شرح التصريح على التوضيح
عنوان الكتاب:
شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو
تأليف: الأزهري، خالد بن عبد الله
الناشر:دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان
الطبعة الأولى 1421هـ- 2000م
عدد المجلدات:[ 3 ](المقدمة/1)
المقدمات:
مقدمة المحقق
مقدمة المحقق:
الحمد لله وحده لا شريك له، أستعينه وأستغفره وأتوب إليه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فإن الألفية "الخلاصة" لابن مالك "هي منظومة تعليمية للنحو في حوالي ألف بيت، قلد فيها ألفية ابن معط، وألفها لابنه محمد الأسد"1.
وقد حظيت الألفية باهتمام العلماء وعنايتهم ما لم يحظ به كتاب آخر، فقد أحصى بروكلمان في تاريخ الأدب العربي2 تسعا وأربعين كتابا شرحت فيه الألفية.
ولعل أقدم هذه الشروح هو شرح ابن الناظم الذي قال فيه الصفدي: "وهو شرح فاضل منقى منقح. وخطأ والده في بعض المواضع، ولم تشرح الخلاصة بأحسن ولا أسد ولا أجزل على كثرة شروحها، وأراها في الشروح كالشرح الذي لابن يونس للتنبيه"3.
ولقي هذا الشرح الجليل اهتمام العلماء أيضا، فوضعوا له تعليقات وشروحات4.
وجاء ابن هشام بعد ابن الناظم، وشرح الألفية في كتابه التوضيح "أوضح المسالك".
__________
1 تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 277، والوافي بالوفيات 1/ 206 سطر 11.
2 تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 278-291.
3 الوافي بالوفيات 1/ 205.
4 ذكر بروكلمان في تاريخه 5/ 278-279 أسماء خمسة كتب قامت على شرح ابن الناظم.(المقدمة/3)
ولقي هذا الكتاب من علماء العربية فتصدوا لشرحه والتعليق عليه، ولعل من أهم هذه الشروح الكتاب الذي بين يدينا، أي: "شرح التصريح بمضمون التوضيح" للشيخ خالد الأزهري. وقد عرف لهذا الكتاب طبعتان خلتا من الضبط.
وكنت أرغب أن يوفقني الله تعالى إلى تحقيق هذا السفر العظيم من التراث، فأخذت على عاتقي خدمة الكتاب بما يليق به من تحقيق وضبط وشرح وفهرسة.
وقد بدأت الكتاب بمقدمة تضمنت ترجمة للمؤلف ذكرت فيها اسمه ونسبه وحياته العلمية والثقافية، ثم تحدثت عن منهجه في هذا الشرح وعن أهمية هذا الشرح.
ثم ذكرت منهج التحقيق الذي اتبعته، وهو منهج اتبعته في الكتب التي قمت بتحقيقها مثل "الاقتضاب، والدرر اللوامع، وأساس البلاغة، وشرح ابن الناظم...".
ولا أدعي الكمال في عملي هذا، وحسبي أني أخلصت في العمل، وبذلت جهدا تشي به صفحات هذا الشرح، وينم عنه ما أودعته في الحواشي.
وأرجو من الله أن يكون التوفيق حالفني في إخراج هذا الكتاب على نحو يرضى به العلماء.
والله أسأل أن يهدينا إلى الحق وإلى ما فيه مرضاته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد باسل عيون السود
دمشق 11/ 2/ 2000(المقدمة/4)
مقدمة المحقق
المبحث الأول: حياته
أ- اسمه ونسبه وكنيته1:
هو زين الذين خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاوي الأزهري الشافعي، النحوي، المصري، المعروف بالوقاد، وبصاحب كتاب التراكيب.
ب- مولده ونشأته:
ولد الأزهري في جرجة بصعيد مصر 838هـ. وكان طفلا حين رحل مع أبويه إلى القاهرة التي قرأ فيها القرآن، ومختصر أبي شجاع، ثم تحول إلى جامع الأزهر ليعمل وقادا، فعرف بذلك، وأثناء قيامه بهذه المهنة سقطت منه فتيلة على كراس أحد الطلبة، فشتمه وعيره بالجهل، فترك الوقادة، وأكب على طلب العلم، فبرع وأشغل الناس، وكان عمره حينذاك ستا وثلاثين سنة.
جـ- وفاته:
توفي الأزهري في اليوم الرابع عشر من شهر محرم سنة 905هـ، بعد أن حج، ووصل إلى بركة الحاج خارج القاهرة، وله من العمر سبعة وستون عاما.
المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه
أ- شيوخه2:
1- إبراهيم العجلوني.
2- الزين الأبناسي3.
3- أحمد بن محمد الشمني4: من علماء التفسير والحديث والنحو، توفي سنة 872هـ.
4- التقي الحصيني5: تلقى منه علوم البيان والمعاني.
__________
1 انظر ترجمته في: الأعلام 2/ 297. بدائع الزهور 3/ 425. الخطط الجديدة لعلي مبارك 10/ 53. دائرة المعارف الإسلامية 2/ 75. روضات الجنات 3/ 266-267. شذرات الذهب 8/ 26. الكواكب السائرة 1/ 188. المدارس النحوية لشوقي ضيف ص359. معجم المؤلفين 4/ 96. هدية العارفين 1/ 343.
2 الضوء اللامع 3/ 171-172.
3 ترجمته في الأعلام 1/ 75.
4 الضوء اللامع 2/ 174.
5 ترجمته في الأعلام 2/ 96.(المقدمة/5)
5- تغري بردي القادري: لازمه الأزهري، فقرره تغري بردي في الجامع الذي بناه الدوادار بخان الخليلي.
6- داود المالكي.
7- الشهاب السجيني.
8- السيد علي تلميذ ابن المجدي: تلقى منه علم الفرائض والحساب.
9- عبد الدائم الأزهري: تلقى منه المقدمة الجزرية.
10- عثمان بن عبد الله بن عثمان بن عفان، فخر الدين المقسي1 توفي سنة 877هـ.
11- علي بن عبد الله السنهوري: عالم اللغة والقراءات والأصول2، توفي سنة 889هـ.
12- الزين المارداني.
13- محمد بن أحمد العبادي3.
14- محمد بن عبد الرحمن السخاوي4: من علماء التاريخ والحديث، توفي سنة 902هـ.
15- محمد بن عبد المنعم الجوجري5: من فقهاء مصر.
16- يحيى بن محمد بن إبراهيم الأمين الأقصرائي6: شيخ الحنفية في زمانه، توفي سنة 880هـ.
17- يعيش المغربي.
ب- تلاميذه7:
1- أحمد بن يونس بن محمد بن الشلبي8.
__________
1 الضوء اللامع 5/ 249.
2 الضوء اللامع 5/ 249.
3 بغية الوعاة 2/ 75-76.
4 الضوء اللامع 8/ 2.
5 الضوء اللامع 8/ 123.
6 الضوء اللامع 10/ 240.
7 الضوء اللامع 3/ 171، والكواكب السائرة 1/ 68.
8 الأعلام 1/ 276، والكواكب السائرة 1/ 68.(المقدمة/6)
2- خضر المالكي1.
3- عطية الضرير.
4- نور الدين اللقاني.
5- ابن هلال النحوي2.
المبحث الثالث: مؤلفاته
أ- مؤلفاته المطبوعة:
- إعراب ألفية ابن مالك = تمرين الطلاب في صناعة الإعراب.
1- الألغاز النحوية: ذكر الزركلي في الأعلام 2/ 297 أنه مطبوع، وورد اسمه في إيضاح المكنون 1/ 118، وهدية العارفين 1/ 344.
2- التصريح بمضمون التوضيح: وهو موضوع التحقيق والدراسة وسأفرد له فصلا خاصا.
3- تمرين الطلاب في صناعة الإعراب: اشتهر هذا الكتاب باسم "التركيب"، وهو إعراب لألفية ابن مالك في النحو، طبع في القاهرة سنة 1289هـ، كما طبعه الهوريني سنة 1294هـ في أربع مجلدات، وطبع أيضا في مصر سنة 1370هـ.
4- الزبدة في شرح البردة: طبع ببغداد، وهو شرح لبردة البوصيري. وورد اسمه في إيضاح المكنون 2/ 299، وهدية العارفين 1/ 344.
5- شرح الآجرومية: وهو شرح لمقدمة ابن آجروم، ذكر الزركلي في الأعلام 2/ 297 أنه مطبوع، وله عدة طبعات، منها طبعة امستردام سنة 1756م، وطبعة بولاق سنة 1259هـ، وطبعة تونس سنة 1290هـ.
6- شرح المقدمة الأزهرية في علم العربية: طبع ببولاق سنة 1252هـ.
7- المقدمة الأزهرية في علم العربية: طبع ببولاق سنة 1252هـ.
8- موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب: وهو شرح لكتاب الإعراب عن قواعد الإعراب لابن هشام، طبع بمصر سنة 1370هـ على هامش كتابه "تمرين الطلاب"، كما حققه عبد الكريم مجاهد وسعيد عبد الهادي، وطبع بمؤسسة الشرق للنشر والترجمة سنة 1985م.
__________
1 الكواكب السائرة 1/ 68.
2 الضوء اللامع 3/ 171، والكواكب السائرة 3/ 194.(المقدمة/7)
ب- مؤلفاته المخطوطة:
1- إعراب الآجرومية: ورد اسمه في كشف الظنون 1797، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ص18.
2- إعراب الكفاية: وهو إعراب لكافية ابن الحاجب: ورد اسمه في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ص44.
3- تفسير آية: {لا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}: ورد اسمه في هدية العارفين 1/ 344.
4- الحواشي الأزهرية في حل ألفاظ المقدمة الجزرية: وهو في علم التجويد. ورد اسمه في إيضاح المكنون 2/ 542، وهدية العارفين 2/ 297.
5- القول السامي على كلام منلا عبد الرحمن الجامي: وهو رسالة نحوية ألفها على الفوائد الضيائية لعبد الرحمن الجامي، وورد اسمه في كشف الظنون 2/ 1372، وهدية العارفين 1/ 344.
6- مختصر الزبدة في شرح البردة: ورد اسمه في كشف الظنون 2/ 1333.
سبب تأليف شرح التصريح:
ذكر الأزهري سبب تأليفه للتصريح فقال في مقدمته1: إن الشرح المشهور بـ"التوضيح على ألفية ابن مالك في علم النحو" للشيخ الإمام العلامة الرباني جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري؛ تغمده الله بالرحمة والرضوان؛ في غاية حسن الموقع عند جميع الإخوان؛ لم يأت أحد بمثاله؛ ولم ينسج ناسج على منواله، ولم يوضع في ترتيب الأقسام مثله، ولم يبرز للوجود في هذا النحو شكله. غير أنه يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدراته النقاب، ويبرز من خفي مكنوناته ما وراء الحجاب، وقد ذكرت ذلك لمصنفه في المنام، فاعترف بهذا الكلام، ووعد بأنه سيكتب عليه ما يبين مراده، ويظهر مفاده، فقصصت هذه الرؤيا على بعض الإخوان، فقال: هذا إذن لك يا فلان، فإن إسناد الشيخ الكتابة إلى نفسه مجاز، كقولهم: بنى الأمير المجاز؛ وليس هو الباني بنفسه، وإنما يأمر العملة من أبناء جنسه، وكنت أنت المشار إليه لما تمثلت بين يديه، وخاطبك بهذا الخطاب، فانهض وبادر للأجر والثواب. فاستخرت رب العباد، وشمرت ساعد الاجتهاد، وشرحته شرحا كشف خفاياه، وأبرز أسراره وخباياه، وباح بسره المكتوم، وجمع شمله بأصله المنظوم، وسميته "التصريح بمضمون التوضيح".
__________
1 شرح التصريح 1/ 3.(المقدمة/8)
شرح الأزهري مواد كتابه مستشهدا بآراء النحويين واللغويين مما تضمنته مصنفاتهم، وكان كثيرا يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه، ونادرا ما كان يغفل المصدر الذي نقل منه بعض المسائل. وفيما يأتي أسماء المصادر التي صرح بها:
أدب الكاتب: ابن قتيبة.
أحكام لو وحتى: ابن هشام.
الأذكار: النووي.
الارتشاف.
أسرار البلاغة: الجرجاني.
اشتقاق البلدان: أبو الفتح الهمداني.
الأصول: ابن السراج.
أغلاط الزمخشري: ابن معزوز.
الإفصاح: ابن هشام الخضراوي.
الأفعال: ابن طريف.
الأفعال: ابن القطاع.
إقامة الدليل: ابن هشام.
الإقناع: السيرافي.
الألفية: ابن معط.
أمالي ابن الحاجب.
أمالي السهيلي.
أمالي ابن الشجري.
الأمثال السائرة.
انتصاب لغة: ابن هشام.
الإنصاف: ابن الأنباري.
الأنموذج في النحو: الزمخشري.
الأوسط: الأخفش.
الإيضاح: ابن الحاجب.
الإيضاح: الخصاف.
الإيضاح: أبو علي الفارسي.
البحر المحيط: أبو حيان.
البديع في النحو: ابن الزكي.
البسيط: ابن العلج.
البسيط: الواحدي.
البغداديات: الفارسي.
تاج اللغة: الجوهري.
تحشية التسهيل: ابن مالك.
تحفة العروس: التجاني.
التحفة: ابن مالك.
التذكرة: أبو حيان.
التذكرة: أبو علي الفارسي.
التذكرة: ابن هشام.
الترشيح: خطاب الماردي.
الترقيص: محمد بن المعلى الأزدي.
التسهيل: ابن مالك.
تصريف العزي.
تفسير البيضاوي.
التقريب "؟".
التكملة: الفارسي.
التلخيص البياني: الجرجاني.
تلخيص شرح أبي حيان: المرادي.
التلخيص: القزويني.
تهذيب الأسماء: النووي.
التوضيح على ألفية ابن مالك: ابن هشام.(المقدمة/9)
التوضيح على الجامع الصحيح: ابن مالك.
التوطئة: الشلوبين.
الجامع: الخطيب البغدادي.
الجامع الصغير: ابن هشام.
الجمل: الزجاجي.
حاشية على التوضيح: عبد القادر المكي.
حاشية على توضيح الألفية: أحمد بن عبد الرحمن.
الحجة: أبو علي الفارسي.
الحلبيات: أبو علي الفارسي.
حلية الأولياء: أبو نعيم.
حماسة أبي تمام.
حواشي التسهيل: ابن هشام.
حواشي سنن أبي داود: المنذري.
حواشي الصحاح: ابن بري.
حواشي على الألفية: ابن هشام.
حواشي على كتاب سيبويه: الأخفش.
حواشي على كتاب سيبويه: مبرمان.
حواشي ابن مبرمان.
حواشي العضد: الأبهري.
حواشي الزجاج على ديوان الأدب: الزجاج.
حواشي ابن هشام.
الخاطريات: ابن جني.
الخصائص: ابن جني.
الخلاصة: ابن مالك.
الخلاصة: ابن هشام.
درة الغواص: الحريري.
ديوان الأدب.
رسالة الغفران: المعري.
رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة: ابن هشام.
الروض الأنف: السهيلي.
سبك المنظوم.
سفر السعادة: السخاوي.
سنن النسائي الكبرى.
شذور الذهب.
شراح الشافية.
شرح أبيات الجمل: البطليوسي.
شرح أبيات كتاب سيبويه: الأعلم الشنتمري
شرح الآجرومية: الشهاب البجائي.
شرح إصلاح المنطق: ابن سيده.
شرح إيساغوجي في المنطق: الكاتي.
شرح الإيضاح: ابن عصفور.
شرح بانت سعاد: ابن هشام.
شرح البحرين.
شرح البردة: ابن هشام.
شرح التسهيل.: أبو حيان.
شرح التسهيل: خالد الأزهري.
شرح التسهيل: ابن عقيل.
شرح التسهيل: ابن مالك.
شرح التسهيل: المرادي.
شرح التسهيل: ابن هشام.
شرح التلخيص: التفتازاني.
شرح الجزولية: الأبدي.
شرح الجزولية: ابن الخباز.
شرح الجزولية: أبو عبد الله محمد النفزي.
شرح الجمل: ابن عصفور.
شرح الجمل: ابن الفخار.(المقدمة/10)
شرح الجمل الصغير: ابن عصفور.
شرح الحماسة: ابن جني.
شرح الحماسة: ابن ملكون.
شرح الخضراوي.
شرح الدماميني.
شرح ديوان كثير: ابن السكيت.
شرح السراجية "؟".
شرح الشافية: الجاربردي.
شرح الشافية: السيد.
شرح شافية ابن الحاجب: ابن الناظم.
شرح الشذور.
شرح شذور الذهب: ابن هشام.
شرح شواهد ابن الناظم: ابن هشام.
شرح الشواهد: ابن هشام.
شرح الشواهد الصغرى: ابن هشام.
شرح الشواهد الكبرى: ابن هشام.
شرح العمدة: ابن مالك.
شرح غريب تصريف المازني: ابن جني.
شرح الفصول: ابن إياز.
شرح الفصيح: البطليوسي.
شرح القصارى: حسن شاه البقالي.
شرح القطر: ابن هشام.
شرح قطر الندى.
شرح الكافية: ابن مالك.
شرح كتاب سيبويه: ابن خروف.
شرح كتاب سيبويه: السيرافي.
شرح كتاب سيبويه: الصفار.
شرح الكتاب: السيرافي.
شرح الكتاب: النحاس.
شرح الكشاف: اليمني.
شرح اللب: جمال الدين النقركارا.
شرح اللباب.
شرح اللمحة: ابن هشام.
شرح لمع ابن جني: أبو البقاء العكبري.
شرح المختصر: الجرجاني.
شرح المعلقات: أبو جعفر النحاس.
شرح المفتاح: السيد الجرجاني.
شرح المفصل: ابن يعيش.
شرح المفصل: ابن الحاجب.
شرح المفصل: الفخر الرازي.
شرح المفصل: الكمال الأنصاري.
شرح المقامات: ابن ظفر.
شرح المنظومة: ابن الحاجب.
شرح موجز ابن السراج: أبو الحسن بن الأهوازي.
شرح المواقف.
شرح النظم: المرادي.
شرح النظم "شرح الخلاصة": ابن الناظم.
شرح الهادي: ابن بابشاذ.
شروح المفصل.
الشيرازيات: الفارسي.
الصحاح.
الصحاح: الجوهري.
صحيح البخاري.
الضياء.
الطارقية: ابن خالويه.
طبقات الشعراء: ابن قتيبة.
عمدة الطالب: ابن هشام.(المقدمة/11)
العين: الخليل.
الغرة: ابن الدهان.
الفردوس: "؟".
الفصيح: ثعلب.
القاموس المحيط: الفيروزآبادي.
القد: ابن جني.
قطر الندى.
القواعد الصغرى: ابن هشام.
الكافي في النحو: أبو جعفر النحاس.
الكافية: ابن مالك.
الكتاب: سيبويه.
كتاب أبي الحسن الهيثم.
الكشاف: الزمخشري.
الكفاية: ابن الخباز.
الكفاية: المبرد.
اللباب: الإسفرائيني.
اللمحة: أبو حيان الأندلسي.
لغات القرآن: الفراء.
اللمع الكاملية: عبد اللطيف.
المبهج: ابن جني.
المتوسط: الأستراباذي.
المحتسب: ابن جني.
المحكم: ابن سيده.
المدخل: المبرد.
مختصر الأنساب: ابن السيد.
مسائل الزجاجي.
مسند الشافعي.
المستوفي: أبو سعيد علي بن مسعود.
المصباح في النحو: المطرزي.
المطول: التفتازاني.
معاني الحروف: الزجاجي.
معاني القرآن: الأخفش.
معجم الطبراني.
المغني: ابن هشام.
المفتاح: الأمين المحلي.
المفصل: الزمخشري.
مقامات الحريري.
المقتضب: المبرد.
المقرب: ابن عصفور.
المكمل في عبارة المفصل: مظهر الدين
الشريف الرضي محمد.
المنصف: ابن جني.
المنقد.
منية الألباب: ابن أفلج.
الموطأ: ابن مالك.
نتائج الفكر: السهيلي.
نتيجة القواعد: ابن أباز.
نتيجة المطارحة: ابن أياز.
نقد المقرب: أبو إسحاق الجزري.
نقد المقرب: ابن الحاج.
نكت الحاجبية: ابن الناظم.
النكت الحسان: أبو حيان الأندلسي.
النهاية: ابن الخباز.
النوادر: أبو علي القالي.
الهمزتين: أبو زيد الأنصاري.
الوقف والابتداء: ابن الأنباري.
اليواقيت: أبو عمر الزاهد.(المقدمة/12)
أهمية كتاب التصريح:
يعد كتاب التصريح ذو أهمية كبيرة، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
1- أنه يضم ألفية ابن مالك إلى جانب كتاب أوضح المسالك "التوضيح" لابن هشام.
2- أنه نقل بعض آراء النحويين واللغويين عن كتب مفقودة لم تصل إلينا، مثل: أغلاط الزمخشري لابن معزوز، والبسيط لابن العلج، والترقيص للأزدي، وشرح المفصل للكمال الأنصاري، وشرح لمع ابن جني للعكبري، ومختصر الأنساب لابن السيد البطليوسي، ونقد ابن الحاج على مقرب ابن عصفور، وغير ذلك من الكتب التي عفت عليها يد الزمان.
3- أنه يعد متمما لكتاب أوضح المسالك "التوضيح" فقد ذكر فيه ما أهمله ابن هشام من شرح بعض القضايا النحوية.
4- استطراده الواسع في شرح القضايا النحوية.
5- استطراده في شرح قصة مَثَل، ومن ذلك تعليقه على المثل: "الصيف ضيعت اللبن"1، والمثل: "أشغل من ذات النحيين"2، والمثل: "أصبح ليل"3، وغيرها من الأمثال التي ساقها في متن كتابه.
6- أنه كان يشرح كلام الموضح ابن هشام بما جاء في كتبه الأخرى، فحفل الكتاب بالوقوف على كتب ابن هشام شرحا وإيضاحا، مثل: حواشي ابن هشام، وشرح شذور الذهب، وشرح قطر الندى، ومغني اللبيب.
7- وقوفه عند آراء الكثير من النحاة، مثل: الأخفش والزمخشري وسيبويه وابن مالك وابن الناظم.
8- انتصاره لابن مالك على ابنه بدر الدين الذي خالف أباه في بعض المسائل النحوية.
تلك الأمور وغيرها جعلت شرح التصريح من الكتب الأكثر تداولا بين النحاة الذين أخذوا عنه، ووضعوا له شروحا وحواشي.
فممن أخذ عنه: الصبان والخضري، وممن وضع حاشية على الكتاب الشيخ ياسين، وقد طبع الكتاب بهامش شرح التصريح.
__________
1 انظر شرح التصريح 2/ 90.
2 انظر شرح التصريح 2/ 94.
3 انظر شرح التصريح 2/ 209.(المقدمة/13)
لقد ترك شرح التصريح أثرا واضحا في النحو العربي، امتد منذ تأليفه وحتى عصرنا الحاضر، ولا يكاد باحث في النحو يغرب عنه هذا الكتاب، ولا يمكنه تجاهله إذا كان يبحث في علم النحو العربي.
منهج الأزهري:
تعددت أساليب شراح التوضيح "أوضح المسالك" في تناول مادته1، كما اختلفت مناهجهم. ويتلخص منهج الأزهري في النقاط العشر الآتية التي حددها هو نفسه في مقدمة كتابه حيث قال: وشحته بعشرة أمور مهمة، مشتملة على فوائد جمة:
أحدها: أني مزجت شرحي بشرحه، حتى صارا كالشيء الواحد، لا يميز بينهما إلا صاحب بصر أو بصيرة. ومن فوائد ذلك حل تراكيبه العسيرة.
ثانيها: أنني تتبعت أصوله التي أخذ منها، وربما شرحت كلامه بكلامه. ومن فوائد ذلك بيان قصده ومرامه.
ثالثها: أنني ذكرت ما أهمله من الشروط في بعض المسائل المطلقة، ومن فوائد ذلك تقييد ما أطلقه.
رابعها: أنني كملت بيت كل شاهد مما اقتصر على شطره؛ وعزوته إلى قائله، إلى قليلا لم أظفر بذكره، وشرحت منه الغريب. ومن فوائد ذلك معرفة كونه غريبا، حتى يتم به التقريب. وهو سوق الدليل على طبق المدعي.
خامسها: أنني ضبطت الألفاظ الغريبة بالحرف، وبينت جميع معانيها. ومن فوائد ذلك الأمن من التحريف، وحفظ مبانيها.
سادسها: أنني طبقت الشرح على النظم، وقد كان أغفله. ومن فوائد ذلك معرفة شرح كل مسألة.
سابعها: أنني ذكرت حجج جميع المخالفين وقوة الترجيح. ومن فوائد ذلك العلم بما يفتي به على الصحيح.
ثامنها: أنني ذكرت غالبا علل الأحكام وأدلتها. ومن فوائد ذلك تمكينها في الأذهان، والجزم بمعرفتها.
تاسعها: أنني بينت المعتمد من المواضع التي تَناقَض كلامُه فيها وما خالف فيه التسهيل. ومن فوائد ذلك معرفة ما عليه التعويل.
عاشرها: أنني بينت المواضع التي اعتمدها مع أنها من أبحاثه. ومن فوائد ذلك معرفة كونها من عندياته.
__________
1 ذكر بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 5/ 279-281 أحد عشر كتابا في شرح أوضح المسالك.(المقدمة/14)
النسخ المعتمدة في تحقيق شرح التصريح:
تعددت النسخ الخطية لشرح التصريح وتوزعت في كثير من مكتبات العالم، وقد وجدت في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق عشر نسخ خطية لهذا الكتاب، فاخترت منها نسختين هما:
1- النسخة "أ": تقع في مجلدين، يضم الأول 365 ورقة، والثاني 350 ورقة ورقمها 6931، كتبت هذه النسخة بخط معجم مع بعض الشكل، وكتب المتن والفواصل باللون الأحمر، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة حوالي عشرين سطرا، في كل سطر حوالي عشر كلمات، ولهذه النسخة هامش بعرض 4سم، والنسخة مصححة من قبل محمد أمين عابدين سنة 1218هـ، واسم ناسخها محمد بن خضير بن خضر الوليلي الذي انتهى من نسخها سنة 1048هـ، وعلى خلاف النسخة قيود تملك باسم إسماعيل بن مصطفى الميداني ومحمد أمين عابدين وعبد الرزاق الحموي ومحمد العمري ومحمد راغب القتابي.
واتخذت هذه النسخة أصلا أقمت عليه النص المحقق, ورمزت لها بالحرف "أ".
2- النسخة "ب": تضم 351 ورقة، ورقمها 9872، كتبت بخط نسخي متفاوت خالية من الضبط، وكتب اللون والفواصل باللون الأحمر، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة حوالي خمس وعشرون سطرا، في كل سطر حوالي تسع عشرة كلمة، ولهذه النسخة هامش بعرض 3سم، واسم ناسخها أحمد بن يحيى بن محمد الأكرم الحنفي الذي انتهى من نسخها سنة 1046هـ.
3- النسخة "ط": والمقصود بها النسخة المطبوعة، وتقع في جزأين، وهي طبعة مصورة في دار الفكر ببيروت عن طبعة مصرية قديمة، وبهامشها حاشية للشيخ ياسين على شرح التصريح، وهي نسخة لم تسلم من التصحيف والتحريف والسقط، وخالية من الضبط والشكل.
وقد عارضت النسخة الأصل "أ" مع النسختين "ب"، "ط"؛ وذكرت فروقات النسخ في الحواشي. وقد استفدت منهما أو من إحداهما في تقويم نص النسخة
"أ"، وحصرت ما أضفته منهما بين قوسين معكوفتين [].(المقدمة/15)
منهج التحقيق:
حاولت جاهدا أن أخرج هذا الكتاب إخراجا علميا، متحريا الدقة فيما أكتبه أو أعرض له من تخريج، وأوجز هذا المنهج في النقاط التالية:
1- أثبت فروق النسخ، وإن كان بعضها ضئيلا، لاختلاف روايات الكتاب، ولما في ذلك من فائدة يعرفها أهل العلم.
2- أثبت أرقام مطبوعة بيروت بين معكوفتين تسهيلا للباحث والمراجع.
3- خرجت الآيات القرآنية والقراءات التي وردت في بعض الآي، والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار، والأمثال، والأخبار، ومقالات العلماء من كتبهم أو من مظانها. وفي تخريج الشعر أحلت على الديوان إن كان للشاعر ديوان مطبوع، ثم أحلت على كتب العربية إن كان من شواهدها، ثم أحلت على أمهات المصادر، واستقصيت التخريج.
4- رقمت الشواهد الشعرية المشروحة والتي استشهد بها الأزهري، واستثنيت من الترقيم أبيات الشعر التي كان يسوقها الأزهري تتمة لشاهد استشهد به.
5- رقمت أبيات الألفية، مثلما فعلت في تحقيقي لشرح ابن الناظم. ولم أتمم أبيات الألفية في الحواشي؛ لأني ذكرت الألفية كاملة في الفهارس؛ وإن كان الأزهري أسقط بعض أبياتها؛ ليستفيد منها الباحثون.
6- ميزت قول ابن هشام الذي شرحه الأزهري بتحبيره وجعله بحرف مختلف أسود غامق, وبين قوسين "".
7- ضبط الكلمات التي تحتاج إلى ضبط، وعنيت بشكل خاص بضبط الآيات القرآنية، وكلمات شواهد الشعر.
8- زدت في مواضع قليلة ما رأيت أن النص لا يقوم إلا به، وجعلته بين معكوفتين [].
والله الموفق(المقدمة/16)
خطبة المؤلف
[خطبة المؤلف]:
بسم الله الرحمن الرحيم
[2] الحمد لله الملهم لتحميده حمدا موافيا لنعمه ومكافئا لمزيده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. [3] شهادة مخلص في توحيده. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أشرف خلقه وأعظم عبيده، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وجنوده.
وبعد؛ فيقول العبد الفقير إلى مولاه الغني؛ خالد بن عبد الله الأزهري؛ عامله الله بلطفه الخفي وأجراه على عوائد بره الحفي: إن الشرح المشهور بـ"التوضيح على ألفية ابن مالك في علم النحو" للشيخ الإمام العلامة الرباني جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري؛ تغمده الله بالرحمة والرضوان؛ في غاية حسن الموقع عند جميع الإخوان، لم يأت أحد بمثاله؛ ولم ينسج ناسج على منواله، ولم يوضع في ترتيب الأقسام مثله، ولم يبرز للوجود في هذا النحو شكله. غير أنه يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدراته النقاب، ويبرز من خفي مكنوناته ما وراء الحجاب، وقد ذكرت ذلك لمصنفه في المنام، فاعترف بهذا الكلام، ووعد بأنه سيكتب عليه ما يبين مراده، ويظهر مفاده، فقصصت هذه الرؤيا على بعض الإخوان، فقال: هذا إذن لك يا فلان، فإن إسناد الشيخ الكتابة إلى نفسه مجاز، كقولهم: بني الأمير المجاز؛ وليس هو الباني بنفسه، وإنما يأمر العَمَلَة من أبناء جنسه، وكنت أنت المشار إليه لما تمثلت بين يديه، وخاطبك بهذا الخطاب، فانهض وبادر للأجر والثواب. فاستخرت رب العباد، وشمرت ساعد الاجتهاد، وشرحته شرحا كشف خفاياه، وأبرز أسراره وخباياه، وباح بسره المكتوم، وجمع شمله بأصله المنظوم، وسميته "التصريح بمضمون التوضيح"، ووشحته بعشرة أمور مهمة، مشتملة على فوائد جمة:
أحدها: أني مزجت شرحي بشرحه، حتى صارا كالشيء الواحد، لا يميز بينهما إلا صاحب بصر أو بصيرة. ومن فوائد ذلك حَلُّ تراكيبه العسيرة.(1/3)
ثانيها: أنني تتبعت أصوله التي أخذ منها، وربما شرحت [4] كلامه بكلامه. ومن فوائد ذلك بيان قصده ومرامه.
ثالثها: أنني ذكرت ما أهمله من الشروط في بعض المسائل المطلقة، ومن فوائد ذلك تقييد ما أطلقه.
رابعها: أنني كمّلت بيت كل شاهد مما اقتصر على شطره؛ وعزوته إلى قائله، إلا قليلا لم أظفر بذكره، وشرحت منه الغريب. ومن فوائد ذلك معرفة كونه غريبا، حتى يتم به التقريب, وهو سوق الدليل على طبق المدعي.
خامسها: أنني ضبطت الألفاظ الغريبة بالحرف، وبينت جميع معانيها, ومن فوائد ذلك الأمن من التحريف، وحفظ مبانيها.
سادسها: أنني طبقت الشرح على النظم، وقد كان أغفله, ومن فوائد ذلك معرفة شرح كل مسألة.
سابعها: أنني ذكرت حجج جميع المخالفين وقوة الترجيح. ومن فوائد ذلك العلم بما يفتى به على الصحيح.
ثامنها: أنني ذكرت غالبا علل الأحكام وأدلتها. ومن فوائد ذلك تمكينها في الأذهان، والجزم بمعرفتها.
تاسعها: أنني بينت المعتمد من المواضع التي تناقض كلامه فيها وما خالف فيه التسهيل. ومن فوائد ذلك معرفة ما عليه التعويل.
عاشرها: أنني بينت المواضع التي اعتمدها مع أنها من أبحاثه. ومن فوائد ذلك معرفة كونها من عندياته.
أقول قولي هذا وأستغر الله مما يقع لي من الخلل في بعض المسائل المسطورة، وأعوذ بالله من شر الحاسدين، الذين {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32]، وأسأل فضل من حسن خِيْمُه1؛ وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على شيء مما طغى به القلم؛ أو زلت به القدم، أن يدرأ بالحسنة السيئة، ويحضر قلبه؛ إن الإنسان محل النسيان، وإن الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف، وإن الحسنات يذهبن السيئات. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
__________
1 الخيم: السجية والخلق والأصل.(1/4)
ص
[5]
صفحة غير مكتوبة(1/5)
شرح خطبة الكتاب
[شرح خطبة الكتاب]:
قال الشيخ رحمه الله تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم" اقتداء بالقرآن العظيم، وعملًا بقول النبي الكريم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر؛ وذاهب البركة". رواه الخطيب بهذا اللفظ في كتابه الجامع والحافظ عبد القادر الرهاوي، والتوفيق بينه وبين حديث: "لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" أي: مقطوع البركة، ممكن بأن يراد بكل منهما الذكر؛ لأن كلا منهما ذكر.
وقد جاء في بعض الروايات: "لا يبدأ فيه بذكر الله" وهو حديث حسن, أو يحمل حديث البسملة على الابتداء الحقيقي؛ بحيث لا يسبقه شيء. وحديث الحمدلة على الابتداء الإضافي، وهو ما بعد البسملة ولم يعكس؛ لأن حديث البسملة أقوى بكتاب الله الوارد على هذا المنوال، وإضافة اسم إلى الله قيل من إضافة العام إلى الخاص، كخاتم حديد1.
وقيل: المضاف هنا مقحم؛ جيء به لإرشاد حسن الأداء, وقيل: الاسم هنا بمعنى التسمية, وقيل: في الكلام حذف مضاف؛ تقديره باسم مسمى الله. ومنشأ ذلك أنهم اختلفوا في الاسم والمسمى؛ هل هما متغايران أم لا؟ والأول رأي المعتزلة، والثاني قول الأشعري. وقيل لا ولا2، وهو مذهب أهل النقل، ويعزى لمالك رضي الله تعالى عنه. والتحقيق أن الخلاف لفظي، وذلك أن الاسم إذا أريد به اللفظ فغير المسمى، وإن أريد به
__________
1 قوله: "كخاتم حديد" أي: بناء على أنها إضافة بيانية، أي: خاتم هو حديد، فالمراد بـ"الله" لفظه لا ذاته العلمية. "حاشية يس 1/ 5".
2 أي: لا متغايران، ولا غير متغايرين. "حاشية يس 1/ 7".(1/6)
ذات الشيء فهو عينه، لكنه لم يشتهر بهذا المعنى, قال الإمام الرازي: إنا لم نجد شيئا معتدا به في النزاع أن الاسم هل هو عين المسمى أو غيره هو. والله: علم على الذات المعبود بالحق. وقيل: وهو وصف مشتق من الإله1. وقيل: أصله لاها بالسريانية، فعرب بحذف الألف الأخيرة؛ وإدخال الألف واللام عليه، وتفخيم لامه إذا انفتح ما قبله وانضم. و"الرحمن": فعلان من رحم؛ بالكسر؛ كغضبان من غضب؛ صفة مشبهة؛ لكن بعد النقل إلى فعل بضم العين؛ أو بعد تنزيل الفعل المتعدي منزلة الفعل اللازم، كما في قولك: فلان يعطي؛ لأن الصفة المشبهة لا تصاغ من متعد، وقيل علم، و"الرحيم": فعيل من رحم أيضا، كمريض من مرض، لكن في الرحمن من المبالغة ما ليست في الرحيم، واشتقاقهما من الرحمة، وهي هنا مجاز عن الإنعام. قال الإمام الرازي: إذا وصف الله تعالى بأمر ولم يصح وصفه به يحمل على غاية ذلك وملاءمته، وهذه قاعدة في كل مقام.
"الحمد لله": الحمد لغة: الوصف بالجميل الاختياري على قصد التعظيم، والوصف لا يكون إلا باللسان، فيكون مورده خاصا، وهذا الوصف يجوز أن يكون بإزاء نعمة وغيرها، فيكون متلقه عاما. والشكر على العكس؛ لكونه لغة فعلا ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الشاكر، فيكون مورده اللسان والجنان، ومتعلقه النعمة الواصلة إلى الشاكر، فكل منهما أعم وأخص من الآخر بوجه، ففي الفضائل حمد فقط، وفي أفعال القلب والجوارح شكر فقط، وفي فعل اللسان بإزاء الإنعام حمد وشكر، والحمد؛ عرفا؛ فعل يشعر بتعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره، والشكر؛ عرفا؛ صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله له. فالشكر أخص مطلقا لاختصاص تعلقه بالباري تعالى ولتقييده بكون المنعم منعما على الشاكر فقط، ولوجوب شمول الآلات فيه بخلاف الحمد.
واعلم أن صرف العبد الجميع واحد اعتبارا كالشكر؛ وإن كان أفعالا حقيقة فيصدق عليه الحمد العرفي، فحصل من ذلك ستة أقسام، حمدان لغوي وعرفي، وشكران كذلك، وحمد وشكر لغويان، وحمد وشكر عرفيان، وحمد لغوي وشكر عرفي، وحمد عرفي وشكر لغوي، ويتبين لك بأدنى توجه أن النسبة بين الحمدين وبين الحمد اللغوي والشكر اللغوي عموم وخصوص من وجه، وبين الشكرين وبين الحمد والشكر العرفيين، وبين الحمد اللغوي والشكر العرفي عموم مطلق، وبين الحمد العرفي والشكر اللغوي تساو.
__________
1 أي: من التحير، مصدر ألِهَ.(1/7)
واختار لفظ الحمد لله بالجملة الاسمية موافقة لكتاب الله؛ ودلالة على الدوام والثبات، وتقديم الحمد باعتبار أنه أهم نظرا إلى كون المقام مقام الحمد، كما ذهب إليه صاحب الكشاف في تقديم الفعل في: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}1 [العلق: 1]، وإن كان ذكر الله أهم نظرا إلى ذاته و"أل" في الحمد: للاستغراق، وقيل للجنس، وقيل للعهد، واللام في "الله" للملك أو للاستحقاق، وقيل للتعليل، والمعنى على الأول: جميع المحامد مملوكة لله أو مستحقة له، وعلى الثاني: جميع المحامد ثابتة لأجل الله.
فإن قيل: ما معنى كون حمد العباد لله تعالى، مع أن حمدهم حادث والله تعالى قديم، ولا يجوز قيام الحادث بالقديم؟ فالجواب: أن المراد منه تعلق الحمد لله، ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلومات. "رب": معناه مالك، صفة من رَبَّه يَرُبُّه فهو رَبّ. وقيل هو في الأصل مصدر بمعنى التربية؛ وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثم وصف به للمبالغة كما وصف بالعدل، وهو من أسماء الله تعالى، ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا، كرب الدار، ومنه {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] وقد استعمل في المالك؛ لأنه يحفظ ما يملكه. "العالمين": جمع عالم بفتح اللام، وهو اسم عام لجميع المخلوقات. سمي عالما لكونه علما على حدوثه، وافتقاره إلى موجد قديم. وإنما جمع باعتبار أنواع كل جنس مما سمي به، أو لأنه يتوجه إلى عالم كل زمان، وجمع بالواو أو الياء والنون؛ لأن الأصل فيه العقلاء، وغيرهم تطفل عليهم، قاله شارح السراجية. وقال ابن مالك: "التحقيق أنه اسم جمع محمول على الجمع؛ لأنه لو كان جمعا لعالم لزم أن يكون المفرد أوسع دلالة من الجمع؛ لأن العالم اسم لما سوى الله تعالى، والعالمين خاص بالعقلاء". ا. هـ.
"والصلاة": فَعْلَة من صلى إذا دعا بخير, والمراد بها هنا الاعتناء بشأن المصلَّى عليه وإرادة الخير له. "والسلام": التحية، وجمع بينهما امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، حذرا من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر؛ ولو خطأ. "الأتمّان الأكملان": نعتان للصلاة والسلام. "على سيدنا": من ساد قومه يسودهم سيادة فهو سيد، ووزنه فَيْعِل؛ وأصله سَيْوِد، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، ويطلق على الذي يفوق قومه، ويرتفع قدره عليهم، وعلى الحليم الذي لا يستفزه غضبه، وعلى الكريم، وعلى المالك، قاله النووي في أذكاره. "محمد": علم منقول من اسم مفعول حمد بالتشديد سمي صلى الله عليه وسلم بذلك لكثرة خصاله
__________
1 الكشاف 4/ 271، تفسير سورة العلق.(1/8)
المحمودة، قال حسان رضي الله عنه: [من الطويل]
1- وشق له من اسمه ليحله فذو العرش محمود وهذا محمد
"خاتم": أي: آخر النبيين، جمع نبي بغير همز، مأخوذة من النبوة، بفتح النون وسكون الباء الموحدة وتخفيف الواو المفتوحة؛ بمعنى الارتفاع، وبالهمز من النبأ وهو الخبر. "وإمام المتقين": جمع متق؛ وهو الخائف من الله تعالى؛ والإمام المقتدى به والمتبع. "وقائد": أي: دليل. "الغر": جمع أغر من الغُرّة, وهي في الأصل بياض في وجه الفرس فوق الدرهم. "المحجَّلِين": جمع مُحَجّل من الحجيل، وهو بياض في قوائم الفرس. والمراد: الموصوفون ببياض مواضع الوضوء؛ من الوجوه والأيدي والأقدام على طريق الاستعارة. "وعلى آله": هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، واختلف في ألفه، أمنقلبة عن هاء أو عن واو؟ قال بالأول سيبويه، وأصله عنده: أهل. وقال بالثاني الكسائي، وأصله عنده أول؛ من آل إليه في الدين يئول. ويظهر أثر القولين في التصغير، فمن قال أصله "أهل" قال في تصغيره: "أهيل". ومن قال أصله "أَوَل" قال في تصغيره: "أُوَيْل"، وكلاهما مسموع، ولكن الأول أشهر وأكثر، ثم اختلف في معناه، فقال الإمام الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف؛ لأنهم أهلوه أو آل أمر دينهم إليه، وقيل غير ذلك. "وصَحْبِه": اسم جمع صاحب كَرَكْب وراكِب. وعطف الصَّحْب على الآل الشامل لبعضهم لتشمل الصلاة باقيهم. "أجمعين": توكيد معنوي مفيد للإحاطة والشمول. "صلاة وسلاما": اسما مصدرين منصوبان على المفعولية المطلقة، مفيدان لتقوية عاملهما وتقرير معناه. "دائمين": نعت "صلاة وسلاما". "بدوام": أي: ببقاء. "السماوات": جمع سماء على غير قياس. "والأرضين": بفتح الراء ولا يجوز إسكانها إلا في الشعر، كقوله: [من الطويل]
2- لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني هذاذ خطيب فوق أعواد منبر
وجمعت أرض جمع المذكر السالم شذوذا.
"أما": بفتح الهمزة وتشديد الميم قال الدماميني: "حرف فيه معنى الشرط، صرح به جماعة من النحويين، لا حرف شرط". ا. هـ. وهي هنا مجردة عن التفصيل،
__________
1 البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص338، وخزانة الأدب 1/ 223.
2 البيت لكعب بن معدان في المحتسب 1/ 218، وبلا نسبة في الدرر 1/ 50، وشرح شذور الذهب ص57، وهمع الهوامع 1/ 46.(1/9)
كما نص عليه في المغني في: "أما زيد فمنطلق"، وقول العلامة عبد القادر المكي في حاشيته على هذا الكتاب: "أما؛ هذه؛ حرف شرط وتفصيل" مخالف لما ذكرنا من النقلين معا. "بعد": ظرف زمان كثيرا، ومكان قليلا، تقول في الزمان: "جاء زيد بعد عمرو"، وفي المكان: "دار زيد بعد دار عمرو". وهي هنا صالحة للزمان باعتبار اللفظ، وللمكان باعتبار الرقم. واختلف في ناصبها إذا وقعت بعد "أما"، فقيل: فعل الشرط المقدر، وقيل: إما لنيابتها عن الفعل المقدر؛ وهو مذهب سيبويه، فعلى الأول "أما" نائبة عن الفعل معنى لا عملا، وعلى الثاني نائبة معنى وعملا. والأصل: مهما يكن من شيء بعد "حمد الله"، فـ"مهما" هنا مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ، و"يكن": شرط، و"الفاء": لازمة له غالبا. فحين تضمنت "أما" معنى الابتداء أو الشرط لزمتها "الفاء" ولصوق الاسم إقامة للازم وهو الفاء، ولصوق الاسم مقام الملزوم وهو الابتداء والشرط وإبقاء لأثره في الجملة. "مستحق الحمد وملهمه": نعتان لله لمجرد المدح، وصح نعت المعرفة بهما؛ لأنهما للدوام والاستمرار، فإضافتهما محضة أو بدلان، ويمتنع جعلهما عطفي بيان على الله؛ لأن عطف البيان للتوضيح المستدعي إيهاما، أو للتخصيص المستدعي عموما، وكلاهما منتف هنا. والاستحقاق: الاختصاص، والإلهام: ما يلقى في الروع؛ بضم الراء؛ وهو القلب. "ومنشيء الخلق ومعدمه" فيهما الإعراب المتقدم. والإنشاء هنا الإيجاد. قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة: 35] أي: أوجدناهن إيجادا. الخلق بمعنى المخلوق، والإعدام: الإفناء والإنفاد، ولا يخفى ما في مقابلة الإنشاء بالإعدام من الطباق. "والصلاة والسلام": مجروران بالعطف على حمد الله، وتقدم تفسيرهما. "على أشرف الخلق": متعلق بالسلام لقربه، وهو مطلوب أيضا للصلاة من جهة المعنى على سبيل التنازع. "وأكرمه" معطوف على أشرف. "المنعوت": بالنون من النعت، بمعنى الصفة، "بأحسن": متعلق بالمنعوت، "الخلق": بضم الخاء مع ضم اللام وسكونها والضم أشهر. والخَلْق والخُلُق؛ بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني؛ في الأصل واحد، كالشَّرب والشُّرب، لكن خص المفتوح بالهيئات والأشكال والصورة المدركة بالبصر، وخص المضموم بالقوى والسجايا المدركة البصيرة. والمراد هنا السجية والطبيعة، وبينهما من البديع الجناس المحرف1، "وأعظمه": معطوف على "أحسن"، وهو مقتبس من قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. "محمد": بدل من "أشرف"، ويجوز
__________
1 الجناس المحرف: هو اختلاف اللفظين في الهيئة، نحو: جبة البرد جنة البرد. "حاشية يس 1/ 13".(1/10)
كونه عطف بيان عليه، فإن إضافة اسم التفضيل إلى المعرفة معنوية، خلافا لأبي البقاء العكبري حيث ذهب إلى أنها لفظية، "نبيه وخليله وصفيه": نعوت لمحمد. والخليل: الذي خلصت محبته، والصفي: المختار. "وعلى آله وأصحابه وأحزابه وأحبابه": معطوف على "أشرف"، وأعاد الجار مع آله لطول الفصل. والأصحاب: جمع صاحب، خلاف للجوهري. ونظيره: شاهد وأشهاد. وفي التنزيل: {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، قال بعض أهل التفسير: جمع شاهد. والأحزاب: جمع حزب، وحزب الرجل: جنده وأصحابه. وقال الراغب1: "الحزب جماعة فيها غلظة"، ويطلق على الأنصار. وكلا المعنيين جائز هنا. أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29]. والأحباب: جمع حبيب. وبين الأحزاب والأحباب نوع من الجناس اللاحق2.
"فإن كتاب الخلاصة": جواب "أما" ولذلك قرن بالفاء، وصح ذلك على ضرب من المجاز3. وذلك لأن جواب الشرط مستقبل، وكون الخلاصة بالصفات المذكورة ليس مستقبلا فيدعي أن الجواب محذوف, والمذكور معموله أقيم مقامه عند حذفه, والتقدير: فإني قائل لك إن كتاب الخلاصة كذا وكذا إلخ. وإضافة كتاب إلى الخلاصة من قبيل إضافة الأعم إلى الأخص، كشجر أراك، أو من قبيل إضافة المسمى إلى اسمه، أي: الكتاب المخصوص بهذا الاسم، كما في قوله: سرنا ذات مرة، أي: مرة مختصة بهذا الاسم "الألفية": بالنصب بدل من كتاب، وبالجر بدل من خلاصة، منسوبة إلى ألف، بناء على أشهر القولين أن البيت اسم للصدر والعجز عند العروضيين. وقيل: كل منهما بيت على حدة "في علم العربية" حال من "كتاب"، والمراد بعلم العربية هنا علم النحو المشتمل على علم التصريف، وله حد وموضوع وغاية وفائدة. فحده علم بأصول يعرف
__________
1 في كتابه مفردات ألفاظ القرآن ص231 "حزب"، وفيه "غلظ" مكان "غلظة".
2 الجناس اللاحق: هو المختلف من أنواع الحروف، ويشترط فيه أن لا يقع الاختلاف في أكثر من حرف ثم إن كان الحرفان المختلفان متقاربين في المخرج كان الجناس مضارعا كـ"ينهون" و"ينأون"، وإن لم يكونا متقاربين فيه كان لاحقا، ومن المضارع: الخيل معقود بنواصيها الخير. "حاشية يس 1/ 15".
3 أي: مجاز الحذف، وبهذا المجاز يتوصل إلى دفع إشكال آخر؛ وهو أن مضمون الجزاء هنا وهو كون كتاب الخلاصة بالأوصاف الآتية ثابت؛ حمد أو لم يحمد، فما المراد بكونه بعد الحمد؟ الجواب: أن الذي جعل بعد الحمد القول والأخبار والأعلام والقيود قد تتعلق بذلك، كما نص ابن الحاجب. "حاشية يس 1/ 15".(1/11)
بها أحوال أبنية الكلم إعرابا وبناء، وموضوعه الكلمات العربية؛ لأنه يبحث فيه عن عوارضها الذاتية من حيث الإعراب والبناء، وغايته الاستعانة على فهم كلام الله تعالى ورسوله، وفائدته معرفة صواب الكلام من خطئه "نَظْم": بمعنى منظوم، نعت لكتاب إن نصب؛ وللخلاصة إن خفض، "الإمام": مجرور بإضافة نظم إليه. "العلامة": صيغة مبالغة في عالم؛ والتاء فيه لتأكيد المبالغة؛ "جمال الدين" لقب "أبي عبد الله" كنية "محمد" اسم "ابن مالك" نعت أول "الطائي" نعت ثان "رحمه الله" جملة دعائية لا محل لها من الإعراب. وفي كلامه مخالفة لأصلين: أحدهما: أن "الإمام العلامة" نعتان لجمال الدين وما ذكره بعده، فقدمهما؛ والنعت لا يتقدم على المنعوت.
والثاني: أنه متى اجتمع الاسم واللقب وجب على الأفصح تأخير اللقب عن الاسم، كما سيصرح به، وهنا قدم اللقب على الاسم.
والجواب على الأول: أن النعت إذا قدم وكان صالحا لمباشرة العامل فإنه يعرب بحسب ما يقتضيه العامل، ويجعل المنعوت بدلا، ويصير المتبوع تابعا، واضمحلت النعتية، كقوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1، 2] في قراءة الخفض1.
والجواب عن الثاني: أن هنا اللقب مسوق للمدح، فإذا جرى لفظ المدح أولا تشوقت النفس إلى الممدوح، فإذا ذكر الممدوح بعد ذلك كان أوقع في النفس، على أن ذلك لغة كما سيأتي.
"كتاب": خبر "إن"، وصح الإخبار بكتاب عن كتاب وإن تساويا لفظا لتخالفهما إضافة ونعتا، "صغر حجما وغزر علما": بضم عين الفعلين، وفاعلهما ضمير مستتر فيهما يرجع إلى كتاب، والجملتان نعت لكتاب، والمنصوب بعدهما تمييز محول عن الفاعل، والأصل: كتاب صغير حجمه وغزر علمه، هذا إن كانا باقيين على أصلهما من إفادة الإخبار، وإن كانا حولا إلى معنى المدح على حد قوله تعالى: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 31]، فهما خبر ثان لا نعت لكتاب؛ لأن الجمل الإنشائية يخبر بها ولا ينعت، والصغر: القلة، والحجم: النتوء. يقال: ليس لمرفقه حجم؛ أي: نتوء. والغزارة: الكثرة، وبين الصغر والغزارة نوع من الطباق. "غير": بالنصب على الاستثناء المنقطع المخرج
__________
1 كذا في الرسم المصحفي، وقرأ "الله" بالرفع: نافع وابن عامر وأبو جعفر والحسن. الإتحاف ص271، والنشر 2/ 298.(1/12)
عما دخل في حكم دلالة المفهوم. واختلف في نصبها في الاستثناء، فقال ابن عصفور: "عن تمام الكلام"، وقال الفارسي: "على الحالية"، وقال ابن الباذش: "على التشبيه بظرف المكان". ويجوز أن تكون فتحة "غير" هنا بنائية؛ لأن "غير" إذا أضيفت لمبنى جاز بناؤها على الفتح، كقوله: [من البسيط]
3- لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أَوْقَال
قاله في المغني1.
"أنه" بفتح الهمزة، والضمير لكتاب "لإفراط": أي: مجاوزة الحد "الإيجاز": الاختصار "قد كاد يعد" أي: قارب أن يعد "من جملة الألغاز" جمع لُغَز؛ بضم اللام وفتح الغين المعجمة؛ مثل رطب وأرطاب، يقال: ألغز في كلامه إذا عَمّى مراده، والاسم: اللُّغَز؛ كالرطب؛ واللُّغُز؛ كالعُنُق؛ واللُّغْز؛ كالقفْل؛ حكاها الدماميني فقال: "وعينه" تفتح
وتضم وتسكن". "وقد أسعفت طالبيه" أي: ساعدتهم، يقال: أسعفت الرجل بحاجته إذا قضيتها له، والمساعفة: الموافاة والمساعدة "بمختصر" صفة لمحذوف، أي: بشرح مختصر "يدانيه" أي: يقاربه في مسائله التي هي فيه، وليس المراد يقاربه في حجمه؛ لأن الحس يخالفه، "وتوضيح" أي: مبين وكاشف، وبه اشتهر، "يسايره" أي: يحاذيه، وقيل: يمشي مشيه "ويباريه" أي: يعارضه ويفعل مثل فعله "أحل به ألفاظه" أي: أبين به مفردات ألفاظه "وأوضح معانية" بفتح الياء أي: أكشفها وأبينها "وأحلل" أي: أفكك "به تراكيبه" أي: مركباته "وأنقح" أي: أهذب "
مبانيه" بفتح الياء المثناة تحت، جمع مبنى، ومباني الكتاب ما تنبني عليه مسائله "وأعذب" بالذال المعجمة أي: أحلى، ومنه الماء العذب، "به موارده" جمع موردة
بالهاء؛ وهي في الأصل طرق الماء؛ بالطاء المهملة؛ "وأعقل" أي: أمنع؛ من العقل وهو المنع، "به شوارده" جمع شاردة، أي: نافرة. وفيه استعارة حيث شبه ما تضمنته الألفية بالإبل الشاردة، ورشحها بذكر صفة ملائمة للمستعار
__________
3- البيت لأبي قيس بن الأسلت في ديوانه ص85، وجمهرة اللغة ص1316، وخزانة الأدب 3/ 406، 407، والدرر 1/ 477، ولأبي قيس بن رفاعة في شرح أبيات سيبويه 2/ 180، وشرح شواهد المغني 1/ 458، وشرح المفصل 3/ 80، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 65، 214، 5/ 296، والإنصاف 1/ 287، وخزانة الأدب 6/ 532، 552، 553، وسر صناعة الإعراب 2/ 507، وشرح المفصل 3/ 81, 8/ 135، والكتاب 2/ 329، ولسان العرب 10/ 354 "نطق"، 11/ 734 "وقل"، ومغني اللبيب 1/ 159، وهمع الهوامع 1/ 219.
1 مغني اللبيب 1/ 159.(1/13)
منه وهو العقل، "ولا أخلي" أي: أترك "منه مسألة" مفعلة من السؤال، وهي ما يبرهن عليه في العلم "من شاهد" أي: دليل، وهو ما يذكر لإثبات قاعدة كلية من كتاب أو سنة، أو من كلام عربي فصيح "أو تمثيل" أي: مثال، وهو جزئي من جزئيات قاعدة يذكر إيضاحا لتلك القاعدة، فكل شاهد مثال ولا عكس. "وربما أشير" أنا "فيه إلى خلاف" في بعض المسائل، أي: مخالفا للناظم وغيره، كقوله في باب الجوازم خلافا لابن مالك "أو نقد" بالدال، أي: انتقاد على للناظم وغيره، كقوله في باب الوقف في مسألة تأتي. وهذا مردود بإجماع المسلمين على الوقف على كذا، "أو تعليل" لحكم "ولم آل"؛ بمد الهمزة؛ من الألو، يحتمل أن يكون بمعنى أمنع، فيتعدى إلى اثنين، حذف أحدهما لعدم تعلق الغرض بذكره، والتقدير: ولم أمنع أحدا "جهدا" ويحتمل أن يكون بمعنى أقصر، فيكون قاصرا. وإنما يتعدى بإسقاط الجار، والتقدير: ولم أقصر في جهد، ثم حذف الجار فانتصب. وهو بفتح الجيم وضمها، وفصل القراءة فقال: الجهد؛ بالضم: الطاقة، وبالفتح: المشقة، "في توضيحه"؛ أي: تبيينه؛ "وتهذيبه" بالذال المعجمة: أي: تنقيته وتصفيته. "وربما خالفته في تفصيله"، كما فعل في الاسم والفعل والحرف؛ حيث جعلها أقساما للكلمة لا للتكلم، "وترتيبه" وهو كثير، ومنه ما فعل في باب نائب الفاعل، حيث أخر الكلام على الفعل وقدم الكلام على النائب، "وسميته أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" ليطابق اسمه معناه. والمسالك: جمع مسلك، وهو طريق السلوك، "وبالله أعتصم" أي: أمتنع، "وأسأله العصمة" أي: المنع، "مما يَصِم"، بفتح الياء وكسر الصاد المهملة، من الوَصْم، بسكون الصاد، وهو العيب والعار، "لا رب غيره، ولا مأمول إلا خيره، عليه توكلت وإليه أنيب" أي: أرجع.(1/14)
الكلام وما يتألف منه:
قال الناظم: الكلام وما يتألف منه. هذه الترجمة فيها حذف، وأصلها: "هذا باب شرح" ماهية "الكلام، وشرح" ماهية "ما يتألف الكلام منه"، وهو الكلم الثلاث. والتألُّف والتأليف: وقوع الألفة والتناسب بين الجزأين. وهو أخص من التركيب، إذ التركيب ضم كلمة إلى أخرى فأكثر، فكل مؤلف مركب من غير عكس.
"والكلام في" اصطلاح اللغويين: عبارة عن القول، وما كان مكتفيا بنفسه، كما ذكره في القاموس. وفي اصطلاح المتكلمين: عبارة عن المعنى القائم بالنفس. و"اصطلاح النحويين عبارة عما" أي: مؤلف "اجتمع في أمران: اللفظ والإفادة" والظرفية هنا مجازية كقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} {الأحزاب: 21] أي: إنه صلى الله عليه وسلم في نفسه أسوة حسنة، كما قاله في الكشاف1. والمعنى: الكلام في نفسه اللفظ والإفادة، لا أن هناك ظرفا ومظروفا حقيقة، ولو قال: عبارة عن اللفظ والإفادة، كما قال الناظم:
8- .......... لفظ مفيد....... ...............................
كان أجود، واللفظ في الأصل: مصدر لَفَظت الرَّحَى الدقيق، إذا رمته إلى خارج.
"والمراد باللفظ" هنا الملفوظ به، وهو "الصوت" من الفم "المشتمل على بعض الحروف" الهجائية، "تحقيقا" كزيد، "أو تقديرا" كألفاظ الضمائر المستترة. وسمي الصوت لفظا لكونه يحدث سبب رمي الهواء من داخل الرئة إلى خارجها، إطلاقا لاسم السبب على المسبب، قاله الفخر الرازي. والإفادة: مصدر أفاد بمعنى دل دلالة مطلقة. والمفيد الدال على معنى مطلقا.
__________
1 الكشاف 2/ 196.(1/15)
"والمراد بالمفيد" هنا "ما" أي: لفف "دل على معنى يحسن السكوت" من المتكلم "عليه" أي: على ذلك اللفظ، بحيث لا يصير السامع منتظرًا لشيء آخر، وعلم من تفسير المفيد بما ذكر لا يحتاج إلى قولهم المركب؛ لأن المفيد الفائدة المذكورة يستلزم التركيب، ولا إلى قولهم المقصود؛ لأن حسن سكوت المتكلم يستدعي أن يكون قاصدًا لما تكلم به، وبين اللفظ والإفادة عموم وخصوص من وجه فيجتمعان في مثل: زيد قائم. ويوجه اللفظ بدون الإفادة، كما في المفرد. وتوجد الإفادة بدون اللفظ، كما في الإشارة، وكل شيئين كان كل واحد منهما أعم من الآخر. من وجه يجعل أحدهما جنسًا والآخر فصلًا، فيحترز بكل عما يشارك الآخر من غيره، فيحترز باللفظ عن الدوال الأربع؛ وهي الإشارة والكتابة والعقد والنصب، إذ كل منها مفيد وليس بلفظ، ويحترز بالمفيد عن المفرد والمركب غير المفيد كالإضافي نحو: غلام، والمزجي كبعلبك، والإسنادي المسمى به كبرق نحره، والمعلوم للمخاطب كالسماء فوقنا والأرض تحتنا، إذ كل منهما لفظ وليس بمفيد، ولعل هذا هو الحاصل له على التعبير بالاجتماع، ولا يحتاج إلى ذكر الوضع؛ لأن الأصح أن دلالة الكلام عقلية لا وضعية، فإن من عرف مسمى زيد، وعرف مسمى قائم، وسمع زيد قائم بإعرابه المخصوص فهم بالضرورة معنى هذا الكلام، وهو نسبة القيام إلى زيد.
وصور تأليف الكلام ستة: اسمان فعل واسم، فعل واسمان، فعل وثلاثة أسماء، فعل وأربعة أسماء، جملة القسم وجوابه؛ أو الشرط وجوابه.
"وأقل ما يتألف الكلام" خبرًا كان أو إنشاء "من اسمين"، حقيقة كهيهات العقيق، أو حكمًا "كزيد قائم". فإن الوصف مع مرفوعه المستتر في حكم الاسم المفرد, بدليل أن الضمير المستتر فيه لا يبرز مع التثنية, والجمع بخلاف الفعل مع مرفوعه المستتر
فيه، فسقط ما قيل إن زيدًا قائم ثلاثة أسماء لا اسمان فقط، "ومن فعل واسم كقام زيد"، ونعم العبد. "ومنه" أي: من التأليف من فعل واسم "استقم، فإنه" أي: فإن
استقم مع مرفوعه المستتر فيه كلام مؤلف "من فعل الأمر المنطوق به"، وهو استقم
"ومن ضمير" المفرد "المخاطب" المستتر فيه "المقدر بأنت"، ولا يجوز التلفظ به وإنما
فصله بقوله: "ومنه" لأمور:
أحدها: التنبيه على أنه مثال لا من تتميم الحد خلافًا للشارح والمكودي.
ثانيها: أنه لا فرق في التأليف بين أن يكون الجزآن مذكورين أو أحدهما.(1/16)
ثالثها: أنه لا فرق في الكلام بين الإخبار والإنشاء.
رابعها: أن شرط حصول الفائدة مع الفعل والضمير المنوي أن يكون الضمير واجب الاستتار، فقام على تقدير أن يكون فيه ضمير لا يسمى كلاما على الأصح.
خامسها: الرد على أبي حيان حيث قال: إن مقتضى تمثيله؛ يعني الناظم؛ باستقم أنه بسيط؛ لأن التركيب من عوارض الألفاظ ويستدعي تقدير وجود ولا وجود، ورد بأن المراد بالألفاظ ما يكون بالقوة أو بالفعل، والضمائر المستترة ألفاظ بالقوة، ألا ترى أنها مستحضرة عند النطق بما يلابسها من الأفعال استحضارا لا خفاء معه ولا لبس، قاله الموضح في شرح اللمحة.
"والكلم" الذي يتألف الكلام منه "اسم جنس"؛ لأنه يدل على الماهية من حيث هي هي، وليس بجمع، خلافا لما وقع في شرح الشذور؛ لأنه يجوز تذكير ضميره، والجمع يغلب عليه التأنيث، ولا اسم جمع خلافا لبعضهم؛ لأن له واحدا من لفظه، والغالب على اسم الجمع خلاف ذلك "جمعي"، لدلالته على أكثر من اثنين، وليس بإفرادي لعدم صدقه على القليل والكثير، واستفيد كونه اسم جنس للأنواع الثلاثة من قول الناظم:
8- ..................... واسم وفعل ثم حرف الكلم
وكونه جميعا من قوله:
9- واحده كلمة .......... ...........................
وظاهر النظم أن الكلم مبتدأ، وما قبله خبر عنه، فتتوقف ماهية الكلم على الأنواع الثلاثة. ونحن نجد الكلم قد يوجد من نوعين منها؛ بل من نوع واحد فقط، فلا جرم عدل الموضح عن ذلك، وجعل الأقسام الثلاثة خبرا لمبتدأ محذوف، وجعل جملة قوله:
9- "واحده كلمة" ............... ..................................
خبرا ثانيا عن الكلم. وقال: "واحده" بتذكير الضمير تبعا للناظم، ولو قال "واحدها" تبعا لابن معط لجاز، فإن اسم الجنس الجمعي يجوز في الوجهان. وقد ورد القرآن بهما قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7]، و{نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20] "وهي" أي: الكلمة جنس تحته ثلاثة أنواع؛ "الاسم والفعل والحرف". ونقل عن الفراء أن "كلا" ليست واحدا من هذه الثلاثة، بل هي بين الأسماء والأفعال1.
__________
1 من تأمل كلام الفراء ظهر له أنه لم يحكم عليها بأنها غير الثلاثة، وإنما توقف فيها؛ هل هي اسم أو فعل؟ لتعارض الأدلة. والقول بأنها أحدهما ليس حكما بأنها غيرهما. "حاشية يس 1/ 25".(1/17)
وقال الفخر الرازي: "لا يصح أن تكون الكلمة جنسا لهذه الأنواع الثلاثة؛ لأنها لو كانت جنسا لها لكان امتياز كل واحد من هذه الثلاثة بفصل وجودي، مع أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بقيد عدمي، وهو كون مفهومه غير مستقل بالمفهومية، والاسم أيضا يمتاز عن الفعل بقيد عدمي، وهو كونه غير دال على زمانه المعين". ا. هـ.
وحاصل كلامه أن الماهيات لا تتقوم بالعدم، لكنه قال قبل هذا الكلام: "اللهم إلا إذا عنى بالجنس مجرد القدر المشترك بين هذه الثلاثة، فحينئذ يستقيم". ا. هـ.
وينقسم اسم الجنس الجمعي إلى ثلاثة أقسام: ما يفرق بينه وبين مفرده بالتاء، والتاء في مفرده كرُطَب ورَطْبة، وما يفرق بينه وبين مفرده بالتاء، والتاء في الجمع ككمأة وكمء. وما يفرق بينه وبين مفرده بياء النسب، وهي في المفرد نحو: روم ورومي وزنج وزنجي.
فأطلق الموضح اسم الجنس؛ وأراد الأول لغلبته، ويدل على ذلك قوله: "ومعنى كونه اسم جنس جمعي أنه يدل على جماعة" من الكلمات أقلها ثلاثة ولم يغلب عليه التأنيث، "و" أنه "إذا زيد على لفظ تاء التأنيث فقيل" فيه "كلمة نقص معناه" عن الجمع، "وصار" مع زيادة التاء "دالا على الواحد" فقط، "ونظيره" من أسماء الأجناس الجمعية من المصنوعات وهي غير مطردة، نحو "لَبِن ولَبِنة"، وهي الطوبة النيئة، "و" من المخلوقات وهي مطردة، نحو: "نَبْق ونبْقة"، وليس نظيره نحو كمء وكمأة، مما يدل على الجمع بالتاء، وعلى الواحد بتركها، ولا نحو: زنج وزنجي، مما يدل على الواحد بياء النسب، وعلى الجمع بتركها، فتبين أن الضابط المذكور للقسم الأول فقط، فسقط ما قيل إن هذا الضابط غير جامع لخروج نحو كمء وكمأة، وغير مانع لدخول نحو تخم وتخمة، من الجموع الغالب عليها التأنيث.
"وقد تبين بما ذكرناه" من قبل "في تفسير" ماهية "الكلام من أن شرطه" أن يجتمع فيه اللفظ و"الإفادة"، وبهذا التقدير سقط ما قيل إنه جعل الإفادة أولا شطرا وهنا شرطا، "و" من "أنه" قد يتألف "من كلمتين، و" تبين "بما هو" قول "مشهور" عندهم "من أن أقل الجمع ثلاثة" من الآحاد، أي: من مجموع هذين الأمرين تبين "أن بين الكلام والكلم" من النسب الأربع "عموما" من وجه، "وخصوصا من وجه".
"فالكلم أعم من جهة المعنى لانطلاقه على المفيد"، كضربت زيدا "و" على "غيره" أي: غير المفيد، كان قام زيد "وأخص من جهة اللفظ لكونه لا ينطلق على المركب من كلمتين"، كقام زيد.(1/18)
والكلام أعم من جهة اللفظ، لانطلاقه على المركب من كلمتين فأكثر، وأخص من جهة المعنى لكونه لا ينطلق على غير المفيد، "فنحو: "زيد قام أبوه" كلام لوجود الفائدة، وكلم لوجود" الأفراد "الثلاثة"؛ التي هي زيد وقام وأب بدون الهاء، "بل الأربعة" بالهاء من أبوه، و"بل" هنا انتقالية لا إبطالية، ولم يقل ابتداء، لوجود الأربعة لقوله أولا: أقل الجمع ثلاثة، "و: قام زيد: كلام" لوجود الفائدة, "لا كلم" لعدم التركيب من الثلاثة، "وإن قام زيد بالعكس" أي: كلهم لوجود الثلاثة، لا كلام لعدم الفائدة. وفي كلامه ثلاث مناقشات:
إحداها: أن ذكر هذه النسبة ههنا: قال الحلواني؛ يعد من فضول الكلام. قال تلميذه الشيخ عز الدين ابن جماعة: لا بد في اللذين بينهما في عموم وخصوص من وجه من معرفة أمور معروضين وعارضين1، وثلاث ما صدقات2، ومادة3، ومتعلق4، وهذا البحث بمعزل عن موضوع الفن. ا. هـ.
الثانية: أنه جعل جهة العموم في الكلم راجعة إلى المعنى، وجهة الخصوص فيه راجعة إلى اللفظ، وهذا مما لا يليق؛ لأن النسبة بين اللفظين إنما هي بحسب المعنى لا بحسب اللفظ، فكان ينبغي أن يقول: الكلم أعم اعتبار انطلاقه على اللفظ المفيد وغيره، وأخص باعتبار عدم انطلاقه على اللفظ المركب من كلمتين، قاله بعض المتأخرين.
الثالثة: أن ما صدق الاجتماع يفسد حد كل منهما، لدخول كل منهما في حد الآخر، والمتغايران في المفهوم ينبغي أن يتغايرا في الما صدق، ويمكن أن يدفع بأن الحيثية في التعريفات مرعية.
"والقول" على الأصح "عبارة5 عن اللفظ" المفرد والمركب "الدال على معنى" يصح السكوت عليه أو لا، ولهذا قال في النظم:
9- ...................... والقول عم .....................................
__________
1 المعروضان هما: ماهية الكلام والكلم، والعارضان: الإفادة وجمع الكلمات الثلاثة فأكثر، فالإفادة عارض الكلام، والجمع المذكور؛ عارض الكلم. "حاشية يس 1/ 27".
2 الما صدقات ثلاث صور: قد أفلح المؤمنون، قام زيدان، قام زيد. "حاشية يس 1/ 27".
3 المادة: الكلمات الثلاث: الاسم والفعل والحرف، أو الأسماء والأفعال والحروف. "حاشية يس 1/ 27".
4 الصورة هي المتعلق، والمراد بها الصورة الحاصلة من اجتماع كلمتين، أو كلمات، والنسبة الحكمية حالة في هذه الصور. "حاشية يس 1/ 27".
5 كذا في "ط"، وفي الأصل: "والقول عبارة على الأصح".(1/19)
"فهو أعم من الكلام"؛ لانطلاقه على المفيد وغيره، "و" أعم "من الكلم"؛ لانطلاقه على المركب من كلمتين فأكثر، "و" من "الكلمة"؛ لانطلاقه على المفرد المركب "عموما مطلقا"؛ لصدقه على الكلام والكلم والكلمة، وانفراده في مثل: "غلام زيد"، فإنه ليس كلاما لعدم الفائدة، ولا كلما لعدم الثلاثة، ولا كلمة؛ لأنه ثنتان، "لا عموما من وجه" دون وجه، إذ لا يوجد شيء من الكلام والكلم والكلمة بدون القول، فكلما وجد واحد منهما وجد القول، ولا عكس، وفيه إيماء إلى أن "عم" في قول الناظم: "والقول عم" أفعل تفضيل، أصله "أعم" حذفت الهمزة ضرورة كما حذفت تخفيفا من خير وشر.
ولي هنا تشكيك، وهو أن يقال: دلالة اللفظ على المعنى تنقسم إلى وضعية، كما في المفردات الحقيقية، وإلى عقلية في المركبات والمفردات المجازية، وإلى طبيعية كأخ،
فإنه يدل على ألم الصدر دلالة طبيعية، فإن أراد الأول، كما هو ظاهر قوله في
شرح القطر1، والقول خاص بالموضوع، خرج عنه المركبات والمفردات المجازية. وإن أراد الثاني خرج عنه المفردات الحقيقية.
وقد يقال: إن القول أعم من الكلام والكلم والكلمة، وإن أراد مطلق الدلالة دخل نحو: أخ، واللفظ المصحف إذا فهم معناه، والمهمل كزيد، فإنه يدل على حياة الناطق به، وجميع ذلك لا يسمى كلمة، كما قاله المرادي في شرح التسهيل، فضلا عن أن يسمى قولا.
ويطلق القول لغة ويراد به الرأي والاعتقاد نحو: قال الشافعي يحل كذا، أي: رأى ذلك واعتقده.
ويطلق الكلام لغة ويراد به المفرد نحو: زيد في نحو قولهم: من أنت؟ زيد عند سيبويه، قاله ابن الناظم في نكت الحاجبية، ونقله أيضا عن أبي الحسين البصري الأصوليون.
ويطلق الكلم لغة ويراد به الكلام، نحو: {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] "وتطلق الكلمة لغة ويراد بها الكلام"، مجازا من تسمية الشيء باسم جزئه، "نحو" قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ" هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] أي: إن مقالة من قال: {رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99, 100] كلمة، ونحو قوله
__________
1 شرح قطر الندى ص13(1/20)
صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة" قالها شاعر كلمة لبيد: [من الطويل]
4- ألا كل شيء ما خلا الله باطل .................................
وقولهم: "كلمة الشهادة" يريدون: لا إله إلا الله محمد رسول الله1، "وذلك كثير" في الورود "لا قليل"، كما يفهم من قول الناظم:
9- ................. وكلمة بها كلام قد يؤم
لأن "قد" تشعر بالتقليل في عرف المصنفين، كما ذكره الموضح في باب الإمالة. ولك أن تقول: إطلاق الكلمة على الكلام وإن كان كثيرا في نفسه، لكنه قليل بالنسبة إلى إطلاقها على المفردات.
__________
4- عجز البيت: "وكل نعيم لا محالة زائل"، والبيت للبيد بن ربيعة في ديوانه 256، وجواهر الأدب ص382، وخزانة الأدب 2/ 255-257، والدرر 1/ 5، وديوان المعاني 1/ 118، وسمط اللآلي ص253، وشرح ابن الناظم ص7، وشرح الأشموني 1/ 11، وشرح شذور الذهب ص261، وشرح شواهد المغني 1/ 150، 153، 154، 392، وشرح المفصل 2/ 78، والعقد الفريد 5/ 273، ولسان العرب 5/ 351 "رجز"، والمقاصد النحوية 1/ 5، 7، 291، ومغني اللبيب 1/ 133، وهمع الهوامع 1/ 3، وبلا نسبة في أسرار العربية ص221، وأوضح المسالك 2/ 289، والدرر 1/ 491، 501، ورصف المباني 269، وشرح شواهد المغني 2/ 531، وشرح عمدة الحافظ ص263، وشرح قطر الندى ص248، واللمع ص154، وهمع الهوامع 1/ 226.
1 شرح ابن الناظم ص7.(1/21)
"فصل":
"يتميز الاسم عن" قسيميه "الفعل والحرف بخمس علامات"، وهي المشار إليها في النظم بقوله:
10- بالجر والتنوين والندا وأل ومسند للاسم ................
"إحداها الجر": وهو في الأصل مصدر جر "وليس المراد به" في النظم "حرف الجر"، أي: دخول حرف الجر كما قدره صاحب المكمل1 في عبارة المفصل حيث قال: وأراد بالجر دخول حرف الجر. ا. هـ. وكما قال الموضح في النداء، وليس المراد به دخول حرف النداء، كما سيأتي فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، بدليل قوله "لأنه"، أي: حرف جر، "قد يدخل في اللفظ على ما ليس باسم" على التقديم والتأخير، والأصل قد يدخل على ما ليس باسم في اللفظ؛ لأن الغرض نفي الاسمية في اللفظ؛ وإن كانت ثابتة في التقدير، لا الدخول في اللفظ فليتأمل "نحو: عجبت من أن قمت" فدخل حرف الجر وهو "من" على "أن قمت" وهو ليس باسم في اللفظ، وإن كان اسما بالتأويل، أي: من قيامك، "بل المراد به" أي: بالجر "الكسرة التي يحدثها عامل الجر"، أو نائبها. ونسبة الأحداث إلى العامل استعارة؛ لأنه مجاز مبني على التشبيه، كنسبة الإرادة إلى الجدار في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] "سواء كان" ذلك "العامل" للجر "حرفا"، نحو: مررت بزيد، "أم إضافة" نحو: غلام زيد، "أم تبعية" نحو: مررت بزيد الفاضل، "و" هذه العوامل الثلاثة "قد اجتمعت في البسملة"، فـ"اسم": مجرور بالحرف، و"الله": مجرور بالإضافة، و"الرحمن الرحيم": مجروران بالتبعية للموصوف. هذا هو الجاري على الألسنة، والتحقيق خلافه. قال الموضح في باب الإضافة من هذا الكتاب2: "ويجر المضاف إليه بالمضاف وفاقا لسيبويه". وقال في شرح الشذور3: "وإنما لم أذكر الجر بالتبعية كما فعل جماعة؛ لأن التبعية ليست عندنا العامل4
__________
1 كتاب المكمل هو لمظهر الدين الشريف الرضي محمد، أكمله سنة 659هـ/ 1261م. انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 226.
2 أوضح المسالك 3/ 84، وسيشرح الأزهري هذا القول فيما سيأتي 2/ 24 من المطبوع.
3 شرح شذور الذهب ص317.
4 في شرح شذور الذهب ص317: "ليست عندنا هي العاملة".(1/22)
وإنما العامل عامل المبتوع، وذلك في غير البدل". وقال في شرح اللمحة في باب المجرورات: "كان ينبغي للمؤلف؛ يعني أبا حيان؛ أن لا يذكر الجر بالتبعية، كما لم يذكر في باب المرفوعات والمنصوبات الرفع والنصب بها، يعني بالتبعية كـ"جاء زيد الفاضل" و"رأيت زيدا الفاضل". ا. هـ. ولم يذكر الجر بالمجاورة وبالتوهم؛ لأنهما يرجعان عند التحقيق إلى الجر بالمضاف؛ والجر بالحرف، كما قاله في شرح اللمحة. لكن قال في شرح الشذور1: "وقسمتها؛ يعني المجرورات؛ إلى ثلاثة أقسام: مجرور بالحرف؛ ومجرور بالإضافة؛ ومجرور بالمجاورة2"، فجعله قسما برأسه [حينئذ]3 مجازا.
العلامة "الثانية: التنوين، وهو" في الأصل مصدر نونت الكلمة، أي: أدخلت نونا، وفي الاصطلاح "نون ساكنة" أصالة "تلحق الآخر"، أي: تتبعه "لفظا لا خطا لغير توكيد، فخرج بقيد السكون" وبقيد عدم الخط أيضا "النون" الأولى "في ضيفن للطفيلي" وهو الذي يجيء مع الضيف متطفلا. قاله في القاموس4. "و" النون الأولى في "رعشن للمرتعش"، لتحركهما وصلا وثبوتهما خطا وهاتان النونان المتحركتان زائدتان فيهما للإلحاق بجعفر، وما بعدهما تنوين، وقيدت السكون بالأصالة لئلا يخرج بعض أفراد التنوين إذا حرك لالتقاء الساكنين، نحو: محظورا انظر. "و" خرج "بقيد" لحوق "الآخر"، وبقيد عدم الخط أيضا "النون في: انكسر ومنكسر"؛ لأنها لا تلحق الآخر، وتثبت في الخط، لا يقال: يخرج بقيد الآخر قول بعضهم: "شربت ما" بالقصر والتنوين، فإن الميم أول الاسم لا آخره، وقد لحقها التنوين؛ لأنا نقول: إن التنوين لحق الألف وهي آخر، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، قاله الموضح في الحواشي. والمراد بالآخر ما كان آخرا في اللفظ، حقيقة كزيد أو حكما كيد، "و" خرج "بقولي لفظا لا خطا النون اللاحقة لآخر القوافي، وستأتي" قريبا، والنون الخفيفة اللاحقة لآخر الأفعال توكيدا لها المصورة نونا، والنون اللاحقة لآخر الكلمة من كلمة أخرى، نحو "أحمد انطلق" لثبوتها في الخط، فلا حاجة إلى زيادة الحديثي في حد التنوين، ولا يكون جزء غيرها، ولا إلى اعتذار الدماميني عنه بأن المراد باللحوق التبعية.
__________
1 شرح شذور الذهب ص317.
2 في المصدر السابق: "ومجرور بمجاورة مجرور".
3 "حينئذ"؛ سقطت من الأصل، وأثبتها من "ط".
4 القاموس المحيط "ضيف".(1/23)
"و" خرج "بقولي لغير توكيد نون نحو: {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15] خاصة على تقدير رسمها في الخط ألفا، لوقوعها بعد الفتحة، بخلاف الواقعة بعد الضمة والكسرة، فإنها تصور نونا، فتثبت في الخط. فتخرج بقوله: "لا خطا". ومن ثم قيل إن الموضح ضرب بالقلم على قوله "لتضربن يا قوم ولتضربن يا هند" بضم الباء الأول وكسرها في الثاني من نسخة تلميذه الزيلعي عند القراءة عليه. ولهذا لم يجد في بعض النسخ المعتمدة ولا عرج عليهما في المغني وغيره.
"وأنواع التنوين" الخاصة بالاسم "أربعة:
أحدها: تنوين التمكين" والأَوْلى التمكن مصدر تمكن لقوله بعد لتمكنه والوصف متمكن لا ممكن، ويسمى تنوين الأمكنية وتنوين الصرف، وهو اللاحق لفظا لغالب الأسماء المعربة المنصرفة معرفة "كزيد، و" نكرة؛ نحو: "رجل" ورجال، والذي يدل على أن تنوين نحو: "رَجُل" للتمكين لا للتنكير بقاء مع العلمية بعد النقل، قاله ابن الحاجب وغيره، ورُدّ1. "وفائدته الدلالة" بتثليث الدال "على خفة الاسم" بكونه معربا منصرفا، "و" على "تمكنه في باب الاسمية؛ لكونه لم يشبه الحرف" شبها قويا "، فيبنى، ولا" يشبه "الفعل" في فرعيتين؛ "فيمنع من الصرف"، وهو التنوين.
النوع "الثاني: تنوين التنكير، وهو اللاحق لبعض" الأسماء "المبنيات للدلالة على التنكير"، قياسا في باب العلم المختوم بـ"وَيْه" وسماعا في باب اسم الفعل المختوم بالهاء أو غيرها، وفي اسم الصوت، "تقول: سيبويه"، بلا تنوين، "إذا أردت شخصا
معينا اسمه ذلك" أي: اسمه سيبويه. "و" تقول "إيه"، بكسر الهمزة وسكون الياء
المثناة تحت وكسر الهاء، بلا تنوين، "إذا استزدت مخاطبك"، أي: طلبت منه زيادة
"من حديث معين، فإذا أردت شخصا ما" أي: شخص كان "اسمه سيبويه، أو"
أردت "استزادة من حديث ما" أي: حديث كان، "نونتهما" فقلت: "سيبويه" و"إيه" بالتنوين فيهما، فـ"سيبويه" بلا تنوين معرفة بالعلمية، و"إيه" بلا تنوين معرفة من قبيل المعرف بـ"أل" العهدية، أي: الحديث المعهود، كذا قالوا، وهو مبني على أن مدلول اسم الفعل المصدر، وأما على القول بأن مدلوله الفعل، فلا؛ لأن جميع الأفعال نكرات، وتقول: "صاح الغراب غاق غاق"، فإذا لم تنونها كانت معرفة؛ ودلت على معنى مخصوص، وإذا نونتها كانت نكرة مبهمة، ودلت على معنى مبهم قاله الثمانيني.
__________
1 وجه الرد أن التنوين مع العلمية هو ما كان قبلها. "حاشية يس 1/ 32".(1/24)
النوع "الثالث: تنوين المقابلة، وهو اللاحق لنحو: مسلمات" مما جمع بألف وتاء مزيدتين، سمي بذلك؛ لأن العرب جعلوه في مقابلة النون، "في نحو: مسلمين"، مما جمع بالواو والنون أو الياء والنون. قال الرضي1: "معناه أنه قائم مقام التنوين الذي في الواحد، في المعنى الجامع لأقسام التنوين فقط، وهو كونه علامة لتمام الاسم، [كما أن النون قائمة مقام التنوين الذي في الواحد في ذلك]2". ا. هـ. والذي يدل على أنه لتمام الاسم ليس غير أنه ليس بتمكين خلافا للربعي3، لثبوته فيما فيه فرعيتان كـ"عرفات"، ولا تنكير لثبوته مع المعربات، ولا عوض عن شيء، والقول بأنه عوض عن الفتحة نصبا مردود بأن الكسرة عوضت منها. وقال الشارح اللباب في توجيه المقابلة: أن جمع المذكر السالم زيد فيه حرفان، وفي المؤنث لم يزد فيه إلا حرف واحد؛ لأن التاء موجودة في مفرده، فزيد التنوين فيه ليوازي النون في جمع المذكر، كما أن الحركة في "مسلمات" موازية لحرف العلة في "مسلمين". ا. هـ. وفيه نظر؛ لأن التاء التي في المفرد ليست هي التاء التي في الجمع، بل غيرها، ولو سلم؛ فهذا الجمع لا يختص بما في مفرده التاء لفظا، بل يكون فيه وفيما فيه التاء تقديرا كـ"هندات"، بل قد يكون لمذكر كـ"اصطبلات"، والحكم واحد في الجميع. وقال آخر: إن الألف والتاء في مقابلة الواو لدلالتهما على الجمع، وإن التنوين في مقابلة النون. ولا يخفى ضعفه.
النوع "الرابع: تنوين التعويض": وهو تفعيل من العوض، والتعويض فعل الفاعل، وليس هو عوضا عن شيء، فأولى التعبير بالعوض كما عبر به في المغني4، ولكنه قصد هنا المناسبة لقوله: "التمكين والتنكير مع المقصود حاصل والخطب سهل". "وهو اللاحق لنحو: غواش وجوار"، من الجموع المعتلة الآتية على وزن فواعل، حال كونه "عوضا"، أو لأجل العوض "عن الياء" المحذوفة اعتباطا رفعا وجرا؛ وفاقا لسيبويه والجمهور4، لا عن ضمة الياء وفتحها النائبة عن الكسرة. خلافا للمبرد، ولا هو تنوين صرف لصيرورته بعد الحذف، وكلام عند قطع النظر عن المحذوف خلافا للأخفش. وينتظم في سلك تنوين العوض عن الياء التنوين اللاحق لمثل: أُعَيْم ويُعَيْل، مصغَّرَيْ:
__________
1 شرح الرضي 1/ 46.
2 ما بين المعقوفتين لم يرد في شرح الرضي، وورد مكانه: "وليس في النون شيء من معاني الأقسام الخمسة المذكورة".
3 قال الربعي: إن التنوين في نحو "مسلمات" للصرف. "شرح الرضي 1/ 46".
4 الكتاب 3/ 310.(1/25)
أعمى ويَعْلى، فإنهما ممنوعان من الصرف للوصف، ولكونهما يشبهان الفعل في زينة، نحو: أَبْيَطِرّ ويَبْيَطِرّ وتنوينهما عوض عن الياء المحذوفة، وسيأتي بيانهما في باب ما لا ينصرف "و" اللاحق "لـ: إذ، في نحو: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] عوضًا عن الجملة التي تضاف "إذ" إليها"، والأصل والله أعلم: ويوم إذ غلبت الروم يفرح المؤمنون. فحذفت جملة: "غلبت الروم"، وجيء بالتنوين عوضًا عن الجملة المحذوفة إيجازًا وتحسينًا، فالتقى ساكنان؛ ذال "إذ" والتنوين، فكسرت الذال على أصل التقاء الساكنين، وليست هذه الكسرة كسرة إعراب بإضافة "يوم" إليها خلافًا للأخفش؛ لأن "إذ" ملازمة للبناء لشبهها بالحرف في الافتقار إلى جملة؛ وفي الموضع على حرفين، وليست الإضافة في "يومئذ" ونحوها من إضافة أحد المترادفين للآخر، خلافًا لابن مالك، بل من إضافة الأعم إلى الأخص، كـ"شجر أراك" وفاقًا للدماميني، ولم يذكر العوض عن مفرد؛ وهو اللاحق لـ"كل وبعض" إذا قطعا عن الإضافة مع أنه ذكره في المغني؛ لأن التحقيق أن تنوينهما تنوين تمكين يذهب مع الإضافة، ويثبت مع عدمها، ولا العوض عن ألف، كـ"جندل" أصله: جنادل، بغير تنوين، حذفت منه الألف، وعُوّض عنه التنوين. كذا قال ابن مالك واختار في المغني أنه للصرف.
"وهذه الأنواع الأربعة" فقط "مختصة بالاسم"، فلا تدخل على غيره لدلالتها على معانٍ لا توجد في غيره. ولو قال: يختص الاسم بهذه الأربعة لنا في ذلك كون الاسم يلحقه تنوين الحكاية، وتنوين الضرورة، وتنوين الشذوذ.
"وزاد جماعة" من النحويين منهم الموضح في المغني على هذه الأربعة "تنوين الترنم"1، أي: المحصل للترنم، كما صرح به ابن يعيش2 مدعيًا أن الترنم يحصل بالنون نفسها؛ لأنها حرف أَغَنّ. وكذا قال شارح اللباب، إنما جيء به لوجود الترنم، وذلك لأن حرف العلة مدة في الحلق، فإذا أبدل منها التنوين حصل الترنم؛ لأن التنوين غُنّة في الخيشوم. ا. هـ. وقال جماعة: هو بدل من الترنم. ثم اختلفوا في التعبير عنه، فقيل: الصواب أن يقال تنوين ترك الترنم، واختاره عبد اللطيف من شيوخ الموضح في اللمع الكاملية. وقيل: يجوز أن يقال: "تنوين الترنم" على حذف مضاف. وهو اختيار ابن مالك
__________
1 منهم ابن الناظم الذي قال في شرح الألفية ص8: "تنوين الترنم: وهو المبدل من حرف الإطلاق". وانظر الكتاب 4/ 207.
2 شرح المفصل 1/ 64، 9/ 33.(1/26)
في شرح الكافية، "وهو اللاحق للقوافي". جمع قافية، وهي من آخر متحرك في اليبت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن، هذا مذهب الخليل1؛ وعند غيره2: آخر كلمة في البيت "المطلقة، أي: التي آخرها حرف مد"، وهو الألف والواو والياء المولدات من إشباع الحركة. وتسمى أحرف الإطلاق، وقد تلحق الأعاريض المصرعة، وهي التي غيرت لتوازي ضروبها عند حذف حرف الإطلاق، "كقوله"؛ وهو جرير: [من الوافر]
5- "أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن"
فلحق العروض والقافية وهما "العتابن وأصابن" "الأصل: "العتابا وأصابا"، فجيء بالتنوين بدلا من الألف"، والأول اسم، والثاني فعل، و"أقلي": أمر من الإقلال، و"اللوم" بفتح اللام، العذل، و"عاذل": بفتح اللام، ترخيم عاذلة، و"لقد أصابن": مقول: "قولي"، وجواب الشرط محذوف، تقديره: إن أصبت أنا أو إن كنت نطقت بالصواب فلا تعذلي، وقولي لقد أصاب.
وقد يدخل الحرف كقوله النابغة: [من الكامل]
6- أفد الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد
__________
1 الكافي في العروض والقوافي ص149.
2 هو الأخفش، كما في المصدر السابق ص149.
5- البيت لجرير في ديوانه ص813، وخزانة الأدب 1/ 69، 338، 3/ 151، والخصائص 2/ 96، والدرر 2/ 253، 2/ 515، 2/ 569، وشرح أبيات سيبويه 2/ 349، وسر صناعة الإعراب ص471، 479، 780، 481، 493، 501، 503، 513، 677، 726، وشرح الأشموني 1/ 12، وشرح شواهد المغني 2/ 762، وشرح المفصل 9/ 29، والكتاب 4/ 205، 208، والمقاصد النحوية 1/ 91، وهمع الهوامع 2/ 80، 212، وبلا نسبة في الإنصاف ص655، وجواهر الأدب ص139، 141 وأوضح المسالك 1/ 16، وخزانة الأدب 7/ 432، 11/ 374، ورصف المباني ص29، 353، وشرح ابن عقيل 1/ 18، وشرح عمدة الحافظ ص98، وشرح المفصل 4/ 15، 145، 7/ 9، 9/ 33، ولسان العرب 14/ 244 "خنا"، والمنصف 1/ 224، 2/ 70، ونوادر أبي زيد ص127.
6- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص89، والأزهية ص211، الأغاني 11/ 8، والجنى الداني ص146، 260، وخزانة الأدب 7/ 197، 198، 10/ 407، والدرر اللوامع 1/ 305، 2/ 179، 254، وشرح شواهد المغني ص490، 764، وشرح المفصل 8/ 148، 9/ 18، 52، ولسان العرب 3/ 346 "قدد"، ومغني اللبيب ص171، والمقاصد النحوية 1/ 80، 2/ 314، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 56، 356، وأمالي ابن الحاجب 1/ 455، وخزانة الأدب 9/ 8، 11/ 260، ورصف المباني ص72، 125، 448، وسر صناعة الإعراب ص334، 490، 777، وشرح ابن عقيل 1/ 19، وشرح قطر الندى ص160، وشرح المفصل 10/ 110، ومغني اللبيب 1/ 342، والمقتضب 1/ 42، وهمع الهوامع 1/ 143، 2/ 80.(1/27)
الأصل "قَدِي" فجيء بالتنوين بدلا من الياء "لترك الترنم"، على ما صرح به سيبويه1 وغيره من المحققين من أن الترنم؛ وهو التغني؛ إنما يحصل بأحرف الإطلاق لقبولها لمد الصوت بها، فإذا أنشدوا ولم يترنموا جاءوا بالنون في مكانها، في لغة تميم، أكثرهم أو جميعهم، وكثير من قيس، وأما الحجازيون فلا؛ لأنهم يَدَعون القوافي على حالها في الترنم، فعبر أولا بتنوين الترنم موافقة لابن مالك في شرح العمدة؛ نظرا إلى توجيه ابن يعيش2 ومن وافقه، وثانيا بترك الترنم موافقة للتسهيل؛ نظرا إلى ما صرح به سيبويه3 وأصحابه. وقد يبدل التنوين من حرف الإطلاق في غير القوافي، كقراءة بعضهم: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرٍ" [الفجر: 4] بالتنوين4 كما ذكره في المغني5 في حرف الكاف.
"وزاد بعضهم" وهو الأخفش والعروضيون، كما قاله في المغني، "التنوين الغالي، وهو اللاحق للقوافي المقيدة6"، أي: التي يكون حرف رويها ساكنا ليس حرف مد، والأعاريض المصرعة "زيادة على الوزن"، فهو في آخر البيت كالخزم7؛ بمعجمتين، في أوله، "ومن ثم سمي غاليا"، وسمى الأخفش الحركة التي قبل لحاقه غلوا8، وزعم ابن الحاجب أنه إنما سمي غاليا لقلته، ونفاه السيرافي والزجاج وزعما أن الشاعر زاد "أن" في آخر البيت إيذانا بتمامه، فضعف صوته بالهمزة. واختاره ابن مالك. قال الموضح: وفي هذا توهيم الأخفش والعروضيين وغيرهم بمجرد الظن، والمشهور تحريك ما قبله بالكسرة كما في "صه ويومئذ". واختار ابن الحاجب الفتح حملا على حركة ما قبل نون التوكيد، كـ"اضْرِبا"، وقال هو أشبه قياسا على ما له أصل في المعنى، ثم قال الموضح: وسمعت بعض العصريين يسكن ما قبله، ويقول: الساكنان يجتمعان في الوقف، وهذا خلاف ما أجمعوا عليه. وقد مضى أن الحركة قبله تسمى غلوا، واختلف مثبتوه تنوينا في فائدته، فقال
__________
1 الكتاب 4/ 206، 207.
2 شرح المفصل 9/ 33.
3 الكتاب 4/ 206.
4 هي قراءة أبي الدينار الأعرابي، انظر البحر المحيط 8/ 467، والكشاف 4/ 249.
5 مغني اللبيب 1/ 162.
6 نسب التنوين الغالي إلى الأخفش في شرح ابن الناظم ص11، والكافي في العروض ص159، وشرح المفصل 9/ 34.
7 الخزم: زيادة في أول البيت لا يعتد بها في التقطيع. انظر الكافي في العروض ص143.
8 في الكافي ص160: "الغلو: حركة ما قبل الغالي، كحركة القاف في: المخترقن"، أي: في قول رؤبة: "وقاتم الأعماق خاوي المخترقن"(1/28)
ابن يعيش1: فائدته الترنم أيضا. ورد على من جعله قسيم تنوين الترنم.
وقال الجرجاني: لحق أمارة على الوقف، إذ لا يعلم في الشعر المسكن الآخر: أواصل أنت أم واقف؟ قال: وهو نظير فصلهم بينهما بالحذف في نحو: قام زيد.
ووقع في شرح اللب2 أن هذا التنوين إنما يلحق الكَلِم إذا أريد به ترك الوقف، ووصل آخر البيت الأول بأول البيت الثاني. ا. هـ. والتحرير هو الأول.
7- وهذا التنوين يدخل الاسم كقول رؤبة: [من الرجز]
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
8- والفعل كقول العجاج: [من الرجز]
من طلل كالأتحمي أنهجن
__________
1 شرح المفصل 9/ 33.
2 يقصد أنه رد قول الزمخشري في المفصل ص328، 329، وانظر شرح ابن يعيش 9/ 34.
