36] بقلب الألف ياء. "وشذ في" تثنية:
"حمى" بكسر الحاء المهملة: "حموان بالواو". وحكاه الفراء3 مع أن ألفه مبدلة من ياء، تقول: حميت المكان حماية. والقياس: حميان.
المسألة "الثالثة: أن تكون" الألف "غير مبدلة" من شيء، وهي المجهولة الأصل. "وقد أميلت كـ: متى، لو سميت بها قلت في تثنيتها: متيان".
أما قلب الألف، فلأن علامة التثنية لا بد من فتح ما قبلها، وما آخره ألف لا يمكن تحريكه لأن الألف لا تقبل الحركة، ولا يمكن حذف الألف لالتباس المثنى بالمفرد عند الإضافة.
وأما وجه قلبها ياء في المسألة الأولى فبالحمل على الفعل لأن التصريف في الاسم محمول عليه في الفعل. وأنت لو بنيت فعلا مما زاد على الثلاثة لقلبت الألف إلى الياء، سواء أكان أصلها الواو أم لا. وأما في المسألة الثانية فهي من الرجوع إلى الأصل.
وأما في المسألة الثالثة فلأن الإمالة إنما تحصل بنحو الألف إلى الياء فردت إليها في التثنية.(2/507)
وإلى هذه المسائل الثلاث أشار الناظم بقوله:
778- آخر مقصور تثني اجعله يا إن كان عن ثلاثة مرتقيا
779- كذا الذي اليا أصله نحو الفتى والجامد الذي أميل كمتى
"و" النوع "الثاني" من نوعي المقصور "ما يجب قلب ألفه واوًا، وذلك في مسألتين:
إحداهما: أن تكون مبدلة من الواو"، ولم تتجاوز ثلاثة أحرف "كـ: عصا" وعصوان. "وقفا" وقفوان، "ومنا" بالتخفيف؛ ومنوان. "وهو لغة من المن" بالتشديد "الذي يوزن به. قال" الشاعر: [من الوافر]
898- وقد أعددت للعذال عندي عصا في رأسها منوا حديد
"وشذ قولهم في" تثنية: "رضا: رضيان؛ بالياء مع أنه من الرضوان". وقاس عليه الكسائي. وأجيب بأنه نادر لا يقاس عليه.
المسألة "الثانية" من المسألتين: "أن تكون" الألف "غير مبدلة" من شيء "ولم تمل، نحو: لدى وإذا، تقول إذا سميت بهما ثم ثنيتهما: لدوان وإذوان". وإنما قلبت الألف في هاتين المسألتين واوًا، لأن التثنية ترد الأشياء إلى أصولها، وعدم الإمالة دليل على عدم ملاحظة الياء.
وإلى هاتين المسألتين أشار الناظم بقوله:
780- في غير ذا تقلب واوًا الألف وأولها ما كان قبل قد ألف
والنوع "الخامس: الممدود" وهو ما كان آخره همزة قبلها ألف زائدة.
"وهو أربعة أنواع:
أحدها: ما يجب سلامة همزته، وهو ما همزته أصلية كـ: قراء" بضم القاف وتشديد الراء المهملة، "و: وضاء" بضم الواو وتشديد الضاد المعجمة. "تقول" في تثنيتهما: "قُرَّاءان, و: وضاءان" بتصحيح الهمزة وسلامتها من القلب واوًا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
782- ............. وغير ما ذكر صحح......................
"والقراء: الناسك, والوضاء: الوضيء الوجه" مأخوذان من: قرء ووضوء. وإنما لم تقلب الهمزة فيهما لقوتها بالأصالة وعدم انقلابها عن غيرها.
__________
898- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 299، وشرح الأشموني 3/ 660.(2/508)
النوع "الثاني: ما يجب تغيير همزته واوًا، وهو ما همزته بدل من ألف التأنيث كـ: حمراء" عند الجمهور، "وحمراوان"، وإنما قلبت هنا لأن بقاءها على صورتها يؤدي إلى وقوع همزة بين ألفين وذلك كتوالي ثلاث ألفات، واختير قلبها واوًا لبعد شبهها بالألف، لأن الياء تشبه الألف في وقوع كل منهما للتأنيث. قاله المبرد1. وهو منقوض بمطايا. والأجود أن يقال: إنما قلبت واوًا حملا على النسب، لأن التثنية وجمعي التصحيح. والنسب تجري مجرى واحدًا، قاله الشاطبي. وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
781- وما كصحراء بواو ثنيا ...........................
"وزعم السيرافي أنه إذا كان قبل ألفه واو وجب تصحيح الهمزة لئلا يجتمع واوان ليس بينهما إلا ألف، فتقول في: عشواء" بفتح العين المهملة وسكون الشين المعجمة؛ وهي التي لا تبصر ليلا وتبصر نهارًا. "عشواءان؛ بالهمزة؛ وجوز الكوفيون في ذلك الوجهين": التصحيح والقلب واوًا.
وشذ عند الفريقين: حمرايات، بقلب الهمزة ياء. "و" شذ: "قرفصان" في تثنية: قرفصاء، بضم القاف وسكون الراء وضم الفاء بعدها صاد مهملة: ضرب من القعود. "وخنفسان"، تثنية خنفساء، بضم الخاء المعجمة وسكون النون. قال الجوهري2: "وفتح الفاء" ومقتضى الضياء ضمها، ومقتضى القاموس جوازهما، وسينها مهملة:
"دويبة سوداء"، "وعاشوران تثنية": عاشوراء: العاشر أو التاسع من المحرم. قاله في القاموس3. "بحذف الألف والهمزة معًا". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
782- ............................... ... وما شذ على نقل قصر
النوع "الثالث: ما يترجح فيه التصحيح"، وهو إقرار الهمزة على حالها "على الإعلال"، وهو قلب الهمزة واوا. "وهو ما همزته بدل من أصل نحو: كساء وحياء" بالحاء المهملة والياء المثناة التحتانية، "أصلهما: كساو وحياي"، قلبت الواو والياء فيهما همزة لتطرفهما إثر ألف زائدة. وإنما رجح التصحيح لأن فيه إقرارًا للحرف على صورته الأصلية، بخلاف الإعلال "وشذ على الوجهين، كسايان", بإبدال الواو ياء.
__________
1 المقتضب 3/ 338.
2 الصحاح "خفس".
3 القاموس المحيط "خنفس".(2/509)
النوع "الرابع: ما يترجح فيه الإعلال"، وهو قلب الهمزة واوًا "على التصحيح"، وهو عدم القلب، "وهو ما همزته بدل من حرف الإلحاق كـ: علباء"، بكسر العين المهملة وسكون اللام وبالباء الموحدة: عصبة صفراء في العنق. قال أبو النجم: [من الرجز]
899- يمور في الحلق على علبائه
"وقوباء": بضم القاف وسكون الواو وبالباء الموحدة: داء معروف يتقشر ويتسع1، يعالج بالريق. "أصلهما: علباي وقوباي، بياء زائدة فيهما، لتلحقهما بـ: "قرطاس" بكسر القاف وسكون الراء: وهو ما يكتب فيه أو يرمى إليه. "وقرناس"، بضم القاف وسكون الراء بعدها نون فسين مهملة: شبه الأنف يتقدم من الجبل. "ثم أبدلت الياء" فيهما "همزة" لتطرفها إثر ألف زائدة. فعلباء ملحق بقرطاس، وقوباء ملحق بقرناس. وإنما ترجح الإعلال على التصحيح فيهما تشبيهًا لهمزتها بهمزة: حمراء من جهة أن كلا منهما بدل من حرف زائد غير أصلي.
"وزعم الأخفش وتبعه" أبو موسى "الجزولي: أن الأرجح في هذا الباب أيضًا التصحيح" على الإعلال، "و" أن "سيبويه إنما قال2: إن القلب في: علباء أكثر منه في: كساء" مع اشتراكهما في العلة. فلذلك قال الناظم:
781- ............................ ونحو علباء كساء وحيا
782- بواو أو همز ........ .......................
من غير ترجيح.
__________
899- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص56، والمخصص 16/ 28، 63.
1 في "أ": "وينسلخ"، والتصويب من "ب"، "ط"، ولسان العرب 1/ 693 "قوب".
2 الكتاب 3/ 392.(2/510)
"هذا باب جمع الاسم جمع المذكر السالم" ويسمى الجمع الذي على هجاءين:
وهما: الواو والنون رفعًا، والياء والنون نصبًا وجرًّا. ويسمى [أيضًا]1: "الجمع الذي على حد المثنى" أي: على طريقة المثنى، "لأنه أعرب بحرفين": الواو والياء. "وسلم فيه بناء الواحد، وختم بنون زائدة تحذف للإضافة2 كما أن المثنى أعرب بحرفين: الألف والياء، وسلم فيه بناء الواحد، وختم بنون زائدة تحذف للإضافة2.
"اعلم أنه يحذف لهذا الجمع" المذكر السالم "ياء المنقوص وكسرتها" التي قبلها، "فتقول" في جمع: القاضي، مما ياؤه أصلية، والداعي، مما ياؤه منقلبة عن واو: "القاضون والداعون". والأصل فيهما: القاضيون والداعيون: حذفت ضمة الياء للاستثقال ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين. وحذفت الكسرة التي كانت قبل الياء لئلا يلزم قلب الواو ياء لوقوعها ساكنة إثر كسرة، ثم عوض من الكسرة الضمة لمناسبة الواو. وإن شئت قلت: استثقلت الضمة على الياء فيهما فنقلت منها إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين.
"و" تحذف لهذا الجمع "ألف المقصور دون فتحتها: التي قبلها، "فتقول" في جمع: موسى علمًا: "الموسون"، والأصل: الموساون، حذف الألف لالتقاء الساكنين وأبقيت الفتحة لتدل على الألف المحذوفة، وإليه أشار الناظم بقوله:
__________
1 إضافة من "ب", "ط".
2 سقط ما بينهما من "ط".(2/511)
783- واحذف من المقصور في جمع على حد المثنى ما به تكملا
784- والفتح أبق مشعرًا بما حذف ....................................
وذهب الكوفيون إلى قلب الفتحة ضمة فيما ألفه زائدة، فأجازوا في جمع موسى: موسون وموسون، بفتح السين وضمها، فالفتح بناء على أن وزنه مفعل وألفه أصلية، من: أوسيت رأسه إذا حلقته بالموس. والضم: بناء على أن وزنه فعلى وألفه زائدة. من: ماس رأسه موسًا: حلقه1.
واتفق الجميع على إبقاء الفتحة فيما ألفه منقلبة عن أصل، ياء أو واو، فتقول: الفتون والأعلون. "وفي التنزيل: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْن} [آل عمران: 139]، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} [ص: 47]، وأصلهما: الأعليون والمصطفيين، تحركت ياءهما المبدلتان من واو في الأصل لأنهما من العلو والصفوة, وانفتح ما قبلهما فقلبا ألفين ثم حذفا لالتقاء الساكنين، وبقيت الفتحة قبلهما دليلا عليهما.
"ويعطى الممدود" في [جمعه]2 جمع المذكر السالم "حكمه في التثنية" من وجوب التصحيح فيما همزته أصلية، ومن وجوب القلب إلى الواو فيما همزته بدل من ألف التأنيث، ومن جواز الأمرين فيما همزته بدل من ألف الإلحاق أو بدل من أصل.
"فتقول في" جمع: "وضاء" وقراء، وصفين لمذكر: "وضاؤون" وقراؤون، "بالتصحيح" بسلامة الهمزة لأصالتها.
"و" تقول "في" جمع "حمراء، علمًا لمذكر" عاقل: "حمراوان، بالواو"، لأن همزته بدل من ألف التأنيث، واحترز بقوله: علمًا، لأن حمراء صفة لا تجمع جمع السلامة.
"ويجوز الوجهان": التصحيح والإعلال "في نحو: علباء وكساء, علمين لمذكرين" عاقلين، فتقول: علباؤون وكساؤون، بالتصحيح، وعلباوون وكساوون، بإبدال الهمزة واوًا لأنها في: علباء للإلحاق بقرطاس، وفي: كساء بدل من أصل. وفي الأرجح من الوجهين الخلاف السابق، والتقييد بالعلمية لصحة الجمع.
__________
1 شرح ابن الناظم ص545.
2 سقط من "أ".(2/512)
باب كيفية جمع المؤنث السالم من التغيير:
"يسلم في هذا الجمع" المؤنث السالم "ما سلم في التثنية"، لأن التثنية وجمع السلامة أخوان. "فتقول في جمع: هند" علمًا لمؤنث: "هندات" بزيادة ألف وتاء، "كما تقول في تثنيتها: هندان" بزيادة ألف ونون من غير حذف شيء منها، "إلا ما ختم بتاء التأنيث فإن تاءه تحذف في الجمع" بالألف والتاء لئلا يجمع بين علامتي تأنيث. "وتسلم في التثنية" لفقد العلة المذكورة.
"تقول في جمع: مسلمة: مسلمات"، ولا تقول: مسلمتات، لما مر، "و" تقول "في تثنيتها: مسلمتان" بإثبات التاء، ولا تقول: مسلمان بحذفها، للإلباس بتثنية المذكر. "و" جمع المقصور والممدود "يتغير فيه ما يتغير في التثنية".
"تقول في" جمع المؤنث بألف التأنيث المقصورة. "حبليات، بالياء" المثناة التحتانية. "و" بالممدودة، وإنما قلبوا المقصورة لأنهم لا يجمعون بين ألفين، والحذف متعذر لأن الكلمة بنيت عليها، وخصت بالقلب إلى الياء لأن الياء يؤنث بها كـ: تقومين، وإنما قلبوا الممدودة واوًا لأن بقاءها يؤدي إلى اجتماع ثلاث ألفات، فإن الهمزة من مخرج الألف، وخصت بالقلب واوًا لأن الياء قريبة من الألف، فلو قلبت ياء لأدى إلى اجتماع ثلاث ألفات.(2/513)
"وإذا كان ما قبل التاء" الدالة على التأنيث في المفرد "حرف علة، أجريت عليه"، أي على حرف العلة، "بعد حذف التاء، ما يستحقه" من تصحيح وإعلال "لو كان آخرًا في أصل الوضع" قبل مجيء تاء التأنيث.
"فتقول في" جمع "نحو: ظبية وغزوة: ظبيات وغزوات، بسلامة" حرف العلة، "الياء والواو"، من القلب ألفًا لسكون ما بعدها.
"و" تقول في جمع [نحو]1: مصطفاة وفتاة" بالفاء والتاء المثناة فوق: "مصطفيات وفتيات، بقلب الألف ياء" فيهما رجوعًا إلى الأصل في: فتاة، ولزيادتها على الثلاث في: مصطفاة لأنها من: الصفوة. "قال الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33].
"و" تقول "في" جمع "نحو: قناة" بالقاف والنون: وهي الرمح والحفيرة: "قنوات، بالواو"، ردا إلى أصلها لأنها ثالثة.
"و" تقول "في" جمع "نحو: نباءة" بفتح النون والباء الموحدة بعدها ألف زائدة فهمزة بدل من واو، قال الجوهري2: النبوة والنباوة: ما ارتفع من الأرض. وضبطها الشيخ عبد القادر المكي، بفتح النون وسكون الموحدة بعدها همزة فتاء تأنيث: الصوت الخفي. انتهى. وفيه نظر3: "نباءات". بإقرار الهمزة، "ونباوات" بقلبها واوًا لما مر من أن ما همزته بدل من أصل يجوز فيه التصحيح والإعلال.
وتقول في نحو: بناءة، بفتح الموحدة، وتشديد النون مؤنث بناء: بناءات وبنايات لأن الهمزة فيه بدل من ياء لأنه من: بنى يبني.
"و" تقول "في" جمع "نحو: قراءة" بضم القاف وتشديد الراء، وهي الناسكة: "قراءات، بالهمزة لا غير"، لما مر من أن الهمزة الأصلية يجب سلامتها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
784- ......................... وإن جمعته بتاء وألف
785- فالألف اقلب قلبها في التثنيه وتاء ذي التا ألزمن تنحيه
__________
1 إضافة من "ط".
2 الصحاح "نبا".
3 في حاشية يس 2/ 298: "قوله وفيه نظر، وجهه أن ذلك على ضبط الشيخ عبد القادر لا يناسب قول المتن بعد ذلك: نباءات ونباوات، وكان يقال عليه، بنات، لا غير".(2/514)
فصل:
"إذا كان المجموع بالألف والتاء اسمًا، ثلاثيًّا: ساكن العين، غير معتلها، ولا مدغمها، فإن كانت فاؤه مفتوحة، لزم فتح عينه" اتباعًا لفتح فائه، سواء في ذلك العاقل وغيره. وصحيح الفاء واللام أو أحدهما، مؤنث بالتاء أو المعنى "نحو: سجدة ودعد" علم امرأة، "تقول" في جمعها بالألف والتاء: "سجدات ودعدات" بفتح عينهما. "قال الله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}" [البقرة: 167] بفتح السين، جمع: حسرة، بسكونها: "وقال" عبد الله بن عمرو العرجي: [من البسيط]
900- بالله يا ظبيات القاع قلنا لنا ليلاي منكن أم ليلى من البشر
بفتح الباء الموحدة، جمع: ظبية، بسكونها، والقاع: المستوي من الأرض. وليلى بالإضافة إلى ياء المتكلم: مبتدأ سقط منه همزة الاستفهام بدليل معادلتها بأم. ومنكن: خبر المبتدأ. وعدل من الإضمار إلى التصريح باسمها ثانيًا للاستلذاذ. "وأما قوله"، وهو أعرابي من بني، عذرة: [من الطويل]
901- وحملت زفرات الضحى فأطقتها وما لي بزفرات العشي يدان
بتسكين الفاء من: زفرات في الموضعين "فضرورة حسنة، لأن العين قد تسكن للضرورة مع الإفراد والتذكير كقوله": [من الرجز]
__________
900- البيت للمجنون في ديوانه ص130، وللعرجي في المقاصد النحوية 1/ 416، 4/ 518، وللكامل الثقفي أو للعرجي في شرح شواهد المغني 2/ 962، وذكر مؤلف خزانة الأدب 1/ 97، ومؤلف معاهد التنصيص، 3/ 167، أن البيت اختلف في نسبته؛ فنسب للمجنون، ولذي الرمة، وللعرجي، وللحسين بن عبد الله، ولبدوي اسمه كامل الثقفي، وهو بلا نسبة في الإنصاف 2/ 482، وأوضح المسالك 4/ 303، وتذكرة النحاة ص318، وشرح الأشموني 1/ 87.
901- البيت لعروة بن حزام في ديوانه ص61، وخزانة الأدب 3/ 380، والدرر 1/ 16، وذيل الأمالي ص160، ولأعرابي من بني عذرة في المقاصد النحوية 4/ 519، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 304، وشرح الأشموني 3/ 668، وشرح ابن عقيل 2/ 450، وهمع الهوامع 1/ 24.(2/515)
902- يا عمرو يابن الأكرمين نسبا
بسكون السين. وإذا فعلوا ذلك في الإفراد ففي الجمع أولى. والزفرات من: زفر يزفر: إذا خرج نفسه بأنين، وإنما أضاف الزفرات إلى وقتي الضحى والعشي، لأن من عادة المتيم أن يقوى به الهيام في هذين الوقتين.
"وإن كان" الاسم المستوفي للشروط الخمسة، "مضموم الفاء نحو: خطوة وجمل" بالجيم، علم امرأة، "أو مكسورها نحو: كسرة وهند، جاز لك في عينه الفتح والإسكان مطلقًا" عن القيد الآتي، "والإتباع" لحركة الفاء "إن لم تكن الفاء، مضمومة واللام ياء كـ: دمية" بالدال المهملة والياء المثناة تحت، وهي الصورة من العاج.
"وزبية" بالزاي والباء الموحدة والياء المثناة تحت، وهي حفرة للأسد. فيقال في جمعهما: دميات وزبيات، بفتح عينهما وإسكانهما، وإذا فتحت لم تقلب الياء ألفًا لئلا يلتقي ساكنان، وامتناع الإتباع فيهما لثقل الياء بعد الضمة.
"ولا مكسورة واللام واوًا كـ: ذروة" بكسر الذال المعجمة وقد تضم، وبسكون الراء: أعلى السنام. "ورشوة" بكسر الراء، على إحدى اللغات الثلاث، وسكون الشين المعجمة1: وهي الجعل. فلا يقال في جمعهما: ذروات ورشوات، بكسر عينهما اتباعًا لفائهما لثقل الواو بعد الكسرة.
"وشذ: جروات، بالكسر" في الراء إتباعًا للجيم جمع: جروة، بكسر الجيم، على إحدى اللغات الثلاث، وسكون الراء: الأنثى من ولد الكلب والسبع والصغيرة من القثاء. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
786- والسالم العين........ ..........................
الأبيات الأربعة2.
__________
902- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 305، والمقاصد النحوية 4/ 530، وتاج العروس 4/ 261 "نسب"، ولسان العرب 1/ 750 "نحب" 755 "نسب".
1 بعده في "ب": "وقد تضم".
2 تمام الأبيات:
... الثلاثي اسما أنل إتباع عين فاء بما شكل
إن ساكن العين مؤنثا بدا مختتما بالتاء أو مجردا
وسكن التالي غير الفتح أو خففه بالفتح فكلا قد رووا
ومنعوا إتباع نحو ذروه وزبية وشذ كسر جروه(2/516)
"ويمتنع التغيير" في العين "في خمسة أنواع" لم تستوف الشروط الخمسة:
"أحدها": فاقد الثلاثة "نحو: زينبات وسعادات، لأنهما رباعيان لا ثلاثيان".
النوع "الثاني": فاقد الاسمية المقابلة للوصفية "نحو: ضخمات" بالضاد والخاء المعجمتين جمع: ضخمة، وهي الغليظة، "وعبلات" بفتح العين المهملة وسكون الموحدة: وهي التامة الخلق. "لأنهما وصفان لاسمان. وشذ: كهلات، بالفتح" في الهاء جمع كهلة: وهي التي جاوزت الثلاثين سنة. وكان حقه الإسكان لأنه صفة، "ولا ينقاس" فتحه، "خلافًا لقطرب".
النوع "الثالث": فاقد سكون العين "نحو: شجرات" بفتح الجيم "وسمرات" بضم الميم، "ونمرات" بكسر الميم، "لأنهن محركات الوسط" ومفردهن: شجرة وسمرة ونمرة، بالنون، أنثى النمر.
"نعم يجوز الإسكان" تخفيفًا في "نحو: سمرات" مما كانت عينه مضمومة، "ونمرات" مما كانت عينه مكسورة، "كما كان" الإسكان "جائزًا" تخفيفًا "في المفرد" نحو: سمرة ونمرة، بإسكان الميم، فاستصحب مع الجمع، "لا أن ذلك" الإسكان "حكم تجدد" له "حالة الجمع" حتى يقال: إن التغيير حاصل بسبب الجمع.
النوع "الرابع": فاقد صحة العين "نحو: جوازت" من الواوي. "وبيضات" من اليائي. مما قبل حرف العلة1 فيه فتحة، فلا يغير "لاعتلال العين. قال الله تعالى: {فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ}" [الشورى: 22] بسكون الواو. "وهذيل تحرك ذلك" بالفتح، ولم تستثقل فتحة عين المعتل لعروضها عندهم. "وعليه قراءة بعضهم: "ثَلاثُ عَوَرَاتٍ" [النور: 85] بفتح الواو2. "وقول الشاعر" الهذلي في وصف جمله: [من الطويل]
903- أخو بيضات رائح متأوب رفيق بمسح المنكبين سبوح
__________
1 في "ط": "العين" مكان "العلة".
2 هي قراءة الأعمش كما في مختصر ابن خالويه ص103.
903- البيت لأحد الهذليين في الدرر 1/ 15، وشرح المفصل 5/ 30، وبلا نسبة في أسرار العربية 355، وأوضح المسالك 4/ 306، وخزانة الأدب 8/ 102، 104، والخصائص 3/ 184، وسر صناعة الإعراب ص78 وشرح ابن الناظم ص546، وشرح الأشموني 3/ 668، وشرح شواهد الشافية ص132، وشرح الكافية الشافية 4/ 1804، ولسان العرب 7/ 125، "بيض"، والمحتسب 1/ 85، والمنصف 1/ 343، وهمع الهوامع 1/ 23.(2/517)
بفتح الياء من بيضات، يقول: جملي في سرعة سيره كالظليم الذي له بيضات يسير ليلا ونهارًا ليصل إليها. والرائح من الرواح وهو الذهاب. والمتأوب: من تأوب إذا جاء أول الليل. والرفيق بمسح المنكبين: هو العالم بتحريكهما في السير. والسبوح: حسن الجري.
وبقي من المعتل ضرب آخر، وهو ما كان حرف العلة فيه ساكنًا وقبله حركة تجانسه1، نحو: تارة ودولة وديمة، فهذا يبقى على حاله، وهذيل تفتحه في جميع الباب. قاله في المصباح.
"واتفق جميع العرب على الفتح في: عيرات جمع: عير"، بكسر العين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وبالراء، "وهي الإبل التي تحمل الميرة"، بكسر الميم وسكون الياء المثناة تحت: الطعام. "وهو شاذ في القياس لأنه" مؤنث بدليل: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يوسف: 94] فهو "كـ: بيعة وبيعات، فحقه الإسكان".
واختلف الناس في: عيرات اختلافًا كثيرًا وحاصله: هل هي بكسرة ففتحة، أو بفتحتين على قولين: والأول قول الجمهور. ثم اختلفوا في المفرد فقال أكثرهم: عير، بكسرة أصلية، اسم جمع للإبل تحمل الميرة لأنها تعير أي: تذهب وتجيء.
وقيل: عير، بكسرة منقلبة، عن ضمة جمع تكسير لـ: عير، بالفتح، وهو الحمار كـ: سقف وسقف، ثم فعل به ما فعل بـ"بيض" من قلب الضمة كسرة. قالوا: واصل القافلة قافلة الحمير، ثم توسعوا فأطلقوها على كل قافلة.
والقول الثاني: اختلف القائلون به أيضًا على قولين: أحدهما للمبرد وهو أنه جمع غير وهو الحمار. والثاني لتلميذه أبي إسحاق وهو أنه جمع غير وهو الذي في الكتف2 أو القدم3، فقيل له: أذلك مؤنث؟ قال: نعم. فإن يونس قال: كل شيئين منفصلين في الإنسان مؤنثان4 كاليدين والرجلين.
النوع "الخامس": فاقد عدم الإدغام "نحو: حجات" جمع: حجة، بفتح الحاء: المرة من الحج، "وحجات" جمع: حجة، بكسر الحاء, للهيئة من الحج، "وحجات" جمع: حجة، بضم الحاء, للدليل، فلا تغير العين عن سكونها "لإدغام عينه، فلو حرك انفك إدغامه، فكان يثقل فتفوت فائدة الإدغام".
__________
1 في "ب": "تجانسه".
2 في "أ": "الكف".
3 في الكامل ص1025: "يقال للناتئ في وصف الكتف: حيد وعير، وكذلك الناتئ في القدم".
4 في "ط": "يؤنثان".(2/518)
باب جمع التكسير:
ويفارقه جمع السلامة في أربعة أشياء:
أحدها: أن جمع السلامة مختص بالعقلاء والتكسير لا يختص.
والثاني: أنه يسلم فيه بناء المفرد ولا يسلم في التكسير.
والثالث: أنه يعرب بالحروف وجمع التكسير بالحركات.
والرابع: أن الفعل المسند إلى جمع السلامة لا يؤنث مع التكسير. قاله أبو البقاء.
"و" جمع التكسير لفظًا: "هو ما تغير فيه بناء الواحد، إما بزيادة" ليست عوضًا من شيء من غير تبديل شكل "كـ: صنو" للمفرد "وصنوان": "لجمعه. قال في الصحاح1: إذا خرج نحلتان أو ثلاث من أصل واحد، فكل واحدة، منهن صنو، الجمع صنوان، برفع النون، بخلاف: زيدون، فإن الواو عوض عن الضمة، والنون عوض عن التنوين.
"أو بنقص" من غير تبديل شكل "كـ: تخمة"، بضم التاء وفتح الخاء المعجمة للمفرد، "وتخم" لجمعه، "أو بتبديل شكل" من غير زيادة ولا نقص، "كـ: أسد". بفتح الهمزة والسين للمفرد، "وأسد"، بضم الهمزة وسكون السين: لجمعه، "أو بزيادة وتبديل شكل، كـ: رجال" ورجل. "أو بنقص وتبديل شكل، كـ: رسل" ورسول، "أو بهن"؛ أي: بالنقص والزيادة وتبديل الشكل "كـ: غلمان" وغلام. فإن: غلمانًا زيد في آخره ألف ونون ونقص منه الألف الواقعة قبل الميم وبعد اللام في: غلام. وتبديل شكله بكسر فائه وإسكان عينه.
__________
1 الصحاح "صنا".(2/519)
هذا تقسيم ابن مالك1. واعترض بأنه لا تحرير فيها لأن صنوان من باب زيادة وتبديل شكل. وتخم من باب نقص وتبديل شكل، لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد. قاله المرادي2.
ويجاب عنه بأنه نظر إلى ظاهر اللفظ، وأنه لا يرى تقدير التغيير كما يؤخذ من كلامه الآتي. والمشهور تقسيم التغيير إلى قسمين3: لفظي وتقديري. فاللفظي ما تقدم. والتقديري نحو: فلك ودلاص، وهجان.
ومذهب سيبويه أن فلكًا وأخواته جموع4 تكسير5، فيقدر في: فلك زوال ضمة الواحد وتبديلها بضمة مشعرة بالجمع. ففلك إذا كان واحدًا كـ: قفل، وإذا كان جمعًا كـ: بدن. وكذا القول في أخواته. الباعث له على ذلك أنهم قالوا في تثنيته: فلكان، فعلم أنهم لم يقصدوا به ما قصد بجنب ونحوه مما يشترك فيه الواحد وغيره حين قالوا: هذا جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جنب. والفارق عنده بين ما يقدر تغييره وما لا يقدر تغييره، وجدان التثنية وعدمها. وقال ابن مالك في باب أمثلة الجمع من التسهيل6. والأصح كونه؛ يعني باب فلك؛ اسم جمع مستغنيًا عن تقدير التغيير.
"و" التغيير اللفظي "له سبعة وعشرون بناء منها: أربعة موضوعة للعدد القليل، وهو من الثلاثة إلى العشرة"، بدخول العشرة على القول بدخول الغاية في المغيا ولو قال: وهو الثلاثة والعشرة وما بينهما لكان أولى. "وهي: أفعل" بضم العين "كـ: أكلب" جمع: كلب. "وأفعال كـ: أجمال" بالجيم، جمع: حمل. "وأفعلة" بكسر العين "كـ: أحمرة" جمع: حمار. "وفعلة" بكسر الفاء وسكون العين "كـ: صبية" جمع: صبي. وخصت هذه الأوزان الأربعة بالقلة لأنها تصغر على لفظها نحو: أكيلب وأجيمال وأحيمرة وصبية بخلاف غيرها من الجموع فإنها ترد إلى واحدها في التصغير. وتصغير الجمع يدل على التقليل. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
791- أفعلة أفعل ثم فعله ثمت أفعال جموع قله
__________
1 شرح التسهيل 1/ 70.
2 شرح المرادي 5/ 33.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1808.
4 في "ب": "جمع".
5 الكتاب 3/ 577.
6 التسهيل ص267.(2/520)
وليس من جموع القلة: فعل بضم الفاء وفتح العين كـ: غرف، ولا: فعل؛ بكسر الفاء وفتح العين، كـ: نعم. ولا: فعلة؛ بكسر الفاء وفتح العين؛ كـ: قردة. خلافًا للفراء1.
"وثلاثة وعشرون" موضوعة "للعدد الكثير، وهو ما تجاوز العشرة، وسيأتي" قريبًا. "وقد يستغنى ببضع أبنية القلة عن بناء الكثرة" وضعًا أو استعمالا اتكالا على القرينة. قاله في التسهيل2.
قال الشاطبي: وحقيقة الوضع أن تكون العرب لم تضع أحد البناءين استغناء عنه بالآخر. والاستعمال أن تكون وضعتهما معًا ولكنك استغنيت في بعض المواضع عن أحدهما بالآخر. انتهى.
فالأول "كـ: أرجل" جمع: رجل، بسكون الجيم. "وأعناق" جمع: عنق. "وأفئدة" جمع: فؤاد. قال الله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [ألأنفال: 12]، {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 43]. فاستغنى فيهما ببناء القلة عن بناء الكثرة، لأنها لم يستعمل لها بناء كثرة.
والثاني كـ: أقلام. جمع: قلم. قال الله تعالى: {مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27] والمقام مقام مبالغة وتكثير قطعًا. وقد استعمل فيه وزن القلة مع أنه سمع له وزن كثرة. وهو: قلام.
"وقد يعكس" فيستغنى ببعض أبنية الكثرة عن بناء القلة وضعًا أو استعمالا اتكالا على القرينة. فالأول "كـ: رجال" جمع: رجل، بضم الجيم. "وقلوب" جمع: قلب.
"وصردان"، بكسر الصاد، جمع صرد، بضمها وفتح الراء اسمًا لطائر. تقول: خمسة رجال بخمسة قلوب معهم خمسة صردان. فيستغني بجمع الكثرة عن جمع القلة، لعدم وضعه.
"وليس منه"، أي من هذا القسم، وهو ما لم تضع العرب له بناء قلة "ما مثل به الناظم وابنه3 من قولهم في جمع: صفاة وهي الصخرة الملساء: صفي"، بضم الصاد وكسر الفاء وتشديد الياء "لقولهم" في جمع قلتها: "أصفاء. حكاه الجوهري4 وغيره"5.
__________
1 انظر الارتشاف 1/ 194، وحاشية الصبان 4/ 123.
2 التسهيل ص268.
3 شرح ابن الناظم ص547.
4 الصحاح "صفا".
5 في اللسان 14/ 564: "وجمع الصفاة صفوات وصفًا، مقصور، وجمع الجمع أصفاء وصُفي وصِفي".(2/521)
بل هو من القسم الثاني. وهو ما وضعت العرب له بناء قلة ولكنها استغنت ببناء الكثرة عنه. كقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. ففسر ثلاثة بجمع الكثرة مع وجود جمع القلة. كقوله -صلى الله عليه وسلم: "دعي الصلاة أيام أقرائك"1. وعلى ذلك يحمل قول الناظم.
792- وبعض ذي بكثرة وضعا يفي كأرجل والعكس جاء كالصفي
البناء "الأول من أبنية القلة: أفعل، بضم العين، وهو جمع لنوعين" كل منهما لجمعه شروط:
"أحدهما: فعل"، بفتح الفاء وسكون العين، حال كونه "اسمًا" لا صفة، "صحيح العين" لا معتلها. "سواء صحت لامه أم اعتلت، بالياء أم بالواو"، وليست "فاؤه" واوًا" كـ: وعد، ولا "لامه" مماثلة لعينه [كـ: رق]2، وذلك "نحو: كلب" وأكلب، "وظبي" وأظب، "وجرو" وأجر. وأصلهما: أظبي وأجرو، بضم الياء والراء، فقلبت ضمتهما كسرة، والواو في: أجرو ياء وحذفت الياء الأصلية في أظبي، والمنقلبة في: أجرو على حد الحذف في: قاض وغاز.
"بخلاف نحو: ضخم"، فلا يجمع على أفعل "فإنه صفة. وإنما قالوا: أعبد" جمع: عبد مع أنه صفة "لغلبة الاسمية". قاله ابن مالك3.
"وبخلاف نحو: سوط4 وبيت"، فلا يجمعان على: أفعل "لاعتلال العين" بالواو في الأول، والياء في الثاني. "وشذ قياسًا" لا سماعًا: "أعين" جمع: عين. قال الله تعالى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: 92].
"و" شذ "قياسًا وسماعًا: أثوب"5 جمع: ثوب. "وأسيف" جمع: سيف. قال معروف بن عبد الرحمن، أو حميد بن ثور، على خلف: [من الرجز]
904- لكل دهر قد لبست أثوبا حتى اكتسى الرأس قناعًا أشيبا
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهارة 1/ 72، والترمذي في الطهارة 1/ 220، وابن الأثير في النهاية 4/ 32.
2 إضافة من "ط".
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1816.
4 في "أ": "صوت"، وفي "ب": "شوط"، والتصويب من "ط"، وأوضح المسالك 4/ 308.
5 في "ب": "أثواب".
904- الرجز لمعروف بن عبد الرحمن في التثنية والإيضاح 1/ 62، وتاج العروس 2/ 109 "ثوب"، وشرح أبيات سيبويه 2/ 390، ولسان العرب 1/ 245 "ثوب"، ولحميد بن ثور في ديوانه ص16، =(2/522)
والقياس: أثوابًا أو ثيابًا. "وقال" آخر: [من البسيط]
905- كأنهم أسيف بيض يمانية عضب مضاربها باق بها الأثر
والقياس: سيوف أو أسياف. والبيض. بكسر الياء: جمع أبيض. ويمانية: نسبة إلى يمان.
وعضب: قاطع. والمضارب جمع مضرب، ومضرب السيف نحو: شبر من طرفه، والأثر بضم الهمزة والثاء المثلثة: أثر الجرح يبقى بعد البرء قاله العيني1.
وشذ: أوجه، جمع: وجه، لأن فاءه واو. وشذ أكف جمع كف، لأن لامه مماثلة لعينه، ويحفظ أفعل في ثمانية أوزان:
"فعل" كـ: ذئب اسمًا، وجلف صفة، "وفعلة" بكسر الفاء اسمًا كـ: نعمة، وصفة كـ: شدة "وفعل" بكسر أوله وفتح ثانية كـ: ضلع، "وفعل"، بضم أوله وسكون ثانيه كـ: قفل، "وفعل" بضمتين كـ: عنق، "وفعل" بفتحتين كـ: جبل، "وفعلة"، بفتحتين كـ: أكمة، "وفعل" بفتحة وضمة كـ: ضبع. ثلاثة أمثلة في مفتوح الفاء، وثلاثة في مكسورها. واثنان في مضمومها. والجميع إنما يقع في الأسماء إلا فعلا، بكسر أوله وسكون ثانيه، ومؤنثه فيقع فيها وفي الصفات.
النوع "الثاني" مما يجمع على أفعل: "الرباعي المؤنث" بلا علامة، "الذي قبل آخره مدة"، ألف أو ياء، سواء فتح أوله2 أو كسر أو ضم. فالمفتوح "كـ: عناق" أنثى الجدي، "و" المكسور نحو: "ذراع", بالذال المعجمة، "و" المضموم نحو: "عقاب"، طائر معروف "و" الياء نحو: "يمين". فنقول في جمعها: أعنق وأذرع وأعقب وأيمن.
"وشذ" أفعل "في نحو": مكان و"شهاب وغراب" وجنين، "من المذكر". فخرج بالرباعي نحو: دار ونار, فأدور وأنور ليس بمطرد عند سيبويه3.
__________
= وله أو لمعروف بن عبد الرحمن في المقاصد النحوية 4/ 522، وبلا نسبة في أساس البلاغة "نشب"، وكتاب الجيم 3/ 273، وأوضح المسالك 4/ 308، وسر صناعة الإعراب 2/ 804، وشرح الأشموني 2/ 672، والكتاب 3/ 588، واللسان 2/ 602، "ملح"، ومجالس ثعلب ص439، والمقتضب 1/ 29, 132، 2/ 199، والممتع في التصريف 1/ 336، والمنصف 1/ 284، 3/ 47.
905- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 309، وشرح الأشموني 3/ 672، واللسان 4/ 8، 9 "أثر".
1 انظر قوله في كتابه شرح الشواهد 4/ 123.
2 سقط من "ب".
3 الكتاب 3/ 591.(2/523)
وخرج بالتأنيث نحو: حمار، وعمود، ورغيف، وبلا علامة نحو: سحابة ورسالة، وبمدة قبل الآخر نحو: زينب. وإلى هذين النوعين أشار الناظم بقوله:
793- لفعل اسمًا صح عينا أفعل وللرباعي اسمًا أيضًا يجعل
794- إن كان كالعناق والذراع في مد وتأنيث وعد الأحرف
البناء "الثاني" من أبنية القلة: "أفعال وهو": جمع "لاسم ثلاثي لا يستحق أفعل" السابق، "إما لأنه على: فعل"، بفتح أوله وسكون ثانيه، ولكنه معتل العين" بالياء أو بالواو "نحو: سيف" وأسياف، "وثوب"، وأثواب. "أو لأنه على غير فعل". بفتح الفاء وسكون العين فيشمل ثمانية أوزان:
ثلاثة مع فتح الفاء "نحو: جمل ونمر وعضد، و" ثلاثة مع كسرها نحو: "حمل وعنب وإبل، و" اثنان مع ضم الفاء نحو: "قفل وعنق". فنقول في جمعها: أجمال وأنمار وأعضاد وأحمال [بالحاء]1 المهملة، وأعناب وآبال، بإبدال الهمزة الثانية ألفًا، وأقفال، وأعناق. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
795- وغير ما أفعل فيه مطرد من الثلاثي اسمًا بأفعال يرد
"ولكن الغالب في: فُعَل، بضم الأول وفتح الثاني، أن يجيء" جمعه "على: فِعْلان" بكسر أوله وسكون ثانيه "كـ: صرد" بالصاد والراء المهملتين، وهو طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير. قيل. وهو أول طائر صام لله تعالى.
"وجرذ"، بالجيم والراء والذال المعجمة. قال الجوهري2: ضرب من الفأر. "ونغر"، بالنون والغين المعجمة والراء المهملة، جمع: نغرة. قال الجوهري3: كهمزة4، وهو طائر كالعصافير حمر المناقير. "وخزز"، بخاء معجمة وزاءين معجمتين. قال الجوهري5: ذكر الأرانب. فيقال في جمعها: صردان وجرذان ونغران وخزان، وإليه أشار الناظم بقوله:
796- وغالبًا أغناهم فعلان في فعل كقولهم صردان
__________
1 إضافة من "ط".
2 الصحاح "جرذ".
3 الصحاح "نغر".
4 في "ب": "كتمرة".
5 الصحاح "خرز".(2/524)
"وشذ نحو: أرطاب" جمع: رطب. "كما شذ في فعل المفتوح الفاء1، الصحيح العين الساكنها نحو: أحمال" جمع: حمل, بفتح الحاء المهملة وسكون الميم. وأفراخ جمع: فرخ، بالفاء والراء والخاء المعجمة، وأحبار جمع: حبر، بالحاء المهملة والباء الموحدة، "وأزناد" جمع: زند، بالزاي المفتوحة والنون الساكنة، وهو العود الأعلى الذي يقدح به النار، والزندة هي السفلى. "قال الله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. يقال: الحمل، بالفتح، لما في البطن، وبالكسر لما يحمل على الظهر، وبالوجهين لحمل النخل. قاله الفراء. وقال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} [التوبة: 31].
"وقال الحطيئة"، بضم الحاء وفتح الطاء المهملتين وفي آخره همزة، تصغير: حطأة، بفتح الحاء وسكون الطاء، وهي: الضرطة. والحطأة أيضًا: الصرعة. يقال: حطأت الرجل إذا صرعته بالأرض. واختلف في تلقيبه بذلك، فقيل: لقصره. وقيل: لأنه ضرط في يوم بين قوم فقيل له: ما هذا؟ فقال: حطيئة. وقيل: لأنه كان محطوء الرجل. والرجل المحطوءة هي التي لا أخمص لها. واسمه جرول بن أوس ويكنى: أبا مليكة، قاله ابن السيد2: [من البسيط].
906- ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
يخاطب بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان قد سجنه [لهجوه إياه]3.
وأراد بالأفراخ، بالخاء المعجمة الأولاد. وهو محل الاستشهاد والقياس في جمع فرخ: أفرخ أو فراخ. ومرخ، بفتح الميم والراء وبالخاء المعجمة، وادٍ كثير الشجر قريب من فدك. وزغب، بضم الزاي وسكون الغين المعجمة، من الزغب: وهو الشعرات الصفر على ريش الفرخ. والحواصل جمع: حوصلة الطير.
وأراد: ما قولك في أولاد صغار جدًّا لا ماء عندهم ولا شجر، إذا شكوا إليك حالهم؟
__________
1 سقط من "ب".
2 الاقتضاب ص500، وانظر الشعر والشعراء 1/ 322، والأغاني 2/ 157.
906- البيت للحطيئة في ديوانه ص164، والأغاني 2/ 186، وأوضح المسالك 4/ 310، وخزانة الأدب 3/ 294، والخصائص 3/ 59، والشعر والشعراء 1/ 334، ولسان العرب 2/ 532 "طلح", ومعجم ما استعجم ص892، والمقاصد النحوية 4/ 524، وبلا نسبة في أسرار العربية ص349، وشرح الأشموني 3/ 674، وشرح المفصل 5/ 16، والمقتضب 2/ 196.
3 إضافة من "ب"، "ط".(2/525)
"وقال آخر"، وهو الأعشى: [من المتقارب]
907- وجدت إذا أصلحوا خيرهم وزندك أثقب أزنادها
فجمع زند على أزناد، وقياسه: أزند.
وسمع أيضًا: "فعل" و"أفعال" في: شكل، وسمع، ولفظ، ولحظ، ومحل، ورأي، ورأد: وهو أصل اللحيين، وجفن ولحن ونجد وفرد وجلد وألف وأنف وثلج؟ وليس منه: أفنان من قوله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن/ 48] إنما هو جمع فنن وهو: الغصن، فأما الفن وهو النوع، فجمعه: فنون على القياس كـ: صك وصكوك.
البناء "الثالث" من أبنية القلة: "أفْعِلة" بكسر العين، "وهو" جمع "لاسم مذكر رباعي، بمدة" ألف أو واو أو ياء "قبل" الحرف ["الآخر"، سواء أكان مفتوح الفاء أم مكسورها أم مضمومها. فالألف مع فتح الفاء "نحو: طعام، و" مع كسرها نحو: "حمار، و"]1 مع ضمها نحو: "غراب، و" الياء نحو: "رغيف، و" الواو نحو: "عمود".
فتقول في جمعها على أفعلة2: طعام وأطعمة، وحمار وأحمرة. وغراب وأغربة، ورغيف وأرغفة. وعمود وأعمدة، وشذ: كتاب وكتب، والقياس: أكتبة ولم يقولوه. قاله المهاباذي.
ووقع في الصحاح3 أنك إذا جمعت النهار قلت في كثيرة: نهر، وفي قليلة: أنهر والصواب: أنهرة كما في المحكم. لأن النهار مذكر. وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
797- في اسم مذكر رباعي بمد ثالث أفعلة عنهم اطرد
"والتزم" بناء أفعلة "في فعال؛ بالفتح؛ وفعال؛ بالكسر" حال كونهما "مضعفي اللام أو معتليها. فالأول" وهو مضاعف اللام، وأراد بتضعيفها مماثلتها للعين. ومضاعف الثلاثي: ما كان عينه ولامه من جنس واحد "كـ: بتات" بفتح الباء الموحدة وتاءين مثناتين فوق.
قال الجوهري4: هو الزاد والجهاز5. وقال أبو عبيدة: متاع البيت. وفي الحديث:
__________
907- البيت للأعشى في ديوانه ص123، وشرح أبيات سيبويه 2/ 359، والكتاب 3/ 568، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 311، وشرح الأشموني 3/ 674، وشرح المفصل 5/ 16، والمقاصد النحوية 4/ 526، والمقتضب 2/ 196.
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 الارتشاف 1/ 197.
3 الصحاح "نهر".
4 الصحاح "تبت".
5 في "أ", "ب": "الحمار".(2/526)
"لا يؤخذ منكم عشر البتات"1. "وزمام"، بكسر الزاي. قال الجوهري2: هو الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرفه المقود. وقد يسمى المقود زمامًا، وزمام النعل: ما يشد فيه الشسع. والخشاش، بالكسر: الذي يجعل في عظم أنف البعير. وهو من خشب، والبرة من صفر. فتقول في جمع بتات: أبتة. وفي جمع زمام: أزمة. والأصل: أبتتة وأزممة، فالتقى مثلان فنقلت حركة أولهما إلى الساكن قبله، ثم أدغم أحد المثلين في الآخر.
"والثاني": وهو معتل اللام، ما كان لامه واوًا أو ياء "كـ: قباء" بفتح القاف والباء الموحدة. "وإناء" بكسر الهمزة الأولى. فتقول في جمعها على أفعلة: أقبية وآنية، بألف بعد الهمزة، والأصل: أأنية بهمزتين مفتوحتين فساكنة، أبدلت الساكنة ألفًا من جنس حركة ما قبلها. و إليه أشار الناظم بقوله:
798- وألزمه في فعال أو فعال مصاحبي تضعيف أو إعلال
ويحفظ أفعلة في: نجي، في شحيح ونجد: وهو ما ارتفع من الأرض. و: وهي مصدر وهي السقاء: إذا تخرق، وسد وسد، بالسين المهملة فتحًا وضمًا. كل بناء سد به موضع. وقدح وقن وخال وباب وقفا وجائز بالجيم والزاي: الخشبة الكبيرة في وسط البيت. ووادٍ ناحية وظنين، بالظاء المشالة، بمعنى: متهم ونضيضة، بنون وضادين معجمتين: المطر القليل. وعيي، بفتح العين المهملة وكسر الياء الأولى وتشديد الثانية، وجرة، بكسر الجيم وتشديد الراء المهملة. وعيل بفتح العين وتشديد الياء المثناة تحت. وعقاب ورمضان وخوان لربيع الأول.
فأما: شحيح ونجي وظنين وعيي فقالوا فيها: أشحة وأنجية وأطنة وأعية، مع أنها صفات. وأما عقاب فقالوا فيه: أعقبة مع أنته مؤنث. وأما: نجد وهي وسد وسد وقدح وقن وخال وقفا وباب وجرة، فقالوا: أنجدة وأوهية وأسدة وأقدحة وأقنة وأخولة وأبوبة وأقفية وأجرة، مع أنها ثلاثية. وأما: رمضان وخوان ونضيضة فقالوا فيها: أرمضة وأخونة وأنضضة. مع أنها زائدة على أربعة أحرف. وأما عيل فقالوا فيه: أعولة مع خلوه عن مدة قبل آخره. وأما جائز وناجية فقالوا فيهما: أجوزة وأنجية، مع أن المدة فيهما ليست قبل الآخر.
__________
1 من حديث كتابه -صلى الله عليه وسلم- لحارثة بن قطن في النهاية 1/ 92.
2 الصحاح "زمم".(2/527)
البناء "الرابع" من أبنية القلة: "فعلة، بكسر أوله وسكون ثانيه، و" لم يطرد في شيء من الأبنية. بل "هو محفوظ في" ستة أوزان: فعل، بفتحتين نحو: "ولد وفتى، و" فعل، بفتح أوله وسكون ثانيه. "نحو: شيخ وثور، و" فعل، بكسر أوله وفتح ثانيه "نحو: ثنى" بكسر الثاء المثلثة وفتح النون والقصر كـ: عدى. حكاه الفارسي: الأمر الذي يعاد مرتين.
وفي الحديث: "لا ثنى في الصدقة"1 أي: لا تؤخذ في السنة مرتين. والثني أيضًا: الثاني في السيادة. وهو: الثنيات بضم المثلثة: وهو الذي كان يكون دون السيد في المرتبة. قاله ابن مالك2.
"و" فعال، بفتح أوله "نحو: غزال، و" فعال، بضم أوله "نحو: غلام، و" فعيل، بفتح أوله وكسر ثانيه. "نحو: صبي وخصي و" جليل. تقول في جمعها على فعلة. ولدة وفتية وشيخة وثيرة3 وثنية وغزلة وغلمة وصبية وخصية وجلة. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
799- .............................. وفعلة جمعا بنقل يدري
"ولعد اطراده قال أبو بكر" بن السراج4: "هو اسم جمع لا جمع".
"و" البناء "الأول من أبنية الكثرة: فعل، بضم أوله وسكون ثانيه"، وهو أخف أوزان الكثرة لكونه ثلاثيًّا مجردًا ساكن الوسط. "وهو جمع لشيئين: أحدهما: أفعل مقابل فعلاء" بالمد "كـ: أحمر" وأبيض. "أو ممتنعة مقابلته لها"، أي لفعلاء "لمانع خلقي نحو: أكمر": لعظيم الكمرة، بفتح الكاف، وهي حشفة الذكر. "وآدر" بفتح الهمزة الممدودة والدال المهملة: لعظيم الأدرة، بضم الهمزة وسكون الدال، وهي: الخصية المنتفخة. "بخلاف نحو: آلى"، بمد الهمزة قبلها ألف مسبوقة بياء مثناة تحتانية. "تختلف الاستعمال" فإنهم قالوا في المذكر: آلى على وزن: أفعل، ولم يقولوا في المؤنث: ألياء على وزن: فعلاء.
__________
1 غريب الحديث لابن الجوزي1/ 130.
2 شرح الشافية الكافية 4/ 1826.
3 في "ب": "سيرة".
4 الأصول 2/ 432.(2/528)
"والثاني": مما يجمع على فعل "فعلاء" بفتح الفاء وسكون العين، "مقابلة أفعل كـ: حمراء" وبيضاء. "أو ممتنعة مقابلتها له" أي لأفعل "لمانع خلقي كـ: رتقاء"، بالراء المهملة والتاء المثناة فوق والقاف: من الرتق وهو انسداد الفرج باللحم. "وعفلاء"، بالعين المهملة والفاء، من العفل: بفتح العين والفاء، وهو شيء يجمع في قبل المرأة، يشبه الأدرة للرجل، "بخلاف نحو: عجزاء"، بالجيم والزاي: "للكبيرة العجز". فإن المانع من أعجز تخلف الاستعمال، فإن العرب قالوا في المؤنث: عجزاء، ولم يقولوا في المذكر: أعجز. فلا يقال: رجال ألي، ولا: نساء عجز، إلا إذا سمع فيحفظ ولا يقاس عليه. هذا مقتضى كلامه، وهو في ذلك تابع للتسهيل1. ونقل المرادي2 وابن عقيل3 في شرحيهما على التسهيل عن ابن مالك: أنه ذكر في غير التسهيل أن: فعلا يطرد في هذا النوع كاطراده في: أحمر وحمراء. وما ذكره من أنهم لا يقولون: امرأة ألياء. ولا: رجل أعجز، وهم على أشهر اللغات.
وقد حكي: امراة ألياء ورجل أعجز، فعلى هذا يقال: رجال ألي، ونساء ألي، ورجال عجز ونساء عجز. وتقول في نحو أبيض: بيض، بكسر الأول، تصحيحًا للعين لئلا يثقل الجمع، ووزنه فعل، بالضم، على الأصل لا: فعل بالكسر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
799- فعل لنحو أحمر وحمرا ............................
البناء "الثاني" من أبنية الكثرة: "فعل، بضمتين"، وهو تدرج حسن لأنه لما فرغ من: فعل بالإسكان. أعقبه بفعله بالتحريك. لأنهما وزنان لم يختلفا إلا بالحركة والسكون. "وهو مطرد في شيئين".
أحدهما: "في وصف على فعول"، بفتح الفاء، "بمعنى: فاعل كـ: صبور" وصبر، "وغفور" وغفر، بخلاف: حلوب وركوب فإنهما بمعنى: مفعول.
"و" الثاني: "في اسم رباعي" في العدد، "بمدة" ألف أو ياء أو واو، "قبل لام" صحيحة، "غير معتلة مطلقًا"، من غير تقييد بحرف معين من أحرف العلة. "أو غير مضاعفة إن كانت المدة ألفا" لا غير. وما مدته ألف ثلاثة أوزان:
__________
1 التسهيل ص271.
2 شرح المرادي 5/ 40.
3 شرح ابن عقيل 2/ 457.(2/529)
مفتوح الفاء، "نحو: قذال" للمذكر، وهو جماع مؤخر الرأس، ومعقد العذار من الفرس خلف الناصية. "وأتان"، بالمثناة الفوقانية، للمؤنث من الحمير.
"و" مكسورة الفاء "نحو: حمار" للمذكر، "وذراع" للمؤنث.
"و" مضموم الفاء نحو: "قراد" للمذكر، "وكراع" للمؤنث.
"و" ما مدته ياء "نحو: قضيب" للمذكر، "وكثيب" للمؤنث.
"و" ما مدته واو" نحو: عمود" للمذكر، "وقلوص" للمؤنث: وهي الشابة من النوق.
"و" ما مدته ياء أو واو مع التضعيف "نحو: سرير" للمذكر، "وذلول" للمؤنث.
"و" خرج بقوله: لام غير معتلة "نحو: مساء وقباء" فلا يجمعان على: فعل، "لأجل اعتلال اللام" لأنهما لو جمعا على: فعل، لزم قلب الضمة كسرة لتنقلب واو كساء ياء، ولتسلم ياء: قباء، فيصيرا على وزن: فعل، بضم الفاء وكسر العين، وهو بناء قد رفضوه لما فيه من ثقل الخروج من ضم إلى كسر.
والحق أن ذلك غالب لا لازم، فقد قال ابن يعيش ما نصه1: "وقالوا في المعتل؛ ثني وثن، والأصل: ثني بضم النون، فأبدلوا من الضمة كسرة لئلا تنقلب الياء واوًا، كما فعلوا ذلك في: أجر وأدل".
"و" خرج بقوله: غير مضاعفة إن كانت المدة ألفًا "نحو: هلال وسنان"، فلا يجمعان على: فعل، "لأجل تضعيفها" أي اللام "مع الألف"، فلا يقال في جمعهما: هلل ولا سنن، لما فيه من ثقل التضعيف مع الضم. "وشذ: عنان"، بكسر العين، لما يقاد به الفرس، وبفتحها: للمطر، وفيه تناسب الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل. "وعنن وحجاج"، بحاء مهملة مكسورة وجيمين: العظم المستدير حول العين، وقيل: هو الأعلى الذي ينبت عليه الحاجب. "وحجج" ووطواط، بفتح الواو وبمهملتين: الضعيف ووطط. "ويحفظ" فعل، بضمتين، "في": فعل، بفتح الفاء وكسر العين، اسمًا "نحو: نمر، و" صفة نحو: "خشن، و" في: فعيل صفة نحو: "نذير، و" في: فعيلة مطلقًا نحو: "صحيفة"، وصفة نحو: نجيبة. وفي فعل، بفتح أوله وسكون ثانيه نحو: سقف ورهن، وفي فاعل نحو: بازل وشارف. وفي: فعل، بفتحتين، نحو: نصف،
__________
1 شرح المفصل 5/ 35.(2/530)
وفي: فعال، بكسر الفاء وفتحها، صفة نحو: كنان الكاف. وصناع، بفتح الصاد، أي: حاذقة. وفي: فعلة، بفتح أوله وكسر ثانيه، نحو: فرحة. وفي: فعلة، بفتحتين، نحو: خشبة. وفي: فعل، بكسر أوله وسكون ثانيه، نحو: ستر1. وإلى: فعل، بضمتين، أشار الناظم بقوله:
800- وفعل لاسم رباعي بمد قد زيد قبل لام اعلالا فقد
801- ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف ..........................................
البناء "الثالث: فعل، بضم أوله وفتح ثانيه"، ولو قدمه على: فعل، بضمتين، كان أولى لأنه أخف منه. "وهو مطرد في شيئين".
أحدهما: "في اسم على فعلة". بضم أوله وسكون ثانيه. ويستوي في ذلك صحيح اللام ومعتلها ومضاعفها. فالصحيح "كـ: قربة" وقرب، "وغرفة" وغرف. "و" المعتل اللام نحو: "مدية" ومدى وزبية وزبى. "و" المضاعف اللام نحو: "حجة" وحجج، "ومدة" ومدد.
"و" الثاني: "في الفعلى2"، بضم الفاء، "أنثى أفعل" صفة "كـ: الكبرى" أنثى الأكبر، والوسطى أنثى: الأوسط، "والصغرى" أنثى: الأصغر. "بخلاف: حبلى"، فإنها ليست أنثى أفعل، لأنها صفة لا مذكر لها، فلا تجمع على: فعل. "وشذ" فعل "في" فعلة صفة "نحو: بهمة"، بضم الباء الموحة وسكون الهاء وهو الرجل الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى، لشدة بأسه، والجمع: بهم. قاله في الصحاح3. "و" فعلى مصدرًا "نحو: رؤيا". يقال: رأى في منامه رؤيا. على [وزن]4 فعلى، من غير تنوين، وجمع الرؤيا رؤى بالتنوين مثل رعى. قاله الجوهري5. "و" فعلة، بفتح أوله وسكون ثانيه "نحو: نوبة" بفتح النون والباء الموحدة وقاس، عليهما الفراء. "و" فعلة، بفتح أوله وسكون ثانيه معتل اللام "نحو: قرية" وقرى. "و" فعلة، بفتح أوله وسكون ثانيه صحيح اللام "نحو: بدرة"، بفتح الموحدة، وهي: عشرة آلاف درهم، وجمعها: بدور وبدر، بكسر أوله وفتح ثانيه.
__________
1 في "أ": "شبر".
2 في "أ": "الأفعل".
3 الصحاح "بهم".
4 إضافة من "ط".
5 الصحاح "رأى".(2/531)
ولم أقف على جمعها على فعل، بضم أوله وفتح ثانيه. فذكرها هنا فيه نظر. وفعلة، بكسر أوله وسكون ثانيه معتلا نحو: لحية ولحى. "و" فعلة، بضم أوله وسكون1 ثانيه نحو: "تخمة"، بالتاء المثناة فوق والخاء المعجمة. وإلى: فعل، بضم أوله وفتح ثانيه، أشار الناظم بقوله:
801- ............................. وفعل جمعا لفعلة عرف
802- ونحو كبرى.......... ........................
البناء "الرابع: فعل، بكسر أوله وفتح ثانيه، وهو" جمع "لاسم" تام "على" زنة "فعلة"، بكسر أوله وسكون ثانيه، غير واحد: فعل "كـ: حجة" وحجج. وفي التنزيل: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] "وكسرة" وكسر، "وفرية"، بالفاء والياء المثناة تحت، "وهي: الكذبة" وفرى. وخرج بذكر الاسم الصفة نحو: صغرة وكبرة. وعجزة، وبالتمام نحو: عدة وزنة، فإنهما نقصا الفاء2، وعوض منها التاء وإليه أشار الناظم بقوله:
802- ........ ولفعلة فعل .......................
"ويحفظ" فعل، باتفاق "في: فعلة" واحد فعل، بكسر الفاء وسكون العين نحو: سدرة وسدر. ولا يقال في: تبنة، واحدة التبن: تبن، حملا على: سدر. وفي المعوض من لامه تاء التأنيث، كـ: عزة وعزى، وفي: فعلة، الأجوف، بفتح أوله، "نحو حاجة" وحوج. وقامة وقوم. "و" في: فعلى مصدرًا "نحو: ذكرى" وذكر، "و" في فعلة، بفتح أوله وسكون ثانيه، صحيح الأصول نحو: "قصعة" وقصع، وجفنة وجفن. "و" في: فعلة، بكسر أوله وسكون ثانيه، صفة نحو: "ذربة"، بكسر الذال المعجمة وسكون الراء بالباء الموحدة، كما في الصحاح3 والضياء. وصمة, بكسر الصاد المهملة، يقال في جمعهما: ذرب و صمم. والذربة: المرأة الحديد اللسان. والصمة: الرجل الشجاع.
"و" في: فعل، بكسر أوله وسكون ثانيه نحو: "هدم" بكسر الهاء وسكون الدال المهملة: الثوب الخلق جمعوه على هدم. رواه ابن سيده. وفي: فعلة بضم أوله كـ: صورة وصور. والصور، بكسر الصاد، لغة في الصور بضمها: جمع صورة. قاله في الصحاح4.
__________
1 في "أ": "وفتح".
2 في "أ", "ط": "اللام", والتصويب من حاشية يس 2/ 306.
3 الصحاح "ذرب".
4 الصحاح "صور".(2/532)
البناء "الخامس: فعلة، بضم أوله وفتح ثانيه، وهو مطرد في وصف لعاقل"، مذكر "على" زنة "فاعل، معتل اللام" بالياء أو الواو، "كـ: رام" ورماة. "وقاض" وقضاة. "وغاز" وغزاة. والأصل فيهن: رمية وقضية وغزوة، قلبت الياء والواو ألفين لتحريكهما وانفتاح ما قبلهما وقيل: إنها فعلة، بفتح الفاء، وأن الفتحة حولت ضمة للفرق بين معتل اللام وصحيحها. وإليه أشار الناظم بقوله:
803- في نحو رام ذو اضطراد فعله ...................................
فخرج بقوله: وصف نحو: وادٍ بالتذكير، ونحو: غادية. وبالعقل نحو: أسد ضار، وبوزن فاعل نحو: ظريف وبالمعتل اللام نحو: ضارب. فلا يجمع شيء من ذلك على فعلة.
وشذ في صفة على غير فاعل نحو: كمي وكماة. وفي فاعل اسما نحو: باز وبزاة، وواد ووداة. وفي فاعل صحيح اللام نحو: هادر وهدرة، بالدال المهملة، وهو الرجل الذي لا يعتد به.
البناء "السادس: فعلة، بفتحتين، وهو شائع في وصف لمذكر عاقل صحيح اللام نحو: كامل" وكملة، "وساحر" وسحرة، "وسافر" وسفرة، "وبار" وبررة. قال الله تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ} [الأعراف: 113] {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15، 16] وفي التسهيل1: بررة جمع: بر على غير القياس. وإليه أشار الناظم بقوله:
803- ............................ وشاع نحو كامل وكمله
فخرج بالوصف: الاسم نحو: وادٍ وباز، وبالتذكير نحو: طالق وحائض، وبالعقل نحو: سابق ولاحق، صفتي فرسين، وبصحة اللام نحو: قاض وغاز، فلا يجمع شيء من ذلك على فعلة، بفتحتين، باطراد، وشذ في غير فاعل نحو: سيد وسادة، فوزنها: فعلة. وفي بعض نسخ الصحاح2: وزن سادة فعالة، وهو سهو. وقوله: شائع، تبع فيه النظم3، وكان الأولى أن يعبر بمطرد لأنه لا يلزم من الشياع الاطراد.
البناء "السابع: فعلى، بفتح أوله وسكون ثانيه، وهو" جمع "لما دل على آفة"4 من هلك أو توجع أو نقص ما "من فعيل"، حال كونه "وصفا للمفعول"، فالتوجع "كـ: جريح" وجرحى، "وأسير" وأسرى ، والهلك نحو: قتيل وقتلى، وصريع وصرعى.
__________
1 التسهيل ص274.
2 الصحاح "سود".
3 انظر بيت الألفية الذي تقدم أعلاه برقم 803.
4 في "ب": "وأنه".(2/533)
"وحمل عليه ستة أوزان، مما1 دل على آفة من" ذلك:
أحدها: "فعيل وصفًا للفاعل" لا للمفعول "كـ: مريض" ومرضى.
"و" الثاني: "فعل" بفتح أوله وكسر ثانيه، "كـ: زمن" وزمنى، وهذان الوصفان مما يدل على التوجع.
"و" الثالث: "فاعل كـ: هالك" وهلكى.
"و" الرابع: "فيعل" بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه، "كـ: ميت" أصله: ميوت اجتمع فه الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء لاجتماع المثلين، وهل هو فيعل، بكسر العين، أو بفتحها، وأبدلت الفتحة كسرة؟ أو: فعيل كـ: طويل؟ أقوال محكية في: سيد أشهرها أولها2.
"و" الخامس: "أفعل كـ: أحمق" وحمقى.
"و" السادس: "فعلان كـ: سكران" وسكرى، وهذان الوصفان مما يدل على وصف ما. وندر: كيس وكيسى، وذرب وذربى، وجلد وجلدى، وإلى فعلى أشار الناظم بقوله:
804- فعلى لوصف كقتيل وزمن وهالك وميت به قمن
البناء "الثامن: فعلة، بكسر أوله وفتح ثانيه، وهو كثير في: فعل"، حال كونه "اسمًا، بضم الفاء" وسكون العين: ويكون صحيح اللام "نحو: قرط" وقرطة، بالقاف والراء والطاء المهملتين: ما يعلق في شحمة الأذن. "ودرج" بالجيم، ودرجة "و" أجوف نحو: "كوز" بالزاي، وكوزة. "و" مضاعفًا نحو: "دب" ودببة. "وقليل في اسم على" زنة "فعل، بفتح الفاء" وسكون العين، "نحو: غرد" بالغين المعجمة والراء: نوع من الكمأة. وهو عند الفراء بفتح الفاء، وعند غيره بكسرها. وظاهر الصحاح3 أن غردة جمع لمكسور الفاء. "أو بكسرها نحو: قرد" وقردة بالقاف والراء. "وقل أيضًا في نحو: ذكر". بفتحتين, ضد الأنثى. وكتف "وهادر" وعلج ووقفة وخطوة. وإليه أشار الناظم بقوله:
805- لفعل اسمًا صح لاما فعله والوضع في فعل وفعل قلله
وخرج بقوله: صحيح اللام، نحو: ظبي ونحي ومدي، فلا يجمع شيء منها على فعلة.
__________
1 في "أ": "ما".
2 انظر الإنصاف 2/ 795، المسألة رقم 115.
3 الصحاح "غرد".(2/534)
البناء "التاسع: فعل، بضم أوله وتشديد ثانيه، وهو" جمع "لوصف على" زنة "فاعل وفاعلة"، حال كونهما "صحيحي اللام"، سواء صحت عينهما أم اعتلت. "كـ: ضارب وصائم" ومؤنثيهما: ضاربة وصائمة،. فتقول في جمعهما: ضرب وصوم، وشمل نحو: حائض وحيض. وخرج بقيد الوصف: الاسم نحو: حاجب العين، وجائزة البيت، فلا يجمعان على: فعل. وإليه أشار الناظم بقوله:
806- وفعل لفاعل وفاعله وصفين.................
"وندر نحو: غاز" وغزى، "وعاف". بالعين المهملة والفاء، أي: سائل وعفى. لاعتلال لامهما، "كما ندر" فعل "في نحو": امرأة "خريدة". بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف: الحيية، أي: ذات الحياءة بالحاء المهملة والياء المثناة التحتانية وقيل: العذراء. وجمعها: خرد، وقالوا: خرائد على القياس. "ونفساء" ونفس، "ورجل أعزل" ورجال عزل: إذا لم يكن معهم سلاح. وزعم الأصفهاني أن أفعل لا يجمع على فعل. ورد بالسماع، كقوله: [من الطويل]
908- وأبقي رجالا سادة غير عزل مصاليت أمثال الأسود الضراغم
وفارق باب أحمر، لأنه وصف غير لازم، بدليل أنه لو تناول عصًا أو سيفًا أو رمحًا. زالت عنه هذه1 الصفة.
البناء "العاشر: فعال، بضم أوله وتشديد ثانيه، وهو" جمع "لوصف" لمذكر "على" زنة "فاعل، صحيح اللام"، سواء أكانت لامه همزة أم لا "كـ: صائم" وصوام "وقائم" وقوام، "وقارئ" وقراء. "قيل: وندر" فعال "في" جمع "فاعلة، كقوله: وهو القطامي [من البسيط]
909- أبصارهن إلى الشباب مائلة وقد أراهن عني غير صداد
قال الموضح في الحواشي: لا أعلم أحدًا ذكر مجيئه في فاعلة للمؤنث، إلا في هذا البيت. وحكايته مشهورة بين الأصمعي وابن الأعرابي2. "والظاهر أن الضمير"
__________
908- لم أقف عليه في المصادر المتاحة.
1 سقط من "ط".
909- البيت للقطامي في ديوانه ص79، وأمالي الزجاجي ص59، والأشباه والنظائر 5/ 51، ولسان العرب 3/ 245، "صدد" والمقاصد النحوية 4/ 521، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 314، وشرح ابن الناظم ص551، وشرح الأشموني 3/ 684، وشرح ابن عقيل 2/ 462.
2 في حاشية يس 2/ 308: "حاصلها أن الأصمعي قال بحضرة الرشيد: إن صداد جمع صادة، فخطأه ابن الأعرابي، ووجه ذلك ما قاله المصنف". وانظر أمالي الزجاجي ص59.(2/535)
المؤنث "للأبصار لا للنساء" لأنه يقال: بصر صاد، كما يقال: بصر حاد. "فهو جمع صاد، لا" جمع: "صادة". لأن قياس فعال أن يكون جمع فاعل لا فاعلة. انتهى. "ولا يخفى ضعفه لما فيه من تخالف الضمائر, وعود الضمير على غير المحدث عنه. "وندر" فعال "في" فاعل "المعتل" بالواو والياء "كـ: غزاء" جمع غاز، "وسراء" جمع سار، والأصل: غزاو وسراي، قلبت الواو والياء همزة لتطرفهما إثر ألف زائدة.
البناء "الحادي عشر: فعال، بكسر أوله، وهو" يكون "جمعًا لثلاثة عشرة وزنًا:
الأول والثاني: فعل وفعلة"، بفتح الفاء وسكون العين فيهما، حال كونهما "اسمين أو وصفين", غير يائيي الفاء والعين، فالاسم منهما "نحو: كعب" وكعاب، "وقصعة" وقصاع "و" الصفة منهما نحو: "صعب"، بمهملتين، وصعاب، "وخدلة" وخدال، بالخاء المعجمة والدال المهملة: ممتلئة الساقين والذراعين. "وندر" فعال "في جمع: فعل، "يائي الفاء نحو: يعر" بالياء المثناة تحت وبالعين والراء المهملتين: الجدي يربط في الزبية للأسد ليقع فيها، وفي المثل: "أدل من يعر"1. "أو" يائي "العين نحو: ضيف" وضياف، "وضيعة"، بالضاد المعجمة، وضياع. وإليه أشار الناظم بقوله:
808- فعل وفعلة فعال لهما وقل فيما عينه اليا منهما
الوزن "الثالث والرابع: فعل وفعلة"، بفتح أولهما وثانيهما، حال كونهما اسمين "غير معتلي اللام ولا مضعفيها كـ: جمل" وجمال، "وجبل" وجبال. بالجيم فيهما، "ورقبة" ورقاب "وثمرة" وثمار، فخرج نحو: فتى [فيهما]2 وعصا لاعتلال اللام3، ونحو: طلل، لتضعيفها، ونحو: بطل لأنه صفة. وشذ طلال وحسان. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
809- وفعل أيضا له فعال ما لم يكن في لامه اعتلال
810- أو يك مضعفًا ومثل فعل ذو التا......................
الوزن "الخامس والسادس: فعل" بكسر أوله وسكون ثانيه "كـ: ذئب" وذئاب. "وبئر" وبئار "وفعل"، بضم الفاء وسكون العين "كـ: دهن" ودهان، "ورمح" ورماح. وشرط هذين الوزنين أن يكونا اسمين، احترازًا من نحو: جلف وحلو.
__________
1 الدرة الفاخرة 1/ 203, وجمهرة الأمثال 1/ 485، 469، ومجمع الأمثال 1/ 284، والمستقصى 1/ 132.
2 إضافة من "ط".
3 في "ب": "لامهما".(2/536)
وشرط ثانيهما أن لا يكون واوي العين كـ: حوت، ولا يائي اللام كـ: مدي. قاله المرادي1 أخذًا من التسهيل2. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
810- ............................. ...... وفعل مع فعل فاقبل
الوزن "السابع والثامن: فعيل؛ بمعنى فاعل؛ ومؤنثه"، صحيحي اللام، "كـ: ظريف" وظراف، "وكريم" وكرام، "وشريف" وشراف. "ومؤنثاتها"، كـ: ظريفة وظراف، وكريمة وكرام، وشريفة وشراف. بخلاف: غني وولي، ومؤنثيهما لاعتلال اللام. وبخلاف نحو: جريح، لأنه بمعنى مفعول. وقرأ الكسائي "فَجَعَلَهُمْ جِذَاذًا" [الأنبياء: 85] بكسر الجيم3. قال الفراء4 والزجاج5: هو جمع جذيذ مثل: ثقيل وثقال. والجذيذ بمعنى: المجذوذ. وهو المكسور. قال الواحدي في البسيط. فاقتضى هذا أن فعيلا الوصف قد يجمع على: فعال وإن كان بمعنى: مفعول. قاله الموضح في الحواشي. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
811- وفي فعيل وصف فاعل ورد كذاك في أنثاه أيضًا اطرد
"والخمسة الباقية" من الثلاثة عشر وزنًا؛ مما يجمع على فعال. "فعلان" بفتح الفاء. "صفة ومؤنثاه: فعلى" بالألف. "وفعلانة" بالتاء، "وفعلان"6 بضم الفاء، "صفة وأنثاه فعلانة" بالتاء لا غير. فمفتوح الفاء "كـ: غضبان" وغضاب "وغضبى" وغضاب، "وندمان" وندام "وندمانة" وندام، "و" مضموم الفاء، نحو "خمصان" وخماص" وخمصانة" وخماص7. وفي الحديث: "تغدو خماصًا"8. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
812- وشاع في وصف على فعلانا أو أنثييه أو على فعلانا
__________
1 شرح المرادي 5/ 54.
2 التسهيل ص273.
3 وكذلك قرأ الأعمش وابن محيصن وابن مقسم وأبو حيوة وحميد ويحيى بن وثاب. انظر الإتحاف ص311، ومعاني القرآن للفراء 2/ 206، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/ 396، والنشر 2/ 324.
4 معاني القرآن 2/ 206.
5 معاني القرآن وإعرابه 3/ 396.