7- الرجز لرؤبة في ديوانه ص104، والأشباه والنظائر 2/ 35، والأغاني 10/ 158، وجمهرة اللغة ص408، 614، 941، وخزانة الأدب 10/ 25، والخصائص 2/ 228، وشرح ابن الناظم ص9، وشرح أبيات سيبويه 2/ 353، وشرح شواهد الإيضاح ص223، وشرح شواهد المغني 2/ 764، 782، ولسان العرب 10/ 80 "خفق"، 10/ 271 "عمق"، 15/ 133 "غلا" ، ومغني اللبيب 1/ 342، والمقاصد النحوية 1/ 38، والمنصف ص312، 308، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 260، 320، ورصف المباني ص355، وسر صناعة الإعراب 2/ 493، 502، 639، وشرح الأشموني 1/ 12، وشرح ابن عقيل 1/ 20، وشرح المفصل 2/ 118، والعقد الفريد 5/ 506، والكتاب 4/ 210، ولسان العرب 1/ 487 "هرجس"، 3/ 373 "قيد"، 12/ 461 "قتم"، 13/ 559 "وجه"، والتاج "غلا".
القاتم: الذي تعلوه القتمة؛ وهي لون فيه غبرة وحمرة. أعماق: جمع عمق، وهو ما بعد من أطراف الصحراء. الخاوي: الخالي. المخترق: مهب الرياح.
8- الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 13، وتخليص الشواهد ص47، والخصائص 1/ 171، وسر صناعة الإعراب 2/ 154، وشرح أبيات سيبويه 2/ 351، وشرح شواهد المغني 2/ 793، وشرح المفصل 1/ 64، والكتاب 4/ 207، والمقاصد النحوية 1/ 26، وتاج العروس "بلل"، ولرؤبة في معاهد التنصيص 1/ 14، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في رصف المباني ص354، ولسان العرب 8/ 27 "بيع"، وكتاب العين 3/ 393.
الأتحمي: موضع باليمن تعمل فيه البرود، والأتحمي ينسب إليه، وهي برود من اليمن عصب غير وشي. أنهج: أخلق وبلى.(1/29)
والحرف "كقوله" وهو رؤبة على ما قيل: [من الرجز]
9- "قالت بنات العم يا سلمى وانن كان فقيرا معدما قالت وانن"
فلحق العروض والقافية زيادة على حد الوزن، والمعنى: قالت بنات العم: يا سلمى؛ أترضين به وإن كان هذا البعل فقيرا معدما؟ قالت: رضيت به وإن كان فقيرا معدما.
واختلف في هذين التنوينين المسميين بالترنم والغالي على أقوال:
أحدها: أنهما تنوينان لهما خصوصيات، منها مجامعة "أل" والاتصال بغير الاسم.
والثاني: أن الترنم نون مبدلة من حرف العلة، كما يبدل منه في نحو: رأيت زيدا. قاله ابن معزوز، وزعم أنه ظاهر قول سيبويه. وأن الغالي نون "إن" حذفت منه الهمزة.
والثالث: "و" هو "الحق" كما قاله ابن مالك في التحفة، وتبعه ابنه في نكت الحاجبية: "أنهما" ليسا بتنوين، بل هما "نونان زيدتا في الوقف". وتقدم حكاية ما في شرح اللب "كما زيدت نون ضيفن"، للطفيلي، "في الوصل والوقف"، وجه التشبيه الزيادة في الوقف خاصة، "وليسا من أنواع التنوين" حقيقة "في شيء، لثبوتهما مع: أل"، كـ"العتابن والمخترقن"، "وفي الفعل"، كـ"أصابن وأنهجن" "وفي الحرف" كـ"قدن وإنن"، أول الأمثلة للترنم, وثانيهما للغالي, "وفي الخط والوقف, ولحذفهما في الوصل", وليس شيء من أقسام التنوين كذلك، "وعلى هذا" التقرير "فلا يردان على من أطلق" من النحويين كالناظم "أن الاسم يعرف بالتنوين إلا من جهة أنه يسميهما تنوينين، أما باعتبار ما في نفس الأمر فلا" يردان عليه. وزاد بعضهم سابعا وثامنا، وهما تنوين الضرورة فيما لا ينصرف، كقوله: [من الطويل]
10- ويود دخلت الخدر خدر عنيزة ...................................
__________
9- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص186، وخزانة الأدب 9/ 14، 16، 11/ 216، والدرر 2/ 192، وشرح شواهد المغني 2/ 936، والمقاصد النحوية 1/ 104، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 18، والدرر 2/ 256، ورصف المباني ص106، وشرح ابن الناظم ص502، وشرح الأشموني 3/ 592، وشرح عمدة الحافظ ص370، ومغنى اللبيب 2/ 649، والمقاصد النحوية 4/ 436، وهمع الهوامع 2/ 62، 80.
10- عجز البيت: "فقالت لك الويلات إنك مرجلي"، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص11، وخزانة الأدب 9/ 345، وشرح شواهد المغني 2/ 766، ولسان العرب 5/ 384 "عنز"، والمقاصد النحوية 4/ 374، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 136، وشرح الأشموني 2/ 541، ومغني اللبيب 2/ 343، وكتاب العين 6/ 104.(1/30)
وفي المنادى المضموم كقوله: [من الوافر]
11- سلام الله يا مطر عليها ..........................
وتاسعا: وهو التنوين الشاذ، كقول بعضهم: "هؤلاء قومك"، حكاه أبو زيد.
وعاشرا: وهو تنوين الحكاية، مثل أن تسمي رجلا بعاقلة لبيبة، فإنك تحكي اللفظ المسمى به، قاله ابن الخباز، وقد جمعها بعضهم في قوله: [من البسيط]
مكن وقابل وعوض والمنكر زد ورنم اضطر غال واحك ما همزا
العلامة "الثالثة" من علامات الاسم "النداء"، بالمد مع كسر النون وضمها، "وليس المراد به"، أي: بالنداء، "دخول حرف النداء"، كما يوهمه قول ابن مالك في شرح العمدة؛ لأن النداء قد يباشر الفعل والحرف حين يحذف المنادى. ا.هـ.
"لأن يا"، خاصة، "قد تدخل في اللفظ على ما ليس باسم"، حرفا كان أو فعلا، فالأول "نحو: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} [يس: 26]، والثاني نحو: ""أَلَّا يَا اسْجُدُوا"1 لِلَّهِ" [النمل: 25] "في قراءة الكسائي" رحمه الله، فإنه يقف على "يا" ويبتدئ "اسجدوا"، واختلف في توجيه ذلك فقيل: "يا" فيهما حرف تنبيه لا للنداء، وقيل: للنداء والمنادى محذوف تقديره: يا قوم ليت قومي، ويا هؤلاء اسجدوا، وهو مقيس في الأمر كالآية.
والدعاء كقوله: [من الطويل]
12- ألا يا اسلمي..................... .......................................
__________
11- عجز البيت: "وليس عليك يا مطر السلام"
، وهو للأحوص في ديوانه 189، والكتاب 2/ 202، والأغاني 15/ 234، وخزانة الأدب 2/ 150، 152، 6/ 507، والدرر 1/ 376، وشرح أبيات سيبويه 2/ 25، 605، وشرح شواهد المغني 2/ 766، وبلا نسبة في الأزهية 164، والأشباه والنظائر 3/ 213، والإنصاف 1/ 311، وأوضح المسالك 4/ 28، والجنى الداني ص149، والدرر 2/ 257، ورصف المباني ص177، 355، وشرح ابن الناظم ص405، وشرح الأشموني 2/ 448، وشرح شذور الذهب ص113، وشرح ابن عقيل 2/ 262، ومجالس ثعلب ص92، 542، والمحتسب 2/ 93.
1 والرسم المصحفي: {أَلَّا يَسْجُدُوا}، والقراءة المستشهد بها قرأها: الكسائي ورويس وأبو جعفر والحسن والمطوعي وابن عباس. انظر الإتحاف ص336، ومعاني القرآن للفراء 2/ 290، والنشر 2/ 337، وشرح شذور الذهب ص18.
12- تمام البيت:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وهو لذي الرمة في ديوانه ص559، والإنصاف 1/ 100، وتخليص الشواهد 231، 232، والخصائص 2/ 278، والدرر 1/ 206، 2/ 6، 212، وشرح شواهد المغني 2/ 617، والصاحبي في فقه اللغة ص232، واللامات ص37، ولسان العرب 15/ 494 "يا"، ومجالس ثعلب 1/ 42، والمقاصد النحوية 2/ 6، 4/ 285، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 235، وجواهر الأدب ص290، وشرح ابن الناظم ص93، وشرح الأشموني 1/ 178، وشرح ابن عقيل 1/ 266 وشرح عمدة الحافظ ص199، وشرح قطر الندى ص128، ولسان العرب 15/ 434 "ألد"، ومغني اللبيب 1/ 243، 111، 2/ 4، 70.(1/31)
"بل المراد" بالنداء "كون الكلمة مناداة"، أي: مطلوبا إقبالها بحرف مخصوص، "نحو: يا أيها الرجل"، ويا أيتها المرأة، "ويا فُلُ" بضم الفاء واللام، ويا فُلَة، بمعنى يا رجل، ويا امرأة. وقول ابن مالك: "بمعنى يا زيد ويا هند"، قال الموضح وهم، "ويا مكرمان"، بفتح الراء، الكريم الواسع الخلق، حكاه سيبويه والأخفش وصاحبا الصحاص والقاموس، ويا ملأمان، للئيم الدنيء الأصل، الشحيح النفس، وإنما خص هذه الأسماء بالذكر لملازمتها للنداء، فلم تقبل من علامات الاسم المذكورة إلا كونها مناداة.
العلامة "الرابعة: أل"، بجميع أقسامها "غير الموصولة" والاستفهامية، "كالفرس" من غير العقلاء، "والغلام" من العقلاء.
"فأما" "أل" "الموصولة فقد تدخل على" الفعل "المضارع" اختيارا عند الناظم وبعض الكوفيين، واضطرارا عند الجمهور، حتى قال الشيخ عبد القاهر: إنه من أقبح الضرورات كما نقله الموضح عنه في شرح الشذور1، "كقوله" وهو الفرزدق يخاطب رجلا من بني عذرة هجاه بحضرة عبد الملك بن مروان: [من البسيط]
13- "ما أنت بالحكم الترضي حكومته" ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
فأدخل "أل" على "ترضى" وهو فعل مضارع. و"الحكم" بفتحتين: المحكم يحكمه الخصمان في الأمر. و"الترضى" بإدغام اللام في التاء والبناء للمفعول؛
__________
1 في شرح شذور الذهب ص17: "قال الجرجاني ما معناه: إن استعمال مثل ذلك في النثر خطأ بإجماع، أي: إنه لا يقاس عليه".
13- البيت للفرزدق في الإنصاف 2/ 521، وجواهر الأدب ص319، وخزانة الأدب 1/ 32 والدرر 1/ 157، وشرح شذور الذهب ص17، ولسان العرب 6/ 9 "أمس"، 12/ 565 "لوم"، والمقاصد النحوية 1/ 111، وتاج العروس "لوم"، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 20، وتخليص الشواهد ص154، والجنى الداني ص202 ورصف المباني ص75، 148، وشرح ابن الناظم ص63، وشرح الأشموني 1/ 71، وشرح ابن عقيل 1/ 157، وشرح عمدة الحافظ ص99، والمقرب 1/ 60، وهمع الهوامع 1/ 85، وتهذيب اللغة 3/ 119، 15/ 462.(1/32)
و"حكومته": مرفوع به على النيابة عن الفاعل. والذي سوغ دخول "أل" على "ترضى"؛ وهو فعل مضارع؛ كونه يشبه الوصف، نحو: مرضي.
حجة الناظم ومن وافقه أن الشاعر متمكن من أن يقول المرضي1. قيل: وقد سبقه إلى هذا التوجيه سيبويه، ثم ابن السراج.
وأما "أل" الاستفهامية فقد تدخل على الفعل الماضي نحو: "أل فعلت" بمعنى: هل فعلت، حكاه قطرب.
العلامة "الخامسة: الإسناد إليه"، أي: إلى الاسم من قوله: "يتميز الاسم"، "و" معنى الإسناد إلى الاسم "هو أن تنسب إليه ما"، أي: حكما "يحصل به الفائدة" التامة، "وذلك" الإسناد "كما في" نسبة القيام إلى تاء "قمت, و" كما في نسبة الإيمان إلى ""أنا" في قولك: أنا مؤمن"، واستفيد من هذين المثلين أنه لا فرق بين تأخر المسند إليه وتقدمه، ولا بين أن يكون المسند إليه فاعلا أو مبتدأ، ولا بين أن يكون المسند فعلا أو وصفا، ثم لا فرق بين الإسناد المعنوي، كما مر؛ واللفظي، في نحو: زيد: ثلاثي، وضرب: فعل ماض، ومن: حرف جر، إذ لا يسند إلا الفعل والحرف إلا محكوما باسميتهما قال في الكافية: [من الرجز]
وإن نسبت لأداة حكما فاحك أو اعرب واجعلنها اسما
فعلى الحكاية تبقيها على ما كانت عليه من حركة أو سكون، وعلى الإعراب ترفعها على الابتداء.
__________
1 انظر هذا الرأي في الدرر اللوامع 1/ 157.(1/33)
فصل2
"فصل":
"ينجلي الفعل" ويتضح عن قسيميه الاسم والحرف "بأربع علامات"، ذكرها في النظم بقوله:
11- بتا فعلت وأتت ويا افعلي ونون أقبلن ...................
"إحداها تاء" ضمير "الفاعل" في المعنى، فالدور مدفوع والإيراد ممنوع. أما الدور؛ فلأنه أخذ الفاعل في علامات الفعل، وأخذ الفعل في تعريف الفاعل. وأما الإيراد فلأنه يصدق على أن من قولك: "ما قام إلا أنت" أنها فعل؛ لأنها منسوبة إلى الفاعل، مع أن "أن" هي الفاعل، وهي اسم على الأصح، اتصل بها تاء العلامة، "متكلما كان" الفاعل، "كقمت" بضم التاء "أو مخاطبا نحو: تباركت" بفتح التاء؛ وأحسنت، بكسر التاء.
العلامة "الثانية تاء التأنيث الساكنة" في الأصل. "كقامت وقعدت"، ولا الالتفات إلى عروض الحركة، نحو: {قَالَتْ أُمَّةٌ} [الأعراف: 164]، بنقل حركة الهمزة إلى التاء، و: {قَالَتِ امْرَأَة الْعَزِيزِ} [يوسف: 51] و{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] بكسر التاء في الأولى وفتحها في الثانية لالتقاء الساكنين فيهما. "فأما المتحركة" بحركة الإعراب "فتخفض بالاسم كقائمة" وقاعدة، والمتحركة بحركة البناء فقد تتصل بالحرف نحو: لات وثمت وربت، وبالاسم نحو: لا قوة، "وبهاتين العلامتين"، وهما تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة. "رد على من زعم" من البصريين "حرفية ليس"، كالفارسي ومن تابعه كأبي بكر بن شقير، قياسا على "ما" النافية بجامع النفي. "و" رد على من زعم حرفية "عسى" من الكوفيين قياسا على لعل بجامع الترجي، والصحيح أن "ليس وعسى" فعلان لقبولهما التاءين المذكورتين، تقول: لست وليست، وعسيت وعست، "وبالعلامة الثانية" فقط وهي تاء التأنيث الساكنة "رد على من زعم" من الكوفيين كالفراء "اسمية نعم وبئس"، لدخول حرف الجر عليهما في بعض المواضع، كقول(1/34)
بعضهم وقد بشر ببنت: والله ما هي بنعم الولد، وقول آخر وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير: نعم السير على بئس العَيْر، وتأولهما المانعون على حذف الموصوف وصفته، ودخول حرف الجر على معمول الصفة. والأصل: ما هي بولد مقول فيه نعم الولد، ونعم السير على غير مقول فيه بئس، فحرف الجر في الحقيقة إنما دخل على الاسم، وإنما لم يقل: وبالعلامتين كالتي قبلها؛ لأن تاء الفاعل لا تدخل على "نعم وبئس" بخلاف "ليس، وعسى" فإنهما يقبلان العلامتين كما مر.
العلامة "الثالثة: ياء" ضمير المؤنثة "المخاطبة، كقومي" يا هند، "وبهذه" العلامة "رد على من قال" كالزمخشري "أن هات" بكسر التاء "وتعال" بفتح اللام "اسما فعلين" للأمر، فهات بمعنى ناوِل1. وتعال بمعنى أقبل، والصحيح أنهما فعلا أمر للمذكر، لدلالتهما على الطلب؛ وقبولهما ياء المخاطبة، تقول هاتي بكسر التاء، وتعالي بفتح اللام، وهما مبنيان على حذف حرف العلة من آخرهما، فالمحذوف من "هات" الياء كما في "ارم" والمحذوف من "تعال" الألف كما في "اخش".
العلامة "الرابعة: نون التوكيد شديدة" كانت نحو: {لَيُنْبَذَنَّ} [الهمزة: 4]، "أو خفيفة" نحو: {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15]، ويجمعهما " {لَيُسْجَنَنَّ} " [يوسف: 32] بالتشديد، "{وَلِيَكُونًا}" [يوسف: 32] بالتخفيف. "وأما قوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
14- أريت إن جاءت به أملودا..... مرجلا ويلبس البرودا
"أقائلن أحضروا الشهودا"
فضرورة نادرة، أي: دخول نون التوكيد على "قائلن" مع أنه اسم. والذي سوغ ذلك شبه الوصف الواقع بعد الاستفهام بالفعل المضارع، نحو: أتقولن، وأريت: أصله: أرأيت، حذفت منه الهمزة الثانية تخفيفا. والأملود؛ بضم الهمزة؛ الغصن الناعم. والمرجل؛ بالجيم؛
__________
1 المفصل ص151، وفي شرح المفصل لابن يعيش 9/ 30: "هات: اسم لـ"أعطني وناولني". وقال بعضهم: هو من آتى يؤاتي، والهاء فيه بدل من الهمزة، ويعزى هذا القول إلى الخليل".
14- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه 173، والمقاصد النحوية 1/ 118 3/ 648، 4/ 334، ولرجل من هذيل في حاشية يس 1/ 42، وخزانة الأدب 6/ 5، والدرر 2/ 247، وشرح شواهد المغني 2/ 758، ولرؤبة أو لرجل من هذيل في خزانة الأدب 11/ 420، 422، وبلا نسبة في اللسان 14/ 293 "رأي"، والأشباه والنظائر 3/ 242، وأوضح المسالك 1/ 24، والجنى الداني ص141، والخصائص 1/ 136، وسر صناعة الإعراب 2/ 447، وشرح ابن الناظم ص327، 444 وشرح الأشموني 1/ 16، والمحتسب 1/ 193، ومغني اللبيب 1/ 336، وهمع الهوامع 2/ 79.(1/35)
الذي شعره بين الجعودة والسبوطة. يقول: أخبرني إن جاءت هذه بشاب يتزوجها مرجل الشعر حسن الملبس كالغصن الناعم؛ أآمر أنت بإحضار الشهود لعقد نكاحها عليه، ينكر وقوع ذلك منه.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن في قوله: "أقائلن" توكيدًا بالنون، لاحتمال أن يكون أصله: أقائل أنا، فحذفت الهمزة اعتباطًا، ثم أدغم التنوين في نون "أنا" على حد قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38]، قاله الدماميني. وقال غيره: نقلت حركة الهمزة إلى التنوين قبلها، ثم حذفت الهمزة، ثم أدغم التنوين في نون "أنا". والأول قصر المسافة، وعليهما اعتراض من وجهين:
أحدهما: أنه يعتبر في المقيس أن يكون على وِزانِ المقيس عليه. وهنا ليس كذلك؛ لأن الألف الثانية في المقيس عليه مذكورة، وفي المقيس محذوفة.
والثاني: أن هذا الاحتمال إنما يتمشى حيث كان المعنى: أقائل أنا، على التكلم. أما إذا كان المعنى على الخطاب، كما تعطيه السوابق واللواحق فلا. على أن العيني قال: "والمعنى هل أنتم قائلون، فأجراه مجرى: أتقولون1". ا. هـ. ويؤخذ منه أن الوصف هنا مسند إلى ضمير جماعة الذكور، بناء على أنه يسلك بالوصف مع نون التوكيد مسلك الفعل من البناء على الفتح مع المفرد، وعلى الضم مع جماعة الذكور، ولم أقف على نص في ذلك.
__________
1 شرح الشواهد للعيني 1/ 42، وانظر الدرر اللوامع 2/ 247-249.(1/36)
فصل3
"فصل":
"ويعرف الحرف بأنه لا يحسن فيه شيء من العلامات التسع" المذكورة للاسم والفعل، ولا غيرها، وإليه أشار الناظم بقوله:
12- سواهما الحرف "كَهَلْ"........ ...................................
من حروف الاستفهام، "وفي" من حروف الجر، "ولم" من حروف الجزم، "وقد أشير" في النظم "بهذه المثل" الثلاثة. وتعبيره بالمثل مجاز عن استعمال بناء الكثرة للقلة، ولو عبر بالأمثلة كان حقيقة "إلى" بيان "أنواع الحروف" بالنسبة إلى الاختصاص وعدمه، "فإن منها ما لا يختص بالأسماء ولا بالأفعال، فلا يعمل شيئا كـ: هل"، حيث لم يكن في حيزها فعل، فإنها تدخل على الاسم، "تقول: هل زيد أخوك"، بخلاف ما إذا كان في حيزها فعل فتختص به إما صريحا، نحو: هل قام زيد، "وهو يقوم"، وإما تقديرا نحو: هل زيد قام؟ فزيد فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور على حد: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] عند جمهور البصريين، وبالفعل المذكور عند الأخفش والكوفيين، ولاختصاص "هل" بالفعل إذا كان في حيزها وجب نصب الاسم بعدها في باب الاشتغال، نحو: هل زيدا ضربته؟
ومنها ما لا يختص بالأسماء ولا بالأفعال، ويعمل كـ"ما ولا ولات وإن" المشبهات بـ"ليس".
"ومنها ما يختص بالأسماء، فيعمل فيها" الجر "كـ "في" نحو: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ" لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20]، " {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} [الذاريات: 22]، أو يعمل النصب والرفع كـ"إن" وأخواتها. ومنها ما يختص بالأسماء ولا يعمل فيها، كـ"لام التعريف".
"ومنها ما يختص بالأفعال فيعمل فيها" الجزم، "كـ"لم" نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}" [الإخلاص: 3]، أو يعمل فيها النصب كـ "لن" نحو: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا} [الحج: 37]، ومنها ما يختص بالأفعال ولا يعمل فيها، كـ"قد والسين وسوف".(1/37)
فصل4
"فصل":
"والفعل" بكسر الفاء من حيث هو فعل "جنس تحته ثلاثة أنواع" عند جمهور البصريين، ونوعان عند الكوفيين، والأخفش بإسقاط الأمر، بناء على أن أصله مضارع، وانتصر لهم الموضح في المغني، وقواه، وسيأتي تقريره.
"أحدها" الفعل "المضارع"، أي: المشابه، وسيأتي وجه الشبه، "وعلامته أن يصلح لأن يلي: لم"، بأن يقع بعدها من غير فصل، "نحو: لم يَقُم، ولم يَشَم"، وهذه العلامة أنفع علامات المضارع، فلذلك اقتصر عليها في النظم بقوله:
12- ................. فعل مضارع يلي لم كيشم
"والأفصح فيه" أي: في "يشم" "فتح الشين" مضارع شَمِم، بكسر الميم "لا ضمها" مضارع شمم، بفتح الميم، "والأفصح في الماضي" منه: "شممت، بكسر الميم لا فتحها"، والحاصل أنه جاء من بابي فرح يفرح ونصر ينصر، والأول أفصح من الثاني، وفيه رد على ابن درستويه حيث أنكر مجيئه من باب نَصَرَ يَنْصر، وقال إنه خطأ. ا. هـ. والصواب وروده. وممن حكاه الفراء وابن الأعرابي وغيرهما كما قال المرادي، "وإنما سُمّي" هذا الفعل "مضارعا لمشابهته للاسم" المصوغ للفاعل من جهتي اللفظ والمعنى، أما من جهة اللفظ فلجريانه عليه في الحركات والسكنات وعدد الحروف مطلقا، وفي تعيين الحروف الأصول والزوائد، وتعيين محالها، ما عدا الزيادة الأولى، وأما من جهة المعنى فلأن كل واحد منهما يأتي بمعنى الحال والاستقبال. قال الشاطبي: "وهذا التوجيه أحسن ما سمعت". ا.هـ.
فلهذا اقتصرت عليه دون غيره من التوجيهات لعدم سلامتها من الطعن فيها، و"لهذا" الشبه "أعرب" المضارع "واستحق التقديم في الذكر على أخويه" الماضي والأمر، فينبغي للشخص أن يتحلى بالأوصاف الجميلة، ليحصل له التقديم على أقرانه، "ومتى دلت كلمة" من الكلمات "على معنى" الفعل "المضارع"، وهو الحدث المقترن بأحد الزمانين الحال والاستقبال، "ولم تقبل" تلك الكلمة ""لم" فهي اسم"، إما لوصف، كـ"ضارب الآن أو غدا"، وإما لفعل "كـ"أَوْهٍ وأُفّ"، بمعنى أتوجع وأتضجر"، فـ"أواه" اسم لأتوجع، و"أف" اسم لأتضجر، وفي أف أربعون لغة ذكرها في الارتشاف. وحاصلها أن الهمزة إما أن تكون مشمومة أو مكسورة أو مفتوحة، فإن كانت مضمومة فاثنتان وعشرون لغة، وحاصل ضبطها أنها إما مجردة عن اللواحق، أو ملحقة بزائد، والمجردة إما أن يكون آخرها ساكنا أو(1/38)
متحركا، والمتحركة الآخر إما مشددة أو مخففة، وكل منهما مثلث الآخر مع التنوين وعدمه، فهذه اثنتا عشرة في المتحركة. والساكنة إما مشددة أو مخففة، فهذه أربع عشرة، واللواحق لها من الزوائد إما هاء السكت أو حرف المد، فإن كان هاء السكت فالفاء مثلثة مشددة، فهذه سبع عشرة. وإن كان حرف مد فهو إما واو أو ياء أو ألف، والفاء فيهن مشددة، والألف إما مفخمة أو بالإمالة المحضة أو بين بين، فهذه خمس أخرى مع السبع عشرة، وإن كانت مكسورة فإحدى عشرة مثلثة الفاء مخففة مع التنوين وعدمه، فهذه ست، وفتح الفاء وكسرها بالتشديد فيها مع التنوين وعدمه، فهذه أربع لغات، والحادية عشرة "أفي" بالإمالة، وإن كانت مفتوحة فالفاء مشددة مع الفتح والكسر؛ والتنوين وعدمه، والخامسة "أف" بالسكون، والسادسة "أفي" بالإمالة، والسابعة "إفاه" بهاء السكت، فهذه السبع مكملة للأربعين.
النوع "الثاني": الفعل "الماضي؛ ويتميز" عن أخويه المضارع والأمر "بقبول تاء الفاعل، كتبارك وعسى وليس"، تقول: تباركت يا الله، وعسيت أنا ولست، "أو تاء التأنيث الساكنة كنعم وبئس وعسى وليس"، تقول: نعمت وبئست وعسيت وليست، فنبه بتكرير عسى وليس على اشتراك التاءين فيهما كما أومأ إليه سابقا بقوله: وبهاتين العلامتين؛ وبعدم تكرير تبارك ونعم وبئس، على انفراد تبارك بتاء الفاعل؛ وانفراد نعم وبئس بتاء التأنيث؛ كما أومأ إليه أيضا بقوله: وبالعلامة الثانية. وهو في ذلك تابع لابن مالك في شرح الكافية حيث قال: "وقد انفردت؛ يعني تاء التأنيث؛ بلحاقها نعم وبئس، كما انفردت تاء الفاعل بلحاقها تبارك". وفي شرح الآجرومية للشهاب البجائي: أن "تبارك" يقبل التاءين تقول تباركت يا ألله وتبارت أسماء الله. ا. هـ.
وهذا إن كان مسموعا فذاك، وإلا فاللغة لا تثبت بالقياس.
واستفدنا من تعبير الموضح بالتاءين أن "أل" في التاء في قول الناظم:
13- وماضي الأفعال بالتا مز ........... .........................................
للعهد المتقدم في قوله:
11- بتا فعلت وأتت............ .................................
"ومتى دلت كلمة على معنى" الفعل "الماضي"، وهو الحدث المقترن بالزمن الماضي، "ولم تقبل" تلك الكلمة "إحدى التاءين" المتقدمين، وهما تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة "فهي اسم". أما الوصف كضارب أمس، أو لفعل "كهيهات وشتان،(1/39)
بمعنى بعد وافترق"، فهيهات بمعنى بعد، وشتان بمعنى افترق، وفي هيهات أربعون لغة ذكرتها في باب اسم الفعل من هذا الكتاب. لا يقال يشكل عليه "أفعل" في التعجب، و"ما عدا وما خلا وحاشا" في الاستثناء، و"حبذا" في المدح، فإنها أفعال ماضية ولا تقبل إحدى التاءين، فليزم أن تكون أسماء؛ لأنا نقول: عدم قبولها لإحدى التاءين عارض، نشأ من استعمالها في التعجب والاستثناء والمدح والعبرة بالأصل.
النوع "الثالث": الفعل "الأمر، وعلامته أن يقبل نون التوكيد؛ مع دلالته على الأمر"، أي: الطلب بصيغته. فالدور مدفوع، وإيراد الأمر باللام ممنوع، فإن دلالته على الطلب نشأت من اللام لا من الصيغة، بخلاف "نحو: قومن"، فإنه دل على الطلب، وقبل نون التوكيد. وهذا معنى قول الناظم:
13- ............... وسم بالنون فعل الأمر إن أمر فهم
"فإن قبلت كلمة النون" المذكورة، "ولم تدل" تلك الكلمة "على الأمر" الذي هو الطلب، "فهي فعل مضارع نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا} [يوسف: 32]، أو فعل تعجب نحو: أحسنن بزيد، فإنه ليس أمرا على الأصح، بل على صورته، "وإن دلت" كلمة "على الأمر" الذي هو الطلب، "ولم تقبل النون" المذكورة "فهي اسم" إما لمصدر نحو: [من الرجز]
15- صبرا بني عبد الدار
بمعنى اصبروا. أو اسم لفعل "كنزال ودراك، بمعنى انزل وأدرك"، أو هي حرف نحو: "كلا" بمعنى انته، "وهذا" التمثيل بنزال ودراك، "أولى من التمثيل بـ: صه، و: حيهل" في قول الناظم:
14- والأمر إن لم يك للنون محل..... فيه هو اسم نحو صه وحيهل
قال "اسميتهما"، أي: اسمية صه وحيهل "معلومة مما تقدم" في علامات الاسم، "لأنهما يقبلان التنوين" تقول: صه وحيهلا، بالتنوين، وعلى هذا كان ينبغي للموضح أن لا يمثل فيما تقدم بأف؛ لأنها تقبل التنوين، فاسميتها معلومة مما تقدم أيضا، ثم النظر في "هات وتعال" هل يقبلان نون التوكيد؛ فيدخلان في علامة الأمر؛ أو لا، فيخالف ما اختاره أولا فيهما. ولله دره حيث تمم أقسام اسم الفاعل من الماضي والمضارع ومفهومي علامة الأمر التي أغفلها الناظم.
__________
15- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 5/ 352 "رجز"، 14/ 83 "بكا"، وتهذيب اللغة 10/ 610.(1/40)
باب شرح المعرب والمبني:
"هذا باب شرح المعرب و" شرح "المبني" المشتقين من الإعراب والبناء.
وإنما قدم على أصله، وإن كان معرفة المشتق متوقفة على معرفة المشتق منه، لطول الكلام على الإعراب والنباء، تأصيلا وتفريعا.
"الاسم" بعد التركيب "ضربان"، أشار به إلى أن في كلام الناظم حذفا، والتقدير: والاسم منه معرب ومنه مبني على حد: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105]، فاندفع الاعتراض بأن عبارة النظم تقتضي بظاهرها أن من الاسم هذين الشيئين، ومن شيء آخر وهو لم يذكره، ضرب "معرب، وهو الأصل" في الأسماء، وهو ما تغير آخره بسبب العوامل الداخلة عليه، "ويسمى" الاسم المعرب "متمكنا"، لتمكنه في باب الاسمية. ثم إن كان منصرفا فسمي أمكن، وإلا سمي غير أمكن. وإنما يعرب الاسم إذا لم يشبه الحرف، وإنما كان في الأصل فيه الإعراب، لاختصاصه بتعاقب معان عليه، كالفاعلية والمفعولية، والإضافة تفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب. "و" ضرب "مبني".
وذهب قوم إلى أن الإضافة لياء المتكلم لا معرب ولا مبني، وسموه خصيا، وليس بشيء، "و" المبني: "هو الفرع، ويسمى" لعدم إعرابه "غير متمكن" في الاسمية. "وإنما يبنى الاسم إذا أشبه الحرف" لا الفعل عند الناظم، شبها قويا يدنيه منه، أي: يقرب الشبه المذكور الاسم من الحرف، وهذا معنى قول الناظم:
15- ................ لشبه من الحروف مدني(1/41)
"وأنواع" هذا "الشبه ثلاثة" هنا، "أحدها الشبه الوضعي"، أي: المنسوب إلى الوضع الأصلي، وهو المشار إليه بقوله في النظم:
16- كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا ...................................
"وضابطه" المنطبق على جزئياته؛ "أن يكون الاسم" موضوعا "على حرف" واحد؛ "أو" على "حرفين" فقط، سواء كان ثانيهما حرف لين أم لا.
"فالأول" وهو الموضوع على حرف واحد "كتاء: قمت" أي: كالتاء من "قمت"، "فإنها" حال الكسر "شبيهة بنحو باء الجر" مطلقا، "ولامه" مع الظاهر غير المستغاث، "و" في حال الفتح شبيهة بنحو "واو العطف وفائه"، وفي حال الضم شبيهة بنحو: "الله" في القسم، في لغة من ضم الميم، إذا لم تسكن محذوفة من ايمن. ذكرها في شرح الشذور في الحروف المبنية على الضم.
"والثاني" وهو الموضوع على حرفين، "كـ"نا" من "قمنا" فإنها"، أي: فإن "نا" "شبيهة بنحو: قد وبل" وما ولا، وقال الشاطبي: "نا" في قوله "جئتنا" على هذا الوضع غير موجود. نص عليه سيبويه والنحويون، بخلاف ما هو على حرفين، وليس ثانيهما حرف لين، فليس ذلك من وضع الحرف المختص به. ثم قال: وبهذا بعينه اعترض ابن جني على من اعتل لبناء "كم ومن" بأنهما موضوعان على حرفين، فأشبها "هل وبل". ثم قال: فعلى الجملة وضع الحرف المختص به، إنما هو إذا كان ثاني الحرفين حرف لين على حد ما مثل به الناظم، فما أشار إليه الناظم هو التحقيق، ومن أطلق القول في الوضع على حرفين، وأثبت به شبه الحرف، فليس إطلاقه بسديد. ا. هـ. ثم استشعر اعتراضا بأن نحو: "أب وأخ" على حرفين، مع أنهما معربان، فأجاب بقوله: "وإنما أعرب نحو أب وأخ لضعف الشبه بكونه عارضا"، بعد حذف لامهما، "فإن أصلهما" قبل الحذف "أبو وأخو، بدليل" قولهم في التثنية: "أبوان وأخوان"، برد المحذوف، والتثنية ترد الأشياء إلى أصولها، فثبت أنهما موضوعان على ثلاثة أحرف، وأما "أبان وأخان" من غير رد فتثنية "أبا وأخا" بالقسر، كما سيأتي.
فإن قيل لم لم يبنيا لشبههما بالحروف الموضوعة على ثلاثة أحرف، كـ"نعم وبلى"؟ فالجواب: أن هذا الشبه مهجور؛ لأن أكثر الأسماء موضوع على ثلاثة أحرف، فيلزم أن يكون غالب الأسماء مبنيا.(1/42)
فإن قيل: نحن نجد بعض الأسماء الثلاثية مبنيا كـ"نحن"، فالجواب: أن بناء نحو "نحن" ليس لهذا الشبه، بل لشبه آخر يأتي في بناء المضمرات.
النوع "الثاني: الشبه المعنوي"، وهو المشار إليه بقول الناظم:
16- ................ والمعنوي في متى وفي هنا
"وضابطه" المنطبق على جزئياته "أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف" أي: من المعاني التي تؤدى بالحروف، "سواء أوضع لذلك المعنى" الذي تضمنه ذلك الاسم "حرف، أم لا" يوضع له حرف أصلا.
"فالأول" وهو الذي تضمن معنى وضع له حرف "كـ"متى" فإنها تستعمل شرطا"، فتجرم فعلين، "نحو: متى تقم أقم، وهي حينئذ"، أي: حين إذا استعملت شرطا "شبيهة في" تأدية "المعنى"، وهو تعليق الجواب على الشرط "بـ "أن" الشرطية"، نحو: إنن تقم أقم. "وتستعمل أيضا استفهاما"؛ فلا تعمل شيئا "نحو: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214]، هي حنيئذ"، أي: حين، إذا استعملت استفهاما، "شبيهة في" تأدية "المعنى"، وهو طلب الفهم "بهمزة الاستفهام" في طلب التصور، ولما كان هنا مظنة سؤال، وهو أن يقال: أي الشرطية وأي الاستفهامية أشبها الحرف، ومع ذلك فهما معربان، فأشار إلى جوابه بقوله: "وإنما أعربت أي الشرطية في نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ" فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28] فـ"أي" اسم شرط جازم منصوب على المفعولية بـ"قضيت" وقدمت لأن لها الصدر، و"ما" صلة، و"الأجلين" مضاف إليهما، وجملة "فلا عدوان علي" جوابها. "و" أي "الاستفهامية نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ" بِالْأَمْنِ} [الأنعام: 81] فـ"أي" اسم استفهام مبتدأ، و"الفريقين" مضاف إليهما و"أحق" خبر المبتدأ، "لضعف الشبه" فيهما؛ "بما عارضه من ملازمتهما للإضافة" إلى المفرد. وفي بعض النسخ: لملازمتها بالإفراد، والمراد الملازمة، أي: في الشرط والاستفهام للإضافة "التي هي من خصائص الأسماء".
"والثاني" وهو الاسم الذي تضمن معنى ولم يوضع له حرف، "نحو: هنا" من أسماء الإشارة للمكان، "فإنها متضمنة لمعنى الإشارة"، أي: لمعنى هو الإشارة، فالإضافة بيانية، كشجر أراك، "وهذا المعنى" الذي هو الإشارة؛ "لم تضع العرب له حرفا" يدل عليه، "ولكنه من المعاني التي من حقها أن تؤدّى بالحروف؛ لأنه"، أي: معنى الإشارة، "كالخطاب" الموضوع له الكاف المسماة بكاف الخطاب؛ "و" مثل "التنبيه(1/43)
الموضوع له "ها" المسماة بها التنبيه بالقصر، "فهنا" لتضمنها معنى الإشارة "مستحقة للبناء، لتضمنه"، أي لفظ هنا "لمعنى الحرف الذي كان يستحق الوضع"، لتؤدى به الإشارة. وعدل عن قول أكثرهم؛ لأنه كالتمني والترجي، إلى الخطاب والتنبيه، لكونهما يكتنفان الإشارة في بعض المواضع، نحو: "هذاك"، فوضعوا للتنبيه "ها"، وللخطاب "الكاف"، وتركوا الإشارة بلا حرف، فكانت تستحق أن يوضع لها حرف، كما وضع لما قبلها ولما بعدها.
"وإنما أعرب: هذان وهاتان"؛ من أسماء الإشارة "مع تضمنها لمعنى الإشارة لضعف الشبه بما عارضه من مجيئهما على صورة المثنى، والتثنية من خصائص الأسماء" وهذا القول ملفق من قولين، فإن من قال بأنهما معربان قال بتثنيتهما حقيقة، ومن قال بأنهما مبنيان، قال: جيء بهما على صورة المثنى، وليسا مثنيين حقيقة، وهو الأصح؛ لأن من شرط التثنية قبول التنكير، وأسماء الإشارة ملازمة للتعريف، كما ذكره في شرح الشذور1 ففي حالة الرفع وضعا على صيغة المثنى المرفوع، وفي حالتي الجر والنصب وضعا على صيغة المثنى المجرور والمنصوب، فقوله: أولا، وإنما أعرب هذان وهاتان، يقتضي أنهما مثنيان حقيقة كالقول الأول، وقوله: ثانيا، لمجيئهما على صورة المثنى، يقتضي أنهما ليسا بمثنيين حقيقة كالقول الثاني، وإذا جمع بين طرفي كلامه أنتج كونهما معربين مع عدم تثنيتهما، وهذا قول ثالث لم أقف عليه.
النوع "الثالث: الشبه الاستعمالي"، وهو أن يستعمل الاسم استعمال الحروف، وهو المراد بقول الناظم:
17- وكنيابة عن الفعل بلا تأثر وكافتقار أصلا
"وضابطه" المنطبق على جزئياته "أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف" الدالة على المعاني، "كأن ينوب" الاسم "عن الفعل" في معناه وعمله، "ولا يدخل عليه عامل" من العوامل، "فيؤثر فيه" لفظا أو محلا، فأما قول زهير: [من الكامل]
16- ولنعم حشو الدرع أنت إذا دعيت نزال ولج في الذعر
__________
1 شرح شذور الذهب ص140.
16- البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه 89، وإصلاح المنطق ص336، والإنصاف 2/ 535، وخزانة الأدب 6/ 317، 318، 319، والدرر 2/ 339، وشرح أبيات سيبويه 2/ 231، وشرح شواهد الشافية ص230، وشرح المفصل 4/ 26، والكتاب 3/ 271، ولسان العرب 11/ 657، 658 "نزل"، 12/ 18 "اسم"، وما ينصرف وما لا ينصرف ص75، والمقتضب 3/ 370، وهمع الهوامع 2/ 105، وبلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 247، ورصف المباني ص232، وشرح المفصل 4/ 50، 53.(1/44)
فمن الإسناد إلى اللفظ، أي: إذا دعيت هذه الكلمة، وقوله: "فيؤثر بالنصب جواب النفي المنصب على الدخول الناشئ عنه التأثير" يفهم منه أن العامل قد يدخل ولا يؤثر، مع أن العوامل اللفظية لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق، كما صرح الموضح به في باب الإضافة. فلو اقتصر على نفي الدخول؛ كما فعل في المشبه به الآتي؛ لكفاه، ولكنه حاول شرح قول الناظم:
17- ........................... بلا تأثر ................................
الذي لو حذف، وجعل الألف في قوله:
17- .............................. ................................ أصلا
ضمير تثنية عائدا على النيابة والافتقار، أو للإطلاق والحذف من الأول، لدلالة الثاني عليه، والأصل: كنيابة أصلت وافتقار أصل، لسلم مما نقله الشاطبي عن بعض الشيوخ حيث قال: "وهذا يعني بلا تأثر لا محصول له، فإن تقديره من شرط بناء اسم الفعل أن لا يكون العامل مؤثرا في لفظه، وهذا هو نتيجة وجوب البناء لا شرطه ولا سببه، فحاصل المعنى على هذا، من شرط بناء اسم الفعل، أن لا يكون معربا وهذا محال". ا.هـ.
ولما ورد المصدر النائب عن فعله؛ لأن نيابته عن الفعل عارضة في بعض التراكيب كما صرحوا به بخلاف اسم الفعل، فإن نيابته عن الفعل متأصلة في المرتجلات، ومنزلة منزلة المتأصلة في المنقولات، وهذا هو السر في بناء اسم الفعل وإعراب المصدر النائب عن فعله، مع أن كلا منهما نائب عن الفعل، وإلا فما الفرق؟ فليتأمل! "وكان يفتقر" الاسم "افتقار متأصلا إلى جملة" اسمية أو فعلية.
"فالأول" وهو الذي ينوب عن الفعل ولا يدخل عليه عامل، "كـ: هيهات، وصه، وأوه" من أسماء الأفعال، "فإنها"، أي: فإن هيهات وصه وأوه "نائبة عن بعد"، بضم العين "واسكت وأتوجع" على طريق اللف والنشر على الترتيب، فـ"هيهات" نائبة عن فعل ماض، وهو بعد، و"صه": نائبة عن فعل أمر وهو اسكت، و"أوه": نائبة عن فعل مضارع وهو أتوجع، "ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل" اللفظية والمعنوية، "فتتأثر به"، على القول الصحيح من أنها لا محل لها من الإعراب، وقد بسطت الخلاف في ذلك في باب اسم الفعل، "فأشبهت" من الحرف "ليت ولعل مثلا، ألا ترى أنهما نائبتان" عن الفعل، فـ"ليت" نائبة "عن أتمنى، و" "لعل":(1/45)
نائبة عن "أترجى، ولا يدخل عليهما عامل" أصلًا، فضلًا عن أن يتأثرًا به "واحترز" الناظم "بانتفاء التأثر من المصدر النائب عن فعله نحو ضربًا، وفي قولك: ضربًا زيد، فإنه"، أي: ضربًا، "نائب عن اضرب، وهو مع هذا" أي: مع كونه نائبًا عن الفعل "معرب، وذلك لأنه" منصوب بالفعل المحذوف وجوبًا، والتقدير: اضرب ضربًا، كما أنه إذا ناب عن "أن" والفعل "تدخل عليه العوامل" اللفظية، "فتؤثر فيه، تقول" في الرفع: "أعجبني ضرب زيد، و" في النصب: "كرهت ضرب عمرو، و" في الخفض: "عجبت من ضربه"، وبهذا التقدير يندفع ما قيل إن التمثيل غير مطابق للحكم.
"والثاني" وهو الذي يفتقر افتقارًا متأصلًا إلى جملة "كإذ وإذا" من ظروف الزمان، "وحيث" خاصة من ظروف المكان و: [من الطويل]
17- ............................... ........................ حيث لي العمائم
نادرًا. "و" كالذي والتي من "الموصلات"، ألا ترى أنك تقول: جئتك إذ، فلا يتم معنى "إذ" حتى تقول: جاء زيد، ونحوه" من الجمل "وكذلك الباقي" من الظروف والموصلات, فإنها أشبهت الحروف بأسرها، في افتقارها في إفادة معناها إلى ذكر متعلقها افتقارًا متأصلًا إلى جملة؛ لأنها إنما وضعت لنسبة معاني الأفعال إلى الأسماء. "واحترز بذكر الأصالة" المستفادة من قول الناظم:
17- .............................. ............................... أصلًا
"من نحو" يوم في: "{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}" [المائدة: 119] "فـ: يوم" في قراءة الرفع خبر هذا، وهو "مضاف" بدليل حذف تنوينه "إلى الجملة" بعده، وهي الفعل ومفعوله وفاعله، "والمضاف" أبدا "مفتقر إلى" ذكر "المضاف إليه" في إفادة معناه، " ولكن هذا الافتقار عارض في بعض التراكيب"، ويزول في بعضها. "ألا ترى أنك تقول: صمت يوما" إذا أخبرت عن الترك، "وسرت يوما" إذا أخبرت
__________
17- تمام البيت:
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم..... ببيض المواضي حيث لي العمائم
وهو للفرزدق في شرح شواهد المغني 1/ 389، والمقاصد النحوية 3/ 387، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 125، وخزانة الأدب 6/ 553، 557، 558، 7/ 4، والدرر 1/ 455، وشرح ابن الناظم ص279، وشرح الأشموني 2/ 314، وشرح المفصل 4/ 92، ومغني اللبيب 1/ 132، وهمع الهوامع 1/ 212.(1/46)
عن الإيجاد، "فلا يحتاج" في تمام معنى يوم "إلى شيء" آخر. "واحترز بذكر الجملة من نحو: سبحان" من أسماء المصادر " وعند" من الظروف، "فإنهما مفتقران بالأصالة، لكن" افتقارهما "إلى مفرد" لا إلى جملة، "تقول: سبحان الله، وجلست عند زيد"، فلذلك أعربا نصبا على المصدرية، والناصب لـ"سبحان" فعل محذوف تقديره: "أُسبِّح"، والناصب لـ"عند" جلست، وما ذكره من أن "سبحان" ملازم للإضافة هو المشهور. وقال الفخر الرازي: "سبحان" مصدر لا فعل له، فيستعمل مضافا وغير مضاف، وإذا لم يضف ترك تنوينه، فقيل: سبحان من زيد، أي: براءة منه، كقوله: [من السريع]
18- ................. سبحان من علقمة الفاخر
وإنما منع صرفه؛ لأنه معرفة، وفي آخره ألف ونون. انتهى بحروفه. وأما استعمال "عند" غير مضافة كقوله: [من م. الرمل]
19- كل عند لك عندي لا يساوي نصف عندي
فمن كلام المولدين؛ وليس بلحن، خلافا للحريري. بل كل كلمة ذكرت مرادا بها لفظها فسائغ أن تتصرف تصرف الأسماء، وأن تعرب ويحكى أصلها. قاله في المغني1.
ثم استشعر اعتراضا بأن: "اللذين واللتين وأيا" من الموصولات معربة، مع أنها مفتقرة بالأصالة إلى جملة، فأجاب بقوله: "وإنما أعرب "اللذان واللتان وأي الموصولة" في نحو: اضرب أيهم أساء"، بنصب "أي"، لأن جملة "أساء" صلة تامة، فسقط القول بأن "أيا" هنا مبنية على الضم، لإضافتها وحذف صدر صلتها، وهذا سهو عن شرط المسألة؛ لأن حذف صدر الصلة مشروط فيه أن يكون خبرة مفردا، ومتى كان خبره جملة امتنع حذفه كما سيأتي، "لضعف الشبه" متعلق بقوله: "أعرب"، "بما
__________
18- صدر البيت: "أقول لما جاءني فخره"
وهو للأعشى في ديوانه 193، وأساس البلاغة "سبح"، والأشباه والنظائر 2/ 109، وجمهرة اللغة ص278، وخزانة الأدب 1/ 185، 2/ 234، 235، 238، والخصائص 2/ 435، والدرر 1/ 415، وشرح أبيات سيبويه 1/ 157، وشرح شواهد المغني 2/ 905، وشرح المفصل 1/ 37، 120، والكتاب 1/ 234، ولسان العرب 2/ 471 "سبح"، وتاج العروس 4/ 578 "شتت"، وبلا نسبة في خزانة الأدب 3/ 388، 6/ 286، والخصائص 2/ 197، 3/ 23, والدرر 2/ 159, ومجالس ثعلب 1/ 261, والمقتضب3/ 218, والمقرب 1/ 149, وهمع الهوامع 1/ 190، 2/ 52، سبحان من علقمة الفاخر
: براءة من فخره وتكبره.
19- البيت لبعض المولدين في مغني اللبيب 1/ 156.
1 مغني اللبيب 1/ 156.(1/47)
عارضه" متعلق بضفع، "من المجيء" بيان لما متعلق بعارضه، "على صورة التثنية" متعلق بالمجيء، وهو راجع إلى "اللذين واللتين"، وفي البحث السابق في "هذين وهاتين"، "و" بما عارضه "من لزوم الإضافة" إلى مفرد راجع إلى "أي".
وأهمل الشبه الإهمالي، وضابطه أن يشبه الاسم الحرف المهمل، في كونه غير عامل ولا معمول، كأسماء الأصوات، والأعداد المسرودة قبل التركيب، وفواتح السور. وأدخله ابن مالك في بعض كتبه في الشبه المعنوي، وأدخله غيره في الاستعمالي، وأدخل الشاطبي أسماء الأصوات في قول الناظم:
17- وكنيابة عن الفعل بلا تأثر ....................
فقال: "لأنها تعطي من المقصود في الزجر والاستدعاء، ما يعطيه الفعل لو كان للزجر أو الاستدعاء لمن يخاطب، وحمل حكاية الأصوات كـ"غاق" و"قب" على أسماء الأصوات". ذكره في باب اسم الفعل، هذا حكم ما أشبه الحرف من الاسم.
"و" أما "ما سلم" منه "من مشابهة الحرف فمعرب، وهو"؛ أي: المعرب؛ "نوعان: ما يظهر إعرابه، كـ: أرض، تقول: هذه أرض" بالرفع؛ "ورأيت أرضا" بالنصب، "ومررت بأرض" بالخفض. "وما لا يظهر إعرابه، كـ: الفتى" من المقصور، "تقول: جاء الفتى" بضمة مقدرة على الألف، "ورأيت الفتى" بفتحة مقدرة عليها، "ومررت بالفتى" بكسرة مقدرة عليها. "ونظير الفتى" في تقدير الحركات في آخره "سما" بضم أوله وفتح ثانيه والقصر، "كـ: هدى، وهي" أي: سما "لغة في الاسم" من ست1، ثانيها: سما؛ بكسر السين والقصر، كـ: "رضى"، وثالثها ورابعها: سم بضم السين وكسرها من غير قصر، وخامسها وسادسها: اسم، بضم الهمزة وكسرها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
18- ومعرب الأسماء ما قد سلما .....من شبه الحرف كأرض وسما
بضم السين والقصر لغة في الاسم، "بدليل قول بعضهم" وقد سئل عن اسم شخص: "ما سماك؟" أي: ما اسمك؟ "حكاه صاحب الإفصاح" فيه وجه الدلالة منه أنه أثبت الألف مع الإضافة، وذلك يفيد كونه مقصورا. وأما أنه يفيد ضم السين فلا، إذ يحتمل كسرها، وبعضهم استدل على ثبوت هذه اللغة بقول ابن خالد القناني، نسبة إلى
__________
1 ذكر غير في حاشية يس 1/ 54، في الاسم ثمان عشرة لغة جمعها الدنوشري بقوله:
سما سم واسم سماة كذا سما .....وزد سمة واثلث أوائل كلها(1/48)
القنان1، بفتح القاف، جبل لبني أسد: [من الرجز]
والله أسماك سما مباركا
وهو ليس بنص في المقصود، فلأجل ذلك قال: "وأما قوله":
20- "والله أسماك سما مباركا" .....آثرك الله به إيثاركا
"فلا دليل فيه؛ لأنه" أي: "سما" "منصوب منون، فيحتمل أن الأصل: سم" من غير قصر، "ثم دخل عليه الناصب" وهو: "أسماك" "ففتح"، أي: نصب على أنه مفعول ثان لـ"أسماك"، لأنه بمعنى "سماك"، وقد روي به أيضا، "كما تقول في: يد" إذا دخل عليها ناصب: "رأيت يدا". ومعنى: "آثرك الله به إيثاركا" اختصك بهذا الاسم المبارك، كإيثاره إياك بالفضل، فأضاف المصدر إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل.
__________
1 القنان: جبل بأعلى نجد فيه ماء يدعى العسيلة. "معجم البلدان 4/ 401".
20- الرجز لابن خالد القناني في إصلاح المنطق ص134، والمقاصد النحوية 1/ 154، وبلا نسبة في أسرار العربية ص9، والإنصاف 1/ 15، وأوضح المسالك 1/ 34، وشرح المفصل 1/ 24، ولسان العرب 14/ 401، 402 "سما"، وتاج العروس "سمو".(1/49)
فصل1
"فصل":
"والفعل" أيضا "ضربان": ضرب "مبني، وهو الأصل" في الأفعال، إذا لم تعتورها معان تفتقر في تمييزها إلى إعراب، "و" ضرب "معرب، وهو بخلافه"، أي: بخلاف المبني، وهو الفرع. "فالمبني" من الأفعال "نوعان:
أحدهما: الفعل "الماضي"، مبني باتفاق "وبناؤه على الفتح". للخفة، ثلاثيا كان "كـ: ضرب", أو رباعيا كـ: دحرج, أو خماسيا كـ: انطلق, أو سداسيا كـ: استخرج. ولا يزيد على ذلك وإنما بني على حركة لمشابهته المضارع في الجملة، لوقوعه صفة وصلة وخبرا وحالا وشرطا, ولثقل الضم والكسر وثقل الفعل عدلوا إلى الفتح لخفته، "وأما ضربت ونحوه" مما اتصل ضمير رفع متحرك بارز، "فالسكون" فيه "عارض أوجبه كراهتهم" أي: العرب "توالي أربع متحركات"، وهي أحرف الفعل الثلاثة وتاء الفاعل، "فيما هو كالكلمة" الواحدة؛ لأن تاء الفاعل لشدة اتصالها بالفعل نزلت منه منزلة الجزء، "وكذلك ضمة" الباء من "ضربوا عارضة لمناسبة الواو" بإضافة المصدر إلى مفعوله، وحذف فاعله، والأصل لمناسبتها الواو.
"و" النوع "الثاني: الأمر"، مبني على الأصح عند جمهور البصريين، وإلى هذين الإشارة بقوله:
19- وفعل أمر ومضى بنيا ..........................
وبناؤهما مختلف، فالماضي بناؤه على الفتح كما تقدم، "و" الأمر "بناؤه على ما يجزم به مضارعه" المبدوء بتاء الخطاب، "فنحو "اضرب": مبني على السكون"، فإن مضارعه يجزم بالسكون، نحو: لم تضرب، "ونحو: اضربا"، واضربوا، واضربي: "مبني على حذف النون" لأن مضارعها يجزم بحذف النون، نحو: لم تضربا ولم تضربوا ولم تضربي، "ونحو: اغز"، اخش، وارم "مبني على حذف آخر الفعل", لأن مضارعها يجزم بحذف آخره، نحو: لم تغز، ولم تخش، ولم ترم. فـ"اغز" مبني على(1/50)
حذف الواو، و"اخش": مبني على حذف الألف، و"ارم" مبني على حذف الياء، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أن الأمر معرب مجزوم بلام الأمر، وإنها حذفت حذفا مستمرا في نحو: قم واقعد، والأصل: لِتَقُم ولِتَقْعد، فحذفت اللام للتخفيف؛ وتبعها حرف المضارعة. قال الموضح في المغني1: "وبقولهم أقول؛ لأن الأمر معني، فحقه أن يؤدى بالحرف؛ ولأنه أخو النهي". ا. هـ. وقد دل عليه بالحرف؛ ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده؛ ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله: [من الخفيف]
21- لتقم أنت يابن خير قريش..... كي لتقضي حوائج المسلمينا
وكقراءة بعضهم: "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا" [يونس: 58] بالتاء الفوقية2، وفي الحديث: "لتأخذوا مصافكم"؛ ولأنك تقول: اغز، واخش، وارم، واضربا، واضربوا، كما تقول في الجزم؛ ولأن البناء لم يعهد كونه بالحذف؛ ولأن المحققين على أن أفعال الإنشاء مجردة عن الزمان؛ كـ"بعت"، و"أقسمت"، و"قبلت"، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم ادعاء ذلك في: "قم"؛ لأنه ليس له حالة غير هذه، وحينئذ فتشكل فعليته. وإذا ادعى أن أصله: "لتقم"، كان الدال على الإنشاء اللام لا الفعل3. انتهى كلامه في المغني4. وهذا ما وعدناه به عند تقسيم الأفعال.
"والمعرب" من الأفعال "المضارع، نحو: يقوم" زيد، "لكن" لا مطلقا على الأصح، بل "بشرط سلامته من نون الإناث5، و" من "نون التوكيد المباشرة".
__________
1 مغني اللبيب 1/ 221.
21- البيت بلا نسبة في الإنصاف 2/ 525، وتذكرة النحاة ص666، وخزانة الأدب 9/ 14، 106، وشرح شواهد المغني 2/ 602، ومغني اللبيب 1/ 221، 2/ 552.
2 الرسم المصحفي: {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء، وقرأها "فلتفرحوا" ابن عامر وأبي وأنس وابن سيرين وقتادة وابن عباس وغيرهم. انظر الإتحاف 252، والمحتسب 1/ 313، والنشر 2/ 285. والقراءة من شواهد مغني اللبيب 1/ 186، وشرح التصريح 1/ 55، 2/ 246، وأوضح المسالك 4/ 201.
3 أي: وإذا لم يثبت له دلالة على الطلب كان مضارعا، وإذا ثبت كونه كونه مضارعا ثبت أيضا أن الفعل ينقسم عند الكوفيين ومن وافقهم إلى قسمين فقط، كما صرح بذلك الشارح سابقا.
4 مغني اللبيب 1/ 221.
5 أي: نون الإناث الموضوعة أصالة للإناث وإن استعملت للذكور مجازا. "حاشية يس 1/ 56".(1/51)
وإلى ذلك الإشارة بقوله:
19- ................ وأعربوا مضارعا إن عريا
20- من نون توكيد مباشر ومن... نون إناث .....................
"فإنه من نون الإناث مبني على" الأصح "على السكون" كالماضي "نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]، وذهب السهيلي إلى أنه مع نون الإناث معرب تقديرا، "ومع نون التوكيد المباشر مبني" على الأصح. وقيل: لا تشترط المباشرة، فنحو: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] مبني أيضا. وقيل: الجمع معرب تقديرا، والمختار أنه مع المباشرة مبني "على الفتح، نحو: {لَيُنْبَذَنَّ} [الهمزة: 4] لتركيبه مع النون تركيب "خَمْسَة عَشَر"، ولهذا لو فصل بين الفعل والنون ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة، لم يحكم على الأصح ببنائه؛ لأنهم لا يركبون ثلاثة أشياء. "وأما" نون التوكيد "غير المباشرة" لفظا وتقديرا، "فإنه": أي: المضارع "معرب معها تقديرا نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] مضارع بلا يبلو مبني للمجهول؛ مسند لجماعة الذكور؛ من البلاء وهو التجربة، أصله قبل التوكيد: "لتبلوون" كـ"تنصرون"؛ بواوين؛ الأول لام الفعل، والثانية واو الجماعة، فإما أن تقول: استثقلت الضمة على لام الفعل؛ فحذفت لاستثقالها، أو تقول: تحركت وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا. وعلى التقديرين التقى ساكنان؛ الواوان على التقدير الأول، والألف والواو على التقدير الثاني، فحذف أول الساكنين، فصار: "لتبلون" بوزن تفعون، ثم أكد بالثقيلة فصار: "لتبلونن" بثلاث نونات، فحذفت نون الرفع لفظا لتوالي النونات، فالتقى ساكنان واو الجمع ونون التوكيد المدغمة، وتعذر حذف إحداهما؛ فحركت الواو بحركة تجانسها، وهي الضمة؛ ولم تحرك النون محافظة على الأصل، ولعروض الضمة لم تنقلب الواو ألفا لتحركها؛ وانفتاح ما قبلها، وحيث حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال فهي مقدرة الثبوت؛ لأنها علامة الرفع، بخلاف ما إذا حذفت للجازم؛ فإن المضارع معرب مع نون توكيد لفظا نحو: "{فَإِمَّا تَرَيِنّ}" [مريم: 26] أصله قبل التوكيد: "ترأيين" كـ"تمنعين"، نقلت حركة الهمزة إلى الراء قبلها، ثم حذفت الهمزة؛ فصار: "تريين" بفتح الراء وكسر الياء الأولى وسكون الثانية، وإما أن تقول: حذفت الكسرة لاستثقالها أو تحركت الياء وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا، وعلى التقديرين التقى ساكنان؛ حذف أولهما كما مر، فصار: "ترين" بفتح الراء(1/52)
وسكون الياء، ثم دخل الجازم وهو إن الشرطية المتصلة بما الزائدة، فحذفت نون الرفع فصار: "فإما تري" بسكون الياء المفتوح ما قبلها، ثم أكد بالنون، فالتقى ساكنان؛ ياء المخاطبة ونون التوكيد، وتعذر حذف أحدهما، فحركت الياء بحركة تجانسها؛ وهي الكسرة؛ إلى آخر ما مر في "لتبلون". "و" نحو: "{وَلا تَتَّبِعَانِّ}" [يونس: 89] أصله قبل التوكيد والنهي: "تتبعان" بتخفيف النون لرفع، فدخل عليه "لا" الناهية، فحذفت نون الرفع، فصار: "لا تتبعا" ثم أكد بالثقيلة، فالتقى ساكنان؛ الألف ونون التوكيد المدغمة، ولم يجز حذف الألف لئلا يلتبس بالواحد، ولا تحريكها لأنها لا تقبل الحركة، ولم يجز حذف النون لفوات المقصود منها، فحركت النون بالكسر تشبيها بنون التثنية الواقعة بعد الألف.
هذه أمثلة غير المباشرة لفظا، وأما غير المباشرة تقديرا فنحو: {وَلا يَصُدُّنَّكَ} [القصص: 87] بضم الدال، أصله قبل التوكيد والنهي: "يصدونك"، حذفت النون للجازم وهو "لا" الناهية، فصار: "يصدوك"، ثم أكد بالثقيلة؛ فالتقى ساكنان؛ حذفت الواو لدلالة الضمة عليها، فصار: "لا يصدنك". فنون التوكيد وإن باشرت الفعل لفظا، إلا أنها لم تباشره في الأصل؛ لأن الواو المحذوفة فاصلة بينهما تقديرا، والضابط أن الفعل المضارع إن كان يرفع بالضمة، فإنه إذا أكد بالنون يبنى، وإن كان يرفع بثبات النون، فإنه إذا أكد بالنون يبقى على إعرابه لفظا أو تقديرا، لوجود الفاصل لفظا أو تقديرا. وقد تبين بما قررنا أن الإعراب التقديري في: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] خاصة بخلاف: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26] {وَلا تَتَّبِعَانِّ} [يونس: 89] فإنه فيهما لفظي وذلك خلاف سياق كلامه.
"والحروف كلها مبنية" لأنها لا تتصرف ولا يعتقب عليها من المعاني ما تحتاج معه إلى إعراب، وهذه العبارة أحسن من قول الناظم:
21- وكل حرف مستحق للبنا .............................
إذ لا يلزم من استحقاق البناء الاتصاف به، والبناء لغة: وضع شيء على شيء على صفة يراد بها الثبوت. وفي الاصطلاح: لزوم آخر الكلمة حالة واحدة على القول بأنه معنوي، وعلى القول بأنه لفظي، فقال ابن مالك: ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا أو تخلصا من سكونين.(1/53)
فصل2
"فصل":
وأنواع "البناء أربعة" لا زائد عليها:
"أحدها: السكون، وهو الأصل"؛ وإليه أشار بقوله:
21- ................... والأصل في المبني أن يسكنا
وإنما كان الأصل في البناء السكون لخفته واستصحابا للأصل، وهو عدم الحركة، فلا ينبني عليها إلا لسبب، كالتقاء الساكنين في نحو: "أمس"، وكون الكلمة على حرف واحد كتاء "قمت" وكونها عرضة للابتداء بها كـ"لام الابتداء"، وكونها لها أصل في التمكن كـ"أول"، وكشبهها بالمعرب كـ"ضرب". "ويسمى" عدم الحركة "أيضا وقفا"، كما يسمى سكونا، والسكون خفيف، "ولخفته دخل في الكلم الثلاث" الحرف والفعل والاسم. ففي الحرف "نحو: "هل"، و" في الفعل نحو: "قم، و" في الاسم نحو: "كم"، بدأ بالحرف لتوغله، وثنى بالفعل لأنه الأغلب فيه.
"و" النوع "الثاني: الفتح، وهو أقرب الحركات إلى السكون"، لحصوله بأدنى فتح الفم، بخلاف الضم والكسر، فإن الأول إنما يحصل بإعمال العضلتين معا الواصلتين إلى طرفي الشفة، والثاني إنما يحصل بالعضلة الواحدة الجاذبة إلى أسفل "فلهذا" القرب "دخل" الفتح "أيضا في الكلم الثلاث": في الحرف "نحو: سوف، و" في الفعل نحو: "قام، و" في الاسم نحو: "أين. والنوعان الآخران وهما الكسر والضم" ثقيلان، "ولثقلهما" لكونهما يحتاجان إلى إعمال إحدى العضلتين أو كلتيهما، "وثقل الفعل" لدلالته على الحدث والزمان مطابقة، والفاعل التزاما "لم يدخلا فيه"، لئلا يجمع بين ثقيلين، "ودخلا في الحرف والاسم" لخفتهما، بدلالتهما على شيء واحد،(1/54)
فالكسر في الحرف "نحو: لام الجر" الداخلة على ظاهر غير مستغاث، "و" الكسر في الاسم نحو: "أمس" عند الحجازيين بشرطه الآتي، "و" الضم في الحرف والاسم "نحو: "منذ" في لغة من جر بها أو رفع، فإن الجارة" للاسم "حرف، والرافعة" له "اسم"، وسيأتي إيضاح ذلك في باب حروف الجر.
وإلى أنواع البناء الأربعة الإشارة بقوله في النظم:
22- ومنه ذو فتح وذو كسر وضم كأين أمس حيث والساكن كم
وأقوى الحركات الضم، ويليه الكسر، ثم الفتح. وسمي الأول ضما؛ لأنه ينشأ من ضم الشفتين أولا ثم رفعهما ثانيا، وسمي الثاني كسرا؛ لأنه ينشأ من انجرار اللحى الأسفل إلى أسفل انجرارا قويا، وسمي الثالث فتحا؛ لأنه يتولد من مجرد فتح الفم. وهذه الحركات تكون ظاهرة كما مر، ومقدرة كتقدير الضم في: "يا سيبويه"، والفتح في نحو: "لا فتى إلا علي"، والكسر في نحو: "هؤلاء" حال الوقف.(1/55)
فصل3
"فصل":
"الإعراب" لغة: البيان، واصطلاحًا: تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا، أو تقديرًا، على القول بأنه معنوي، وعلى القول بأنه لفظي، "أثر ظاهر" في اللفظ، "أو مقدر" فيه "يجلبه العامل" المقتضي له "في آخر الكلمة" التي هي اسم لم يشبه الحرف، أو فعل مضارع لم تتصل به نون الإناث، ولم تباشره نون التوكيد، والمراد بالأثر الظاهر أو المقدر: نفس الحركات الثلاث والسكون وما ناب عنها، والمراد بالظاهر: ما تلفظ به من حركة أو حرف أو سكون أو حذف. والمراد بالمقدر: ما ينوى من ذلك، كما تنوى الضمة والفتحة والكسرة في نحو: "الفتى"، وكما تنوى الواو في نحو: "مسلمي" رفعًا، وكما تنوى النون في نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] وكما ينوى حذف الحركة في نحو: "لم يقرأ"، إذا كان الإبدال قبل دخول الجازم ولم يعتد به، والمراد بالعامل: ما به يحدث المعنى المحوج للإعراب، والمراد بآخر الكلمة: ما كان آخرًا حقيقة كـ"دل: زيد"، أو مجازًا كـ"دال: يد"، والمراد بالكلمة هنا: الاسم والفعل المعربان.
والإعراب جنس، "وأنواعه" الداخلة تحته "أربعة:
رفع ونصب" يشتركان "في اسم وفعل"، فالرفع "نحو: زيد يقوم"، فـ"زيد": مرفوع بالابتداء، و"يقوم": مرفوع بالتجرد، "و" النصب نحو: "إن زيدًا لن يقوم"، فـ"زيدًا": منصوب بـ"إن"، و"يقوم" منصوب بـ"لن".
"وجر" مختص بمعنى "في اسم، نحو": مررت "بزيد"، فـ"زيد": اسم مجرور بالياء.
"وجزم" مختص بمعنى "في فعل نحو: لم يقم"، فـ"يقم": فعل مجزوم بـ"لم"، وإلى هذه العلامات الأربع أشار بقوله:(1/56)
23- والرفع والنصب اجعلن إعرابا.... لاسم وفعل نحو لن أهابا
24- والاسم قد خصص بالجر كما .....قد خصص الفعل بأن ينجزما
"ولهذه الأنواع الأربعة" التي هي الرفع والنصب والجر والجزم "علامات"، جمع علامة، بمعنى علم، أو جمع علم، كاصطبلات جمع اصطبل، فالضمة علم ومسماه الرفع، وكذا الباقي، وبهذا يندفع ما يقال: إن في كلامه تناقضًا، وذلك أنه جعل الإعراب أولًا نفس الحركات، وما ناب عنها بقوله: "أثر" إلخ. وجعلها ثانيًا علامات للإعراب بقوله: "و" لهذه الأنواع الأربعة علامات "أصول، وهي الضمة للرفع" نحو: جاء زيد، "والفتحة للنصب" نحو: رأيت زيدًا، "والكسرة للخفض" نحو: مررت بزيد "وحذف الحركة للجزم" نحو: لم يقم، وذلك مستفاد من قوله في النظم:
25- فارفع بضم وانصبن فتحًا وجر..... كسر كذكر الله عبده يسر
26- واجزم بتسكين ............ ..................................
"وعلامات فروع" نائبة "عن هذه العلامات" أصول وهي عشرة: ثلاثة تنوب عن الضمة، وهي: الواو والألف والنون، وأربعة تنوب عن الفتحة، وهي: الكسرة والألف والياء وحذف النون، واثنان ينوبان عن الكسرة، وهما الفتحة والياء، وواحدة تنوب عن حذف الحركة، وهي حذف حرف العلة، أو حذف النون، وإليها أشار بقوله:
26- ..................... وغير ما ذكر ينوب .................................
"وهي"، أي: هذه العشرة، "واقعة في سبعة أبواب متفرقة"
"الباب الأول":
المشار إليه بقول الناظم:
27- وارفع بواو وانصبن بالألف..... واجر بياء ما من الأسما أصف
28- من ذاك ذو إن صحبة أبانا..... والفم حيث الميم منه بانا
29- أب أخ حم كذاك وهن .............................
وهو "باب الأسماء الستة" المعتلة المضافة، "فإنها ترفع الواو" نيابة عن الضمة، "وتنصب بالألف" نيابة عن الفتحة، "وتخفض بالياء" نيابة عن الكسرة، "وهي: ذو، بمعنى صاحب" لا بمعنى الذي، "والفم إذا فارقته الميم" لا المتصل بها، "والأب، والأخ" بالتخفيف، "والحم" بغير همز، "والهن". قال ابن مالك في شرح(1/57)
العمدة: "جعل أولها "ذو" لأنه مختص بملازمة الإعراب بالحروف، وجعل "فو" قرين "ذو" في الذكر، لتساويهما في لزوم الإضافة والإعراب بالحروف. إلا أن "ذو" لا تضاف لياء المتكلم، و"فو" تضاف إليها، فلهذا انحط عن درجة "ذو"، وأخر عنه، و"الأب والأخ والحم" مستوية في الإعراب بالحروف؛ إذا أضيفت لغير ياء المتكلم، فقرن بينها في الذكر قبل "الهن"، وأخر "الهن" لأن إعرابه بالحروف قليل". ا. هـ. ملخصا.
"ويشترط" لإعراب هذه الأسماء بالحروف "في غير "ذو"، أن تكون مضافة لا مفردة" عن الإضافة، "فإن أفردت" عنها، "أعربت بالحركات" الثلاث ظاهرة، فالرفع "نحو: {وَلَهُ أَخٌ} [النساء: 12]، فـ"أخ": مرفوع على الابتداء وخبره في الجار والمجرو قبله، "و" النصب نحو: " {إِنَّ لَهُ أَبًا} [يوسف: 78]، فـ"أبا": اسم إن وخبرها الجار والمجرور المقدم على اسمها، والجر نحو: " {وَبَنَاتُ الْأَخِ} [النساء: 23] قد "الأخ": مجرور بإضافة بنات إليه. ثم استشعر اعتراضا بأن: "فا" جاء معربا بالحروف مع أنه مفرد، فأجاب بقوله: "فأما قوله؛ يعني العجاج: [من الرجز]
22- "خالط من سلمى خياشيم وفا"
"فشاذ"؛ لأنه منصوب بالألف بالعطف على "خياشيم" المنصوب بـ"خالط" على المفعولية، مع أنه غير مضاف. وخرجه أبو الحسن وتابعه ابن مالك على أنه حذف المضاف إليه ونوى ثبوت لفظه "لإضافة منوية" في المعطوف والمعطوف عليه، "أي: خياشيمها وفاها"، فأبقاه على حاله غير مضاف إضافة صريحة. وقال ابن كيسان: إنما جاز ذلك؛ لأنه موضع لا يلحقه التنوين، فحذف؛ يعني التنوين؛ وبقي مفردا على حرفين، إذ الألف هي المنقلبة عن عين الكلمة، فلم يلزم من ذلك أن يبقى على حرف واحد. فعلى قول ابن مالك، لا يشترط في الإضافة أن تكون ملفوظة بل الملفوظة والمنوية في ذلك سواء، "ويشترط في الإضافة أن تكون لغير الياء" الدالة على التكلم، سواء في ذلك الظاهر، وضمير المتكلم مع غيره، وضمير المخاطب، وضمير الغائب وفروعها. "فإن كانت" الإضافة "للياء" المذكورة، "أعربت" هذه الأسماء "بالحركات المقدرة" في الأحوال الثلاث على الأصح، فالرفع "نحو: {وَأَخِي هَارُونُ} [القصص: 34] فـ"أخي":
__________
22- الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 225، ولسان العرب 12/ 459 "فمم"، 15/ 345 "نهى"، 456 "ذو"، وإصلاح المنطق ص84، وخزانة الأدب 3/ 442، 444، والدرر 1/ 36، وشرح أبيات سيبويه 1/ 204، والمقاصد النحوية 1/ 152، والمقتضب 1/ 240، والممتع في التصريف ص408، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 50، والمسائل العضديات ص228-229.(1/58)
مرفوع على الابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الخاء منع ظهورها اشتغال المحل بحركته المناسبة، و"هارون": بدل منه أو عطف بيان عليه، وجملة "هو أفصح مني لسانا": خبره.
ومما يحتمل الرفع والنصب: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23] فـ"أخي": يحتمل أن يكون منصوبا على البدلية من هذا، ويحتمل أن يكون مرفوعا على أنه خبر أول لـ"إن"، وجملة: "له تسع وتسعون": خبر ثان.
ومما يحتمل الأوجه الثلاثة "{إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: 25] فـ"أخي": يحتمل أن يكون مرفوعا، وأن يكون منصوبا، وأن يكون مجرورا، فرفعه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون عطفا على الضمير المستتر في "أملك"، ذكره الزمخشري، واعترضه الموضح بأن "أملك" لا يرفع الظاهر، فلا يعطف على مرفوعه ظاهر، وجوابه أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، والذي حسن العطف على الضمير المرفوع المتصل؛ الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمستثنى.
الوجه الثاني: أن يكون معطوفا على "إن" واسمها:
الوجه الثالث: أن يكون مبتدأ حذف خبره، والتقدير: وأخي لا يملك إلا نفسه، فهو على هذا من عطف الجمل، وعلى الأولين من عطف المفردات.
ونصبه من وجهين أحدهما: أن يكون معطوفا على اسم "إن"، الثاني: أن يكون معطوفا على "نفس".
وجزء من وجه واحد؛ وهو أن يكون معطوفا على الياء المجرورة بإضافة "نفس" إليها.
وهذا الوجه لا يجيزه جمهور البصريين لعدم إعادة الجار، واستغنى عن اشتراط التكبير والإفراد المقابل للتثنية والجمع تبعا لأصله حيث اقتصر على قوله:
31- وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا... لليا .................................
لكونه ذكرها كذلك، "وذو"؛ حالة إفرادها؛ "ملازمة للإضافة لغير الياء" من أسماء الأجناس الظاهرة غير الصفات، "فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها"؛ لأنها حاصلة، والاشتراط تحصيل ما ليس بحاصل. "وإذا كانت "ذو" موصولة" بمعنى الذي وأخواته، "لزمتها الواو" في الأحوال الثلاثة غالبا، والبناء على السكون. "وقد تعرب بالحروف"(1/59)
الثلاثة رفعا ونصبا وجرا "كقوله"، وهو منظور بن سحيم الفقعسي: [من الطويل]
23- فإما كرام موسرون رأيتهم..... "فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا"
هكذا رواه أبو الفتح ابن جني بالياء معربا1، ورواه غيره بالواو على البناء، وإذا ثبت إعرابها في الجر قلنا به في الرفع والنصب. وقيد ابن الضائع ذلك بحالة الجر؛ لأنه محل السماع، "وإذا لم تفارق الميم "القم" أعرب بالحركات الثلاث"، سواء أفرد أو أضيف، ولا يختص بثبوت الميم في "الفم" حالة الإضافة للضرورة نحو: [من الرجز]
24- يصبح ظمآن وفي البحر فمه
خلافا للفارسي2، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"3.
__________
23- البيت لمنظور بن سحيم الفقعسي في الدرر 1/ 152، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1158، وشرح شواهد المغني 2/ 830، وشرح المفصل 3/ 148، والمقرب 1/ 59، والمقاصد النحوية 1/ 127، وللطائي "؟" في مغني اللبيب 2/ 410، وشرح الأشموني 1/ 72، وشرح ابن عقيل 1/ 45، وشرح عمدة الحافظ ص122، وهمع الهوامع 1/ 84، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص20، 60.
1 نص على ذلك ابن الناظم في شرحه ص60، وانظر الدرر اللوامع 1/ 152.
24- الرجز لرؤبة في ديوانه 159، والحيوان 3/ 265، وخزانة الأدب 4/ 451، 454، 460، والدرر 1/ 37، وشرح شواهد المغني 1/ 467، والمقاصد النحوية 1/ 139، ومحاضرات الأدباء 2/ 365، وبلا نسبة في جمهرة الأمثال 2/ 531، والدرة الفاخرة 1/ 296، وشرح الأشموني 1/ 31، ومجمع الأمثال 1/ 447 والمخصص 1/ 136، والمسائل العضديات ص228، وهمع الهوامع 1/ 40.
2 في المسائل العضديات ص228، وهي المسألة رقم 91 بعنوان: حروف فم واللغات فيها.
3 أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب فضل الصوم، برقم 1795، وأخرجه مسلم في الصيام، باب حفظ اللسان للصائم، برقم 1151.(1/60)
فصل4
"فصل":
"والأفصح في: الْهَنِ" إذا استعمل مضافا "النقص، أي: حذف اللام" منه، وهي الواو، وإلى ذلك الإشارة بقوله:
29- ....................... والنقص في هذا الأخير أحسن
"فيعرب بالحركات" الثلاث على العين وهي النون، فتقول: هذا هَنُك، ورأيت هَنَك، ونظرت إلى هَنِك، "ومنه"؛ أي: من النقص في الهن؛ "الحديث"، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"1 قال الموضح في شرح شواهد ابن الناظم: "تعزى"، بمثناة مفتوحة؛ فعين مهملة مفتوحة؛ فزاي مشددة، أي: من انتسب وانتمى، وهو الذي يقول: "يا لفلان"، لتخرج الناس معه إلى القتال في الباطل، "فأعضوه": بهمزة مفتوحة؛ وعين مهملة مكسورة؛ وضاد مشددة معجمة، أي: قولا له: اعضض على هَنِ أبيك، أي: على ذكر أبيك، أي: قولوا له ذلك استهزاء به ولا تجيبوه إلى القتال الذي أراده. أي: تمسك بذكر أبيك الذي انتسبت إليه؛ عساه أن ينفعك، فأما نحن فلا نجيبك. و"لا تكنوا": أي: لا تذكروا كناية الذكر، وهو الهَنُ، بل اذكروا له صريح اسم الذكر، وهو الأير، و"تكنوا": بفتح التاء؛ وسكون الكاف بعدها نون، والشاهد في قوله: "بهن أبيه" إذا استعمله منقوصا. ا. هـ.
وإذا استعمل "الهن" غير مضاف كان بالإجماع منقوصا، تقول: هذا هن، ورأيت هنا، ومررت بهن، وهو "اسم يكنى به عن أسماء الأجناس، كرجل وفرس وغيرهما، وقيل: عما يستقبح التصريح بذكره، وقيل: عن الفرج خاصة". قاله الموضح في شرح القطر.
__________
1 الحديث في مسند أحمد 5/ 156، والنهاية في غريب الحديث 3/ 333 "عزا"، 252 "عضض"، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص19.(1/61)
"ويجوز النقص" بضعف، وهو حذف اللام والإعراب بالحركات "في الأب والأخ والحم" وهو المراد بقول الناظم:
30- وفي أب وتالييه يندر ..........................
فتقول: هذا أبك وأخك وحمك، ورأيت أبك وأخك وحمك، ومررت بأبك وأخك وحمك، "ومنه"، أي: من النقص، "قوله"، وهو رؤبة، يمدح عدي بن حاتم الطائي: [من الرجز]
25- بأبه اقتدى عدي في الكرم..... ومن يشابه أبه فما ظلم
فـ"أبه" الأول: مجرور بالكسرة، و"أبه": الثاني منصوب بالفتحة. وهذا البيت مقتبس من المثل السائر: "من أشبه أباه فما ظلم"1، واختلف في معنى نفي الظلم في المثل, فقيل: "فما ظلم" في وضع الشبه في موضعه, وقيل فما ظلم أبوه حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه، وقيل: الصواب فما ظلمت، أي: أمه، حيث لم تزن، بدليل مجيء الولد على مشابهة أبيه. قاله اللحياني.
"و" من مطلق النقص من غير نظر إلى الإعراب بالحركات، "قول بعضهم" أي: العرب؛ "في التثنية" أي: تثنية الأب والأخ المنقوصين: "أبان وأخان"، وقال الفراء: "أبان": جاء على لغة من قال: هذا أبك. قال الموضح في الحواشي: وكذا قياس "أخان". ا. هـ. فظهر أن المسموع "أبان" فقط، و"أخان" مقيس عليه. وإذا جاز "أخان" قياسا؛ فينبغي أن يكون "حمان" كذلك، ولم أقف عليه. ونقل عن ثعلب أحمد بن يحيى أنه قال2: "يقال: هذا أبوك وأباك وأبك". فمن قال: "هذا أبوك وأباك". قال في التثنية: "أبوان"، ومن قال: "هذا أبك"، قال في التثنية: "أبان"، "و" الأب والأخ والحم "قصرهن أولى من نقصهن" وهو المراد بقول الناظم:
30- ................... وقصرها من نقصهن أشهر
__________
25- الرجز لرؤبة في ديوانه 182، والدرر 1/ 31، وشرح ابن الناظم ص20، والمقاصد النحوية 1/ 129، وكتاب الأمثال لابن سلام 145، 260، وجمهرة الأمثال 2/ 255، وفصل المقال 185، والفاخر 103، 227، والمستقصى 2/ 353، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 44، وتخليص الشواهد 57، وشرح الأشموني 1/ 29، وشرح ابن عقيل 1/ 50، وهمع الهوامع 1/ 39.
1 كتاب الأمثال لابن سلام 145، 260، وجمهرة الأمثال 2/ 255، وفصل المقال 185، والفاخر 103، 227، والمستقصى 2/ 353.
2 مجالس ثعلب ص400.(1/62)
وعدل الموضح عن "ها" إلى "هن"؛ لأن الأكثر في "هن" أن يعود إلى جمع القلة، و"ها" بعكس ذلك، والمراد بـ"قصرهن" أن يلزم آخرهن الألف المنقلبة عن لامهن في الأحوال الثلاثة، فيعربن بحركات مقدرة عليها، "كقوله"؛ وهو أبو النجم فيما قال الجوهري، وقيل رؤبة: [من الرجز]
26- "إن أباها وأبا أباها"..... قد بلغا في المجد غايتاها
أنشده ابن جني وغيره. و"أبا" الأول وما عطف عليه لا شاهد فيه؛ لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون منصوبا بالألف نيابة عن الفتحة، ويحتمل أن يكون مقصورا منصوبا بفتحة مقدرة على الألف، والشاهد في "أباها" الثالث، إذ هو نص في القصر؛ لأنه مضاف إليه، فهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف، وإلا لجر بالياء، "وقول بعضهم" وهو أبو حنش حين قال له خاله، وقد بلغه أن ناسا من أشجع في غار يشربون، وهم قاتلون إخوته: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟ وانطلق به حتى أقامه على فم الغار، ثم دفعه في الغار فقال: ضر يا أبا حنش. فقال بعضهم: إن أبا حنش لبطل، فقال أبو حنش: "مكره أخاك لا بطل"1. فصار هذا مثلا يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه. وقيل: إن أول من قاله عمرو بن العاص، لما عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة على رضي الله عنهم، فلما التقيا قال عمرو: مكره أخاك لا بطل، فأعرض عنه. وذكر "الأخ" للاستعطاف، فـ"أخاك": مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الألف، و"بطل": معطوف بـ"لا" على مكره، و"مكره": اسم مفعول خبر مقدم، ولا يجوز أن يكون "مكره" مبتدأ، أو "أخاك" نائب عن الفاعل سد مسد الخبر؛ لعدم اعتماده على النفي أو الاستفهام عند جمهور البصريين، وأجازه الأخفش والكوفيون كما سيأتي2.
__________
26- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه 168، ولأبي النجم العجلي في ديوانه 227، ولهما معا في شرح ابن الناظم ص20، وشرح شواهد المغني 1/ 127، والمقاصد النحوية 1/ 133، 3/ 636، والدرر 1/ 32، ولرؤبة أو لرجل من بني الحارث في الخزانة 7/ 455، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 46، وأسرار العربية 46، والإنصاف 18، وتخليص الشواهد ص58، والخزانة 4/ 105، 7/ 453، ورصف المباني 24، 236، وسر صناعة الإعراب 2/ 705 وشرح الأشموني 1/ 29، وشرح شذور الذهب 62، وشرح شواهد المغني 2/ 585، وشرح ابن عقيل 1/ 51، وشرح المفصل 1/ 53، ومغني اللبيب 1/ 38.
1 الشاهد من الأمثال؛ وهو في الدرر 1/ 32، وهمع الهوامع 1/ 39، ومجمع الأمثال 2/ 318، 1/ 153، والفاخر 62، وجمهرة الأمثال 2/ 242، والمستقصى 2/ 347، وكتاب الأمثال لابن سلام 271، والبيان والتبيين 1/ 162، 4/ 17. يضرب المثل لمن يحمل على من ليس من شأنه.
2 لأنهم لا يشترطون في الوصف اعتماده على نفي أو شبهه. انظر الدرر 1/ 32.(1/63)
"قولهم" بالجر، وهم العرب " للمرأة حماة" فإنه يستدعي أن يقولوا للرجل حما؛ لأن صيغة المؤنث هي صيغة المذكر بزيادة تاء التأنيث، فلما اتصلت التاء نقل الإعراب من الألف إليها، وظهر؛ لأنها حرف صحيح، والمذكر على أصله، فيقدر الإعراب فيه، ونظير ذلك: فتى وفتاة. وحاصل ما ذكره تبعا لأصله: أن الأسماء على ثلاثة أقسام:
ما فيه لغة واحدة، وهو "ذو" بمعنى صاحب، و"الفم" بغير الميم.
وما فيه لغتان، وهو "الهن"، فإنه فيه النقص والإتمام.
وما فيه ثلاث لغات، وهو "الأب والأخ والحم"، فإنه فيهن الإتمام والنقص والقصر.
"الباب الثاني" من أبواب النيابة "المثنى":
وهو في الأصل المعطوف، من ثنيت العود: إذا عطفته، وفي الاصطلاح: "ما وضع لاثنين وأغنى عن المتعاطفين" فـ"ما وضع": جنس، و"لاثنين": فصل أول مخرج لما وضع لأقل، كرجلان للماشي، أو أكثر كصنوان، و"أغنى عن المتعاطفين": فصل ثان مخرج لنحو: كلا وكلتا، واثنان واثنتان، وشفع وزوج، وزكًا بالتنوين: اسم للشيئين، ودخل فيه نحو: القمران للشمس والقمر. قال الموضح في شرح اللمحة: "والذي أراه أن النحويين يسمون هذا النوع مثنى لعدم ذكرهم له فيما حمل على المثنى، وغايته أن هذا مثنى في أصله تجوز". ا. هـ. وصرح المرادي بأنه ملحق بالمثنى، ودخل فيه أيضا تثنية المفرد المذكر اسما كان أو صفة "كالزيدان" المسلمان, "و" المؤنث كذلك نحو: "الهندان" المسلمتان، وتثنية الجمع المكسر كالجمالان، وتثنية اسم الجمع كالركبان، وتسمية اسم الجنس كالغنمان، وثبوت الألف مع الجار في هذه الأمثلة من استعمال الشيء في أول أحواله؛ وهو الرفع، واقترانها بـ"أل" المعرفة عوض عن تعريف العلمية الذاهب عند إرادة التثنية فيما أصله العلمية، وجميع ذلك معرب على الأصح، "فإنه يرفع بالألف، ويجر وينصب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها"، وإلى ذلك الإشارة بقوله:
32- بالألف ارفع المثنى ............ .....................................(1/64)
مع قوله:
34- وتخلف اليا في جميعها الألف جرا ونصبا بعد فتح قد ألف
وقدم الجر على النصب؛ لأن الجر أصله؛ والنصب هنا محمول عليه، وذهب الزجاج إلى أن المثنى مبني.
ويشترط في كل ما يثنى عند الأكثرين ثمانية شروط:
أحدها: الإفراد، فلا يثنى المثنى، ولا المجموع على حده، ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.
الثاني: الإعراب، فلا يثنى المبني، وأما نحو: ذان وتان واللذان واللتان، فصيغ موضوعة للمثنى، وليست مثناة حقيقة على الأصح، عند جمهور البصريين.
الثالث: عدم التركيب، فلا يثنى المركب تركيب إسناد اتفاقا، ولا مزج على الأصح، وأما المركب تركيب إضافة مع الإعلام فيستغنى بتثنية المضاف عن تثنية المضاف إليه.
الرابع: التنكير، فلا يثنى العلم باقيا على علميته، بل ينكر ثم يثنى.
الخامس: اتفاق اللفظ، وأما نحو: الأبوان للأب والأم؛ فمن باب التغليب.
السادس: اتفاق المعنى، فلا يثنى المشترك، ولا حقيقة والمجاز، وأما قولهم: "القلم أحد اللسانين" فشاذ.
السابع: أن لا يستغنى بتثنية غيره عن تثنيته، فلا يثنى "سواء" لأنهم استغنوا بتثنية "سي" عن تثنيته، فقالوا: "سيان"، ولم يقولوا: "سواءان". وأن لا يستغنى بملحق بالمثنى عن تثنيته، فلا يثنى "أجمع وجمعاء"، استغناء بـ"كلا وكلتا".
الثامن: أن يكون له ثان في الوجود. فلا يثنى الشمس ولا القمر، وأما قولهم: "القمران" للشمس والقمر فمن باب المجاز.
فما استوفى هذه الشروط فهو مثنى حقيقة؛ يعرب بالألف رفعا، وبالياء جرا ونصبا على اللغة المشهورة. ومن العرب من يلزم الألف في الأحوال الثلاثة؛ ويعربه بحركات مقدرة على الألف، ومنهم من يلزمه الألف دائما، ويعربه بحركات ظاهرة على النون؛ إجراء للمثنى مجرى المفرد، قاله المرادي في شرح التسهيل.(1/65)
"و" المثنى الحقيقي "حملوا عليه" في الإعراب بالحروف "أربعة ألفاظ" اقتصر عليها في النظم "اثنين واثنتين" في لغة الحجازيين، و"ثنتين" في لغة التميميين "مطلقا"، سواء أفردا أو ركبا مع العشرة، أو أضيفا إلى ظاهر أو مضمر. ويمتنع إضافتهما إلى ضمير تثنية، فلا يقال: جاء الرجلان اثناهما والمرأتان اثنتاهما؛ لأن ضمير التثنية نص في "الاثنين" فإضافة الاثنين إليه من إضافة الشيء إلى نفسه قاله الموضح في شرح اللمحة. "وكلا وكلتا" بشرط أن يكونا "مضافين لمضمر"، تقول: جاءني الرجلان كلاهما والمرأتان كلتاهما، ورأيت الرجلين كليهما والمرأتين كلتيهما، ومررت بالرجلين كليهما والمرأتين كلتيهما، "فإن أضيفا إلى ظاهر لزمتهما الألف" في الأحوال الثلاثة، وكانا معربين بحركات مقدرة على الألف إعراب المقصور، تقول: جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين، فعلى هذا ألف "كلا" كألف "عصا"، وألف "كلتا" كألف "حبلى" ووزن "كلا" فعل كـ"مِعًى"، وألفها قيل: عن واو، لقلبها تاء في "كلتا"، وقيل: عن ياء لقلبها ياء في التثنية عند سيبويه1؛ إذا سمي بها. ووزن "كلتا" فِعْلَى كـ"ذكرى" وألفها للتأنيث، والتاء بدل عن لام الكلمة، وهي إما واو وهو اختيار ابن جني، أو ياء وهو اختيار أبي علي، والتفرقة بين الإضافة إلى ظاهر والإضافة إلى مضمر هي اللغة المشهورة، وهي من إعطاء الأصل للأصل والفرع للفرع2. ووراء هذه التفرقة إطلاقان: أحدهما الإعراب بالحروف مطلقا، وهي لغة كنانة، والثاني: الإعراب بالحركات مطلقا، وهي لغة بلحارث، حكاها الفراء.
ويلتحق أيضا بالمثنى ما سمى به منه، كـ"زيدان" علما، فيرفع بالألف، ويجر وينصب بالياء، ويجوز في هذا النوع أن يُجرى مجرى سلمان، فيعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وإذا دخل عليه "أل" جر بالكسرة كقوله: [من الطويل]
27- ألا يا ديار الحي بالسبعان ..............................
وهو اسم موضع نقل من تثنية سبع.
__________
1 الكتاب 3/ 364.
2 انظر الإنصاف 2/ 450، المسألة رقم 62، والدرر 1/ 42-44.
27- عجز البيت: "أمل عليها بالبلى الملوان"
، وهو لابن مقبل في الاقتضاب ص787.(1/66)
"الباب الثالث": من أبواب النيابة "باب جمع المذكر السالم":
وهو الجمع الذي على هجاءين1، "كالزيدون" من الأسماء، "والمسلمون" من الصفات. وأتى بالمثال مع الجار مرفوعًا؛ لأنه أول أحواله، وهو معرب خلافًا للزجاج2، "فإنه يرفع بالواو المضموم ما قبلها" لفظًا، نحو: جاء الزيدون، أو تقديرًا نحو: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: 139] "ويجر وينصب بالياء المكسور ما قبلها" لفظًا، نحو: رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين، أو تقديرًا، نحو: رأيت المصطفين، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار} [ص: 47]، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
35- وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب
وإنما فتح ما قبل ياء المثنى وكسر ما قبل ياء الجمع لوجهين:
أحدهما: أن المثنى أكثر من الجمع، فخص بالفتحة؛ لأنها أخف من الكسرة؛ بخلاف الجمع.
والثاني: أن نون المثنى كسرت على أصل التقاء الساكنين، فلم يجمع بين كسرتها وكسر ما قبل الياء؛ فرارًا من ثقل الكسرتين؛ وبينهما ياء، ثم عكسوا ذلك في الجمع ليحصل الفرق بين المثنى والجمع، ليعتدل اللفظ، فيصير في كل واحد منهما ياء بين فتحة وكسرة. قاله أبو البقاء في شرح لمع ابن جني.
"ويشترط في كل ما يجمع هذا الجمع" من اسم أو صفة "ثلاثة شروط:
أحدها: الخلو من تاء التأنيث، فلا يجمع" هذا الجمع من الأسماء، "نحو: طلحة، و" لا من الصفات، نحو: "علامة" بتشديد اللام لئلا يجتمع فيهما علامتا التأنيث والتذكير، ولو حذفت التاء التبس بالمجرد منها: وقيد التأنيث بالتاء احترازًا من التأنيث بالألف، كحبلى وحمراء علمين لرجلين، فإنهما يجمعان هذا الجمع بحذف المقصورة وقلب الممدودة واوًا، فيقال الحبلون والحمراوون.
الشرط "الثاني: أن يكون لمذكر" مناسبة بينهما، "فلا يجمع" هذا الجمع علم المؤنث، "نحو: زينب، و" لا صفة المؤنث، نحو: "حائض"، لئلا يلتبس جمع
__________
1 أي: على حرفين؛ وهما: الواو رفعًا، والياء في غيره، وقد يقال: الهجاءان الواو والنون رفعًا؛ والياء والنون نصبًا وجرًّا. "حاشية يس 1/ 69".
2 في حاشية يس 1/ 69: "قال الزرقاني: أي: فإنه عنده مبني، وبناؤه على الواو في: جاء الزيدون، وعلى الياء في: رأيت الزيدين ومررت بالزيدين".(1/67)
المذكر يجمع المؤنث، فلو كان نحو زينب علما لمذكر جاز أن يجمع هذا الجمع لعدم اللبس، فلو كان نحو زيد علما لامرأة امتنع أن يجمع هذا الجمع لما تقدم.
الشرط "الثالث: أن يكون لعاقل" مناسبة بينهما؛ لأن هذا الجمع مخصوص بالعقلاء، "فلا يجمع" هذا الجمع، "نحو: "واشق"، علما لكلب، و"سابق": صفة الفرس"، لعدم العقل فلو كان "واشق": علما لرجل، و"سابق": صفة له جمع هذا الجمع، وجميع هذه الشروط جارية في الاسم والصفة. "ثم يشترط" لانفراد كل منهما عن الآخر "أن يكون إما علما"؛ لأن هذا الجمع يجبر العلمية الزائلة لأجلة، وأن يكون العلم "غير مركب تركيبا إسناديا ولا مزجيا، فلا يجمع" المركب الإسنادي، "نحو: بَرَقَ نَحْرُهُ" علما اتفاقا؛ لأن المحكي لا يغير، "و" لا المزجي نحو: "معديكرب" ونحو: سيبويه على الأصح فيهما، تشبيها بالمحكي في التركيب. وقيل: يجوز مطلقا، وقيل: إن خُتِم بـ"ويه" جاز، وإلا فلا. وعلى الجواز في المختوم بـ"ويه"، فمنهم من يلحق العلامة بآخره فيقول: سيبويهون، ومنهم من يحذف "ويه" ويقول: سيبون، وسكت عن المركب الإضافي فإنه يجمع أول المتضايفين ويضاف للثاني، فيقول في غلام زيد علما: غلامو زيد؛ وغلامي زيد، وعن الكوفيين إجازة جمعها معا، فيقال: غلامو الزيدين، وغلامي الزيدين؛ بكسر الدال فيهما، ودخل في قوله: "علما" ما كان علما على التوكيد نحو: "أجمع" فإنه يقال في جمعه: أجمعون.
"وإما صفة" يصح جمعها بالألف والتاء، وهي التي "تقبل التاء" المقصود بها معنى التأنيث، فلا يجمع هذا الجمع، نحو: علامة ونسابة؛ لأن التاء فيهما لتأكيد المبالغة لا لقصد معنى التأنيث، "أو" صفة لا تقبل التاء ولكنها "تدل على التفضيل"، فالصفة التي تقبل التاء المذكورة، "نحو: قائم"؛ من المجرد، "ومذنب"؛ من المزيد، تقول: قائمة ومذنبة، "و" الصفة التي تدل على التفضيل، نحو: "أفضل"، فهذه الصفات الثلاث تجمع هذا الجمع، كما تجمع بالألف والتاء فيقال: قائمون ومذنبون وأفضلون، كما يقال: قائمات ومذنبات وفضليات، "فلا يجمع" هذا الجمع، "نحو: جريح" بمعنى مجروح، "وصبور" بمعنى صابر، "وسكران وأحمر"؛ لأنها لا تقبل التاء، ولا تدل على تفضيل؛ لأن جريحا وصبورا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وسكران مؤنثه سكرى، وأحمر مؤنثه حمراء، فلا يقال: جريحون وصبورون وسكرانون وأحمرون، كما لا يقال: جريحات وصبورات وسكرانات وحمراوات، فلو جعلت أعلاما جاز الجمعان.(1/68)
فصل5
"فصل":
"وحملوا على هذا الجمع" السالم للمذكر "أربعة أنواع" أعربت بالحروف، وليست جمع تصحيح نبه عليها في النظم بقوله:
36-
... وبه عشرونا وبابه ألحق والأهلونا
37-
أولو وعالمون عليونا وأرضون شذ والسنونا
38-
وبابه .............. ..........................
فهذه كلها ترجع إلى أربعة أنواع:
"أحدها: أسماء جموع وهي: أولو" بمعنى أصحاب، اسم جمع "ذو" بمعنى صاحب، وقيل: جمع "ذو" على غير لفظه، "وعالمون": اسم جمع "عالم" بفتح اللام، وليس جمعا له لأن العالم عام في العقلاء وغيرهم، والعالمون مختص بالعقلاء، والخاص لا يكون جمعا لما هو أعم منه. قاله ابن مالك، وتبعه الموضح هنا. وذهب كثير إلى أنه جمع عالم على حقيقة الجمع، ثم اختلفوا في تفسير العالم الذي جمع هذا الجمع، فذهب أبو الحسن إلى أنه أصناف الخلق العقلاء وغيرهم، وهو ظاهر كلام الجوهري، وذهب أبو عبيدة إلى أنه أصناف العقلاء فقط، وهم الإنس والجن والملائكة. "وعشرون، وبابه" وهو سائر العقود "إلى التسعين" وكلها في التنزيل؛ قال الله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65]، {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32] {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23].
"و" النوع "الثاني جموع التكسير" تغير فيها بناء الواحد، وأعربت بالحروف "وهي بنون" جمع ابن، وقياس جمعه جمع السلامة ابنون، كما يقال في تثنيته ابنان، ولكن(1/69)
خالف تصحيحه تثنيته لعلة تصريفية أدت إلى حذف الهمزة. "وإحرون" بكسر الهمزة، وحكى يونس فتحها1، وبفتح الهاء المهملة وتشديد الراء جمع حَرَّة، بفتح الحاء: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار، وأصلها أحرة كما يفهم من قول الجوهري، كأنه جمع أحرة، وعلى هذا يشكل المثالان؛ لأن "بنون" جمع باعتبار أصله وهو: "بنو"، و"أحرون" جمع باعتبار أصله وهو "أحرة"، فصار من جمع السلامة بلا تكسير، ويجاب بأن ذلك الأصل قد ترك وصار نسيا منسيا. "وأرضون" بفتح الراء: جمع أرض؛ بسكونها؛ وجمع هذا الجمع لأنه ربما يورد في مقام الاستعظام، كقوله: [من الطويل]
28- لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني..... سدوس خطيب فوق أعواد منبر
إلا أنه سكن الراء للضرورة، "وسنون" بكسر السين جمع سنة بفتحها، اسم للعام، ولامها واو أو هاء، لقولهم: سنوات وسنهات، "وبابه" الجاري على سننه، وضابطه مستفاد من قوله: "فإن هذا الجمع مطرد في كل" اسم "ثلاثي حذفت لامه، وعوض عنها التأنيث، ولم يكسر" تكسيرا يعرب بالحركات، "نحو: عضة وعضين" وأصل عضة: عضة؛ بالهاء، من العَضْه، وهو الكذب والبهتان، وفي الحديث: "لا يعضه بعضكم بعضا"2، وقيل أصله: عضو، من قولهم: عضيته تعضية؛ إذا فرقته، ومنه قول رؤبة: [من الرجز]
29- وليس دين الله بالمعضي
أي: المفرق. فعلى الأول لامها هاء. ويدل له تصغيرها على عضيهة، وعلى الثاني واو ويدل له جمعها على عضوات، فكل من التصغير والجمع يردان الشيء إلى أصله، "وعزة وعزين"، فالعزة، بكسر العين المهملة وفتح الزاي، أصلها: "عزي"، فلامها ياء، وهو الفرقة من الناس، و"العزين": الفرق المختلفة؛ لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى، "وثبة وثبين"، والثبة، بضم الثاء المثلثة وفتح الموحدة:
__________
1 في الكتاب 3/ 600 "وزعم يونس أنهم يقولون أيضا: حرة وإحرون" بكسر الهمزة؛ وليس بفتحها.
28- تقدم تخريج البيت برقم "2".
2 النهاية 3/ 254، وهو من حديث البيعة، واستشهد به ابن هشام في شرح شذور الذهب ص61.
29- الرجز لرؤبة في ديوانه ص81، وشرح شذور الذهب ص60، ومقاييس اللغة 4/ 347، ولذي الرمة في شرح الأشموني 1/ 36، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب 15/ 68 "عضا"، وكتاب العين 2/ 193.(1/70)
الجماعة، وأصلها: ثَبْو، وقيل: ثَبْي، من ثبيت أي: جمعت، فلامها على الأول واو، وعلى الثاني ياء، وأما الثبة التي هي وسط الحوض، فليست مما نحن فيه على الصحيح؛ لأنها محذوفة العين لا اللام، من ثاب يثوب إذا رجع، وقيل: بل هي محذوفة اللام أيضا، من ثبيت، فعلى الأول لا تجمع بالواو والنون؛ وتجمع على الثاني بهما.
وحاصل ما ذكره من محذوف اللام، ثلاثة أنواع: مفتوح الفاء، نحو: سنة، ومكسورها، نحو: عِضة وعِزة، ومضمومها، نحو: ثبة، فما كان مفتوح الفاء كسرت فاؤه في الجمع، نحو: سنين، وما كان مكسور الفاء لم يغير في الجمع، نحو: عِضين وعِزين، وما كان مضموم الفاء ففيه في الجمع وجهان: الضم والكسر، نحو: ثبين بضم الثاء وكسرها. وهو الأكثر، ووقع جمع سنة وعضة وعزة في التنزيل "قال الله تعالى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون: 112]، فـ"سنين": مجرور بإضافة عدد إليه وعلامة جره الياء، "{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] فـ"عضين": مفعول ثان لـ"جعلوا" وعلامة نصبه الياء، {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج: 36، 37] فـ"عزين": صفة لـ"مهطعين"، و"مهطعين": حال من "الذين كفروا"، وهو منصوب وعلامة نصبه الياء، ولم يقع جمع ثبة في التنزيل إلا بالألف والتاء نحو: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء: 71]، "ولا يجوز ذلك" الجمع المعرب بالحروف "في نحو: "تمرة" لعدم الحذف، ولا في نحو: عِدَة1 وزنة" غير علمين، "لأن المحذوف" منهما "الفاء" لا اللام، وأصلهما: وعد ووزن؛ بكسر أولهما وسكون ثانيهما، فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى ما بعدها، ثم حذفت الواو وعوض منها الهاء.
وشذ "لِدُون" جمع "لِدَة"، وأصلها ولد، وهي المساوي في السن، فإن كان علمين لمذكر جمعا هذا الجمع، فيقال: عِدون وزِنون, "ولا" يجوز ذلك "في نحو: يد ودم" لعد التعويض من لامهما المحذوفة، وأصلهما: يَدْي ودَمْي؛ بسكون الدال والميم. وذهب الكوفيون إلى فتح الدال، واختاره ابن طاهر. وذهب المبرد إلى فتح الميم2، وضعفه الجاربردي. وحذفت لامهما على غير قياس، وجعل الإعراب على عينهما، "وشذ أبون وأخون" وهنون، فإنها جمعت هذا الجمع مع عدم التعويض، وأصلها: أبو وأخو وهنو،
__________
1 في ط: "نحو قاعدة" تصحيف واضح.
2 المقتضب 1/ 231، وانظر المسائل العضديات، المسألة رقم 111، ص269-272.(1/71)
فحذفت لاماتها كما مر، ولم يعوض منها شيء. "ولا" يجوز ذلك "في اسم وأخت وبنت؛ لأن العوض" فيهن عن لامهن المحذوفة "غير الهاء". أما "اسم" فأصله سمو عند البصريين1، فحذفت لامه، وعوض منها الهمزة في أوله، وأما "أخت وبنت"، فظاهر كلامه هنا أن أصلهما أخو وبنو، حذفت لامهما، وعوض منها تاء التأنيث؛ لا هاء التأنيث والفرق أن تاء التأنيث فيهما لا تبدل في الوقف هاء، وتكتب مجرورة، وهاء التأنيث، يوقف عليها بالهاء، وتكتب مربوطة. وذهب يونس إلى أن تاء "أخت وبنت" ليست للتأنيث؛ لأن ما قبلها ساكن صحيح؛ ولأنها لا تبدل في الوقف هاء2، ونقل ذلك الموضح عنه في باب النسب وسلمه، وادعى أن الصيغة كلها للتأنيث، وسيأتي قول إن التاء فيهما للإلحاق بجذع وقفل إلحاقا للثنائي بالثلاثي.
"وشذ بنون" جمع ابن؛ لأن المعوض فيه همزة الوصل، وأصله "بنو"؛ لأن مؤنثه بنت، ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثا إلا ومذكره محذوف الواو، قاله الجوهري. "ولا" يجوز ذلك "في نحو: شاة وشفة" وإن كانا محذوفي اللام، معوضا عنها هاء التأنيث؛ "لأنهما كسرا" تكسيرا يعرب بالحركات، وذلك أن "شاة" كسرت "على شياه، و" "شفة" كسرت على "شفاه" بالهاء فيهما، وأصل "شاة": شوهة؛ بسكون الواو؛ كصفحة، فلما ألقيت الواو والهاء لزم انفتاحها، فانقلبت ألفا فصار شاهة، فحذفت لامها وهي الهاء، وعوض منها هاء التأنيث، وأصل "شياه": شواه، قبلت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وأصل "شفة": شفهة، حذفت لامها وهي الهاء أيضا، وعوض منها هاء التأنيث، والدليل على أن لامهما هاء؛ تصغيرهما على شويهة وشفيهة، وتكسيرهما على شياه وشفاه، والتصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها. وزعم قوم أن لام "شفة" واو، لقولهم في الجمع: شفوات، قال الجوهري: ولا دليل على صحته، إنما لم يجمعا بالحروف؛ لأن العرب استغنت بتكسيرهما عن تصحيحهما. وشذ "ظبون" جمع "ظبة"، فإنهم كسروها على ظُبا ولامها واو محذوفة، والهاء عوض منها، والظبة؛ بكسر الظاء المعجمة وفتح الموحد: طرف السيف والسهم، وأصلها: ظبو، لقولهم: ظبوته إذا أصبته بالظبة.
"و" النوع "الثالث" مما حمل على هذا الجمع: "جموع تصحيح لم تستوف الشروط" المتقدمة في الاسم والصفة، "كأهلون" جمع أهل، وهم العشيرة، "ووابلون"
__________
1 الإنصاف 1/ 6، المسألة رقم1: "الاختلاف في أصل اشتقاق الاسم".
2 في الكتاب 3/ 361: "وأما يونس فيقول: أختي؛ وليس بقياس".(1/72)
جمع وابل، وهو المطر الغزير، "لأن أهلا ووابلا ليسا علمين ولا صفتين؛ ولأن وابلا لغير عاقل". وتقدم أن شرط هذا الجمع أن يكون لعلم من يعقل أو صفته، ووقع جمع "أهل" في التنزيل دون "وابل"، قال الله تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح: 11] {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] {إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح: 12].
"و" النوع "الرابع: ما سمي به من هذا الجمع" المستوفي للشروط، "و" من "ما ألحق به".
فالثاني "كعليون" فإنه ملحق بهذا الجمع، ومسمى به أعلى الجنة1، قال الله تعالى: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 18، 19] وهو في الأصل جمع "عِلِّىٍّ" بكسر العين واللام مع تشديد اللام والياء، ووزنه فعيل، من العلو. ونقل الغزنوي عن يونس أن واحد عليين: عِلِّي وعِلّية، وهي الغرفة.
"و" الأول نحو: "زيدون، مسمى به" شخص، فيعربان بالحروف إجراء لهما على ما كانا عليه قبل التسمية بهما، وإن كانا مفردين حينئذ. "ويجوز في هذا النوع" المسمى به، "أن يجرى" في الإعراب "مجرى غسلين"، وهو ما يسيل من جلود أهل النار، "في لزوم الياء" في الأحوال الثلاثة، "والإعراب بالحركات" الثلاثة ظاهرة على النون، حال كونها "منونة" إن لم يكن أعجميا، فتقول: هذا زيدين وعليين، ورأيت زيدينا وعليينا، ومررت بزيدين وعليين، فإن كانا أعجميا امتنع التنوين، وأعرب إعراب ما لا ينصرف، فتقول: هذه قنسرين، وسكنت قنسرين، ومررت بقنسرين، وإطلاقه تبعا للناظم في قوله:
38- ........................ ومثل حين قد يرد... ذا الباب ....
محمول على المنصرف بقرينة التشبيه، وعدل عن التشبيه بـ"حين" إلى التشبيه بـ"غسلين"، لأنه يشبه الجمع في كونه ذا زيادتين، الياء والنون. "ودون هذا" المجرى من لزوم الياء والإعراب بالحركات على النون منونة "أن يجرى مجرى" هارون، في لزوم الواو والإعراب على النون غير منونة للعلمية وشبه العجمة، كحمدون،
__________
1 كذا قال ابن عقيل في شرحه 1/ 63، وذكر الصبان في حاشيته على الأشموني 1/ 83، نقلا عن الكشاف للزمخشري أنه اسم لديوان الخبر الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين.(1/73)
قالوا: هذا ياسمون بضم النون من غير تنوين، أو يجرى مجرى "عَرَبون" بفتح العين والراء المهملتين وبالموحدة "في لزوم الواو، والإعراب بالحركات" الثلاث "على النون" حال كونها "منونة"، فتقول: هذا زيدون، ورأيت زيدونا، ومررت بزيدون، "كقوله": [من الخفيف]
30- طال ليلي وبت كالمجنون..... " واعترتني الهموم بالماطرون"
بكسر النون، وعدم التنوين لوجود "أل"، ويحتمل أن يكون من باب "هارون"، وهذا البيت قال ابن بري في حواشي الصحاح: إنه لأبي ذهل الخزاعي1، ردا على الجوهري حيث زعم أن لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري2. و"الماطرون"؛ بالميم والطاء المهملة: موضع بناحية الشام، قاله صاحب القاموس3، وهو جمع ماطر مسمى به.
"ودون هذه" اللغة "أن تلزمه الواو وفتح النون" مطلقا، ذكره السيرافي وزعم أن ذلك صحيح من كلام العرب، ونظير هذه من يلزم المثنى بالألف مطلقا وكسر النون، ويقدر الإعراب، كقوله، وهو يزيد بن معاوية في نصرانية كانت قد ترهبت في دير خراب عن الماطرون: [من المديد]
31- "ولها بالماطرون إذا .....أكل النمل الذي جمعا"
الرواية بفتح النون في الماطرون، و تقدم أنه اسم موضع، وأورده في الصحاح في فصل النون من باب الراء بالنون في أوله وكسر النون في آخره، فغير أوله بالنون بدل الميم، وآخره بالكسر بدل الفتح، قاله الموضح في الحواشي، والهاء من "لها" تعود على
__________
30- البيت لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص68، والأغاني 7/ 122، وخزانة الأدب 7/ 314، 315، ولسان العرب 4/ 242 "خصر"، 13/ 224 "سنن"، ومعجم ما استعجم ص409، والمقاصد النحوية 1/ 141، ولعبد الرحمن بن حسان في ديوانه ص59، والأغاني 15/ 109، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 53، وجواهر الأدب ص158، والخصائص 3/ 216، والممتع في التصريف 1/ 157.
1 كذا في جميع النسخ، والصواب: "لأبي دهبل الجمحي".
2 ديوانه ص59.
3 القاموس 2/ 135 "مطر"، وفي معجم البلدان 5/ 43: "الماطرون: موضع بالشام قرب دمشق".
31- البيت ليزيد بن معاوية في ديوانه ص22، والمقاصد النحوية 1/ 48، ومعجم البلدان 5/ 43 "الماطرون"، وله أو للأحوص في خزانة الأدب 7/ 309، 310، 311، 312، والكامل ص498، وللأحوص الأنصاري في ديوانه ص221، ولأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص85، والحيوان 4/ 10، والمستقصى 1/ 51، وللأخطل في لسان العرب 13/ 409 "مطرن"، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 2/ 626، ولسان العرب 5/ 180 "مطر"، والممتع في التصريف 1/ 158.(1/74)
النصرانية، والجار والمجرور في موضع الخبر، لقوله: "خِرْفَة" في البيت بعده1، و"الباء" للظرفية، والمعنى: لهذه النصرانية خرفة وقت أكل النمل الذي جمعه، وأراد به أيام الشتاء، فإن النمل يحزن ما يجمعه تحت الأرض ليأكله أيام الشتاء. والخرفة؛ بكسر الخاء المعجمة: ما يخترف من النمر؛ أي: يجتني.
"وبعضهم" أي: العرب "يجري بنين وباب سنين" وإن لم يكن علما "مجرى غسلين" في لزوم الياء والحركات على النون منونة غالبا، على لغة بني عامر، وغير منونة على لغة بني تميم، حكاه عنهم الفراء، ولا تسقط النون للإضافة "قال" أحد أولاد علي بن طالب رضي الله عنه: [من الوافر]
32- "وكان لنا أبو حسن علي..... أبا برا ونحن له بنين"
الرواية "بنين" بالياء، والإعراب على النون، "قال" الصمة بن عبد الله بن الطفيل: [من الطويل]
33- "دعاني من نجد فإن سنينه"..... لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا
الرواية "سنينه" بإثبات النون، ولم تسقط للإضافة، وعلامة نصبه الفتحة لا الياء، وإلا لقال: فإن سنيه؛ بحذف النون للإضافة، وهذه لغة بني عامر، فإنهم يعربون المعتل اللام بالحركات الثلاث على النون مع لزوم الياء؛ لأنها أخف عليهم؛ ولأن النون قامت مقام الذاهب من الكلمة، ولو كان الذاهب موجودا لكان الإعراب فيه كسائر المفردات، فكذلك يكون ما قام مقامه. وقوله: "دعاني": أمر، ومعناه: اتركاني من نجد، وهو من خطاب الواحد بلفظ الاثنين على عادتهم، و"شيبا"؛ بكسر الشين: جمع أشيب، وهو حال من المجرور بالباء، و"مردا": حال من مفعول شيبننا، "وبعضهم"؛ أي: النحاة؛
__________
1 تمام البيت:
"خرفة حتى إذا ارتبعت..... سكنت من جلق بيعا".
32- البيت لأحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المقاصد النحوية 1/ 156، ولسعيد بن قيس الهمداني في خزانة الأدب 8/ 75، 76، 78، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 55، وخزانة الأدب 8/ 60.
33- البيت للصمة بن عبد الله القشيري في ديوانه ص60، وتخليص الشواهد ص71، وخزانة الأدب 8/ 58، 59، 61، 62، 76، وشرح شواهد الإيضاح ص597، وشرح المفصل 5/ 11، 12، والمقاصد النحوية 1/ 169، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 57، والاقتضاب ص69، 645، وجواهر الأدب ص157، وشرح ابن الناظم ص27، وشرح الأشموني 1/ 37، وشرح ابن عقيل 1/ 65، ولسان العرب 3/ 13 "نجد"، 13/ 501 "سنه"، ومجالس ثعلب ص177، 320، وعمدة الحفاظ 2/ 228 "سنن"، ومعاني القرآن للفراء 2/ 92، والمسائل العضديات 125.(1/75)
"يطرد هذه اللغة"، وهي لزوم الياء والإعراب على النون منونة "في جمع المذكر السالم، و" في "كل ما حمل عليه"؛ لأن باب الياء أوسع من باب الواو، وهذا أعم من قول الناظم وهو يعني باب سنين:
38- ......................... ................ عند قوم يطرد
"ويخرج عليها قوله": [من الخفيف]
34- رب حي عرندس ذي طلال..... "لا يزالون ضاربين القباب"
الرواية: "ضاربين" بإثبات النون مع الإضافة إلى "القباب"، فدل على أن "ضاربين" معرب بالفتحة على النون كمساكين؛ لا بالياء، وإلا لحذفت النون للإضافة، وقيل: "ضاربي"، ورد بأنه يحتمل أن يكون الأصل: ضاربين ضاربي القباب، فحذف البدل الذي هو "ضاربي" لدلالة المبدل منه وهو ضاربين عليه، قاله في المغني1. ويحتمل أن يكون الأصل: ضاربين نفس القباب، فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على حاله، ويحتمل أن يكون "القباب" منصوبا بـ"ضاربين"، والأصل: القبابي؛ بياء النسب في الجمع، ثم حذف إحدى الياءين، وأسكن الياء الباقية، و"عرندس"؛ بفتح العين والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال وفي آخره سين مهملة: الشديد القوي، و"الطلال"؛ بفتح الطاء المهملة وتخفيف اللام، الحالة الحسنة والهيئة الجميلة، و"القباب"؛ بكسر القاف: جمع قبة، وهي التي تتخذ من الأديم والخشب واللبد ونحوها، وقد تطلق على ما يتخذ من البناء، و"قوله" وهو سحيم: [من الوافر]
35- وماذا تبتغي الشعراء مني ....."وقد جاوزت حد الأربعين"
__________
34- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 59، وتخليص الشواهد ص75، وخزانة الأدب 8/ 61، والدرر 1/ 53، وشرح الأشموني 1/ 37، ومغني اللبيب ص643، والمقاصد النحوية 1/ 176، وهمع الهوامع 1/ 47.
1 مغني اللبيب ص643، وانظر الدرر 1/ 53.
35- البيت لسحيم بن وثيل في الأصمعيات ص19، وإصلاح المنطق ص156، وتخليص الشواهد ص74، وتذكرة النحاة ص480، وخزانة الأدب 8/ 61، 62، 65، 67، 68، وحماسة البحتري ص13، والدرر 1/ 56، وسر صناعة الإعراب 2/ 627، وشرح ابن عقيل 1/ 68، وشرح المفصل 5/ 11، ولسان العرب 3/ 513 "نجذ"، 8/ 99 "ربع"، 14/ 255 "دري"، والمقاصد النحوية 1/ 191، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 248 وأوضح المسالك 1/ 61، وجواهر الأدب ص155، وشرح ابن الناظم ص28، وشرح الأشموني 1/ 38، 39 والمقتضب 3/ 332، وهمع الهوامع 1/ 49.(1/76)
الرواية بكسر النون، على أنها كسرة إعراب، وبه قال الأخفش الأصغر علي بن سليمان، ولم يفرق بين العقود وغيرها، وجعله بمنزلة الجمع المكسر، وجعل إعرابه في آخره، كما يفعل في فتيان، وقال الأعلم يوسف الشنتمري: هو في السنين والعقود أمثل منه في المسلمين ونحوه؛ لأنه لفظ مخترع للعقود، فهو أشبه بالواحد الذي إعرابه بحركة آخره من المسلمين ونحوه، ولا دليل لهما في هذا البيت لجواز أن تكون كسرة النون فيه كسرة بناء ضرورة، كما سيأتي، وبذلك صرح ابن جني1.
__________
1 سر صناعة الإعراب 2/ 627.(1/77)
فصل6
"فصل":
في حكم حركة نون الجمع والمثنى وما ألحق بهما المشار إليها في النظم بقوله:
39- ونون مجموع وما به التحق..... فافتح وقل من بكسره نطق
40- ونون ما ثني والملحق به..... بعكس ذاك استعملوه فانتبه
ولما كان المثنى سابقا على الجمع قدمه الموضح عليه فقال: "نون المثنى وما حمل عليه مكسورة" بعد الألف والياء، على أصل التقاء الساكنين، وضمها بعد الألف لغة كقوله: [من الرجز]
36- يا أبتا أرقني القذّان..... فالنوم لا تألفه العينان
بضم النون، والقِذّان، بكسر القاف وإعجام الذال المشددة: جمع قذذ، وهو البرغوث. "وفتحها بعد الياء لغة" لبني أسد حكاهما الفراء1، "كقوله" وهو حميد بن ثور، وقيل: أبو خالد؛ يصف قطاة: [من الطويل]
37- "على أحوذيين استقلت عشية....." فما هي إلا لمحة وتغيب
الرواية بفتح النون من أحوذيين تثنية أحوذي، بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف: وهو الخفيف في المشي لحذقه. وفي ديوان الأدب: الأحوذي الراعي المتشمر للرعاية الضابط لما ولي، وأراد بالأحوذيين هنا: جناحي قطاة يصفهما بالخفة. وفاعل "استقلت": ضمير القطاة، و"عشية": نصب على الظرفية الزمانية، والمعنى: أن القطاة ارتفعت في الجو عنه على جناحين؛ فما يشاهدها الرائي إلا لمحة وتغيب عنه. "وقيل: لا يختص" فتح النون "بالياء"، بل يكون
__________
36- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص186، وخزانة الأدب 1/ 92، وذكر محقق تاج العروس 9/ 456 "قذذ" أن "الرجز في المؤتلف والمختلف ص176 منسوب لرؤبة بن العجاج بن شدقم، وهو غير رؤبة بن العجاج التميمي المشهور"، والرجز بلا نسبة في الدرر 1/ 57، وشرح الأشموني 1/ 39، وهمع الهوامع 1/ 49، وتاج العروس 9/ 456 "قذذ".
1 الدرر 1/ 54.
37- البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص55، وخزانة الأدب 7/ 458، والدرر 1/ 54، وشرح المفصل 4/ 141، والمقاصد النحوية 1/ 177، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 63، وتخليص الشواهد 1/ 79، وجواهر الأدب ص154، وسر صناعة الإعراب 2/ 488، وشرح الأشموني 1/ 39، وشرح ابن عقيل ص1/ 69، ولسان العرب 3/ 486 "هوذ"، والمقرب 3/ 136، وهمع الهوامع 1/ 49.(1/78)
بعدها وبعد الألف في لغة من يلزم المثنى الألف في كل حال، قاله ابن عصفور1، "كقوله": [من الرجز]
38- "أعرف منها الجيد والعينانا"..... ومنخرين أشبها ظبيانا
أنشده ابن عصفور والسيرافي وغيرهما بفتح النون في "العينانا" تثنية عين، وأما "ظبيانا"؛ بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة وبالياء آخر الحروف: فهو اسم رجل بعينه، لا تثنية ظبي، خلافا للهروي، "وقيل" هذا "البيت مصنوع" لا دليل فيه، وقال أبو زيد2: هو لرجل من بني ضبة هلك منذ أكثر من مائة سنة. وظاهر كلام الموضح أن الفتح يجري بعد الألف إذا كانت علامة للرفع، وفي اثنين واثنين فإنهما محمولان على المثنى، ولم أقف على نص صريح في ذلك أعتمد عليه، ولا شاهد علي أستند إليه. "ونون الجمع" السالم للمذكر وما حمل عليه، مفتوحة بعد الواو والياء للخفة؛ لأن الجمع أثقل من المثنى، "وكسرها جائز في الشعر بعد الياء كقوله" وهو جرير، لا سحيم؛ خلافا للجوهري: [من الوافر]
39- عرفنا جعفرا وبني أبيه ....."وأنكرنا زعانف آخرين"
الرواية بكسر النون من "آخرين"، وهو جمع آخر؛ بفتح الخاء، بمعنى مغاير، وجعفر وبنو أبيه: أولاد ثعلبة بن يربوع، والزعانف؛ بفتح الزاي وبالعين المهملة وبالنون قبل الفاء: جمع زعنفة؛ بكسر الزاي والنون: وهو القصير, وأراد به الأدعياء الذين ليس أصلهم واحدا، "وقوله" وهو سحيم: [من الوافر]
40- وماذا تبتغي الشعراء مني..... "وقد جاوزت حد الأربعين"
__________
1 المقرب 3/ 163.
38- الرجز لرجل من بني ضبة أو لرؤبة في الدرر 1/ 55، والمقاصد النحوية 1/ 184، ولرؤبة في ملحق ديوانه ص187، ولرجل في نوادر أبي زيد ص15، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 65، وتخليص الشواهد ص80، وخزانة الأدب 4/ 453، 456، 457، ورصف المباني ص24، وسر صناعة الإعراب ص489، 705، وشرح الأشموني 1/ 39، وشرح ابن عقيل 1/ 71، وشرح المفصل 3/ 129، 4/ 64، 67، 143، وهمع الهوامع 1/ 49.
2 نوادر أبي زيد ص15.
39- البيت لجرير في ديوانه ص429، والاشتقاق ص538، وتخليص الشواهد ص72، وتذكرة النحاة ص480، والدرر 1/ 56، والمقاصد النحوية 1/ 187، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 67، وشرح الأشموني 1/ 39 وشرح ابن عقيل 1/ 67, وهمع الهمع 1/ 49.
40- تقدم تخريج الشاهد برقم 35.(1/79)
بكسر النون، وتقدم ما فيه، واختلف رأي ابن مالك، فتارة حكم عليه بأنه مجرور بالكسرة، وتارة بأنه مجرور بالياء وكسر النون على لغة، وتابعه الموضح هنا؛ فاستشهد أولا على الإعراب بالكسرة؛ وثانيا على كسر النون في الشعر، ولم تكسر النون بعد الواو في نثر ولا شعر لعدم التجانس.
"الباب الرابع": من أبواب النيابة "الجمع بألف وتاء مزيدتين".
ولا فرق بين أن يكون مسمى هذا الجمع مؤنثا بالمعنى فقط "كهندات" ودَعْدات، أو التاء والمعنى جميعا كفاطمات "ومسلما"، أو بالتاء دون المعنى كطلاحات وحمزات، أو بالألف المقصورة كحبليات، أو الممدودة كصحراوات، أو يكون مسماه مذكرا كاصطبلات، ولا فرق بين أن تكون سلمت فيه بنية واحدة كضخمة وضخمات، أو تغيرت كسجدة وسجدات، وحبلى وحبليات، وصحراء وصحراوات، فالأول حرك وسطه، والثاني قلبت ألفه ياء، والثالث قلبت همزته واوا، ولهذا عدل الموضح عن قول أكثرهم جمع المؤنث السالم إلى أن قال: "الجمع بألف وتاء مزيدتين" ليعم جمع المؤنث وجمع المذكر؛ وما سلم فيه المفرد وما تغير، "فإن" في جميع ذلك "نصبه" بالكسرة نيابة عن الفتحة، حملا للنصب على الجر، كما في جمع المذكر السالم، إجراء للفرع على وتيرة الأصل، وإنما تخلف الفرع عن الأصل في الإعراب بالحروف لعلة مفقودة في الفرع، وهي أنه ليس في آخره حروف تصلح للإعراب "نحو: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ}" [العنكبوت: 44] فـ"السماوات": منصوب بالكسرة على أنه مفعول به عند الجمهور، ومفعول مطلق لبيان النوع عند الشيخ عبد القاهر الجرجاني ومحمود الزمخشري وأبي عمرو بن الحاجب، وصوبه الموضح في المغني ووضحه بأن قال: "المفعول به: ما كان موجودا قبل الفعل الذي عمل فيه ثم أوقع الفاعل به فعلا، والمفعول المطلق: ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده وإن كان ذاتا؛ لأن الله تعالى موجد للأفعال وللذوات جميعا". ا. هـ. وسبقه إلى هذا الإيضاح الشيخ عبد القاهر، فقال في أسرار البلاغة: "إذا قلنا خلق الله العالم، فالعالم ليس مفعولا به، بل هو مفعول مطلق؛ لأن المفعول به هو الذي كان موجودا فأوجد الفاعل شيئا آخر، كقولك ضربت زيدا فإن زيدا كان موجودا، وأنت فعلت به الضرب، والمفعول المطلق هو الذي لم يكن موجودا، فحصل بك والعالم لم يكن موجودا، بل كان(1/80)
عدما محضا، والله أوجده وخلصه من العدم، فكان العالم المفعول المطلق وهو المصدر، ولم يكن مفعولا به. ا. هـ.
واحتج الجمهور والذاهبون إلى أن العالم مفعول به لا مفعول مطلق بأمور:
أولها: أنا قد نعلم العالم، وإن كنا لا نعلم أنه مخلوق لله تعالى إلا بدليل منفصل، والمعلوم مغاير للمجهول، فإذن كون الله خالقا للعالم غير ذات العالم.
وثانيها: أنا نصف الله بالخالقية, فلو كان خلق العالم نفس العالم لزم أن يكون الله تعالى موصوفا بالعالم, كما أنه موصوف بخالقية العالم.
وثالثها: أنا نقول العالم ممكن، فلا يوجد إلا؛ لأن الله أوجده وأحدثه وأبدعه، فلو كان إيجاد العالم وإحداثه نفس للعالم لكان قولنا: العالم وجد؛ لأن الله أوجده، جاريا مجرى قولنا: العالم وجد؛ لأنه وجد، فيكون ذلك تعليلا للشيء بنفسه، ويرجع حاصله إلى أن العالم وجد بنفسه، وذلك نفي نصب للصانع، قاله الفخر الرازي في شرح المفصل.
ونصب الجمع بالألف والتاء المزيدتين بالكسرة مطلقا وهو الغالب، "وربما نصب بالفتحة" على لغة كما قال أحمد بن يحيى، "إن كان محذوف اللام" ولم ترد إليه في الجمع، "كسمعت لغاتهم" بفتح التاء، حكاه الكسائي، ورأيت بناتك، بفتح التاء كما حكاه ابن سيده، وكقوله: [من الطويل]
41- فلما جلاها بالأيام تحيرت..... ثباتا عليها ذلها واكتئابها
والأيام: الدخان، وثباتا، بضم الثاء: الجماعات المتفرقة، منصوبة على الحالية بالفتحة، والكثير أن ينصب بالكسرة كقوله تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء: 71] والضمائر المؤنثة للنحل، بالحاء المهملة، والمراد بيان حالها حين يؤخذ عسلها، وإنما نصب هذا النوع بالفتحة تشبيها لهذه التاء التي تبدل في الوقف هاء أو جبرا لما فاته من حذف لامه، كما أعرب نحو سنين بالحروف جبرا لما فاته من حذف لامه، وليس الوارد من ذلك مفردا مردود اللام، خلافا لأبي علي في زعمه أن نحو: "سمعت لغاتهم" بالفتح مفرد ردت لامه، وأصله: لغة أو لغوة، تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فقلب ألفا، فصار لغات، ورد بأنه يلزم الجمع بين العوض والمعوض، فإن ردت اللام في الجمع كسنوات أو
__________
41- البيت لأبي ذويب الهذلي في أدب الكاتب 468، والاقتضاب ص644، وشرح أشعار الهذليين 1/ 53، وشرح الجواليقي 311، وجمهرة اللغة 248، 1334، وشرح المفصل 5/ 8، ولسان العرب 12/ 41، "أيم"، 14/ 149 "رجلا"، والمحتسب 1/ 118، والمنصف 3/ 63، وبلا نسبة في الخصائص 3/ 304، ورصف المباني 165، وشرح المفصل 5/ 4، والمنصف 1/ 262.(1/81)
سنهات على اللغتين نصب بالكسرة اتفاقا، نحو: اعتكفت سنوات أو سنهات، بكسر التاء، هذا إذا كانت الألف والتاء زائدتين، "فإن كانت التاء أصلية" والألف زائدة "كأبيات" جمع بيت، "وأموات" جمع ميت، "أو" كانت "الألف أصلية" والتاء زائدة "كقضاة" جمع قاض، "وغزاة" جمع غاز، وأصل قضاة وغزاة قضية وغزوة، تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين، فالألف فيهما أصلية لكونها منقلبة عن أصل، والتاء زائدة للتأنيث، "فالنصب بالفتحة" على الأصل نحو: وليت قضاة وجهزت غزاة, والمطرد من الجمع بالألف والتاء المزيدتين ما كان علما لمؤنث مطلقا, أو صفة له مقرونة بالتاء، أو دالة على التفصيل نحو فضليات، أو علما لمذكر مقرونا بالتاء، أو صفة لمذكر غير عاقل كجبال راسيات، أو مصغرة كدريهمات، "وحمل على هذا الجمع شيئان":
أحدهما: "أولات" وهو اسم جمع بمعنى ذوات؛ لا واحد له من لفظه، وواحده في المعنى ذات، بمعنى صاحبة، وأصله ألى؛ بضم الهمزة وفتح اللام؛ قلبت الياء ألفا ثم حذفت لاجتماعها مع الألف والتاء المزيدتين، ووزنه فعات: "نحو {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] فأولات خبر "كان" وهو منصوب بالكسرة، واسمها ضمير النسوة، وهو النون المدغمة في نونها، وأصل "كُنّ" كون بضم الواو بعد النقل إلى باب "فعل" بضم العين، فاستثقلت الضمة على الواو، فنقلت منها إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.
"و" الثاني: "ما سمي به من ذلك" الجمع ومما ألحق به "نحو: رأيت عرفات" وهو علم لموضع الوقوف، واستدل سيبويه على علميته بقولهم1: "هذه عرفات مباركا فيها"، بنصب "مباركا" على الحال، ولو كان نكرة لجرى عليه صفة، وبأنه لو كان نكرة لدخلت عليه الألف واللام2, وهي لا تدخل عليه, "وسكنت أذرعات" بكسر الراء، قاله في الصحاح. وزاد في القاموس: "وقد تفتح" وفيه وفي تهذيب الأسماء واللغات: "النسبة إليها أذرعي" بالفتح، وهي جمع أذرعة، وأذرعة جمع ذراع في لغة من ذكره، قاله أبو الفتح الهمداني في اشتقاق البلدان. "و" أذرعات "هي قرية من قرى الشام"، وقال الجوهري: "موضع بالشام"، ولا منافاة بينهما. واختلف العرب في كيفية
__________
1 الكتاب 3/ 233.
2 في الكتاب 3/ 233: "ويدلك أيضا على معرفتها، أنك لا تدخل فيها ألفا ولا لاما".(1/82)
إعراب هذا النوع المسمى به على ثلاث فرق:
"فبعضهم يعربه على ما كان عليه قبل التسمية" ولم يحذف تنوينه؛ لأنه في الأصل للمقابلة، فاستصحب بعد التسمية.
"وبعضهم" يعربه على ما كان عليه قبل التسمية مراعاة للجمع، "ويترك تنوين ذلك" مراعاة للعلمية والتأنيث.
"وبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف"، فيترك تنوينه ويجره بالفتحة مراعاة للتسمية.
فالأول راعى الجمعية فقط، والأخير راعى التسمية فقط، والمتوسط توسط بين الأمرين، فراعى الجمعية، فجعل نصبه بالكسرة، وراعى اجتماع العلمية والتأنيث فترك تنوينه. وهذا المسلك يشبه تداخل اللغتين، فإنه أخذ من الأول النصب بالكسرة، ومن الأخير حذف التنوين، فتحصل في المسألة ثلاثة أوجه. "ورووا بالأوجه الثلاثة قوله"
وهو امرؤ القيس الكندي في محبوبته: [من الطويل]
42- "تنورتها من أذرعات وأهلها..... بيثرب أدنى دارها نظر عالي"
الرواية بجر "أذرعات"، بالكسرة من التنوين وتركه، وبالفتحة بلا تنوين، ومعنى "تنورتها": نظرت إلى نارها بقلبي من أذرعات وأنا بالشام وأهلها بيثرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، سميت باسم الذي نزلها من العماليق، وهو يثرب بن عبيد، وفي السنة: منع إطلاق هذا الاسم عليها؛ لأنه من مادة التثريب، وأما قوله تعالى: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} [الأحزاب: 13] فحكاية عمن قاله من المنافقين، وإلى هذا الباب الإشارة بقول الناظم:
41- وما بتاء وألف قد جمعا .....يكسر في الجر وفي النصب معا
42- كذا أولات والذي اسما قد جعل .....كأذرعات فيه ذا أيضا قبل
__________
42- البيت لامرئ القيس في ديوانه 31، والاقتضاب ص86، وخزانة الأدب 1/ 156، والدرر 1/ 13، ورصف المباني ص345، وسر صناعة الإعراب ص497، وشرح أبيات سيبويه 2/ 219، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1359، وشرح المفصل 1/ 47، والكتاب 3/ 233 وعمدة الحفاظ 4/ 231 "نور" والمقاصد النحوية 1/ 196، والمقتضب 3/ 33، 4/ 38، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 69، وشرح ابن عقيل ص1/ 76، وشرح المفصل 9/ 34.(1/83)
"الباب الخامس": من أبواب النيابة "ما لا ينصرف"
أي: ما لا يدخله تنوين الصرف، "وهو ما فيه علتان" فرعيتان "من" علل "تسع" جمعها ابن النحاس في قوله: [من البسيط]
اجمع وزن عادلا أنث بمعرفة .....ركب وزد عجمه فالوصف قد كملا1
وسيأتي شرح ذلك في باب معقود له، والذي يخصه هنا أنه متى اجتمع في اسم علتان منها "كأحسن" فإن فيه الصفة ووزن الفعل، "أو واحدة منها تقوم مقامهما" في منع الصرف "كمساجد وصحراء" فإن صيغة منتهى الجموع بمنزلة جمعين، والتأنيث بالألف بمنزلة تاء التأنيث، فكل من صيغة منتهى الجموع وألف التأنيث قائم مقام علتين، "فإن جره بالفتحة" نيابة عن الكسرة "نحو: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86]، ونحو: اعتكفت في مساجد "إلا إن أضيف" لفظا "نحو: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، وفي مساجد عائشة، "أو" تقديرا نحو: "ابدأ بذل من أول"، في رواية من جر بالكسرة بلا تنوين، على نية لفظ المضاف إليه، و"دخلته "أل" معرفة" كانت "نحو": {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ "فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، "أو موصولة" نحو قوله: [من الطويل]
43- ............................... ................ وهن الشافيات الحوائم
بخفض "الحوائم" بالكسرة، لدخول "أل" الموصولة عليه، وهي جمع حائمة، وأما الداخلة على الصفة المشبهة {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} [هود: 24] واليقظان، فإنها حرف تعريف على الأصح، كما في المغني وغيره، لا موصولة أو زائدة كقوله: [من الطويل]
44- رأيت الوليد بن اليزيد مباركا..... شديدا بأعباء الخلافة كاهله
__________
1 البيت في شرح شذور الذهب 450، وشرح قصر الندى 238، وسيأتي في المجلد الثاني ص316.
43- تمام البيت:
"أبأنا بها قتلى وما في دمائهم..... شفاء وهن الشافيات الحمائم".
وهو للفرزدق في ديوانه 2/ 310، وخزانة الأدب 7/ 373، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 92، وشرح الأشموني 2/ 308.
44- البيت لابن ميادة في ديوانه 192، وخزانة الأدب 2/ 226، والدرر 1/ 17، وسر صناعة الإعراب 2/ 451، وشرح شواهد الشافية ص12، وشرح شواهد المغني 1/ 164، ولسان العرب 3/ 200 "زيد"، والمقاصد النحوية 1/ 218، 509، ولجرير في لسان العرب 8/ 393 "وسع"، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 322، والأشباه والنظائر 1/ 23، 8/ 306، والإنصاف 1/ 317، وأوضح المسالك 1/ 73، وخزانة الأدب 7/ 247، 9/ 442، وشرح الأشموني 1/ 85، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 36، وشرح قطر الندى 53، ومغني اللبيب 1/ 52، وهمع الهوامع 1/ 24.(1/84)
بخفض "اليزيد" لدخول "أل" الزائدة عليه، بناء على أنه باق على علميته، ويحتمل أن يكون قدر فيه الشيوع فصار نكرة ثم أدخل عليه "أل" للتعريف كما قال الموضح في شرح القطر وعلى هذا لا شاهد فيه.
وهذا البيت لابن ميادة الرماح يمدح به الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان من بني أمية. والأعباء: جمع عبء، بكسر العين المهملة وسكون الموحدة وفي آخره همزة: كل ثقل، بكسر المثلثة وسكون القاف، وأراد به أمور الخلافة الشاقة، والكاهل، ما بين الكتفين، والمعنى: أبصرته شديدا كاهله بحمل أثقال الخلافة. وإلى هذا الباب أشار الناظم بقوله:
43- وجر بالفتحة ما لا ينصرف..... ما لم يضف أو يك بعد أل ردف
وإذا دخله "أل"، أو أضيف وجر بالكسرة؛ هل يعود منصرفا أو لا؟ أقول؛ ثالثها إن كانت العلتان باقيتين فيه فهو باق على منع صرفه، وإلا صرف وهو المختار.
"الباب السادس": من أبواب النيابة "الأمثلة الخمسة".
سميت بذلك؛ لأنها ليست أفعالا بأعيانها، كما أن الأسماء أسماء بأعيانها، وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها وسميت خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبين، والأحسن أن تعد ستة، قاله الموضح في شرح اللمحة. "وهي كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين" بالتاء للمخاطبين: "نحو: تفعلان" يا زيدان، أو للخاطبتين نحو: تفعلان يا هندان، أو للغائبتين نحو: الهندان تفعلان، "و" بالياء للغائبين نحو: الزيدان "يفعلان، أو واو جمع" بالتاء للمخاطبين "نحو": أنتم" تفعلون، و" بالياء للغائبين نحو: هم "يفعلون أو ياء مخاطبة نحو": أنت "تفعلين". ولا فرق بين أن تكون الألف والواو ضميرين كما تقدم، أو علامتين كيفعلان ويفعلون الزيدون، في لغة طيئ، "فإن رفعها بثبوت النون وجزمها ونصبها بحذفها نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] الأول جازم ومجزوم، والثاني ناصب ومنصوب، وقدم الجزم على النصب؛ لأن النصب محمول على الجزم، كما حمل النصب على الجر في المثنى، والمجموع على حده؛ لأن الجزم نظير الجر في الاختصاص، فيفعلان كالزيدان، ويفعلون كالزيدون، وتفعلين كالزيدين، في مطلق الحركات والسكنات. وقد جعلوا علامة الرفع في(1/85)
"الزيدون" الواو، ولا يمكنهم ذلك في "يفعلون" لأنه يؤدي إلى اجتماع واوين، فجعلوا النون علامة للرفع؛ لأنها شبيهة بالواو من حيث الغنة، ثم حذفوها لأجل الجازم، ثم حملوا النصب عليه، كما فعلوا ذلك في نظيره من الأسماء، وحملوا "تفعلان وتفعلين" على "يفعلون، ولما كان ههنا مظنة سؤال وهو أن يقال: إنك قلت إن المضارع المتصل به واو الجماعة ينصب بحذف النون ويعفون من قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] منصوب بأن، والنون لم تحذف، فأشار إلى جوابه بقوله "وأما: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فالواو لام الكلمة" لا ضمير الجماعة وهي واو عفا يعفو، "والنون ضمير النسوة" عائد على "المطلقات" لا نون الرفع، "والفعل" معها "مبني" على السكون لاتصاله بنون النسوة، "مثل: {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] لا معرب "ووزنه يفعلن" فالعين فاؤه، والفاء عينه، والواو لامه، وهذا "بخلاف قولك: "الرجال يعفون" فالواو" فيه "ضمير" الجماعة "المذكرين" كالواو في قولك "يقومون"، وواو الفعل محذوفة، "والنون علامة رفع" ووزنه يفعون، "فتحذف" النون للجازم والناصب "نحو": لم تعفو، وفي التنزيل: "{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] ووزنه تفعوا وأصله تعفووا" بواوين، الأولى لام الكلمة، والثانية واو الجماعة، استثقلت الضمة على الواو؛ فحذفت؛ فالتقى ساكنان، فحذفت الواو الأولى لالتقاء الساكنين، وخصت بالحذف لكونها جزء كلمة، وإلى هذا الباب أشار الناظم بقوله:
44-
واجعل لنحو يفعلان النونا..... رفعا وتدعين وتسألونا
45- وحذفها للجزم والنصب سمه ................................
"الباب السابع": من أبواب النيابة وهي خاتمتها "الفعل المضارع المعتل الآخر".
"وهو: ما آخره" حرف علة "ألف كـ: يخشى، أو ياء كـ: يرمي، أو واو كـ: يدعو، فإن جزمهن بحذف الآخر" نيابة عن السكون، نحو: لم يخش، ولم يرم، ولم يدع، فالمحذوف من "يخش" الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، ومن "يرم" الياء والكسرة قبلها دليل عليها، ومن "يدع" الواو، والضمة قبلها دليل عليها. ثم القول بأن علامة الجزم فيها حذف حرف العلة إنما يتمشى على قول ابن السراج ومن تابعه بأن هذه الأفعال لا يقدر فيها الإعراب بالضمة في حالة الرفع، والفتحة في الألف في حالة(1/86)
النصب، وعلل ذلك بأن الإعراب في الفعل فرع، فلا حاجة لتقديره فيه، بخلاف الاسم، وجعل الجازم كالدواء المسهل إن وجد فضلة أزالها، وإلا أخذ من قوى البدن، وذهب سيبويه إلى تقدير الإعراب فيها، فعلى سيبويه لما دخل الجازم حذف الحركة المقدرة، واكتفى بها، ثم لما صارت صورة المجزوم والمرفوع واحدة فرقوا بينهما بحذف حرف العلة، فحرف العلة محذوف عند الجازم لا به، وعلى قول ابن السراج: الجازم حذف نفس حرف العلة وقول الناظم:
51- .............. واحذف جازمًا.... ثلاثُهنّ ............................
يحتمل المذهبين، ثم استشعر اعتراضًا بأن أحرف العلة قد ثبتت مع الجازم، فأشار إلى جوابه بقوله: "فأما قوله: [من الرجز]
45- إذا العجوز غضبت فطلق .....ولا ترضاها ولا تملق
وقوله: [من البسيط]
46- هجوت زبان ثم جئت معتذرًا..... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وقوله وهو قيس بن زهير: [من الوافر]
47- ألم يأتيك والأنباء تنمي..... بما لاقت لبون بني زياد
__________
45- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص179، وخزانة الأدب 8/ 359، 360، والدرر 1/ 71، والمقاصد النحوية 1/ 236، وبلا نسبة في تاج العروس "رضي"، ولسان العرب 14/ 324 "رضي"، والأشباه والنظائر 2/ 129، والإنصاف ص26، والخصائص 1/ 307، وسر صناعة الإعراب ص78، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 185، وشرح شواهد الشافية ص409، وشرح المفصل 10/ 106، والمخصص 13/ 258، 14/ 9، والممتع في التصريف 2/ 538، والمنصف 2/ 78، 115، وهمع الهوامع 1/ 52.
46- البيت لزبان بن العلاء في معجم الأدباء 11/ 158، وبلا نسبة في تاج العروس 3/ 9 "زبب" "زبن"، والإنصاف 1/ 24، وخزانة الأدب 8/ 359، والدرر 1/ 72، وسر صناعة الإعراب 2/ 630، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 184، وشرح شواهد الشافية ص406، وشرح المفصل 10/ 104، ولسان العرب 15/ 492 "يا" ، والمقاصد النحوية 1/ 234، والممتع في التصريف 2/ 537، والمنصف 2/ 115، وهمع الهوامع 1/ 52.
47- البيت لقيس بن زهير في الأغاني 17/ 198، والاقتضاب ص362، وخزانة الأدب 8/ 359، 361، 362، والدرر 1/ 72، وشرح أبيات سيبويه 1/ 340، وشرح شواهد الشافية 408، وشرح شواهد المغني 328، 808، والمقاصد النحوية 1/ 230، واللسان 14/ 14 "أتى"، وبلا نسبة في أسرار العربية 103، والأشباه والنظائر 5/ 280، والإنصاف 1/ 30، وأوضح المسالك 1/ 76، والجنى الداني 50، وخزانة الأدب 9/ 524، والخصائص 1/ 333، 337، ورصف المباني 149، وسر صناعة الإعراب 1/ 87، 2/ 631، وشرح الأشموني 1/ 168، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 184، وشرح المفصل 8/ 24، 10/ 104، والكتاب 3/ 316، واللسان 5/ 75، "قدر"، 14/ 324 "رضي"، 14/ 434 "شظي"، 15/ 492 "يا"، والمحتسب 1/ 67، 215، ومغني اللبيب 1/ 108، 2/ 387، والمقرب 1/ 50، 203، والممتع في التصريف 2/ 537، والمنصف 2/ 81، 114، 115، وهمع الهوامع 1/ 52.(1/87)
فضرورة" فيهن، حيث أثبت أحرف العلة الثلاثة مع الجازم، وقيل: هذه الأحرف إشباع، والحروف الأصلية محذوفة للجازم، وقيل: هذه الأحرف أصلية بناء على قول من يجزم المعتل بحذف الحركة المقدرة ويقر حرف العلة على حاله، والأنباء: جمع نبأ؛ وهو الخبر، وتنمي: بفتح التاء المثناة من فوق؛ من نميت الحديث، يقال بالتخفيف إذا بلغه على وجه الإصلاح، وبالتشديد إذا كان على وجه الإفساد، واللبون: الناقة ذات اللبن، ويروى: قلوص، بفتح القاف وضم اللام: الناقة الشابة بدل لبون، وبنو زياد: الربيع بن زياد وإخوته، وفاعل "يأتيك": مضمر، و"بما لاقت": متعلق بـ"تنمي" لقربه، ويجوز أن يكون "ما لاقت" فاعل "يأتيك"، والباء زائدة في الفاعل مثلها في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] "وأما قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] بإثبات الياء من "يتقي" وتسكين "يصبر" "في قراءة قنبل" عن ابن كثير. فاختلف فيه تخريجه، "فقيل: "من" موصولة" لا شرطية، و"يتقي": مرفوع لا مجزوم، "وتسكين: يصبر" مع أنه معطوف على مرفوع "إما لتوالي حركات الباء" الموحدة. "والراء" من يصبر "والفاء والهمزة" من "فإن" كما في "يأمر" بإسكان الراء تنزيلا للكلمتين، بل الثلاث منزلة الكلمة الواحدة، وهم يكرهون توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، وإما على تنزيل "برف" من "يصبر فإن" منزلة بناء على فعل بكسر الفاء وضم العين، فسكن لأنه بناء مهمل، وهم يخففون مضموم العين إذا كان مستعملا، فما بالك بالمهمل.
ويجرون المنفصل مجرى المتصل قال امرؤ القيس: [من السريع]
48- فاليوم أشرب غير مستحقب..... إثما من الله ولا واغل
__________
48- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص122، وإصلاح المنطق ص245، 322، وجمهرة اللغة ص962، وحماسة البحتري ص36، وخزانة الأدب 4/ 106، 8/ 350، 354، 355، والدرر 1/ 82، ورصف المباني ص327، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص612، 1176، وشرح شذور الذهب ص212، وشرح شواهد الإيضاح ص256، وشرح المفصل 1/ 48، والشعر والشعراء 1/ 122، والكتاب 4/ 204، ولسان العرب 1/ 325 "حقب"، 10/ 426 "دلك"، 11/ 732 "وغل"، والمحتسب 1/ 15، 110، وتاج العروس "وغل"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 66، والاشتقاق ص337، وخزانة الأدب 1/ 152، 3/ 463، 4/ 484، 8/ 339، والخصائص 1/ 74، 2/ 317، 340، 3/ 96، والمقرب 2/ 205، وهمع الهوامع 1/ 54.
الواغل: هو الداخل على القوم في شرابهم، فيشرب معهم من غير أن يدعى إلى الشراب.(1/88)
فنزل "رب غ" من "أشرب غير" منزلة عضد، وسكن الباء كما سكن عضد، "وأما على أنه" أي: قنبلا "وصل بنية الوقف" كقراءة الحسن البصري: "وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ" [المدثر: 6] بتسكين "تستكثر"1، مع أنه مرفوع بإجماع السبعة، وكقراءة نافع: "وَمَحْيَايْ وَمَمَاتِي" [الأنعام: 162] بسكون ياء "محياي"2 وصلا، "وأما على العطف على المعنى؛ لأن "من" الموصولة بمعنى" من "الشرطية؛ لعمومها وإبهامها" ولكون مدخولها مستقبلا سببا لما بعده، ولهذا دخلت "الفاء" في الخبر كما تدخل في الجواب، قاله الفارسي، فلذلك صح العطف بالجزم على الصلة، كما يعطف على الشرط، وقيل: "من" شرطية، و"الياء" في "يتقي" إما إشباع، فلام الفعل حذفت للجازم، وإما على إجراء المعتل مجرى الصحيح، فجزم بحذف الحركة المقدرة؛ ولم يستتبع حذفها حذف حرف العلة.
"تنبيه": ما مر من حذف حرف العلة للجازم فهو ما إذا كان أصليا، فإما "إذا كان حرف العلة" عارضا؛ بأن كان "بدلا من همزة" مفتوح ما قبلها، "كيقرأ" مضارع قرأ، "و" مكسور ما قبلها نحو: "يقر" مضارع أقرأ، "و" مضموم ما قبلها نحو: "يوضؤ" مضارع وضؤ، بضم الضاد: بمعنى حسن وجمل، "فإن كان الإبدال" للهمزة "بعد دخول الجازم" على المضارع "فهو إبدال قياسي"، لكون الهمزة ساكنة؛ لحذف حركتها بالجازم؛ وإبدال الهمز الساكن من جنس حركة ما قبله قياسي، "ويمتنع حينئذ"؛ أي: حين إذا بدل بعد دخول الجازم "الحذف" للحرف المبدل من الهمزة "لاستيفاء الجازم مقتضاه"، وهو حذف الحركة التي كانت موجودة قبل الإبدال، فلا يحذف شيئا آخر، "وإن كان" الإبدال "قبله"؛ أي: قبل دخول الجازم "فهو إبدال شاذ"، لكون الهمزة متحركة، فهي متعاصية بالحركة عن الإبدال، وإبدال الهمزة المتحركة من جنس حركة ما قبله شاذ، "ويجوز" حينئذ "مع" دخول "الجازم الإثبات" للحرف المبدل، "والحذف" له، "بناء على قول الاعتداد بالعارض"، وله الإبدال هنا "وعدمه"، أي: عدم
__________
1 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص427، ومعاني القرآن للفراء 3/ 201.
2 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص221، والنشر 2/ 267، وهي من شواهد الخصائص 1/ 92.(1/89)
الاعتداد بعروض الإبدال، فعلى القول بالاعتداد بعروض الإبدال بحذف حرف العلة للجازم؛ لأن حرف العلة على هذا القول معتد به، ومنزل منزلة الحرف الأصلي، وعلى القول بعدم الاعتداد بعروض الإبدال يثبت حرف العلة؛ لأنه لا يحذف للجازم إلا الحرف الأصلي لا العارض، "و" عدم الاعتداد بالعارض "هو الأكثر" في كلامهم؛ وعليه الأكثرون، ففي كلامه لف ونشر1 غير مرتب؛ لأن الاعتداد بالعارض علة للحذف، وعدمه علة الإثبات، وما ذكره من جواز الإثبات والحذف هو ما ذكره ابن عصفور2، وذهب غيره إلى أن الإبدال إذا كان قبل دخول الجازم فالحذف لذلك الحرف المبدل ممتنع؛ لأن تسهيل الهمزة كتحقيقها.
__________
1 اللف والنشر: أن يذكر الناظم في أول البيت أسماء متعددة غير تامة المعنى، ثم يقابلها بأشياء يعددها من غير الأضداد تتم معناها؛ إما بالجمل، وإما بالألفاظ المفردة، كقول ابن حيوس:
فعل المدام ولونها ومذاقها..... في مقلتيه ووجنتيه وريقه
انظر شرح الكافية البديعية لصفي الدين الحلي، ص76.
2 انظر المقرب 2/ 205.(1/90)
فصل7
"فصل":
تقدر الواو رفعا في جمع المذكر السالم، إذا أضيف إلى ياء المتكلم، نحو: جاء مسلمي، والنون رفعا في المضارع المعتل إذا أسند إلى واو الجماعة، أو ألف الاثنين، أو ياء المخاطبة، وأكد بالنون الثقيلة نحو: لتبلونَّ لتبلوانِّ لَتُبْلَينَّ، "وتقدر الحركات الثلاث" تعذرا "في الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمه" غير مهموزة "نحو: الفتى"، مما ألفه منقلبة عن ياء، "والمصطفى" مما ألفه منقلبة عن واو، وإن صورت فيهما الألف ياء نظرا إلى أصلها في الأول، ومجاوزتها الثلاثة في الثاني. "ويسمى" الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة "معتلا" لكون آخره حرف علة، و"مقصورا" لكونه قصر عن ظهور الحركات فيه، والقصر: المنع، أو لكونه منع المد، والمقصور يقابله الممدود، فعلى هذا لا يسمى نحو: "يَسْعَى" مقصورا، وإن كان ممنوعا من ظهور الحركات فيه؛ لأنه ليس في الأفعال ممدود، تقول: جاء الفتى والمصطفى، ورأيت الفتى والمصطفى، ومررت بالفتى والمصطفى، بلفظ واحد في الأحوال الثلاثة، والتقدير مختلف؛ فتقدر في الرفع الضمة، وفي النصب الفتحة، وفي الجر الكسرة في الألف، وإن قلنا بمقارنة الإعراب لآخر المعرب، وهو الأصح؛ وإلا فبعدها، وموجب هذا التقدير أن ذات الألف لا تقبل الحركة.
"و" تقدر "الضمة والكسرة" فقط في الاسم المعرب الذي آخره "ياء لازمة" في الأحوال الثلاثة؛ "مكسور ما قبلها نحو المرتقي" من مزيد الثلاثي، "والقاضي" من الثلاثي، ويسمى الاسم المذكور "معتلا" لكون آخره حرف علة، و"منقوصا" لأنه نقص منه بعض الحركات؛ وظهر فيه بعضها؛ أو لأنه تحذف لامه لأجل التنوين، نحو: مرتق وقاض، والحذف نقص، وكلا التعليلين لا يخلو عن نظر، أما الأول فلأن نحو: يدعو ويرمي، نقص منه بعض الحركات، وهو يسمى منقوصا، وأما الثاني فلأن نحو: الفتى، حذف لامه لأجل التنوين، ولا يسمى منقوصا.
"وخرج بذكر الاسم" في حد المقصور الفعل "نحو: يخشى"، والحرف نحو: "على" مما في آخره ألف لازمة، "و" في حد المنقوص الفعل نحو: "يرمي"، والحرف نحو: "في" مما آخره ياء لازمة، وخرج المعرب في حديهما المبني، نحو: ذا وتا والذي والتي، "و" خرج "بذكر اللزوم" في الألف "نحو: رأيت أخاك، و" الياء نحو: "مررت بأخيك"، فإنهما يتغيران بحسب الإعراب. "و" خرج "باشتراط الكسرة"(1/91)
قبل الياء في حد المنقوص "نحو: ظبي"، مما آخره ياء قبلها ساكن صحيح، "وكرسي" مما آخره ياء قبلها ساكن معتل. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
46- وسم معتلا من الأسماء ما..... كالمصطفى والمرتقي مكارما
47- فالأول الإعراب فيه قدرا..... جميعه وهو الذي قد نصرا
48- والثاني منقوص......... ..............................
ثم قال:
48- .................... ورفعه ينوى كذا أيضا يجر
"وتقدر الضمة والفتحة في الفعل" المضارع "المعتل بالألف نحو: هو يخشاها، ولن يخشاها" فـ"يخشى" في الأول: مرفوع، وفي الثاني: منصوب تقديرا فيهما، ومثلهما متصلين بهاء الضمير؛ ليوافق اللفظ بالألف الخط. "و" تقدر " الضمة فقط في الفعل" المضارع " المعتل بالواو أو الياء نحو: هو يدعو، وهو يرمي"، فـ"يدعو"، و"يرمي": مرفوعان بضمة مقدرة على الواو والياء، وما ذكره من تقدير الحركات في المعتل هو قول سيبويه1 ومتابعيه، وقال ابن السراج ومن تابعه: لا تقدير؛ لأنا إنما قدرنا في الاسم؛ لأن الإعراب فيه أصل، فيجب المحافظة عليه، وفي الفعل فرع، فلا حاجة لتقديره والمعتمد الأول، وعليه جرى في النظم فقال:
49- وأي فعل آخر منه ألف..... أو واو أو ياء فمعتلا عرف
50- فالألف انو فيه غير الجزم ...............................
ثم قال:
51- والرفع فيهما انو ............. ...................................
"وتظهر الفتحة" لخفتها "في الواو والياء" في الفعل وهو المنبه عليه في النظم بقوله:
50- ............................. وأبد نصب ما كيدعو يرمي
وفي الياء في الاسم؛ وهو المنبه عليه في النظم بقوله:
48- ....................... ونصبه ظهر ........................................
"نحو: إن القاضي لن يرمي ولن يغزو"، وليس في العربية اسم مرتجل معرب في آخره واو لازمة وقبلها ضمة.
__________
1 الكتاب 3/ 312.(1/92)
باب النكرة والمعرفة:
وهما في الأصل اسما مصدرين لنكرته ومعرفته؛ فنقلا؛ وسمي بهما الاسم المنكر والاسم المعرف. "الاسم ضربان" على الأصح، "نكرة؛ وهي الأصل"؛ لأنها لا تحتاج في دلالتها إلى قرينة، بخلاف المعرفة، وما يحتاج فرع عما لا يحتاج، "وهي" بالحد عبارة عما شاع في جنس موجوده مقدر، فالأولى: كـ"رجل" فإنه موضوع لما كان حيوانا ناطقا، ذكرا بالغا، فكل ما وجد من هذا الجنس واحد، فهذا الاسم صادق عليه. والثاني: كـ"شمس" فإنها موضوعة لما كان كوكبا نهاريا، ينسخ ظهوره وجود الليل، فحقها أن تصدق على متعدد كما أن رجلا كذلك، وإنما تخلف ذلك من جهة عدم وجود أفراد له في الخارج، ولو وجدت لكان اللفظ صالحا لها، فإنه لم يوضع على أن يكون خاصا كزيد وعمرو، وإنما وضع وضع أسماء الأجناس، وكذلك "قمر"، فأما قوله: [من الكامل]
49- ..................... فكأنه لمعان برق أو شعاع شموس
وقوله: [من الرجز]
وجوههم كأنها أقمار
فإن العرب تنسب إليهما التعدد باعتبار الأيام والليالي، وإن كانت حقيقتهما واحدة، يقولون: شمس هذا اليوم أحر من شمس أمس؛ وقمر هذه الليلة أكثر نورا من قمر ليلة أول ذلك الشهر، وبالخاصة "عبارة عن نوعين":
__________
49- تمام صدر البيت: "حمي الحديد فكأنه"
، وهو للأشتر النخعي في لسان العرب 6/ 113 "شمس"، والتنبيه والإيضاح 2/ 283، وأساس البلاغة "ومض"، وتاج العروس 16/ 171 "شمس"، 19/ 110 "ومض".
50- الرجز ضمن ستة أبيات وردت بلا نسبة في أساس البلاغة "درق".(1/93)
"أحدهما: ما يقابل "أل" المؤثرة للتعريف، كرجل" لحيوان مذكر عاقل، "وفرس" لحيوان مذكر غير عاقل، "ودار" لمؤنث غير حيوان، "وكتاب" لمذكر غير حيوان. وهذه الأمثلة الأربعة تقبل "أل" المؤثرة للتعريف، فتقول: الرجل والفرس والدار والكتاب.
"و" النوع "الثاني: ما" لا يقبل "أل" المؤثرة للتعريف؛ ولكنه "يقع موقع ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف، نحو: ذي" بمعنى صاحب "ومن" بفتح الميم معنى إنسان، "وما" بمعنى شيء "في قولك: مررت برجل ذي مال، و" مررت "بمن معجب لك، و" مررت "بما معجبا لك"، فـ"ذو" و"من" و"ما": نكرات لأن "ذي" نعت لنكرة، و"من" و"ما" نُعتا بنكرة، ونعت النكرة والمنعوب بالنكرة نكرة، وهي لا تقبل "أل"، ولكنها واقعة موقع ما يقبلها. أما "ذو" "فإنها واقعة موقع صاحب"، وصاحب يقبل "أل" المؤثرة للتعريف، فتقول: "الصاحب" وليست "أل" فيه موصولة؛ لأنه قد تنوسي فيه معناه الأصلي بحسب الاستعمال، وصار من قبيل الجوامد، ولذلك لا يعمل، لا تقول مررت برجل صاحب أخوه عمرا. قال الشاطبي في باب المبتدأ: "و" أما "من" فإنها نكرة موصوفة واقعة موقع "إنسان"، وإنسان يقبل "أل"، فتقول: "الإنسان"، "و" أما "ما" فإنها نكرة موصوفة أيضا واقعة موقع "شيء"، وشيء يقبل "أل" فتقول: "الشيء"، فـ"من" للعاقل، و"ما" لغيره، وكذلك إذا استعملا في الشرط والاستفهام فمعناهما في الشرط: كل إنسان، وكل شيء، وفي الاستفهام، أي إنسان وأي شيء فـ"إنسان" و"شيء" يقبلان "أل". قال الشاطبي: "ثم قال: وكذلك "أين وكيف" فإنهما واقعان موقع قولك: في أي مكان، وعلى أي حال، و"مكان" و"حال" يقبلان "أل". ا. هـ.
وذهب ابن كسيان إلى أن "من" و"ما" الاستفهاميتين معرفتان، "وكذلك نحو: صه" حال كونه "منونا، فإنه" نكرة، ولا يقبل "أل"، ولكنه "واقع موقع قولك: سكوتا"، و"سكوتا" يقبل "أل" لأنه مصدر، فتقول: "السكوت" بناء على أن التنكير والتعريف في اسم الفعل راجعان إلى المعنى المصدري بواسطة أو بلا واسطة، وإلا فمذهب الجمهور أن أسماء الأفعال واقعة موقع الأفعال، وكذا نحو: "أحد وديار وعريب وكتيع" من الأسماء الملازمة للنفي، فإنها نكرات ولا تقبل "أل". ولكنها واقعة موقع ما يقبل "أل" وهو مثلا رجل؛ أو حي؛ أو ساكن؛ أو نحو ذلك. قال(1/94)
الشاطبي: وأنكر النكرات شيء، ثم موجود، ثم محدث، ثم جسم، ثم نام، ثم حيوان، ثم إنسان، ثم بالغ، ثم ذكر، ثم رجل، فهذه عشرة يقابل كلا منها ما هو في مرتبته.
"و" الضرب الثاني "معرفة"، وإلى هذين الضربين أشار الناظم بقوله:
52- نكرة قابل أل مؤثرا..... أو واقع موقع ما قد ذكرا
وغيره معرفة "وهي الفرع"؛ لأنها تحتاج في دلالتها إلى قرينة، وما يحتاج فرع عما لا يحتاج كما تقدم، "وهو عبارة عن نوعين أحدهما:
ما لا يقبل: أل" المؤثرة "ألبتة" يقطع الهمزة، سماعا، قاله شارح اللباب، والقياس وصلها، "ولا يقع موقع ما يقبلها، نحو: زيد وعمرو"، فأما قوله: [من الرجز]
51- باعد أم العمر من أسيرها ..............................
فضرورة.
"و" النوع "الثاني: ما يقبل "أل" ولكنها غير مؤثرة للتعريف، نحو: حارث، وعباس، وضحاك، فإن "أل" الداخلة عليها" غير مؤثرة للتعريف؛ لأنها معارف بالعلمية، وإنما دخلت عليها "أل" "للمح الأصل" بها" وهو التنكير، وفي بعض النسخ: "للمح الوصف"، والأول أولى؛ لأن مدخولها قد يكون غير وصف، كالنعمان؛ فإنه في الأصل اسم عين للدم؛ بالدال المهملة وتخفيف الميم، وظاهر كلامه أن "أل" في هذه الأمثلة دخلت عليها وهي أعلام، وقال الشاطبي: لم تدخل عليها وهي أعلام، بل على تقدير تنكيرها، لتكون "أل" مشعرة بأصلها من الصفة، فدخولها عليها كدخولها على القائم والقاعد وبابه، وهذا معنى ما ذكر سيبويه1، ثم قال: فإذا ثبت أنها
__________
51- الرجز لأبي النجم العجلي، وبعده: "حراس أبواب على قصورها"، وهو في ديوانه ص110، وشرح المفصل 1/ 44، والمخصص 13/ 215، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 137، والإنصاف 1/ 317، والجنى الداني ص189، والدرر 1/ 137، ورصف المباني ص77، وسر صناعة الإعراب 1/ 366، وشرح شواهد المغني 1/ 17، 163، وشرح شواهد الشافية ص506، وشرح المفصل 1/ 132، 6/ 60، ولسان العرب 5/ 272 "وبر"، ومغني اللبيب 1/ 52، والمقتضب 4/ 49، والمنصف 3/ 134، وهمع الهوامع 1/ 80.
1 في الكتاب 2/ 7: "فأما الألف واللام فتوصف بالألف واللام، وبما أضيف إلى الألف واللام؛ لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام، فصار نعتا، كما صار المضاف إلى غير الألف واللام صفة ما ليس فيه الألف واللام".(1/95)
قد أثرت معنى التعريف تقديرا، ولمح الصفة؛ صار التعريف مشكلا، وأجاب عنه بما حاصله: أنها لم تؤثر تعريفا، فيما لم يكن فيه تعريف، وفيه نظر يظهر بالتأمل.
"وأقسام المعارف سبعة":
أحدها: "المضمر"، بضم الميم الأولى وفتح الثانية، لحاضر أو غائب، "كأنا وهم. و" الثاني: "العلم" لمذكر أو مؤنث، "كزيد، وهند. و" الثالث: "الإشارة كـ: ذا" للمذكر، "وذي" للمؤنث. "و" الرابع: "الموصول" بناء على أن تعريفه بالعهد الذي في الصلة لا بـ"أل" ملفوظة كـ"الذي"، أو مقدرة كـ"من" أو بالإضافة كـ"أي" "كالذي" للمذكر، "والتي" للمؤنث. "و" الخامس: "ذو الأداة" للمذكر والمؤنث، "كالغلام والمرأة. و" السادس: "المضاف" إضافة محضة، "الواحد منها"؛ أي: من هذه الخمسة معتلا كان أو صحيحا "كابني وغلامي. و" السابع: المزيد على قول الناظم:
53- ........ كهم وذي..... وهند وابني والغلام والذي
"المنادى" المنكر المقصود، "نحو: يا رجل؛ لمعين"، بناء على أن تعريفه بالقصد لا بحرف تعريف منوي. قال في التسهيل: أعرفها ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم، ثم ضمير الغائب السالم عن إبهام. يعني بأن يتقدمه اسم واحد معرفة أو نكرة، ثم المشار به، والمنادى، يعني أنهما في مرتبة واحدة؛ لأن التعريف فيهما بالقصد عنده، ثم الموصول وذو الأداة، يعني أنهما في مرتبة واحدة؛ لأن تعريفهما بالعهد. وفي بعض نسخه: "ثم ذو الأداة"، فجعله بعد الموصول والمضاف بحسب المضاف إليه، فجعل المضاف إلى الضمير، في مرتبة الضمير، والصحيح ما نسب إلى سيبويه أن المضاف في رتبة المضاف إليه، إلا المضاف إلى المضمر فإنه في رتبة العلم. وذهب المبرد إلى أن المضاف دون المضاف إليه مطلقا، فتحصل ثلاثة أقوال.(1/96)
"فصل في المضمر":
بفتح الميم الثانية "المضمر": اسم مفعول من أضمرته، إذا أخفيته وسترته، وإطلاقه على البارز توسع. "والضمير" بمعنى المضمر على حد قولهم: عقدت العسل فهو عقيد، أي: معقود، وهو اصطلاح بصري، والكوفية يسمونه كناية ومكنيًّا؛ لأنه ليس باسم صريح، والكناية تقابل الصريح، قال ابن هانئ: [من الطويل]
فصرح بمن تهوى ودعني من الكنى..... فلا خير في اللذات من دونها ستر1
فالضمير والكناية بالاصطلاحين "اسْمًا لما وضع" لتعيين مسماه، وهو إما "لمتكلم، كـ: أنا"، بزيادة الألف عند البصريين، وبأصالتها عند الكوفيين، "أو المخاطب كـ: أنت"، بزيادة التاء عند البصريين، وبأصالتها عند بعض الكوفيين، "أو الغائب كـ: هو"، بتمامها عند البصريين، والهاء وحدها عند الكوفيين، وإليه أشار في النظم بقوله:
54- فما لذي غيبة أو حضور.... كأنت وهو سم بالضمير
"أو لمخاطب تارة ولغائب أخرى، وهو" ثلاثة "الألف والواو والنون"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
59- وألف والواو والنون لما غاب وغيره ...............
وأراد بغيره المخاطب "كقوما" للمخاطبين، "وقاما" للغائبين، "وقوموا وقاموا، وقمن" يا هندات، والهندات قمن. "وينقسم" الضمير "إلى بارز؛ وهو ما له صورة في اللفظ" به كتاء: قمت"، وكاف "أكرمك"، وهاء "غلامه"، فكل من التاء والكاف والهاء يلفظ بصورته. "وإلى مستتر وهو بخلافه"، أي: بخلاف البارز، وهو ما ليس له صورة في اللفظ، بل ينوى "كا" لضمير "لمقدر في" أقوم، و"قم"، فيقدر في "أقوم" أنا، وفي "قم" أنت. ولم تضع العرب لهما لفظًا يعبر به عنهما، ولكن لضيق العبارة عبر عنهما بلفظ الضمير المنفصل، تعليمًا للمبتدئين، وليس هما إياهما على الحقيقة.
__________
1 البيت لأبي نواس من خمرية في ديوانه ص28، وبلا نسبة في تزيين الأسواق ص409.(1/97)
"وينقسم البارز إلى:
متصل" بعامله، "وهو ما لا يفتتح به النطق، ولا يقع بعد: إلا كياء: ابني، وكاف: أكرمك، وهاء: سليه ويائه"، وهذا معنى قول الناظم:
55- وذو اتصال منه ما لا يبتدا .....ولا يلي إلا اختيارا أبدا
56- كالياء والكاف من ابني أكرمك..... والياء والهاء من سليه ما ملك
وشملت هذه الأمثلة أنواع الضمير الثلاثة؛ من المتكلم والمخاطب والغائب، ومحاله الثلاثة؛ من الرفع والنصب والجر، فالياء من ابني للمتكلم، ومحلها جر، والكاف من أكرمك للمخاطب، ومحلها نصب، والياء من سليه للمخاطبة، ومحلها رفع على الفاعلية. والهاء من سلنيه للغائب، ومحلها نصب على المفعولية، والحاصل أن الياء والكاف والهاء لا يبتدأ بشيء من منها، ولا تقع بعد إلا، "وأما قوله": [من البسيط]
52- وما نبالي إذا ما كنت جارتنا..... "أن لا يجاورنا إلاك ديار"
"فضرورة"، والقياس: إلا إياك، ولكنه اضطر فحذف "إيا" وأبقى "الكاف"، أو أوقع المتصل موقع المنفصل، و"ما" الأولى نافية، و"ما" الثانية زائدة؛ لا مصدرية؛ لأن "إذا" الشرطية مختصة بالجمل الفعلية، و"نبالي": من المبالاة؛ بمعنى الاكتراث، و"جارتنا": خبر "كان"، من الجوار، و"أن": مصدرية، و"ديار": بمعنى أحد، فاعل "يجاورنا"، وأن وصلتها: مفعول "نبالي"، وهي مفرد لا جملة، و"إلا": حرف إيجابي، والكاف في موضع نصب على الاستثناء لتقدمه على المستثنى منه وهو ديار، والمعنى: إذا كنت جارتنا فلا نكترث بعدم مجاورة أحد غيرك. وأجاز ابن الأنباري وقوع المتصل بعد "إلا" مطلقا، ومنعه المبرد مطلقا؛ وأنشد مكان "إلاك" "سواك"، ويحتاج إلى الجواب عن قول الشاعر: [من الطويل]
53- أعوذ برب العرش من فئة..... بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر
فأوقع الهاء المتصلة موقع "إياه".
__________
52- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 129، وأمالي ابن الحاجب ص385، وأوضح المسالك 1/ 83، وتخليص الشواهد ص100، وخزانة الأدب 5/ 278، 279، 325، والخصائص 1/ 307، 2/ 195، والدرر 1/ 84، وشرح الأشموني 1/ 48، وشرح شواهد المغني 884، وشرح ابن عقيل 1/ 90، وشرح المفصل 3/ 101، ومغني اللبيب 2/ 441، والمقاصد النحوية 1/ 253، وهمع الهوامع 1/ 57، وشرح ابن الناظم ص34.
53- البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 84، وشرح ابن عقيل 1/ 89، والمقاصد النحوية 1/ 255.(1/98)
"وإلى منفصل" عن عامله، "وهو" أي: المنفصل، "ما يبتدأ به" في النطق، "ويقع بعد: إلا" وذلك "نحو: أنا، تقول" في ابتداء النطق به: "أنا مؤمن، و" في وقوعه بعد "إلا" "ما قام إلا أنا"، وتقسيمه هنا البارز إلى متصل ومنفصل، لا ينافي تقسيمه المتصل إلى مستتر وبارز في باب العطف، لاختلاف المدركين، فإنه هنا ناظر إلى مواقعه من الإعراب، وهناك ناظر إلى صحة العطف على الضمير المرفوع، وظاهر صنعه أن كلا من المتصل والمنفصل أصل برأسه، وذهب بعضهم إلى أن المتصل أصل للمنفصل؛ محتجا بأن مبنى الضمائر على الاختصار، والمتصل أخصر من المنفصل.
"وينقسم" الضمير "المتصل بحسب مواقع الإعراب" من رفع ونصب وجر "إلى ثلاثة أقسام":
الأول: "ما يختص بمحل الرفع" فقط، "وهو خمسة": أحدها: "التاء" مضمومة كانت أو مفتوحة أو مكسورة "كقمت" بالحركات الثلاث. "و" ثانيها: "الألف" الدالة على اثنين أو اثنتين "كقاما" وقامتا. "و" ثالثها: "الواو" الدالة على جمع المذكر "كقاموا. و" رابعها: "النون" الدالة على جمع الإناث "كقمن. و" خامسها: "ياء المخاطبة" بناء على أنها ضمير، وهو قول سيبويه1، وخالفه الأخفش والمازني وزعما أنها حرف تأنيث2، والفاعل ضمير مستتر، وتقع في الأمر "كقومي"، والمضارع كتقومين، وخرج بقيد المخاطبة ياء المتكلم، فإنها لا تكون في محل رفع أصلا.
"و" القسم الثاني من الأقسام الثلاثة: "ما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط، وهو ثلاثة": أحدها: "ياء المتكلم نحو: {رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15]، فالياء من "ربي" في محل جر بإضافة "رب" إليها، وفي "أكرمني" في محل نصب على المفعولية بـ"أكرم". "و" ثانيها: "كاف المخاطب" بفتح الطاء "نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] فالكاف من "ودعك" في محل نصب على المفعولية، ومن "ربك"
__________
1 الكتاب 4/ 155.
2 قال السيوطي: إن النون والألف والواو والياء؛ حروف علامات؛ كتاء التأنيث في "قامت"، لا ضمائر، والفاعل ضمير مستكن في الفعل، وعليه المازني؛ ووافقه الأخفش في الياء، وشبهة المازني أن الضمير لما استكن في فعل وفعلة؛ استكن في التثنية والجمع، وجيء بعلامات للفرق؛ كما جيء بالتاء. وشبهة الأخفش أن فاعل المضارع المفرد لا يبرز؛ بل يفرق بين المؤنث والمذكر بالتاء أول الفعل في الغيبة، ولما كان الخطاب بالتاء في الحالين احتيج إلى الفرق، فجعلت الياء علامة للمؤنث. انظر حاشية يس 1/ 99.(1/99)
في محل جر بإضافة "رب" إليها. "و" ثالثها: "هاء الغائب نحو: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 37] فالهاء من "له" و"صاحبه" في محل جر؛ في الأول باللام، وفي الثاني بالإضافة، وفي "يحاوره" في محل نصب على المفعولية بـ"يحاوره" وذلك داخل تحت قول الناظم:
57- .................... ولفط ما جر كلفظ ما نصب
"و" القسم الثالث من الأقسام الثلاثة: "ما هو مشترك بين" المحال "الثلاثة"، محل الرفع ومحل النصب ومحل الجر، "وهو "نا" خاصة" بشرطين: اتحاد المعنى والاتصال "نحو: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا} [آل عمران: 193] فـ"نا" في "ربنا" في محل جر، بإضافة "رب" إليها، وفي "إننا" في محل نصب بـ"إن"، وفي "سمعنا" في محل رفع على الفاعلية بـ"سمع", ونظير ذلك قول الناظم:
58- ................. كاعرف بنا فإننا نلنا
"وقال بعضهم" وهو أبو حيان معترضا على الناظم في وقوله:
58- للرفع والنصب وجر نا صلح .................................
"لا يختص ذلك بكلمة "نا" بل "الياء" وكلمة "هم" كذلك"، فإنهما يقعان في المحال الثلاثة، "لأنك تقول" في الياء في الرفع: "قومي، و" في النصب: "أكرمني، و" في الجر: "غلامي، و" تقول في "هم" في الرفع: "هم فعلوا، و" في النصب: "أنهم، و" في الجر: "لهم مال. و" رده المتأخرون فقالوا: "هذا" النقص "غير سديد" بالسين المهملة؛ لأن المدعى أن يكون الضمير في الأحوال الثلاثة متحد المعنى ومتصلا، وما أورده ليس كذلك، "لأن ياء المخاطبة غير ياء المتكلم"، بدليلين:
أحدهما: أن "ياء المخاطبة" مختلف في اسميتها، و"ياء المتكلم" لم يختلف فيها, والمختلف فيه غير المتفق عليه.
والثاني: أن "ياء المخاطبة" موضوعة للمؤنث, و"ياء المتكلم" موضوعة للمذكر، و"ما" للمؤنث غير "ما" للمذكر، "و" لأن الضمير "المنفصل غير" الضمير "المتصل" ضرورة، فانتفى الإيراد وثبت المراد.
"وألفاظ الضمائر كلها مبنية" وجوبا، وذلك مفهوم من قول الناظم:
57- وكل مضمر له البنا يجب ..............................
واختلف في سبب بنائها، فقيل: شبه الحرف في المعنى؛ لأن كل مضمر(1/100)
مضمن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة، وهي من معاني الحروف، وقيل: شبه الحرف في الوضع؛ لأن أكثر المضمرات على حرف واحد أو حرفين، وحمل الأقل على الأكثر، وقيل: شبه الحرف في الافتقار؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة مشاهدة أو غيرها، وقيل: شبه الحرف في الجمود، وقيل: اختلاف صيغه لاختلاف معانيه، وقيل غير ذلك. ولا يختص الإبراز بضمير بعينه بل يكون في ضمير الرفع والنصب والجر، "ويختص الاستتار بضمير الرفع" فقط. "وينقسم المستتر إلى قسمين: مستتر وجوبا، وهو" المقتصر عليه في النظم بقوله:
60- ومن ضمير الرفع ما يستتر ................................
بقرينة تمثيله بقوله:
60- ........................... كأفعل أو افق نغتبط إذ تشكر
وضابط واجب الاستتار "ما لا يخلفه" في مكانه اسم ظاهر، ولا "ضمير منفصل، وهو المرفوع بأمر الواحد" المذكر "كـ: قم"، واستخرج بخلاف المرفوع بأمر الواحدة والمثنى والجمع، فإنه يبرز في الجميع نحو: قومي وقوما وقوموا وقمن، "أو" المرفوع "بمضارع مبدوء بتاء خطاب الواحد كـ: تقوم"، وتستخرج بخلاف المبدوء بتاء الغائبة، نحو: هند تقوم، فإن استتاره جائز لا واجب، وبخلاف المبدوء بتاء خطاب الواحدة والتثنية والجمع، فإنه يبرز في الجميع، نحو: تقومين وتقومان وتقومون وتقمن، "أو" المرفوع "بمضارع مبدوء بالهمزة كـ"أقوم" وأستخرج، "أو" المرفوع بمضارع مبدوء "بالنون كـ: تقوم" ونستخرج، "أو" المرفوع "بفعل استثناء كـ: خلا، وعدا" وليس، "ولا يكون، في نحو قولك": القوم "قاموا ما خلا زيدا، وما عدا عمرا"، وليس بكرا، "ولا يكون زيدا"، ففي خلا وعدا وليس ولا يكون ضمير مستتر وجوبا مرفوع عائد على البعض المفهوم من كله السابق، أو على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق، "أو" المرفوع "بأفعل في التعجب، أو بأفعل" في "التفضيل"، فالأول "كـ: ما أحسن الزيدين"، بفتح الدال وكسرها، "و" الثاني نحو: "{هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} [مريم: 74] ففي "أحسن" فيهما ضمير مرفوع على الفاعلية مستتر وجوبا، و"أثاثا" تمييز، "أو" المرفوع "باسم فعل غير ماض كـ: أوه" بمعنى أتوجع، "ونزال" بمعنى انزل، أو المرفوع بالمصدر النائب عن فعله نحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] فجميع هذه الأمثلة لا ترفع الاسم الظاهر، ولا الضمير البارز، إلا "أفعل" التفضيل،(1/101)
فإنه قد يرفع الظاهر في مسألة "الكحل" عند جميع العرب" ويرفع الضمير البارز على لغة، نحو: "مررت برجل أفضل منه أنت" إذا لم يعرب "أنت" مبتدأ، وعلى هذا فعد "أفعل" التفضيل من أمثلة ما يستتر فيه الضمير وجوبا يشكل على الضابط المذكور. "و" ينقسم "إلى مستتر جوازا، وهو ما يخلفه ذلك" الظاهر أو الضمير المنفصل، "وهو" الضمير "المرفوع بفعل الغائب، أو" بفعل "الغائبة، أو الصفات المحضة"، وهي الخالصة من شائبة الاسمية، "أو اسم الفعل الماضي"، فالمرفوع بفعل الغائب "نحو: زيد قام، و" بفعل الغائبة نحو: "هند قامت" أو تقوم، "و" بالصفات المحضة، وهي: إما اسم فاعل نحو: "زيد قائم، أو" اسم مفعول نحو: زيد "مضروب، أو" صفة مشبهة نحو: زيد "حسن"، أو أمثلة المبالغة نحو: زيد ضراب أو مضراب أو مضروب أو ضريب أو ضرب، "و" باسم الفعل الماضي نحو: زيد "هيهات"، أي: بعد. فالضمير في هذه الأمثلة وما أشبهها مستتر جوازا، وإذا برز انفصل، تقول: "زيد قام هو" وكذا الباقي، والدليل على جواز ذلك أنه يخلفه الظاهر أو الضمير المنفصل، "ألا ترى أنه يجوز" في الفصيح: "زيد قام أبوه"، فيخلفه الظاهر وهو "أبوه"، "أو: ما قام إلا هو"، فيخلفه الضمير المنفصل الواقع بعد "إلا"، "وكذا الباقي" من الأمثلة المذكورة بلا فرق. وهذا الحكم جار في الضمير المنتقل إلى الظرف. وعديله، إذا وقعا صفة أو صلة أو خبرا أو حالا، نحو: "مررت برجل أمامك" وفي مجلسك"، و"جاء الذي عندك، أو في الدار"، و"زيد خلفك، أو في المسجد" و"جاء زيد فوق فرس، أو على حمار"، وقد يجب إبراز الضمير المستتر إذا جرى رافعه على غير من هو له، نحو: غلام زيد ضاربه هو.
"تنبيه: هذا التقسيم" للضمير إلى مستتر وجوبا وجوازا "تقسيم ابن مالك" في التسهيل1 وغيره، "وابن يعيش" في شرح المفصل2، "وغيرهما" من النحويين، ووافقهما الموضح في شرح القطر3، وخالفهم هنا فقال: "و" هذا التقسيم "فيه نظر الاستتار" للضمير "في" "قام" من "نحو: زيد قام" واجب"، لا يجوز إبرازه متصلا، "فإنه" لو برز وجب انفصاله فيقال: "قام هو" و"لا يقال: "قام هو" على الفاعلية"، بل على التوكيد لذلك المستتر، "وأما" خلف الظاهر له أو الضمير المنفصل،
__________
1 شرح التسهيل 1/ 166.
2 شرح المفصل 3/ 108-109.
3 شرح قطر الندى ص94.(1/102)
ففي غير تركيبه، فـ"زيد قام": تركيب أسند فيه القيام إلى ضمير "زيد" من غير حصر، وأما "زيد قام أبوه، أو: ما قام إلا هو، فتركيب آخر" أسند فيه القيام إلى سببي زيد، وإلى ضميره المحصور بـ"إلا". هذا تقرير كلامه وفيه أمران:
أحدهما: أن قوله: "فتركيب آخر" يوهم أن ابن مالك وابن يعيش وغيرهما قائلون بأن نحو: "زيد قام هو" و"زيد قام أبوه" تركيب واحد مع اختلاف المسند إليه، ولا يظن بهم ذلك، إلا أن يقع النظر عن خصوصية المسند إليه.
والثاني: أنه نفى أن يقال: "قام هو" على الفاعلية، والمنقول عن سيبويه أنه أجاز في "هو" من نحو قوله تعالى: {أَنْ يُمِلَّ هُوَ} [البقرة: 282] أن يكون فاعلا، وأن يكون توكيدا، ونقل المرادي عنه أيضا في شرح التسهيل أنه أجاز في "هو" من نحو: "مررت برجل مكرمك هو" أن يكون فاعلا، وأن يكون توكيدا. وكذلك إذا جرى الوصف على غير من هو له، وأبرز الضمير يكون فاعلا بالاتفاق عند البصريين والكوفيين، والنظر الجيد أن يقال: ما ذهب إليه ابن مالك وابن يعيش وغيرهما مشكل؛ لأنه لا يخلو إما أن يريدوا بجواز الاستتار أنه يجوز إبراز الضمير متصلا أو منفصلا، والأول متعذر، والثاني مخالف لما أصلوه من القواعد، وهو أنه إذا أمكن الاتصال لا يعدل عنه إلى الانفصال، إلا فيما يستثنى، وليس هذا منه، "والتحقيق" في التقسيم "أن يقال: ينقسم العامل إلى ما لا يرفع، إلا الضمير المستتر كـ"أقوم" وقم، "وإلى ما يرفعه، وغيره"، أي: الظاهر "كـ: قام" وهيهات، "وينقسم" الضمير "المنفصل بحسب مواقع الإعراب" الثلاثة "إلى قسمين":
أحدهما: "ما يختص بمحل الرفع" لا يتجاوزه إلى غيره، "وهو: أنا" للمتكلم، "وأنت" بفتح التاء للمخاطب، "وهو" للغائب وفروعهن، "ففرع أنا" واحد فقط، وهو "نحن"؛ لأن المتعدد فرع المفرد، "وفرع أنت" بفتح التاء أربعة وهي: "أنت" بكسر التاء، "وأنتما، وأنتم، وأنتن"؛ لأن المؤنث فرع المذكر، والمثنى والجمع فرع المفرد، "وفرع هو" أربعة أيضا وهي: "هي وهما وهم وهن"، وتعليله ما تقدم.
تنبيه: المختار في "أنا" أن الضمير هو الهمزة والنون فقط، والألف زائدة لبيان الحركة. ومذهب الكوفيين أنه الأحرف الثلاثة1، واختاره ابن مالك2، وفي
__________
1 انظر شرح المفصل 3/ 93.
2 شرح التسهيل 1/ 134.(1/103)
"أنت" وفروعه أن الضمير نفس "أن" عند البصريين، واللواحق لها حروف خطاب1. وذهب الفراء إلى أن "أنت" بكماله هو الضمير، وذهب ابن كيسان إلى أن "التاء" هي الضمير، وهي التي في: "فعلت" وكسرت بـ"أن".
وفي "هو وهي" الجميع ضمير، وهو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الضمير هو الهاء فقط، والواو والياء إشباع، وفي "هما وهم" الضمير "الهاء" وحدها2. وحكي عن الفارسي أنه المجموع، وفي "هن" الهاء وحدها، والنون الأولى كالميم في "هم"، والثانية كالواو في "هو".
"و" القسم الثاني "ما يختص بمحل النصب لا يتجاوزه إلى غيره، "وهو إيا" بتشديد الياء المثناة، تحت حال كونه "مردفا بما يدل على المعنى المراد" من تكلم وخطاب وغيبة وتذكير وتأنيث وإفراد وتثنية وجمع، "نحو: "إياي" للمتكلم" وحده، "و: إياك، للمخاطب" المذكر, "و: إياه, للغائب" المذكور, هذه الثلاثة هي الأصول, "وفروعها" تسعة، ففرع إياي: "إيانا" لا غير، "و" فرع "إياك" بفتح الكاف؛ أربعة: "إياك" بكسر الكاف، "وإياكما، وإياكم، وإياكن. و" فرع إياه أربعة أيضا: "إياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن"، على ما تقدم من التعليل، وفي بعض النسخ بإسقاط العاطف.
"تنبيه: المختار" من الخلاف "أن الضمير نفس: إيا" فقط، "وأن اللواحق لها حروف تكلم وخطاب وغيبة"، وهو مذهب سيبويه3. واستشكل بأن الضمير ما دل على متكلم أو مخاطب أو غائب، و"إيا" على حدتها لا تدل على ذلك، وأجيب بأنها وضعت مشتركة بين المعاني الثلاثة، فعند الاحتياج إلى التمييز أردفت بحروف تدل على المعنى المراد، كما أردف الفعل المسند إلى المؤنث بناء التأنيث ومقابل المختار مذاهب:
أحدها: ما ذهب إليه بعض البصريين وجمع من الكوفيين واختاره أبو حيان، أن اللواحق هي الضمائر، وكلمة "إيا" عماد4، أي: زيادة يعتمد عليها لواحقها، ليتميز الضمير المنفصل من المتصل.
__________
1 شرح المفصل 3/ 93، 95.
2 ذكر الأنباري آراء الكوفيين والبصريين في الإنصاف 2/ 677، المسألة رقم 96: " الحروف التي وضع عليها الاسم في هو وهي". وانظر شرح المفصل 3/ 95-97.
3 الكتاب 2/ 355، وانظر شرح المفصل 3/ 98-99.
4 الإنصاف 2/ 695، المسألة رقم 97: "الضمير في إياك وأخواتها".(1/104)
والثاني: ما ذهب إليه الخليل وجمع، واختاره ابن مالك، أن "إيا" ضمير إلى ما بعده، وأن ما بعده ضمير أيضا في محل خفض بإضافة "إيا" إليه1.
والثالث: ما ذهب إليه الزجاج أن "إيا" اسم ظاهر لا ضمير، واللواحق له ضمائر، أضيف "إيا" إليها، فهي في محل خفض بالإضافة. وهذه الضمائر الأربعة والعشرون ضميرا من المرفوعة والمنصوبة المنفصلة مستفادة من قول الناظم:
61- وذو ارتفاع وانفصال أنا هو..... وأنت والفروع لا تشتبه
62- وذو انتصاب في انفصال جعلا..... إياي والتفريع ليس مشكلا
وجملة الضمائر البارزة ستون ضميرا؛ وذلك لأن البارز إما متصل أو منفصل، مرفوع ومنصوب ومجرور، والمنفصل مرفوع ومنصوب فقط، فهذه خمسة أقسام، ثلاثة للمتصل واثنان للمنفصل، ولكل من هذه الخمسة اثنتا عشرة لفظة: واحدة للمتكلم وحده، وواحدة له ولمن معه، وخمس للمخاطب: واحدة للمذكر، وواحدة للمؤنث، وواحدة لمثنييهما، وواحدة لجمع المذكر، وواحدة لجمع المؤنث، وخمس للغائب كذلك، وإذا ضربنا خمسا في اثني عشر خرج منها ستون.