6 سقط من "ب": "بالتاء وفعلان".
7 سقط من "ب".
8 في النهاية 2/ 80: "كالطير تغدو خماصا وتروح بطانًا، أي تغدو بكرة وهي جياع، وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف".(2/537)
ومثلة: [فعلانة]1. "و" العرب "التزموا في فعيل وأنثاه إذا كان واويي العينين، صحيحي اللامين كـ: طويل وطويلة، أن لا يجمعا إلا على فعال" بخلاف غيرها فإنه لا يلزم فعالا، بل يجمع عليه وعلى غيره.
تقول: كريم وكرماء وكرام، وظريف وظرفاء وظراف، وشريف وشرفاء وشراف.
وإنما لم يشاركها نحو: طويل في ذلك لقلته.
قال في المحكم: قال ابن جني: لم يأت فعيل صفة عينه واو، وفاؤه ولامه صحيحان إلا في ثلاث كلمات: طويل وقويم وصويب، من قولهم: سهم صويب، أي: صائب. قال: وأما العويص فإنه وإن كان صفة إلا أنه صار اسمًا2. انتهى. وإليه أشار الناظم بقوله:
813- ................ والزمه في نحو طويل وطويله تفي
"ويحفظ فعال3 في" وصف على فاعل "نحو: راع" ورعاء. وفي التنزيل: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص: 23]، وقائم وقيام.
وفي التنزيل: {هُمْ قِيَامٌ}4 [الزمر: 68]. "وآمًّ". بهمزة ممدودة وميم مشددة، من أم بمعنى: قصد، وأصله: آمم كضارب. فأدغم الميم في الميم للتماثل، وجمعه: إمام، بكسر الهمزة كـ: قيام.
قيل: ومنه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] أي: قاصدين بهم. "ومؤنثاتهن" كـ: راعية ورعاء، وقائمة وقيام. وآمة وإمام.
"و" يحفظ في وصف على أفعل نحو: "أعجف" أي: هزيل وعجاف، ومؤنثه:
عجفاء وعجاف. ومنه: {سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف: 43] لأن مفرده: بقرة عجفاء.
وحكى الفارسي5 وأبو حاتم: أجرب وجراب. زاد أبو حاتم: أبطح وبطاح. قاله ابن سيده في شرح إصلاح المنطق. فسقط ما قيل: إن أعجف لا ثاني له.
"و" في وصف على فعال، بتخفيف العين نحو: "جواد" بفتح الجيم وتخفيف الواو، وجياد؛ والأصل: جواد، قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 ورد قول ابن جني في لسان العرب "1/ 537 "صوب" وتاج العروس 3/ 216 "صوب".
3 سقطت من "ب".
4 في "ط": "وأنتم قيام".
5 التكملة ص1879.(2/538)
قال: [من الطويل]:
910- ...................................... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
"و" في وصف على فعيل نحو: "خير"، بفتح الخاء وتشديد الياء المثناة تحت المكسورة، وخيار.
"و" في وصف على فعلاء نحو: "بطحاء" وبطاح.
وفي وصف على فعلى، بضم الفاء نحو: أنثى وإناث.
"و" في اسم على فعول، بفتح الفاء نحو: "قلوص" وقلاص.
وفي: فعل، بفتح أوله وكسر ثانيه، نحو: زخل وزخال، وهو بالزاي والخاء المعجمتين: الأنثى من ولد الضأن.
وفي: فعلة، بفتح أوله وكسر ثانيه، نحو: نمرة ونمار.
وفي: فعالة، نحو: عباءة وعباء.
وفي: فعلة، بضم أوله وسكون ثانيه، نحو: برمة وبرام، ونطفة ونطاف.
وفي: فعل، بضم أوله وفتح ثانيه، كـ: ربع ورباع.
وفي: فعل بضمتين، نحو: جمد وجماد.
وفي: فعيل، نحو: فصيل وفصال.
وفي: فعل، بفتح أوله وضم ثانيه، كـ: سبع وسباع.
وفي: فعلان، بفتح الفاء وسكون العين كـ: ضبعان وضباع.
البناء "الثاني عشر" من أبنية الكثرة: "فُعُول، بضمتين، ويطرد في" ألفاظ "أربعة: إحداها: اسم على فعل"، بفتح أوله وكسر ثانيه "نحو: كبد" وكبود، "ووعل" ووعول. "وهو"، أي فعول، "فيه" أي في فعل "كاللازم". وإليه يشير قول الناظم:
814- وبفعول فعل نحو كبد يخص غالبًا.............
__________
910- صدر البيت:
سريت بهم حتى تكل مطيهم
وهو لامرئ القيس في ديوانه ص93، والدرر 2/ 454، وشرح أبيات سيبوبه 2/ 420، وشرح الأشموني 2/ 420، وشرح شواهد الإيضاح ص228. وشرح شواهد المغني 1/ 374، وشرح المفصل 5/ 79، والكتاب 3/ 27، 626، ولسان العرب 15/ 284 "مطا"، ومغني اللبيب 1/ 127، 130، وبلا نسبة في أسرار العربية ص267، وجواهر الأدب ص404، ورصف المباني 5/ 181، وشرح المفصل 8/ 19، ولسان العرب 15/ 124 "غزا" والمقتضب 2/ 72، وهمع الهوامع 2/ 136.(2/539)
ومن غير الغالب: نمر ونمار. "وجاء في نحو1: نمر نمور على القياس. ونمر"، بضمتين على غير القياس، "قال" حكيم بن معية الربعي: [من الرجز]
911- فيها عياييل أسود ونمر
أنشده سيبويه2. فقال ابن الضائع: أراد: نمر، بسكون الميم، ثم نقل أو أتبع. "و" قال غيره: "قد يكون مقصورًا"، أي مختصرًا "من نمور" فحذفت الواو "للضرورة وقالوا أيضًا" في جمعه: "أنمار" على غير القايس. فتحصل في جمعه أربعة أوزان: واحد قياسي وهو: نمور، وثلاثة على غير القياس وهي: نمار وأنمار ونمر. والعياييل جمع: عيل واحد العيال. قاله الصغاني.
"والثلاثة الباقية" من الأربعة المطرد فيها فعول: "الاسم الثلاثي الساكن العين" حال كونه "مفتوح الفاء"، ليس عينه واوًا "نحو: كعب" وكعوب، "وفلس" وفلوس، وخرج عنه [نحو]3: حوض، فلا ينقاس فيه: فعول. وشذ في فوج: فووج. وهم الجماعة من الناس. "ومكسورها نحو: حمل"، بالحاء المهملة، وحمول، "وضرس" وضروس, "ومضمومها نحو: جند"، وجنود, "وبرد" وبرود، وإليه أشار الناظم بقوله:
814- ......................... ........... كذاك يطرد
815- في فعل اسما مطلق الفا.... .....................................
"إلا في ثلاثة" من مضموم الفاء لم يطرد فيها فعول:
"أحدها: معتل العين كـ: حوت"، فإن جمعه: حيتان.
"والثاني: معتل اللام كـ: مدي" فإن جمعه: أمداء. قال سيبويه4: لا يكسر
__________
1 سقط من "ب".
911- الرجز لحكيم بن معية الربعي في شرح أبيات سيبويه 2/ 397، ولسان العرب 5/ 234، "نمر"، 11/ 489 "عيل"، والمقاصد النحوية 4/ 586، وتاج العروس 14/ 293، "نمر"، "عيل"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 316، 376، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 132، وشرح الأشموني 3/ 829، وشرح شواهد الشافية ص376، وشرح المفصل 5/ 18، 10/ 92، والكتاب 3/ 574، والمقتضب 2/ 203، والممتع في التصريف 1/ 344، والمخصص 11/ 7.
2 الكتاب 2/ 574.
3 إضافة من "ط".
4 الكتاب 3/ 577.(2/540)
على غير ذلك. قال في المحكم: المدي من المكاييل معروف. قال ابن الأعرابي: هو مكيال ضخم لأهل الشام وأهل مصر، والجمع: أمداء، وقال الجوهري1: هو القفيز الشامي، وهو غير المد.
"وشذن في" جمع: "نؤي" بنون مضمومة بعدها همزة ساكنة: "نئي"، بضم النون وكسر الهمزة وتشديد الياء. "قال" الشاعر: [من الوافر].
912- خلت إلا أياصر أو نئيا محافرها كأشربة الإضين
وإلا: حرف استثناء وأياصر: منصوب على الاستثناء، وهو بالياء المثناة التحتانية والصاد المهملة، جمع: أيصر: حبل قصير يشد في أسفل الخباء إلى وتد. والنئي، بضم النون وكسر الهمزة وتشديد الياء، جمع نؤي، وهو حفيرة تجعل حول الخباء، لئلا يدخله ماء المطر. وأصل الجمع: نووي، على زنة2 فعول اجتمع فيه الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون. قلبت الواو ياء والضمة كسرة لتسلم الياء، ثم أدغمت إحدى الياءين في الأخرى لتماثلهما، فصار نؤيا، ويقال فيه أيضًا: نئي، بكسرتين إتباعًا لكسرة الهمزة، وآنآء ويقدمون الهمزة ثم يقولون: آناء على القلب، مثل: أبآر وآبار.
والإضين، بكسر الهمزة جمع: أضاءة وهي الغدير.
والمستثنى "الثالث" من فعل، بضم العين3، "المضاعف"، فإنه لا يجمع على فعول "كـ: مد"، بضم الميم، لمكيال، فإنه يجمع على: أمداء.
"وشذ في" جمع "خص، بالحاء المهملة" المضمومة والصاد المهملة، "وهو: الورس" كما قال الجوهري4. وقال غيره5: الزعفران. قال عمرو بن كلثوم: [من الوافر].
913- مشعشعة كأن الحص فيها إذا ما الماء خالطها سخينا
__________
1 الصحاح "مدى".
912- البيت للطرماح في ديوانه ص521، وأساس البلاغة "نأي"، ولسان العرب 14/ 38 "أضا" وفيه القافية "الإضينا"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 318.
2 في "ب": "وزن".
3 في "ط": "الفاء".
4 الصحاح "حصحص".
5 لسان العرب 7/ 15 "حصحص".
913- البيت لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص64، ولسان العرب 2/ 531، "طلح"، 7/ 15، "حصحص"، 13/ 205 "سخن"، وكتاب العين 1/ 71، والمخصص 3/ 2، 15/ 60، والأغاني 11/ 45، وجمهرة أشعار العرب 1/ 389، وخزانة الأدب 3/ 178، والخصائص 1/ 289، 2/ 360، وشرح ديوان امرئ القيس 320، وشرح الحماسة للمرزوقي 1/ 188، وشرح القصائد السبع ص372، وشرح القصائد العشر ص312، وشرح المعلقات السبع ص165، وشرح المعلقات العشر ص88، وشعراء النصرانية ص455، وللتغلبي في تاج العروس 6/ 582 "طلح" ومقاييس اللغة 2/ 13، 3/ 168، وديوان الأدب 4/ 92، وبلا نسبة في أساس البلاغة "حصص".(2/541)
"خصوص": فاعل شذ. "ويحفظ" فعول "في: فعل" بفتحتين، اسمًا "كـ: أسد، و" أسود، "وشجن"، بالشين المعجمة والجيم: الحاجة حيث كانت، والجمع: شجون.
والشجن أيضًا: الحزن، والجمع: أشجان "وندب"، بفتح النون والدال المهملة وبالباء الموحدة: الخطر، وأثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، والجمع: ندوب. "وذكر" بفتحتين، مقابل أنثى، والجمع: ذكور، وطلل وطلول.
البناء "الثالث عشر: فعلان، بكسر أوله وسكون ثانيه. ويطرد أيضًا في ألفاظ "أربعة:
اسم على فعال": بضم الفاء "كـ: غلام" وغلمان، "وغراب" وغربان.
"أو على: فعل" بضم أوله وفتح ثانيه "كـ: صرد" لطائر. وصردان، "وجرذ" بالجيم والراء والذال [المعجمة]1: نوع من الفئران، والجمع: جرذان.
"أو: فعل" بضم أوله وسكون ثانيه؛ حال كونه "واوي العين، كـ: حوت" وحيتان، "وكوز" وكيزان، بالزي.
"أو" على: "فعل"، بفتحتين. "كـ: تاج"، بالجيم وتيجان، "وساج" وسيجان، "وخال" وخيلان: وهي النقط المخالفة لبقية لون البدن. "وجار" وجيران، "ونار" ونيران. "وقاع" وقيعان.
والألف في الجميع منقلبة عن واو، إلا في: خال، فإنها منقلبة عن ياء. والخال: أخو الأم، ألفه منقلبة عن واو، وجمعه: أخوال.
"وقل" فعلان "في": فعل، بكسر أوله وسكون ثانيه، "نحو": حسل وحسلان2، وخرص وخرصان، وخشف وخشفان، وخيط وخيطان3، ورئد ورئدان4،
__________
1 إضافة من "ط".
2 في "ب": "حمل وحملان".
3 في "أ": "خبط وخبطان"، والتصويب من "ط" لأنه يناسب ما سيشرحه الأزهري.
4 في "أ": "زند وزندان"، وفي "ب": "زيد وزيدان"، والتصويب من "ط" لأنه يناسب ما سيشرحه الأزهري.(2/542)
وشقد وشقدان، وشيح وشيحان1، و"صنو" وصنوان، وقنو وقنوان.
هذه تسعة ألفاظ ذكرها ابن جني، ونظمها ابن مالك في بيتين فقال: [من البسيط]
للحسل والخرص في التكسير فعلان وهكذا قل خشفان وخيطان2
رئد وشقد وشيح هكذا جمعت ومثل ذلك صنوان وقنوان3
الحسل: ولد الضب، والخرص: سنان الرمح، والخشف، الغزال، والخيط4 قطيع النعام، والرئد: المثل وأيضًا: فرخ5 الشجرة، وقيل ما لانَ من أغصانها، والشقد: ولد الحرباء، والشيح: نبت، والصنو والقنو: مثلان.
"و" في: فعل، بفتحتين، نحو: "خرب"، بفتح الخاء المعجمة والراء: ذكر الحبارى سمي بذلك لسكونه في الخراب، وجمعه: خربان، بكسر الخاء. قاله في الضياء.
"و" في: فعال بفتح أوله، نحو: "غزال" وغزلان.
"و" في فعال. بكسر أوله، نحو: "صوار" بكسر الصاد المهملة، وحكي ضمها، وهو القطيع من بقر الوحش، وجمعه: صيران، بقلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
"و" في فاعل نحو: "حائط" وحيطان.
"و" في فعيل نحو: "ظليم"، بفتح الظاء المشالة: ذكر النعام. وجمعه: ظلمان بكسر الظاء وضمها.
"و" في: فعول نحو: "خروف" وخرفان.
وفي فعلة، بكسر أوله وسكون ثانيه، نحو: نسوة ونسوان.
وفي وصف على: فعل نحو: ضيف وضيفان.
أو على: فعال نحو: شجاع وشجعان.
__________
1 في "أ": "شيخ وشيخان"، وفي "ب": "سيج وسيجان"، والتصويب من "ط": لأنه يناسب ما سيشرحه الأزهري.
2 في "أ": "خبطان"، والتصويب من "ط" لأنه يناسب ما سيشرحه الأزهري.
3 في "أ": "زند، شيخ"، وفي "ب": "زيد، سيج" مكان "رئد، شيح"، والتصويب من "ط" لأنه يناسب ما سيشرحه الأزهري.
4 في "أ": "الخبط".
5 في "ط": "فرع".(2/543)
البناء "الرابع عشر: فعلان، بضم أوله وسكون ثانيه، ويكثر في" ألفاظ "ثلاثة":
"في اسم على فعل"، بفتح أوله وسكون ثانيه، "كـ: ظهر"، بالمشالة وظهران، "وبطن" وبطنان.
"أو: فعل"، بفتحتين، حال كونه "صحيح العين، كـ: ذكر" وذكران، "وجذع" للثني من المعز، وجذعان.
قال الموضح في الحوشي: هذا مثال أبي حيان، وهو خطأ لأن جذع صفة لا اسم.
انتهى. وهذا الاعتراض بالنظر إلى الوصف الأصلي لا باعتبار الاسمية.
"أو" على "فعيل كـ: قضيب" وقضبان، "ورغيف" ورغفان، و"كثيب" وكثبان.
"وقل" فعلان، بضم الفاء، "في" فاعل "نحو: راكب" وركبان، وراجل ورجلان، ويجمع راجل على رجل كـ: صحب، ورجالة ورجال.
"وفي": أفعل نحو: "أسود" وسودان وأحمر وحمران.
وزعم الفراء أن سودان وحمران جمع: سود وحمر فهو جمع الجمع، لا جمع المفرد. ورد بأن فعلاء صفة لا تجمع على فعلان.
وفي: فعال، بضم الفاء كـ: حوارن بالحاء المهملة، وحوران، والكثير: حيران، وزقاق، بزاي وقافين، وهو السكة، "وزقان"، بإدغام عينه في لامه لزوال المانع من التقاء المثلين.
وعبر عن المقيس بالكثير وعن المحفوظ بالقليل، ولم يخالف التسهيل1. إلا في: جذع، فإنه جعله من قسم المحفوظ بناء على أنه صفة.
البناء "الخامس عشر: فعلاء, بضم أوله وفتح ثانيه. ويطرد في: فعيل" وصفًا: لمذكر عاقل. "بعمنى فاعل"، أو بمعنى مفعل، أو مفاعل، حال كونه "غيب مضاعف، ولا معتل اللام".
فالأول "كـ: ظريف" وظرفاء، وكريم" وكرماء، "وبخيل" وبخلاء. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
818- ولكريم وبخيل فعلا كذا لما ضاهاهما قد جعلا
__________
1 التسهيل ص276.(2/544)
ويستثنى من ذلك: صغير وصبيح وسمين فقط، فإنهم استغنوا فيهن بفعال. قال سيبويه1: ولا يقول: صغراء ولا صبحاء ولا سمناء.
والثاني كـ: سميع بمعنى مسمع، وأليم بمعنى مؤلم. فإنه يقال في جمعهما: سمعاء وألماء. قاله ابن مالك2. وشوحح فيهما.
والثالث: نحو: جليس وخليط، بمعنى: مجالس ومخالط، فإنه يقال في جمعهما: جلساء وخلطاء، وشذ: أسير وأسراء، وقتيل وقتلاء. لأنهما بمعنى مفعول.
"وكثر" فعلاء "في فاعل دالا على معنى" غير مكتسب "كالغريزة"، بالغين المعجمة والراء والزاي، وهو الطبيعة التي طبع الإنسان عليها. "كـ: عاقل" وعقلاء، "وصالح" وصلحاء، "وشاعر" وشعراء. فإن العقل والصلاح والشعر من الأوصاف الشبيهة بالأوصاف الغريزية3 كـ: الكرم والبخل، من جهة أن كلا منهما غير مكتسب. "وشذ فعلاء في نحو: جبان" وجبناء، وخليفة" وخلفاء4. قال سيبويه5: وقولهم: خلفاء محمول في المعنى على خليف، لأنه لا يقع إلا على مذكر، والتاء لا تثبت في تكسيره. وقال أبو علي6: جمع خليفة: خلائف. على حد: كرائم أموالهم7؛ جمع: كريمة.
"وسمح" بسين مهملة مفتوحة وميم ساكنة وفي آخره حاء مهملة: الكريم، وجمعه: سمحاء، لا بالخاء المعجمة، خلافًا لأبي حيان8. "وودود" وودداء، ورسول ورسلاء، لأنها ليست على فعيل ولا على فاعل.
البناء "السادس عشر: أفعلاء، بكسر ثانيه9، وهو نائب عن فعلاء في المضعف" من فعيل بمعنى فاعل "كـ: شديد" وأشداء، و"عزيز" وأعزاء.
__________
1 الكتاب 3/ 363.
2 شرح الكافية الشافية 4/ 1860-1861.
3 في "ب": "العزيزي".
4 سقط من "ب".
5 الكتاب 3/ 336.
6 التكملة ص185.
7 أخرجه البخاري في الزكاة برقم 1425: "فإياك وكرائم أموالهم" وشرحه في النهاية 4/ 67 بقوله: "أي نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها ويختصها لها، حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها".
8 الارتشاف 1/ 206.
9 في "ط": "ثالثة".(2/545)
"وفي المعتل" اللام من: فعيل بمعنى فاعل "كـ: ولي" وأولياء، و"غني" وأغنياء، وإنما ناب أفعلاء عن فعلاء في المعتل اللام والمضعف، لأنهم لو قالوا في: غني: غنياء، لتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فينقلب ألفا، فيلتقي ألفان فتحذف إحدى الألفين، فتختل الكلمة. كذا قالوا. وفيه نظر لأن حرف العلة بعده ألف فلا يعل لأجلها. ولو قالوا: شدداء التقى حرفا التضعيف لزوال الفاصل ولا يمكن الإدغام لأن فعلاء وزن خاص بالاسم فلا يدغم. وشذ: تقي وتقواء، وسخي وسخواء.
"وشذ" أفعلاء "في" غير المضعف والمعتل، "نحو: نصيب" وأنصباء "وصديق" وأصدقاء، "وهين" وأهوناء. وأما ظنين وأظناء فشاذ، وإن كان مضاعفًا1، لأنه بالظاء المشالة، بمعنى متهم. فهو صفة بمعنى مفعول لا بمعنى فاعل. وبالطاء المهملة: اسم لا صفة. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
819- وناب عنه أفعلاء في المعل لاما ومضعف وغير ذاك قل
البناء "السابع عشر: فواعل، ويطرد في" ألفاظ "سبعة" ثانيها ألف زائدة، أو واو غير ملحقة بخماسي.
وذلك "في: فاعلة اسمًا" كانت "أو صفة كـ: {سَبْعَة} ثانيها ألف زائدة أو واو غير ملحقة بخماسي.
وذلك "في: فاعلة اسمًا" كانت "أو صفة كـ: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 16] فـ: ناصبة: اسم، وكاذبة خاطئة: صفة، فيقال في جمعها: نواص2. وكواذب، وخواطئ.
"وفي اسم على فوعل كـ: جوهر"، "وكوثر" وكواثر.
"أو" اسم "على: فوعلة، كـ: صومعة" وصوامع، "وزوبعة" وزوابع، والصومعة: بيت النصارى. قاله في القاموس3. والزوبعة، بالزاي والباء الموحدة المفتوحتين: رئيس من رؤساء الجن. ومنه يسمى الإعصار زوبعة، وهي: ريح تثير4 الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود. قاله في الصحاح5.
"أو" اسم "على فاعل، بالفتح" في العين "كـ: خاتم"، على إحدى اللغتين، وخواتم. "وقالب"، على لغة الفتح، وقوالب، وطابع كذلك، وطوابع.
__________
1 في "ب": "مضعفًا".
2 في "ب": "نواصي".
3 القاموس المحيط "صمع".
4 في "أ": "يشير" بتذكير الفعل مع أن الريح مؤنثة، وفي "ب": "تنثر".
5 الصحاح "زبع".(2/546)
"أو" اسم "على فاعلاء، بالكسر" في عينه وبالمد "نحو: قاصعاء" وقواصع، "وراهطاء" ورواهط. ونافقاء ونوافق. والثلاثة أسماء لجحرة1 اليربوع. فالراهطاء، بالراء والطاء المهملتين: هي التي يخرج منها التراب ويجمعه، والقاصعاء، بالقاف والصاد والعين المهملتين: حفر يحفرها ثم يأتي بالتراب الذي أخرجه من الراهطاء فيسد به فم الجحر لئلا يدخل عليه. والنافقاء بالنون والفاء والقاف: حفرة يكتمها ويظهر غيرها. وهو موضع يربعه، فإذا أتي من قبل القاصعاء، ضرب النافقاء برأسه فخرج.
"أو" اسم على "فاعل"، بكسر العين "كـ: جائز" وجوائز، وهو بالجيم والزاي: الخشبة المعترضة بين الحائطين، ومنه جائزة الطاحون. وقيل الخشبة2 التي يحمل عليها خشب البيت. "وكاهل": وهو مجمع الكتفين، وكواهل. "وفي وصف على فاعل" بكسر العين "لمؤنث" لا تدخله تاء الفرق "كـ: حائض" وحوائض "وطالق" وطوالق.
"أو" وصف على فاعل "لغير عاقل" من المذكر "كـ: صاهل" صفة فرس، وصواهل، "وشاهق" صفة مكان، وشواهق، وطالع صفة نجم، وطوالع. "وشذ" فواعل من وصف على فاعل لمذكر عاقل.
فمن ذلك قولهم: "فوارس" في جمع فارس، "ونواكس" في جمع ناكس. قال الفرزدق: [من الكامل]
914- وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الأبصار
"و" في جمع: سابق صفة لمذكر "سوابق، و" في جمع هالك "هوالك". قال: [من الطويل]
915- وأيقنت أني عند ذلك ثائر غداتئذ أو هالك في الهوالك
__________
1 في "ط": "لجحر".
2 في "ب": "الخشب الذي".
914- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 304، والاقتضاب ص151، وجمهرة اللغة ص607، وخزانة الأدب 1/ 206، 208، وشرح أبيات سيبويه 2/ 367، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص39، وشرح شواهد الشافية ص142، وشرح المفصل 5/ 56، والكتاب 3/ 633، واللسان 6/ 241 "نكس"، 8/ 74، "خضع"، والمتقضب 1/ 121، 2/ 219.
915- البيت لابن جذل الطعان في لسان العرب 10/ 504 "هلك" وتاج العروس "هلك" وبلا نسبة في شرح المفصل 5/ 56.(2/547)
وزعم بعضهم أن ذلك كله غير شاذ وأنه جمع لفاعلة، وكأنه قيل: طائفة هالكة، وطوائف هوالك. وكذا الباقي، نقله الموضح في الحواشي وأقره.
وقال ابن الحاجب في شرح المفضل: "أما فوارس، فالذي حسنه انتفاء الشركة بينه وبين المؤنث لأنهم1 لا يقولون: امرأة فارسة. وأما هوالك فجاء في1 مثل: هالك في الهوالك1. والأمثال كثيرًا ما تخرج عن القياس. وأما "نواكس" فضرورة.
وخرج بقولنا: ثانيها ألف زائدة نحو: آدم، فإن ألفه غير زائدة، فيقال في جمعه: أوادم، بزنة: أفاعل لا فواعل.
وبقولنا: أو واو غير ملحقة بخماسي نحو: فدوكس، فإنه ملحق بسفرجل، فيقال في جمعه: فداكس بزنة فعالل لا فواعل. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
820- فواعل لفواعل وفاعل وفاعلاء مع نحو كاهل
821- وحائض وصاهل وفاعله وشذ في الفارس مع ما ماثله
البناء "الثامن عشر: فعائل. ويطرد2 في كل رباعي مؤنث ثالثه مدة سواء" كانت المدة ألفا أو ياء أو واوًا، وسواء كان اسمًا أو صفة. وسواء "كان تأنيثه بالتاء كـ: سحابة" وسحائب. "وصحيفة" وصحائف، و"حلوبة" وحلائب، ورسالة ورسائل, ذؤابة وذوائب, وظريفة وظرائف.
"أو" كان تأنيثه "بالمعنى كـ: شمال" بكسر الشين، مقابل يمين، وبفتحها: ريح تهب من ناحية القطب، وجمعها: شمائل. قال الله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} [المعارج: 37]. وحكى اللحياني في جمع أسماء الريح: شمالا وشمائل. وعقاب وعقائب "وعجوز" وعجائز، "وسعيد؛ علم امرأة" وسعائد.
وشذ: دليل ودلائل. أو كان تأنيثه بالألف المقصورة كـ: حبارى وحبائر. أو بالممدودة جلولاء، وجلائل. بالجيم: قرية بناحية فارس. وشذ: ضرة وضرائر، وكنة وكنائن، وظنة وظنائن، وحرة وحرائر. لأنهن ثلاثيات. وإليه أشار الناظم بقوله:
82- وبفعائل اجمعن فعاله وشبهه ذا تاء أو مزاله
البناء "التاسع عشر: فعالي، بفتح أوله وكسر رابعه، ويطرد في" ألفاظ "سبعة":
__________
1 سقط من "ب".
2 في "ب": "يرد".(2/548)
أحدها: "فعلاة"، بفتح أوله وسكون ثانيه "كـ: موماة": وهي الفلاة الواسعة التي لا نبات فيها، وجمعها موام1. قاله صاحب الضياء.
"و" الثاني: "فعلاة"، بكسر أوله وسكون ثانيه "كـ: سعلاة" بالسين والعين المهملتين؛ أخت2 الغيلان. وجمعها: سعال3. قال: [من الرجز]
916- عجائزا مثل السعالي خمسا
"و" الثالث: "فعلية"، بكسر أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه "كـ: هبرية" بالباء الموحدة والراء والياء المثناة التحتانية مخففة: وهي ما يتعلق بأصول الشعر مثل نخالة الطحين. وقيل: ما تطاير من دقائق القطن. وجمعها: هبار4.
"و" الرابع: "فعلوة"، بفتح أوله، وسكون ثانيه وضم ثالثه وفتح رابعه، "كـ: عرقوة" بالعين والراء المهملتين والقاف: وهي الخشبة المعترضة على رأس الدلو. وجمعها عراق5.
"و"الخامس: "ما حذف أول زائديه من نحو: حبنطى"، بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وسكون النون وفتح الطاء المهملة: وهو العظيم البطن. وزيد فيه النون والألف ليلتحق6 بسفرجل فإذا حذف أول زائديه وهو النون، قيل في جمعه: حباط7، "وقلنسوة"، بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين المهملة وفتح الواو: ما يلبس على الرأس. وزيد فيه النون والواو ليلتحق6 بـ: قمحدوة، فإذا حذف أول زائديه وهو النون قيل في جمعه: قلاس. واحترز بحذف أول زائديه من حذف ثانيهما، فإنه يقال: في جمعهما: حبائط وقلانس على [زنة]8 فعالل.
__________
1 في "ب": "موامي".
2 في "ب": "أخبث" وهذا يوافق ما جاء في لسان العرب 11/ 336 "سعل" وفي حاشية يس 2/ 313-314 "المراد: أخوتها للغيلان في كونهما نوعين من الجن كما يدل عليه كلام القزويني في عجائب المخلوقات".
916- تقدم تخريج الرجز برقم 795.
3 في "ط": "سعالي".
4 في "ب": "هباري".
5 في "ب": "عراقي".
6 في "ط": "ليلحق".
7 في "ب": "حباطي".
8 إضافة من "ط".(2/549)
"و" السادس: "فعلاء" بفتح أوله وسكون ثانيه. "اسمًا" كانت "كـ: صحراء" وصحار1، "أو صفة مذكر لها كـ: عذراء" وهي البكر، وعذار.
"و" السابع: "ذو الألف المقصورة لتأنيث، كـ: حبلى" وحبال، "أو إلحاق، كـ: ذفرى"، بكسر الذال المعجمة وسكون الفاء وفتح الراء المهملة: وهو الموضع الذي يعرق من قفا البعير خلف الأذن، وألفه للإلحاق بدرهم، وهجرع، والجمع: ذفار2، وعلقى وعلاق3.
"تمام العشرين" من أبنية الكثرة: "فَعَالَى، بفتح أوله ورابعه، ويشاركه الفعالِي: بالكسر" في رابعه "في صحراء وما ذكر بعده" من نحو: عذراء3، وحبلى، وذفرى، فتقول في جمعها: صحارى وصحار2، وعذارى وعذار2، وحبالى وحبال2، وذفارى وذفار2، وعلاقى وعلاق2، بالفتح والكسر في الجميع، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
823- وبالفعالي والفعالى جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا
وينفرد فعالي بالكسر، عن فعالى بالفتح، بما ذكر قبل صحراء، "وليس لفعالى" بالفتح، "وما ينفرد به عن الفعالي" بالكسر "إلا وصف" على فعلان، أو فعلى، بفتح أولهما نحو: سكران وسكرى، وغضبان وغضبى، فتقول في جمعهما: سكارى وغضابى بالفتح. ولا تقول: سكار وغضاب بالكسر، ويترجح في هذين الوصفين: فعالى، بضم الفاء وفتح اللام نحو: كسالى على فعالى، بفتحهما.
ويحفظ فعالى، بفتح الفاء واللام، في نحو: حبط وحباطى، ويتيم ويتامى، وأيم وأيامى، وطاهر؛ بنات بني عون؛ وطهارى، ومهرى ومهارى، وشاة رئيس، إذا أصيب رأسها؛ ورآسى.
ويحفظ فعالى، بالضم، في نحو: قديم وقدامى، وأسير وأسارى.
والحاصل أن هذه الأوزان بالنسبة إلى فعالى، بالضم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما فعالى بالضم أرجح فيه من فعالى بالفتح وهو شيئان: فعلان وفعلى، وصفين.
__________
1 في "ب": "صحاري".
2 جميع الكلمات في "ب": بزيادة ياء في آخرها.
3 في "ب": "عذرى".(2/550)
والثاني: ما فعالى، بالضم فيه لازم وهو: قديم وأسير.
والثالث: ما فعالى فيه ممتنع، وهو: يتيم وحبط1 وأيم وطار ومهرى2، ورئيس بمعنى مرءوس.
"الحادي والعشرون: فعالي، بالفتح" في الفاء "والتشديد" في الياء. "ويطرد" فعالي "في كل ثلاثي" ساكن العين "آخره ياء مشددة" زائدة على الثلاثة "غير متجددة للنسب كـ: بختي" بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة، وبخاتي، "وكرسي" وكراسي، "وقمري"، بضم القاف، وقماري "بخلاف نحو": عربي وعجمي، لأنهما محركا العين. ونحو: "مصري وبصري"، لأن ياءهما متجددة للنسب. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
824- واجعل فعالي لغير ذي نسب جدد...............................
وشذ: قبطي وقباطي، نسبة إلى قبط، وفي الصحاح3: القبط: أهل مصر، ورجل قبطي، والقبطية: ثياب بيض رقاق من كتان والجمع: قباطي. وفي الصحاح4 أيضًا: البخت من الإبل معرب، وبعضهم يقول: [هو]5 عربي، وينشد لابن قيس الرقيات [من الخفيف].
917- يهب الخيل والألوف ويسقي لبن البخت في قصاع الخلنج
الواحد: بختي، والأنثى، بختية والجمع: بخاتي، غير منصرف لأنه بزنة جمع الجمع، ولك تخفيف الياء، فتقول: البخاتي.
قال الموضح: فالياء في البخاتي: متجددة للنسب، وليس بختي وبخاتي كـ: قمري وقماري، ألا ترى أن الياء في قمري ليست للنسب إلى: قمر، ولكنها في بختي للنسب إلى بخت، وبختي [وبخت]6 كتركي وترك، فكما لا يقال في تركي تراكي،
__________
1 في "ب": "حبطي".
2 في "ب": "مهر".
3 الصحاح "قبط".
4 الصحاح "بخت".
5 إضافة من "ب"، "ط".
917- البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص181، واللسان 2/ 9، "بخت"، 261، "خلنج"، والتنبيه والإيضاح 1/ 156، وتاج العروس 4/ 437 "بخت"، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص252.
6 إضافة من "ب"، "ط".(2/551)
[كذا]1 كان القياس أن لا يقال في بختي بخاتي. انتهى.
وقد تكون الياء في الأصل للنسب الحقيقي ثم يكثر استعمال ما هي فيه حتى يصير النسب نسيًا2 منسيًّا، أو كالمنسي، فيعامل الاسم معاملة ما2 ليس منسوبًا كقولهم: مهري ومهاري، وأصل المهري: بعير3 منسوب إلى مهرة، قبيلة من قبائل اليمن. ثم كثر استعماله حتى صار اسمًا للنجيب من الإبل. قاله المرادي4. وبه تندفع مشبهة الموضح.
ويحفظ فعالي في: إنسان وظربان، فإنهم قالوا في جمعهما: أناسي وظرابي. ولما كان أناسي يتبادر إلى الفهم أنه جمع إنسي، حتى قال به بعضهم، أشار إلى جوابه بقوله. "وأما أناسي فجمع إنسان، لا" جمعه "إنسي"، لأن إنسيًّا، آخره ياء النسب.
وتقدم أن ما ختم بياء النسب لا يجمع على فعالي، "و" أناسي "أصله أناسين، فأبدلوا النون ياء" وأدغموا5 الياء المبدلة من ألف إنسان فيها. "كما قالوا: ظربان وظرابي"، وأصله: ظرابين6، فأبدلوا النون ياء بدليل أن العرب نطقت بذلك على الأصل، فقالت: أناسين وظرابين، وبهذا يتبين أن إبدال النون ياء فيهما ليس بلازم كما توهم ابن عصفور7.
ولو كان أناسي جمع إنسي، لقيل في جمع: جني جناني8، وفي جمع: تركي تراكي. قاله ابن مالك في شرح الكافية9. زاد ابنه10: وهذا لا يقول به أحد. انتهى.
والظربان؛ بفتح الظاء المشالة وكسر الراء المهملة وبالباء الموحدة؛ قال الجوهري11:
"دويبة كالهرة منتنة الريح. تزعم العرب أنها تفسو في ثوب أحدهم إذا صادها فلا تذهب رائحته حتى يبلى الثوب"12.
__________
1 إضافة من "ب".
2 سقط من "ب".
3 في "أ", "ب": "بغير".
4 شرح المرادي 5/ 71.
5 في "ب": "وأبدلوا".
6 في "ب": "ضربان وضرابي وأصله ضرابين".
7 الممتع في التصريف 2/ 372.
8 في "أ": "خني خناني".
9 شرح الكافية الشافية 4/ 1870.
10 شرح ابن الناظم ص556.
11 الصحاح "ظرب".
12 في "ب": "تبلى".(2/552)
وقال في المحكم: الظربان، دويبة تشبه الكلب، أصلم الأذنين، طويل الخرطوم، أسود الرأس، أبيض الجسم، منتن الريح، كثير الفسو. انتهى.
البناء "الثاني والعشرون: فعالل. ويطرد في" أنواع "أربعة وهي: الرباعي والخماسي، مجردين ومزيدًا فيهما:
فالأول": الرباعي المجرد، ويكون مفتوح الفاء واللام الأولى ومضمومهما ومكسورهما. فالمفتوح "كـ: جعفر" وهو النهر الصغير، وجمعه: جعافر. "و" المكسور نحو: "زبرج"، بالزاي والباء الموحدة والراء والجيم، وهو من أسماء الذهب، والسحاب الرقيق الذي فيه حمرة، وجمعه: زبارج. والمضموم نحو: برثن1، بالباء الموحدة والراء المهملة والثاء2 المثناة3 فوق، وهو مخالب4 الضبع كالأصابع للإنسان، وجمعه: براثن5.
"والثاني": الخماسي المجرد6 "كـ: سفرجل وجحمرش" بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وكسر الراء بعدها شين معجمة: العجوز الكبيرة والمرأة السمجة.
"ويجب" في جمع الخماسي "حذف خامسه" تخفيفًا لأن الثقل به حصل. "فتقول" في جمع سفرجل: "سفارج"، بحذف اللام. "و" في جمع جحمرش: "جحامر" بحذف الشين. "وأنت بالخيار في حذف الرابع أو الخامس إن كان" الحرف "الرابع" من الخماسي. "مشبهًا للحروف" العشرة "التي تزاد" في الكلم، وهي حروف "سألتمونيها". وشبهه بها:
"إما بكونه بلفظ أحدها كـ: خدرنق"، بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وسكون الراء وفتح النون وبعدها قاف، وهو العنكبوت7، قال المتنبي: [من الطويل]
قواض مواض نسج داود عندها إذا وقعت فيه كنسج الخدرنق8
__________
1 في "ط": "برتن".
2 في "ط": "التاء".
3 في حاشية يس 2/ 315، "قوله: والتاء والمثناة، صوابه: المثلثة كما يقتضيه صنيع الصحاح والقاموس وكذا رأيته بخط المصنف".
4 في "ب": "مخاليب".
5 في "ط": "براتن".
6 انظر الحاشية يس 2/ 315.
7 في "أ", "ب": "وهي".
8 البيت للمتنبي في ديوانه 2/ 309.(2/553)
ورابعه1 النون. وهي حرف أصلي لأنها لا يحكم بزيادتها متوسطة إلا بشروط تأتي، ولكنها من لفظ الحروف التي تزاد.
"أو بكونه من مخرجه"، أي من مخرج الحرف الزائد، "كـ: فرزدق" جمع: فرزدقة، وهي القطعة من العجين. لقب همام بن غالب بن صعصعة الشاعر. "فإن2 الدال" هي الحرف الرابع، وليست بلفظ حروف الزيادة. ولكنها "من مخرج التاء" الفوقية3، وهو طرف اللسان وأصول الثنيتين العليتين4.
والحاصل أنك إذا جمعت الخماسي فإن لم يكن رابعه شبيهًا بالزائد تعين حذف خامسه، وإن كان رابعه شبيهًا بالحرف الزائد لا يتعين حذف خامسه بل يتخير الحاذف5. فإن شاء حذف الرابع وأبقى الخامس فيقول: خدارق وفرازق6 وإن شاء حذف الخامس وأبقى الرابع فيقول7: خدارن وفرازد8. وهو الأجود9 ومذهب سيبويه10. وقال المبرد11: لا يحذف إلا12 الخامس.
ومحل الخلاف إذا لم يكن الخامس يشبه لفظ الزائد، فإن أشبهه تعين حذفه قولا واحدًا نحو: قذعمل، فتقول في جمعه: قذاعم.
"الثالث": الرباعي المزيد" نحو: مدحرج13 ومتدحرج.
والرابع: الخماسي المزيد "نحو: قرطبوس". قال ابن السيد: بفتح القاف.
الداهية: وبكسرها: الناقة العظيمة الشديدة14. "وخندريس15"، بفتح الخاء المعجمة
__________
1 في "ب": "رابع".
2 في "أ": "أو تكون".
3 في "ب", "ط": "الفوقانية".
4 سقط من "ب".
5 في "ب": "الحاذق".
6 في "ب": "فرازق".
7 في "ط": "فتقول".
8 في "ب": "فرازد".
9 وهو رأي ابن الناظم في شرحه ص557.
10 الكاب 3/ 448-449.
11 المقتضب 2/ 230.
12 سقط من "ب".
13 في "أ": "تدحرج".
14 ورد هذ القول في تاج العروس 16/ 367 "قرطبس" ولم ينسبه إلى ابن السيد، وقال: "حكاه الشيخ أبو حيان عن المبرد، ومثل بهما سيبويه جميعًا، وفسرهما السيرافي كما قدمنا".
15 القرطبوس والخندريس؛ حكاهما أبو حيان في المبدع في التصريف ص100.(2/554)
وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر الراء بعدها ياء مثناة تحتانية فسين مهملة: الخمر.
"ويجب" في الجمع "حذف زائد هذين النوعين" الأخيرين. وهما: الرباعي المزيد والخماسي المزيد. ففي مزيد الرباعي يقتصر1 على حذف زائده، فتقول في جمع: مدحرج ومتدحرج: دحارج، بحذف الميم والتاء فقط. وفي مزيد الخماسي تحذف3 زائده وخامسه، فتقول في جمع: قرطبوس وخندريس: قراطب, بحذف الواو والسين، وخنادر، بحذف الياء والسين.
"إلا إذا كان" زائد الرباعي "لينا" رابعًا "قبل الآخر، فتثبت" وتجتمع3 ما هو فيه على فعاليل. "ثم إن كان" الزائد "ياء صحح4 نحو: قنديل" وقناديل. "أو كان واوًا أو ألفًا، قلبا ياءين" لوقوعهما بعد الكسرة "نحو: عصفور" وعصافير. "وسرادح"، بكسر السين المهملة وسكون الراء وبالدال والحاء المهملتين: المكان اللين. والناقة الكثيرة اللحم. وقال الفراء: العظيمة. وجمعه: سراديح.
البناء "الثالث والعشرون: شبه فعالل"، وهو ما ماثله عددًا وهيئة، وإن خالفه زنة، كـ: مفاعل وفياعيل وفواعل.
"ويطرد في مزيد الثلاثي غير ما تقدم" من نحو: أحمر، وسكران، وصائم، ورام، وباب كبرى وسكرى، فإنها يقدر لها جموع تكسير فلا تجمع على فعالل، "ولا تحذف زيادته إن كانت واحدة"، سواء أكانت أولا أو وسطًا أو آخرًا، لإلحاق أو غيره، وسواء كانت حرف علة أو لا. "كـ: أفضل" وأفاضل، "ومسجد" ومساجد "وجوهر" وجواهر، "وصيرف"، وصيارف، "وعلقى" وعلاق5. فالزيادة في الأولين لغير الإلحاق، وفي الباقي6 للإلحاق.
"ويحذف ما زاد عليها" أي على الزيادة الواحدة، "فتحذف زيادة" واحدة "من نحو": منطلق، "و" زيادتان "اثنتان من نحو: مستخرج ومتذكر" بتشديد الكاف، "ويتعين إبقاء" الزائد" "الفاضل" على غيره، ويحصل الفضل بواحد من سبعة
__________
1 في "ب": "تقتصر".
2 في "ب"، "ط": "بحذف".
3 في "ط": "فيثبت ويجمع".
4 سقط من "ب".
5 في "ب": "علائق".
6 في "أ": "الثاني".(2/555)
أمور: التقدم. والتحرك، والدلالة على المعنى، ومقابلة الأصول. وهو كونه للإلحاق، والخروج عن حروف "سألتمونيها"، وأن لا يؤدي إلى مثال غير موجود، وأن لا يؤدي حذفه إلى حذف الآخر الذي ساواه في جواز الحذف.
وردها في التسهيل1 إلى ثلاثة أمور: المزية من جهة المعنى، والمزية من جهة اللفظ، وأن لا يغني حذفه عن حذف غيره.
فالمزية من جهة المعنى "كالميم مطلقًا"، سواء أكان معها حرف مماثل للأصل أم لا، وسواء أكان ثاني الزائدين ملحقًا أم لا. ولا فرف في ذلك بين الخماسي والسداسي.
"فتقول في" جمع "منطلق: مطالق"، بحذف النون وإبقاء الميم "لا نطالق"، بحذف الميم وإبقاء النون، لأن الميم تفضل النون بدلالاتها على الفاعل وتصديرها ووجوب تحريكها. واختصاصها بالاسم.
"و" تقول "في" جمع "مستدع: مداع"، بحذف السين والتاء معًا، لأن بقاءهما يخل ببنية الجمع، وإبقاء الميم لأن لها مزية عليهما2؛ كما تقدم. "لا: سداع ولا تداع"، بحذف الميم والتاء من الأول لأنه بناء غير موجود، والميم والسين من الثاني لأنه وإن كان بناء موجودًا كـ: تناصب3، لكن حذف الميم يفوت الدلالة على اسم الفاعل "خلافًا للمبرد في نحو: مقعنسس" مما أحد4 زائديه5 للإلحاق، فإنه يقول في جمعه6: قعاسس، ويحذف الميم والنون وتبقى7 السين ترجيحًا لمماثل الأصل، لأن السين زيدت للإلحاق باحرنجم، وبقاء الملحق أولى من غيره. وخالفه سيبويه في ذلك8.
"وكالهمزة والياء" التحتانية، "المصدرتين" في أول الكلمة، "كـ: ألندد ويلندد" بفتح أولهما وثانيهما وسكون النون فيهما، وهما بمعنى: "ألد"، وهو الشديد
__________
1 التسهيل ص279.
2 في شرح ابن الناظم 558: "وتبقى الميم لأنها مصدرة، ومتجددة للدلالة على معنى".
3 في "ب"، "ط": "تناظب"، قال الشيخ يس في حاشيته 2/ 316: "قوله كتناظب، كذا في النسخة المصححة بخطه، بالظاء المشالة، ولم أقف على هذه المادة في الصحاح ولا في القاموس".
4 في "ط": "آخر".
5 في "ب": "زوائده".
6 المقتضب 2/ 235، وانظر شرح ابن الناظم ص559.
7 في "ط": "ويبقي".
8 جمع: "مقعنسس" عند سيبويه: "مقاعس"، انظر الكتاب 3/ 429، وشرح ابن الناظم ص559.(2/556)
الخصومة: نص عليه الجوهري1 وصاحب الضياء. ومنه: خصم ألد. وفي التنزيل: {أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204] "تقول" في جمعهما: "ألاد ويلاد" بحذف النون وإبقاء الهمزة والياء لتصدرهما وتحريكهما، ولكونهما في موضع يقعان فيه دالين على معنى بخلاف النون، فإنها في موضع لا تدل على معنى أصلا. والأصل: ألادد ويلادد، فأدغم أحد المثلين في الآخر. والمزية من جهة اللفظ كالتاء من: استخرج علمًا، تقول في جمعه: تخاريج، بحذف السين وإبقاء التاء، لأن له نظيرًا وهو: تماثيل. ولا تقل: سخاريج بحذف التاء وإبقاء السين، لأن سفاعيل معدوم2.
والمزية من جهة كون الحرف لا يغني حذفه عن حذف غيره هي ما ذكره بقوله: "وإذا كان حذف إحدى الزيادتين مغنيًا عن حذف الأخرى بدون العكس، تعين حذف المغني حذفها كياء حيزبون"، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي وضم الباء الموحدة: العجوز، وفيه ثلاث زوائد: الياء والواو والنون "تقول" في جمعه: "حزابين بحذف الياء وقلبت الواو ياء" لسكونها وانكسار ما قبلها. وإنما أوثرت الواو بالبقاء، لأن الياء إذا حذفت أغنى حذفها عن حذف الواو، ولبقائها رابعة قبل الآخر، فيفعل بها ما فعل بواو: عصفور، من قبلها ياء.
"ولا" تقل: "حيازين، بحذف الواو" وسكون الموحدة قبل النون، "لأن ذلك" وهو حذف الواو لا يغني عن حذف الياء، بل هو "محوج إلى أن تحذف الياء" أيضًا "وتقول: حزابن3"، لصيرورته على مفعل، "إذ لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، إلا وهو" حرف "معتل" كـ: مصابيح وقناديل.
"فإن تكافأت الزيادتان" في الترجيح، "فالحاذف مخير" إذ لا مزية لأحدهما على الأخرى "نحو نوني: سرندي"، بفتح السين والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال المهملة: وهو الجريء على الأمور. وقال الجوهري4: الشديد. وقيل: القوي. "وعلندى" بفتح العين المهملة واللام وسكون النون وفتح الدال: البعير الضخم وقيل: نبت. وقيل: الغليظ الضخم من كل شيء. قاله الجوهري5.
__________
1 الصحاح "لدد".
2 في شرح ابن الناظم ص558: "لأن سفاعيل ليس في كلام العرب".
3 في "ب": "خزابين".
4 الصحاح "سرد".
5 الصحاح "علد".(2/557)
"وألفيهما" المقصورتين، فإن النون رجحت بالتقدم1 على الألف، والألف رجحت بتقدير2 الحركة، لإلحاقها بسفرجل. فلما تكافأت الزيادتين تخير الحاذف3. قاله الشاطبي.
"تقول" في جمع سرندى: "سراند" بحذف الألف وإبقاء النون، "وسراد" بحذف النون وإبقاء الأف. "و" تقول في جمع علندى: "علاند"، بحذف الألف وإبقاء النون، "وعلاد" بحذف النون وإبقاء الألف. فإن حذفت الألف يبقى: سرند وعلند، ينقل إلى: [سرند وعلند كـ: جعفر، فيقال في جمعهما: سراند وعلاند كـ: جعافر. وإن حذفت النون يبقى: سردى وعلدى، ينقل إلى]4: سردى وعلدى كـ: أرطى، فيقال في جمعهما: سراد وعلاد، بقلب الألف ياء لانكسار ما قبلها. ثم تحذف رفعًا وجرًّا، ويعوض منها التنوين، كـ: جوار. وإلى التخيير أشار الناظم بقوله:
832- وخيروا في زائدي سرندى وكلما ضاهاه كالعلندى
__________
1 في "ب": "بالتقديم".
2 في "ط": "بتقديم".
3 في "ب": "الحاذق".
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/558)
باب التصغير:
وهو لغة: التقليل. واصطلاحًا: تغيير مخصوص يأتي بيانه. وله فوائد وعلامات وشروط وأبنية.
أما فوائده فست: تقليل ذات الشيء نحو: كليب، وتحقير شأنه نحو: رجيل، وتقليل كميته نحو: دريهمات، وتقريب زمانه نحو: قبيل العصر، وبعيد المغرب. وتقريب مسافته نحو: فويق المرحلة، وتحيت البريد، وتقريب منزلته نحو: صديقي.
وزاد الكوفيون معنى آخر وهو: التعظيم نحو: دويهية. وخرجها البصريون على التقليل. لأن الداهية إذا عظمت قلت مدتها.
وزاد بعضهم معنى آخر وهو: التحبب نحو: بنية.
وأما علاماته فثلاث: ضم أوله، وفتح ثانيه، واجتلاب ياء ثالثه.
وأما شروطه فأربعة:
أحدها: أن يكون اسمًا، فلا يصغر الفعل ولا الحرف. وشذ: ما أحيسنه عند البصريين.
الثاني: أن لا يكون متوغلا في شبه الحرف، فلا تصغر المضمرات. ولا "من وكيف" ونحوهما.
الثالث: أن يكون خاليًا من صيغ التصغير وشبهها، فلا يصغر نحو: كميت لأنه على صيغة التصغير. ولا مبيطر لأنه على صيغة تشبه صيغة التصغير. قاله ابن مالك1. وفيه كلام يأتي.
__________
1 التسهيل ص284.(2/559)
الرابع: أن يكون قابلا لصيغة التصغير، فلا تصغر الأسماء المعظمة كأسماء الله وأنبيائه وملائكته ونحوها، ولا جمع الكثرة، وكل، وبعض، ولا أسماء الشهور، والأسبوع عند سيبويه1، والمحكي، وغير، وسوى، والبارحة، والغد، والأسماء العاملة.
"و" أما أبنيته الموضوعة "له" فهي "ثلاثة أبنية" لا زائد عليها: "فعيل، وفعيعل، وفعيعيل"2.
فالأول: لتصغير الثلاثي "كـ: فليس".
"و" الثاني: لتصغير الرباعي نحو: "دريهم".
"و" الثالث: لتصغير الخماسي نحو: "دنينير".
وهذه الأوزان الثلاثة مع وضع الخليل، فقيل له: لم بنيت المصغر على هذه الأبنية؟ فقال: لأني وجدت معاملة الناس على فلس ودرهم ودينار3. فإن قلت: النون الأولى من دنينير ليست في مكبره. قلت: أصل دينار دنار, بتشديد النون، أبدلت النون الأولى ياء، فإذا صغر رجع إلى أصله، لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها.
ووزن المصغر بهذه الأبنية اصطلاح خاص بهذا الباب، اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريبًا، وليس بجار على مصطلح التصريف.
ألا ترى أن وزن: أحيمد4، ومكيرم. وسفيرج في التصغير: فعيعل، ووزنها التصريفي: أفيعل، ومفيعل، وفعيلل. وأصل هذه الأبنية الثلاثة: فعيل. "وذلك لأنه لا بد في كل تصغير من ثلاثة أعمال: ضم" الحرف "الأول" إن لم يكن مضمومًا "وفتح" الحرف "الثاني"، إن لم يكن مفتوحًا، "واجتلاب ياء ثالثة ساكنة"، وتسمى ياء التصغير.
"ثم إن كان" الاسم "المصغر ثلاثيًّا اقتصر على ذلك" العمل "وهي بنية فعيل، كـ: فليس" تصغير فلس. "ورجيل" تصغير رجل.
فإن كان المكبر مضموم الأول، مفتوح الثاني كـ: صرد، فيقدران في مصغره كـ: صريد: فالضمة والفتحة في المصغر غيرهما في المكبر كما في فلك مفردًا وجمعًا. جزم به ابن إياز.
__________
1 الكتاب 3/ 479-480.
2 شرح ابن الناظم ص560.
3 نقله الصبان في حاشيته 4/ 156، وانظر المقتضب 2/ 236.
4 في "ب": "أحيمر".(2/560)
ويؤخذ عنه1 أنه لو كان المكبر على هيئة المصغر كـ: مبيطر، فإنه يصغر بتقدير الحركات كـ: فلك2. وبه صرح السهيلي في الروض فقال: تحذف الياء الزائدة كما تحذف ألف مفاعل، ثم تلحق ياء التصغير فيبقى اللفظ بحاله ويختلف التقدير. ثم أورد على نفسه سؤالا وأجاب عنه فقال: قيل: هلا قلتم لا يصغر، إذ لا يعقل مصغر على لفظ مكبر، وإلا فما الفرق؟ فالجواب: بأن الفرق قد يظهر في الجمع، فإنك تجمع مبيطرًا المكبر على: مباطر، بحذف الياء. وأما المصغر فلا يجوز فيه إلا مبيطرون. وذلك لأنه لو كسر حذفت ياؤه، لأنه خماسي ثالثه زائد، فيزول علم التصغير. انتهى. وهذا ما تقدم الوعد به.
والحاصل أنه لا بد من ضم الأول، وفتح الثاني لفظًا أو تقديرًا، وزيادة ياء ثالثه. "ومن ثم"، أي من أجل اشتراط فتح الثاني ووقوع الياء ثالثة، "لم يكن نحو: زميل" بضم الزاي وتشديد الميم المفتوحة وسكون المثناة تحته "ولغيزى" بضم اللام وتشديد الغين المعجمة المفتوحة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي "تصغيرًا، لأن" الحرف "الثاني" منهما؛ وهو الميم في الأول، والغين في الثاني؛ "غير مفتوح"، بل ساكن مدغم فيما بعده. "و" لأن "الياء غير ثالثة"، بل رابعة: لأن المدغم حرفان أدغم أحدهما في الآخر. والزميل: الجبان الضعيف. واللغيزى: من ألغز في كلامه إذا عمي مراده. والاسم: اللغز.
"وإن كان" المصغر "متجاوزًا الثلاثة:، احتيج إلى عمل رابع وهو كسر ياء التصغير، ثم" ينظر "إن لم يكن بعد هذا الحرف المكسور حرف لين". ألف أو ياء أو واو "قبل الآخر" في المكبر، "فهي بنية3 فعيعل، كقولك في" تصغير "جعفر: جعيفر.
وإن كان بعده" أي بعد الحرف المكسور "حرف لين قبل الآخر" في المكبر، "فهي بنية فعيعيل4، لأن" ذلك في الحرف "اللين الموجود قبل آخر المكبر إن كان ياء سلمت في التصغير لمناسبتها للكسرة" قبلها "كـ: قنديل وقنيديل، وإن كان" حرف اللين "واوا أو ألفًا، قلبا ياءين لسكونهما وانكسار ما قبلهما كـ: عصفور وعصيفير" بقلب الواو ياء، "ومصباح ومصيبيح"، بقلب الألف ياء، وإلى ذلك أشار
__________
1 في "ب", "ط"،: "منه".
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "بمنزلة".
4 في "ب": "فعيعل".(2/561)
الناظم بقوله:
833- فعيلا اجعل الثلاثي إذا .............................
البيتين1.
"ويتوصل" في التصغير "في هذا الباب" المعقود له "إلى مثالي: فعيعل2 وفعيعيل" مما زاد على أربعة أحرف "بما يتوصل به" في التكسير "في باب الجمع" المعقود له قبل هذا الباب "إلى مثالي: فعالل وفعاليل" وللحاذف هنا من وجوب وتخيير3 ما له في التكسير.
فتقول في تصغير: سفرجل مما يجب فيه حذف خامسه.
"وفرزدق" مما فيه تخيير بين حذف رابعه وخامسه.
"ومستخرج"، مما يحذف منه زيادتان وهما السين والتاء، ويتعين فيه إبقاء الفاضل وهو الميم.
"وألندد ويلندد" مما يحذف منه زيادة فقط وهي النون، ويتعين إبقاء الفاضل وهو الهمزة والياء.
"وحيزبون" مما تحذف منه الياء وتبقى الواو.
"وسفيرج" بحذف خامسه وهو اللام، ومنهم من لا يحذفها. قال الأخفش: سمعت من يقول: سفيرجل، بكسر الجيم4.
"وفريزد" بحذف خامسه وهو القاف.
"أو فريزق" بحذف رابعه وهو الدال.
"ومخيرج" بحذف الشين والتاء وإبقاء الميم لفضلها عليهما.
"وأليد ويليد" بحذف النون وإبقاء الهمزة والياء لتصدرهما.
"وحزيبين" بحذف الياء وقلب الواو ياء.
__________
1 البيتان هما:
................................. صغرته نحو قذى في قذى
فعيعل مع فعيعيل لما فاق كجعل درهم دريهما
2 في "أ": "فعيل".
3 في "ب": "تأخير".
4 انظر شرح المفصل 5/ 117.(2/562)
وتقول في تصغير: سرندى وعلندى مما تكافأت فيه الزيادتان, وتخير الحاذف1 في أحدهما: سريند وعليند، بحذف الألف وإبقاء النون، أو سريد وعليد بحذف النون وقلب الألف ياء لوقوعها بعد كسرة، ولم يصحح ويفتح ما قبلها لأنها للإلحاق، بسفرجل كما مر، وألف الإلحاق لا تبقى في التصغير كما سيأتي، ثم أعلت كياء قاض.
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
835- وما به لمنتهى الجمع وصل به إلى أمثلة التصغير صل
"ويجوز لك في بابي: التكسير والتصغير2 أن تعوض مما حذفته ياء ساكنة قبل الأخير3 إن لم تكن موجودة"، لأن ذلك لا يخل ببنائهما، بخلاف بقاء الزئد4 فإنه يخل به. "فتقول" في تصغير سفرجل وتكسيره: "سفيريج سفاريج، بالتعويض" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
836- وجائز تعويض يا قبل الطرف إن كان بعض الاسم فيهما انحذف
"وتقول في تكسير: احرنجام" مصدر احرنجم "وتصغيره: حراجيم وحريجيم، ولا يمكن التعويض" عن المحذوف "لاشتغال محله بالياء المنقلبة عن الألف" الكائنة قبل الميم.
"وما جاء في البابين"، التكسير والتصغير، "مخالفًا لما شرحناه فيهما، فخارج عن القياس" المطرد.
"مثاله في" جمع "التكسير جمعهم" أي العرب "مكانًا على أمكن"، وفيه شذوذان:
أحدهما: أنه مذكر, وحق مثله أن يأتي على مثال أفعلة.
والثاني: أنه شبه فيه الألف بالزائد فحذف، والزائد بالأصلي فثبت فقالوا: أمكن.
والقياس في بناء مكان على أفعل أن يقال: أكون بحذف الميم الزائدة وإبقاء عين الكلمة. قاله ابن الناظم في شرح شافية ابن الحاجب5.
__________
1 في "ب": "الحاذق".
2 في "ب": "التصحيح".
3 في "ط": "الآخر".
4 في "ب": "الزوائد".
5 أشار بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 5/ 296 إلى نسختين مخطوطتين، وانظر مقدمة تحقيق شرح ابن الناظم.(2/563)
"و" جمعهم: "رهطًا وكراعًا"، بضم الكاف، "على أراهط وأكارع"، والقياس فيهما: كرع وأكرعة، ورهوط وأرهاط.
"و" جمعهم: "باطلا وحديثًا على: أباطيل وأحاديث"، والقياس فيهما: بواطل، وأحدثة، وحدث. وما ذكره من أن هذه جموع للمنطوق به على غير قياس، هو مذهب لبعض النحويين.
ومذهب سيبويه1 أنها جموع لواحد مهمل استغني بها عن جمع المستعمل. وزعم ابن جني2 أن اللفظ تغير إلى هيئة أخرى، ثم جمع، فكان أمكن جمع مكن، كـ: فلس، وكان أراهط جمع أرهط، وكان أباطيل جمع إبطيل أو أبطول. وكان أحاديث جمع أحدوثة.
وقال ابن خروف: إن أحدوثة إنما يستعمل في المصائب والدواهي. لا في معنى الحديث الذي يتحدث به.
واختار ابن الحاجب أنها جموع على غير المفرد كـ: نساء جمع امرأة. "ومثاله في التصغير تصغيرهم" أي العرب "مغربًا وعشاء على: مغيربان وعشيان". بزيادة ألف ونون، وقياسهما: مغيرب وعشي، بإسقاط الألف والنون.
"وتصغيرهم إنسانا وليلة" على: "أنيسيان ولييلية3" بزيادة الياء فيهما، وقياسهما [أنيسان]4 ولييلة، بإسقاط الياء فيهما5.
وذهب معظم الكوفيين إلى أن إنسانًا أصله: إنسيان6 من النسيان7، فلا يكون تصغيره على أنيسيان شاذا.
"و" تصغيرهم "رجلا على رويجل" بزيادة الواو، وقياسه: رجيل، "وصبية، وغلمة" بسكر أولهما وسكون ثانيهما، جمع صبي وغلام. "وبنون" جمع ابن "على أصيبية وأغيلمة وأبينون" بزيادة الهمزة في أولها، وقياسها: صبية، وغليمة، وبنيون.
__________
1 الكتاب 3/ 616.
2 انظر قول ابن جني في شرح الأشموني 4/ 159 المطبوع مع حاشية الصبان.
3 في "أ": "ليلية"، وفي "ب": "لييلة".
4 إضافة من "ط".
5 في "أ": "عنهما".
6 في ب"، "ط": "أنيسان".
7 انظر الإنصاف 2/ 809، المسألة رقم 117.(2/564)
"و" تصغيرهم "عشية على عشيشية"، بزيادة شين ثانية1، وقياسها: عشية. وقيل: هذه الألفاظ مما استغني فيها بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل. فمغيربان وعشيان كأنهما تصغيرا: مغربان وعشيان، وأنيسيان ولييلية كأنهما تصغيرًا: أنسيان وليلاة، ورويجل كأنه تصغير راجل، وأصيبية وأغيلمة كأنهما تصغيرا أصبية وأغلمة، وأبينون كأنه تصغير ابنون، واختاره في التسهيل2 وقال في النظم.
837- وحائد عن القياس كل ما خالف في البابين حكما رسما
__________
1 سقط من "ب"، "ط".
2 التسهيل ص287.(2/565)
فصل:
"واعلم أنه يستثنى من قولنا: بكسر ما بعد ياء التصغير فيما تجاوز الثلاثة أربع مسائل:
إحداها: ما قبل علامة التأنيث، وهي نوعان: تاء كـ: شجرة وألف كـ: حبلى".
المسألة "الثانية: ما قبل المدة الزائدة قبل ألف التأنيث كـ: حمراء".
المسألة "الثالثة: ما قبل ألف أفعال كـ: أجمال وأفراس".
المسألة "الرابعة: ما قبل ألف1 فعلان الذي لا2 يجمع على فعالين" صفة كان أو اسمًا، مفتوح الفاء أو مكسورها أو مضمومها "نحو: سكران"، وعمران، "وعثمان".
"فهذه المسائل الأربع يجب فيها أن يبقى ما بعد ياء التصغير مفتوحًا، أي باقيًا على ما كان عليه من الفتح قبل التصغير".
أما فتح ما قبل تاء التأنيث فللخفة. وأما فتح ألفي التأنيث فلبقائهما على حالهما. وأما فتح ما قبل ألف أفعال. فللمحافظة على الجمع. وأما فتح ما قبل الألف والنون فلمشابهتهما بألفي التأنيث.
"تقول: شجيرة، وحبيلى، وحميراء، وأجيمال، وأفيراس، وسكيران"، وعميران، "وعثيمان"، لأنهم لم يجمعوها على فعالين.
"وتقول في" تصغير: "سرحان" بكسر السين؛ وهو الذئب. "وسلطان" مما هو على خمسة أحرف آخره ألف ونون زائدتان، وليس له مؤنث على وزن فَعْلَى: "سريحين وسليطين"، بقلب الألف فيهما ياء، "لأنهم جمعوهما3 على" فعالين فقالوا: "سراحين وسلاطين"، والتكسير والتصغير أخوان.
__________
1 سقط من "ب".
2 سقط من "ب" قوله: "الذي لا".
3 في "ب": "جمعوها".(2/566)
وإنما لم يقولوا: سكارين، وعمارين، وعثامين، لأن الألف والنون فيها شابها ألفي التأنيث بدليل منع الصرف، فكما لا1 تتغير ألفا التأنيث لم يتغير ما أشبههما. ولما لم تكن الألف والنون في سرحان وسلطان كذلك، حصل التغيير.
وعلم من تقييد الألف بالتأنيث أنها لو كانت للإلحاق: كـ: أرطى وعلباء، أنه لا يبقى فتح ما قبلها بل يقال في تصغيرهما: أريط، عليبي، فرقًا بين الإلحاق والتأنيث.
والدليل على أن ألفهما للإلحاق لا للتأنيث تنوينهما. فأرطى ملحق بجعفر, وعلباء ملحق بقرطاس، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
838- لتلو يا التصغير...... .........................
البيتين2.
__________
1 في "ط": "لا".
2 البيتان هما:
................. من قبل علم تأنيث او مدته الفتح انحتم
كذاك ما مدة أفعال سبق أو مد سكران وما به التحق(2/567)
فصل:
"ويستثنى أيضًا من قولنا: يتوصل إلى مثالي: فعيعل وفعيعيل بما يتوصل له من الحذف إلى مثالي: مفاعل ومفاعيل. ثماني1 مسائل جاءت في الظاهر على غير ذلك لكونها مختومة بشيء قدر انفصاله عن البنية، وقدر التصغير واردًا على ما قبل ذلك الشيء". وكان ذلك الشيء غير موجود في المكبر. "وذلك" المقدر انفصاله "ما وقع بعد أربعة أحرف"، سواء أكانت كلها أصولا أم لا، "من ألف تأنيث"2 بيان لـ"ما" "ممدودة" نعت ألف "كـ: قرفصاء"، لنوع من القعود، وسيأتي حكم المقصورة، "أو تائه"3 أي التأنيث "كـ: حنظلة" واحدة الحنظل، "أو علامة نسب كـ: عبقري"، نسبة إلى عبقر، تزعم العرب أنه اسم بلد الجن، فينسبون إليه كل شيء عجيب. "أو ألف ونون زائدتين كـ: زعفران وجلجلان" بجيمين. "أو علامة تثنية"، وهي الألف و[النون أو]4 الياء والنون "كـ: مسلمين" بفتح الميم. "أو علامة جمع تصحيح للمذكر"، وهي الواو، و"النون، أو" الياء والنون "كـ: جعفرين" بكسر الراء. "أو" علامة جمع تصحيح "للمؤنث"، وهي الألف والتاء: "كـ: مسلمات، وكذلك عجز المضاف كـ: امرئ القيس. وعجز المركب" المزجي "كـ: بعلبك.
فهذه" المذكورات "كلها ثابتة في التصغير، لتقديرها منفصلة" عما قبلها، "وتقدير التصغير واقعًا على ما قبلها".
فتقول: قريفصاء، وحنيظلة، وعبيقري، وزعيفران، وجليجلان، ومسيلمين، وجعيفرين، ومسيلمات، وأميرئ القيس، وبعيلبك، وإنما لم تحذف ألف التأنيث الممدودة وما ذكر بعدها، لأنها أشبهت كلمة أخرى. فلو حذفت لالتبس تصغير ما هي فيه بتصغير ما كان مجردًا عنها.
__________
1 في "ب": "ثمان".
2 في "ب": "تأنيثه".
3 في "ب": "تاء".
4 إضافة من "ط".(2/568)
"وأما في" جمع "التكسير فإنك تحذف" كل واحد منها فيما أمكن تكسيره، إذ لا لبس إلا المضاف فإن تكسيره كتصغيره؛ كما1 سيأتي.
"فتقول: قرافص" بحذف الألف، "وحناظل" بحذف التاء "وعباقر" بحذف ياء النسب. "وزعافر، وجلاجل" بحذف الألف والنون منهما.
"ولو ساغ تكسير البواقي"، وهي التثنية، والجمعان المصححان. والمضاف، وصدر المركب، "لوجب الحذف، إلا أن المضاف يكسر بلا حذف، كما في التصغير.
فتقول" في تكسيره: "أمارئ القيس، كما تقول" في تصغيره: "أميرئ2 القيس" بلا فرق3، "لأنهما كلمتان كل منها ذات إعراب يخصها، فكان ينبغي للناظم أن لا يستثنيه" في النظم. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
840- وألف التأنيث حيث مدا .............................
الأبيات الأربعة4.
__________
1 في "أ": "فيما".
2 في "أ": "امروء".
3 في "ب": "حرف".
4 الأبيات هي:
......................... وتاؤه منفصلين عدا
كذا المزيد آخرًا للنسب وعجز المضاف والمركب
وهكذا زيادتا فعلانا من بعد أربع كزعفرانا
وقدر انفصال ما دل على تثنية أو جمع تصحيح جلا(2/569)
فصل:
"ويثبت" في التصغير" ألف التأنيث المقصورة إن كانت رابعة" لخفة الاسم "كـ: حبلى" فتقول: "حبيلى، "وتحذف إن كانت سادسة" للاستثقال "كـ: لغيزى"، فتقول: لغيغزة1 بحذف الألف وجوبًا وتعويض الهاء جوازًا. "أو سابعة كـ: بردرايا" بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملة وبعدها راء فألف فياء مثناة تحتانية. اسم موضع، ووزنه فعلعايا. قاله ابن القطاع. فتقول في تصغيره: بريدي، وذلك أنك لما حذفت ألف التأنيث بقي: بردراي، فقلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها عند التصغير، وأدغمت في الياء الأخيرة عند حذف ألف التأنيث.
وفي بعض النسخ بدل: لغيزي قبعثري، وبدل: بردرايا حولايا بحاء مهملة ومثناة تحتانية: اسم مكان. وليسا2 بصواب.
أما قبعثرى. فألفه ليست للتأنيث باتفاق صاحبي الصحاح3 والقاموس4.
وأما حولايا5 فإن ألفه سادسة لا سابعة. ولم يذكره صاحبا الصحاح والقاموس.
"وكذا" تحذف "الخامسة إن لم تتقدمها6 مدة" زائدة "كـ: قرقرى"، بقافين وراءين مهملتين، اسم موضع. فتقول: قريقر لأن بقاء الألف الخامسة فصاعدًا يخرج البناء عن مثالي، فعيعل وفعيعيل. فإن قيل: فـ: "حبيلى" فعيلى، وليست من أبنية التصغير الثلاثة. قلنا: نعم! ولكنها توافق فعيعلا فيما عدا الكسرة التي منع منها مانع الألف.
"فإن تقدمتها مدة" زائدة، "حذفت أيهما شئت" لتكافئهما وعد مزية إحداهما على الأخرى "كـ: حبارى" بضم [الحاء]7 المهملة وبالموحدة والراء، "وقريثا" بفتح القاف
__________
1 شرح ابن الناظم ص562: "لغيغيز".
2 في "ط": "وليس".
3 الصحاح "قتر".
4 الصحاح "قتر".
5 في "ب": "حولاي".
6 في "ب", "ط": "يتقدمها".
7 إضافة من "ب".(2/570)
وكسر الراء وبالمثناة التحتانية والمثلثة.
"تقول" في تصغير: حبارى "حبيرى" بحذف المادة الزائدة قبل الراء، "أو حبير" بحذف ألف التأنيث وقلب المدة ياء لوقوعها في موضع يجب تحريكها1 فيه بالكسر وإدغامها في ياء التصغير. وأبو عمرو يعوض عن ألف التأنيث هاء فيقول: حبيرة2.
"و" تقول في تصغير، قريثاء "قريثا"، بحذف المدة وهي الياء، "أو قريث"، بحذف ألف التأنيث وإدغام الياء في ياء التصغير. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
844- وألف التأنيث ذو القصر... ...............................
البيتين3.
__________
1 في "ب": "تكريرها".
2 انظر الكتاب 3/ 437.
3 البيتان هما:
....................... متى زاد على أربعة لن يثبتا
وعند تصغير حبارى خير بين الحبيرى فادر والحبير(2/571)
فصل:
"وإن كان ثاني المصغر لينا"، ألفًا أو واوا أو ياء، "منقلبًا عن لين رددته إلى أصله" الذي انقلب عنه، "فترد ثاني نحو: قيمة، وديمة، وميزان, وباب" بموحدتين "إلى الواو" لأنها الأصل المنقلب عنه. والأصل: قومة من القوام، ودومة من الدوام. وموزان1 من الوزن، وبوب. قلبت الواو في الثلاثة الأول ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وفي الرابع ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
فإذا صغرتها قلت: قويمة ودويمة ومويزين2 وبويب، برد الواو إلى أصلها لتحركها وانضمام ما قبلها، وقلبت الألف في ميزان ياء لانكسار ما قبلها. "ويرد ثاني نحو: موقن، وموسر، وناب", بالنون، وهو السن، "إلى الياء" لأنها الأصل المنقلب عنه. والأصل: ميقن من اليقين، وميسر من اليسر، ونيب من النيب، قلبت الياء في الأولين واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها، وفي الثالث ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
فإذا صغرتها: مييقن، ومييسر، ونييب، برد الياء إلى أصلها. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
846- واردد لأصل ثانيا لينا قلب ................................
"بخلاف ثاني نحو: متعد، فإنه غير لين" لأنه تاء مثناة فوق مبدلة عن واو، إذ أصله:
موتعد، أبدلت الواو تاء وأدغمت في التاء الأخرى لاجتماع المثلين. "فيقال" في تصغيره" "متيعد، لا مويعد.
خلافًا للزجاج والفارسي"3 فإنهما يردانه إلى أصله لزوال موجب قلبها وهو تاء الافتعال.