أمثلة المرفوع المتصل: قُمْتُ؛ قُمنا؛ قُمتِ؛ قُمتما؛ قُمتم؛ قُمتُنّ؛ قامَ؛ قامَتْ؛ قامَا؛ قاموا؛ قُمْنَ.
أمثلة المنصوب المتصل: أكْرَمَنِي؛ أكْرَمَنا؛ أكْرَمَكَ؛ أكْرَمَكِ؛ أكْرَمَكُما؛ أكرمَكُم؛ أكرَمَكُنّ؛ أكرَمَهُ؛ أكرَمَهَا؛ أكْرَمَهُما؛ أكْرَمَهُم؛ أكرَمَهُنّ.
أمثلة المخفوض؛ ولا يكون إلا متصلا؛ غلامي لي؛ غلامنا لنا؛ غلامكَ لكَ؛ غلامكِ لكِ؛ غلامكما لكما؛ غلامكم لكم؛ غلامكنَ لكنَ؛ غلامه له؛ غلامها لها؛ غلامهما لهما؛ غلامهم لهم؛ غلامهنّ لهنّ.
وتقدمت أمثلة المرفوع المنفصل والمنصوب المنفصل في كلام الموضح، فلم أحتج لسردها مرة ثانية. فهذه الستون متفق عليها، وزاد سيبويه في ضمائر الرفع المتصلة: ياء المخاطبة في: تقومين وقومي، وخالف الأخفش والمازني ذاهبين إلى أنها حرف تأنيث، والفاعل مستتر، كما يستتر ضمير المفرد في: تقوم وقم، وقد تقدم ما فيه.
__________
1 انظر رأي الخليل في الإنصاف 2/ 695: والكتاب 1/ 279، واستشهد الخليل بقولهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب".(1/105)
فصل2
"فصل":
القاعدة لغة: الأساس، واصطللاحا: حكم كلي منطبق على جميع جزئياته لتتعرف أحكامها منه. وهي هنا "أنه متى تأتي" وأمكن "اتصال الضمير لم يعدل إلى انفصاله"؛ لأن وضع الضمير على الاختصار؛ والمتصل أخصر من المنفصل "فنحو: قمت" بضم التاء "وأكرمتك، لا يقال فيهما: قام أنا؛ ولا أكرمتك إياك"؛ لأن التاء أخصر من "أنا" والكاف أخصر من "إياك"، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
63- وفي اختيار لا يجيء المنفصل..... إذا تأتى أن يجيء المتصل
"فأما قوله" وهو زياد بن حمل التميمي: [من البسيط]
54- وما أصاحب من قوم فأذكرهم ..................................
أي: قومي.
54- .......................... "إلا يزيدهم حبا إلي هم"
فأوقع الضمير المرفوع المنفصل مكان المرفوع المتصل، "وقوله" وهو الفرزدق: [من البسيط]
55- بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت "إياهم الأرض في دهر الدهارير"
فأوقع الضمير المنصوب المنفصل مكان المنصوب المتصل، "فضرورة" فيهما، ومعنى البيت الأول على ما قاله ابن كيسان: ما صحبت قوما بعد قومي؛ فذكرت لهم
__________
54- البيت لزياد بن منقذ في خزانة الأدب 5/ 250، 255، وسر صناعة الإعراب 1/ 271، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1392، وشرح شواهد المغني 1/ 135، 137، 428، وشرح المفصل 7/ 26، والشعر والشعراء 2/ 701 ومعجم الشعراء ص409، والمقاصد النحوية 1/ 256، ولبدر بن سعيد أخي زياد "أو المرار" في الأغاني 10/ 330، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 90، وتخليص الشواهد ص83، وشرح ابن الناظم ص38، وشرح الأشموني 1/ 51، ومغني اللبيب 1/ 146.
55- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 214، وخزانة الأدب 5/ 288، 290، والدرر 1/ 98، والمقاصد النحوية 1/ 274، ولأمية بن أبي الصلت في الخصائص 1/ 307، 2/ 195، ولم أقع عليه في ديوانه، ولأمية أو للفرزدق في تخليص الشواهد ص87، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 129، والأغاني 10/ 323، والإنصاف 2/ 698، وأوضح المسالك 1/ 92، وتذكرة النحاة 43، وشرح ابن عقيل 1/ 101، 108 وشرح ابن الناظم ص38، وهمع الهوامع 1/ 62.(1/106)
قومي؛ إلا بالغوا في الثناء عليهم، حتى يزيدوا قومي حبًّا إلَيّ، ويدل عليه أنه وجد في أصل قصيدته:
لم ألق بعدهم حيًّا فأخبرهم إلا .....................
إلى آخره. و"هم" الأولى مفعول أول ليزيد، و"حبًّا" مفعوله الثاني، و"هم" الثانية، آخر البيت: فاعل يزيد، والأصل: يزيدون، فعدل عن الواو إلى هم للضرورة. وقال ابن مالك: "الأصل: إلا يزيدون أنفسهم، فحذف المضاف، وفصل ضمير الفاعل". قال الموضح في المعنى: وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد، وليس كذلك، فإن مسمى "الواو" المصاحبون ثانيًا، ومسمى "هم" المصاحبون أولًا. ومراده: أنه ما يصاحب قومًا بعد قومه فيذكر قومه لهم، إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبًّا إليه؛ لما يسمعه من ثنائهم عليهم. ويجوز في: "فأذكرهم" النصب في جواب النفي، والرفع بالعطف على "أصاحب". قاله الموضح في شرح الشواهد.
و"الباء" في قول الفرزدق: "بالباعث" متعلقة بـ"حلفت" في بيت قبله1. والباعث: هو الذي يبعث الأموات ويحييهم. والوارث: هو الذي ترجع إليه الأملاك؛ بعد فناء الملاك. والأموات: إما مجرور بإضافة الباعث والوارث إليه، على حد قولهم2: [من المنسرح]
.............................. بين ذراعي وجبهة الأسد
أو منصوب "بالوارث"، على أن الوصفين تنازعاه، وأعمل الثاني. وضمنت؛ بكسر الميم مخففة: بمعنى تضمنت، أي: اشتملت عليهم، أو بمعنى تكلفت بأبدانهم. والأرض: فاعل "ضمنت"، و"إياهم": مفعوله، والقياس اتصاله، ولكنه فصل للضرورة. والدهر: الزمان، و"الدهارير"، بمعنى الشدائد: مضاف إليه.
__________
1 وهو قوله:
"إني حلفت ولم أحلف على فند فناء بيت من الساعين معمور".
انظر ديوان الفرزدق 1/ 214، والدرر 1/ 99.
2 صدر البيت: "يا من رأى عارضا أُسَرُّ به"
، وهو الفرزدق في ديوانه ص215 "طبعة الصاوي"، وخزانة الأدب 2/ 319، 4/ 404، 5/ 289، وشرح شواهد المغني 2/ 799، وشرح المفصل 3/ 21، والكتاب 1/ 180، والمقاصد النحوية 3/ 451، والمقتضب 4/ 229، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 100، 2/ 264، 390، وتخليص الشواهد ص87، وخزانة الأدب 10/ 187، والخصائص 2/ 407، والدرر 1/ 99، ورصف المباني ص341، وسر صناعة الإعراب ص297، وشرح الأشموني 2/ 366، وشرح عمدة الحافظ ص502، ومغني اللبيب 2/ 380، 621.(1/107)
"و" إذا لم يتأتّ الاتصال وجب الانفصال، "مثال ما لم يتأت فيه الاتصال أن" يرفع الضمير بمصدر مضاف إلى المنصوب نحو قوله: [من البسيط]
56- بنصركم نحن كنتم ظافرين ..... ......................................
أو ينصب بمصدر مضاف إلى المرفوع نحو: " عجبت من ضرب الأمير إياك". فإن قالوا: يجوز: "ضربك الأمير"، قلنا: ويجوز: "بنصرنا إياكم" فما كان جوابهم فهو جوابنا1.
أو أن يرفع بصفة جرت على غير من هي له مطلقا عند البصريين، وبشرط خوف اللبس عند الكوفيين، نحو: "زيد عمرو ضاربه هو"، أو أن يحذف عامله؛ كقوله: [من الطويل]
57- فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب..... لعلك تهديك القرون الأوائل
أي: فإن ضللت لم ينفعك علمك.
وأن يكون عامله حرف نفي نحو: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] وأن يقع بعد واو المصاحبة كقوله: [من الطويل]
58- فآليت لا أنفك أحدو قصيدة..... تكون وإياهم بها مثلا بعدي
أو أن يفصله متبوع نحو: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة: 1].
أو أن يلي "إما" المكسورة الهمزة المشددة الميم، نحو: إما أنا وإما أنت.
أو يلي اللام الفارقة2، كقوله: [من الخفيف]
__________
56- تتمة البيت:
"............................. وقد أغرى العدى بكم استسلامكم فشلا"
،وهو بلا نسبة في الدرر 1/ 100، والمقاصد النحوية 1/ 289، وهمع الهوامع 1/ 63.
1 في حاشية يس 1/ 105: "قال الزرقاني: والجواب من الجهتين أن الكلام في ضمير الرفع الخاص بذلك، لا فيما يقع في محل رفع، ولا في المشترك"
57- البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص255، وخزانة الأدب 3/ 34، والدرر 1/ 102، وشرح الأشموني 1/ 188، وشرح شواهد المغني 1/ 151، والمعاني الكبير ص1211، والمقاصد النحوية 1/ 8، 291، وهمع الهوامع 2/ 114، وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 63.
58- البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 219، وخزانة الأدب 8/ 15، 519، والدرر 1/ 103، 480، وشرح شواهد الإيضاح ص180، والمقاصد النحوية 1/ 295، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص4(1/108)
59- إن وجدت الصديق حقا لإيا..... ك فمرني فلن أزال مطيعا
أو أن يكون منادى، نحو: يا إياك، ويا أنت.
أو أن ينصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع أن أتحدث رتبته، نحو: "ظننتني إياي"، وسيأتي.
أو أن "يتقدم الضمير على عامله، نحو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 4]، أو" يتأخر عن عامله "يلي إلا" لفظا، نحو: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: 40].
أو معنى، نحو: إنما قام أنا، "ومنه قوله" وهو الفرزدق: [من الطويل]
60- أنا الذائد الحامي الذمار "وإنما..... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي"
"لأن" "أنا" ولي "إلا" في المعنى؛ لأن "المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا"، أو مماثلي في إحراز الكمالات. ولما كان غرضه أن يحصر المدافع لا المدافع عنه؛ فصل الضمير وأخره، ولو وصله وقال: وإنما أدافع عن أحسابهم، لصار المعنى: أنه يدافع عن أحسابهم؛ لا عن أحساب غيرهم. وذلك غير مقصود، ولا يصح حمله على الضرورة؛ لأنه كان يصح أن يقال: إنما أدافع عن أحسابهم أنا، على أن يكون "أنا" توكيدا، وليست "ما" موصولة، و"أنا" خبر إن، إذ لا ضرورة في العدول عن لفظ "من" إلى لفظ "ما"، وما نقل عن سيبويه من امتناع فصل الضمير بعد "إنما"؛ محمول على أنه لا يرى الحصر بـ"إنما"، وخولف في ذلك.
والذائد؛ بذال معجمة أوله؛ ومهملة آخره: من ذاد يذود: إذا منع، أو من الذود وهو الطرد. يقال: رجل ذائد أي: حامي الحقيقة, والحامي هنا تفسير للذائد، وهو اسم فاعل من الحماية، وهي الدفع، والذمار؛ بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم: وهو ما لزم الشخص حفظه مما وراءه ويتعلق به. والأحساب: جمع حسب؛ بفتح السين. "قال شَمَر: الحسب: الفعل الحسن للرجل ولآبائه؛ مأخوذ من الحساب، كأنهم يحسبون مناقبهم
__________
59- البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 103، والمقاصد النحوية 1/ 301، وهمع الهوامع 1/ 63.
60- البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 153، وتذكرة النحاة ص85، والجنى الداني ص397، وخزانة الأدب 4/ 465، والدرر 1/ 99، وشرح شواهد المغني 2/ 718، ولسان العرب 15/ 200 "فلا"، والمحتسب 2/ 195، ومعاهد التنصيص 1/ 260، ومغني اللبيب 1/ 309، والمقاصد النحوية 1/ 277، ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص48، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 111، 114، 7/ 242، وأوضح المسالك 1/ 95، ولسان العرب 13/ 31 "أنن"، وهمع الهوامع 1/ 62، وتاج العروس "ما".(1/109)
ويعدونها عند المفاخرة، فالحسب؛ بالسكون: العدد، وبالتحريك: الشيء المعدود على القياس في مثله". ا. هـ. قاله التجاني في تحفة العروس1.
"ويستثنى من هذه القاعدة" المذكورة، وهي أنه إذا تأتى اتصال الضمير لا يعدل إلى انفصاله "مسألتان"، ويجوز فيهما الانفصال مع تأتي الاتصال، وهما المشار إليهما في النظم بقوله:
64- وصل أو افصل هاء سلنيه وما .....أشبهه في كنته الخلف انتمى
65- كذاك خلتنيه ........ ............................
"إحداهما"؛ وهي الأولى في النظم: "أن يكون عامل الضمير" الجائز فيه الاتصال والانفصال، "عاملا في ضمير آخر أعرف منه مقدم عليه"، وهو مراد الناظم بقوله:
66- وقدم الأخص في اتصال ..............................
"وليس" المقدم "مرفوعا"، بأن كان منصوبا أو مجرورا، "فيجوز" حينئذ في الضمير الثاني "الوجهان" المتقدمان، وهما: الاتصال نظرا إلى الأصل؛ والانفصال هربا من توالي اتصالين في فضلتين. "ثم إن كان العامل" في الضميرين المذكورين "فعلا غير ناسخ"، كما في باب "أعطى"، "فالوصل أرجح" لكونه الأصل، ولا مرجح لغيره، ولذلك اقتصر عليه سيبويه2 "كالهاء من" قولك لشخص في عبد: "سلنيه" أو ملكنيه، وكالكاف من قولك لعبدك: "زيد سألنيك"، ويجوز على مرجوح: سَلْني إياه ومَلِّكني إياه وسَأَلَني إياك ولكون الموصل أرجح لم يأت التنزيل إلا به، قال الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137]، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} [هود: 28]، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} [محمد: 37]، كل ذلك من الوصل. "ومن الفصل" قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ملككم إياهم"3، ولو وصل لقال: "مَلَّكَكُمُوهم"، ولكنه فر من الثقل الحاصل من اجتماع الواو مع ثلاث ضمات، "وإن كان" العامل في الضميرين "اسما"، وكان أول الضميرين مجرورا، "فالفصل أرجح"، لاختلاف محلي الضميرين، سواء أكان الاسم العامل مصدرا، "نحو: عجبت من حبي إياه"، فـ"حب": مصدر مضاف إلى فاعله؛
__________
1 تحفة العروس ص57، باب تخير الرجل لنطفته.
2 الكتاب 2/ 363.
3 من شواهد شرح ابن الناظم ص39.(1/110)
وهو ياء المتكلم، و"إياه": مفعوله. هذا من الفصل، "ومن الوصل قوله" في الحماسة: [من المتقارب]
61- لئن كان حبك لي كاذبا..... "لقد كان حبيك حقا يقينا"
اللام في "لئن": موطئة للقسم، وفي "لقد": جواب القسم؛ هذا هو المعتمد؛ ولا التفات لغيره، وفي "لي" تقوية العمل المصدر في مفعوله؛ لكونه فرعا عن الفعل في العمل، و"حبك" الأول، بغير ياء، و"الكاف": مضاف إليها من إضافة المصدر إلى فاعله، و"حبيك" الثاني، بالياء، وفيه الشاهد، فإنه أتى معه الضمير الثاني، وهو "الكاف" متصلا، ولو فصله لقال: "حبي إياك"، أو كان الاسم العامل اسم فاعل، نحو: "عجبت من الموليك إياه"، ومن الوصل قوله: [من البسيط]
62- لا ترج أو تخش غير الله إن أذى..... واقيكه الله لا ينفك مأمونا
فأتى بالضمير الثاني متصلا، ولو فصله لقال: واقيك الله إياه.
"وإن كان" العامل في الضميرين "فعلا ناسخا" من باب ظن "نحو: خلتنيه، فالأرجح عند الجمهور الفصل"؛ لأنه خبر في الأصل، وحق الفصل قبل وجود الناسخ، فيترجح بعده، وهو المراد بقول الناظم:
65- ................................. .................. غيري اختار الانفصالا
"كقوله": [من البسيط]
63- "أخي حسبتك إياه" وقد ملئت .....أرجاء صدرك بالأضغان والإحن
أخي: مفعول بفعل محذوف يفسره حسبتك، أو مبتدأ وما بعده خبره، على الوجهين في الاشتغال، لا منادى سقط منه حرف النداء، لفساد المعنى. والأرجاء: النواحي، جمع رجا كعصا، والأضغان: جمع ضغن؛ بكسر الضاد المعجمة؛ وهو: الحقد. والإحن؛ بكسر الهمزة وفتح الحاء المهملة؛ جمع إحنة؛ بكسر الهمزة وسكون الحاء؛ وهو:
__________
61- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 97، وشرح الأشموني 1/ 52، المقاصد النحوية 1/ 283، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص962، وقيل البيت المستشهد به قوله:
لئن كنت أوطأتني عشوة..... لقد كنت أصفيتك الود حينا
وما كنت إلا كذي نهزة..... تبدل غثا وأعطى سمينا
62- البيت بلا نسبة في المقاصد النحوية 1/ 308.
63- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 99، وشرح ابن الناظم ص41, وشرح الأشموني 1/ 53، والمقاصد النحوية 1/ 286.(1/111)
الحقد أيضا؛ فهو من باب عطف أحد المترادفين على الآخر. والشاهد في "حسبتك إياه"، حيث فصل الضمير الثاني، "و" الأرجح "عند الناظم والرماني وابن الطراوة الوصل"، وقد صرح بذلك الناظم فقال:
65- ......................... واتصالا أختار ................................
وحجته أن الأصل الاتصال، وقد أمكن، وجاء به التنزيل، قال الله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 43]، وورد به الشعر "كقوله": [من البسيط]
64- "بلغت صنع امرئ بر إخالكه"..... إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا
المسألة "الثانية" من المسألتين المستثناتين من القاعدة المذكورة "أن يكون" الضمير "منصوبا بكان أو إحدى أخواتها"، سواء أكان قبله ضمير أم لا1، وبذلك فارقت المسألة الأولى، "نحو: الصديق كنته، أو كأنه زيد"، فيجوز في الهاء الوجهان، الاتصال والانفصال، "وفي الأرجح من الوجهين الخلاف المذكور" في الترجيح في نحو: "خلتنيه" فالأرجح عند الجمهور الفصل، وعند الناظم والرماني وابن الطراوة الوصل2، وتوجيههما مع سبق، وكلاهما ورد، "ومن ورود الوصل الحديث"، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه لما طلب أن يقتل ابن صياد حين أخبر بأنه الدجال: "إن يكنه فلن تسلط عليه" وأن لا يكنه فلا خبر لك في قتله"3. "ومن ورود الفصل قوله" وهو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: [من الطويل]
65- "لئن كان إياه لقد حال بعدنا..... عن العهد" والإنسان قد يتغير
ثم شرع في محترزات القيود المتقدمة في المسألة الأولى، فقال: "ولو كان الضمير السابق في المسألة الأولى مرفوعا وجب الوصل نحو: ضربته"، ولا يجوز: ضربت إياه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
64- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 100، وشرح الأشموني 1/ 53، والمقاصد النحوية 1/ 287.
1 يشترط لجواز الوجهين أن يكون المتقدم أعرف، وإلا فيجب الفصل؛ كما يفهم من قول الناظم:
وقدم الأخص .................... ...............................
2 انظر المقتضب 3/ 98، وشرح التسهيل 1/ 154، وشرح ابن الناظم ص39.
3 أخرجه البخاري في الجنائز، باب 78: إذا أسلم الصبي فمات... برقم 1289، وأخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر ابن صياد، رقم 2930، 2931، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص39، وشرح الأشموني 1/ 53.
65- البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص94، وتخليص الشواهد ص93، وخزانة الأدب 5/ 312، 313، وشرح المفصل 3/ 107، والمقاصد النحوية 1/ 314 وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 102، وشرح ابن الناظم ص40، وشرح الأشموني 1/ 53، والمقرب 1/ 95.(1/112)
لما تقدم، "ولو كان الضمير المتقدم" على الضمير الثاني "غير أعرف"، أي: غير أخص، "وجب الفصل"؛ لأنه مع الاتصال يجب تقديم الأخص، فمع تقديم غير الأخص يجب الانفصال، وهذا معنى قول الناظم:
66- وقدمن ما شئت في انفصال .................................
"نحو: أعطاه إياك، أو" أعطاه "إياي"، فإن كلا من ضميري المخاطب والمتكلم أخص من ضمير الغائب، "أو أعطاك إياي"؛ لأن ضمير المتكلم أخص من ضمير الغائب، وأما قول عثمان رضي الله عنه: "أراهمني الباطل شيطانا"1 فنادر، والأصل: أراهم الباطل إياي شيطانا، والمعنى: أرى الباطل القوم أني شيطان. وأجاز المبرد2 وكثير من القدماء تقديم غير الأخص مع الاتصال نحو: أعطيتهموك، ولكن الانفصال عندهم راجح، "ومن ثم" بفتح التاء المثلثة، أي: من هنا، أي: من أجل أنه يجب الفصل إذا تقدم غير الأعرف "وجب الفصل إذا اتحدت الرتبة"؛ بأن يكونا لمتكلم أو مخاطب أو غائب؛ لأنه يصدق أن المتقدم منهما غير أعرف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
67- وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا ..................................
وذلك "نحو" قول العبد لسيده: "مَلَّكتني إياي، و" قول السيد لعبده: "مَلَّكتُكَ إياك، و" قول السيد إذا أخبر شخصا أنه مَلَّك عبده نفسه: "مَلَّكتَه إياه"، أن شرط جواز الاتصال تقدم الأخص، "وقد يباح الوصل؛ إن كان الاتحاد في" ضميري "الغيبة، واختلف لفظ الضميرين" تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا، وهو مراد الناظم بقوله:
67- ..................... وقد يبيح الغيب فيه وصلا
وفي بعض النسخ مع اختلاف ما "كقوله": [من الطويل]
66- لوجهك في الإحسان بسط وبهجة ....."أنالهماه قفو أكرم والد"3
بسط، بمعنى بشاشة وطلاقة وجه مبتدأ تقدم خبره في المجرور باللام قبله. وبهجة؛ بمعنى
__________
1 من شواهد شرح ابن عقيل 1/ 106.
2 انظر رأي المبرد في شرح المفصل 3/ 105.
66- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 105، وتخليص الشواهد ص97، وتذكرة النحاة ص50، والدرر 1/ 104، وشرح ابن الناظم ص42، وشرح الأشموني 1/ 54، والمقاصد النحوية 1/ 342، وهمع الهوامع 1/ 63.
3 في ط: "وارد" مكان "والد".(1/113)
حسن وسرور: معطوف على بسط. وأنال: فعل ماض متعد لاثنين؛ أولهما: ضمير التثنية الراجع إلى بسط وبهجة؛ وثانيهما: ضمير المفرد الراجع إلى الوجه، وأتى به متصلا، والأكثر: "أنالهما إياه" بالانفصال وقفو؛ بمعنى اتباع: فاعل "أنال". وأكرم: مضاف إليه.
واحترز بالغيبة من ضميري المتكلم؛ وضميري المخاطب، فإنه لا يكاد يصح فيهما الاختلاف المذكور؛ لاتحاد مدلولي الضميرين، فلا يقال: علمتناني، ولا: علمتنينا، ولا: ظننتكماك، وصح الاختلاف في ضميري الغيبية لصحة تعدد مدلوليهما، نحو: جارية زيد أعطيتهاه وأعطيتهوها، واحترز باختلاف لفظ الضميرين من أن لا يختلف لفظهما، فلا بد من الفصل، نحو: مال زيد أعطيته إياه.(1/114)
فصل3
"فصل":
قد مضى في تقسيم الضمير بحسب مواقع الإعراب "أن ياء المتكلم من الضمائر المشتركة بين محل النصب والخفض"، فتنصب بواحد من ثلاثة: فعل واسم فعل وحرف، وتخفض بواحد من اثنين: حرف واسم، وهذه العوامل على قسمين: ما تمتنع معه نون الوقاية، وما تلحقه، فالذي تلحقه نون الوقاية على أربعة أحوال: وجوب وجواز بتساوي رجحان الثبوت ورجحان الترك، "فإن نصبها فعل أو اسم فعل أو ليت، وجب قبلها نون الوقاية"؛ لنفي الفعل أو شبهه من نظير ما لا يدخله، وهو الكسر الشبيه بالجر، ولتقي ما بني على الأصل وهو السكون من الخروج عن ذلك الأصل. "فأما الفعل فنحو: دعاني" في الماضي، "و: يكرمني" في المضارع، "و: أعطني" في الأمر، وهذه الثلاثة ملازمة للفعلية، "وتقول" فيما تردد بين الفعلية والحرفية: "قام القوم ما خلاني وما عداني وحاشاني"، بنون الوقاية "إن قدرتهن أفعالا"، فإن قدرتهن أحرف جر و"ما" زائدة؛ أسقطت النون، وتقدير الفعلية هو الراجح، فتثبت النون. "قال": [من الطويل]
67- "تمل الندامي ما عداني فإنني" .....بكل الذي يهوي نديمي مولع
والندامي: جمع ندمان، وهو نديم الرجل في الشرب، مرفوع على النيابة عن الفاعل بـ"تمل"، ومولع؛ بفتح اللام؛ بمعنى: بمعنى: مغرَّى، خبر "إن"، والمعنى: تمل الندامى مللا مجاوزا إلى غيري، وأما أنا فلا أمل؛ فإنني مغرى بكل ما يهواه نديمي.
"وتقول" في المختلف فيه بين الاسمية والفعلية والأصح الفعلية، "ما أفقرني إلى عفو الله، وما أحسنني إن اتقيت الله"، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، والمثال الأول شاذ، والثاني منقاس.
"و" تقول في المختلف فيه بين الفعلية والحرفية، والأصح الفعلية: قام القوم ليسني، "قال بعضهم" وقد بلغه أن إنسانا يهدده: "عليه رجلا ليسني"، حكاه سيبويه عن بعض العرب1. فـ"عليه": اسم فعل بمعنى الأمر، و"رجلا": مفعول به،
__________
67- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 107، والجنى الداني ص566، وجواهر الأدب ص382، والدرر 1/ 501، وشرح الأشموني 1/ 230، وشرح شذور الذهب ص262، وشرح التسهيل 2/ 307، والمقاصد النحوية 1/ 363، و3/ 134، وهمع الهوامع 1/ 233.
1 الكتاب 2/ 395، واستشهد به ابن الناظم في شرحه ص39.(1/115)
و"ليس": فعل ماض؛ واسمه مستتر فيه عائد على رجل، وياء المتكلم خبره، "أي: ليلزم رجلا غيري"، وهذا مبني على جواز إغراء الغائب، وهو شاذ؛ لأنه ليس أمره بفعل وضع للأمر، بل بفعل مقرون بلام الأمر، كما أن النهي بفعل مقرون بـ"لا"، فكما أن أسماء الأفعال لا تكون نائبة عن فعل مقرون بحرف النهي؛ لا تكون نائبة عن فعل مقرون بحرف الأمر؛ لأن الفعل والحرف مختلفا الجنس، فلا ينبغي أن ينوب عنهما الاسم، وما ذكره من لزوم النون في نحو: "ما أحسنني" هو قول البصري، وهو مبني على أن "أفعل" في التعجب فعل ماض، "وأما تجويز الكوفي: ما أحسني" بحذف نون الوقاية سماعا؛ كما في شرح الكافية1 "فمبني على قوله: أن أحسن، ونحوه" في الوزن من أفعال التعجب "اسم"، بدليل تصغيره، سمع ما أحيسنه، ورد بأن التصغير فيه شاذ، وأما تجويز بعضهم "ليس" بحذف نون الوقاية من "ليس" لجموده، فلا يعول عليه، "وأما قوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
68- عددت قومي كعديد الطيس..... "إذ ذهب القوم الكرام ليسي"
بغير نون؛ "فضرورة أشار لها الناظم بقوله:
68- ....................... ............ "وليسي قد نظم"
والعديد: كالعدد، يقال: هم عديد الثرى، أي: عدد الثرى، والطيس؛ بفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفي آخره سين مهملة: الرمل الكثير، وليس: فعل ماض؛ واسمه مستتر فيه وجوبا عائد على البعض المفهوم من القوم، وياء المتكلم المتصلة به: خبره، وما ذكره من لزوم نون الوقاية في الفعل مطلقا، هو ما أشار إليه الناظم بقوله:
68- وقبل يا النفس مع الفعل التزم نون وقاية ..........................
__________
1 شرح الكافية لابن جماعة ص242.
68- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص175، واللسان 6/ 128 "طيس"، وخزانة الأدب 5/ 324، 325، والدرر 1/ 105، 503، وشرح التسهيل 1/ 136، وشرح شواهد المغني 2/ 488، 769، والمقاصد النحوية 1/ 344، وتهذيب اللغة 13/ 28، 74، وتاج العروس 16/ 219 "طيس"، وكتاب العين 7/ 280، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 108، وتخليص الشواهد ص99، والجنى الداني ص150، وجواهر الأدب ص15، وخزانة الأدب 5/ 396، 9/ 266، وسر صناعة الإعراب 2/ 32، وشرح ابن الناظم ص40، وشرح الأشموني 1/ 55، وشرح ابن عقيل 1/ 109، وشرح المفصل 3/ 108، ولسان العرب 6/ 211 "ليس"، ومغني اللبيب 1/ 171، 2/ 344، وهمع الهوامع 1/ 64، 233 وجمهرة اللغة ص839، 861، ومقاييس اللغة 3/ 436، وأساس البلاغة "ليس".(1/116)
"وأما نحو: "تَأْمُرُوني" [الزمر: 64]، و: "أَتُحَاجُّوني" [الأنعام: 80] بتخفيف النون في قراءة نافع1، "فالصحيح" عند سيبويه "أن المحذوف نون الرفع"، والمذكور نون الوقاية2، واختاره ابن مالك3؛، لأن نون الرفع عهد حذفها للجازم والناصب ولتوالي الأمثال في نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186]، ولغير ذلك نحو قوله: [من الرجز]
69- أبيت أسري وتبيتي تدلكي
ولا نون الرفع نائبة عن الضمة، والضمة تحذف تخفيفًا في قراءة أبي عمرو4 نحو: "يَأْمُرْكُمْ" [البقرة: 67]، فحذف النون ليس من تفضيل الفرع على الأصل، وقيل: المحذوف نون الوقاية، وجزم به الموضح في شذوره، وأسقطه من شرحه، وهو مذهب الأخفش والمبرد وأبي علي وابن جني وأكثر المتأخرين5، واستدلوا له بأوجه:
أحدها: أن نون الوقاية حصل بها التكرار والاستثقال، فكانت أولى بالحذف.
وثانيها: أن نون الرفع علامة الإعراب، فالمحافظة عليها أولى.
وثالثها: أن نون الرفع لعامل، فلو حذفت لزم وجود مؤثر بلا أثر مع إمكانه.
"وأما اسم الفعل" المزيد على النظم "فنحو دراكني وتراكني" بكسر الكاف فيهما، "وعليكني" بفتحها، الأول "بمعنى: أدْرِكْني" بقطع الهمزة، "و" الثاني "بمعنى: اتركني، و" الثالث بمعنى: "الزمني" بوصل الهمزة فيهما، "وأما: ليت" المشار إليه بقول الناظم:
__________
1 انظر قراءة ابن نافع في الإتحاف ص212، 376، والنشر 2/ 259، 363.
2 في الكتاب 3/ 519: "بلغنا أن بعض القراء قرأ: "أتحاجّوِني"".
3 شرح التسهيل 1/ 137.
69- الرجز بلا نسبة في الارتشاف 1/ 420، والأشباه والنظائر 1/ 82، 3/ 95، وخزانة الأدب 8/ 339، 340، 425، والخصائص 1/ 388، والدرر 1/ 70، ورصف المباني ص361، وشرح التسهيل 1/ 52, 53، ولسان العرب 10/ 426 "دلك"، 12/ 237 "ردم"، والمحتسب 2/ 22، وهمع الهوامع 1/ 51.
4 الرسم المصحفي: {يَأْمُرُكُمْ}، وقرأها أبو عمرو بتسكين الراء. انظر الإتحاف ص136.
5 قال أبو حيان في الارتشاف 1/ 420: "إذا اجتمعت "نون الرفع" مع نون الوقاية، نحو: هل تضربانني، وهل تضربونني، وهل تضربينني؛ فيجوز إثباتها، وإدغام نون الرفع في نون الوقاية وحذف إحداهما، فمذهب سيبويه أن المحذوفة نون الرفع؛ وإليه ذهب أكثر المتأخرين، وذهب الأخفش والمبرد وعلي بن سليمان وأبو علي وابن جني إلى أن المحذوفة نون الوقاية". وانظر الكتاب 3/ 519.(1/117)
69- وليتني فشا .............. ...............................
"فنحو: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24].
وإنما وجبت النون مع "ليت" لقوة شبهها بالفعل، لكونها تغير معنى الابتداء ولا تعلق ما بعدها بما قبلها.
"وأما قوله" وهو ورقة بن نوفل ابن عم خديجة رضي الله عنها لما ذكرت له خديجة عن غلامها ميسرة ما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وما قاله بحيرا الراهب في شأنه: [من الوافر]
70- "فيا ليتني إذا ما كان ذاكم"..... ولجت وكنت أولهم ولوجا
بإسقاط نون الوقاية من "ليتني"، "فضرورة عند سيبويه"؛ لأنه يوجب "ليتني" بإثبات نون الوقاية.
"وقال الفراء: يجوز" اختيار "ليتني" بإثبات النون، "وليتي" بحذفها، "وإن نصبها لعل" المشار إليه في النظم بقوله:
69- .................................. ومع لعل اعكس .......................
"فالحذف" لنون الوقاية "نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36] أكثر من الإثبات" لها، "كقوله" وهو حاتم بن عي الطائي، وقيل حطائط بن يعفر أخو الأسود النهشلي يخاطب امرأة عذلته على إنفاقه ماله: [من الطويل]
71- "أريني جوادا مات هزلا لعلني"..... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
والمعنى: أريني جوادا مات لأجل الهزل، أو بخيلا مخلدا لم يمت لعلني أرى ما ترين، وحاصله أن إنفاق المال لا يميت الكريم لهزاله، ولا إمساكه يخلد البخيل في الدنيا. "و" إثبات النون في "لعلني" "هو أكثر من" حذفها في "ليتي، وغلط ابن الناظم"
__________
70- البيت لورقة بن نوفل في المقاصد النحوية 1/ 365، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 110، وتخليص الشواهد ص100.
71- البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص218، ولحطائط بن يعفر في خزانة الأدب 1/ 406، وسمط اللآلي ص714، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1733، وشرح المفصل 8/ 78، والشعر والشعراء 1/ 254، ولحاتم أو لحطائط في المقاصد النحوية 1/ 369، ولهما أو لدريد في لسان العرب 11/ 474 "علل"، ولهم أو لمعن بن أوس في لسان العرب 13/ 34 "أنن"، ولمعن بن أوس في ديوانه ص39، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 112، وتخليص الشواهد ص105، وسر صناعة الإعراب 1/ 236.(1/118)
في شرح النظم في النقل، "فجعل ليتني نادرا"1، مع أنه ضرورة عند سيبويه2 كما تقدم، "و" وجعل "لعلني، ضرورة" مع أنه نادر3، بل كثير، كما تقدم. وهو في الأولى تابع لأبيه في قوله:
69- ................. وليتي ندرا .................................
ومخالف له في الثانية؛ وفي قوله:
69- .......................... ومع لعل اعكس ................
وإنما كان الأكثر، وفي "لعل" التجرد؛ لأنها سبيهة بحروف الجر في تعليق ما بعدها بما قبلها، كما في قولك: "تب لعلك تفلح"4، بخلاف "ليت" فإنها شبيهة بالفعل في تغيير معنى الابتداء؛ وعدم تعلق ما بعدها بما قبلها "وإن نصبها بقية أخوات ليت ولعل"، وإليها أشار الناظم بقوله:
69- ........................... ....................... وكن مخيرا
70- في الباقيات ................. ...................................
"وهي إن" المكسورة، "وأن" المفتوحة، "ولكن، وكأن، فالوجهان" على السواء، فالإثبات نظرا إلى شبهها بالأفعال المتعدية في عمل النصب والرفع والحذف؛ نظرا إلى كراهية اجتماع الأمثال، فلما تعارض التوجيهان تساقطا واستوى الأمران؛ "كقوله" وهو قيس بن الملوح: [من الطويل]
72- "وإني على ليلى لزار وإنني"..... على ذاك فيما بيننا مستديمها
__________
1 قال ابن الناظم في شرح الألفية ص43, 44: "إذا نصب "الياء" الحرف، أعني "إن" أو إحدى أخواتها ففيه تفصيل، فإن الناصب إن كان "ليت" وجب إلحاق النون، نحو: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} [النساء: 73] ولم تترك إلا فيما ندر من نحو قوله: [من الوافر]
كمنية جابر إذ قال ليتي..... أصادفه وأفقد بعض مالي
...... واستأثرت "ليت" بلزومها في الغالب إلحاق النون قبل ياء المتكلم تنبيها على مزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل".
2 في الكتاب 2/ 369, 370: "قد قال الشعراء: "ليتي" إذا اضطروا، كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا الضاربي والمضمر منصوب".
3 شرح ابن الناظم ص43.
4 هذا القول ذكره ابن الناظم في شرحه ص44.
72- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص198، ولسان العرب 12/ 213 "دوم"، والمقاصد النحوية 1/ 374، وبلا نسبة في لسان العرب 14/ 356 "زري".(1/119)
فأتى مع "إن" بنون الوقاية؛ وجردها منها أولا. و"زار" خبر "إن" وهو بزاي ثم راء: منقوص من زَرَيْت عليه زراية إذا عتبت عليه. والمعنى: وإني لعاتب على ليلى، وإني مستديمها على ذلك العتب، وكقول امرئ القيس: [من الطويل]
73- كأني لم أركب جوادا للذة ..............................
ويجوز "كأنني" وكقوله تعالى: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 29] وكقول الشاعر: [من الطويل]
74- ....................... ولكنني عن حبها لعميد
"وإن خفضها حرف: فإن كان" ذلك الحرف "من، أو عن، وجبت النون" قبل ياء المتكلم، محافظة على بقاء السكون؛ لأنه الأصل في البناء، "إلا في الضرورة"، فلا تلحقها النون، وإلى ذلك أشار بقوله في النظم:
70- .............. واضطرارا خففا مني..... وعني بعض من قد سلفا
"كقوله": [من المديد]
75- "أيها السائل عنهم وعني..... لست من قيس ولا قيس مني"
بتخفيف نون "من" و"عن". وقيس هو ابن عيلان؛ بالعين المهملة واسمه النَّأس؛ بفتح النون وسكون الهمزة وبالسين المهملة؛ ابن مضر بن نزار، واسم أخيه اليأس؛ بالياء المثناة تحت.
__________
73- عجز البيت: "ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال"
، وهو لامرئ القيس في ديوانه 35، ولسان العرب 13/ 57 "بطن"، وتهذيب اللغة 13/ 376، وتاج العروس "خلل" "بطن"، وأساس البلاغة "بطن".
74- صدر البيت: "يلومونني في حب ليلى عواذلي"
، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 38، والإنصاف 1/ 209، وتخليص الشواهد ص357، والجنى الداني ص132، 618، وجواهر الأدب ص87، وخزانة الأدب 1/ 16، 10/ 361، 363، والدرر 1/ 295، ورصف المباني ص235، وسر صناعة الإعراب 1/ 380، وشرح ابن الناظم ص123، وشرح الأشموني 1/ 141، وشرح شواهد المغني 2/ 605، وشرح ابن عقيل 1/ 363، وشرح المفصل 8/ 62، 64، وكتاب اللامات ص158، ولسان العرب 13/ 391 "لكن"، ومغني اللبيب 1/ 233، 292، والمقاصد النحوية 2/ 247، وهمع الهوامع 1/ 140.
75- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 90، وأوضح المسالك 1/ 118، وتخليص الشواهد 106، والجنى الداني 151، وجواهر الأدب 152، وخزانة الأدب 5/ 380، 381، ورصف المباني 361، والدرر 1/ 109، وشرح ابن الناظم ص44، وشرح الأشموني 1/ 56، وشرح ابن عقيل 1/ 114، وشرح التسهيل 1/ 138، وشرح المفصل 3/ 125، والمقاصد النحوية 1/ 352، وهمع الهوامع 1/ 64.(1/120)
"وإن كان" الخافض لياء المتكلم "غيرهما"، أي: غير "من" و"عن"، "امتنعت" نون الوقاية "نحو: لي، و: بي" مما هو على حرف واحد، "وفي" بتشديد الياء، مما هو على حرفين، وعلى مما هو على ثلاثة أحرف، "وخلاي وعداي وحاشاي" بفتح الياء فيهن، وإنما امتنعت النون في "لي" و"بي" لأنهما مبنيان على الكسر، وأما "في" فلأنه وإن كان مبنيا على السكون فإن سكونه الأصلي لا يزول عند اتصاله بياء المتكلم، بل تدغم الياء في الياء، وأما "خلاي وعداي وحاشاي" فإن الألف لا تقبل التحريك، ومقتضى هذا التعليل: أن لا تلحقهن نون الوقاية إذا قدرن أفعالا، ولكنهم أجروا باب الفعل مجرى واحدا، وحملوا المعتل على الصحيح، بخلاف الحروف فإنها لا حظ لها في ذلك، بل تفتح ياء المتكلم بعد الألف، "قال" الأقيشر واسمه المغيرة بن الأسود، لقب بالأقيشر؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر: [من الكامل]
76- "في فتية جعلوا الصليب إلههم .....حاشاي إني مسلم معذور"
بعين مهملة وذال معجمة، أي: مقطوع العذرة وهي قلفة الذكر، ويقال فيه: مختون؛ من الختان؛ وهو قطع قلفة الذكر.
"وإن خفضها مضاف، فإن كان" المضاف "لدن، أو قط، أو قد" مما آخره ساكن، "فالغالب الإثبات" لنون الوقاية محافظة على السكون، "ويجوز الحذف فيه قليلا"؛ لأن "لدن" بمعنى: "عند"، و"قط" و"قد": بمعنى حسب، و"عند" و"حسب" لا يلحقهما النون، فكذلك ما كان بمعناهما عند التحقيق، "ولا يختص" الحذف "بالضرورة" كما قال ابن مالك؛ "خلافا لسيبويه"1 لما سيأتي، "وغلط ابن الناظم" في شرح النظم2، "فجعل الحذف في "قد" و"قط" أعرف من الإثبات"، والصواب العكس كما مر، "ومثالهما" أي: الحذف والإثبات في: لدن وقط وقد: "{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] قرئ مشددا" على الإثبات، "ومخففا" على الحذف والتشديد وهو الأكثر، وقرأ به من السبعة من عدا نافعا وعاصما من رواية أبي بكر
__________
76- البيت للأقيشر الأسدي في ديوانه ص41، والدرر 1/ 500، ولسان العرب 14/ 182 "حشا"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 119، والجنى الداني ص566، وجواهر الأدب ص426، ولسان العرب 4/ 551 "عذر"، وهمع الهوامع 1/ 232.
1 إثبات النون هو الأشهر عند سيبويه، والحذف ضرورة لا يكون إلا في الشعر. انظر الكتاب 2/ 371، وشرح المفصل 3/ 124.
2 في شرح ابن الناظم ص44: "قدي وقطي في كلامهم أشهر من قدني وقطني".(1/121)
عنه، والتخفيف هو القليل، وقرأ به نافع وأبو بكر1، "و" روي "في حديث النار" بالإضافة: "قطني قطني" بنون الوقاية، "وقَطِي قَطِي" بحذفها2، والنون أشهر حفظا للبناء على السكون، "وقال" حميد بن مالك الأرقط: [من الرجز]
"قدني من نصر الخبيبين قدي"
بإثبات نون الوقاية في الأول؛ وحذفها في الثاني؛ ولك أن تقول: لا شاهد فيه على ترك النون، ويكون أصله "قد" بإسكان الدال، ثم ألحق ياء القافية لا ياء الإضافة؛ وكسر الدال لالتقاء الساكنين؛ لا لمناسبة الياء، قاله الموضح في شرح الشواهد.
والخبيبين: تثنية خبيب، بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو من باب التغليب كالقمرين، وأراد بهما عبد الله بن الزبير وأخاه مصعبا، وكان عبد الله يكنى بأبي خبيب، وقيل: هما عبد الله وولده خبيب الذي كان يكنى به، ويروى: الخبيبين؛ بكسر الباء؛ على إرادة الجمع، وأراد بالثلاثة عبد الله وأخاه مصعبا وابنه خبيبا، وذلك مستفاد من قول الناظم:
71- وفي لدني لدني قد وفي..... قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي
وعلم منه أن "قد" و"قط" بمعنى: حسب؛ لأنهما لو كانا اسمي فعلين بمعنى يكفي لكانت ياء المتكلم معهما منصوبة لا مخفوضة، وكانت نون الوقاية واجبة لا جائزة، ولو كانت "قد" حرفا و"قط" ظرفا لم تتصل بهما ياء المتكلم أصلا.
"وإن كان" المضاف "غيرهن"، أي: غير "لدن وقط وقد" "امتنعت" نون الوقاية، "نحو: أني وأخي" لعدم السكون.
__________
1 الإتحاف ص293.
2 أخرجه البخاري في التوحيد برقم 6949، واستشهد به ابن الناظم ص46، وقال: "يروى بسكون الطاء وكسرها، مع ياء ودونها، ويروى: قطني قطني، وقط قط".
77- الرجز لحميد بن مالك الأرقط في خزانة الأدب 5/ 382، 383، 385، 389، 391، 392، والدرر 1/ 107، وشرح شواهد المغني 1/ 487، ولسان العرب 1/ 344 "خبب"، والمقاصد النحوية 1/ 357، والتنبيه والإيضاح 2/ 47، 53، وتاج العروس 2/ 333 "خبب"، 8/ 37 "حكد"، ولحميد بن ثور في لسان العرب 3/ 389 "لحد"، وليس في ديوانه، ولأبي بجدلة في شرح المفصل 3/ 124، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 241، وأوضح المسالك 1/ 120، وتخليص الشواهد ص108، ورصف المباني ص362، وشرح ابن عقيل 1/ 115، وشرح ابن الناظم ص45، والكتاب 2/ 371، ولسان العرب 3/ 155 "حكد"، ومغني اللبيب 1/ 170، ونوادر أبي زيد ص205، والتنبيه والإيضاح 2/ 46، وتهذيب اللغة 14/ 124، والإنصاف 131، وسفر السعادة 770، وعمدة الحفاظ 3/ 275 "قدد" وإصلاح المنطق 342، 401، وأمالي ابن الشجري 1/ 14، 2/ 142، والكامل 1/ 144.(1/122)
باب العَلَم:
بفتح العين واللام، "وهو نوعان: جنسي؛ وسيأتي" آخر الباب، "وشخصي، وهو اسم يعين مسماه تعيينا مطلقا" من غير قيد زائد عليه، بل بمجرد الوضع والغلبة، وإليه أشار الناظم بقوله:
72- اسم يعين المسمى مطلقا .............................
"فخرج بذكر التعيين النكرات" كرجل، فإنها لا تعين مسمياتها، وكشمس وقمر، فإن لفظهما لا يعين مدلولهما من حيث الوضع، وإنما حصل التعيين بعد الوضع لأمر عرض في المسمى، وهو الانفراد في الوجود الخارجي، "و" خرج "بذكر الإطلاق ما عدا العَلَم من المعارف، فإن تعيينها لمسمياتها" ليس تعيينا مطلقا بل هو "تعيين مقيد"، إما بقرينة لفظية أو معنوية، "ألا ترى أن ذا الألف واللام مثلا إنما يعين مسماه مما دامت فيه "أل"، فإذا فارقته فارقه التعيين"، ونحو: "الذي"، إنما يعين مسماه بالصلة، ونحو: "أنا وأنت وهو" إنما يعين مسماه بالتكلم والخطاب والغيبة، فإن "أنت" مثلا موضوع للمخاطب المعين من حيث هو مخاطب، فإذا جعل صالحا لكل شخص من المخاطبين، فهو غير معرفة مجازا، قاله الشاطبي. "ونحو "هذا" إنما يعين مسماه ما دام حاضرا"، فإذا فارقه الحضور فارقه التعيين.
قال الشاطبي: فإن "ذا" مثلا وضع لشخص مفرد قريب، فهو باعتبار الحال والمحل معرفة، وباعتبار صلاحية لفظه لكل من اتصف بتلك الحال، وحل ذلك المحل غير معرفة. ا. هـ. "وكذا الباقي" من المعارف، فنحو "يا رجل" لمعين إنما يعين مسماه بالقصد والإقبال، ونحو: غلامي، وغلام زيد، وغلام هذا، وغلام الذي قام أبوه، وغلام الرجل، إنما يعين مسماه بالمضاف إليه، فإذا فارقه فارقه التعيين.(1/123)
"فصل":
"و" العلم الشخصي "مسماه نوعان":
أحدهما: "أولو العلم من المذكرين كـ: جعفر"، وهو علم منقول عن اسم النهر الصغير لرجل، وهو أيضا: أبو قبيلة من عامر، وهو جعفر بن كلاب من ربيعة بن عامر، وهم الجعافرة، "والمؤنثات كـ: خِرْنِق"، بكسر الخاء المعجمة والنون: وهو علم منقول عن ولد الأرنب لامرأة شاعرة، وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، قال أبو عبيدة: وهي خرنق بنت هفان من بني سعد بن ضبيعة؛ رهط الأعشى1 ا. هـ.
"و" الثاني: "ما يؤلف كالقبائل": جمع قبيلة، والأحياء: جمع حي، "كـ: قرن" بفتح القاف والراء: وهو اسم قبيلة من مراد، أبوهم قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مراد، وإليه ينسب أويس القرني2 رضي الله عنه، ومن قال إنه منسوب إلى قرن المنازل؛ بسكون الراء؛ كالجوهري فقد سها3. "والبلاد": جمع بلد، "كعدن" بفتح العين والدال المهملتين: علم بلدة بساحل اليمن، "والخيل": اسم جمع لا واحد له من لفظه، وإنما له واحد من معناه وهو فرس، "كلاحق": علم فرس كان لمعاوية بن أبي سفيان4 رضي الله عنه، والبغال: كدلدل، والحمير: كيعفور، وكلاهما5 كان للنبي صلى الله عليه وسلم، "والإبل": اسم جمع "كشذقم": علم فحل من فحولة الإبل6، كان للنعمان بن المنذر،
__________
1 نقل هذا القول الزبيدي في تاج العروس 25/ 235 "خرنق".
2 جمهرة أنساب العرب ص407.
3 في معجم البلدان 4/ 331 مادة: قرن: "قال الجوهري: قرن، بالتحريك، ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني، وقال الغوري: هو منسوب إلى بني قرن، وغير الجوهري يقول بسكون الراء".
4 كذا في شرح المفصل 1/ 34، وفي الأغاني 17/ 246 أنه اسم فرس لزيد الخيل، وفي أنساب الخيل ص22، 33 أنه اسم فرس لغني بن أعصر، وفي معجم الخيل العربية المنسوبة ص186 أنه اسم فرس للحسين بن علي بن أبي طالب، وللحازوق الخارجي، ولعتيبة بن الحارث، ولسعد بن زيد.
5 أنساب الأشراف ص511، والمعارف ص149، ورسائل الجاحظ 2/ 220.
6 شرح المفصل 1/ 34.(1/124)
وإليه تنسب الإبل الشذقمية، "والبقر": اسم جنس "كعرار" بفتح العين والراء المهملتين وكسر الراء الأخيرة: علم بقرة، وفي المثل: "باءت عرار بكحل"1 بفتح الكاف وسكون الحاء المهملة: علم بقرة أيضا، وأصل هذا المثل أن عرار وكحل اصطدمتا فماتتا جميعا، فباءت كل منهما بالأخرى، فصار مثلا يضرب لكل مستويين، "والغنم": اسم جمع "كهيلة": علم لعنز لبعض نساء العرب، "والكلاب": جمع كلب "كواشق": علم لكلب. وذكر في النظم سبعة أعلام، وثامنهم علم الكلب، فقال:
72- ................................... .......................... كجعفر وخرنقا
73- وقرن وعدن ولاحق وشذقم وهيلة وواشق
وفي ذلك موازاة لقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22].
__________
1 المثل في مجمع الأمثال 1/ 91، وجمهرة الأمثال 1/ 203، 226، والمستقصى 2/ 2، وشرح المفصل 4/ 62، 63.(1/125)
فصل2
"فصل":
وينقسم العلم بحسب الوضع "إلى" قسمين:
أحدهما: "مرتجل" من الارتجال؛ بمعنى الابتكار؛ قيل: كأنه مأخوذ من قولهم: ارتجل الشيء: إذا فعله قائما على رجليه من غير أن يقعد ويتروى، "وهو" في كلام سيبويه على وجهين:
أحدهما: مات لم تقع له مادة مستعملة في الكلام العربي، قالوا: ولم يأت من ذلك إلا فقعس، وهو أبو قبيلة من بني أسد، وهو فقعس بن طريف بن عمرو [بن قعين]1 بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد، ولم يستعملوا مادة "ف ق ع س" في غير هذا الموضع.
والثاني: "ما" استعملت مادته؛ لكن لم تستعمل تلك الصيغة بخصوصها في غير العلمية، بل "استعمل من أول الأمر علما"، وهذا الثاني هو الكثير، ولذلك اقتصر عليه، "كأدد": علما "لرجل"، وهو أبو قبيلة من اليمن، وهو: أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير2. وذكر سيبويه أنه من الود، من مادة "ودد"، فأصل همزته الواو3، واستعملت هذه المادة في الود والودود وغيرهما، "وسعاد": علما "لامرأة"، لم تستعمل هذه البنية في النكرات، واستعملت مادة "س ع د" في السعد والساعد والسعدان، وغير ذلك. ثم المرتجل قسمان: قياسي وشاذ، فالقياسي: ما له نظير في أبنية الأسماء، والشاذ ما لا نظير له فالأول، نحو: غطفان وعمران وحمدان وفقعس وحنتف، فإن نظيرها نزوان وسرحان وندمان وجعفر وعنبس، والثاني، نحو: محبب وموهب وموظب ومكوزة وحيوة.
__________
1 إضافة من جمهرة أنساب العرب ص195، 446.
2 جمهرة أنساب العرب ص397.
3 نسب هذا القول إلى ابن دريد في لسان العرب 2/ 71 "أدد".(1/126)
"و" إلى "منقول، وهو الغالب" في الأعلام، "وهو ما استعمل قبل العلمية لغيرها، ونقله" إما أن يكون "من اسم" جامد، والاسم الجامد "إما" أن يكون "لحدث" أي: مصدر "كزيد"، فإنه في الأصل مصدر: زاد يزيد زيدا وزيادة، "وفضل": وهو في الأصل مصدر فضل يفضل فضلا, "أو" يكون "لعين" أي: ذات, "كأسد", فإنه في الأصل اسم جنس للحيوان المفترس، "وثور" بالمثلثة، فإنه في الأصل الفحل من البقر، "وإما" أن يكون "من وصف"، وذلك الوصف "أما الفاعل كحارث"، فإنه في الأصل اسم فاعل من حرث يحرث، "وحسن" بفتح المهملتين؛ فإنه في الأصل صفة مشبهة من حسن، "أو لمفعول كمنصور"، فإنه في الأصل اسم مفعول من نصر الثلاثي المجرد، "ومحمد": فإنه في الأصل اسم مفعول من "حمد" بتشديد الميم الثلاثي المزيد، "وإما" أن يكون "من فعل" مجرد عن الفاعل، وذلك الفعل "إما ماض، كشمر" بتشديد الميم: لفرس، "أو مضارع، كيشكر": لرجل، وهو نوح عليه الصلاة والسلام، أو أمر كاصمت: لبرية. قال الرضي: وكسر الميم منه؛ والمسموع في الأمر الضم؛ لأن الأعلام كثيرًا ما يغير لفظها عند النقل. ا. هـ. وإما أن يكون نقله من حرف، كما لو سميت رجلًا بواحد من صيغ الحروف، قاله الفخر الرازي في شرح المفصل، "وإما" أن يكون "من جملة"، وتلك الجملة "إما فعلية" فاعلها ظاهر، "كشاب قرناها"، أي: ذؤابتا شعرها، أو فاعلها مضمر بارز كـ"أطرقا"1 أو مستتر كيزيد من قوله: [من الرجز]
78- .................. بني يزيد ...............................
بضم الدال، "أو اسمية؛ كزيد منطلق؛ وليس" النقل من الجملة الاسمية "بمسموع" من العرب كما قاله في شرح التسهيل2، "ولكنهم" أي: النحاة "قاسوه" على ما سمع من النقل من الجمل الفعلية، وجعلوه قسيما له؛ على تقدير التسمية بها، وما ذكره من
__________
1 الشاهد على ذلك قوله: [من المتقارب]
"على أطرقا باليات الخيا...... م إلا الثمام وإلا العصي"
وهو لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب 2/ 317، 7/ 342، وشرح أشعار الهذليين 1/ 100، وشرح المفصل 1/ 31، والمقاصد النحوية 1/ 397، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص333، وشرح الأشموني 1/ 60.
78- تمام البيت: "نبئت أخوالي بني يزيد"
، وسيأتي الشاهد بتمامه برقم 80.
2 شرح التسهيل 1/ 117.(1/127)
تقسيم العلم إلى مرتجل ومنقول هو المشهور1، وهو في ذلك تابع للناظم في قوله:
76- ومنه منقول كفضل وأسد..... وذو ارتجال كسعاد وأدد
"وعن سيبويه: الأعلام كلها منقولة"؛ لأن الأصل في الأسماء التنكير2، "وعن الزجاج: كلها مرتجلة"؛ لأن الأصل عدم النقل، وما وافق وصفا أو غيره؛ فهو اتفاقي لا مقصود.
__________
1 جعل بعضهم العلم بالغلبة قسما ثالثا؛ ليس بمنقول ولا مرتجل، وقال: المنقسم إليهما إنما هو العلم الوضعي، وقد يدعى أن تعريفهم المنقول بأنه ما استعمل قبل العلمية في غيرها يشمل هذا القسم. حاشية يس 1/ 114.
2 الكتاب 2/ 97.(1/128)
فصل3
"فصل":
"وينقسم" العلم باعتبار ذاته "أيضا إلى مفرد" عن التركيب، "كزيد" وأدد "وهند" وسعاد، "وإلى مركب، وهو ثلاثة أنواع"، وذلك أنه:
إما "مركب إسنادي"، وهو كل كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى، "كبرق نحره"، وشاب قرناها، وهذا" النوع مبني، و"حكمه الحكاية" على ما كان عليه قبل التسمية به، قال: [من الطويل]
79- كذبتم وبيت الله لا تنكحونها .....بني شاب قرناها تصر وتحلب
"وقال" رؤبة في حكاية الفعل المسند إلى الضمير المستتر: [من الرجز]
80- "نبئت أخوالي بني يزيد"..... ظلما علينا لهم فديد
والقوافي مرفوعة، فلولا أن في "يزيد" ضميرا مرفوعا على الفاعلية لما رفع "يزيد" على الحكاية، ولجر بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه مفرد غير منصرف، ومانعه من الصرف العلمية ووزن الفعل.
و"نبئت": بمعنى أخبرت، متعد لثلاثة، أولها ضمير المتكلم المرفوع على النيابة عن الفاعل، وأخوالي: مفعوله الثاني، وبني يزيد: عطف بيان عليه، وجملة "لهم
__________
79- البيت للأسدي في لسان العرب 13/ 333 "قرن"، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 2/ 273، والخصائص 2/ 367، وشرح المفصل 1/ 28، والكتاب 2/ 85، 3/ 207، 326، ولسان العرب 12/ 596 "نوم"، والكامل ص497، وما ينصرف وما لا ينصرف ص20، 123، والمقاصد النحوية 4/ 3، والمقتضب 4/ 9، 226.
80- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص172، وخزانة الأدب 1/ 270، والمقاصد النحوية 1/ 388، 4/ 370، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 124، وشرح ابن الناظم ص49، وشرح المفصل 1/ 28، ولسان العرب 3/ 200 "زيد" 329 "فدد" 4/ 75 "بقر"، ومجالس ثعلب 212 ومغني اللبيب 2/ 626، وتهذيب اللغة 14/ 74، ومجمل اللغة 4/ 55، ومقاييس اللغة 4/ 438.(1/129)
فديد" بالفاء: بمعنى صياح، في موضع المفعول الثالث، أي: فادين، و"ظلمنا": مفعول لأجله؛ وناصبه محذوف تقديره: يصيحون، و"علينا": متعلق بذلك المحذوف، لا بفديد؛ لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه، ولم يقل: "عليهم" لأن المتكلم يغلب على غيره في إعادة الضمير، تقول: أنا وزيد فعلنا، ولا تقول: فعلا، والجاري على الألسنة: "بني يزيد" بالياء؛ آخر الحروف أوله، وقال ابن يعيش: صوابه بالتاء المثناة فوق، وهو اسم رجل وإليه تنسب الثياب التزيدية1 ا. هـ. قيل: ولا يتعين ذلك في البيت إلا أن يريد تزيد بن جشم بن الخزرج، أو بن حلوان بن عمران بن قضاعة2، فإن كلا من هذين أبو قبيلة، وهما بالتاء الفوقانية.
"و" إما "مركب مزجي، وهو كل كلمتين نزلت ثانيتهما منزلة تاء التأنيث مما قبلها" في أن ما قبله مفتوح الآخر ما لم يكن ياء، ولكل من جزأيه حكم يخصه فحكم الجزء "الأول أن يفتح آخره"، كما يفتح ما قبل تاء التأنيث، وينتقل عن الإعراب إلى الجزء الثاني، لصيرورته كالجزء مما قبله، كما نقل الإعراب مما قبل تاء التأنيث إليها، لما صارت كالجزء مما قبلها، "كبعلبك وحضرموت" لبلدين، والأصل قبل التركيب بعل وبك، وحضر وموت، فامتزجا وصارا كالكلمة الواحدة، وحكمهما أن يفتح آخر أولهما، "إلا إن كان ياء فيسكن"، للثقل بالتركيب والإعلال، "كمعدي كرب"، لرجل "وقالي قلا" لمكان، وكسر الدال من "معدي" شاذ، والقياس فتحها، كمرمى ومسعى، و"حكم" الجزء "الثاني" منهما "أن يعرب بالضمة" رفعا، "والفتحة" نصبا وجرا إعراب ما لا ينصرف للتركيب والعلمية، "إلا إن كان" الجزء الثاني "كلمة "ويه" فيبنى على الكسر" في الأشهر عند سيبويه3، أما البناء فلأنه اسم صوت4، وأما الكسر فعلى أصل التقاء الساكنين وذلك "كسيبويه وعمرويه"، واختار الجرمي أن يعرب إعراب ما لا ينصرف، فلا يدخله خفض ولا تنوين. قال أبو حيان: وهو مشكل، إلا أن يستند إلى سماع، وإلا لم يقبل؛ لأن القياس البناء، لاختلاط الاسم بالصوت، وصيرورتهما اسما واحدا: ا. هـ. وإلى هذا التفصيل الإشارة بقول الناظم:
__________
1 في شرح المفصل 1/ 28: "وهو تزيد بن حلوان أبو قبيلة معروفة؛ إليه تنسب البرود التزيدية".
2 في تاج العروس 8/ 162 "زيد": "قيل: وصوابه تزيد بن حيان، كما نبه عليه العسكري في التصحيف في لحن الخاصة". وانظر جمهرة أنساب العرب ص440.
3 في الكتاب 3/ 301: "جعلوه في النكرة بمنزلة غاق، منونة مكسورة في كل موضع".
4 في شرح ابن الناظم ص50: "لأن الأصوات لا حظ لها في الإعراب".(1/130)
77- ........................................ ذا إن بغير ويه تم أعربا
"وإما" مركب "إضافي وهو الغالب" في الأعلام المركبة؛ لأن الأكثر فيها الكنى، وهي مضافة، "وهو كل اسمين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله"، في أن الجزء الأول جار بوجوه الإعراب، والجزء الثاني ملازم لحالة واحدة، إلا أن التنوين ملازم للسكون، والمضاف إليه ملازم للجر، وما قبلهما يختلف بوجوه الإعراب، "كعبد الله"، مما المضاف إليه مجرور بالكسرة، والمضاف معرب بالحركات، "وأبي قحافة" مما المضاف إليه مجرور بالفتحة, والمضاف معرب بالحروف, "وحكمه أن يجري" الجزء "الأول" وهو المضاف "بحسب العوامل الثلاثة" رفعا ونصبا وجرا، "ويجر" بالبناء للمفعول، بمعنى يخفض الجزء "الثاني" وهو المضاف إليه "بالإضافة" دائما، وإلى هذه الأقسام الثلاثة أشار الناظم بقوله:
77- وجملة وما بمزج ركبا ذا إن بغير ويه تم أعربا
78- وشاع في الأعلام ذو الإضافة ..................................(1/131)
فصل4
"فصل":
"وينقسم" العلم "أيضا إلى اسم وكنية ولقب"، وهو المشار إليه في النظم بقوله:
74- واسما أتى وكنية ولقبا ...........................
"فالكنية: كل مركب إضافي في صدره أب أو أم، كأبي بكر" بن أبي قحافة رضي الله عنهما، "وأم كلثوم" بنت النبي صلى الله عليه وسلم، زاد الإمام الفخر الرازي في العلم الجنسي: وابن أو بنت، كابن دأية للغراب، وبنت الأرض للحصاة. ا.هـ.
"واللقب كل ما أشعر برفعة المسمى أو ضعته"، بفتح الضاد المعجمة، والقياس كسرها، وإنما فتحت تبعا للمضارع، والهاء عوض من الواو، والوضيع: الدنيء من الناس، فالرفعة "كزين العابدين": لقب علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. "و" الضعة، نحو: "أنف الناقة": لقب جعفر بن قريع، تصغير قرع، بفتح القاف وسكون الراء بالعين المهملة، وهو: أبو بطن من سعد بن زيد مناة، وسبب جريان هذا اللقب عليه أن أباه ذبح ناقة وقسمها بين نسائه، فبعثته أمه إلى أبيه، ولم يبق إلا رأس الناقة، فقال له أبوه: شأنك به، فأدخل يده في أنف الناقة وجعل يجره، فلقب به، وكانوا يغضبون من هذا اللقب، فلما مدحهم الحطيئة بقوله: [من البسيط]
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم..... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا1
صار اللقب مدحا، والنسبة إليه أنفي، فمرجع الكنية إلى اللفظ، وإن أشعرت
__________
1 البيت للحطيئة في ديوانه ص17، وديوان المعاني 1/ 27، 78، والاقتضاب ص531، ولسان العرب 1/ 389 "ذنب"، 9/ 16 "أنف"، ومحاضرات الأدباء 3/ 286، ومقاييس اللغة 1/ 147، وتهذيب اللغة 14/ 438، 15/ 284، وتاج العروس 2/ 437 "ذنب"، 4/ 134 "كرب"، 23/ 42 "أنف"، وأساس البلاغة "أنف"، والمعاني الكبير ص1106، وبلا نسبة في محاضرات الأدباء 1/ 298، 3/ 339.(1/132)
بالتعظيم، ومرجع اللقب إلى المعنى، "والاسم ما عداهما وهو الغالب، كزيد وعمرو"، وفرق الأبهري في حواشي العضد بين الاسم واللقب، فقال: الاسم يقصد بدلالته الذات المعينة، واللقب يقصد به الذات مع الوصف، ولذلك يختار اللقب عند إرادة التعظيم أو الإهانة، "و" إذا اجتمع الاسم واللقب "يؤخر اللقب عن الاسم" غالبا؛ لأن الغالب في اللقب أن يكون منقولا من اسم غير إنسان كـ"بطة" فلو قدم لتوهم السامع أن المراد مسماه الأصلي، وذلك مأمون بتأخره؛، ولأن اللقب يشبه النعت في إشعاره بالمدح والذم، والنعت لا يقدم على المنعوت، فكذلك ما أشبهه "كزيد زين العابدين"، أو أنف الناقة، وهذا مراد الناظم بقوله:
74- ......................... وأخرن ذا إن سواه صحبا
"وربما يقدم" اللقب على الاسم، "كقوله" وهو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنهما: [من الوافر]
81- "أنا ابن مزيقيا عمرو وجدي....." أبوه منذر ماء السماء
فقدم اللقب وهو "مزيقيا" على الاسم وهو "عمرو"، ومزيقيا: بضم الميم وفتح الزاي وسكون الياء المثناة التحتانية وكسر القاف وتخفيف الياء آخر الحروف: لقب عمرو، وعمرو: بالجر، عطف بيان على مزيقيا، أو بدل منه، وسبب جريان هذا اللقب على عمرو أنه كان من ملوك اليمن، وكان يلبس كل يوم حلتين، فإذا أمسى مزقهما، كراهية أن يلبسهما ثانيا، وأن يلبسهما غيره، ومنذر: أحد أجداده لأمه، وهو: منذر بن امرئ القيس بن النعمان، أحد ملوك الحيرة، وماء السماء: لقب منذر، واختلف في سبب جريانه عليه، فقيل: لحسن وجهه، وقيل: إن أمه كان يقال لها ماء السماء لحسنها، واشتهر المنذر بلقب أمه، واسمها ماوية بنت عوف بن جشم بن الخزرج. وأراد أوس بذلك أنه كريم الطرفين نسيب الجهتين، "ولا ترتيب بين الكنية وغيرها" من اسم أو لقب، فيجوز تقديم الكنية على الاسم واللقب وتأخيرها عنهما، "قال" أعرابي إخبارا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [من الرجز]
__________
81- البيت لأوس بن الصامت في المقاصد النحوية 1/ 391، ولحسان بن ثابت في المستقصى 1/ 249، والدرة الفاخرة 1/ 313، ولبعض الأنصار في خزانة الأدب 4/ 365، ولسان العرب 13/ 545 "موه"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 127، وتخليص الشواهد ص118، وشرح الأشموني 1/ 58، ولسان العرب 10/ 343 "مزق"، 15/ 208 "قوا"، وتاج العروس "مزق".(1/133)
82- "أقسم بالله أبو حفص عمر"..... ما مسها من نقب ولا دبر
فاغفر له اللهم إن كان فجر
فقدم الكنية وهي "أبو حفص" على الاسم وهو "عمر"، وسبب إنشاء ذلك أن قائلها قال لعمر رضي الله عنه: إن ناقتي قد نقبت فاحملني، فقال له عمر: كذبت، وأبى أن يحمله، وحلف على ذلك، فأنشده ذلك. يقال: نقب البعير ينقب؛ بكسر القاف في الماضي وفتحها في المضارع؛ إذا رق خفه، ودبر العير: إذا حفي، فكأنه تفسير له، ويقال: فجر، إذا حنث في يمينه، "وقال حسان" بن ثابت يرثي سعد بن معاذ رضي الله عنه: [من الطويل]
83- "وما اهتز عرش الله من أجل هالك سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو"
فقدم الاسم وهو "سعد" على الكنية وهو "أبو عمرو". وأصل هذا البيت أن السيد سعد بن معاذ أصيب يوم الخندق بسهم في أكحله، فتألم قليلا ومات منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ"1، فنظمه حسان رضي الله عنه. وتقول: جاءني أبو عبد الله بطة، وبطة أبو عبد الله. "وفي نسخة من الخلاصة ما" أي شيء، وهو قوله:
74- ......................................... وأخرن ذا إن سواه صحبا
وذلك "يقتضي أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية كأبي عبد الله أنف الناقة" لأن سوى اللقب يشمل الاسم والكنية، فكأنه قال: وأخر اللقب إن صحب الاسم أو للكنية فالأمر بوجوب تأخير اللقب عن الاسم صحيح. "وليس" الحكم مع الكنية "كذلك"، بل يجوز تقديم اللقب على الكنية وتأخيره عنها؛ كما تقدم. وفي نسخة أخرى من الخلاصة:
............................................. وذا اجعل إذا اسما صحبا
فالإشارة بـ"ذا" إلى اللقب وهي أصرح في المراد. ولكن قال المرادي: وما سبق
__________
82- الرجز لرؤبة في شرح المفصل 3/ 71، ولعبد الله بن كيسبة أو الأعرابي في خزانة الأدب 5/ 154، 156، وربيع الأبرار 1/ 269، ولأعرابي في المقاصد النحوية 4/ 115، ولسان العرب 1/ 766 "نقب"، 5/ 47، 48 "فجر"، وتاج العروس 4/ 301 "نقب"، 13/ 301 "فجر"، وتهذيب اللغة 11/ 50، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 128، وشرح الأشموني 1/ 59، وشرح شذور الذهب ص435، ومعاهد التنصيص 1/ 279، وأساس البلاغة "نقب"، وديوان الأدب 2/ 111، وكتاب العين 8/ 307.
83- البيت لحسان في أوضح المسالك 1/ 129، والمقاصد النحوية 1/ 393، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 59.
1 أخرجه البخاري في فضائل الصحابة برقم 3592.(1/134)
أولى؛ لأن هذه النسخة لا يفهم منها حكم اللقب مع الكنية. ا. هـ. ولك أن تقول: أما كونها لا يفهم منها حكم اللقب مع الكنية فمسلم باعتبار المنطوق، وغير مسلم باعتبار المفهوم، وأما كونها أولى فممنوع؛ لأنها تفهم غير الصواب.
"ثم إن كان اللقب وما قبله" من الاسم "مضافين كعبد الله زين العابدين"، أو أنف الناقة، "أو كان الأول مفردا" عن الإضافة، "والثاني مضافا كزيد زين العابدين" أو أنف الناقة، "أو كانا بالعكس" بأن كان الأول مضافا والثاني مفردا "كعبد الله كرز"، بضم الكاف وسكون الراء المهملة وفي آخره زاي، وهو في الأصل، خرج الراعي، فالأقسام ثلاثة، فإن شئت "أتبعت الثاني للأول" في إعرابه؛ "إما بدلا" من الأول؛ بدل كل من كل، "أو عطف بيان" على الأول، "أو قطعته عن التبعية؛ إما برفعه خبرا لمبتدأ محذوف أو بنصبه مفعولا" به "لفعل محذوف"، فتقول على الاتباع: جاءني عبد الله زين العابدين؛ برفعهما؛ ورأيت عبد الله زين العابدين؛ بنصبهما؛ ومررت بعبد الله زين العابدين؛ بجرهما؛ وإن شئت قطعت من الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الرفع، ومن الجر إلى الرفع والنصب، فالرفع بتقدير: هو، والنصب بتقدير: أعني، ولو أظهر لجاز. وهكذا حكم الكنية وما قبلها من الاسم واللقب اتباعا وقطعا، إلا أن الكنية لا تكون إلا مضافة، واللقب والاسم يكونان مضافين ومفردين، فإن كانا مضافين أو أحدهما مضافا والآخر مفردا فحكمهما ما سبق.
"وإن كانا مفردين كسعيد كرز، جاز ذلك" المتقدم، وهو جواز الاتباع والقطع، "و" جاز "وجه آخر؛ وهو إضافة الأول إلى الثاني"، إن لم يمنع مانع، كما إذا كان الاسم مقرونا بـ"أل" كالحارث قفة، أو كان اللقب وصفا في الأصل مقرونا بـ"أل" كهارون الرشيد ومحمد المهدي، فلا يضاف الأول إلى الثاني، نص على ذلك ابن خروف. وجواز الإضافة مع انتفاء المانع هو قول الكوفيين والزجاج، وهو الصحيح، والاتباع أقيس، والإضافة أكثر، "وجمهور البصريين يوجب هذا الوجه" وهو الإضافة، "و" وجوب الإضافة "يرده النظر" من جهتي الصناعة والسماع، أما الصناعة فلأنا لو أضفنا الأول إلى الثاني لزم إضافة الشيء إلى نفسه، بيان الملازمة أن الاسم واللقب اسمان مسماهما واحد، فإضافة أحدهما إلى الآخر إضافة الشيء إلى نفسه، واللازم باطل، فالملزوم مثله لوجوب مغايرة المتضايفين، "و" أما السماع من العرب فهو "قولهم" لرجل ضخم العينين اسمه يحيى، ولقبه عينان: "هذا يحيى عينان"، بغير إضافة، وإلا لقالوا: عينين(1/135)
بالياء، وأجيب عن الأول بأنه من إضافة المسمى إلى الاسم، فمعنى "جاءني سعيد كرز" بالإضافة: جاءني مسمى هذا الاسم، وإنما أول الأول بالمسمى، والثاني بالاسم؛ لأن الأول هو المعرض للإسناد إليه، والمسند إليه إنما هو المسمى، فلزم أن يقصد بالثاني مجرد اللفظ. وأجيب عن الثاني بأنه يحتمل أن يكون جاء على لغة من يلزم المثنى الألف مطلقا، وإلى وجوب الإضافة في المفردين، وجواز الاتباع في غيرهما أشار الناظم بقوله:
75- وإن يكونا مفردين فأضف حتما وإلا أتبع الذي ردف
وما ذكروه من النظر على القول بوجوب الإضافة يأتي مثله في حال الإضافة على القول بالجواز، فهو مشترك الإلزام فما كان جواز المجيز فهو جواب الموجب.(1/136)
فصل5
"فصل":
"والعلم الجنسي" الموعود بذكره أول الباب: "اسم يعين مسماه بغير قيد تعيين ذي الأداة الجنسية، أو" ذي الأداة "الحضورية"، وبذلك يفارق العلم الشخصي. "تقول" في تعيينه ذي الأداة الجنسية: "أسامة أجرأ"، من الجراءة وهي الشدة، "من ثعالة، فيكون" في تعين الجنس "بمنزلة قولك: الأسد أجرأ من الثعلب، و"أل" في" الأسد والثعلب "هذين، للجنس" لا للعهد، إذ كل منها اسم جنس. "وتقول" في تعيينه تعين ذي الأداة الحضورية: "هذا أسامة مقبلا، فيكون" في تعيين الحضور المستفاد من الإشارة "بمنزلة قولك: هذا الأسد مقبلا، و"أل" في" الأسد "هذا، لتعريف الحضور" المستفاد من الإشارة إلى الجنس. فإن قيل: كيف يقول: "هذا الأسد" مشيرا إلى واحد بعينه؛ وأنت تعني الجنس؟ فالجواب: أن أصل الاسم الوضع على جملة الجنس، فإذا أشرت إليه فإنما تعني به ذلك الفرد من حيث هو معروف معلوم الأشياء، لا أسد بعينه، قال سيبويه1: إذا قلت هذا أبو الحارث إنما2 تريد هذا الأسد، أي: هو الذي سميت باسمه3 أو [هذا الذي قد]4 عرفت أشباهه، ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفته بعينه كزيد5، ولكنك أردت هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم. ا. هـ.
__________
1 الكتاب 2/ 94.
2 في الكتاب: "فأنت" مكان "إنما".
3 في الكتاب: "أي: هذا الذي سمعت باسمه".
4 إضافة من الكتاب.
5 في الكتاب: "... أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك، كمعرفته زيدا".(1/137)
"وهذا العلم" الجنسي "يشبه علم الشخص من جهة الأحكام اللفظية، فإنه يمتنع من" دخول "أل" عليه فلا يقال: الأسامة، كما لا يقال، الزيد، "و" يمتنع "من الإضافة" فلا يقال: أسامتكم، كما لا يقال: زيدكم، إلا إن قصد فيهما الشياع في المسألتين؛ لأن المانع من ذلك اجتماع معرفين مختلفين على معرف واحد، وذلك مأمون بالشياع، "و" يمتنع "من الصرف"، وهو التنوين فلا يجر بالكسرة ولا ينون "إن كان ذا سبب آخر" مع العلمية، "كالتأنيث" اللفظي "في: أسامة وثعالة"، وكزيادة الألف والنون في حمار قبان، "وكوزن الفعل في: بنات أَوْبَر" علما على ضرب من الكمأة، "وابن آوى" بالمد، وهو حيوان كريه الرائحة، فوق الثعلب ودون الكلب، وفيه شبه من الذئب وشبه من الثعلب، طويل المخالب والأظفار، صياحه يشبه صياح الصبيان. قاله الكمال الدميري1.
فإن قلت وزن الفعل في المضاف إليه فقط، والعلم هو مجموع المضاف والمضاف إليه قلت: أجيب عنه بأن الأعلام الجنسية الإضافية يجري على جزئها الثاني حكم ما لو كان علما وحده، قال الدماميني. ويمتنع وصفه بالنكرة، فلا يقال: أسامة مفترس، بل: المفترس، "ويبتدأ به، ويأتي الحال منه" بلا مسوغ فيهما "كما تقدم في المثالين" السابقين وهما: أسامة أجرأ من ثعالة، وهذا أسامة مقبلا، "ويشبه النكرة من جهة المعنى؛ لأنه شائع في أمته" وجماعته، "لا يختص به واحد دون آخر"، كما أن النكرة، نحو: "رجل" كذلك، فظهر من كلامه أولا أن علم الجنس مرادف في المعنى لاسم الجنس بـ"أل" الجنسية، وآخر: أنه لا فرق بين علم الجنس واسمه النكرة من حيث المعنى، وإنما الفرق بينهما من جهة التعريف وعدمه، وقد يقال لما عاملوا "أسد" معاملة النكرة، و"أسامة" معاملة المعرفة، دل ذلك على افتراق مدلوليهما، وإلا لزم التحكم، فبالأثر يستدل على المؤثر، والفرق أن الصورة الذهنية لها حضور من حيث استحضارها في الذهن؛ ليطابق بها شخص ما، وعموم "من" حيث هي كلية مجردة عن اللواحق، فاللفظ الموضوع لها من حيث خصوصها علم الجنس كأسامة، والموضوع لها من حيث عمومها اسم جنس كأسد، وهي من حيث خصوصها وعمومها تنطبق على كل فرد من أفرادها، والحاصل: أن "أسدا" موضوع للحقيقة الذهنية؛ من حيث هي هي؛ من غير اعتبار قيد معها أصلا، و"أسامة" موضوع للحقيقة باعتبار
__________
1 حياة الحيوان الكبرى 1/ 152 "ابن آوى".(1/138)
حضورها الذهني الذي هو نوع تشخص لها، مع قطع النظر عن أفرادها، وينقسم على الجنس إلى اسم وكنية ولقب، وذلك مستفاد من قول الناظم:
79- ووضعوا لبعض الأجناس علم..... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم(1/139)
فصل6
"فصل":
"ومسمى علم الجنس ثلاثة أنواع:
أحدها، وهو الغالب: أعيان لا تؤلف" للواضع "كالسباع" جمع سبع، وهو ما له ناب، "والحشرات" جمع حشرة، وهو صغار دواب الأرض، فالسباع "كأسامة" للأسد، وكنيته أبو الحارث، "وثعالة" للثعلب، وكنيته أبو الحصين، "وأبي جعدة" كنية "للذئب"، واسمه ذؤالة، "و" الحشرات، نحو: "أم عريط" كنية "للعقرب"، واسمها شبوة، وإلى هذا النوع أشار الناظم بقوله:
80- من ذاك أم عريط للعقرب..... وهكذا ثعالة للثعلب
"و" النوع "الثاني: أعيان تؤلف، كهيان بن بيان"، بفتح أولهما وتشديد الياء المثناة تحت، "للمجهول العين" وهي الذات، "والنسب" من بني آدم كـ"طامر بن طامر" لمن لا يعرف ولا يعرف أبوه، وفي المحكم لابن سيده: ما أدري أي هي بن بي هو، معناه أي: الخلق هو1، وهو من أسماء الأضداد؛ لأن المجهولات مستصعبة خفية، لا هينة بينة، وقيل هيان بن بيان اسمان لولدين لآدم عليه الصلاة والسلام، ويقال أيضا للذي لا يعرف: صلمعة بن قلمعة، وضل بن ضل، "وأبي المضاء" بفتح الميم والضاد المعجمة والمد: "للفرس، وأبي الدغفاء" بفتح الدال المهملة وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ممدودا: "للأحمق"؛ لأن العرب إذا حمقوا إنسانا قالوا له: يا أبا الدغفاء ولِّدها فقارا2، أي: شيئا لا رأس له ولا ذنب، والمعنى كلفها ما لا تطيق، ولا يكون. قال الموضح في حواشي التسهيل: كأن العرب جعلت "هيان بن بيان" لعدم الشعور بحقيقته، و"أبا الدغفاء" لنفرتهم عنه لحمقه، بمنزلة ما لا يؤلف.
"و" النوع الثالث: أمور معنوية "كسبحان "علما" للتسبيح"، بمعنى التنزيه، ينصب كما ينصب مسماه، ثم استعملوه مكان "يسبح" وصار بدلا من اللفظ
__________
1 لسان العرب 14/ 101 "بيي"، 15/ 375 "هيي".
2 ومنه قول ابن أحمر في ديوانه ص74، ولسان العرب 9/ 103 "دعف"، 104 "دغف":
"يدنس عرضه لينال عرضي..... أنا دغفاء ولدها فقارا"(1/140)
بالفعل، والمعنى: براءة الله من السوء، قاله ابن إياز، ورد جعله علما لملازمته للإضافة، قاله الموضح في الجامع الصغير1. "وكيسان" بفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة: علما "للغدر"، بفتح الغين المعجمة، وعليه قوله: [من الطويل]
84- إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم .....إلى الغدر أسعى من شبابهم المرد
وقال ابن جني في المنهج: والدليل على أنهم سموا التسبيح بسبحان، والغدر بكيسان، أنهما غير منصرفين، والسبب الواحد؛ وهو الألف والنون حاصل، فلا بد من حصول العلمية، "ويسار" بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة وكسر الراء: علما "للميسرة" بمعنى اليسر، كقوله: [من الطويل]
85- فقلت امكثي حتى يسار لعلنا..... نجح معا قالت وعاما وقابله
"وفجار" بفتح الفاء والجيم وكسر الراء: علما "للفجرة" بسكون الجيم، بمعنى الفجور، "وبرة" بفتح الموحدة وتشديد الراء: علما "للمبرة"، بمعنى البر، وقد اجتمع في قول النابغة: [من الكامل]
86- إنا اقتسمنا خطتينا بيننا .....فحملت برة واحتملت فجار
وإلى هذا النوع الإشارة بقول الناظم:
81- ومثله برة للمبره..... كذا فجار علما للفجره
__________
1 الجامع الصغير ص11.
84- البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص339، وأساس البلاغة "كيس"، والأغاني 14/ 87، والحماسة البصرية 2/ 288، ومجمع الأمثال 2/ 65، وله أو لضمرة بن ضمرة في شرح المفصل 1/ 37، 38، ولسان العرب 6/ 201 "كيس"، وتاج العروس "كيس"، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 62، ومقاييس اللغة 5/ 150.
85- البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص117 "الحاشية"، وخزانة الأدب 6/ 338، وشرح أبيات سيبويه 2/ 317، وبلا نسبة في الدرر 1/ 24، وشرح المفصل 4/ 55، والكتاب 3/ 274، ولسان العرب 5/ 296 "يسر"، وهمع الهوامع 1/ 29.
86- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص55، وإصلاح المنطق ص336، وخزانة الأدب 6/ 327، 330، 333، والدرر 1/ 24، وشرح أبيات سيبويه 2/ 216، وشرح المفصل 4/ 53، والكتاب 3/ 274، ولسان العرب 4/ 52 "برر"، 5/ 48 "فجر"، 11/ 174 "حمل"، والمقاصد النحوية 1/ 405، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 349، وجمهرة اللغة ص463، وخزانة الأدب 6/ 287، والخصائص 2/ 198، 3/ 261، 265، وشرح الأشموني 1/ 62، وشرح عمدة الحافظ ص141، وشرح المفصل 1/ 38، ولسان العرب 13/ 37 "أنن"، ومجالس ثعلب 2/ 464، وهمع الهوامع 1/ 29.(1/141)
باب أسماء الإشارة:
وهي كل اسم دل على مسمى وإشارة إليه، "المشار إليه إما واحد، أو اثنان، أو جماعة" فهذه ثلاثة، "وكل واحد منها إما مذكر أو مؤنث"، فهذه ستة تحصلت من ضرب اثنين في ثلاثة وكل واحد من هذه الستة إما قريب المسافة أو بعيدها، فهذه اثنا عشر تحصلت من ضرب اثنين في ستة، وعلى اعتبار المتوسط تصير ثمانية عشر قامت من ضرب ثلاثة في ستة. والمخاطب بالإشارة يكون واحدا مذكرا أو مؤنثا، أو اثنين مذكرين أو مؤنثين، أو جماعة ذكورا وإناثا، فهذه ستة تتنوع الثمانية عشر المذكورة في المشار إليه بحسب هذه الستة تصير ثمانية عشر في ستة فالمجموع مائة وثمانية.
"فللمفرد المذكر" في القرب أربعة "ذا" بألف ساكنة، و"ذاء" بهمزة مكسورة بعد الألف، و"ذائه" بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة، و"ذاؤه" بهاء مضمومة بعد همزة مضمومة، قال: [من الرجز]
87- هذاؤه الدفتر خير دفتر في كف قرم ماجد مصور
يروى بكسر الهاء وضمها، وفي كتاب أبو الحسن الهيثم إنما حركت الهاء فيهما للضرورة، والأصل فيهما ذاء؛ وألفه أصليه عند البصريين لا زائدة؛ خلافا للكوفيين، وهو ثلاثي الأصل، حذفت لامه على الأصح لا عينه، وعينه مفتوحة لا ساكنة على الأصح.
"وللمفرد المؤنث" في القرب "عشرة"، خمسة مبدوءة بالذال، وخمسة مبدوءة بالتاء؛ "وهي: ذي وتي" بكسر أولهما وسكون ثانيهما، "وذه وته" بإشباع الكسرة، "وذه وته باختلاس" وهو اختطاف الحركة من الهاء والإسراع بها لا ترك الإشباع، "وذه وته" بالإسكان للهاء، "وذات وتا" بضم التاء من ذات، قال الموضح في الحواشي التسهيلية1: الإشارة "ذا" والتاء للتأنيث، وهي التاء في "امرأة" ونحوه مما فيه تاء الفرق، وليس بصفة، ا. هـ. و"تا" بألف.
__________
87- الرجز بلا نسبة في الدرر 1/ 126، وهمع الهوامع 1/ 75.
1 انظر شرح التسهيل 1/ 241.(1/142)
"وللمثنى" القريبة: "ذان" في التذكير، "وتان" في التأنيث بالألف فيهما "رفعا، وذَيْن وتَيْن" بالياء فيهما "جرا ونصبا، ونحو: {إِنْ هَذَانِ}" [طه: 63] بالألف وتشديد ونون إن {لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] مؤول"، وتأويله: إما على حذف اسم "إن" ضمير شأن؛ على حد: إن يك زيدا مأخوذ، واللام داخلة على مبتدأ محذوف، والأصل: إنه هذان لهما ساحران، أو على أن "إن" بمعنى نعم، وهي لا تعمل شيئا؛ لأنها حرف تصديق، فلا اسم لها ولا خبر، أو على أنه جاء على لغة خثعم، فإنهم لا يقلبون ألف المثنى في حالتي النصب والجر، أو على أن الألف الموجودة ألف المفرد، وألف التثنية حذفت لاجتماع الألفين، وألف المفرد لا تقلب ياء، أو على أنه جيء به على أول أحواله وهو الرفع، كما في "اثنان" قبل التركيب، أو على أن "إن" نافية بمعنى "ما"، واللام بمعنى "إلا" الإيجابية، كما يقول به الكوفيون، أو على أنه مبني لدلالته على معنى الإشارة، واختاره ابن الحاجب1.
"ولجمعهما" في التذكير والتأنيث: "أولاء" حال كونه "ممدودا عند الحجازيين" نحو: هؤلاء القوم، وهؤلاء بناتي، "مقصورا عند" أهل نجد من بني "تميم" وقيس وربيعة وأسد، ذكر ذلك الفراء في لغات القرآن، ولم يخصه بتميم، كما قاله الموضح في حواشي التسهيل2، ومن خطه نقلت، والأكثر مجيئه للعقلاء، "ويقل مجيئه لغير العقلاء، كقوله" وهو جرير بن عطية: [من الكامل]
88- ذم المنازل بعد منزلة اللوى ".....والعيش بعد أولئك الأيام"
فأشار بـ"أولئك" للأيام، وهي ما لا يعقل، وذم: أمر من ذم يذم، ويجوز في ميمه الكسر على أصل التقاء الساكنين، والفتح للتخفيف؛ والضم للاتباع، والمنازل: مفعول به، وبعد متعلق بمحذوف حال من المنازل؛ على تقدير مضاف بين الظرف ومجروره، والتقدير:
__________
1 انظر الموشح على كافية ابن الحاجب ص183.
2 في شرح التسهيل 1/ 241: "حكى الفراء أن المد في أولاء وأولئك لغة الحارثيين؛ وأن القصر لغة الحجازيين". وفي شرح ابن عقيل 1/ 133 أن المد لغة الحجازيين، والقصر لغة بني تميم.
88- البيت لجرير في ديوانه ص990، وفيه "الأقوام" مكان "الأيام"، وتخليص الشواهد ص123، وخزانة الأدب 5/ 430، وشرح شواهد الشافية ص167، وشرح المفصل 9/ 129، ولسان العرب 15/ 437 "أولى"، والمقاصد النحوية 1/ 408، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 134، وشرح ابن الناظم ص51، وشرح الأشموني 1/ 63، وشرح ابن عقيل 1/ 132، المقتضب 1/ 185.(1/143)
كائنة بعد مفارقة منزلة اللواء، واللواء: ممدود وقصر للضرورة، والعيش: منصوب بالعطف على المنازل، والأيام: عطف بيان على أولئك؛ أو نعت له؛ والمخاطب بالإشارة مذكر، ولا يخفى ما في ذلك من الزيادة على قول الناظم:
82- بذا لمفرد مذكر أشر..... بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر
83- وذان تان للمثنى المرتفع..... وفي سواه ذين تين اذكر تطع
84- وبأولى أشر لجمع مطلقا والمد أولى ..................(1/144)
فصل1
"فصل":
ما تقدم في المشار إليه إذا كان قريبا، " وإذا كان المشار إليه بعيدا لحقته كاف حرفية"؛ لأن أسماء الإشارة لا تضاف، وهذه الكاف "تنصرف تصرف الكاف الاسمية غالبا"، ليتبين بها أحوال المخاطب من الإفراد والتثنية، والجمع والتذكير والتأنيث، كما يتبين بها لو كانت اسما؛ فتفتح للمخاطب؛ وتكسر للمخاطبة؛ وتتصل بها علامة التثنية والجمعين، فتقول: ذاك وذاك وذاكما وذاكم وذاكن، "ومن غير الغالب" أن تفتح في التذكير وتكسر في التأنيث، ولا يلحقها دليل تثنية ولا جمع، ودون هذا أن تفتح مطلقا، ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع، ويحتملهما قوله تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ} في البقرة1، وقوله تعالى: "{ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ}"2 في المجادلة، "ولك" مع إلحاق الكاف "أن تزيد قبلها لاما" مبالغة في البعد، وهذه اللام أصلها السكون، كما في "تلك"، وكسرت في ذلك لالتقاء الساكنين، أو فرقا بينها وبين لام الجر من نحو: "ذا لك" بفتح اللام، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
84- ........................... .............. ولدى البعد انطقا
85- بالكاف حرفا دون لام أو معه ...................................
"إلا في التثنية مطلقا" من غير تقييد، بلغة دون أخرى، وسواء في ذلك تثنية المذكر والمؤنث، "و" إلا "في الجمع في لغة من مده"، وهم الحجازيون. وفي لغة بعض من قصره، وهم التميميون. "و" إلا "فيما سبقته ها" التنبيه بألف غير مهموزة، وإلى الاستثناء الأخير أشار الناظم بقوله:
85- ........................ واللام إن قدمت ها ممتنعه
__________
1 البقرة: 232.
2 المجادلة: 12.(1/145)
"وبنو تميم لا يأتون باللام مطلقا" لا في مفرد ولا في مثنى ولا في جمع، حكاه الفراء عنهم، وتقييد الجمع بلغة من مده احترازا من لغة من يقصره غير التميميين، كقيس وربيعة وأسد، فإنهم يأتون باللام، قال شاعرهم: [من الطويل]
89- أُولالك قومي لم يكونوا أشابة..... وهل يعظ الضليل إلا أولالكا
و"الأشابة" بضم الهمزة؛ وبالشين المعجمة والباء الموحدة: واحدة الأشائب، وهم الأخلاط من الناس، و"الضليل" بكسر الضاد المعجمة وتشديد اللام: الكثير الضلال، وما ذهب إليه من أن اسم الإشارة له مرتبتان قربى وبعدى لا غير؛ تبع فيه الناظم؛ وخالفه في شرح اللمحة فقال: والمشار إليه إما قريب المسافة أو متوسطها أو بعيدها، فللمفرد المذكر: "ذا": للقريب، و"ذاك": للمتوسط، و"ذلك": للبعيد، ولمثناه: "ذان": للقريب، و"ذانك": للمتوسط، و"ذانك" بتشديدها: للبعيد، ولجمعه: "أولا": لقريب؛ يمد ويقصر، و"أولاك" بالقصر: للمتوسط، و"أولئك" بالمد: للبعيد، وللمفرد المؤنث: "ذي وتي": للقريب، و"تيك": للمتوسط، و"تلك": للبعيد، ولمثناه: "تان": للقريب، و"تانك" بالتخفيف: للمتوسط، و"تانك" بالتشديد: للبعيد، ولجمعه: "أولا": للقريب، و"أولاك": للمتوسط، و"أولئك" للبعيد. ا. هـ.
وقد يتجوز في اسم الإشارة بالنسبة إلى المرتبة وبالنسبة إلى المسمى، فالأول: نيابة ذي البعد عن ذي القرب، نحو: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2]، والثاني: نيابة ما للواحد عما للاثنين وعما للجمع، فالأول: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] أي: بين ذلك، أي: بين الفارض والبكر، كقول لبيد: [من الكامل]
90- ولقد سئمت من الحياة وطولها..... وسؤال هذا الناس كيف لبيد
ولا ينوب ما للاثنين أو للجماعة عما للواحد.
__________
89- البيت للأعشى في شرح المفصل 10/ 6، ولأخي الكلحبة في خزانة الأدب 1/ 394، ونوادر أبي زيد ص154، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص382، والدرر 1/ 128، وسر صناعة الإعراب 1/ 322، والصاحبي في فقه اللغة ص84، واللامات ص132، ولسان العرب 15/ 437 "أولى"، والمنصف 1/ 166، 3/ 26، وهمع الهوامع 1/ 76.
90- البيت للبيد في ديوانه ص35، وخزانة الأدب 2/ 251، وشرح التسهيل 1/ 249، ولسان العرب 1/ 759، "نصب" والمحتسب 1/ 189.(1/146)
فصل2
"فصل":
"ويشار إلى المكان القريب" بالفظتين "هنا" مجردة عن "ها" التنبيه، "أو ههنا" مقرونة بـ"ها" التنبيه، "نحو: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، و" يشار "للبعيد" بألفاظ: "بـ: هناك" مجردة عن "ها" التنبيه، "أو: ههناك" مقرونة بـ"ها" التنبيه من غير لام، "أو: هنالك" بضم الهاء وتخفيف النون وباللام المكسورة، "أو: هنا" بفتح الهاء وتشديد النون، وأصلها: "هنن" بثلاث نونات، أبدلت الثالثة ألفا لكثرة الاستعمال، "أو: هِنّا" بكسر الهاء وتشديد النون، والكلام فيها كالتي قبلها، وكسر الهاء أردأ من فتحها، قاله السيرافي، وأنشد لذي الرمة: [من البسيط]
91- هَنَّا وهِنَّا ومن هُنّا لهُنّ بها .....ذات الشمائل والأيمان هينوم
"أو: هنّت" بفتح الهاء والنون المشددة وسكون التاء، وهي "هنا" المفتوحة الهاء؛ زيدت عليها التاء الساكنة، فالتقى ساكنان حذفت ألفها لالتقاء الساكنين، وقد تكسر هاؤها، "أو: ثَمّ" بفتح المثلثة وتشديد الميم، وبنيت على الفتح للتخفيف، ولم تكسر على أصل التقاء الساكنين لاستثقال الكسرة مع التضعيف "نحو: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} [الشعراء: 64] وهي ملازمة للظرفية، فلا تخرج عنها إلا إلى حالة شبيهة بها، نحو: "جئت من ثم" لأن الظرف والجار والمجرور أخوان، وأما قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} [الإنسان: 20] فـ"ثَمّ" ظرف مكان لـ"رأيت" المتقدمة عليه. لا مفعول مطلق على الصواب، وإذا قلنا بمذهب الجمهور إن المراتب ثلاث، فيشار إلى المكان القريب بـ"هنا"، وإلى المتوسط بـ"هناك"، وإلى البعيد بـ"هنالك" وأخواته، وعند الناظم مرتبتان أشار إليهما بقوله:
86- وبهنا أو ههنا أشر إلى .....داني المكان وبه الكاف صلا
87- في البعد أو بثم فه أو هَنّا .....أو بهنالك انطقن أو هنا
__________
91- البيت لذي الرمة في ديوانه ص409، وتخليص الشواهد ص133، وجمهرة اللغة ص1204، وشرح شواهد الإيضاح ص435، وشرح المفصل 3/ 137، ولسان العرب 12/ 623 "هنم"، 15/ 484 "هنا"، والمقاصد النحوية 1/ 412، وبلا نسبة في الخصائص 3/ 38، وشرح ابن الناظم ص53، وشرح الأشموني 1/ 66.(1/147)
باب الموصول:
وهو في الأصل اسم مفعول من وَصَلَ الشيء بغيره: إذا جعله من تمامه، وفي الاصطلاح "ضربان": موصول "حرفي، و" موصول "اسمي، فـ" الموصول "الحرفي كل حرف أول مع صلته بالمصدر"، ولم يحتج إلى عائد، "وهو ستة:
أن" المفتوحة الهمزة المشددة النون، وتوصل بجملة اسمية، وتؤول مع معموليها بمصدر، فإن كان خبرها مشتقا فالمصدر المؤول من لفظه، وإن كان جامدا أُوّل بالكون، وإن كان ظرفا أو مجرورا أُوّل بالاستقراء. وحكم الفعل في التصرف والجمود حكم الاسم فيهما، قاله في المغني1. وحكم المخففة من الثقيلة حكم المشددة في ذلك.
"وأنْ" بفتح الهمزة وسكون النون، وهي الناصبة للمضارع: وتوصل بفعل متصرف ماضيا كان أو مضارعا، اتفاقا وأمرا على الأصح.
"وما" المصدرية: وتوصل بفعل متصرف غير أمر وبجملة اسمية لم تصدر بحرف قاله الموضح في الحواشي.
"وكي" المصدرية: وتوصل بمضارع مقرونة بلام التعليل لفظا أو تقديرا.
"ولو" المصدرية: وتوصل بفعل متصرف غير أمر.
"والذي" على وجه حكاه الفارسي في الشيرازيات عن يونس، وأنه جعل منه، {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} [الشورى: 23] قاله الموضح في الحواشي.
ومن أوضح الدلالة على ذلك قول أبي دهبل الجمحي: [من البسيط]
92- يا ليت من يمنع المعروف يمنعه ......حتى يذوق رجال مر ما صنعوا
وليت رزق رجال مثل نائلهم .....قوت كقوت ووسع كالذي وسعوا
وعلى القول به، فقال الرضي: لا خلاف في اسمية "الذي" المصدرية وصنيع الموضح يأباه2.
__________
1 مغني اللبيب 1/ 193.
92- البيتان لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص91، وأمالي المرتضى 1/ 117، والمؤتلف والمختلف 117.
2 في حاشية يس 1/ 130: "مراد الفاضل الرضي بكونها اسمين أن المحل لها، ومراد الموضح بكونها موصلا حرفيا أنها تؤول بمصدر، فلا منافاة".(1/148)
مثال "أنّ" بالتشديد "نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51]، أي: أنزلنا.
ومثال "أنْ" بالتخفيف: "{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، أي: صومكم خير لكم.
ومثال "ما": "{بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}" [ص: 26]، أي: بنسيانهم إياه.
ومثال "كي": {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37]، أي: لعدم كون على المؤمنين حرج.
ومثال "لو": {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} [البقرة: 96]، أي: التعمير.
ومثال "الذي" المصدرية: "{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]، أي: كخوضهم.
والمانع يدعي أن الأصل كـ"الذين"، حذفت النون على لغة، أو أن الأصل: كالخوض الذي خاضوه، فحذف الموصوف والعائد، أو أن الأصل: كالجمع الذي خاضوا، فقال "الذي" باعتبار لفظ الجمع، وقال "خاضوا" باعتبار معناه، أو أنه أوقع "الذي" على الجمع، كقوله: [من الطويل]
93- وإن الذي حانت بفلج دماؤهم .....هم القوم كل القوم يا أم خالد
أو أن "الذي" مشترك بين المفرد والجمع على قول الأخفش، كما قاله الموضح في شرح اللمحة.
"و" الموصول "الاسمي" كل اسم افتقر إلى الوصل بجملة خبرية، أو ظرف، أو جار ومجرور تامين، أو وصف صريح، وإلى عائد أو خلفه، قاله الموضح في شذوره1.
__________
93- البيت للأشهب بن رميلة في خزانة الأدب 6/ 7، 25-28، وشرح شواهد المغني 2/ 517، والكتاب 1/ 187، واللسان 2/ 349 "فلج"، 15/ 246 "لذا"، والمؤتلف والمختلف ص33، والمحتسب 1/ 185، ومعجم ما استعجم ص1028، والمقاصد النحوية 1/ 482، والمقتضب 4/ 146، والمنصف 1/ 67، وللأشهب أو لحريث بن مخفض في الدرر 1/ 62، وبلا نسبة في الأزهية 299، وخزانة الأدب 2/ 315، 6/ 133، 8/ 210، والدرر 2/ 221، ورصف المباني ص342، وسر صناعة الإعراب 2/ 537، وشرح المفصل 3/ 155، ومغني اللبيب 1/ 194، 2/ 552، وهمع الهوامع 1/ 49، 2/ 73.
حانت: من الحَيْن؛ وهو الهلاك. فلج: موضع. ومعنى "هم القوم كل القوم يا أم خالد": أن الذين هلكوا بهذا الموضع هم القوم والرجال الكاملون، فاعلمي ذلك، وابكي عليهم يا أم خالد.
1 شرح شذور الذهب ص141.(1/149)
"وهو ضربان: نص" في معناه لا يتجاوزه إلى غيره، "ومشترك" بين معان مختلفة بلفظ واحد.
"فالنص ثمانية" هنا، "منها للمفرد المذكر "الذي" للعالم" بكسر اللام: وهو من يقوم به العَلَم "وغيره" بالجر، فالعالم المنزه عن الذكورة والأنوثة، "نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74]، والعالم المذكر نحو: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} [الزمر: 33]، وغير العالم نحو: "{هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، وللمفرد المؤنث التي للعاقلة وغيرها" فالأول "نحو: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]، والثاني "نحو: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}" [البقرة: 142] فأوقع "التي" على القبلة وهي غير عاقلة.
ولك في ياءي "الذي والتي" وجهان: الإثبات والحذف، فعلى الإثبات تكون إما خفيفة فتكون ساكنة، وأما شديدة فتكون إما مكسورة أو جارية بوجوه الإعراب، وعلى الحذف فيكون الحرف الذي قبلها إما مكسورا؛ كما كان قبل الحذف وإما ساكنا، فهذه الخمس لغات في "الذي والتي"، "ولتثنيتهما: اللذان واللتان" بالألف "رفعا، واللذين واللتين" بالياء المفتوح ما قبلها "جرا ونصبا"، تقول: "جاءني اللذان قاما واللتان قامتا"، و"رأيت اللذين قاما واللتين قامتا"، و"مررت باللذين قاما واللتين قامتا"، وتثنيتهما بحذف الياء على غير القياس، "وكان القياس في تثنيتهما و" في "تثنية: ذا، و: تا" السابقين في بحث الإشارة "أن يقال" في تثنية "الذي": "اللذيان" بإثبات الياء مخففة، "و" في تثنية "التي": "اللتيان" بإثبات الياء مخففة، "و" في تثنية "ذا" "ذيان" بقلب الألف ياء، "و" في تثنية "تا": "تيان" بقلب الألف ياء "كما يقال" في تثنية "القاضي" من المعرب المنقوص: "القاضيان؛ بإثبات الياء، و" كما يقال في تثنية "فتى" من المعرب المقصور: "فتيان؛ بقلب الألف ياء، ولكنهم فرقوا بين تثنية المبني" كالذي وذا، "و" تثنية "المعرب" كالقاضي وفتى، "فحذفوا" الحرف "الآخر" وهو الياء من "الذي والتي"، والألف من "ذا وتا"، وأثبتوه في القاضي وفتى، ففرقوا بين المعرب والمبني في التثنية، "كما فرقوا" بينهما "في التصغير، إذ قالوا" في تصغير "الذي والتي وذا وتا": "اللَّذَيَّا واللَّتَيَّا وذَيَّا وتَيَّا، فأبقوا" الحرف "الأول" هو اللام الأولى من "اللذيا واللتيا"، والذال من "ذيا"، والتاء من "تيا"، "على فتحة" الذي كان قبل التصغير، "وزادوا ألفا في الآخر" في الألفاظ الأربعة "عوضا عن(1/150)
ضمة التصغير" التي تكون في أول المصغر ومن العرب من يقول "اللُّذَيَّا واللُّّتَيَّا" بضم اللام، فيجمع في التصغير بين الضمة الألف، وما ذكره الموضح هنا تبعا للنظم من أن "اللذان واللتان" تثنية: "الذي والتي" مخالف لقول الناظم في شرح التسهيل1: إن العرب استغنت بتثنية "اللَّذ" دون الياء، و"اللَّت" كذلك عن تثنية "الذي والتي" بالياء، فإن العرب لم تثنهما. ا. هـ.
وعلى تقدير تسليم ما هنا، فلا يختص حذف الآخر بتثنية المبني، بل قد يحذف الآخر في تثنية المعرب، نحو: "عاشوران وخنفسان" تثنية: "عاشوراء وخنفساء"، حكاه الفراء عن العرب، وحيث ثُنِّي الموصول واسم الإشارة فجمهور العرب يخفف النون فيهما، "وتميم وقيس تشدد النون فيهما تعويضا من المحذوف" منهما وهو الياء في "الذي والتي" والألف في "ذا" و"تا", "أو تأكيدا للفرق" بين تثنية المبني والمعرب الحاصل بحذف الياء والألف، وإلى التشديد والتعويض أشار الناظم بقوله:
89- ................................ والنون إن تشدد فلا ملامه
90- والنون من ذين وتين شددا..... أيضا وتعويض بذاك قصدا
"ولا يختص ذلك" التشديد "بحالة الرفع" عند الكوفيين، بل يكون فيها وفي حالتي الجر والنصب، "خلافا للبصريين" في زعمهم أن التشديد مختص بحالة الرفع2؛ "لأنه قد قرئ في السبع: "رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِّ"3 [فصلت: 29]، "إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِّ"4 [القصص: 27]، بالتشديد" فيهما في حالتي النصب في "اللذين" والجر في "هاتين"، "كما قرئ" في حالة الرفع: ""وَالَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ"5 [النساء: 16]، "فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ"6" [القصص: 32] بالتشديد فيهما، فتجويز إحداهما ومنع الأخرى تحكم، "وبلحارث بن كعب" أجمعون
"وبعض ربيعة يحذفون نون اللذان واللتان" في حالة الرفع، تقصيرا للموصول لطوله بالصلة،
لكونهما كالشيء الواحد، "قال" الفرزدق: [من الكامل]
__________
1 شرح التسهيل 1/ 204.
2 الإنصاف 2/ 669، المسألة رقم 95: الحروف التي وضع عليها الاسم في "ذا" و"الذي".
3 هي قراءة ابن كثير. انظر الإتحاف ص381، والنشر 2/ 248.
4 هي قراءة ابن كثير. انظر الإتحاف ص342، والنشر 1/ 312.
5 هي قراءة ابن كثير. انظر الإتحاف ص187، والنشر 2/ 248.
6 هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ورويس. انظر الإتحاف ص342، والنشر 2/ 341.(1/151)
94- "أبني كليب إن عمّيّ اللّذا".... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا
أراد: "اللذان" فحذف النون، وهو مرفوع على الخبرية؛ لأن "بني": منادى بالهمزة، و"كليب" بالتصغير: أبو قبيلة، وهو كليب بن يربوع، و"عمّيّ" بالتثنية: هما هذيل بن هبيرة الثعلبي، وهذيل بن عمران الأصغر، كان أخاه لأمه، و"الأغلال": جمع غل؛ وهو حديد يجعل في العنق من الأسارى وغيرهم. وأراد الفرزدق بذلك الافتخار على جرير، فإنه من بني كليب بأن عميه قتلا الملوك وخلصا الأسارى من أغلالهم، "وقال" الأخطل: [من الرجز]
95- "هما اللتا لو ولدت تميم"..... لقيل فخر لهم صميم
أراد: "اللتان" فحذف النون، وهو مرفوع على الخبرية للمبتدأ وهو "هما"، و"تميم": قبيلة، و"صميم": بمعنى خالص. والمعنى: هنا المرأتان اللتان لو ولدتهما تميم لقيل فخر لهم خالص. ولقب هذا الشاعر بالأخطل لكبر أذنه، واسمه غياث بن غوث الثعلبي وكان نصرانيا.
وجاز حذف النون في "اللذان واللتان" لعدم الإلباس، "ولا يجوز ذلك" الحذف "في" نون "ذان، وتان، للإلباس" بالمفرد، ولعدم الطول.
"وتلخص أن في نون الموصول ثلاث لغات": الإثبات والحذف والتشديد، "وفي نون الإشارة لغتان": الإثبات والتشديد، "ولجمع المذكر العاقل كثيرا أو لغيره" أي: لغير العاقل "قليلا: الألى" على وزن العلى، ويكتب بغير واو. قاله الموضح في
__________
94- البيت للأخطل في ديوانه ص387، والأزهية ص296، والاشتقاق ص338، وأمالي ابن الشجري 2/ 306، وخزانة الأدب 3/ 185، 6/ 6، والدرر 1/ 59، وسر صناعة الإعراب 2/ 536، وسمط اللآلي 1/ 35، وشرح المفصل 3/ 154، والكتاب 1/ 186، ولسان العرب 2/ 349 "فلج"، 14/ 233 "حظا"، 15/ 245 "لذي"، والمقتضب 4/ 146، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 362، وأوضح المسالك 1/ 140، وخزانة الأدب 8/ 210، ورصف المباني ص341، 406، وشرح التسهيل 1/ 192، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص79، وما ينصرف وما لا ينصرف ص84، والمحتسب 1/ 185، والمسائل العسكريات ص218، ومعاني الأخفش ص256، والمنصف 1/ 67، وهمع الهوامع 1/ 49.
95- الرجز للأخطل في خزانة الأدب 6/ 14، والدرر 1/ 60، والمقاصد النحوية 1/ 425، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الأزهية ص303، وأمالي ابن الشجري ص308، وأوضح المسالك 1/ 141، وهمع الهوامع 1/ 49.(1/152)
شرح اللمحة "مقصورا" على الأشهر كقوله: [من الطويل]
96- رأيت بني عمي الألى يخذلونني..... على حدثان الدهر إذ يتقلب
"وقد يمد" كقوله: [من الطويل]
97- أبى الله للشم الألاء كأنهم .....سيوف أجاد القين يوما صقالها
وهو في هذين البيتين للعاقل. ومن وقوعها لغير العاقل قوله: [من الطويل]
98- تهيجني للوصل أيامنا الألى..... مررن علينا والزمان وريق
"والذين: بالياء مطلقا" في الأحوال الثلاثة، وهي مبنية، وإن كان الجمع من خصائص الأسماء؛ لأن "الذين" مخصوص بـ"أولي العلم"، و"الذي" عام، فلم يجر على سنن الجموع المتمكنة، بخلاف المثنى فإنه جار على سنن المثناة المتمكنة لفظا ومعنى، "وقد يقال": جاء اللذون "بالواو رفعا"، ورأيت الذين ومررت بالذين بالياء جرا ونصبا، وهي حينئذ معربة؛ لأن شبه الحرف عارضه الجمع، وهو من خصائص الأسماء "وهي لغة هذيل أو عقيل" بالتصغير فيهما، و"أو" للشك، قال شاعرهم: [من الرجز]
99- "نحن اللذون صبحوا الصباحا"..... يوم النخيل غارة ملحاحا
فـ"نحن": مبتدأ، و"اللذون": خبره، و"النخيل": تصغير نخل؛ بالنون والخاء المعجمة؛ موضع بالشام، و"غارة": مفعول لأجله؛ وهو اسم مصدر إغار، والقياس
__________
96- البيت لعمرو بن أسد الفقعسي في الحماسة البصرية 1/ 75، ولبعض بني فقعس أو لمرة بن عداء الفقعسي في الدرر 1/ 147، ولبعض بني فقعس في خزانة الأدب 3/ 30، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص213، بلا نسبة في همع الهوامع 1/ 83.
97- البيت لكثير عزة في ديوانه ص87، وشرح التسهيل 1/ 195، والمقاصد النحوية 1/ 459، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 68، وشرح شذور الذهب ص122، وهمع الهوامع 1/ 83.
98- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص163، ولمضرس بن قرط المازني في أمالي القالي 2/ 258.
99- الرجز لرؤبة في محلق ديوانه ص172، ولليلى الأخيلية في ديوانها ص61، ولليلى أو لرؤبة أو لأبي حرب الأعلم في الدرر 1/ 92، 146، وشرح شواهد المغني 2/ 832، والمقاصد النحوية 1/ 426، ولأبي حرب الأعلم أو لليلى في خزانة الأدب 6/ 23، ولأبي الحرب بن الأعلم في نوادر أبي زيد ص47، وللعقيلي في مغني اللبيب 2/ 410، وبلا نسبة في الأزهية ص298، وأوضح المسالك 1/ 143، تخليص الشواهد ص135، وشرح ابن الناظم ص56، وشرح الأشموني 1/ 68، وشرح ابن عقيل 1/ 144، وهمع الهوامع 1/ 60، 83.(1/153)
إغارة، و"الملحاح" بكسر الميم؛ من ألح السحاب: دام مطره، "ولجمع المؤنث اللاتي واللائي" بإثبات الياء فيهما، "قد تحذف ياؤهما" اجتزاء بالكسرة، فيقال: اللات واللاء، وإلى هذه الثمانية أشار الناظم بقوله:
88- موصولة الأسماء الذي الأنثى التي..... واليا إذا ما ثنيا لا تثبت
89- بل ما تليه أوله العلامه ..............................
91- جمع الذي الألى الذين مطلقا..... وبعضهم بالواو رفعا نطقا
92- باللات واللاء التي قد جمعا ..................................
"وقد يتقارض الألى واللائي" فيقع كل منهما مكان الآخر "قال" مجنون ليلى قيس بن الملوح: [من الطويل]
100- "محا حبها حب الألى كن قبلها" وحلت مكانا لم يكن حل من قبل
فأوقع "الألى" مكان "اللائي" "أي: حب اللائي"، بدليل عود ضمير المؤنث عليها، "قال" رجل من بني سليم: [من الوافر]
101- "فما آباؤنا بأمن منه علينا..... اللاء قد مهدوا الحجورا"
فأوقع "اللاء" مكان "الألى" بدليل عود ضمير جمع الذكور عليها، و"الألى": بمعنى الذين، و"الذين" أشهر منها، فلذلك عدل الموضح فقال: "أي: الذين"، إذ لا فرق بينهما. والمعنى: ليس آباؤنا الذين أصلحوا شأننا وجعلوا حجورهم لنا كالمهد، بأكثر امتنانا علينا من هذا الممدوح. وإلى تقارضهما أشار الناظم بقوله:
92- .............................. واللاء كالذين نزرا وقعا
"و" الموصول "المشترك ستة: من"؛ بفتح الميم؛ "وما، وأي"؛ بفتح الهمزة وتشديد الياء؛ "وأل، وذو، وذا"، وذكرها الناظم على غير هذا الترتيب فقال:
93- ومن وما وأل تساوي ما ذكر وهكذا ذو ......................
95- ومثل ماذا ................. ..................................
99- أي كما ..................... ..................................
__________
100- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص170، والمقاصد النحوية 1/ 430، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 144، وشرح الأشموني 1/ 68.
101- البيت لرجل من بني سليم في تخليص الشواهد ص137، والدرر 1/ 148، والمقاصد النحوية 1/ 429، وبلا نسبة في الأزهية ص301، وأوضح المسالك 1/ 146، وشرح ابن الناظم ص56، وشرح الأشموني 1/ 69، وشرح ابن عقيل 1/ 145، وهمع الهوامع 1/ 83.(1/154)
ولكل منها كلام يخصها، "فأما "من" فإنها تكون" في أصل الوضع "للعالم" بكسر اللام، "نحو: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الوعد: 43]، و" تكون "لغيره"، أي: غير العالم؛ على سبيل التطفل "في ثلاث مسائل:
إحداها أن ينزل" ما وقعت عليه "مَن" مِن غير العالم "منزلته"، أي: منزلة العالم، "نحو" قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ "مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} [الأحقاف: 5]، وقوله، وهو العباس بن أحنف: [من الطويل]
102- أسرب القطا هل مَن يعير جناحه .....لعلي إلى من قد هويت أطير
فاوقع "من" على سرب القطا؛ وهو غير عاقل، "وقوله" وهو امرؤ القيس بن حجر الكندي: [من الطويل]
103- "ألا عم صباحا أيها الطلل البالي..... وهل يعمن من كان في العصر الخالي"
فأوقع "من" على الطلل وهو غير عاقل. وعم: فعل أمر معناه الدعاء، أصله أنعم، حذفت منه الألف والنون تخفيفا. وصباحا: منصوب على الظرفية، ومن عادة تحيات العرب في الصباح: عم صباحا، وفي المساء: عم مساء، فكأنهم قالوا: أنعم الله في صباحك ومسائك. ويَعِمَن: أصله يَنْعِمن، حذفت منه النون الأولى، والنون الساكنة في آخره للتوكيد. ومن: فاعل يَعِمْن. والعصر؛ بضمتين؛ بمعنى: العصر؛ بفتح العين وسكون الصاد: الزمان ويجمع في القلة على أعصر؛ وفي الكثرة على عصور، والخالي: نعته. "فدعاء الأصنام" في قوله تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} [الأحقاف: 5] "ونداء القطا" في قوله: [من الطويل]
أسرب القطا هل من يعير جناحه ...............................
__________
102- البيت للمجنون في ديوانه ص106، وللعباس بن الأحنف في ديوانه ص168، وتخليص الشواهد ص141، وللعباس أو للمجنون في الدرر 1/ 175، والمقاصد النحوية 1/ 431، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 147، وشرح ابن الناظم ص57، وشرح الأشموني 1/ 69، وشرح ابن عقيل 1/ 148.
103- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص27، وجمهرة اللغة ص1319، وخزانة الأدب 1/ 60، 328، 332، 2/ 371، 10/ 44، والدرر 2/ 264، وشرح شواهد المغني 1/ 340، والكتاب 4/ 39، وتاج العروس "طول"، وبلا نسبة في الاقتضاب ص560، وأوضح المسالك 1/ 148، وخزانة الأدب 7/ 105، وشرح الأشموني 1/ 69، 2/ 292، وشرح شواهد المغني 1/ 485، ومغني اللبيب 1/ 169، وهمع الهوامع 2/ 83، والحيوان 1/ 328.(1/155)
"و" نداء "الطلل" في قوله:
............... أيها الطلل البالي ...............................
"سوغ ذلك"، وهو وقوع "من" على الأصنام لما كانت عندهم مدعوة، وعلى السرب والطلل لما كانا مناديين، ولا يدعى إلا العاقل.
المسألة "الثانية" من وقوع "من" على غير العالم "أن يجتمع" غير العاقل "مع العاقل فيما وقعت عليه من" الموصولة، "نحو: {كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل: 17] فإنه عام في العاقل وغيره، "لشموله الآدميين والملائكة والأصنام"، فإن الجميع لا يخلقون شيئا، "ونحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18] فإنه يشمل الملائكة والشمس والقمر والنجوم وغيرها "{وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}" [الحج: 18] فإنه الأدميين والجبال والشجر والدواب وغيرها، وأفرد الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب بالذكر في الآية لشهرتها؛ واستبعاد السجود منها، "ونحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} [النور: 45] فإنه يشمل الآدمي والطائر"، ولا فرق في هذه المسألة بين أن يكون العاقل أكثر من غيره كالمثال الأول، أو أقل منه كالمثال الثاني، أو مساويا له كالمثال الثالث، ولذلك أعاد لفظه نحو في الأمثلة الثلاثة.
المسألة "الثالثة" من وقوع "من" على غير العالم "أن يقترن" غير العاقل "به" أي: بالعاقل "في عموم فُصّل بـ: من" الموصولة "نحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} و{مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: 45] لاقترانها بالعاقل في" عموم "كل دابة" من قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: 45]، فأوقع "من" على غير العاقل لما اختلط بالعاقل، ولكن الاختلاط فيها على ضربين:
اختلاط فيما وقعت عليه "من" وهو من يمشي على رجلين، فإنه يشمل الآدمي والطائر كما تقدم.
واختلاط في عموم فصل بـ"من" وهو من يمشي على بطنه، ومن يمشي على أربع، فإنهما اختلط بالعاقل في عموم كل دابة؛ لأن الدابة لغة: اسم لما يدب على الأرض عاقلا كان أو غيره، بدليل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 55] {إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} [سبأ: 14]، ويحتمل عندي أن تكون "من" فيهن نكرة موصوفة بالجملة بعدها، والتقدير: فمنهم نوع يمشي على بطنه، ومنهم نوع يمشي على(1/156)
رجليه، ومنهم نوع يمشي على أربع، على حد: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] قال الموضح في شرح الشذور1: ويجوز في "من" أن تكون نكرة موصوفة بالجملة بعدها، والتقدير: ومن الناس ناس يعبدون الله. ا. هـ.
"وأما ما" الموصولة "فإنها" في أصل وضعها "لما يعقل وحده نحو: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} [النحل: 96] أي: الذي عندكم ينفد، "و" قد تكون "له" أي: لما لا يعقل "مع العاقل نحو: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الحشر: 1] فإنه يشمل العاقل وغيره، "و" تكون "لأنواع من يعقل". هذه عبارة ابن عصفور، وعبارة ابن مالك تبعا للفارسي: ولصفات من يعقل، ومثالها عند ابن عصفور وابن مالك "نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] كلا التعبيرين متكلم فيه، أما الأول فرده ابن الحاج بأن النوع لا يعقل، فهذا مستغنى عنه بقوله: "لما لا يعقل"، وأما الثاني فلأنه لا يصح أن يقال: أنكحوا الطيب أو الطيبة؛ لأن النكاح إنما هو للذوات لا للصفات، نقله الموضح في الحواشي.
وتكون ما "للمبهم أمره" من الأشخاص "كقولك وقد رأيت شبحا" بفتح الموحدة وبالحاء المهملة، لا تدري أبشر هو أم مُدَّر: "انظر إلى ما ظهر"، كذا لو علمت إنسانيته، ولم تدر أذكر هو أم أنثى، قاله ابن مالك في شرح التسهيل2 أخذا من قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} [آل عمران: 35] وللبحث فيه مجال.
"والأربعة الباقية" من الستة تكون "للعاقل وغيره" وفيها تفصيل:
"فأما: أي" بفتح الهمزة وتشديد الياء "فخالف في موصوليتها ثعلب" أبو العباس أحمد بن يحيى محتجا بأنه لم يسمع: أيهم هو فاضل جاءني، بتقدير: الذي هو فاضل جاءني، "ويرده قوله" وهو غسان: [من المتقارب]
104- إذا ما لقيت بني مالك ".....فسلم على أيهم أفضل"
__________
1 لم أجد هذا القول في شرح شذور الذهب.
2 شرح التسهيل 1/ 197.
104- البيت لغسان بن وعلة في الدرر 1/ 155، والمقاصد النحوية 1/ 436، وله أو لرجل من غسان في شرح شواهد المغني 1/ 236، ولغسان في الإنصاف 2/ 715، ولغسان أو لرجل من غسان في خزانة الأدب 6/ 61 وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 150، وتخليص الشواهد 158، وجواهر الأدب 210، ورصف المباني 197، وشرح الأشموني 1/ 77، وشرح ابن عقيل 1/ 162، وشرح ابن الناظم ص65، وشرح المفصل 3/ 147، 4/ 21، 7/ 87، ولسان العرب 14/ 59 "أيا"، ومغني اللبيب 1/ 78، وهمع الهوامع 1/ 84.(1/157)
وجه الرد منه أن "أيهم" مبنية على الضم، وغير الموصولة لا تبنى ولا يصلح هنا، وإذا انتفى غير الموصولة تعينت الموصولة وهو المدعى، وهي الملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا إلى معرفة، "ولا تضاف لنكرة لتكون خلافا لابن عصفور" وابن الضائع، بالضاد المعجمة والعين المهملة، فإنهما أجازا إضافتها إلى نكرة وجعلا من ذلك: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]، فـ"أي" عندهما موصولة، و"يعلم" بمعنى: يعرف، والتقدير: وسيعرف الذين ظلموا المنقلب الذي ينقلبونه، ومذهب الجمهور أن "أيا" هنا استفهامية منصوبة ينقلبون على أنها مفعول مطلق، و"يعلم" على بابه، وهو معلق عن العمل فيما بعده لأجل الاستفهام بـ"أي"، والتقدير: وسيعلم الذين ظلموا ينقلبون أي: انقلاب.
"و" أي الموصولة "لا يعمل فيها إلا" عامل "مستقبل متقدم" عليها "نحو: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ1 أَشَدُّ} [مريم: 69] خلافا للبصريين" في الاستقبال والتقديم2 قال في التسهيل: ولا يلزم استقبال عامله ولا تقديمه، خلافا للكوفيين3. وقال أبو حيان في شرح التسهيل: "وسأل الكسائي" في حلقة يونس: "لم لا يجوز: أعجبني أيهم قام"؟ فمنع من ذلك، فقيل له: لمه؟ فلم يلح له وجه المنع، "فقال: أي كذا خلقت" ا. هـ.
أي: كذا وضعت. قال ابن السراج موجها قول الكسائي بالمنع ما معناه إن "أيا" وضعت على العموم والإبهام، فإذا قلت: يعجبني أيهم يقوم، فكأنك قلت: يعجبني الشخص الذي يقع منه القيام كائنا من كان، ولو قلت: أعجبني أيهم قام لم يقع إلا على الشخص الذي قام؛ فأخرجها ذلك عما وضعت له من العموم، وإنما اشترط كون العامل فيها متقدما مع كونه مستقبلا لأجل الفرق بين الشرطية والاستفهامية، وبين الموصولة؛ لأن الشرطية والاستفهامية لا يعمل فيهما إلا متأخر، والمشهور عند الجمهور إفرادها وتذكيرها، "وقد تؤنث وتثنى وتجمع" عند بعضهم، فتقول: أية وأيان وأيتان وأيون وأيات، "و" على الحالين "هي معربة، فقيل مطلقا"، سواء أضيفت أم لم تضف، ذكر صدر
__________
1 الرسم المصحفي {أَيُّهُمْ} بالرفع، وقرأها بالنصب: هارون ومعاذ وطلحة والأعرج والأعمش. انظر البحر المحيط 6/ 209، ومغني اللبيب 1/ 77، والإنصاف 2/ 711، وشرح ابن عقيل 1/ 165، والكتاب 2/ 399.
2 الإنصاف 2/ 711.
3 الإنصاف 2/ 709, 710.(1/158)
صلتها أو حذف، وهو قول الخليل ويونس والأخفش والزجاج والكوفيين1، وإليه أشار الناظم بقوله:
100- وبعضهم أعرب مطلقا ...... .....................................
"وقال سيبويه: تبنى على الضم إذا أضيفت لفظا وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا2" وهو مراد الناظم بقوله:
99- ............... وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف
"نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69]، وقوله:
105- ............................... ....................... على أيهم أفضل"
بالبناء على الضم فيهما تشبيها بالغايات، إذ كان بناؤها بسبب حذف شيء. وخولف في ذلك، قال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين3، هذا أحدهما، فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت. ا.هـ.
وزعم المانعون أن "أيا" في الآية استفهامية، وأنها مبتدأ، و"أشد" خبره. ثم اختلفوا في مفعول ننزع. فقال الخليل: محذوف والتقدير: لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد4. وقال يونس: المفعول الجملة، وعلقت "ننزع" عن العمل فيها5. وقال الكسائي والأخفش: المفعول: "كل شيعة"، و"من" زائدة6. ورد الموضح ذلك في المغني7 بما يطول ذكره وبالبيت السابق.
"وقد تعرب حينئذ" أي: حين إذ أضيفت، وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا
__________
1 الإنصاف 2/ 711، والكتاب 2/ 399، وشرح الرضي 3/ 62.
2 هذا القول مستنتج من رأي سيبويه حيث قال في الكتاب 2/ 400: "وأرى قولهم: اضرب أيهم أفضل، على أنهم جعلوا هذه الضمة بمنزلة الفتحة في خمسة عشر، وبمنزلة الفتحة في الآن... وجاز إسقاط هو في أيهم تخفيفا". وانظر شرح الرضي 3/ 60.
105- تقدم تخريج البيت بتمامه برقم 104.
3 في حاشية يس 1/ 136: "لا وجه للتغليط مع دلالة ظواهر الشواهد لما قال سيبويه كما في الآية والبيت المشهورين". قلت: يقصد الآية: 69 من سورة مريم, والبيت الذي تقدم برقم 104، 105.
4 انظر قول الخليل في الإنصاف 1/ 711, 712، وشرح الرضي 3/ 62.
5 انظر قول يونس في شرح الرضي 3/ 63، والكتاب 2/ 400.
6 انظر قول الكسائي والأخفش في شرح الرضي 3/ 63.
7 مغني اللبيب 1/ 78.(1/159)
"كما رويت الآية" وهي: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69] "بالنصب"1 وهي قراءة هارون ومعاذ ويعقوب، "والبيت"؛ وهو: "على أيهم أفضل" "بالجر". قال سيبويه: وهي لغة جيدة2. وبذلك احتج من قال بإعرابها مطلقا.
"وأما "أل" فنحو: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}" [الحديد: 18] مما صلته اسم فاعل، "ونحو: {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}" [الطور: 65] مما صلته اسم مفعول.
وسكت عن الصفة المشبهة نحو: الحسن؛ لأن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف، على ما صححه في المغني. "وليست" "أل" الداخلة على اسم الفاعل والمفعول "موصولا حرفيا خلافا للمازني" في أحد قوليه "ومن وافقه". ويرده أنها لا تؤول بالمصدر، وأن الضمير يعود عليها في نحو قولهم: "قد أفلح المتقي ربه"، والضمير لا يعود إلا على الأسماء، وأجاب المازني عن الثاني بأن الضمير يعود على موصوف محذوف، ورد بأن الحذف الموصوف مظان لا يحذف في غيرها إلا لضرورة، وهذا ليس منها، "ولا حرف تعريف، خلافا لأبي الحسن" الأخفش، وهو ثاني قول المازني، وحجتهما أن العامل يتخطاها نحو: جاء الضارب، كما يتخطاها مع الجامد نحو: جاء الرجل، وهي مع الجامد معرفة اتفاقا، فتكون مع المشتق كذلك. ويجاب بالفرق بأنها مع المشتق داخلة على الفعل تقديرا؛ لأن المشتق في تقدير الفعل، فيعود عليها ضمير، و"أل" المعرفة لا يعود عليها ضمير، وإنما نقل الإعراب إلى ما بعدها لكونها على صورة الحرف، ويدل على كونها اسما أن الوصف يعمل معها بلا شرط، ولو كانت معرفة لكانت مبعدة من شبه الفعل، فلا يكون الوصف معها عاملا. وأجاب الأخفش بالتزامه، فذهب إلى أن اسم الفاعل لا يعمل مع "أل"3. "وأما "ذو" فخاصة بطيء"4، وذلك مستفاد من قول الناظم:
93- ................................. وهكذا ذو عند طيئ شهر
"والمشهور" عنهم بناؤها على سكون الواو، "وقد تعرب" بالحروف الثلاثة إعراب "ذو" بمعنى صاحب، وخص ابن الضائع ذلك بحالة الجر؛ لأنه المسموع، "كقوله"
__________
1 انظر البحر المحيط 6/ 209، والإنصاف 2/ 711، والكتاب 2/ 399.
2 أي: نصب "أيهم" في الآية السابقة. انظر الكتاب 2/ 399.
3 انظر هذه الأقوال في شرح الرضي 3/ 29-48: الإخبار بالذي أو بالألف واللام، وشرح التسهيل 3/ 200.
4 انظر شرح الرضي 3/ 22، وشرح ابن الناظم ص59.(1/160)
وهو منظور بن سحيم الفقعسي: [الطويل]
106- فإما كرام موسرون لقيتهم "فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا"
"فيمن رواه بالياء"، وهو أبو الفتح بن جني في كتابه المحتسب، وهو مشكل، فإن سبب البقاء قائم ولم يعارضه معارض، "والمشهور" عنهم "أيضا إفرادها" وإن وقعت على مثنى أو جمع "وتذكيرها" وإن وقعت على مؤنث "كقوله" وهو سنان بن الفحل الطائي: [من الوافر]
107- فإن الماء ماء أبي وجدي "وبئري ذو حفرت وذو طويت"
فأتى بـ"ذو" مفردة مذكرة، مع أنها واقعة على "البئر" وهو مؤنثة. ويحتمل أنه راعى معنى القليب1 وهو مذكر، والحفر: معروف. والطي: من طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة. "وقد تؤنث وتثنى وتجمع" عند بعض بني طيئ، فتقول في المذكر: "ذو قام"، وفي المؤنث: "ذات قامت"، وفي مثنى المذكر: "ذوا قاما"، وفي مثنى المؤنث: "ذواتا قامتا"، وفي جمع المذكر: "ذوو قاموا"، وفي جمع المؤنث: "ذوات قمن"، "حكاه ابن السراج" في الأصول عن جميع لغة طيئ على الإطلاق، وتبعه ابن عصفور في المقرب2. "ونازع في ثبوت ذلك" المحكي على الإطلاق "ابن مالك" في شرح التسهيل فقال: وأطلق ابن عصفور القول بتثنيتها وجمعها3. قال الشاطبي: والمردود عليه إنما هو الإطلاق في جميع لغة طيئ، وأما كون "ذو" تثنى وتجمع وتؤنث عند بعض طيء فهو ثابت. ا. هـ. قال الفراء في لغات القرآن: وربما قالوا: هذان ذوا تعرف، وهؤلاء ذوو تعرف، ويجعلون مكان "التي" ذات، ويرفعون التاء على كل حال، وفي تثنيتها: هاتان
__________
106- تقدم تخريج البيت برقم 23.
107- البيت لسنان بن الفحل في الإنصاف ص384، وخزانة الأدب 6/ 34، 35، والدرر 1/ 151، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص591، والمقاصد النحوية 1/ 436، وبلا نسبة في الأزهية 295، وأوضح المسالك 1/ 154، وتخليص الشواهد 143، وشرح ابن الناظم ص60، وشرح التسهيل 1/ 199، وشرح الرضي 3/ 22، وشرح قطر الندى ص102، وشرح الأشموني 1/ 72، وشرح المفصل 3/ 147، 8/ 45، ولسان العرب 15/ 460 "ذوا"، وهمع الهوامع 1/ 84.
1 القليب: البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوي. وقال شمر: القليب من أسماء البئر، وسميت قليبا؛ لأن حافرها قلب ترابها. معجم البلدان 4/ 386 "قليب".
2 المقرب 1/ 59.
3 شرح التسهيل 1/ 199.(1/161)
ذواتا تعرف، وفي جمعها: هؤلاء ذوات تعرف. ا. هـ. "و" ابن السراج وابن عصفور وابن مالك1 "كلهم حكى" عن بعض طيئ "ذات للمفردة، وذوات لجمعها مضمومتين"، على أنهما موصولان مستقلان مرادفان لـ"اللتي واللاتي"، قال في التسهيل: وقد ترادف "اللتي واللاتي" ذات وذوات مضمومتين مطلقا، وقال في النظم:
94- وكالتي أيضا لديهم ذات..... وموضع اللاتي أتى ذوات
"كقوله" وهو رجل من بني طيئ كما قال الفراء في لغات القرآن: سمعنا أعرابيا من طيئ يسأل ويقول: "بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به"2 فبنى "ذات" على الضم، ونقل حركة الهاء الأخيرة إلى ما قبلها، وحذف الألف فسكنت الهاء. وبالفضل: متعلق بمحذوف، أي: أسألكم بالفضل أو نحوه، والكرامة: بالخفض. معطوفة على الفضل، وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71] قاله الموضح في الحواشي. "وقوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
108- جمعتها من أينق موارق..... "ذوات ينهضن بغير سائق"
فبنى "ذوات" على الضم، والهاء في "جمعتها" للنوق المذكورة في بيت قبله، والأينق؛ بتقديم الياء المثناة تحت الساكنة على النون المضمومة: جمع ناقة، وأصل ناقة نوقة، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وتجمع في القلة على أنوق، قدمت الواو على النون فصار أونق، ثم قلبت الواو ياء أينق، ويجمع أينق على أيانق، والموارق: جمع مارقة، من مرق السهم، شبه النوق بالسهام في سرعة مشيها، وسائق: من السوق؛ بفتح السين.
و"حكي" في ذوات وذوات "إعرابهما" بالحركات "إعراب ذات وذوات بمعنى صاحبة وصاحبات"، حكى الأول أبو حيان في الارتشاف، وحكى الثاني أبو جعفر بن النحاس الحلبي، وإذا أعربا نونا لعدم الإضافة، فنقول: جاءني ذات قامت، ورأيت ذاتا قامت، ومررت بذات قامت، بالحركات الثلاث مع التنوين. وتقول: جاءني ذوات قمن،
__________
1 المقرب 1/ 59، وشرح التسهيل 1/ 199.
2 ورد هذا القول في شرح ابن الناظم ص60.
108- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص180، والدرر 1/ 151، وبلا نسبة في الأزهية ص295، وأوضح المسالك 1/ 156، وتخليص الشواهد ص144، وتهذيب اللغة 15/ 44، وتاج العروس "ذو"، وشرح ابن الناظم ص60، وهمع الهوامع 1/ 83.(1/162)
بالرفع والتنوين؛ ورأيت ذوات قُمْن، ومررت بذوات قُمْن، بالكسر مع التنوين جرا ونصبا، قاله الموضح في الحواشي.
"وأما "ذا" فشرط موصوليتها ثلاثة أمور:
أحدها: أن لا تكون للإشارة"؛ لأنها إذا كانت للإشارة تدخل على المفرد، "نحو: من ذا الذاهب وما ذا التواني"، والمفرد لا يصلح أن يكون صلة لغير "أل".
"و" الأمر "الثاني: أن لا تكون" ذا "ملغاة"، وإلغاؤها على وجهين، أحدهما حكمي، والآخر حقيقي، فالحكمي ما ذكره بقوله "وذلك" الإلغاء "بتقديرها مركبة مع "ما" في نحو: ماذا صنعت"، فيصيران اسما واحدا من أسماء الاستفهام في محل نصب على المفعولية المقدمة بـ"صنعت"، والتقدير: أي شيء صنعت "كما قدرها كذلك"، أي: مركبة مع "ما"، إلا أنهما في محل جر "من قال" لسائل عن شيء: "عما ذا تسأل"، والتقدير: عن أي شيء تسأل، "فأثبت الألف" من ما "لتوسطهما" في اسم الاستفهام بالتركيب، ولولا ذلك لحذفت الألف؛ لأن "ما" الاستفهامية إذا دخل عليها جار حذفت ألفها لتطرفها نحو: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] فرقا بين "ما" الاستفهامية والموصولة نحو قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [الإسراء: 43] وخصت الاستفهامية بحذف الألف للتطرف، وصينت الموصولة عن الحذف لتوسط الألف؛ لأن الصلة والموصول بمنزلة الاسم الواحد، والإلغاء الحقيقي ما ذكره بقوله: "ويجوز الإلغاء عند الكوفيين وابن مالك على وجه آخر، وهو تقديرها زائدة" بين "ما" ومدخولها، فكأنك قلت: ما صنعت؟ والبصريون لا يجيزون زيادة شيء من الأسماء، وسكنت عن إلغاء "ذا" مع "من" لمنع أبي البقاء وثعلب وغيرهما أن تكون "من وذا" مركبتين، وخصوا جواز ذلك بـ"ما وذا" لأن "ما" أكثر إبهاما، فحسن أن تجعل مع غيرها كشيء واحد ليكون ذلك أظهر لمعناها، ويجوز على قول الكوفيين بزيادة الأسماء كون "ذا" زائدة و"من" مفعولا في نحو: من ذا ضربت، وظاهر كلام جماعة أنه يجوز أن يكون "من وذا" مركبتين، قاله في المغني وهو ظاهر قول الناظم:
95- ومثل ماذا بعد ما استفهام..... أو من إذا لم تلغ في الكلام
"و" الأمر "الثالث أن يتقدمها استفهام بما باتفاق" من البصريين "أو بمن على الأصح" عندهم؛ لأن كلا منهما للاستفهام، وأجاب المانع بالفرق بأن "ما" تجانس "ذا" لما فيها من الإبهام، بخلاف "من"، فإنها لا إبهام فيها لاختصاصها بمن(1/163)
يعقل، فلا مجانسة بينهما، وكلا التعليلين ضعيف، أما الأول فلأن بقية أدوات الاستفهام كما في الإبهام، فلا خصوصية لإلحاق من دونها. وأما الثاني فلأن "ما" مختصة بما لا يعقل، كما أن "من" مختصة بمن يعقل، إلا أن يقال إن ما لا يعقل أوسع دائرة ممن يعقل، والمرجع في ذلك إلى السماع، وكلاهما مسموع، فالأول "كقول لبيد" ابن ربيعة العامري: [من الطويل]
109- "ألا تسألون المرء ماذا يحاول"..... أنحب فيقضي أم ضلال وباطل
أنشده سيبويه1. فـ"ما" مبتدأ و"ذا" اسم موصول خبر، وجملة "يحاول"، صلته والعائد محذوف، و"يحاول": يطلب، و"النحب" بفتح النون وسكون الحاء المهملة: أصله المدة والوقت، يقال: قضى فلان نحبه، إذا مات، والمراد به هنا النذر، والمعنى: ألا تسألان المرء ما الذي يطلبه ويحاوله باجتهاده في الدنيا، وأنذر أوجبه على نفسه، فهو يسعى في وفائه، أم هو في ضلال وباطل. "و" الثاني نحو "قوله" وهو أمية بن أبي عائد الهذلي، كما قال ابن مالك2، أو أمية بن الصلت، كما قال العيني3: [من المتقارب]
110- ألا إن قلبي لدى الظاعنينا..... حزين "فمن ذا يعزي الحزينا"
أنشده ابن مالك. فـ"من" مبتدأ، و"ذا" اسم موصول خبر، وجملة "يعزي الحزينا" صلته، و"الظاعنين" جمع ظاعن؛ من ظعن: إذا سار. "والكوفي لا يشترط" في موصولية "ذا" تقدم "من" ولا "ما" الاستفهاميتين، "واحتج بقوله" وهو يزيد بن مفرغ الحميري: [من الطويل]
__________
109- البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص254، والأزهية ص20، والجنى الداني ص239، وخزانة الأدب 2/ 252، 253، 6/ 145، 147، وديوان المعاني 1/ 119، وشرح أبيات سيبويه 2/ 40، وشرح شواهد المغني 1/ 150، 2/ 711، والكتاب 2/ 417، ولسان العرب 1/ 751 "نحب"، 11/ 187 "حول"، 15/ 459 "ذو"، والمعاني الكبير ص1201، ومغني اللبيب ص300، وتاج العروس 4/ 243 "نحب"، "ما"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 159، ورصف المباني ص188، وشرح ابن الناظم ص62، وشرح الأشموني 1/ 73، وشرح التسهيل 1/ 197، وشرح الرضي 3/ 65، وشرح المفصل 3/ 149، 150، 4/ 23، وكتاب اللامات ص64، ومجالس ثعلب ص530.
1 الكتاب 2/ 417.
2 شرح التسهيل 1/ 199.
3 المقاصد النحوية 1/ 441.
110- البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي في ديوانه ص63، وخزانة الأدب 2/ 436، وشرح التسهيل 1/ 199، ولأمية بن أبي الصلت في المقاصد النحوية 1/ 441، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 161.(1/164)
111- عَدَس ما لعباد عليك إمارة..... "أمنت وهذا تحملين طليق"
وتقرير الحجة منه أن "هذا" اسم موصول مبتدأ، ولم يتقدم عليه "ما" ولا "من"، وتحملين: صلته والعائد محذوف، وطليق: بمعنى مطلق خبر المبتدأ، "أي: والذي تحملينه طليق، وعندنا" معشر البصريين1 "أن "هذا" اسم إشارة" على أصله، لا موصول2؛ لأن "ها" التنبيه لا تدخل
على الموصولات وهو مبتدأ، "وطليق": خبره، وهي "جملة اسمية، وتحملين: حال" من فاعل طليق المستتر فيه متقدمة على عاملها، "أي: وهذا طليق محمول لك"، وعدس؛ بفتح العين والدال والسين المهملات: اسم صوت لزجر البغل، وعباد: هو ابن زياد بن أبي سفيان، وكان يزيد يكثر من هجوه، حتى كتبه على الحيطان، فلما ظفر به ألزمه محوه بأظفاره، ففسدت أنامله، ثم أطال سجنه، فكلموا فيه معاوية فأمر بإخراجه، فلما خرج قدمت بغلة فركبها فنفرت فقال3:
عدس ما لعباد عليك إمارة .........................
البيت. و"إمارة" بكسر الهمزة: أي: أمر.
ولا تختص "ذا" الإشارية بذلك عند الكوفيين، بل جميع أسماء الإشارة يجوز أن تستعمل عندهم موصولات4 نحو: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] قالوا5: إن "تلك" موصول و"بيمينك" صلة, أي: وما التي بيمينك, وعندنا أن "بيمينك" حال
__________
111- البيت ليزيد بن مفرغ في ديوانه ص170، وأدب الكاتب ص417، والاقتضاب 627، والأغاني 18/ 270، والحماسة البصرية 1/ 173، والإنصاف 2/ 717، وتخليص الشواهد ص150، وتذكرة النحاة ص20، وجمهرة اللغة ص645، وخزانة الأدب 6/ 41، 42، 48، والدرر 1/ 153، وشرح ابن الناظم ص61، ولسان العرب 6/ 47، "حدس"، 133، "عدس"، والمقاصد النحوية 1/ 442، 3/ 216، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص362، 447، وأوضح المسالك 1/ 162، وخزانة الأدب 4/ 333، 6/ 388، وشرح الأشموني 1/ 74، وشرح الرضي 3/ 23، 122، وشرح شذور الذهب ص147، وشرح قطر الندى ص106، وشرح المفصل 2/ 16، 4/ 23، واللسان 15/ 460 "ذوا"، والمحتسب 2/ 94، ومغني اللبيب 2/ 462، وهمع الهوامع 1/ 84. وتاج العروس "ذا".
1 الإنصاف 2/ 719.
2 يرى الكوفيون أن "هذا" بمنزلة "الذي" ويستعملونها موصولة. انظر الدرر 1/ 153، والإنصاف 2/ 719.
3 الأغاني 18/ 270.
4 الإنصاف 2/ 717، وشرح الرضي 3/ 23.
5 الإنصاف 2/ 717، والاقتضاب ص627.(1/165)
من المشار إليه1، ومن الموصولات عندهم الاسم المحلى بالألف واللام، نحو قوله: [من الطويل]
112- لعمرك لأنت الليث أكرم أهله..... وأقعد من أفنائه بالأصائل
كأنه قال لأنت الذي أكرم أهله، فأكرم: صلة الليث.
ومنها الاسم المضاف، نحو قوله: [من البسيط]
113- يا درا مية بالعلياء فالسند ...............................
فـ"بالعلياء": صلة لـ"دار مية".
ومنها النكرة الواقعة بعها جملة، نحو: هذا رجل ضربته، فـ"ضربته" عندهم صلة لـ"رجل"، ولم يثبت البصريون شيئا من ذلك، قال أبو حيان في النكت الحسان على غاية الإحسان.
__________
1 الإنصاف 2/ 721، كأنه قال: أي شيء هذه كائنة بيمينك، وهو رأي البصريين.
112- البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 142، وإصلاح المنطق ص320، والاقتضاب ص603، وخزانة الأدب 5/ 484، 485، 491، 497، والدرر 1/ 156، ولسان العرب 11/ 16 "أصل"، وتاج العروس "أصل"، وبلا نسبة في الأزمنة والأمكنة 2/ 259، وأساس البلاغة "فيء"، والإنصاف 2/ 723، وخزانة الأدب 6/ 166، ولسان العرب 1/ 124، "فيأ"، وهمع الهوامع 1/ 85.
113- عجز البيت: "أقوت وطال عليها سالف الأمد"
، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص14، وتهذيب اللغة 8/ 353، 12/ 266، 15/ 668، وبلا نسبة في شرح الرضي 4/ 387.(1/166)
فصل1
"فصل":
"وتفتقر كل الموصولات" الاسمية مختصة كانت أو مشتركة "إلى صلة" تتصل بها؛ لأنها نواقص لا يتم معناها إلا بصلة "متأخرة عنها" لزوما؛ لأن الصلة من كمال الموصول ومنزلة منزلة جزئه المتأخر، وكما لا تتقدم الصلة على الموصول؛ لا يتقدم معمولها عليه؛ لأنه جزؤها، وأما نحو: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] ففيه متعلق بمحذوف دل عليه صلة "أل" والتقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين. وتتميز الموصولات الاسمية عن الموصولات الحرفية بأن الاسمية لا بد لها من صلة "مشتملة على ضمير مطابق لها" في الإفراد والتذكير وفروعهما، بخلاف الحرفية فإن صلتها لا ضمير فيها، فسقط ما قيل إن قول الناظم:
96- وكلها يلزم بعده صله..... على ضمير لائق مشتمله
يعم الموصولات الاسمية والحرفية.
وهذا الضمير "يسمى العائد"؛ لعوده إلى الموصول، ثم الموصول إن طابق لفظه معناه؛ فلا إشكال في مطابقة العائد لفظا ومعنى، وإن خالف لفظه معناه بأن يكون مفرد اللفظ مذكرا؛ وأريد به غير ذلك نحو: "من وما"، ففي العائد وجهان: مراعاة اللفظ، وهو الأكثر نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] ومراعاة المعنى نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42] ما لم يحصل من مطابقة اللفظ لبس نحو: أعط من سألتك، ولا تقل: من سألك، أو قبح1 نحو: من هي حمراء أمك، فيجب مراعاة المعنى، ولم يعضد المعنى سابق، فيختار مراعاة المعنى كقوله: [من الطويل]
114- وإن من النسوان من هي روضة تهيج الرياض قبلها وتصوح
__________
1 وجه القبح أنه لو روعي اللفظ لزم الإخبار بمؤنث عن مذكر؛ فروعي المعنى بكسر كاف "أمك".
114- البيت لجران العود في ديوانه ص44، ولسان العرب 2/ 512 "صرقح"، والمقاصد النحوية 1/ 492.(1/167)
وقد يخلف الضمير في الربط الاسم الظاهر نحو: [من الطويل]
115- ........................ وأنت الذي في رحمة الله أطمع
الأصل في رحمته. و: [من الطويل]
116- سعاد التي أضناك حب سعادا ....................................
أي: حبها. "والصلة إما جملة" تامة، اسمية أو فعلية. " وشرطها أن تكون خبرية"، وهي المحتملة للتصديق والتكذيب في نفسها؛ من غير نظر إلى قائلها؛ لأن الموصول وضع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل نحو: جاء الرجل الذي قام أبوه. ومن شرط الجملة المنعوت بها أن تكون خبرية "معهودة" للمخاطب؛ لأنك إنما تأتي بالصلة لتعرف المخاطب الموصول المبهم بما كان يعرفه قبل ذكر الموصول من اتصافه بمضمون الصلة، "إلا في مقام التهويل والتفخيم" وهو التعظيم؛ "فيحسن إبهامها" لذلك، "فالمعهودة كجاء الذي قام أبوه" إذا كان بينك وبين مخاطبك عهد في شخص قام أبوه، "والمبهمة نحو: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ} أي: البحر {مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] أي: الذي غشيهم أمر عظيم، والمرجع في ذلك إلى الموصول، فإنه أريد به معهود فصلته معهودة نحو: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} [البقرة: 171]، وإن أريد به التعظيم أبهمت صلته نحو: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10].
"ولا يجوز" في الصلة "أن تكون" جملة "إنشائية"، وهي ما قارن لفظها معناها "كـ: بِعْتُكَه"، فلا تقل: جاء العبد الذي بعتكه، قاصدا إنشاء البيع، "ولا" جملة "طلبية", وهي ما تأخر وجود معناها عن وجود لفظها أمرا كانت أو نهيا، "كاضربه ولا تضربه" فلا تقل: جاء الذي اضربه، أو لا تضربه؛ لأن كلا من الإنشاء والطلب لا خارجي له، فضلا عن أن يكون معهودا، فلا يصلح لبيان الموصول، ومن ثم امتنع الوصل بالتعجبية، وإن كانت خبرية فلا يقال: جاء الذي ما أحسنه، لما في التعجب من الإبهام المنافي للبيان، فتكون مستثناة من الخبرية، كما أن جملة القسم مستثناة من
__________
115- صدر البيت: "فيا رب ليلى أنت في كل موطن"
، وهو لمجنون ليلى في الدرر 1/ 165، وشرح شواهد المغني 2/ 559، والمقاصد النحوية 1/ 497، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 67، ومغني اللبيب 1/ 210، وهمع الهوامع 1/ 87.
116- عجز البيت: "وإعراضها عنك استمر وزادا"
، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 67، وشرح شذور الذهب ص142.(1/168)
الإنشائية، فيجوز الوصل بها نحو: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72] وقيل لا استثناء فيهما، أما التعجبية فلأنها إنشائية نظرا إلى حالة الاستعمال، وأما القسمية فلأن الوصل إنما هو بجملة الجواب وهو خبري، وجملة القسم إنما جيء بها لمجرد التأكيد.
ولا يجوز الوصل بجملة مستدعية كلاما قبلها، فلا يقال: جاء الذي لكنه قائم، أو: حتى أبوه قائم؛ لأن فيه استعمال "لكن" من غير تقدم مستدرك، واستعمال "حتى" من غير تقدم مغيا، وأجاز الكسائي الوصل بالأمر والنهي، والمازني بالدعاء بما لفظه الخبر نحو: جاء الذي يغفر الله له، وصاحب الإفصاح: بـ"نعم وبئس، وهشام: بـ"ليت ولعل وعسى"، هذا حكم الجملة.
"وأما شبهها" في حصول الفائدة "فهو ثلاثة":
الأول والثاني "الظرف المكاني والجار والمجرور التامان"، والمراد بالتام فيهما ما يفهم بمجرد ذكره ما يتعلق هو به، "نحو": جاء "الذي عندك، و" جاء الذي في الدار، وتعلقهما بـ"استقر" "محذوفا" وجوبا، وبذلك أشبها الجملة، بخلاف الناقصين، نحو: جاء الذي مكانا والذي بك، إذ لا يتم معناهما إلا بذكر متعلق خاص جائز الذكر، نحو: جاء الذي سكن مكانا والذي مر بك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
97- وجملة أو شبهها الذي وصل به ..............................
"و" الثالث: "الصفة الصريحة، أي: الخالصة للوصفية"، وهي التي لم يغلب عليها الاسمية؛ لأن فيها معنى الفعل، ولذلك عملت عمله، وصح عطف الفعل عليها، وعطفها عليه نحو: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} [الحديد: 18]، ونحو: [من الرجز]
117- أم صبي قد حبا أو دارج
وبذلك أشبهت الجملة.
"وتختص الصريحة "بالألف واللام"، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
98- وصفة صريحة صلة أل .............................
__________
117- الرجز لجندب بن عمرو في خزانة الأدب 4/ 238، وبلا نسبة في لسان العرب 2/ 266 "درج"، وأوضح المسالك 3/ 394، وسر صناعة الإعراب 2/ 641، وشرح ابن الناظم ص391، وشرح الأشموني 2/ 433، والمقاصد النحوية 4/ 173، وتهذيب اللغة 10/ 643، وتاج العروس 5/ 553 "درج"، وكتاب العين 3/ 76.(1/169)
"كضارب ومضروب" اتفاقا. "وحسن" على قول ابن مالك ونصه1: وعنيت بالصفة المحضة أسماء الفاعلين، واسم المفعول، والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين، ا.هـ. وصحح الموضح في المغني أن "أل" الداخلة على الصفة المشبهة حرف تعريف، "بخلاف ما غلبت عليها الاسمية" من الصفات "كأبطح": مذكر بطحاء، فإنه في الأصل وصف لكل مكان منبطح من الوادي، ثم غلب على الأرض المتسعة، "وأجرع": مذكر جرعاء، فإنه في الأصل وصف لكل مكان مستو، ثم غلب عليه الاسمية، فصار مختصا بالأرض المستوية ذات الرمل التي لا تنبت شيئا، "وصاحب": فإنه في الأصل وصف للفاعل ثم غلب على صاحب الملك، "وراكب": فإنه في الأصل وصف للفاعل، ثم غلب على راكب الإبل دون غيره، وعلى رأس الجبل. قال الشاطبي: الدليل على أن هذه الأسماء انسلخ منها الوصفية أنها لا تجري صفات على موصوف، ولا تعمل على الصفات، ولا تتحمل ضميرا، ا.هـ. فلا توصل بها "أل" لعدم شبهها بالفعل، "وقد توصل" أل "بمضارع" اختيارا، "كقوله" وهو الفرزدق خطابا لرجل من بني عذرة، هجاه بحضره عبد الملك بن مروان: [من البسيط]
118- "ما أنت بالحكم الترضى حكومته....." ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
فأدخل "أل" على "ترضى" وهو فعل مضارع مبني للمفعول، وحكومته: نائب فاعل به، "ولا يختص" ذلك "عند ابن مالك بالضرورة"، بل أشار إلى قلته بقوله في النظم:
98- ................................ وكونها بمعرب الأفعال قل
وهو اختيار ثالث في المسألة، فإن بعض الكوفيين يجيزونه اختيارا، والجمهور يمنعونه ويخصونه بالضرورة، فالقول بالجواز على قلة قول ثالث، والمدرك مختلف، فابن مالك يرى أن الضرورة ما يضطر إليه الشاعر، ولم يجد عنه مخلصا، ولهذا قال2: لتمكنه من أن يقول المرضي. والجمهور يرون أن الضرورة ما جاء في الشعر، ولم يجئ في الكلام، سواء اضطر إليه الشاعر أم لا، فلم يتواردا على محل واحد. والحكم؛ بفتحتين: المحكم بين الخصمين للفصل بينهما، والأصيل: الحسيب، والجدل؛ بفتحتين: شدة الخصومة.
__________
1 شرح التسهيل 1/ 201.
118- تقدم تخريج البيت برقم "13".
2 شرح التسهيل 1/ 201، وانظر الدرر 1/ 157.(1/170)
فصل2
"فصل":
يجوز حذف الصلة إذا دل عليها دليل، أو قصد الإبهام، ولم تكن صلة "أل" كقوله: [من م. الكامل]
119- نحن الألى فاجمع جمو..... عك ثم وجههم إلينا
أي: نحن الألى عرفوا بالشجاعة.
والثاني كقولهم: بعد اللتيا والتي؛ أي: بعد الخطة التي من فظاعة شأنها كَيْت وكَيْت. وإنما حذفوا ليوهموا أنها بلغت من الشدة مبلغا تقاصرت العبارة عن كنهه.
"ويجوز حذف العائد المرفوع" بشرطين، "إذا كان مبتدأ" غير منسوخ، وكان مخبرا عنه بمفرده، فلا يحذف في "نحو جاء اللذان قاما أو ضربا" بالبناء للمفعول، أو كانا قائمين "لأنه غير مبتدأ"، فإنه في الأول فاعل، وفي الثاني نائب عن فاعل، وفي الثالث منسوخ، فهو فاعل مجازا، والفاعل ونائبه لا يحذفان، "ولا" يحذف "في نحو: جاء الذي هو يقوم، أو: هو في الدار؛ لأن الخبر غير مفرد"، لأنه في الأول جملة فعلية، وفي الثاني جار ومجرور، "فإذا حذف الضمير" المنفصل المفيد للاختصاص "لم يدل دليل على حذفه، إذ الباقي بعد الحذف" للضمير جملة أو شببها، وكل منهما "صالح لأن يكون صلة كاملة"، لاشتماله على ضمير مستتر في الفعل وفي الجار والمجرور، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
101- ............................. ................... وأبوا أن يختزل
102- إن صلح الباقي لوصل مكمل .....................................
__________
119- البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه 142، وخزانة الأدب 2/ 289، والدرر 1/ 173، وشرح شواهد المغني 1/ 258، ولسان العرب 15/ 437، "أولى وأولاء"، والمقاصد النحوية 1/ 490، وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 542، وشرح الأشموني 1/ 74، 82، ومغني اللبيب 1/ 86، وهمع الهوامع 1/ 89.(1/171)
"بخلاف الخبر المفرد"، فإنه لا يصلح للوصل على حدته، ولا فرق في ذلك بين صلة "أي" وغيرها، فـ"أي" "نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ}" [مريم: 69]، فأشد: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أشد، وذلك المبتدأ هو العائد، وخبره مفرد وهو أشد. "و" غير "أي" نحو: "{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ}" [الزخرف: 84]، فإله: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو إله، وذلك المبتدأ هو العائد؛ وخبره مفرد وهو إله، وفي السماء: متعلق بإله؛ لأنه بمعنى معبود. "أي: هو إله في السماء، أي: معبود فيها"، ولا يجوز تقدير إله مبتدأ مخبرا عنه بالظرف. أو فاعلا بالظرف؛ لأن الصلة حينئذ خالية من العائد، ولا يحسن تقدير الظرف صلة، وإله بدل من الضمير المستتر فيه، وتقدير: {وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] معطوفا كذلك، لتضمنه الإبدال من ضمير العائد مرتين، وفيه بعد، حتى قيل بامتناعه، قال في المغني.
"ولا يكثر الحذف" للضمير المرفوع "في صلة غير أي" عند البصريين، "إلا إن طالت الصلة"، إما بمعمول الخبر أو بغيره، سواء تقدم المعمول على الخبر نحو: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، أو تأخر نحو قولهم: "ما أنا بالذي قائل لك سوءا" حكاه الخليل1.
ويستثنى من اشتراط الطول: "لا سيما زيد" فإنهم جوزوا في "زيد" إذا رفع أن تكون "ما" موصولة، و"زيد" خبر مبتدأ محذوف وجوبا، والتقدير: لا سي الذي هو زيد، فحذف العائد وجوبا2، ولم تطل الصلة، وهو مقيس وليس بشاذ3، وذلك لأنهم نزلوا "لا سيما" منزلة "إلا" استثنائية، فناسب أن لا يصرح بعدها بجملة، فإن قلت: "لا سيما زيد الصالح" فلا استثناء لطول الصلة بالنعت، كقوله: [من الطويل]
120- ..................... ولا سيما يوم بدارة جلجل
فيمن رفع "يوم" والتقدير: ولا سي الذي هو يوم، وحسن حذف العائد طول الصلة بصفة
__________
1 ورد هذا القول في الكتاب 2/ 108، 404، وشرح ابن عقيل 1/ 165، وشرح ابن الناظم ص65.
2 هو قولك: "هو" من قوله: "لا سيما الذي هو زيد".
3 كذا قال ابن عقيل في شرحه 1/ 166.
120- صدر البيت: "ألا رب يوم لك منهن صالح"
، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص10، والجنى الداني ص334، 443، وخزانة الأدب 3/ 444، 451، والدرر 1/ 504، وشرح شواهد المغني 1/ 412، 2/ 558، وشرح المفصل 2/ 86، والصاحبي في فقه اللغة ص155، واللسان 14/ 411 "سوا"، وتاج العروس "سوى"، وبلا نسبة في رصف المباني ص193، وشرح الأشموني 1/ 241، وشرح الرضي 2/ 135، ومغني اللبيب 1/ 140، 313، 421، وهمع الهوامع 1/ 234.(1/172)
"يوم"، وهو: "بدارة" قاله الموضح في المغني1، وإلى اشتراط الطول أشار الناظم بقوله:
100- ....................... وفي ذا الحذف أيا غير أي يقتفي
101- إن يستطل وصل ........... ....................................
"وشذت قراءة بعضهم" وهو يحيى وابن يعمر بن أبي إسحاق "تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ" [الأنعام: 154] بالرفع2، وشذت قراءة ابن أبي عبلة والضحاك ورؤبة بن العجاج: "مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ" [البقرة: 26] برفع بعوضة3، أي: الذي هو أحسن، والذي هو بعوضة، "و" شذ "قوله": [من البسيط]
121- "من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه" ولا يحد عن سبيل الحلم والكرم
أي: بما هو سفه، و"يعن"؛ بالبناء للمفعول؛ من قولهم: عنيت بحاجتك أعني بها بضم أولهما، و"يحد" بفتح الياء المثناة تحت وكسر الحاء المهملة، بمعنى يعدل، والمعنى: من يعتن بحصول الحمد ويرغب في حمد الناس له فلا يتكلم بالكلام الفاحش الذي هو سفه؛ ولا يعدل عن طريق الحلم والكرم.
"والكوفيون" لا يشترطون في حذف العائد المرفوع استطالة الصلة4، و"يقيسون على ذلك" المسموع من الآية والبيت ونحوهما، وتبعهم الناظم إلا أنه جعله قليلا فقال:
101- ...................... وإن لم يستطل فالحذف نزر ..............................
"ويجوز حذف" العائد "المنصوب إن كان متصلا، وناصبه فعل أو وصف غير صلة الألف واللام".
__________
1 مغني اللبيب 1/ 313.
2 الرسم المصحفي: "أحسن" بالنصب، وقرأها بالرفع الحسن والأعمش ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق. انظر الإتحاف 220، ومعاني القرآن للفراء 1/ 365، والكتاب لسيبويه 2/ 108، وشرح ابن الناظم ص66، وشرح المفصل 2/ 85، وأوضح المسالك 1/ 168، والأمالي الشجرية 2/ 235، وشرح ابن عقيل 1/ 165.
3 الرسم المصحفي: {بَعُوضَةً} بالنصب، وانظر القراءة المستشهد بها في البحر المحيط 1/ 123، والمحتسب 1/ 64.
121- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 168، وتخليص الشواهد ص160، والدرر 1/ 175، وشرح ابن الناظم ص66، وشرح الأشموني 1/ 78، وشرح التسهيل 1/ 208، والمقاصد النحوية 1/ 446، وهمع الهوامع 1/ 90.
4 شرح التسهيل 1/ 207، وهمع الهوامع 1/ 90.(1/173)
فالفعل "نحو: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] أي: يسرونه ويعلنونه، ولا يتعين في "ما" هذه أن تكون موصولا اسميا، لجواز أن تكون موصولا حرفيا، والتقدير: يعلم سركم وعلانيتكم، بدليل أنه قد جاء مصرحا به في مكان آخر هو: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [الأنعام: 3] قيل: وشرط جواز حذف العائد المنصوب أن يكون متعينا للربط كما مثل، فلو كان غير متعين لم يجز حذفه نحو: "جاء الذي أكرمته في داره" فإن العائد أحدهما لا بعينه، قاله ابن عصفور وغيره، قال الموضح في الحواشي: وفيه نظر، فإنه متى كان العائد أحدهما لا بعينه لا يسمى منصوبا ولا مجرورا، ا. هـ. وشرط الفعل أن يكون تاما، فلا يحذف في نحو: "جاء الذي كأنه زيد" على الأصح.
"و" الوصف نحو "قوله": [من البسيط]
122- "ما الله موليك فضل فاحمدنه به"..... فما لدى غيره نفع ولا ضرر
فـ"ما": موصول اسمي في موضع رفع على الابتداء, و"فضل": خبره، و"الله موليك": صلة "ما" والعائد محذوف منصوب بالوصف، والتقدير: الذي الله موليكه فضل، "بخلاف: جاء الذي إياه أكرمت"؛ لأنه منفصل، وحذفه يوقع في إلباسه بالمتصل، ومفوت لما قصد به من التخصيص عند البيانيين، والاهتمام عند النحويين، وإنما حذف منفصلا من قوله سبحانه وتعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] والأصل: رزقناهم إياه؛ لأن تقديره متصلا يلزم منه اتصال الضميرين المتحدي الرتبة في ضميري الغيبة، وهو قليل، "و" بخلاف: جاء "الذي إنه فاضل أو كأنه أسد"؛ لأن اسم "إن" و"كأن" المشددتين لا يحذف إلا شذوذا، وأتى بمثالين أحدهما ما لا يغير معنى الجملة وهو إن، الثاني ما يغيرها وهو كأن، "أو" الذي "أنا الضاربه"؛ لأن الوصف صلة الألف واللام، واسمية "أل" خفية، والضمير إذا كان مذكورا يدل على اسميتها نصا، فإذا حذف فات هذا المعنى، وهم بصدد التنصيص على اسميتها، قاله قريب الموضح في حاشية هذا الكتاب، وهو سهو؛ لأن العائد المنصوب ليس عائدا على "أل" في هذا المثال؛ حتى يدل على اسميتها نصا، وإنما هو عائد على "الذي"، كما يفيده العطف بأو، والعائد إلى "أل" إنما هو الضمير المرفوع المستتر في الوصف والتحرير أن العائد المنصوب بالوصف المقرون بـ"أل" إن كان عائدا على غير "أل"
__________
122- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 169، وتخليص الشواهد ص161، وشرح الأشموني 1/ 79، وشرح ابن عقيل 1/ 169، والمقاصد النحوية 1/ 447.(1/174)
كالمثال المذكور جاز حذفه، وإن كان عائدا على "أل" نحو: "جاءني الضاربه زيد" امتنع حذفه لما تقدم من التعليل، "وشذ قوله": [من البسيط]
123- "ما المستفز الهوى محمود عاقبة" ولو أتيح له صفو بلا كدر
فحذف العائد إلى "أل" المنصوب بالوصف و"ما": نافية، والمستفز؛ بالسين المهملة والفاء والزاي؛ بمعنى: المستخف، اسم "ما" و"المحمود" خبرها إن كانت حجازية، وأتيح؛ بالبناء للمفعول بتاء مثناة فوق فياء مثناة تحت فحاء مهملة بمعنى قدر؛ والمعنى: ليس المستفز الهوى محمود عاقبة ولو قدر له صفو خالص من الكدر.
"وحذف منصوب الفعل كثير"؛ لأن الأصل في العمل للفعل، فكثر تصرفهم في معموله بالحذف، "و" حذف "منصوب الوصف قليل" جدا، بل قال الفارسي: لا يكاد يسمع من العرب، قال ابن السراج: أجازوه على قبح، وقال المبرد: رديء جدا، وعلى هذا فيشكل قول الناظم:
102- ............................. والحذف عندهم كثير منجلي
103- في عائد متصل إن انتصب.... بفعل أو وصف ..................
فسوى بين منصوب الفعل والوصف في كثرة الحذف، "ويجوز حذف" العائد "المجرور بالإضافة، إن كان المضاف" الجار للعائد "وصفا" ناصبا للعائد تقديرا بأن كان اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال "غير ماض"، خلافا للكسائي "نحو: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] والأصل: فاقض الذي أنت قاضيه، فحذف العائد على ما موصول اسمي. قال الموضح في الحواشي: و"ما" هذه تحتمل أن تكون مصدرية، أي: اقض قضاءك أو مدة قضائك، بدليل: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] ا.هـ. ولكنه حاول شرح قول الناظم:
104- كذاك حذف ما بوصف خفضا .....كأنت قاض بعد أمر من قضى
"بخلاف: جاء الذي قام أبوه" لأن المضاف الجار للعائد ليس بوصف، "أو": جاء الذي "أنا أمس ضاربه" لأن المضاف وصف ماض، وهو لا يعمل على الأصح، وبخلاف: جاء الذي أنا مضروبه؛ لأن الوصف اسم مفعول، وإنما لم يجز حذفه فيهن؛ لأنه ليس منصوبا تقديرا، "و" يجوز حذف العائد "المجرور بالحرف إن كان" في
__________
123- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 171، وتخليص الشواهد ص161، والدرر 1/ 173، وشرح الأشموني 1/ 79، وشرح التسهيل 1/ 207، والمقاصد النحوية 1/ 447، وهمع الهوامع 1/ 89.(1/175)
موضع نصب، وكان "الموصول أو" الاسم "الموصوف بالموصول مجرورا بمثل ذلك الحرف لفظا" ومعنى، "أو معنى" فقط، "و" اتفقا فيهما "متعلقا"، سواء اتفق المتعلقان لفظا ومعنى، أو معنى فقط، أم اختلفا نوعا واتحدا مادة؛ لأن الضمير عبارة عن الموصول أو الموصوف به، فلا بد أن يكون الجار لهما متحدا من جهة المعنى والمتعلق، فإذا حذف الجار والمجرور كان في الكلام ما يدل عليهما، وذلك معنى قول الناظم:
105- كذا الذي جر بما الموصول جر ......................................
"نحو: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33] فالموصول وهو "ما" مجرور بـ"من" التبعيضية، وهي متعلقة بـ"يشرب" قبلها، والعائد المحذوف مجرور بـ"من" التبعيضية وهي متعلقة بـ"تشربون" والتقدير: ويشرب من الذي يشربون منه فاتفق الحرفان لفظا أو معنى ومتعلقا، "و" نحو قوله، وهو كعب بن زهير:
[من البسيط]
124- "لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت" أبناء يعصر حين اضطرها القدر
فالموصوف بالموصول وهو الأمر مجرور بـ"إلى" المعدية، وهي متعلقة بـ"تركنن"، والعائد المحذوف مجرور بـ"إلى" المعدية، وهي متعلقة بـ"ركنت"، والتقدير: لا تركن إلى الأمر الذي ركنت إليه، فاتفق الحرفان لفظا ومعنى ومتعلقا، وأقيم الموصوف بالموصول مقام الموصول؛ لأنه نفسه في المعنى. ويعصر: بمهملات بوزن ينصر لا ينصرف؛ للعلمية ووزن الفعل؛ وهو أبو قبيلة من باهلة، وحكم المضاف للموصول كذلك، نحو: "مررت بغلام الذي مررت" أي: به. ومثال اتفافقهما معنى فقط: "حللت به في الذي حللت"، فيجوز حذف الضمير المجرور بالباء؛ لأنها بمعنى: في كذا، قالوا: وفيه نظر؛ لأنه لا يعلم نوع المحذوف. ومثال اختلاف المتعلقين لفظا واتحادهما معنى نحو: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] أي: به؛ لأن اصدع في معنى مر، على خلاف في هذه والتي قبلها. ومثال اختلاف المتعلقين نوعا واتحادهما مادة قوله: [من الطويل]
125- وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة فبح لان منها بالذي أنت بائح
__________
124- البيت لكعب بن زهير في المقاصد النحوية 1/ 449، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 174، وشرح الأشموني 1/ 81.
125- البيت لعنترة في ديوانه ص298، والمقاصد النحوية 1/ 478، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 56، 5/ 67، وتذكرة النحاة 31، والخصائص 3/ 35، وشرح الأشموني 1/ 81، وشرح التسهيل 1/ 206، وشرح ابن عقيل 1/ 174، ولسان العرب 13/ 42 "أين".(1/176)
أي: به، أنشده أبو الفتح1، "وشذ قوله" وهو حاتم بن عدي الطائي: [من الوافر]
126- ومن حسد يجوز علي قومي..... "وأي الدهر ذو لم يحسدوني"
فـ"أي" استفهامية مبتدأ، و"ذو": خبره وهي موصولة عند الطائيين واقعة على الدهر، وجملة "لم يحسدوني": صلتها والعائد محذوف، "أي: فيه"، والذي سهل حذفه كون مدلول الموصول زمانا، وقد عاد عليه الضمير المجرور بـ"في" كما تقول: أعجبني اليوم الذي جئت، تريد فيه، وجعله بعضهم منقاسا بخلاف غير الزمان، فإنه لا يتعين فيه الجار، وهذا ظاهر إن قلنا بأن الحذف ليس على التدريج، كما يقول به الإمام سيبويه. أما إذا قلنا إنه على التدريج كما يقول به الأخفش فلا يكون شاذا؛ لأنه لما حذف في أولا صار الضمير منصوبا على المفعول به توسعا، فكأنه قال: وأي الدهر ذو لم يحسدونيه، ثم حذفت الهاء. وحذف الضمير المنصوب بالفعل كثير كما تقدم, ويمكن أن يخرج عليه قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} [الشورى: 23] أي: به، فحذف الجار أولا والضمير ثانيا من نصب لا من جر. وذهب يونس وابن الزكي في البديع إلى أن الذي في الآية الشريفة موصول حرفي ولا حذف.
"و" شذا أيضا "قوله" وهو رجل من بني همدان: [من الطويل]
127- وإن لساني شهدة يشتفي بها ....."وهو على من صبه الله علقم"
أي: عليه. أنشده الفارسي. و"شهدة" بضم الشين المعجمة: العسل بشمعه، و"هو" بتشديد الواو المفتوحة على لغة فيها: مبتدأ و"علقم" خبره، و"على من" متعلق بـ"علقم"؛ لأنه بمعنى مر. و"العلقم": الحنظل، وجملة "صبه الله" صلة من المجرورة بـ"على" والعائد على "من" محذوف مجرور بـ"على"، وهي متعلقة بـ"صب"، والتقدير: وهو علقم على من صبه الله عليه، والمعنى: وإن لساني مثل العسل والشهد
__________
1 الخصائص 3/ 35.
126- البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص276، وتخليص الشواهد ص164، وشرح التسهيل 1/ 199، 206، والمقاصد النحوية 1/ 451، و بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 175، وشرح الأشموني 1/ 81.
127- البيت لرجل من همدان في المقاصد النحوية 1/ 451، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 273، وأوضح المسالك 1/ 177، وتخليص الشواهد ص165، والجنى الداني ص474، وخزانة الأدب 5/ 266، والدرر 1/ 97، 2/ 519، وشرح ابن الناظم ص68، وشرح الأشموني 1/ 81، وشرح التسهيل 1/ 144، وشرح شواهد المغني 2/ 842، وشرح المفصل 3/ 96، ولسان العرب 15/ 478 "ها"، ومغني اللبيب 2/ 434، وهمع الهوامع 1/ 61، 2/ 157.(1/177)
يشتفي به الناس، وإنه مثل الحنظل في المرارة على من سلطه الله عليه، "فحذف" حاتم الطائي "العائد" المجرور بـ"في" مع انتفاء خفض "الموصول"، وهو ذو "في" البيت "الأول"، وهو قوله: "ومن حسد" إلخ... "و" حذف الهمداني العائد المجرور بعلى "مع اختلاف المتعلق" في البيت "الثاني"، وهو قوله: "وإن لساني شهدة" إلى آخره.. "و" المتعلقان بفتح اللام "هما: صب وعلقم".
ويمتنع الحذف إذا كان العائد المجرور محصورا نحو: مررت بالذي ما مررت إلا به، إذ إنما مررت به، أو كان نائبا عن الفاعل نحو: مررت بالذي مر به، أو كان لا يتعين للربط نحو: مررت بالذي مررت به في داره، أو كان حذفه ملبسا نحو: رغبت فيما رغبت فيه؛ لأنه لا يعلم أن الأصل فيه أو عنه وقيل: يجوز لأن الحذف يدل على اتفاق الحرفين، ولو كانا متباينين لم يجر الحذف؛ لأنه مشروط فيه اتفاق الحرفين وهذا أوفق.(1/178)
باب المعرف بالأداة:
قال في التسهيل: "هي "أل" لا "اللام" وحدها وفاقا للخليل وسيبويه1، وليست الهمزة زائدة، خلافا لسيبويه" ا. هـ.
وقال الموضح في شرح القطر: والمشهور بين النحويين أن المعرف "أل" عند الخليل، و"اللام" وحدها عند سيبويه. ونقل ابن عصفور الأول عن ابن كيسان، والثاني عن بقية النحويين، ونقله بعضهم عن الأخفش. وزعم ابن مالك أنه لا خلاف بين سيبويه والخليل في أن المعرف "أل"، وقال: وإنما الخلاف بينهما في الهمزة؛ أزائدة هي أم أصلية، واستدل على ذلك بمواضع أوردها من كلام سيبويه. وتلخص في المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها: أن المعرف "أل" والألف أصل. والثاني: أن المعرف "أل"، والألف زائدة. والثالث: أن المعرف اللام وحدها2. ا. هـ.
وأسقط مذهبا رابعا وهو أن المعرف الهمزة وحدها، واللام زائدة للفرق بينها وبين همزة الاستفهام، وهو مذهب المبرد، ولكل منهم حجة تعضده.
فحجة الأول فتح الهمزة، وأنهم يقولون "الأحمر" بنقل حركة همزة أحمر إلى "اللام" قبلها، فيثبونها مع تحرك ما بعدها3، ويثبتونها في القسم والنداء4 والتذكر5،
__________
1 الكتاب 3/ 325، 4/ 147، وانظر شرح ابن الناظم ص69، وشرح ابن عقيل 1/ 177.
2 شرح قطر الندى ص112.
3 أي: ولو كانت الهمزة زائدة للتوصل للنطق بالساكن لم يثبتوها لعدم الحاجة إليها. قال ابن الناظم: المشهور من قراءة ورش أنه يبدأ بالهمزة في نحو: "الآخرة، الأولى"، وحاصله أن ورشا لا يسقط همزة الوصل في الابتداء فيما ذكره إلا شذوذا. انظر حاشية يس 1/ 149، وشرح ابن الناظم ص69.
4 أي: جوازا؛ بدليل ما قالوه في بابي النداء والقسم من أنه يجوز وصل ألف "الله" فيهما، وحذف ألفها في القسم. انظر حاشية يس 1/ 149.
5 هو أن يلحق المتكلم آخر كلامه مدة تشعر باسترساله في الكلام. حاشية يس 1/ 149.(1/179)
يقولون: "ألى" كما يقولون: "فدى" ويثبتونها مسهلة في نحو: {آلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام: 143].
وحجة الثاني سقوطها في الدرج، أما فتحها فلمخالفتها القياس بدخولها على الحرف، وأما ثبوتها مع الحركة عارضة فلا يعتد بها، وأما ثبوتها في القسم والنداء، نحو: ها الله لأفعلن، ويا ألله، فلأن "أل" صارت عوضا عن همزة إله، وأما قولهم في التذكر ألى، فلما كثرت مصاحبة الهمزة للام نزلا منزلة قد، وأما: "آلذكرين" فلالتباس الاستفهام بالخبر.
وحجة الثالث أنها ضد التنوين الدال على التنكير، وهي حرف واحد ساكن، فكانت كذلك تشبه أمثالها ولا تقوم بنفسها، وإنما خالفت التنوين ودخلت أولا؛ لأن الآخر يدخله الحذف كثير، فحصنت من الحذف بذلك، وإنما كانت لاما؛ لأن اللام تدغم في ثلاثة عشر حرفا، وإذا أظهرت جاز.
وحجة الرابع أنها جاءت لمعنى، وأولى الحروف بذلك حرف العلة، وحركت لتعذر الابتداء بالساكن، فصارت همزة كهمزة التكلم والاستفهام، وأن "اللام" تغير عن صورتها في لغة حمير، قال الزجاج في حواشيه على ديوان الأدب: حمير يقلبون "اللام" ميما إذا كانت مظهرة كالحديث المروي، إلا أن المحدثين أبدلوا في الصوم والسفر، وإنما الإبدال في البر فقط، وربما وقع في أشعارهم قلب اللام المدغمة كقوله: [من المنسرح]
128- .............................. ........................... وامسلمه
ا.هـ.
وأراد بالحديث المروي قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر"1. والناظم في النظم اقتصر على قولين فقال:
106- أل حرف تعريف أو اللام فقط ....................................
"وهي" على كل قول "قسمان: إما جنسية" وأنواعها ثلاثة، وجه الحصر فيها
__________
128- تمام البيت:
ذاك خليلي وذو يواصلني يرمي ورائي بامسهم وامسلمه
وهو لبجير بن غنمة في الدرر 1/ 137، وشرح شواهد الشافية ص451، 452، وشرح شواهد المغني 1/ 159، واللسان 12/ 297 "سلم"، 15/ 459 "ذو"، والمؤتلف والمختلف 59، والمقاصد النحوية 1/ 464، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص143، والجنى الداني 140، وشرح ابن الناظم ص59، وشرح الأشموني 1/ 72، وشرح عمدة الحافظ ص121، وشرح قطر الندى ص114، وشرح المفصل 9/ 17، 20، ولسان العرب 12/ 36 "أمم"، ومغني اللبيب 1/ 48، وهمع الهوامع 1/ 79.
1 أخرجه البخاري في الصوم برقم 1844.(1/180)
أن يقال: لا يخلو إما أن تخلفها "كل" حقيقة أو مجازا أو لا تخلفها أصلا "فإن لم تخلفها: كل" لا حقيقة ولا مجازا "فهي لبيان الحقيقة" الماهية من حيث هي "نحو: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ} أي: من حقيقة الماء المعروف، وقيل المني. "{كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}" [الأنبياء: 30]. والفرق بين المعرف بـ"أل" هذه واسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد والمطلق، وذلك أن ذا "الألف واللام" يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهي واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة، لا باعتبار قيد، قاله الموضح في المغني.
"وإن خلفتها" كل "حقيقة فهي لشمول أفراد الجنس نحو: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] فإنه لو قيل: وخلق كل إنسان ضعيفا، لكان صحيحا على جهة الحقيقة.
"وإن خلفتها" كل "مجازا" فهي "لشمول خصائص الجنس مبالغة، نحو: أنت الرجل علما" فإنه لو قيل: أنت كل رجل علما لصح على جهة المجاز؛ على معنى أنك اجتمع فيك ما افترق في غيرك من الرجال من جهة كمالك في العلم، ولا اعتداد بعلم غيرك لقصوره عن رتبة الكمال. وفي الحديث: "كل الصيد في جوف الفرا"1، وقال ابن هانئ: [من السريع]
129- وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
فإن قيل: هذا الضابط يصدق على "أل" في الاستغراق العرفي، نحو: جمع الأمير الصاغة؛ أي: صاغة بلده أو مملكته؛ فإن "كلا" تخلف الأداة فيه مجازا وليست فيه لشمول الخصائص، بل لشمول بعض ما يصلح له اللفظ، وهو صاغة بلد الأمير؛ أو صاغة مملكته؛ دون من عداهم، أجيب بأن الكلام في "أل" المعرفة و"أل" في الصاغة موصول على الأصح.
"وإما عهدية" وهي ثلاثة أنواع أيضا "و" وجه الحصر أن يقال: "العهد: إما ذكرى" بكسر الذال المعجمة وهي التي يتقدم لمصحوبها ذكر "نحو": {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، "فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}" [المزمل: 15, 16] وفائدتها التنبيه على
__________
1 الحديث قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي سفيان، وهو في مجمع الأمثال 2/ 136، وجمهرة الأمثال 1/ 165، 2/ 136، 162، والمستقصى 2/ 224، وفصل المقال ص10، وأمثال ابن سلام ص35، والبيان والتبيين 2/ 16.
129- البيت لأبي نواس في ديوانه ص454، والاقتضاب ص95، وزهر الآداب ص1035، والوساطة ص254، وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص114.(1/181)
أن الرسول الثاني هو الرسول الأول، إذ لو جيء به منكرا لتوهم أنه غيره، ولذلك لا يجوز نعته، والذكر باللسان ضد الإنصات وذاله مكسورة، وبالقلب ضد النسيان وذاله مضمومة، قال الكسائي، وقال غيره: هما لغتان بمعنى، حكاه الماوردي في تفسير سورة البقرة.
"أو علمي" وهو أن يتقدم لمصحوبها علم "نحو: {بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ}" [طه: 12]، {تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] لأن ذلك معلوم عندهم.
"أو حضوري" وهو أن يكون مصحوبها حاضرا "نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] أي: اليوم الحاضر، وهو يوم عرفة، وفي بعض النسخ: إسقاط "حضوري" وإثبات "علمي" مكانه، ومثله بـ"اليوم أكملت".(1/182)
فصل1
"فصل":
"وقد ترد أل زائدة أي: غير معرفة" وغير موصولة "وهي" ثلاثة أنواع، وذلك لأنها "إما" زائدة "لازمة كالتي في علم قارنت وضعه" سواء قارنت ارتجاله أو نقله.
فالأول "كالسموءل" بفتح السين المهملة والميم وسكون الواو وفتح الهمزة وفي آخره لام: علم لرجل من اليهود؛ شاعر. وفي القاموس: السموءل بالهمز: طير يكنى أبا براء، "واليسع" بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة: علم على نبي، وهو أعجمي معرب، لفظه لفظ المضارع، وليس بمضارع، قاله الفارسي.
"و" الثاني "نحو اللات والعزى": علمين مؤنثين لصنمين، فاللات كانت لثقيف بالطائف. وعن مجاهد: كان رجلا يلت السويق بالطائف وكانوا يعكفون على قبره، فجعلوه وثنا، وكانت تاؤه مشددة فخففت. والعزى: كانت لغطفان وهي شجرة، وأصلها تأنيث الأعز، وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، وجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول1: [من الرجز]
يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك العزى ولن تعبد أبدا".
"أو" كالتي "في" اسم "إشارة، وهو الآن"، فإنه علم على الزمان الحاضر مبني لتضمنه معنى حرف الإشارة الذي كان يستحق الوضع، قاله ابن مالك. وقال الفارسي: لتضمنه حرف التعريف و"أل" فيه زائدة، "وفاقا للزجاج والناظم" في قوله:
107- وقد تزاد لازما كاللات والآن والذين ثم اللاتي
__________
1 الرجز بلا نسبة في تاج العروس 15/ 224 "عزز"، وثمار القلوب ص75، والحيوان 4/ 484، ولسان العرب 5/ 379 "عزز"، والمخصص 15/ 190.(1/183)
"أو" كالتي "في موصول، وهو الذي والتي وفروعهما" من التثنية والجمع، فـ"أل" في جميع هذه الأمثلة زائدة لا معرفة؛ "لأنه لا يجتمع تعريفان"، وهما تعريف "أل" وغيرها من العلمية والإشارة والصلة على معرف واحد، "وهذه" الأمثلة "معارف بالعلمية" كما في الأربعة الأول. واعترض الدماميني القول بزيادة "أل" فيها فقال: العلم هو مجموع لفظ "أل" وما بعدها، فهي جزء من العلم كالجيم من جعفر، ومثل هذا لا يقال بأنه زائد. ا. هـ.
"والإشارة" كما في "الآن" خاصة، "والصلة" كما في الموصول، "وإما" زائدة "عارضة" وهي نوعان؛ وذلك لأنها "إما خاصة بالضرورة كقوله": [من الكامل]
130- ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا..... "ولقد نهيتك عن بنات الأوبر"
أنشده ابن جني1. وأصل "جنيتك": جنيت لك، من جنيت الثمرة أجنيها، فحذف الجار توسعا، وأكمؤا؛ بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم الميم وفي آخره همزة: جمع كمء كفأس، وهو أيضا واحد كمأة كجبهة. وعساقلا: جمع عسقول؛ بضم العين وسكون المهملتين، وهو الكمأة الكبار البيض التي يقال لها شحمة الأرض، وأصله: عساقيلا، فحذفت المدة ضرورة. وبنات أوبر: جمع ابن أوبر، كما يقال في جمع ابن عرس بنات عرس، ولا يقال بنو أوبر ولا بنو عرس؛ لأنها لا تعقل، وبنات أوبر: كمأة صغار مزغبة رديئة الطعم، وهي أول الكمأة، وقيل مثل الكمأة وليست كمأة. "وقوله" وهو رشيد بن شهاب اليشكري يخاطب قيس بن مسعود بن خالد اليشكري: [من الطويل]
131- رأيتك لما أن عرفت وجوهنا..... صددت "وطبت النفس يا قيس بن عمرو"
__________
130- البيت بلا نسبة في الاشتقاق 402، والإنصاف 1/ 319، وأوضح المسالك 1/ 180 وتخليص الشواهد 167، وجمهرة اللغة 331، والخصائص 3/ 58، ورصف المباني 78، وسر صناعة الإعراب 366، وشرح ابن الناظم ص71، وشرح الأشموني 1/ 58، وشرح شواهد المغني 1/ 166، وشرح ابن عقيل 1/ 181، ولسان العرب 2/ 21 "جوت"، 4/ 170 "حجر"، 4/ 385 "سور"، 4/ 622 "عير"، 5/ 271 "وبر"، 6/ 271 "جحش"، 11/ 7 "أبل"، 11/ 159 "حفل"، 11/ 448 "عقل"، 12/ 18 "اسم"، 14/ 155 "جني"، 15/ 309 "نجا"، والمحتسب 2/ 224، ومغني اللبيب 1/ 52، 220، والمقاصد النحوية 1/ 498، والمقتضب 4/ 48، والمنصف 3/ 134.
1 أنشده ابن جني في سر صناعة الإعراب ص366، والمحتسب 2/ 224.
131- البيت لرشيد بن شهاب في الدرر 1/ 138، 1/ 532، وشرح اختيارات المفضل ص1325، والمقاصد النحوية 1/ 502، 3/ 225، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 181، وتخليص الشواهد ص168، والجنى الداني ص198، وجواهر الأدب ص319، وشرح ابن الناظم ص71، وشرح الأشموني 1/ 85، وشرح ابن عقيل 1/ 182، وشرح عمدة الحافظ ص153، 479، وهمع الهوامع 1/ 80، 252.(1/184)
وأراد بالوجوه أعيان القوم. والمعنى: أبصرتك حين عرفت أعياننا صددت عنا، وطابت نفسك عن قتلنا صديقك عمرا. والشاهد في زيادة "أل" الداخلة على "بنات أوبر" في البيت الأول، وعلى "النفس" في البيت الثاني. وهي لا تدخل عليهما "لأن بنات أوبر علم" لضرب من الكمأة، "والنفس تمييز" واجب التنكير عند البصريين، فلا يقبلان التعريف" فـ"أل" الداخلة عليهما زائدة للضرورة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
108- ولاضطرار كبنات الأوبر..... كذا وطبت النفس يا قيس السري
"ويلتحق بذلك ما زيد" في النثر "شذوذا، نحو" قولهم: "ادخلوا الأول فالأول", فالسابق منهما حال واللاحق معطوف، و"أل" فيهما زائدة؛ لأن الحال واجبة التنكير، والأصل: أدخلوا أول فأول، وفائدة العطف بالفاء الدلالة على الترتيب التعقبي، والمعنى: ادخلوا مترتبين الأسبق فالأسبق. وأصل "أول" على الأصح "أوأل" على وزن أفعل، قلبت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت الواو في الواو لاجتماع المثلين، وله استعمالان:
أحدهما: أن يكون اسما بمعنى قبل، فحينئذ يكون منصرفا منونا، ومنه قولهم: أولا وآخرا.
والثاني: أن يكون صفة، فيكون أفعل تفضيل، ومعناه: الأسبق، فيكون غير منصرف لوزن الفعل والوصف.
"وإما مجوزة للمح الأصل" المنقول عنه، "وذلك أن العلم المنقول مما"، أي: من شيء "يقبل "أل" قد يلمح أصله" وهو التنكير، "فتدخل عليه: أل" للمح الأصل به. "وأكثر وقوع ذلك في المنقول عن صفة كحارث وقاسم" من أسماء الفاعلين، "وحسن وحسين" من الصفات المشبهة مكبرة أو مصغرة، "وعباس وضحاك" من أمثلة المبالغة، "وقد يقع" ذلك "في المنقول عن مصدر كفضل" فإنه في الأصل مصدر فضل الرجل يفضل فضلا إذا صار ذا فضل، "أو" عن "اسم عين كنعمان" بضم النون، "فإنه في الأصل اسم للدم" بتخفيف الميم، ومنه سميت شقائق النعمان لشبه لونها في حمرته بالدم. فإن قلت في كلام الموضح مخالفتان لكلام ابن مالك في شرح التسهيل:
الأولى: أنه جعل المنقول عن مصدر، والمنقول عن اسم عين في مرتبة واحدة، وجعلهما ابن مالك في مرتبتين، فقال ما حاصله: وأكثر وقوعها على منقول من صفة، ويليه دخولها على منقول من مصدر، ويليه دخولها على منقول من اسم عين.(1/185)
والثانية: أنه مثل بالنعمان لما فيه "أل" للمح الصفة، تبعا للناظم في قوله:
109- وبعض الأعلام عليه دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا
110- كالفضل والحارث والنعمان..... فذكر ذا وحذفه سيان
فتكون "أل" فيه غير لازمه، ومثل به ابن مالك في شرح التسهيل لما قارنت الأداة نقله فتكون لازمة، فالجواب عن الأولى بأنها من اختيارات ابن مالك، بل قبل إنها من عندياته فلا يتابع عليها، وعن الثانية بأنه يمكن أن يكون سمي بنعمان مجردا من "أل" كقوله: [من الطويل]
132- أيا جبلي نعمان بالله خليا..... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
ومقرونا بها فلا مخالفة.