__________
1 في "ب": "موازن".
2 في "أ": "موزين" انظر الكتاب 3/ 457.
3 التكملة ص197.(2/572)
والصحيح الأول، وهو مذهب سيبويه1، وعللوه بأنه إذا قيل فيه: مويعد، أوهم أن مكبره: موعد أو موعد أو موعد، ومتيعد لا إيهام2 فيه. مع أن سيبويه لم يلتفت للإلباس في مواضع كثيرة.
"وبخلاف ثاني نحو: آدم، فإنه" منقلب "عن غير لين"، لأنه منقلب عن همزة تلي همزة، والأصل: أأدم، بهمزتين، مفتوحة فساكنة، قلبت الساكنة ألفًا "فتقلب" الألف "واوًا، كالألف الزائدة من نحو: ضارب، و" كالألف "المجهولة الأصل كـ: صاب" بالصاد المهملة والباء الموحدة، اسم نبت. تقول في تصغيرها: أويدم، وضويرب، وصويب. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
848- والألف الثاني المزيد يجعل واوًا كذا ما الأصل فيه يجهل
وإن كان ثاني3 المصغر لينا مبدلا من حرف صحيح غير همزة، أو همزة لا تلي همزة، فإنه يرد أيضًا إلى أصله:
فترد ثاني: دينار وقيراط، إلى النون وإلى الراء. فتقول في تصغيرهما: دنينير وقريريط، كما تقول في تكسيرهما: دنانير، وقراريط. وأصلهما: دنار، وقراط، والياء4 فيهما5 بدل من أول المثلين، فلما صغرتهما زال سبب الإبدال.
ويرد ثاني نحو: ذيب، بالياء إلى الهمزة فإنه أصله ذئب، بالهمزة، والياء فيه بدل من الهمزة فإذا صغرته قلت: ذؤيب، بالهمزة، رجوع إلى الأصل، لأن قلب الهمزة ياء إنما كان لانكسار ما قبلها وقد زال بالتصغير. والضابط أن ما أبدل لعلة لا تزول بالتصغير لم يرد إلى أصله، وما أبدل لعلة تزول بالتصغير يرد6 إلى أصله. "و" هلم جرا.
فإن قلت: فقد "قالوا في" تصغير "عيد: عييد"، فصغروه على لفظه، ولم يردوه إلى أصله، وقياسه: عويد، بالواو، لأنه من عاد يعود، فلم يردوا الياء إلى أصلها، وهو الواو. قلت: إنما قالوا ذلك "شذوذًا كراهية لالتباسه بتصغير عود"، كما قالوا في تكسيره: أعياد. فرقًا بينه وبين جمع عود. والتكسير والتصغير من واد واحد.
__________
1 الكتاب 3/ 465.
2 في "ب": "إبهام".
3 سقط من "ب".
4 في "ط": "التاء"، وفي "ب": "الهاء".
5 في "ب": "فيها".
6 في "ب": "فيرد".(2/573)
"وهذا الحكم" الذي ذكرناه في التصغير. "ثابت في التكسير الذي يتغير فيه الأول كـ: موازين، وأبواب، وأنياب، وأعياد1. بخلاف" ما لا يتغير فيه الأول "من نحو: قيم وديم"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
847- وشذ في عيد عييد وحتم للجمع من ذا ما لتصغير علم
__________
1 في "ط": "أعواد".(2/574)
فصل:
"وإذا صغر ما حذف أحد أصوله"، فاء أو عين أو لام أو اثنان منها، "وجب رد محذوفه إن كان قد بقي بعد الحذف على حرفين"، بالمحذوف الفاء "نحو: كل، وخذ" وعد1 أعلامًا.
"و" المحذوف العين نحو: "مذ"، وقل، وبع "أعلامًا، وسه"، وهو: الدبر.
"و" المحذوف اللام نحو: "يد" ودم، "وحر" بكسر الحاء المهملة، وهو: الفرج.
والمحذوف الفاء واللام نحو: قه، وله، وشه، أعلامًا.
والمحذوف العين واللام نحو: ره، علمًا.
"تقول" في تصغيرها: "أكيل، وأخيذ"، ووعيد، "برد الفاء، ومنيذ" وقويل، وبييع2، "وستيهة3، برد العين، ويدية" ودمي، "وحريج، برد اللام" ووقي، وولي، ووشي4 برد الفاء واللام ورأي5 برد العين واللام، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
849- وكمل المنقوص............ ...............................
إلى آخره.
__________
1 سقط من "ب".
2 في "ب": "بويع".
3 في "أ": "ستيه".
4 في "ب": "وليي وسيي".
5 في "ط": "ورؤى".(2/575)
وإنما وجب رد المحذوف ليتمكن من بناء فعيل، ولأنه لو لم يرد لوقعت ياء التصغير طرفًا، فكان يلزم تحريكها بحركات الإعراب، وهي لا تكون إلا ساكنة. وإذا سمي بما وضع ثنائيًّا على حرفين. فإن كان ثانيه صحيحًا نحو: هل، وبل، لم يزد عليه شيء حتى يصغر1، فيجب أن يضعف أو يزاد عليه ياء وهو الأولى. فيقال في تصغير: هل، هليل، بالتضعيف، أو هلي، بزيادة ياء. وقيل: إن شئت ألحقته بما لامه ياء، فقلت في: هل، هلي، وبما لامه واو، فقلت: هليو، ثم أعللته إعلال سيد، وفيه زيادة عمل فينبغي تعيين الأول. وقد جزم به الأبدي، واقتضاه كلام التسهيل2. وحجته أن ما حذفت لامه واوًا، أكثر مما حذفت لامه ياء. قاله الموضح في الحواشي.
"وإن كان" ثانيه" "معتلا وجب التضعيف قبل التصغير" لئلا يلزم إثبات اسم معرب على حرفين آخره حرف لين متحرك، وهذا لا نظير له. بخلاف ما إذا كان ثانيه صحيحًا فإن نظيره من الأسماء المعربة: يد، ودم، "فيقال في: لو، وكي، وما" الحرفية، "أعلامًا: لو، وكي؛ بالتشديد" فيهما؛ وذلك لأنك زدت على واو "لو" واوًا، وعلى ياء "كي" ياء، ثم أدغمت أحد المثلين في الآخر.
"وماء، بالمد، وذلك لأنك زدت على الألف ألفًا، فالتقى ألفان، فأبدلت الثانية همزة"لأجل اجتماعها مع الألف الأولى والتقائهما ساكنين، على حد الإبدال في حمراء.
وقيل: زيدت3 الهمزة من أول الأمر "فإذا صغرن" بعد التضعيف "أعطين حكم: دو، وحي"، بفتح أولهما وتشديد ثانيهما. والدو: البادية، والحي: القبيلة. "وماء" بالمد؛ وهو الذي يشرب. "فتقول" في تصغير لو؛ بالتشديد؛ "لوي. كما تقول" في تصغير: دو، "دوي، وأصلهما" قبل الإدغام: "لويو، ودويو"4، اجتمع فيها الواو والياء، والسابق منهما ساكن. قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.
"وتقول" في تصغير: كي بالتشديد؛ "كيي بثلاث ياءات"، أولاها أصلية، وثانيها ياء التصغير، وثالثها: المزيدة للتضعيف.
__________
1 سقط من "ب": "حتى يصغر".
2 التسهيل ص285.
3 سقط من "ب".
4 في "ب": "ديو".(2/576)
["كما تقول" في تصغير حي "حيي"، بثلاث ياءات، أولاها وأخراها: أصليتان، ووسطاها: ياء التصغير]1.
"وتقول" في تصغير ماء؛ بالمد؛ "موي" [بالتشديد]2، بقلب الألف [الثانية المزيدة ياء لوقوعها بعد ياء التصغير وإدغامها فيها، ولم تهمز لزوال علة إبدالها همزة بقلب الألف]2 الأولى، واوًا لكونها بعد التضعيف صارت مجهولة الأصل.
"كما تقول في تصغير الماء المشروب، مويه"، بقلب الألف واوًا ردا إلى أصلها.
"إلا أن هذا" الماء3 المشروب "لامه هاء فرد4 إليها"، وأصله: موه، بدليل جمعه على أمواه فقلبت الواو ألفًا على القياس، وأبدلت الهاء على غير القياس.
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 سقط من "ب".
4 في "ب": "ترد".(2/577)
فصل:
"وتصغير الترخيم" حقيقته أن تجعل المزيد فيه مجردًا معطى ما يليق به من فعيل إذا كان ثلاثي الأصول، أو فعيعل إن كان رباعي الأصول، سمي بذلك لما فيه من الحذف المفضي إلى الضعف. يقال: صوت رخيم إذا لم يكن قويًّا.
وطريقه: "أن تعمد" أنت "إلى" الاسم "ذي الزيادة الصالحة للبقاء" في تصغير غير الترخيم لعدم إخلالها بالزنة، "فتحذفها ثم توقع التصغير على أصوله.
ومن ثم"، أي من أجل أنه مختص بالمزيد، "لا يتأتى" تصغير الترخيم "في نحو: جعفر" من الرباعي الأصول. "وسفرجل" من الخماسي الأصول، "لتجردهما" من الزوائد.
"ولا" يتأتى أيضًا "في نحو: متدحرج، ومحرنجم، لامتناع بقاء الزيادة فيهما" في تصغير غير الترخيم "لإخلالها بالزنة"، فلا يكون تصغيرهما بحذف زوائدهما لأن حذف زوائدهما واجب في تصغير1 غير الترخيم. ومقتضى إطلاقه أنه لا يختص تصغير الترخيم بالأعلام، خلافًا للفراء وثعلب. فإنهما قالا2: لا يصغر فاطمة، ومالك، وأسود، أعلامًا على فعيل، ولا يفعل ذلك فيهن صفات.
"ولم يكن له إلا صيغتان" فقط "وهما: فعيل، كـ: حميد، في" تصغير "أحمد، وحامد، ومحمود، وحمدون، وحمدان"، وحماد. ولم يلتفت للإلباس ثقة بالقرائن.
وزوائدها لا يخل بقاؤها في تصغير غير الترخيم بدليل صحة قولك: أحيمد، وحويمد، ومحيمد، وحميدون، وحميدان، وحميميد.
__________
1 سقط من "ب".
2 انظر الارتشاف 1/ 190، 191 والتسهيل ص289.(2/578)
"وفعيعل كـ: قريطس"، تصغير: قرطاس. وأما قريطب تصغير: قرطبوس، فهو مما حذف فيه مع زائده خامسه، فليس تصغير ترخيم. "لا فعيعيل لأنه ذو زيادة"، وهي الياء.
وقد يخلف1 لهذا التصغير أصل يشبه الزائد نحو2: بريه، وسميع، مصغري: إبراهيم، وإسماعيل، فإن الميم واللام بلفظ الزائد وإن كانا أصليين بلا خلاف. وإنما اختلفوا في الهمزة:
فقال سيبويه3 زائدة بدليل سقوطها.
ورده المبرد بحذف اللام والميم مع أصالتهما، وبأن همزتهما كهمزة إسطبل.
وانبنى على الخلاف في الهمزة، اختلاف في كيفية تصغيرهما لغير ترخيم.
فيقول سيبويه4: بريهيم وسميعيل. ويقول المبرد: أبيره وأسيمع. وإنما حذف الميم واللام كما يحذف الخامس5.
والأول هو المسموع. حكى أبو زيد: بريهيم. وسيبويه يقول بحذف الهمزة لأنها زائدة. والمبرد يقول بحذف الأخير [لخسة الأخير]6 لأنه يشبه الزائد. قاله [الموضح]7 في الحواشي. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
580- ومن بترخيم يصغر اكتفى بالأصل.......................
__________
1 في "ب", "ط": "يحذف".
2 الكتاب 3/ 472.
3 الكتاب 4/ 235، 307.
4 الكتاب 3/ 446.
5 انظر الارتشاف 1/ 191، وحاشية الصبان 4/ 170.
6 إضافة من "ط".
7 إضافة من "ب".(2/579)
فصل:
"وتلحق تاء التأنيث تصغير ما لا يلبس من مؤنث عار1 منها" لفظًا، "ثلاثي في الأصل وفي الحال" الراهنة لئلا يجتمع فرعيتان: التصغير والتقدير. "نحو: دار"، مما عينه واو، "وسن" من المضاعف, "وعين" مما عينه ياء، "وأذن", مما فاؤه همزة. فيقال في تصغيرها: دويرة، وسنينة، وعيينة، وأذينة، وهذا الحكم مستمر بعد التسمية، فمن ذلك: عروة بن أذينة، وعيينة1 بن حصن.
"أو" ثلاثي في "الأصل دون الحال نحو: يد" ويدية. "وكذا إن عرضت ثلاثيته بسبب التصغير كـ: سماء" بالمد "مطلقًا؛ سواء صغرته تصغير الترخيم أم لا. فتقول في تصغيره: سمية والأصل: سميي، بثلاث ياءات أولاها: ياء التصغير، وثانيها: بدل المدة، وثالثها: بدل لام الكلمة، فحذفت إحدى الياءين على القياس المقرر في هذا الباب. فبقي الاسم ثلاثيًّا. فلما عرضت ثلاثيته بسبب التصغير لحقته التاء كما تلحق مع الثلاثي المجرد، ولو سميت بسماء مذكرًا، لقلت في تصغيره، سمي، بغير تاء، لتذكير مسماه. "وحمراء وحبلى"، حال كونهما "مصغرين تصغير الترخيم". فتقول في تصغيرهما تصغير الترخيم: حميرة، وحبيلة، بالتاء، عوضًا عن ألف التأنيث. وتقول في تصغيرهما غير تصغير الترخيم: حميرى وحبيلى، ولا تأتي بالتاء إذ لا يجمع بين علامتي تأنيث، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
581- واختم بتا التأنيث ما صغرت من مؤنث عار ثلاثي..................
"بخلاف" نحو: "شجر وبقر"، من أسماء الأجناس. فلا تلحقهما التاء فيمن أنثهما"، فلا يقال في تصغيرهما: شجيرة وبقيرة، "لئلا يلتبسا بالمفرد"، فأما من ذكرهما فلا إشكال.
"وبخلاف نحو: خمس وست"، من أسماء العدد المؤنث فلا يقال في تصغيرهما: خميسة، وسديسة، "لئلا يلتبسا بالعدد المذكر" المصغر.
__________
1 سقط من "ب".(2/580)
"وبخلاف نحو: زينب وسعاد"، فلا يقال في تصغيرهما: زيينة وسعيدة "لتجاوزهما للثلاثة"، فإن الحرف الرابع قائم مقام التاء، فلا يجمع بينهما لما في ذلك من الاستثقال. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
852- ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس ...................................
و"شذ ترك التاء في تصغير حرب"، بفتح الحاء المهملة، وسكون الراء المهملة بالموحدة، "وعرب"، بفتح العين والراء المهملتين، "ودرع" بكسر الدال. "ونعل"، بفتح النون. "ونحوهن" كـ: ذود، وقوس، وعرس، وناب "مع ثلاثيتهن" وتأنيثهن "وعدم اللبس".
وجمع المتأخرون من ذلك عشرين لفظًا، وهي: اسم الجنس: كـ: شجر، واسم الجمع كـ: غنم، واسم العدد كـ: خمس، وناب للناقة المسنة، وحرب، وقوس، ودرع، وفرس، وعرس؛ بكسر العين؛ وعرس؛ بضمها؛ وذود، وضحى. وطست، وطس، وشول، وقدر، ونصب؛ بفتحتين؛ وحرف، وضرب1، ونعل، وسمع في بعضها التأنيث. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
583- وشذ ترك دون لبس... ...........................
"و" شذ "اجتلابها"، أي التاء "في تصغير: وراء، وأمام، وقدام، مع زيادتهن على الثلاثة"، فقالوا: وريئة، بضم الواو، وفتح الراء بعدها ياء تحتانية مكسورة مشددة، فهمزة مفتوحة فالياء الأولى ياء التصغير، والثانية المبدلة من المدة التي قبل الهمزة، وأميمة, بضم الهمزة وفتح الميم وبياء مشددة مكسورة فميم مفتوحة. فالياء الأولى ياء التصغير، والثانية بدل من ألف أمام.
[وقديديمة، بضم القاف وفتح الدال وبياء ودال مكسورة بعدها ياء مثناة تحتانية وميم مفتوحة. الياء الأولى ياء التصغير، والثانية بدل من ألف قدام]2.
ووجه إلحاق التاء3 بها أن جميع الظروف غير هذه مذكرة، فلو لم يظهروا التاء3 فيها لظن أنها مذكرة، إذ لا يعلم تأنيثها بالإخبار عنها لأنها ملازمة للظرفية، ولا بوصفها، ولا بإعادة الضمير عليها، بل بالتصغير فقط. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
583- ........................ وندر إلحاق تا فيما ثلاثيا كثر
__________
1 في "أ"، "ب": "عرب".
2 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
3 في "أ": "الياء".(2/581)
فصل:
التصغير من جملة التصاريف1 في الاسم فيصغر المتمكن؛ كما مر؛ "ولا يصغر من غير المتمكن إلا أربعة":
أحدها: "أفعل"، بفتح العين، "في التعجب".
"و" الثاني: "المركب المزجي"، علما كان أو عددًا، فالعلم "كـ: بعلبك وسيبويه، في لغة من بناهما" على الفتح في بعلبك، وعلى الكسر في سيبويه. "فأما من أعربهما" إعراب ما لا ينصرف "فلا إشكال" في تصغيرهما لأنهما حينئذ من أقسام المتمكن والعدد نحو: خمسة عشر. فأفعل في التعجب والمركب المزجي "تصغيرهما تصغير المتمكن"، في ضم أولهما وفتح ثانيهما واجتلاب ياء التصغير ثالثة، "نحو: ما أحيسنه، وبعيلبك، وسييبويه"2، وخميسة عشر. أما أفعل في التعجب، فقال الخليل3 في قولهم: ما أميلح زيدًا، إنما يعنون الشيء الذي يتصف بالملح، كأنهم قالوا: زيد مليح. وأما المركب المزجي فلأن الجزء الثاني بمنزلة تاء التأنيث والتنوين من حيث أنه نازل منه منزلة ذيله وتتمته نزولهما بهاتيك المنزلة، فلذلك صغروا الصدر.
"و" الثالث: "اسم الإشارة، وسمع ذلك منه في خمس كلمات وهي: ذا" في التذكير4، "و: تا" في التأنيث، "وذان" في تثنية المذكر، "وتان" في تثنية المؤنث، "وأولاء" في جمعهما.
"و" الرابع: "الاسم الموصول، وسمع ذلك منه أيضًا في خمس كلمات وهي: الذي" للمفرد المذكر "والتي" للمفرد المؤنث. "وتثنيتهما": اللذان، واللتان، "وجمع الذي": الذين، واللاتي.
__________
1 في "ب": "التصريف".
2 في "ب": "سيبويه".
3 الكتاب 3/ 478.
4 في "ب": "التركيب".(2/582)
"و" هذه الكلمات العشر من غير المتمكن "يوافقن1 تصغير المتمكن في ثلاثة أمور":
أحدها: "اجتلاب الياء الساكنة".
"و" الثاني: "التزام كون ما قبلها"، أي الياء. "مفتوحًا".
"و" الثالث: "لزوم تكميل ما نقص منها عن" الأحرف "الثلاثة".
"ويخالفنه"2، أي تصغير المتمكن، "في" أمور "ثلاثة أيضًا":
أحدها3: "بقاء أولهما على حركته الأصلية" التي كانت قبل التصغير من فتح أو ضم تنبيهًا على الفرق بين تصغير المتمكن وغيره.
والثاني: "زيادة ألف في الآخر" إن أمكن "عوضًا من ضم" الحرف "الأول، وذلك في غير المختوم بزيادة تثنية، أو" زيادة "جمع".
"و" الثالث: "أن3 الياء" التي للتصغير "قد تقع ثانية، وذلك في: ذا، و: تا". تقول في تصغيرهما "ذيا، و: تيا"، فيبقى الحرف الأول على فتحه، وتأتي بياء التصغير ساكنة مدغمة في الياء المنقلبة عن ألف: "ذا"، و"تا"، وتزيد ألفًا في الآخر عوضًا عن ضم الحرف الأول.
والأصل: ذييا، وتييا، بثلاث ياءات: أولاها: عين الكلمة، وثانيها: ياء التصغير، وثالثها: لام الكلمة. فاستثقلوا ذلك مع زيادة الألف آخره. "فحذفت الياء الأولى" لأن ياء التصغير [جيء بها لمعنى فلا تحذف، ولا تحذف الثالثة لأن ذلك يقتضي وقوع ياء التصغير]4 آخرًا إذا كانت الألف في زنة حركة وهي الضمة، ووقوع ياء التصغير طرفًا ممتنع لأنها إن بقيت ساكنة لم يمكن بقاء الألف. بل كانت تقلب ياء. وفي ذلك وقوع فيما فر منه، وإزالة الألف المجعولة عوضًا، ووقوع ياء التصغير طرفًا، وإن حركت، فياء التصغير كألف التكسير فلا تتحرك، فتعينت الأولى للحذف، وهذا إنما يستقيم على قول البصريين أن "ذا" ثلاثي الوضع، وأن ألفه عن ياء وعينه ياء محذوفة. وأما على قول الكوفيين أن الألف زائدة، وهو موضوع على حرف واحد. فلا5.
__________
1 في "ب": "يوافق".
2 في "ب": "ويخالف".
3 سقط من "ب".
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
5 انظر الإنصاف 2/ 669، المسألة رقم 95.(2/583)
"و" تقول في تصغي: ذان، وتان: "ذيان، وتيان"، بإبقاء أولهما على فتحه، وإدغام ياء التصغير فيما بعدها. ولم يؤت بألف بعد النون. للطول بزيادة علامة التثنية.
"وتقول" في تصغير أولاء "أوليا"، بإبقاء أوله على ضمه في حال التكبير و"بالقصر في لغة من قصر"، وهم التميميون. "وبالمد في لغة من مد"، وهم الحجازيون.
أما على لغة القصر، فلا إشكال، وأما على لغة المد، فقال الفارسي1: ألحقنا ياء التصغير ثالثة، وقلبنا الألف بعدها ياء, وزيدت الألف قبل الآخر، ولم تزد بعد الآخر إذ ليس لنا تصغير خماسي إلا وقبل آخره مدة.
وقال المبرد: لو ألحقنا ألف التصغير في آخر أولاء على القاعدة في المبهمات2، التبست لغة المد، بلغة القصر.
وبيانه من وجهين:
أحدهما أن ياء التصغير تقع ثالثة قبل الألف، فتنقلب الألف بعدها ياء ثم تدغم فيها ياء التصغير وتكسر كما في غزيل، فتقلب الهمزة ياء كما في عطاء، فيجتمع ثلاث ياءات فتحذف الأخيرة ثم تدخل ألف التصغير.
والوجه الثاني: أن أولاء فعال، فإذا جاءت الألف أخيرًا صار أولاء على فعالى كـ: حبارى، فيجب حذفها لأنها خامسة، وأما إذا قدمت فإنها تصير رابعة. وما كان خمسة ورابعه لين فإنه لا يسقط، فلما خافوا المحذور المذكور، أدخلوا الألف بعد الياءين.
وقال الزجاج: همزة أولاء منقلبة عن ألف المد، فإذا قلبت ألف المد ياء لوقوعها بعد ياء3 التصغير رجعت الهمزة إلى أصلها، ثم تأتي ألف التصغير فتنقلب همزة لوقوعها بعد ألف.
"وتقول" في تصغير: الذي والتي: "اللذيا واللتيا"، بإبقاء أولهما على فتحه وفتح ثانيهما، وزيادة حرفين: ياء التصغير والألف وإدغام ياء التصغير، وفتح ياء المكبر لأجل الألف.
وتقول في تصغير اللذان واللتان: "اللذيان، واللتيان". بفتح أولهما وثانيهما وتشديد ثالثهما، ولم يؤت بألف بعد النون للطول بعلامة التثنية.
__________
1 التكملة ص210.
2 في "ط": "الممدودات".
3 سقط من "ب": "لوقوعها بعد ياء".(2/584)
قال الموضح في الحواشي: هذا الذي أراه من القول، وهم يقولون إن التثنية ترد على المفرد المصغر. ثم اختلف1 سيبويه والأخفش، فسيبويه يحذف الألف حذفًا اعتباطيًّا لمجرد تخفيف الكلمة لطولها بعلامة التثنية، فلا يقدرها البتة2. والأخفش يحذفها لالتقاء الساكنين فيقدرها3. وأصل الخلاف بينهما إذا ثنى المفرد المصغر فهل يقدر أن ألف التصغير اجتمعت مع ألف التثنية ثم حذفت للساكنين. ولم تقلب [ياء]4 فرقًا بين تثنية المتمكن وغيره. أو يعتقد أنها حذفت قبل مجيء ألف التثنية لمجرد التخفيف؟ الأول: للأخفش: والثاني: لسيبويه. ويظهر أثر الخلاف في جمع المذكر، فسيبويه يضم ما قبل الواو، ويكسر ما قبل الياء. والأخفش يفتحهما، كما في الأعلون2.
"و" تقول في تصغير الذين. "اللذيون"، رفعًا، واللذيين، جرا ونصبا, بضم ما قبل الواو5 وكسر ما قبل الياء. وهو قول سيبويه2 لأنه يرى أن الألف حذفت تخفيفًا؛ كما تقدم في التثنية، فكأنها لا وجود لها.
والأخفش يفتح ما قبل الواو والياء، لأنه يقدر الحذف للساكنين، والذال على القولين مفتوحة، وفي شرح الشافية للجاربردي: وأما اللذيون، فلأنهم زادوا في الذين قبل الياء ياء, وقبل النون ألفًا، فصار اللذيان، ثم أبدلوا الفتحة ضمة، والألف واوًا لئلا يلتبس بالتثنية. انتهى.
وإذا أردت تصغير: اللاتي" لجمع المؤنث، "صغرت التي" للمفردة6، "فقلت: اللتيا" كما تقدم، "ثم جمعت بالألف والتاء، فقلت: اللتيات، واستغنوا بذلك" الجمع المصغر مفرده "عن تصغير اللاتي، واللائي، على الأصح" عند سيبويه7. فإنه قال في اللاتي واللائي: لا يحقران استغناء بجمع التي المحقرة بالألف والتاء, كما في: درهم8 ودريهمات، بل المؤنث أولى مما لا يعقل بهذا الجمع.
__________
1 في "أ": "يختلف".
2 الكتاب 3/ 488.
3 شرح المرادي 5/ 127.
4 إضافة من "ط".
5 في "ب": "الآخر" مكان "الواو".
6 في "ط": "لمفرده".
7 الكتاب 3/ 489.
8 في "ط" "دراهم".(2/585)
والأخفش يصغرهما ويقلب الألف واوًا لأنهما صارا حين حقرا بمنزلة ضارب، إذا أجري عليهما حكمه، ويحذف1 الياء التي لامهما، ولأن ألف التصغير تزاد فيبقى2 الاسم على خمسة سوى ياء التصغير. وإنما كانت الياء هي3 المحذوفة لأنها طرف. والمازني يصغرهما4، ولكن يحذف الألف لأنها زائدة والياء أصلية، فيصير5 اللائي: اللأيا، واللاتي: اللتيا, وهذا يلبس بتصغير الواحد.
"ولا يصغر: ذي"، من أسماء الإشارة "اتفاقًا" عند الجميع "للإلباس" بتصغير "ذا"، ويشكل عليه تصغيرهم: عمر وعمرا على عمير، مع الإلباس. "ولا" يصغر "تي" الإشارية، "للاستغناء" عن تصغيرها "بتصغير: تا، خلافًا لابن مالك" في قوله في النظم:
584- ............................... ................ منها تا وتي
قال المرادي6: وذلك يوهم أن "تي" صغر كما صغر "تا"، وقد نصوا على أنهم لم يصغروا من ألفاظ المؤنث إلا "تا" خاصة، وهو المفهوم من التسهيل7، فإنه قال: ولا يصغر8 من غير المتمكن إلا: ذا والذي وفروعهما الآتي ذكرها. ولم يذكر9 من ألفاظ المؤنث غير10 "تا" خاصة. انتهى. وإلى جواز تصغير الإشارة والموصول في النظم بقوله:
584- وصغروا شذوذا الذي التي وذا مع الفروع................
وإنما ساغ تصغيرهما لأنهما يوصفان ويوصف بهما. والتصغير وصف في المعنى ولهذا منعوا إعمال اسم الفاعل مصغرًا، كما منعوا إعماله موصوفًا، قاله أبو الحسن بن الباذش. وحكى ابن العلج تصغير أوه على: أويه. وبقي المنادى المبني نحو: يا زيد، فإنه يصغر فيقال: يا زييد.
__________
1 في "ب": "وتحذف".
2 في "ب": "فتبقي".
3 سقط من "ب".
4 الارتشاف 1/ 187.
5 في "ط": "فتصير".
6 شرح المرادي 5/ 120.
7 التسهيل ص288.
8 في "ب": "تصغر".
9 في "ب": "يذكروا".
10 في "ب": "إلا".(2/586)
باب النسب:
وسماه سيبويه باب الإضافة1، وابن الحاجب باب النسبة2.
والغرض منها أن تجعل المنسوب من آل المنسوب إليه. أو من أهل تلك البلدة. أو الصنعة3، وفائدتها فائدة الصفة.
وإنما افتقرت إلى علامة, لأنها معنى حادث، فلا بد لها من علامة، وكانت من حروف اللين لخفتها، ولكثرة زيادتها، وإنما ألحقت علامتها بالآخر لأنها بمنزلة الإعراب من حيث العروض، فموضح زيادتها هو الآخر, وإنما لم تلحق الألف لئلا يصير الإعراب تقديريًّا، ولا الواو لثقلها. وإنما كانت مشددة لتدل على نسبة إلى المتجرد عنها.
ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات:
أولها: لفظي، وهو ثلاثة أشياء، إلحاق يا مشددة آخر المنسوب إليه، وكسر ما قبلها: ونقل إعرابه إليها.
وثانيها: معنوي، وهو صيرورته اسمًا لما لم يكن له.
وثالثها: حكمي، وهو معاملته معاملة الصفة المشتقة، في رفعه المضمر والظاهر باطراد.
__________
1 الكتاب 3/ 335.
2 شرح الشافية 2/ 4.
3 في "ب", "ط": "الضيعة".(2/587)
واعلم أنك "إذا أردت النسب1 إلى الشيء" من بلد، أو قبيلة، أو غيرهما، "فلا بد لك من عملين في آخره:
أحدهما: أن تزيد عليه ياء مشددة, تصير" تلك الياء "حرف إعرابه"، فتتداولها حركات الإعراب. رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، لصيرورتها2 بمنزلة الآخر.
"و" العمل "الثاني: أن تكسره، أي لآخر لمناسبة الياء، كما في ياءي3 المتكلم، والمخاطبة، "فتقول في النسب إلى: دمشق" بفتح الميم: "دمشقي"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
855- ياء كيا الكرسي زادوا للنسب وكل ما تليه كسره وجب
"ويحذف لهذه الياء" المزيدة للنسب "أمور في الآخر، وأمور متصلة بالآخر.
أما" الأمور "التي في الآخر فستة:
أحدها: الياء المشددة الواقعة بعد ثلاثة أحرف فصاعدًا، سواء كانتا زائدتين، أو كانت إحداهما زائدة، والأخرى أصلية.
فالأول": وهو ما آخره ياءان زائدتان، سواء أكانتا للنسبة4 أم لا "نحو: كرسي".
مما آخره ياءان ليستا للنسب، "وشافعي" مما آخره ياءان للنسب. "فتقول في النسب إليهما: كرسي، وشافعي"، فتحذف الياء المشددة منهما، وتجعل مكانها ياء للنسب، "فيحتد لفظ المنسوب، ولفظ المنسوب إليه، ولكن يختلف التقدير"، فيقدر أنهما مع الياء المحددة للنسب غيرهما بدونها.
"و" يظهر "لهذا" الاختلاف التقديري أثر في الصناعة، وذلك أنه إذا "كان: بخاتي" جمع "بختي" بباء موحدة فخاء معجمة فتاء مثناة فوقانية "علمًا لرجل"، فإنه يكون "غير منصرف"، استصحابًا لما كان عليه من الجمعية قبل العلمية. قال في الصحاح5:
الواحد بختي والجمع بخاتي غير منصرف، لأنه بزنة جمع جمع الجمع. انتهى بتكرير جمع.
__________
1 في "أ": "النسبة"، والتصويب من "ب"، "ط"، وأوضح المسالك 4/ 331.
2 في "ب": "لصيرورته".
3 في "ب": "ياء".
4 في "ط": "سواء كانتا للنسب".
5 الصحاح "بخت".(2/588)
"فإذا نسبت إليه انصرف" لزوال صيغة منتهى الجموع، لأن الياء التي كانت تحمل الصيغة زالت، وخلفتها ياء أخرى غيرها، وهي أجنبية لم تبن الكلمة عليها، فوزنه قبل النسب "مفاعيل"، وبعده "مفاعي".
وقيده بقوله "علمًا" ليرتب عليه قوله: فإذا نسبت إليه، لأن جمع التكسير إذا لم يكن علمًا، ولا جاريًا مجرى العلم لا ينسب إليه على لفظه، بل يرد إلى مفرده. ثم ينسب إليه، فسقط1 ما قيل، إن قوله: علمًا معطل لا مفهوم له. وقيد العلم بكونه لرجل، احترازًا عما إذا كان لامرأة، فإن مانعه من الصرف العلمية والتأنيث المعنوي، لا صيغة منتهى الجموع.
"والثاني": وهو ما إحدى ياءيه زائدة، والأخرى أصلية "نحو: مرمي" بالتشديد اسم مفعول من الرمي، "أصله: مرموي" كـ "مضروب"، اجتمع فيه الواو، والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، "ثم قلبت الواو ياء والضمة كسرة" لتسلم الياء من قلبها واوًا. "وأدغمت الياء" المنقلبة عن الواو الزائدة "في الياء" الأصلية، لاجتماع المثلين. "فإذا نسبت إليه" حذف الياء المشددة، وجعلت مكانها ياء للنسب2، و"قلت: مرمي". وهذا هو الأفصح3.
"وبعض العرب تحذف" الياء "الأولى لزيادتها، وتبقي الثانية لأصالتها، وتقلبها ألفًا" لتحركها، وانفتاح ما قبلها، "ثم تقلب الألف واوًا" لوجوب كسر ما قبل ياء النسب، [والألف لا تقبل الحركة ولم تقلب الألف ياء لئلا تجتمع الكسرة والياءات. "فتقول]4: مرموي"، وأطلق في النظم قوله:
856- ومثله مما حواه احذف... ..............................
وهو مقيد بكونه بعد ثلاثة أحرف فصاعدًا، "وإن وقعت الياء المشددة بعد حرفين حذفت الأولى فقط"، فرارًا من الإجحاف، وتعينت للحذف لسكونها، "وقلبت الثانية ألفًا" لتحركها. وانفتاح ما قبلها، "ثم" قلبت "الألف واوًا" كراهة اجتماع الياءات.
"تقول في: أمية: أموي". وجاء "أميييّ" بأربع ياءات، إذ ليس قبلها كسرة. "وإن وقعت" الياء المشددة "بعد حرف واحد لم تحذف واحدة منها. بل تفتح"
__________
1 في "ب": "فقط".
2 في "ب": "النسب".
3 في شرح ابن الناظم ص565: "وقد يقال: مرموي، تفرقة بين الأصل والزائد".
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/589)
الياء "الأولى" كما في "نمر"، "وبردها إلى الواو إن كان أصلها الواو"، وإلا أبقيت على صورتها، "وتقلب" الياء "الثانية واوًا" لئلا تجتمع الياءات "تقول في: طي، وحي: طووي، وحيوي" لأنهما من "طويت، وحييت".
الأمر "الثاني" مما يحذف لياء النسب "تاء التأنيث، تقول في "مكة" مكي" بحذف التاء، لأن بقاءها يوقع في إثبات تاء التأنيث في نسبة المذكر، واجتماع تأنيثين في نسبة مؤنث إلى مؤنث. نحو: "امرأة مكتية" وإيقاع تاء التأنيث حشوًا.
"وقول المتكلمين في" علم الأصول الدينية في النسبة إلى "ذات "ذاتي"، وقول العامة في" النسبة إلى "الخليفة: خليفتي" بإثبات تاء التأنيث فيهما "لحن"1، أي خطأ لخروجه عن القاعدة، قال للمخطئ: لاحن، لأنه يعدل بالكلام عن الصواب، "وصوابهما: ذووي، وخليفي" بحذف التاء منهما، وهذا مبني على أن "ذاتي" نسبة إلى "ذات" لغة، وهم لا يقولون ذلك.
قال الكاتي في شرح إيساغوجي في المنطق2: لا يقال الذاتي منسوب إلى الذات فلا يجوز أن تكون الماهية ذاتية، وإلا لزم انتساب الشيء إلى نفسه، وهو ممنوع، لأنا نقول: هذه التسمية3 ليست بلغوية حتى يزلم ذلك، بل إنما هي اصطلاحية، فلا يرد ذلك، انتهى.
والدليل على أنها اصطلاحية أن استعمال "ذات" مرادًا بها الحقيقة لا أصل له في اللغة كما قال ابن الخشاب، وابن برهان. وإنما المعروف فيها "ذات" بمعنى صاحبة، وحيث نسب إليها فلا بد من حذف تائها، ثم رد لامها المحذوفة وإذا ردت عادت العين إلى الصحة، فتصير على تقدير: "ذوا" ثم تقلب الألف واوا، فتقول. "ذووي"4.
الأمر "الثالث" مما يحذف لياء النسب "الألف إن كانت متجاوزة للأربعة، أو كانت رابعة متحركًا ثاني كلمتها.
فالأول يقع" في ثلاثة:
"في ألف التأنيث كـ: حبارى" بالحاء المهملة، والباء الموحدة والراء: الطائر. "و" في "ألف الإلحاق كـ: حبركي" بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وسكون الراء
__________
1 شرح المرادي 5/ 122.
2 شرح إيساغوجي في المنطق ص45.
3 في "ط": "النسبة".
4 الكتاب 3/ 366-367.(2/590)
بعده كاف، قال الجوهري1: القراد، وقال الزبيدي2: الطويل الظهر، القصير الرجلين، "فإنه ملحق بـ: سفرجل".
"و" في "الألف المنقلبة عن أصل كـ: مصطفى" فإنها منقلبة عن واو الصفوة، فتقول: "حباري، وحبركي، ومصطفي" بحذ الألف فيهن وجوبًا للطول.
"والثاني": وهو ما ألفه رابعة، وثاني كلمتها متحرك، "لا يقع في ألف التأنيث كـ: جمزى" صفة، يقال: حمار جمزى، أي سريع، من الجمز، وهو ضرب من السير. تقول في النسب إليها: "جمزي" بحذف الألف وجوبًا، لأن حركة الحرف الثاني بمنزلة حرف آخر، فالألف فيها في حكم الخامسة.
"وأما الساكن ثاني كلمتها فيجوز فيها القلب" واوًا تشبيها بألف "ملهى"، "والحذف" تشبيها بتاء التأنيث لزيادتها "والأرجح في التي للتأنيث كـ: "حبلى" الحذف" لأن شبهها بتاء التأنيث أقوى من شبهها بالمنقلبة عن أصل. "و" الأرجح "في التي للإلحاق كـ: علقى" فإنه ملحق بـ"جعفر" "و" في "المنقلبة عن أصل كـ: ملهى" من اللهو، فألفه منقلبة عن واو "القلب"، خبر الأرجح.
وإنما كان الأرجح فيهما القلب محافظة في الأول على حرف الإلحاق، ورجوعًا على الأصل في الثاني "والقلب في نحو: ملهى" مما ألفه منقلبة عن أصل "خير منه في نحو: علقى" مما ألفه زائدة للإلحاق "الحذف بالعكس" اللغوي، فالحذف في نحو: "علقى" خير منه في نحو: "ملهى" لأن حذف الزائد خير من حذف الأصلي3.
الأمر "الرابع" مما يحذف لياء النسب "ياء المنقوص المتجاوزة الأربعة"4، خامسة أو سادسة "كـ: معتد، ومستعل"، تقول في النسب إليهما: "معتدي، ومستعلي" بحذف ياء المنقوص وجوبًا للطول. "فأما" الياء "الرابعة كـ: "قاضي" فكألف المقصور الرابعة من نحو: مسعى، وملهى" مما ثاني ما هي فيه ساكن، وألفه منقلبة عن ياء أو واو، فيجوز فيها القلب واوًا، والحذف "ولكن الحذف أرجح" من القلب، بل قال بعضهم: إن القلب عن سيبويه5 من شذوذ تغيرات النسب، حتى قيل: لم يسمع إلا في
__________
1 الصحاح "حبرك".
2 في "ط": "الأصل".
3 في "ب"، "ط": "أربعة".
4 الارتشاف 1/ 281.
5 الكتاب 2/ 241.(2/591)
قوله: [من الطويل]
918- فكيف لنا بالشراب إن لم يكن لنا دراهم عند الحانوي ولا نقد
جعل اسم الموضع حانية: ونسب إليه.
"وليس في الثالث من ألف المقصور" المنقلبة عن ياء، أو واو "كـ: فتى، وعصا، و" من "ياء المنقوص" الثالثة "كـ: عم" بفتح العين المهملة، من عمي عليه الأمر إذا التبس، ورجل علمي القلب أي جاهل. "و: شج" بالشين المعجمة. والجيم من شجي أي حزن، "إلا القلب واوًا" فتقول: "فتوي، وعصوي، وعموي، وشجوي". أما قلبها في "فتى" واوًا، وإن كان أصلها الياء. فلئلا تجتمع الكسرة والياءات: وأما في "عصا" فرجوع إلى أصلها، وأما في "عم، و: شج" فلأنا لما أردنا النسب إليهما فتحنا عينهما، كما في "نمر" فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم قلبت الألف واوًا كما قلبت ألف "فتى" حكمًا وتعليلا.
"وحيث قلبنا الياء واوًا فلا بد من تقدم فتح ما قبلها" على قلبها لما تقرر أن قلبها واوًا مسبوق بقلبها ألفًا، فإن قلت: فما وجه فتح العين في "قاض" عند من قال: "قاضوي" بقلب الياء واوًا، نظيره من الصحيح لا يفتح عينه، فالجواب أنه نظير فتح لام "تغلب" عند بعض العرب1، نقله المرادي2 عن بعض النحويين3.
"ويجب قلب الكسرة فتحة في" كل ثلاثي مكسور العين، سواء كان مفتوح الفاء، أم مضمومها، أم مكسورها.
فالمفتوح الفاء نحو: "فَعِل كـ: نمر" بالنون. "و" المضموم الفاء نحو: "فُعِل كـ: دئل، و" المكسور الفاء نحو: "فِعِل كـ: إبل"، فتقول في النسب إليها "نمري، ودؤلي، وإبلي" بفتح العين فيهن كراهة لتوالي الياءين والكسرتين. وذهب بعضهم إلى
__________
918- البيت لتميم بن مقبل في ديوانه ص362 وأساس البلاغة "عين"، ولذي الرمة في ملحق ديوانه ص1862 ولسان العرب 13/ 298، "عون" ولعمارة "؟" في شرح المفصل 5/ 151، والمحتسب 1/ 134، 2/ 236، وللفرزدق في المقاصد النحوية 4/ 538، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص566، وشرح الأشموني 3/ 728، وشرح الكافية الشافية 4/ 1943، وشرح المرادي ص5/ 128، والكتاب 3/ 341، ولسان العرب 14/ 205، "حنا".
1 انظر شرح الكافية 4/ 1947.
2 شرح المرادي 5/ 131.
3 في المصدر السابق والارتشاف 1/ 285: "هم ابن السراج والمبرد والفارسي والرماني والصيرمي".(2/592)
بقاء كسر العين فيما فاؤه مكسورة كـ: "إبلي" بكسرتين، كسرة الإتباع، والكسرة الأصلية لأن الكسرة تعمل في جهة واحدة، فلا تثقلها.
الأمر "الخامس والسادس" مما يحذف لياء النسب "علامة التثنية: وعلامة جمع تصحيح المذكر، فتقول في" النسب إلى "زيدان، وزيدون" حال كونهما "علمين معربين بالحروف: زيدي". بحذف علامة التثنية، وعلامة الجمع، لئلا يجتمع على الاسم الواحد إعرابان، إعراب بالحروف، وإعراب بالحركات في ياء النسب وحذفت النون تبعًا لما قبلها، لأنهما زيادتان زيدتا معًا، فتحذفان معًا، "فأما قبل التسمية" بهما "فإنما ينسب إلى مفردهما" لا إليها. "ومن أجرى: زيدان علمًا مجرى: سلمان" في لزوم الألف، والإعراب على النون إعراب الما ينصرف للعلمية، والزيادة "وقال" وهو تميم ابن أبي مقبل. لا خلف الأحمر، خلافًا للموضح: [من الطويل].
919- ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان؟
"قال" في النسب: "زيداني" بإثبات الألف والنون كما يقول: "سلماني". والسبعان: تثنية سبع، اسم موضع، والملوان: الليل والنهار.
"ومن أجرى "زيدون" علمًا مجرى {غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] في لزوم الياء والإعراب على النون منونة، "قال في النسب: "زيديني" بإثبات الياء والنون كما يقول: "غسليني". "ومن أجراه" أي "زيدون" "مجرى: هارون" في لزوم الواو، وجعل الإعراب على المنون، ومنع الصرف للعلمية، وشبه العجمة. "أو" أجراه "مجرى: عربون" في لزوم الواو، الإعراب على النون منونة. "أو ألزمه الواو وفتح النون" كـ: "الماطرون". "قال" في النسب على اللغات الثلاث: "زيدوني" بإثبات الواو والنون، كما يقول: "هاروني، وعربوني، وماطروني".
وأما جمع تصحيح المؤنث ففيه تفصيل "فنحو: تمرات" بالمثناة [فوق]1. مما كان جمع اسم مفتوح العين في حالة الجمع، "إن كان باقيًا على جمعيته" ولم ينقل إلى العلمية، "فالنسب إلى مفرده"، لئلا يجتمع تأنيثان حين ينسب مؤنثًا، قاله أبو حيان2. "فيقال: تمري، بالإسكان" في الميم، لأن مفرده ساكن العين قبل الجمع. "وإن
__________
919- تقدم تخريج البيت في الجزء الأول برقم 27.
1 إضافة من "ب".
2 الارتشاف 1/ 280.(2/593)
كان علمًا، فمن حكى إعرابه" حالة الجمع حذف الألف والتاء معا، و"نسب إليه على لفظه المفتوح" حالة الجمع. "ومن منع صرفه" للتأنيث. والعلمية، "نزل تاءه منزلة تاء مكة، و" نزل "ألفه منزلة ألف: جمزى" لكون ثاني ما هي فيه متحركًا. "فحذفهما" على التدريج، فحذف أولا التاء كما في "مكة"، ثم الألف كما في "جمزى"، "وقال: "تمري" بالفتح" في حكاية الإعراب، ومنع الصرف، وإنما سكنت العين في حال بقائه على الجمعية1، وفتحت في حال نقله إلى العلمية للفرق2 بين النسب إليه جمعًا، والنسب إليه علمًا، لأن علامة الجمع تحذف في كلا الحالين.
"وأما نحو: ضخمات" مما هو جمع صفة، فقال الموضح بحثًا، "ففي ألفه" وجهان: "القلب" واوًا. "والحذف، لأنهما كألف: حبلى" بجامع أن كلا منهما صفة، ساكن ثاني ما هي فيه، وعلى كلا الوجهين تحذف التاء، فتقول: "ضخموي، وضخمي"، كما تقول: "حبلوي، وحبلي". "وليس في ألف نحو: مسلمات" من الجموع القياسية. "و" نحو: "سرادقات" من الجموع الشاذة "إلا الحذف"، لكونها خامسة، فتقول: "مسلمي، سرادقي"، بحذف الألف والتاء. والسرادق، قال في القاموس3: الذي يمد فوق صحن الدار، والبيت من الكرسف، والغبار الساطع، والغبار المرتفع المحيط بالشيء.
"وأما الأمور المتصلة بالآخر فستة أيضًا:
أحدها: الياء" المثناة تحت "المكسورة، المدغمة فيها ياء أخرى"، سواء كان ما هي فيه يائي العين كـ"طيب"، أم واويها كـ"هين" "فيقال في" النسب إلى "طيب، وهين: طيبي، وهيني، بحذف الياء الثانية" المدغم فيها، وإبقاء الياء الأولى الساكنة كراهة اجتماع كسرتين وأربع ياءات. ولم يحذفوا الأولى لئلا ترجع إلى تحرك حرف العلة. وانفتاح ما قبله، فيلزم الثقل لو لم تقلب ألفًا.
ويلزم زيادة التغيير مع اللبس لو انقلبت "بخلاف نحو: هبيخ" بفتح الهاء والباء الموحدة وتشديد الياء المثناة تحت وبالخاء المعجمة، الغلام الممتلئ، وقيل: الغلام الناعم، فيقال في النسب إليه: "هبيخي"4 بإثبات الياء الثانية "لانفتاح الياء" المدغمة فيها.
__________
1 في "ب": "الجمع".
2 في "ب": "للتفريق".
3 القاموس المحيط "سردق".
4 شرح ابن الناظم ص568 وشرح ابن عقيل 2/ 497.(2/594)
"وبخلاف نحو: مهييم" تصغير "مهيام: مفعال" من هام على وجهه إذا ذهب من العشق، أو من هام إذا عطش، أو تصغير "مهوم" اسم فاعل من هوم الرجل إذا هز رأسه من النعاس، أو تصغير "مهيم" اسم فاعل من هيمه الحب إذا جعله هائمًا، تقول في النسب إلى كله: "مهيمي"1 بإثبات الياء المكسورة المدغمة فيها ياء أخرى "لانفصال الياء المكسورة من الآخر بالياء الساكنة" التي هي عوض من ألف "مهيام"، أو من الواو الثانية. من "مهوم"، أو من الياء الثانية من "مهيم"، هذا حاصل كلام أبي حيان2، وتلميذه الشهاب الحلبي السمين3.
"وكان القياس أن يقال في" النسب إلى: "طيئ"؛ بتشديد الياء وبالهمزة: "طيئي"، بحذف الياء الثانية فقط، "ولكنهم بعد الحذف قلبوا الياء الباقية"، وهي الأولى "ألفًا على غير قياس"، لأنها ساكنة "فقالوا: طائي"4. ولو قيل: حذفت الياء الأولى الساكنة، وقلبت الياء الثانية المتحركة ألفًا، كان القلب على القياس.
الأمر "الثاني" مما يحذف لياء النسب "ياء: فعيلة" بفتح أوله، وكسر ثانيه.
بشرط صحة العين، وانتفاء تضعيفها "كـ: حنيفة، وصحيفة، تحذف منه تاء التأنيث أولا، ثم تحذف الياء" ثانيًا، فرقا بين المذكر الصحيح اللام، والمؤنث، "ثم تقلب الكسرة" فتحة كما في "نمر"، "فتقول: حنفي، وصحفي.
وشذ قولهم في" النسب إلى "السليقة" وهي الطبيعة "سليقي، وفي" النسب إلى "عميرة كلب"، وإلى سليمة الأزد: "عميري"، و"سليمي"5، والقياس فيهن: "سلقي، وعمري، وسلمي" بحذف الياء وإبدال الكسرة فتحة، كما في عميرة غير كلب، وسليمة غير أزد، ولكنهم فرقوا بينهما.
والسليقي من يتكلم بسليقته، أي طبيعته، معربًا من غير تعلم إعراب، قال: [من الطويل]
920- ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقي أقول فأعرب
__________
1 شرح ابن الناظم ص568، والارتشاف 1/ 282.
2 الارتشاف 1/ 282-283.
3 الدر المصون 8/ 566.
4 شرح ابن الناظم ص568، وشرح ابن عقيل 2/ 497.
5 شرح ابن الناظم ص568، والارتشاف 1/ 283، والمسائل العضديات ص4، 161.
920- البيت بلا نسبة في أساس البلاغة "سلق"، وتاج العروس 25/ 460 "سلق"، وشرح الأشموني 3/ 732، وشرح المرادي 5/ 135.(2/595)
"ولا يجوز حذف الياء في "نحو" طويلة، لأن العين معتلة1، فكان يلزم قلبها ألفًا لتحركها، وتحرك ما بعدها، وانفتاح ما قبلها، فيكثر التغيير" مع اللبس، ولو لم يقلبوا لزم الاستثقال، قاله الجاربردي2.
"ولا" يجوز الحذف "في نحو "جليلة"، لأن العين مضعفة3، فيلتقي بعد الحذف مثلان فيثقل"، ولو أدغموا لزم زيادة التغيير مع اللبس.
الأمر "الثالث" مما يحذف لياء النسب "ياء: فعيلة"4 بضم أوله وفتح ثانيه. بشرط ألا تكون العين مضعفة، "كـ: جهينة وقريظة" بالمسألة، "تحذف تاء التأنيث أولا، ثم تحذف الياء"4 كما مر، "فتقول: جهني وقرظي.
وشذ قولهم في" النسب إلى "ردينة": رمح "رديني". بإثبات الياء5 وتقول في النسب إلى "عيينة، وقويمة، عيني، وقومي"، ولا يشترط هنا صحة العين، لأن حرف العلة إذا انضم ما قبلاه لا يقلب ألفًا، فلا يلزم المحذور السابق.
"ولا يجوز ذلك" الحذف "في نحو: قليلة6" بضم القاف، "لأن العين مضعفة". وحذف لياء يؤدي إلى الثقل لو لم يدغم أحد المثلين في الآخر. وزيادة التغيير مع اللبس لو أدغم.
الأمر "الرابع" مما يحذف لياء النسب "واو: فعولة" بفتح الفاء بشرط صحة العين، وعدم تضعيفها "كـ: شنوءة" حي من اليمن. "تحذف تاء التأنيث" أولا، "ثم تحذف الواو" ثانيًا، لأنهم لما حذفوا تاء التأنيث، وهي حرف صحيح دال على معنى استقبحوا أن يبقوا بعد ذلك حرفًا معتلا زائدًا لغير معنى، "ثم تقلب الضمة فتحة فتقول: شنئي"7 وأما قولهم: "شنوي" فعلى لغة من قال: أزد شنوة بتشديد الواو، قاله ابن السكيت8.
__________
1 شرح ابن الناظم ص568, والكتاب 3/ 339.
2 شرح الشافية 1/ 154.
3 شرح ابن الناظم ص568, وشرح المرادي 5/ 137، والكتاب 3/ 339.
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
5 شرح ابن الناظم ص568, وشرح المرادي 5/ 135.
6 في شرح ابن الناظم ص568: "إنما ينسب إليه على لفظة، فيقال: قليلي".
7 شرح ابن الناظم 568، والكتاب 3/ 339.
8 إصلاح المنطق ص146.(2/596)
وما ذكرناه في "فَعِيلة وفُعَيلة" من وجوب حذف الياء فيهما، وقلب الكسرة فتحة في الأولى فلا نعلم فيه خلافًا.
وأما "فعولة": فذهب سيبويه والجمهور إلى وجوب حذف الواو والضمة معًا، واجتلاب فتحة مكان الضمة1. وذهب الأخفش والجرمي، والمبرد إلى وجوب بقائهما معًا2، وذهب ابن الطراوة إلى وجوب حذف الواو فقط، وبقاء الضمة بحالها.
"ولا يجوز ذلك" الحذف "في: قؤولة" بفتح القاف "لاعتلال العين" كما مر في "طويلة". "ولا" يجوز ذلك "في نحو: "ملولة" لأجل التضعيف" في العين وحذف الواو يؤدي إلى التقاء مثلين، والإدغام ممتنع، لأن "فعل"، بفتحتين واجب الفك كـ"طلل" فيثقل اللفظ به.
الأمر "الخامس" مما يحذف لياء النسب "ياء: فعيل"3 بفتح أوله، وكسر ثانيه "المعتل اللام" ياء كانت أو واوًا "نحو: غني، وعلي، تحذف الياء الأولى، ثم تقلب الكسرة فتحة" كما تقدم "ثم تقلب الياء الثانية ألفًا" لتحركها وانفتاح ما قبلها. "ثم تقلب الألف واوا" كراهة اجتماع الياءات مع الكسرتين. "فتقول: غنوي، وعلوي".
الأمر "السادس" مما يحذف لياء النسب "ياء: فعيل"؛ بضم أوله وفتح ثانيه "المعتل اللام نحو: "قصي" تحذف الياء الأولى، ثم تقلب الثانية ألفًا" لتحركها وانفتاح ما قبلها، "ثم تقلب الألف واوا" لما مر، "فتقول: قصوي.
وهذان النوعان"، وهما "فَعِيل، وفُعَيل" المعتلا اللام "مفهومان مما تقدم " في "فَعِيلة وفُعَيلة"، "ولكنهما إنما ذكرا هناك استطرادًا، وهذا" الموضع "موضعها، فإن كان: فعيل" بفتح الفاء "و: فُعَيل" بضمها "صحيح اللام لم يحذف منهما شيء". وذلك نحو قولهم في "عَقِيل، وعُقَيل: عَقِيلي، وعُقَيلي"، "وشذ قولهم في: ثقيف، وقريش" وهذيل: "ثقفي، وقرشي"، وهذلي4.
__________
1 انظر الكتاب 3/ 339، وفي شرح ابن الناظم ص568: "وفعولة في هذا الباب ملحقة بفعيلة".
2 انظر شرح المفصل 5/ 146، والارتشاف 1/ 283.
3 انظر شرح ابن الناظم ص569، وشرح المفصل 5/ 148، والكتاب 3/ 344.
4 شرح ابن الناظم ص569، والارتشاف 1/ 284.(2/597)
فصل:
"حكم همزة الممدود في النسب كحكمها في التثنية1" فهي إما للتأنيث، أو منقلبة عن حرف أصلي، أو عن حرف الإلحاق.
"فإن كانت للتأنيث2 قلبت واوًا كـ: صحرواي"، لكون الهمزة أثقل من الواو، ولم تقلب ياء لئلا تجتمع ثلاث ياءات مع الكسرة.
وشذن "صنعاني" في النسب إلى "صنعاء اليمن"، و"بهراني" في النسب إلى "بهراء" اسم قبيلة من "قضاعة" فأبدلوا من الهمزة النون، لأن الألف والنون يشابهان ألفي التأنيث ومن العرب من يقول: "صنعاوي"، و"بهراوي" على القياس3.
"أو" كانت "أصلا سلمت" من القلب غالبًا لقوتها بأصالتها "نحو: قرائي" في "قراء" وهو الرجل الناسك4، ومنهم من يقلبها واوًا استثقالا، والأجود التصحيح5، قاله في التسهيل6.
"أو" كانت بدلا من حرف زائد "للإلحاق" نحو: "علباء"، "أو" كانت "بدلا من أصل" نحو: "كساء" أصله، "كساو" قلبت الواو همزة لوقوعها طرفًا إثر ألف زائدة، "فالوجهان" السلامة والقلب فيهما، "فتقول: "كسائي" بالتصحيح، "وكساوي" بالقلب واوًا رجوعًا إلى الأصل7، "وعلباوي" بالقلب واوًا تشبيهًا بألف التأنيث. "وعلبائي" بالتصحيح تشبيهًا بالأصلية.
والعلباء عصب العنق، والهمزة فيه منقلبة عن ياء زيدت للإلحاق بـ"قرطاس"، ولا يخفى ما في الأمثلة من النشر على خلاف الترتيب.
__________
1 شرح ابن الناظم ص569.
2 في شرح ابن الناظم ص569: "فإن كانت زائدة للتأنيث". انظر شرح المرادي 5/ 139.
3 شرح المفصل 6/ 11.
4 شرح ابن الناظم ص569، وشرح المرادي 5/ 139.
5 في "ب": "الفصيح".
6 التسهيل ص361.
7 شرح ابن الناظم ص569، وشرح المرادي 5/ 139.(2/598)
فصل:
"ينسب إلى صدر العلم المركب"، ويحذف العجز لاستثقال النسبة إلى كلمتين معًا، فحذفوا الثانية كما حذفوا تاء التأنيث "إن كان التركيب إسناديًّا، كـ: تأبطي، وبرقي، في" النسبة إلى "تأبط شرًّا، وبرق نحره، أو مزجيًّا" سواء أكان صدره صحيحًا أم معتلا. "كـ: بعلي, ومعدي، أو معدوي1 في" النسب إلى "بعلبك ومعدي كرب".
وإنما خير في الياء بين إبقائها على حالها وقلبها واوًا، لأنك إذا حذفت الجزء الثاني صار الكلام منقوصًا، وياء المنقوص إذا كانت رابعة جاز فيها التصحيح والقلب واوًا نحو: "قاضي، وقاضوي"، والأرجح التصحيح كما تقدم، وفي النسب إلى المزجي خمسة أوجه:
أحدها: ما ذكره الموضح تبعًا للنظم من الاقتصار في النسب على الصدر، وهو مقيس اتفاقًا.
الثاني: أن ينسب إلى عجزه فتقول: "بكي، وكربي"، واختاره الجرمي2.
الثالث: أن ينسب إليهما معًا، مزالا تركيبهما3 فتقول: "بعلي بكي، ومعدي كربي"، واختاره أبو حاتم وآخرون، وأنشد عليه السيرافي. [من الطوايل].
921- تزوجتها رامية هرمزية بفضلة ما أعطى الأمير من الرزق
فنسبها إلى رام هرمز بلدة من نواحي خوزستان.
__________
1 شرح ابن الناظم ص569.
2 شرح المرادي 5/ 140، والارتشاف 1/ 279.
3 شرح المرادي 5/ 141.
921- البيت بلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 736، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 72، وشرح شواهد الشافية ص115, والمقرب 2/ 58، والمذكر والمؤنث للسجستاني ص51، والمذكر والمؤنث للأنباري ص648، وشرح المرادي 5/ 141.(2/599)
الرابع: أن ينسب إلى جميع المركب1 فتقول: "بعلبكي، ومعدي كربي".
الخامس: أن ينبني من جزأي المركب اسمًا على "فعلل"، وينسب إليه، قالوا في النسب إلى: "حضرموت: حضرمي"2. "أو إضافيًّا كـ: امرئي" بكسر الراء تبعًا لكسرة الهمزة، "ومرئي" بحذف الهمزة الأولى، وفتح الميم والراء "في" النسب إلى "امرئ القيس"3.
قيل: و"امرئي" شاذ عند سيبويه4، والمطرد عنده "مرئي" بحذف الهمزة وفتح الميم والراء، كذا تكلمت به العرب، قال ذو الرمة يهجو امرأ القيس: [من الوافر]
922- إذا المرئي شبت له بنات عقدن برأسه إبة وعارا
واستثنى محمد بن حبيب امرأ القيس الكندي، فإنه ينسب إلى "مرقسي"5.
"إلا أن كان" المركب الإضافي "كنية، كـ: أبي بكر، وأم كلثوم، أو كان معرفًا صدره بعجزه5 كـ: ابن عمر، وابن الزبير، فإنك" تحذف صدره، "وتنسب إلى عجزه"، لأنه المقصود بمدلوله، "فتقول: بكري، وكلثومي، وعمري"، وزبيري.
"وربما ألحق بهما ما خيف فيه اللبس كقولهم في" النسب إلى "عبد الأشهل: أشهلي، و" في النسب إلى: "عبد مناف: منافي" فحذفوا صدرهما، ونسبوا إلى عجزهما5، إذ لو عكسوا، وحذفوا العجز، ونسبوا إلى صدرهما، وقالوا: "عبدمي" لالتبس بالنسب إلى "عبد" غير مضاف، والأشهل: صفة لرجل، و"مناف" اسم لصنم.
والحاصل أن المركب الإضافي ينسب إلى عجزه في ثلاثة مواضع: أحدها: ما كان كنية. الثاني: ما تعرف صدره بعجزه. الثالث: ما يخاف اللبس من حذف عجزه.
وما سوى هذه المواضع الثلاثة ينسب فيه إلى الصدر.
وشذ بناء "فعلل" من جزأي المضاف إليه، والمحفوظ من ذلك: "يتملي، وعبدري، ومرقسي، وعبقسي، وعبشمي"، وفي النسب إلى: "تيم اللات، وعبد الدار، وامرئ القيس بن حجر الكندي، وعبد القيس، وعبد شمس".
__________
1 شرح المرادي 5/ 141.
2 شرح ابن الناظم ص569.
3 شرح ابن الناظم ص569، وشرح المرادي 5/ 142.
4 الكتاب 3/ 376.
922- البيت لذي الرمة في ديوانه 2/ 139، وأساس البلاغة "وأب"، وتاج العروس 1/ 432 "مرأ", 4/ 327 "وأب", وكتاب العين 8/ 420، ولسان العرب 1/ 157 "مرأ"، 1/ 791 "وأب".
5 الارتشاف 1/ 287 وفي تاج العروس 16/ 420: أن نسبة مرقسي هي لامرئ القيس بن حجر غلط والصواب: امرؤ القيس بن الحارث بن معاوية كما حققه بن الجواني في المقدمة.(2/600)
فصل:
إذا نسبت إلى ما حذفت عينه، وصحت لامه رددتها وجوبًا في مسألة واحدة، نحو: "رب" بتخفيف الباء1، وأصلها التشديد ، فخفف بحذف عينه الساكنة مسمى به، فإذا نسبت إليه قلت: "ربي"، برد العين ساكنة، ولا تحرك لثقل2 الفك إجماعًا، "وإذا نسبت إلى ما حذفت لامه رددتها وجوبًا في مسألتين:
أحدهما: أن تكون العين معتلة كـ: شاة، أصلها، شوهة"، بسكون الواو كـ: صحفة"، ثم لما لقيت الواو الهاء لزم انفتاحها. فانقلبت ألفًا. وحذفت لامها وهي الهاء وعوض منها التاء "بدليل قولهم" في تكسيرها: "شياه" بالهاء. وقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والتكسير يرد الأشياء إلى أصولها، فإذا نسبت إلى "شاة" رددت لامها اتفاقًا.
ثم اختلف في عينها، هل تبقى على فتحها العارض فتستمر ألفًا، أو ترد إلى سكونها الأصلي، فتسلم من القلب ألفًا؟ ذهب سيبويه3 إلى الأول، وأبو الحسن الأخفش4 إلى الثاني، "فتقول: شاهي" على مذهب سيبويه، لأنه لا يرد الكلمة بعد رد محذوفها إلى سكونها الأصلي، بل يبقى5 العين مفتوحة، فتقلبها6 ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. "وأبو الحسن يقول: شوهي" بسكون الواو، ولا يقلبها ألفًا، "لأنه يرد الكلمة بعد رد محذوفها إلى سكونها الأصلي" فيمتنع القلب.
__________
1 في "ب": "الهاء".
2 في "أ": "لنقل".
3 الكتاب 3/ 367.
4 الارتشاف 1/ 286.
5 في "ب": "تبقى".
6 في "ب": فتنقلب".(2/601)
والصحيح مذهب سيبويه، وبه ورد السماع، قالوا: في النسب إلى "غد: غدوي"، وحكي عن أبي الحسن أنه رجع في كتابه الأوسط إلى مذهب سيبويه1.
المسألة "الثانية" مما يجب رد لامه "أن تكون اللام قد ردت في تثنية كـ: أب، وأبوان، أو في جمع تصحيح" لمؤنث "كـ: سنة، وسنوات" في لغة2 غير أهل الحجاز، "أو سنهات" في لغة أهل الحجاز، "فتقول" في النسب إلى "أب، وسنة": "أبوي، وسنوي، أو سنهي"، برد اللام كما ردت في التثنية والجمع بالألف والتاء3. لأن النسب أقوى على الرد، لأنه أحمل للتغيير، فلذلك وجب فيه4 رد ما وجب رده في غيره، وجوز فيه رد ما لا يجوز رده في غيره إظهارًا لمزيته في الرد، "فتقول في" النسب إلى "ذو، وذات: ذووي" باتفاق سيبويه وأبي الحسن5، لأن "ذو" عندهما "فعل" بالتحريك، ولامها ياء لأن "طويت" أكثر من قوة.
وذهب الخليل إلى أنهما "فعل" بالسكون، نظرًا إلى أن الأصل السكون وإلى أن لامها واو، وأنه من باب قوة، وعلى القولين، ألفًا، وقلبت الألف واوًا في النسب و"ذات" هي "ذو" بزيادة التاء.
وإنما قيل في النسب إليهما: "ذووي" "لأمرين: اعتلال العين ورد اللام في تثنية: ذات، نحو: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48] بالواو على الأصل وقالوا: "ذاتا" على اللفظ، وهو6 القياس. كقولهم: "ذاتا جمال"، لا غير، والألف الأولى من "ذاتا" غير7 منقلبة عن واو، والألف الثانية علامة رفع وتثنية، والتاء للتأنيث كما في "مسلمتان" وإنما صحت العين8 حال التكميل9، وأعلت حال النقص، لئلا يجتمع إعلالان في حال التمام والسلامة من ذلك حالة النقص.
__________
1 شرح المرادي 5/ 145.
2 في "ب": "غير لغة".
3 في "ب": "والهاء".
4 بعده في "ب": "ردها وجب".
5 الكتاب 3/ 366، 367.
6 في "ط": "القولين" مكان "اللفظ، وهو".
7 في حاشية يس 2/ 333: "الذي في النسخ الصحيحة: "عين منقلبة عن واو" يعني أن الألف عين الكلمة وهي منقلبة عن واو".
8 في حاشية 2/ 333: "أي لم تقلب ألفًا كما قلبت في ذات".
9 في حاشية يس 2/ 333، "معنى قوله: حال التكميل حال رد ما حذف في الكلام منها".(2/602)
"وتقول في" النسب إلى "أخت: أخوي، كما تقول في" النسب إلى "أخ": أخوي، "وتقول في" النسب إلى "بنت: بنوي، كما تقول في" النسب إلى "ابن": بنوي1، "إذا رددت محذوفه لقولهم" في الجمع بالألف والتاء: "أخوات، وبنات، بحذف التاء والرد إلى صيغة المذكر الأصلية".
وتقدم أن ما وجب رده في الجمع يجب رده في النسب، "وسره"، أي: وحكمة رد صيغة المؤنث إلى صيغة المذكر "أن الصيغة" أي صيغة "أخت، وبنت" "كلها للتأنيث"، وأن التاء وإن كانت بدلا من واو محذوفة فهي للإلحاق بـ"قفل، وجذع"، إلحاقًا للثنائي بالثلاثي، "فوجب ردها" أي رد صيغة "أخت، وبنت" "إلى صيغة المذكر"، فوجب حذف التاء منهما "كما وجب حذف التاء في" النسب إلى "مكة، وبصرة" نحو: "مكي وبصري، و" في الجمع بالألف والتاء نحو: "مسلمات" لئلا تقع تاء التأنيث حشوًا. هذا قول سيبويه. والخليل، أجروا التاء وإن كانت للإلحاق مجرى تاء التأنيث لاختصاصها بالمؤنث، وفتح أولهما في النسب كما فتح في الجمع بالألف والتاء.
"ويونس" يوافق على حذف التاء في الجمع، فيجريها مجرى تاء التأنيث ويحذفها، ويخالف النسب فلا يحذف التاء، ويجمع بينها وبين ياء النسب فيجريها مجرى الملحق به، ويبقي أولهما على حركته، "ويقول فيهما: أختي، وبنتي2، محتجًّا، بأن التاء لغير التأنيث لأن ما قبلها ساكن صحيح". وتاء التأنيث إن كان ما قبلها صحيحًا يجب فتحه نحو: "قصعة، وصنيعة".
ولا يسكن إلا إذا كان معتلا نحو: قناة وفتاة. "ولأنها لا تبدل في الوقف هاء" وتاء التأنيث تبدل في الوقف هاء نحو: "رحمه، ونعمه"، "وذلك" المذكور من كونها ليست للتأنيث "مسلم، ولكنهم عاملوا3 صيغتها" مع تاء الإلحاق "معاملة" غيرهما مع "تاء التأنيث، بدليل مسألة الجمع" بالألف والتاء، وذلك لأنهم ردوا المحذوف من المفرد، وحذفوا التاء التي فيه، ثم جمعوه بألف وتاء مزيدتين، وقالوا: "أخوات، وبنات ولو جمعوه على لفظ المفرد من غير ولا حذف لقالوا: "أختات، وبنتات".
__________
1 في شرح ابن الناظم ص570: "هذا مذهب سيبويه والخليل، وأما يونس فيقول: أختي وبنتي". وانظر الكتاب 3/ 360-361.
2 شرح ابن الناظم ص570، والكتاب 3/ 361.
3 في "ب": "جعلوا".(2/603)
وألزمه الخليل أن ينسب إلى "هنت، ومنت" بإثبات التاء مع أنه وغيره مجمعون على أنه إنما يقال في ذلك بحذف التاء.
ويجاب عن مسألة الجمع بالفرق بين الجمع والنسب، لأن الجمع لا لبس فيه بخلاف النسب. إذ حذف التاء فيه يلبس المنسوب إلى المؤنث بالمنسوب إلى المذكر. وعن مسألة "هنت، ومنت" بأن التاء فيها ليست كالتاء في "أخت، وبنت" لأن التاء في "هنت" في الوصل خاصة، وتبدل هاء في الوقف، فليست بلازمة، وفي "منت" في الوقف خاصة، وتذهب في الوصل بخلاف تاء "أخت، وبنت" فإنهما يثبتان وصلا ووقفًا على صورتهما.
وفي المسألة مذهب ثالث للأخفش، وهو حذف التاء ورد المحذوف، وإبقاء الاسم على وزنه فتقول1: أخوي وبنوي؛ بسكون الخاء والنون وضم الهمزة وكسر الباء الموحدة ويجب حذف التاء من "ابنة" اتفاقًا، فيقال: "ابني" أو "بنوي" كما يأتي في "ابن".
"ويجوز رد اللام وتركها فيما عدا ذلك"، وهو ما صحت عينه ولم ترد لامه في تثنية ولا جمع "نحو: يد، ودم" مما لامه معتلة محذوفة، ولم يعوض منها شيء، "وشفة" مما لامه صحيحة محذوفة، وعوض منها تاء التأنيث.
"تقول: يدوي" برد المحذوف، وقلب الياء واوا كراهة اجتماع الكسرة والياءات: "أو يدي" بغير رد للمحذوف، "ودموي" بالرد، والقلب، "أو دمي" بغير رد، "وشفي" بغير رد، "أو: شفهي" بحذف التاء، ورد الهاء المحذوفة، وما ذكره في "شفي، وشفهي" بالرد وعدمه، "قاله الجوهري2، وغيره.
وقول ابن الخباز: إنه لم يسمع إلا "شفهي" بالرد لا يدفع ما قلناه" من جواز الأمرين "إن سلمناه، فإن المسألة" التي نحن فيها، وهي جواز رد اللام وتركه "قياسية، لا سماعية"، حتى يقتصر على المسموع منها.
"ومن قال" في: شفة "إن لامها واو؛ فإنه يقول إذا رد" اللام: "شفوي" بالواو، و"الصواب ما قدمناه" من أنه يقال: "شفهي" بالهاء، لأن لامها هاء3 "بدليل" رجوعها في قولك: "شافهت، والشفاه" بالهاء، لأن إسناد الفعل إلى التاء، والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها.
__________
1 الارتشاف 1/ 288.
2 الصحاح "شفه".
3 الكتاب 3/ 357-358.(2/604)
وأصل "يد، ودم، وشفة، "فَعْل" بسكون العين، أما "يد" فلا خلاف فيها، وأما "دم" فعلى الصحيح عند سيبويه والأخفش1. وذهب المبرد إلى أنه "فَعَل" بفتح العين، وضعفه الجاربردي2. وأما "شفة" فنص صاحب الضياء على أنها بسكون الفاء.
وإذا ثبت أن هذه الثلاثة أصلها السكون فيأتي فيها الخلاف بين سيبويه والأخفش من الرد إلى السكون الأصلي وعدمه. "وتقول في: ابن، واسم" مما حذف لامه، وعوض منه همزة الوصل: "ابني: واسمي" بعدم رد اللام، "فإن رددت اللام" حذفت الهمزة. "وقلت: بنوي، وسموي، بإسقاط الهمزة"، ولا تقول: "ابنوي، واسموي" بالهمزة ورد اللام "لئلا يجمع بين العوض" وهو الهمزة، "والمعوض منه" وهو الواو، ويأتي الخلاف في الرد إلى السكون الأصلي وعدمه، فسيبويه يقول3: "سموي" بكسر السين وضمها وفتح الميم، والأخفش يسكن الميم، ويقولان: بنوي4، بالفتح لا غير. وتقول في "ابنم" بزيادة الميم: "بنمي، وابني، وبنوي"، ولا تقول: ابنموي؛ لما ذكر وعلى الأول فالنون تابعة في الكسر للميم كما تتبعها في الإعراب.
"وإذا نسبت إلى ما حذفت فاؤه، أو عينه رددتها" أي الفاء والعين "وجوبًا في مسألة واحدة، وهي أن تكون اللام معتلة، كـ: "يرى" علمًا" وأصل "يرى": "يرأى" نقلت حركة الهمزة إلى الراء، ثم حذفت الهمزة، وهي عينه، "وكـ: شية"، وهو كل لون يخالف معظم اللون، وأصلها: "وشية" بكسر الواو، نقلت الكسرة إلى الشين، ثم حذفت الواو، وهي فاؤها، وعوض منها تاء التأنيث.