"والباب كله سماعي" يقتصر فيه على الوارد، "فلا يجوز في نحو: محمد وصالح ومعروف" أن يقال فيهما المحمد والصالح والمعروف حال العلمية؛ لأنه لم يسمع، واللغة لا تثبت بالقياس، "ولم يقع" دخول "أل" "في نحو: يزيد ويشكر" علمين، "لأن أصله الفعل، وهو لا يقبل: أل" غير الموصولة له، فأما قوله: [من الطويل]
133- "رأيت الوليد بن اليزيد مباركا" شديدا بأعباء الخلافة كاهله
"فضرورة" دخول "أل" على اليزيد "سهلها تقدم ذكر الوليد"، و"أل" في "الوليد" للمح الصفة، وقيل "أل" في "اليزيد" للتعريف، وأنه نكر، ثم دخلت عليه "أل"، كما ينكر العلم إذا أضيف كقوله: [من الطويل]
134- علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماضي الشفرتين يمان
حكاه في المغني1 ولم يتعقبه، وعندي فيه نظر؛ لأنه وإن نكر لا يقبل "أل"، نظرا إلى أصله، وهو الفعل، والفعل لا يقبل "أل"، نظرا إلى أصله، وهو الفعل، والفعل لا يقبل "أل" بخلاف زيد إذا نكر.
__________
132- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص196، وشرح شواهد المغني 1/ 60، وبلا نسبة في الحماسة الشجرية 2/ 580، ومغني اللبيب 1/ 20.
133- البيت لابن ميادة في ديوانه ص192، وتقدم مع تخريج واف برقم 44.
134- البيت لرجل من طيئ في شرح شواهد المغني 1/ 165، والمقاصد النحوية 3/ 371، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 189، 191، وجواهر الأدب ص315، وخزانة الأدب 2/ 224، وسر صناعة الإعراب 2/ 452، 456، وشرح الأشموني 1/ 186، 2/ 442، وشرح المفصل 1/ 44، ولسان العرب 3/ 200 "زيد"، ومغني اللبيب 1/ 52.
1 مغني اللبيب 1/ 52.(1/186)
فصل2
"فصل":
"من المعرف بالإضافة أو الأداة ما غلب على بعض من يستحقه حتى التحق بالأعلام" الشخصية في أحكامها، وصار علما اتفاقيا.
"فالأول" وهو المعرف بالإضافة، "كابن عباس وابن عمر بن الخطاب وابن عمرو بن العاص وابن مسعود"، قيل: والصواب ذكر ابن الزبير مكان ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود مات قبل إطلاق اسم العبادلة، وهو من الطبقة الأولى، قيل: وهذه إنما يرد على من قال: غلبت عليهم العبادلة، دون من قال "غلب على العبادلة دون من عداهم من إخوتهم"، فليتأمل.
"والثاني" وهو المقرون بالأداة "كالنجم"، فإنه في الأصل يتناول كل نجم، ثم صار علما "للثريا" فقط، وأصلها قبل التصغير ثروى من الثروة، أي: كثرة الكواكب؛ لأن كواكبها سبعة، فصغرت فصارت ثُرَيْوَى فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت ثريا، قاله الفخر الرازي، "والعقبة"، فإنها في الأصل اسم لكل طريق صاعد في الجبل، ثم اختص بعقبة منى التي تضاف إليها الجمرة، فيقال: جمرة العقبة، قاله الشاطبي. وقيل: عقبة أيلة، "والبيت"، فإنه في الأصل يتناول كل بيت، ثم اختص بالبيت الحرام، "والمدينة" لطيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، "والأعشى"، فإنه في الأصل لكل من لا يبصر ليلا، ثم غلب على أعشى همدان ونحوه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
111- وقد يصير علما بالغلبه .....مضافا أو مصحوب أل كالعقبه
"وأل هذه لازمة" دائما، "إلا في نداء أو إضافة فيجب حذفها"؛ لأن حرف النداء والإضافة لا يجامعان أل هذه، كما أشار إليه الناظم بقوله:
112- وحذف أل ذي إن تناد أو تضف..... أوجب ................................(1/187)
"نحو: يا أعشى باهلة"، بموحدة: قبيلة من قيس بن عيلان؛ بعين مهملة، "و" يا "أعشى تغلب"، بفتح التاء المثناة الفوقانية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة: قبيلة سميت باسم أبيها تغلب بن وائل.
"وقد تحذف" "أل" هذه "في غير ذلك" المذكور من النداء أو الإضافة، هذا معنى قول الناظم:
112- ...................................... وفي غيرهما قد تنحذف
"سمع" من كلامهم "هذا عيوق طالعا" حكاه ابن الأعرابي. وعيوق: فيعول بمعنى فاعل، كقيوم بمعنى قائم، واشتقاقه من عاق يعوق، كأنه عاق كواكب وراءه من المجاوزة. ويجوز أن يكون سموه بذلك؛ لأنهم يقولون الدبران يخطب الثريا والعيوق يعوقه عنها؛ لكونه بينهما، قاله الفخر الرازي.
"و" سمع من كلامهم أيضا "هذا يوم اثنين مباركا فيه" حكاه سيبويه. ومجيء الحال منه في الفصيح يوضح فساد قول المبرد في جعله "أل" في الاثنين وسائر الأيام للتعريف، فإذا زالت صارت نكرات. والصحيح عند الجمهور أن أسماء الأيام أعلام توهمت فيها الصفة فدخلت عليها "أل" كالحارث، ثم غلبت فصارت كالدبران.(1/188)
هذا باب المبتدأ والخبر:
ولم يحد1 الناظم المبتدأ؛ بل اكتفى فيه بالمثال فقال:
113- مبتدأ زيد وعاذر خبر ............................
وحده الموضح بقوله: "المبتدأ اسم" صريح2، "أو بمنزلته، مجرد عن العوامل اللفظية، أو بمنزلته" أي: بمنزلة المجرد، "مخبر عنه، أو وصف رافع لمكتفى به" عن الخبر، أو بمنزلة الوصف.
"فالاسم" الصريح "نحو" قول من يعتقد السامع عدم إيمانه "الله ربنا ومحمد نبينا". وقيل: المراد بهذا الإسناد التعظيم والإقرار، لا الإخبار، وهذان الوجهان نقلهما أبو البقاء.
"والذي بمنزلته"، أي: بمنزلة الاسم الصريح، هو المصدر المنسبك من "أن" والفعل نحو: "{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}" [البقرة: 184] فـ"أن تصوموا" مبتدأ، وهو بمنزلة الاسم الصريح؛ لأنه في تأويل صومكم، وخبره "خير لكم".
"و" المصدر المتصيد من الفعل نحو: "{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}" [البقرة: 6]، [يس: 10]، فـ"أنذرتهم" مبتدأ، وهو في تأويل مصدر، و"أم لم تنذرهم" معطوف عليه، و"سواء" خبر مقدم، والتقدير: إنذارك وعدمه سواء عليهم وصح الإخبار به عن الاثنين؛ لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء، والمصدر يقع على القليل والكثير.
__________
1 في ط: "يجد" مكان "يحد".
2 قال ابن الناظم في شرحه ص74: الاسم جنس للمبتدأ يعم الصريح والمؤول.(1/189)
ومنع الفارسي في الحجة1، وتبعه ابن عمرون كون "أأنذرتهم"2 وتاليه مبتدأ، و"سواء" خبرا؛ لأن ما في حيز الاستفهام لا يتقدم عليه.
وأجيب بأن الاستفهام هنا ليس على حقيقته؛ بل هو خبر من حيث المعنى، "و" المصدر المنسبك من الفعل المقدر معه "أن" نحو: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"3 فـ"تسمع" مبتدأ، وهو في تأويل "سماعك"، وقبله "أن" مقدرة، والذي حسن حذف "أن" من "تسمع" ثبوتها في "أن تراه"، قاله الموضح في شرح الشذور4.
والفرق بين هذا والذي قبله أن السبك في هذا شاذ، وفي الذي قبله مطرد؛ لأن السبك بدون وجود حرف مصدري مطرد في باب التسوية، شاذ في غيرها5.
"والمجرد" عن العوامل اللفظية "كما مثلنا" للصريح المؤول به، "والذي بمنزلة المجرد" عن العوامل اللفظية ما دخل عليه حرف زائد أو شبهه، فالأول "نحو6: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]، "و" نحو: "بحسبك درهم" لا فرق في ذلك بين الوصف وغيره، فـ"خالق"، و"حسبك" مبتدآن، وإن كانا مجرورين بـ"من"، والباء الزائدتين "لأن وجود" الحرف "الزائد كلا وجود. ومنه" أي: من المبتدأ المجرور بحرف زائد "عند سيبويه" قوله تعالى: "{بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}" [القلم: 6] فـ"أيكم" مبتدأ، والباء زائدة فيه، و"المفتون" خبره، ولم يعكس؛ لأن صيغة مفعول لا تكون عنده بمعنى المصدر.
وعند الأخفش بالعكس7، فـ"المفتون" بمعنى الفتنة مبتدأ مؤخر، وبـ"أيِّكُم"
__________
1 الحجة للقراء السبعة 1/ 269، وانظر حاشية يس 1/ 155.
2 في "ب"، "ط": "أنذرتهم".
3 المثل في مجمع الأمثال 1/ 129، 2/ 420، وكتاب الأمثال لابن سلام ص97، 98، والفاخر ص56، وجمهرة الأمثال 1/ 266، والمستقصى 1/ 370، وفصل المقال ص135.
4 شرح شذور الذهب ص19.
5 في حاشية يس 1/ 155, 156: "قال الدماميني في شرح التسهيل في باب القسم: لا نسلم أن السبك بدوم حرف مصدري شاذ في غيرها على الإطلاق، وإنما يكون شاذا إذا لم يطرد في باب، أما إذا اطرد في باب واستمر فيه فإنه لا يكون شاذا، كالجملة التي يضاف إليها اسم الزمان، نحو: جئتك حين ركب الأمير، أي: حين ركوبه، و{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ}، أي: يوم نفع الصادقين. فهذا مطرد....".
6 سقط من "ب".
7 معاني القرآن للأخفش 2/ 712.(1/190)
خبر مقدم، والباء بمعنى "في" لا زائدة. والمعنى على الأول: أيكم المفتون؛ أي: المجنون. وعلى الثاني: الفتنة بأيكم، أي: الجنون في أيكم.
"و" منه "عند بعضهم" وهو ابن عصفور قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"1، فـ "الصوم" مبتدأ مؤخر، و"عليه" خبر مقدم، والباء زائدة في المبتدأ. وقيل: "عليه" اسم فعل، وفاعله مستتر فيه، و"الصوم" مفعول به، والباء زائدة في المفعول. وحجة الأول أن إغراء الغائب شاذ، فإن "عليه" إذا كان اسم فعل يكون نائبا عن "ليلزم"، والشيء الواحد لا يقوم مقام شيئين مختلفي الجنس وهما لام الأمر والفعل.
ورد بأن ذلك إذا كان المراد به الغائب، والمراد هنا المخاطب، وإنما جيء بالضمير غائبا على لفظ "من"، وإلا فهو مخاطب في المعنى، قاله أبو إسحاق الجزري في نقده على مقرب ابن عصفور.
والثاني: وهو الذي يشبه الزائد، نحو: [من الطويل]
135- ................................ لعل أبي المغوار منك قريب
ونحو: رب رجل صالح لقيته، فمجرور "لعل" و"رب" في موضع رفع بالابتداء؛ لأن "لعل" و"رب" في موضع رفع بالابتداء؛ لأن "لعل" و"رب" أشبها الحرف الزائد2 في كونهما لا يتعلقان بشيء.
"والوصف" يتناول اسم الفاعل، والمفعول، الصفة المشبهة، واسم التفضيل، والمنسوب، "نحو: أقائم هذان"3، وما مضروب العمران، وهل حسن الوجهان، وهل
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، برقم 1806، وهو في كشف المشكلات ص115، وانظر تخريج المحقق فيه.
135- صدر البيت: "فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة"
، وهو لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات ص96، والاقتضاب ص761، وخزانة الأدب 10/ 426، 428، 430، 436، والدرر 2/ 80، 348، وديوان المعاني 2/ 179، وسر صناعة الإعراب 1/ 407، وشرح أبيات سيبويه 2/ 269، وشرح شواهد المغني ص691، ولسان العرب 1/ 283 "جوب"، 11/ 473 "علل"، والمقاصد النحوية 3/ 247، وبلا نسبة في رصف المباني ص375، وشرح الأشموني 1/ 56، وشرح ابن عقيل 2/ 4، وكتاب اللامات ص136، ولسان العرب 12/ 550 "لمم"، ومغني اللبيب 377، "1/ 286"، وهمع الهوامع 2/ 33، 108، وشرح الجواليقي ص382.
2 في "رب": "الزيدان".
3 قال الشنقيطي في الدرر 2/ 81: "اعتبار زيادتها من هذه الجهة أولى من عدم اعتبار زيادتها من جهة إفادتها لمعنى تأسيسي وهو الترجي؛ كغيرها من الحروف التي هي غير زائدة". وانظر حاشية الصبان 1/ 189، ومصادر تخريج البيت.(1/191)
أحسن في عين زيد الكحل منه في عين غيره، وما قرشي أبواك. والذي بمنزلة الوصف نحو قولهم: لا نولك أن تفعل، فـ"نولك" مبتدأ، وهو بمنزلة الوصف في كونه قائما مقام الفعل، وهو "ينبغي" و"أن تفعل" فاعل بـ"نولك" سد مسد الخبر1، وسيأتي في باب "لا".
"وخرج" بقوله: مخبر عنه أو وصف "نحو: نزال"، [فإنه]2 من أسماء الأفعال؛ "لأنه لا مخبر عنه ولا وصف"، فلا يكون مبتدأ، بناء على أن اسم الفعل لا محل له من الإعراب، وهو الأصح.
"و" خرج بقوله: رافع لمكتفى به "نحو: أقائم أبواه زيد، فإن المرفوع بالوصف" وهو "أبواه" "غير مكتفى به"4 في حصول الفائدة مع قطع النظر عن "زيد" "فـ"زيد" مبتدأ" مؤخر، "والوصف خبر" مقدم و"أبواه" فاعله.
"ولا بد للوصف المذكور" وما هو بمنزلته "من" اشتراط "تقدم نفي أو استفهام" عليهما، وهل ذلك شرط في العمل، أو في الاكتفاء بالفاعل عن الخبر قولان، أرجحهما الثاني، قاله في المغني5.
والنفي يشمل النفي بالحرف، وبالفعل، وبالاسم.
فالنفي بالحرف، "نحو" قوله: [من الطويل]
136- "خليلي ما واف بعهدي أنتما....." إذا لم تكونا لي على من أقاطع
__________
1 في حاشية الصبان 1/ 189: ""نول" وإن كان مصدرا بمعنى التناول إلا أنه هنا بمعنى المفعول، أي: ليس متناولك هذا الفعل، أي: لا ينبغي لك تناوله، فنولك: مبتدأ، وأن تفعل: نائب فاعله. وقول المصرح ومن تبعه: "أن تفعل" فاعله غير صحيح".
2 إضافة من "أ".
3 في "أ"، "ط": "فإنه".
4 في حاشية يس 1/ 157: "أي: فلا يحسن السكون عليه، وهذا واضح إذا لم يعلم مرجع الضمير، أما إذا علم كما إذا جرى ذكر زيد فقيل: أقائم أبوه، فإنه يكتفى به ويحسن السكون عليه؛ لأنه بمنزلة: أقائم أبو زيد".
5 مغني اللبيب "723" 2/ 556.
136- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 189، وتخليص الشواهد ص181، والدرر 1/ 182، وشرح ابن الناظم ص75، وشرح الأشموني 1/ 89، وشرح التسهيل 1/ 269، وشرح شذور الذهب ص180، وشرح شواهد المغني 2/ 898، وشرح قطر الندى ص121، ومغني اللبيب "723" 2/ 556، والمقاصد النحوية 1/ 516، وهمع الهوامع 1/ 94.(1/192)
فـ "ما" نافية، و"واف" مبتدأ، و"أنتما" فاعل سد مسد الخبر.
وفيه رد على الزمخشري وابن الحاجب1 حيث شرطا أن يكون المرفوع اسما ظاهرا، قاله الموضح في شرح الشذور2. وجوابه أن المراد بالظهور ضد الاستتار.
والنفي بالفعل، نحو: ليس قائم الزيدان، فـ"قائم" اسم "ليس"، و"الزيدان" فاعل بـ"قائم" سد مسد خبر "ليس" قاله ابن عقيل3.
والنفي بالاسم، نحو: غير قائم الزيدان، فـ"غير" مبتدأ، و"قائم" مضاف إليه و"الزيدان" فاعل بـ"قائم" سد مسد خبر "غير"؛ لأن المعنى ما قائم الزيدان، فعومل "غير قائم" معاملة "ما قائم" قاله ابن عقيل أيضا4.
والنفي في المعنى كالنفي الصريح، نحو: إنما قائم الزيدان؛ لأنه في قوة قولك: ما قائم إلا الزيدان.
والاستفهام يشمل الاستفهام بالحرف والاسم.
فالاستفهام بالحرف "نحو" قوله: [من الطويل]
137- "أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا....." إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا
فـ"قاطن" مبتدأ، من: قطن بالمكان إذا أقام به، و"قوم سلمى" فاعل سد مسد الخبر، و"الظعن": السير.
والاستفهام بالاسم، نحو: كيف جالس العمران، وإنما لم يجعل المرفوع بالوصف خيرا فيهن؛ لأن الوصف قائم مقام الفعل، والفعل لا يخبر عنه، فكذا ما قام مقامه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
114- وأول مبتدأ والثاني ....فاعل اغنى في أسار ذان
__________
1 انظر قوله في كتاب الموشح على كافية ابن الحاجب للخبيصي ص48.
2 شرح شذور الذهب ص182، وفي همع الهوامع 1/ 94: "ومنع الكوفيون الضمير؛ فلا يجيزون إلا "أقائمان أنتما" بالمطابقة، بجعل الضمير مبتدأ مؤخرا، قالوا: لأن الوصف إذا رفع الفاعل الساد مسد الخبر جرى مجرى الفعل، والفعل لا ينفصل منه الضمير، ورد بالسماع".
3 شرح ابن عقيل 1/ 190.
4 شرح ابن عقيل 1/ 190.
137- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 190، وتخليص الشواهد ص181، وجواهر الأدب 295، وشرح ابن الناظم ص75، وشرح الأشموني 1/ 89، وشرح التسهيل 1/ 269، وشرح شذور الذهب ص181، وشرح قطر الندى ص122، والمقاصد النحوية 1/ 512.(1/193)
115- وقس وكاستفهام النفي .....1 ....................................
وإذا لم يتقدم على الوصف نفي ولا استفهام لا يكون مبتدأ2 "خلافا للأخفش والكوفيين"3 في إجازتهم وقوعه مبتدأ من غير أن يتقدمه نفي أو استفهام، "ولا حجة لهم في نحو" قول بعض الطائيين: [من الطويل]
138- "خبير بنو لهب فلا تك ملغيا مقالة" لهبي إذا الطير مرت
"خلافا للناظم" في شرح التسهيل4 "وابنه" في شرح النظم5 "لجواز كون الوصف" وهو "خبير" "خبرا مقدما" و"بنو لهب"، مبتدأ مؤخرا، "وإنما صح الإخبار به"، أي: بـ"خبير" مع كونه مفردا "عن الجمع"، وهو: "بنو لهب"؛ "لأنه" أي: "خبير" "على" وزن "فعيل" و"فعيل" على وزن المصدر كـ"صهيل"، والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع، فأعطي حكم ما هو على زنته، "فهو على حد: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]. و"لهب" بكسر اللام وسكون الهاء: حتى من الأزد.
فإن قلت: إذا جوز الأخفش كون الوصف مبتدأ من غير أن يعتمد على نفي أو استفهام، فما سوغ الابتداء به وهو نكرة؟.
قلت: عمله في المرفوع بعده، وسيأتي
__________
1 يعني أن النفي مسوغ لاستعمال الوصف المذكور كالاستفهام، نحو: ما قائم الزيدان، وأطلق الاستفهام ليتناول جميع أدواته، كـ"هل، ومن، وما"، وأطلق في النفي ليتناول كل ناف يصلح لمباشرة الاسم حرفا وهو "ما، ولا، وإن"، واسما وهو "غير"، وفعلا وهو "ليس". انظر توضيح المقاصد 1/ 269، وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 274.
2 في شرح ابن الناظم ص75: "أما إذا لم يعتمد على الاستفهام أو النفي؛ كان الابتداء به قبيحا، وهو جائز على قبحه".
3 انظر الارتشاف 2/ 27، وحاشية الصبان 1/ 192، وشرح ابن عقيل 1/ 192، وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 273.
138- البيت لرجل من الطائيين في تخليص الشواهد ص182، وشرح ابن الناظم ص75، وشرح التسهيل 1/ 273، 2/ 17، والمقاصد النحوية 1/ 518، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 191، والدرر 1/ 183، وشرح الأشموني 1/ 90، وشرح ابن عقيل 1/ 195، وشرح عمدة الحافظ ص157، وشرح قطر الندى ص272، وهمع الهوامع 1/ 94.
4 شرح التسهيل 1/ 273, 274.
5 شرح ابن الناظم ص75.(1/194)
أن العمل من جملة المسوغات. فإن قلت العمل مشروط بالاعتماد، وقد تخلف هنا؟. قلت: الأخفش لا يشترط في عمل الوصف اعتماده على شيء كما حكاه المسيلي عنه. وإلى موافقة الأخفش والكوفيين1 أشار الناظم بقوله:
115- ..................... وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد
"وإذا" رفع الوصف ما بعده فله ثلاثة أحوال. وجوب الابتدائية، ووجوب الخبرية، وجواز الأمرين.
وذلك أنه إن "لم يطابق الوصف ما بعده تعينت ابتدائيته، نحو: أقائم أخواك" فـ"قائم" مبتدأ، و"أخوك" فاعله سد مسد خبره، ولا يجوز أن يكون "أخواك" مبتدأ مؤخرا و"قائم" خبر مقدما؛ لأنه لا يخبر عن المثنى بالمفرد "وإن طابقه"، أي: طابق الوصف ما بعده "في غير الإفراد" وهو التثنية والجمع "تعينت خبريته، نحو: أقائمان أخواك، وأقائمون أخوتك" بالتاء الفوقانية، وأقائم2 الزيدون، فالوصف فيهن خبر مقدم، والمرفوع بعده مبتدأ مؤخر، ولا يجوز أن يكون الوصف فيهن مبتدأ، والمرفوع فاعلا سد مسد الخبر؛ لأن الوصف إذا رفع ظاهرا كان حكمه حكم الفعل في لزوم الإفراد على اللغة الفصحى3، ويجوز ذلك على غيرها، ومسألة جمع التكسير نص عليها الشاطبي.
"وإن طابقه" أي: الوصف ما بعده "في الإفراد" تذكيرا وتأنيثا "احتملهما" أي: الابتدائية والخبرية على السواء، "نحو: أقائم أخوك"، وأقائمة أختك، فيجوز أن يجعل الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلا سد مسد الخبر. ويجوز أن يجعل المرفوع مبتدأ مؤخرا، والوصف خبرا مقدما، فإن رجح الأول بأن الأصل في المقدم الابتداء عورض بأن الأصل في الوصف الخبرية، فلما تعارض الأصلان تساقطا، وإلى هذا التفصيل أشار الناظم بقوله:
116- والثاني مبتدأ وذا الوصف خبر إن في سوى الإفراد طبقا استقر
"وارتفاع المبتدأ بالابتداء، وهو التجرد" عن العوامل اللفظية "للإسناد،
__________
1 انظر حاشية الصبان 1/ 192، وحاشية يس 1/ 158.
2 في "ب": "أقيام"، وفي "ط": "أقام".
3 انظر الارتشاف 2/ 26، وتوضيح المقاصد 1/ 272، وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 272، وفي شرح ابن عقيل 1/ 199: "ويجوز على لغة "أكلوني البراغيث" أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر".(1/195)
وارتفاع الخبر بالمبتدأ" عند سيبويه1، وإليه ذهب الناظم فقال:
117- ورفعوا مبتدأ بالابتدا .....كذاك رفع خبر بالمبتدا
فإذا قلت: زيد أخوك، فـ"زيد" مرفوع بالابتداء، و"أخوك" مرفوع بـ"زيد"، وصح رفعه به وإن كان جامدا؛ لأن أصل العمل للطالب2، والمبتدأ طالب للخبر من حيث كونه محكوما به له طلبا لازما، كما أن فعل الشرط لما كان طالبا للجواب عمل فيه عند طائفة، وإن كان الفعل لا يعمل في الفعل. واعترض بأن المبتدأ قد يرفع الفاعل نحو: القائم أبوه ضاحك3، فلو كان رافعا للخبر لأدى إلى رفع شيئين لم يكن أحدهما تابعا للآخر. وأجيب بأن الجهة مختلفة؛ لأن طلبه للفاعل من حيث كون الفاعل محكوما عليه. وطلبه للخبر من حيث كون الخبر محكوما به له "لا" ارتفاعه "بالابتداء" وهو قول ابن السراج4، وصححه أبو البقاء. وحجة من قال به5 أن الابتداء رفع المبتدأ، فيجب أن يرفع الخبر؛ لأنه مقتض لهما، فهو كالفعل لما عمل
في الفاعل عمل في المفعول، "ولا" ارتفاعه "بهما"، أي: بالابتداء والمبتدأ. وحجة من قال به أن الابتداء عامل ضعيف، فقوي بالمبتدأ كما قوي حرف الشرط بفعله حين عملا جميعا في الجزاء عند طائفة، وهذه الأقوال الثلاثة عن البصريين.
"وعن الكوفيين6 أنهما"، أي: المبتدأ والخبر "ترافعا"، فرفع كل منهما الآخر. وحجتهم أن كل واحد منهما مفتقر إلى الآخر، فكان كل واحد منهما عاملا في صاحبه، كما أن "أيا" الشرطية
عامله في الفعل بعدها، وهو عامل فيها في نحو: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110]
وهذه الأقوال كلها ضعيفة. أما الأول: فلأن الخبر قد يكون نفس المبتدأ في المعنى، نحو: زيد أخوك، فلو رفع "الأخ" بـ"زيد" كان رافعا لنفسه بنفسه.
__________
1 الكتاب 2/ 127، وانظر الارتشاف 2/ 28, 29، والإنصاف 1/ 44، وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 269-272، وشرح ابن عقيل 1/ 200, 201، وحاشية يس 1/ 158, 159، وحاشية الصبان 1/ 193.
2 في "ب"، "ط": "للطلب".
3 في "ط": "صاحبك"، تحريف.
4 انظر كتابه الأصول 1/ 58.
5 يقصد المبرد. انظر شرح ابن الناظم ص76، وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 272، والمقتضب 4/ 126، وحاشية الصبان 1/ 194.
6 انظر الإنصاف 1/ 44.(1/196)
وأما الثاني: فلأن الابتداء عامل ضعيف لا يرفع شيئين.
وأما الثالث فلأن اجتماع عاملين معنوي ولفظي لا يعهد.
وأما الرابع: فلأن العمل تأثير والمؤثِّر أقوى من المؤثَّر فيه، فليزم أن يكون الشيء الواحد قويا ضعيفا من وجه واحد إذا كان مؤثرا فيما أثر فيه من ذلك الوجه، وهو الرفع.
واحترز بقوله: للإسناد عن الأعداد المسرودة، نحو: اثنان ثلاثة، فإنها وإن تجردت فلا إسناد معها، فليست مبتدآت. وإثبات الألف في اثنان من استعمال الشيء في أول أحواله.(1/197)
فصل1
"فصل":
"والخبر" هو "الجزء الذي حصلت به" أو بمتعلقه "الفائدة" التامة "مع مبتدأ غير الوصف المذكور" في قوله: أو وصف رافع لمكتفى به، "فخرج" بذكر المبتدأ "فاعل الفعل"، نحو: "زيد" من قولك: قام زيد، "فإنه" وإن حصلت به الفائدة؛ لكنه "ليس مع المبتدأ" بل مع الفعل، ومثله فاعل اسم الفعل، نحو: [من الطويل]
139- ..... هيهات العقيق ......... ......................................
"و" خرج بقوله: غير الوصف المذكور "فاعل الوصف" المذكور، نحو: "الزيدان" من قولك: أقائم الزيدان، فإنه وإن حصلت به الفائدة، لكنه ليس مع مبتدأ غير الوصف المذكور؛ بل مع مبتدأ هو الوصف المذكور، فلا يكون "الزيدان" خبرا، بل فاعلا سد مسد الخبر، وسلم الحد بعد ذلك للخبر، بخلاف قول الناظم:
118- والخبر الجزء المتم الفائده ................................
فإنه يرد عليه فاعل الفعل، وفاعل الوصف، "وهو إما مفرد"1، وهو ما ليس جملة، فيشمل المثنى والمجموع، "وإما جملة" اسمية وفعلية.
وذكر ابن خروف في شرح الكتاب2 أن الخبر ينقسم إلى نيف وسبعين قسما، كل منها يخالف صاحبه في حكم ما، وكلها ترجع إلى المفرد والجملة، ولذلك اقتصر الناظم
__________
139- تمام البيت:
"وهيهات هيهات العقيق وأهله وهيهات خل بالعقيق نواصله"
والبيت لجرير في ديوانه ص965، والأشباه والنظائر 8/ 133، والخصائص 3/ 42، والدرر 2/ 355، وشرح شواهد الإيضاح ص143، وشرح المفصل 4/ 35، ولسان العرب 13/ 553 "هيه"، والمقاصد النحوية 3/ 7، 4/ 311، وكتاب العين 1/ 64، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 193، 4/ 87، وسمط اللآلي ص369، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1001، وشرح شذور الذهب ص516، وشرح قطر الندى ص256، والمقرب 1/ 134، وهمع الهوامع 2/ 111.
1 في شرح ابن الناظم ص77: "والأصل في الخبر أن يكون اسما مفردا". وفي توضيح المقاصد 1/ 174: "خلافا لابن السراج في إثباته لا مفردا ولا جملة، وهو الظرف والجار والمجرور".
2 اسم كتابه: "تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب". كشف الظنون ص1427.(1/198)
عليهما فقال:
119- ومفردا يأتي ويأتي جمله .........................
"والمفرد إما جامد"، وهو ما لم يشعر بمعنى الفعل الموافق له في المادة بالنظر إلى القياس الاستعمالي، كـ"زيد" فإنه لا يدل على معنى: زاد المال زيادة، وكـ"أسد" إذا أراد به شجاع على رأي، فإنه وإن كان في الاستعمال مشعرا بمعنى الفعل؛ ولكن بمعنى فعل غير موافق له في المادة، وهو "شَجُع" وكـ"صاحب" فإنه وإن كان مشعرا بمعنى "صحب" لكن لا بحسب الاستعمال، فكل من "زيد" و"أسد" و"صاحب" عندهم من قبيل الجوامد، "فلا يتحمل ضميرا المبتدأ، نحو: هذا زيد"، وهذا أسد، وهذا صاحب، فليس في شيء منها ضمير يعود على المبتدأ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
121- والمفرد الجامد فارغ ..............................
"إلا إن أول" الجامد "بالمشتق" فيتحمل ضمير المبتدأ، "نحو: زيد أسد، إذا أريد به شجاع" عند جمهور البصريين1، فإن أريد به التشبيه على إضمار الكاف، أو أنه نفس الأسد مبالغة، لا يتحمل ضمير المبتدأ عندهم. وذهب الكسائي من الكوفيين، والرماني من البصريين ومن وافقهما إلى أن الجامد يتحمل ضمير المبتدأ مطلقا2، سواء أول بمشتق أم لا.
"وإما مشتق"، وهو ما أشعر بمعنى الفعل الموافق له في المادة بالنظر إلى القياس الاستعمالي، كـ"قائم" فإنه دل على معنى "قام"، إذا أخبر به عن مبتدأ "فيتحمل ضميره"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
121- ........................ وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن
"نحو: زيد قائم"، والزيدان قائمان، والزيدون قائمون، وهند قائمة، والهندان قائمتان، والهندات قائمات، فالخبر في ذلك كله متحمل لضمير مستتر عائد على المبتدأ، والألف في "قائمان" والواو في "قائمون" حرفان دالان على التثنية والجمع، كما في "الرجلان" و"الزيدون"، "إلا إن رفع" المشتق الاسم "الظاهر نحو: زيد قائم
__________
1 شرح ابن عقيل 1/ 205.
2 كذا ذكر ابن عقيل في شرحه 1/ 205، وقال: "والتقدير عندهم: زيد أخوك هو". وانظر الإنصاف 1/ 55، وشرح المفصل 1/ 88.(1/199)
"أبوه"، أو رفع الضمير البارز نحو: زيد قائم أنت إليه. فإنه لا يحتمل ضمير المبتدأ؛ لأنه لا يرفع فاعلين، "ويبرز الضمير المتحمل"، بفتح الميم، وينفصل "إذا جرى الوصف" الواقع خبرا "على" مبتدأ "غير من هو له" في المعنى، "سواء ألبس" الحال، "نحو: غلام زيد ضاربه هو"، فـ"ضاربه" وصف في المعنى لـ"زيد"؛ لأنه هو الضارب. للغلام، وذلك "إذا كانت الهاء" المفعولة "لـ"الغلام""؛ لأنه المضروب وقد جرى الوصف وهو "ضاربه" على "الغلام" لفظا؛ لأنه خبر عنه، فلو لم يبرز الضمير المستتر في "ضاربه" لتوهم السامع أن "الغلام" بحسب ظاهر الإسناد إليه هو "الضارب لزيد"، وانقلب المعنى فوجب إبراز ضمير الفاعل دفعا لهذا اللبس، فإن كانت الهاء لـ"زيد" فقد جرى الوصف على من هو له لفظا ومعنى، واستغنى عن إبراز الضمير، "أم لم يلبس" الحال، "نحو: غلام هند ضاربته هي"، فتاء التأنيث في "ضاربته"، خارجة تدل على أن الوصف في المعنى لـ"هند"، وكان ينبغي أن لا يبرز ضميرها إلا أن البصري التزم الإبراز مطلقا طردا للبس، وجرى على ذلك الناظم فقال:
122- وأبرزته مطلقا حيث تلا .....ما ليس معناه له محصلا
"والكوفي إنما يلزم الإبراز عند الإلباس" خاصة "تمسكا بنحو قوله: [من البسيط]
140- قومي ذرا المجد بانوها" وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان
وجه التمسك1 به أن "قومي" مبتدأ أول، و"ذرا المجد" مبتدأ ثان، و"بانوها" خبر "ذرا المجد"، و"ذرا المجد" وخبره خبر "قومي" والهاء عائدة على "ذرا المجد" والضمير العائد على "قومي" مستتر في "بانوها"، فقد جرى الوصف وهو "بانوها" على "ذرا المجد" وهو في المعنى لـ"قومي" لأنهم "البانون"، ولم يبرز الضمير المستتر في "بانوها" لأن اللبس مأمون، فإن "الذرا" مبنية لا بانية، ولو برز لقيل على اللغة الفصحى: بانيهاهم؛ لأن حكم ضمير الجمع المنفصل كحكم جمعه الظاهر، فيكون الوصف مفردا كالفعل إذا أسند إلى جمع، وعلى لغة أكلوني البراغيث: بانوهاهم2،
__________
140- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 196، وتخليص الشواهد 186، والدرر 1/ 184، وشرح ابن الناظم ص78، وشرح الأشموني 1/ 93، وشرح التسهيل 1/ 308، وشرح ابن عقيل 1/ 208، وهمع الهوامع 1/ 96.
1 هذا التعليق على البيت نقله الشنقيطي بتمامه في الدرر 1/ 184,185.
2 هي لغة طيئ وأزد شنوءة، انظر شرح ابن عقيل 2/ 468.(1/200)
ولا حجة لهم في ذلك لاحتمال أن يكون "ذرا المجد" منصوبا بوصف محذوف يفسره الوصف المذكور، والتقدير: بانو ذرا المجد بانوها.
و"الذرا": جمع ذروة، وذروة الشيء أعلاه، و"المجد": الكرم، و"بانون": جمع بان؛ اسم فاعل من بني يبني، والأصل: بانيون، أعل إعلال قاضون، وحذفت النون للإضافة. وقال العيني1: من "البون" بضم الباء وهو: الفضل والمزية، يقال: بانه يبونه ويبنه، قاله الجوهري2. ا. هـ.
فإن أراد أنه3 جملة فعلية ماضوية [ولو كان كذلك لاستدعى إثبات الألف في الخط بعد الواو كما في نظائره]4، فالضمير هو الواو في "بانوها"، إذ ليس ثم فاعل غيره حتى يبرز، وإن أراد الوصف من: بان يبون أو يبين؛ فقياسه: بائن بهمزة بعد الألف بدلا من عين الفعل، والجمع بائنون لا بانون.
"والجملة إما نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج لرابط" يربطها بالمبتدأ5، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
120- وإن تكن إياه معنى اكتفى بها ..............................
"نحو: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إذا قدر "هو" ضمير شأن" فـ"هو" مبتدأ، و"الله أحد" جملة خبره، وهي عينه في المعنى؛ لأنها مفسرة له، والمفسر عين المفسر, أي: الشأن الله أحد, [ولا يكون ضمير الشأن الحاضر, وإنما يكون ضمير غيبة مفسرا بجملة بعده خبرية مصرح بجزأيها، فإن كان بلفظ التذكير سمي ضمير الشأن، وإن كان بلفظ التأنيث سمي قصة، وقد يسمى بهما، وأما]6 إذا قدر "هو" ضمير المسئول عنه فخبره مفرد وهو "الله" و"أحد" خبر بعد خبر أو بدل، "ونحو: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97] إذا قدر "هي" ضمير قصة، فـ"هي" مبتدأ، و"شاخصة" خبر مقدم، و"أبصار الذين كفروا" مبتدأ مؤخر، وجملة "أبصار
__________
1 شرح الشواهد للعيني 1/ 199.
2 الصحاح 5/ 2082 "بين".
3 في "ب": "به".
4 ما بين المعقوفتين سقط من "ب"، "ط"، والدرر 1/ 185.
5 في حاشية يس 1/ 162: "يفهم أن الرابط إذا وجد لا يضر، وهو كذلك، ولو قال: فلا يكون لها رابط كان صوابا" وانظر حاشية الصبان 1/ 197، وتوضيح المقاصد 1/ 309.
6 ما بين المعقوفتين سقط من "ب".(1/201)
الذين كفروا شاخصة" في موضع رفع خبر "هي"، وهي عينها في المعنى، أي: فإذا القصة أبصار الذين كفروا شاخصة، فلا تحتاج إلى رابط، وأما إذا قدر "هي" ضمير الأبصار كما قال الفراء1، أو عماد أو تقدم مع الخبر على المبتدأ، والأصل: فإذا أبصار الذين كفروا هي شاخصة؛ كما قال الكسائي، فالخبر مفرد، "ومنه" قول الناظم:
120- ............................. ....... "كنطقي الله حسبي".......
فـ"نطقي" مبتدأ، و"الله حسبي" مبتدأ وخبر، والجملة خبر "نطقي"، وهي نفسه في المعنى؛ "لأن المراد بالنطق المنطوق به"، والمنطوق به هو "الله حسبي"، فلا يحتاج إلى رابط. والتحقيق أن مثل هذا ليس من الإخبار بالجملة؛ بل المفرد على إرادة اللفظ كما في عكسه، نحو: $"لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة"2، قاله الدماميني والمرادي3.
"وإما غيره"، أي: غير المبتدأ في المعنى "فلا بد من احتوائها على معنى المبتدأ الذي هي مسوقة له"، وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
119- ........................ ويأتي جمله حاوية معنى الذي سيقت له
"وذلك بأن تشتمل على اسم بمعناه"، أي بمعنى المبتدأ، "وهو" أي: الاسم المشتملة عليه بالجملة. "إما ضميره"، أي: ضمير المبتدأ حال كون الضمير "مذكورا"، وهو الأصل، "نحو: زيد قام أبوه". فجملة "قام أبوه" خبر عن "زيد"، والرابط بينهما الهاء. "أو مقدرا"، وهو إما مجرور أو منصوب.
فالأول: "نحو: السمن منوان بدرهم"، فـ"السمن" مبتدأ أول، و"منوان" مبتدأ ثان، وسوغ الابتداء به الوصف المحذوف، "أي" منوان "منه" و"بدرهم" خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول، والرابط بينهما الضمير المجرور بـ"من" المقدرة.
"و" الثاني: نحو: "قراءة ابن عامر "وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى""
__________
1 معاني القرآن للفراء 2/ 212.
2 الحديث في النهاية لابن الأثير 4/ 203 "كنز"، ولسان العرب "كنز". أي: أجرهما مدخر لقائلها والمتصف بها، كما يدخر الكنز.
3 توضيح المقاصد 1/ 277، وذكره ابن هشام في مغني اللبيب في بحث الجمل التي لا محل لها من الإعراب.(1/202)
[الحديد: 10] برفع "كل" في سورة الحديد1، فـ"كل" مبتدأ، وجملة "وعد الله الحسنى" من الفعل والفاعل والمفعول خبر المبتدأ، والرابط بينهما الضمير المقدر المنصوب بـ"وعد" على أنه مفعوله الأول، "أي: وعده" الله.
"أو إشارة إليه"، أي: إلى المبتدأ، "نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] إذا قدر "ذلك" مبتدأ ثانيا لا تابعا لـ"لباس""، فـ"لباس" مبتدأ، و"التقوى" مضاف إليها، و"ذلك" مبتدأ ثان، و"خير" خبره، وهو وخبره خبر الأول، والرابط بينهما الإشارة إلى المبتدأ.
وخص ابن الحاج المسألة بكون المبتدأ موصولا أو موصوفا والإشارة للبعيد2. ورد بقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ} الآية.... [الإسراء: 36].
إما إذا قدر "ذلك" تابعا لـ"اللباس" على أنه بدل منه أو عطف بيان عليه لا نعت عليه خلافا للفارسي ومن تبعه3؛ لأن النعت لا يكون أعرف من المنعوت4 كما قال الحوفي فالخبر حينئذ مفرد.
"قال الأخفش5: أو غيرهما"، أي: غير الضمير والإشارة وهو إعادة المبتدأ بمعناه، "نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} الآية"، وتمامها {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]، فـ"الذين" مبتدأ، وجملة "يمسكون الكتاب" صلة "الذين"، وجملة "وأقاموا الصلاة" معطوفة على الصلة، وجملة "إنا لا نضيع أجر المصلحين" خبر المبتدأ، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بمعناه، فإن "المصلحين" هم "الذين يمسكون بالكتاب" في المعنى.
ورد بمنع كون "اللذين" مبتدأ؛ بل هو مجرور بالعطف على "الذين يتقون" [من قوله: {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 169]]6، ولئن سلط فالرابط
__________
1 الرسم المصحفي {كلَّا} بالنصب، وانظر الإتحاف ص409، والنشر 2/ 384، وفي حاشية يس 1/ 165: "أما في سورة النساء فقرأ بالنصب كالجماعة؛ لأن قبله جملة فعلية وهي "فضل الله المجاهدين" فساوى بين الجملتين في الفعلية، بل بين الجمل؛ لأن بعده "وفضل الله المجاهدين" وهذا مما أغفلوه؛ أعني الترجيح؛ باعتبار ما يعطف على الجملة، قاله في المغني".
2 انظر قوله في الارتشاف 2/ 50.
3 في حاشية الصبان 1/ 196: "وتبعه أبو البقاء وجماعة".
4 في حاشية الصبان 1/ 196: "بناء على أن النعت قد يكون أعرف من المنعوت".
5 في همع الهوامع 1/ 98: "ووافق ابن عصفور الأخفش، كما جاء ذلك في الأصول".
6 سقط ما بين المعقوفتين من الأصل و"ب"، وهو ثابت في "ط".(1/203)
العموم؛ لأن "المصلحين" أعم من المذكورين، أو ضمير محذوف، أي: منهم، أو الخبر محذوف، والجملة قبله دليله، والتقدير: مأجورون، قاله في المغني1.
"أو" تشتمل الجملة "على اسم بلفظه"، أي: بلفظ المبتدأ، "ومعناه نحو: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1, 2] فـ"الحاقة" الأولى مبتدأ، و"ما" اسم استفهام مبتدأ ثان, و"الحاقة" الأخيرة خبر "ما" الاستفهامية, و"ما" وخبرها خبر "الحاقة" الأولى، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه ومعناه.
"أو" تشتمل الجملة "على اسم أعم منه"، أي: من المبتدأ، "نحو: زيد نعم الرجل"2، فـ"زيد" مبتدأ، و"نعم الرجل" خبره، والرابط بينهما العموم الذي في "الرجل" الشامل لـ"زيد".
"و" نحو "قوله" وهو الرماح ابن ميادة: [من الطويل]
141- ألا ليت شعري هل إلى أم معمر..... سبيل "فأما الصبر عنها فلا صبررا"
فـ"الصبر" مبتدأ، و"عنها" متعلق به، و"لا" نافية، و"صبرا" اسمها مبني معها على الفتح، والخبر محذوف تقديره "لي"، وجملة "لا صبر لي" خبر المبتدأ، والرابط بينهما العموم الذي في اسم "لا" لأن النكرة المنفية تفيد العموم، والمطرد من هذه الروابط هو الضمير لا غير. أما الإشارة فلأنه لا يقال: زيد قام هذا، والزيدون خرج أولئك. وأما إعادة المبتدأ بمعناه فقد تقدم رده. وأما إعادة المبتدأ بلفظه ومعناه فقد نص سيبويه على ضعفه3، وهو مخصوص بموضعين، أحدهما: أما العبيد فذو عبيد، وثانيهما: حيث قصد التهويل والتعظيم نحو: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1, 2] قاله
__________
1 مغني اللبيب "650"، وانظر حاشية يس 1/ 165.
2 في حاشية يس 1/ 165: "قال الدنوشري: ظاهره أن العموم جاء من قبل أن الألف واللام للاستغراق. قال ابن الحاجب: وهذا غلط؛ لأنا نقطع أن المتكلم بقوله: "نعم العبد صهيب" لم يقصد مدح جميع من في العالم، وإنما قصد مدح هذا الفاعل المذكور، فجعله للعموم غلط. وفي اللباب: أن خبر المبتدأ إذا كان جملة يشتمل على جنس يندرج فيه هو لم يحتج إلى ضمير نحو: زيد نعم الرجل".
141- البيت لابن ميادة في ديوانه ص134، والأغاني 2/ 237، والحماسة البصرية 2/ 111، وخزانة الأدب 1/ 452، والدرر 1/ 189، وشرح أبيات سيبويه 1/ 269، وشرح شواهد المغني 2/ 876، والمقاصد النحوية 1/ 523، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 28، وأوضح المسالك 1/ 199، والكتاب 1/ 386، ومغني اللبيب 2/ 501، "651"،
وهمع الهوامع 1/ 98.
3 الكتاب 1/ 62.(1/204)
الشاطبي وأما العموم فلأنه لا يجوز: زيد مات الناس، وزيد نعم الرجال، وهند نعمت النساء، وأما:
.................................. ........ فأما الصبر عنها فلا صبرا
فمن باب: أما العبيد فذو عبيد، فهو من تكرار المبتدأ بلفظه ومعناه، وليس العموم فيه مرادا، إذ المراد أنه: لا صبر له عنها، لا أنه لا صبر له عن كل شيء، قاله في المغني1.
__________
1 مغني اللبيب 2/ 501 "651".(1/205)
فصل2
"فصل":
"ويقع الخبر ظرفا، نحو {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 42]، ومجرورا نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2]. وشرطهما أن يكونا تامين كما مثل، فلا يجوز: زيد مكانا، ولا زيد بك، لعدم الفائدة، ويتعلقان بمحذوف وجوبا، ثم قيل: الخبر نفس الظرف والمجرور وحدهما، والمصحح لذلك تضمنها معنى صادقا على المبتدأ، وقيل: هما ومتعلقهما والمتعلق جزء من الخبر، واختاره الرضي1 والسيد عبد الله. "والصحيح" عند الموضح تبعا لطائفة "أن الخبر في الحقيقة متعلقهما المحذوف"، لا هما، ولا مع متعلقهما.
واختلف في تقديره. فقال الأخفش والفارسي والزمخشري تقديره: كان أو استقر. وحجتهم أن المحذوف عامل النصب في لفظ الظرف ومحل المجرور، والأصل في العامل أن يكون فعلا.
"و" الصحيح عند جمهور البصريين2 "أن تقديره: كائن أو مستقر، لا كان أو استقر". وحجتهم أن المحذوف هو الخبر في الحقيقة، والأصل في الخبر أن يكون اسما مفردا، فكل من الفريقين استند إلى أصل صحيح3، ورجح الاسم بوقوع الظرف والمجرور في موضع لا يصلح للفعل، نحو: أما في الدار فزيد، {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} [يونس: 21] لأن "أما" لا تنفصل من الفاء إلا باسم مفرد أو جملة شرط دون جوابه؛ ولأن "إذا" الفجائية لا يليها الأفعال على الأصح.
وقال الموضح في المغني4: والحق عندي أنه لا يترجح تقديره اسما ولا فعلا؛ بل بحسب المعنى. ا.هـ. وإليه يرشد قول الناظم:
__________
1 شرح الرضي 1/ 243.
2 انظر الإنصاف 1/ 245.
3 شرح ابن عقيل 1/ 211.
4 مغني اللبيب 2/ 445 "584".(1/206)
123- وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر
وذهب الكوفيون وابنا طاهر وخروف إلى أنه لا تقدير. ثم اختلفوا فقال ابنا طاهر وخروف: الناصب لهما المبتدأ، وزعما أنه يرفع الخبر إذا كان عينه نحو: زيد أخوك، وينصبه إذا كان غيره، نحو: زيد عندك. وقال الكوفيون: الناصب لهما معنوي وهو كونهما مخالفين للمبتدأ1.
قال في المغني2: ولا معمول على هذين القولين. "و" على القول بأن لهما متعلقا محذوفا فالصحيح "أن الضمير الذي كان فيه انتقل" منه "إلى الظرف والمجرور"، وسكن فيهما "كقوله" وهو جميل بن عبد الله: [من الطويل]
142- فإن يك جثماني بأرض سواكم.... "فإن فؤادي عندك الدهر أجمع"
وجه الدلالة منه أن "أجمع" مرفوع لا يصلح أن يكون توكيد لـ"فؤادي" ولا لـ"الدهر"؛ لأنهما منصوبان، ولا للضمير المحذوف مع الاستقرار؛ لأن التوكيد والحذف متنافيان، ولا لاسم "إن" على محله من الرفع على الابتداء؛ لأن الطالب للمحل قد زال بدخول الناسخ، وإذا بطلت هذه الأقسام تعين أن يكون توكيدا للضمير المنتقل إلى الظرف وهو المطلوب، ولا يشكل بالفصل بالأجنبي وهو "الدهر" فإنه جائز في الضرورة3.
وقيل: لا ضمير في الظرف والمجرور مطلقا تقدم أو تأخر، وإن الضمير حذف مع المتعلق، وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو مجرورا لا ضمير فيه عند سيبويه4 والفراء إلا إذا تأخر عن المبتدأ، أما إذا تقدم عليه فلا ضمير فيه؛ واستدل على ذلك بأنه لو كان فيه ضمير إذا تقدم لجاز أن يؤكد، وأن يعطف عليه، وأن يبدل منه، كما يفعل ذلك مع المتأخر، ا. هـ.
__________
1 شرح التسهيل 1/ 314.
2 مغني اللبيب 2/ 446 "585".
142- البيت لجميل بثينة في ديوانه ص111، وخزانة الأدب 1/ 359، والدرر 1/ 190، والسمط ص505، وشرح شواهد المغني 2/ 846، والمقاصد النحوية 1/ 525، ولكثير عزة ديوانه ص404، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 201، وشرح الأشموني 1/ 93، ومغني اللبيب 2/ 442 "579"، وهمع الهوامع 1/ 98.
3 هذا التعليق على البيت نقله الصبان بتصرف في حاشيته 1/ 200.
4 الكتاب 2/ 145.(1/207)
ولك أن تقول: إنما امتنع جواز الاتباع للفصل بالأجنبي، ولا يلزم منه عدم وجود المتبوع، فلا يتم التقريب.
"ويخبر" بالمكان عن أسماء الذوات والمعاني، نحو: زيد خلفك، والخير أمامك، ولا يخبر "بالزمان" إلا "عن أسماء المعاني" إذا كان الحديث غير مستمر، "نحو: الصوم اليوم والسفر غدا"، فإن كان الحدث مستمرا امتنع الإخبار به عنه، فلا يقال: طلوع الشمس يوم الجمعة، لعدم
الفائدة. "ولا" يخبر بالزمان "عن أسماء الذوات، نحو: زيد اليوم", والفرق أن الأحداث أفعال وحركات وغيرهما فلا بد لكل حدث من زمان يختص به، بخلاف الذوات فإن نسبتها إلى جميع الأزمنة على السواء فلا فائدة في الإخبار بالزمان عنها، "فإن حصلت فائدة جاز" الإخبار بالزمان عن أسماء الذوات، وتحصل الفائدة "كأن يكون المبتدأ عاما، والزمان خاصا" إما بالإضافة، "نحو: نحن في شهر كذا"، فـ"نحن" مبتدأ، وهو عام لصلاحيته في نفسه لكل متكلم، إذ لا يختص بمتكلم دون آخر، و"في شهر كذا" خبره. وهو خاص بالمضاف إليه. وإما بالوصف نحو: نحن في زمان طيب. "وأما نحو: الورد في أيار"، بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف، والمنع من الصرف للعلمية والعجمة؛ لأنه شهر رومي، "واليوم خمر والليلة الهلال"، بنصب "اليوم" و"الليلة"، "فـ" التأويل فيها واجب بتقدير مضاف كما قاله الفارسي، و"الأصل: خروج الورد" في أيار، "و" اليوم "شرب خمر و" الليلة "رؤية الهلال"، فالإخبار في الحقيقة إنما هو عن اسم المعنى، لا عن اسم الذات، والتفصيل بين حصول الفائدة وعدمها هو اختيار ابن الطراوة وجماعة1، ووافقهم الناظم2 فقال:
124- ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة وإن يفد فأخبرا
والصحيح المنع مطلقا، وما ورد من ذلك فيؤول.
__________
1 هذا مذهب جمهور البصريين. انظر شرح ابن عقيل 1/ 214.
2 انظر التسهيل ص46، وتوضيح المقاصد 1/ 281.(1/208)
فصل3
"فصل":
"ولا يبتدأ بنكرة" لأنها مجهولة، والحكم على المجهول لا يفيد غالبا "إلا إن حصلت" به "فائدة، كأن يخبر عنها بمختص" بما يصلح للإخبار عنه، "مقدم" نعت لمختص "ظرف أو مجرور" بدل من مختص أو عطف بيان عليه، وظاهر كلامه أن التقديم له دخل في التسويغ. والتحقيق أن المسوغ للابتداء بالنكرة أن يخبر عنها بظرف مختص، والتقديم إنما هو لرفع إلباس الخبر بالصفة، وصرح بذلك في المغني1.
فالظرف "نحو: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}" [ق: 35]، والمجرور نحو: "{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7]، فـ"مزيد" و"غشاوة" مبتدآن، وهما نكرتان، وسوغ الابتداء بهما الإخبار عنهما بظرف ومجرور مختص بإضافتهما إلى ما يصلح للإخبار عنه وهو الضمير، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
125- ولا يجوز الابتداء بالنكره ما لم تفد كعند زيد نمره
وهو مثال لما يجوز، "ولا يجوز: رجل في الدار" لفوات الاختصاص والتقدم معا، "ولا" يجوز: "عند رجل مال"2 لعدم الاختصاص بما يصلح للإخبار عنه3، "أو" كانت "تتلو نفيا، نحو: ما رجل قائم"، مثله في النظم بقوله:
126- ................. فما خل لنا ...................................
فـ"رجل" و"خل" مبتدآن، وسوغ الابتداء بهما تقدم النفي عليهما، وبذلك تحصل الفائدة؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، وإذا عمت كان مدلول النكرة جميع أفراد الجنس، فأشبهت المعرف بـ"أل" الاستغراقية.
__________
1 مغني اللبيب "611".
2 في "ط": "ماله"، تحريف.
3 في حاشية الصبان 1/ 204: "المراد بالاختصاص هنا أن يكون المجرور في الخبر الجار والمجرور والمضاف إليه في الظرف، والمسند إليه في الجملة صالحا للإخبار عنه، قاله الشمني".(1/209)
"أو" تتلو "استفهاما، نحو: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 60, 64]، ومثله في النظم بقوله:
126- وهل فتى فيكم .......... .................................
فـ"إله" و"فتى" مبتدآن، وسوغ الابتداء بهما وقوعهما في حيز الاستفهام, وبذلك تحصل الفائدة؛ لأن الاستفهام سؤال عن غير معين يطلب تعيينه في الجواب، فأشبه العموم الخاص. وفيه رد على ابن الحاجب حيث قال في شرح منظومته: إن الاستفهام المسوغ للابتداء هو الهمزة المعادلة بـ"أم"، نحو: أرجل في الدار أم امرأة، "أو تكون موصوفة سواء ذكرا"، أي: الموصوف والصفة، "نحو: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ" خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221]، فـ"عبد" مبتدأ وهو نكرة، وسوغ الابتداء به وصفه بـ"مؤمن" لأن النكرة إذا وصفت قربت من المعرفة.
وقال ابن الحاجب: المسوغ للابتداء بالنكرة في هذه الآية إنما هو معنى العموم1، و"خير" خبر المبتدأ، ومثله الناظم بقوله:
126- .................................... ورجل من الكرام عندنا
"أو حذفت الصفة" وذكر الموصوف، "نحو: السمن منوان بدرهم، ونحو: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، فـ"منوان" و"طائفة" مبتدآن، وسوغ الابتداء بهما كون كل منهما موصوفا بصفة محذوفة، "أي: منوان منه، وطائفة من غيركم"، بدليل: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران: 154]، وفيه رد على ابن مالك حيث مثل بالآية للتسويغ بواو الحال، كما قاله في المغني2. "أو" حذف "الموصوف"، وذكرت الصفة "كالحديث: سوآء ولود خير من حسناء عقيم"3، فـ"سوآء" بالمد، مبتدأ، وسوغ الابتداء بها كونها صفة لموصوف، "أي: امرأة سوآء"، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، و"ولود" صفة ثانية لـ"امرأة" و"خير" خبر المبتدأ.
__________
1 الإيضاح في شرح المفصل 1/ 184, 185.
2 مغني اللبيب "613".
3 ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وقال: رواه الطبراني، وأشار إليه بالضعف، فيض القدير 4/ 114. وقال ابن الأثير في النهاية 2/ 416 "سوأ": "أخرجه الأزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه غيره من عمر".
وفي حاشية يس 1/ 169: "قال الدنوشري: ذكره في الإحياء بلفظ: سوداء ولود خير من حسناء لا تلد. قال العراقي في تخريجه: أخرجه في الضعفاء من رواية شهر بن حكيم عن أبيه عن جده".(1/210)
"أو" كانت النكرة "عاملة [عمل الفعل]1، كالحديث: "أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة"2، فـ"أمر" و"نهي" مبتدآن، وسوغ الابتداء بهما كونهما عاملين في محل المجرور بعدهما؛ لأنهما مصدران، والمصدر يعمل عمل فعله، ومثله الناظم بقوله:
127- ورغبة في الخير خير ............ ........................................
"ومن" النكرة "العاملة" النكرة "المضافة"؛ لأن المضاف عامل في المضاف إليه الجر، "كالحديث: "خمس صلوات كتبهن الله"" على العباد في [اليوم والليلة]3، فـ"خمس" مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه عاملا في المضاف إليه، ومثله الناظم بقوله:
127- ...................... وعمل بر يزين ...........................
ولا بد في هذه المسوغات من مراعاة معنى صحيح مقصود، وإلا ورد على الظرف والمجرور: عند الناس درهم، وفي الدنيا رجل، وعلى النفي: ما حمار ناطق، وعلى الاستفهام: هل امرأة في الأرض، وعلى الموصوف: رجل ذكر واضح، وعلى العمل: شرب للماء نافع، وغلام إنسان موجود، فهذه كلها لا تصلح لأن تكون أمثلة لحصول الفائدة، مع أنها مشتملة على المسوغات المذكورة.
"ويقاس على هذه المواضع" المذكورة في كلام الموضح "ما أشبهها" في المعنى، فيقاس على {لَدَيْنَا "مَزِيدٌ"} [ق: 35]، {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 6] "نحو: قصدك غلامه رجل، و" على: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 60, 64] نحو: "كم رجلا في الدار و" على: ما رجل في الدار، نحو "قوله: [من البسيط]
143- لولا اصطبار لأودي كل ذي مقة" لما استقلت مطاياهن للظعن
"و" على {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ} [البقرة: 221] نحو: "رجيل في الدار"، بالتصغير. وعلى العاملة النصب أو الجر العاملة الرفع، نحو: قائم الزيدان، عند من لا يشترط الاعتماد، وإنما قيست عليها "لشبه الجملة"، وهي: قصدك غلامه
__________
1 ما بين المعقوفتين إضافة من "ط".
2 صحيح مسلم 1/ 499، وكتاب صلاة المسافرين وقصرها "6"، باب 13: استحباب صلاة الضحى.
3 ما بين المعقوفتين إضافة من "ط". وانظر الموطأ 1/ 123.
143- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 112، وأوضح المسالك 1/ 204، والدرر 1/ 193، وشرح الأشموني 1/ 98، وشرح ابن عقيل 1/ 224، والمقاصد النحوية 1/ 532، وهمع الهوامع 1/ 101.
أودى: هلك. كل ذي مقة: كل ذي محبة. استقلت: نهضت. الظعن: الرحيل والسفر(1/211)
رجل "بالظرف والمجرور"، في التقديم والاختصاص بالمعمول، "و" لشبه "اسم الاستفهام" وهو: "كم" "بالاسم المقرون بحرفه" وهو: "أإله". "و" لشبه "تالي لولا" وهو: "اصطبار" "بتالي النفي" وهو: "رجل" في: ما رجل، "و" لشبه "المصغر" وهو: "رجيل" "بـ" الاسم "الموصوف" وهو: "لعبد مؤمن"،؛ لأن التصغير وصف في المعنى بالصغر، هكذا ثبت في بعض النسخ، وفيه لف ونشر مرتب وهو [أخص من قول الناظم:
127- ............................. ........... وليقس ما لم يقل]1
ولم يذكر مسوغ الإخبار بالنكرة غير المفيدة تبعا للنظم، ومن ذلك التسويغ بالنعت نحو قوله سبحانه وتعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل: 47]. ذكره الموضح في شرح بانت سعاد2.
__________
1 سقط ما بين المعقوفتين من "ب".
2 قال الموضح في شرح بانت سعاد ص124: "ونظيرها الجملة التي بعد "قوم"، في قوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}، وعلم بذلك أن الفائدة كما تحصل من الخبر كذلك تحصل من صفته".(1/212)
فصل4
"فصل":
"وللخبر ثلاث حالات: إحداها: التأخر، وهو الأصل". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
128- والأصل في الأخبار أن تؤخرا ....................................
لأن المبتدأ محكوم عليه، فحقه التقديم ليتحقق تعقله، فيكون حق الخبر التأخير؛ لأن محكوم به "كـ"زيد قائم" ويجب" تأخير الخبر "في أربع مسائل:
إحداها: أن يخاف التباسه بالمبتدأ، وذلك إذا كانا معرفتين، أو" نكرتين "متساويين" في التخصيص، "ولا قرينة" تمييز أحدهما عن الآخر، فالمعرفتان "نحو: زيد أخوك"، فإن كلا من هذين الجزأين صالح لأن يخبر عنه بالآخر، ويختلف المعنى باختلاف الغرض، فإذا عرف السامع زيدا بعينه واسمه ولا يعرف المخاطب اتصافه بأنه أخو المخاطب، وأردت أن تعرفه ذلك قلت: زيد أخوك: ولا يصح لك أن تقول: أخوك زيد، وإذا عرف أخا له ولا يعرفه على التعيين باسمه، وأردت أن تعينه عنده قلت: أخوك زيد، ولا يصح لك أن تقول: زيد أخوك. هذا هو المشهور. وقيل: يجوز تقدير كل منهما مبتدأ وخبرا مطلقا. وقيل: إن كان أحدهما مشتقا فهو الخبر وإن تقدم، نحو: القائم زيد، وقيل: إن كان أحدهما أعرف فهو المبتدأ، نحو: هذا زيد، وإن استويا في الرتبة وجب الحكم بابتدائية المتقدم، نحو: {اللَّهُ رَبُّنَا} [الشورى: 15]، قاله في المغني1.
"و" النكرتان المتساويتان، نحو: "أفضل منك، أفضل مني"، فإن كل واحد من هذين الوصفين صالح لأن يخبر عنه بالآخر لعمله في المجرور بعده، فإذا جعلت "أفضل منك" مبتدأ، و"أفضل مني" خبره امتنع تقديم الخبر لئلا يتوهم ابتدائيته، فينعكس المعنى لعدم القرينة2، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
129- فامنعه حين يستوي الجزآن..... عرفا ونكرا عادمي بيان
__________
1 مغني اللبيب 2/ 452 "588, 589".
2 هذا على مذهب الجمهور. انظر حاشية الصبان 1/ 209.(1/213)
"بخلاف" ما إذا كان معه قرينة لفظية أو معنوية. فالأول نحو: "رجل صالح حاضر"، فإن القرينة اللفظية وهي الصفة قاضية على النكرة الموصوفة بالابتدائية تقدمت أو تأخرت. والثاني نحو: "أبو يوسف أبو حنيفة"، فإن القرينة المعنوية وهي التشبيه الحقيقي قاضية بأن "أبو يوسف" مبتدأ؛ لأنه مشبه، و"أبو حنيفة" خبره؛ لأنه مشبه به تقدم أو تأخر، "وقوله: [من الطويل]
144- بنونا بنو أبنائنا" وبناتنا .....بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فإن قرينة التشببيه الحقيقي قاضية بأن بني الأبناء مشبهون بالأبناء، فـ"بنو أبنائنا" مبتدأ مؤخر، و"بنونا" خبر مقدم، "والمعنى: بنو أبنائنا مثل بنينا"، هذا على حقيقة التشبيه، ويضعف أن يكون على عكس التشبيه للمبالغة؛ لأن ذلك نادر الوقوع، ومخالف للأصول، اللهم إلا أن يقتضي المقام المبالغة فلا شاهد فيه حينئذ. و"بناتنا" مبتدأ أول، و"بنوهن" مبتدأ ثان، و"أبناء الرجال" خبر الثاني1، وهو وخبره خبر الأول، و"الأباعد" نعت "الرجال".
المسألة "الثانية": مما يجب فيه تأخير الخبر "أن يخاف التباس المبتدأ بالفاعل" إذا تقدم الخبر وكان فعلا مسندا إلى ضمير المبتدأ المستتر، "نحو: زيد قام"، أو يقوم، فلو قدم والحالة هذه، وقيل: "قام أو يقوم زيد" لالتبس المبتدأ بالفاعل، "بخلاف" ما إذا كان الخبر صفة، نحو: "زيد قائم، أو" كان فعلا رافعا لظاهر أو لضمير بارز، فالأول نحو: زيد "قام أبوه"، والثاني نحو: "أخواك قاما" على اللغة الفصحى، فلا لبس فيهن، فيجوز تقديمه2، فتقول: قائم زيد، وقام أبوه زيد، وقاما أخواك، وهذا التقييد لا بد منه في قول الناظم:
130- كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ...................................
__________
144- البيت للفرزدق في خزانة الأدب 1/ 444، وبلا نسبة في ارتشاف الضرب 2/ 41، والإنصاف 1/ 66، وأوضح المسالك 1/ 106، وتخليص الشواهد 198، والحيوان 1/ 230، والدرر 1/ 193، وشرح ابن الناظم ص82، وشرح الأشموني 1/ 99، وشرح التسهيل 1/ 206، وشرح شواهد المغني 2/ 848، وشرح ابن عقيل 1/ 233، وشرح المفصل 1/ 99، 9/ 132، ومغني اللبيب 2/ 452، وهمع الهوامع 1/ 102.
1 في "ط": "خبر المبتدأ الثاني".
2 في الارتشاف 2/ 41: "الإجازة مذهب الأخفش والمبرد، أما من منع فهم باقي البصريين". وانظر شرح ابن عقيل 1/ 235، وشرح ابن الناظم ص82.(1/214)
المسألة "الثالثة: أن يقترن" الخبر "بـ"إلا" معنى نحو: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ}" [هود: 12]، فلا يجوز تقديم الخبر؛ لأنه محصور فيه بـ"إلا" معنى، إذ1 التقدير: ما أنت إلا نذير، "أو" يقترن بـ"إلا" "لفظا نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144]، فلا يجوز تقديم الخبر لما مر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
130- .............................. أو قصد استعماله منحصرا
"فأما قوله"، وهو الكميت بن زيد: [من الطويل]
145- فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم "وهل إلا عليك المعول
فضرورة"؛ لأنه قدم الخبر المقرون بـ"إلا" لفظا، والأصل: وهل المعول إلا عليك2، ولا يجوز أن يكون "المعول" مرفوعا على الفاعلية بالجار والمجرور قبله لاعتماده على الاستفهام؛ لأن "إلا" مانعة من ذلك، فكما يقال: هل إلا قام زيد، لا يقال: هل إلا في الدار زيد، من باب أولى.
المسألة "الرابعة": مما يجب فيه تأخير الخبر "أن يكون المبتدأ مستحقا للتصدير، إما بنفسه"، بأن يكون له صدر الكلام، "نحو: ما أحسن زيدا"، فـ"ما" مبتدأ، وسوغ الاتبداء بها ما فيها من معنى التعجب، و"أحسن زيدا" خبره، "و: من في الدار"، فـ"من" اسم استفهام مبتدأ، و"في الدار" خبره، "و: من يقم أقم معه"، فـ"من" اسم شرط، وهو مبتدأ، و"يقم" خبره على الأصح، وقيل: الجواب، وقيل هما، "و: كم عبيد لزيد" فـ"كم" مبتدأ، وهي خبرية، و"عبيد" مضاف إليه، و"لزيد"
خبر "كم"، فالخبر في هذه الأمثلة واجب التأخير، وهو في الأول فعل ماض، وفي الثاني جار ومجرور، وفي الثالث فعل مضارع، وفي الرابع جار ومجرور، والمبتدأ فيها لازم الصدر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
131- ............................... أو لازم الصدر .........................
__________
1 في "ب": "والتقدير".
145- البيت للكميت في تخليص الشواهد 192، والدرر 1/ 195، وسر صناعة الإعراب 1/ 139، والمقاصد النحوية 1/ 534، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في ارتشاف الضرب 2/ 42، وأوضح المسالك 1/ 209، وشرح ابن الناظم ص83، وشرح الأشموني 1/ 99، وشرح ابن عقيل 1/ 235، وشرح التسهيل 1/ 298، وهمع الهوامع 1/ 102.
2 في المقاصد النحوية 1/ 534: "الاستشهاد به على جواز تقديم الخبر المحصور بـ"إلا" للضرورة، وإنما كان حقه أن يقول: وهل النصر يرتجى إلا بك، و: هل العول إلا إليك". وانظر الدرر 1/ 195 حيث نقل ذلك القول.(1/215)
"أو مشبها به"، أي: بما يستحق التصدير، "نحو: الذي يأتيني فله درهم"، فـ"الذي" مبتدأ، وهو اسم موصول، و"يأتيني" صلته، وجملة "فله درهم" خبره، وهو واجب التأخير، "فإن المبتدأ هنا" وهو "الذي" "مشبه باسم الشرط لعمومه" وإبهامه، "واستقبال الفعل الذي بعده" وهو "يأتيني"، "وكونه" أي: الفعل الذي بعده "سببا" لما بعده، وهو جملة الخبر كما أن الشرط سبب للجواب، "ولهذا" الشبه "دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب" لتفيد التنصيص على أن استحقاق "الدرهم" مسبب عن الإتيان، فلو لم تذكر الفاء احتمل ذلك، واحتمل الإقرار.
"أو" يكون مستحقا للتصدير "بغيره"، وذلك الغير الذي له الصدر "إما" أن يكون "متقدما عليه" أي: على المبتدأ، "نحو: لزيد قائم"، فـ"زيد" مبتدأ، و"قائم" خبره1، وهو واجب التأخير؛ لأن المبتدأ تقدم عليه لام الابتداء، وهي مانعة من تأخيره، فإن لام الابتداء ملازمة لصدر الكلام، وما اقترن بلازم الصدر وجب تقديمه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
131- أو كان مسندا لذي لام ابتدا ....................................
"فأما قوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
146- "أم الحليس لعجوز شهربه" ترضى من اللحم بعظم الرقبه
"فا" للام داخلة على مبتدأ محذوف، وا "التقدير: لهي2 عجوز"، والجملة خبر "أم الحليس"، ولا يمتنع دخول اللام في الخبر إذا كان جملة، بخلاف المفرد، "أو" لا حذف "واللام زائدة، لا لام الابتداء" كقوله: [من الكامل]
__________
1 في الأصل: "زيد قائم، مبتدأ خبره".
146- الرجز لرؤبة في ديوانه ص170، وشرح المفصل 3/ 130، 8/ 23، وله أو لعنترة بن عروس في خزانة الأدب 10/ 323، والدرر 1/ 295، وشرح شواهد المغني 2/ 604، والمقاصد النحوية 1/ 535، 2/ 251، وبلا نسبة في لسان العرب 1/ 510 "شهرب" وجمهرة اللغة ص1121، وتاج العروس 3/ 169 "شهرب"، "لوم"، والارتشاف 2/ 147، وأوضح المسالك 1/ 210، وتخليص الشواهد ص358، والجنى الداني 128، ورصف المباني ص336، وسر صناعة الإعراب 1/ 378، 381، 1/ 229، 2/ 30، وشرح المفصل 7/ 57، ومغني اللبيب 1/ 230، 233، وهمع الهوامع 1/ 140.
2 في الأصل: "كل"، تحريف.(1/216)
147- خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا
ويضعف التقدير الأول أن الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين، ويضعف التقدير الثاني1 أن زيادة اللام في الخبر خاصة بالشعر، قاله في المغني2. وإذا دار الأمر بين التقديرين فدعوى الزيادة أولى من دعوى الحذف، لئلا يجتمع التوكيد والحذف، وهو ممتنع عند الجمهور، "أو" يكون ذلك الغير الذي في الصدر "متأخرا عنه"، أي: عن المبتدأ بأن يكون ما في الصدر مضافا إليه مبتدأ، "نحو: غلام من في الدار"، فـ"غلام" مبتدأ، و"من" اسم استفهام مضاف إليه، و"في الدار" خبر المبتدأ، "وغلام من يقم أقم معه"، فـ"غلام" مبتدأ، و"من" اسم شرط مضاف إليه، و"يقم" خبر المبتدأ، و"أقم معه" جواب الشرط، "و: مال كم رجل عندك"، فـ"مال" مبتدأ، و"كم" خبرية مضاف إليها، و"رجل" تمييزها مخفوض بإضافته إليها، و"عندك" خبر مقدم.
وحاصل ما أتى به [من أمثلة]3 ما يستحق التصدير سبعة أضرب4: ما التعجبية، ومن الاستفهامية والشرطية، وكم الخبرية، والموصول الذي في خبره الفاء، ولام الابتداء، والمضاف إلى ما في الصدر وبقي عليه ضمير الشأن نحو: [{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}]5 [الإخلاص: 1] فإنه يلزم صدر الكلام، والإخبار بالجمل وإذا أخبر عنه بجملة لا يجوز أن تتقدم عليه6.
__________
147- البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 10/ 323، وسر صناعة الإعراب ص378، وشرح الأشموني 1/ 100، وشرح ابن عقيل 1/ 237، وشرح التسهيل 1/ 258، ولسان العرب 1/ 510 "شهرب"، والمقاصد النحوية 1/ 556.
1 في الأصل: "الأول".
2 مغني اللبيب 1/ 238.
3 سقط ما بينهما من الأصل.
4 انظر الارتشاف 2/ 42, 43.
5 سقط من "أ"، "ب"، وهو ثابت في "ط".
6 في الإنصاف 1/ 65: "ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه، مفردا كان أو جملة، فالمفرد نحو: قائم زيد، وذاهب عمرو، والجملة نحو: أبوه قائم زيد، وأخوه ذاهب عمرو. وذهب البصريون إلى أنه يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه، المفرد والجملة"، وانظر شرح ابن عقيل 1/ 227, 228.(1/217)
"الحالة الثانية: التقدم: ويجب في أربع مسائل" أيضا. وفي غالب النسخ إسقاط الحالة الثانية التقدم، وإثبات1: ويمتنع: يعني تأخير الخبر في أربع مسائل:
"إحداها: أن يوقع تأخيره في لبس ظاهر، نحو: في الدار رجل"، فـ"في الدار" خير مقدم، و"رجل" مبتدأ مؤخر وجوبا، "و: عندك مال"، فـ"عندك" خبر مقدم، و"مال" مبتدأ مؤخر وجوبا، "وقصدك غلامه رجل"، فجملة "قصدك غلامه" خبر مقدم، و"رجل" مبتدأ مؤخر2. قال أبو حيان3: ولا أعلم لابن مالك سلفا في هذه الأخيرة، "وعندي أنك فاضل"، فـ"عندي" خبر مقدم، و"أنك فاضل" بفتح "أن" مبتدأ مؤخر، ولا يجوز تأخير الخبر في شيء من ذلك، "فإن تاخير الخبر في مثل هذا المثال" الأخير، وهو "عندي أنك فاضل" "يوقع في إلباس "أن" المفتوحة بـ"إن" المكسورة" لفظا، "و" إلباس ""أن" المؤكدة" المفتوحة "بـ"أن"" المفتوحة "التي بمعنى "لعل"" يعني: فإذا قدم المبتدا وأخر الخبر يصير: أنك فاضل عندي، فيحتمل أن تكون "أن" مفتوحة, وهي وصلتها مبتدأ, والظرف خبره, ويحتمل أن تكون مكسورة لكونها وقعت في ابتداء الجملة، والظرف متعلق بـ"فاضل"، وعلى الفتح يحتمل كونها مؤكدة بمعنى "لعل" لأنها أحد لغاتها، والمعنى: لعلك فاضل عندي، وهذا الإلباس لا يتأتى مع تقدم الظرف لأن "إن" المؤكدة المكسورة و"أن" التي بمعنى "لعل" لا يتقدم معمول خبرهما عليهما، "ولهذا يجوز تأخره"، أي: الخبر عن المبتدأ، "بعد: أما" الشرطية المفتوحة الهمزة المشددة الميم، كقوله: [من البسيط]
148- عندي اصطبار "وأما أنني جزع..... يوم النوى فلوجد كاد يبريني"
فـ"أما أنني جزع" بكسر الزاي، مبتدأ، و"يوم النوى" بالنون بمعنى: البعد والفراق، يتعلق بـ"جزع" لأنه صفة مشبهة من "الجزع" بفتحتين، وهو نقيض الصبر، و"فلوجد" جار ومجرور خبر "أنني جزع" على حد: أما زيد ففي الدار، و"يبريني" من:
__________
1 في "ط": "والإثبات".
2 في شرح التسهيل 1/ 301: "فلولا "الكاف" من "قصدك" لم يفد الإخبار بالجملة، كما أنه لولا اختصاص الظرف والمجرور لم يفد الإخبار بهما".
3 الارتشاف 2/ 43.
148- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 213، والدرر 1/ 195، وحاشية يس 2/ 259، وشرح الأشموني 1/ 101، 3/ 602، وشرح شواهد المغني 2/ 661، ومغني اللبيب 1/ 270، والمقاصد النحوية 1/ 536، وهمع الهوامع 1/ 103.(1/218)
بربت القلم: إذا نحته، وأصل البري: القطع، والمعنى: وأما جزعي يوم الفراق فلأجل وجد قارب أن ينحلني. وإنما جاز تأخير الخبر عن المبتدأ1 هنا "لأن "إن" المكسورة، و"أن" التي بمعنى "لعل" لا يدخلان هنا"؛ لأن كلا منهما مع معموليهما جملة تامة مستقلة، و"أما" لا تفصل من الفاء بجملة تامة، وإنما تفصل باسم مفرد أو جملة شرط دون جوابه، نحو: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ} [الواقعة: 88, 89]، و"تأخره"، أي: الخبر عن المبتدأ "في الأمثلة" الثلاثة "الأول"، بضم الهمزة، وهي: في الدار رجل، و: عندك مال، و: قصدك غلامه رجل، "يوقع في إلباس الخبر بالصفة"؛ لأن النكرة تطلب الظرف والجار والمجرور والجملة لتختص بها طلبا حثيثا، فلو تأخر الخبر لتوهم أنه صفة؛ لأن الجملة وشببها بعد النكرات صفات، فالتزم التقديم دفعا لهذا الإلباس، وإليه أشار الناظم بقوله:
132- ونحو عندي درهم ولي وطر ملتزم فيه تقدم الخبر
"وإنما لم يجب تقديم الخبر في نحو: {وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} [الأنعام: 2] لأن النكرة" وهي "أجل" "قد وصفت بمسمى"، فضعف طلبها للظرف، "فكان الظاهر في الظرف" وهو "عنده" "أنه خبر" لـ"أجل"، "لا صفة" ثانية له2.
وفي الكشاف 3: أن تقديم المبتدأ هنا واجب؛ لأن المعنى: وأي أجل مسمى عنده، تعظيما لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم.
المسألة "الثانية" مما يجب فيه تقديم الخبر "أن يقترن المبتدأ بـ"إلا" لفظا نحو:
135- .................................... ........... ما لنا إلا اتباع أحمدا"
صلى الله عليه وسلم، فـ"لنا" خبر مقدم، و"اتباع أحمدا" مبتدأ مؤخر، "أو" يقترن بـ"إلا" "معنى" نحو: إنما عندك زيد، فـ"عندك" خبر مقدم، و"زيد" مبتدأ مؤخر، وهو محصور فيه، والمعنى: ما عندك إلا زيد، وشمل ذلك قول الناظم:
135- وخبر المحصور قدم أبدا ...............................
المسألة "الثالثة: أن يكون" الخبر "لازم الصدرية" بنفسه4 "نحو: أين زيد"، أو بغيره، إما مقدما عليه نحو: لقائم زيد، "أو" متأخرا عنه، وذلك إذا كان
__________
1 سقطت من الأصل.
2 سقطت من "ط".
3 الكشاف 1/ 353.
4 خلافا للأخفش والمازني، فإنهما أجازا: زيد كيف؟ وعمرو أين؟. انظر الارتشاف 2/ 43.(1/219)
الخبر "مضافا إلى لازمها" أي: الصدرية "نحو: صبيحة أي يوم سفرك" فـ"صبيحة" خبر مقدم، و"أي" اسم استفهام مضاف إليه، و"سفرك" مبتدأ مؤخر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
134- كذا إذا يستوجب التصديرا ...................................
المسألة "الرابعة: أن يعود ضمير متصل بالمبتدأ على بعض" متعلق "الخبر1، كقوله تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، فـ"أقفالها" مبتدأ مؤخر، و"على قلوب" خبر مقدم، ولا يجوز تأخيره لئلا تعود الهاء المتصلة بـ"أقفالها" على "قلوب" وهي متأخرة في الرتبة؛ لأنها بعض متعلق الخبر؛ لأن الخبر على الصحيح المتقدم هو الاستقرار، والجار والمجرور متعلق به، ومتعلق الخبر رتبته التأخير، فيعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، "و" كذا إذا عاد على مضاف إليه الخبر، نحو "قول الشاعر" وهو نصيب بالتصغير الأكبر ابن رباح، وهو عبد أسود لبني مروان لا نصيب الأصغر مولى المهدي، يخاطب امرأة: [من الطويل]
149- أهابك إجلالا وما بك قدرة علي "ولكن ملء عين حبيبها"
فـ"ملء" خبر مقدم، و"حبيبها" مبتدأ مؤخر، ولا يجوز تقديمه على الخبر2 لئلا يعود الضمير على "عين"، وقد أضيف إليها الخبر وهو متأخر في الرتبة، وتسميتها بعض الخبر مجاز، وإنما الخبر المضاف لا غير، وقول الخطيب التبريزي إن الضمير المضاف إليه المبتدأ يجوز أن يرجع إلى المرأة بعيد3، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
133- كذا إذا عاد عليه مضمر مما به عنه مبينا يخبر
ويوجد في بعض النسخ الحالة الثالثة جواز التقديم والتأخير، وذلك فيما فقد فيه موجبهما كقولك: زيد قائم فيترجح تأخيره على الأصل، ويجوز تقديمه لعدم المانع. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
128- ........................................ وجوزوا التقديم إذ لا ضررا
__________
1 انظر حول هذه المسألة ما جاء في شرح ابن عقيل 1/ 240, 241، وشرح ابن الناظم ص84.
149- البيت للمجنون في ديوانه ص71، وديوان المعاني 1/ 144، ولنصيب بن رباح في ديوانه ص68، وتخليص الشواهد ص201، وسمط اللآلي ص401، وشرح التسهيل 1/ 302، والمقاصد النحوية 1/ 537، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 44، وأوضح المسالك 1/ 215، وشرح ابن الناظم ص84، وشرح الأشموني 1/ 101، وشرح ابن عقيل 1/ 241، وشرح عمدة الحافظ ص173.
2 في شرح ابن الناظم ص84: "وتأخير المبتدأ واجب؛ لأنه لو قدم لعاد الضمير معه إلى متأخر في اللفظ والرتبة". وانظر شرح ابن عقيل 1/ 242.
3 في شرح الحماسة للتبريزي 3/ 170: "والضمير من "حبيبها" للعين، وإن جعلته للمرأة جاز".(1/220)
فصل5
"فصل":
وما علم من مبتدأ أو خبر جاز حذفه، وإلى ذلك أشار النظم بقوله:
136- وحذف ما يعلم جائز ....... .....................................
" وقد يجب" حذف المعلوم منهما1، "فأما حذف المبتدأ جوازا2 فنحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46]، [الجاثية: 15]، "ويقال: كيف زيد؟ فتقول" في الجواب: "دنف"، بكسر النون، فـ"لنفسه" و"عليها" و"دنف" أخبار لمبتدآت محذوفة جوازا للعلم بها، "والتقدير: فعمله لنفسه، وإساءته عليها، وهو دنف"، أي: مريض من العشق، وطريق العلم بها أن عمله وإساءته مصدران مأخوذان من فعلهما السابق، ودخول الفاء على ما لا يصلح أن يكون مبتدأ قرينة دالة على حذفه، وأن الضمير معلوم من العائد عليه في السؤال، وذلك أشار الناظم بقوله:
137- وفي جواب كيف زيد قل دنفن فزيد استغنى عنه إذ عرف
"وأما حذفه"، أي: المبتدأ "وجوبا فإذا أخبر عنه بنعت مقطوع" عن متبوعه "لمجرد مدح، نحو: الحمد لله الحميد، أو ذم، نحو: أعوذ بالله من إبليس عدو المؤمنين، أو ترحم، نحو: مررت بعبدك المسكين"، برفع "الحميد" و"عدو" و"المسكين"، على أنها أخبار لمبتدآت محذوفة وجوبا، والتقدير: هو الحميد، هو عدو المؤمنين، هو المسكين، وإنما وجب حذفه لأنهم لما [قطعوا هذه النعوت إلى النصب التزموا إضمار الناصب أمارة على أنهم]3 قصدوا إنشاء المدح أو الذم أو الترحم، كما فعلوا في النداء؛ إذ لو أظهروا الناصب لأوهم الإخبار، وأجروا الرفع في وجوب الحذف
__________
1 شرح ابن الناظم ص86, 87، وشرح ابن عقيل 1/ 246.
2 في شرح التسهيل 1/ 214: "ومن حذفه عند شم طيب، أو سمع صوت، أو رؤية شبح، فيقال: مسك، وقراءة، وإنسان، بإضمار "هذا" ونحوه".
3 سقط ما بينهما من "ط".(1/221)
مجرى النصب، واحترز بقوله: "لمجرد مدح...... إلخ"؛ من أن يكون النعت للإيضاح أو التخصيص، فإنه إذا قطع إلى الرفع جاز ذكر المبتدأ وحذفه، كإظهار الناصب وإضماره، "أو" أخبر عنه "بمصدر جيء به" أي: بالمصدر "بدلا"، أي: عوضا "من اللفظ بفعله" أي: بفعل المصدر، والمراد أنهم تلفظوا بالمصدر عوضا عن تلفظهم بالفعل، "نحو: سمع وطاعة1، وقوله: [من الطويل]
150- فقالت حنان ما أتى بك ههنا" أذو نسب أم أنت بالحي عارف
فـ"سمع" و"حنان" خبران لمبتدأين محذوفين وجوبا، "والتقدير: أمري حنان، وأمري سمع وطاعة"، وأصل هذه المصادر النصب بفعل محذوف وجوبا؛ لأنها من المصادر التي جيء بها بدلا من اللفظ بأفعالها2، ولكنهم قصدوا الثبوت والدوام، فرفعوها وجعلوها أخبارا عن مبتدآت محذوفة وجوبا حملا للرفع على النصب، وفاعل "قالت" مستتر عائد على المرأة المعهودة، والمعنى: إني أحن عليك أي شيء جاء بك ههنا، ألك قرابة، أم معرفة بالحي، وإنما قالت له ذلك خوفا من إنكار أهل الحي فيقتلونه3، "أو" أخبر عنه "بمخصوص بمعنى "نعم"" في إفادة المدح، "أو بئس" في إفادة الذم "مؤخر" المخصوص "عنهما"، أي: عن "نعم" و"بئس"، "نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، إذا قدرا"، أي: زيد وعمرو "خبرين" لمبتدأين محذوفين وجوبا، كأن سامعا سمع: نعم الرجل، أو بئس الرجل، فسأل عن المخصوص بالمدح أو الذم من هو؟ فقيل له: هو زيد، وهو عمرو، أما إذا قدرا مبتدأين وخبرهما الجملة قبلهما، أو محذوف
__________
1 أي: أمري سمع وطاعة، انظر شرح ابن الناظم ص86.
150- البيت لمنذر بن درهم الكلبي في خزانة الأدب 2/ 112، وشرح أبيات سيبويه 1/ 235، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 29، 208، وأمالي الزجاج ص131، وأوضح المسالك 1/ 217، والدرر اللوامع 1/ 412، وشرح ابن الناظم ص86، وشرح الأشموني 1/ 106، وشرح التسهيل 1/ 287، وشرح عمدة الحافظ ص190، وشرح المفصل 1/ 118، والصاحبي في فقه اللغة ص255، والكتاب 1/ 320، 349، واللسان 13/ 129 "حنن"، والمقاصد النحوية 1/ 539، والمقتضب 3/ 225، وهمع الهوامع 1/ 189.
2 في شرح ابن الناظم ص86: "قال سيبويه: وسمعت ممن يوثق بعربيته يقال له: كيف أصبحت؟ فقال: حمد الله وثناء عليه. أي: حالي حمد الله". وانظر الكتاب 1/ 319, 320، وشرح التسهيل 1/ 288.
3 في "ب": "فيغتالوه".(1/222)
على رأي عصفور1 فليسا مما نحن فيه، "فإن كان" المخصوص "مقدما" عنهما، أي: نعم أو بئس، "نحو: زيد نعم الرجل"، وعمرو بئس الرجل، "فمبتدأ"، أي: فهو مبتدأ "لا غير"، والجملة بعده خبره، والرابط بينهما العموم الذي في "الرجل".
"ومن ذلك"، أي: من حذف المبتدأ وجوبا "قولهم: من أنت زيد" بالرفع، فـ"زيد" خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، "أي: مذكورك زيد، وهذا" التقدير "أولى من تقدير سيبويه: كلامك زيد"2؛ لأن المعاني لا يخبر عنها بالذوات؛ ولأن "زيدا" ليس بكلام لعدم تركيبه. وأجيب بأنه من باب إطلاق الكلام على المفرد، وهو جائز لغة، كما جاء عكسه وهو إطلاق الكلمة على الكلام، والمعنى على التقديرين: أن شخصا ذكر زيدا وهو ليس أهلا لذكره، فقيل له: من أنت زيد، برفع "زيد" ونصبه، فالرفع على ما مر، والنصب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: من أنت تذكر زيدا، ومن ثم قال ابن طاهر في الرفع والتقدير: مذكورك زيد، فيكون المقدر في الرفع من لفظ المقدر في النصب، والتزم حذف الرافع، كما التزم الناصب، نص عليه سيبويه2، وأفاد ذلك تعظيم زيد وإجلاله، وتحقير المخاطب وإذلاله.
"و" من حذف المبتدأ وجوبا "وقولهم: في ذمتي" لأفعلن"، فـ"في ذمتي" خبر لمبتدأ محذوف وجوبا لسد جواب القسم مسده، "أي: في ذمتي ميثاق أو عهد"، ذكره أبو علي3.
"وأما حذف الخبر جوازا فنحو: خرجت فإذا الأسد" فـ"الأسد" مبتدأ وخبره محذوف جوازا، "أي: حاضر"؛ لأن "إذا" الفجائية تشعر بالحضور، "ونحو: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35]، فـ"ظلها" مبتدأ، وخبره محذوف جوازا لدلالة ما قبله عليه، "أي: كذلك"، أي: دائم، "ويقال: من عندك؟ فتقول زيد"، فـ"زيد" مبتدأ، وخبره محذوف جوازا لدلالة "من" عليه، "أي: عندي"، وإليه أشار الناظم بقوله:
136- ..................... كما تقول زيد بعد من عندكما
__________
1 في مغني اللبيب "785": "وجوّز ابن عصفور في المخصوص المؤخر أن يكون مبتدأ حذف خبره، ويرده أن الخبر لا يحذف وجوبا إلا إن سد شيء مسده"، وانظر شرح ابن الناظم ص89.
2 الكتاب 1/ 321.
3 شرح التسهيل 1/ 88.(1/223)
ويقال: ما عندك؟ فتقول: درهم، أي: عندي درهم، فيقدر الخبر متأخرا. قال ابن مالك1: "ولا يجوز أن يكون التقدير: عندي درهم إلا على ضعف؛ لأن الجواب ينبغي أن يسلك به مسلك السؤال، والمقدم في السؤال هو المبتدأ، فيكون هو المقدم في الجواب؛ ولأن الأصل تأخير الخبر، فترك في مثل: عندي درهم؛ لأن التأخير يوهم الوصفية، وذلك مأمون فيما هو جواب، فلم يعدل عن الأصل بلا سبب" ا. هـ. فإن قلت: إذا قدر الخبر متأخرا فما سوغ الابتداء بدرهم؟. قلت: كونه جوابا للاستفهام.
"وأما حذفه"، أي: الخبر "وجوبا، ففي أربع مسائل:
إحداها: أن يكون" الخبر "كونه مطلقا، والمبتدأ" واقع "بعد: لولا" الامتناعية، والمراد بالكون الوجود، وبالإطلاق عدم التقييد بأمر زائد على الوجود، وإيضاح ذلك أن يقال: إن كان امتناع الجواب لمجرد وجود المبتدأ فالخبر كون مطلق، "نحو: لولا زيد لأكرمتك"، فـ"الإكرام" ممتنع لوجود "زيد"، فـ"زيد" مبتدأ، وخبره محذوف وجوبا، وهو كون مطلق، "أي: لولا زيد موجود"، وإن كان امتناع الجواب لمعنى زائد على وجود المبتدأ؛ فالخبر كون مقيد، كما إذا قيل: هل زيد محسن إليك؟ فتقول: لولا زيد لهلكت، تريد: لولا إحسان زيد إلي لهلكت، فـ"الهلاك" ممتنع لـ"إحسان زيد"، فالخبر كون مقيد بـ"الإحسان"، وإنما حذف الخبر بعد "لولا" إذا كان كونا مطلقا؛ لأنه معلوم بمقتضى "لولا" إذ هي دالة على امتناع لوجود، والمدلول على امتناعه هو الجواب، والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمتك، لم يشك في أن وجود "زيد" منع من "الإكرام"، فصح الحذف لتعيين المحذوف، وإنما وجب لسد الجواب مسده وحلوله محله، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
138- وبعد لولا غالبا حذف الخبر حتم ..............................
"فلو كان" الخبر "كونا مقيدا"، بمعنى زائد على الوجود "وجب ذكره إن فقد دليله، كقولك: لولا زيد سالمنا ما سلم" من القتل، فـ"زيد" مبتدأ، وجملة "سالمنا" خبره، وهو كون مقيد؛ لأن وجود "زيد" مقيد بـ"المسألة"، ولا دليل يدل على خصوصيتها، فلذلك وجب ذكره، "وفي الحديث" خطابا لعائشة رضي الله عنها "لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم"2، وحكاه في المغني3
__________
1 شرح التسهيل 1/ 295.
2 أخرجه البخاري في العلم برقم 126، وأعاده في الحج برقم 1506، 1509، وأخرجه مسلم في الحج باب نقض الكعبة برقم 1333، والحديث من شواهد أوضح المسالك 1/ 221، ومغني اللبيب 1/ 272، وهو في النهاية في غريب الحديث 1/ 350 "حدث".
3 مغني اللبيب 1/ 272 "360".(1/224)
بلفظ: "لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة" فـ"قومك" مبتدأ، و"حديثو" خبره، وهو كون مقيد بـ"الحداثة"، "وجاز الوجهان" وهما: ذكر الخبر وحذفه، "إن وجد الدليل" الدال عليه، "نحو: لولا أنصار زيد حموه ما سلم"، فـ"حموه" خبر "أنصار" وهو كون مقيد بـ"الحماية"، والمبتدأ دال عليها، إذ من شأن الناصر أن يحمي من ينصره، "ومنه قول أبي العلاء" أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي "المعري" في وصف السيف: [من الوافر]
151- يذيب الرعب منه كل عضب "فلولا الغمد يمسكه لسالا"
فـ"يمسكه" خبر "الغمد"، وهو كون مقيد بـ"الإمساك"، والمبتدأ دال عليه، إذ من شأن غمد السيف إمساكه، و"يذيب" نقيض "يجمد" ومعناه: يسيل، و"الرعب" بضم الراء وسكون العين المهملة: الخوف، فاعل "يذيب" و"كل عضب" مفعوله، وهو بعين مهملة فضاد معجمة ساكنة فموحدة وهو: السيف القاطع، و"الغمد" بكسر الغين المعجمة: غلاف السيف، و"الإسالة": إيجاد السيلان، والهاء في "يمسكه" عائدة على "كل عضب"1. قال الموضح في شرح الشواهد2: والمعنى أن هذا السيف تفزع منه السيوف، فلولا أن أغمادها تمسكها لسالت لذوبانها من فزعها منه. ا. هـ.
وهذا التفصيل مذهب الرماني وابن الشجري والشلوبين وابن مالك، وإليه أشار في النظم بقوله: غالبا. "وقال الجمهور: لا يذكر الخبر بعد "لولا"" أصلا، بناء عندهم على أنه لا يكون إلا كونا مطلقا. "وأوجبوا جعل الكون الخاص"، أي: المقيد "مبتدأ فيقال" في: لولا زيد سالمنا ما سلم: "لولا مسالمة زيد إيانا، أي: موجودة"، ويقال في: لولا أنصار زيد حموه ما سلم: لولا حماية أنصار زيد إياه، أي: موجودة. "ولحنوا المعري" في قوله: فلولا الغمد يمسكه3. قال الموضح في المغني4: وليس؛ يعني التلحين؛
__________
151- البيت لأبي العلاء المعري في الارتشاف 2/ 31، وأوضح المسالك 1/ 221، والجنى الداني ص600، والدرر 1/ 196، ورصف المباني 295، وشرح ابن الناظم ص87، وشرح التسهيل 1/ 276، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 102، وشرح ابن عقيل 1/ 251، ومغني اللبيب 1/ 273، والمقرب 1/ 84.
1 في شرح ابن الناظم ص88: "ولو قيل في الكلام: "لولا الغمد لسال" لصح، ولكنه آثر ذكر الخبر، رفعا لإيهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز".
2 أي: في كتابه تخليص الشواهد ص209.
3 في حاشية يس 1/ 179: "ظاهر قوله: لحنوا، أن الجمهور جميعهم وقع منهم ذلك".
4 مغني اللبيب 1/ 273.(1/225)
بجيد، لاحتمال تقدير "يمسكه" بدل اشتمال [من "الغمد"]1 على أن الأصل: أن يمسكه، ثم حذفت "أن" فارتفع الفعل، أو تقدير "يمسكه" جملة معترضة، [أي: بين المبتدأ والخبر المحذوف]1. ا. هـ. وفي الاحتمال الأول نظر، فقد قال الموضح نفسه في شرح شواهد ابن الناظم في: [من الرجز]
152- من لد شولا ....................
قدره سيبويه: من لد أن كانت2. واعترض عليه في تقديره "أن" أنه يلزم منه حذف بعض الاسم، وبقاء بعضه، هذا كلامه، ومن خطه نقلت.