"فتقول في" النسب إلى "يرى" علمًا: "يرئي: بفتحتين" على الياء والراء "فكسرة" قبل الياء، وبرد العين: وهي الهمزة "على قول سيبويه في إبقاء الحركة بعد الرد" للمحذوف، "وذلك لأنه يصير" بعد الرد "يرأي" بفتح الياء والراء والهمزة "بوزن: جمزي" بالجيم والزاي "فيجب حينئذ حذف الألف" لأنها رابعة متحرك ثاني كلمتها، "وقياس قول أبي الحسن: يرئي" بسكون الراء وكسر الهمزة وحذف الألف. "أو: يرأوي" بقلب الألف واوًا، "كما تقول" في النسب إلى: ملهى "ملهي"
__________
1 المقتضب 1/ 231، وفي شرح المفصل 5/ 84، أنه مذهب الأخفش أيضًا.
2 شرح الشافية 1/ 170.
3 الكتاب 3/ 361.
4 نسبة إلى "أبناء فارس" انظر الكتاب 3/ 361، والارتشاف 1/ 287، ولسان العرب "بنى".(2/605)
بحذف الألف، "وملهوي" بقلبها واوًا، لأنه إذا رد المحذوف يرد الساكن إلى أصله، فإذا رد المحذوف، وهو الهمزة رجعت الفاء إلى سكونها الأصلي، فتصير "يرأى" بوزن "جرحى"، والمقصور إذا كانت ألفه رابعة، ثاني ما هي فيه ساكن كـ"حبلى" يجوز في ألفه وجهان: حذفها وقلبها واوًا.
"وتقول في" النسب إلى "شية: على قول سيبويه"1 في إبقاء الحركة بعد رد المحذوف: "وشوي" بكسر الواوين، وفتح الشين "وذلك لأنك لما رددت الواو" الأولى المحذوفة، وحذفت التاء "صار "الوشي" بكسرتين" متجاوزتين، كسرة الواو وكسرة الشين "كـ: إبل" بكسر الهمزة والباء, "فقلبت" الكسرة "الثانية فتحة" كراهية لتوالي الكسرتين والياءين، "كما تفعل في: إبل" إذا نسبت إليه، "فانقلبت الياء ألفًا" لتحركها وانفتاح ما قبلها، "ثم" انقلبت "الألف واوًا"، لأن الألف المقصورة الثالثة يجب قلبها واوًا.
"و" تقول "على" قول "أبي الحسن: وشيي"2 بكسر الواو والياء الأولى وسكون الشين بينهما، لأنه يرد العين إلى سكونها الأصلي.
وحيث عاد السكون الأصلي امتنع قلب الياء ألفًا، إذ لا مقتضى له، "ويمتنع الرد في غير ذلك" المذكور من الوجوب3، "تقول في" النسب إلى "سه" بفتح السين المهملة وبالهاء، وهو الدبر مما حذفت عينه. "وعدة" بكسر العين مصدر "وعد" مما حذفت فاؤه. "وأصله: سته، ووعد" بكسر الواو، فحذف4 من الأول عينه، وهي التاء، ومن الثاني فاؤه. وهي الواو، وعوض منها تاء التأنيث "بدليل" رجوعه إلى الأصل في "أستاه" جمع "سه"، "والوعد" بفتح الواو بغير تاء: "سهي" بلا رد، "لا ستهي" برد العين "وعدي" بلا رد، "لا وعدي" برد الفاء "لأن لامهما صحيحة".
وإنما لم يرد المحذوف منهما فرقًا بين النسبة إلى ما حذف4 منه اللام، وما حذفت منه العين والفاء. ولم يعكس، لأن اللام محل التغيير، فهو أولى بالرد، وجاء "عدوي" في النسبة إلى "عدة" وليس هذا ردًّا للفاء المحذوفة، والأوجب5 أن يقال: "وعدي"، بل هو كالعوض عن المحذوف.
__________
1 الكتاب 3/ 369، 370.
2 شرح ابن الناظم ص571 والارتشاف 1/ 285.
3 في حاشية يس 2/ 325: "قوله: من الوجوب، لو أبدله بقوله: مما كانت لامه معتلة".
4 في "ب": "فحذفت".
5 في "ط": "وإلا لوجوب".(2/606)
"وإذا سميت بثنائي الوضع" حال كونه "معتل الثاني ضعفته"، أي الثاني "قبل النسب"، فزدت عليه من جنسه مثله، "فتقول في "لو" و"كي" علمين: "لوّ" و"كيّ" بالتشديد فيهما1" وذلك أنك زدت على الواو واوًا، وعلى الياء ياء، ثم أدغمت إحداهما في الأخرى. "وتقول في "لا" علمًا "لاء" بالمد"، وذلك أنك زدت على الألف ألفًا أخرى، فاجتمع ألفان، فأبدلت الثانية همزة هربًا من تجاور ساكنين، وقيل: زيدت الهمزة من أول الأمر.
"فإذا نسبت إليهن قلت: لويّ" بتشديد الواو. "وكيوي" لما تقرر أن حرف العلة المشدد إذا كان بعد الحرف الأول إن كان ياء ترد الياء الأولى إلى أصلها، وتفتح كما في "نمر"، وتقلب الثانية واوًا لئلا تجتمع الياءات، وإن كان واوا بقيت، إذ ليس اجتماع الواوين والياءين في الاستثقال كاجتماع الياءات الأربع، "ولائي، أو لاوي" لما تقرر أن الهمزة إذا كانت بدلا من أصل يجوز فيها التصحيح والقلب واوًا2 هذا إذا قلنا: زدنا على الألف ألفًا، ثم أبدلناها همزة.
وأما من قال، زدنا همزة من أول الأمر، فإنه يقول: "لائي" لا غير، ولا يجوز "لاوي" إلا على قول بعضهم، "قراوي" قاله ابن الخباز3. "كما يقول في النسب إلى: الدو" بفتح الدال المهملة وتشديد الواو، وهو البادية، "والحي" بفتح الحاء المهملة، وتشديد الياء وهو القبيلة، "والكساء" بالمد، "دوي" بتشديد الواو، "وحيوي" بفتح الياء "وكسائي" بالتصحيح. "وكساوي" بقلب الهمزة واوًا، ولا يخفى ما في كلامه من التنظير باللف والنشر على الترتيب4.
وحاصل الفصل أن المنسوب إليه المحذوف أحد أصوله ثلاثة أنواع: محذوف الفاء، ومحذوف العين، ومحذوف اللام، والأولان نوعان: ما يجب فيه الرد. وما يمتنع.
__________
1 في شرح ابن الناظم ص570، "إذا كان؛ ثالثه؛ حرفًا معتلا وجب تضعيفه، فيقال في لو: لويّ، أصله لووي", وانظر الكتاب 2/ 148.
2 الكتاب 2/ 148.
3 حاشية الصبان 4/ 197.
4 اللف والنشر: أن يذكر الناظم في أول البيت أسماء متعددة غير تامة المعنى، ثم يقابلها بأشياء يعددها من غير الأضداد تتمم معناه؛ إما بالجمل، وإما بالألفاظ المفردة، كقول ابن حيوس:
فِعْلُ المدام ولونها ومذاقها في مقليته ووجنتيه وريقه
انظر شرح الكافية البديعية لصفي الدين الحلي، ص76.(2/607)
فالأول: ما لامه معتلة نحو: "شية، ويرى" علمًا.
والثاني: ما لامه صحيحة نحو: "عدة، وسه".
والثالث: نوعان: واجب الرد، وجائزه.
والأول ثلاثة أنواع: ما ترجع لامه في التثنية كـ: "أب، وأخ" وما ترجع في الجمع بالألف والتاء كـ: "أخت، وبنت، وسنة"، وما عينه معتلة نحو: "شاة، وذو".
والثاني: ما عدا ذلك نحو: "يد، ودم، وشفة" والنسبة إلى ثنائي الوضع خارجة عن ذلك.(2/608)
فصل:
"وينسب إلى الكلمة الدالة على جماعة على لفظها أن أشبهت الواحد بكونها اسم جمع" له مفرد من لفظه. أو لا. فالأول: كـ"صحبي، وركبي"، والثاني: "كـ: قومي ورهطي"، ولا يرد إلى مفرده في اللفظ، فلا يقال: "صاحبي، وركبي"، ولا إلى مفرده في المعنى، فلا يقال: "رجلي"، لأن اسم الجمع بمنزلة المفرد.
"أو" بكونها "اسم جنس كـ: شجري"، لا يقال: يحتمل أن يكون منسوبًا إلى مفرده وهو "شجرة" وحذفت التاء كما في "مكي"، لأننا نقول: ليس الأمر كذلك، وإنما هو منسوب إلى الجماعة1 بدليل قولهم في النسب إلى "الشعير"2: "شعيري" بإثبات الياء بعد العين، ولو كان منسوبًا إلى "الشعيرة" لقيل: "شعري" بحذف الياء المثناة تحت، لأن "شعيرة فعلية"، وقياس "فعلية: فعلي" كـ: "فرضي" في "فريضة"، قاله خطاب المادري في الترشيح.
"أو" بكونها "جمع تكسير" حال كونه "لا واحد له" من لفظه "كـ: أبابيلي" و"عبابيدي"، والعباديد: الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه، أوله واحد، ولكنه شاذ كـ: "محاسني" جمع "حسن": حكاه أبو زيد3، نزلوا الشاذ منزلة المعدوم.
"أو" حال كونه "جاريًا مجرى العلم"، لاختصاصه بطائفة بأعيانهم، "كـ: أنصاري" نسبة إلى "الأنصار"، لأنه غلب على قوم بأعيانهم، حتى التحق بالأعلام، و"الأصولي" نسبة إلى "الأصول"، لأنه غلب على علم خاص، حتى صار كالعلم عليه.
"وأما نحو: "كلاب، وأنمار": علمين" لقبيلتين، و"ضباب، ومداين، ومعافر" أعلامًا "فليس مما نحن فيه لأنه واحد" بالشخص، وانسلخ عنه الجمعية بواسطة العلمية، "فالنسب إليه على لفظه من غير شبهة" ولا تردد، فيقال: "كلابي وأنماري، وضبابي، ومدايني، ومعافري".
__________
1 في "ب": "الجمع.
2 في "ب": "الشعر".
3 الارتشاف 1/ 289.(2/609)
وقد يرد الجمع المسمى به إلى الواحد إن أمن اللبس، قاله في التسهيل1. ومثلوه بـ"الفراهيد" بالفاء والراء والدال المهملتين، علمًا على بطن من الأزد، وإليه ينسب الخليل بن أحمد الفراهيدي، فقالوا: "الفراهيدي" على لفظ الجمع، و"الفرهودي" نسبًا إلى واحده لأمن اللبس، إذ ليس لنا قبيلة تسمى بالفرهود، وفيه نظر. قال في الصحاح2: الفرهد بالضم: الغليظ، والفرهود حي من نجد، وهو بطن من الأزد انتهى. فاللبس حاصل إذا قيل: "فرهودي" فإنه يوهم أنه منسوب إلى "الفرهود" إذا قيل: إنه أبو بطن.
"وفي غير ذلك" المذكور من اسم الجمع، والجنس، والجمع الذي لا واحد له، والجاري مجرى العلم "يرد" الجمع "المكسر إلى مفرده، ثم ينسب إليه"3، ولم ينسب إلى الجمع على حاله ليحصل الفرق بين النسب إليه على حاله، والنسب إليه مسمى به، هذا تعليل سيبويه4، وعلله غيره بأن المطلوب من النسب إلى الجمع الدلالة على أنه بينه وبين ذلك الجنس ملابسة.
وهذا المعنى يحصل بالمفرد مع حصول الفرق بين النسب إليه جميعًا، وبينه مسمى به، "فتقول في النسب إلى: فرائض" جمع فريضة، "وقبائل" جمع قبيلة، "وحمر" بالسكون جمع "أحمر" أو "حمراء"، "فرضي، وقبلي؛ بفتح أولهما وثانيهما"، وذلك لأنك رددتهما إلى "فريضة، وقبيلة، ونسبت إليهما فحذفت الياء المثناة تحت، وتاء التأنيث، وقلبت الكسرة فتحة كما في "نمر"، "و: أحمري، و: حمراوي"، وذلك لأن حمراء" إما جمع "أحمر" أو جمع"حمراء"، فإن كان جمع "أحمر" رددته إليه وقلت: "أحمري"، وإن كان جمع "حمراء" رددته إليها وقلت: "حمراوي" لأن الهمزة فيه للتأنيث، وهمز التأنيث يجب قلبه واوًا في النسب، وإنما قال: يرد المكسر إلى مفرده، ولم يقل: يرد الجمع إلى مفرده لأن جمع التصحيح لا يرد إلى مفرده وإنما تحذف منه علامة الجمع، ويظهر أثر ذلك في نحو: "تمرات وتمار" فإن نسبت إلى "تمرات" قلت، "تمري" بفتح الميم، وإن نسبت إلى "تمار" قلت: "تمري" بالسكون.
__________
1 التسهيل ص265.
2 الصحاح "فرهد".
3 شرح المفصل 6/ 9.
4 الكتاب 3/ 38، 78.(2/610)
فصل:
"وقد يستغنى عن ياءي النسب بصوغ المنسوب إليه على: فعال" بفتح أوله وتشديد ثانيه، "وذلك غالب في الحِرَف"1 جمع حرفة، "كـ: بزاز" بزايين معجمتين لبياع البز، "ونجار" بالنون والجيم لمن حرفته النجارة، "وعواج" لبياع العاج "وعطار" لبياع العطر، ومن غير الغالب ما أشار إليه بقوله: "وشذ قوله" وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل].
923- وليس بذي رمح فيطعنني به وليس بذي سيف وليس بنبال
"أي: بذي نبل"، بدليل ما قبله، فاستعمال "فعال" في غير الحرف بمعنى ذي كذا، "وحمل عليه قوم من المحققين"2، كما قال ابن مالك: "{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}" [فصلت: 46] أي: بذي ظلم3.
والذي حملهم على ذلك أن النفي منصب على المبالغة، فيثبت أصل الفعل، والله تعالى منزه عن ذلك.
__________
1 شرح ابن الناظم ص571، وشرح ابن عقيل 2/ 506، وشرح المرادي 5/ 151، وشرح الكافية الشافية 4/ 1962.
923- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص33، وشرح ابن الناظم ص571، وشرح أبيات سيبويه 3/ 221، وشرح شواهد المغني 1/ 341، وشرح المرادي 5/ 152، وشرح المفصل 6/ 14، والكتاب 2/ 383، ولسان العرب 11/ 642 "نبل"، والمقاصد النحوية 4/ 540، وتاج العروس "نبل"، وبلا نسبة في أساس البلاغة "نبل" وأوضح المسالك 4/ 399، وشرح الأشموني 3/ 745، وشرح الكافية الشافية 4/ 1962، ومغني اللبيب 1/ 111، والمقتضب 3/ 162.
2 شرح ابن الناظم ص571، وشرح ابن عقيل 2/ 506، وشرح الكافية الشافية 4/ 1963، وشرح الأشموني 3/ 745.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1963.(2/611)
وأمثلة "فعال" كثيرة، ومع كثرتها فقال سيبويه1، غير مقيسة، فلا يقال لصاحب الدقيق. "دقاق"، ولا لصاحب الفاكهة "فكاه"، ولا لصاحب البر، بالراء المهملة: "برار" ولا لصاحب الشعير: "شعار" انتهى2.
والمبرد يقيس هذا3.
"أو" بصوغ المنسوب إليه "على: فاعل، أو على: فَعِل"4 بفتح أوله، وكسر ثانيه "بمعنى ذي كذا.
فالأول، كـ: تامر"، أي: ذي تمر، "ولابن"، أي: ذي لبن، "وطاعم"، أي ذي طعام، "وكاسي"، أي ذي كساء.
"والثاني، كـ: طَعِم"، أي: ذي طعام "ولَبِن"، أي: ذي لبن، "ونَهِر"، أي: ذي نهار، "قال" الراجز: [من الرجز]
924- لست بليلي ولكني نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر
أنشده سيبويه في كتابه5، اي: ولكني نهار، أي: عامل بالنهار.
__________
1 الكتاب 3/ 381، وانظر شرح المفصل 6/ 15.
2 في شرح المفصل 6/ 15: "وقد قيل دقاق، ومثل ذلك الكسائي نسب على قياس النسب، والفراء على قياس البزاز والعطار".
3 المقتضب 3/ 161.
4 شرح ابن الناظم ص571، وشرح ابن عقيل 2/ 506، وشرح الكافية الشافية 4/ 1962-1963، وشرح المفصل 6/ 15.
924- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 341، وشرح ابن الناظم ص572، وشرح الأشموني 3/ 745، وشرح ابن عقيل 2/ 506، وشرح عمدة الحافظ ص900، وشرح الكافية الشافية 4/ 1963، وشرح المرادي 5/ 154، والكتاب 3/ 384، ولسان العرب 5/ 238 "نهر" 11/ 608، "ليل" والمقاصد النحوية 4/ 541، والمقرب 2/ 55، ونوادر أبي زيد ص249، وأساس البلاغة "خني" و"نهر"، وتهذيب اللغة 15/ 443، وكتاب العين 4/ 44.
5 الكتاب 3/ 384.(2/612)
فصل:
وما خرج" في النسب "عما قررناه في هذا الباب فشاذ"1، وذلك تسعة أقسام:
أحدها: بالتحريف فقط، "كقولهم: أموي؛ بالفتح" في الهمزة؛ نسبة إلى "أمية" بضم الهمزة، "وبصري؛ بالكسر" في الباء؛ نسبة إلى "البصرة" بفتح الباء، "ودهري للشيخ الكبير، بالضم" في الدال نسبة إلى "الدهر" بفتح الدال.
"و" الثاني: بالزيادة فقط، كقولهم: "مروزي، بزيادة الزاي" نسبة إلى "مرو"، "ورباني، وفوقاني، وسفلاني، وتحتاني"، نسبة إلى: "الرب، وفوق وأسفل، وتحت" قاله طاهر بن أحمد القزويني.
"و" الثالث: بالنقص فقط، كقولهم: "بدوي، بحذف الألف" نسبة إلى: "البادية" و"خراسي" بحذف الألف والنون نسبة إلى "خراسان"، و"جلولي" بحذف الألف نسبة إلى: "جلولاء" بالجيم والمد قرية بناحية فارس، "وحروري، بحذف الألف والهمزة" نسبة إلى "حروراء" بمهملات والمد، قرية بظاهر الكوفة ينسب إليها الخوارج الحرورية.
والرابع: بالحذف، والتحريف نحو: "عالية وعلوي، وشتاء، وشتوي، وخريف وخرفي" بفتح فسكون، "وخرفي"، بفتحتين.
والخامس: بالزيادة والتحريف نحو: "أنف، وأنافي".
والسادس: بالزيادة، والحذف نحو: "رازيّ" نسبة إلى "الري".
والسابق: بالقلب فقط نحو: "طائي، وصنعاني، وبهراني، وروحاني" نسبة إلى "طيئ، وصنعاء، وبهراء، وروحاء".
__________
1 شرح الكافية الشافية 4/ 1964، وشرح ابن الناظم ص572، وشرح ابن عقيل 2/ 507، والكتاب 3/ 335-337.(2/613)
والثامن: بالقلب والتحريف نحو: "ثوب حاري" نسبة إلى "الحيرة" بالحاء المهملة، فأما الإنسان فـ"حيري".
والتاسع: بتوفير ما يستحق التغيير نحو: "أميي" نسبة إلى أمية، و"بحراني" بالحاء المهملة نسبة إلى البحرين: اسم موضع.
ولذلك أسباب اقتصر الموضح منها على أربعة:
أحدها: الاستغناء بشيء عن شيء، ومثل له بمثالين: أموي، وبصري"، فالأول كأنه منسوب إلى المكبر، وهو "أمية"، والثاني كأنه منسوب إلى "البصرة"، وهي حجارة بيض توجد في البصرة.
وثانيها: التفرقة بين نسبتين إلى لفظ واحد قصدًا إلى إزالة اللبس. ومثل له بمثالين: "دهري، ومرزوي" فالأول للفرق بينه وبين "الدهر" بفتح الدال، وهو القائل بالدهر من الملحدة، والثاني للفرق بينه وبين المنسوب إلى "المروة".
وثالثها: العدول من الثقل إلى الخفة، ومثله بمثال واحد هو: "بدوي".
ورابعها: تشبيه الشيء بالشي، ومثله بمثالين: جلولي، وحروري" فحذفوا الهمزة تشبيها للممدود بالمقصور.(2/614)
باب الوقف:
وهو قطع المنطق عند آخر الكلمة، والمراد هنا الاختياري بالياء المثناة التحتانية، لا الاختياري بالموحدة، ولا الإنكاري، ولا التذكيري، ولا الترنمي، ويقابله الابتداء والابتداء عمل، فيكون الوقف استراحة عن ذلك العمل، ويتفرع عن قصد الاستراحة في الوقف ثلاثة مقاصد، فيكون لتمام الغرض من الكلام، ولتمام النظم في الشعر، ولتمام السجع في النثر، وهو أحد عشر نوعًا:
الأول: الإسكان المجرد.
الثاني: الروم.
الثالث: الإشمام.
الرابع: إبدال الألف.
الخامس: إبدال تاء التأنيث هاء.
السادس: زيادة الألف.
السابع: إلحاق هاء السكت.
الثامن: إثبات الواو والياء أو حذفهما.
التاسع: إبدال الهمزة.
العاشر: التضعيف.
الحادي عشر: نقل الحركة.
والمذكور هنا سبعة جمعها بعضهم في بيت فقال: [من البسيط]
نقل وحذف وإسكان ويتبعها الـ ـتضعيف والروم والإشمام والبدل(2/615)
أما إلحاق هاء السكت فلبيان الحركة، ثم الموقوف عليه تارة يكون منونًا وتارة يكون غير منون.
فأما "إذا وقفت على منون" غير مؤنث بالتاء فللعرب فيه ثلاث لغات:
حذف التنوين مطلقًا، والوقف بالسكون مطلقًا، وهو لغة ربيعة.
وإبدال التنوين مطلقًا ألفًا بعد الفتحة، وواوًا بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، وهي لغة الأزد.
والتفصيل بين المفتوح وغيره "فأرجح اللغات" الثلاث "وأكثرها أن يحذف تنوينه بعد الضمة والكسرة"، ويسكن ما قبل التنوين "كـ: هذا زيد، و: مررت بزيد" بسكون الدال في المثالين، "وأن تبدل ألفًا بعد الفتحة إعرابية كانت" الفتحة "كـ: رأيت زيًدا. أو بنائية كـ: إيها" بكسر الهمزة وسكون الياء التحتانية بمعنى: "انكفف"1، "و: ويها" بفتح الواو [وسكون الياء]2 بمعنى "أعجب"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
881- تنوينا اثر فتح اجعل ألفا وقفا وتلو غير فتح احذفا3
وإنما أبدل التنوين بعد الفتحة ألفًا لأن التنوين يشبه4 الألف من حيث كان5 اللين في الألف يقاربه الغنة في التنوين، فأبدلوه ألفًا لما بينهما من المقاربة. ولم يبدل بعد الضمة واوًا وبعد الكسرة ياء لمكان [ثقل الواو والياء في نفسهما، وإذا اجتمعت الضمة مع الواو، والكسرة مع الياء زاد الثقل، ولم يكن في الفتحة مع الألف ثقل فتركوها]6 على حالها.
وأما المؤنث بالتاء فإن تنوينه يحذف مع الضمة، كما يحذف مع غيرها، وتبدل التاء هاء، ومن وقف بالتاء فإنه يبدل من التنوين ألفًا بعد الفتحة ويقول: "قائمتا" على إحدى اللغتين. وإذا وقف على المقصور المنون وجب إثبات الألف في الأحوال الثلاثة، وفيه ثلاثة أقوال:
__________
1 في شرح شذور الذهب ص116: "ولا تقل بمعنى اكفف، كما يقول كثير منهم".
2 إضافة من "ب".
3 ما بين المعكوفين سقط من "ب".
4 في "ط": "شبيه".
5 في "ط": "أن".
6 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/616)
أحدها: اعتباره بالصحيح. فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، فإذا قلت: "هذا فتى، و: مررت بفتى"، ووقفت عليه، فالألف هي الأصلية نظير الدال من "زيد، وإذا قلت: "رأيت فتى" فالألف هي المبدلة من التنوين نظير الألف في "رأيت زيدًا" وحذفت الألف الأصلية لاجتماع الساكنين، هذا مذهب سيبويه1 فيما نقل أكثرهم، قيل: ومعظم النحويين عليه.
القول الثاني: أن الألف بدل من التنوين في الأحوال الثلاثة، واستصحب حذف الألف المنقلبة وصلا ووقفًا، هذا مذهب أبي الحسن، والفراء، والمازني2.
والقول الثالث: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة، وأن التنوين حذف، فلما حذف عادت الألف، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي وابن كيسان والسيرافي3، ونقله ابن الباذش عن سيبويه، والخليل4، وفي الألف الموقوف عليها لغات5:
أشهرها أن تقر على صورتها.
الثانية: قلبها ياء، لأن الياء أبين من الألف، وهي لغة فزارة، وبعض قيس.
والثالثة: قلبها واوًا، لأن الواو أبين من الياء، وهي لغة بعض طيئ؟
والرابعة: قلبها همزة، لأن الهمزة أخت الألف، وهي أبين الحروف كلها، وهي لغة بعض طيئ أيضًا، وليس من لغتهم التخفيف، ويحتمل القلب فيهن أن تكون من الألف الأصلية، وأن تكون من المبدلة من التنوين على الخلاف السابق.
"وشبهوا "إذن" بالمنون المنصوب، فأبدلوا نونها في الوقف ألفًا، هذا قول الجمهور"6، وإلى [ذلك أشار الناظم بقوله:
883- وأشبهت إذن منونا نصب فألفا في الوقف نونها قلب7
"وزعم بعضهم أن الوقف عليها بالنون8، واختاره ابن عصفور" في شرح
__________
1 الكتاب 4/ 181.
2 انظر الارتشاف 1/ 393، وشرح المرادي 5/ 156.
3 انظر شرح الكافية الشافية 4/ 1982-1983.
4 الكتاب 4/ 181.
5 الارتشاف 1/ 393، وشرح الكافية الشافية 4/ 1984.
6 الارتشاف 1/ 393، وشرح المرادي 5/ 159.
7 ما بين المعكوفين سقط من "ب".
8 شرح المرادي 5/ 159.(2/617)
الجمل1، وبنى على ذلك أنها تكتب بالنون2. قال الموضح، وليس كما ذكر2، "وإجماع القراء السبعة على خلافه"، فإنهم أجمعوا على الوقف على نحو: {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا} [الكهف: 20] بالألف2. لكن في حواشي مبرمان على الكتاب قال3: علّ الناس يقفون على "إذن" بالألف، والمازني يخالفهم، ويقول: هي حرف بمنزلة "لن" وهي بـ"لن" أشبه منها بالأسماء. قال3. وهذا قول حسن، وهو قول المبرد في الكفاية، وهذه حجته3. وذهب أبو سعيد علي بن مسعود في المستوفى إلى أن أصل "إذن": "إذا" لما يستقبل، ثم ألحق النون عوضًا عن المضاف إليه كما في: "يومئذ"، وعلى هذا يصح وجه الوقف عليها بالألف.
"وإذا وقف على هاء الضمير" الموصول بحرف ساكن من جنس حركتها، "فإن كانت الهاء مفتوحة تثبت صلتها. وهي الألف" لخفتها "كـ: رأيتها، و: مررت بها" بإثبات الألف بعد الهاء، "وإن كانت" الهاء "مضمومة أو مكسورة"، وكان ما قبلها متحركًا "حذفت صلتها؛ وهي الواو" في المضمومة، "والياء" في المكسورة، "كـ: رأيته بحذف الواو بعد الهاء. "و: مررت به" بحذف الياء بعد الهاء لاستثقال الواو والياء.
وهل هما من نفس الضمير كما في "هو، وهي" أو زائدتان للإشباع.
رجح ابن الصايغ الأول4، والزجاج الثاني4, واختلف النقل عن سيبويه5، فالزجاج نسب إليه الأول4، والمازني نسب إليه الثاني.
فإن قلنا بالأول فلا بد من إخراج "هو" و"هي" من حكم الحذف، فلا يجوز حذف الواو من "هو"، ولا الياء من "هي" لتعاصيهما بالحركة عن الحذف، بل يقال في الوقف: "هُوْ، وهِيْ" بالسكون، فلذلك قيدنا الكلام بقولنا: ساكن، وإن قلنا بالثاني فلا يحتاج إلى ذلك، واحترزنا بقولنا، وكان ما قبلها متحركًا من أن يكون قبل الهاء ساكن ثابت أو محذوف للجزم، أو للوقف، فإنه يجوز حذف صلتها في الاختيار، وإثباتها فيقول: "منه، ومنهو, وعليه، وعليهي، ولم يدعه, ولم يدعهو، ولم يرمه، ولم يرمهي، وادعه، وادعهو، وارمه، وارمهي". قاله الشاطبي.
__________
1 شرح الجمل 2/ 170، وكذا في شرح قطر الندى ص327.
2 شرح قطر الندى ص327.
3 الارتشاف 1/ 392.
4 شرح الشافية للرضي 2/ 308.
5 الكتاب 4/ 189.(2/618)
وفي غير ذلك لا يجوز إثبات صلة الضمير إذا كانت واوًا أو ياء، "إلا في الضرورة، فيجوز ثبوتها كقوله"، وهو رؤبة: [من الرجز].
925- ومهمه مغبرة أرجاؤه كأن لون أرضه سماؤه
بإثبات الواو فيهما لفظًا لا خطا، لأن صلة الضمير المرفوع والمجرور لا صورة لها في الخط كالتنوين، قاله الموضح في الحواشي.
والمهمه: المفازة، والأرجاء: النواحي، والتشبيه فيه مقلوب، والأصل: كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه، فحذف المضاف، وعكس التشبيه مبالغة، "وقوله": [من الطويل]
926- تجاوزت هندا رغبة عن قتاله إلى ملك أعشو إلى ضوء ناره
بإثبات الياء فيهما لفظًا لا خطا كما تقدم، والضمير لـ"هند" وهو علم رجل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
882- واحذف لوقف في سوى اضطرار صلة غير الفتح في الإضمار
وذكر في التسهيل1 أنه قد يحذف ألف ضمير الغائبة منقولا فتحة إلى ما قبلها اختيارًا كقوله: [من الوافر]
927- .................................. ..... لست في لخم إخافه
أراد: إخافها، فنقل حركة الهاء إلى الفاء بعد سلب حركتها، وحذف الألف، واستشكل قوله: اختيارًا، فإنه يقتضي جواز القياس عليه، وهو قليل.
__________
925- الرجز لرؤبة في ديوانه ص3، والأشباه والنظائر 2/ 296، وخزانة الأدب 6/ 458، وشرح شواهد المغني 2/ 971، ولسان العرب 15/ 98 "عمي"، ومعاهد التنصيص 1/ 178، ومغني اللبيب 2/ 695، والمقاصد النحوية 4/ 557، وتاج العروس 9/ 89، "كبد", "عمى"، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 216، والإنصاف 1/ 377، وأوضح المسالك 4/ 342، وجواهر الأدب ص164، وسر صناعة الإعراب 2/ 636، 637، وشرح شذور الذهب ص320، وشرح المفصل 2/ 118، والصحابي في فقه اللغة ص202.
926- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 343، وشرح المفصل 5/ 93، والمقاصد النحوية 4/ 558.
1 التسهيل ص328.
927- تمام البيت:
فإني قد رأيت بدار قومي نوائب لست في لخم إخافه
وهو بلا نسبة في الإنصاف 2/ 568، وشرح الكافية الشافية 4/ 1991، والارتشاف 3/ 297، 313.(2/619)
"وإذا وقف على المنقوص وجب إثبات يائه في ثلاثة مسائل:
أحدها: أن يكون" المنقوص "محذوف الفاء، كما إذا سميت بمضارع: وفى" بالفاء، أو القاف، "أو" بمضارع "وعى" بالعين المهملة. "فإنك تقول" في الرفع: "هذا يفي، وهذا يعي"، وفي الجر: مررت بيفي، وبيعي "بالإثبات" للياء فيهما رفعًا وجرا، "لأن أصليهما "يوفي، ويوعي" فحذفت فاؤهما" لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، "فلو حذفت لامهما" في الوقف "لكان إجحافًا" بهما، إذ لم يبق من أصولهما غير حرف واحد ساكن.
المسألة "الثانية: أن يكون" المنقوص "محذوف العين نحو: مر" حال كونه "اسم فاعل من: أرى، وأصله: مرئي" بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه "بوزن "مرعي" فنقلت" الكسرة، وهي "حركة عينه، وعينه هي الهمزة إلى الراء" قبلها، وهي ساكن صحيح، "ثم أسقطت" الهمزة للتخفيف، ثم أعل إعلال "قاض"، "ولم يجر حذف الياء"، وهي لامه "في الوقف لما ذكرنا" من الإجحاف به من حذف عينه. ولامه، وإبقائه على أصل واحد ساكن، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
885- .......................... وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفي
المسألة "الثالثة: أن يكون" المنقوص "منصوبًا منونًا1 كان، نحو: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا} [آل عمران: 193]، أو غير منون1 نحو: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}" [القيامة: 26] فيجب إثبات الياء فيهما وقفًا، لأنها تحصنت في الأول بألف التنوين، وفي الثاني بـ"أل"، "فإن كان" المنقوص "مرفوعًا أو مجرورًا جاز إثبات يائه" في الوقف، لأنها كانت ثابتة في الوصل، ولم يحدث ما يوجب حذفها، "و" جاز "حذفها" فرقًا بين الوصل والوقف، "ولكن الأرجح" من الوجهين مختلف2.
فالأرجح "في المنون الحذف" عند سيبويه "نحو: هذا قاض، و: مررت بقاض", ويجوز: "هذا قاضي، و: مررت بقاضي", بإثبات الياء، ورجحه يونس "و" بذلك "قرأ ابن كثير: "ولكل قوم هادي""3 [الرعد: 7]، و: "وَمَا عِنْدَ اللهِ
__________
1 شرح الكافية الشافية 4/ 1985، وشرح ابن الناظم ص574.
2 في "ب": "مختلفين.
3 الرسم المصحفي: {هَادٍ} والقراءة المستشهد بها قرأها أيضًا قنبل ويعقوب. انظر الإتحاف ص270، والنشر 2/ 137، وشرح ابن الناظم ص574، وشرح قطر الندى ص326.(2/620)
بَاقِي"1 [النحل: 96]، "و: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}"2 [الرعد: 11] بإثبات الياء فيهن.
"والأرجح في غير المنون"، وهو المقرون بـ"أل" "الإثبات" للياء "كـ: هذا القاضي، ومررت بالقاضي". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
884- وحذف يا المنقوص ذي التنوين ما لم ينصب اولى من ثبوت فاعلما
885- وغير ذي التنوين بالعكس... ...................................
ويجوز الوقف عليهما بالحذف كـ: هذا القاض، ومررت بالقاض، وبذلك وقف الجمهور3 على: "المتعال"، و"التلاق" من قوله تعالى، وهو: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر: 15]، ووقف ابن كثير بالياء على الوجه الأرجح4، وحجة من أثبت الياء في المنون حالة الوقف أن الياء إنما جاز حذفها لأجل التنوين، ولا تنوين في الوقف، فوجب أن تعود, وحجة من حذفها في غير المنون في الوقف أنه قدر الوقف على المنكر بحذف الياء والتنوين ثم أدخل عليه الألف واللام بعد حذفها، وحجة الأول أقوى.
واعلم أن المنقوص غير المنون أربعة أنواع:
أحدها: ما سقط تنوينه بدخول "أل" وقد تقدم.
والثاني: ما سقط تنوينه للنداء نحو "يا قاضي"، فالخليل يختار فيه الإثبات، لأن الحذف مجاز5، ولم يكثر، ويونس يختار الحذف لأن النداء محل حذف5.
والثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف نحو: "رأيت جواري" نصبًا، فيوقف عليه بإثبات الياء كما تقدم في المنصوب.
والرابع: ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكة، فيجوز فيه الوجهان الجائزان
__________
1 الرسم المصحفي: {بَاقٍ}، والقراءة المستشهد بها قرأها أيضًا قنبل ويعقوب، انظر الإتحاف ص280، والنشر 2/ 137، وشرح ابن الناظم ص574، وشرح قطر الندى ص326.
2 الرسم المصحفي: {وَالٍ}. والقراءة المستشهد بها قرأها أيضًا قنبل ويعقوب. انظر الإتحاف ص270، والنشر 2/ 137، وشرح ابن الناظم ص574، وشرح قطر الندى ص326.
3 كما في الرسم المصحفي.
4 وكذلك قرأ أبو عمرو ويعقوب في "المتعال". انظر الإتحاف ص270، والنشر 2/ 298، وشرح قطر الندى ص326، وكذلك قرأ قالون ويعقوب في "التلاق"، انظر الإتحاف ص378، والنشر 2/ 366، وشرح قطر الندى ص326.
5 الكتاب 4/ 184.(2/621)
في المنون، [قالوا، لأنه لما زالت الإضافة بالوقف عليه عاد إليها ما ذهب بسببها، وهو التنوين, فجاز فيه ما جاز في المنون]1. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
885- وحذف يا المنقوص ذي التنوين ما ...........................................
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/622)
فصل:
"ولك في الوقف على المحرك الذي ليس هاء التأنيث خمسة أوجه:
أحدها أن تقف بالسكون" المجرد عن الروم والإشمام، سواء في ذلك المنون وغيره، والمعرب والمبني، هذا هو الأكثر والأغلب. "وهو الأصل", لأن سلب الحركة أبلغ في تحصيل غرض الاستراحة. قال أبو حيان1، وعلامته خاء فوق الحرف، هكذا جعلها سيبويه2 خ، والمراد خف أو خفيف، وناقشه الموضح فقال: إنما هي رأس جيم أو رأس ميم، وكلاهما مختصر من اجزم. انتهى.
والظاهر أنها رأس حاء مهملة مختصرة من استرح لما مر من أن الوقف استراحة.
وجعلها بعض الكتاب دائرة، لأن الدائرة صفر، وهو الذي لا شيء فيه من العدد، وجعلها بعضهم دالا، وكأنهم لما رأوها بغير تعريف ظنوها دالا.
"ويتعين ذلك" السكون "في الوقف على تاء التأنيث" إذ لا يتأتى فيها الأوجه الباقية.
"و" الوجه "الثاني: أن تقف بالروم، وهو إخفاء الصوت بالحركة"، فلا تتمها، بل تختلسها اختلاسًا تنبيها على حركة الأصل، قاله الجاربردي3. "و" لا يختص بحركة بعينها، بل "يجوز في الحركات كلها"، ويحتاج في الفتحة إلى رياضة لخفة الفتحة، وتناول اللسان لها بسرعة "خلافًا للفراء في منعه إياه4" أي الروم "في الفتحة. وأكثر القراء" السبعة "على اختيار قوله"، ووافقهم أبو حاتم على المنع5، لأنه يشبه الثوباء فيفضي إلى تشويه صورة الفم، وعلامة الروم خط بين يدي الحرف، وهذه صورته: "ـ".
__________
1 الارتشاف 1/ 379.
2 الكتاب 4/ 169.
3 شرح الشافية 2/ 260.
4 شرح ابن الناظم ص575، والارتشاف 1/ 397، والكتاب 4/ 171.
5 الارتشاف 1/ 397.(2/623)
الوجه "الثالث: أن تقف بالإشمام، ويختص بالمضموم"، ولا يكون في المفتوح والمكسور، لأن في الإشارة إلى الفتحة والكسرة تشويهًا لهيئة الفم، وروي الإشمام عن بعض القراء في الجر. وحمل ذلك على الروم على اصطلاح بعض الكوفيين الآتي.
"و" الإشمام "حقيقته الإشارة بالشفتين إلى الحركة بعيد الإسكان من غير تصويت" يسمع، والمراد أن تضم شفتيك بعد الإسكان، وتدع بينهما بعض الانفراج، ليخرج منه النفس فيراهما المخاطب مضمومتين, فيعلم أنك أردت بضمهما الحركة، فهو شيء يختص بإدراك العين دون الأذن، لأنه ليس بصوت يسمع, بل هو تحريك عضو،
وبعض الكوفيين يسمي الروم إشمامًا، والتحقيق خلافه، فإن الروم مع حركة الشفة تصويت يكاد الحرف يكون به متحركًا فيدركه الأعمى والبصير، بخلاف الإشمام "فإنما يدركه البصير دون الأعمى"، وعلامة الإشمام نقطة بين يدي الحرف وهذه صورته ".".
واستثقاله من الشم كأنك أشممت الحرف رائحة الحركة، بأن هيأت العضو للنطق بها، والغرض منه الفرق بين ما هو متحرك في الوصل، وأسكن في الوقف، وبين ما هو ساكن على كل حال.
"و" الوجه "الرابع : أن تقف بتضعيف الحركة الموقوف عليه" في اسم أو فعل "نحو: هذا خالد، وهو يجعل" بتشديد الدال من "خالد" واللام من "يجعل".
وعلامته رأس شين فوق الحرف، وهذه صورته "شـ"، وهو قليل لمجيء التضعيف في محل التخفيف، ولهذا لم يؤثر عن أحد من القراء إلا عن عاصم في "مستطر" في سورة القمر، "وهو لغة سعدية.
وشرطه خمسة أمور" بل ستة، "وهي": أن يكون الحرف الموقوف عليه متحركًا، لأن التضعيف كالعوض من الحركة, قاله الجاربردي1.
و"أن لا يكون" "الحرف الموقوف عليه همزة كـ: خطأ، ورشأ"، لأن الهمزة لا تدغم، ولا يدغم فيها في موضع اللام.
"ولا ياء، كـ: القاضي".
"ولا واوًا، كـ: يدعو".
ولا ألفًا، كـ: يخشى". لاستثقال حرف العلة.
"ولا تاليا لسكون, كـ: زيد، وعمرو" لئلا يجتمع ثلاثة سواكن: الذي قبل
__________
1 شرح الشافية 2/ 287.(2/624)
الآخر، والمدغم، والموقوف عليه، قيل: وألا يكون منصوبًا، وشذ: [من الرجز]
928- لقد خشيت أن أرى جدبا
بالجيم الموحدة، ورد بأن الموقوف عليه الألف لا الحرف الذي كان محركًا وصلا.
الوجه "الخامس: أن تقف بنقل حركة الحرف إلى ما قبله، كقراءة بعضهم"، وهو أبو عمرو: "وَتَوَاصَوْا بِالصَّبِرْ" [العصر: 3] بنقل الكسرة إلى الباء1، "وقوله": [من الرجز].
929- أنا ابن ماوية إذ جد النقر وجاءت الخيل أثافي وزمر
بنقل ضمة الراء إلى القاف قبلها.
"والنقر" بسكون القاف صوت مخرجه من طرف اللسان، وما يليه من الحنك الأعلى, يسكن به الفرس إذا اضطرت بفارسه2.
واختلف في قائل هذا البيت:
فقال الصاغاني: قائله فدكي بن أعبد المنقري.
وقال ابن السيد: أظنه لعبد الله بن ماوية الطائي، وجزم بذلك الجوهري.
وقال سيبويه: هو لبعض السعديين، وماوية اسم أمه3.
__________
928- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه 169, وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 318، 320، ولربيعة بن صبح في شرح شواهد الإيضاح ص264، ولأحدهما في المقاصد النحوية 4/ 549، وبلا نسبة في الارتشاف في 1/ 398، وأوضح المسالك 4/ 353، وخزانة الأدب 6/ 138، وشرح ابن الناظم ص577، وشرح الأشموني 3/ 761, وشرح ابن عقيل 2/ 519، وشرح المرادي 5/ 168، وشرح المفصل 3/ 94، 139، 9/ 86، 82، وكتاب الحلل ص325, والكتاب 4/ 170.
1 انظر القراءة في البحر المحيط 8/ 509.
929- الرجز لعبيد الله بن ماوية الطائي في لسان العرب 5/ 231 "نقر"، وله أو لبعض السعديين أو لفدكي بن عبد الله في الدرر 2/ 347، 563، وله أو لفدكي بن أعبد المنقري أو لبعض السعديين في المقاصد النحوية 4/ 559، ولبعض السعديين في شرح شواهد الإيضاح ص359، والكتاب 4/ 173، والتنبيه والإيضاح 2/ 217، وتاج العروس 14/ 278 "نقر"، وبلا نسبة في اللسان 4/ 89، "تجر"، 10/ 63، "حلق"، وأسرار العربية ص414، و الإنصاف 2/ 732، وأوضح المسالك 4/ 346، وتهذيب اللغة 4/ 202، وكتاب الجمل ص334، والمخصص 1/ 81, 12/ 261, ومغني اللبيب 2/ 434، وهمع الهوامع 2/ 107، 208 والكامل ص693.
2 في "ب": "واضطربت بفارسها".
3 الكتاب 4/ 173.(2/625)
وذكر الموضح أنه وجد حاشية بخط الشيخ بهاء الدين بن النحاس:
.................... إذ جد النفر ...................................
بالفاء المضمومة، يريد النفر، بإسكانها، والعامل في "إذ" ما في "ابن ماوية" من معنى شجاع, أو بطل، أو مقدام، أو مشهور، انتهى.
"و" نقل غير المهموز "شرطه خمسة أمور أيضًا"، بل ستة، "وهي":
"أن يكون ما قبل الآخر ساكنًا" ليقبل الحركة المنقولة، لأن المتحرك, لا يقبل حركة أخرى.
"وأن ذلك الساكن لا يتعذر تحريكه" فإن المتعذر تحريكه كالألف والحرف المدغم لا يقبل الحركة.
"و" أن يكون ذلك الساكن "لا يستثقل" تحريكه, فإن المستثقل تحريكه كالواو والياء لا تنقل الحركة إليه للاستثقال.
"وألا تكون الحركة" التي يراد نقلها "فتحة" على الأصح عند جمهور البصريين، لأن المفتوح إذا كان منونًا لزم من النقل فيه حذف ألف التنوين، وحمل عليه غير المنون، قاله المرادي1.
"وألا يؤدي النقل إلى بناء لا نظير له"، لأن ذلك لا يجوز, وأن يكون المنقول منه صحيحًا.
إذا علمت ذلك، "فلا يجوز النقل في نحو":
"هذا جعفر؛ لتحرك ما قبله". لأن المتحرك لا يقبل حركة أخرى. وعن هذا احترز بقوله: أن يكون ما قبل الآخر ساكنًا.
"ولا في نحو: إنسان، ويشد"، لأن ما قبل الآخر متعذر التحريك، وعن هذا احترز بقوله، وأن يكون ذلك الساكن لا يتعذر تحريكه.
"و" لا في نحو: "يقول، ويبيع"، لأن ما قبل الآخر مستثقل تحريكه، وعنه احترز بقوله: ولا يستثقل، "لأن الألف" في: إنسان، "والمدغم" في: يشد "لا يقبلان الحركة"، لأن الألف والمدغم واجبا السكون, إلا أن سكون الألف ذاتي، وسكون المدغم عرضي، "والواو المضموم ما قبلها" في: يقول "والياء المكسور ما قبلها" في: يبيع "تستثقل الحركة عليهما"، لأنهما ثقيلتان في أنفسهما, فلو نقلت2 إليهما حركة زاد ثقلهما.
__________
1 شرح المرادي 5/ 170.
2 في "ب": "نقل".(2/626)
"ولا" يجوز النقل "في نحو: "سمعت العلم" لأن الحركة فتحة"، لأنهم إنما نقلوا الضمة والكسرة لقوتهما. فكرهوا حذفهما. والفتحة خفيفة فاغتفروا حذفها، قاله الجاربردي1، وعنه احترز بقوله: وألا تكون الحركة فتحة. "وأجاز ذلك" النقل في الفتحة "الكوفيون والأخفش" طردًا للباب2.
"ولا" يجوز النقل "في نحو: هذا علم" بكسر العين، لأن النقل فيه يؤدي إلى بناء لا نظير له، "لأن ليس في العربية "فعل" بكسر أوله وضم ثانيه"، وعنه احترز بقوله: وألا يؤدي. إلى آخره.
ولا يجوز النقل في نحو: "غزو، وظبي" لأن المنقول منه غير صحيح.
"ويختص الشرطان الأخيران" في كلامه، وهما ألا تكون الحركة فتحة. وألا يؤدي النقل إلى بناء لا نظير له "بغير المهموز".
"فيجوز النقل في نحو: {لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} [النمل: 25]، فتقول: "الخبأ"، "وإن كانت الحركة فتحة" لأنك لو قلت: "الخبء" بالإسكان من غير نقل وجدت استثقالا واضحًا. ولو أبدل الجلالة بـ"الذي" لوافق التلاوة.
"و" يجوز النقل "في نحو: هذا ردء" فتقول: "ردء" بكسر الراء، وضم الدال. "وإن أدى النقل إلى صيغة: فعل"، بكسر أوله وضم ثانيه لثقل الهمزة، وإذا سكن ما قبل الهمزة كان النطق بها أصعب.
"ومن لم يثبت في أوزان الاسم "فُعِل"، بضمة" في أوله, "فكسرة" في ثانيه، "وزعم أن "الدُّئِل" منقول عن الفعل لم يجز في نحو: بِقُفْل" من قولك: "مررت بقُفْل"، "النقل"، لأنه بعد النقل يصير "بقُفِل"، بضم القاف وكسر الفاء، "ويجيزه في نحو: ببطء" من قولك: "مررت ببطء"، "لأنه مهموز" وعدم النظير في النقل من الهمزة مغتفر لثقل الهمزة، إلا عند بعض تميم، فيفرون منه إلى تحريك الساكن بحركة الفاء إتباعًا فيقولون: "هذا ردئ" بكسرتين، و"مررت ببطؤ" بضمتين.
وإذا نقلت حركة الهمزة فالحجازيون يحذفون الهمزة، ويقفون على حامل حركتها. كما يوقف عليه مستبدًا به، فيقولون: "هذا الخب" بالنقل، والحذف، فيسكنون الباء, أو يرومون، أو يشمون، أو يضعفون.
__________
1 شرح الشافية 2/ 289.
2 الإنصاف 2/ 731، وشرح المفصل 9/ 72.(2/627)
وغير الحجازيين إذا نقل لا يحذف الهمزة، لأنه إنما راعى دفع اجتماع الساكنين، والحرص على الإعراب من الزوال.
ثم منهم من يثبت الهمزة فيقول: "هذا البطء، ورأيت البطء, ومررت بالبطء" بسكون الهمزة في الأحوال كلها.
ومنهم من يبدلها بمجانس الحركة فيقول: "هذا البطو، ورأيت البطا ومررت بالبطي".
و"الخبء"، بالخاء المعجمة والباء الموحدة، ما خبئ في غيره. "والردء": المعين، و"البطء": ضد السرعة.
وأما الوقف بالنقل إلى متحرك فلغة لخم، وأنشد عليها الجوهري لبعض الرجاز: [من الرجز]
930- ما زال شيبان شديدًا رهصه حتى أتانا قرنه فوقصه
قال1: أراد: فوقصه، فلما وقف على الهاء نقل ضمتها إلى الصاد قبلها، فحركها، وفي النهاية تقول في "ضربَهُ: ضربُهْ" في الشعر، وقد استعملته2 العامة في النثر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
886- وغيرها التأنيث [من محرك سكنه أو قف رائم التحرك
887- أو اشم الضمة أو وقف مضعفا ما ليس همزًا أو عليلا إن قفا
888- محركًا وحركات انقلا لساكن تحريكه لن يحظلا
889- ونقل فتح من سوى المهموز لا يراه بصري وكوف نقلا
890- والنقل إن يعدم نظير ممتنع وذاك في المهموز ليس يمتنع
__________
930- الرجز لامرأة من عبد القيس أم سعد بن قرط في الدرر 2/ 500، وشرح شواهد المغني 1/ 186، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 312، والصحاح "وقص"، وتاج العروس 18/ 211 "هبص", 204 "وقص"، وديوان الأدب 3/ 252، ولسان العرب 7/ 103 "هبص"، 106 "وقص" وهمع الهوامع 2/ 156.
1 الصحاح "وقص".
2 في "ب": "استعمله".(2/628)
فصل:
"وإذا وقف على تاء التأنيث التزمت التاء"، وسلمت من القلب هاء:
"إن كانت متصلة بحرف كـ: ثمت"، وربت، ولعلت. وأما "لات" فوقف عليها الكسائي وحده بالهاء على غير القياس. وقول أبي حيان1، "ربت، وثمت، ولعلت" فالقياس فيهن على "لات" سائغ, فيوقف عليهن، بالوجهين مردود, لأن الخارج عن القياس لا يقاس عليه.
"أو فعل كـ: قامت" و"قعدت" وإنما التزمت التاء في الحرف والفعل خوف اللبس بالضمير في قولك: "ربه"، و"ضربه"، وحمل ما لا لبس فيه على ما فيه لبس. وفي الخاطريات لابن جني: قال سيبويه2: لو سميت رجلا بـ"ضربت" ثم حقرته لقلت: "ضريبه" فوقفت عليه بالهاء لأنه قد انتقل من الفعل إلى الاسم.
"أو" متصلة "باسم وقبلها ساكن صحيح، كـ: أخت, و: بنت"، لأن التاء فيهما لما سكن ما قبلها صارت كأنها ليست للتأنيث وإنما جيء بها ليلحق بنات الاثنين ببنات الثلاثة، فهي للإلحاق بـ"قفل، وجذع".
"وجاز إبقاؤها" على صورتها "وإبدالها" هاء.
"إن كانت قبلها حركة"، ولا تكون إلا فتحة "نحو: ثمرة، وشجرة" فرقًا بينها وبين التاء الأصلية كـ"وقت، وبيت".
"أو" كان قبلها "ساكن معتل"، ولا يكون إلا ألفًا "نحو: صلاة"، وزكاة وذات. "ومسلمات"، وأولات، لأن الساكن المعتل كالمتحرك تقديرًا، لأنه في موضعه، ومنقلب عنه، ولأن الألف من الفتحة بمنزلة الحرف المتحرك، ولذلك يلتقي معها الساكنان نحو: "دواب" بخلاف ما إذا كان الساكن صحيحًا. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
891- في الوقف تا تأنيث الاسم ها جعل إن لم يكن بساكن صح وصل
__________
1 الارتشاف 1/ 404.
2 الكتاب 2/ 455.(2/629)
"لكن الأرجح في جمع التصحيح كـ: مسلمات"، وهندات، "وفيما أشبهه وهو اسم الجمع" الذي لا واحد له من لفظه، "وما سمي به من الجمع تحقيقًا، أو تقديرًا.
فالأول": وهو اسم الجمع نحو: "أولات" فإنه لا واحد له من لفظه، وإنما له واحد من معناه ، وهو "ذات".
"والثاني": وهو ما سمي به من الجمع تحقيقًا "كـ: عرفات، و: أذرعات" فإنهما جمع "عرفة، وأذرعة"، و"عرفة"، موقف الحاج، "وأذرعة" قرية من قرى الشام.
"والثالث": وهو ما سمي به من الجمع تقديرًا، "كـ: "هيهات" فإنهما في التقدير جمع: هيهية". وأصلها "هيهات"، حذفت لامها، وهي الياء، ووزنها "فعلات"، والأصل "فعللات"، "ثم سمي بها الفعل"، فصار معناه بعد، وقيل: "هيهات" مفرد، وأصله "هيهية" على وزن "فعللة" من المضاعف كـ: "القلقلة"، "الوقف"، خبر الأرجح. "بالتاء" متعلق بالوقف.
وإنما كان الأرجح الوقف بالتاء، لأنهم لما أرادوا أن يكون في جمع المؤنث السالم زيادتان لم يمكنهم أن يزيدوا الواو ولا الياء مع الألف، لأنهم لو زادوهما لانقلبتا همزة، فزادوا التاء معه، لأنها تصير بدلا من الواو كما في "تخمة" فصارت علامة التأنيث، وأغنت عن أن يقال في "مسلمة: مسلمتات"، فلما أفادت هذه التاء الجمع والتأنيث. وأغنت عن علامة التأنيث والملحقة بالواحد أثبتت في الوقف، ولم تبدل هاء، وعاملوا ما ألحق بالجمع معاملته، لأنهم لما أجروه مجراه في الإعراب أجروه مجراه في غيره.
"ومن الوقف بالإبدال" هاء، "قولهم: كيف الإخوة والأخواه، وقولهم: دفن البناه من المكرماه"1، حكاه قطرب عن طيئ2، بإبدال تاء الجمع هاء في الوقف تشبيهًا بتاء التأنيث الخالصة.
"وقرأ الكسائي والبزي: "هيهاه" [المؤمنون: 36] بإبدال التاء هاء3، والمنقول عن الكسائي أن من كسر التاء وقف عليها ومن نصبها وقف بالتاء والهاء.
وفي الجاربردي4 أن من قدر "هيهات" جمعًا وقف عليها بالتاء، ومن قدره مفردًا وقف عليها بالهاء.
__________
1 من الأمثال في مجمع الأمثال 1/ 134، وشرح ابن الناظم ص576.
2 الارتشاف 1/ 404.
3 انظر معاني القرآن للفراء 2/ 236، والنشر 2/ 131.
4 شرح الشافية 2/ 269.(2/630)
وفي الإيضاح لابن الحاجب: "هيهات" اسم للفعل، فلا يتحقق فيه إفراد وجمع، وإنما ذلك لشبهها بتاء التأنيث لفظًا دون إفراد وجمع.
"والأرجح في غيرهما"، أي غير جمع التصحيح وغير ما أشبهه "الوقف بالإبدال" هاء فرقًا بينها وبين التاء الأصلية نحو: وقت، وموت. هذا تعليل سيبويه1.
وقيل: "فرقًا بينها وبين تاء التأنيث اللاحقة للفعل نحو: "ضربت"، ولم يعكسوا لأنهم لو قالوا: "ضربه" في "ضربت" التبس بالضمير المفعول، قاله الجاربردي2 مقتصرًا عليه. "ومن الوقف بتركه"، أي بترك الإبدال هاء. "قراءة نافع وابن عامر وحمزة "إِنَّ شَجَرَت"" [الدخان: 43] بالتاء، "وقال" أبو النجم "الشاعر": [من الرجز].
931- والله أنجاك بكفي مسلمت من بعدما وبعدما وبعدمت
كانت نفوس القوم عند الغلصمت وكادت الحرة أن تدعى أمت
فلم تبدل التاء فيهن، والمراد بقوله: بعدمت بعدما، فأبدل بالتقدير من الألف هاء ثم أبدل الهاء تاء لتوافق بقية القوافي. هذا تعليل الجاربردي3.
وذكر ابن جني في الخاطريات أنه أبدل الألف هاء ثم تاء تشبيهًا لها بهاء التأنيث، فوقف عليها بالتاء. وذكر أنه عرض ذلك على شيخه أبي علي فقبله. و"الغلصمة": رأس الحلقوم، وهو الموضع الناتئ من الحلقوم، واختلف في "ذات" من نحو: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119]، فقال الأخفش والفراء وابن كيسان: يوقف عليها بالتاء لأنها مضافة فهي متوسطة أبدًا، وقال الكسائي والجرمي: يوقف عليها بالهاء لأنها تاء التأنيث، فتقول: "ذاه"، قاله الحوفي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
892- وقل ذا في جمع تصحيح وما ضاهى وغير ذين بالعكس انتمى
__________
1 الكتاب 4/ 166.
2 شرح الشافية 2/ 277.
3 انظر الدرر 2/ 513، وهمع الهوامع 2/ 157، وشرح الكافية الشافية 4/ 1996.
931- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص276, وتاج العروس "ما"، والدرر 2/ 315، ولسان العرب 15/ 472 "ما"، ومجالس ثعلب 1/ 326، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 113، وأوضح المسالك 4/ 348، وخزانة الأدب 4/ 177، 7/ 333، والخصائص 1/ 304، والدرر 2/ 566، ورصف المباني ص162، وسر صناعة الإعراب 1/ 160، 163، 2/ 563، والارتشاف 3/ 324، وشرح الأشموني 3/ 756، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 289/ وشرح قطر النمدى ص325، وشرح المفصل 5/ 89، 9/ 81، والمقاصد النحوية 4/ 559، وهمع الهوامع 2/ 157، 209.
4 شرح الشافية 2/ 269.(2/631)
فصل:
"ومن خصائص الوقف اجتلاب هاء السكت" للتوصل إلى بقاء الحركة في الوقف كما اجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى بقاء السكون في الابتداء.
وسميت هاء السكت لأنها يسكت عليها دون آخر الكلمة، "ولها ثلاثة مواضع:
أحدها: الفعل المعتل بحذف آخره، سواء كان الحذف للجزم نحو: لم يغزه، ولم يخشه، ولم يرمه"، بإلحاق هاء السكت فيهن جوازًا، "ومنه" أي من الحذف للجزم: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259]، على القول بأنه من "السنة" واحدة السنين، وأن لامها واو محذوفة، والأصل: يتسنوا، قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وحذف الألف للجازم، ثم لحقته هاء السكت في الوقف، وهذا اختيار المبرد1.
وأما إذا قلنا إن لام "سنة" هاء على رأي الحجازيين فالهاء في "يتسنه" أصلية، لأنها لام الفعل, وهو مجزوم بالسكون.
وأما على القول: بأناه من "الحمأ المسنون"، فأصله. لم يتسنن2، بثلاث نونات، أبدلت النون الثالثة، ألفًا كراهة اجتماع الأمثال، كما قالوا في مثله: "تظنى"، والأصل: تظنن، وفي نظيره:
932- تقضي البازي .............
__________
1 الكامل ص967، وانظر البحر المحيط 2/ 292.
2 وهي قراءة ابن مسعود. انظر الرازي 2/ 330.
932- تمام الرجز:
تقضي البازي إذا البازي كسر
وهو للعجاج في ديوانه 1/ 43، والاقتضاب ص193، 665 "وأدب الكتاب ص487، وشرح الجواليقي ص331، ولسان العرب 4/ 479 "ضبر"، 518 "ظفر"، والأشباه والنظائر 1/ 48، وإصلاح المنطق ص302، والدرر 2/ 511، وشرح المفصل 10/ 25، والممتع في التصريف 1/ 374، وتاج العروس 12/ 476، "ظفر"، 14/ 23 "كسر"، 19/ 25، "قضض"، 20/ 361 "بوع"، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 90، وشرح الأشموني 3/ 879، والمقرب 2/ 171، وهمع الهوامع 2/ 157، ومقاييس 4/ 21، وتاج العروس 2/ 343، "خرب"، وعمدة الحافظ "دسس"، "مطو".(2/632)
والأصل: تقضض، فالهاء على هذا للسكت, والفاعل في الجميع ضمير مفرد مستتر عائد على الطعام، والشراب، لأنهما كالجنس الواحد.
ومعنى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259] لم يتغير بمرور الزمان، قيل: كان طعامه تينًا أو عنبًا، وشرابه عصيرًا أو لبنًا، وكان الكل على حاله.
"أو" كان الحذف "لأجل البناء" كما في فعل الأمر على قول البصريين: "نحو اغزه، واخشه، وارمه، ومنه"، أي من الحذف للبناء: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] وهو أمر من "يقتدي"، والهاء فيه للسكت ساكنة, ومن كسرها فهي ضمير المصدر، وأشبعها ابن عامر برواية ابن ذكوان1، وبغير إشباع برواية هشام1.
"والهاء" التي للسكت "في ذلك كله جائزة لا واجبة"، تقول في الوقف، "لم يغز، ولم يخش، ولم يرم، واغز، واخش، وارم"، بغير هاء سكت، وهي لغة لبعض العرب، قال سيبويه2: حدثنا بذلك عيسى بن عمرو ويونس، والأجود الوقف بالهاء، لأن هذه الأفعال حذفت لاماتها، وبقيت حركات ما قبلها دالة عليها، فلو لم تلحق الهاء لذهبت الحركات بسبب الوقف، فيذهب الدليل والمدلول عليه.
ولا تجب الهاء "إلا في مسألة واحدة، وهي أن تكون الفعل قد" دخله الحذف، و"بقي على حرف واحد" في اللفظ" كالأمر من "وعى يعي" فإنك تقول" فيه: "عه", بحذف فائه ولامه كمضارعه المجزوم، واحتلاب هاء السكت وجوبًا لئلا يلزم الابتداء بالساكن، أو الوقف على المتحرك، "قال الناظم" في النظم وغيره تبعًا له، "وكذا" تجب هاء السكت في الفعل "إذا بقي" بعد الحذف "على حرفين، أحدهما زائد، نحو: لم يعه3. انتهى" كلام الناظم.
"وهذا" الذي قاله الناظم "مردود بإجماع المسلمين على وجوب الوقف" إذا أرادوا أن يقفوا "على نحو: {وَلَمْ أَكُ} [مريم: 20]، و: {مَنْ تَقِ} [غافر: 9] بترك
__________
1 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص213، والبحر المحيط 4/ 176.
2 الكتاب 4/ 159.
3 بقصد قوله في النظم:
وقف بها السكت على الفعل المعل بحذف آخر كأعط من سأل
ويقصد بقوله: "وغيره تبعًا له" ما قاله ابن الناظم في شرحه ص576: "وتجب هذه الهاء في الوقف على الفعل الذي بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد كقولك في : قِ زيدًا ولا تقِ عمرًا، قه ولا تقه". وانظر شرح ابن عقيل 2/ 516.(2/633)
الهاء خوف الالتباس بالضمير المنصوب على أن الموضح وافق الناظم في شرح القطر، وقال بمقالته1، فصار مشترك الإلزام, فما كان جوابه هو؛ فهو جواب الناظم، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
893- وقف بها السكت على الفعل المعل بحذف آخر كأعط من سأل
894- وليس حتمًا في سوى ما كع أو كيع مجزومًا فراع ما رعوا
الموضع "الثاني: ما الاستفهامية المجرورة" بالحرف، أو بالمضاف، "وذلك أنه يجب حذف ألفها إذا جرت"، ولم تركب مع "ذا"، فالمجرورة بالحرف "نحو: عم، وفيم، و" المجرورة بالمضاف نحو: "مجيء مَ جئت"، وفيه تقديم وتأخير، والأصل: "جئت مجيء مَ"، وهو سؤال عن صفة المجيء، أي على أي صفة جئت, ثم أخر الفعل، لأن الاستفهام له صدر الكلام، ولم يمكن تأخير المضاف وإنما حذفت ألفها إذا جرت بحرف، أو بمضاف "فرقًا بينها وبين ما الخبرية"، وهي الموصولة والشرطية "في مثل: سألت عما سألت عنه"، أو من مثل: "ما سألت عنه"، فـ"ما" فيهما موصولة ونحو: "بما يفرح أفرح"، و"كلما جئتني أكرمتك"، فـ"ما" فيهما شرطية, ولم يعكسوا فيحذفوا في الخبرية ويثبتوا في الاستفهامية، لأن ألف الاستفهامية متطرفة لفظًا وتقديرًا بخلاف ألف الخبرية، فإنها ليست بمتطرفة تقديرًا، لأنها في حشو الصلة والشرط.
وزعم المبرد أن حذف ألف الموصولة مع "شئت" لغة نحو: "سل عم شئت"، "فإذا" حذفت ألف "ما" الاستفهامية المجرورة و"وقفت عليها ألحقتها الهاء حفظًا للفتحة الدالة على الألف" المحذوفة. "ووجبت" الهاء "إن كان الخافض" لـ"ما" الاستفامية "اسمًا، كقولك في: مجيء مَ جئت، واقتضاء مَ أقتضي. مجيء مه, واقتضاء مه، وترجحت" الهاء "إن كان" الخافض لها "حرفًا نحو: {عَمَّه يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]، وبها" أي بهاء السكت "قرأ البزي" بخلال عنه.
والفرق أن المجرورة بالحرف متصلة به، وحرف الجر لا يستقل بمعناه، فكأنه معه كالجزء، فلذلك جازت الهاء, وأما المضاف فمستقل بفائدته في مدلوله الإفرادي، فالاسم معه كالمنفصل، وهو على حرف واحد، ولذلك وجبت معه الهاء.
وما ذكره الموضح من وجوب حذف ألف "ما" الاستفهامية إذا جرت فمسلم في المجرورة بالحرف، وأما قول حسان: [من الوافر]
__________
1 شرح قطر الندى ص139.(2/634)
933- على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد
فضرورة1 وحكاه الأخفش لغة.
وأما المجرورة بالاسم فقال الشاطبي. ليس حذف الألف بلازم فيها، بل يجوز أن يقول: "مجيء ما جئت"، نص على ذلك سيبويه2، إلا أن الأجود الحذف. انتهى. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
895- وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها وأولها الها إن تقف
896- وليس حتمًا في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاء مَ اقتضى
الموضع "الثالث: كل مبني على حركة بناء دائمًا، ولم يشبه المعرب"، فهذه ثلاثة قيود، فخرج بالأول المعرب. وبالثاني ما بناؤه غير دائم، وبالثالث ما أشبه المعرب، وسيصرح بذلك.
فإذا استوفيت القيود جاز إلحاق هاء السكت، "وذلك" المستوفي لها "كـ"ياء" المتكلم، كـ"هي" و"هو" فيمن فتحهن" في الوصل، وكـ"كاف" الخطاب. فإنه يقول في الوقف: "غلاميه، وهيه، وهوه"، بإلحاق هاء السكت محافظة على الفتحة، "وفي التنزيل: {مَا هِيَهْ} [القارعة: 10]، و: {مَالِيَهْ} [الحاقة/ 28]، و: {سُلْطَانِيَهْ}، [الحاقة: 29] والأصل: "مالي، وسلطاني". "وقال" حسان "الشاعر" الصحابي رضي الله عنه: [من المتقارب].
934- إذا ما ترعرع فينا الغلام فما إن يقال له من هوه
__________
1 شرح قطر الندى ص139.
933- البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص324، والأزهية ص86، وخزانة الأدب 5/ 130، 6/ 99، 101، 102، 104، والدرر 2/ 575، وشرح شواهد الشافية ص224، ولسان العرب 12/ 497، "قوم"، والمحتسب 2/ 347، ومغني اللبيب 1/ 299، والمقاصد النحوية 4/ 554, ولحسان بن منذر في تخليص الشواهد ص404، وشرح الأشموني 3/ 758، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 297، وشرح المفصل 4/ 9، وهمع الهوامع 2/ 217.
1 الدرر 2/ 576.
2 الكتاب 4/ 165.
934- البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص397، وخزانة الأدب 2/ 428، واللسان 1/ 495، "شصب"، والمقاصد النحوية 4/ 560، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 350، وجمهرة اللغة ص235، والحيوان 6/ 231، ورصف المباني ص339، وشرح المفصل 9/ 84.(2/635)
ومن لم يفتح وقف بالسكون, ولم يأت بها السكت لعدم فائدتها, قال الجاربردي1: و"ضربني" مثل "غلامي" في جواز الوجهين، وكذا يقال حال الوقف: "أكرمتك" بالإسكان، و"أكرمتكه"، فمن ألحق الهاء آثر أن لا يجحف بالكلمة بجعلها على حرف واحد ساكن، مع أنه في التقدير منفصل إذ هو ضمير المفعول, ومن أسكن فلامتزاجه بالفعل حتى لا يلفظ به منفردًا انتهى.
"ولا تدخل" هاء السكت "في نحو: جاء زيد، لأنه معرب" بالحركات وحركة الإعراب تعرف بالعامل، فلا يحتاج إلى بيان بهاء السكت، وشذ "أعطني أبيضه"، حكاه سيبويه2، وقال: أراد: أبيض، فضعف وألحق الهاء.
وتلحق المثنى والمجموع على حده، نحو: "مسلمانه، ومسلمونه" لأن إعرابهما بالحروف، وليست حركة النون بإعراب، قال ابن الضائع: وغلط ابن خروف في المنع.
"ولا" تدخل هاء السكت "في نحو: اضرب، ولم يضرب، لأنه ساكن"، وهاء السكت إنما تدخل لبيان الحركة. "ولا في نحو: لا رجل" بالفتح، "و: يا زيد، و: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] بالضم فيهن. "لأن بناءهن عارض" غير دائم، فالحركة فيهن شبيهة بحركة الإعراب لعروضها بسبب شيء يشبه العامل، فلا تدخل هاء السكت، "وشذ قوله"، وهو أبو ثروان: [من الرجز]
935- يا رب يوم لي لا أظلله أرمض من تحت وأضحى من عله
"فلحقت ما بني بناء عارضًا، فإن "عل" من باب "قبل"، و"بعد"، قاله الفارسي والناظم, وفيه بحث مذكور في باب الإضافة" فليراجع.
و"أظلل، وأرمض، وأضحى" مبنية للمجهول، وقيل: الهاء في "عله" بدل من الواو والأصل" علو".
__________
1 شرح الشافية 2/ 275.
2 الكتاب 4/ 172.
935- الرجز لأبي الهجنجل في شرح شواهد المغني 1/ 448، ولأبي ثروان في المقاصد النحوية 4/ 454، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 35، وجمهرة اللغة ص1318، وخزانة الأدب 2/ 297، والدرر 1/ 436، 2/ 567، وشرح ابن الناظم ص577، وشرح الأشموني 2/ 323، 3/ 760، وشرح عمدة الحافظ ص981، وشرح المفصل 4/ 87، ومغني اللبيب 1/ 154، وهمع الهوامع 1/ 203، 2/ 210، والمخصص 14/ 75.(2/636)
"ولا" تدخل هاء السكت "في الفعل الماضي كـ: ضرب"، و"ركب" من المتعدي. "و: قعد"، و"قام" من اللازم، لأنه بني على حركة "لمشابهته للمضارع" المعرب "في وقوعه صفة"، نحو: "مررت برجل ضرب" "وصلة"، نحو: "جاء الذي ضرب"، "وخبرًا" نحو: "زيد ضرب"، "وحالا" نحو: "جاء زيد وقد ضرب"، "وشرطًا" نحو: "إن ضربت زيد ضربت"، كما أن المضارع كذلك.
والحاصل أن حركة البناء الجارية مجرى حركة الإعراب تكون في أربعة أنواع في اسم "لا"، والمنادى المفرد، والظروف المقطوعة عن الإضافة، والفعل الماضي، وفيه ثلاثة مذاهب: المنع مطلقًا، وهو مذهب سيبويه1. والجواز مطلقًا، لأن حركته لازمة، والثالث: أنها تلحقه إذا لم يخف لبس نحو: "قعد"، ويمنع إن حل لبس نحو: "ضربه" لالتباسه بالمفعول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
898- ووصلها بغير تحريك بنا أديم شذ في المدام استحسنا
"مسألة: قد يعطى الوصل حكم الوقف"، من إسكان مجرد, أو مع الروم والإشمام, ومن تعضيف، ونقل, ومن اجتلاب هاء السكت، "وذلك قليل في الكلام" المنثور إلى عدمه، "كثير من الشعر"، لأنه محل الخروج عن القياس، "فمن الأول" وهو النثر "قراءة" بعضهم: "وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأْ بِنَبَأ" [النمل: 22] بإسكان همزة "سبأ" في الوصل2، وقراءة "غير حمزة والكسائي: "لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ" [البقرة: 259]، و: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ قُلْ} [الأنعام: 90] بإثبات هاء السكت في الدرج" فيهما3، وأتى بـ"انظر" في الأول، و"قل" في الثاني ليبين كيفية الوصل, وحكاية سيبويه4: ثلاثة ربعة بإبقاء تاء "ثلاثة" على حالها. ونقل همزة "أربعة" إليها.
"ومن الثاني"، وهو الشعر، "قوله" وهو رؤبة، كما في الكتاب، أو ربيعة بن صبيح كما قال ابن يسعون: [من الرجز].
936- لقد خشيت أن أرى جدبا مثل الحريق وافق القصبا
__________
1 الكتاب 4/ 164.
2 هي قراءة ابن كثير وقنبل والنبال وشبل والقواس. انظر الإتحاف ص336، والنشر 2/ 327.
3 انظر قراءة الآية الأولى في البحر المحيط 2/ 292، وقراءة الآية الثانية في الإتحاف ص213، وانظرهما في الدرر 2/ 570.
4 الكتاب 3/ 265.
936- تقدم تخريج الرجز برقم 928.(2/637)
"جدبا" بالجيم وتشديد الموحدة، الجدب، نقيض الخصب، و"القصبا" "أصله القصب، بتخفيف الباء" الموحدة، "فقدر الوقف عليها، فشددها على حد قولهم في الوقف: "هذا خالد"، بالتشديد، ثم أتى بحرف الإطلاق، وهو الألف، وبقي تضعيف الباء" بحاله في الوصل تشبيهًا له بالوقف في التضعيف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
889- وربما أعطي لفظ الوصل ما للوقف نثرا وفشا منتظما(2/638)
باب الإمالة:
"وهي" مصدر أملت الشيء إمالة إذا عدلت به إلى غير الجهة التي هو فيها، من مال الشيء يميل ميلا إذا انحرف عن القصد.
وفي الاصطلاح: "أن تذهب بالفتحة إلى جهة الكسرة"، فتشرب الفتحة شيئًا من صوت الكسرة، فتصير الفتحة بينها وبين الكسرة.