وبهذا يعترض أيضا على الدماميني في قوله: ويحتمل أن يخرج على حذف "أن" الناصبة للاسم، الرافعة للخبر، والأصل: فلولا أن الغمد يمسكه، فحذفت، وارتفع الاسم بعدها. ا. هـ. [وهذا أقعد في الرد من قول الشمني، ردا لتخريج الدماميني، وهذا التخريج غير متأت في بيت المعري لكونه من المولدين، فيقال له: لا خصوصية بهذا لتخريج الدماميني، بل يقال ذلك في تخريج الموضح أيضا]3. ولا يجوز أن يكون "يمسكه" حالا من الخبر المحذوف؛ لأنهم لا يذكرون الحال بعد "لولا" لأنها خبر في المعنى، نقله الموضح في المغني4 عن الأخفش، وأقره5. "وقالوا: الحديث المتقدم مروي بالمعنى"، لا باللفظ، قال ابن أبي الربيع6: لم أر هذه الرواية؛ يعني بهذا اللفظ؛ من طريق صحيح. والروايات المشهورة في ذلك: لولا حدثان قومك، لولا حداثة قومك، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، ونحو ذلك، نقله المرادي في شرح النظم7.
__________
1 ما بين المعقوفتين زيادة من "ط".
152- تمام الرجز: "من لد شولا فإلى إتلائها"، وهو بلا نسبة في ارتشاف الضرب 2/ 266، وشرح ابن الناظم ص101، وشرح التسهيل 1/ 365، 3/ 130، وشرح المفصل 4/ 101، 8/ 35، والكتاب 1/ 264، واللسان 13/ 384 "لدن"، ومغني اللبيب 2/ 422، والمقاصد النحوية 2/ 51، وهمع الهوامع 1/ 122.
2 الكتاب 1/ 265.
3 سقط بين المعقوفتين من الأصل، وهو إضافة من "ب" و"ط".
4 مغني اللبيب 1/ 273.
5 في الارتشاف 2/ 31, 32: "وزعم الأخفش أنه إن ورد خبر لمبتدأ بعد "لولا" كان شاذا أو ضرورة، وهو منبه على الأصل".
6 في كتابه البسيط في شرح الجمل 1/ 594, 595.
7 شرح المرادي 1/ 289.(1/226)
وما ذكره الموضح من أن الاسم المرفوع بعد "لولا" مبتدأ؛ هو الصحيح عند البصريين. وذهب الكوفيون إلى أنه فاعل بفعل محذوف، وقيل: هو مرفوع بـ"لولا"1، وسيأتي.
المسألة "الثانية: أن يكون المبتدأ صريحا في القسم"، بمعنى: أنه لا يستعمل إلا في القسم قبل ذكر المقسم عليه، "نحو: لعمرك"، بفتح العين، من عمر الرجل، بكسر الميم، إذا عاش زمنا طويلا، ثم استعمل في القسم مرادا به الحياة، أي: وحياتك، "لأفعلن، وأيمن الله"، بفتح الهمزة وضم الميم، من اليمن، وهو البركة، أي: وبركة الله لأفعلن، فـ"عمرك" و"أيمن الله" مبتدآن، حذف خبراهما وجوبا، "أي: لعمرك قسمي، وأيمن الله يميني"، وإنما وجب حذفه لسد جواب القسم مسده، "فإن قلت" عهد الله لأفعلن، جاز إثبات الخبر" وحذفه "لعدم الصراحة في القسم" به؛ لأن "عهد الله" غير ملازم للقسم، إذ يستعمل في غيره، نحو: عهد الله يجب الوفاء به، ولا يفهم منه القسم إلا بذكر المقسم عليه.
"وزعم ابن عصفور أنه يجوز في نحو: لعمرك لأفعلن، أن يقدر: لقسمي عمرك، فيكون من حذف المبتدأ2".
والأول أولى؛ لأنه إذا دار الحذف بين أن يكون من الصدور الأوائل أو من الأعجاز الأواخر فالحمل على الأواخر أولى؛ لأنها هي محل التغيير غالبا؛ ولأن دخول اللام على شيء واحد لفظا وتقديرا أولى من جعلها داخلة في اللفظ على شيء وفي التقدير على شيء آخر، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
138- .................................... ........... وفي نص يمين ذا استقر
المسألة "الثالثة: أن يكون المبتدأ معطوفا عليه اسم بواو وهي نص في المعية، نحو: كل رجل وضيعته" بالضاد المعجمة، وهي الحرفة، سميت بذلك لأن صاحبها يضيع بتركها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
139- وبعد واو عينت مفهوم مع كمثل "كل صانع وما صنع"
فـ"كل" مبتدأ، و"صانع" مضاف إليه، و"ما صنع" معطوف على المبتدأ،
__________
1 انظر الإنصاف 1/ 70.
2 في الارتشاف 2/ 32: "وأجاز ابن عصفور في نحو: يمين الله، أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، وأن يكون خبرا محذوف المبتدأ، وقدره: قسمي يمين الله، فإن كان القسم به قد يستعمل لغير القسم كان حذف الخبر جائز، نحو: علي عهد الله لأفعلن".(1/227)
والخبر محذوف وجوبا، أي: مقرونان، وإنما حذف لدلالة الواو وما بعدها على المصاحبة والاقتران، وإنما وجب الحذف لقيام الواو مقام "مع" ولو جيء بـ"مع" [مكان الواو]1 كان كلاما تاما، "ولو قلت: زيد وعمرو، وأردت الإخبار باقترانهما جاز حذفه"، أي: الخبر اعتمادا على أن السامع يفهم من اقتصارك على ذكر المتعاطفين معنى الاقتران والاصطحاب، "و" جاز "ذكره" لعدم التنصيص على المعية2، "قال" الفرزدق: [من الطويل]
153- تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى ....."وكل امرئ والموت يلتقيان"
فآثر ذكر الخبر وهو "يلتقيان" و"يشعب" بفتح العين المهملة: يفرق، وما ذكره الموضح هو قول جمهور البصريين.
"وزعم الكوفيون والأخفش أن نحو: كل رجل وضيعته، مستغن عن تقدير الخبر؛ لأن معناه مع ضيعته"، وذلك كلام تام لا يحتاج إلى شيء آخر3، والبيت ضرورة.
المسألة "الرابعة: أن يكون المبتدأ إما مصدرا" صريحا "عاملا في اسم مفسر"، بكسر السين، "لضمير" بالتنوين، متعلق بمفسر "ذي حال"، نعت لضمير "لا يصح كونها"، أي: الحال "خبرا عن المبتدأ المذكور، نحو: ضربي زيدا قائما"، فـ"ضربي" مبتدأ، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، و"زيدا" مفعوله، و"قائما" حال من ضمير يفسره "زيد"، وهذه الحال لا يصح جعلها خبرا عن "ضربي" لأن الخبر وصف في المعنى، و"الضرب" لا يوصف بالقيام. فلا يقال: ضربي قائم: وإما مصدرا مؤولا، نحو: أن ضربت، أو: أن تضرب زيدا قائما، على رأي بعض الكوفيين.
"أو" يكون المبتدأ اسم تفضيل "مضافا إلى المصدر المذكور، نحو: أكثر شربي السويق ملتوتا"، فـ"أكثر" اسم تفضيل مبتدأ، مضاف إلى مصدر عامل في اسم مفسر لضمير ذي حال لا يصح كونها خبر عنه.
"أو" مضافا "إلى" شيء "مؤول بالمصدر المذكور، نحو: أخطب ما يكون
__________
1 إضافة من "ط".
2 انظر شرح ابن عقيل 1/ 253، وشرح التسهيل 1/ 277، وشرح ابن الناظم ص88.
153- البيت للفرزدق في المقاصد النحوية 1/ 543، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 224، وتخليص الشواهد ص211، وخزانة الأدب 6/ 283، وشرح ابن الناظم ص88، وشرح الأشموني 1/ 145.
3 في شرح ابن عقيل 1/ 253: "واختار هذا المذهب ابن عصفور في شرح الإيضاح".(1/228)
الأمير قائما"، فـ"أخطب" اسم تفضيل مبتدأ مضاف إلى مؤول بالمصدر، وهو "ما" والفعل، أي: أخطب كون الأمير قائما. "وخبر ذلك" كله في الأمثلة السابقة "مقدر بـ"إذ كان"" إن أريد الماضي، "أو "إذا كان" إن أريد المستقبل "عند" سيبويه وجمهور "البصريين"1، فيكون الخبر ظرف زمان متعلقا بمحذوف، والتقدير: حاصل إذ كان، أو إذا كان، فـ"حاصل" خبر، و"إذ" أو "إذا" ظرف للخبر مضاف إلى "كان" التامة، وفاعلها مستتر فيها عائد على مفعول المصدر، و"قائما" و"ملتوتا" حالان من الضمير المستتر في "كان"، وإنما لم تجعل "كان" ناقصة، والمنصوب خبرها لوجهين:
أحدهما: التزام تنكيره، فإنهم لا يقولون: ضربي زيدا القائم.
والثاني: وقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه، كالحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"2، قاله ابن الناظم3.
"و" مقدر "بمصدر مضاف إلى صاحب الحال عند الأخفش، واختاره الناظم" في التسهيل4 لقلة الحذف مع صحة المعنى، "فيقدر" الخبر "في: ضربي زيدا قائما: ضربه قائما"، وفي: أكثر شربي السويق ملتوتا: شربه ملتوتا، وفي: أخطب ما يكون الأمير قائما: كونه قائما، فالمصدر الثاني هو الخبر، وفاعله محذوف، والهاء المضاف إليها مفعوله، وهي صاحبة الحال، وهذا وإن كان أقل حذفا من الأول غير مرضي عند سيبويه وجمهور البصريين لما فيه من حذف المصدر وإبقاء معموله، وهو لا يجوز عندهم؛ ولأن تقدير الظرف يناسب الحال5. قال ابن عصفور6: وإنما صح للحال أن تسد مسد الخبر؛ لأنها بمنزلة الظرف في المعنى، ألا ترى أنه لا فرق بين: ضربي زيدا قائما، و: ضربي زيدا وقت قيامه، فكل منهما سد مسد الخبر، وكل منهما على معنى "في" والظرف يسد مسد الخبر، فكذا الحال. ا. هـ.
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 35، والكتاب 1/ 402.
2 أخرجه النسائي 1/ 245، كتاب الصلاة، باب أقرب ما يكون العبد من الله.
3 شرح ابن الناظم ص89.
4 التسهيل ص45، وشرح التسهيل 1/ 278.
5 انظر الارتشاف 2/ 35، والكتاب 1/ 402.
6 المقرب 1/ 85.(1/229)
وقيل: الخبر نفس الحال، كما قيل به في الظرف، وقيل: الحال أغنت عنه، كما أغنى مرفوع الوصف عن الخبر، والصحيح أن الخبر محذوف وجوبا لسد الحال مسده؛ كما نبه عليه الناظم بقوله:
140- وقبل حال لا يكون خبرا .....عن الذي خبره قد أضمرا
واحترز الموضح بقوله: عاملا في اسم مفسر لضمير ذي حال من أن يكون المصدر عاملا في صاحب الحال نفسه، فإن الحال لا يسد مسد الخبر حينئذ، نحو: ضربي زيدا قائما شديد، فإن "قائما" حال من "زيد"، والعامل فيها هو العامل في "زيد" وهو "ضربي"، فلا يغني عن الخبر؛ لأنها من صلة المصدر، وشمل قوله: عاملا في اسم مفسر، كون المفسر مفعولا، كما مثل، وكونه فاعلا في المعنى، نحو: قيام زيد ضاحكا، قاله المرادي في شرح التسهيل.
واحترز بقوله: لا يصح كونها خبرا عن المبتدأ عما إذا صحت فإنه "لا يجوز: ضربي زيدا شديدا"، بالنصب "لصلاحية الحال للخبرية، فالرفع" لـ"شديد" "واجب"؛ لأنه وصف لـ"الضرب" لا لـ"زيد"، وقيل: إنما وجب الرفع لعدم احتياجه إلى إضمار، وهو مشكل غايته أن يكون راجحا، كما في: زيد ضربته، "وشذ قولهم" لرجل حكموه عليهم، وأجازوا حكمه: "حكمك مسمطا"، بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الميم وفي آخره طاء مهملة، أي: مثبتا، وكان القياس رفعه لصلاحيته للخبرية، ولكنه نصب على الحالية، والخبر محذوف، "أي: حكمك لك مثبتا"، أي: نافذا، وشذوذه من وجهين:
أحدهما: النصب مع صلاحية الحال للخبرية.
والثاني: أن الحال ليست من ضمير معمول المصدر، وإنما صاحب الحال ضمير المصدر المستتر في الخبر، ولا يصح أن يكون الحال من الكاف المضاف إليها في: "حكمك" لأن الذوات لا توصف بالنفوذ، وأشذ منه قراءة علي كرم الله وجهه "وَنَحْنُ عُصْبَةً" [يوسف: 14] بالنصب1، مع انتفاء المصدرية بالكلية، فـ"عصبة" حال من ضمير الخبر، والتقدير: ونحن نجتمع عصبة.
__________
1 انفرد الإمام علي بهذه القراءة. انظر البحر المحيط 5/ 283، ومختصر ابن خالويه ص62، وشرح ابن الناظم ص89.(1/230)
فصل6
"فصل":
"والأصح جواز تعدد الخبر" لفظا ومعنى لمبتدأ واحد؛ لأن الخبر كالنعت، فيجوز تعدده، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
142- وأخبروا باثنين أو بأكثرا عن واحد ..........
سواء اتفقا إفرادا، أو جملة أو اختلفا. فالأول "نحو: زيد شاعر"، أي: ناظم، "كاتب" أي: ناثر؛ يعني أنه ينظم الكلام وينثره. والثاني نحو: زيد قام ضحك. والثالث: زيد قاعد ضحك وعكسه.
"والمانع" لجواز التعدد كابن عصفور "يدعي تقدير "هو" للثاني" من الخبرين، "أو" يدعي "أنه"، أي: المبتدأ "جامع للصفتين"، الشعر والكتابة، "لا الإخبار بكل منهما" على انفراده لوجود التعدد لفظا ومعنى، نص على ذلك ابن عصفور في المقرب1 وشرحي الجمل، "وليس من تعدد الخبر" لواحد "ما ذكره ابن الناظم" في شرح النظم2 "من قوله" وهو طرفة، على ما قيل: [من المتقارب]
154- "يداك يد خيرها يرتجى وأخرى لأعدائها غائظه"
بل من تعدد الخبر لمبتدأ متعدد في نفسه حقيقة؛ "لأن "يداك" في قوة مبتدأين لكل منهما خبر"، على حدته؛ لأن التحقيق أن العطف ليس من التعدد، وقول أبيه في التسهيل3: بعطف وغير عطف، منتقد عليه. وليس من تعدد الخبر لفظا ومعنى ما ذكره ابن الناظم أيضا، "من نحو قولهم4: الرمان حلو حامض"، بل من تعدد الخبر لفظا لا
__________
1 المقرب ص86.
2 شرح ابن الناظم ص91.
154- البيت لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص155، والمقاصد النحوية 1/ 572، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 17، 18، وأوضح المسالك 1/ 228، وتخليص الشواهد ص212، وخزانة الأدب 1/ 133، وشرح ابن الناظم ص90، وشرح الأشموني 1/ 106، وشرح التسهيل 1/ 140، 326، ولسان العرب 7/ 454 "غيظ".
3 التسهيل ص50.
4 شرح ابن الناظم ص90.(1/231)
معنى؛ "لأنهما بمعنى خبر واحد، أي: مز"، وضابطه أن يكون المخبر عنه مشتملا على طرف من كل من الخبرين، لا عليهما معا، ألا ترى أن "المز" ليس تام الحلاوة، ولا تام الحموضة، ولكنها بينهما، "ولهذا"، أي: ولأجل كونهما في معنى خبر واحد "يمتنع العطف" للثاني "على" الأول على "الأصح"؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، فلا يقال: الرمان حلو وحامض، خلافا للفارسي في أحد قوليه1.
"و" يمتنع أيضا "أن يتوسط المبتدأ بينهما"، وأن يتقدما على المبتدأ على الأصح فيهما عند الأكثرين، قاله في البديع. فلا يقال: حلو الرمان حامض، ولا حلو حامض الرمان، وليس الثاني بدلا؛ لأنه ليس المراد أحدهما، بل كلاهما، ولا صفة لامتناع وصف الشيء بمناقضه، ونقل عن الأخفش جواز كونه وصفا للأول على معنى: حلو فيه حموضة، والصفة توصف إذا نزلت منزلة الجامد، نحو: مررت بالضارب العاقل. ورد بأن الصفة كالفعل، وهو لا يوصف، ولو صح هذا؛ أي: الرد؛ لم يصح التصغير، وهو جائز بلا خلاف. قاله الموضح في شرح بانت سعاد2.
ولا خبر مبتدأ محذوف؛ لأن المراد أنه جمع الطعمين، وهل في كل منهما ضمير أو لا ضمير فيهما، أو في الثاني فقط أقوال، اختار أبو حيان أولها3، وصاحب البديع ثانيها، والفارسي ثالثها، ونظير ثمرة الخلاف في تحملهما، أو تحمل أحدهما في نحو: هذا البستان حلو حامض رمانه، فإن قلنا: لا يتحمل الأول ضميرا، تعين رفع "رمانه" بالثاني، وإن قلنا: إنه يتحمل فيجوز أن يكون من باب التنازع في السببي المرفوع على القول به، وليس من تعدد الخبر ما ذكره ابن الناظم4 أيضا "من نحو: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ" فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 39]؛ "لأن الثاني تابع" بالعطف بالواو علة ما قبله، والأصل: والذين كذبوا بآياتنا بعضهم صم وبعضهم بكم، فحذف المبتدآن، وبقي خبراهما، فعطف أحدهما على الآخر.
__________
1 في شرح ابن الناظم ص90: "أجاز فيه أبو علي الفارسي، العطف".
2 شرح بانت سعاد ص53.
3 الارتشاف 2/ 64.
4 شرح ابن الناظم ص90.(1/232)
باب الأفعال الداخلة على المبتدأ:
إذا لم يلزم التصدير ولا الحذف، ولا عدم التصرف، ولا الابتدائية بنفسه، أو بغيره، فالأول: كاسم الشرط، والثاني: كالمخبر عنه بنعت مقطوع.
والثالث: نحو طوبى للمؤمن، والرابع: نحو: أقل رجل يقول ذلك إلا زيدًا، والخامس: كمصحوب إذا الفجائية، والخبر إذا لم يكن طلبًا ولا إنشاء، "فترفع المبتدأ تشبيهًا بالفاعل، ويسمى اسمها" حقيقة، وفاعلها مجازًا، "وتنصب خبره تشبيهًا بالمفعول، ويسمى خبرها" حقيقة، ومفعولها مجازًا؛ لأنها أشبهت بالفعل التام المتعدي لواحد، كـ: ضرب زيد عمرًا، هذا مذهب البصريين، وذهب جمهور الكوفيين إلى أنها لا تعمل في المرفوع شيئًا، وإنما هو مرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخولها، وخالفهم الفراء فذهب إلى أنها عملت فيه الرفع تشبيهًا بالفاعل، واتفقوا على نصبها الجزء الثاني. ثم اختلفوا في نصبه، فقال الفراء: تشبيهًا بالحال؛ لأنها شبيهة بـ "قام". وقال بقية الكوفيين: منصوب على الحال. والصحيح مذهب البصريين لوروده مضمرًا ومعرفة وجامدً1، ولكونه لا يستغنى عنه، وليس ذلك من شأن الحال. وعورض بوقوعه جملة وشبهها، ولا يقع المفعول به كذلك. وأجيب بأن الجملة تقع موقع المفعول به، كالمحكية بالقول، نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30]، وكذلك شبهها، كمررت بزيد، ودخلت الدار، وإلى اختيار مذهب البصريين أشار الناظم بقوله:
143- ترفع كان المبتدأ اسمًا والخبر تنصبه ...........................
__________
انظر الإنصاف 2/ 821.(1/233)
وهذه الأفعال هنا ثلاثة عشر فعلًا. "وهي ثلاثة أقسام:"
"أحدها: ما يعمل هذا العمل"، وهو رفع الاسم ونصب الخبر "مطلقًا" من غير شرط، سواء كانت مثبتة أو منفية صلة لـ "ما" الظرفية أو "لا"، "وهو ثمانية، كان، وهي أم الباب" لاختصاصها بأمور لا تكون لأخواتها كما سيأتي: "وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات, وصار، وليس، نحو: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}" [الفرقان: 54]، و: [من البسيط]
155- أمست خلاء ............ ......................
و: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، و: [من البسيط]
156- أضحى يمزق أثوابي ......... ...............................
و: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 85], [الزخرف: 17]، و: [من البسيط]
157- أبيت ريان الجفون .... ............................
و: صار السعر رخيصًا: و: {لَيْسَ مَصْرُوفًا} [هود: 8].
والقسم "الثاني: ما يعمله"، أي: هذا العمل، "بشرط أن يتقدمه نفي" بحرف أو اسم أو فعل موضوع للنفي أو عارض فيه بنقل أو استلزام، "أو نهي، أو دعاء" بـ "لا" خاصة، كما في الارتشاف1. "وهو أربعة: زال ماضي يزال، وبرح،
__________
155- تمام البيت:
"أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا أخنى عليها الذي أخنى على لبد"
وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص16، وجمهرة اللغة ص1057، والحيوان 6/ 325، 7/ 51، وخزانة الأدب 4/ 5، والدرر 1/ 213، ولسان العرب 3/ 386، "لبد"، 14/ 245 "خنا"، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 78، وشرح الأشموني 1/ 111، وشرح التسهيل 1/ 344، وشرح عمدة الحافظ ص210، وشرح قطر الندى ص134، وهمع الهوامع 1/ 114، وثمار القلوب ص694، وعمدة الحفاظ "لبد": "مسي".
156- تمام البيت:
"أضحى يمزق أثوابي ويضربني أبعد شيبي يبغي عندي الأدبا"
،وهو لأم ثواب الهزانية في الحماسة البصرية 2/ 305 وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص756، والعققة والبررة 2/ 364، "ضمن نوادر المخطوطات"، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 78، وشرح قطر الندى ص135.
157- تمام البيت:
"أتبيت ريان الجفون من الكرى وأبيت منك بليلة الملسوع"
وهو للشريف الرضي في ديوانه 1/ 652، وحاشية يس 1/ 184، وللشريف المرتضى في مغني اللبيب 2/ 668، وبلا نسبة في الدرر 2/ 23، 294، وشرح الأشموني 3/ 566، وهمع الهوامع 2/ 13، 90.
1 الارتشاف 2/ 72.(1/234)
وفتئ، وانفك"، وإنما اشترطوا فيها ذلك؛ لأنها بمعنى النفي، فإذا دخل عليها النفي إثباتًا، فمعنى: ما زال زيد قائمًا، وهو قائم فيما مضى، والدليل على انقلابه أنه لا يجوز: ما زال زيد إلا قائمًا، كما يجوز: ما كان زيد إلا قائمًا، هذا قول البصريين، وصححه أبو البقاء، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
145- ....... وهذي الأربعه لشبه نفي أو لنفي متبعه
"مثالها بعد النفي" بالحرف: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118], فـ "يزال" فعل مضارع، والواو اسمه، و"مختلفين" خبره، "{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ}" [طه: 91]، فـ "نبرح" مضارع برح، واسمه مستتر فيه وجوبًا، و"عاكفين" خبره. ولو اقتصر على المثال الثاني كفاه، ولكنه حاول التنصيص على أن ذلك يسوغ مع ذكر "لا" وحذفها، "ومنه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] "وقوله" وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
158- "فقلت يمين الله أبرح قاعدًا..... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
"إذ الأصل: لا تفتؤ، ولا أبرح" ولا ينقاس حذف النافي إلا بثلاثة شروط: كون الفعل مضارعًا، وكونه جواب قسم، وكون النافي "لا"، وهذه الشروط مستفادة من الآية والبيت، و"يمين" يروى بالرفع على أنه مبتدأ حذف خبره، أي: يمين الله قسمي، وبالنصب على أن أصله: أقسم بيمين الله فحذف حرف الجر أولًا، فوصل الفعل بنفسه، ثم حذف الفعل، وبقي النصب بحاله، "ولا أبرح" جواب القسم، وجواب "لو" محذوف لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: ولو قطعوا رأسي لا أبرح، ومثالها بعد النفي بالاسم قوله: [من المديد]
159- غير منفك أسير هوى كل فان ليس يعتبر
ومثالها بالفعل الموضوع للنفي قوله: [من الخفيف]
__________
158- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص32، وخزانة الأدب 9/ 238، 239, 10/ 43، 44، 45، والخصائص 2/ 248، والدرر 2/ 106، وشرح أبيات سيبويه 2/ 220، وشرح الجواليقي ص380، وشرح شواهد المغني 1/ 341، وشرح المفصل 7/ 110، 8/ 37، 9/ 104، والكتاب 3/ 504، ولسان العرب 13/ 463، "يمن", واللمع ص259، والمقاصد النحوية 2/ 13، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 232، وخزانة الأدب 10/ 93، 94، وشرح الأشموني 1/ 110، ومغني اللبيب 2/ 637، والمقتضب 2/ 362، وهمع الهوامع 2/ 38.
159- البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 205، وهمع الهوامع 1/ 111، والارتشاف 2/ 81.(1/235)
160- ليس ينفك ذا غنى واعتزاز..... كل ذي عفة مقل قنوع
ومثالها بالفعل العارض للنفي قوله: [من الخفيف]
161- قلما يبرح اللبيب إلى ما ..... يورث الحمد داعيًا أو مجيبًا
فإن "قلما" خلع منه معنى التقليل، وصير بمعنى "ما" النافية، ومثالها بالفعل المستلزم للنفي: أبيت أزال أستغر الله، أي: لا أزال، قاله الفراء، ووجهه أن من أبى شيئًا لم يفعله، والإباء مستلزم للنفي؛ ولهذا ساغ بعد أبي تغريغ الاستثناء، قاله الموضح في الحواشي.
"ومثالها بعد النهي قوله": [من الخفيف]
162- "صاح شمر ولا تزل ذاكر المو..... ت" فنسيانه ضلال مبين
"صاح" مرخم صاحب على غير القياس. و"شمر" بكسر الميم أمر لا نهي، واسم "تزل" مستتر فيها وجوبًا تقديره: أنت. و"ذاكر الموت" خبرها.
"ومثالها بعد الدعاء قوله" وهو ذو الرمة: [من الطويل]
163- ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى "ولا زال منهلًا بجرعائك القطر"
فـ "القطر": اسم "زال" مؤخر، و"منهلًا": خبرها مقدم، والأصل: ولا زال القطر منهالًا بجرعائك، و"ألا": حرف استفتاح، و"يا": حرف نداء, والمنادى محذوف، أي: يا هذه، أو حرف تنبيه مؤكد لـ "ألا" الاستفتاحية لما فيها من معنى التنبيه، و"اسلمي" فعل أمر من السلامة وهي: البراءة من العيوب، ومعناه الدعاء لدار مي بالسلامة، و"مي": اسم امرأة وليس ترخيم مية كما قد يتوهم، و"على": للمصاحبة، أي: اسلمي مع بلائك، و"المنهل": السائل بشدة، و"الجرعاء": تأنيث الأجرع رملة مستوية لا تنبت شيئًا و"القطر": جمع قطرة المطر. وهذا البيت خاتمة كتاب الصحاح1 لما
__________
160- البيت بلا نسبة في تخليص الشواهد ص230، والدرر 1/ 205، وشرح الأشموني 1/ 109، والمقاصد النحوية 2/ 73، وهمع الهوامع 1/ 111، وشرح التسهيل 1/ 334.
161- البيت بلا نسبة في تذكرة النحاة ص304 ، وشرح شواهد المغني 306، والنكت الحسان ص66.
162- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 334، وتخليص الشواهد ص230، والدرر 1/ 205، وشرح ابن الناظم ص94، وشرح الأشموني 1/ 110، وشرح التسهيل 1/ 334، وشرح ابن عقيل 1/ 265، وشرح عمدة الحافظ ص199، وشرح قطر الندى ص127، والمقاصد النحوية 2/ 14، وهمع الهوامع 1/ 111.
163- تقدم تخريج البيت برقم 12.
1 الصحاح 6/ 2563 "يا".(1/236)
فيه من الدعاء بالسلامة من العيوب، وباستمرار النفع به1، وإنما قام النهي والدعاء بـ"لا" مقام النفي لأن المطلوب بهما ترك الفعل؛ وترك الفعل نفي.
"وقيدت "زال" بماضي "يزال" احترازًا من "زال" ماضي "يزيل" بفتح الياء "فإنه فعل تام متعد إلى مفعول" واحد، وزنه "فعل" بفتح العين "ومعناه: "ماز" بمعنى "ميز" "تقول: زل ضأنك من معزك" أي: ميز بعضها من بعض "ومصدره" الزيل" بفتح الزاي؛ لأنه من باب ضرب يضرب ضربًا" "و" احترازًا من "زال" "ماضي "يزول" فإنه فعل تام قاصر"، ووزنه "فعل" بفتح العين أيضًا؛ لأنه من باب: نصر ينصر، "ومعناه الانتقال"، تقول1: زل عن مكانك؛ أي: انتقل عنه "ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}" أي: تنتقلا. {وَلَئِنْ زَالَتَا} [فاطر: 41]، أي: انتقلتا، "ومصدره "الزوال"، أي: الانتقال بخلاف "زال" ماضي "يزال" فإنه وزنه "فعل" بكسر العين؛ لأنه من باب: علم يعمل، ولا يوصف بتعد ولا قصور، وليس له مصدر. وحكى الكسائي والفراء2 لـ "زال" الناقصة مضارعًا آخر وهو "يزيل" فيكون مشتركًا بين التام والناقص، بل قال الفراء3: غيرت "زال" الناقصة من "زال" التامة بتحويلها إلى "فعل" بكسر العين، بعد أن كانت "فعل" بفتح العين، فرقًا بين التام والناقص.
وقال ابن خروف4: يجوز كون الناقصة منقولة من: "زال يزيل" فعلى هذا عينهما ياء و"زال يزول" عينه واو.
والقسم "الثالث: ما يعمل" هذا العمل "بشرط تقدم "ما" المصدرية الظرفية، وهو "دام" خاصة "نحو": {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ "مَا دُمْتُ حَيًّا"} [مريم: 31] فـ "ما" مصدرية ظرفية، و"دمت"، دام واسمها، و"حيا" خبرها، والدليل على مصدرية "ما" وظرفيتها أنها تؤول بمصدر مضاف إليه الزمان، "أي: مدة دوامي حيا، وسميت "ما" هذه مصدرية؛ لأنها تقدر بالمصدر. وهو: الدوام، وسميت ظرفية لنيابتها عن الظرف؛ وهو: المدة" فأصل "ما دمت حيا" مدة ما دمت حيا, فحذف المضاف وهو "المدة" وناب المضاف إليه وهو: "ما" وصلتها عنها في
__________
1 سقطت من "ب".
2 حاشية الصبان 1/ 237.
3 الارتشاف 2/ 79.
4 الارتشاف 2/ 79.(1/237)
الانتصاب على الظرفية، كما ناب المصدر الصريح عن ظروف الزمان، كجئتك صلاة العصر، أي: وقت صلاة العصر، قاله في المغني، وأطلق الناظم "ما" واعتمد على المثال فقال:
146- ومثل كان دام مسبوقًا بما..... كاعط ما دمت مصيبًا درهما
فلو كانت "ما" مصدرية غير ظرفية لم تعمل عمل "دام" بعدها العمل المذكور، فإن ولي مرفوعها منصوب فهو حال، نحو: يعجبني ما دمت صحيحًا، أي: يعجبني دوامك صحيحًا، ولو لم تذكر "ما" أصلًا فأحرى بعدم العمل، نحو: دام زيد صحيحًا، فـ "دام" فعل ماض تام بمعنى "بقي" و"زيد" فاعله، و"صحيحًا" حال من "زيد"، ولا يلزم من وجود "ما" المصدرية الظرفية العمل المذكور، بدليل {مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107] إذ لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، ولا توجد الظرفية بدون المصدرية.(1/238)
فصل1
"فصل":
"وهذه الأفعال" الثلاثة عشر "في التصرف" وعدمه. "ثلاثة أقسام:
ما لا يتصرف بحال، وهو "ليس" باتفاق" لأنها وضعت وضع الحروف في أنها لا يفهم معناها، إلا بذكر متعلقها. "و "دام" عند الفراء وكثير من المتأخرين"1؛ لأنها صلة لـ"ما" الظرفية، وكل فعل وقع صلة لـ"ما" التزم مضيه، قال أبو حيان في النكت الحسان2. وأما: يدوم ودم ودائم ودوام، فمن تصرفات التامة.
"وما يتصرف تصرفًا ناقصًا، وهو "زال" وأخواتها" الثلاثة، "فتئ" و"برح"، و"انفك"، "فإنها لا يستعمل منها أمر"؛ لأن من شرط عملها النفي، وهو لا يدخل الأمر، "ولا مصدر" لعدم دلالتها على الحدث عند جمهور البصريين. "و "دام" عند الأقدمين" وقليل من المتأخرين "فإنهم أثبتوا لها مضارعًا" وهو يدوم". "وما يتصرف تصرفًا تاما وهو الباقي". بناء على أن لها مصادر، فمصدر كان: الكون والكينونة، ومصدر أضحى، و أمسى، وأصبح: الإضحاء، والإمساء، والإصباح، ومصدر صار: الصير والصيرورة، ومصدر بات: البيات والبيتوتة، ومصدر ظل الظلول؛ قاله أبو حيان3.
"وللتصاريف في هذين القسمين" وهما: المتصرف التصرف التام والناقص، "ما للماضي من العمل" بشرط وغيره، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
147- وغير ماض مثله قد عملا..... إن كان غير الماضي منه استعملا
__________
1 في همع الهوامع 1/ 114: "قال ابن الخباز: لا تنصرف "ما دام" لأنها للتوقيت وللتأبيد، فتفيد المستقبل. قال أبو حيان: وما ذكر عدم تصرفها لم يذكره البصريون".
2 النكت الحسان ص69.
3 انظر الارتشاف 2/ 75، وهمع الهوامع 1/ 114.(1/239)
فالمضارع؛ نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}"، [مريم: 20] فـ"أك" مضارع "كان" وأصله: كون، حذفت الضمة للجازم، والواو لالتقاء الساكنين، والنون للتخفيف، واسمه مستتر فيه وجوبًا، و"بغيًا" خبره، وأصله: بغويا، اجتمع فيه الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وقلبت الضمة كسرة.
"والأمر نحو: {كُونُوا حِجَارَةً} [الإسراء: 50]، أصله قبل اتصال الواو: كون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، فصار: كن، فلما اتصل به واو الجماعة حركت النون بالضم لمناسبة الواو, فرجعت الواو المحذوفة لزوال التقاء الساكنين والواو اسمه، و"حجارة" خبره، ومثله: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] ولو مثل به لكان حسنًا.
"والمصدر كقوله": [من الطويل]
164- ببذل وحلم ساد في قومه الفتى..... "وكونك إياه عليك يسير"
"كونك" مبتدأ، وهو مصدر مضاف إلى اسمه, وهو كاف المخاطب، و"إياه" خبره، من جهة نقصانه، والأصل: وكونك فاعله، فحذف المضاف، وانفصل الضمير، وفيه رد على أبي البقاء في زعمه: أن المنصوب بعد مصدر "كان" حالًا؛ لأن الضمير لا ينتصب على الحال، و"يسير" خبره من جهة ابتدائيته، و"البذل" بالذال المعجمة: العطاء "والباء" متعلقة بـ"ساد" و"عليك" متعلق بـ"يسير" مقدم من تأخير. "واسم الفاعل كقوله": [من الطويل]
165- "ومات كل من يبدي البشاشة كائنا .....أخاك" إذا لم تلفه لك منجدا
فـ "كائنا" خبر "ما" الحجازية، واسمه مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، و"أخاك" خبره، و"البشاشة" بفتح الباء الموحدة وشينين معجمتين: طلاقه الوجه، "وتلفه" بالفاء بمعنى: تجده متعد لاثنين. وفي التنزيل: {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69]، و"منجدًا" بالجيم: مفعوله الثاني لا حال، خلافًا للعيني1. واسم المفعول كقول سيبويه2 في الظرف:
__________
164- البيت بلا نسبة في ارتشاف الضرب 2/ 75، وأوضح المسالك 1/ 239، وتخليص الشواهد ص233، والدرر 1/ 213، وشرح ابن الناظم ص95، وشرح الأشموني 1/ 112، وشرح التسهيل 1/ 339، وشرح ابن عقيل 1/ 270، والمقاصد النحوية 2/ 15، وهمع الهوامع 1/ 114.
165- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 239، وتخليص الشواهد ص234، والدرر 1/ 214، وشرح ابن الناظم ص95، وشرح الأشموني 1/ 112، وشرح ابن عقيل 1/ 270، والمقاصد النحوية 2/ 17، وهمع الهوامع 1/ 114.
1 المقاصد النحوية 2/ 18.
2 الكتاب 1/ 46.(1/240)
مكون فيه، قاله أبو حيان1.
"وقوله" وهو الحسين بن مطير الأسدي: [من الطويل]
166- "قضى الله يا أسماء أن لست زائلًا .....أحبك" حتى يغمض العين مغمض
فـ"زائلًا" اسم فاعل "زال" الناقصة، واسمه مستتر فيه تقديره: أنا، وجملة "أحبك" خبره.
__________
1 النكت الحسان ص69.
166- البيت للحسين بن مطير في ديوانه 170, والدرر 1/ 215، وشرح التسهيل 1/ 340، ولسان العرب 7/ 199، "غمض" ومجالس ثعلب 1/ 265، والمقاصد النحوية 2/ 18، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 240، وتخليص الشواهد ص234، وشرح ابن الناظم ص95، وشرح عمدة الحافظ ص197، وهمع الهوامع 1/ 114.(1/241)
فصل2
"فصل":
"وتوسط أخبارهن" بينهن وبين أسمائهن. "جائز خلافًا لابن درستويه1 في "ليس" ولابن معط2 في "دام" نص عليه في ألفيته. قيل: ولم يعرف لغيره.
والصحيح الجواز من غير استثناء وعليه قول الناظم:
148- وفي جميعها توسط الخبر أجز .........................
"قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، فـ"حقا" خبر "كان" مقدم، و"نصر المؤمنين" اسمها مؤخر، ومن لازم تقديم خبرها على اسمها توسطه بينها وبين اسمها، إذا لم يتقدم عليها، "وقرأ حمزة وحفص {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة: 177] بنصب: البر3" على أنه خبر "ليس" مقدم، و"أن تولوا" اسمها مؤخر، فقد توسط خبر "ليس" بينها وبين اسمها، وهو خلاف ما منعه ابن درستويه. ويؤخذ من كلام المغني4 أن رفع "البر" ضعيف كضعف الإخبار بالضمير عما هو دونه في التعريف، فإنه قال: واعلم أنهم حكموا لـ"أن" و"أنّ" المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير؛ [لأنه لا يوصف كما أن الضمير كذلك]5، فلهذا قرأت
__________
1 في الارتشاف 2/ 86: "وأما توسيط "ليس" فثابت من كلام العرب، فلا التفات لمن منع ذلك...........
ودعوى الفارسي وابن الدهان وابن عصفور وابن مالك الإجماع على جواز توسيط خبر "ليس" ليست بصحيحة، بل ذكر الخلاف فيها ابن درستويه تشبيهًا بـ"ما".
2 في شرح التسهيل 1/ 349: "وقد وقع في ذلك ابن معط رحمه الله فضمن ألفيته منع توسيط خبر "ليس وما دام" وليس له في ذلك متبوع، بل هو مخالف للمقيس والمسموع".
3 هي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي وابن مسعود وغيرهم. انظر البحر المحيط 2/ 2، والنشر 2/ 226.
4 مغني اللبيب ص590.
5 إضافة من المصدر السابق.(1/242)
السبعة: {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [الجاثية: 25]، بالنصب، والرفع ضعيف. "وقال الشاعر": [من البسيط]
167- "لا طيب للعيش ما دامت منغصة
لذاته" بادكار الموت والهرم
فـ "منغصة" خبر "دام" مقدم، "ولذاته" اسمها مؤخر، فقد توسط خبر "دام" بينها وبين اسمها، وهو خلاف ما منعه ابن معط، وله أن يقول: "لذّاته" مرفوع على النيابة عن الفاعل بـ" منغصة"، واسم "دام" مستتر فيها على طريق التنازع في السببي المرفوع، إلا أن يكون لا يراه.
وأولى منه قول الآخر: [من البسيط]
168- ما دام حافظ سري من وثقت به فهو الذي لست عنه راغبًا أبدًا
فقدم الخبر على الاسم. "إلا أن يمنع" من جواز التوسط "مانع"، كحصر الخبر، "نحو: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً}" [الأنفال: 35] أي: صفير، أو كخفاء إعرابهما، نحو: كان موسى فتاك، وقد يكون التوسط واجبًا، نحو: كان في الدار ساكنها، فتحصل ثلاثة أقسام: قسم يجوز، وقسم يمتنع، وقسم يجب1.
__________
167- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 242، وتخليص الشواهد 241، والدرر 1/ 221، وشرح ابن الناظم ص96، وشرح الأشموني 1/ 112، وشرح ابن عقيل 1/ 274، وشرح عمدة الحافظ 204، وشرح قطر الندى ص131، والمقاصد النحوية 2/ 20، وهمع الهوامع 1/ 177.
168- البيت بلا نسبة في تخليص الشواهد ص240.
1 انظر الارتشاف 2/ 85، 86، وشرح عمدة الحافظ ص205، 206.(1/243)
فصل3
"فصل":
"وتقديم أخبارهن" عليهن "جائز" عند البصريين1، إذا عريت مما يوجب التقديم أو التوسط أو التأخير، "بدليل" نحو: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40], "{وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}" [الأعراف: 177]، فـ"إياكم" و"أنفسكم" معمولان لخبر "كان"، وقد تقدما عليها، وتقديم المعمول يؤدن بجواز تقديم العامل، قاله
ابن مالك في شرح التسهيل2، وسبقه إلى ذلك الفارسي، وابن جني3، وغيرهما من البصريين، وهو غير لازم، فإن البصريين أجازوا: زيدًا عمرو ضرب، مع قولهم: لا يتقدم الخبر إذا كان فعلًا، فأجازوا تقديم المعمول، ولم يجيزوا تقديم العامل، وفي التنزيل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] فتقدم معمول الفعل مع أن الفعل لا يجوز تقديمه؛ لأن "أما" لا يليها فعل، قاله الموضح في الحواشي.
"إلا خبر "دام" فلا يجوز تقديمه على "ما دام" "اتفاقًا" لأن معمول صلة الحرف المصدري. لا يتقدم عليه، ولا يجوز توسطه بين "ما" و"دام" على الصواب إن قلنا إن الموصول الحرفي لا يفصل من صلته بمعمولها، وإن قلنا يفصل إذا لم يكن عاملًا، وهو اختيار ابن عصفور4، فإن قلنا بعدم تصرف "دام" فينبغي أن يجري فيه الخلاف الذي في "ليس"، وإن قلنا بتصرفها فينبغي أن يجوز قطعًا، قاله الموضح في حواشيه.
وحكى الناظم الاتفاق على المنع فقال:
148- ................. ............. وكل سبقه دام حظر
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 86.
2 شرح التسهيل 1/ 354.
3 الخصائص 2/ 382.
4 المقرب 1/ 96.(1/244)
"وإلا" خبر "ليس" فلا يجوز أن يتقدم عليها "عند جمهور البصريين" من متأخريهم، وجمهور الكوفيين1، وهو المختار، وإليه أشار الناظم بقوله:
150- ومنع سبق خبر ليس اصطفي ...................................
وحجتهم أنهم "قاسوها على "عسى" وخبر "عسى" لا يتقدم عليها اتفاقًا، والجامع بينهما الجمود "واحتج المجيز" من قدماء البصريين، والفراء، وابن برهان، والزمخشري، والشلوبين، وابن عصفور من المتأخرين "بنحو قوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8]، وتقدير الحجة منه أن "يوم يأتيهم" معمولًا لـ"مصروفًا" وقد تقدم على "ليس"، واسمها ضمير مستتر فيها يعود على العذاب، "ومصروفًا" خبرها، وتقديم المعمول لا يصح إلا حيث يصح تقديم عامله، فلولا أن الخبر؛ وهو "مصروفًا" يجوز تقديمه على "ليس"، لما جاز تقديم معموله عليها، "وأجيب" بالمنع وسنده ما تقدم، وعلى تقدير تسليمه يجاب "بأن المعمول ظرف، فيتسع فيه" ما لا يتسع في غيره. أو بأن "يوم" معمول لمحذوف تقديره: يعرفون يوم يأتيهم، و"ليس مصروفًا" جملة حالية مؤكدة أو مستأنفة، أو بأن "يوم" في محل رفع على الابتدء، وبني على الفتح لإضافته إلى جملة "يأتيهم" و"ليس مصروفًا" خبره.
"وإذا نفي الفعل بـ"ما" النافية "جاز توسط الخبر بين النافي" وهو "ما" "و" الفعل "المنفي مطلقًا"، سواء كان النفي شرطًا في العمل أم لا، "نحو: ما قائمًا كان زيد". ونحو: ما قائمًا زال زيد، "ويمتنع التقديم على" نفس "ما عند البصريين، والفراء" من الكوفيين2؛ لأنها من ذوات الصدور، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
149- كذاك سبق خبر ما النافيه ..............................
"وأجازه بقية الكوفيين" بناء على أنها لا تستحق التصدير، قياسًا على أخواتها "وخص ابن كيسان" من الكوفيين "المنع بغير "زال" وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب"، بدليل أنه لا يجوز: ما زال زيد إلا قائمًا، كما لا يجوز: كان زيد إلا قائمًا، ورد بأن ذلك لا يخرجها عما ثبت لها من التصدير اعتبارًا بأصل الوضع3.
"وعمم الفراء المنع في جميع حروف النفي4، ويرده قوله" وهو المعلوط
__________
1 الإنصاف 1/ 160، وشرح التسهيل 1/ 351.
2 انظر التسهيل ص54.
3 الارتشاف 2/ 87، وشرح ابن عقيل 1/ 276.
4 الارتشاف 2/ 87، وشرح التسهيل 1/ 355.(1/245)
القريعي: [من الطويل]
169- ورج الفتى للخير ما إن رأيته ....."على السن خيرًا لا يزال يزيد"
فقدم معمول الخبر على "لا" النافية؛ والأصل: لا يزال يزيد خيرًا، ورج: أمر من الرجاء, والفتى: الشاب؛ يقال: فتي فهو فتى بالقصر، والسن: هو العمر، "وخيرًا" مفعول "يزيد" يعني: أنك إذا رأيت الشاب يزيد خيرًا كلما زاد عمره فرجه للخير. و"ما" يحتمل أن تكون مصدرية ظرفية، وزيدت "أن" بعدها لشبهها في اللفظ بـ"ما" النافية، وجزم به في المغني1. ويحتمل أن تكون زائدة و"أن" شرطية وجوابها محذوف.
__________
169- البيت للمعلوط القريعي في شرح شواهد المغني ص85، 716، ولسان العرب 13/ 35 "أنن"، والمقاصد النحوية 2/ 22، وبلا نسبة في الأزهية ص52، 96، والأشباه والنظائر 2/ 187، وأوضح المسالك 2/ 22، والجنى الداني ص211 وجواهر الأدب ص208 وخزانة الأدب 8/ 443، والخصائص 1/ 110، والدرر 1/ 274 وسر صناعة الإعراب 1/ 378، وشرح المفصل 8/ 130، والكتاب 4/ 222، ومغني اللبيب 1/ 25، والمقرب 1/ 97، وهمع الهوامع 1/ 125، وشرح التسهيل 1/ 371، والارتشاف 3/ 283.
1 مغني اللبيب 1/ 25.(1/246)
فصل4
"فصل":
"ويجوز باتفاق أن يلي هذه الأفعال معمول خبرها، إن كان" المعمول "ظرفًا أو" جارا و"مجرورًا" للتوسع، "نحو: كان عندك أو في المسجد زيد معتكفًا"، والأصل: كان زيد معتكفًا عندك؛ أو في المسجد، فقدم معمول خبر "كان" على اسمها, فوليها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
152- ولا يلي العامل معمول الخبر إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر
"فإن لم يكن" المعمول "أحدهما: فجمهور البصريين يمنعون مطلقًا"، لما في ذلك من الفصل بينها وبين اسمها بأجنبي منهما، "والكوفيون يجيزون مطلقًا"؛ لأن معمول معمولها في معنى معمولها1.
"وفصل ابن السراج2 والفارسي3" من البصريين "وابن عصفور4" من المتأخرين، "فأجازوه إن تقدم الخبر معه، نحو: كان طعامك آكلًا زيد" لأن المعمول من كمال الخبر، وكالجزء منه، "ومنعوه إن تقدم وحده، نحو: كان طعامك زيد آكلًا"، إذ لا يفصل بين الفعل ومرفوعه بأجنبي.
ويتحصل من هذه المسألة أربع وعشرون صورة ذكرها المرادي في شرح التسهيل.
"واحتج الكوفيون" القائلون بالجواز مطلقًا" "بنحو قوله" وهو الفرزدق: [من الطويل]
170- قنافذ هداجون حول بيوتهم "بما كان إياهم عطية عودا"
__________
1 التسهيل ص54, وحاشية الصبان 1/ 237.
2 في كتابه الأصول 1/ 86-89.
3 في كتابه المسائل البصريات 1/ 434.
4 المقرب 1/ 97.
170- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 181، وتخليص الشواهد ص245، وخزانة الأدب 9/ 268، 269، والدرر 1/ 222، وشرح التسهيل 1/ 367، والمقاصد النحوية 2/ 24، والمقتضب 4/ 101، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 248، وشرح ابن الناظم ص99، وشرح ابن عقيل 1/ 281، ومغني اللبيب 2/ 610، وهمع الهوامع 1/ 118.(1/247)
وجه الحجة منه أن "إياهم" معمول "عود" و"عود" خبر "كان"، فقد ولي "كان" معمول خبرها، وليس ظرفًا، ولا جارا ومجرورًا، و"قنافذ" بالذال المعجمة: جمع قنفذ بضم الفاء وفتحها، خبر مبتدأ محذوف، أي: هم قنافذ، و"هداجون" جمع هداج بتشديد الدال وفي آخره جيم؛ من الهدجان، وهو: مشية الشيخ، "وعطية": أبو جرير، وأراد الفرزدق بهذا البيت هجو رهط جرير، وشبههم بالقنافذ في مشيهم بالليل، وطوى ذكر المشبه، فهو من الاستعارة بالكناية، "وخرج" هذا البيت "على زيادة "كان"" بين الموصول وصلته، "أو" على "إضمار اسم" في "كان" حال كونه "مرادًا به الشأن1"، وعلى ذلك اقتصر الناظم فقال:
153- ومضمر الشأن اسما انو إن وقع..... موهم ما استبان أنه امتنع
"أو راجعًا إلى "ما" الموصولة "وعليهن فـ"عطية" مبتدأ" و"عود" خبره، و"إياهم" معمول الخبر مقدم على المبتدأ، وتقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ جائز عند البصريين2، "وقيل": التقديم "ضرورة، وهذا" التخريج الأخير، وهو دعوى الضرورة. "متعين في قوله": [من البسيط]
171- "باتت فؤادي ذات الخال سالبة" فالعيش إن حم لي عيش من العجب
فلا يجوز دعوى زيادة "بات"، ولا إضمار اسمها مرادًا به الشأن "لظهور نصب الخبر" وهو "سالبة" لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه بمفرد، و"حم" بالبناء للمفعول بمعنى: قدر، ولا يتعين دعوى الضرورة, لجواز أن يكون "فؤادي" منادى سقط منه حرف النداء، ومعمول الخبر محذوف أي: سالبة لك.
__________
1 انظر شرح ابن عقيل 1/ 281، وشرح ابن الناظم ص99.
2 انظر خزانة الأدب 9/ 268، 269.
171- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 251، وتخليص الشواهد ص248، وخزانة الأدب 9/ 269، وشرح الأشموني 1/ 116، والمقاصد النحوية 2/ 28.(1/248)
فصل5
"فصل":
"قد تستعمل هذه الأفعال تامة، أي: مستغنية بمرفوعها" عن منصوبها، وهذا هو الصحيح عند ابن مالك، وإليه أشار بقوله في النظم:
150- .................. وذو تمام ما برفع يكتفي
وتبعه الموضح وهو مخالف لمذهب سيبويه وأكثر البصريين، من أن معنى تمامها دلالتها على الحدث والزمان، وكذا الخلاف في تسمية ما ينصب الخبر ناقصًا، لم سمي ناقصًا؟ فعلى الأول: لكونه لم يكتف بمرفوعه، وعلى قول الأكثرين: لكونه سلب الدلالة على الحدث، وتجرد للدلالة على الزمان، واستدل ابن مالك على بطلان مذهب الأكثرين بعشرة أوجه مذكورة في شرحه على التسهيل1.
وإذا استعملت تامة كانت بمعنى فعل لازم. فـ"كان" بمعنى: حصل "نحو: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] أي: وإن حصل ذو عسرة" و"أمسى" بمعنى: دخل في المساء، و"أصبح" بمعنى: دخل في الصباح، نحو: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] أي: حين تدخلون في المساء، وحين تدخلون في الصباح". و"دام" بمعنى: بقي نحو: "{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107] أي: ما بقيت". و"بات" بمعنى: عرس؛ وهو النزول ليلًا، نحو قول عمر رضي الله عنه: "أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بات بمنى" أي: عرس بها، "وقوله" وهو امرؤ القيس بن عانس؛ بالنون؛ وفاقًا لابن دريد2، لا ابن حجر الكندي خلافًا لمن زعمه: [من المتقارب]
__________
1 انظر شرح شواهد ابن الناظم ص248.
2 في الاشتقاق 370: "امرؤ القيس بن عابس -بالباء- بن المنذر الشاعر، أدرك الإسلام ولم يرتد".(1/249)
172- "وبات وباتت له ليلة".... كليلة ذي العائر الأرمد
أي: وعرس، و"العائر" بالعين المهملة اسم فاعل من العور، وهو القذى في العين تدمع له، وقيل: الرمد والأرمد صفة له مخصصة على الأول، وكاشفة على الثاني، "وقالوا: بات بالقوم؛ أي: نزل بهم" ليلًا. و"ظل" بمعنى: دام واستمر، نحو: "ظل اليوم" بالرفع، "أي: دام ظله. و" "أضحى" بمعنى: دخل في الضحى، نحم: "أضحينا؛ أي: دخلنا في الضحى". و"صار" بمعنى: انتقل، نحو: صار الأمر إليك، أي: انتقل، وبمعنى: رجع نحو: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53] أي: ترجع.
"وبرح" بمعنى: "ذهب، نحو: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ} [الكهف: 60] أي: لا أذهب. و"أنفك" بمعنى: انفصل، نحو: فككت الخاتم فانفك، أي: انفصل. وتكون هذه الأفعال التامة لمعان أخر عنه ما ذكر1.
وجميع أفعال هذا الباب استعملت تامة وناقصة. "إلا ثلاثة أفعال فإنها ألزمت النقص" ولم تستعمل تامة أصلًا، "وهي: فتئ، وزال، وليس" وما أوهم خلاف ذلك يؤول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
151- ........... والنقص في فتئ ليس زال دائمًا قفي
وذهب أبو حيان في نكته إلى أن "فتئ" تكون تامة بمعنى: سكن. وذهب أبو علي في الحلبيات إلى أن "زال" تكون تامة، نحو: ما زال زيد عن مكانه، أي: لم ينتقل عنه.
وذهب الكوفيون إلى أن "ليس" تكون عاطفة لا اسم ولا خبر، نحو: [من الرمل]
173- .................. إنما يجزي الفتى ليس الجمل
__________
172- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص185، وتخليص الشواهد ص243، وشرح قطر الندى ص136، ولعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص200، ولعمرو أو لامرئ القيس في سمط اللآلي ص531، ولامرئ القيس بن عابس في المقاصد النحوية 2/ 30، وله أو لامرئ القيس الكندي أو لعمرو بن معد يكرب في شرح شواهد المغني 2/ 732، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 254، وجمهرة اللغة ص775، وشرح ابن الناظم ص98، وشرح الأشموني 1/ 115.
1 انظر الارتشاف 2/ 77، 78، وحاشية الصبان 1/ 326، وهمع الهوامع 1/ 115.
173- صدر البيت: "وإذا أقرضت قرضًا فاجزه"
والبيت للبيد في ديوانه ص179، ولسان العرب 6/ 211 "ليس", 7/ 217 "قرض"، 15/ 469 "إما لا"، وتهذيب اللغة 8/ 34، 13/ 72، 73، وأساس البلاغة "جزي"، وتاج العروس 19/ 17 "قرض"، وجمهرة الأمثال 1/ 57، والأزهية ص182، 196، وخزانة الأدب 9/ 296، 297، 300، 11/ 190، 191، وشرح أبيات سيبويه 2/ 40، والكتاب 2/ 323، ومجالس ثعلب ص169، 515، والمقاصد النحوية 4/ 176، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 354، والمقتضب 4/ 410 والارتشاف 2/ 96.(1/250)
فصل6
"فصل":
"تختص "كان" بأمور. منها: جواز زيادتها بشرطين:
أحدهما: كونها بلفظ الماضي"، لتعيين الزمان فيه دون المضارع. "وشذ قول أم عقيل" بن أبي طالب وهي ترقصه: [من الرجز]
174- "أنت تكون ماجد نبيل"..... إذا تهب شمأل بليل
أنشده ابن مالك شاهدًا على ذلك1. فـ"أنت" مبتدأ، و"ماجد" خبره، و"تكون" زائدة بين المبتدأ والخبر، ونبيل" فعيل من النبالة، بمعنى: الفضل، خبر بعد خبر، و"شمأل" كجعفر: ريح تهب من ناحية القطب، و"بليل" كقتيل، بمعنى: مبلولة.
"و" الشرط "الثاني: كونها بين شيئين متلازمين، ليسا جارا ومجرورًا"، وليس المراد بزيادتها أنها لا تدل على معنى البتة، بل أنها لم يؤت بها للإسناد، وإلا فهي دالة على المضي، ولذلك كثرت زيادتها بين "ما" التعجبية وفعل التعجب، لكونه سلب الدلالة على المضي2، "نحو: ما كان أحسن زيدًا" فـ"كان" زائدة بين المبتدأ وخبره. "و" قد تزاد بين الفعل ومرفوعه، نحو: "قول بعضهم: لم يوجد كان مثلهم". فزاد "كان" بين الفعل ونائب الفاعل تأكيدًا للمضي. "وشذ" زيادتها بين الجار والمجرور، ومنه "قوله": [من الوافر]
__________
174- الرجز لأم عقيل في أوضح المسالك 1/ 255، وتخليص الشواهد ص252، وخزانة الأدب 9/ 225، 226، والدرر 1/ 226، وشرح ابن الناظم ص100، وشرح الأشموني 1/ 118، وشرم ابن عقيل 1/ 292، والمقاصد النحوية 2/ 39، وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 120.
1 شرح التسهيل 1/ 362.
2 أجاز الفراء ذلك. انظر الارتشاف 2/ 96.(1/251)
175- جياد بني أبي بكر تسامى..... "على كان المسومة العراب"
أنشده الفراء، فزاد "كان" بين الجار والمجرور، وهما كالشيء الواحد، و"الجياد": جمع جيد، و"تسامى" أصله: تتسامى، حذفت إحدى التاءين، من السمو، وهو: العلو، و"المسومة": اسم مفعول من السومة1، وهي: العلامة، و"العراب" بكسر العين المهملة نعت "المسومة" وهي: الخيل العربية التي جعلت عليها علامة، وتركت في المرعى، وأطلق الناظم المسألة اعتمادًا على المثال فقال:
154- وقد تزاد كان في حشو كما.... كان أصح علم من تقدما
"وليس في زيادتها قوله" وهو الفرزدق: [من الوافر]
176- فكيف إذا مررت بدار قوم..... "وجيران لنا كانوا كرام"
"لرفعها الضمير" وهو الواو، والزائد لا يعمل شيئًا عند الجمهور، وهذا مذهب أبي العباس المبرد2، وأكثر النحويين، حيذ ذهبوا إلى أن "كان" في هذا البيت ليست بزائدة، بل هي الناقصة، و"الواو" اسمها، و"لنا" خبرها، والجملة في موضع الصفة لـ"جيران" و"كرام" صفة بعد صفة3، فهو نظير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92، 155] "خلافًا لسيبويه" والخليل4، حيث ذهبا إلى أنها في
__________
175- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 96، والأزهية ص187، وأسرار العربية ص136، والأشباه والنظائر 4/ 303، وأوضح المسالك 1/ 257، وتخليص الشواهد ص252، وخزانة الأدب 9/ 207، 210، 10/ 187، والدرر 1/ 227، ورصف المباني ص140، 141، 217، 255، وشرح ابن الناظم ص100، وشرح الأشموني 1/ 118، وشرح ابن عقيل 1/ 291، وشرح التسهيل 1/ 361، وشرح المفصل 7/ 98، ولسان العرب 13/ 370 "كون"، واللمع في اللغة العربية ص122، والمقاصد النحوية 2/ 41، وهمع الهوامع 1/ 120.
1 في "ب": "الوسم", وفي "ط": "السمة".
176- البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 290، والارتشاف 3/ 290، والأزهية ص188، وتخليص الشواهد ص252، وخزانة الأدب 9/ 217، 221، 222، وشرح الأشموني 1/ 117، وشرح شواهد المغني 2/ 693، والكتاب 2/ 153، ولسان العرب 13/ 370 "كنن" والمقاصد النحوية 2/ 42، والمقتضب 4/ 116، وبلا نسبة في أسرار العربية ص136، والأشباه والنظائر 1/ 165، وأوضح المسالك 1/ 258، وشرح ابن عقيل ص146، والصاحبي في فقه اللغة ص161، ولسان العرب 13/ 367 "كون" ومغني اللبيب 1/ 287.
2 المقتضب 4/ 116.
3 انظر خزانة الأدب 9/ 217، والمقتضب 4/ 116.
4 الكتاتب 2/ 153، وانظر شرح التسهيل 1/ 361.(1/252)
البيت زائدة، واختلف في إطلاقهما الزيادة فيها. والذي فهمه النحويون أنهما أرادا حقيقة الزيادة, واختلفوا في تخريج ذلك، فقال ابن مالك: لا يمنع من زيادتها إسنادها إلى الضمير، كما لم يمنع من إلغاء "ظن" إسنادها إلى الفاعل في نحو: زيد ظننت قائم، وقال الفارسي في التذكرة: فإن قلت: كيف تلغى وقد عملت في الضمير؟ قلت: تكون لغوًا، والضمير الذي فيها توكيد لما في "لنا"؛ لأنه مرتفع بالفاعل، ألا ترى أنه لا خبر له1. وقال أبو الفتح محتجا للخليل: وجه زيادتها في هذا البيت: أن يعتقد أن الضمير المتصل وقع موقع المنفصل، والضمير مبتدأ، و"لنا" الخبر، ولكنك لما وصلت أعطيت اللفظ حقه، ولم يعتقد أن الواو مرفوعة بـ"كان".
وقال ابن عصفور: أصل المسألة: وجيران لنا هم، فـ"لنا" في موضع الصفة، و"هم" فاعل بـ"لنا"، على حد: مررت برجل معه صقر، ثم زيدت "كان" بين "لنا" و"هم" لأنها تزاد بين العامل والمعمول، فصار: لنا كان هم، ثم اتصل الضمير بـ"كان" وإن كانت غير عاملة فيه؛ لأن الضمير قد يتصل بغير عامله في الضرورة، نحو قوله: [من البسيط]
177- ................ أن لا يجاورنا إلاك ديار
والأصل: إلا إياك، وإذا كان يتصل بالحرف فأحرى أن يتصل بالفعل، ا. هـ.
قال المرادي في شرح التسهيل: وهذه تخريجات متكلفة، ثم قال: وقال بعضهم: لا يعني الخليل وسيبويه ما فهمه النحويون، إنما أراد بالزيادة أنه لو لم تدخل هذه الجملة بين "جيران" و"كرام" لفهم أن هؤلاء القوم كانوا جيرانه فيما مضى، وأنه فارقهم، فالجيرة كانت في الزمن الماضي، فجيء بقوله: كانوا لنا، لتأكيد ما فهم من المضي، قبل دخولها، فأطلق الخليل الزيادة بهذا المعنى، ويدل على أنه يصف حالًا ماضية قوله قبل هذا: [من الوافر]
هل أنتم عائجون بنا لعنا .....نرى العرصات أو أثر الخيام2
__________
1 انظر قوله في خزانة الأدب 9/ 219.
177- تقدم تخريج البيت برقم 52.
2 البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 260، وخزانة الأدب 9/ 222، وسمط اللآلي ص758، وشرح شواهد الشافية ص46، واللامات ص136، ولسان العرب 13/ 390 "لعن" ولجرير في ملحق ديوانه ص1039، ولسان العرب 13/ 34 "أنن"، وبلا نسبة في الإنصاف ص251، وجواهر الأدب ص402، وخزانة الأدب 10/ 422.(1/253)
ولا يمتنع أيضًا في البيت أن تكون "كان" تامة على حذف مضاف تقديره: "وجدت جيرتهم" ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه فقال: "كانوا" والجملة صفة. ا. هـ. كلام المرادي.
والحاصل على القول بزيادة "كان" في البيت قولان في الإعمال والإهمال، وفي كل واحد منهما قولان. فعلى الإهمال قيل: الأصل: هم لنا، ثم وصل الضمير بـ"كان" الزائدة إصلاحًا للفظ، لئلا يقع الضمير المرفوع المنفصل إلى جانب الفعل.
وقيل: بل الضمير توكيد للمستتر في "لنا" على أن "لنا" صفة لـ"جيران"، ثم وصل لما ذكر. وعلى الإعمال قيل: إن الضمير معمول لـ"كان" بالحقيقة على أنها ناقصة، و"لنا" خبرها. وقيل: تامة, وإنها تعمل في الفاعل، كما يعمل فيه العامل الملغى نحو: زيد ظننت عالم، هذا ما في المغني مرتبًا1. "ومنها"، أي: من الأمور المختصة بها "كان" "أنها تحذف ويقع ذلك" الحذف "على أربعة أوجه:
أحدها؛ وهو الأكثر؛ أن تحذف مع اسمها" ضميرًا كان أو ظاهرًا، "ويبقى الخير" دالا عليهما، ويكثر "ويكثر، "وكثر ذلك بعد "إن" و"لو" الشرطيتين"؛ لأنهما من الأدوات الطالبة لفعلين، فيطول الكلام، فيخفف بالحذف. وخص ذلك بـ"إن" و"لو" دون بقية أدوات الشرط؛ لأن "إن" أم أدوات الشرط الجازمة. و"لو" أم أدوات الشرط غير الجازمة، كما أن "كان" أم بابها، وهم يتسعون في الأمهات ما لا يتسعون في غيرها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
155- ويحذفونها ويبقون الخبر..... وبعد إن ولو كثيرًا ذا اشتهر
"مثال "إن"" والغالب فيها أن تكون تنويعية. "قولك: سر مسرعًا إن راكبًا وإن ماشيًا" أي: إن كانت راكبًا وإن كنت ماشيًا، "وقوله": [من الكامل]
178- لا تقربن الدهر آل مطرف..... "إن ظالمًا أبدًا وإن مظلومًا"
أي: إن كنت ظالمًا وإن كنت مظلوما، وقال أبو حيان: يمكن أن لا يكونا من إضمار "كان" وإنما انتصبا على الحال، و"إن" بقية "أما". وهذا البيت قالته ليلى الأخيلية.
"وقولهم: الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير وأن شرا فشر2"،
__________
1 مغني اللبيب 1/ 288.
178- البيت لليلى الأخيلية في ديوانها ص109، وشرح أبيات سيبويه 1/ 345، ولليلى أو لحميد بن ثور في الدرر 1/ 131، ولحميد بن ثوب في ديوانه ص130.
2 ورد هذا القول في الكتاب 1/ 258، وأوضح المسالك 1/ 261، والدرر 1/ 229.(1/254)
بنصب الأول على الخبرية لـ"كان" المحذوفة مع اسمها, ورفع الثاني على الخبرية لمبتدأ محذوف، "أي: إن كان عملهم خيرًا فجزاؤهم خير"، وإن كان عملهم شرا فجزاؤهم شر. وفيه رد على التسهيل، حيث قيد اسم "كان" بكونه ضميرًا، وهو معدود من مفرداته1.
"ويجوز: إن خير فخيرًا" وإن شر فشرا، برفع الأول على أنه اسم لـ"كان" المحذوفة مع خبرها، ونصب الثاني على أنه مفعول ثان لفعل محذوف أي: "إن كان في عملهم خير فيجزون خيرًا، ويجوز نصبهما" معًا بتقدير: إن كان عملهم خيرا فيجزون خيرا, ورفعهما معا بتقدير: إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير، "و" الوجه "الأول" من الأوجه الأربعة "أرجحها"؛ لأن فيه إضمار "كان" واسمها بعد "إن" وإضمار المبتدأ بعد فاء الجزاء، وكلاهما2 كثير مطرد.
"و" الوجه "الثاني أضعفها"؛ لأن فيه حذف "كان" وخبرها بعد "إن" وحذف فعل ناصب بعد الفاء، وكلاهما قليل غير مطرد, ولذلك لم يذكره سيبويه3، "و" الوجهان "الأخيران متوسطان" بين القوة والضعف. ثم قال الشلوبين: هما متكافئان، يعني على حد سواء4.
قال تلميذه ابن الضائع: لأن في كل منهما الأقوى والأضعف، ففي نصبهما قوة نصب الأول، وضعف نصب الثاني، وفي رفعهما قوة رفع الثاني، وضعف رفع الأول، فتساويا.
وقال ابن عصفور: رفعهما أحسن من نصبهما4. ومثال "إن" غير التنويعية قولهم: [من البسيط]
179- انطق بحق وإن مستخرجًا إحنا ....................................
أي: وإن كنت مستخرجًا، "ومثال "لو"" قوله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: "التمس
__________
1 التسهيل ص56.
2 سقطت من "ب".
3 انظر الكتاب 1/ 258.
4 الارتشاف 2/ 89.
179- عجز البيت: "فإن ذا الحق غلاب وإن غلبا"، والبيت بلا نسبة في الدرر 1/ 232، وهمع الهوامع 1/ 121، وشرح التسهيل 1/ 363.(1/255)
ولو خاتمًا من حديد1" أي: التمس شيئًا ولو كان ما تلتمسه خاتمًا من حديد. "وقوله": [من البسيط]
180- "لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا"..... جنوده ضاف عنها السهل والجبل
أي: ولو كان صاحب البغي ملكًا ذا جنود كثيرة. وقولهم: الأحشف ولو تمرًا، وفيهما رد على أبي حيان، حيث شرط أن لا يكون ما بعد "لو" أعلى مما قبلها، ولا أعم، فإن الملك أعلى مما قبله، والتمر أعم من الحشف. "وتقول" فيما إذا كان ما بعد "لو " مندرجًا فيما قبلها، ولا أعم ولا أعلى على ما مثل به سيبويه من قولهم2: "ألا طعام ولو تمرًا"، فإن الطعام أعم من التمر. "و جوز سيبويه" فيه "الرفع بتقدير: ولو يكون عندنا تمر" فحذف "يكون" وخبرها وبقي اسمها. و"يقل الحذف المذكور" وهو حزف "كان" واسمها "بدون "إن" و"لو"" الشرطيتين "كقوله: [من الرجز]
181- من لد شولًا فإلى إتلائها
"قدره سيبويه3: من لد أن كانت شولًا" بفتح الشين المعجمة وسكون الواو والقصر والتنوين، جمع شائلة على غير قياس, وهي النوق التي جف لبنها, وارتفع ضرعها, وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. وأما الشائل: بلا هاء فهي الناقة التي تشول بذنبها للقاح، ولا لبن لها أصلًا، وجمعها: شول، بتشديد الواو؛ كراكع وركع، والإتلاء: مصدر أتلت الناقة إذا تلاها ولدها، أي: من زمن كونها شولًا إلى زمن كونها متلوة بأولادها، وإنما قدره "سيبويه: من لد أن كانت شولًا، ولم يقدره: من لد كانت؛ لأنه لا يرى إضافة "لدن" إلى الجمل، نقله في المغني عن الغرة لابن الدهان، واعترض على سيبويه في تقديره "أن" إذ يلزم منه حذف بعض الاسم، وبقاء بعضه، بل نص سيبويه في باب الاستثناء4 على أن الموصول الحرفي لا يجوز حذفه، وإن حمل على أنه تقدير معنى لا تقدير إعراب لزم منه أن ما فر منه وقع فيه.
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم 4741.
180- البيت للعين المنقري في خزانة الأدب 1/ 257، والدرر 2/ 85، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 97، وأوضح المسالك 1/ 262، وتخليص الشواهد ص260، وشرح ابن الناظم ص101، وشرح الأشموني 1/ 119، وشرح التسهيل 1/ 363، وشرح شواهد المغني 2/ 658، وشرح قطر الندى ص142، ومغني اللبيب 1/ 268، والمقاصد النحوية 2/ 50.
2 الكتاب 1/ 269.
181- تقدم تخريج الرجز برقم 152.
3 الكتاب 1/ 265.
4 الكتاب 2/ 335.(1/256)
الوجه "الثاني: أن تحذف "كان" مع خبرها، ويبقى الاسم، وهو ضعيف، ولهذا ضعف: ولو تمر, وإن خير" برفعهما.
الوجه "الثالث: أن تحذف وحدها" ويبقى اسمها وخبرها، "وكثر ذلك بعد "أن" المصدرية" الواقعة في موضع المفعول لأجله في كل موضع أريد فيه تعليل فعل بفعل، "في مثل" قولهم: "أما أنت منطلقًا انطلقت"، فـ"انطلقت" معلول، وما قبله علة له مقدمة عليه، "وأصل انطلقت: لأن كنت منطلقًا، ثم قدمت اللام" التعليلية "وما بعدها"، المجرور بها، "على انطلقت للاختصاص" عند النحويين، أو الاهتمام بالفعل عند البيانيين1، فصار: لأن كنت منطلقًا انطلقت، "ثم حذفت: "كان": لذلك" الاختصار "فانفصل الضمير" الذي هو اسم "كان" فصار: أن أنت منطلقًا، "ثم زيد "ما" للتعويض" من "كان" فصار: أن ما أنت، "ثم أدغمت النون" من "أن" "في الميم" من "ما" "للتقارب" في المخرج، فصار: أما أنت. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
156- وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب .............................
وقد يحذف متعلق الجار إذا فهم من المقام، "وعليه قوله" وهو عباس بن مرداس: [من البسيط]
182- "أبا خراشة أما أنت ذا نفر"..... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
"أي: لأن كانت ذا نفر فخرت، ثم حذف" فخرت، وهو "متعلق الجار"
__________
1 في "ب"، "ط": للاختصاص عند البيانيين، أو للاهتمام بالفعل عند النحويين.
182- البيت لعباس بن مرداس في ديوانه ص128، والأشباه والنظائر 2/ 113، والاشتقاق 313، وخزانة الأدب 4/ 13، 14، 17، 200، 5/ 445، 6/ 532، 11/ 62، والدرر 1/ 235، وشرح شذور الذهب 242، وشرح شواهد الإيضاح 479، وشرح شواهد المغني 1/ 116، 179، وشرح قطر الندى 140، ولجرير في ديوانه 1/ 349، والخصائص 2/ 381، وشرح المفصل 2/ 99، 8/ 132، والشعر والشعراء 1/ 341، والكتاب 1/ 293, واللسان 6/ 294 "خرش"، 8/ 217، "ضبع" والمقاصد النحوية 2/ 55، وبلا نسبة في الأزهية 147، وأمالي ابن الحاجب 1/ 411، 442، والإنصاف 1/ 71، وأوضح المسالك 1/ 265، وتاج العروس "ما" وتخليص الشواهد ص260، والجنى الداني ص528، وجواهر الأدب ص198، 416، 421، ورصف المباني ص99، 101، وشرح ابن الناظم ص102، وشرح الأشموني 1/ 119، وشرح ابن عقيل 1/ 297، ولسان العرب 14/ 47 "أما" ومغني اللبيب 1/ 35، والمنصف 3/ 116، وهمع الهوامع 1/ 23.(1/257)
لـ"أن" وما بعدها، و"أبا خراشة" منادى سقط منه حرف النداء، وهو بضم الخاء المعجمة، وحكي كسرها، وبراء مهملة وشين معجمة: كنية شاعر مشهور اسمه خفاف، بخاء معجمة مضمومة، وفاءين خفيفتين بينهما ألف. والنفر بفتح النون والفاء: الرهط هنا، والضبع؛ على وزن العضد: السنين المجدبة، وفيه تورية؛ لأنه أوهم أنه يريد الحيوان المعروف، ورشح بقوله: لم تأكلهم، وهو مجاز عن الشدة التي تحصل من جدب السنة، شبهها بالأكل، فهو استعارة تبعية، ودخلت الفاء في "فإن قومي" لأن الثاني مستحق بالأول، فهو مسبب عنه، والأول سبب فيه، فأشبه الشرط والجزاء، هذا قول البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن "أن" المفتوحة هنا شرطية، ولذلك دخلت الفاء في جوابها1: ومعنى المثال المذكور عندهم: إن كنت منطلقًا انطلقت معك، والأول أشهر.
ونقل أبو الفتح عن أبي علي أن "ما" الخالفة عن "كان" عاملة في الجزأين عمل ما خلفته. وحجته أن "ما" لما نابت في اللفظ نابت في العمل. وزعم أنه مذهب سيبويه2.
"وقل" حذف "كان" وحدها "بدونها" أي: بدون "أن" المصدرية "كقوله" وهو عبيد بن حصين الراعي: [من الكامل]
183- "أزمان قومي والجماعة كالذي"..... لزم الرحالة أن تميل مميلًا
"قال سيبويه3: أراد أزمان كان قومي" مع الجماعة، فحذف "كان" التامة، وأبقى فاعلها وهو "قومي"، و"الجماعة" مفعول معه، والناصب له "كان" المحذوفة.
والرحالة: بكسر الراء وبالحاء المهملة: سرج من جلود ليس فيها خشب، يتخذ للركض الشديد، وتميل؛ بفتح التاء؛ منصوب بـ"أن" وهي ومنصوبها في موضع التعليل، "ومميلًا" بفتح الميم الأولى بمعنى: ميل، مفعول مطلق.
__________
1 في الارتشاف 2/ 100: "وزعم الكوفيون أن "أن" هذه المفتوحة الهمزة أداة شرط كـ"إن" المكسورة، وجاز حذف الفعل في المذهبين للعلم بأن "أن" لا يقع بعدها إلا الأفعال، واتفقوا على أنه إذا حذفت "ما" وأتي بالفعل كانت "إن" مكسورة، وهي عند البصريين غير "أن" المفتوحة".
2 انظر قول أبي الفتح في الخصائص 2/ 381.
183- البيت للراعي النميري في ديوانه ص234، والأزهية ص71، وخزانة الأدب 3/ 145، 148، والدرر 1/ 234، 2/ 505، وشرح التسهيل 1/ 195، والكتاب 1/ 365, 2/ 259، 3/ 253، والمقاصد النحوية 2/ 99، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 99، وأوضح المسالك 1/ 266، وشرح ابن الناظم ص207، وشرح الأشموني 1/ 225، وشرح عمدة الحافظ ص405، والمقرب 1/ 160، وهمع الهوامع 1/ 122،/ 2/ 156.
3 الكتاب 1/ 305.(1/258)
الوجه "الرابع" أن تحذف" كان "مع معموليها" جميعا، "وذلك بعد: إن" الشرطية "في قولهم: افعل هذا إما لا، أي: إن كنت لا تفعل غيره فـ"ما" عوض" عن "كان" واسمها، وأدغمت نون "إن" فيها لتقارب مخرجيهما، "ولا" هي "النافية للخبر" وهو "تفعل"، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه تقديره: فافعله. قال الجاربردي1: تقول: اخرج، فإذا امتنع تقول: إما لا فتكلم، أي: إن كنت لا تفعل الخروج فتلكم، هكذا ذكر في بعض شروح المفصل، وهو يدل على أن الهمزة من "إما" مكسورة.
وقال بعض شراح الشافية: أما لا بفتح الهمزة، قال: معنى أما لا هو: أن كنت لا تفعل ذلك افعل هذا، أي: لأن كنت، فحذف اللام، ثم حذف "كان" فصار الضمير المتصل منفصلًا، وزيد "ما" عوضًا من الفعل المحذوف وقلبت النون ميمًا، وأدغمت في الميم. ا. هـ. كلام الجاربردي في باب الإمالة. وهو عجيب، فإن صيرورة الضمير المتصل منفصلًا إنما هو في أما أنت، لا في إما لا، والحذف في هذا الوجه والذي قبله واجب، وفيما قبلهما جائز، قاله الخضراوي. وحكى الكوفيون أنه يقال: لا تأت الأمير فإنه جائر، فتقول: أنا آتيه وإن، أي: وإن كان جائزًا، فتحذف "كان" مع معموليها من غير تعويض، وعليه قوله: [من الرجز]
184- قالت بنات العم يا سلمى وإن ....كان فقيرًا معدمًا قالت وإن
أي: وإن كان فقيرًا معدما، ولا يجوز هذا الحذف مع غير "كان" عند البصريين.
"ومنها" أي: من الأمور المختصة بها "كان" "أن لام مضارعها" وهي النون "يجوز حذفها" تخفيفًا وصلًا لا وقفًا. نص على ذلك ابن خروف. وإلى الجواز أشار الناظم بقوله:
157- ومن مضارع لكان منجزم..... تحذف نون وهو حذف ما التزم
"وذلك بشرط كونه مجزوما بالسكون"، حال كونه "غير متصل بضمير نصب، ولا" متصل "بساكن، نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20]، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] أصلهما: أكون وتكون، بالرفع فحذفت الضمة للجازم، والواو لالتقاء الساكنين، والنون للتخفيف، ووقع ذلك في التنزيل في ثمانية عشر موضعًا "بخلاف: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [الأنعام: 135] {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} [يونس: 78] لانتفاء الجزم" فيهما؛ لأن الأول مرفوع. والثاني منصوب، وبخلاف نحو: "{وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِين} [يوسف: 9] لأن جزمه بحذف النون" بالعطف على "يخل" المجزوم في جواب الأمر، وإنما لم تحذف نون تكون فيهن؛ لأنها محركة في الأولين
__________
1 في كتابه شرح الشافية ص384، مع اختلاف يسير عما ورد هنا.
184- تقدم تخريج الرجز برقم 9.(1/259)
بحركة الإعراب، وفي الثالث بحركة المناسبة، فتعاصت عن الحذف بخلاف ما إذا كانت ساكنة فإنها شبيهة بأحرف المد واللين في سكونها وامتداد الصوت بها، فتحذف كما يحذفن بجامع أنها تكون إعرابًا مثلهن، وتحذف للجازم كما يحذفن. "و" بخلاف "نحو: إن يكنه فلن تسلط عليه"، فلا يحذف أيضًا "لاتصاله بالضمير" المنصوب. والضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، فلا يحذف معها بعض الأصول، وبخلاف "نحو: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}" [النساء: 137]، فلا يحذف أيضًا "لاتصاله بالساكن"، وهو لام التعريف، فالنون مكسورة لأجله، فهي متعاصية على الحذف لقوتها بالحركة قلله الموضح في شرح القطر1.
"وخالف في هذا" الأخير "يونس" بن حبيب "فأجاز الحذف" ولم يعتد بالحركة العارضة لالتقاء الساكنين2 " تمسكا بنحو قوله" وهو الخنجر بن صخر الأسدي: [من الطويل]
185- "فإن لم تك المرآة أبدت وسامة" فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
فحذف النون مع ملاقاة الساكن، والمرآة، بكسر الميم ومد الهمزة: آلة الرؤية، فكأنه نظر وجهه فيها فلم يره حسنًا، فتسلى بأنه يشبه الضيغم وهو: الأسد، والوسامة بفتح الواو: الحسن والجمال. "و" هذا البيت "حمله الجماعة" المعتدون في المنع بمطلق الحركة "على الضرورة. كقوله" وهو النجاشي: [من الطويل]
186- فلست بآتيه ولا أستطيعه "ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل"
فحذف نون "لكن" ضرورة3، واستدل به الفراء على أن "لكن" المشددة مركبة، وأصلها: لكن أن فطرحت الهمزة للتخفيف، ونون "لكن" للساكنين قاله في المغني4.
وقيل: هذه أبيات تتضمن أن النجاشي عرض له ذئب في سفره فحكى أنه دعا الذئب إلى الطعام، وقال له: له لك من أخ؟ يعني نفسه، يواسيك بطعامه بغير من ولا بخل، فقال له الذئب، دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي من مؤاكلة بني آدم، ولست بآتيه ولا أستطيعه ولكن إن كان في مائك الذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقني منه.
__________
ـ
1 شرح قطر الندى ص138.
2 شبرح التسهيل 1/ 366، والارتشافغ 1/ 31، وشرح ابن عقيل 1/ 229.
185- البيت للخنجر بن صخر الأسدي في خزانة الأدب 9/ 304، والدرر 1/ 237،/ وسر صناعة الإعراب 2/ 542، ولسان العرب 13/ 364 "كون" والمقاصد النحوية 2/ 63، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 269، وتخليص الشواهد ص 268، وشرح ابن الناظم ص102، وشرح الأشموني 1/ 120.
186- البيت للنجاشي الحارثي في ديوانه 111، والأزهية 296، وخزانة الأدب 10/ 418، 419، وشرح أبيات سيبويه 1/ 195، وشرح شواهد المغني 2/ 701، والكتاب 1/ 27، والمنصف 2/ 229، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 133، 361، والإنصاف 2/ 684، وأوضح المسالك 1/ 671، وتخليص الشواهد 269، والجنى الداني 592، وخزانة الأدب 5/ 265، ورصف المباني ص277، 310.
3 انظر الخصائص 1/ 310.
4 مغني اللبيب 1/ 291.(1/260)
فصل7 "في ما ولا ولات وإن المعملات عمل ليس تشبيها بها" في النفي
"فصل": "في ما ولا ولات وإن المعملات عمل ليس تشبيهًا بها" في النفي
"أما "ما" فأعملها الحجازيون، وبلغتهم جاء التنزيل، قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31]، {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2]، ثم اختلف النحاة، فقال البصريون: عملت في الجزأين، وقال الكوفيون: عملت في الأول فقط، وأما نصب الثاني فعلى إسقاط الخافض، كذا قاله الشاطبي، وفيه نظر، فإن المنقول عنهم أن المرفوع بعدها مبتدأ والمنصوب خبره. ونصب بإسقاط الخافض، وأهملها التميميون، قال سيبويه1: وهو القياس. كما أهملوا ليس حملًا عليها، فقالوا: ليس الطيب إلا المسك بالرفع، قاله في المغني2.
"و" لا يعملها الحجازيون مطلقًا، بل "لإعمالهم إياها" عندهم "أربعة شروط:
أحدها: أن لا يقترن اسمها بـ"إن" الزائدة"، فإن اقترن بها بطل عملها وجوبا عند البصريين3 "كقوله": [من البسيط]
187- "بني غدانة ما إن أنتم ذهب" ولا صريف ولكن أنتم خزف
__________
1 الكاب 1/ 57.
2 مغني اللبيب 1/ 291.
3 انظر شرح التسهيل 1/ 369.
187- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 340، وأوضح المسالك 1/ 274، وتخليص الشواهد 277؛ والجنى الداني ص328، وجواهر الأدب 207، 208، وخزانة الأدب 4/ 119، والدرر 1/ 24، وشرح ابن الناظم ص103، وشرح الأشموني 1/ 121، وشرح التسهيل 1/ 370، وشرح شذور الذهب ص252، وشرح شواهد المغني 1/ 84، وشرح عمدة الحافظ ص214، وشرح قطر الندى ص143، ولسان العرب 9/ 190، "صرف" ومغني اللبيب 1/ 25، والمقاصد النحوية 2/ 91، وهمع الهوامع 1/ 13، وتاج العروس 24/ 15 "صرف".(1/261)
برفع "ذهب" على الإهمال، وإنما لم تعمل حينئذ؛ لأنها محمولة على "ليس" في العمل، و"ليس" لا يقترن اسمها بـ"إن". "وأما رواية يعقوب" بن السكيت "ذهبًا؛ بالنصب فتخرج على أن "إن" نافية مؤكدة لـ: ما" لا مؤسسة؛ لأن نفي النفي إيجاب. و"لا زائدة" كافة لـ"ما"، وهذا التخريج إنما يتمشى على قول الكوفيين إن "إن" المقرونة بـ"ما" هي النافية، جيء بها بعد "ما" توكيدًا، وهو مردود، فإن العرب قد استعملت "إن" الزائدة بعد :ما" الموصولة الاسمية والحرفية لشبهها في اللفظ بـ"ما" النافية، فلو لم تكن "إن" المقترنة بـ"ما" النافية زائدة لم يكن لزيادتها بعد الموصولتين مسوغ، قاله المرادي.
وغدانة: بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة والنون قبل هاء التأنيث: حي من يربوع، والصريف بالصاد المهملة: الفضة الخالصة، والخزف، بفتح الخاء والزاي المعجمتين وبالفاء قال الجوهري1: هو الجر. زاد في القاموس2: وكل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارًا.
الشرط "الثاني: أن لا ينتقض نفي خبرها بـ"إلا"، فإن انتقض بطل عملها، كبطلان معنى "ليس" "فلذلك وجب الرفع في" "واحدة" من قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} [القمر: 50] وفي "رسول" من قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144]، "فأما قوله: [من الطويل]
188- وما الدهر إلا منجنونا بأهله .....وما صاحب الحاجات إلا معذبًا
__________
1 الصحاح 4/ 1349 "خزف".
2 القاموس المحيط "خزف".
188- البيت لأحد بني سعد في شرح شواهد المغني ص219، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 276، وتخليص الشواهد ص271، والجنى الداني 325، وخزانة الأدب 4/ 130، 9/ 249، والدرر 1/ 239، 459، ورصف المباني ص311، وشرح ابن الناظم ص104، وشرح الأشموني 1/ 121، وشرح التسهيل 1/ 374/ وشرح المفصل 8/ 75، ومغني اللبيب ص73، والمقاصد النحوية 2/ 92، وهمع الهوامع 1/ 123، 230.(1/262)
فمن باب" المفعول المطلق الواقع عامله المحذوف خبرا عن اسم مبتدأ على حد: "ما زيد إلا سيرًا، أي:" ما زيد "إلا يسير سيرًا، والتقدير:" وما الدهر "إلا يدور دوران منجنون"، فـ"الدهر" مبتدأ و"يدور" خبره، و"دوران مفعول مطلق، وعامله "يدور" فحذف وأقيم المضاف إليه "دوران" مقامه، والباعث على نصب "منجنون" على هذا التقدير أمران: كونه لا يصح أن يكون خبرًا عن "الدهر" وكونه واقعًا بعد الإيجاب، والباعث على تقدير "دوران" أن "منجنونا" لا يصح كونه مفعولًا مطلقا؛ لأنه اسم للدواب الذي يسقى عليها الماء, فتارة يجعل السافل عاليا, وتارة يعكس, وأسماء الذوات لا تنصب إلى المفعولية المطلقة، إلا أن تكون آلة لها نحو: ضربته سوطًا. "و" كذا القول في:
............................. وما صاحب الحاجات إلا معذبًا
فإنه في تقدير "إلا يعذب معذبًا، أي: تعذيبًا"، والباعث على نصبه وقوعه بعد الإيجاب، والباعث على تأويله بالمصدر ما تقدم؛ لأن "معذب" اسم مفعول، وهو لا يقبل النصب على المفعولية المطلقة، وهذا ظاهر على مذهب الأخفش، وأما مذهب سيبويه فلا؛ لأنه لا يرى أن صيغة المفعول تكون بمعنى المصدر. وأجاز يونس النصب بعد الإيجاب1، وهذا البيت يشهد له، والأصل عدم التأويل وأنشده ابن مالك:
أرى الدهر إلا منجنوبًا .......... ................................
وحكم بزيادة "إلا".
واعترضه في المغني2، وما ذكره من وجوب الرفع مطلقًا في الخبر المنتقض نفيه هو قول الجمهور3.
والثاني: جواز النصب مطلقًا وهو قول يونس4.
والثالث: جواز النصب بشرط كون الخبر وصفًا، وهو قول الفراء5.
والرابع: جواز النصب بشرط كون الخبر مشبهًا به، وهو قول بقية الكوفيين6.
__________
1 شرح التسهيل 1/ 373، 374.
2 مغني اللبيب 1/ 73.
3 الارتشاف 2/ 104.
4 وكذلك رأي الشلوبين، انظر همع الهوامع 1/ 123.
5 معاني القرآن للفراء 3/ 111.
6 انظر الارتشاف 2/ 105.(1/263)
"ولأجل هذا الشرط أيضًا" وهو: أن لا ينتقض نفي الخبر "وجب الرفع بعد "بل" و"لكن" في نحو: ما زيد قائمًا بل قاعد، ولكن قاعد، على أنه خبر لمبتدأ محذوف" أي: بل هو قاعد، أو لكن هو قاعد، "ولم يجز" في "قاعد" "نصبه بالعطف" على "قائمًا" لأنه" واقع بعد "بل" أو "لكن" والواقع بعدهما "موجب" بفتح الجيم: أي مثبت، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
160- ورفع معطوف بلكن أو ببل..... من بعد منصوب بما الزم حيث حل
وأجاز المبرد كون "بل" ناقلة معنى النفي إلى ما بعدها، فيجوز على قوله: ما زيد قائمًا بل قاعدًا بالنصب على معنى: بل ما هو قاعدًا، نقله الموضح عنه في باب العطف من هذا الكتاب.
الشرط "الثالث: أن لا يتقدم الخبر" على الاسم، خلافًا للفراء، وإن كان ظرفًا أو جارا ومجرورًا على الأصح، خلافًا لابن عصفور1، فإن تقدم بطل العمل، "كقولهم: ما مسيء من أعتب" فـ"مسيء" خبر مقدم. و"من أعتب" مبتدأ مؤخر.
وحكى الجرمي: ما مسيئا من أعتب. على الإعمال، وقال: إنه لغة2. والمعتب: الذي عاد إلى مسرتك بعد ما ساءك. "وقوله": [من الطويل]
189- "وما خذل قومي فأخضع للعدى" ولكن إذا أدعوهم فهم هم
فـ"خذل" بتشديد الذال المعجمة، جمع خاذل، خبر مقدم و"قومي" مبتدأ مؤخر، "فأما قوله" وهو الفرزدق: [من البسيط]
190- فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم "إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر"
__________
1 المقرب 1/ 102.
2 الارتشاف 2/ 103.
189- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 279، وشرح الأشموني 1/ 122، والمقاصد النحوية 2/ 94.
190- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 185، والأشباه والنظائر 2/ 209، 3/ 122، وتخليص الشواهد ص281، والجنى الداني ص189، 324، 446، وخزانة الأدب 4/ 133، 138، والدرر 1/ 242، 477، وشرح ابن الناظم ص104، وشرح أبيات سيبويه 1/ 162، وشرح التسهيل 1/ 373، وشرح شواهد المغني 1/ 237، 2/ 782، والكتاب 1/ 60، ومغني اللبيب ص363، 517، 600، والمقاصد النحوية 2/ 96، والمقتضب 4/ 191, والهمع 1/ 124، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 235، وأوضح المسالك 1/ 280، ورصف المباني ص312، وشرح الأشموني 1/ 122، ومغني اللبيب ص82، والمقرب 1/ 102.(1/264)
بنصب "مثلهم" مع تقدمه، "فقال" سيبويه1: شاذ" ولا يكاد يعرف. "وقيل: غلط، وإن الفرزدق" تميمي "لم يعرف شرطها عند الحجازيين"، فقصد أن يتكلم بلغة الحجازيين، فغلط فيها، وفيه نظر, فإن العربي لا يطاوعه لسانه أن ينطق بغير لغته كما قاله سيبويه، "وقيل" بشر: خبر، "ومثلهم: مبتدأ2، ولكن بني" على الفتح "لإبهامه مع إضافته للمبني"، هو الضمير، والمبهم المضاف المبني يجوز بناؤه وإعرابه، "ونظيره" في البناء على الفتح: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}3 [الذاريات: 23]، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}4 [الأنعام: 94]، في قراءة من فتحهما" مع أنهما يستحقان الرفع على التبعية لـ"حق" في الأول. والفاعلية في الثاني، وأتى بنظيرين لئلا يتوهم أن ذلك خاص بلفظة "مثل"، "وقيل": مثلهم" حال"؛ لأن إضافة "مثل" لا تفيد التعريف، وهو في الأصل نعت لـ"بشر" ونعت النكرة إذا تقدم عليها انتصب على الحال، و"بشر" مبتدأ "والخبر محذوف" مقدم على المبتدأ لئلا يلزم تقديم الحال على عاملها الظرف، وهو ممتنع أو نادر، "أي: ما في الوجود بشر مثلهم"، أي: مماثلًا لهم. قاله المبرد5، ورد بأن حذف عامل الحال إذا كان معنويا ممتنع، قاله في المغني6. وقيل: "مثلهم" ظرف زمان تقديره: وإذ هم في زمان ما في مثل حالهم بشر قاله أبو البقاء. وقيل: ظرف مكان، والتقدير: وإذ ما مكانهم بشر، أي: في مثل حالهم. واسم الفرزدق: همام بن غالب، وقال ابن قتيبة، هميم بن غالب. ويكنى أبا فراس7. واختلف كلام ابن قتيبة في سبب تلقيبه بالفرزدق، فقال في أدب الكاتب8: الفرزدق قطع العجين، واحدتها فرزدقة؟
__________
1 الكتاب 1/ 60.
2 في "ب": "مبتدأ مؤخر".
3 الرسم المصحفي: {مثلَ}، بالنصب وقرأها بالرفع: حمزة والكسائي وعاصم الأعمش، انظر الاتحاف ص399.
4 الرسم المصحفي: {بينَكم}، بالنصب وقرأها بالرفع: ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وعاصم. انظر الإتحاف ص213.
5 المقتضب 4/ 191، 192.
6 مغني اللبيب ص475.
7 كذا نقل عنه ابن السيد في الاقتضاب 633، وفي الشعر والشعراء 1/ 471: "هو همام بن غالب". قلت: أما "هميم" فهو اسم أخيه، كما في الأغاني 21/ 276.
8 أدب الكاتب ص78.(1/265)
ولقب به لأنه كان جهم الوجه. وقال في كتاب طبقات الشعراء1: إنما لقب بالقرزدق لغلظه وقصره. وقال أبو محمد بن السيد2: والأول أصح لأنه كان أصابه جدري في وجهه ثم برئ منه، فبقي وجهه جهمًا.
وهذه الشروط الثلاثة مستفادة من قول الناظم:
158- إعمال ليس أعملت ما دون إن..... مع بقا النفي وترتيب زكن
أي: علم.
الشرط "الرابع: أن لا يتقدم معمول خبرها على اسمها"، فإن تقدم بطل عملها، "كقوله" وهو: مزاحم بن الحارث العقيلي: [من الطويل]
191- وقالوا تعرفها المنازل من منى..... "وما كل من وافى منى أنا عارف"
والأصل: ما أنا عارف كل من وافى منى، فـ"كل" منصوبة على المعفولية بـ"عارف"، يقال: تعرفت ما عند فلان، بتشديد الراء، تطلبت حتى عرفت، و"المنازل" مفعول فيه. وذلك أن مزاحمًا لما اجتمع بمحبوبته في الحج ثم فقدها. فسأل عنها، فقالوا له: تعرفها في منازل الحج من منى، فقال أنا لا أعرف كل من وافى منى حتى أسأله عنها. "إلا إن كان المعمول ظرفًا أو" جارا و"مجرورًا، فيجوز" العمل للتوسع فيهما، "كقوله": [من الطويل]
192- بأهبة حزم لذ وإن كنت آمنا ....."فما كل حين من توالي مواليا
والأصل: فما من توالي مواليًا كل حين، فـ"ما" نافية، و"من توالي" اسمها و"مواليا" خبرها، و"كل حين" ظرف زمان منصوب بـ"مواليًا". وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
159- وسبق حرف جر أو ظرف كما بي أنت معنيا أجاز العلما
__________
1 الشعر والشعراء 1/ 472.
2 الاقتضاب ص633.
191- البيت لمزاحم بن الحارث العقيلي في ديوانه ص28، وخزانة الأدب 6/ 268، وشرح أبيات سيبويه 1/ 43، وشرح شواهد الإيضاح ص154، وشرح شواهد المغني 2/ 970، والكتاب 1/ 72، 146، والمقاصد النحوية 2/ 98، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 233، وأوضح المسالك 1/ 282، والخصائص 2/ 354، 376، وشرح ابن الناظم ص105، وشرح الأشموني 1/ 122، ولسان العرب 9/ 237 "عرف"، ومغني اللبيب 2/ 694.
192- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 283، وشرح الأشموني 1/ 122، والمقاصد النحوية 2/ 101، وشرح التسهيل 1/ 370.(1/266)
والأصل: ما أنت معنيا بي. وفهم منه أن المعمول إذا لم يكن أحدهما أنهم لا يجيزون العمل وهو الشرط الرابع.