"فإن كان بعدها"، أي الفتحة، "ألف ذهبت" بالألف "إلى جهة الياء"، فتصر الألف بينها وبين الياء "كـ: "الفتى"، بإمالة الفتحة والألف؟
"وإلا" يكن بعد الفتحة ألف "فالممالة الفتحة وحدها"، سواء كانت الفتحة قبل تاء التأنيث أم لا، "كـ: نعمة, و: {بِسَحَرٍ} [القمر: 34].
"وللإمالة" فائدة، وحكم، ومحل، وأصحاب، "وأسباب تقتضيها، وموانع تعارض تلك الأسباب، وموانع لهذه الموانع تحول بينها وبين المنع".
أما فائدتها فتناسب الأصوات، وصيرورتها من نمط واحد، وبيان ذلك أنك إذا قلت: "عائد"1 كان لفظك بالفتحة تصعدًا، واستعلاء، فإذا عدت إلى الكسرة كان انحدارًا وتسفلا، فيكون في الصوت بعض اختلاف، فإذا أملت الألف قرب من الياء، وامتزج بالفتحة طرف من الكسرة، فتقارب الكسرة الواقعة بعد الألف، وتصير الأصوات من نمط واحد، وقد ترد الإمالة للتنبيه على أصل أو غيره، مما سيأتي.
__________
1 في "ط": "عابد".(2/639)
وأما حكمها فإنه وجه جائز، فلهذا1 يجوز تفخيم كل ممال، لأنه الأصل، إذ الألف إذا لم تمل كانت حقيقته، فإذا أميلت ترددت بين الألف والياء، والأصل في الحرف ألا يمازج صوته صوت غيره، قاله الجاربردي2.
وأما محلها فالأسماء المتمكنة، والأفعال غالبًا، ويأتي التنبيه على غير الغالب.
وأما أصحابها فتميم، وفيس، وأسد، وعامة نجد، ولا يميل الحجازيون إلا مواضع قليلة.
"وأما الأسباب" التي تمال لأجلها "فثمانية:
أحدها: كون الألف مبدلة من ياء متطرفة" في الأسماء، والأفعال، "مثاله في الأسماء: الهدى والفتى، ومثاله في الأفعال: هدى واشترى"، فالألف فيهن مبدلة من ياء, بدليل "الهديان، والفتيان، وهديت، واشتريت"، أخذًا من قول الشاطبي المقرئ: [من الطويل]
وتثنية الأسماء تكشفها وإن رددت إليك الفعل صادفت منهلا3
"ولا يمال نحو: ناب" بالنون، وهو السن، "مع أن ألفه" مبدلة "عن ياء بدليل قولهم" في تكسيره: "أنياب، لعدم التطرف"، إلا أن يكون مجرورًا فإن من العرب من يميله نحو: "نظرت إلى ناب"، وسبب الإمالة هنا كسرة الإعراب لا غير وإن كانت عارضة، وقاله الشاطبي النحوي.
"وإنما أميل نحو: فتاة" مؤنث "فتى"، "و: نواة" وإن لم يكن الألف طرفًا في اللفظ "لأن تاء التأنيث في تقدير الانفصال". فالألف فيهما مبدلة من ياء، فهي وإن لم تتطرف لفظًا، فهي متطرفة حكمًا.
والسبب "الثاني كون الياء تخلفها" أي الألف "في بعض التصاريف كألف: ملهى"، مما كان بدلا من واو "و" ألف "أرطى" مما كان زائدًا للإلحاق، "و" ألف "حبلى" مما كان زائدًا للتأنيث، "و" ألف "غزا" مما كان بدلا من واو في الأفعال، "فهذه" الأمثلة "وشبهها ممال"، لأن الياء تختلف الألف فيها في بعض
__________
1 في "ب": "فلذا".
2 شرح الشافية 2/ 371.
3 البيت للشاطبي في شرح قطر الندى ص330.(2/640)
التصاريف، كالتثنية والجمع في الأسماء، والبناء للمفعول، في الأفعال، "كقولهم في التثنية: مليهان، وأرطيان، وحبليان، وفي الجمع": ملهيات، وأرطيات، و"حبليات، وفي البناء للمفعول: غزي، وعلى هذا" الأخير" "فيشكل قول الناظم" في النظم1 وغيره2: "إن إمالة ألف "تلا" في: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [الشمس: 2] لمناسبة إمالة ألف {جَلَّاهَا} [الشمس: 3]، وقوله" في شرح الكافية3، "وقول ابنه" في شرح النظم4: "إن إمالة ألف: {سَجَى} [الضحى: 2] لمناسبة إمالة" ألف {قَلَى} [الضحى: 3] بل إمالتهما كقولك" إذا بنيتهما5 للمفعول: "قُلِيَ، و: سُجِيَ" بضم أولهما وكسر ما قبل آخرهما، فتخلف الياء فيها الألف، فلا حاجة إلى دعوى التناسب إذا أمكن غيره.
وأجاب المرادي عن ذلك لما ذكر التناسب6 فقال7: إن السبب المقتضي للإمالة نحو: "دعا" مما ألفه عن واو، لم يعبره القراء، يعني بالقاف8، ولذلك لم يميلوا هذا النوع حيث وقع، وإنما أمالوا ما جاور9، الممال، فلما أمالوا "تلاها" ونحوه؛ وليس من عادتهم إمالة ذلك؛ علم أن الداعي إلى إمالته عندهم هو التناسب.
وقال10: هنا تجوز الإمالة في نحو: "دعا، وغزا" لأنه يؤول إلى الياء إذا بني للمفعول، انتهى.
وعندي أن هذا الجواب لا يدفع الإشكال، لأن الإشكال على اصطلاح النحويين، والجواب على اصطلاح القراء، فلم يتلاقيا على اصطلاح واحد.
" ويستثنى من ذلك"، المذكور، وهو كون الياء تخلف الألف في بعض التصاريف، "ما رجوعه إلى الياء مختص بلغة شاذة، أو" رجوعه إلى الياء "بسبب ممازجة الألف لحرف زائد"، فلا يمال شيء من ذلك.
__________
1قال في الألفية:
وقد أمالوا لتناسب بلا داع سواه كعمادا وتلا
2 شرح الكافية الشافية 4/ 1975.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 1975.
4 شرح ابن الناظم ص581.
5 في "ب": "بنيتها".
6 ف "ب": "المناسب".
7 شرح المرادي: 5/ 200.
8 في "ط": "باتفاق".
9 في "ط": "ما جاوز".
10 شرح المرادي 5/ 189.(2/641)
"فالأول"، وهو اختصاص رجوع الألف إلى الياء بلغة شاذة، "كرجوع ألف: عصا، وقفا" المنقلبة عن واو "إلى الياء في قول هذيل إذا أضافوهما1 إلى المتكلم"، حيث يقولون: "عصي، وقفي" بتشديد الياء، والأصل: "عصوي، وقفوي" اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
"والثاني" هو رجوع الألف إلى الياء بسبب ممازجة الألف لحرف زائد "كرجوعهما" أي ألفي "عصا، و: قفا" إليها"، أي إلى الياء، "إذا صغر" عند الجميع "فقيل: عصية، وقفيّ"، بتشديد الياء فيهما، [والأصل: "عصيوة وقفيو"، ففعل به ما تقدم به، وقلبت ياء لممازجتها لياء التصغير، وهي حرف زائد، والممازجة: المخالطة والمجاورة.
"أو جمعا" أي "عصا، و: قفا" "على: فُعُول"، بضم الفاء، "فقيل: عصي، وقفي"، بتشديد الياء فيهما]2، والأصل: "عصوو، وقفوو"، قلبت الواو الأخيرة ياء كراهة اجتماع واوين فصارا: "عصوي، وقفوي"، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وقلبت الضمة الثانية: كسرة، لتسلم الياء من القلب واوًا، ثم كسرت فاؤهما؛ إتباعًا لكسرة عينهما. وقرأ الحسن: "فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعُصِيُّهُمْ" [طه: 66]، بضم العين, حيث وقع ردًّا إلى أصله، فالياء الثانية المدغم فيها هي ألف "عصا، و: قفا"، وقلبت ياء لممازجتها الياء المنقلبة عن واو "فُعُول" وهي حرف زائد.
السبب "الثالث: كون الألف مبدلة من عين فعل يؤول عند إسناده إلى التاء" المثناة فوق "إلى قولك: فِلت، بكسر الفاء""، وحذف العين "سواء كانت تلك الألف" المبدلة من غير الفعل "منقلبة عن ياء" مفتوحة، أو مكسورة.
فالأول "نحو: باع، وكال، و" الثاني نحو: "هاب. أم عن واو مكسورة, كـ: خاف، وكاد، ومات" فإنك تقول فيها إذا أسندتها إلى تاء الضمير: "بعت وكلت وهبت وخفت وكدت"، بكسر الفاء في لغة الجميع، و"مت" في "لغة من قال مت، بالكسر" في الميم، بحذف عين الفعل، فيصير في اللفظ على وزن "فلت" والأصل "فعلت" بكسر العين إما بطريق الإمالة كما في: "هبت وخفت وكدت ومت"،
__________
1 في "ب": "أضافوها".
2 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/642)
وإما بطريق التحويل كما في "بعت، وكلت"، فإن أصل حركة عينيهما الفتح، ثم نقلا إلى "فعل"، بكسر العين، ثم تنقل الكسرة في الجميع إلى فاء الكلمة، وتحذف العين لالتقاء الساكنين. وقيل في يائي العين المفتوح: لا تحويل، ولكن لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، فهذه وما أشبهها يمال لما ذكرنا "بخلاف" المنقلبة عن واو مفتوحة "نحو: قال، و" عن واو مضمومة، نحو: "طال" في لغة الجميع، "ومات، في لغة الضم"، فهذه لا تمال، لأنك تقول إذا أسندتها إلى تاء الضمير: "قلت وطلت ومت" بضم الفاء فيهن. أما: "قلت"، فبالتحويل، وأما "طلت، ومت" فعلى الأصل، وتبين أن "مات" تمال في لغة الكسر، ولا تمال في لغة الضم.
السبب "الرابع: وقوع الألف قبل الياء" المفتوحة متصلة "كـ: بايعته وسايرته"، ذكره ابن الدهان، ومثله بآية. "وقد أهمله الناظم" في النظم، وسيبويه، "والأكثرون"، وذكره في التسهيل فقال1: أو متقدمة على ياء تليها.
السبب "الخامس: وقوعها"، أي الألف، "بعد الياء" حال كونها "متصلة" بها من غير حاجز بينهما "كـ: بيان" بتخفيف الياء، و"كيال، وبياع" بتشديدهما إلا أن الإمالة مع التشديد أقوى لتكرر السبب، "أو منفصلة" عنها "بحرف واحد كـ: شيبان" علمًا من "الشيب"، "و: جادت يداه"، والأول أقوى، لأن انخفاض الصوت بالساكنة أظهر منه في المتحركة لقربها من حيز المد، "أو" منفصلة عنها "بحرفين أحدهما"، وعبارة التسهيل2 ثانيهما، "الهاء نحو: دخلت" هند "بيتها"، وشرطه ألا يفصل بين الياء والهاء بحرف مضموم نحو: "هند اتسع بيتها"، قال الموضح في الحواشي.
السبب "السادس: وقوع الألف قبل الكسرة" متصلة "نحو: عالم وكاتب".
السبب "السابع: وقوعها" أي الألف "بعدها" أي الكسرة "منفصلة":
منها "إما بحرف" واحد، "نحو: كتاب، وسلاح" فالفاصل بين الكسرة والألف في الأول التاء، وفي الثاني اللام.
"أو" منفصلة "بحرفين" كلاهما متحرك، "وأحدهما" وهو الثاني "هاء"، وأولهما غير مضموم فيمال، "نحو: يريد أن يضربها" دون "هو يضربها".
__________
1 التسهيل ص325.
2 التسهيل ص325.(2/643)
"أو" منفصلة بحرفين أولهما "ساكن" فيمال "نحو: شملال"، بالشين المعجمة، وهي الناقة الخفيفة، "وسرداح"، بمهملات، وهي الناقة العظيمة، دون "رأيت عنبًا" إلا على وجه شاذ.
"أو" منفصلة "بهذين" الحرفين الساكن فالمتحرك، "وبالهاء نحو: درهماك". وهذا ساقط من أصل التسهيل، وفيه فصل بثلاثة أحرف، ساكن وهاء وغيرهما.
وذكر ابن الحاجب وغيره أن إمالة ذلك شاذة1، وهو ظاهر، لأن أقل درجة الساكن والهاء أن ينزلا منزلة حرف واحد محرك غير هاء، وذلك لا إمالة معه، ولم يذكر الفارسي في الإيضاح أن إمالة "درهمان" بالنون شاذة، مع تنصيصه على الإمالة للكسرة السابقة أعني لا لكسرة نون التثنية، فلذلك مثل به الموضح مضافًا للكاف تبعًا لقول الناظم:
905- .................................. فدرهماك من يمله لم يصد
السبب "الثامن: إرادة2 التناسب" إذا لم يوجد سبب غيرها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
911- وقد أمالوا لتناسب بلا داع سواه كعمادًا وتلا
"وذلك، إذا وقعت الألف بعد ألف في كلمتها، أو" وقعت "في كلمة" أخرى قد "قاربتها، قد أميلتا" أي الألفان "لسبب" من الأسباب المتقدمة.
"فالأول" وهو الذي وقعت فيه الألف بعد ألف في كلمتها، وقد أميلت الألف الأولى لسبب "كـ: رأيت عمادًا، و: قرأت كتابًا", فإن الألف الأولى3 فيهما قد أميلت لسبب، وهو كونها واقعة بعد كسرة، وقد فصل بينهما حرف واحد، وهو الميم في المثال الأول، والتاء في المثال3 الثاني، فتمال الألف الأخيرة منهما المنقلبة عن التنوين لمناسبة الألف الأولى.
"والثاني": وهو ما أميلت فيه الألف لكونها واقعة في كلمة أخرى، وقد أميلت لسبب، "كقراءة أبي عمرو والأخوين: {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] بالإمالة4 مع أن ألفها" منقلبة "عن واو "الضحوة" "لمناسبة: {سَجَى} [الضحى: 2]، و: {قَلَى} [الضحى: 3]، وما بعدهما"، فإن رعاية التناسب في الفواصل عندهم غرض منهم.
__________
1 شرح الشافية للرضي 3/ 4.
2 في "ط": "من أراد" مكان "الإرادة".
3 سقط من "ب".
4 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص440، والنشر 2/ 37.(2/644)
والحاصل من إرادة التناسب أن الألف الممالة إما أن تكون سابقة على الألف التي لا سبب فيها، أو آتية بعدها، فإن كانت سابقة عليها فتمال كما في "عمادًا" فتمال الألف الأولى لكسرة العين، ثم الثانية المنقلبة عن التنوين لأجل تلك الممالة، وإن كانت آتية بعدها فإما أن يقع ذلك في الفواصل أو لا.
فإن وقع في الفواصل فتمال لتناسب الفواصل، فـ"الضحى" تمال لمناسبة ما بعده، وإن لم يكن في الفواصل فلا تمال، ولذلك إذا مالوا فتحة "بمجادر" لكسر رائه لا يجيزون إمالة ألفه مع أنهما في كلمة واحدة فكيف إذا كانا في كلمتين.
"وأما الموانع" لأسباب الإمالة من الكسرة والياء الظاهرتين أو المقدرتين "فثمانية أيضًا" كعدد الأسباب "وهي":
"الراء" غير المكسورة، "وأحرف الاستعلاء السبعة وهي: الخاء، والغين؛ المعجمتان؛ والصاد، والضاد, والطاء، والظاء، والقاف".
وإنما منعت المستعلية الإمالة طلبًا لتجانس الصوت كما أميل فيما تقدم طلبًا له لأن هذه الأحرف تستعلي إلى الحنك، فلو أميلت الألف في "صاعد" لانحدرت بعد إصعاد، ولو أملتها في "هابط" لصعدت بعد انحدار، وكلاهما شاق، ولكن الثاني أشق، فلذلك كانت هذه الأحرف بعد الألف أقوى مانعًا كما سيجيء.
وأما الراء وإن لم يكن فيها استعلاء لكنها مكررة، فشبهت بالمستعلية لتكرر الذي فيها، بل قيل: هو اشد مانعًا، "وشرط المنع بالراء أمران":
أحدهما: "كونها غير مكسورة. و" الثاني: "اتصالها بالألف، إما قبلها".
ولا تكون إلا مفتوحة "نحو: فراش، وراشد"، فالراء منعت السبب المتقدم في الأول، والمتأخر في الثاني، "أو بعدها"، وتكون مضمومة ومفتوحة "نحو: هذا حمار، ورأيت حمارًا"، وبعضهم يميل ولا يلتفت إلى الراء، "وبعضهم يجعل المؤخرة المفصولة بحرف" واحد "نحو: هذا كافر، كالمتصلة" في منع الإمالة.
"وشرط" المنع بحرف "الاستعلاء المتقدم على الألف أن يتصل بها" أي بالألف "نحو: صالح وضامن وطالب وظالم وغالب وخالد وقاسم، أو منفصل بحرف" واحد "نحو: غنائم"، لأن الفصل بحرف واحد كلا فصل.
"إلا إن كان" حرف الاستعلاء "مكسورًا نحو: طلاب وغلاب" من المتصل، "وخيام، وصيام" من المنفصل بحرف، "فإن أهل الإمالة يميلونه" لأن حرف(2/645)
الاستعلاء المكسور لا يمنع الإمالة، لأن الكسرة في التقدير بعد الحرف، فمناسبة صوت الألف للكسرة أولى، بخلاف ما إذا كان مفتوحًا فإن الفتح يقوي المستعلي من حيث كان الفتح معه يمنع الإمالة.
"وكذلك حرف الاستعلاء "الساكن بعد كسرة نحو: مصباح وإصلاح ومطواع ومقلات" بالقاف والتاء الفوقانية، "وهي التي لا يعيش لها ولد"، فإنه لا يمنع الإمالة أيضًا، لأن الكسرة لما جاورته، وهو ساكن، قدت أنها اتصلت به فنزل ذلك منزلة المكسور. "ومن العرب من لا ينزل هذا" الساكن "منزلة المكسور"، ويجعله مانعًا من الإمالة.
"وشرط" حرف الاستعلاء "المؤخر عنها"، أي عن الألف "كونه:
إما متصلا بالألف كـ: ساخر" بالخاء المعجمة، "وحاطب وحاظل" بالحاء المهملة، فيهما، "وناقف".
"أو منفصلا" من الألف "بحرف" واحد "كـ: نافق ونافخ وناعق وبالغ".
"أو" منفصلا من الألف بحرفين "كـ: مواثيق ومناشيط، وبعضهم يميل هذا" المفعول بحرفين "لتراخي الاستعلاء".
والمنع بالمتأخر أقوى من المنع بالمتقدم، ولذلك قيد المتقدم بأن لا يكون مكسورًا، ولا ساكنًا بعد مكسور، ولا مفصولا1 بحرفين، وأطلق في المتأخر، وسبب ذلك أن التصعد بعد التسفل أصعب عندهم من التسفل بعد التصعد، كما أن التسفل بعد التصعد أسهل من العكس.
"وشرط الإمالة التي يكفها المانع أن لا يكون سببها كسرة مقدرة" كـ"خاف" فإن ألفه منقلبة عن واو مكسورة, "ولا ياء مقدرة" كـ"طاب"، فإنها منقلبة عن ياء، فسبب إمالة ألف "خاف" الكسرة المقدرة في الواو المنقلبة عنها الألف، وسبب إمالة ألف2 "طاب" الياء المقدرة المنقلبة ألفًا.
فكسرة "خاف" وياء "طاب" مقدرة في ألفيهما "فإن السبب المقدر هنا" وهي الكسرة والياء "لكونه موجودًا في نفس الألف" المنقلبة عن الواو المكسورة، أو عن الياء "أقوى من" السبب "الظاهر" في اللفظ، وهو الكسرة والياء الملفوظ بهما،
__________
1 في "ب": "منفصلا".
2 سقط من "ب".(2/646)
"لأنه" أي السبب الظاهر "إما متقدم عليها"، أي على الألف نحو: "كتاب، وبين "أو متأخر عنها" نحو: "عالم، وبائع".
والكائن في نفس الألف أقوى من المتقدم عليها والمتأخر عنها، "فمن ثم أميل نحو: خاف، وطاب" مع تقدم حرف الاستعلاء، "و: حاق، وزاغ" مع تأخره، لأن السبب مقدر في الألف، بخلاف ما إذا كانت الكسرة مقدرة بعد الألف، كما في "جاد" من جد في الأمر، "وجواد" جمع "جادة"، وأصلهما "جادد، وجوادد" فأدغم لاجتماع المثلين، فلا تكون كالكسرة الملفوظة، فلا يجوز الإمالة على الأفصح.
وبعضهم أجاز إمالته اعتدادًا بالكسرة المقدرة كما في "خاف"1، ومقتضى ما تقدم أن المانع يكفه لأن السبب المقدر متأخر عن الألف.
"مسألة: ويؤثر مانع الإمالة، وإن كان منفصلا" في كلمة أخرى مستقلة بنفسها؛ كما لو كانا في كلمة واحدة، وهذا المنفصل تارة يكون متصلا بالألف من غير حاجز نحو: "منا قاسم" فلا يمال لاتصال المستعلي في اللفظ إذا أدرجت2، فهذا مثل قولك: "بفاضل"3.
وتارة يفصل بينهما بحرف واحد نحو: "منا فضل، وبمال قاسم"، فهذا مثل قولك: "بناعق"، وتارة يفصل بينهما بحرفين نحو: "بيدها سوط" فهذا مثل قولك: "مناشيط" قاله الشاطبي.
"ولا يؤثر4 سببها" أي الإمالة "إلا متصلا" في كلمة واحدة، والفرق أن المانع أقوى من السبب "فلا يمال نحو: أتى قاسم، لوجود القاف" المستعلية، وإن كانت منفصلة عن الألف في كلمة أخرى، "ولا يمال" نحو "لزيد مال، لانفصال السبب" لأن الألف في كلمة أخرى. "هذا ملخص كلام الناظم" في شرح الكافية5، "وابنه" في شرح الخلاصة6.
__________
1 الكتاب 4/ 132، والارتشاف 1/ 240.
2 في "ب": "أدرج".
3 في "ط": "مررت بفاضل".
4 في "ب": " يؤخر".
5 شرح الكافية الشافية 4/ 1974.
6 شرح ابن الناظم ص580.(2/647)
"وعليهما اعتراض من وجهين":
"أحدهما": في التمثيل، وثانيهما في الحكم، وذلك "أنهما مثلا بـ: أتى قاسم، مع اعترافهما بأن الياء المقدرة" في "أتى" المنقلبة1 عنها الألف "لا يؤثر فيها المانع" لما تقرر من2 أن شرط الإمالة التي يكفها المانع أن لا يكون سببها ياء مقدرة، "والاستعلاء في هذا النوع لو اتصل لم يؤثر"، فما بالك3 مع انفصاله، "والمثال الجيد" السالم من الطعن "كتاب قاسم"، فإن سبب الإمالة الكسرة الظاهرة، فيكفها المانع وإن كان مفصلا.
"و" الاعتراض "الثاني أن نصوص النحويين" كابن عصفور، وغيره "مخالفة لما ذكر من الحكمين "المذكورين وهما، يؤثر مانع الإمالة إن كان منفصلا، ولا يؤثر سببها إلا متصلا.
"قال ابن عصفور في مقربه بعد أن ذكر أسباب الإمالة ما نصه4: وسواء كانت الكسرة متصلة أم منفصلة نحو: "لزيد مال"، إلا أن إمالة المتصلة كائنة ما كانت أقوى، وقال أيضًا4: وإذا كان حرف الاستعلاء منفصلا عن الكلمة لم يمنع الإمالة إلا فيما أميل لكسرة عارضة نحو: "بمال قاسم"، أو فيما أميل من الألفات التي هي صلات الضمائر نحو: "أراد أن يضربها قبل" انتهى".
يعني لا تمال الألف، لأن القاف بعدها من قبل مانعة من الإمالة وإن انفصلت، وهذا النص بحرفه في الحكمين، وقع في شرح الجزولية لأبي عبد الله محمد النفزي، بالنون والفاء والزاي.
"ولولا ما في شرح الكافية" من قوله5: وأن سبب المانع قد يؤثر منفصلا، فيقال: "أتى أحمد"، بالإمالة، و"أتى قاسم" بترك الإمالة، "لحملت قوله في النظم" للخلاصة والكافية.
910- .................................... والكف قد يوجبه ما ينفصل
__________
1 في "ب": "المنقلب".
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "ذلك".
4 المقرب 1/ 321.
5 شرح الكافية الشافية 4/ 1974.(2/648)
"على هاتين الصورتين" المذكورتين في كلام ابن عصفور، والنفزي، وهما ما أميل للكسرة العارضة، وما أميل من الألفات التي هي صلات الضمائر "لإشعار1 قد يفعل" من قول الناظم:
910- ................................. والكف قد يوجبه ما ينفصل
"في عرف المصنفين بالتقليل"، وإنما أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر السبب إلا متصلا لأن ترك الإمالة هو الأصل، فيصار إليه بأدنى سبب، ولم يخرج عنه إلا لسبب محقق.
"وأما مانع المانع" للإمالة "فهو الراء المكسورة المجاورة" للألف2، "فإنها تمنع" الحرف "المستعلي، و" تمنع "الراء أن يمنعا" الإمالة، لأن الراء من شأنها التكرار، فكأن الحرف فيها في تقدير حرفين، وكأن الكسرة فيها في تقدير كسرتين، فتكون إحدى الكسرتين في مقابلة المانع، والأخرى سبب الإمالة.
"ولهذا أميل: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7]، و: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] مع وجود الصاد" في الأول، "والغين" في الثاني.
"و" أميل "{إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} [المطففين: 18] مع وجود الراء المفتوحة" قبل الألف.
"و" أميل: {دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 36] مع وجودهما" أي القاف المستعلية، والراء المفتوحة، لأن كلا من حرفي الاستعلاء والراء المفتوحة مانع من الإمالة، والراء المكسورة، في ذلك كله متصلة.
"وبعضهم" أي العرب "يجعل المنفصلة" من الألف "بحرف كالمتصلة" في كونها تمنع المانع. "سمع سيبويه الإمالة في قوله"، وهو سماعة النعامي يهجو رجلا من بني نمير بن قادر: [من الطويل].
937- عسى الله يغني عن بلاد بن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب
بإمالة "قادر" مع وجود الفصل بين الألف والراء المكسورة بالدال.
__________
1 في "ب": "لإشغال".
2 سقط من "ط".
937- البيت لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص76، وخزانة الأدب 9/ 328، والكتاب 4/ 139، ولسماعة النعامي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141، ولسان العرب 15/ 55 "عسا" ولسماعة أو لرجل من باهلة في شرح شواهد الإيضاح ص620، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 358، والارتشاف 3/ 306، وشرح الأشموني 3/ 771، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص678، وشرح المفصل 7/ 117، 9/ 62، والكتاب 3/ 159، واللمع ص333، والمقتضب 3/ 48، 69.(2/649)
فصل:
"تمال الفتحة قبل حرف من ثلاثة:
أحدها: الألف، وقد مضت، وشرطها أن لا تكون" الفتحة "في حرف ولا في اسم يشبهه1"، لأن الإمالة من التصرف، وهو لا يدخل في الحرف ولا في ما أشبهه إلا ما يستثنى.
"فلا تمال: إلا" بكسر الهمزة والتشديد "لأجل الكسرة" التي هي من أسباب الإمالة".
"ولا" تمال "نحو: "على" للرجوع إلى الياء نحو: عليك، وعليه"، وهو من أسباب الإمالة.
"ولا" تمال "إلى، لاجتماع الأمرين" وهما الكسرة والرجوع إلى الياء "فيها" في نحو: "إليك، وإليه".
وإنما امتنعت الإمالة في هذه الكلمات الثلاث مع وجود السبب المقتضي لها لكونه حروفا، فلو سميت بشيء منها؛ وإن كانت ألفه رابعة كـ"إلا"؛ أملتها، لأن الألف الرابعة في الاسم يحكم عليها بأنها عن ياء، وإن كانت ثالثة كـ"على، وإلى" لم تجز إمالتها، لأن التسمية تجعل الألف من بنات الواو، لأن بنات الواو أكثر من بنات الياء ولذلك تقول في تثنيتهما: "علوان، وألوان"، قاله الجاربردي3.
"ويستثنى من ذلك": أي من4 المشبه للحرف "ها" للغائبة، "و: نا" للمتكلم المعظم نفسه، أو معه غيره "خاصة، فإنهم طردوا الإمالة فيهما" لكثرة استعمالها إذا كان قبلهما كسرة أو ياء، "فقالوا: مر بنا وبها، و: نظر إلينا وإليها" بالإمالة لوقوع الألف مسبوقة بالكسرة أو الياء مفعولة بحرف فلذلك كررهما مرتين.
__________
1 في "ب": "شبيه".
2 في "ب": "المفضي".
3 شرح الشافية 2/ 384.
4 سقط من "ط".(2/650)
"وأما إمالتهم: أنى ومتى" من الأسماء المبنية، "وبلى" من أحرف الجواب "و: لا" النافية "في قولهم: افعل هذا إما لا، فشاذ من وجهين: عدم التمكن" لكونها مبنية، "وانتفاء السبب" المجوز1 للإمالة، لأن الألف في غير المتمكن أصل غير منقلبة عن شيء فضلا عن أن تكون منقلبة عن ياء, ولا ترجع إلى الياء، ولا قبلها كسرة، والذي سهل إمالتها نيابتها عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها.
"و" الحرف "الثاني" من الأحرف الثلاثة التي تمال الفتحة قبلها، "الراء بشرط كونها مكسورة، وكون الفتحة في غير ياء" مثناة تحتانية، "وكونهما" أي الفتحة والراء "متصلتين" من غير حاجز بين الحرف المفتوح والراء، ولا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف مستعمل نحو: "من المطر"، أو في راء نحو: "بشرر"، أو في غيرهما، "نحو: {مِنَ الْكِبَرِ] [مريم: 8] أو منفصلتين بساكن غير ياء" مثناة تحتانية "نحو: من عمر". وزاد المرادي2: أو بمكسور نحو: "أشر" "بخلاف: أعوذ بالله من الغِيَر، ومن قبح السير" لأن الفتحة فيهما على الياء، نص على ذلك سيبويه3.
"و" بخلاف: "من غيرك"، لكون الفصل بالياء المثناة التحتانية الساكنة, ويشترط أيضًا أن لا يكون بعد الراء حرف استعلاء نحو: "من المشرق"، فإنه مانع من الإمالة، نص على ذلك سيبويه أيضًا4.
ولا يشترط أن لا يتقدم على الفتحة حرف استعلاء، لأن الراء المكسورة تغلب المستعلي إذا وقع قبلها، فيمال نحو: "من الضرر" قال المرادي5: والتحرير أن يقال: تمال كل فتحة في غير ياء قبل راء مكسورة؛ متصلة بها أو مفصولة بمكسور أو ساكن غير ياء، وليس بعد الراء حرف استعلاء، انتهى.
"واشتراط الناظم" في النظم "تطرف الراء مردود بنص سيبويه5 على إمالتهم فتحة الطاء من قولك: رأيت خبط رياح" بكسر الراء. وذكر غيره يجوز إمالة فتحة الغين في نحو: "الغرد"6، والراء في ذلك ليست متطرفة، ولعله إنما خص الطرف لكثرة ذلك فيه.
__________
1 سقط من "ب".
2 شرح المرادي 5/ 204.
3 الكتاب 4/ 143.
4 الكتاب 4/ 144.
5 شرح المرادي 5/ 205.
6 في "ب": "الغرض".(2/651)
"و" الحرف "الثالث" من الأحرف الثلاثة التي تمال الفتحة قبلها "هاء" التأنيث، وإنما يكون هذا" الحكم، وهو إمالة الفتحة قبل الهاء "في الوقف خاصة كـ: رحمه ونعمه", وإنما أميلت الفتحة قبل هاء التأنيث وإن لم تكن من أسباب الإمالة "لأنهم شبهوا هاء التأنيث بألفه"، أي بألف التأنيث المقصورة ، "لاتفاقهما في المخرج"، وهو أقصى الحلق، "و" في "المعنى"، وهو الدلالة على التأنيث، "والزيادة" على أصول الكلمة "والتطرف" في آخر الكلمة، "والاختصاص بالأسماء" الجامدة والمشتقة.
ولا فرق في ذلك بين هاء التأنيث وهاء المبالغة، "وعن الكسائي إمالة" الفتحة قبل "هاء السكت أيضًا" لشبهها بهاء التأنيث في الوقف والخط "نحو: {كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] والصحيح المنع خلافًا لثعلب، وابن الأنباري"، فإنهما صححا جواز الإمالة فيما قبلها1. وبه قرأ أبو مزاحم الخاقاني في قراءة الكسائي1، وفي غالب النسخ: وفاقًا لثعلب وابن الأنباري وليس بصواب كما بينا.
__________
1 النشر 2/ 142، والكشاف 4/ 153.(2/652)
باب التصريف:
"وهو" في اللغة "تغيير" مطلق، وفي الصناعة تغيير خاص "في بنية الكلمة لغرض معنوي، أو لفظي"، فالتغيير جنس، وبإضافته إلى البنية، وهي الصيغة خرج النحو، فإنه لا يتعلق بصيغة الكلمة بل بالعوارض اللاحقة للكلمة من فاعلية، ومفعولية، وإضافة غيرها، وبالغرض المذكور التصحيف والتحريف.
"فـ" التغيير "الأول" المعنوي "كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع" المصحح، وذلك بتحويل زيد؛ مثلا، إلى زيدان، وزيدون، "وتغيير المصدر إلى الفعل والوصف" وذلك بتحويل الضرب؛ مثلا؛ إلى ضرب وضرَّب؛ بالتشديد للمبالغة في الفعل، واضطراب لوجود الحركة مع الفعل، ويضرب، وإضرب، وضارب، ومضروب وكـ: ضراب، ومضراب، وضروب، وضريب، وضرب للمبالغة في الوصف.
"و" التغيير "الثاني" اللفظي "كتغيير: قول" من الأجوف، "وغزو" من الناقص "إلى: قال، وغزا" بقلب حرف العلة ألفًا لتحركه وانفتاح ما قبله، والإبدال في "أقتت" والحذف في "قل" والإدغام في "رد"، ولشبه التصغير والتكسير والنسب والوقف والإمالة بعلم النحو من حيث التعلق بالمركبات ذكرت معه، وابن الحاجب وطائفة ذكروها في علم التصريف، وهو الأولى.(2/653)
"ولهذين التغييرين" للغرضين المذكورين "أحكام: كالصحة" وهي إقرار الحرف على وضعه الأصلي كالياء في "بياض، وأبيض"، والواو في "سواد، وأسود".
"والإعلال": وهو تغيير الحرف عن وضعه الأصلي كقلب الياء في "بان، وأبان، وموقن، وبائع"، وقلب الواو في "قام، وأقام، وقيام"، وشبه ذلك كقلب أحد الأصول من محل إلى محل آخر كـ"أينق" جمع ناقه، و"حادي".
"وتسمى" معرفة "تلك الأحكام علم التصريف"، وإنما سمي هذا العلم تصريفًا لما فيه من التقلب، يقال: صرفت الرجل في أمري إذا جعلته يتقلب فيه بالذهاب والإياب. وصروف الدهر: تقلباته وتحولاته من حال إلى حال.
فهذا العلم فيه هذا المعنى من جهة متعلقه، إذ هو متعلق بالتصرفات الموجودة في الألفاظ العربية كما تقدم في الغرضين، فهو من باب تسمية الشيء باسم متعلقه.
وموضوعه الأسماء المتمكنة، والأفعال المتصرفة في اللغة العربية. فلا يدخل التصريف في الأسماء الأعجمية كـ: إبراهيم، وإسماعيل، كما قال ابن جني1، وإن كانت متمكنة، لأن التصريف من خصائص لغة العرب.
"ولا يدخل التصريف في الحروف"، لأنها مجهولة الأصل، موضوعة وضع الأصوات، لا تقابل بالفاء والعين واللام لبعد معرفة اشتقاقها ولهذا كانت ألفاتها أصولا غير زائدة ولا منقلبة عن حرف علة.
"ولا" يدخل التصريف "فيما أشبهها"، أي أشبه الحروف، "وهي الأسماء المتوغلة في البناء" كالضمائر، وأسماء الاستفهام, "والأفعال الجامدة" وهي التي لم تختلف أبنيتها لاختلاف الأزمنة، نحو: "نعم وبئس وعسى وليس"، لأنها أشبهت الحروف في الجمود.
وما دخله التصريف من الحروف وما أشبهها فهو شاذ يوقف عند ما سمع منه، فمن ذلك مجيء الحذف في "سوف" والإبدال في حاء "حتى" عينا، وهمزة "إن" هاء، والحذف والإبدال في "لعل" والتصغير2 في "ذا، والذي" وفروعهما، والإبدال في لام "عسى". والحذف في عين "ليس" عند اتصال تاء الفاعل.
"فلذلك" أي لأجل أن التصريف لا يدخل الحروف، ولا ما أشبهها من الأسماء
__________
1 المنصف 3/ 145، 146.
2 في "ب": "التغيير".(2/654)
والأفعال، "لا يدخل فيما كان" من الأسماء موضوعًا "على حرف" واحد "أو" على "حرفين، إذ لا يكون كذلك" في الوضع على حرف أو حرفين "إلا الحرف كباء الجر ولامه" فإنهما موضوعان على حرف واحد، "وقد، وبل"، فإنهما موضوعان على حرفين، "وما أشبه الحرف، كتاء: قمت" فإنها موضوعة على حرف واحد، "ونا [من]1: قمنا" فإنها موضوعة على حرفين.
وهذا الحكم معلوم مما تقدم، من أن التصريف لا يدخل المبنيات، ولكن ذكر توطئة وتمهيدًا لقوله: "وأما ما وضع" في الأصل "على أكثر من حرفين ثم حذف بعضه" لعارض" فيدخله التصريف" نظرًا إلى أصل وضعه "نحو: يد، ودم" بحذف لامهما "في الأسماء: ونحو: قِ زيدًا" بحذف فائه ولامه "وقم، وبع" بحذف عينهما "في الأفعال"، وقس على ذلك.
__________
1 إضافة من "ط": "وأوضح المسالك 4/ 360.(2/655)
فصل:
"ينقسم الاسم إلى مجرد من الزوائد، وأقله الثلاثي: كـ: رجل" لأنه يحتاج إلى حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يكون واسطة بين المبتدأ به، والموقوف عليه، إذ يجب أن يكون المبتدأ به متحركًا، والموقوف عليه ساكنًا، فلما تنافيا في الصفة كرهوا مقارنتهما، ففصلوا بينهما، فإن قيل: المتوسط لا يخلو من أن يكون متحركًا أو ساكنًا، وأيا ما كان يلزم التنافي مع أحدهما أجيب، بأنه لم جاز الحركة والسكون على المتوسط من حيث هو متوسط فلا يتحقق التنافي. "وغايته الخماسي كـ"سفرجل". و[ما]1 بينهما" أي بين الثلاثي والخماسي "والرباعي كـ: جعفر". ولم يجوزوا سداسيًّا لئلا يتوهم أنه كلمتان، "وإلى مزيد فيه"، وأقله أربعة كـ: "قتال"، "وغايته سبعة كـ: استخراج"، وبينهما ذو الخمسة كـ"إكرام"، وذو الستة كـ"انطلاق"، "وأمثلته كثيرة". بلغت "في قول سيبويه" ثلاثمائة مثال وثمانية أمثلة، وزاد الزبيدي عليه نيفًا وثمانين مثالا، وذكرها "لا يليق بهذا المختصر"، فلا نشتغل بها رومًا للاختصار. بل نذكر أماكن الزيادة حفظًا للضبط، وتقليلا للانتشار، فنقول: الزيادة تكون واحدة وثنتين وثلاثًا وأربعًا، ومواضعها أربعة: ما قبل الفاء، وما بين الفاء والعين، وما بين العين واللام، وما بعد اللام، ولا تخلو من أن تقع متفرفة أو مجتمعة.
فالزيادة الواحدة قبل الفاء نحو: "أجدل"، وما بين الفاء والعين نحو: "كاهل" وما بين العين واللام نحو: "غزال"، وما بعد اللام نحو: "علقى".
والزيادتان المتفرقتان بينهما الفاء نحو: "أجادل"، وبينهما العين نحو: "عاقول"، وبينهما اللام نحو: "قصيرى" وبينهما الفاء والعين نحو: "إعصار"، وبينهما العين واللام نحو "خيزلى" وبينهما الفاء والعين واللام نحو: "اجفلى".
والمجتمعتان قبل الفاء نحو: "منطلق"، وبين الفاء والعين نحو: "حواجز"، وبين العين واللام نحو: "خطاف" وبعد اللام نحو: "علباء".
__________
1 إضافة من "ط": "وأوضح المسالك 4/ 360.(2/656)
والثلاث المتفرقات نحو: "تماثيل"، والمجتمعة قبل الفاء نحو: "مستخرج"، وبين العين واللام نحو: "سلاليم" وبعد اللام نحو: "عنفوان" واجتماع ثنتين وانفراد واحدة نحو: "أفعوان".
والأربعة نحو: "اشهيباب" مصدر "إشهاب".
"وأبنية الثلاثي" المجرد "أحد عشر بناء، والقسمة" العقلية "تقتضي" أن تكون "اثنتي عشر" بناء، وذلك "لأن" الحرف "الأول واجب الحركة" لأنه مبتدأ به، والابتداء بالساكن متعذر، فأحواله ثلاثة، "والحركات" الخالصة "ثلاث": الفتحة والكسرة والضمة، "و" الحرف "الثاني يكون متحركًا وساكنًا"، فأحواله أربعة: "فإذا ضربت ثلاثة أحوال" الحرف "الأول في أربعة أحوال" الحرف "الثاني خرج من ذلك اثنا عشر" بناء، وأما الحرف الأخير فلا عبرة به في وزن الكلمة، لأنه حرف إعرابها.
"وأمثلتها" في الاسم والصفة: "فلس" سهل؛ بفتح أوله وسكون ثانيه. "فرس"، بطل؛ بفتحتين. "كتف"، حذر؛ بفتحة فكسرة. "عضد" طمع؛ بفتحة وضمة. "حبر"، نكس؛ بكسرة فسكون. "عنب". زيم؛ أي متفرق؛ بكسرة ففتحة. "إبل"، بلز؛ بكسرتين. "قفل"، حلو؛ بضمة فسكون. "صرد", حطم؛ بضمة ففتحة. "دئل"؛ بضمة فكسرة. "عنق" جنب؛ بضمتين.
فبدأ بمفتوح الفاء مع الأربعة في العين، ثم بالمكسورة مع الثلاثة، ثم بالمضموم مع الأربعة.
"والمهمل منها: فِعُل" بكسر أوله وضم ثانيه، لأنهم كرهوا الانتقال من الكسرة إلى الضمة، لأن الكسرة ثقيلة، والضمة أثقل منها.
"وأما قراءة أبي السمال" بفتح السين المهملة وتشديد الميم وفي آخره لام: "{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحِبُك} [الذريات: 7] بكسر الحاء وضم الباء1" ونسبها أبو الفتح ابن جني في المحتسب2 لأبي مالك الغفاري.
"فقيل: لم تثبت" هذه القراءة، "و" على تقدير ثبوتها "قيل: أتبع الحاء" من: الحبك "للتاء من: ذات" في الكسر، "والأصل: "حبك" بضمتين" فكسر الحاء
__________
1 لم تنسب هذه القراءة إلى أبي السمال، بل نسبت إلى أبي مالك الغفاري والحسن، أما القراءة المنسوبة إلى أبي السمال فهي "الحبك" وكذلك قرأها أبو عمرو وابن عباس والحسن وأبو مالك الغفاري وأبو حيوة وابن أبي عبلة ونعيم. انظر المحيط 8/ 134، والمحتسب 2/ 286.
2 المحتسب 2/ 286.(2/657)
إتباعًا لكسرة التاء قبلها، ولم يعتد باللام الساكنة، لأن الساكن غير حاجز حصين، كما أتبع من قرأ: "الْحَمْدُ لُلَّهِ" [الفاتحة: 2] بضم اللام إتباعًا لضم الدال قبلها1.
"وقيل": لا إتباع2، وإنما الكسر "على التداخل في حر في الكلمة إذ يقال: "حبك"3، بضمتين، و"حبك"4 بكسرتين"، فركب هذا القارئ منهما هذه القراءة، فأخذ من لغة الكسرتين كسر الحاء، ومن لغة الضمتين ضم الباء.
واعترض5 بأن التداخل إنما يكون بين حرفي كلمتين، لا بين حرفي كلمة واحدة، ووجهه الجاربردي6 بأنه لما تلفظ بالحاء المكسورة من7 اللغة الأولى غفل عنها، وتلفظ بالباء المضمومة من7 اللغة الثانية.
وقال ابن جني8: أراد أن يقرأ بكسر الحاء والباء، فبعد نطقه بالحاء مكسورة مال إلى القراءة المشهورة. فنطق بالباء مضمومة، ورده ابن مالك في شرح الكافية9. والحبك: تكسر كل شيء، كالرمل والماء. إذا مرت بهما الريح.
"وزعم قوم إهمال: فعل" بضم الفاء وكسر العين "أيضًا"، لما فيه من الانتقال من ضم إلى كسر، "وأجابوا عن دئل"، اسم دويبة، سميت به قبيلة من بني كنانة، "و: رئم" بضم الراء وكسر الهمزة، اسم جنس للإست، "بأنهما" من أصول الأسماء، وإنما هما "منقولان من الفعل" المبني للمعفول.
واعترض بأن ذلك ممكن في "الدئل" لأنه علم قبيلة، لا في "الرئم" لأنه اسم جنس، والنقل لا يكون إلا في الأعلام دون أسماء الأجناس.
وأجيب بأن السيرافي ذهب إلى أن النقل قد يجيء في أسماء الأجناس، فلا معنى للتوقف فيه.
__________
1 هي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة، انظر معاني القرآن للفراء 1/ 3، والكشاف 1/ 8.
2 في "ب": "إشباع".
3 كما في الرسم المصحفي.
4 هي قراءة أبي عمرو وأبي مالك الغفاري والحسن، وانظر الإتحاف ص399، والمحتسب 2/ 286.
5 في "ب": "واعترف".
6 شرح الشافية 1/ 35.
7 في "ب": "في".
8 المحتسب 2/ 286.
9 شرح الكافية الشافية 4/ 2021.(2/658)
"واحتج المثبتون" لـ"فعل" في أصول الأسماء1 "بـ: وعل" بضم الواو وكسر العين المهملة "لغة في: الوعل" بفتح الواو، وحكاه الخليل. فثبت بهذا أن "فعل" بضم أوله وكسر ثانيه ليس بمهمل ولا منقول، بل هو قليل.
"و" على القولين، فإنه "إنما أهمل أو قل" عند العرب "لقصدهم تخصيصه بفعل المفعول" دائمًا على الأول. وغالبًا على الثاني.
"والرباعي المجرد" خمسة أبنية:
"مفتوح الأول والثالث"، اسمًا "كـ: جعفر"، وصفة كـ"سلهب" للرجل الطويل.
"ومكسورهما، اسمًا كـ: زبرج" بكسر الزاي وسكون الموحدة وكسر الراء، وبالجيم للذهب، وصفة كـ"حرمل" للمرأة الحمقاء.
"ومضمومهما"، اسمًا "كـ: دملج" بالجيم، وصفة كـ"جرشع" للجمل العظيم.
"ومكسور الأول مفتوح الثاني"، اسمًا "كـ: فطحل"، بالفاء والطاء والحاء المهملتين لزمن الطوفان وزمن خروج نوح من السفينة، وصفة كـ"سبطر" للطويل.
"ومكسور الأول مفتوح الثالث"، اسمًا "كـ: درهم"، وهو معرب وإنما صح التمثيل به، لأنه على زنة الوضع العربي، وصفة كـ"هجرع" للطويل.
قال الأصمعي2: ولا ثالث لهما. وزيد "ضفدع، وصندد، وهبلع للأكول". وقيل: الهاء زائدة.
"وزاد الأخفش والكوفيون3 مضموم الأول مفتوح الثالث كـ: جخدب" بضم الجيم وسكون الخاء المعجمة. وفتح الدال المهملة، وهو الجراد الأخضر الطويل الرجلين كالجندب، وقيل، ذكر الجراد، أو الجسم السمين من الإبل.
"والمختار" عند جمهور البصريين؛ واستظهره في التسهيل؛ "أإنه فرع من مضمومهما" استثقالا لضمتين في رباعي ليس بينهما حاجر حصني، "و" لأنه "لم يسمع" فتح الثالث "في شيء" من الرباعي "إلا وسمع فيه الضم" من غير عكس، "كـ: جخدب وطحلب" للأخضر الذي يعلو الماء، و"برقع" من الأسماء، و"جرشع" بالجيم والراء، والشين المعجمة والعين المهملة، للعظيم من الجمال، ويقال للطويل.
__________
1 في "ب": "أسماء الأصول".
2 انظر شرح المرادي 5/ 229.
3 انظر الارتشاف 1/ 58.(2/659)
"ولم يسمع في: برثن"1 بضم الموحدة وسكون الراء وضم الثاء المثلثة2 فوق: أحد براثن الأسد، وهو بمنزلة الظفر للإنسان. "وبرجد" بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم وبالدال المهملة: لكساء مخطط، "وعرفط" بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الفاء وبالطاء المهملة: لشجر البادية، "إلا الضم" بالرفع على النيابة عن فاعل "يسمع".
"وللخماسي المجرد أربعة" من الأبنية3، "أمثلتها":
مفتوح الأول والثاني والرابع: اسمًا: "سفرجل"، وصفة: شمردل للطويل وشقحطب للتيس الذي له أربعة قرون.
ومفتوح الأول والثالث ومكسور الرابع اسمًا كـ"قهبلس" لحشفة الذكر، وصفة نحو: "جحمرش" بفتح الجيم وسكون المهملة وكسر الراء وبالشين المعجمة للعجوز المسنة، قاله السيرافي، وقيل: الأفعى العظيمة، وقيل: لم يأت هذا الوزن إلا صفة، وأن "القهبلس" المرأة العظيمة.
ومكسور الأول مفتوح الثالث اسمًا "قرطعب" بكسر القاف وسكون الراء وفتح الطاء المهملة وبالموحدة: الشيء التافه الحقير يقال: ما عليه قرطعبة، وصفة جردحل للجمل الضخم.
ومضموم الأول مفتوح الثاني مكسور الرابع اسمًا نحو: "قبعثر" للأسد وصفة "قذعمل" بضم القاف وفتح الذال المعجمة، وسكون العين المهملة وكسر الميم للبعير الضخم.
"فجملة الأوزان المتفق عليها" عند الجميع "عشرون" وزنا، أحد عشر للثلاثي: وخمسة للرباعي، وأربعة للخماسي. وجعل مضموم الفاء مكسور العين متفقًا عليه، إما لضعف القول بإهماله، ولذا قال: وزعم قوم إهمال "فعل", وإما للتغليب.
وما ذكره من أصالة جميع حروف الرباعي والخماسي هو مذهب البصريين، وأما الكوفيون فذهبوا إلى أن كل اسم زادت حروفه على ثلاثة ففيه زيادة4.
__________
1 في "أ"، "ط": "برتن"؛ بالتاء والتصويب من أوضح المسالك 4/ 361.
2 في جميع النسخ: "المثناة" والتصويب من حاشية يس 2/ 356.,
3 في "ب": "الأمثلة".
4 الإنصاف 2/ 793، المسألة رقم 114.(2/660)
فإن كان على أربعة كـ"جفعر" ففيه زيادة واحدة، وهل هي الحرف الأخير أو ما قبله؟ ذهب الفراء إلى الأول، والكسائي إلى الثاني1.
وإن كان على خمسة أحرف كـ"سفرجل" ففيه زيادتان قاله الشاطبي.
"وما خرج عما ذكرنا من الأسماء العربية الوضع فهو مفرع عنها، إما بزيادة في أوله "كـ: منطلق"، أو في وسطه كـ"ظريف"، "و" فيهما نحو: "محرنجم" أو في آخره كـ"حبلى". "أو بنقص أصل كـ: يد، ودم" وأصلهما: "يدي، ودمي"، "أو بنقص حرف زائد كـ: علبط" بضم العين المهملة وفتح اللام وكسر الباء الموحدة، وبالطاء المهملة الغليظ الضخم. "أصله "علابط" بدليل أنهم نطقوا به" على أصله.
"و" الدليل على وجود الألف بعد اللام "أنهم لا يوالون بين أربع متحركات"2 في كلمة واحدة، إلا أن يعرض عارض كزيادة في تقدير الانفصال نحو: شجرة.
"أو بتغيير شكل" أي حركة "كتغيير مضموم الأول والثالث بفتح ثالثه نحو: جخدب" بضم الجيم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال.
"أبو بكسر أوله في نحو: خرفع" بكسر الخاء المعجمة "وسكون الراء وضم الفاء وبالعين المهملة القطن الفاسد.
"وكتغيير مكسورهما" أي الأول والثالث "بضم ثالثه في" نحو: زئبر" بكسر الزاي وسكون الهمزة بعدهما وضم الموحدة، وأصلها الكسر، وهو ما يعلو الثوب الجديد.
"وأما سرخس" بفتح السين المهملة والراء وسكون الخاء المعجمة، وبالسين المهملة لبلدة. "وبلخش" بفتح الموحدة واللام وسكون الخاء المعجمة وبالشين المعجمة لنوع من الجواهر "فأعجميان" لا عربيان، إذ ليس في أمثلة الرباعي مفتوح الأول والثاني.
__________
1 الإنصاف 2/ 793.
2 في "ب": "محركات".(2/661)
فصل:
"وينقسم الفعل إلى:
مجرد" من الزوائد، "وأقله ثلاثة، كـ: ضرب" وقعد، "وأكثره أربعة، كـ: دحرج" ودربخ: أي ذل.
"وإلى مزيد فيه"، وأقله أربعة كـ"أكرم"، و"غايته ستة كـ: استخرج"، وبينهما الخماسي كـ"انطلق"، ومزيد الرباعي أقله خمسة كـ"تدحرج"، وغايته ستة كـ"احرنجم".
"و" مزيد الثلاثي "أوزانه كثيرة" ومشهورها خمسة وعشرون وزنًا.
ومزيد الرباعي أوزانه ثلاثة: "تفعلل" كـ: تدحرج، و"افعنلل" كـ: احرنجم و"افعلل" كـ: اقشعر. واختلف في هذا الثالث، فقيل هو بناء مقتضب، وقيل: هو ملحق بـ"احرنجم".
وزاد بعضهم في مزيد الرباعي وزنًا رابعًا: وهو "افعلل"1 نحو: اجرمز.
"وأوزان الثلاثي" المجرد "ثلاثة": مفتوح العين، ومكسورها، ومضمومها.
"كـ: ضرب وعلم وظرف"2، لأن الفاء لا يكون إلا مفتوحًا لرفضهم الابتداء بالساكن. وكون الفتحة أخف، واللام مفتوح دائمًا للخفة والعين ولا تكون إلا متحركة3. لئلا يلزم التقاء الساكنين في نحو: "ضربت" والحركات منحصرة في الفتح والكسر والضم.
وأما ما جاء من نحو: "نعم، وشهد" بفتح الفاء وكسرها مع سكون العين فمزال عن الأصل لضرب من الخفة، والأصل فيهما "فعل" بكسر العين.
"وأما نحو: "ضرب" بضم أوله وكسر ثانيه" ففيه قولان:
__________
1 هذا الوزن جعله بعضهم نفس "افعنلل"، وأضاف السيوطي في المزهر 2/ 41-42 أوزانًا أخرى ألحقها بالرباعي المزيد بحرفين.
2 المبدع في التصريف ص101.
3 في "ب": "محركة".(2/662)
أحدهما: أنه أصل برأسه، وإليه ذهب المبرد1، وابن الطراوة والكوفيون2، ونقله في شرح الكافية3 عن سيبويه والمازني.
والثاني: أنه فرع عن فعل الفاعل، وإليه ذهب جمهور البصريين، ونقل عن سيبويه4.
"فمن قال: إنه وزن5 أصلي مستدلا بأن نحو: جن، وبهت، وطل دمه، وأهدر" دمه، "أولع بكذا، وعني بحاجتي، بمعنى، اعتنى بها، وزهي علينا، بمعنى: تكبر"، و"حم زيد، وزكم، ووعك، وفلج، وسقط في يده، ورهصت الدابة ونفست المرأة، ونتجت الناقة، وغم الهلال، وأغمي على زيد"، وأخواتها "لم تستعمل إلا مبنية للمفعول"، خبر "أن" "عده" وزنًا "رابعًا" خبر "فمن قال".
وتقرير الدليل منه أن "فعل" المفعول لو كان فرعًا لغيره لكان مستلزمًا وجوده وجود ذلك الغير ضرورة كون الفرع يستلزم وجوده أصله، واللازم باطل، فالملزوم، مثله، وبيان الملازمة أن الفرعية ثابتة للأصل، ولا يوجد في فرع بغير أصل.
ونحن وجدنا أفعال مبنية للمفعول غير مغيرة عن المبني للفاعل، وجوابه النقض, وهو أن لنا جموعًا لم يسمع لها واحد كـ"عباديد، وأبابيل"، والجمع فرع الإفراد اتفاقًا، فلو كان ما ذكرتم صحيحًا لزم كون الجمع أصلا برأسه، وأنتم لا تقولون به، فما كان جوابكم عن هذا فهو جوابنا عن ذلك.
"ومن قال: "إنه فرع عن فعل الفاعل مستدلا بترك الإدغام في نحو: سوير"، وترك الإبدال في نحو: ووري، "لم يعده" وزنًا رابعًا.
وتقرير الدليل أن الواو والياء متى اجتمعتا، وسبقت إحداهما بالسكون فإن الواو تقلب ياء، وتدغم الياء في الياء، وإن الواوين متى اجتمعتا في أول الكلمة6 أبدلت الأولى همزة لزومًا، فلما لم يحصل إدغامًا ولا إبدال، دل ذلك على أنهما مغيران عن فعل
__________
1 لم يذكر المبرد مثل ذلك في المقتضب، بل ذكر أن أوزان الثلاثي هي: فَعَل، فَعُل، فَعِل. انظر المقتضب 1/ 71، 2/ 110.
2 انظر شرح المرادي 5/ 222.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 2014.
4 الكتاب 1/ 42.
5 سقط من "ب".
6 في "ب": "كلمة".(2/663)
الفاعل وهو "ساير، وارى" فكما لا تدغم الألف من "ساير" ولا تهمز الواو من "وارى" فكذلك ما غير عنهما.
وأجاب الأولون عن ترك الإدغام والإبدال، فقالوا: أما ترك الإدغام فلئلا يلتبس بمجهول "فعل" لأنه إذا قيل "سير" بالإدغام لم يعلم أنه مجهول "ساير"، أو "سير" وأما ترك الإبدل فلأن الواو الثانية في "ووري" ليست متأصلة في الواوية، لأنها منقلبة عن ألف "وارى".
"وللرباعي وزن واحد كـ: دحرج"، و"زلزل"، "ويأتي في "دحرج بالضم" في أوله، والكسر فيما قبل آخره "الخلاف" السابق "في "فُعِل" المفعول".(2/664)
فصل في كيفية الوزن:
"ويسمى التمثيل" لمماثلة حروف الميزان لحروف الموزون من تعداد الحروف، وهيئاتها.
وفائدة الوزن بيان أحوال أبنية الكلم1 في ثمانية أمور: الحركات، والسكنات، والأصول، والزوائد والتقديم، والتأخير، والحذف، وعدمه، والميزان لفظ "فعل" "تقابل الأصول بالفاء فالعين فاللام" على الترتيب المستفاد من الفاء حال كون حروف الميزان "معطاة ما لموزونها2 من تحرك، وسكون" أصليين.
"فيقال في" وزن "فلس" من الأسماء: "فعل" بسكون العين.
"وفي" وزن "ضرب" من الأفعال. "فعل" بفتح العين.
"وكذلك" يقال "في" وزن "قام" من الأجوف، "وشد" من المضاعف، "فعل" بفتح العين، "لأن أصلهما" قبل القلب والإدغام "قوم، وشدد" بفتح العين فيهما، فقلبت الوام ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها في الأول، وأدغمت الدال في الدال لاجتماع المثلين في الثاني.
"و" يقال "في" وزن "علم: فعل" بكسر العين، "وكذلك" يقال "في" وزن "هاب" من الأجوف، "ومل" من المضاعف، "فعل" بكسر العين فيهما، لأن أصلهما "هيب وملل" بكسر العين فيهما، ففعل بهما ما تقدم من القلب والإدغام.
"و" يقال "في" وزن "ظرف: فعل" بضم العين فيهما، "وكذلك" يقال "في" وزن "طال، وحب"، "فعلف" بضم العين فيهما، لأن أصلهما "طول، وحبب"، بضم العين فيهما، ففعل ما تقدم من القلب والإدغام، فحصل بذلك بيان الحركات الأصلية والسكنات.
__________
1 في "ب": "الكلمة".
2 في "ب": "لوزنها".(2/665)
"فإن بقي من أصول الكلمة شيء زدت" في الميزان "لاما ثانية في" وزن "الرباعي، فقلت في" وزن "جعفر: فعلل، و" زدت لامًا "ثانية وثالثة في" وزن "الخماسي، فقلت في" وزن "جحمرش: فعللل".
وما ذكره الموضح في كيفية وزن الثلاثي مجمع عليه، وما ذكره في غيره [اختلف فيه على مذهبين:
أحدهما: ما ذكر، وهو قول البصريين بناء على أن الجميع أصول، وهو الصحيح.
والثاني: أن ما زاد على الثلاثة]1 زائد، قاله الكوفيون2: بناء على قولهم: إن منتهى الأصول ثلاثة كما تقدم عنهم، ثم اختلفوا على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه لا يوزن، لأنه لا يدرى كيفية وزنه.
والثاني: أنه يوزن، ويقابل3 آخره بلفظه.
والثالث: أنه يوزن ويقابل الذي قبل آخره بلفظه، وهو مبني على أن الزائد هل هو الآخر أو ما قبله، فالفراء على الأول، والكسائي على الثاني.
فهل "جعفر": "فعلل" كما يقول البصريون، أو "فعلر" بزيادة الراء، أو "فعفل" بزيادة الفاء، أو لا يدرى ما هو. أقوال أربعة.
"ويقابل" الحرف "الزائد بلفظه"، ليتميز عن الأصل إلا فيما يستثنى.
"فيقال في" وزن "أكرم" بزيادة الهمزة، "وبيطر" بزيادة الياء، "وجهور" بزيادة الواو: "أفعل، وفيعل، وفعول" على طريق اللف والنشر على الترتيب.
"و" يقال "في" وزن "اقتدر" بزيادة الهمزة والتاء: "افتعل، وكذلك" يقال "في" وزن "اصطبر" مما فاؤه صاد، وقلبت تاء الافتعال فيه طاء، "واذدكر" مما فاؤه ذال معجمة، وقلبت تاء الافتعال فيه دالا مهملة: افتعل، "لأن الأصل" فيهما: "اصتبر، واذتكر" قلبت تاء الافتعال في الأول طاء وفي الثاني دالا لما سيجيء.
"و" يقال "في" وزن "استخرج" مما تساوى فيه عدد الزيادة والأصول، "استفعل".
"إلا أن الزائد إذا كان تكرارًا لأصل"، سواء كان للإلحاق أم لا "فإنه يقابل عند الجمهور بما قوبل به ذلك الأصل"، لأن تكرار الأصل في علم الصرف بمنزلة
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 الممتع في التصريف 1/ 312، والمبدع ص141.
3 في "ب": "يقابله".(2/666)
التوكيد اللفظي في علم النحو، فكما أن ذلك يعطي حكم الأول فيتبعه في إعرابه فهذا يوزن بما يوزن فيه الأصل إعلاما بأن هذا تكرار لما سبق "كقولك في" وزن "حلتيت" بكسر الحاء المهملة، وهو صمغ الأنجذان، بفتح الهمزة وضم الجيم وإعجام الذال: نبات جيد لوجع المفاصل، "و" في "سحنون" بضم السين المهملة وسكون الحاء المهملة وبنونين، وهو أول المطر والريح، "و" في وزن "اغدودن" بالغين المعجمة وبالدال المهملة، يقال: اغدودن الشعر إذا طال، واغدودن النبت إذا اخضر: "فعليل، وفعلول، وافعوعل" لفا ونشرا مرتبًا، فالتاء في "حلتيت" للإلحاق بـ"قنديل"، والنون في "سحنون" للإلحاق بـ"غضروف"، والدال في "اغدودن" لغير الإلحاق.
وذهب بعضهم إلى أن الزائد يقابل بلفظه مطلقًا، ولو كان تكرارًا لأصل فيقال في وزن ["حلتيت: فعليت"، وفي وزن "سحنون: فعلون" وفي وزن]1 "اغدودن: افعودل".
"وإذا كان في الموزون تحويل" من مكان إلى مكان، ويسمى القلب المكاني، "أو حذف" لبعض الأصول "أتيت" أنت "بمثله في الميزان":
فتقول في" وزن "ناء" بالمد، ماضي "يناء": "فلع، لأنه من النأي" والأصل "نأي" فحول اللام وهي الياء إلى موضع العين، وهي الهمزة، فصار "نيأ" فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار "ناء" بالمد.
"و" تقول "في" وزن "الحادي" وهو مبدأ العدد: "عالف، لأنه من: الوحدة"، والأصل: "الواحد"، فحول2 الفاء وهي الواو إلى موضع اللام، وهي الدال، ولا يمكن الابتداء بالألف، فتقدم الحاء عليه فصار "الحادو" فقلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة إثر كسرة فصار "الحادي".
"وتقول في" وزن "يهب" مما حذفت فاؤه: "يعل" والأصل: "يوهب"، حذفت فاؤه لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، لأنه في الأصل: "يفعل"، بالكسر، ففتح لحرف الحلق، فيكون الحذف من "يفعل" بالكسر، قاله التفتازاني في "يطأ" وأخواته3.
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "فحمل".
3 أي قال إن حذف الواو منها لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة في الأصل، والمراد بأخوات يطأ: يدع ويذر، وانظر حاشية يس 2/ 359، والمبدع في التصريف ص169.(2/667)
"و" تقول "في" وزن ["بِعْ" أمر من "باع": "فل"، والأصل: "بيع" حذفت عينه لالتقاء الساكنين.
"و" تقول "في" وزن]1 "قاض", مما حذفت لامه: "فَاعٍ"، والأصل: "قاض"، حذفت لامه لالتقاء الساكنين.
وقد يتعذر وزن الكلمات كـ"اسطاع، و: اهراق", وذلك لأنا نعتبر الحركة والسكون بأصلهما، والفاء في ذلك أصلها السكون، والسين والهاء ساكنان، فيلزم في الميزان التقاء الساكنين، فالصواب أن يقال في وزنهما: "أفْعَل"، لأن أصلهما: "أطَوَع، وأرْيَق"، والسين والهاء زائدتان2.
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 الممتع في التصريف 1/ 226.(2/668)
فصل فيما تعرف به الأصول والزوائد:
"قال الناظم" في النظم:
925- والحرف إن يلزم فاصل والذي لا يلزم الزائد مثل تا احتذي
فعرف الحرف الأصلي بأنه يلزم في جميع التصاريف، وعرف الزائد بأنه الذي لا يلزم في جميع التصاريف، [ومثله بتاء "احتذي" فإنها زائدة، لأنها تحذف في بعض التصاريف]1، تقول: حذا حذوه، والاحتذاء: الاقتداء ولبس النعل. "وفي" كلا "التعريفين نظر".
"أما" التعريف "الأول"، وهو تعريف الأصل "فلأن الواو من "كوكب" والنون من "قرنفل" زائدتان, كما ستعرفه" قريبًا، "مع أنهما لا يسقطان" في جميع التصاريف.
"وأما" التعريف "الثاني" وهو تعريف الزائد "فلأن الفاء من: وعد، والعين من: قال، واللام من: غزا، أصول مع سقوطهن في: يعد، وقل، ولم يغز"، فتعريف الأصل غير جامع، وتعريف الزائدة غير مانع.
وأجاب عنه المرادي2 بأن الأصل إذا سقط لعلة فهو مقدر الوجود بخلاف الزائد، والزائد إذا لزم فهو مقدر السقوط، ولذلك يقال: الزائد ما هو ساقط في أصل الوضع تحقيقًا أو تقديرًا.
"وتحرير القول فيما تعرف به الزوائد أن يقال: اعلم3 أنه لا يحكم على حرف بالزيادة حتى تزيد بقية" أصول "أحرف الكلمة" عند التردد فيها "على أصلين، ثم الزائد نوعان، تكرار الأصل4 وغيره".
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 شرح المرادي 5/ 234.
3 سقط من "ب".
4 في أوضح المسالك 4/ 364، "تكرار لأصل".(2/669)
"فالأول" وهو تكرار الأصل "لا يختص بأحرف بعينها"، بل يكون في جميع الحروف إلا الألف، فإنها لا تقبل التضعيف، وسواء كانت من حروف "سألتمونيها"1 أم لا.
"و" الزائد لتكرار أصل "شرطه:
أن يماثل اللام كـ: جلبب" بزيادة الباء الثانية للإلحاق بـ"دحرج"، "وجلباب" مصدره، ويطلق على الملحفة.
"أو" يماثل "العين، إما مع الاتصال كـ: قتل" بالتشديد وزيادة إحدى التاءين على الخلاف في أنهما الأولى أو الثانية، "أو مع الانفصال بزائد" بينهما "كـ: عقنقل" بفتح العين المهملة والقافين وبينهما نون ساكنة، وهو الكثيب العظيم المتداخل الرمل.
"أو يماثل الفاء والعين كـ: مرمريس" بفتح الميمين، وسكون الراء الأولى وكسر الثانية، وفي آخره سين مهملة قبلها ياء مثناة تحتانية ساكنة وهو2 الداهية، و"مرمريت" للقفر، ولا ثالث لهما.
"أو" تماثل "العين واللام كـ: صمحمح" بمهملات: الشديد، وقال الجرمي: الغليظ القصير، وقال ثعلب رأس صمحمح أي أصلع غليظ شديد.
والحاصل: أنه متى تكرر حرفان في كلمة، ولها أصل غيرهما حكم بزيادة أحد المضعفين، وفي تعيين الزائد خلاف.
وذكر في التسهيل3 أنه يحكم بزيادة ثاني المتماثلات وثالثها في نحو "صمحمح" يعني الحاء الأولى والميم الثانية، وبزيادة ثالثها ورابعها في نحو: "مرمريس" يعني الميم الثانية والراء التي تليها.
واستدل بعضهم على زيادة الحاء الأولى في "صمحمح" والميم الثانية في "مرمريس" بحذفهما في التصغير حيث قالوا: "صميمح، و: مريريس".
ونقل عن الكوفيين في "صمحمح" أن وزنه "فعلل" وأصله "صمحح"4 أبدلوا الوسطى ميمًا.
__________
1 ويقال لها أيضًا: "أمان وتسهيل" انظر المبدع في التصريف ص118.
2 في "ب": "وهي".
3 التسهيل ص297.
4 الإنصاف 2/ 788، المسألة رقم 113، وذهب البصريون إلى أنه على وزن فعلعل.(2/670)
"وأما الذي يماثل الفاء وحدها كـ: قرقف" بقافين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، وهو الخمر، "وسندس" وهو رقيق الديباج, "أو" يماثل" "العين المفصولة" بأصل "كـ: حدرد" بمهملات, اسمًا لرجل، ولم يجئ على "فعلع" بتكرير العين غيره، "فأصلي", جواب "وأما".
"و" أما "إذا بني الرباعي من حرفين فإن لم يصح إسقاط ثالثه فالجميع أصل كـ: سمسم" بكسر السينين المهملتين، ووزنه: "فعلل" لأن أصالة الاثنين متحققة ولا بد من ثالث مكمل للأصول، وليس أحد الباقين بأولى من الآخر، فحكم بأصالتهما.
وحكي عن الخليل والكفوفيين أن وزنه: "فِعْفِل"1, تكررت فاؤه، وهو بعيد. "وإن صح" إسقاط ثالثه "كـ: لملمة" فإنه يصح إسقاط ثالثه، "و" يقال "لمه" وهو أمر من "لملمت" بمعنى: لممت.
"فقال الكوفيون: ذلك الثالث" الصالح للسقوط "زائد مبدل من حرف مماثل للثاني"، فأصل "لملم" على قولهم "لمم" فاستثقل توالي ثلاثة أمثال، فأبدلوا من آخره حرف يماثل الفاء.
ورد بأنهم قالوا في مصدره: "فعللة" ولو كان مضاعفًا في الأصل لجاء على "التفعيل".
"وقال الزجاج" من البصريين: ذلك الثالث الصالح للسقوط "زائد غير مبدل من شيء وقال بقية البصريين: أصل".
واختار الشارح مذهب الكوفيين، وقال2: إنه أولى من جعله ثنائيًّا مكررًا موافقًا في المعنى للثلاثي المضاعف كما يقول البصريون في أمثاله كـ"قصقصت، وكفكفت, وكبكبت"، انتهى.
"والنوع الثاني" من نوعي الزائد وهو ما زيد لغير تكرار "مختص بأحرف عشرة"، جمعت في كلمات مرارًا، وهي: هم يتساءلون، يا هول استنم، أسلمني وتاه، وهويت السمان، أهوت سليمان، سألتمونها، [نويت ألمسها، ونويت ألامسه، ما أنت وسهيل، أشماله تمين، أنت ولي مسها، أهوال سمتني، أتلهو يا مسن، أتنسم وليها، هل
__________
1 شرح المراد 5/ 241.
2 شرح ابن الناظم ص588.(2/671)
أنت مواسي، نويت أسالمه، وأنت سيل هام، أنت مايس لهو، أنت سايم هول. أو لها تسنيم، تاوه سليمان، اليوم تنساه، يا أوس هل نمت، لم يأتنا سهو]1 "وجمعها الناظم في بيت واحد أربع مرات فقال"2: [من الطويل]
هناء وتسليم تلا يوم أنسه نهاية مسؤول أمان وتسهيل
وينبغي أن يعدوا الشين المعجمة في نحو: "أكرمتكش" في خطاب المؤنث، فإن قالوا: هذه مختصة بالوقف قلنا: وهاء السكت كذلك.
وخصت3 هذه الأحرف بالزيادة دون غيرها لأن أولى ما زيد حرف المد واللين، لأنها أخف الحروف، وغيرها من الأحرف العشرة يرجع إليها.
فالهمزة مجاورة للألف في المخرج، وتنقلب إلى حرف اللين عند التخفيف. والهاء أيضًا مجاورة للألف في المخرج. والميم من مخرج الواو، وهو الشفة، وفيها غنة. والنون فيها غنة تمد في الخيشوم امتداد الألف في الحلق. والتاء حرف مهموس، أبدلت من الواو في "تجاه". والسين حرف مهموس فيه صفير، ويقرب مخرجه من مخرج الياء. واللام وإن كانت حرفًا مجهورًا لكنها تشبه النون، وقريبة من مخرجها.
وأسباب الزيادة سبعة:
للإلحاق نحو "كوثر". والدلالة على معنى كحرف المضارعة. وإسكان النطق كهمزة الوصل، وهاء "السكت في "قه". وبيان الحركة كـ: {سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 29]. والمد كـ"كتاب". والعوض كـ"زنادقة"، والتكثير كـ"قبعثرى" قاله ابن عصفور4.
ولها شروط، "فتزاد الألف بشرط أن تصحب أكثر من أصلين"، ولا يكون في الأول لتعذر الابتداء بالساكن, بل تكون ثانية "كـ: ضارب، و" ثلاثة نحو: "عماد، و" رابعة نحو: "غضبى، و" خامسة نحو: "سلامى" بضم السين المهملة عظام صغار في أصابع اليدين والرجلين، وسادسة: نحو: "قبعثرى"، وسابعة نحو: "بردرايا".
ويستثنى من ذلك إذا صحبت أكثر من أصلين من مضاعف الرباعي، نحو: "ضوضى" فإنها فيه بدل من أصل لا زائدة "بخلاف، نحو: قال، وغزا" لأن الألف فيهما ليست زائدة لكونها لم تصحب أكثر من أصلين.
__________
1 ما بين المعكوفين سقط من "ب"، "ط".
2 شرح الكافية الشافية 4/ 2023
3 في "ب": "خصصت".
4 الممتع في التصريف 1/ 205-206، وانظر المبدع في التصريف ص118، 119.(2/672)
"وتزاد الواو والياء" أختها "بثلاث شروط"1.
"أحدها: ما ذكر في الألف"، وهي أن تصحب أكثر من أصلين.
"والثاني: أن لا تكون الكلمة" التي هما فيها "من باب: سمسم" من الرباعي المضاعف.
"والثالث: ألا تتصدر الواو مطلقًا"، سواء كانت قبل أربعة أصول أم لا، "ولا" تتصدر "الياء قبل أربعة أصول في غير مضارع، وذلك نحو: صيرف، وجوهر" في زيادتهما ثانيتين، "وقضيب، وعجوز" في زيادتهما ثالثتين، "وحذرية, وعرقوة" في زيادتهما رابعتين، والحذرية بكسر الحاء وسكون الذال المعجمة، وكسر الراء قطعة من الأرض غليظة، والعرقوة بفتح العين المهملة، وسكون الراء وضم القاف: الخشبة المعترضة على رأس الدلو.
"بخلاف نحو: بيت، وسوط" فإن الواو والياء فيهما لم يصحبا أكثر من أصلين.
"و" بخلاف نحو: "يؤيؤ، ووعوعة"، فإنهما من باب "سمسم" واليؤيؤ بضم الياءين التحتانيتين، بعدهما واو مهموزة: اسم طائر ذي مخلب يشبه الباشق، والوعوعة: مصدر وعوع السبع، بعينين مهملتين: إذا صوت2، "وورنتل، ويستعور" لتصدر الواو مطلقًا والياء قبل أربعة أصول في غير مضارع2، والورنتل بفتح الواو والراء، المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة فوق: الشر3، وزعم قوم أن الواو فيه زائدة، وهو ضعيف، إذ لا نظير لذلك، والصحيح أن الواو أصلية4، ولم يذكره الجوهري.
واختلف في لامه، فقيل: زائدة، وإليه ذهب الفارسي وابن مالك5، وقيل: أصلية، وعلى القولين وزنه: "فعنلل"، إلا أن اللام الأخيرة على الأول زائدة، وعلى الثاني أصلية.
وأما "يستعور" بمثناة تحتانية فسين مهملة، فمثناة فوقانية, فعين مهملة، فواو، فراء مهملة، فوزنه: "فعللول" كـ"عضرفوط"، هذا هو الصحيح، لأن الاشتقاق لم
__________
1 انظر الممتع في التصريف 1/ 287-292، والمبدع ص136-137، وشرح ابن الناظم ص589.
2 شرح ابن الناظم ص589.
3 في "ط": "النسر" وانظر شرح ابن الناظم ص589.
4 انظر شرح ابن الناظم ص589، والمبدع في التصريف ص137.
5 شرح الكافية الشافية 4/ 2038.(2/673)
يدل على الزيادة في مثله إلا في المضارع نحو: "تدحرج"، وهو شجر يتسوك بعيدانها، قال المرادي1.
وقال الجوهري: اسم موضع عند المدينة، وكساء يجعل على عجز البعير، واسم من أسماء الدواهي يقال: ذهب في اليستعور أي: في الباطل، قاله الجاربردي2.
"وتزاد الميم بثلاثة شروط أيضًا وهي3: أن تتصدر وتتأخر عنها ثلاثة أصول فقط، وأن لا تلزم في الاشتقاق، وذلك نحو: مسجد" لمكان السجود، "ومنبج" بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وبالجيم، قال الجوهري4: اسم موضع.
"بخلاف نحو: ضرغام" لعدم تصدر الميم، "ومهد" لأنها لم تتأخر عنها ثلاثة أصول، والضرغام: الأسد والمهد: مهد الصبي، "ومرزجوش" لأنها لم تتأخر عنها ثلاثة أصول فقط، بل أزيد من ذلك، وهو بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي و ضم الجيم، وفي آخره شين معجمة. و"المردقوش" بالميم والراء والدال المهملة والقاف، وفي آخره شين معجمة: بقلة طيبة الريح، "ومرعز" بكسر الميم والعين المهملة وفي آخره زاي، وهو ما لان من الصوف، "فإنهم قالوا: ثواب ممرعز، فأثبتوها"، أي الميم لزومًا "في الاشتقاق".
وبهذا رد ابن مالك5 على سيبويه في قوله: إن الميم فيه زائدة6.
ويشترط لزيادة الميم أيضًا أن لا تكون كلمتها رباعية مؤلفة من حرفين، كـ"مرمر، ومهمه".
"وتزاد الهمزة المصدرة بالشرطين7 الأولين"، وهما: أن تتصدر وأن يتأخر عنها ثلاثة أصول فقط، ولو قال بالشرط لكفى، لأنه فرض الكلام في الهمزة المصدرة، فشرط تصدير المصدر لغو، "نحو: أفكل" بفتح الهمزة والكاف وسكون الفاء بينهما، وهي الرعدة، يقال: أخذه الأفكل إذا أخدته الرعدة، "وأفضل" اسم تفضيل.
__________
1 شرح المرادي 5/ 247.
2 شرح الشافية 2/ 347.
3 المبدع في التصريف ص126-130، وشرح ابن الناظم ص589.
4 الصحاح "نبج".
5 شرح الكافية الشافية 4/ 2059.
6 الكتاب 4/ 309.
7 المبدع في التصريف ص124-126.(2/674)
"بخلاف" الهمزة "نحو: كنأبيل" بكاف مضمومة ونون مفتوحة فهمزة ساكنة فباء موحدة مثناة تحت كـ"خزعبيل" اسم موضع باليمن لانتفاء التصدر "وأكل" لأن المتأخر عنها أصلان لا ثلاثة، "وإصطبل" بقطع الهمزة المكسورة، لأن المتأخر عنها أربعة أصول لا ثلاثة، فإن "إصطبل" خماسي، كـ "جردحل".
"وتزاد" الهمزة "المتطرفة بشرطين، وهما: أن يسبقها ألف وأن تسبق تلك الألف أكثر من أصلين"، سواء فتح أول كلمتها أم كسر أم ضم. فالأول "نحو: حمراء، و" الثاني نحو: "علباء، و" الثالث نحو: "قرفصاء".
فالهمزة في الأول والثاني سبقت بثلاثة أصول، وفي الثالث بأربعة أصول، "بخلاف" همزة "نحو: ماء، وشاء" فإن الألف قبلها بأصل واحد، "وبناء، وإناء" فإن الألف مسبوقة بأصلين لا بأكثر، وبخلاف نحو: "نبأ" وهو الخبر، فإن الهمزة لم تسبق بألف.
"وتزاد النون متأخرة بالشرطين"1 المذكورين في الهمزة المتطرفة وهما:
أن يسبقها ألف، وأن تسبق تلك الألف بأكثر من أصلين، سواء في ذلك الاسم والصفة، "نحو: عثمان، وغضبان".
وتزاد متأخرة أيضًا في المثنى والمجموع على حده، وما حمل عليهما "بخلاف نون نحو:أمان، وسنان" فإن الألف فيهما سبقت بأصلين لا بأكثر منهما.
"وتزاد" النون "متوسطة بثلاثة شروط: أن يكون توسطها بين أربعة بالسوية، وأن تكون ساكنة، وأن تكون غير مدغمة، وذلك كـ: غضنفر" وهو الأسد، "وعقنقل" بعين مهملة وقافين، وهو كثيب الرمل العظيم، "وقرنفل" وهو نوع من العطر، "وحبنطى" وهو القصير، "وورنتل" وهو الشر2، "بخلاف نون: عنبر" فإن قبلها حرف وبعدها حرفان، "و" نون "غرنيق" بضم الغين المعجمة وسكون الراء وفتح النون: طير من طيور الماء طويل العنق، فإنها متحركة لا ساكنة. "و" نون "عجنس" بفتح العين المهملة والجيم وتشديد النون وفي آخره سين مهملة: الجمل الضخم، فإنها مدغمة تعارضت فيه زيادة النون مع زيادة التضعيف، فغلب التضعيف لأنه أكثر، وجعل وزنه "فعلل" كـ"عدبس" وقال أبو حيان3: والذي أذهب إليه أن النونين زائدتان، ووزنه "فعنل".
__________
1 المبدع في التصريف ص130.
2 في "ط": "النسر".
3 الارتشاف 1/ 101.(2/675)
"وتزاد" النون "مصدرة في المضارع"1 نحو: نضرب، وثانية نحو: حنظل، وثالثة نحو: غضنفر، ورابعة نحو: رعشن، وخامسة نحو: سرحان، وسادسة نحو: زعفران، وسابعة نحو: عبيثران: وهو نبت طيب الرائحة.
"وتزاد التاء2 في التأنيث كـ: قائمة"، وقامت، "و" في "المضارع كـ: تقوم، و" في الماضي "المطاوع" من الثلاثي والرباعي "كـ: تعلم" بتشديد اللام، "وتدحرج، و" في "الاستفعال" نحو: الاستخراج، "و" في "التفعل" نحو: التكسر، "و" في "الافتعال" نحو: الاقتدار، وفي التفاعل كـ: التضارب، "وفروعهن" من الفعل والوصف، وفي التفعيل والتفعال، نحو الترديد، والترداد دون فروعهما، لأن فروعهما لا تاء فيها.
"وتزاد السين3 في الاستفعال" كـ: الاستخراج، وفروعه4، "وأهملها الناظم" في النظم، "وابنه" في شرحه.
"وزيادة الهاء واللام قليلة" في الاستعمال، فزيادة الهاء5 "كـ: أمهات، واهراق، و" زيادة اللام6 نحو: "طيسل" بفتح الطاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة "للكثير"، بالمثلثة "بدليل سقوطها" أي الهاء "في" المصدر نحو: "الأمومة" وفي الجمع أيضًا كقوله: [من المتقارب]
938 ........................... فرجت الظلام بأماتكا
وقد غلب "الأمهات" في العقلاء، و"الأمات" في البهائم، وقيل: "الأمهات" جمع "أمهة"، قال: [من الرجز]
__________
1 المبدع في التصريف ص130.
2 المبدع في التصريف ص134.
3 المبدع في التصريف ص123.
4 في المبدع في التصريف ص123: "والسين يزاد في استفعل وما تصرف منه من مضارع واسمي فاعل ومفعول ومصدر، وبعد "كاف" المؤنث وقفًا: مررت بكس".
5 المبدع في التصريف ص122، والممتع في التصريف 1/ 219.
6 المبدع في التصريف ص120، والممتع في التصريف 1/ 214.
938- صدر البيت: "إذا الأمهات قبحن الوجوه"، وهو لمروان بن الحكم في المقتضب 3/ 139 "الحاشية"، وبلا نسبة في الدرر 1/ 14، ورصف المباني ص401، وسر صناعة الأعراب 2/ 564، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 383، وشرح الشافية ص308، وشرح المفصل 10/ 3، ولسان العرب 12/ 30 "أمم"، وهمع الهوامع 1/ 23.(2/676)
939- أمهتي خندف وإلياس أبي
فالهاء زائدة في المفرد والجمع، ووزن "أمهة: فعلهة"، و الهاء للتكثير، أو للإلحاق عند من أثبت "فعللا". وجوز ابن السراج1 أصالتها، فيكون وزن "أمهة: فعلة" كـ"أبهة"، وهي العظمة، ويقويه حكاية الخليل في كتاب العين: تأمهت أما، أي: اتخذت أما، ثم حذفت الهاء فبقي "أما" ووزنه: "فع"، لكنه كتاب مضطرب، وكان الفارسي يعرض عنه. وفي الصحاح2 أمهات جمع أمهة, أصل أم، انتهى.
"و" سقوطها في "الإراقة" مصدر "أراق", وبذلك يرد على المبرد في دعواه عدم زيادة الهاء3، قالوا: ولا جواب عنه إلا دعوى الغلط ممن قاله4، لأنه لما أبدل الهمزة في "هراق"، توهم أنها فاء، فأدخلت الهمزة عليها فأسكنت، "و" سقوط اللام في "الطيس" وهو العدد الكثير، وكل ما على وجه الأرض من التراب والقمام، أو هو خلق كثير النسل كالذباب والنمل والهوام، قاله في القاموس.
"وأما تمثيل الناظم" في النظم5 "وابنه" في الشرح6، "وكثير من النحويين7 للهاء بنحو: لمه، ولم يره، و" تمثيلهم "للام بـ: ذلك، وتلك" من أسماء الإشارة في البعد تذكيرًا وتأنيثًا "فمردود" جواب أما، "لأن كلا من هاء السكت في "لمه"
__________
939- الرجز لقصي بن كلاب في خزانة الأدب 7/ 379، والدرر 1/ 14، وسمط اللآلي ص950، وشرح شواهد الشافية 301، واللسان 11/ 341، "سلك" 13/ 472، "أمه" والمقاصد النحوية 4/ 565، وديوان الأدب 4/ 175، 3/ 419، وتاج العروس "هول"، "أمه" وبلا نسبة في أمالي القالي 2/ 301، وسر صناعة الإعراب 2/ 564، وشرح المفصل، 10/ 4، والمحتسب 2/ 224، والممتع في التصريف 1/ 217، وتهذيب اللغة 6/ 475، و15/ 631، والمخصص 13/ 171، وهمع الهوامع 1/ 23.
1 الأصول 3/ 236.
2 الصحاح "أمم".
3 لم يقل المبرد في المقتضب 1/ 60، إن الهاء أصلية، بل عدها من حروف الزيادة ولعل الأزهري أخطأ فيما نقله, فإن أبا العباس ثعلب ادعى عدم زيادة الهاء, ووهم الأزهري بين أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب. انظر المبدع في التصريف ص122.
4 انظر المبدع في التصريف ص122، والممتع في التصريف 1/ 217.
5 إشارة إلى قوله في الألفية:
والهاء وقفًا كلمه ولم تره واللام في الإشارة المشتهره
6 شرح ابن الناظم ص591.
7 شرح ابن عقيل 2/ 542.(2/677)
"ولام البعد" في "ذلك، و: تلك" "كلمة برأسها، وليست جزءًا من غيرها"، ولا منزلة منزلة الجزء مما قبلها، لئلا يقال عليه، وكذلك تاء التأنيث كلمة، برأسها، وليست جزءًا من غيرها كـ"قائمة" وقد مثل بها، "وما خلا من هذه القيود حكم بأصالته إلا إن قامت حجة" أي دليل "على الزيادة"، وأدلتها تسعة1:
أحدها: سقوط الحرف من أصل كسقوط ألف "ضارب" من أصله وهو المصدر، "فلذلك، حكم بزيادة":
"همزتي: شمأل"2 بفتح الشين المعجمة والهمزة وسكون الميم بينهما، وهو ريح الشمال، "واحبنطأ"2، بسكون الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون النون وفتح الطاء المهملة، وبالهمزة في آخره للإلحاق بـ"احرنجم"، والحبنطى: الصغير البطن.
"وميمي: دلامص"3 بضم الدال وكسر الميم وبالصاد المهملة ملحق بـ"علابط" "وابنم" هو "ابن" والميم للمبالغة3.
"ونوني: حنظل"4، بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة وبينهما نون ساكنة، "وسنبل"5 بضم السين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة.
"وتاءي: ملكوت"6 بفتح الميم واللام، "وعفريت" بكسر العين وسكون الفاء.
"وسيني: قدموس"5 بضم القاف والميم وبينهما دال ساكنة، وفي آخره سين مهملة: العظيم، وهو ملحق بـ"عصفور"، وفي خط ابن المرحل: قدموس على وزن قربوس. "وأسطاع"7 بفتح الهمزة.
"لسقوطها في الشمول" بضم الشين مصدر شملت الريح تشمل شمولا إذا تحولت شمالا، قاله في الصحاح8.
"و" في "الحبط" بفتحتين، راجع إلى "احبنطاء" وهو مبني على أنها خلقت
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص591، والممتع في التصريف 1/ 39، والمبدع في التصريف ص120.
2 شرح ابن الناظم ص591، وشرح ابن عقيل 2/ 544، والمبدع في التصريف ص124.
3 شرح ابن الناظم ص591، والمبدع في التصريف ص126.
4 شرح ابن الناظم ص591، وشرح ابن عقيل 2/ 544.
5 شرح ابن الناظم ص591.
6 شرح ابن الناظم ص591، وشرح ابن عقيل 2/ 544، والمبدع في التصريف ص135.
7 شرح ابن الناظم ص591، والمبدع في التصريف ص124.
8 الصحاح "شمل".(2/678)
همزة، فوزنه "افعنلاء"، وقيل، هذا الوزن مفقود، وإنما هو "افعنلى" كـ: احرنبى الديك؛ إذا انتفش للقتال، ثم انقلبت الألف همزة.
"و" في "الدلاصية" راجع إلى "دلامص" وهو الشيء البراق، كقولهم: درع دلاص ويقال فيها: دلامص، ودلمص، ودملص, وأبو الحسن وأبو عثمان يريان أصالة ميمهن1، وأن ذوات الأربعة وافقت ذوات الثلاثة، وفيها ست لغات سادسها "دليص"، وهو أيضًا دليل على الزيادة.
"و" في "البنوة" راجع إلى "ابنم" فهو "ابن" بزيادة الميم.
"و" في "الملك" راجع إلى "ملكوت"، قال في الصحاح2: والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة.
"و" في "العفر؛ بفتح أوله وهو التراب"، راجع إلى "عفريت" بكسر العين.
"و" في "القدم" بكسر القاف وفتح الدال راجع إلى "قدموس"، وكان حقه أن يقول: وفي التقدم، ففي كتاب الترقيص لمحمد بن المعلى الأزدي: القدموس: السيد المتقدم قومه، وجمعه "قداميس"، وقال خالد: القدموس ما تقدم وأشرف من أنف الخيل، انتهى.
"و" في "الطاعة" راجع إلى "اسطاع" وأصله "أطوع، كـ: أكرم" نقلت حركة العين، وهي الواو إلى فاء الكلمة، وهي الطاء، فانقلبت ألفًا بعد أن كانت واو متحركة، فعوضوا من هذه الحركة السين، هذا مذهب سيبويه3، وجمهور البصريين4، ويدل على أن أصله "أطاع" قولهم، يسطيع، بضم حرف المضارعة "وفي قولهم: حظلت الإبل إذا آذاها الحنظل"، راجع إلى "حنظل".
"و" في قولهم: "أسبل الزرع" راجع إلى "سنبل".
"و" الدليل الثاني على الزيادة لزوم عدن النظير بتقدير الأصالة في تلك الكلمة التي ذلك الحرف منها، فذلك "حكم بزيادة":
"نوني: نرجس" بفتح النون وكسر الجيم: نوع من الرياحين، فإن قيل: هذه الكلمة أعجمية فكيف حكمتم بالزيادة قلنا، تكلمت بها العرب، وتصرفوا فيها بالتثنية
__________
1 الممتع في التصريف 1/ 245-246، والمبدع في التصريف ص127.
2 الصحاح "ملك".
3 الكتاب 4/ 285، 483.
4 هذا المذهب اعترضه المبرد. انظر حاشية يس 2/ 362.(2/679)
والجمع والتصغير وغير ذلك، فأجروها مجرى العربي، ولهذا حكمنا على "لجام" بأن ألفه زائدة، وكذا واو "نوروز"، وياء "إبراهيم" لقولهم: "لجمم، ونوارز، وأبارهة، "وهندلع" بضم الهاء وسكون النون وفتح الدال وكسر اللام: اسم بقلة.
"وتاءي" بالمثناة الفوقانية، "تنضب" بفتح التاء المثناة فوق وسكون النون وضم الضاد المعجمة: وهو ضرب من الشجر تألفه الحرباء ويروى بضم أوله وفتح ثانيه وبضمهما، وقيل: إن ضم التاء إتباع لضم النون، نقله السخاوي في سفر السعادة1. "وتخيب" بضم التاء المثناة فوق والخاء المعجمة وكسر الياء المثناة تحت مع التشديد وفي آخره باء موحدة: وهو الباطل، يقال: وقعوا في وادي تخيب2 أي باطل، قاله الكسائي، "لانتفاء: فعلل" بفتح أوله وكسر ثالثه راجع لـ"نرجس"، "وفعللل" بضم أوله وفتح ثالثه وكسر رابعه، راجع لـ"هندلع"، "وفعلل" بفتح أوله وضم ثالثه، راجع لـ"تنضب"، "وفعلل" بضم أوله وثانيه وكسر ثالثه مع التشديد، راجع لـ"تخيب", قيل: وفي ذكر هذا نظر، لأنه منقول من الفعل كـ"تعلم"، نصوا على ذلك ومنعوه من الصرف.
والدليل الثالث: سقوطه من فرع كسقوط ألف "كتاب" في جمعه على "كتب".
والدليل الرابع: سقوطه لغير علة في نظير كسقوط ياء "أيطل" من "أطل". والأيطل: الخاصرة .
والدليل الخامس: كون الحرف مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق نحو: "عفنفس"3 بالفاء المكررة، فإن النون فيه محكوم بزيادتها مع أنه لا يعرف له اشتقاق، لأن نونه في موضع لا تكون فيه مع الاشتقاق إلا زائدة نحو: "جحنفل" من "الجحفلة"، وهي لذي الحافر كالشفة للإنسان، و"الجحنفل"، العظيم الشفة.
والدليل السادس: كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثير فيه زيادته مع الاشتقاق، كالهمزة إذا وقعت أولا، وبعدها ثلاثة أحرف نحو: "أفكل" بحكم زيادة همزته حملا على ما عرف اشتقاقه نحو: "أحمر"، و"الأفكل" الرعدة.
__________
1 سفر السعادة 1/ 187.
2 من الأمثال في المستقصى 2/ 279، ومجمع الأمثال 2/ 361، وفصل المقال ص466، وكتاب الأمثال لابن سلام ص340.
3 في حاشية 2/ 363: "قوله: عفنفس، لم يذكره في الصحاح، وإنما فيه مادة "عفقس" بالفاء ثم القاف: والعفنقس: العسر الأخلاق".(2/680)
والدليل السابع: اختصاصه بموضع لا يقع فيه إلا حرف من حروف الزيادة كالنون في "كنتأو" للعظيم اللحية، وتاؤه مثناة، ومثلثة، وفي "حنطأو" للعظيم البطن، وطاؤه مهملة، ومعجمة.
والدليل الثامن: لزوم عدم النظير بتقدير أصالته تلك لكلمة في نظير الكلمة، التي ذلك الحرف منها نحو: "تنفل" على لغة من ضم التاء والفاء, وهو ولد الثعلب، فإن تاءه زائدة, وإن لم يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير، [فإنها لو جعلت أصلا كان وزنه "فعللا" نحوك "برثن"، وهو موجود، ولكن يلزم عدم النظير]1 في نظيرها؛ أعني لغة الفتح، فلما ثبت زيادة التاء في لغة الفتح حكم بزيادتها في لغة الضم أيضًا، إذ الأصل اتحاد المادة.
والدليل التاسع: دلالة الحرف على معنى كحروف المضارعة.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".(2/681)
فصل في زيادة همزة الوصل:
سميت بذلك لأنه يتوصل بها إلى المنطق بالساكن، كما قاله الشلوبين، وقال تلميذه ابن الضائع, سميت بذلك لسقوطها عند وصل الكلمة بما قبلها، والإضافة تكون بأدنى ملابسة.
"وهي همزة سابقة" في أول الكلمة، "موجودة في الابتداء، مفقودة في الدرج"،
"ولا تكون في مضارع مطلقًا"، سواء كان ثلاثيًّا أم رباعيًّا مجردًا أو مزيدًا فيه لأن المضارع مبدوء بحرف المضارعة، وهي متحركة أبدًا، فلم يحتج لهمزة الوصل.
"ولا" تكون "في حرف غير: أل" عند سيبويه.
"ولا في" فعل "ماضي ثلاثي" مجرد "كـ: أمر، و: أخذ".
"ولا رباعي" في العدد "كـ: أكرم، وأعطى" والهمزة في ذلك كله همزة قطع.
"بل" تكون "في" الفعل "الخماسي" وهو ما فيه زيادتان "كـ: انطلق"، واقتدر.
"والسداسي"، وهو نوعان: الثلاثي الذي فيه ثلاث زوائد "كـ: استخرج". والرباعي الذي فيه زيادتان كـ"احرنجم".
"وفي أمرهما"، أي الخماسي والسداسي كـ: انطلق، واستخرج، واحرنجم.
"و" في "أمر الثلاثي" الساكن ثاني مضارعه لفظًا "كـ: اضرب" بخلاف نحو: هب، وعد، وقل، مما ثاني مضارعه متحرك، فلا يحتاج إلى همزة وصل.
"ولا" تكون "في اسم" لتحرك أوله، "إلا في مصادر" الفعل "الخماسي والسداسي" تبعًا لأفعالهما, وضابطها: كل مصدر بعد ألف فعله الماضي أربعة أحرف فصاعدًا، ومجموع ذلك أحد عشر بناء:
الأول: الانفعال "كـ: الانطلاق".
والثاني: الافتعال كـ"الاكتساب".
والثالث: الافعلال كـ"الاحمرار".(2/682)
والرابع: الافعيلال كـ"الاحميرار".
"و" الخامس: الاستفعال نحو: "الاستخراج".
والسادس: الافعيعال كـ"الاعشيشاب".
والسابع: الافعوال كـ"الاجلواذ".
والثامن: الافعنلال كـ"الاقعنساس".
والتاسع: الافعنلاء كـ"الاسلنقاء".
والعاشر: الافعنلال كـ"الاحرنجام".
والحادي عشر: الافعلال كـ "الاقشعرار".
"قالوا: وفي عشرة أسماء محفوظة: وهي".
"اسم"، وأصله عند البصريين: "سمو" وعند الكوفيين: "وسم" حذفت لامه على الأول، وفاؤه على الثاني، وعوض منها الهمزة1.
"واست"، وهو الدبر، وأصله "سته" بفتح أوله وثانيه كـ"جمل" وفيه ثلاث لغات: است، وسه، وست.
"وابن" بحذف اللام، ثم قيل: هي ياء من "بنيت"، لأن الابن يبني على الأب كبناء الحائط" على الأس، وقيل: واو، وهو الصحيح، لأن جميع الأسماء المحذوفة اللام المعوض عنها الهمزة ، لامها واو، "إلا "استا" فكان الحمل على الأعم أولى، وأما الاستدلال بـ"البنوة" فمردود بقولهم: "الفتوة", ولام "فتى" ياء ووزن "ابن: فعل" بفتحتين.
"وابنم" بمعنى" ابن" والميم زائدة للتوكيد والمبالغة كما في "زرقم" بمعنى الأزرق، وليست هي بدلا من لام الكلمة. وإلا لكانت اللام في حكم الثابتة فلا يحتاج إلى همزة وصل، وتتبع نونه ميومه في الإعراب.
"وابنة" هي "ابن" بزيادة الهاء، فلا حاجة إلى الإعادة.
"وامرؤ" اسم تام لم يحذف منه شيء، إلا أنه لما كان يجوز تخفيف همزته، بنقل حركتها إلى الساكن قبلها مع الألف واللام نحو: "المرو" أعلوه لذلك، ولكثرة الاستعمال.
"وامرأة" هي "امرؤ" بزيادة الهاء.
"واثنان واثنتان" أصلهما: ثنيان وثنيتان،كـ: جملان، وشجرتان، بدليل قولهم في النسبة "ثنوي" بفتحتين فحذفت اللام، وأسكن الثاء وجيء بهمزة الوصل.
__________
1 الإنصاف 1/ 6، والمسألة رقم 1.(2/683)
"وايمن، المخصوص بالقسم"، وهو اسم مفرد مشتق من اليمن، وهو البركة، وهمزته همزة وصل عند البصريين، وعند الكوفيين جمع "يمين"، وهمزته همزة قطع1.
والحاصل: أن بعض هذه الهمزات عوض عن لام، هي واو، وذلك في: ابن، وابنة، وابنم"، وبعضها عن لام هي ياء، وذلك في "اثنين، واثنتين"، وبعضها عن لام صحيحة، هي هاء وذلك في "است"، وبعضها من حذف متوهم وذلك في "امرئ وامرأة". وبعضها من حذف واقع أحيانا وذلك في "ايمن".
"وينبغي أن2 يزيدوا "أل"3 الموصولة" بالصفة كـ "الضارب، والمضروب"، "و"ايم" لغة في "ايمن"، فإن4 قالو" في: ايم4 "هي "ايمن"، فحذفت اللام، قلنا و"ابنم" هو "ابن" فزيدت الميم"، فما كان جوابهم فهو جوابنا، ولهم أن يتخلصوا بالفرق بأن "ابنما" حدث له بزيادة الميم إتباع النون للميم في حركاتها بحسب العوامل، فصار كالكلمة الأصلية، حتى ذهب الكوفيون إلى أنه معرب من مكانين، بخلاف "ايم" لغة في "ايمن"، فإنه لم يصر بهذه المثابة، ثم لا خصوصية للمعارضة بذكر "ابنم"، فإن مؤنثات هذه الأسماء هي مذكراته بزيادة التاء.
وحيث نظر إلى لغات الكلمة، فكان ينبغي أن يقول: "أم" لغة في "أل" عند طيئ فإنهم يبدلون لام التعريف ميمًا فيقولون في "الرجل: أم رجل"، وإنما المرجع إلى الضابط، وهو أن كل همزة تثبت في التصغير فهي همزة قطع، وإلا فهي همزة وصل وتركوا "أل" الموصولة للخلاف في اسميتها ولشبهها بـ"أل" المعرفة صورة.
"مسألة": اختلف في أصل همزة الوصل، هل هو السكون، أو الحركة؟5 والأول مذهب الفارسي6, واختاره الشلوبين، والثاني مذهب سيبويه7، وهو الظاهر لوجوب التحريك في كل حرف يبتدأ به كلام الابتداء، وعلى هذا فأصل حركة الهمزة الكسر كما في "اضرب، واذهب"، وإنما ضمت في نحو: "اخرج" كراهية للخروج
__________
1 الإنصاف 1/ 404 المسألة رقم 59.
2 في "ب": "أن لا".
3 في "ب": "إلى".
4 سقط من "ب".
5 الإنصاف 2/ 737، المسألة رقم 107.
6 التكملة ص16.
7 الكتاب 4/ 237.(2/684)
من كسر إلى ضم، وعلى الأول دبرت بحركة ما قبل الآخر، فكسرت في "اضرب"، وضمت في "اخرج"، وامتنع أن تفتح في "اذهب" للالتباس بالمضارع حالة الوقف، فكسرت، لأنه أخف من الضم. ويتحصل "لهمزة الوصل بالنسبة إلى حركتها" في الاسم والفعل والحرف "سبع حالات:
الأولى: "وجوب الفتح في المبدوء بها: أل" كـ"الرجل" لكثرة الاستعمال.
"مبنيين للمفعول، وفي أمر الثلاثي المضموم العين في الأصل نحو: اقتل، واكتب" كراهة للخروج من الكسر إلى الضم لأن الحاجز الساكن غير حصين، وربما كسرت قبل الضمة الأصلية، حكاه ابن جني في المنصف1 عن بعض العرب، ووجهه أن الأصل، ولم تلتق الكسرة والضمة لفصل2 الساكن بينهما، والوجهان مرجعهما الاعتداد بالساكن, وعدم الاعتداد به، "بخلاف: امشوا، اقضوا"، فإن الهمزة فيهما مكسورة، لأن عينهما في الأصل مكسورة، وإنما ضمت لمناسبة الواو، والأصل "امشيوا، واقضيوا"، أسكنت الياء للاستثقال3 ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وضمت العين لمجانسة الواو، ولتسلم من القلب ياء، وإن شئت قلت، استثقلت الضمة على الياء فنقلت منها إلى ما قبلها، بعد سلب حركة ما قبلها، وحذفت لالتقاء الساكنين، فالضمة على الإعلال الأول مجتلبة، وعلى الثاني منقولة.
"و" الثالثة: "رجحان الضم على الكسر فيما عرض جعل ضمة عينه كسرة من نحو: اغزي"، بضم الهمزة راجحًا، وبكسرها مرجوحًا، "قاله ابن الناظم" في الشرح4، تبعًا لأبيه في الكافية5 وشرحها6: ونصه: فإن زالت الضمة لازمة من اللفظ لاتصال محلها بياء المؤنثة نحو: "اغزي" جاز في الهمزة وجهان. أجودهما الضم، لأن الأصل: "اغزوي". انتهى.
__________
1 المنصف 1/ 54.
2 في "ب": "لنقل".
3 في "ب": "للاستعمال".
4 شرح ابن الناظم ص593.
5 قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية 4/ 2075:
واغزي اغزوي كان لذا يضم من يبدا به والكسر ليس بالحسن
6 شرح الكافية الشافية 4/ 2075.(2/685)
فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين، فالضم نظرًا إلى أن الضمة الأصلية مقدرة، لأن المقدر كالوجود، والكسر نظرًا إلى الحالة الراهنة. ومرجع الوجهين إلى الاعتداد بالعارض وعدمه، ولم يجز هذان الوجهان في "امشوا"، لأن الأصل كسر الهمزة، وقد عضد بأصل الكسر، فألغى العارض لمعارضة أصلين، ولا كذلك "اغزي" لأن هذا العارض داع لأصل هو الكسر، فجاز الاعتداد به دون الضم في "امشوا".
"وفي تكملة أبي علي" الفارسي1: "أنه يجب إشمام ما قبل ياء المخاطبة" تنبيها على الضم الأصلي، "وإخلاص ضم الهمزة" من غير إشمام.
"وفي التسهيل"2 لابن مالك: "أن همزة الوصل" يعني في "اختير، وانقيد" "تشم قبل الضمة المشمة"، يعني: إذا أشممت الثالث أشممت الهمزة، وإلا ففيه مخالفة لكلام أبي علي من وجهين، وجوب الإشمام، وإخلاص ضم الهمزة.
"و" الرابعة: "رجحان الفتح على الكسر في: ايمن، وايم"3, لثقل الخروج من كسر الهمزة إلى ياء، ثم إلى ضم الميم، ثم ضم النون.
"و" الخامسة: "رجحان الكسر على الضم في كلمة: اسم"، لأن الكسر أخف من الضم، لأنه إعمال عضلة واحدة، والضم إعمال عضلتين.
"و" السادسة: "جواز الضم والكسر والإشمام في نحو4: اختار، وانقاد" حال كونهما "مبنيين للمفعول"، فالضم في: "اختور، وانقود" والكسر والإشمام في: "اختير، وانقيد".
"و" السابعة: "وجوب الكسر فيما بقي" من الأسماء العشرة، والمصادر والأفعال، "و" الكسر "هو الأصل".
"مسألة: لا تحذف همزة الوصل المفتوحة" في "أل، وايمن، وايم"، "إذا دخلت عليها همزة الاستفهام، كما حذفت" همزة الوصل "المكسورة في نحو: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}" [ص: 63] في قراءة أبي عمرو، والأخوين5، "و" في نحو:
__________
1 التكملة ص17.
2 التسهيل ص203.
3 في "ب": "انبم".
4 سقط من "ب".
5 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص373، ومعاني القرآن للفراء 2/ 411.(2/686)
"{أَسْتَغْفَرْتَ لَهُم}" [المنافقون: 6]، في قراءة الجميع1، والأصل: "أإتخذناهم، أإستغفرت لهم"، بهمزة مفتوحة للاستفهام فمكسورة، للوصل، فحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها بهمزة الاستفهام، وكما حذفت المضمومة في نحو2: "أضطر الرجل"، الأصل2: "اضطر" بهمزة مضمومة، فلما دخلت همزة الاستفهام حذفت، وترك مقتضى القياس في المفتوحة، "لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا تحقق، لأن همزة الوصل لا تثبت في الدرج، إلا في الضرورة كقوله" [من الطويل]
940- ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة على حدثان الدهر مني ومن جمل
فأثبت همزة "اثنين" ضرورة، "بل الوجه أن تبدل ألفًا".
قال الخضراوي: ولم يذكر أبو علي وجماعة غير البدل، ولم يقرأ بخلافه، ولا جاء في كلامهم، "وقد تسهل" بين الهمزة والألف "مع القصر" وهو القياس لأن الإبدال شأن الساكنة.
وقال ابن الباذش: تسهيل هذا فيما ذكر أصحاب سيبويه بالبدل.
ونقل الشلوبين عن أبي عمرو أن هذه ألف اجتلبت للفرق كألف "اضربنان" وأنه خطأ من قال: إنها مبدل من الهمزة؛ لأنها ليست همزة قطع.
وأجاب الشلوبين بأنها قد أشبهت همزة القطع من وجوه، فلا يعد في ثبوبتها وتغيير صورتها بإبدالها للفرق بين الخبر والاستخبار، وهو أولى من اجتلاب همزة أجنبية، واحتج بأنه قد جمع بينهما وبين ساكن في نحو: "الحسن عندك" فلولا الالتفات إلى حركتها الأصلية لم يجز بخلاف ألف "اضربنان", ولا فرق في ذلك بين همزة "أل"، وهمزة "ايمن"، "تقول: الحسن عندك، وايمن الله يمينك، بالمد على الإبدال راجحًا، وبالتسهيل مرجوحًا، ومنه" أي من التسهيل "قوله": [من الكامل]
__________
1 انظر الإتحاف ص416، والنشر 2/ 388.
2 سقط من "ب".
940- البيت لجميل بثينة في ديوانه ص182، وكتاب الصناعتين ص151، والمحتسب 1/ 248، ونوادر أبي زيد ص204، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 368، وخزانة الأدب 7/ 202، ورصف المباني ص41، وسر صناعة الإعراب 1/ 341، وشرح الأشموني 3/ 814، وشرح المفصل 9/ 19، ولسان العرب 14/ 117 "ثنى" والمقاصد النحوية 4/ 569، وتاج العروس "ثنى".(2/687)
941- الحق إن دار الرباب تباعدت أو انبت حبل أن قلبك طائر
بتسهيل الهمزة الثانية من "الحق"، و"إن" شرطية، وجوابها محذوف، و"إن قلبك طائر" خبر "الحق"، "وقد قرئ بهما"، أي بالمد والتسهيل "في نحو: {آَلذَّكَرَيْنِ}1 [الأنعام: 143]، {آَلآَنَ}2 [يونس: 51] في السبع.
__________
941- البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص133، والأغاني 1/ 127، وخزانة الأدب 10/ 277، والكتاب 3/ 136، ولجميل في ملحق ديوانه ص237، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 369، وشرح ابن الناظم ص593، وشرح الأشموني 3/ 818، وشرح ابن عقيل 2/ 547، وشرح المرادي 5/ 276، وراجع ديوان كثير عزة ص368.
1 الإتحاف ص219، وشرح ابن الناظم ص593.
2 الإتحاف ص250، والنشر 1/ 357.(2/688)
باب الإبدال:
بكسر الهمزة مصدر أبدل، وهو في الاصطلاح جعل حرف مكان حرف آخر مطلقًا، فخرج بقيد المكان العوض، فإنه قد يكون في غير مكان المعوض منه كتاء "عدة" وهمزة "ابن"، وبقيد الإطلاق القلب، فإنه مختص بحروف العلة.
"الأحرف التي تبدل من غيرها" أربعة أقسام:
ما يبدل إبدالا شائعًا للإدغام، وهو جميع الحروف إلا الألف.
وما يبدل إبدالا نادرًا، وهو ستة أحرف، وهي "الحاء والخاء والعين المهملة والقاف، والضاد، والذال" المعجمتان كقولهم في "وكنة" وهي بيت القطا في الجبل: "وقنة"، وفي أغن: أخن، وفي ربع: ربح، وفي خطر: عطر، وفي جلد: جضد، وفي تلعثم: تلعذم".
وما يبدل "إبدالا شائعًا لغير إدغام"، وهو قسمان: ما هو غير ضروري في التصريف، وهو اثنان وعشرون حرفًا يجمعها هجاء قولك: لجد صرف شكس آمن طي ثوب عزته، وما هو ضروري في التصريف، وهو "تسعة: يجمعها" هجاء قولك: "هدأت موطيا" وهي لهاء، والدال المهملة، والهمزة، والتاء المثناة من فوق، والميم، والواو، والطاء المهملة، والياء المثناة تحت، والألف "وخرج بقولنا: شائعًا"، ما أبدل نادرًا "نحو قولهم في: أصيلان، تصغير: أصيل، على غير قياس" كما بحثه في شرح الهادي، وذكر أن كلام سيبويه يدل عليه1، وقال ابن السيد، كأنه تصغير "أصلان", وهو
__________
1 الكتاب 4/ 240.(2/689)
عكس قياس المصغر، لأن حكم الجمع إذا صغر أن يصغر على لفظ واحده، وهذا جاء مصغرًا على لفظ جمعه، وفي الصحاح1: الأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أصل، وآصال، وأصائل، ويجمع أيضًا على أصلان مثل بعير وبعران، ثم صغروا الجمع فقالوا: أصيلان، ثم أبدلوا من النون لامًا فقالوا: أصيلال، انتهى.
فهذان النقلان مخالفان لصنيع الموضح، وصنيعه أولى من وجه، لأن الحمل على تصغير المفرد شذوذًا أولى من الحمل على تصغير الجمع شذوذًا لكثرته، كـ"مغيربان" تصغير "مغرب"، و"عشيشيان" تصغير "عشية"، ونحوهما.
وصنيعهما أولى من وجه آخر لسلامته من دعوى الزيادة التي الأصل عدمها، "وفي اضطجع" إذا نام على جنبه، "وفي نحو: علي" بتشديد الياء علمًا "في الوقف"، أو ما جرى مجراه: "أصيلال" بإبدال من النون لقرب المخرج.
وكان الفراء يقول1: أصيلال تصغير "آصال"، وجعلوا زيادة اللام عوضًا عما حذفوا، لأنهم لو جاءوا به على الأصل لقالوا: أويصال، وشبهه بـ"دهر، وأدهر"، ثم قالوا: دهارير، وزعم أنهم أرادوا أداهير، "والطجع" بإبدال اللام من الضاد، و"علج" بإبدال الجيم من الياء المشددة لاشتراكهما في المخرج لكونهما من وسط اللسان واشتراكهما في الجهر، وإنما اختص ذلك بالوقف، لأنه يزيدها خفاء.
"قال" النابغة: [من البسيط]
942- وقفت فيها أصيلالا أسائلها أعيت جوابًا وما بالربع من أحد
والمعنى: وقفت بدار الحبيبة أحيانًا، وسألتها عن الحبيبة، فعجزت عن الجواب. وما بها أحد يجيبني.
"وقال" منظور عن حبة الأسدي في ذئب: [من الرجز]
__________
1 الصحاح "أصل".
2 المخصص 9/ 57.
942- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص14، والإنصاف 1/ 269، وخزانة الأدب 2/ 122، 124، 126، 11/ 36، والدرر 1/ 458، 486، 2/ 531، وشرح أبيات سيبويه 2/ 54، وشرح شواهد الإيضاح ص191، وشرح المفصل 2/ 80، والكتاب 2/ 231، ولسان العرب 11/ 17 "أصل"، واللمع ص151، والمقتضب 4/ 414، وبلا نسبة في أسرار العربية ص260، ورصف المباني ص324، وشرح الأشموني 3/ 820، ومجالس ثعلب ص504 والإنصاف 1/ 170.(2/690)
943- لما رأى أن لا دعه ولا شبع مال إلى أرطأة حقف فالطجع
والدعة: سعة العيش، والهاء عوض من الواو، والأرطأة: شجرة من شجر الرمل، والحقف: المعوج من الرمل، والجمع: حقاف وأحقاف، فالطجع.
قال المازني: بعض العرب يكره الجمع بين حرفين مطبقين، ويبدل مكان الضاد أقرب الحروف إليها وهي اللام.
"وقال" أعرابي من البادية: [من الرجز]
944- خالي عويف وأبو علج المطعمان اللحم بالعشج
يريد: أبو علي والعشي، فأبدل الجيم من الياء المشددة، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، قاله السيد في شرح الشافية، "وتسمى هذه اللغة عجعجة قضاعة"، قال الجوهري1: وعجعجة في قضاعة يحولون الياء جيمًا مع العين، يقولون: هذا راعج خرج معج، أي: هذا راعي خرج معي، انتهى.
وقد يحولون الياء جيمًا وإن لم تجتمع معه العين، قال أبو عمرو: قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ فقال: فقيمج، فقلت: من أيهم؟ فقال: من مرج، يريد فقيمي، ومري.
__________
943- الرجز لمنظور بن حبة الأسدي في المقاصد النحوية 4/ 584، وبلا نسبة في الاقتضاب ص311، والأشباه والنظائر 2/ 340، وإصلاح المنطق ص95، وأوضح المسالك 4/ 371، وتاج العروس 15/ 6 "أبز"، 19/ 124 "أرط", 21/ 399 "ضجع", والتنبيه والإيضاح 2/ 234، والخصائص 1/ 63، 263، 2/ 350، 3/ 163، 326، وسر صناعة الإعراب 1/ 321، وشرح الأشموني 3/ 821، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 226، وشرح شواهد الشافية ص274، وشرح المفصل 9/ 82، 10/ 64، ولسان العرب 5/ 304 "أبز"، 7/ 255 "أرط"، 8/ 219، "ضجع", 14/ 325 "رطا", والمحتسب 1/ 107، والممتع في التصريف 1/ 403، والمنصف 2/ 329.
944- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 2/ 205 "ج"، 320 "عجج", 4/ 395 "شجر"، 11/ 582 "كثل"، 13/ 49 "برن"، وأوضح المسالك 4/ 372، وكتاب العين 5/ 337، وجمهرة اللغة ص42، 242، وسر صناعة الإعراب 1/ 175، وشرح ابن الناظم ص595، وشرح الأشموني 3/ 821، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 287، وشرح شواهد الشافية ص212، وشرح المفصل 9/ 74، 10/ 55، والصاحبي في فقه اللغة ص55، والكتاب 4/ 182، والمحتسب 1/ 75، والمقرب 2/ 29، والممتع في التصريف 1/ 353، والمنصف 2/ 178، 3/ 79، وتهذيب اللغة 1/ 68، 10/ 135، وتاج العروس 5/ 396 "ج"، 6/ 92 "عجج"، 18/ 27 "صيص"، "كتل"، "برن".
1 الصحاح "عجج".(2/691)
وقد تبدل من الياء المخففة حملا على المشددة كقوله: [من الرجز]
945- لاهم إن كنت قبلت حجتج فلا يزال شاحج يأتيك بج
أقمر نهات ينزى وفرتج
يريد: اللهم إن كنت قبلت حجتي، فلا يزال يأتي بي شاحج هذه صفته والشاحج، بمعجمة فمهملة، فجيم، من شمج البغل أي صوت، والأقمر: الأبيض، والنهات: النهاق، وينزى: يحرك، وفرتج: أي وفرتي، وهي الشعر إلى شحمة الأذن، "وهدأت: سكنت" من السكون ضد الحركة، قال: يعقوب1: أهدأت الصبي إذا جعلت تضرب عليه رويدًا لينام، "وموطيًّا" حال من التاء في "هدأت"، وهو اسم فاعل "من أوطأته جعلته وطيئًا" إلا أنك خففت همزته بإبدالها ياء لانفتاحها وانكسار ما قبلها، "والياء فيه بدل من الهمزة، وذكره الهاء" في النظم2 "زيادة على ما في التسهيل3، وجمعها فيه في" هجاء قولك: "طويت دائمًا" وفيه مناقشة من ثلاثة أوجه: إسقاط الهاء كما مر، وتكرار الألف، وإعمال الماضي في "دائمًا"، وهو مثل "أبدًا"، قاله الموضح في الحواشي. "ثم إنه" لما ذكر الهاء "لم يتكلم هنا"، أي في باب الإبدال، "عليها، مع عده إياها" فيه، "ووجهه"، أي وجه عدم تكلمه عليها هنا، "أن إبدالها من غيرها إنما يطرد في الوقف على نحو: رحمه ونعمه، وذلك مذكور في باب الوقف" فاستغنى به. "وأما إبدالها من غير التاء فمسموع" لا يقاس عليه "كقولهم" في: إياك "هياك، و" في: لأنك قائم "لهنك قائم، و" في: أرقت الماء "هرقت الماء، و" في: أردت الشيء "هردت الشيء، و" في: أرحت الدابة "هرحت الدابة"، فأبدلوا في الجميع الهاء من الهمزة لاتفاقهما مخرجًا، لأنهما من أقصى الحلق.
__________
945- الرجز لرجل من اليمانيين في الدرر 1/ 391، والمقاصد النحوية 4/ 570، وبلا نسبة في لسان العرب 2/ 205 "ج"، 5/ 241 "نهز", 10/ 103 "دلق" 12، 206 "دلقم"، والارتشاف 3/ 126، والدرر 2/ 512، وسر صناعة الإعراب 1/ 177، وشرح ابن الناظم ص595، وشرح الأشموني 2/ 449، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 287، وشرح شواهد الشافية ص215، وشرح المفصل 9/ 75، 10/ 50، ومجالس ثعلب 1/ 143، والمحتسب 1/ 75، والمقرب 2/ 166، والممتع في التصريف 1/ 355، ونوادر أبي زيد ص164، وهمع الهوامع 1/ 178، 2/ 157، وتاج العروس 5/ 395، "ج"، 15/ 364 "نهز" 25/ 303 "دلق"، "دلم" ومقاييس اللغة 4/ 29.
1 إصلاح المنطق ص276.
2 يقصد قوله في الألفية:
أحرف الابدال هدأت موطيا فأبدل الهمزة من واو ويا
3 التسهيل ص300.(2/692)
فصل في إبدال الهمزة:
"تبدل من الواو والياء" وجوبًا "في أربع مسائل:
إحداها: أن تتطرف إحداهما"، وهي لام، أو زائدة للإلحاق "بعد ألف زائدة"، سواء كسر أول كلمتها أم فتح أم ضم:
"نحو: كساء، وسماء، ودعاء"، فالهمزة فيهن مبدلة عن واو، والأصل: "كساو، وسماو، ودعاو".
"ونحو: بناء، وظباء، وفناء"، فالهمزة فيهن مبدلة عن ياء، والأصل: "بناي، وظباي، وفناي" فأبدلت الواو والياء همزة لتطرفهما إثر ألف زائدة على أحد القولين، وقيل: إن الواو والياء أبدلتا ألفين لتحركهما، ووقوعهما بعد فتحة، لم يحجز بينهما إلا ساكن معتل1، زائد مع أنهما في مظنة التغيير، وهو الطرف، فقلبتا ألفين، فاجتمع ساكنان، فوجب إما الحذف أو التحريك، لا سبيل إلى الحذف، لأنه يفوت المد فيهن إن حذفت الأولى، ويفوت لام الكلمة إن حذفت الثانية، ولما امتنع الثاني تعين التحريك وكانت الثانية أولى لأربعة أوجه:
أحدها: أن تحريك الأولى2 يفوت حكمها، وهو المد.
الثاني: أن التغيير في الآخر أولى.
الثالث: أن حرف الإعراب محرك تقديرًا، فلا يعد في تحريكه لفظًا.
الرابع: أن في تحريكه تحصيلا لظهور الإعراب الذي يحصل3 به الفرق بين المعاني، ونحو: "علباء، وقوباء"، فالهمزة فيهما مبدلة من ياء زائدة للإلحاق بـ"قرطاس، وفرناس".
__________
1 سقط من "ب".
2 في "ب": "الثاني".
3 في "ب": "يحصد".(2/693)
"بخلاف نحو: قاول، وبايع، و" نحو: "إداوة، وهداية"، لأن الواو والياء لم يتطرفا فيهن. أما الأولان فلوقوعهما عينًا، وأما الأخيران فلأن كلمتهما بنيت على تاء التأنيث، بخلاف التأنيث العارض، فإنه لا يمنع الإبدال، كـ"بناء، وبناءة".
"و" بخلاف "نحو: "غزو، وظبي" لعدم تقدم الألف عليهما، "و" بخلاف "نحو: واو" اسمًا للحرف، "وآي" جمع "آية" لأصالة الألف فيهما، أما "واو" فوزنه: "فعل" بفتحتين، وفي كون عينه ياء أو واوًا، قولان: الأول لأبي علي، والثاني لأبي الحسن.
وعلى القولين فالألف منقلبة عن أصل، وأما "آي" فأصله "أيَي" بفتحتين، قلبت الياء الأولى ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، "و" الواو والياء "تشركهما في ذلك" الحكم "الألف" فإنها إذا تطرفت بعد ألف زائدة أبدلت الهمزة، وذلك "في نحو: حمراء فإن أصلها: حمرى" بألف مقصورة، "كـ: سكرى"، "فزيدت ألف قبل الآخر للمد كألف: كتاب، وغلام"، فالتقى ألفان لا يمكن النطق بهما، "فأبدلت" الألف "الثانية همزة"، لأنها من مخرج الألف، وظهرت الحركة التي كانت مقدرة فيهما.
المسألة "الثانية" من إبدال الهمزة من الواو والياء "أن تقع إحداهما عينًا لاسم فاعل فعل، أعلت فيه" أي في الفعل "نحو: قائل: وبائع" أصلهما: "قاول، وبايع" ولكنهم أعلوهما حملا على الفعل، فكما قالوا: "قال، وباع"، فقلبوا عينهما ألفًا كذلك قلبوا عين اسم فاعلهما ألفًا لوقوعها متحركة بعد فتحة مفصولة بحاجز غير حصين، ثم قلبوا الألف همزة على حد القلب في "كساء، هذا قول الأكثرين.
وقال المبرد1 دخلت ألف "فاعل" على ألف "قال، وباع" ونحوهما، فالتقى ألفان، ولم يمكن الحذف للإلباس، فوجب تحريك إحداهما، وكانت العين، لأن أصلها الحركة، والألف إذا تحركت صارت همزة، وتكتب ياء على حكم التخفيف، ولا تنقط، قاله المرادي2.
"بخلاف نحو: عين، فإنه: عاين، وعور، فهو: عاور" لأن العين لما صحت في الفعل خوف الإلباس بـ"عان، وعار" صحت في اسم الفاعل، وما ذكره تبعًا لغيره من أن اسم الفاعل فرع الفعل في الإعلال والتصحيح مشكل من وجهين:
__________
1 المقتضب 1/ 99.
2 شرح المرادي 6/ 13.(2/694)
أحدهما: أن اسم الفاعل قد يدخله الإعلال، ولم يكن له فعل أصلا كـ"جائز" بالجيم، والزاي، وهو البستان، "وجائزة" مؤنثة، [وهي الخشبة في وسط السقف، فإن ادعوا أنهما نقلا من أسماء الفاعلين فقد كثروا النقل في أسماء الأجناس]1، وهو قليل، بل قيل: ممنوع.
والوجه الثاني: أن الصحيح أن الوصف فرع من المصدر2، لا عن الفعل.
المسألة "الثالثة" من إبدال الهمزة من الواو والياء "أن تقع إحداهما بعد ألف مفاعل، وقد كانت" إحداهما "مدة" زائدة "في الواحد نحو": عجوز و "عجائز، و" صحيفة و"صحائف"، وسيأتي توجيهه "بخلاف: قسورة" وهو الأسد، "وقساور"، لأن الواو ليست بمدة، ومعيشة ومعايش"، لأن المدة في الواحد أصلية فلا تبدل، لأن أصلها الحركة لكونها عين الكلمة، فإذا وقعت بعد ألف "مفاعل" تحركت بحركتها، فتعاصت عن الإبدال.
"وشذ: مصيبة ومصائب، ومنارة ومنائر" بالإبدال، مع أن المدة في الواحد أصلية، لأنها عين الكلمة، والذي سهل إبدالها همزة تشبيه الأصلي بالزائد.
"وتشارك الواو والياء في هذه المسألة"، وهي مسألة الجمع, "الألف"، فتبدل همزة "نحو: قلادة وقلائد، ورسالة ورسائل"، وذلك لأنك لما جمعت "قلادة ورسالة" على "مفاعل" وقعت ألف الجمع ثالثة. ووقع بعدها ألف "قلادة، ورسالة"، فاجتمع ألفان، فلم يكن بد من حذف إحدى الألفين، أو تحريكها، فلو حذفوا الألف الأولى فاتت الدلالة على الجمع، ولو حذفوا الثانية لتغير بناء الجمع، لأن هذا الجمع لا بد
أن يكون بعد ألفه حرف مكسور، بينها وبين حرف الإعراب، ليكون كـ"مفاعل" فلم يبق إلا حركة الألف الثانية بالكسر لتكون كعين "مفاعل"، فلما حركت انقلبت همزة، ثمن شبهت واو "عجوز" وياء "صحيفة" بألف "قلادة، ورسالة"، لأن قبلهما حركة من جنسهما وهما ساكانا، فجريا مجرى الألف، هذا تعليل ابن جني3.
وقال الخليل4: إنما همزت الألف والياء والواو في "رسائل وصحائف وعجائز" لأن حروف اللين فيهن ليس أصلهن الحركة وإنما هي حروف ميتة، لا تدخلها الحركات فلما وقعن بعد الألف همزت، ولم يظهرن، إذ كن لا أصل لهن في الحركة، انتهى.
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "المقدر".
3 المنصف 1/ 327.
4 الكتاب 4/ 356، والمنصف 1/ 326.(2/695)
المسألة "الرابعة" مما تبدل فيه الهمزة من الواو والياء "أن تقع إحداهما ثاني حرفين لينين، بينهما ألف "مفاعل" سواء كان اللينان ياءين كـ"نيائف؛ جمع؛ نيف"، وهو الزيادة على العقد، وهو من ناف ينيف، وقول الشاطبي، وأصله: ينوف كـ"هين" فإن أصله "هيون" مبني على أنه من ناف ينوف، وتقدم في العدد بيانه.
"أو واوين كـ: أوائل؛ جمع؛ أول, أو مختلفين" بأن تكون إحداهما ياء والأخرى واوًا "كـ: سيائد؛ جمع؛ سيد, إذا أصله: سيود" اجتمع فيه الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وسبقت فأبدل ما بعد ألف الجمع همزة في الأمثلة الأربعة استثقالا لتوالي ثلاث لينات متصلة بالطرف، "وأما قوله"، وهو جندل بن المثنى الطهوي: [من الرجز].
946- حنى عظامي وأراه ثاغري وكحل العينين بالعواور
بغير إبدال، "فأصله: بالعواوير" بياء مثناة تحتانية قبل الراء، "لأنه جمع: عوار" بضم المعين وتخفيف الواو "وهو الرمد" الشديد. "فهو: مفاعيل كـ: طواويس، لا: مفاعل" كـ: مساجد، "فلذلك صحح" فيه الواو لبعده من الطرف، ثم حذفت الياء، وبقي التصحيح بحاله، لأن حذف الياء عارض، والاعتبار بالأصل، لأن المحذوف في حكم الموجود وفاعل "كحل" بالتخفيف ضمير يرجع إلى الدهر في أبيات قبله، "وعكسه قول الآخر"، وهو حكيم بن معية الربعي: [من الرجز]
947- فيها عيائيل أسود ونمر
"فأبدل الهمزة من ياء "مفاعيل" لأن أصله: "مفاعل" لأن "عيائيل" جمع "عيل" بكسر الياء" المشددة، وقبلها عين مهملة مفتوحة على زنة "فيعل"، وأصله "عيول"، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. "واحد العيال"، قاله صاحب الضياء،
__________
946- الرجز للعجاج في الخصائص 3/ 326، وليس في ديوانه ولجندل بن المثنى الطهوري في شرح أبيات سيبويه 2/ 429، وشرح شواهد الشافية ص374، والمقاصد النحوية 4/ 571، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 785، وأوضح المسالك 4/ 374، والخصائص 1/ 195، 3/ 164، وسر صناعة الإعراب 2/ 771، وشرح ابن الناظم ص597، وشرح الأشموني 3/ 829، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 131، وشرح الكافية الشافية 4/ 2085، وشرح المرادي 6/ 17, وشرح المفصل 5/ 7، 10/ 91، 92، والكتاب 4/ 370، ولسان العرب 4/ 615، "عور" والمحتسب 1/ 107، 124 والممتع في التصريف 1/ 329 والمنصف 2/ 49، 3/ 50، وتاج العروس 13/ 156 "عور", والمخصص 1/ 109.
947- تقدم تخريج الرجز برقم 911.(2/696)
"والياء زائدة" في عيائيل "للإشباع، مثلها في قوله"، وهو الفرزدق: [من البسيط]
948- تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهم تنقاد الصياريف
بزيادة الياء. "فلذلك أعل" بإبدال الهمزة من الياء، و"نفي" مصدر نوعي مضاف إلى مفعوله، وفاعله "تنقاد"، وهو أيضًا مصدر مضاف إلى فاعله، والأصل، كنفي الدراهم نقد الصيارف.
وما ذكره ممن أنه لا فرق في اللينين بين الياءين والواوين، والواو والياء هو مذهب سيبويه، والخليل ومن وافقهما.
وذهب الأخفش إلى أن الهمزة في الواوين فقط، ولا همزة في الياءين، ولا في الواو مع الياء فتقول: "نيايف، وسياود، وصوايد" على الأصل، وشبهته أن الإبدال في الواوين إنما كان لثقلهما، ولأن لذلك نظيرًا، وهو اجتماع الواوين أول الكلمة، وأما إذا اجتمعت الياءان، أو الياء والواو فلا إبدال، لأنه التقت الياءان، أو الياء والواو أول الكلمة، فلا همز نحو: "بين" اسم موضع، ونحو: "يوم".
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه1 من أن الإبدال مطلقًا للقياس والسماع.
أما القياس فلأن الإبدال في "أوائل" إنما هو بالحمل على "كساء، ورداء" لشبهه به من جهة قربه من الطرف، وفي "كساء، ورداء" لا فرق بين الياء والواو، فكذا هنا.
وأما السماع فحكى أبو زيد في "سيقة: سيائق"، بالهمز، وهي "فعيلة" من "ساق"، وحكى الجوهري في تاج اللغة: جيد وجيائد بالهمز.
وفهم من إطلاقه "مفاعل" أن هذا الإبدال لا يختص2 بتالي ألف الجمع، حتى لو بنيت من "القول" مثل "عوارض" لقلت: "قوائل" بالهمز، هذا مذهب سيبويه3
__________
948- البيت للفرزدق في الإنصاف 1/ 27، وخزانة الأدب 4/ 424، 426، وسر صناعة الإعراب 1/ 25: والكتاب 1/ 28، وتاج العروس "درهم"، واللسان 9/ 190، "صرف" والمقاصد النحوية 3/ 521، ولم أقع عليه في ديوانه، وبلا نسبة في أسرار العربية 45، والأشباه والنظائر 2/ 29، وأوضح المسالك 4/ 376، وتخليص الشواهد 169، وسر صناعة الإعراب 2/ 769، وشرح ابن الناظم ص299، وشرح الأشموني 2/ 337، وشرح ابن عقيل 2/ 102، وشرح قطر الندى 268، ولسان العرب 1/ 683" "قطرب"، 2/ 295 "سجح"، 3/ 425 "نقد" والمقتضب 2/ 258.
1 الكتاب 4/ 377.
2 في "ب": "يختصر".
3 الكتاب 4/ 369.(2/697)
والجمهور، وخالف في ذلك الأخفش والزجاج1، فذهبا إلى منع الإبدال في المفرد لخفته بخلاف الجمع.
"وهنا مسألة خاصة بالواو، اعلم أنه إذا اجتمع واوان، وكانت الأولى مصدرة" في أول الكلمة، "والثانية إما متحركة" مطلقًا "أو ساكنة متأصلة الواوية أبدلت الواو الأولى همزة" وجوبًا لأمرين:
أحدهما: أن التضعيف في أول الكلمة قليل، وإنما جاء منه أحرف معلومة كـ"ددن" فلما قل التضعيف بالحروف الصحاح في أول الكلمة امتنع في الواو لثقلها.
والثاني: أنهم لما كانوا يجيزون البدل في "وجوه" ونحوه، وهي واو مفردة لأجل أنها بالضمة كالواوين، كانوا خلقاء أن يلتزموا الإبدال إذا وجد الواوان، لأن الواوين أثقل من واو وضمة. وهذان التعليلان لسيبويه2، ويدخل تحت ذلك صورتان:
إحداهما: أن تكون الواو الثانية متحركة.
والصورة الثانية: أن تكون الواو الثانية متأصلة الواوية "فـ" الصورة "الأولى نحو جمع: واصلة وواقية، تقول: أواصل وأواق"، كـ"ضاربة وضوارب"، "وأصلهما: وواصل، وواق"، بواوين، فأبدلت الواو الأولى همزة، وأعل "أواق"، إعلال "قاض"، فإذا دخلت عليه "أل" ثبتت ياؤه كقوله: [من الخفيف]
949- ضربت صدرها إلى وقالت يا عديا لقد وقتك الأواقي
"و" الصورة "الثانية نحو: الأولى، أنثى، الأول"، مقابل "الآخر" بالكسر "أصلها، "وولي" بواوين أولهما فاء مضمومة، والثانية عين ساكنة" متأصلة الواوية، قلبت الواو الأولى همزة لما مر، وجمعها: "أول" وأصله: "وول"، ففعل به ما تقدم.
"بخلاف نحو: ووفي، وووري" مبنيتين للمفعول. "فإن" الواو الأولى لا يجب أن تبدل همزة ، لأن الواو "الثانية ساكنة منقلبة عن ألف: فاعل" بفتح العين، وهو "وافى، و: وارى"، فليست متأصلة الواوية، لأنها بدل من ألف زائدة.
__________
1 الارتشاف 1/ 127.
2 الكتاب 4/ 431.
949- البيت للمهلهل بن ربيعة في خزانة الأدب 2/ 165، والدرر 1/ 387، وسمط اللآلي 111، واللسان 15/ 404 "وقي"، والمقاصد النحوية 4/ 211، والمقتضب 4/ 214، ولعدي أخي المهلهل في تاج العروس "وقى"، وبلا نسبة في رصف المباني 177، وسر صناعة الإعراب 2/ 800، وشرح الأشموني 2/ 448، وشرح شذور الذهب ص146، وشرح المفصل 10/10، والمنصف 1/ 218، وهمع الهوامع 1/ 173.(2/698)
"وبخلاف نحو: "الوولي" بواوين مخففا من "الوؤلي" بواو مضمومة فهمزة، وهي أنثى "الأوأل". أفعل تفضيل من "وأل" إذا لجأ"، فإن الواو الأولى لا يجب أن تبدل همزة، لأن الواو الثانية منقلبة عن همزة، فليست متأصلة الواوية، ويفهم من نفي الوجوب الجواز: "وخرج باشتراط التصدر1 نحو: هووي، ونووي، في المنسوب إلى: هوى، ونوى"، فلا تبدل الواو الأولى همزة لعدم تصدرها.
__________
1 في "ب": "التصدير".(2/699)
فصل في عكس ذلك:
"وهو إبدال الواو الياء من الهمزة: ويقع ذلك" الإبدال "في بابين:
أحدهما: باب الجمع الذي على" وزن "مفاعل، وذلك إذا وقعت الهمزة بعد ألفه"، أي الجمع، "وكانت تلك الهمزة عارضة في الجمع، وكانت لام الجمع همزة أو ياء أو واوًا، وخرج باشتراط العروض" في الهمزة "نحو: المرآة، والمرائي، فإن الهمزة موجودة في المفرد، لأن المرآة: مفعلة": بكسر الميم، "من الرؤية، فلا تغير في الجمع"، بالإبدال، لأن هذه الهمزة أصلية في الجمع، وسبب الإبدال عروضها فيه على أنه قد سمع "المرايا" بإبدال شذوذًا كقوله: [من الرجز]
950- مثل المرايا ولعاب الأقطار
"وخرج باشتراط اعتلال اللام نحو: صحائف، وعجائز، ووسائل" جمع "صحيفة، وعجوز، ورسالة"، "فلا تغير الهمزة في شيء من ذلك أيضًا"، وإن كانت في الجمع لفقد علة الإبدال الآتية:
"وأما ما حصل فيه ما شرطناه" من وقوع الهمزة بعد ألف الجمع وكون الهمزة عارضة في الجمع، وكون لام الجمع معتلة، فيجب فيه عملان: قلب كسرة الهمزة فتحة: ثم قلبها"، أي الهمزة، "ياء في ثلاث مسائل، وهي أن تكون لام الواحد همزة، أو ياء أصلية، أو واوًا منقلبة ياء، و" قلب الهمزة "واوا في مسألة واحدة، وهي أن تكون لام الواحد واوًا ظاهرة" في اللفظ سالمة من القلب ياء، فهذه أربع مسائل تحتاج إلى أربعة أمثلة.
"مثال ما لامه همزة: خطايا"، جمع "خطيئة: فعلية" من الخطأ، "أصلها: خطايئ" على زنة "مفاعل" "بياء مكسورة، هي ياء "خطيئة" وهمزة بعدها، هي لامها، ثم أبدلت الياء" المكسورة "همزة على حد الإبدال" المتقدم "في: صحائف"،
__________
950- لم أقف عليه في المصادر المتاحة.(2/700)
جمع "صحيفة"، "فصار: خطائئ، بهممزتين"، الأولى المبدلة من الياء، والثانية لام الكلمة، "ثم أبدلت الهمزة الثانية"، وهي لام الكلمة، "ياء، لما سيأتي من أن الهمزة المتطرفة بعد همزة تبدل ياء، وإن لم تكن بعد" همزة "مكسورة، فما ظنك بها بعد" همزة "مكسورة ، ثم قلبت كسرة" الهمزة "الأولى فتحة للتخفيف، إذ كانوا قد يفعلون ذلك" الفتح "في ما لامه صحيحة نحو: مداري" جمع "مدرى" بكسر الميم، وسكون الدل المهملة، وفتح الراء، آلة تشبه المسلة، تكون مع الماشطة، تصلح بها قرون النساء، "وعذارى"، جمع "عذارء"، وهي البكر، "في: المداري، والعذاري" بكسر الراء فيهما، "قال" امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
951- ويوم عقرت للعذارى مطيتي فيا عجبا من رحلها المتحمل
"وقال" أيضًا: [من الطويل]
952- غدائره مستشزرات إلى العلا تضل المدارى في مثنى ومرسل
ففتح الراء فيهما، فإذا فعل ذلك في ما لامه راء، وهو حرف صحيح، "ففعل" ذلك" الفتح "هنا" في ما لامه غير صحيحة "أولى" لثقل الكسرة، و"تضل" بالضاد المعجمة أي: تغيب، و"المثنى": الشعر المفتول، و"المرسل" بخلافه، والغرض بيان كثرة العشر، "ثم قلبت الياء" المفتوحة "ألفًًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار "خطاءا" بألفين بينهما همزة، والهمزة تشبه الألف" لكونها من مخرجها, وهي متوسطة بين ألفين، "فاجتمع شبه ثلاث ألفات"، وذلك مستكره، "فأبدلت الهمزة ياء". ولم تبدل واوا لأن الياء أخف منها "فصار: خطايا، بعد خمسة أعمال":
أولها: إبدال الياء همزة.
وثانيها: إبدال الهمزة الثانية ياء.
وثالثها: قلب كسر الهمزة الأولى فتحة.
ورابعها: قلب الياء ألفًا.
وخامسها: قلب الألف ياء على الترتيب.
__________
951- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص11، وشرح شواهد المغني 2/ 558، واللسان 4/ 592 "عقر"، وتهذيب اللغة 1/ 218، ومقاييس اللغة 4/ 90، وتاج العروس 13/ 102 "عقر"، وبلا نسبة في رصف المباني ص349، 447، ومغني اللبيب 1/ 209، وأوضح المسالك 4/ 379.
952- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص17، ولسان العرب 4/ 405 "شزر", 7/ 56 "عقص"، ومعاهد التنصيص 1/ 8، والمقاصد النحوية 4/ 587، وتاج العروس 1/ 283، "شفا" وأساس البلاغة "دري"، والمزهر 1/ 185.(2/701)
هذا مذهب سيبويه1، وجمهور البصريين، وذهب الخليل1 إلى أن مدة الواحد لا تبدل في هذا همزة، لئلا يلزم اجتماع همزتين، بل تقلب بتقديم الهمزة على الياء، فيصير "خطائي"، ثم يفعل فيه ما تقدم من قلب الكسرة فتحة، ثم قلب الياء ألفًا، ثم قلب الألف ياء.
واعترض بأنهم قد نطقوا به على الأصل، سمع من كلامهم: "اللهم اغفر لي خطائئي" بهمزتين، ولو كان كما قال الخليل لم يكن ثم همزة ثانية: البتة.
"ومثال ما لامه ياء أصلية: قضايا" جمع "قضية" أصلها: قضايي؛ بياءين؛ الأولى ياء: فعلية، والثانية لام قضية، ثم أبدلت" الياء "الأولى بهمزة كما في: صحائف" فصار "قضائي" "ثم قلبت كسرة الهمزة فتحة" فصارت "قضاءي"، "ثم قلبت الياء ألفًا" فصار "قضاءا"، فاجتمع شبه ثلاث ألفات، "ثم قلبت الهمزة" المتوسطة بين الألفين "ياء" رجوعًا إلى أصلها، "فصار: قضايا، بعد أربعة أعمال":
أحدها: إبدال الياء الأولى همزة.
والثاني: قلب كسر الهمزة فتحة.
والثالث: قلب الياء الثانية ألفًا.
والرابع: قلب الهمزة ياء على الترتيب.
"ومثال ما لامه واو قلبت في المفرد يا: مطية" وهي الراحلة "فإن [أصلها]2: مطيوة، فعيلة، من: المطا، وهو الظهر، أو من: المطو، وهو المد، يقال: مطوت بهم في السير، أي، مددت، اجتمع فيها الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، ثم أبدلت الواو3 ياء، ثم أدغمت الياء فيها"، أي في الباء "وذلك على حد الإبدال والإدغام في: سيود، وميوت، إذ قيل فيهما: سيد، وميت" بقلب الواو، وإدغام الياء في الياء، وجمعها "مطايا"، وأصلها "مطايو" بياء مكسورة قبل الواو، "ثم قلبت الواو ياء لتطرفها بعد الكسرة"، فصار "مطايي" بياءين "كما" قلبت الواو لتطرفها "في: الغازي، والداعي"، وأصلهما: "الغازو، والداعو"، قلبت الواو ياء لتطرفها بعد الكسرة، "ثم قلبت الياء الأولى همزة كما في: صحائف"، فصار "مطائي"،
__________
1 الكتاب 4/ 37.
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 سقط من "ب".(2/702)
"ثم أبدلت الكسرة فتحة": فصار "مطاءي" "ثم" أبدلت "الياء ألفًا" فاجتمع شبه ثلاث ألفات، "ثم" أبدلت "الهمزة" المتوسطة بين الألفين "ياء فصار: مطايا، بعد خمسة أعمال"1.
أحدها: قلب الواو ياء.
والثاني: قلب الياء الأولى همزة.
والثالث: إبدال الكسرة فتحة.
والرابع: إبدال الياء ألفًا.
والخامس: إبدال الألف ياء، ولم يرجع إلى أصلها، لأن الواو أثقل من الياء، أو لأنها لما أعلت في المفرد أعلت في الجمع.
"ومثال ما لامه واو" ظاهرة، "سلمت في الواحد، هراوة" وهي العصا الضخمة، "و" جمعها "هراوى" أصلها: "هراوو" بواوين، "وذلك أنا قلبنا ألف: هرواة، في الجمع همزة على حد القلب في: رسالة، ورسائل"، فصار "هرائو"، "ثم أبدلنا الواو ياء لتطرفها بعد الكسرة" فصار"هرائي"، "ثم فتحنا الكسرة" فصار "هراءي"، "فانقلبت الياء ألفًا" لتحريكها، وانفتاح ما قبلها، فصار "هراءا"، بهمزة بين ألفين، "ثم قلبنا الهمزة واوًا"، ليشاكل الجمع واحده، "فصار: هرواى، بعد خمسة أعمال أيضًا":
أحدها: قلب الألف همزة.
والثاني: إبدال الواو ياء.
والثالث: قلب الكسرة فتحة.
والرابع: قلب الكسرة فتحة.
والخامس: قلب الهمزة واوا.
وشذ في هذا الباب ثلاثة أنواع:
أحدها: تصحيح الهمزة التي بعد الألف كقوله: [من الطويل]
953- ................................. ........ حتى أزيروا المنائيا
__________
1 في "ب": "أحوال".
953- تمام البيت:
فما برحت أقدامنا في مقامنا ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا
وهو لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في المقاصد النحوية 4/ 188، ولبعض الصحابة في شرح عمدة الحافظ ص588، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص397، 598، وشرح الأشموني 2/ 439، وشرح المرادي 6/ 20، والمقاصد النحوية 4/ 188.(2/703)
بالهمزة، والقياس "المنايا" ولكنه أتى به على الأصل.
والثاني: تصحيحها، وتصحيح الهمزة التي هي لام بعدها كقولهم: اللهم اغفر لي خطائئي, بهمزتين، والقياس "خطاياي"، وهذا أشذ مما قبله.
والثالث: أبدال ما بعد الألف حرفًا لا يقتضيه القياس نحو: "هدية، وهداوا"، والقياس "هدايا".
"الباب الثاني" من البابين اللذين يقع فيما إبدال الواو والياء من الهمزة "باب الهمزتين الملتقيتين في كلمة" واحدة، "والذي يبدل منهما أبدًا هو الثانية، لا الأولى، لأن إفراط الثقل بالثانية حصل، و" إذا اجتمع همزتان في كلمة فلهما ثلاث أحوال، لأنه "لا تخلو الهمزتان المذكورتان من أن تكون الأولى متحركة والثانية ساكنة، أبو بالعكس"، بأن تكون الأولى ساكنة، والثانية متحركة، "أو يكونان متحركتين"، ويمتنع أن يكونا ساكنين معًا.
"فإن كانت الأولى متحركة" بفتحة، أو كسرة، أو ضمة، "والثانية ساكنة أبدلت الثانية حرف علة"، ألفًا، أو ياء, أو واوا "من جنس حركة الأولى" كراهة اجتماع الهمزتين مع عسر النطق بالثانية الساكنة "فتبدل ألفًا بعد الفتحة نحو: آمنت"، والأصل: "أأمنت" بهمزة مفتوحة، فهمزة ساكنة، أبدلت الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها.
"ومنه" أي ومن إبدال الهمزة الثانية ألفًا "قول عائشة، رضي الله عنها، وكانت"، تعني النبي-صلى الله عليه وسلم- "يأمرني" إذا حضت "أن آتزر1، وهو بهمزة" مفتوحة، "فألف"، قال المطرزي2: "وعوام المحدثين يحرفونه فيقرءونه بألف" مهموزة "وتاء مشددة، ولا وجه له" في العربية "لأنه" فعل مضارع، ووزنه "أفتعل" بكسر العين، مشتق "من الإزار، ففاؤه، همزة ساكنة بعد همزة المضارعة المفتوحة"، فأبدلت الهمزة الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها، وأجاز البغداديون: أتزر، وأتمن، وأتهل"، من الإزار، والأمانة، والأهل، بقلب الهمزة الثانية تاء، وإدغامها في التاء، وحكى الزمخشري: "أتزر" بالإدغام. وقال ابن مالك3: إنه مقصور على السماع كـ"اتكل"، وإذا جاز في الماضي جاز في المضارع.
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب الحيض برقم 300.
2 المغرب في ترتيب المعرب 1/ 37.
3 التسهيل ص312.(2/704)
وفي حديث آخر، وأن كان قصيرًا فليتزر به، رواه مالك في الموطأ1 بهذا اللفظ في جميع رواياته، وسيأتي.
"و" تبدل الهموة الثانية "ياء بعد الكسرة نحو: إيمان"، أصله: "إئمان". بهمزتين مكسورة فساكنة، قلبت الهمزة الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. "وشذت قراءة بعضهم"، وهو الأعمش، راوي أبي بكر صاحب عاصم: "إئلافهم" [قريش: 2] بالتحقيق"2، وأجاز الكسائي أن يبتدأ: "إئت" بهمزتين نقله عنه ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء وقال3 إنه قبيح، لأن العرب لا تجمع بين همزتين، الثانية منهما ساكنة. انتهى. "و" تبدل الهمزة الثانية "واوًا بعد ضمة نحو: أوتمن"، بالبناء للمفعول، أصله: "أؤتمن" بهمزتين، مضمومة فساكنة، قلبت الهمزة الثانية، واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها، "وأجاز الكسائي أن يبتدأ "أؤتمن" بهمزتين" مضمومة فساكنة، "نقله عنه ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء3، ورده" بأن العرب تجمع بين همزتين، لثانية منهما ساكنة، ذكر هذا الرد على الكسائي في إجازته أن يبتدأ، {ائْتِ بِقُرْآَنٍ} [يونس: 15] بهمزتين، لا في "أؤتمن".
"وإن كنت" الهمزة "الأولى ساكنة، و" الهمزة "الثانية متحركة"4، وهو النوع الثاني، ولا يكونان في موضوع الفاء لتعذر الابتداء بالساكن، بل في موضع العين، أو في موضع اللام.
"فإن كانتا في موضع العين أدغمت الاولى في الثانية" لاجتماع المثلين، وصححت "نحو: سأال" بفتح السين وتشديد الهمزة "فعال" للمبالغة في كثرة السؤال، "ولأال، ورأأس" بفتح أولهما وتشديد ثانيهما على زنة "فعال" للنسب لبائع اللؤلؤ والرءوس.
"وإن كانتا في موضع اللام أبدلت الثانية ياء مطلقًا"، سواء أكانت طرفًا أم غير طرف، "فتقول في" بناء "مثال: "قمطر" بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء المهملة: "من قرأ، قرأي" بكسر القاف وفتح الراء وسكون الهمزة، والأصل: "قرأأ" بهمزتين، أولاهما ساكنة فالتقى في الطرف همزتان، فوجب إبدال الثانية ياء،
__________
1 الموطأ 1/ 141.
2 انظر هذه القراءة في البحر المحيط 8/ 514، وشرح ابن الناظم ص599.
3 الوقف والابتداء 1/ 155.
4 في "ب": "محركة".(2/705)
وأن كانت أولاهما ساكنة، يمكن إدغامها بحيث تصير مع التي بعدها كالشيء الواحد، لأن الطرف محل التغيير، فلم يغتفر فيه ذلك، كما اغتفر في نحو: "سأل" قاله الشارح1.
"و" تقول "في" بناء "مثال: سفرجل، منه" أي من "قرأ" "قرأيأ، بهمزتين، بينهما ياء مبدلة من همزة" وهي غير طرف، والأصل "قرأأء" بثلاث همزات، أبدلت الثانية ياء، لأنها في موضع اللام وصحت الأولى والثالثة، قاله المرادي2.
"وإن كانتا متحركتين" وهو النوع الثالث "فإن كانتا في الطرف أو كانت الثانية مكسورة، أبدلت" الثانية في الصورتين "ياء مطلقًا"، سواء انفتح ما قبلها أم ضم أم انكسر، ولا يجوز إبدالها واوا، لأن الواو الأخيرة لو كانت أصلية، ووليت كسرة أو ضمة لقلبت ياء ثالثة، فصاعدًا، وكذلك تقلب رابعة فصاعدًا بعد فتحة، فلو أبدلت الهمزة الأخيرة واوًا؛ فيما نحن بصدده؛ لأبدلت بعد ذلك ياء فتعينت الياء، "وإن لم تكن" الهمزة الثانية "طرفًا؛ وكانت مضمومة؛ أبدلت واوًا مطلقًا"، سواء انضم ما قبلها؛ أو انفتح، أو انكسر، "وإن كانت" الثانية "مفتوحة ؛ فإن انفتح ما قبلها، أو انضم؛ أبدلت واوًا" فيهما، "وإن انكسر" ما قبلها "أبدلت ياء".
والحاصل: أن الهمزتين المتحركتين لا يخلو أن يكونا في الطرف أو لا.
فالأول ثلاثة أنواع، لأن الهمزة الأولى إما مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة.
والثاني تسعة أنواع، قامت من ضرب ثلاثة أحوال الأولى في ثلاثة أحوال الثانية، فالمطرفة تبدل ياء في جميع أنواعها، وغير المتطرفة منها أربعة تبدل فيها ياء وهي المفتوحة بعد كسرة، والمكسورة بعد فتحة أو كسرة، أو ضمة، وخمسة تبدل فيها واوًا، وهي المفتوحة بعد فتحة أو ضمة، والمضمومة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة.
"أمثلة المتطرفة" بعد مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة "أن تبني من: قرأ، مثل: جعفر، أو: زبرج، أو: برثن" فتقول: "قرأأ، وقرئئ"، و"قرؤؤ" بهمزتين، ثم تبدل الهمزة الثانية ياء، لأن الواو لا تقع طرفًا فيما زاد على الثلاثة. فيصير "قرأي" بفتح الأولى، و"قرئي" بكسرها و"قرؤي" بضمها، ثم إن كان قبل الياء فتحة؛ كما في المثال الأول؛ فإن الياء تقلب ألفًا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ويصير مقصورًا، وإن كان قبلها كسرة؛ كما في المثال الثاني؛ فإن الياء تحذف حركتها للاستثقال، وتعل إعلال "قاض".
__________
1 شرح ابن الناظم ص599.
2 شرح المرادي 6/ 25.(2/706)
ويصير منقوصًا، وإن كان قبلها ضمة؛ كما في المثال الثالث؛ فإن الضمة تقلب كسرة، لتسلم الياء من القلب واوًا، وتعل إعلال "قاض" ويصير منقوصًا أيضًا.
"وأمثلة المكسورة" بعد مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة "أن تنبني من: أم" بفتح الهمزة وتشديد الميم، بمعنى: قصد "مثل: أصبع، بفتح الهمزة، أو كسرها، أو ضمها، والباء فيهن مكسورة، فتقول في الأول" وهو فتح الهمزة "أأمم، بهمزتين، مفتوحة فساكنة" على مثال "أصبع" بفتح الهمزة وكسر الباء "ثم تنقل حركة الميم الأولى" وهي الكسرة "إلى الهمزة الساكنة "قبلها، ليتمكن من إدغامه في الميم الثانية لاجتماع المثلين1، "ثم تبدل الهمزة" الثانية المنقولة إليها كسرة الميم "ياء"2، لما تقدم من أن الهمزة المكسورة بعد مفتوحة تقلب ياء. "وكذا تفعل في الباقي أيضًا"، فتقول في بناء مثل "إصبع" بكسر الهمزة والباء من "أم، إئمم" بهمزتين، مكسورة، فساكنة، فتنقل حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة قبلها. ليتوصل إلى إدغام المثلين، إذ اجتماعهما موجب للإدغام وكسر الباء من "أم: أؤمم" بهمزتين مضمومة فساكنة، ثم تنقل حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة قبلها توصلا إلى الإدغام، ثم تبدل الهمزة الثانية ياء, "وذلك" العمل "واجب".
"وأما قراءة ابن عامر: والكوفيين" كعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف والأعمش، "{أَئِمَّةً}" [التوبة: 12] جمع "إمام" بالتحقيق"3 من غير إبدال "فمما يوقف عنده، ولا يتجاوز"، والقياس: "أيمة" بقلب الهمزة ياء، فإن قلت: كان القياس قلب الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها كـ"آنية"، جمع "إناء" قلت، لما وقع بعدها مثلان، وأرادوا الإدغام، نقلوا حركة الميم الأولى؛ وهي الكسرة؛ إلى الهمزة قبلها، وأدغموا الميم في الميم، فصار "أئمة" فقلبوا الهمزة الثانية ياء محضة.
"وأمثلة المضمومة" بعد مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة "أوب" بفتح الهمزة، وضم الواو، وتشديد الموحدة، "جمع: أب"، بفتح الهمزة، وتشديد الموحدة، "وهو المرعى. وأن يبنى من: أم" بفتح الهمزة وتشديد الميم "مثل: إصبع، بكسر الهمزة وضم الباء، أو" أن يبنى من "أم" مثل: أبلم" بضم الهمزة واللام، وبينهما باء ساكنة موحدة، هو سعف المقل، "فتقول: أوم، بهمزة مفتوحة أو مكسورة
__________
1 في "ب": "المثيل".
2 سقط من "ب".
3 انظر الإتحاف ص341، والنشر 1/ 378-379، وشرح ابن الناظم ص601.(2/707)
أو مضمومة، وواو مضمومة"، فاستوفى الأقسام الثلاثة، فالصواب حذف قوله: مفتوحة، للاستغناء عنه بذكر "أوب"، وصار ذكر "أوب" زائدًا، "وأصل الأول"، وهو "أوب" "أأبب" بهمزتين مفتوحة فساكنة، وضم الباء الأولى "على وزن: أفلس، وأصل الثاني والثالث: إئمم، وأؤمم" بكسر الهمزة في الأول، وضمها في الثاني، "فنقلوا فيهن" حركة أول المثلين إلى الساكن قبلها، وهو الهمزة الثانية. "ثم أبدلوا الهمزة واوًا" لأنها تجانس حركتها، "وأدغموا أحد المثلين في الآخر" لاجتماعهما1.
"ومثال المفتوحة بد مفتوحة: أوادم؛ جمع؛ آدم"، أصله "أأدم" بهمزتين مفتوحتين، بعدهما ألف، قلبت الهمزة الثانية واوا لما سيأتي.
"ومثال المفتوحة بعد مضمومة1 "أويدم" تصغير: "آدم"، أصله "أأيدم بهمزتين مضمومة فمفتوحة، قلبت الثانية منهما واوا، لأن الهمزة الثانية؛ إذا كانت مفتوحة، ولم تكن طرفًا؛ تقلب واوًا، سواء كان ما قبلها مفتوحًا كما في تكسير "آدم"، أو مضمومًا كما في تصغيره، والتمثيل بجمع "آدم" وتصغيره مبني على أنه [عربي، واضطرب فيه كلام الزمخشري، فذهب في الكشاف إلى أنه]2 أعجمي على وزن "فاعل" كـ"آزر"3. وذهب في المفصل إلى أنه عربي على وزن "أفعل"4.
"ومثال المفتوحة بعد مكسورة أن تبني من "أم" مثالا على وزن "إصبع" بكسر الهمزة وفتح الباء"، فتقول: "إيم" بهمزة مكسورة وياء مفتوحة. والأصل "إئمم" بهمزتين مكسورة فساكنة، نقلت حركة الميم الأولى، وهي الفتحة، إلى الساكن قبلها توصلا إلى إدغام المثلين، ثم أبدلت الهمزة الثانية ياء1.
"وإذا كانت الهمزة الأولى من" الهمزتين "المتحركتين همزة مضارعة" للمتكلم، متعديًا كان المضارع. أو لازمًا "نحو: أؤم" القوم، "و: أئن" من كذا، ["مضارعي: أممت" القوم، "وأننت" من كذا]2، "جاز في" الهمزة "الثانية التحقيق تشبيهًا لهمزة المتكلم لدلالتها على معنى" زائد في كلمتها "بهمزة الاستفهام نحو: {أَأَنَذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6]، وذلك مطرد في خمسة أفعال، رواه أبو زيد في كتاب الهمزتين.
__________
1 سقط من "ب".
2 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
3 الكشاف 1/ 125.
4 المفصل ص363.(2/708)
فصل في إبدال من أختيها الألف والواو:
"وأما إبدالها من الألف ففي مسألتين:
إحداهما: أن ينكسر ما قبلها كقولك في" جمع "مصباح: مصابيح، وفي" جمع "مفتاح، مفاتيح، وكذلك تصغيرهما" كقولك في تصغير "مصباح: مصيبيح"، وفي تصغير "مفتاح: مفيتيح" فتقلب الألف في التكسير والتصغير ياء لانكسار ما قبلها.
المسألة "الثانية: أن يقع قبلها ياء تصغير كقولك في" تصغير "غلام: غليم" لأن ما بعد ياء التصغير لا يكون إلا متحركًا1، والألف لا تقبل الحركة، وما قبل الألف لا يكون إلا متحركًا، وياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فوجب قلب الألف حرفًا يتحرك بعد ياء التصغير، ولا يمنع2 سكون ما قبله، فقلبت الألف3، لمناسبتها ما قبلها، ولأنها لو قلبت واوا لزم بعد ذلك قلبها ياء كما في "سيد".
"وأما إبدالها"، أي الياء، "ومن الواو ففي عشر مسائل:
إحداها: أن تقع بعد كسرة وهي إما طرف" سواء أكانت في فعل مبني للفاعل أو للمفعول، أو في اسم "كـ: رضي، وقوي" مبنيين للفاعل، "وعفي" مبنيًا للمفعول، "والغازي، والداعي" في اسم الفاعل3 قلبت الواو في هذه الأمثلة الخمسة ياء لوقوعها طرفًا بعد كسرة، وأصلها، "رضو"، لأنها من "الرضوان"، و"قوو" لأنه من "القوة"، و"عفو"، لأنه من "العفو" والغازو، والداعو" لأنهما من "الغزو، والدعوة".
"أو" تقع الواو "قبل تاء التأنيث كـ: شجية"، اسم فاعلة من "الشجو"4 بالشين المعجمة والجيم، وهو الحزن، "وأكسية". جمع "كساء"، "وغازية"،
__________
1 في "ط": "محركًا".
2 في "ط": "لا يمكن".
3 سقط من "ب".
4 في "ب": "الشجر".(2/709)
اسم فاعلة من "الغزو"، "وعريقية"، و"تريقية" "في تصغير: عرقوة"، و"ترقوة"، فقلبت الواو في الجميع ياء لوقوعها طرفًا بعد الكسرة، لأن تاء التأنيث في حكم الانفصال، ولم يفرقوا بين كون التاء بنيت الكلمة عليها، أم لا، وكان ينبغي في "عريقية" أن لا تقلب الواو ياء, لأن الكلمة قد بنيت على التاء بدليل أنه ليس لنا اسم معرب1، آخره واو. قبلها ضمة، فدل أن "عرقوة" بمنزلة "عنفوان".
"وشذ: سواسوة" بالتصحيح، "في جمع: سواء " بفتح السين المهمة والمد بمعنى: مستو، يقال: الناس سواسوة في هذا الأمر، أي مستوون فيه، فكأنه جمع "مستو" بحذف الزائد، إلا أنه زيد فيه سين أخرى، وقالوا: "سواسية" على الأصل، ووقع الجوهري2 أنه جعل "سوا" كلمة، و"سية" كلمة أخرى، ووزن كلا منهما بوزن يخصها، والتحرير ما تقدم عليه قوله: [من الطويل]
954- سواسية سود الوجوه كأنهم ظرابي غربان بمجرودة النخل
ووزنها "فعافلة" وفيه شذوذ من جهات:
إحداها: تكرار الفاء في الجمع مع عدم تكرارها في الواحد، وهو نظير تكرار العين في التصغير في "عشيشية".
الثانية: جمع فعال؛ على هذا الوزن؛ وإنما قياسه أسوية، كـ: قباء، وأقبية.
الثالثة: أن قياس الفاء، إذا تكررت زائدة أن تكون العين مكررة معها أيضا كـ"مرمريس"، وإذا تكررت وحدها. فقياسها أن تكون أصلا نحو "قرقف، وسندس". وفي حواشي الصحاح لابن بري: "سواسية" جمع "سواء" على غير الواحد كـ"باطل، وإباطيل"، وكأنه جمع "سوساة"، ووزن "سوساة، فعللة" كـ"شوشاة"، لا "فعلاة" لندور باب "سلس"، ولا "فوعلة" لندور باب "كوكب"، ولا "فعفلة"، لأن الفاء لا تتكرر وحدها، فبطل حينئذ كون "سواسية فعالية، وفواعلة، وفعافلة"، وتعين "فعاللة" وهذا كلام حسن، نقله الموضح في الحواشي.
"و" شذ "مقاتوة" بقاف وتاء مثناة فوق "بمعنى: خدام"، جمع "مقتو"، اسم فاعل من "القتو" وهو الخدمة، أصله "مقتوو"، قلبت الواو الثانية ياء لتطرفها
__________
1 في "ب": "معروف".
2 الصحاح "سوا".
954- البيت للبعيث في لسان العرب 1/ 571 "ظرب" وتهذيب اللغة 14/ 377، والشعر والشعراء 1/ 497، والقافية في هذه المصادر "محل" مكان "النخل".(2/710)
بعد الكسرة، ثم أعل إعلال "قاض"، قال: [من الوافر].
955- ............................... متى كنا لأهلك مقتوينا
أي: خدامًا، وقال: [من المنسرح].
956- إني امرؤ من بني جذيمة لا أحسن قتو الملوك والحفدا
أي: خدمة الملوك، وكان حق الجمع "مقاتية" ولا ثالث لهما، قال في المحكم1، قال أبو علي، أخبرني أبو بكر عن أبي العباس أنه لم يسمع مثل "مقاتوة" إلا حرفًا واحدًا، أخبرني به أبو عبيدة، وهو "سواسوة" ومعناه سواء، انتهى.
أو تقع الواو قبل ألف التأنيث المقصورة، كأن تبني من "الغزو" مثل "هندباء" فتقول: "غزوياء"، أو الممدودة، كأن تبني من "الغزو" مثل "أربعاء" فتقول": "أغزياء"، "أو قبل الألف والنون الزائدتين" المضارعتين لألفي2 التأنيث "كقولك في مثال: قطران"، بفتح القاف وكسر الطاء، "من: الغزو: غزيان" بقلب الواو ياء لتطرفها إثر كسرة لأن ألفي التأنيث وما ضارعها في حكم الانفصال.
المسألة "الثانية" من إبدال الياء من الواو "أن تقع" الواو "عينًا لمصدر فعل3 أعلت فيه"، أي في الفعل، "ويكون قبلها كسرة، وبعدها ألف"، فهذه أربعة شروط "كـ: صيام، وقيام" من مصادر الثلاثي، "وانقياد، واعتياد" من مصادر المزيد، والأصل فيهن: "صوام, وقوام، انقواد، واعتواد"، فقلبت الواو فيهن ياء، لأنها
__________
955- صدر البيت:
تهددنا وأوعدنا رويدًا
وهو لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص79، وجمهرة اللغة ص408، وأساس البلاغة "قتو"، وخزانة الأدب 7/ 427-429، 8/ 80-81، وشرح شواهد الإيضاح ص292، ولسان العرب 1/ 356 "خصب" 15/ 169 "قتا"، 15/ 212 "قوا"، والمنصف 2/ 133، ونوادر أبي زيد ص188، وبلا نسبة في الارتشاف 1/ 269، والأشباه والنظائر 1/ 289؛ ولسان العرب 1/ 391، "ذنب".
956- البيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص408، والمخصص 3/ 141، والخصائص 2/ 104، 303، والمحتسب 2/ 25، وهو برواية "والخببا" مكان "والحفدا" في لسان العرب 1/ 342 "خبب"، 15/ 169 "قتا"، وتاج العروس "قتا"، وكتاب العين 5/ 198، ومقاييس اللغة 5/ 58، والمخصص 3/ 141، وديوان الأدب 4/ 71، وتهذيب اللغة 7/ 14، 9/ 253، وأساس البلاغة "قتو" والأشباه والنظائر 1/ 289، وخزانة الأدب 7/ 428.
1 المحكم 6/ 334 "قتو".
2 في "ب": "لألف".
3 في "ب": "الفعل الذي".(2/711)
لما أعلت في أفعالها بقلبها ألفًا، واستثقل بقاؤها في المصدر صحيحة بعد الكسرة، وقيل حرف يشبه الياء في المد، أعلت1 في المصدر بقلبها ياء حملا للمصدر على فعله في الإعلال، ليصير العمل في اللفظ من وجه واحد.
"بخلاف نحو: سوار، وسواك" بكسر أولهما، اسمي جنس، فلا تقلب الواو، فيهما ياء "لانتفاء المصدرية، و" بخلاف "نحو: لاوذ لواذا، وجاور جوارًا" بالجيم2؛ فإن "لواذًا، وجوارًا"؛ وإن كانا مصدرين؛ لا تقلب الواو فيهما ياء "لصحة عين الفعل" فيهما، وهو "لاوذ، وجاور"، بخلاف: "راج رواجًا"، لعدم الكسرة قبلها.
"و" بخلاف: ["حال حولا، وعاد المريض عودًا"، فإن "حولا، وعودًا؛ وإن كانا مصدرين، أعل فعلهما، وهو: "حال، وعاد" بقلب عينهما ألفًا، لا تقلب الواو فيهما ياء "لعدم الألف" بعدها، "وقل الإعلال فيه"، أي: فيما عدم الألف]3، "نحو قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ} [النساء: 5], وقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: 97] في قراءة نافع وابن عامر في النساء4، وفي قراة ابن عامر في المائدة"5. وأصلهما "قومًا" قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، "وشذ التصحيح مع استيفاء الشروط في قولهم: نارت الظبية" تنور "نوارًا" بالنون والراء المهملة "بمعنى نفرت" والقياس: نيارًا، ولكنه جاء بالتصحيح، قال العجاج، وأنشده ابن جني6: [من الرجز]
957- يخلطن بالتأنس النوارا
قال في شرح الكافية7: "ولم يسمع له نظير".
__________
1 في "ب": "اعتلت".
2 سقط من "ب".
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
4 وأيضًا ابن عباس. وقد قرءوا "قِيَمًا". انظر الإتحاف ص186، ومعاني القرآن للفراء 1/ 256.
5 وأيضًا عاصم والجحدري، انظر الإتحاف ص203، والنشر 2/ 256.
6 المنصف 1/ 303، 3/ 52, والمحتسب 1/ 182.
957- الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 87، وإصلاح المنطق ص125، وتهذيب اللغة 15/ 235، ولسان العرب 5/ 244 "نور"، والمحتسب 1/ 182، والمنصف 1/ 303، 3/ 52.
7 شرح الكافية الشافية 4/ 2116.(2/712)
المسألة "الثالثة": "أن تقع" الواو "عينا لجمع صحيح اللام، وقبلها كسرة، وهي في الواحد إما معلة" أي: منقلبة "نحو: دار وديار وحيلة" بحاء مهملة وياء مثناة تحتانية، "وحيل وديمة وديم وقيمة وقيم وقامة وقيم" والأصل: "داور وحول ودوم وقوم"، ولكن لما أنكسر ما قبل الواو في الجميع، وكانت في المفرد معلة بقلبها ألفًا في الأول والأخير، و ياء فيما بينهما، ضعفت، فتسلطت الكسرة عليها واستفدنا من تكثير الأمثلة أنه إذا كانت الواو معلة في الواحد لا يشترط وقوع الألف بعدها كما في "ديار" خلافًا للمرادي1، وسيأتي إيضاحه.
"وشذ: حاجة، وحوج"، والقياس: "حيج"، لأن قبلها كسرة، والواو أعلت في الواحد، "وإما شبيهة بالمعلة، وهي الساكنة، وشرط القلب في هذه أن تكون بعدها في الجمع ألف كـ: سواط وسياط، وحوض وحياض، وروض ورياض"، والأصل فيها2: "سواط، وحواض، ورواض"، ولكن لما انكسر ما قبل الواو في الجمع، وكانت الواو في الواحد ساكنة، ضعفت، فتسلطت الكسرة عليها، وقوى تسليطها وجود الألف، "فإن فقدت" الألف "صححت الواو نحو: كوز وكوزة، وعود، بفتح أوله" وهو بالعين المهملة، "للمسن من الإبل"، وهو الذي جاوز في السن البازل هو الذي له سبعين سنين، "وعودة" لأنه لما عدمت الألف قل عمل اللسان، فخف3 النطق بالواو بعد الكسرة فصححت4، ولم يجز إعلالها، لأنه انضم إلى عدم الإعلال تحصين الواو ببعدها من الطرف بسبب هاء التأنيث.
"وشذ قولهم" في جمع "ثور": "ثيرة" بإبدال الواو ياء، والقياس: "ثورة" بالتصحيح، وقيل: الأصل5 "ثورة" بسكون الواو، فأعل بقلب الواو ياء، ثم فتحت الياء، وزعم المبرد أنه مقصور من "فعالة" والأصل، "ثيارة"6 فلذا أعل، ثم قصر بعد ذلك, نقله ابن مالك عنه7، والمعروف عنه إنما قال: "ثيرة", ليكون القلب دليلا
__________
1 شرح المرادي 6/ 32.
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "فحفف".
4 في "ب": "فصحت".
5 في "ب": "الأول".
6 المقتضب 1/ 130.
7 شرح الكافية الشافية 4/ 2114.(2/713)
على أنه جمع "ثور" [من الحيوان، لا جمع "ثور" من]1 الأقط، والمخصص أنهم لما قالوا في جمع "ثور" من الحيوان: "ثيران" بقلب الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها حملوا "ثيرة" في جمعه عليه، وليس لـ"ثورة" من الأقط ما يحمل جمعه في القلب عليه. قاله الجاربردي2.
"وتصحيح الواو إن تحركت في الواحد نحو: طويل، وطوال، وشذ" قياسًا واسعمالا قوله: [من الطويل]
958- تبين لي أن القماءة ذلة وأن أعزاء الرجال طيالها
بإبدال الواو ياء، والقياس: "طوالها" كما رواه القالي.
وفي شرح الكافية3: وأما الطيال جمع طويل فيمكن أن يجعل من باب جواد وجياد كأنه جمع طائل من طاله إذا فاقه في الطول. انتهى. والقماءة بالمد: القصر.
"قيل: ومنه" أي من شذوذ إعلال الواو المتحركة: "{الصَّافِنَاتُ}" [ص: 31] جمع "صافنة" وهي من الخيل التي تقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهي من الصفات المحمودة في الخيل، لا تكاد تكون إلا في العرب الخلص، "{الْجِيَادُ}" [ص: 31] جمع "جواد"، وهو الذي يسرع في جريه، وقيل: الذي يجوز بالركض، وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين، واقفة وجارية بمعنى: إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعًا خفافًا في جريها، وكان القياس: "الجواد" بالتصحيح، لأن الواو محركة في الواحد. "وقيل": "الجياد" في الآية ليس بشاذ، وإنما هو" جمع: جيد" بتشديد الياء، "لا" جمع "جواد.
والحاصل: أن الواو تصحح إن تحركت في الواحد كـ"طويل، وطوال"، "أو أعلت لامه" أي الواحد بالياء أو بالواو.
__________
1 ما بين المعكوفين إضافة من "ب"، "ط".
2 شرح الشافية 2/ 452.
958- البيت لأنيف بن زبان في الحماسة البصرية 1/ 35, وشرح شواهد الشافية ص385، ولأثال بن عبدة بن الطبيب في خزانة الأدب 9/ 488، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 386، وشرح الأشموني 3/ 844، وشرح المفصل 5/ 45, 10/ 88، وعيون الأخبار 4/ 54، واللسان 11/ 410 "طول"، والمحتسب 1/ 184, ومجالس ثعلب 2/ 412، والمقاصد النحوية 4/ 88، والممتع في التصريف 2/ 497، والمنصف 1/ 342، وتاج العروس "طول".
3 شرح الكافية الشافية 4/ 2116.(2/714)
فالأول "كجمع: ريان" نقيض عطشان "فعلان" من "الري"، أصله: "رويان" اجتمع فيه الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
"و" الثاني كجمع "جو" بفتح الجيم "وتشديد الواو"، وهو ما بين السماء والأرض، واسم بلدة باليمامة، "فيقال" في جمعهما: "رواء، وجواء" كـ"رجال" "بتصحيح العين"، وهي الواو، والأصل: "رواي، وجواو"، أبدلت الياء والواو همزة لتطرفهما إثر ألف زائدة، ولا يجوز مع ذلك إعلال عينهما، "لئلا يتوالى إعلالان"، إعلال العين بإبدالها ياء للكسرة قبلها، وإعلال اللام بإبدالها1 همزة لوقوعها طرفًا بعد ألف زائدة نحو: "كساء، ورداء"، فاقتصر على إعلال اللام، [لأنه محل التغيير، وكذلك ما أشبههما مما اعتلت فيه اللام]2 بإبدالها همزة، وصححت فيه العين.
"وهذا الموضع"؛ وهو إبدال الياء من الواو إذا وقعت عينًا إلى آخره؛ "ليس محررًا في الخلاصة، ولا في غيرها من كتب الناظم3، فتأمله"، بل كلامه في الخلاصة في دعوى القياس، وفي نقل السماع يخالفه كلامه في التسهيل4.
أما في1 دعوى القياس فإن اعتماده هنا على التصحيح قياسًا، لأنه جعله5 الغالب في كلام العرب، وعادته البناء على الغالب، والقياس عليه، فهو قد ارتضى هنا فيما كان على "فعل" من المصادر المعتلة أن لا يغير، ولا تقلب واواه، وفي التسهيل على خلاف ذلك، لأنه قال4: تبدل الياء بعد كسرة من واو، هي عين مصدر الفعل معتل العين، ولم يقل، قبل ألف كما قال ذلك في الجمع، وأفرده بذلك دون المصدر فاقتضى أن "فعلا" تقلب واوه ياء في القياس، لأنه لم يستثنه. وأما في نقل السماع فإنه زعم هنا أن الغالب في كلام العرب تصحيح "فعل" والنادر هو الإعلال، حيث قال:
955- .......................... والفعل منه صحيح غالبًا نحو الحول
وجعل في التسهيل4 التصحيح قليلا، والغالب الإعلال، حيث قال: قد يصحح ما حقه الإعلال من "فعل" مصدرًا أو جمعًا، فأتى بـ"قد" المشعرة بالتقليل على
__________
1 سقط من "ب".
2 سقط ما بينهما من "ب".
3 في "ب": "النظم".
4 التسهيل ص304.
5 في "ب": "جعل".(2/715)
عادته إذا أراد تقليل، وقال في شرح الكافية1، ونبه بتصحيح ما وزنه "فعل" كـ"الحول"، على أن [إعلال]2 المصدر المذكور مشروط بوجود الألف فيه، حتى يكون على "فعال"، انتهى.
وقد علمت أن الإعلال المذكور يكون في غير "فعال" نحو: "انقاد انقيادا"، والأصل: "انقوادًا". وأطلق "فعالا"، وقد علم أنه إذا كان معتل اللام صحح، نحو: "رواء، وحواء".
المسألة "الرابعة: أن تقع" الواو "طرفًا رابعة فصاعدًا"، لأن ما هي فيه إذ ذاك لا يعدم نظيرًا يستحق الإعلال، فيحمل عليه هو، قاله الشارح3.
وسواء كانت في فعل، أو اسم "تقول" في الفعل: "عطوت" بمعنى: أخذت، "وزكوت" بمعنى: نميت، بإقرار الواو على صورتها، لأنها ثالثة، "فإذا جئت بالهمزة، أو التضعيف قلت: أعطيت، وزكيت" بإبدال الواو ياء، لأنها صارت رابعة، "وتقول في اسم المفعول" من "أعطيت، وزكيت"، إذا اتصل به علامة تثنية، "معطيان، ومزكيان" بإبدال الواو ياء، وإنما أبدلت في الفعل الماضي المزيد، واسم مفعوله ياء، وإن لم تكن بعد كسرة، لأنهم "حملوا الماضي"، وهو "أعطيت، وزكيت" "على المضارع"، وهو "يعطي ويزكي"، "و" حملوا "اسم المفعول"، وهو "معطيان ومزكيان" "على اسم الفاعل"، وهو "معطيان ومزكيان" بكسر الطاء والكاف، "فإن كلا منهما"، أي من المضارع واسم الفاعل. "قبل آخره كسرة"، وهم يحملون الفرع على أصله كما يحملون الأصل على فرعه.
"وسأل سيبويه" شيخه "الخليل عن وجه إعلال نحو4: تغازينا، وتداعينا"، والأصل: "تغازونا، وتداعونا"، فأبدلت الواو ياء "مع أن المضارع"، وهو "يتغازي، ويتداعى"، "لا كسر قبل آخره"، حتى يحمل الماضي عليه "فأجاب" الخليل عن سؤال سيبويه4 "بأن الإعلال"، وهو قلب الواو ياء "ثبت" في "تغازي" وتداعي"، "قبل مجيء التاء في أوله".
"وهو" توجيه حسن وحاصله أنهم أعلوا5: "غازينا وداعينا، حملا على:
__________
1 شرح الكافية الشافية 4/ 2113.
2 إضافة من شرح الكافية الشافية 4/ 2113.
3 شرح ابن الناظم ص603.
4 الكتاب 4/ 393.
5 في "ب": "أعملوا".(2/716)
يغازي، ويداعي" بكسر ما قبل آخرهما، قبل مجيء التاء. "ثم استصحب" الإعلال "معها"، أي مع التاء كاستصحابه مع هاء التأنيث نحو: "المعطاة"1.
المسألة "الخامسة: أن تلي" الواو "كسرة، وهي"، أي الواو، "ساكنة مفردة" عن مثلها "نحو: ميزان"، أصله: "موزان"، لأنه من الوزن"، "وميقات" أصله: "موقات"، لأنه من "الوقت"، قلبت الواو فيهما ياء لسكونها وانكسار ما قبلها "بخلاف نحو: صوان"، وهو وعاء الشيء، "و: سوار"، لأن الواو فيهما متحركة لا ساكنة، ونحو: "اجلواذ" بالجيم والذال المعجمة، و هو دوام السير مع السرعة، "واعلواط"، بالعين والطاء المهملتين، وهو التعلق بالعنق، يقال: اعلوط بعيره إذا تعلق بعنقه وعلاه، لأن الواو فيهما مشددة لا مفردة. "اجلياذ" شاذ لا يقاس عليه.
قاله في التسهيل2.
المسألة "السادسة: أن تكون" الواو "لاما لـ"فعلى" بالضم" حال كونها "صفة، نحو: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} [الصافات: 6]، وقولك: للمتقين الدرجة العليا"، والأصل: "الدنوى، والعلوى"، لأنهما من "الدنو، والعلو" قلبت الواو فيهما ياء لاستثقال الواو والضمة وعلامة التأنيث في الصفة، فخففت لامها بقلبها ياء، والدليل على صحة كونها صفة؛ جريانها على موصوفها كما مثل، هذا هو الأصل، واستعمالهم لها غير جارية على موصوف مزال عن الأصل، ومعامل معاملته.
"وأما قول الحجازيين": المسافة "القصوى", بالتصحيح "فشاذ قياسًا3، فصيح استعمالا، نبه به على الأصل"، وهو الواو، "كما" نبه على الأصل "في" الفعل نحو: "استحوذ، و" في الاسم نحو: "القود" بالتصحيح فيهما، والقياس فيهما: "استحاذ، والقاد" بالإعلال، ولكنه ترك تنبيها على الأصل، وبنو تميم يقولون: "القصيا"، بالإعلال على القياس، "فإن كانت: فعلى" بالضم" اسمًا" أي4: غير صفة "لم تغير" لامها4 بإبدالها ياء، بل تقر الواو على أصلها فرقا بين الاسم والصفة، ولم يعكسوا، لأن الاسم أخف5 من الصفة "كقوله"، وهو ذو الرمة: [من الطويل]
__________
1 في "ب": "المعطاة".
2 التسهيل ص300.
3 انظر الارتشاف 1/ 134، وشرح الكافية الشافية 4/ 2122.
4 سقط من "ب".
5 في "ب": "أخص".(2/717)
959- أدارًا بحزوى هجت للعين غبرة فماء الهوى يرفض أو يترقرق
بإقرار الواو على حالها في "حزوى" بحاء مهملة مضمومة، وزاي ساكنة: اسم موضع، و"دارًا" منادى بالهمزة، وحقه الضم، لأنه نكرة مقصودة، ولكنه، لما وصف بالجار والمجرور بعده1؛ سوغ نصبه، لأن النكرة المقصودة إذا وصفت ترجح نصبها على ضمها، وفي الحديث: "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم"، و"العبرة" بفتح العين: الدمع، و"ماء الهوى" دمعه2، ولكونه يبعث عليه، أضيف إليه و"يرفض" يسيل بعضه في إثر بعض، و"يترقرق" يبقى في العين متحيرًا يجيء ويذهب.
وما ذكره الموضح من أن لام "فعلى"؛ إذا كانت واوا؛ تبدل ياء في الصفة، وتسلم في الاسم، تبع فيه الناظم.
وقال المرادي3: أنه مخالف لقول أهل التصريف؛ فإنهم يعكسون، فيبدلونها في الاسم دون الصفة، ويجعلون "حزوى" شاذا.
قال الناظم في بعض كتبه، وما قلته مؤيد بالدليل، وموافق لقول أئمة اللغة.
حكى الأزهري4 عن الفراء، وعن ابن السكيت أنهما قال: ما كان من النعوت مثل "الدنيا، والعليا" فإنه بالياء، فإنهم يستثقلون الواو مع الضمة أوله، وليس فيه اختلاف، إلا أن أهل الحجاز أظهروا الواو في "القصوى" وبنو تميم قالوا: "القصيا" انتهى.
المسألة "السابعة: أن تلتقي هي"، أي الواو، و"الياء" ويجتمعان5 "في كلمة" واحدة، "والسابق منهما ساكن متأصل ذاتا وسكون" بالنصب على التمييز، فإذا اجتمعت هذه الشروط، وجب قلب الواو ياء، تقدمت الواو، أو تأخرت، لأنها أثقل من الياء تحصيلا للتخفيف ما أمكن، "ويجب حينئذ"، أي حين إذا قلبت الواو ياء، "إدغام الياء" المنقلبة عن الواو "في الياء" السالمة لاجتماع المثلين.
__________
956- البيت لذي الرمة في ديوانه ص456، وخزانة الأدب 2/ 190، وشرح أبيات سيبويه 1/ 488، والكتاب 2/ 199، والمقاصد النحوية 4/ 236، 579، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 121، وأوضح المسالك 4/ 388، وشرح الأشموني 2/ 445، والمقتضب 4/ 303.
1 سقط من "ب".
2 في "ب": "دفقه".
3 شرح المرادي 6/ 45-46.
4 تهذيب اللغة 9/ 219.
5 في "ب": "تجمعان".(2/718)
"مثال ذلك فيما تقدمت فيه الياء" على الواو: "سيد، وميت، أصلهما: سيود، وميوت"، لأنهما من "ساد، يسود" اتفاقًا، و"مات، يموت" على إحدى اللغتين، ووزنهما عند المحققين من أهل البصرة، "فيعل" بكسر العين1، وذهب البغداديون إلى أنه "فيعل" بفتح العين كـ"ضيغم، وصيرف" نقل إلى "فيعل" بكسر العين، قالوا: لأنا لم نر في الصحيح ما هو على "فيعل" بالكسر، وهذا ضعيف، لأن المعتل قد يأتي فيه ما لا يأتي في الصحيح، فإنه نوع على انفراده، فيجوز أن يكون هذا بناء مختصًا بالمعتل كاختصاص جمع "فاعل" منه بـ"فعلة"، كـ"قضاة، ورماة"، ولو كان "سيد: فيعلا"، بالفتح لقالوا: "سيد" بالفتح.
"ومثاله فيما تقدمت فيه الواو" على الياء "طي، ولي" بالتشديد "مصدرًا: طويت ولويت، وأصلهما، طوي ولوي"، بفتح أولهما وسكون ثانيهما، قلبت، الواو منهما2 ياء وأدغمت في الياء.
"ويجب التصحيح" في الواو "إن كانا"، أي الياء والواو، "من كلمتين، نحو: يدعو ياسر"3 بتقديم الواو على الياء، "و: يرمي واعد"، بتقديم الياء على الواو، "أو كان السابق منهما"، أي من الواو والياء، "متحركًا، نحو: طويل". بتحريك الواو بالكسر، "و: غيور"، بتحريك الياء بالضم، "أو" كان السابق "عارض الذات" جوازًا، وهو ثلاثة أنواع: المبدل عن ألف نحو: "سوير"، والمبدل عن ياء كما إذا بنيت من "البيع" موازن "بيطر"، قلت: "بيع" ثم بنيته لما لم يسم فاعله، فقلت: "بويع"، والمبدل عن همزة "نحو: روية"، بضم الراء وفتح الياء المثناة تحت مخفف4 "رؤية" بالهمزة فجميع ذلك لا إبدال فيه، ولا إدغام لعروض الحرف الأول بخلاف "أويم"، مخفف "أأيم"، وهو مثال "أبلم"، من "الأيمة"، أبدلت الهمزة الثانية واوًا لانضمام التي قبلها، فصار "أويم"، وهذا الإبدال واجب، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، فصار "أيم"، وهذا الإبدال [والإدغام واجب، لأن الواو عارضة الذات وجوبًا، إذ أصلها الهمزة، فإن العروض الذي يحمي عن الإبدال، إنما]5 هو
__________
1 انظر الإنصاف 2/ 896، المسألة رقم 115.
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "بالشر".
4 في "ب": "مخففة".
5 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/719)
المعروض الجائز، لا الواجب، "أو" كان السابق منهما "عارض السكون نحو: قوي"، بسكون الواو، "فإن أصله الكسر"، لأنه فعل ماض، "ثم إنه سكن للتخفيف، كما يقال في: علم"، بكسر اللام: "علم" بسكونها، وأجاز بعضهم: "قي" بالإدغام بعد القلب.
"وشذ عما ذكرنا ثلاثة أنواع:
نوع أعل ولم يستوف الشروط كقراءة بعضهم: "إن كنتم للرُّيَّا تعبرون" [يوسف: 43]، بالإبدال والإدغام"1 مع أن الواو عارضة الذات2، لأنها مخففة من الهمزة سمع الكسائي هذه القراءة3، وحكى ذلك، وقال ابن مالك في شرح الكافية4: وحكى بعضهم اطراده على لغة.
"ونوع صحح مع استيفائها"، أي الشروط، "نحو: ضيون" بفتح الضاد المعجمة وسكون الياء، وهو السنور الذكر، وإنما لم يدغم لأنه اسم موضوع، وليس على وجه الفعل، قاله الجوهري5، "وأيوم" بفتح الهمزة وسكون الياء على زنة "أفعل"، لأنهم يقولون؛ إذا كانوا في يوم حصل لهم فيه شدة: يوم أيوم، أي كثير الشدة "وعوى" بفتح الواو "الكلب عوية": نبح، "ورجاء"، بالجيم والمد، "ابن حيوة"، بفتح الحاء وسكون الياء، قال في الصحاح6: وإنما لم يدغم "حيوة" لأنه اسم رجل ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
"ونوع أبدل فيه لياء واوًا، وأدغمت الواو فيها" على عكس القاعدة "نحو": عوى الكلب "عوة"، والقياس: "عية"، و"نهو" بضم النون والهاء وتشديد الواو، "عن المنكر" والقياس: "نهي" لأن أصله "نهوي"، لأنه "فعول" من "النهي".
"واطرد في تصغير ما يكسر على: مفاعل" من محرك الواو "نحو: جدول"، وجداول "وأسود" اسمًا "للحية" وأساود "الإعلال والتصحيح". فاعل
__________
1 الرسم المصحفي: {لِلرُّؤْيَا} والقراءة المستشهد بها قرأها أبو عمرو والأزرق وأبو جعفر، انظر الإتحاف ص265، وهي من شواهد شرح ابن الناظم ص607.
2 سقط من "ب".
3 الارتشاف 1/ 142.
3 شرح الكافية الشافية 4/ 2124.
5 الصحاح "ضون".
6 الصحاح "حيا".(2/720)
"اطرد" فتقول في تصغير "جدول، وأسود: جديول، وأسيود"، بالتصحيح، و"جديل، وأسيد"، بالإعلال، أما الإعلال؛ وهو الأرجح؛ فهو جار مجرى "سيد، وميت" على القياس، وما التصحيح فلأنك أجريت هذه الياء مجرى ألف "جداول، وأساود" لأنه كل واحد من ياء التصغير وألف التكسير جيء به المعنى، فلو كان "أسود" صفة تعين فيه الإعلال، لأنه لم يجمع على "أساود" قاله الشارح1.
واحترزنا بقولنا، من محرك الواو من نحو: "عجوز، وعمود" فإنهما؛ وإن كسرا على "مفاعل"؛ فالإعلال واجب في مصغرهما، تقول2: "عجيز، وعميد"، ولا يجوز الصتحيح، والفرق قوة المحرك وضعف الساكن، وعدم الاعتداد بحركة التصغير لعروضها. قاله ابن إياز.
المسألة "الثامنة: أن تكون" الواو "لام مفعول" الفعل "الذي ماضيه على "فعل" بكسر العين"، سواء في ذلك المتعدي واللازم. فالأول "نحو: رضيه؛ فهو: مرضي، و" الثاني نحو: "قوي على زيد، فهو: مقوي"، والأصل فيهما: "مرضوء، ومقوو" بواوين، بعد العين، أولهما واو مفعول، وثانيهما لامه، قلبت لامه ياء حملا للاسم على الفعل، فإنه إذ ذاك واجب الإعلال، إذا الحرف الذي قبل الآخر مكسور، فصارا "مرضويا، ومقوويا" فاجتمع فيهما الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وأبدلت الضمة كسرة لتسلم الياء من القلب واوًا، "وشذت قراءة بعضهم": "رَاضِيَةً "مرضوة"" [الفجر: 28] بالتصحيح، وجعله في التسهيل3 مرجوحًا.
"فإن كانت عين الفعل مفتوحة وجب التصحيح نحو: مغزو، ومدعو" والأصل: "مغزوو، ومدعوو", بواوين، واوا "مفعول" ولام الكلمة، فأدغمت الأولى في الثانية لاجتماع المثلين، "والإعلال شاذ كقوله" وهو عبد يغوث الحارثي: [من الطويل]
960- ولقد علمت عرسي مليكة إنني أنا الليث معديا علي وعاديا
__________
1 شرح ابن الناظم ص609.
2 سقط من "ب".
3 التسهيل ص309.
960- البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي في خزانة الأدب 2/ 101، والاقتضاب ص778، 791، وسر صناعة الإعراب 2/ 691، وشرح أبيات سيبويه 2/ 432، وشرح اختيارت المفصل ص771، =(2/721)
فأعل "معديا"، وأصله: "معدوو"، وعرس الرجل زوجه، و"مليكة" بالتصغير: اسمها، وأنشده المازني "معدوا" بالتصحيح، وأنشده غيره بالإغلال، وإلى جوازهما أشار الناظم بقوله:
983- وصحح المفعول من نحو عدا وأعلل إن لم تتحر الأجودا
فالتصحيح حملا على فعل الفاعل، والإعلال، حملا على فعل المفعول، والتصحيح أولى، لأن الحمل على فعل الفاعل أولى.
المسألة "التاسعة: أن تكون" الواو "لام: فعول" بضم الفاء "جمعًا، نحو: عصا وعصي، وقفى وقفي، ودلو ودلي"، والأصل: "عصوو، وقفوو، ودلوو"، فاستثقلوا اجتماع واوين في الجمع، فقلبوا الواو الأخيرة ياء، ثم أعلت الأولى بالقلب ياء، والإدغام، وكسر ما قبل الياء لتصحح، "والتصحيح شاذ، قالوا: أبو وأخو" جمعين لـ"أب, وأخ" حكاهما ابن الأعرابي، "ونحو" بحاء مهملة، "جمعا لـ: نحو, وهو الجهة". حكى سيبويه1 عن بعض الأعراب، إنكم لتنظرون في نحو كثيرة، "ونجو؛ بالجيم؛ جمعًا لـ: نجو؛ وهو السحاب الذي هراق ماءه، وبهو"، فتح الموحدة وسكون الهاء، "وهو المصدر، و" جمعه "بهو" حكاه أبو حاتم عن أبي زيد، والجموع المذكورة، مضمومة الأول والثاني، والأصل فيها: "أبوو، وأخوو، ونحوو، ونجوو، وبهوو"، بواوين، أدغمت أولاهما في الثانية.
"فإن كان: فعول؛ مفردًا وجب التصحيح، نحو: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21]، و{لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 83]، وتقول: نما المال نموا"، إذا زاد، "وسما زيد سموا" إذا علا، وجميع هذه الأمثلة مصادر مفردة مضمومة الأول والثاني، والأصل فيها: "عتوو، وعلوو، ونموو، وسموو"، بواوين أدغمت أولاهما في الثانية.
__________
= والمفضليات ص71، وشرح الكاتب للجواليقي ص395، والكتاب 4/ 385، ولسان العرب 5/ 219، "نظر" 15/ 34 "عدا"، والمقاصد النحوية 4/ 589، وبلا نسبة في أدب الكاتب 569، وأمالي ابن الحاجب ص331، وأوضح المسالك 4/ 390، وشرح الأشموني 3/ 867، وشرح شافية ابن الحاجب ص172، وشرح شواهد الشافية ص400، وشرح المرادي 6/ 71، وشرح المفصل 5/ 36، 10/ 22، 110، واللسان 6/ 115، "شمس" 14/ 148 "جفا" والمحتسب 2/ 207، والمقرب 2/ 187، والممتع في التصريف 2/ 550، والمنصف 1/ 118, 2/ 122.
1 الكتاب 4/ 384.(2/722)
"وقد يعل" بقلب الواوم الأخيرة ياء، وإعلال الأولى كإعلال "طي"، "نحو: عتا الشيخ عتيا" إذا تكبر، "وقسا قلبه قسيا" والذي في النظم يقتضي التسوية بين الجمع والمفرد، فإنه قال:
984- كذاك ذا وجهين جا الفعول من ذي الواو لام جمع أو فرد يعن
إلا أن الإعلال في الجمع أولى لثقله، والتصحيح في المفرد أولى لخفته.
المسألة "العاشرة: أن تكون" الواو "عينًا لـ: فعل" بضم الفاء وتشديد العين، حال كونه" جمعًا صحيح اللام كـ: صيم" جمع "صائم"، و"نيم" جمع "نائم"، وعينهما واو، وأصلهما: "صوم، ونوم" فاجتمع في الجمع واوان وضمة، فكأنه اجتمع ثلاث واوات مع ثقل الجمع، فعدل إلى التخفيف بقلب الواوين ياءين؛ لأن الياءين أخف من الواوين، "والأكثر فيه التصحيح" على الأصل، "تقول: صوم، ونوم" والكثير الشائع الإعلال وإليه يشير قول الناظم:
985- وشاع نحو نيم في نوم .............................
"ويجب" التصحيح "إن اعتلت اللام لئلا يتوالى إعلالان"، إعلال العين، وإعلال اللام، "وذلك كـ: شوي، وغوي" بإعجام أولهما، وضمه، وتشديد ثانيهما، "جمع: شاو، وغاو" اسمي فاعل من "شوى يشوي، وغوى يغوي"، والأفصح في الماضي فتح الواو لا كسرها، وفي المضارع بالعكس، والأصل في الجمع: "شوي، وغوي" فأعلت اللام بقلبها ألفًا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ثم بحذفها لالتقاء الساكنين، فلو أعلت العين بقلبها ياء، لتوالى على الكلمة إعلالان، وذلك مستكره عندهم. "أو فصلت من العين" عطف على قوله: اعتلت، أي: ويجب التصحيح إن فصلت اللام من العين بألف "نحو: صوام، ونوام، لبعدها" أي العين، "حينئذ" أي حين إذ فصلت بألف "من الطرف، وشذ قوله"، وهو أبو النجم الكلابي: [من الطويل]
961- ألا طرقتنا مية ابنة منذر فما أرق النيام إلا كلامها
والقياس: النوام بالتصحيح، وإليه أشار الناظم بقوله:
985- ............................. ونحو نيام شذوذه نمي
أي: روي.
__________
961- البيت لأبي النجم الكلابي في المقاصد النحوية 4/ 578، وهو لذي الرمة في ديوانه 1003، وخزانة الأدب 3/ 419، 420، وشرح شواهد الشافية ص381، وشرح المفصل 10/ 93، والمنصف 2/ 5، 49، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 391، وشرح ابن الناظم ص641، وشرح الأشموني 3/ 870، واللسان 12/ 596 "نوم" والممتع في التصريف 2/ 498، ويروى "سلامها" مكان "كلامها".(2/723)
فصل في إبدال الواوين من أختيها الألف والياء:
"أما إبدالها من الألف ففي مسألة واحدة، وهي أن ينضم ما قبلها" سواء أكانت في فعل أم في اسم، فالأول "نحو: بويع، و: ضورب" مبنيين للمفعول وأصلهما قبل البناء للمفعول: "بايع، وضارب" فلما بنيتهما للمفعول ضممت أولهما، فتعذر1 بقاء الألف بعد ضمة، لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، فقلبت الألف واوا لمجانسة حركة ما قبلها، "وفي التنزيل: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا}" [الأعراف: 20] نحو2: "ضويرب"، مصغر "ضارب". إن لم تكن الألف ثانية منقلبة عن ياء نحو "ناب"، وهو السن، فإنها حنيئذ2 ترجع إلى أصلها، وهو الياء، فتقول: "نييب".
"وأما إبدالها"، أي الواو، "من الياء ففي أربع مسائل:
إحداها: أن تكون" الياء "ساكنة مفردة" عن مثلها "في غير جمع"، سواء كانت في اسم. أم فعل، فالأول "نحو: موقن، و: موسر" أصلهما "ميقن، وميسر"، اسمي فاعل من "اليقين، واليسر" أبدلت الياء فيهما واوًا لوقوعها بعد ضمة، والثاني نحو: "يوقن، ويوسر".
"ويجب سلامتها" من الإبدال، "إن تحركت"، لأنها تعاصت بالحركة عن الإبدال "نحو: هيام"3 [بضم الهاء، وتخفيف الياء]4. قال الجوهري5، هو أشد العطش، والهيام كالجنون من العشق، والهيام داء يأخذ الإبل، فتهيم في الأرض، ولا ترعى.
__________
1 في "ب": "فتقدر".
2 سقط من "ب".
3 قال ابن الناظم في شرحه ص604، "ولو تحركت الياء قويت على الضمة ولم تعل غالبًا نحو: هيام". وانظر شرح ابن عقيل 2/ 561.
4 إضافة من "ب"، "ط".(2/724)
"أو أدغمت" الياء في مثلها "كـ: حيض" جمع: حائض، فلا تبدل الياء فيه واوًا لأن المدغم والمدغم فيه بمنزلة حرف واحد، يرتفع اللسان بهما دفعة واحدة، ولذلك يجوز الجمع بين ساكنين، إذا كان الأول حرف لين والثاني مدغمًا كـ"دابة"، لأن لين الحرف الأول وامتداده كالحركة فيه، والمدغم كالمتحرك، وإذا كان كذلك لم تتسلط الحركة على قلبها واوًا، وهذا المثال خارج أيضا بقوله: في غير جمع، لأن "حيضًا"1 جمع، والمثال الجيد أن تبنى من "البيع" مثل "حياض"، فتقول "بياع"، ولا تعل لما ذكرنا.
"أو كانت" الياء المفردة "في جمع، ويجب في هذه" المسألة "قلب الضمة" الواقعة قبل الياء المفردة في الجمع "كسرة" لثقل الضمة والياء والجمع، وذلك "كـ: هيم" جمع "أهيم، وهيماء"، "وبيض"، جمع "أبيض، وبيضاء" "في جمع أفعل، وفعلاء" وغيرهما كـ"عيط" جمع "عائط" على حد قولهم: "بازل، وبزل"، و"العائط" بمهملتين: [الناقة]2 التي لا تحمل، ويجمع على "عيط، وعوط".
المسألة "الثانية: أن تقع" الياء "بعد ضمة، وهي إما لام فعل كـ: نهو الرجل، وقضو" بفتح أولهما، وضم ثانيهما، إذا تعجبت من عقله وقضائه. "بمعنى: ما أنهاه، أي: ما أعقله"، والنهية، العقل، "وما أقضاه" أي: ما أحكمه، والقضاء، الحكم, والأصل: "نهي، وقضي" من "نهيت، وقضيت" فأبدلت الياء فيهما واوا لوقوعها بعد ضمة.
"أو لام اسم مختوم بتاء" للتأنيث، "بنيت الكلمة عليها" من أول الأمر، ولم يسبق لها حذف. "كأن تبني من: الرمي"، اسمًا مختومًا بالتاء "مثل: مقدرة" بفتح الميم وسكون القاف وضم الدال. "فإنك تقول: مرموة"، بالواو، والأصل "مرمية"، أبدلت الياء واوًا لوقوعها بعد ضمة.
"بخلاف" ما إذا أدخلت التاء بعد بناء الكلمة، فيجب قلب الضمة كسرة لتسلم الياء "نحو: توانى توانية، فإن أصله قبل دخول التاء "توانيًا" بالضم للنون"، لأنه من باب "التفاعل"، فإن "توانى توانيًا"، "كـ: تكاسل تكاسلا" بضم السين "فأبدلت ضمته"، أي ضمة النون "كسرة, لتسلم الياء من القلب" واوا، "ثم طرأت التاء لإفادة الوحدة" بعد الإعلال، "وبقي الإعلال"، وهو إبدال الضمة كسرة,
__________
1 في "ط": "حيض".
2 إضافة من "ط".(2/725)
"بحاله" على ما كان عليه، ولم يتغير الحكم بإعادة الضمة إلى أصلها، وإبدال الياء واوًا، لأن ذلك يؤدي إلى وقوع اسم معرب، في آخره واو، قبلها ضمة لازمة، لأن التاء العارضة في حكم الانفصال، فلا يعتد بها.
"أو لام اسم مختوم بالألف والنون" الزائدتين، "كأن تبني من: الرمي" اسمًا "على وزن سبعًا"، بفتح السين المهملة وضم الياء الموحدة، "اسم الموضع الذي يقول فيه" خلف "بن الأحمر"، بل تميم بن أبي مقبل على الصحيح: [من الطويل]
962- ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان
وهما الليل والنهار. "فإنك تقول: رموان"، بضم الميم، والأصل: "رميان" فأبدلت الياء، واوًا لوقوعها بعد ضمة، ولك أن تقول إذا بني من "الغزو" مثل: "ظربان"، فإنه يقال: "غزيان"، فيعطى ما قبل الألف والنون حكم ما وقع آخرًا محضًا كـ"رضي"، ومقتضى هذا أن لا يقال في مثل "سبعان" من "الرمي": "رموان"، لأنه لا يجوز أن يقال في مثل "عضد" من "الرمي": "رمو" لأنه ليس لنا اسم متمكن، آخره واوًا لازمة بعد ضمة، بل يجب أن يقلب الضمة كسرة لتسلم الياء فتقول: "رم" فلذا يجب أن يقال: "رميان" بإعلال الحركة دون الحرف. قاله الموضح في الحواشي.
المسألة "الثالثة: أن تكون" الياء "لامًا لـ: فعلى، بفتح الفاء اسمًا لا صفة، نحو: تقوى، وشروى"، بالشين المعجمة، بمعنى: المثل يقال لك: [وشروه]1، أي مثله، حكاه ابن جني في شرح غريب تصريف المازني، "و: فتوى" بالفاء المثناة الفوقانية: والأصل: "تقيى، وشريى، وفتيى"، لأنها من "تقيت، وشريت، وفتيت"، أبدلت الياء فيهن واوًا فرقًا بين الاسم والصفة، وخصوا الاسم بالإعلال لأنه أخف من الصفة، فكان أحمل للثقل.
"قال الناظم" في شرح الكافية2، "وابنه" في شرح الخلاصة3: "وشذ: سعيى" اسمًا "لمكان" بعينه، "وريا" اسمًا "للرائحة, وطغيى" اسمًا "لولد البقرة الوحشية، انتهى" كلامهما في الشرحين المذكورين، وفيه نظر.
__________
962- تقدم تخريج البيت برقم 27، 919.
1 إضافة من "ط".
2 شرح الكافية الشافية 4/ 2121.
3 شرح ابن الناظم ص606.(2/726)
"فأما الأول" وهو "سعي" من "السعي"، "فيحتمل أنه منقول من صفة كـ: خزيا، وصديا، مؤنثي: خزيان، وصديان"، واستصحب التصحيح بعد جعله اسمًا، كما أوله الفارسي.
"وأما الثاني" وهو "ريا" من "الري" "فقال النحويون" سيبويه وغيره: "ريا" "صفة، غلبت عليها الاسمية" وليس بشاذ، "والأصل: رائحة ريا، أي: مملوءة طيبًا".
"وأما الثالث" وهو "طغي" من "الطغيان"، "فالأكثر فيه ضم الطاء"، فلعلهم استصحبوا التصحيح، حين فتحوا للتخفيف"، كذا تعقبوه، وتبعهم الموضح، ثم قال في الحواشي، وظهر لي بعد أن مراده شذوذ الاستعمال، فإني قرأت بخطه حاشية هنا إبدال الواو من الياء لامًا لـ"فعلى" لا يقاس عليه لانتفاء السبب، واستلزام مزيد الثقل. انتهى، و"طغيى" بإعجام الغين، ورواة ضبطه مختلفة، فقال الأصمعي: يروى بضم الطاء على مثال "حبلى"، وقال أحمد بن يحيى: بفتح الطاء على مثال "سكرى"، وقال أبو عبيدة: بفتح الطاء والتنوين، قاله ابن السيد.
المسألة: "الرابعة: أن تكون" الياء المضموم ما قبلها "عينًا لـ: فعلى، بالضم" في الفاء "اسمًا كـ: طوبى" بمعنى "طيب" "مصدرًا لـ: طاب" يطيب، "أو اسمًا للجنة". بالجيم، ومنه "شجرة طوبى"، "أو صفة جارية مجرى الأسماء" في عدم جريانها على موصوف، وإيلائها العوامل، "وهي: فعلى أفعل، كـ: الطوبى، والكوسى، والخورى"، بالخاء المعجمة والراء المهملة، "مؤنثات: أطيب، وأكيس، وأخير"، أسماء تفضيل جارية مجرى الأسماء الجامدة. "والذي يدل على أنها جارية مجرى الأسماء" الجامدة "أن: أفعل، التفضيل يجمع على: أفاعل، فيقال" في جمع "الأفضل، والأكبر"، "الأفاضل، والأكابر كما يقال في جمع: أفكل" هو اسم جامد للرعدة "أفاكل"، والأصل: "الطيبى، والكيسى، والخيرى" بضم أولها، أبدلت الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها.
"فإن كانت: فعلى" بالضم "صفة محضة"، أي جارية على موصوف "وجب قلب ضمته كسرة" لتسلم الياء من القلب واوًا فرقًا بين الصفة والاسم، "ولم يسمع من ذلك إلا" كلمتان: "{قِسْمَةٌ ضِيزَى}" [النجم: 22] بالضاد والزاي المعجمتين، "أي جائرة"، بالجيم والراء المهملة، من قولهم: ضازه يضيزه، إذا بخسه(2/727)
حقه، وجاز عليه فيه، "ومشية"، بكسر الميم, "حيكى"، بالحاء المهملة "أي يتحرك فيها المنكبان"، يقال: حاك في مشيه، إذا حرك منكبيه، وأصلهما: "ضيزى، وحيكى" بضم أولهما، فأبدلت الضمة كسرة، لتصح الياء على حد قولهم في جمع أبيض: بيض، "هذا كلام النحويين، وقال الناظم" في النظم:
963- وإن يكن عينا لفعلى وصفا فذاك بالوجهين عنهم يلفى
"و" قال "ابنه" في شرحه1: "يجوز في عين: فعلى، صفة أن تسلم الضمة، فتقلب الياء واوًا، وأن تبدل الضمة كسرة، فتسلم الياء" من القلب، "فتقول: الطوبى، والطيبى، والكوسى، والكيسى، والضوقى والضيقى" ترديدًا بين حمله على مذكره تارة، وبين رعاية الزنة أخرى. انتهى. مخالفة لكلام النحويين، سيبويه2 وأتباعه من وجهين:
أحدهما: أن الناظم وابنه أجازا في "فعلى" وصفًا وجهين3، والنحويون جزموا بأحدهما، فقالوا: تقلب ياء "فعلى" اسمًا واوًا كـ"طوبى، وكوسى"، ولا تقلب في الصفة، ولكن يكسر ما قبلها، فتسلم الياء كقولهم: "قسمة ضيزى، ومشية حيكى".
والوجه الثاني: أنهم ذكروا أنثى "الأفعل" في باب الأسماء فحكموا لها بحكم الأسماء في إقرار الضمة، وقلب الياء واوًا، وذكرها الناظم في باب الصفات4، وأجاز فيها الوجهين، ونص على أن الوجهين مسموعان من العرب، وقال الشلوبين: لم يجئ من هذا مقلوبًا إلا "فعلى، أفعل".
__________
1 شرح ابن الناظم ص605.
2 في "ب": "وابنه".
3 انظر شرح ابن الناظم ص605.
4 شرح الكافية الشافية 4/ 2120.(2/728)
فصل في إبدال الألف من أختيها الواو والياء:
في الأسماء والأفعال "وذلك" الإبدال "مشروط بعشرة شروط" مذكورة في النظم:
"الأول أن يتحركا"، أي الواو والياء، وإليه الإشارة بقوله:
968- ......... بتحريك... ......................
"فلذلك" الشرط؛ وهو التحريك؛ "صحتا في: القول، و: البيع" مصدري "قال، وباع" لسكونهما.
"و" الشرط الثاني: أن تكون حركتهما أصلية"، وهو المشار إليه بقوله:
968- ................... أصل ........................
"فلذلك" الشرط؛ وهو أصالة الحركة؛ "صحتا في: جيل، وتوم"، بفتح أولهما وثانيهما حال كونهما "مخففي: جيأل"، بفتح الجيم وسكون الياء المثناة التحتانية وفتح الهمزة، بعدها لام: اسمًا للضبع، "وتوءم" بفتح التاء المثناة فوق وسكون الواو وفتح الهمزة: وهو الولد، يولد معه آخر في بطن واحد، ويقال لهما: "توءمان"، ولم يعلا لعروض الحركة.
"و" الشرط "الثالث: أن ينفتح ما قبلهما"، [وهو المشار إليه بقوله]1:
968 .............................. ........... بعد فتح متصل
"ولذلك صحتا في: العوض، والجيل، والسور"، لأن الكسرة في الأولين، والضمة في الثالث: لا يجانسان الألف.
"و" الشرط "الرابع: أن تكون الفتحة متصلة"، وهو المشار إليه بقوله:
968- ........................... ............... متصل
"أي في كلمتهما2، ولذلك صحتا في: ضرب واحد، وضرب ياسر"، لأن الفتحة في كلمة، والواو والياء في كلمة أخرى.
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "كلمتيهما".(2/729)
"و" الشرط "الخامس، أن يتحرك ما بعدهما، إن كانتا عينين، وألا يليهما ألف. ولا ياء مشددة، إن كانتا لامين"، وهو المشار إليه بقوله:
969- إن حرك الثاني وإن سكن كف إعلال غير اللام وهي لا يكف
970- إعلالها بساكن غير ألف أو ياء التشديد فيها قد ألف
"ولذلك صحت العين في: بيان، وطويل، وخورنق"، اسم قصر بالعراق، لسكون ما بعدها، وهو الألف في "بيان"، والياء في "طويل"، والواو في "خورنق". "و" صحت "اللام في: رميا، وغزوا"، في الأفعال، "و: فتيان، وعصوان"، في الأسماء لسكون الألف، "و: علوي، وفتوي"، لسكون أول ياءي النسب. لأنهم لو أعلوا قبل الألف. لاجتمع ساكنان، فيحذف أحدهما، فيصير اللفظ "رمى، وغزا"، فيلتبس المثنى بالمفرد، وأما نحو: "فتيان، وعصوان"، فمحمول عليه، وأما نحو: "علوي، وفتوي"؛ فلا يبدل واوه ألف، لأنه يؤدي إلى التسلسل، لأن ياء النسب تستوجب قلب الألف واوًا، فلو كان تحريك الواو, وانفتاح ما قبلها يوجب قلبها ألفًا، لكنا لا نزال في قلب إلى الألف، وقلب إلى الواو.
"وأعلت العين في: قام، وباع"، من الأفعال، "وباب، وناب"، من الأسماء "لتحرك ما بعدها، و" أعلت "اللام في: غزا، ودعا" من الواوي، "ورمى، وبكى"، من اليائي، "إذ ليس بعدهما ألف ولا ياء مشددة، وكذلك" تعل إذا وليت غير الألف والياء المشددة من السواكن كما في "يخشون ويمحون، وأصلهما، يخشيون، ويمحوون فقلبتا"، أي الياء في "يخشيون"، والواو في "يمحوون" "ألفين" لتحركهما وانفتاح ما قبلهما "ثم حذفتا"، أي الألفان "للساكنين"، وهما الألف وواو الجماعة1، وما مثل به من "يمحون" بالواو المفتوح ما قبلها تبع فيه ابن مالك في شرح الكافية2، ولم يثبت لغة إلا أن يقرأ بالبناء للمفعول.
"و" الشرط "السادس: ألا تكون إحداهما"، أي الواو والياء، "عينًا لـ: فعل"، بكسر العين، "الذي الوصف ممنه على: أفعل، نحو: هيف، فهو: أهيف"، من الصفات المحمودة، "وعور، فهو: أعور" من الصفات المذمومة، واحترز بقوله: "الذي الوصف منه على "أفعل" من نحو: "خاف" فإنه، وإن كان مكسور العين، فالوصف منه على "فاعل" نحو: "خائف".
__________
1 شرح ابن لناظم ص608.
2 شرح الكافية الشافية 4/ 2127.(2/730)
"و" الشرط "السابع: ألا تكون" إحدى الواو والياء "عينًا لمصدر هذا الفعل" الذي الوصف منه على "أفعل" "كـ: الهيف" بفتحتين، وهو ضمور البطن ورقة الخصر، "والعور" بفتحتين، وهو فقد إحدى العينين، وإلى هذين أشار الناظم بقوله:
971- وصح عين فعل وفعلا ذا أفعل كأغيد وأحولا
وإنما لزم تصحيح الفعل المذكور حملا على "أفعل" لموافقته له في المعنى في اختصاص كل منهما بالخلق والألوان نحو: "اعور، واحول"، وحمل المصدر على فعله.
"و" الشرط "الثامن: ألا تكون الواو عينًا لـ: افتعل، الدال على معنى التفاعل، أي التشارك في الفاعلية، والمفعولية نحو: اجتوروا"، بالجيم. من: "المجاورة"، "واشتوروا"، بالشين المعجمة، من: "المشاورة" لأن حركة التاء في حكم السكون، "فإنه في معنى: تجاوروا، وتشاوروا"، فإن لم يدل على التفاعل وجب إعلاله مطلقًا نحو: "اختان، بمعنى "خان"، و"اختار" بمعنى "خار". "فأما الياء فلا يشترط فيها ذلك". وهو الدلالة على التفاعل، فتعل "لقربها من الألف" في المخرج. "ولهذا أعلت في: استافوا، مع أن معناه: تسايفوا", أي تضاربوا بالسيوف، لأن الياء أشبه بالألف من الواو، فكانت أحق بالإعلال منها، وإلى هذا الشرط أشار الناظم بقوله:
972- وإن يبن تفاعل من افتعل والعين واو سلمت ولم تعل
"و" الشرط "التاسع: ألا تكون إحداهما"، أي الواو والياء "متلوة بحرف يستحق هذا الإعلال"، وهو القلب ألفًا، "فإن كانت" إحداهما "كذلك"، أي متلوة بحرف يستحق هذا الإعلال، "صحت" الأولى، "وأعلت الثانية نحو: الحيا، والهوى، والحوى" بالحاء المهملة المفتوحة، "مصدر: حوى، إذا اسود"، والأصل فيهن: "الحيى، والهوى، والحوو"، لأنه من "الحوة"، وهي سمرة الشفتين، فقلبت لامهن ألفًا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فلو قلبنا عينهن ألفًا للعلة المذكورة لتوالي إعلالان: إعلال العين، وإعلال اللام، ولزم اجتماع ألفين، فيجب حذف إحداهما لالتقاء الساكنين، ثم تحذف الأخرى لملاقاة التنوين عند التنكير، فيصير الاسم المتمكن على حرف واحد، وهو ممتنع، فاقتصرنا على إعلال اللام، لأن محل التغيير الطرف، والعين تحصنت بوقوعها حشوا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
973- وإن لحرفين ذا الاعلال استحق صحح أول وعكس قد يحق(2/731)
"وربما عكسوا، فاعلوا الأولى، وصححوا الثانية"، وإليه أشار الناظم بقوله:
973- .............................. ........ وعكس قد يحق
"نحو: آية، في أسهل الأقوال" الستة:
أحدها: أن أصلها: "أيية" بفتح الياء الأولى كـ"قصبة" فالقياس في إعلالها "أياة" فتح العين، وتعل اللام، لكن عكسوا شذوذًا، فأعلوا الياء الأولى لتحركها، وانفتاح ما قبلها دون الثانية، هذا قول الخليل1.
الثاني: أن أصلها: "أيية" بسكون العين كـ"حية"، فأعلت بقلب الياء الأولى ألفًا اكتفاء بشرط العلة، وهو فتح ما قبلها فقط دون تحريكها. قاله الفراء. وعزى لسيبويه2، واختاره ابن مالك، وقال في التسهيل3: إنه أسهل الوجوه, لكونه ليس فيه إلا الاجتزاء بشرط العلة، وإذا كانوا قد عولوا عليه فيما لم يجتمع فيه ياءان نحو: "طائي"، وسمع: اللهم تقبل تابتي وصامتي، ففيما اجتمع فيه ياءان أولى، لأنه أثقل.
الثالث: أن أصلها: "آيية" كـ"ضاربة" حذفت العين استثقالا لتوالي ياءين. أولهما مكسور، ولذلك كانت أولى بالحذف من الثانية، ونظيره في الحذف "بالة"، الأصل: "بالية", قاله الكسائي3: ورد بأنه كلام يلزم قلب الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة في قولهم: "آي".
الرابع: أن أصلها: "أيية"4 بضم الياء الأولى كـ"سمرة" فقلبت العين ألفًا، ورد بأنه إنما كان يجب قلب الضمة كسرة.
الخامس: أن أصلها: "أيية" بكسر الياء الأولى كـ"نبقة" فقلبت الياء الأولى ألفًا، ورد بأن ما كان يجوز فيه الفك والإدغام كـ "حيي، وحي".
السادس: أن أصلها: "أيية" كـ"قصبة" كالأول، إلا أنه أعلت الثانية على القياس فصار "أياة" كـ"حياة، ونواة"، ثم قدمت اللام إلى مواطن العين، فوزنها: "فعلة"5 "فإن قلت": قد ادعيت أن القول الأول6 أسهل الأقوال.
__________
1 لسان العرب 14/ 61 "أيا".
2 الكتاب 4/ 389، انظر الإرتشاف 1/ 147.
3 التسهيل ص310.
4 الارتشاف 1/ 147.
5 في "ب": "فلعلة".
6 سقط من "ب".(2/732)
"ولنا أسهل منه", وهو "قول بعضهم: إنها: فعلة، كـ: نبقة، فإن الإعلال" في الأولى بقلبها ألفًا، وهو "حينئذ على القياس" لأنها محركة1 وقبلها مفتوح وإعلال الثانية ممتنع لعدم انفتاح ما قبلها، "وأما إذا قيل: إن أصلها: آيية، بفتح الياء الأولى، أو: أيية، بسكونها، أو: آيية" على وزن "فاعلة، فإنه يلزم" على كل قوم من هذه الثلاثة محذور.
أما على القول الأول بأن أصلها "أيية" بفتح الياء الأولى فإنه يلزم "إعلال" الحرف "الأول دون الثاني"، وهو شاذ كما تقدم.
"و" أما على القول بأن أصلها: "أيية"، بسكون الياء الأولى فإنه يلزم "إعلال" الحرف "الساكن"، وهو الياء الأولى2 بقلبها ألفًا، والقاعدة أن علة القلب مركبة من شيئين، تحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يوجد إلا أحدهما.
"و" أما على2 القول بأن أصلها: "آيية" على وزن3 "فاعلة" فإنه يلزم "حذف العين"، وهي الياء الأولى "لغير موجب"4 لحذفها.
والقول الأول، وهو أن أصلها: "أيية" كـ"نبقة" سالم من ذلك. "قلت: ويلزم على" هذا القول "الأول" شيء آخر، وهو "تقديم الإعلال"4 وهو قلب الياء الأولى ألفًا "على الإدغام"، وهو إدغام الياء في الياء، وذلك أنه اجتمع فيه موجب الإعلال، وهو تحرك الياء الأولى وانفتاح ما قبلها، وموجب الإدغام، وهو اجتماع المثلين، الساكن أولهما، وقدم5 فيه الإعلال على الإدغام، "والمعروف العكس"، وهو تقديم الإدغام على موجب2 الإعلال، "بدليل إبدال همزة، {أَئِمَّةً} [التوبة: 12]، ياء لا ألفًا، فتأمله".
وجه الدلالة من ذلك أن إبدال الهمزة ياء إنما هو لأجل الإدغام لأنه لما نقل لأجله حركة الميم الأولى للساكن قبلها أعني، الهمزة الثانية قلبت ياء مراعاة لحفظ حركة الحرف المدغم، وإنما قلبت ياء, لأنها من جنس الكسرة6، فلو بدئ بالإعلال لأبدلت
__________
1 في "ب": "متحركة".
2 سقط من "ب".
3 في "ب": "زنة".
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
5 في "ب": "تقدم".
6 قبله في "ب": "الحركة التي هي".(2/733)
الهمزة الثانية ألفًا لوجود شرطه، فلما أبدلوها ياء بعد النقل، ولم يبدلوها ألفًا قبل ذلك علم أن عنايتهم بموجب الإدغام أهم من عنايتهم بموجب الإعلال، لأنهم إذا كانوا يقدمون ما هو من متعلقات الإدغام على الإعلال، فلأن يقدموا الإدغام على الإعلال من باب أولى. وفي شرح الشافية للجاربردي1: وإنما لم يجئ الإدغام في باب "قوي" مع أن أصله: "قوو"، لأن الإعلال مقدم2 على الإدغام. وإنما قلنا، الإعلال مقدم2، لأن سبب الإعلال موجب للإعلال، وسبب الإدغام مجوز3 للإدغام، ويدل عليه امتناع التصحيح في "رضي" وجواز الفك في "حيي". انتهى.
وفصل بعضهم فقال: إذا اجتمع موجب الإعلال والإدغام فلا يخلو إما أن يكون في العين أو في اللام، فإن كان في العين قدم موجب الإدغام، وإن كان في اللام قدم موجب الإعلال، والعلة في ذلك أن الطرف محل التغيير، فلم يغتفر فيه ذلك، كما اغتفر في العين.
"و" الشرط "العاشر: ألا تكون" إحدى الواو والياء "عينًا لما آخره زيادة تختص بالأسماء"4 كالألف والنون، وألف التأنيث، وإليه أشار الناظم بقوله:
974- وعين ما آخره قد زيد ما يخص الاسم واجب أن يسلما
"فلذلك صحتا"، أي الواو والياء، "في نحو: الجولان" مصدر "جال يجول بالشيء" إذا طاف به"، "والهيمان" مصدر "هام على وجهه يهيم" إذا ذهب من العشق ونحوه "والصورى"، بفتح الصاد المهملة، والواو والراء المهملة، اسم واد، قاله الصغاني. وقال المرادي5: اسم ماء وخلا منه الصحاح والقاموس. "والحيدى"، بفتح الحاء المهملة والياء المثناة التحتانية والدال المهملة: المائل, وحمار حيدى أي يعدل عن ظله لنشاطه، لأن الاسم بزيادة الألف والنون, وألف التأنيث يبعد شبهه بما هو الأصل في الإعلال. وهو الفعل.
"وشذ الإعلال في: ماهان, ودران"، والأصل: "موهن، ودوران"، هذا قوله سيبويه6، والمازني7، وزعم المبرد8 أن القياس في ما كان مختومًا بألف ونون
__________
1 شرح الكافية الشافية 2/ 432.
2 في "ب": "تقدم".
3 في "ب": "يجوز".
4 في "ب": "تخص الأسماء".
5 شرح المرادي 6/ 54.
6 الكتاب 4/ 363.
7 التصريف 2/ 9.
8 المقتضب 1/ 260.(2/734)
الإعلال، وأن "ماهان، وداران"، لا شذوذ فيهما، وأن صحيح "الجولان"، والهيمان" شاذ، لأن الألف والنون لا يخرجا الاسم عن مشابهة الفعل، لكونهما في تقدير الانفصال.
قال الفارسي1: ويؤيده قولهم في "زعفران، وزعيفران"، فبقيا في التصغير، ولم يحذفا.
وقيل: لما صحح "النزوان، والغليان"، وحرف العلة لام، واللام محل التغيير، صحح العين في بعض المواضع كـ"الجولان" إذ العين أولى بالتصحيح من اللام.
وذهب الأخفش2 إلى أن تصحيح ما فيه ألف التأنيث المقصورة كـ"صورى" شاذ، لا يقاس عليه؛ لأن هذه الألف في آخر الاسم لفظًا كألف اتصلت بفعل3 دالة على التثنية نحو: "فعلا" فلم تخرجه هذه الزيادة عن4 صورة "فعل"، ومذهب سيبويه5 وأتباعه أن تصحيح هذا النوع قياس، لأن ألف التأنيث مختصة6 بالاسم، فهي كالألف والنون في "الطوفان" ويترتب على القولين ما إذا بنيت من "القول" أو "البيع" اسما على وزن "جمزى"، فعلى قول الأخفش تقول: "قالى، وباعى"، وعلى قول سيبويه تقول: "قولى، وبيعى"، لأن تصحيح نحو: "صورى" عنده قياس7.
__________
1 التكملة ص204.
2 انظر شرح الكافية الشافية 4/ 2134.
3 في "ب": "بألف" مكان "بفعل".
4 في "ب": "في".
5 الكتاب 4/ 351.
6 في "ب": "مخصصة".
7 الكتاب 4/ 351.(2/735)
فصل في إبدال التاء المثناة فوق "من الواو والياء" المثناة تحت:
"إذا كانت الواو والياء فاء لـ: الافتعال" غير مبدلتين من همزة "أبدلت" فاء "الافتعال" "تاء" مثناة فوقانية [على اللغة الفصحى]1، "وأدغمت" التاء "في تاء الافتعال، وفي ما تصرف2 منها"، أي من صيغة "الافتعال" كالفعل الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول لعسر النطق بحرف اللين الساكن مع التاء لما بينهما من قرب المخرج، ومنافاة الصفة "نحو: اتصل واتعد"، أي قبل الوصل والوعد، ففاؤهما واو، لأنهما "من: الوصل، والوعد" وأصلهما،: "اوتصل، واوتعد"، قلبت الواو تاء مثناة فوقانية، وأدغمت في تاء "الافتعال", لأن الإدغام يرفع الثقل، ولم تقلب الواو ياء مثناة تحتانية على ما هو مقتضى القياس، لأنها إن قلبت ياء. أو لم تقلب لزم قلبها تاء في هذه اللغة، فالأولى الاكتفاء بإعلال واحد، كذا ذكره ابن الحاجب.
قال التفتازاني، وفيه نظر، لأنه لو قلبت الواو ياء تحتانية، لا يجوز قلب الياء التحتانية فوقانية، لتدغم كما في الياء المنقلبة عن الهمزة. انتهى.
وأجيب بأنه يجوز ههنا للفرق بين المنقلبة عن الواو والمنقلبة عن الهمزة، لأن الهمزة لا تبدل بالتاء بخلاف الواو، "واتسر"، أصله: "ايتسر"، ففاؤه ياء، لأنه "من: اليسر". قلبت ياؤه تاء، وأدغمت في تاء "الافتعال"، لاهتمامهم بالإدغام، لأنه يصير الحرفين كحرف واحد.
"وقال" الأعشى، ميمون بن قيس يهدد علقمة بن علاثة: [من الطويل]
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "تفرق".(2/736)
963- فإن تتعدني أتعدك بمثلها وسوف أزيد الباقيات القوارضا
أصل "تتعدني، وأتعدك": "توتعدني، وأوتعدك" من "الوعد"، أبدلت الواو تاء، وأدغمت في التاء، والقوارض، جمع قارضة، وهي: الكلمة المؤذية. "وقال" طرفة بن العبد: [من الطويل]
964- فإن القوافي تتلجن موالجا تضايق عنها أن تولجها الإبر
أصل: "تتلجن": "توتلجن" من "الولوج" بالجيم، وهو الدخول، أبدلت الواو تاء وأدغمت في التاء. لما مر. و"الموالج" جمع "مولج" موضع الولوج و"تولجها" تدخلها، و"الأبر" جمع إبراة الخياط. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
986- ذو اللين فاتا في افتعال أبدلا ....................................
وقيدنا هذه اللغة بقولنا: الفصحى، احترازًا من لغة بعض الحجازيين فإنهم يبدلونها من جنس حركة ما قبلها، فيقولون: "يا تعد، ياتسر، موتعد، موتسر، ايتعاد، ايتسار"، وقيدنا الواو والياء بقولنا: غير مبدلتين من همزة، كما في التسهيل1، احترازًا من نحو: "اؤتمن ائتمانا"، و"ائتزر" وهو المراد بقوله: "وتقول في: افتعل، من "الإزار": ايتزر"، بإبدال الهمزة ياء تحتانية، "ولا يجوز إبدال" هذه "الياء" التحتانية "تاء" فوقانية: "وإدغامها في التاء, لأن هذه الياء" التحتانية "بدل من همزة، وليست" ياء "أصلية" وقول من قال: "اتزر" من "ايتزر" خطأ، قاله التفتازاني، "وشذ قولهم في: افتعل، من: الأكل: اتكل" بتشديد التاء الفوقانية، وإليه أشار الناظم بقوله:
986- ...................................... وشذ في ذي الهمز نحو اتكلا
وجعله في التسهيل قليلا، فقال2: وقد تبدل، وهي بدل من الهمزة، قال الموضح
__________
963- البيت للأعشى في ديوانه ص201، وخزانة الأدب 1/ 184، وسر صناعة الإعراب 1/ 147، ولسان العرب 3/ 464 "وعد"؛ وتاج العروس 9/ 380 "وعد" والمقاصد النحوية 4/ 579، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 396، وشرح المفصل 10/ 37، والممتع في التصريف 2/ 386.
964- البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص47، والخصائص 1/ 14، وسر صناعة الإعراب 1/ 147, والمقاصد النحوية 4/ 581، والممتع في التصريف 1/ 386, وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 397, وشرح المفصل 1/ 37، ولسان العرب 2/ 400 "ولج" والارتشاف 3/ 295.
1 التسهيل ص310.
2 التسهيل ص312.(2/737)
في حواشيه على التسهيل: مثاله في الواو قول بعضهم: "اتمن"، وفي الياء قول بعضهم: "اتزر"، انتهى.
"وقول الجوهري1 في "اتخذ": إنه "افتعل" من "الأخذ" وهم"، لأنه لو كان من "الأخذ" لوجب أن يقال: "ايتخذ" بغير إدغام، قاله التفتازاني، "وإنما التاء أصل، وهو من: تخذ" بمعنى "أخذ" "كـ: اتبع، من: تبع". قاله الفارسي، وذهب بعضهم إلى أن "اتخذ" مما أبدل فاؤه تاء؛ لأن فيه لغة، وهي "وخذ" بالواو، فالتاء ليست بأصل، وعلى هذا يقال: "اتخذ" كـ"اتعد"، وحكي عن البغداديين، أنهم أجازوا الإبدال في ذي الهمز، وحكوا من ذلك ألفاظا، وهي: "اتزر، واتمن، واتهل، واتكل"، من "الإزار، والأمانة، والأهل، والأكل"، ومنه الحديث: "وإن كان قصيرًا فليتزر به"، كذا في جميع روايات الموطأ2، وقد تقدم3.
__________
1 الصحاح "أخذ".
2 الموطأ 1/ 14.
3 تقدم ص705 من هذا الجزء.(2/738)
فصل في إبدال الطاء:
"تبدل وجوبًا من تاء: الافتعال، الذي فاؤه وصاد، أو ضاد، أو طاء، أو ظاء، وتسمى" هذه الأحرف الأربعة "أحرف الإطباق"، لانطباق اللسان معها على الحنك الأعلى، فينحصر الصوت حينئذ بين اللسان وما حاذاه من الحنك الأعلى، ولم يقل: الحروف المطبقة، لأن هذه التسمية تجوز فيها، لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك، وأما الحروف فهو مطبق عنده.
وإنما أبدلت تاء "الافتعال" إثر المطبق تاء لاستثقال اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من اتفاق المخرج، وتباين الصفة إذ التاء من حروف الهمس، والمطبق من حروف الاستعلاء، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرج المطبق، واختيرت الطاء لكونها من مخرج التاء, وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
987- طا تا افتعال رد إثر مطبق ................................
"تقول في: افتعل، من: صبر: اصطبر"، وأصله "اصتبر"، قلبت التاء طاء، "ولا تدغم" الصاد في الطاء، "لأن الصفيري"، وهو الصاد، "لا يدغم إلا في" صفيري "مثله"، لئلا يذهب صفيره.
قال المرادي1: وإذا أبدلت بعد الصاد ففيه وجهان:
البيان: فيقال: "اصطبر".
والإدغام بقلب الثاني إلى الأول، فيقال: "اصبر" بصاد مشددة.
قال سيبويه2: حدثنا هارون أن بعضهم قرأ: "أن يصلحا"3، يريد: {أَنْ يُصْلِحَا} [النساء: 128]. انتهى.
__________
1 شرح المرادي 6/ 82.
2 الكتاب 4/ 467.
3 هي قراءة عاصم الجحدري وعثمان البتى. انظر المحتسب 1/ 201، ومعاني القرآن للأخفش 2/ 366.(2/739)
"ومن "ضرب" اضطرب"، والأصل: "اضترب"، أبدلت التاء طاء، "ولا تدغم" الضاد في الطاء، "لأن الضاد" المعجمة "حرف مستطيل"، فإدغامه في غيره يفوت استطالته، وجاء قليلا: "اصلح، واضرب"، بقلب الثاني إلى الأول. ثم الإدغام.
قال التفتازاني، وهذا عكس الإدغام1، فعل رعاية لصفير الصاد، واستطالة الضاد. "ومن "طهر" بالطاء" المهملة؛ "اططهر"، والأصل: "اطتهر"، أبدلت التاء طاء. "ثم يجب الإدغام لاجتماع المثلين". وهما الطاءان، "في كلمة" واحدة "وأولهما ساكن"، ولا مانع من الإدغام، "ومن: ظلم" بالمعجمة. "اظطلم"، بمعجمة فمهملة، والأصل: "اظتلم"، أبدلت التاء طاء، "ثم لك ثلاثة أوجه":
"الإظهار" على الأصل.
"والإدغام مع إبدال الأول"؛ وهو الظاء المعجمة؛ طاء مهملة "من جنس الثاني" على القياس.
"ومع عكسه"، وهو إبدال الثاني؛ وهو الطاء المهملة؛ ظاء معجمة؛ من جنس الأول كما هو عكس القياس، فهذه ثلاثة أوجه. "وقد روي بهن قوله"، وهو زهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان المزني: [من البسيط]
965- هو الجواد الذي يعطيك نائله عفوًا ويظلم أحيانًا فيظلم
روي "فيطلم" بتشديد المهملة، "ويظلم"، بتشديد المعجمة، و"فيظطلم" بالإظهار، وروي فيه وجه رابع، وهو "ينظلم" على زنه "ينقطع"، قاله الجيلي، والمعنى أن هرمًا هو الجواد الذي يعطيك عطاءه عفوًا، أي بسهولة ولا يمن به، ولا يمطل سائله، ويظلم أحيانًا؛ بالبناء للمجهول؛ أي يطلب منه في غير موضع الطلب، فيظلم، أي: فيحتمل ذلك ممن سأله، ولا يرد من استجداه في الأوقات التي مثله يطلب فيها، وفي الأوقات التي مثله لا يطلب فيها، قاله الجاربردي2.
__________
1 سقط من "ب".
965- البيت لزهير أبي سلمى في ديوانه 119، والاقتضاب ص310، وسر صناعة الإعراب 1/ 219، والسمط 467، وشرح أبيات سيبويه 2/ 403، وشرح شواهد الشافية 493، وشرح المفصل 10/ 47، 149، والكتاب 4/ 468، ولسان العرب 12/ 3771 "ظلم" والمقاصد النحوية 4/ 582، ومقاييس اللغة 3/ 469، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 141، وأوضح المسالك 3/ 399، ولسان العرب 13/ 273 "ظنن"، وشرح الأشموني 3/ 873، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 189.
2 شرح الشافية 2/ 556.(2/740)
فصل في إبدال الدال المهملة:
"تبدل وجوبًا من تاء: الافتعال، الذي فاؤه دال، أو ذال، أو زاي" لاستثقال مجيء التاء بعدها، "تقول في "افتعل" من: دان" يدين دينا: "اددان، ثم تدغم" الدال في الدال، "لما ذكرنا في: اطهر" من أن اجتماع مثلين في كلمة، وأولهما ساكن، يوجب الإدغام، "ومن: زجر"، أي منع، "ازدجر"، والأصل: "ازتجر"، قلبت التاء دالا، "ولا تدغم" الزاي في الدال، "لما ذكرنا في: اصطبر" من أن حرف الصفير لا يدغم إلا في مثله، والإدغام بقلب الدال زايًا نحو: "ازجر" ضعيف، "ومن: ذكر"، بالمعجمة: "اذدكر، ثم تبدل المعجمة مهملة، وتدغم" على القياس. "وبعضهم يعكس"، فيبدل المهملة معجمة، ويدغم على غير القياس، فيقول: "اذكر"، بتشديد المعجمة. "وقد قرئ شاذا: "فهل من مذَّكر" [القمر: 15] بالمعجمة1" والحاصل ثلاثة أوجه: "اذدكر" بلا إدغام، و"اذكر" بالذال المعجمة بقلب المهملة إليها. و"ادكر"، بالدال المهملة بقلب المعجمة إليها.
__________
1 الرسم المصحفي: {مُدَّكِرٍ}, والقراءة المستشهد بها قرأها قتادة، انظر البحر المحيط 8/ 178، والكشاف 4/ 38.(2/741)
فصل في إبدال الميم:
"أبدلت وجوبًا من الواو في: فم، وأصله: فوه، بدليل" تكسيره على "أفواه"، والتكسير يرد الأشياء إلى أصولها، "فحذفوا الهاء" لخفائها "تخفيفًا، ثم أبدلوا الميم من الواو" لكونها من مخرجها، "فإن أضيف" إلى ظاهر، أو مضمر "رجع به إلى الأصل"، وهو الواو، "فقيل": "فو زيد، و"فوك"، لأن الإضافة ترد الأشياء إلى أصولها، "وربما بقي الإبدال" مع الإضافة إلى المظهر والمضمر. "نحو" قوله -صلى الله عليه وسلم: ""لخلوف فم الصائم" أطيب عن الله من ريح المسك"1، وقول رؤبة: [من الرجز]
966- يصبح ظمآن وفي البحر فمه
وزعم الفارسي أن الميم لا تثبت إلا في الشعر، ويرده الحديث المتقدم.
و" أبدلت الميم "من النون بشرطين: سكونها: ووقوعها قبل الباء" الموحدة "سواء كانتا في كلمة أو كلمتين".
فالأول "نحو: {انْبَعَثَ" أَشْقَاهَا} [الشمس: 12].
"و" الثاني نحو: {مَنْ بَعَثَنَا" مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52], وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
975- وقبل با اقلب ميما النون إذا كان مسكنا...................
وإنما أبدلت الميم من النون قبل الباء، لأن النطق بالنون الساكنة قبل الباء عسر لاختلاف مخرجيهما مع منافرة لين النون وغنتها لشدة الباء، فإذا وقعت النون ساكنة قبل الباء قلبت ميمًا، لأنها من مخرج الباء، وكالنون في الغنة "و" أبدلت الميم من النون "شذوذًا في نحو قوله", وهو رؤبة: [من الرجز]
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب الصوم برقم 1795.
966- تقدم تخريج الرجز برقم 24.(2/742)
967- يا هال ذات المنطق التمتام وكفك المختضب البنام
أراد: يا هالة، فرخمه بحذف التاء، لأنه علم امرأة، و"المنطق": النطق، و"التمتام": من التمتمة، وهو تكرير التاء، و"البنام"، الأصابع، "وأصله: البنان"، أبدلت الميم من النون شذوذًا، حيث لم يتقدمها باء موحدة.
"وجاء عكس ذلك" وهو إبدال النون من الميم "في قولهم" في صفة الشعر: "أسود قاتن"، بالقاف الفوقانية والنون، "وأصله: قاتم"، أبدلت الميم نونًا.
هذا آخر الإبدال:
وحاصل ما ذكره أن الهمزة تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الألف والواو والياء.
والياء1 تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة والألف والواو.
والواو تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة والألف والياء.
والألف تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة والواو والياء.
والميم تبدل من حرفين، وهما: الواو والنون.
والتاء تبدل من حرفين، وهما: الواو والياء.
والطاء تبدل من التاء.
والدال تبدل من التاء.
وقد تبدل هذه الحروف من غير ما ذكر.
__________
967- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص183، وجواهر الأدب ص98، وسر صناعة الإعراب 2/ 422، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 216، وشرح شواهد الشافية ص455، وشرح المفصل 10/ 33، والمقاصد النحوية 4/ 580، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 401، وشرح الأشموني 3/ 860، وشرح المفصل 10/ 35.
1 في "ط": "والتاء".(2/743)
باب نقل حركة الحرف المتحرك المعتل إلى الساكن الصحيح قبله:
"وذلك" النقل يقع "في أربع مسائل":
"إحداها: أن يكون الحرف المعتل1 عينًا لفعل، ويجب بعد النقل في المسائل الأربع أن تبقى الحرف المعتل إن جانس الحركة المنقولة" منه، بأن كان واوًا، والحركة المنقولة ضمة أو ياء، والحركة المنقولة كسرة "نحو: يقول، أصلهما: يقول" بسكون القاف وضم الواو، "مثل: يقتل، ويبيع"، بسكون الموحدة وكسر الياء، "مثل: يضرب"، استثقلت الضمة على الواو في الأول، والكسرة على الياء في الثاني، فنقلت الضمة من الواو، والكسرة من الياء إلى الساكن، الصحيح قبلهما، وهو القاف في الأول، والباء الموحدة في الثاني، وبقيت الواو والياء على حالهما، لأنهما تجانسان الحركة المنقول منهما، فإن الواو تجانس الضمة، والياء تجانس الكسرة.
"و" يجب "أن تقلبه" أي الحرف المعتل "حرفًا يناسب تلك الحركة، إن لم يجانسها"، أي الحركة المنقولة من المعتل "نحو: يخاف"، مضارع "خاف"، و"يخيف" مضارع "أخاف" "أصلهما: يخوف" بسكون الخاء وفتح الواو، "كـ: يذهب"، بفتح الهاء، "ويخوف" بسكون الخاء وكسر الواو "كـ: يكرم"، نقلت حركة الواو؛ وهي الفتحة في الأول، والكسرة في الثاني؛ إلى الساكن الصحيح قبلهما، وهو الخاء، فانقلبت الواو في الأول ألفًا لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن، وانقلبت في الثاني ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، لأن الواو لا تجانس الفتحة ولا الكسرة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
976- لساكن صح انقل التحريك من ذي لين آت عين فعل.....
__________
1 في "ب": "المتحرك".(2/744)
"ويمتنع النقل إن كان الساكن معتلا نحو: بايع" وطاوع، "وعوق، وبين" بتشديد الواو والياء، أما نحو: "بايع، وطاوع" فلأن الساكن قبل الياء والواو؛ وهو الألف؛ لا يقبل الحركة، وأما نحو: "عوق، وبين" فلأن نقل حركة الواو والياء إلى الواو والياء يوجب قبلهما ألفين لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، فيلتقي ساكنان، فإن حذفت الأول قلت: "عوق، وبين"، وإن حذفت الثاني قلت: "عاق، وبان"، فلما كان الإعلال والحذف يؤدي إلى الالتباس ترك، وهذا مفهوم من قول الناظم:
976- لساكن صح......... .........................
"أو كان فعل تعجب نحو: ما أبينه، وأبين به" في اليائي، "وما أقومه، وأقوم به" في الواوي، لأنهم حملوه في التصحيح على نظيره من الأسماء في الوزن والدلالة على المزية، وهو اسم التفضيل نحو هذا المثال: "أبين من غيره، وأقوم منه".
"أو" كان "مضعفًا نحو: ابيض، واسود"، بتشديد الضاد والدال، فلا يعل، لئلا يلتبس مثال بمثال، لأن "ابيض" لو نقلت حركة عينه إلى الباء قبلها لانقلبت ألفًا، فيصير [آباض، ثم تحذف الهمزة لكونها همزة وصل. لعدم الحاجة إليها، لتحرك ما بعدها فيصير]1 باض، فيظن أنه اسم فاعل من "البضاضة"، وهي نعومة البشرة، وكذلك يلتبس "اسود" بـ"ساد" من "السد".
"أو" كان "معتل اللام نحو: أهوى، وأحيا" فلا يعل، لئلا يتوالى إعلالان، إعلال العين، وإعلال اللام، وإلى استثناء هذه الثلاثة أشار الناظم بقوله:
977- ما لم يكن فعل تعجب ولا كابيض أو أهوى بلام عللا
المسألة "الثانية: الاسم المشبه للمضارع في وزنه زيادته، أو في زيادته دون وزنه".
"فالأول": وهو المشبه في الوزن دون الزيادة "كـ: مقام"، فإنه مشبه لـ"تعلم" في الوزن دون الزيادة "وأصله" قبل الإعلال "مقوم" بفتح الواو وسكون القاف، "على مثال: مذهب، فنقلوا" حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها، وهو القاف، "وقلبوا" الواو لتحركها الأصلي، وانفتاح ما قبلها الآن.
"والثاني": وهو المشبه في الزيادة دون الوزن "كأن تبني من "البيع"، أو من "القول" اسمًا على مثال "تحلئ" بكسر التاء" الفوقانية، وسكون الحاء المهملة، وكسر اللام "وبهمزة بعد اللام", القشر الذي على وجه الأديم مما يلي
__________
1 ما بين المعكوفين إضافة من "ط".(2/745)
منبت الشعر، بعد الإعلال: "تبيع، بكسرتين" متواليتين، "بعدهما ياء" تحتانية "ساكنة"، وأصله: "تبيع" بكسر أوله، وسكون ثانيه، وكسر ثالثه، نقلت كسرة الياء التحتانية إلى الباء الموحدة, "و: تقيل، كذلك" بكسرتين متواليتين، بعدهما ياء تحتانية ساكنة. "وهذه الياء" الساكنة "منقلبة عن الواو" وأصله: "تقول" بكسر أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه، فنقلت كسرة الواو إلى القاف، فقلبت الواو ياء "لسكونها بعد الكسرة"، فإعلاله بالنقل والقلب، وإعلال "تبيع" بالنقل1 فقط.
وإنما كان "تبيع، وتقيل" موافقين للفعل في زيادته دون وزنه، لأن في أولهما التاء، ولأن "فعللا" بكسر الأول والثالث، من الأبنية المختصة بالأسماء، "فإن أشبهه بالوزن والزيادة معًا، أو باينه فيهما معًا، وجب التصحيح"، ليمتاز عن الفعل.
"فالأول"، وهو المشبه فيهما معًا، "نحو: أبيض، وأسود" وصفين فإنهما أشبها "أكرم" في الوزن وزيادة الهمزة، فلو أعلا ليقل فيهما: "أباض، وأساد"، فيلتبسان في الفعل، ولما كان هنا مظنة سؤال، وهو أن يقال: وجدنا من الأسماء ما أشبه الفعل في الوزن والزيادة معًا، ومع ذلك دخله الإعلال كـ"يزيد" علمًا, فأشار إلى جوابه بقوله: "وأما نحو: يزيد علمًا، فمنقول" من الفعلية "إلى العلمية، بعد أن أعل إذ كان فعلا" مضارعًا، إلا أنه أعل بعد العلمية، ومن ذلك "أبان" عند من لم يصرفه، فإن وزنه "أفعل"، أعل في حال الفعلية، ثم سمي به، وأما من صرفه، فهو عنده "فعال" وليس من هذا الباب.
"والثاني"، وهو المباين في الوزن والزيادة معًا "نحو: مخيط"، بكسر الميم، فإنه مباين للفعل في كسر أوله، وزيادة الميم، "هذا" التوجيه "هو الظاهر"، ولا التفات لمن يكسر حرف المضارعة لقلته.
"وقال الناظم" في شرح الكافية2، "وابنه" في شرح الخلاصة3، واللفظ له، "وكان حق" نحو: "مخيط، أن يعل، لأن زيادته" وهي الميم "خاصة بالأسماء، وهو مشبه لـ"تعلم"، أي بكسر حرف المضارعة في لغة قوم، لكنه حمل على "مخياط" لشبهه [به]4 لفظًا ومعنى5، انتهى".
__________
1 في "ب": "بالثقل".
2 شرح الكافية الشافية 4/ 2141.
3 شرح ابن الناظم ص612.
4 إضافة من "ب"، "ط"، وشرح ابن الناظم ص612.
5 بعده في شرح ابن الناظم ص: "في التصحيح".(2/746)
وأما شبهه به لفظًا فواضح، وأما شبهه به معنى فلأن كلا منهما يكون آلة وصفة مقصودًا بها المبالغة كـ"معطر" للكثير العطر، فسوى بينهما في التصحيح. "وقد يقال" من حيث البحث، "إنه لو صح ما قالا"؛ أي الناظم وابنه؛ "للزم ألا يعل" مثال: "تحلئ، لأنه يكون مشبهًا لـ"تحسب" في وزنه"، بكسر حرف المضارعة في اللغة المذكورة، "و" في "زيادته"، وهي التاء واللازم باطل، فالملزوم مثله.
"ثم" يقال على سبيل التنزل وإرخاء العنان: "لو سلم أن الإعلال كان لازمًا لما ذكرا" أي الناظم وابنه؛ من أن زيادته خاصة بالأسماء، وهو مشبه1 لـ"تعلم"، بكسر حرف المضارعة، لم يلزم العرب الجميع، بل يلزم من يكسر حرف المضارعة "فقط" دون غيرهم.
والجواب: أن ما ذكره الناظم وابنه من أن علة التصحيح في "مخيط" الحمل على "مخياط"، مرادهما أنه مقصور منه، كما جنح إليه الخليل، قال سيبويه2: سألته؛ يعني الخليل؛ عن "مفعل"، لأي شيء أتم؟ ولم لم يجر مجرى الفعل؟ فقال: لأن "مفعلا" إنما هو "مفعال" لأنهما في الصفة "سواء، و"منسج ومنساج، ومقول، ومقوال"، ثم قال سيبويه2: وإنما أتمت لما زعم الخليل من أنها مقصورة من "مفعال" أبدًا، انتهى.
وهذه العلة مطردة في لغة الجميع، ولا ينتقض بمثال: "تحلئ" لأنه ليس مبنيا على فعل كما قال المبرد3، بل ذهب إلى تصحيحه، فأجاز "تبيع وتقول" بالتصحيح، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
978- ومثل فعل ذا الإعلال اسم ضاهى مضارعًا وفيه وسم
989- ومفعل صحح كالمفعال .............................
"المسألة الثالثة: المصدر الموازن لـ: إفعال" بكسر الهمزة، "أو: استفعال نحو: إقوام، واستقوام"، فإنه يحمل على فعله في الإعلال، فتنقل حركة عينه إلى فائه، ثم تقلب ألفًا لتجانس الفتحة, فيلتقي ألفان، "ويجب بعد القلب حذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين".
__________
1 في "ب": "شبيه".
2 الكتاب 4/ 355.
3 الارتشاف 1/ 150.(2/747)
واختلف النحويون في المحذوفة، "والصحيح أنها الثانية لزيادتها وقربها من الطرف" وحصول الاستثقال بها، وإليه ذهب الخليل وسيبويه1, واختاره الناظم2، وذهب الأخفش والفراء3 إلى أن المحذوفة بدل عين الكلمة.
"ثم" بعد النقل والقلب والحذف "يؤتى بالتاء" الدالة على التأنيث "عوضًا" من الألف المحذوفة، سواء قلنا: إنها الأولى، أو الثانية، ولكن المعهود في "التاء أنها4 تعوض من الأصول، وهذا يقوي ما اختاره الأخفش. "فيقال إقامة، واستقامة".
"وقد تحذف" التاء التي جعلت عوضًا فيقتصر في ذلك على ما سمع، ولا يقاس عليه كقوله5: أراه إراها، وأجابه إجابًا، حكاهما الأخفش6، ويكثر ذلك مع الإضافة "نحو: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} [الأنبياء: 73] والأصل: وإقامة الصلاة، فحذفت التاء لسد الإضافة مسدها، ولمشاكلة: {وَآتَى الزَّكَاةَ} [النور: 37]، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
979- ................................ وألف الإفعال واستفعال
980- أزل لذا الإعلال والتا الزم عوض وحذفها بالنقل ربما عرض
"المسألة الرابعة: صيغة: مفعول"، تعل بالنقل، والحذف، "ويجب بعد النقل في ذوات الواو حذف إحدى الواوين" لالتقاء الساكنين، "والصحيح" عند سيبويه7 "أنها الثانية لما ذكرنا" من أنها زائدة، وقريبة من الطرف، وذهب الأخفش8 إلى أن المحذوف عين الكلمة، لأن العين كثيرًا ما يعرض لها الحذف في غير هذا الموضع فحذفها أولى.
"ويجب أيضًا في ذوات الياء الحذف، وقلب الضمة كسرة، لئلا تنقلب الياء واوًا، فتلتبس ذوات الياء بذوات الواو".
__________
1 الكتاب 4/ 80، وانظر الارتشاف 1/ 151.
2 شرح الكافية الشافية 4/ 2142.
3 معاني القرآن للفراء 2/ 254، وانظر الارتشاف 1/ 151، وشرح المفصل 10/ 70.
4 في "ب": "إنما".
5 في "ب": "كقولهم".
6 شرح ابن الناظم ص612.
7 الكتاب 4/ 348، وانظر الارتشاف 1/ 150.
8 الارتشاف 1/ 150، وشرح المفصل. 10/ 67.(2/748)
"مثال الواوي: مقول، ومصوغ" والأصل: "مقوول، ومصووغ"، بواوين، الأولى عين الكلمة، والثانية واو "مفعول" نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، وهما الواوان، حذفت واو "مفعول" عند سيبويه1، وعين الكلمة عند الأخفش2، ويظهر أثر الخلاف في الميزان، فوزنه على الأول، "مفعل"، وعلى الثاني، "مفول".
"و" مثال "اليائي" بياء النسبة. "مبيع، ومدين" أصلهما: "مبيوع، ومديون"، نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان, فحذفت واو "مفعول" ثم كسر ما قبل الياء، لئلا تنقلب واوًا، فيلتبس بالواوي، وعين الكلمة عند الأخفش، ثم قلبت الضمة كسرة لتقلب الواو3 ياء, لئلا يلتبس بالواوي، ومذهب سيبويه أولى، لأن التقاء الساكنين إنما يحصل عند الثاني، ولأن قلب الضمة إلى الكسرة خلاف قياسهم، فإن قيل: الواو علامة، والعلامة لا تحذف، قلنا، لا نسلم أنها علامة، بل إشباع الضمة لرفضهم "مفعلا" في كلامهم "إلا "مكرما، ومعونًا"4 بنقل ضمة الواو إلى ما قبلها، والعلامة إنما هي الميم، يدل على ذلك كونها علامة "المفعول" في المزيد فيه من غير الواو، فإن قيل: إذا اجتمع الزائد والأصلي فالمحذوف هو الأصلي كالياء من "غاز" دون التنوين.
وإذا التقى ساكنان، والأول حرف مد، يحذف الأول كما في "قل، وبع وخف"، قلنا: كل ذلك إنما يكون إذا كان الثاني من الساكنين حرفًا صحيحًا، وأما هنا فليس كذلك، بل هما حرفا علة.
"وبنو تميم تصحح اليائي" دون الواوي، لأن الياء أخف عليهم من الواو، "فيقولون: مبيوع، ومخيوط"، كما يقولون: "مضروب" وذلك مطرد عندهم، "قال" شاعرهم يصف الخمرة: [من الكامل]
968- وكأنها تفاحة مطيوبة ...........................
__________
1 الكتاب 4/ 348.
2 حاشية الصبان 4/ 324.
3 سقط من "ب".
4 في "ب": "معولا".
968- صدر بيت لم يعرف عجزه، وهو لشاعر تميمي في المقاصد النحوية 4/ 574، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 404، والخصائص 1/ 261، والمقتضب 1/ 101، والمنصف 1/ 286، 3/ 47، وشرح ابن الناظم ص613.(2/749)
وكان القياس أن يقول: "مطيبة" كـ"مبيعة"، لكنه أتى به على الأصل، "وقال" العباس بن مرداس: [من الكامل]
969- قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون
وكان القياس أن يقول: "معين"، وهو من: عنت الرجل بعيني، أصبته بالعين، فأنا "عاين"، وهو "معين"، على القياس، و"معيون" على الأصل، و"إدخال" بكسر الهمزة، وبنو أسد تفتحها على القياس بمعنى: أظن.
"وربما صحح بعض العرب شيئًا من ذوات الواو، سمع ثوب مصوون"، من: صان يصون ومسك مدووف، أي مبلول، "وفرس" مقوود، من: قاد يقود، وقول مقوول، من: قال يقول، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
981- وما لإفعال من الحذف ومن نقل فمفعول به أيضا قمن
982- نحو مبيع ومصون وندر تصحيح ذي الواو وفي ذي اليا اشتهر
__________
969- البيت للعباس بن مرادس في ديوانه ص108، وجمهرة اللغة 956، والحيوان 2/ 142، وشرح شواهد الشافية ص387، ولسان العرب 13/ 301 "عين", والمقاصد النحوية 4/ 574، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 404، والخصائص 1/ 261، وشرح ابن الناظم ص613، وشرح الأشموني 3/ 866 ، والمقتضب 1/ 102.(2/750)
باب الحذف:
"وفيه ثلاث مسائل:
إحداها: تتعلق1 بالحرف الزائد، وذلك أن الفعل إذا كان على وزن "أفعل" فإن الهمزة تحذف في أمثلة مضارعه، ومثالي وصفه، أعني وصفي الفاعل والمفعول"، لأن حروف المضارع هي حروف الماضي بزيادة أحرف المضارعة، فحذفوا الهمزة لاجتماع الهمزتين في نحو: "أأكرم", ثم حملوا بقية أخواته ووصفي الفاعل، والمفعول عليه، "تقول: أكرم ونكرم وتكرم ويكرم ومكرم" بكسر الراء "ومكرم" بفتحها وأصله: "أأكرم ونؤكرم ويؤكرم ومؤكرِم ومؤكرَم"، فحذفت الهمزة في الجميع، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
989- وحذف همزة أفعل استمر في مضارع وبنيتي متصف
"وشذ قوله"، وهو أبو حيان الفقعسي: [من الرجز]
970- فإنه أهل ألن يؤكرما
فأثبت الهمزة واستعمل الأصل المرفوض.
__________
1 في "ب": "ما تتعلق".
970- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 1/ 435 "رنب", 12/ 512 "كرم", والإنصاف 1/ 11، وأوضح المسالك 4/ 406، وخزانة الأدب 2/ 316، والخصائص 1/ 144، والدرر 2/ 577، وشرح ابن الناظم ص616، وشرح الأشموني 3/ 887، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 139، وشرح شواهد الشافية ص58، والمقاصد النحوية 4/ 578، والمقتضب 2/ 98، والمنصف 1/ 37، 192، 2/ 184، وهمع الهوامع 2/ 218، وتاج العروس 2/ 534 "رنب"، "كرم"، والمخصص 16/ 108.(2/751)
"المسألة الثانية: تتعلق بفاء الفعل"، وهي المشار إليها بقوله:
988- فا أمر او مضارع من كوعد احذف وفي كعدة ذاك اطرد
"وذلك أن الفعل إذا كان ثلاثيًّا، واوي الفاء, مفتوح العين" في الماضي، مكسورها في المضارع"، الأربعة، "وفي الأمر، وفي المصدر المبني على "فعلة" بكسر الفاء"، وسكون العين.
"ويجب في المصدر تعويض الهاء من المحذوف، تقول" في المضارع للغائب: "يعد"، والأصل "يوعد"، حذفت فاؤه، وهي الواو استثقالا لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسرة لازمة، وحمل على ذي الياء أخواته. "و" هي: "نعد، وتعد، وأعد، و" أمره، ومصدره الكائن على "فعلة" بكسر الفاء وسكون العين، تقول: "يا زيد عد عدة"، وأصل "عدة: وعد" بكسر الواو, وسكون العين، كما صرحوا به، فحذفت فاؤه، وحركت عينه بحركة فائه، وهي الكسرة ليكون بقاء كسرة الفاء دليلا عليها، وعوض من الفاء تاء التأنيث، ولذلك لا يكادان يجتمعان، ولحذف الواو من المضارع ثلاثة شروط.
أحدها: [أن تكون الياء مفتوحة، فلا يحذف من "يوعد"، مضارع، "أوعد".
ثانيها]1: أن تكون عينه مكسورة, فلو كانت مفتوحة، أو مضمومة نحو: "يولد، ويوضؤ" لم يحذف، وشذ: "يجد" بضم الجيم في لغة عامرية، و"يدع، ويذر" مبنيين للمفعول في لغة من وجهين، ضم الياء وفتح العين، وشذ "يسع" من وجهين، كون ماضيه مكسور العين، وكون مضارعه مفتوحًا، وحذفت من "يطأ، ويضع، ويقع، ويدع"، لأنها في الأصل بكسر العين في المضارع ففتحت لأجل حرف الحلق.
وثالثها: أن يكون ذلك في فعل، فلو كان في اسم لم تحذف "الواو كـ"يوعيد"2، مثل: "يقطين" من "وعد"، ولحذف الواو من "فعلة" بكسر الفاء شرطان:
أحدهما: أن تكون مصدرًا كـ"عدة" فلو كانت غير مصدر لم تحذف واوها، وشذ نحو: "رقة" للفضة، و"حشة" للأرض الموحشة.
والثاني: ألا يكون لبيان الهيئة نحو: "الوعدة، والوقعة" المقصود بهما الهيئة، فلا تحذف واوهما للالتباس، "وأما: الوجهة، فاسم" للمكان المتوجه إليه، فهي "بمعنى:
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "كوعيد".(2/752)
الجهة، لا" اسم مصدر "للتوجه"، قاله المازني1 والمبرد2 والفارسي3، فعلى هذا لا شذوذ في إثبات واوه، لأنه ليس بمصدر، وذهب قوم إلى أنه مصدر، وهو الذي يظهر من كلام سيبويه4، ونسب إلى المازني أيضًا.
وعلى هذا فإثبات الواو فيه شاذ، والمسوغ لإثباتها فيه دون غيره من المصادر أنه مصدر غير جار على فعله، إذ لا يحفظ "وجه يجه" فلما فقد مضارعه لم يحذف منه، إذ لا موجب لحذفها منه إلا حمله على مضارعه، ولا مضارع له، والفعل المستعمل منه: "توجه، واتجه" والمصدر الجاري عليه: "التوجه"، فحذفت زوائده وقيل: "وجهة".
ورجح الشلوبين القول بأنه مصدر، فقال5، لأن "وجهة، وجهة" بمعنى واحد، فلا يمكن أن يقال في "جهة"، إنها اسم لمكان، إذ لا يبقى للحذف وجه.
وفهم من تخصيص هذا الحذف بما فاؤه واو أن ما فاؤه ياء لاحظ له في هذا الحذف، إلا ما شذ من قول العرب: "يئس"، مضارع "يأس"، أصله: "ييئس"، فحذفت الياء، و"يسر"، مضارع "يسر"، أصله: "ييسر".
"وقد تترك تاء المصدر" إذا أضيف "شذوذًا كقوله"، وهو أبو أمية الفضل ابن عباس بن عتبة بن أبي لهب: [من البسيط]
971- إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
قال الفراء6، أرد عدة الأمر, فحذف تاء التأنيث عند الإضافة شذوذًا وخرجه خالد بن كلثوم على أن "عدى" جمع "عدوة" و"العدوة", الناحية، كأنه أراد نواحي الأمر.
__________
1 التصريف 1/ 200.
2 المقتضب 1/ 89، 2/ 130.
3 الحجة 2/ 243.
4 الكتاب 4/ 337.
5 شرح المرادي 6/ 97، وانظر حاشية الصبان 4/ 343.
971- البيت للفضل بن عباس في شرح شواهد الشافية ص64، ولسان العرب 1/ 651 "غلب" 7/ 293 "خلط"، والمقاصد النحوية 4/ 572، وبلا نسبة في الارتشاف 1/ 118، والأشباه والنظائر 5/ 241، وأوضح المسالك 4/ 407، والخصائص 3/ 171، وشرح ابن الناظم ص612، وشرح الأشموني 2/ 304، وشرح عمدة الحافظ 486، وعمدة الحفاظ "خلط"، واللسان 3/ 462 "وعد".
6 معاني القرآن 2/ 319.(2/753)
"المسألة الثالثة: تتعلق بعين الفعل"، وهي المشار إليها بقول الناظم:
990- ظلت وظلت في ظللت استعملا وقرن في اقررن وقرن نقلا
"وذلك أن الفعل إذا كان ثلاثيًّا مكسور العين، وعينه ولامه من جنس واحد، فإنه يستعمل في حال إسناده إلى الضمير المتحرك على ثلاثة أوجه: تاما, ومحذوف العين بعد نقل حركتها" إلى الفاء, "ومع ترك النقل، وذلك في نحو: ظل، تقول" إذا أسندته إلى ضمير رفع متحرك: "ظللت" بالإتمام، وفك الإدغام لالتقاء الساكنين، و"ظلت"، بكسر الفاء، "وظلت"، بفتحها، وحذف اللام الأولى منهما لتعذر الإدغام مع اجتماع المثلين لاتصال الضمير، والتخفيف مطلوب، واختصت اللام الأولى؛ وهي العين؛ بالحذف، لأنها تدغم, وقيل: المحذوف الثانية، لأن الثقل إنما يحصل عندها، أما فتح الفاء فلأنه لما حذفت اللام مع حركتها بقيت الفاء مفتوحة، وأما الكسر فلأنه لما نقل حركة اللام إلى الطاء بعد إسكانها، وحذفت اللام، بقيت الفاء مكسورة. "وكذلك" تقول "في" "ظللنا، وظللت، وظللتما، وظللتم، و"ظللن" بلا فرق، ويقال: "ظلت أفعل"، بكسر الظاء؛ ظلولا، إذا عملت بالنهار دون الليل، وذكر أبو الفتح1 أن كسر الظاء من "ظلت" لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة تميم1، وينبغي العكس، فإن الفتح جاء في القرآن نزل بلغة أهل الحجاز، "قال الله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}" [الواقعة: 65].
وظاهر إطلاق الموضح أن هذا الحذف مطرد في كل فعل مضاعف مكسور العين، وهو مذهب الشلوبين2، وصرح سيبويه بشذوذه3, وأنه لم يرد إلا في لفظين من الثلاثي، وهما: "ظلت، ومست"، في "ظللت، ومسست"، وفي لفظ ثالث4 من الزائد على الثلاثة، وهو "أحست" في "أحسست" وممن ذهب إلى عدم اطراده ابن عصفور5، وقال في التسهيل6: إنه لغة سليم، وحكى ابن الأنباري1 الحذف في لفظ من المفتوح، وهو "همت" في "هممت" وإطلاق التسهيل شامل للمفتوح والمكسور وللثلاثي ومزيده.
__________
1 انظر شرح المرادي 6/ 101.
2 الارتشاف 1/ 121.
3 الكتاب 1/ 121.
4 سقط من "ب".
5 الممتنع في التصريف 2/ 661.
6 التسهيل ص314.(2/754)
"وإن كان الفعل" المضاعف المكسور العين "مضارعًا أو أمرًا، واتصلا بنون نسوة، جاز الوجهان الأولان"، التمام وحذف العين بعد نقل حركتها إلى الفاء "نحو: يقررن" بالإتمام والفك, "ويقرن" بحذف عينه، ونقل حركتها إلى الفاء، [ونحو: "اقررن" بالإتمام والفك، و"قرن"، بحذف عينه، ونقل حركتها إلى الفاء]1, وهي القاف.
"ولا يجوز في نحو: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ} [سبأ: 50], بفتح العين: من "الضلال" نقيض "الاهتداء"، "وفي نحو: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ}" [الشورى: 33] بفتح اللام وكسرها من "ظل يظل"، و"يظل"، مثل: "ضل، يضل"، و"يضل"، قاله في الارتشاف2، "إلا الإتمام، لأن العين مفتوحة".
"وقرأ نافع وعاصم: {وَقَرْنَ} [الأحزاب: 23] بالفتح"3 في القاف أمرًا من "قررت بالمكان، أقر به"، بكسر الماضي وفتح المضارع, فلما أمر منه اجتمع مثلان، أولهما مفتوح، ففعل فيه من حذف عينه ما فعل بـ"أحست"، "وهو قليل، لأنه" تخفيف "لمفتوح، ولأن المشهور "قررت في المكان" بالفتح "أقر" بالكسر، وأما عكسه"، وهو "قررت" بالكسر "أقر" بالفتح "ففي: قررت عينا" بالكسر, "أقر" بالفتح، وذهب بعضهم إلى أن "قرن" على قراءة الفتح أمر من: "قار يقار"، وإلى أن "قِرن" على قراءة الكسر أمر من "الوقار" يقال: "وقر، يقر"، فيكون "قرن" محذوف الفاء مثل: "عدن".
وأجاز الناظم في الكافية وشرحها4 إلحاق المضموم العين بالمكسورها، فأجاز في: {اغْضُضْ} [لقمان: 19] أن يقال: "غضن"، واحتج بأن فك المضموم أثقل من فك المكسور، وإن كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف في "قرن" المفتوح القاف، ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز، قال: ولم أره منقولا.
__________
1 إضافة من "ب", "ط".
2 الارتشاف 1/ 76.
3 انظر القراءة في شرح ابن الناظم ص617.
4 شرح الكافية الشافية 4/ 2171.(2/755)
باب الإدغام اللائق بالتصريف:
وهو إدغام المثلين، ويقال فيه: الإدغام، بتشديد الدال، وهي عبارة سيبويه1، وأصحابه2 والأولى عبارة الكوفيين3، وهو؛ لغة: الإدخال، واصطلاحًا: رفعك اللسان، ووضعك إياه بالحرفين دفعة واحدة بعد إدخال أحدهما في الآخر، فيجب إدغام أول المثلين الساكن أولهما، المتحرك ثانيهما، بثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يكون أول المثلين هاء سكت، فإن كان هاء سكت فإنه لا يدغم، لأن الوقف على الهاء منوي الثبوت, وقد روي عن ورش إدغام :{مَالِيَهْ، هَلَكَ}4 [الحاقة: 28، 29] وهو ضعيف من جهة القياس.
والثاني: ألا يكون همزة, منفصلة عن الفاء نحو: "لم يقرأ أحد" فإن الإدغام في ذلك رديء، فلو كانت متصلة بالفاء وجب الإدغام نحو: "سأآل".
والثالث: ألا يكون مدة في آخره، أو مبدلة من غيرها دون لزوم، فإن كانت مدة في الآخر لم يدغم نحو: "يعطي ياسر، ويدعو واقد"5, لئلا يذهب المد بالإدغام، فإن لم يكن في آخر وجب الإدغام نحو6: "مغزو", أصله: "مغزوو" على وزن "مفعول".
__________
1 الكتاب 4/ 431.
2 يقصد أصحابه البصريين.
3 التسهيل ص320، وشرح المفصل 10/ 121.
4 انظر القراءة في إتحاف فضلاء البشر ص423.
5 في "ب": "واحد".
6 سقط من "ب": "نحو".(2/756)
واغتفر ذهاب المدة في هذا لقوة الإدغام فيه، وإن كانت مدة مبدلة من غيرها، دون لزوم, لم يجب الإدغام، بل يجوز إن لم يلبس نحو: "أَثَاثًا وَرِيًّا" [مريم: 74] في وقف حمزة1.
ويمتنع إن ألبس نحو: "قوول" بالبناء للمفعول لأنه لو أدغم لالتبس بـ"قول"، وإن كانت المدة مبدلة من غيرها إبدالا لازمًا وجب الإدغام نحو: "أوب" أصله: "أؤوب"، بهمزتين مضمومة فساكنة، أبدلت الثانية واوًا وأدغمت في الواو الثانية.
ويمتنع الإدغام إذا تحرك أو المثلين، وسكن ثانيهما نحو: "ظللت"، و"رسول الحسن"، لأن شرط الإدغام تحرك2 المدغم فيه.
"ويجب إدغام أول المثلين المتحركين بأحد عشر شرطًا:
أحدها: أن يكون في كلمة" واحدة، كانت اسمًا أو فعلا، فالأول كـ"ضب، وطب، وحب"، والثاني "كـ"شد، ومل، وحب"، أصلهن: "شدد" بالفتح، و"ملل" بالكسر، و"حبب" بالضم"، فسكن أول المثلين، وأدغم في الثاني، "فإن كانا" أي المثلان المتحركان "في كلمتين"، بأن كان أولهما في آخر كلمة، وثانيهما في أول كلمة أخرى "مثل: {جَعَل لَكَ} [الفرقان: 10] كان الإدغام جائزًا لا واجبًا" بشرطين:
أحدهما: ألا يكون همزتين نحو: "قرأ آية"، فإن الإدغام في الهمزتين رديء.
الثاني: ألا يلي أولاها ساكنًا غير لين، نحو: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185], فهذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين3، وقد روي عن أبي عمرو الإدغام في ذلك4، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجاز الفراء إدغامه5.
الشرط "الثاني" من الأحد عشر "ألا يتصدر أولهما" أي المثلين "كما في: ددن" بدالين مهملتين مفتوحتين، وهو اللهو واللعب، فإن مثل ذلك لا يجوز إدغامه، لأن الإدغام يستدعي سكون أول المثلين، والابتداء بالساكن متعذر.
__________
1 انظر القراءة في الإتحاف ص300، والنشر 1/ 461.
2 في "ب": "تحريك".
3 انظر الارتشاف 1/ 333، والمبدع في التصريف ص279.
4 وكذلك قرأ الحسن. انظر الإتحاف ص148، والبحر المحيط 2/ 38.
5 معاني القرآن 1/ 112، وانظر شرح المفصل 10/ 123، والارتشاف 1/ 323.(2/757)
الشرط: "الثالث: ألا يتصل أولهما بمدغم كـ: جسس"، بضم الجيم، وفتح السين المهملة، "جمع: جاس"، فإنه فيه مثلين متحركين، ويمتنع إدغام أولهما في الثاني، لأن قبلهما مثلًا آخر مدغمًا في أول المتحركين1، فلو أدغم المدغم فيه التقى ساكنان، وبطل الإدغام السابق.
الشرط "الرابع: ألا يكون في وزن ملحق، سواء أكان الملحق أحد المثلين كـ: قردد"، وهو المكان الغليظ المرتفع، "و: مهدد" علمًا لامرأة.
"أو غيرهما" أي المثلين "كـ: هيلل"، إذا قال: لا إله إلا الله. "أو كلاهما" أي أحد المثلين، وغيره "نحو: اقعنسس" أي تأخر ورجع، والملحق فيه أحد المثلين، وهو السين الثانية على المختار، وغير أحد المثلين، وهو الهمزة والنون، وكان حقه أن يقول، أو كليهما، بالياء عطفًا على خبر "كان"، وهو أحد المثلين، ولكنه أتى به بالألف، إما على لغة كنانة، لأنهم يعربون "كلا" بالألف مطلقًا أو على أن أحد المثلين اسم "كان" مؤخرًا, و"الملحق" خبرها مقدما، "فإنها"؛ أي "قردد، ومهدد، وهيلل، واقعنسس" "ملحقة" بغيرها.
أما "قردد، ومهدد" فإن أحد داليهما مزيدة للإلحاق "بـ: جعفر".
"و" أما "هيلل" فغن الياء مزيدة فيه للإلحاق بنحو: "دحرج"، وهي غير أحد المثلين.
"و" أما "اقعنسس" فإن أحد السينين والهمزة والنون مزيدة فيه للإلحاق بنحو: "احرنجم" ولا يجوز إدغام أحد المثلين في الآخر في شيء من الملحقات، لأنه يؤدي إلى ذهاب مثال الملحق به.
الشرط "الخامس والسادس والسابع والثامن:
ألا يكونا في اسم على "فعل" بفتحتين كـ طلل" بالطاء المهملة، وهو الشاخص من آثار الديار، "ومدد" بالمهملة، وهو كل شيء زاد في شيء.
"أو" على "فعل2؛ بضمتين؛ كـ: ذلل" بالذال المعجمة، جمع "ذلول"، ضد الصعبة، "وجدد" بالجيم، "جمع، جديد".
__________
1 بعده في "ب": "المثلين".
2 في "ب": "فعلل".(2/758)
"أو" على "فعل، بكسر أوله وفتح ثانيه كـ: لمم"، جمع "لمة"، بكسر اللام وتشديد الميم، وهي العشر المجاوز شحمة الأذن، "وكلل" جمع "كلة"، بكسر الكاف وتشديد اللام, وهي الستر الرقيق، يخاط كالبيت، يتوقى به من البعوض، ويسمى في عرفنا الناموسية.
"أو" على "فعل، بضم أوله وفتح ثانيه كـ: درر" جمع "درة" وهي اللؤلؤة، "وجدد" بالجيم، "جمع: جدة"، بضم الجيم وتشديد الدال، "وهي الطريقة في الجبل.
وفي هذه الأنواع السبعة الأخيرة"، وهي الثلاثة الملحقة، وهذه الأربعة في الخامس والثامن وما بينهما "يمتنع الإدغام" فيها. أما الثلاثة الأول فلما تقدم من أن الإدغام يفوت المقابلة في الإلحاق، وأما النوع الأول من الأربعة فإنه وإن وازن الفعل لم يدغم تنبيهًا على فرعية الإدغام في الأسماء. وأما الثلاثة الباقية فلأنها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل فيه ما وازنه من الأسماء دون ما لم يوازنه، وكذا ما وازن هذه الأمثلة الأربعة [بصدره]1 لا بجملته، فإنه يمتنع إدغامه نحو: "خششاء" لعظم خلف الأذن، فإنه موازن بصدره لـ"فعل"، بضم أوله وفتح ثانيه نحو: "صفف"، قاله المرادي2، وفي الصحاح ما يخالفه، فإنه قال3: "الخشاء"، أصله الخششاء، على "فعلاء" فأدغم.
ونحو: "رددان" من "الرد" فإنه موازن بصدره لـ"فعل", بضمتين نحو: "ذلل"، ونحو: "حببة"، جمع "حب"، فإنه موازن بصدره لـ"فعل"، بكسر أوله وفتح ثانيه، نحو: "كلل"، ونحو: "الدججان" بفتحتين، مصدر "دج" بمعنى "دب"، فإنه موازن بصدره لـ"فعل" بفتحتين نحو: "طلل".
"و" الشروط "الثلاثة الباقية" من الأحد عشر هي:
ألا تكون حركة ثانيهما عارضة نحو: خصص أبي، واكفف الشر، أصلهما: اخصص، واكفف، بسكون الآخر، ثم نقلت حركة الهمزة" من "أبي"؛ وهي الفتحة؛ "إلى الصاد" من "اخصص"، "وحركت الفاء" من "اكفف" بالكسر "لالتقاء الساكنين" فالحركة فيهما عارضة، ولا يعتد بها.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 شرح المرادي 6/ 106(2/759)
"وألا يكون المثلان ياءين" تحتانيتين، "لازما تحريك ثانيهما نحو: حيي، وعيي، ولا تاءين" فوقانيتين "في: افتعل، كـ: استتر، واقتتل" من "الستر، والقتل".
"وفي هذه الصور الثلاث يجوز الإدغام والفك، قال" الله "تعالى: {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] بالفك، "ويقرأ أيضا: من حي"، بالإدغام1، فمن أدغم نظر إلى أنهم مثلان في كلمة واحدة، وحركة ثانيهما لازمة، ومن فك نظر إلى أن اجتماع المثلين في باب "حيي" كالعارض، لكونه مختصًا بالماضي دون المضارع الأمر، والعارض لا يعتد به غالبًا، وكلاهما فصيح.
والفك أكثر في كلامهم، فلو كانت حركة ثاني الياءين غير لازمة نحو: لن يحيى، ورأيت محييا" لم يجز الإدغام خلافًا للفراء2.
"وتقول: استتر، واقتتل"، بالفك، "فإذا أردت الإدغام نقلت حركة" التاء "الأولى إلى الفاء"، وهي السين والقاف، "وأسقطت الهمزة" أي همزة الوصل، "للاستغناء عنها بحركة ما بعدها، ثم أدغمت" التاء في التاء، "فتقول في الماضي: ستر، وقتل"، بفتح أولهما وتشديد ثانيهما.
"و" تقول "في المضارع: "يستر"، و"يقتل"، بفتح أولهما" وثانيهما وتشديد ثالثهما مع الكسر: "و" تقول "في المصدر: ستارًا، وقتالا، بكسر أولهما" وتشديد ثانيهما. وإنما ذكر المضارع والمصدر ليميز بين ما أصله التشديد، وما عرض فيه، وذلك أن نحو: "ستر" يحتمل أن يكون [على أصله، ويحتمل أن يكون]3 أصله: "استتر" ولا يفرق بينهما إلا المضارع والمصدر، فتقول في مضارع "ستر" الذي وزنه: "فعل، يستر" بضم أوله، لأن ماضيه على أربعة أحرف، وفي مصدره: "تستيرًا" على وزن "تفعيلا" وفي مضارع الذي أصله: "استتر: يستر4" بفتح أوله، لأن ماضيه على خمسة أحرف، وأصله: "يستر" فنقل، وأدغم، وفي مصدره،: ستارًا" وأصله: "استتارًا" فلما أريد الإدغام نقلت الحركة وطرحت الهمزة.
"ويجوز الوجهان"، الإدغام والفك "أيضًا في ثلاث مسائل أخر:
__________
1 انظر الإتحاف ص237، والنشر 2/ 276.
2 معاني القرآن 1/ 411.
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
4 في "ب": "يستتر".(2/760)
إحداها: أولى التاءين" الفوقانيتين "الزائدتين في أول المضارع نحو: تتجلى، وتتذكر" مضارعي: "تجلى وتذكر"، "وذكر الناظم في شرح الكافية1، وتبعه ابنه" في شرح الخلاصة2، "أنك" إذا أدغمت" التاء الأولى في الثانية "اجتلبت همزة الوصل" ليتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام، فقلت في "تتجلى: اتجلى"، انتهى3.
"و" فيه نظر، فإنه "لم يخلق الله" أحدا من الفصحاء في ما نعلم، أدخل "همزة وصل في أول" الفعل "المضارع، وإنما إدغام هذا النوع في الوصل دون الابتداء"، قال الحوفي4: فإن وقف ابتدئ بالإظهار، ولا يجوز إدخال ألف الوصل عليه، لأن ألف الوصل لا تدخل على الفعل المضارع، وذكر الناظم في بعض كتبه هذه المسألة على الصواب فقال1: يجوز إدغام تاء المضارعة في تاء أخرى بعد مدة أو حركة نحو: {وَلَا تَيَمَّمُوا} [البقرة: 267]، و{تَكَادُ تَمَيَّزُ} [الملك: 8]، انتهى. "وبذلك قرأ البزي في الوصل نحو: {وَلَا تَيَمَّمُوا}5، و: {لَا تَبَرَّجْنَ}6 [الأحزاب: 33]، و: {كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ}7" [آل عمران: 143]، والأصل: "تتيمموا وتتبرجن، وتتمنون" بتاءين، أدغمت أولاهما في أخراهما.
"فإن أردت التخفيف في الابتداء حذفت إحدى التاءين؛ وهي الثانية"؛ وفاقًا لسيبويه والبصريين8، لأن الاستثقال بها حصل، "لا الأولى" لدلالتها على المضارعة "خلافًا لهشام" الضرير وأصحابه من الكوفيين8. وحجتهم أن الثانية في "تتفعل" لمعنى كالمطاوعة مثلا، وحذفها يخل بهذا المعنى، "وذلك جائز في الوصف أيضًا، قال الله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى}" [الليل: 14]، الأصل: "تتلظى" فحذفت إحدى التاءين، ولو كان ماضيًا: "تلظت" لأن التأنيث واجب مع "المجازي إذا كان ضميرا متصلا "و: {لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ}" [آل عمران: 143] الأصل: "تتمنون".
__________
1 شرح الكافية الشافية 4/ 2185.
2 شرح ابن الناظم ص619.
3 سقط من "ب".
4 انظر الارتشاف 1/ 164، والممتع في التصريف 2/ 637.
5 كذلك قرأ ابن كثير وورش والنقاش وأبو ربيعة والقواس. انظر الإتحاف 164، والبحر المحيط 2/ 317.
6 كذلك قرأ قنبل، انظر الإتحاف ص355، والنشر 2/ 222، 224.
7 كذلك قرأ أبو بكر الزغيبي وأبو ربيعة وأبو الفرج النجاد وأبو الفتح بن يدهن، انظر الإتحاف 164.
8 انظر الإنصاف 2/ 648، المسألة رقم 93.(2/761)
"وقد يجيء هذا الحذف في النون" الثانية بعد نون المضارعة، "ومنه على" القول "الأظهر قراءة ابن عامر" وعاصم: "كذلك نجي المؤمنين"1 [الأنبياء: 88] بضم النون وتشديد الجيم المكسورة وسكون الياء "أصله: ننجي، بفتح النون الثانية" وتشديد الجيم المكسورة، مضارع "نجى" فحذفت النون الثانية.
ويضعفه أنه لا يجوز في مضارع "نبأت، ونقيت، ونزلت"، ونحوهن؛ إذا ابتدأت بالنون؛ أن تحذف النون الثانية إلا في شذوذ، كقراءة بعضهم: "وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةَ" [الفرقان: 25] بنصب "الملائكة"2، "وقيل: الأصل: ننجي، بسكونها" أي النون الثانية، "فأدغمت" في الجيم "كـ: إجاصة، وإجانة"، بتشديد الجيم فيهما، والأصل "إنجاصة وإنجانة"، فأدغمت النون في الجيم، و"الإجاصة" واحدة الإجاص، و"الإجانة" واحدة الأجاجين، وهي بفتح الهمزة وكسرها، قال صاحب الفصيح3: قصرية يغسل ويعجن فيها، ويقال: إنجانة كما يقال: إنجاصة، وهي لغة يمانية فيهما، أنكرها الأكثرون، قاله ابن السيد.
"وإدغام النون في الجيم لا يكاد يعرف"، لأن النون عند الجيم تخفى ولا تدغم. "وقيل: هو" فعل ماض "من: نجا، ينجو" بتخفيف عينه، هي الجيم، "ثم ضعفت عينه" وبني للمفعول، "وأسند لضمير المصدر"، والتقدير: "نجي هو" أي النجاء، "و" فيه ضعف من جهات:
إحداها: أنه "لو كان كذا لفتحت الياء، لأنه فعل ماض" مبني للمجهول نحو: {قُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210].
والثانية: إنابة ضمير المصدر مع أنه مفهوم من الفعل.
والثالثة: إنابة غير المفعول به مع وجوده، قاله في المغني.
ويجاب عن أولها بأن تسكين الياء المفتوحة للتخفيف لغة، وبها قرأ الأعمش4: "فنسيْ ولم نجدْ" [طه: 115]، وقرأ الحسن5: "ما بقيْ من الربا" [البقرة: 278] بإسكان الياء فيهما وصلا.
__________
1 كذلك قرأ شعبة وأبو عبيد. وانظر الإتحاف ص311، والنشر 2/ 324.
2 هي قراءة أبي عمرو وأبي كثير وخارجة ومعاذ. انظر المحتسب 2/ 120، والبحر المحيط 6/ 494.
3 فصيح ثعلب ص305، وانظر شرح الفصيح للزمخشري ص555.
4 انظر المحتسب 2/ 59، وتفسير القرطبي 11/ 251.
5 انظر الإتحاف ص165، والبحر المحيط 2/ 337.(2/762)
وعن الثانية بقوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} [سبأ: 54]، فإن النائب ضمير المصدر.
وعن الثانية بقراءة أبي جعفر1: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] فأناب غير المفعول به مع وجوده.
المسألة "الثانية والثالثة" من المسائل الثلاث التي يجوز فيها الإدغام، والفلك "أن تكون الكلمة فعلا مضارعًا مجزومًا" بالسكون، "أو فعل أمر" مبنيا على السكون، فإنه يجوز فيه الفك والإدغام، "قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}" [البقرة: 217]، "يقرأ بالفك، وهو لغة أهل الحجاز، وبالإدغام وهو لغة تميم" اعتدادًا بتحريك الساكن2 في بعض الأحوال نحو: "لم يردد القوم، واردد القوم"، وأهل الحجاز لا يعتدون بذلك، "وقال الله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}" [لقمان: 19] بالفك3. "وقال" جرير "الشاعر": [من الوافر].
972- فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
بالإدغام، وإذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل لعدم الاحتياج إليها.
وحكى الكسائي4 أنه سمع من عبد القيس: "ارد، وغض، وافر"، بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين.
وإذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع نحو: "ردوا"، أو ياء المخاطبة نحو: "ردي"، أو نون توكيد نحو: "ردن" أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب5، كذا6، قالوا: وعللوه بأن الفعل حينئذ مبني7 على هذه العلامات، وليس تحريكه بعارض. وإذا اتصل بالمدغم
__________
1 انظر الإتحاف ص390، والنشر 2/ 372، وشرح ابن عقيل 1/ 509، وشرح المفصل 7/ 75.
2 شرح ابن الناظم ص620، والارتشاف 1/ 165، وشرح الكافية الشافية 4/ 2190.
3 شرح ابن الناظم ص620.
972- البيت لجرير في ديوانه ص821، وديوان المعاني 1/ 32، وخزانة الأدب 1/ 72، 74، 9/ 542، وشرح المفصل 9/ 128، ولسان العرب 3/ 142 "حدد"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 411، وخزانة الأدب 6/ 531، 9/ 306، وشرح الأشموني 3/ 897، وشرح شافية ابن الحاجب ص244، والكتاب 3/ 533، والمقتضب 1/ 185، وشرح المرادي 6/ 117.
4 الارتشاف 1/ 165.
5 الممتع في التصريف 2/ 659.
6 في "ب": "كهذا".
7 سقط من "ب".(2/763)
هاء غائب وجب ضم المدغم فيه نحو: "رده، ولم يرده"، ووجب فتح المدغم فيه قبل هاء الغائبة، نحو: "ردها، ولم يردها"، قالوا: لأن الهاء خفية، ولم يعتد بوجودها، فكأن الدال قد وليت الألف نحو: "ردا".
وحكى الكوفيون "ردها" بالضم والكسرة و"رده" بالكسرة والفتح، وذلك في مضموم الفاء، وذكر ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب1، وغلطوه في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغية، سمع2 الأخفش من ناس من بني عقيل: "مده، وعضه"، بالكسر3، والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن، يقال: "رد القوم"، بالكسر، لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من فتح، وهم بنو أسد4، وعليه قول جرير5: [من الوافر]
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وأما الضم فقال في التسهيل6: ولا يضم قبل ساكن بل يكسر، وقد يفتح، انتهى. وحكى ابن جني الضم أيضًا7، وهو قليل، فإن لم تتصل بالفعل هاء الغائبة أو هاء الغائب أو الساكن ففيه ثلاث لغات، الفتح مطلقًا نحو: "رد، وغض، وفر"، [وهي]8 لبني أسد9 وناس غيرهم، والكسر مطلقًا نحو: "رد، وغض، وفر"، وهي لغة كعب ونمير10، والإتباع لحركة الفاء نحو: "رد وغض وفر"، وهذا كثير في كلامهم.
"والتزم الإدغام في: هلم لثقلها بالتركيب"، وفي كيفية تركيبها خلاف11، قال جمهور البصريين12: مركبة من "ها" التنبيه، ومن "لم" التي هي فعل أمر من قولهم:
__________
1 انظر شرح الفصيح للمزمخشري ص87، 89.
2 في "ب": "حكى".
3 شرح المرادي 6/ 116، والمبدع في التصريف ص253.
4 شرح المرادي 6/ 116.
5 تقدم تخريج البيت برقم 972.
6 التسهيل ص314.
7 انظر شرح المرادي 6/ 117.
8 إضافة من "ب", "ط".
9 الارتشاف 1/ 166.
10 شرح المرادي 6/ 117.
11 في "ب": "وجهان".
12 انظر الخصائص 3/ 35، والمزهر 1/ 136، ومجمع الأمثال 2/ 402.(2/764)
"لم الله شعثك" أي جمعه، وكأنه قيل: اجمع نفسك إلينا، فحذفت ألفها تخفيفًا، ونظرًا إلى أن أصل لام "لم" السكون وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام، فحذفت الهمزة للدرج إذا كانت همزة وصل، وحفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأولى إلى اللام، وأدغمت، وقال الفراء، مركبة فعل بمعنى: أحضر في المتعدي، وبمعنى: ائت في اللازم.
واللغة الثانية: أن تلحقها الضمائر البارزة بحسب من هي مسندة إليه، فتقول: "هلما وهلموا وهلمي وهلممن" بالفك، وهي لغة بني تميم، وهي عندهم فعل أمر.
وذهب بعض النحويين إلى أن "هلم" في لغة بني تميم اسم غلب فيه جانب الفعلية، واستدل بالتزامهم الإدغام، ولو كانت فعلا لجرت مجرى "رد" في جواز الضم والكسر والإظهار، وأجيب بأن التزام أحد الجائزين لا يخرجها عن الفعلية، والتزام أحد الجائزين في كلام العرب كثير.
"ويجب الفك في: أفعل" بكسر العين، "في التعجب" بإجماع العرب محافظة "على الصيغة: سواء كان متصلا بالباء أم لا, فالأول "نحو: أشدد ببياض وجه المتقين, و" الثاني نحو: "أحبب إلى الله بالمحسنين"، بالفصل بالجار والمجرور. والأصل: أحبب بالمحسنين إلى الله، "وإذ سكن الحرف المدغم فيه لاتصاله بضمير الرفع" البارز "وجب فك الإدغام في لغة غير بكر بن وائل"، لأن ما قبل الضمير البارز المرتفع لا يكون إلا ساكنًا: "نحو: حللت، و: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ} [سبأ: 50]، و: {شَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان: 28] والفرق بينه وبين نحو: "رد", و"لم يرد" حيث جاز فيه الفك والإدغام أن سكون المضارع المجزوم عارض، يزول، بزوال الجازم، والأمر محمول عليه، وسوى بينهم في لغة بكر بن وائل، قال سيبويه1، وزعم الخليل أن ناسًا من بكر ابن وائل يقولون: "ردن، ومدن، وردت" وهذه لغة ضعيفة كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، فأبقوا اللفظ على حاله بعد دخولهما.
"وقد يفك الإدغام في غير ذلك شذوذًا نحو: لححت عينه" بحاءين مهملتين أي: لصقت بالرمص، بفتح الميم، وهو وسخ يجتمع في الموق، فإن سال فهو عمص، وإن جمد فهو رمص، قاله في الصحاح2، "و: ألل السقاء"، أي: تغيرت رائحته، و"ضبب
__________
1 الكتاب 3/ 535.
2 الصحاح "رمص".(2/765)
البلد"، أي: كثر ضبابه، و"دبب الإنسان"، أي: نبت شعره في جبينه، و"صكك الفرس"، أي: اصطكت عرقوباه ، و"قطط الشعر"، أي: اشتدت جعودته، وغير ذلك مما جاء بإظهار التضعيف لبيان الأصل، كـ"القود" بالتصحيح، "أو في ضرورة كقوله" وهو أبو النجم العجلي: [من الرجز]
973- الحمد لله العلي الأجلل الواسع الفضل الوهوب المجزل
والقياس: "الأجل" بالإدغام.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، جعله الله خالصًا لوجهه، موجبًا للفوز لديه بمنه وكرمه.
قال مؤلفه: ووافق الفراغ منه يوم عرفة من شهور سنة ست وتسعين وثمان مائة.
ثم شرح توضيح الشيخ العلامة جمال الدين بن هشام، للشيخ العلامة المرحوم الشيخ زين الدين خالد النحوي الأزهري؛ تغمدهما الله تعالى برحمته، وأسكنهما فسيح جنته؛ في اليوم المبارك يوم الأحد، ثالث عشر من شهر شوال من شهور سنة ثمان وأربعين وألف، على يد أقل عبيد الله، وأحوجهم إلى مغفرته محمد الشهير بابن بلح بن خضير بن خضر. الوليلي بلدًا، الشافعي مذهبًا غفر الله له ولوالديه، ولإخوانه في الله، ولجميع المسلمين، آمين، آمين، آمين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأزواجه وذريته، وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا إلى يوم الدين، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.
والحمد لله وحده.
__________
973- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص175، وشرح شواهد المغني 1/ 449، والمقاصد النحوية 4/ 595، وخزانة الأدب 2/ 392، 394، وشرح شواهد الشافية ص313.(2/766)