"وأما "لا" فإعمالها ليس قليل" جدا عند الحجازيين، وإليه ذهب سيبويه1 وطائفة من البصريين، وذهب الأخفش والمبرد إلى منعه2, وعلى الإعمال "يشترط له الشروط السابقة" في عمل "ما" "ما عدا الشرط الأول"، وهو أن لا يقترن اسم "لا" بـ"إن" الزائدة، "و" يشترط "أن يكون المعمولان نكرتين"، نحو: لا أحد أفضل منك، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
162- في النكرات أعملت كليس لا ...................................
وأما قول النابغة: [من الطويل]
193- .......... لا أنا باغيا سواها ولا في حبها متراخيا
وقول المتنبي: [من الطويل]
194- ...................... فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيا
فمن النوادر.
فإن قلت: كيف جعلته نادرًا وفي مثل سيبويه3: ما زيد ذاهبا ولا أخوه قاعدًا.
قلت: لا عمل للا بل هي زائدة، والاسمان تابعان لمعمولي "ما" "والغالب" في "لا" "أن يكون خبرها محذوفًا حتى قيل بلزوم ذلك كقوله"، وهو سعد بن مالك، جد طرفة بن العبد: [من م. الكامل]
__________
1 الكتاب 2/ 295.
2 المقتضب 4/ 360.
193- تمام صدر البيت: "وحلت سواد القلب لا أنا باغيًا"
، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص171، والأشباه والنظائر 8/ 110، وتخليص الشواهد ص294، والجنى الداني ص293، وخزانة الأدب 3/ 337، والدرر 1/ 249، وشرح الأشموني 1/ 125، وشرح شواهد المغني 2/ 613، ومغني اللبيب 1/ 340، والمقاصد النحوية 2/ 141، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص247، وشرح ابن عقيل 1/ 315، وهمع الهوامع 1/ 125.
194- صدر البيت: " "إذا الجواد لم يرزق خلاصًا من الأذى"
، وهو للمتنبي في ديوانه 4/ 419، وتخليص الشواهد ص299، والجنى الداني ص294، وشرح شذور الذهب ص257، وشرح قطر الندى ص145، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 108، ومغني اللبيب 1/ 240.
3 الكتاب 1/ 60.(1/267)
195- من صد عن نيرانها "فأنا ابن قيس لا براح"
فـ"براح" اسم "لا" وخبرها محذوف، أي: لا براح لي، "والصحيح جواز ذكره"، أي: الخبر، "كقوله: [من الطويل]
196- تعز فلا شيء على الأرض باقيا .....ولا وزر مما قضى الله واقيا
فـ"تعز" فعل أمر من التعزية، وهي: التسلية، ومعناه: تصبر، و"لا" نافية للجنس هنا، وهي عاملة عمل "ليس" وربما ظن كثير أن "لا" العاملة عمل "ليس" لا تكون إلا نافية للوحدة، وليس كذلك نبه عليه في المغني1. و"شيء" اسمها و"على الأرض" ظرف مستقر صفة لـ"شيء"، أو لغو متعلق بـ"باقيًا" و"باقيًا" خبر "لا" والأول أولى، وكذا القول فيما بقي، والوزر: الملجأ، والواقي: الحافظ.
"وإنما لم يشترط الشرط الأول"، وهو أن لا يقترن اسمها بـ"إن"؛ "لأن "إن" لا تزداد بعد "لا" "أصلًا" فلا حاجة لاشتراط ذلك فيها.
"وأما "لات" فأصلها "لا" النافية. "ثم زيدت" عليها "التاء" لتأنيث اللفظ أو للمبالغة في معناه أو لهما وخصت بنفي الأحيان، وزيادة التاء هنا أحسن منها في ثمت وربت؛ لأن "لا" محمولة على ليس وليس تتصل بها التاء، ومن ثم لم تتصل بـ"لا" المحمولة على "إن". قال صاحب الكافي2:" "لات" فرع "لا" و"لا"
__________
195- البيت لسعد بن مالك في شرح المفصل 1/ 109، والكتاب 1/ 85، والأشباه والنظائر 8/ 109، 130، وخزانة الأدب 1/ 467، والدرر 1/ 248، وشرح أبيات سيبويه 2/ 8، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص509، وشرح شواهد المغني ص582، 612، ولسان العرب 2/ 409 "برح"، والمؤتلف والمختلف ص135، والمقاصد النحوية 2/ 150، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص326، والإنصاف 367، وأوضح المسالك 1/ 285، وتخليص الشواهد 293، ورصف المباني 266، وشرح ابن الناظم ص107، وشرح الأشموني 125، وشرح التسهيل 1/ 376، وشرح المفصل 1/ 108، وكتاب اللامات ص105، ومغني اللبيب ص239، 631، والمقتضب 4/ 360.
196- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 286، وتخليص الشواهد ص294، والجنى الداني ص292، وجواهر الأدب ص238، والدرر 1/ 247، وشرح ابن الناظم ص107، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح شذور الذهب ص256، وشرح شواهد المغني 2/ 621، وشرح ابن عقيل 1/ 313، وشرح عمدة الحافظ ص216، وشرح قطر الندى ص114، ومغني اللبيب 1/ 239، والمقاصد النحوية 2/ 102، وهمع الهوامع 1/ 125.
1 مغني اللبيب 1/ 240.
2 الكافي في النحو لأبي جعفر النحاس. انظر كشف الظنون ص1379.(1/268)
فرع ليس، وليس فرغ ضرب، فهي في المرتبة الرابعة. وهي كلمتان عند الجمهور "لا" النافية وتاء التأنيث. وحركت لالتقاء الساكنين. وقال أبو عبيدة وابن الطراوة: كلمة وبعض كلمة وذلك أنها "لا" النافية والتاء الزائدة في أول الحين1، وقيل: كلمة واحدة، وهي فعل ماض، وعلى هذا هل هي ماضي: يليت، بمعنى ينقص. استعملت للنفي2 أو هي ليس بكسر الياء قلبت الياء ألفًا، وأبدلت السين تاء، كما قاله ابن أبي الربيع3، قولان حكاهما في المغني.
"وعملها إجماع من العرب"، وفيه خلاف عند النحاة، فنمهم من ذهب إلى أنها لا تعمل شيئًا وإن وليها مرفوع، فمبتدأ حذف خبره أو منصوب فمفعول لفعل محذوف، وهذا أحد قولي الأخفش4، وعنه أيضًا أنها تعمل عمل "إن" فتنصب الاسم وترفع الخبر, ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل ليس فترفع الاسم وتنصب الخبر. "وله" عندهم "شرطان: كون معموليهما اسمي زمان وحذف أحدهما، والغالب" في المحذوف "كونه المرفوع، نحو: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] بنصب "حين" على أنه خبرها واسمها محذوف، وهي بمعنى: ليس، و"مناص" بمعنى: فرار، "أي: ليس الحين حين فرار. ومن القليل قراءة بعضهم" وهو عيسى بن عمر في الشواذ5: "ولات حينُ مناص" "برفع الحين" على أنه اسمها وخبرها محذوف، أي: ليس حين فرار حينا لهم6، وكان القياس أن يكون هذا هو الغالب، بل كان ينبغي أن حذف المرفوع لا يجوز البتة؛ لأن مرفوعها محمول على مرفوع ليس، ومرفوع ليس لا يحذف، فهذا فرع تصرفوا فيه ما لم يتصرفوا في أصله، وقرئ أيضًا: "ولات حينِ مناص" بخفض "حين" فزعم الفراء أن "لات" تستعمل حرفًا جارا لاسم الزمان خاصة، كما أن منذ ومذ كذلك, فتحصل في "حين" ثلاث قراءات: الرفع والنصب والخفض، وفي الواقع ثلاثة أقوال.
إما على الابتداء أو على الاسمية لـ"لات" إن كانت عاملة عمل ليس، وعلى الخبرية لها إن كانت عاملة عمل إن. وفي النصب ثلاثة أقوال أيضًا: إما على الاسمية لـ"لات" إن
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 111.
2 انظر الارتشاف 2/ 111.
3 البسيط في شرح الجمل 2/ 753.
4 معاني القرآن للأخفش 2/ 670.
5 مختصر الشواذ ص129.
6 انظر الكتاب 1/ 58، ومعاني القرآن للأخفش 2/ 670.(1/269)
كانت عاملة عمل إن، أو على الخبرية لها إن كانت عاملة عمل ليس، أو على أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: لا أرى حين مناص. وفي الخفض وجه واحد، وعلى كل حال لا تعمل إلا في أسماء الزمان، كما يؤخذ من قول الناظم:
162- وما للات في سوى حين عمل ...................................
"فأما قوله" وهو شمردل الليثي: [من الكامل]
197- لهفي عليك للهفة من خائف "يبغي جوارك حين لات مجير"
"فارتفاع "مجير" على الابتداء"، وسوغ الابتداء به تقدم خبره في المجرور قلبه تقديرًا "أو على الفاعلية" بفعل محذوف. "والتقدير: حين لات له مجير"، على الابتدائية "أو يحصل له مجير"، على الفاعلية، "و "لات" مهملة، لعدم دخولها على الزمان"، و"مجير" بالجيم، اسم فاعل من أجار. "ومثله" في إهمال "لات" "قوله"، وهو الأعشى ميمون: [من الخفيف]
198- "لات هنا ذكرى جبيرة" أو جاء منها بطائف الأهوال
"إذ المبتدأ" ههنا "ذكرى" بفتح الراء مصدر: ذكر، "وليس" هو "بزمان" وخبره "هنّا" بفتح الهاء وتشديد النون، وهي ههنا محتملة للمكان والزمان، أي: ليس في هذا المكان أو الزمان ذكرى جبيرة بضم الجيم وفتح الموحدة والراء مصغر جبيرة، وقيل مكبر، هي: بنت عمرو بن حزم بن بكر بن وائل. قيل: هي امرأة قائل هذا البيت وأو من عطف على مقدر، أي: الجبيرة تذكر أو من جاء منها بطائف الأهوال، والطائف: الذي يطرق بالليل، وأراد به هنا: الخيال الذي رآه في النون، فكأنه رآها وهي غضبي ففزع من ذلك، والأهوال، جمع هول، وهو الخوف.
"وأما "إن"" النافية. "فإعمالها نادر" عند ابن مالك1، وقال غيره: إنه أكثر
__________
197- البيت للشمردل بن عبد الله الليثي في شرح شواهد المغني 2/ 927، والمقاصد النحوية 2/ 103، وللتميمي الحماسي في الدرر 1/ 217، وللتميمي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص950، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 82، وأوضح المسالك 1/ 287، وجواهر الأدب ص205، وشرح الأشموني 1/ 126، ومغني اللبيب 2/ 631، وهمع الهوامع 1/ 116.
198- البيت للأعشى في ديوانه ص53، وخزانة الأدب 4/ 196، 198، والخصائص 2/ 474، والدرر 1/ 252، وشرح ابن الناظم ص399 وشرح المفصل 3/ 17، والمحتسب 2/ 39، والمقاصد النحوية 2/ 106، 4/ 198.
1 شرح التسهيل 1/ 375.(1/270)
أكثر من عمل "لا" "وهو لغة أهل العالية"1، بالعين المهملة والياء المثناة تحت، وهي ما فوق نجد إلى أرض تهامة وإلى ما وراء مكة وما والاها والنسبة إليهما عالي وعلوي على غير قياس كذا في الصحاح2. واختلف في جواز إعمالها فذهب الكسائي وأكثر الكوفيين وأبو بكر3 وأبو علي4 وأبو الفتح إلى الجواز1، وذهب الفراء5، وطائفة وأكثر أهل البصرة إلى المنع، واختلف النقل عن سيبويه والمبرد، فنقل السهيلي الإجازة عن سيبويه والمنع عن المبرد وعكس ذلك النحاس، ونقل ابن مالك عنهما الإجازة6، وسمع ذلك من أهل العالية7، "كقول بعضهم: إن أحد خيرًا من أحد إلا بالعافية"، وإن ذلك نافعك ولا ضارك، وإن قائمًا أي: إن أنا قائمًا. "وكقراءة سعيد" بن جبير: "إِنْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادًا أَمْثَالُكُمْ" [الأعراف: 194] بسكون نون "إن" ونصب "عبادًا"8 وخرجها بعضهم على أنها المخففة من الثقلية، وأنها تنصب الجزأين مثل: [من الطويل]
199- ................ ........ إن حراستا أسدًا
وجعله أحسن لتتوافق القراءتان إثباتا، وهو تخريج على شاذ. "وقول الشاعر": [من المنسرح]
200- "إن هو مستوليا على أحد" إلا على أضعف المجانين
أنشده الكسائي شاهدًا على عمل "إن" عمل "ليس".
__________
1 الارتشاف 2/ 109.
2 الصحاح 6/ 2436 "علا".
3 الأصول 1/ 109، 110.
4 المسائل البصريات 1/ 446-648.
5 معاني القرآن للفراء 2/ 144.
6 شرح التسهيل 1/ 375.
7 الارتشاف 2/ 109.
8 الرسم المصحفي: "إنَّ .... عبادٌ"، انظر قراءة ابن جبير في المحتسب 1/ 270، وشرح ابن الناظم 109.
199- تمام البيت:
"إذا التف جنح الليل فلتأت ولتكن خطاك خفافًا إن حراستا أسدا"
وهو لعمر بن أبي ربيعة في الجنى الداني ص394، والدرر 1/ 282، وشرح شواهد المغني 122، ولم أقع عليه في ديوانه، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 167، 10/ 242، وشرح الأشموني 1/ 135، ومغني اللبيب ص37.
200- البيت بلا نسبة في الأزهية 46، وأوضح المسالك 1/ 291، وتخليص الشواهد 306، والجنى الداني 209، وجواهر الأدب ص206، وخزانة الأدب 4/ 166، والدرر 1/ 102، 425، ورصف المباني ص108، وشرح ابن الناظم ص109، وشرح الأشموني 1/ 126، وشرح شذور الذهب ص360، وشرح عمدة الحافظ ص216، والمقاصد النحوية 2/ 113، والمقرب 1/ 105، وهمع الهوامع 1/ 125.(1/271)
فصل8
"فصل":
"وتزاد الباء بكثرة في خبر: ليس" غير الاستثنائية، "و" في خبر ""ما" نحو: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} [البقرة: 74]، وذلك عند البصريين لرفع توهم الإثبات، فإن السامع قد لا يسمع أول الكلام، وعند الكوفيين لتأكيد النفي. قالوا: ليس زيد بقائم، رد لأن زيدًا لقائم، فالباء بمنزلة اللام.
وخرج بقولنا: غير الاستثنائية: قاموا ليس زيدًا، فإن الباء لا تدخل هنا لأن مصحوب [ليس]1 الاستثنائية كمصحوب "إلا" فكما لا تقول: ما زيد إلا بقائم, لا تقول: قاموا ليس بزيد، وكما تزاد الباء في خبر "ليس" تزاد في اسمها إذا تأخر إلى موضع الخبر، كقراءة بعضهم: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة: 177] بنصب "البر2"، وقوله: [من المتقارب]
201- أليس عجيبًا بأن الفتى يصاب ببعض الذي في يديه
وهذا من الغريب، كما قاله في المغني3.
"و" تزاد الباء "بقلة في خبر "لا"، و" الجزء الثاني من معمولي "كل ناسخ منفي، كقوله" وهو سواد بن قارب يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: [من الطويل]
__________
1 إضافة من "ط".
2 هي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي وابن مسعود وغيرهم. انظر البحر المحيط 2/ 2، والنشر 2/ 226.
201- البيت لمحمود الوراق في البيان والتبيين 3/ 197، وأمالي القالي 1/ 108، وأمالي المرتضى 1/ 608، وفوات الوفيات 4/ 80، وشرح شواهد المغني 1/ 338، والكامل ص705، ولمحمد بن حازم الباهلي في ديوانه ص107، وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 110.
3 مغني اللبيب 1/ 110.(1/272)
"وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة..... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب"
فأدخل الباء في "مغن" وهو خبر "لا" و"فتيلًا" بفتح الفاء: هو الخيط الذي يكون في شق النواة وهو مفعول مطلق، أي: بمغن إغناء ما، كأحد الوجهين في: {وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77] والمعنى: يوم لا صاحب شفاعة مغنيًا عني شيئًا، فأقام الظاهر مقام المضمر، وكقول بعض العرب: لا خير بخير بعده النار. فزاد الباء في خبر "لا" التبرئة، إذا لم تجعل الباء بمعنى "في" قاله ابن مالك1.
"وقوله"، وهو عمرو بن براق الأزدي: [من الطويل]
203- "وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ..... بأعجلهم" إذ أجشع القوم أعجل
فزاد الباء في "أعجلهم" وهو خبر "أكن" و"أجشع" بتقديم الجيم على الشين المعجمة: الفائق في الجشع، وهو شدة الحرص على الأكل، و"أعجل" بمعنى: عجل، لا للتفضيل، "وقوله"، وهو دريد بن الصمة: [من الطويل]
204- دعاني أخي والخيل بيني وبينه ....."فلما دعاني لم يجدني بقعدد"
فزاد الباء في "قعدد" وهو المفعول الثاني لـ"وجد" والقُعْدُد، بضم القاف وسكون العين المهملة وضم الدال الأولى وفتحها: الضيف.
__________
202- البيت لسواد بن قارب في الجنى الداني ص54، والدرر 1/ 257، 475، وشرح ابن الناظم ص105، وشرح التسهيل 1/ 376، وشرح عمدة الحافظ 215، والمقاصد النحوية 2/ 114، 3/ 417، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 522، والأشباه والنظائر 3/ 125، وأوضح المسالك 1/ 294، وشرح الأشموني 1/ 123، وشرح شواهد المغني 835، وشرح ابن عقيل 1/ 310، ومغني اللبيب ص419، وهمع الهوامع 1/ 127، 218.
1 شرح التسهيل 1/ 383.
203- البيت للشنفرى في ديوانه ص59، وتخليص الشواهد ص258، وخزانة الأدب 3/ 340، والدرر 1/ 256، وشرح شواهد المغني 2/ 899، والمقاصد النحوية 2/ 117، 4/ 51، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 114، والأشباه والنظائر 3/ 124، وأوضح المسالك 1/ 295، والجني الداني 54، وجواهر الأدب ص54، وشرح ابن الناظم ص106، وشرح الأشموني 1/ 123، وشرح التسهيل 1/ 382، 2/ 126، وشرح قطر الندى ص188، ومغني اللبيب 2/ 560، وهمع الهوامع 1/ 127.
204- البيت لدريد بن الصمة في ديوانه ص48، وتخليص الشواهد ص268، وجمهرة أشعار العرب 1/ 590، والدرر 1/ 256، ولسان العرب 3/ 362 "قعد"؛ والمقاصد النحوية 2/ 212، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 114، وأوضح المسالك 1/ 296، وجواهر الأدب ص55، وشرح ابن الناظم ص106، وهمع الهوامع 1/ 127.(1/273)
"وتزاد الباء بندور في غير ذلك كخبر: إن" المكسورة "ولكن و"ليت" في قوله"، وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
205- فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها..... "فإنك مما أحدثت بالمجرب"
فزاد الباء في "المجرب" وهو خبر "إن"، وتنأ، من النأي وهو: البعد، والهاء في "عنها" عائدة على أم جندب المذكورة في قوله أولًا: [من الطويل]
خليلي مرا بي على أم جندب..... لتقضي حاجات الفؤاد المعذب1
و"حقبة" بكسر الحاء المهملة، نصب على الظرفية بمعنى السنة وجمعها حقب.
و"تلاقها" مجزوم؛ لأنه بدل من تنأ، قاله الموضح في شرح الشواهد. والمجرب بكسر الراء من التجربة: الاختبار. "و" في "قوله": [من الطويل]
206- "ولكن أجرا لو فعلت بهين"..... وهل ينكر المعروف في الناس والأجر
فزاد الباء في "هين" وهو خبر "لكن" المشددة و"لو فعلت" شرط معترض بين اسم "لكن" وخبرها، وجوابه محذوف، كما حذف مفعول "فعلت" والأصل: ولكن أجرًا هين لو فعلته أصبت.
"و" في "قوله"، وهو الفرزدق يهجو جريرًا وكليبًا رهطه، ويرميهم بإتيان الأتن بالمثناة: إناث الحمير، كما أن بني فزارة يرمون بإتيان الإبل: [من الطويل]
207- يقول إذا اقلولى عليها وأقردت..... "ألا ليت ذا العيش اللذيذ بدائم"
__________
205- البيت لامرئ القيس في ديوانه 42، وتخليص الشواهد 286، والدرر 1/ 170، 258،وشرح ابن الناظم 107، وشرح التسهيل 1/ 385، والارتشاف 2/ 116، والصاحبي في فقه اللغة 107، والمقاصد النحوية 2/ 126، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 125، وأوضح المسالك 1/ 297، وجواهر الأدب ص54، ورصف المباني ص257، وشرح الأشموني 1/ 123، وهمع الهوامع 1/ 88، 127.
1 ديوانه ص41، والأشباه والنظائر 8/ 85، وأساس البلاغة "قضى".
206- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 126، وأوضح المسالك 1/ 298، وخزانة الأدب 9/ 523، والدرر 1/ 257، وسر صناعة الإعراب 1/ 142، وشرح الأشموني 1/ 124، وشرح المفصل 8/ 23، 139، ولسان العرب 15/ 226 "كفي" والمقاصد النحوية 2/ 134، وهمع الهوامع 1/ 127، والارتشاف 2/ 116.
207- البيت للفرزدق في ديوانه ص863، والأزهية ص210، وتخليص الشواهد ص286، وجمهرة اللغة ص336، وخزانة الأدب 4/ 142، والدرر 1/ 257، 258، وشرح شواهد المغني 2/ 772، واللسان 15/ 200 "فلا" والمقاصد النحوية 2/ 135، 149، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 115، وأساس البلاغة ص361 "قرد" والأشباه والنظائر 3/ 126، وأوضح المسالك 1/ 299، والجنى الداني ص55، وجواهر الأدب ص52، وخزانة الأدب 5/ 14، والدرر 1/ 257، وشرح ابن الناظم ص106، وشرح التسهيل 1/ 272، 383، وشرح الأشموني 1/ 124، واللسان 3/ 350 "قرد" 11/ 707، "هلل"، والمنصف 3/ 67، وهمع الهوامع 1/ 127، 2/ 77، وتاج العروس "هلل".(1/274)
فزاد الباء في "دائم" وهو خبر "ليت" و"ذا" اسمها و"العيش" عطف بيان على "ذا" أو نعت له، و"اللذيذ" نعت العيش و"اقلولى" بالقاف، ارتفع و"أقردت" بالقاف والراء: سكنت وذلت. وفي اليواقيت للزاهد: المقلولي المجافي المستوفز، وفي أثر ابن عمر كان إذا سجد اقلولى1، قال الفراء: هو أن يرفع مقعدته ويتجافى قليلًا، وأنشد: [من الرجز]
208- لما رأتني خلقًا مقلوليا
أي: متجافيًا عن النساء، والمقلولي أيضًا: الراكب على الشيء العالي عليه ومنه هذا. ومعنى البيت يقول الكلبي: إذا ارتفع على الأتان وسكنت له قال ألا ليت هذا العيش اللذيذ بدائم ويروى:
ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم2
وعليه تكون الباء زائدة في خبر المبتدأ الداخلة عليه "هل" وهي هنا جحد، وعليه شراح التسهيل3. قال الكسائي: تأتي "هل" استفهامًا وجحدًا وشرطًا وأمرًا وتوبيخًا وتقريرًا وبمعنى "قد".
واقتصر الناظم في زيادة الباء على خبر ليس وما ولا وكان المنفية فقال:
161- وبعد ما وليس جر البا الخبر..... وبعد لا ونفي كان قد يجر
"وإنما دخلت في خبر "أن" المفتوحة "في: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} [الأحقاف: 33]، لما كان:
__________
1 في النهاية 3/ 309: "يروى: لو رأيت ابن عمر ساجدًا لرأيته مقلوليًا".
208- الرجز للفرزدق في الدرر 1/ 28، وشرح ابن الناظم ص470، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 139، والخصائص 1/ 6، وشرح الأشموني 2/ 541، والكتاب 3/ 315، ولسان العرب 15/ 94 "علا" 15/ 200 "قلا"، وما ينصرف وما لا ينصرف ص114، والمقتضب 1/ 142، والممتع في التصريف 2/ 557، والمنصف 2/ 68، 79، 3/ 67، وهمع الهوامع 1/ 36، وتهذيب اللغة 9/ 297، وكتاب العين 5/ 212، وتاج العروس "علا" "قلا".
2 وردت هذه الرواية في المقاصد النحوية 2/ 135، 149.
3 شرح التسهيل 1/ 383.(1/275)
"أولم يروا أنّ الله" في معنى: أوليس الله" بقادر، بدليل أنه جاء مصرحًا به في موضع آخر. كقوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ} [يس: 81]، فالنفي متناول لها مع ما في حيزها، فليست حينئذ من النوادر، وهي نظير ما أجازه الزجاج من قولك: ما ظننت أن أحدًا بقائم، لما كان في معنى: ليس في ظني أحد بقائم1.
__________
1 معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/ 447.(1/276)
باب أفعال المقاربة:
"وهذا" مجاز مرسل. "من باب تسمية الكل باسم الجزء، كتسميتهم الكلام كلمة"، وكتسميتهم ربيئة القوم عينًا. "وحقيقة الأمر" في ذلك "أن أفعال" هذا "الباب ثلاثة أنواع":
أحدها: "ما وضع للدلالة": بتثليث الدال "على قرب الخبر" للمسمى باسمها، "وهو ثلاثة: كاد وكرب" بفتح الراء وكسرها. "وأوشك".
"و" الثاني: "ما وضع للدلالة على رجائه"، أي: رجاء المتكلم الخبر في الاستقبال، فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله وحذف فاعله. "وهو ثلاثة" أيضًا: "عسى وحرى" بفتح الحاء والراء المهملتين، نص عليها ابن طريف في كتاب الأفعال. وأنكرها أبو حيان مع أنه ذكرها في لمحته. "واخلولق" بخاء معجمة وقاف.
"و" النوع الثالث: "ما وضع للدلالة على الشروع فيه"، أي: على شروع المسمى باسمها في خبرها. "وهو "كثير"، وأنهاه بعضهم إلى نيف وعشرين فعلًا1، "ومنه: أنشأ" وأنشى "وطفق" بفتح الفاء وكسرها. وطبق بكسر الباء الموحدة2، "وجعل وهب "وعلق" وهلهل "وأخذ وقام.
"و" جميع أفعال هذا الباب "تعمل عمل كان" من رفع الاسم ونصب الخبر، "إلا أن خبرهن يجب كونه جملة" ليتوجه3 الحكم إلى مضمونها، "وشذ مجيئه مفردًا" عن "الجملة :"بعد: كاد4 وعسى" وأوشك، "كقوله"، وهو تأبط شرا، واسمه
__________
1 في "ب": "موضعًا.
2 في الارتشاف 2/ 118: "وكسر الفاء لغة القرآن، وقالوا: طبق، بالباء المكسورة بدلًا من الفاء".
3 في "ط": "لتوجه".
4 في "ط": "كان".(1/277)
ثابت بن جابر: [من الطويل]
209- "فأبت إلى فهم وما كدت آيبا وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
فأتى بخبر "كاد" مفردًا، وهو "آيبا" اسم فاعل من "آب" إذا رجع، ويروى:
................ وما كنت آيبا ..............................
و"أبت" بضم الهمزة وسكون الموحدة، بمعنى: رجعت، و"فهم" بفتح الفاء وسكون الهاء: أبو قبيلة وهو فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان. و"كم" خبرية، و"مثلها" تمييز مجرور، بإضافة، والهاء المضاف إليها ترجع إلى القبيلة. و"تصفر" من صفر الطائر. والمعنى: فرجعت إلى القبيلة المسماة بفهم، وما كدت راجعًا، وكم مثل هذه القبيلة فارقتها وهي تصفر. "وقولهم" في المثل: "عسى الغوير أبؤسا1 فـ "أبؤسا" جمع بؤس ومعناه: العذاب أو الشدة خبر "عسى" وهو مفرد؛ لأنه ليس جملة. هذا قول سيبويه2 وأبي علي3 من البصريين، وقال الكوفيون: خبر يكون محذوفة، والتقدير: أن يكون أبؤسًا4.
وقال الأصمعي: خبر "يصير" محذوفة. وقيل: مفعول به، والتقدير عسى الغوير يأتي بأبؤس، فحذف الناصب والجار توسعًا، وتلخص أن "أبؤسًا" خبر لعسى أو لكان أو لصار أو مفعولًا به. قال الموضح في شرح الشواهد: والأحسن من ذلك كله. أن يقدر يبأس أبؤسًا، فيكون مفعولًا مطلقًا، على حد: {فَطَفِقَ مَسْحًا} [ص: 33] أي: يمسح مسحًا ا.هـ. وقال في المغني5: الصواب أنه مما حذف فيه "كان" أي: يكون أبؤسًا،
__________
209- البيت لتأبط شرا في ديوانه ص91، والأغاني 21/ 159، وتخليص الشواهد ص309، وخزانة الأدب 8/ 374، 375، 376، والخصائص 1/ 391، والدرر 1/ 272، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص83، وشرح شواهد الإيضاح ص629، ولسان العرب 3/ 383 "كيد" والمقاصد النحوية 2/ 165، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 120، والإنصاف 2/ 544، وأوضح المسالك 1/ 302، وخزانة الأدب 9/ 347، ورصف المباني 190، وشرح ابن عقيل 1/ 325، وشرح ابن الناظم 111، وشرح التسهيل 1/ 393، وشرح عمدة الحافظ 822، وشرح المفصل 7/ 13، وهمع الهوامع 1/ 130.
1 المثل في مجمع الأمثال 2/ 17، وجمهرة الأمثال 2/ 50، والمستقصى 2/ 161، وفصل المقال 424.
2 الكتاب 3/ 158.
3 المسائل الحلبيات ص250.
4 المقتضب 3/ 70، وإليه ذهب المبرد فيه.
5 مغني اللبيب ص203.(1/278)
لأن في ذلك إبقاء لها على الاستعمال الأصلي ا.هـ. وسبقه إلى ذلك ابن جني، فقال في البيت1: التقدير: وما كدت أكون آيبًا ا. هـ. والغوير: تصغير غار بالغين المعجمة. وأصل هذا المثل فيما قيل: أن الزباء قالت لقومها عند رجوع قصير من الغزو إليها ومعه الرجال، وكان الغوير وهو ماء لكلب على طريقه: عسى الغوير أبؤسًا. تريد: لعل الشرك يأتيكم من قبل الغوير، فصار مثلًا يضرب للرجل يتوقع الشر من جهة يعينها، وكقول حسان رضي الله عنه: [من السريع]
210- من خمر بيسان تخيرتها ..... ترياقة توشك فقر العظام
أنشد محمد بن بري في حواشي الصحاح، وقد يقال: إنه على حذف كان، أي: توشك أن تكون فقر العظام، "وأما: {فَطَفِقَ مَسْحًا}، فالخبر" فعل "محذوف" لدلالة مصدره عليه، و"مسحًا" مفعول مطلق، لا خبر "أي": فطفق "يمسح مسحًا"، وفيه رد على الناظم في قوله:
113- وحذف عامل المؤكد امتنع .................................
كما سأيتي في بابه. وفي قوله: وشذ مجيئه مفردًا بعد كاد وعسى تقييد لقول الناظم:
164- ككان كاد وعسى لكن ندر..... غير مضارع لهذبن خبر
"وشرط الجملة" الواقعة خبرًا لهذه الأفعال. "أن تكون فعلية" لتدل على الحدث، "وشذ مجيئ" الجملة "الاسمية" خبرًا "بعد "جعل" في قوله" في الحماسة: [من الوافر]
211- "وقد جعلت قولص بني سهيل ..... من الأكوار مرتعها قريب"
فـ "قلوص" بفتح القاف: الشابة من النوق، اسم "جعل"، و"مرتعها قريب" جملة اسمية خبر "جعل" وأصله: يقرب مرتعها، فأقام الجملة الاسمية مقام الفعلية، قاله الموضح في شرح الشواهد. ويروى ابني سهيل بالتثنية، و"من الأكوار"
__________
1 في الخصائص 3/ 391: "..... ألا ترى أن معناه: فأبت وما كدت أؤوب".
210- البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص186، ولسان العرب 6/ 32 "بيس"، 10/ 513، "وشك".
211- البيت بلا نسبة في تخليص الشواهد ص320، وخزانة الأدب 5/ 120، 9/ 352، والدرر 1/ 273، وشرح ابن الناظم ص111، وشرح الأشموني 1/ 128، وشرح التسهيل 1/ 393، والارتشاف 2/ 121، وشرح ديوان الحماسة للمزروقي ص310، وشرح شواهد المغني ص606، ومغني اللبيب ص235، والمقاصد النحوية 2/ 170، وهمع الهوامع 1/ 130.(1/279)
متعلق بـ"قريب"، هي إما جمع كور، بضم الكاف، وهو: الرجل بأداته، أو جمع كور بفتحها، وهو: الجماعة الكثيرة من الإبل: والمرتع: مكان الرتوع. والمعنى: أن هذه القلوص حصل لها إعياء وتعب وكلال، فلم تبعد من الأكوار، بل رتعت بالقرب منها.
قال ابن ملكون فيما له على الحماسة: وقيل: "جعل" بمعنى: صير، ثم اختلف، فقيل ألغيت على حد إجازة الأخفش: ظننت زيد قائم: وقيل الأصل جعلته، أي: جعلت القلوص الأمر والشأن، كما قالوا: إن بك زيد مأخوذ ا. هـ.
واعترضه الموضح في الحواشي بأن أفعال التصير لا تلغى. "وشرط الفعل" المشتمل عليه الجملة "ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون رافعًا لضمير الاسم" الذي لهذه لأفعال. نحو: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]، وذلك لأن أفعال هذا الباب إنما جاءت لتدل على أن مرفوعها هو الذي قد تلبس بالفعل. أو شرع فيه لا غيره. فلا بد في الفعل من ضمير يعود على المرفوع. ليتحقق ذلك. "فأما قوله"، وهو أبو حية النميري: [من البسيط]
212- "وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي" فأنهض نهض الشارب الثمل
"وقوله"، وهو ذو الرمة: [من الطويل]
213- "وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه"
"فـ ثوبي" في البيت الأول. "وأحجاره" في البيت الثاني "بدل من اسمي "جعل" في الأول، "و "كاد" في الثاني بدل اشتمال، لا فاعلان بـ"يثقلني" و"تكلمني" بل فاعلهما ضمير مستتر فيهما، والتقدير: جعل ثوبي يثقلني، وكادت أحجاره تكلمني، فعاد الضمير على البدل دون المبدل منه؛ لأنه المقصود بالحكم، والمعتمد
__________
212- البيت لعمرو بن أحمر في ملحق ديوانه ص182، وخزانة الأدب 9/ 359، 362، ولأبي حية النميري في ملحق ديوانه ص186، والحيوان 6/ 483، وشرح شواهد الإيضاح ص74، والمقاصد النحوية 2/ 173، ولأحدهما في الدرر 1/ 261، ولأبي حية أو للحكم بن عبدل في شرح شواهد المغني 2/ 911، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 305، وشرح الأشموني 1/ 130، ومغني اللبيب 2/ 579، والمقرب 1/ 101، ويروى البيت بقافية "السكر" مكان "الثمل".
213- البيت لذي الرمة في ديوانه ص821، وأدب الكاتب ص462، والدرر 1/ 275، والاقتضاب ص657، وشرح أبيات سيبويه 2/ 364، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 91، 92، وشرح شواهد الشافية ص41، والكتاب 4/ 59، والمقاصد النحوية 2/ 176، والممتع في التصريف ص187، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 307، وشرح الأشموني 1/ 130، وهمع الهوامع 1/ 131.(1/280)
عليه في الإخبار غالبًا، وأغنى ذلك عن عوده إلى المبدل منه فسقط ما قيل إنه ليس في الفعل ضمير يعود إلى اسمي "جعل" و"كاد"، وتقدم أن ذلك شرط. وفي البيت الأول تأويلات آخران ذكرهما الموضح في الحواشي. وفي البيت الثاني ستة تآويل أخر ذكرها الخضراوي، وتركت الجميع خوف الإطالة.
"ويجوز في" خبر ""عسى" خاصة أن يرفع السببي"، وهو الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير يعود على اسمها، "كقوله"، وهو الفرزدق، حين هرب من الحجاج لما توعده بالقتل: [من الطويل]
214- "وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده....." إذا نحن جاوزنا حفير زياد
"ويروى بنصب "جهده"" على المفعولية بـ"يبلغ", "ورفعه" على
الفاعلية به، وهو محل الاستشهاد، فإنه متصل بضمير يعود على "الحجاج" الذي هو اسم "عسى"، وفيه رد على أبي حيان حيث منع من ذلك في النكت الحسان1.
و"حفير زياد" موضع بين الشام والعراق، وزياد: هو ابن أبي سفيان، أخو معاوية، كان أميرًا بالعراق. نيابة عن معاوية.
والأمر "الثاني: أن يكون" الفعل "مضارعًا"، ليدل على الحال أو الاستقبال، "وشذ في "جعل" قول ابن عباس رضي الله عنهما: فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا2" فـ "أرسل" خبر "جعل" وهو فعل ماض. قال الموضح في شرح الشواهد: وهذا لم أر من يحسن تقريره. ووجهه أن "إذا" منصوبة بجوابها على الصحيح، والمعمول مؤخر في التقدير عن عامله، فأول الجملة في الحقيقة "أرسل"، فافهموه3، ا. هـ.
وفيه رد على ابن مالك, حيث قال في التسهيل4: أو فعلية مصدرة
__________
214- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 160، والدرر 1/ 274، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص677، والمقاصد النحوية 2/ 180، ولمالك بن الريب في ملحق ديوانه ص51، وخزانة الأدب 2/ 211، والشعر والشعرء 1/ 361, وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 308، وشرح الأشموني 1/ 130، وهمع الهوامع 1/ 131.
1 النكت لحسان ص72، 73.
2 النهاية 4/ 194.
3 لم أجد قوله في شرح الشواهد، وهو في حاشية الصبان 1/ 260.
4 التسهيل ص59.(1/281)
بـ"إذا" قال الموضح في الحواشي: الصواب أن يقال أو جملة فعلية فعلها ماض، فإن هذا هو محط الشذوذ. وأما نفس "إذا" فلا وجه لكونها مرجعا للشذوذ,
ولهذا لم يقل أحد فيما علمنا إن قوله:
215- وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي ...............................
شاذ من جهة التصدير بـ"إذا"، وإنما جعلوا شذوذه من جهة رفع السببي، خاصة فافهمه، ا. هـ.
والأمر "الثالث: أن يكون" المضارع "مقرونًا بـ"أن" المصدرية وجوبا، "إن كان الفعل" الدال على الترجي، "حرى واخلولق"؛ لأن الفعل المرجى1 وقوعه قد يتراخى حصوله، فاحتيج إلى "أن" المشعرة بالاستقبال. "نحو: حرى زيد أن يأتي، و: اخلولقت السماء أن تمطر"، واستشكل الاقتران بـ"أن" لأنه يؤدي إلى جعل الحديث خبرًا عن الذات، وهو غير جائز. وأجيب بأنه من باب: زيد عدل، أو على تقدير مضاف. إما قبل الاسم، أو قبل الخبر، والتقدير: حرى أمر زيد الإتيان، واخلولق أمر السماء الإمطار، أو حرى زيد صاحب الإتيان، واخلولقت السماء صاحبة الإمطار، بكسر الهمزة وكذا البواقي.
"وأن يكون الفعل مجردا منها"، أي: من "أن" وجوبًا، "إن كان الفعل دالا على الشروع، نحو: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} [الأعراف: 22] لأنه للأخذ في الفعل والشروع فيه، وذلك ينافي الاستقبال، "والغالب في خبر "عسى" و" "أوشك الاقتران بها"، أي: بـ"أن" لأن "عسى" من أفعال الترجي، وكان القياس وجوب اقتران خبرها بـ"أن" حتى ذهب جمهور البصريين إلى أن التجريد من "أن" خاص بالشعر2. وأما "أوشك" فإنما يغلب معها الاقتران بـ"أن" حيث جعلت للترجي أختًا لـ"عسى".
قال الشاطبي: والصحيح ما ذكره الشلوبيين وتلاميذه ابن الضائع والأبذي وابن أبي الربيع أن "أوشك" من قسم "عسى" الذي هو الرجاء، قال ابن
__________
215- تقدم تخريج البيت برقم "212".
1 في "ب"، "ط": "المترجى".
2 في الارتشاف 2/ 120: "فجمهور البصريين على أن حذف "أن" من خبرها لا يكون إلا في الضرورة، قاله الفارسي، وأجاز حذفها في التذكرة في الكلام، وهو ظاهر قول سيبويه". وانظر الكتاب 3/ 158.(1/282)
الضائع: والدليل على ذلك أنك تقول: عسى زيد أن ينجح، ويوشك زيد أن يحج ولم يخرج من بلده، ولا تقول: كاد زيد يحج، إلا وقد أشرف عليه، ولا يقال ذلك وهو في بلد، انتهى كلام الشاطبي؟
وأما إذا جعلت للمقاربة كما ذهبت إليه الموضح1 هنا تبعًا للناظم وابنه2، فيشكل كون الغالب معها الاقتران كالاقتران الغالب في "عسى"، نحو: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء: 8]، "و" نحو "قوله: [من الطويل]
216- "ولو سئل الناس التراب لأوشكوا..... إذ قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا"
فإن "يملوا" خبر "أوشك"، وهو مقرون بـ"أن" وفيه رد على الأصمعي إذ قال3: لم يستعمل ماض لـ"يوشك"، والمعنى: أن من طبع الناس الحرص على أنهم لو سئلوا4 في إعطاء التراب بالموحدة لقاربوا الامتناع من ذلك والملل إذا قيل لهم هاتوه.
"و" التجرد من "أن" قليل، كقوله، وهو هدبة بن خشرم العذري: [من الوافر]
217- "عسى الكرب الذي أمسيت فيه ..... يكون وراءه فرج قريب"
"فيكون" خبر "عسى" وهو مجردًا من "أن"، و"الكرب" بفتح الكاف، وسكون الراء: الحزن بالنفس، و"أمسيت" قال الموضح تبعًا لليمني: الرواية بفتح التاء على الخطاب. و"فرج" بالجيم: كشف الغم، وهو مبتدأ تقدم خبره في الطرف قبله،
__________
1 شرح التسهيل 1/ 389.
2 شرح ابن الناظم ص113.
216- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 311، وتخليص الشواهد ص322، والدرر 1/ 268، وشرح ابن الناظم ص113، وشرح الأشموني 1/ 129، وشرح شذور الذهب ص350، وشرح ابن عقيل 1/ 332، وشرح عمدة الحافظ ص817، ولسان العرب 10/ 513، "وشك"، والمقاصد النحوية 2/ 182، وهمع الهوامع 1/ 130، وتاج العروس "وشك".
3 الارتشاف 2/ 119.
4 في "ط": "حتى لو أنهم سئلوا".
217- البيت لهدبة بن خشرم في ديوانه ص54، والكتاب 3/ 159، وخزانة الأدب 9/ 328، 330، وشرح أبيات سيبويه 1/ 142، والدرر 1/ 268، وشرح شواهد الإيضاح 97، وشرح شواهد المغني 443، واللمع 225، والمقاصد النحوية 2/ 184، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص111، وشرح المفصل 7/ 117، 121، وأسرار العربية 128، وأوضح المسالك 1/ 312، وتخليص الشواهد 326، وخزانة الأدب 9/ 316، والجنى الداني 462، وشرح ابن عقيل 1/ 327، وشرح عمدة الحافظ 816؛ والمقرب 1/ 98، ومغني اللبيب 152، والمقتضب 3/ 70، وهمع الهوامع 1/ 130.(1/283)
والجملة في محل نصب خبر "يكون"، واسمها مستتر فيها عائد على "الكرب"، و"قريب" نعت لـ"فرج"، وفي نتيجة القواعد لابن أياز "يكون" تامة و"وراءه" متعلق بها، ويجوز أن يكون "وراءه" في الأصل صفة لـ"قريب" ثم قدم عليه فانتصب حالًا، فيتعلق بمحذوف، وفيه ضمير وأجاز بعض المغاربة أن يكون حالًا من ضمير "قريب"، وفيه نظر، ا. هـ. ووجه النظر تقديم معمول الصفة على الموصوف، ولا يجوز أن يكون "فرج" مرفوعًا بـ"يكون" لا على التمام، ولا على النقصان؛ لأن ذلك يخلي "يكون من ضمير يعود على اسمها، وتقدم أن شرط خبر "عسى" أن يرفع الضمير أو السببي.
"وقوله" وهو أمية بن أبي الصلت الثقفي: [من المنسرح]
218- "يوشك من فر من منيته ..... في بعض غراتها يوافقها"
فـ"يوافقها" بالفاء فالقاف من الموافقة خبر "يوشك"، وهو مجرد من "أن" و"من فر" بمعنى: هرب، اسم "يوشك"، والمنية: الموت، والغرات بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء، جمع غرة، وهي الغفلة، والمعنى: أن من هرب من الموت في الحرب، يوشك أن يوافقه الموت في بعض غفلاته.
"وكاد وكرب بالعكس"، فيكون الغالب في خبرهما التجرد من "أن"؛ لأنهما يدلان على شدة مقاربة الفعل ومداومته، وذلك يقرب من الشروع في الفعل والأخذ فيه، فلم يناسب خبرهما أن يقترن بـ"أن" غالبًا، ويقل اقترانه بـ"أن" نظرًا إلى أصلهما، "فمن الغالب قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]، وقول الشاعر"، وهو كلحبة اليربوعي، وقيل رجل من طيئ: [من الخفيف]
219- "كرب القلب من جواه يذوب....." حين قال الوشاة هند غصوب
__________
218- البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه، 42، وشرح أبيات سيبويه 2/ 167، 207، وشرح المفصل 7/ 126، والعقد الفريد 3/ 187، والكتاب 3/ 161، ولسان العرب 6/ 32، ولسان العرب 6/ "بيس"، 188 "كأس" والمقاصد النحوية 2/ 187، ولعمران بن حطان في ديوانه 123، ولأمية أو لرجل من الخوارج في تخليص الشواهد ص323، والدرر 1/ 263، 270، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 313، وشرح ابن الناظم 114، وشرح الأشموني 1/ 129، وشرح التسهيل 1/ 392، وشرح شذور الذهب ص271، وشرح ابن عقيل 1/ 333، وشرح عمدة الحافظ ص818، والمقرب 1/ 98، وهمع الهوامع 1/ 129، 130.
219- البيت للكلحبة اليربوعي أو لرجل من طيئ في الدرر 1/ 166، والمقاصد النحوية 2/ 189، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 314، وتخليص الشواهد ص330، وشرح ابن الناظم ص112، وشرح الأشموني 1/ 130، وشرح التسهيل 1/ 392، وشرح شذور الذهب ص272، وشرح ابن عقيل 1/ 335، وشرح عمدة الحافظ ص814، وهمع الهوامع 1/ 130.(1/284)
فـ"يذوب" خبر "كرب" مجرد من "أن"، و"القلب" اسمها، والجوى: شدة الوجه، والوشاة جمع واش من وشى به إذا نم عليه، وعضوب: فعول بمعنى فاعل، كصبور، يستوي فيه المذكر والمؤنث. والمعنى: كاد القلب يذوب ويضمحل من شدة وجده وشوقه حين قال الواشون: محبوبتك هند غضوب عليك. "ومن القليل قوله" يرثي ميتًا: [من الخفيف]
220- "كادت النفس أن تفيض عليه....." إذ غدا حشو ريطة وبرود
فـ"أن تفيض" خبر "كاد" وهو مقرون بـ"أن"، وأوله فاء، وثانيه ياء مثناة تحت، وثالثه ضاد معجمة على لغة تميم، ومشالة على لغة قيس، قاله أبو زيد، وأبو عبيدة. يقال: فاظ الميت يفيظ فيظًا إذا قضى، قاله أبو الفرج بن سهيل. "وغدا" بمعنى صار، واسمه مستتر فيه، يعود إلى ما عاد عليه ضمير "عليه" قبله، وهو الميت المرثي، "وحشو" خبر "غدا"، والريطة بفتح الراء وسكون الياء المثناة تحت وبالطاء المهملة: الملاءة إذا كانت شقة واحدة، والبرود بضم الموحدة جمع برد، نوع من الثياب، والمراد بهما: الكفن، ويروى: مذ ثوى، بالمثلثة، بمعنى: أقام. "وقوله" وهو أبو زيد الأسلمي: [من الطويل]
221- سقاها ذوو الأحلام سجلًا على الظما..... "وقد كربت أعناقها أن تقطعا"
فـ"أن تقطعا" خبر "كربت" وهو مقرون بـ"أن"، وفيه رد على سيبويه حيث زعم أن خبر كرب لا يقترن بـ"أن" قاله الموضح في شرح الشواهد. وأصل "تقطع" تقطع بتاءين، حذفت إحداهما، وسقى يتعدى إلى اثنين، أولهما الهاء المتصلة به،
__________
220- البيت لأبي زبيد الطائي في الاقتضاب ص614، ونسبه الدسوقي في حاشيته على المغني 2/ 287، والأمير 2/ 183، لمحمد بن مناذر، وهو بلا نسبة في أدب الكاتب ص406، والاقتضاب ص307، وأوضح المسالك 1/ 315، وخزانة الأدب 9/ 348، وشرح الأشموني 1/ 129، وشرح شواهد المغني 2/ 948، وشرح شذور الذهب 273، وشرح ابن عقيل 1/ 330، ولسان العرب 6/ 234 "نفس"، 7/ 454، "فيظ"، ومغني اللبيب 2/ 662.
221- البيت لأبي زيد الأسلمي في تخليص الشواهد 330، والدرر 1/ 267، وشرح عمدة الحافظ 815، والمقاصد النحوية 2/ 193، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 316، وشرح ابن الناظم 113، وشرح الأشموني 1/ 123، وشرح التسهيل 1/ 392، وشرح شذور الذهب ص274، وشرح شواهد المغني ص355، وشرح ابن عقيل 1/ 335، والكامل ص244، والمقرب 1/ 99، وهمع الهوامع 1/ 130.(1/285)
وهي عائدة على العروق المذكورة في قوله قبل1:
مدحت عروقًا .... ..................
وسجلا، بفتح السين المهملة, وسكون الجيم مفعوله الثاني، وهو: الدلو المشغول بالماء، والأحلام بالحاء المهملة: العقول. والظما، بالمشالة: العطش. "ولم يذكر سيبويه في خبر "كرب" إلأا التجرد من: أن2". وفي نسخة: وهو مردود بالسماع. والحاصل أن خبر هذه الأفعال بالنسبة إلى اقترانه بـ"أن"، وتجرده منها أربعة أرقام. ما يجب فيه الاقتران. هو: حرى واخلولق، وإليه الإشارة بقول الناظم:
166- وكعسى حرى ولكن جعلا خبرها حتمًا بأن متصلًا
167- والزموا اخلولق أن مثل حرى .....................................
وما يجب تجرده من "أن" وهو أفعال الشروع المشار إليها بقول الناظم:
168- ..................... وترك أن مع ذي الشروع وجبًا
وما يجوز فيه الأمران، والغالب الاقتران، وعسى وأوشك وهو المشار إليه بقول الناظم أولًا:
165- وكونه بدون أن بعد عسى نزر ..............................
وثانيًا بقوله:
167- ................ وبعد أوشك انتفا أن نزرا
وما يجوز فيه الأمران، والغالب التجرد، وهو: كاد وكرب، وهو المشار إليه بقول الناظم أولًا:
165- ...................... ........... فكاد الأمر فيه عكسًا
وبقوله ثانيًا:
168- ومثل كاد في الأصح كربا ..................................
__________
1 تمام البيت:
"مدحت عروقًا للندى مصت الثرى حديثًا فلم تهمم بأن تتزعزعا"
وهو له في الكامل ص243.
2 في الكتاب 3/ 159: "وأما كاد فإنهم لا يذكرون فيها أن، وكذلك كرب يفعل، ومعناهما واحد".(1/286)
فصل2
"فصل":
"وهذه الأفعال ملازمة لصيغة الماضي إلا أربعة استعمل لها مضارع، وهي: كاد" وعينها واو، وجاءت من باب: خاف يخاف، ومن باب: قال يقول، كدت بكسر الكاف، كخفت، وبضمها كقلت، حكاهما سيبويه، فعلى الأول مضارعها: يكاد، كيخاف، "نحو: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور: 35]، وعلى الثاني مضارعها: يكود، كيقول حكاه ابن أفلح في منية الألباب. قال الموضح في الحواشي: فإن احتج على أنها يائية العين بقولهم: لا أفعله ولا كيدًا، قلنا: معارض بقولهم: ولا كودًا، وجعل الواو أصلًا، وسيلة إلى مجيء الياء للتخفيف، ا. هـ. "وأوشك، كقوله: [من المنسرح]
222- يوشك من فر من منيته" ...............................
أنشده سيبويه1، وتقدم الكلام عليه قريبًا، "وهو أكثر استعمالًا" من ماضيها، حتى إن الأصمعي وأبا علي أنكرا مجيء ماضيها2، وهما محجوجان بما تقدم، ولقلته يمثل أكثر النحويين لها بالمضارع. "وطفق، حكى" أبو الحسن "الأخفش3: طفق يطفق"، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، "كضرب يضرب، وطفق يطفق"، بالعكس، "كعلم يعلم"، وفرح يفرح"، "وجعل، حكى الكسائي: إن البعير ليهرم حتى يجعل" بالرفع، "إذا شرب الماء مجه"، وفيه شذوذ وقوع الماضي خبرًا كما تقدم توجيهه في: أرسل رسولًا، وكرب يكرب كنصر ينصر. قاله ابن أفلح في منية
__________
222- تقدم تمام البيت مع تخريجه برقم 218.
1 الكتاب 3/ 161.
2 في الارتشاف 2/ 119: "وأنكر الأصمعي "أوشك"، وقد نقله الخليل وغيره، وهو مسموع في كلامهم".
3 معاني القرآن للأخفش 2/ 515.(1/287)
الألباب، وعسى أعسى، حكاه ابن ظفر في شرح المقامات. وزعم غيره أنه يقال: عسى يعسو، وعسى يعسي1، فيكون مما اعتقبت الواو والياء على لامه، قاله قريب الموضح في حاشيته على هذا الكتاب. واقتصر الناظم على اثنين منها، فقال:
170- واستعملوا مضارعًا لأوشكا.... وكاد لا غير ......................
"واستعمل اسم فاعل لثلاثة وهي: كاد، قاله الناظم" في شرح الكافية2، "وأنشد عليه" قول كبير3؛ بالباء الموحدة والتكبير؛ ابن عبد الرحمن: [من الطويل]
223- أموت أسى يوم الرجام "وإنني..... يقينا لرهن بالذي أنا كائد"
فـ"كائد" بصورة الياء المثناة بعد الألف اسم فاعل من: كاد، والأسى، بالقصر: الحزن، والرجام بكسر الراء المهملة وبالجيم، اسم موضع، ويقينا، مفعول مطلق، ورهن بمعنى مرهون خبر "إن"، "وكرب، قاله جماعة، وأنشدوا عليه" قول عبد قيس بن خفاف: [من الكامل]
224- "أبني إن أباك كارب يومه" فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
فـ"كارب" اسم فاعل من: كرب الناقصة، واسمه مستتر فيه، وخبره محذوف.
"و "أوشك"" وعليه اقتصر الناظم فقال:
170- ................. ........... وزادوا موشكا
__________
1 في شرح ابن عقيل 1/ 340، 341: "فحكى صاحب الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من "عسى" قالوا: عسى يعسي فهو عاس".
2 شرح الكافية 1/ 459.
3 في حاشية الصبان 1/ 265: "إن تسميته كبير لا ينافيه قول الشارح بعد: "في شرح ديوان كثير" أي: بالمثلثة والتصغير، لاحتمال أن تكلمه على هذا البيت استطرادي، لا لكونه في الديوان، لكن نقل شيخنا عن شرح التوضيح للشارح أنه قول كثير عزة".
223- البيت لكثير عزة في شرح الشافية 1/ 1459، والارتشاف 2/ 126، وأوضح المسالك 1/ 318، وشرح ابن عقيل 1/ 339، والمقاصد النحوية 2/ 198، والهمع 1/ 129، وشرح الأشموني 1/ 131، وتخليص الشواهد ص336، وشرح عمدة الحافظ ص824، والدرر 1/ 265.
224- البيت لعبد قيس بن خفاف في الأصمعيات ص229، والحماسة الشجرية 1/ 469، وسمط اللآلي ص937، وشرح اختيارات المفصل ص1555، وشرح شواهد المغني 1/ 271، ولسان العرب 1/ 712، "كرب" والمقاصد النحوية 2/ 202، ونوادر أبي زيد ص114، ولعبد الله بن خفاف في تخليص الشواهد ص336، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 319، وجمهرة اللغة ص328، وشرح الأشموني 1/ 131.(1/288)
"كقوله" وهو كبير بن عبد الرحمن: [من الوافر]
225- "فإنك موشك أن لا تراها" وتعدو دون غاضرة العوادي
فـ"موشك" اسم فاعل أوشك، و"تعدو" مضارع عدا: إذا جاوز، و"غاضرة" بغين فضاد معجمتين جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز, و"العوادي" بالعين المهملة: عوائق الدهر فاعل "تعدو"، "والصواب أن الذي في البيت الأول كابد بالباء الموحدة من المكابدة والعمل، وهو" اسم "للفاعل غير جار على الفعل"؛ لأن فعله كابد وقياس اسم فاعله الجاري عليه "مكابد"، "كابد" وبهذا جزم1 يعقوب" بن السكيت "في شرح ديوان كثير"، عزة، فلا دليل للناظم فيه، وقد ثبت عن الموضح أنه رجع لقول الناظم أخيرًا فقال في شرح الشواهد الكبرى: والظاهر ما أنشده الناظم، وقد كنت أقمت مدة على مخالفته، وذكرت ذلك في توضيح الخلاصة، ثم اتضح لي أن الحق معه ا. هـ.
"و" الصواب "أن "كاربا" في البيت الثاني اسم فاعل "كرب" التامة، في نحو قولهم: "كرب الشتاء"، إذا قرب، وبهذا جزم الجوهري" في الصحاح2، وأصله: كارب يومه، برفع يوم، أي: قريب، وفي كرب استعمالان: ناقصة، وتامة، والتامة قاصرة ومتعدية، فالقاصرة نحو: كرب الشتاء، وقولهم: كل دان قريب فهو كارب، والمتعدية نحو: كربت القيد إذا ضيقته على المقيد.
"واستعمل مصدرًا لاثنين وهما: طفق وكاد، حكى الأخفش: طفوقًا" كقعودًا "عمن قال: طفق بالفتح3" فإن قياسه الفعول، {وَطَفِقَا} [الأعراف: 22] بفتحتين1، كفرحا، "عمن قال: طفق، بالكسر4" فإن قياسه الفعل بفتحتين "وقالوا: كاد كودا"، كقال قولًا، "ومكادا" كمقالًا، "ومكادة" كمقالة، كيدًا بقلب الواو ياء، وفي حواشي سنن أبي داود للمنذري حكاية إيشاك، مصدر "أوشك" قاله الموضح في الحواشي.
__________
225- البيت لكثير عزة في ديوانه ص220، والارتشاف 2/ 126، والدرر 1/ 264، وشرح عمدة الحافظ ص823، والمقاصد النحوية 2/ 205، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 321، وتخليص الشواهد ص336، وشرح الأشموني 1/ 131، وهمع الهوامع 1/ 129، وشرح الكافية الشافية 1/ 460.
1 سقطت من "ب".
2 الصحاح 1/ 211 "كرب".
3 في المساعد 1/ 292: "قال الأخفش: وبعضهم يقول طفق بالفتح، يطفق طفوقًا".
4 في معاني القرآن للأخفش 2/ 514: "قال: طفقا، وقال بعضهم، طَفَقَ، وهذه قراءة أبي السمال".(1/289)
فصل3
"فصل":
"وتختص عسى واخلولق وأوشك" من بين أفعال هذا الباب "بجواز إسنادهن إلى "أن يَفْعَلَ" حال كون "أن يفعل" "مستغنى به عن الخبر"، فتكون تامة، وهذا معنى قول الناظم:
171- بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد غنى بأن يفعل غن ثان فقد
"نحو: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216] "وينبني على هذا الأصل فرعان: أحدهما: أنه إذا تقدم على إحداهن اسم هو المسند إليه" الفعل "في المعنى، وتأخر عنها "أن" والفعل, نحو: زيد عسى أن يقوم, جاز تقديرها خالية من ضمير ذلك الاسم" المتقدم عليها، "فتكون" "عسى" "مسندة إلى "أن" والفعل مستغنى بهما عن الخبر"، فتكون تامة, وهذه لغة أهل الحجاز، "وجاز تقديرها مسندة إلى الضمير" العائد إلى الاسم المتقدم عليها، فيكون الضمير اسمها، "وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبر"، فتكون ناقصة، وهذه لغة بني تميم، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
172- وجردن عسى أو ارفع مضمرًا ....بها إذا اسم قبلها قد ذكرا
"ويظهر أثر" هذين "التقديرين" في حال "التأنيث والتثنية والجمع" المذكر والمؤنث، "فتقول على تقدير الإضمار" في "عسى": "هند عست أن تفلح"، فـ"هند" مبتدأ، و"عسى" فعل ماض ناقص، واسمها ضمير مستتر فيها يعود على "هند"، و"أن تفلح" في موضع نصب على أنه خبر "عسى"، و"عسى" ومعمولاها في موضع رفع على أنه خبر المبتدأ. "والزيدان عسيا أن يقوما"، فـ"الزيدان" مبتدأ، و"عسى" فعل ماض ناقص، والألف المتصلة بها اسمها، و"أن يقوما" خبرها، وجملة "عسى" ومعمولاها خبر المبتدأ، "والزيدون عسوا أن يقوموا" كذلك، "والهندات عسين أن يقمن" كذلك، "وتقول على تقدير الخلو من المضمر" في "عسى": هند(1/290)
"عسى" أن تفلح، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن يقوموا، والهندات عسى أن يقمن، فتقدر عسى خالية من الضمير "في" الأمثلة "الجميع"، وهي تامة.
وأن والفعل بعدها في موضع رفع على الفاعلية بها, وهي ومرفوعها في موضع رفع على الخبرية للمبتدأ قبلها، "و" الخلو من الضمير "هو الأفصح"، وبه جاء التنزيل، "قال الله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11]. "و" الفرع "الثاني أنه إذا ولي إحداهن أن والفعل، وتأخر عنها اسم هو المسند إليه في المعنى، نحو عسى أن يقوم زيد، جاز" الوجهان السابقات فيما إذا تقدم المسند إليه في المعنى، وعلى هذا يكون المبتدأ مؤخرًا لا غيره وجاز إيضًا وجهان آخران. أحدهما: أنه يجوز "في ذلك الفعل" المقرون بـ"أن" "أن يقدر خاليًا من الضمير" العائد إلى الاسم المتأخر، "فيكون" الفعل "مسندًا إلى ذلك الاسم" المتأخر، "و" تكون ""عسى" مسندة إلى "أن"، والفعل مستغنى بهما عن الخبر"، فتكون تامة.
"و" الثاني: أنه يجوز "أن يقدر" ذلك الفعل "متحملًا لضمير ذلك الاسم" المتأخر. "فيكون الاسم" المتأخر "مرفوعًا، بـ"عسى" وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبرية" لـ"عسى" مقدمًا على اسمها، فتكون ناقصة.
"ومنع الشلوبين هذا الوجه" الثاني "لضعف هذه الأفعال عن توسط الخبر1، وأجازه" أبو العباس "المبرد2، و" أبو سعيد "السيرافي، و" أبو علي "الفارسي3، ويظهر أثر الاحتمالين أيضًا في" حال "التأنيث والتثنية والجمع" المذكر والمؤنث، "فتقول على وجه الإضمار" في الفعل المقرون بأن: "عسى أن يقوما أخواك"، فـ"أخواك" اسم "عسى" مؤخر، و"أن يقوما" في موضع نصب خبر "عسى" متقدم على اسمها "وعسى أن يقوموا إخوتك" فـ"إخوتك" اسم "عسى"، و"أن يقوموا" خبرها، "و: عسى أن يقمن نسوتك"، فـ" نسوتك"، اسم "عسى"، و"أن يقمن" خبرها، "و: عسى أن تطلع الشمس، بالتأنيث، لا غير" فـ"الشمس" اسم "عسى"، و"أن تطلع" خرها، وإنما وجب تأنيث الفعل؛ لأنه إذا
__________
1 في شرح ابن عقيل 1/ 341، "ذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعًا بالفعل الذي بعد "أن"، فـ"أن" وما بعدها فاعل لـ"عسى" وهي تامة ولا خبر لها".
2 المقتضب 3/ 70.
3 شرح ابن عقيل 1/ 342.(1/291)
أسند إلى ضمير متصل وجب تأنيثه لئلا يلتبس بالإسناد إلى الظاهر. كما سيجيء في باب الفاعل.
"و" تقول "على الوجه الآخر" وهو عدم الإضمار في الفعل: عسى أن يقوم أخواك، وعسى أن يقوم إخوتك، وعسى أن تقوم نسوتك، وعسى أن تطلع الشمس، فالاسم المتأخر في هذه الأمثلة فاعل، "يقوم"، و"تطلع" مسندة إلى "أن"، والفعل مستغنى بهما عن الخبر، ففي الأمثلة الثلاثة، الأول "توحد "يقوم"؛ لأنه مسند إلى الظاهر، وسيأتي أن الأفصح توحيده، "و" في المثال الأخير "تؤنث "تطلع" أو تذكره"؛ لأنه أسند إلى ظاهر مجازي التأنيث، وسيأتي أنه يجوز تذكيره وتأنيثه، لا يقال إذا تأخر المسند إليه في المعنى يكون مطلوبًا لكل من الفعلين فلا يتأتى فيه ما تقدم؛ لأنا نقول دعوى التنازع فيه ممنوعة؛ لأن أحد الفعلين جامد، وسيأتي أن التنازع لا يكون بين جامدين ولا بين جامد وغيره.
مسألة:
يجوز كسر سين: عسى" في لغة من قال: هو عس بكذا، مثل: شج، من شجى، "خلافًا لأبي عبيدة" في منعه الكسر، "وليس ذلك" الجواز "مطلقًا"، سواء أسندته إلى ظاهر أو مضمر، "خلافًا للفارسي" في إجازته الكسر مطلقًا1، فيجيز: عسي زيد، بكسر السين، كرضي زيد، "بل يتقيد بأن يسند إلى" ضمير يسكن معه آخر الفعل. فيشمل ما إذا كان مسندا إلى "التاء أو النون أو نا، نحو:" عسيت بالحركات الثلاث في التاء، وعسيتما وعسيتم وعسيتن وعسين وعسينا، بفتح السين وكسرها في الجميع2، وبهما قرئ في السبع: قال الله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 246]، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [محمد: 22]، قرأهما نافع بالكسر لمناسبة الياء3، وغيره بالفتح وهو المختار لجريانه على القياس، وهو عدم اختلافه مع الظاهر والمضمر، بخلاف الكسر؛ ولأنه اللغة الشائعة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
173- والفتح والكسر أجز في السين من..... نحو عسيت وانتقا الفتح زكن
__________
1 انظر الحجة 2/ 350.
2 انظر الارتشاف 2/ 142.
3 وقرأها كذلك: الحسن وطلحة، انظر البحر المحيط 2/ 255.(1/292)
باب الأحرف الثمانية:
عبر بالأحرف نظرًا إلى أن هذا العدد للقلة، وبالثمانية لإدخال "أن" المفتوحة "وعسى"، و"لا" التبرئة، وعبر سيبويه1 بالحروف الخمسة؛ لأن المفتوحة فرع المكسورة، عنده. "الداخلة على المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ" اتفاقًا، بشرط أن يكون مذكورًا غير واجب الابتداء، أو التصدير. "ويسمى اسمًا، وترفع خبره"، على الأصح عند البصريين2، بشرط أن لا يكون طلبيا، "ويسمى خبرها"، فلو كان محذوفًا، نحو: الحمد لله الحميد، برفع "الحميد" على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو واجب الابتداء كأيمن، أو واجب التصدير غير ضمير الشأن، كـ"أي" و"كم" لم تنصبه هذه الأحرف، ولو كان الخبر طلبيًا، نحو: زيد اضربه، وأين زيد، لم ترفعه هذه الأحرف، إلا أن يكون الاستفهام جوابًا، حكي من كلامهم: أن أين الماء والعشب، جوابًا لمن قال: أن في موضع كذا الماء والعشب، قاله أبو حيان3.
وذهب لكوفيون إلى أن هذه الأحرف لا تعمل في الخبر، وإنما هو مرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخولهن وهو المبتدأ، ولكل من الفريقين حجة. فحجة البصريين أن لهذه الأحرف شبهًا بـ"كان" الناقصة في لزوم دخولهن على المبتدأ والخبر، والاستغناء بهما، فعملهن عملها معكوسًا، ليكون المبتدأ والخبر معهن كمفعول قدم، وفاعل أخر، تنبيهًا على الفرعية، وحجة الكوفيين أنه لا يجوز: إن قائم زيدًا، ولو كان الخبر معمولها لجاز أن يليها. وينبني على هذا الخلاف خلاف في جواز العطف بالرفع قبل مجيء الخبر، وسيأتي.
__________
1 الكتاب 2/ 131.
2 الإنصاف 1/ 176.
3 الإنصاف 1/ 176، المسألة رقم 22.(1/293)
فالحرف "الأول والثاني "إن"" المكسورة، "و"أن"" المفتوحة، "وهما لتوكيد النسبة" بين الجزأين، "ونفي الشك عنها، و" نفي "الإنكار لها"، بحسب العلم بالنسبة والتردد فيها، والإنكار لها، فإن كان المخاطب عالمًا بالنسبة، فهما لمجرد توكيد النسبة. وإذا كان مترددًا فيها، فهما لنفي الشك عنها وإن كان منكرًا لها، فهما لنفي الإنكار لها، فالتوكيد لنفي الشك عنها مستحسن، ولنفي الإنكار واجب، ولغيرهما لا.
"و" الحرف "الثالث: "لكن"، وهو للاستدراك"، وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه من الكلام السابق، "والتوكيد" قاله جماعة, منهم صاحب البسيط.
"فالأول:" وهو الاستدراك، كقولك: "زيد شجاع"، فيوهم ذلك أنه كريم؛ لأن من شيمة الشجاع الكرم، فتقول "لكنه بخيل"، وتقول: ما زيد شجاع، فيوهم أنه ليس بكريم، فتقول: لكنه كريم، ولكونها للاستدراك لا بد أن يتقدم عليها كلام، ثم لا يخلو ما بعدها، إما أن يكون نقيضًا لما قبلها، نحو: هذا متحرك، لكن هذا ساكن، أو ضدا له، نحو: ما هذا أسود، لكنه أبيض، أو خلافًا له، نحو: ما قام زيد لكن عمرًا يشرب، أو مثلًا له، نحو: ما زيد قائم لكن عمرًا قائم، فالأول والثاني جائزان باتفاق، والثالث جائز على الأصح، والرابع ممتنع بالاتفاق، قاله أبو حيان في النكت الحسان1.
"والثاني" وهو التوكيد، "نحو" قولك: "لو جاءني" زيدًا زيد أكرمته، فهذا يدل على امتناع المجيء؛ لأن "لو" إذا أدخلت على مثبت نفته، فإذا أردت توكيده قلت: "لكنه لم يجئ" فأكدت بـ"لكن" من أفادته "لو" من الامتناع بـ"لكن". وهي بسيطة على الأصح. وذهب الكوفيون إلى أنها مركبة من "لا" و"أن" والكاف زائدة بينهما لا للتنبيه، وحذفت الهمزة تخفيفًا.
"و" الحرف "الرابع "كأن"" بتشديد النون، "وهو للتشبيه المؤكد"، بفتح الكاف، نعت للتشبيه، نحو: كأن زيدًا أسد، أو حمار، مما الخبر فيه أرفع من الاسم أو أخفض منه، ففيه تشبيه مؤكد بـ"كأن"، "لأنه مركب من الكاف" المفيدة للتشبيه، "و "أن" المفيدة للتوكيد، والأصل: إن زيدًا كالأسد، أو كالحمار، فقدمت الكاف على "أن" ليدل أول الكلام على التشبيه من أول وهلة، وفتحت همزة "أن" وصارا كلمة واحدة, ولهذا لا تتعلق الكاف بشيء، وقبل التقديم والتركيب كانت متعلقة بمحذوف على الأصح.
__________
1 النكت الحسان ص79.(1/294)
"وكأن" ملازمة للتشبيه، ولا تكون للتحقيق، خلافًا للكوفيين1، ولا حجة لهم في قوله: [من الوافر]
226- فأصبح بطن مكة مقشعرا..... كأن الأرض ليس بها هشام
لأنه محمول على التشبيه، فإن الأرض ليس بها هشام حقيقة، بل هو فيها مدفون، ولا للظن فيما إذا كان خبرها فعلًا أو ظرفًا، أو صفة من صفة أسمائها، نحو: كأن زيدًا قعد، أو يقعد. أو في الدار أو عندك، أو قاعد، خلافًا لابن السيد2، ولا للتقريب، نحو: كأنك بالدنيا لم تكن، خلافًا لأبي الحسين الأنصاري، ولا للنفي نحو: كأنك دال عليها, أي: ما أنت دال عليها، خلافًا للفارسي.
"و" الحرف "الخامس: ليت"، وهي للتمني وهو طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر." فالأول "نحو" قول الطاعن في السن: "ليت الشباب عائد" فإن عود الشباب لا طمع فيه، لاستحالته عادة. و" الثاني نحو "قول منقطع الرجاء" من مال يحج به، "ليت لي مالًا فأحج منه"، فإن حصول المال ممكن، ولكن فيه عسر ويمتنع: ليت غدا يجيء، فإن غدًا واجب المجيء، والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن، ولا يكون في الواجب.
"و" الحرف "السادس: "لعل"، وهي للتوقع، وعبر عنه قوم بالترجي في" الشيء "المحبوب، نحو:" لعل الحبيب قادم، ومنه عند البصريين: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]، "والإشفاق في" الشيء "المكروه، نحو: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6]، أي: قاتل نفسك، والمعنى: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك، قاله في الكشاف3.
فتوقع المحبوب يمسى ترجيًا، وتوقع المكروه ويسمى إشفاقًا، ولا يمكن التوقع إلا في الممكن، وأما قول فرعون: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: 36، 37]
__________
1 في الارتشاف 2/ 129: "زعم الكوفيون والزجاجي أن "كأن" تكون للتحقيق".
226- البيت للحارث بن خالد في ديوانه ص93، والاشتقاق ص101، 147، وبلا نسبة في الجنى الداني ص571، وجواهر الأدب ص93، والدرر 1/ 280، وشرح شواهد المغني 2/ 515، ولسان العرب 12/ 461 "قثم" ومغني اللبيب 1/ 192، وهمع الهوامع 1/ 133.
2 في الارتشاف 2/ 192: "وزعم الكوفيون والزجاجي وتبعهم ابن الطراوة وابن السيد أنه إذا كان الخبر صفة أو فعلًا أو جملة أو ظرفًا كانت "كأن" للشك، نحو: ظننت وتوهمت.
3 الكشاف 2/ 473.(1/295)
فجهل منه، أو إفك، قاله في المغني1.
والإشفاق لغة الخوف، يقال: أشفقت عليه بمعنى: خفت عليه، وأشفقت منه بمعنى: خفت منه وحذرته. "قال الأخفش" والكسائي: "و" تأتي "لعل" "للتعليل، نحو" ما قال الأخفش: يقول الرجل لصاحبه: "أفرغ عملك لعلنا نتغدى"، واعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، أي: لنتغدى ولتأخذ2 ا. هـ.
"ومنه": أي: من التعليل: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ}. [طه: 44]، أي: ليتذكر. قال في المغني3: ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء، ويصرفه للمخاطبين، أي: اذهبا على رجائكما، ا.هـ.
"قال الكوفيون4": وتأتي "لعل" "للاستفهام". قال في المغني5: ولهذا علق بها الفعل, "نحو": {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس: 3] ا. هـ.
وعلى هذا فالتقدير: لا تدري أألله يحدث بعد ذلك أمرًا، وما يدريك أيزكى، والمعنى: لا تدري جواب أألله يحدث، وما يدريك جواب أيزكى، قاله قريب الموضح في حاشيته: وهذان المعنيان لا يثبتهما البصريون.
"وعقيل" بالتصغير "تجيز جر اسمها، وكسر لامها الأخيرة"، وحذف لامها الأولى وإثباتها، قال شاعرهم: [من الطويل]
227- ................. لعل أبي المغوار منك قريب
وظاهر كلامه هنا أنها في حال الجر عاملة عمل "إن" وأن اسمها في موضع نصب، وخالف ذلك في المغني6، فقال له نصه: واعلم أن مجرور "لعل" في موضع رفع بالابتداء لتنزيل "لعل" منزلة الجار الزائد، نحو: بحسبك درهم بجامع ما بينهما من عدم التعلق بعامل، وقوله "قريب" خبر ذلك المبتدأ ا. هـ.
__________
1 مغني اللبيب ص379.
2 معاني القرآن للأخفش 2/ 631.
3 مغني اللبيب ص379.
4 الارتشاف 2/ 130، ومغني اللبيب ص379.
5 معني اللبيب ص379.
227- تقدم تخريج البيت برقم 135.
6 مغني اللبيب ص377.(1/296)
"و" الحرف "السابع "عسى" في لغية" بالتصغير، "وهو بمعنى: لعل" في الترجي والإشفاق، فحملت في العمل عليها، كما حملت "لعل" على "عسى" في إدخال أن في خبرها، كالحديث1: "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض".
"وشرط اسمها أن يكون ضميرًا" لغائب أو متكلم أو مخاطب، "كقوله" وهو صخر بن الجعد الخضري، وكان ترجى أن محبوبته يصيبها مرض، ليكون ذلك وسيلة إلى عيادته إياها: [من الطويل]
228- فقلت عساها نار كأس وعلها تشكى فآتي نحوها فأعودها
فالهاء المتصلة بـ"عسى" اسمه، و"نار كأس" خبره، "وقوله" هو عمران بن حطان الخارجي، وكان سنيا فتزوج امرأة من الخوارج، فقيل له فيها، فقال: أردها عن مذهبها، فغلبت هي عليه وأضلته عن مذهب أهل السنة: [من الوافر]
229- ولي نفس تنازعي إذا ما "أقول لها لعلي أو عساني"
فياء المتلكم اسم "عسى"، وخبره محذوف، وقول آخر: [من الرجز]
230- يا أبتا علك أو عساكا
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب المظالم برقم 2534.
228- البيت لضخر بن جعد الخضري في الدرر اللوامع 1/ 278، وشرح شواهد المغني ص446، والمقاصد النحوية 2/ 227، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 329، والجنى الداني 469، وخزانة الأدب 5/ 350، ومغني اللبيب ص153، وهمع الهوامع 1/ 132.
229- البيت لعمران بن حطان في الارتشاف 2/ 125، وتذكرة النحاة 440، وخزانة الأدب 5/ 337، 349، وشرح أبيات سيبويه 1/ 524، وشرح المفصل 3/ 120، 7/ 123، والكتاب 2/ 375، والمقاصد النحوية 2/ 229، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 330، وتذكرة النحاة ص495، والجنى الداني ص466، والخزانة 5/ 363، والخصائص 3/ 5، ورصف المباني ص249، وشرح المفصل 3/ 10، 118، والمقتضب 3/ 72، والمقرب 1/ 101، وشرح التسهيل 1/ 397.
230- الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص181، وخزانة الأدب 5/ 362، 367، 368، وشرح أبيات سيبويه 2/ 164، وشرح شواهد المغني 1/ 433، وشرح المفصل 7/ 123، 2/ 90، والكتاب 2/ 375، والمقاصد النحوية 4/ 252، وللعجاج في ملحق ديوانه 2/ 310، وتهذيب اللغة 1/ 106، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 336، والإنصاف 1/ 222، والجنى الداني ص446، 470، والخصائص 2/ 96، والدرر 1/ 277، ورصف المباني ص29، 249، 355، وسر صناعة الإعراب 1/ 406، 2/ 493، 502، وشرح الأشموني 1/ 133، 2/ 458، وشرح المفصل 2/ 12، 3/ 118، 120، 8/ 87، 9/ 33، واللامات ص 135، ولسان العرب 14/ 349 "روي" وما ينصرف وما لا ينصرف 130، والمقتضب 3/ 71، ومغني اللبيب 1/ 151، 2/ 699، وهمع الهوامع 1/ 132، وتاج العروس "الياء".(1/297)
فالكاف اسمه، وخبره محذوف. وما ذكره الموضح من أن الضمير المتصل بـ"عسى" هو اسمه وهو في موضع نصب، وما بعده خبره هو مذهب سيبويه1.
وذهب المبرد2 والفارسي3 إلى أن الضمير خبر "عسى" مقدمًا، وما بعده اسمها مؤخرًا.
ورُدّ قولهما بأمرين:
أحدهما: أداؤه إلى كون خبر "عسى"اسمًا مفردًا، وهو ضرورة، أو شاذ جدا.
والثاني: إن من قال "أو عساها" فقط، اقتصر على فعل ومنصوبه دون مرفوعه، ولا نظير لذلك، ولا يرد هذا على سيبويه؛ لأنه يرى أن "عسى" الذي ينصب الاسم حرف، فهو نظير، إن مالًا وإن ولدًا4.
وذهب الأخفش إلى أن الضمير المنصوب في موضع رفع على أنه اسمها، وما بعده خبرها، وأنه وضع المنصوب موضوع المرفوع.
231- فقلت عساها نار كأس ..... ....................................
برفع "نار"، "وهو" أي: "عسى" "حينئذ"، أي: حين إذ نصب الاسم، ورفع الخبر "حرف" كـ"لعل" لئلا يلزم حمل الفعل على الحرف. "وفاقًا للسيرافي"، بكسر السين، "ونقله"، أي: نقل السيرافي القول بحرفيته "عن سيبويه5, خلافًا للجمهور في إطلاق القول بفعليته"، سواء أكان بمعنى "لعل" أم لا. "و" خلافًا "لابن السراج6" وثعلب "في إطلاق القول بحرفيته".
والحاصل في "عسى" ثلاثة أقوال. فعل مطلقًا، حرف مطلقًا, التفصيل, إن عمل عمل "لعل" فحرف، وإلا ففعل. ومحل الخلاف في "عسى" الجامدة. أما "عسى" المتصرفة فإنها فعل باتفاق ومعناها اشتد، قال عدي: [من الكامل]
__________
1 الكتاب 2/ 374، 375.
2 المقتضب 3/ 71.
3 الجنى الداني ص470.
4 الكتاب 2/ 141.
231- تقدم تخريج البيت برقم 228.
5 الكتاب 2/ 375.
6 الأصول 1/ 229.(1/298)
232- لولا الحياء وأن رأسي قد عسى فيه المشيب لزرت أم القاسم
أي: قد اشتد.
"و" الحرف "الثامن "لا" النافية للجنس، وستأتي" في باب معقود لها بعد بهذا.
"و" هذه الأحرف الثمانية "لا يتقدم خبرهن" عليهن "مطلقًا" من غير استثناء، ولو كان ظرفًا، أو جارا ومجرورًا لعدم تصرفهن. "ولا يتوسط" خبرهن بينهن وبين أسمائهن؛ لأن التوسط يذهب صورة ما أراد: من تقديم المنصوب، وتأخير المرفوع، ومن عادتهم أنهم إذا تركوا شيئًا لا يعودون إليه، قال: [من الطويل]
232- إذا انصرفت نفسي عن الشي لم تكن عليه بوجه آخر الدهر تقبل
"إلا إن كان الحرف" العامل "غير: عسى، و: لا"؛ لأن شرط عملهما اتصال اسمهما بهما، "و" إلا إن كان "الخبر ظرفًا أو مجرورًا" فيجوز توسطه فالظرف "نحو: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] فـ"لدينا" خبر مقدم، و"أنكالًا" اسمها مؤخر، والمجرور، نحو: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة} [آل عمران: 13] فالمجرور خبر مقدم، و"عبرة" اسمها مؤخر، وقد يجب التوسط، نحو: إن عند هند عبدها، وإن في الدار مالكها، واغتفروا التوسط بالظرف والمجرور فيهما لكثرتهما، ولا يلزم من تجويزهم التوسط تجويزهم التقدم على هذه الأحرف؛ لأنه لا يلزم من تجويز الأسهل تجويز غيره، بخلاف العكس، وإلى جواز التوسط بالظرف وعديله أشار الناظم بقوله:
176- وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي
ولا يلي هذه الأحرف معمول خبرها، إلا إن كان ظرفًا أو مجرورًا، ويجوز توسطه بين الاسم والخبر مطلقًا.
__________
232- البيت لعدي بن الرقاع ص99، والأغاني 3/ 374، 9/ 304، 307، وأمالي المرتضى 1/ 511، وسمط اللآلي ص521، وشرح شواهد المغني 1/ 492، والشعر والشعراء 2/ 624، ولسان العرب 12/ 100 "جسم"، 15/ 28 "عتا" ومعجم البلدان 2/ 94 "جاسم" ومغني اللبيب 1/ 173، وبلا نسبة في اللامات ص129.
233- لم أجد البيت في مصادر أخرى.(1/299)
فصل1
"فصل":
"تتعين "إن" المكسورة" وهي الأصل عند الجمهور: "حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، و" تتعين "أن: المفتوحة"، وهي الفرع1، "حيث يجب ذلك"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
177- وهمز إن افتح لسد مصدر مسدها وفي سوى ذاك اكسر
"ويجوزان" بألف التثنية، أي: ويجوز "إن" المكسورة والمفتوحة "إن صح الاعتباران" وهما سد المصدر مسدها، ومسد معموليها، وعدمه.
"فالأول" وهو تعيين "إن" المكسورة في مواضع "عشرة"، لا يجوز فيها أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها"، "وهي أن تقع في الابتداء" حقيقة. "نحو: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [الدخان: 3]، [القدر: 1]، إذ لو فتحت لصارت مبتدأ بلا خبر؛ لأن المفتوحة في تأويل مفرد, والمفرد لا يستقل به الكلام، و"في ليلة" متعلق بـ"أنزلنا" لا بالاستقرار. أو حكمًا، "ومنه"، أي: من الابتداء الحكمي: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس: 62] لأن "إن" الواقعة بعد "ألا" الاستفتاحية واقعة في الابتداء حكمًا. "أو" تقع "تالية لـ"حيث"، نحو: جلست حيث إن زيدًا جالس", أو لـ"إذ"، كـ: جئتك إذ إن زيدًا أمي؛ لأن "حيث وإذ" لا يضافان إلا إلى الجمل. وفتح "إن" يؤدي إلى إضافتها إلى المفرد. "أو" تالية "لموصول" اسمي، أو حرفي، "نحو": {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} [القصص: 76] فـ"ما" موصول اسمي, ووجب كسر "إن" بعدها لوقوعها في صدر الصلة، وصلة الموصول غير "أل" يجب أن تكون جملة، "بخلاف الواقعة في حشو الصلة نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل"، فإنه يجب فتحها فإنها مع
__________
1 في همع الهوامع 1/ 138: "قال قوم: المفتوحة أصل المكسورة، وقال آخرون، كل واحدة أصل برأسها".(1/300)
معموليها مبتدأ تقدم خبره في الظرف قبله، والمبتدأ وخبره صلة "الذي"، وإنما وجب كسرها في نحو: أعجبني الذي أبوه إنه منطلق مع أنها واقعة في حشو الصلة؛ لأنها خبر اسم عين, فإطلاقه هنا محمول على تقييده بعد، "و" بخلاف "قولهم: لا أفعله ما أن حراء مكانه" بفتح "أن" لوقوعها في حشو الصلة تقديرًا "إذ التقدير: ما ثبت ذلك" أي: ما ثبت أن حراء مكانه، "فليست في التقدير تالية للموصول" لأنها فاعل بفعل محذوف، والجملة الفعلية صلة "ما" الموصول الحرفي الظرفي، والمعنى: لا أفعله مدة ثبوت حراء مكانه, وحراء بكسر الحاء المهملة، وبالراء جبل على ثلاثة أميال من مكة على يسار الذاهب إلى منى. قال القاضي عياض: يمد ويقصر، ويؤنث ويذكر، فعلى التذكير يصرف، وعلى التأنيث يمنع والتذكير بإرادة الموضع، والتأنيث بإرادة البقعة.
"أو تقع جوابًا لقسم" لم يذكر فعله أو ذكر، وجاءت اللام، فالأول "نحو: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [الدخان: 1-3] والثاني: نحو أقسمت إن زيدا لقائم؛ لأن جواب القسم يجب أن يكون جملة.
"أو" تقع "محكية بالقول، نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30]؛ لأن المحكي بالقول لا يكون إلا جملة. أو ما يؤدي معناها، فإن وقعت بعد القول غير محكية فتحت، نحو: أخصك بالقول أنك فاضل، ونحو: أتقول أن زيدًا عاقل، فإنها في الأول للتعليل، أي: لأنك فاضل، وفي الثاني للقول بمعنى الظن.
"أو" تقع "حالًا" مقرونة بالواو، أولًا، فالأول "نحو: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5]، فجملة "إن" ومعموليها في موضع نصب على الحال, والثاني نحو: جاء زيد إنه فاضل ولم تفتح "إن" فيهما, وإن كان الأصل في الحال الإفراد؛ لأن "أن" المفتوحة مؤولة بمصدر معرفة، وشرط الحال التنكير1.
وأما: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: 20] فإنما كسرت "إن" لأجل اللام لا لوقعها حالًا، على أن ابن الخباز قال في الكفاية: يجب كسر "إن" بعد "إلا"، نحو: ما يعجبني فيه إلا إنه يقرأ القرآن ا. هـ.
"أو" تقع "صفة" لاسم عين، "نحو: مررت برجل إنه فاضل"؛ لأن الفتح يؤدي إلى وصف أسماء الأعيان بالمصادر، وهي لا توصف بها إلا بتأويل، وذلك مفقود مع
__________
1 في "ب": "النكرة".(1/301)
"إن" بخلاف الواقع في حشو الصفة فإنها تفتح، نحو: مررت برجل عندي أنه فاضل، فإن الوصف بالجملة لا بالمصدر.
"أو تقع بعد عامل علق" عن عمله فيها "باللام" الابتدائية، "نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] لأنها لو فتحت لزم تسليط العامل عليها، ولام الابتداء لها صدر الكلام، وما له صدر الكلام يمنع ما قبله أن يعمل فيما بعده وهذه اللام وإن كانت متأخرة في اللفظ فرتبتها التقديم على "إنّ", وإنما أخرت لئلا يدخل حرف توكيد على مثله، ولم تؤخر "إن" لقوتها بالعمل، وإنما فتحت في نحو: علمت أن زيدًا لقعد؛ لأن اللام ليست للابتداء لدخولها على الفعل الماضي، وسيأتي أنها لا تدخل عليه إلا مع "قد" ظاهرة أو مقدرة.
"أو" تقع "خبرًا عن اسم ذات" غير منسوخ، "نحو: زيد إنه فاضل"؛ لأن المصدر لا يخبر به عن أسماء الذوات، إلا بتأويل، وذلك ممتنع مع "أن"، أو منسوخ، "ومنه": {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا "إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ}" [الحج: 17]، فجملة إن ومعموليها خبر "إن الذين أمنوا" وما عطف عليه وهي أسماء ذوات. قيل: وبقي عليه الواقعة بعد "كلا" نحو: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6]، والمقرون خبرها باللام من غير تعليق، نحو: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ} [الأعراف: 167]. والواقعة بعد "حتى" الابتدائية، نحو: مرض زيدًا حتى إنهم لا يرجونه، والتابعة لشيء من ذلك، نحو: إن زيدا فاضل، وإن عمرًا جاهل؛ فإن في ذلك كله واجبة الكسر، والحق أن "إن" في ذلك كله ابتدائية، فهي داخلة في قوله، أولًا أن تقع في الابتداء واقتصر الناظم على ستة مواضع فقال: 178- فاكسر في الابتدا وفي بدء صله وحيث إن ليمين مكمله
179- أو حكيت بالقول أو حلت محل حال كزرته وإني ذو أمل
180-
وكسروا من بعد فعل علقا باللام .....................
"والثاني:" وهو تعين "أن" المفتوحة "في" مواضع "ثمانية" يجب فيها أن يسد المصدر مسد "أن"1 وسد معموليها، "وهي أن تقع فاعلة، نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51], أو تقع مفعولة غير محكية" بالقول, "نحو: {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ}" [ألأنعام: 81] أي: إشراككم، بخلاف المحكية بالقول فإنها واجبة الكسر كما تقدم.
__________
1 في "ط": "مسدها" مكان "مسد أنّ".(1/302)
"أو" تقع "نائبة عن الفاعل نحم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} [الجن: 1], أي: استماع نفر. "أو" تقع "مبتدأ" في الحال، أو في الأصل.
فالأول نحو: "{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ}" [فصلت: 39] أي: رؤيتك الأرض من آياته، هذا مذهب الخليل. وقال المطرزي: اسم الحدث المرفوع بعد الظرف فاعل عند سيبويه، وإن لم يعتمد الظرف على1 شيء، ومنه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ} ا. هـ.
والثاني نحو: كان عندي أنك فاضل، والفرق بين قوله أولًا أن تقع في الابتداء، وقوله هنا أن تقع مبتدأ أنها إذا وقعت في الابتداء تكون داخلة في أول جملة مستقلة، وإذا وقعت مبتدأ تكون مع معموليها في تأويل مرفوع على الابتداء محتاج إلى خبر، ومنه عند سيبويه2: "{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}" [الصافات: 143] ثم قيل لا يحتاج لخبر لاشتمال صلتها على
المسند إليه، وقيل: له خبر محذوف، والتقدير: لولا كونه من المسبحين موجود.
وذهب المبرد والزجاج والكوفيون إلى أنه فاعل بفعل محذوف، والتقدير: فلولا ثبت أنه كان من المسبحين، على الخلاف في: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات: 5] وقاله في المغني3.
"أو" تقع "خبرًا عن اسم معنى غير قول ولا صادق عليه" أي: على اسم المعنى "خبرها" أي:
خبر "أن"، "نحو: اعتقادي أنه فاضل" فيجب فتحها؛ لأنها خبر "اعتقادي"، وهو اسم معنى غير قول ولا صادق على اعتقادي خبرها؛ لأن "فاضل" لا يصدق على الاعتقاد، وإنما فتحت لسد المصدر مسدها ومسد معموليها، والتقدير: اعتقادي فضله، أي: معتقدي ذلك، ولم يجز كسرها على أن تكون مع معموليها جملة مخبرًا بها عن "اعتقادي" لعدم الرابط؛ لأن اسم "إن" لا يعود على المبتدأ الذي هو "اعتقادي"؛ لأن خبرها غير صادق عليه، فهو يعود على غيره، فتبقى الجملة بلا رابط، "بخلاف قولي: إنه فاضل" فيجب كسرها؛ لأنها وقعت خبرًا عن "قولي"، ولا تحتاج إلى رابط؛ لأن الجملة إذا قصد حكاية لفظها كانت نفس المبتدأ في المعنى، والتقدير: قولي هذا اللفظ لا غيره، أما إذا أريد أن جملة "أن" منصوبة بـ"قولي" كانت من
__________
1 الكتاب 3/ 119، 120.
2 الكتاب 3/ 139، 140.
3 مغني اللبيب ص356.(1/303)
تتمة المبتدأ، فتحتاج إلى خبر ولا يصح فتحها لفساد المعنى؛ لأن القول لا يخبر عن بالفضل، "وبخلاف: اعتقاد زيد إنه حق" فيجب كسرها أيضًا؛ لأن خبرها وهو "حق" صاقد على "الاعتقاد"، ولا مانع من وقوع جملة "أن" ومعموليها خبرًا عن المبتدأ؛ لأن اسم "أن" رابط بينهما، ولا يصح فتحها؛ لأنه يصير اعتقاد زيد كون اعتقاده حقا, وذلك لا يفيد؛ لأن الخبر لا بد أن يستفاد ما لا يستفاد من المبتدأ وسكت عن القسم الرابع. وهو أن تقع خبرًا عن قول، وخبرها صادق عليه نحم: قولي إنه حق، لظهور أنها إذا كانت تكسر مع أحدهما فمعهما أولى.
أو تقع "مجرورة بالحرف، نحو {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6]؛ لأن المجرور بالحرف لا يكون إلا مفردًا.
أو تقع "مجرورة بالإضافة" إلى غير ظرف، "نحو: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23]، فـ" مثل" مضاف إلى "أنكم تنطقون"، و"ما" صلة، أي: مثل نطقكم؛ لأن المجرور بالمضاف حقه الإفراد إذا لم يكن المضاف ظرفًا يقتضي الجملة، فإن كان كذلك كسرت كما تقدم في "حيث و"إذ".
أو تقع تابعة لشيء من ذلك، وهي إما أن تكون "معطوفة على شيء من ذلك نحو: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} [البقرة: 122]، فـ" أني فضلتكم" معطوف على "نعمتي"، وهو مفعول به، والمعنى: اذكروا نعمتي وتفضيلي.
"أو مبدلة من شيء من ذلك، نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}" [الأنفال: 7] فـ"أنها لكم" بدل اشتمال من "إحدى" والتقدير: إحدى الطائفتين كونها لكم. فهذه الأماكن الثمانية يجب فتح "أن" فيها؛ لأنها أماكن المفردات، لا أماكن الجمل.
والثالث:" ما يجوز فيه الأمران، كسر "إن" وفتحها، باعتبارين مختلفين، وذلك "في" مواضع "تسع:
أحدها: أن تقع بعد فاء الجزاء، نحو:" {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} من قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} الآية" [الأنعام: 54] قرئ بكسر "إن" وفتحها1، "فالكسر" على جعل ما بعد فاء الجزاء جملة تامة "على معنى: فهو غفور رحيم، والفتح"، على تقدير أن ومعموليها مبتدأ، خبره محذوف، أو خبر مبتدأ محذوف،
__________
1 قرأها عاصم وابن عامر بالفتح "فأنه"، وقرأها الباقون بالكسر. انظر النشر 2/ 258.(1/304)
"على معنى: فالغفران والرحمة، أي: حاصلان، أو فالحاصل الغفران والرحمة"، وإذا دار الأمر بين حذف أحد الجزأين فحذف المبتدأ أولى؛ لأنه المعهود في الجملة الجزائية "كما قال تعالى: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ} [فصلت: 49]، أي: فهو يئوس".
الموضع "الثاني: أن تقع بعد "إذا" الفجائية" نسبة إلى الفجاءة، بضم الفاء والمد، والمراد بها: الهجوم والبغتة، تقول: فاجأني كذا، إذا هجم عليك بغتة، والغرض من الإتيان بها الدلالة على أن ما بعدها يحصل بعد وجود ما قبلها، على سبيل المفاجأة "كقوله": [من الطويل]
234- وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدا..... "إذ أنه عبد القفا واللهازم"
أنشده سبيويه، ولم يعزه إلى أحد، وأرى بضم الهمزة بمعنى: أظن يتعدى إلى اثنين، وهما زيدًا وسيدًا، وما بينهما اعتراض، "فإذا أنه" يروى بكسر "إن" وفتحها، "فالكسر على معنى" الجملة، أي: "فإذا هو عبد القفا"، فالجملة مذكورة بتمامها، "والفتح على معنى" الإفراد، "فإذا العبودية، أي: حاصلة" على جعلها مبتدأ، حذف خبره1, "كما تقول: خرجت فإذا الأ سد" أي: حاضر، وذهب قوم إلى أن "إذا" هي الخبر، فعلى هذا لا حذف، واللهازم جمع لهزمة، بكسر اللام وبالزاي، وهو: طرف الحلقوم، وقيل: مضغة تحت الأذن، والمعنى: كنت أظن سيادته، فلما نظرت إلى قفاه ولهازمه تبين لي عبوديته وقيل المعنى: كنت أظنه سيدًا كما قيل فإذا هو ذليل خسيس عبد البطن، وخص هذين بالذكر؛ لأن القفا موضع الصفع، واللهازم موضع اللكز.
الموضع "الثالث: أن تقع في موضع التعليل نحو:" {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}، من قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: 28]، قرأ نافع والكسائي بالفتح على تقدير لام العلة" أي: لأنه2 وحرف الجر إذا دخل على "أن" لفظًا أو تقديرًا فتح همزتها، فهو تعليل إفرادي، "و" قرأ "الباقون" من السبعة
__________
234- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 240، وأوضح المسالك 1/ 338، وتخليص الشواهد 348، والجنى الداني 378، 411، وجواهر الأدب 352، وخزانة الأدب 10/ 265، والخصائص 2/ 399، والدرر 1/ 291، وشرح ابن الناظم 119، وشرح الأشموني 1/ 138، وشرح التسهيل 2/ 22، وشرح شذور الذهب 207، وشرح ابن عقيل 1/ 356، وشرح عمدة الحافظ 828، وشرح المفصل 4/ 97، 8/ 61، والكتاب 3/ 144، و المقاصد النحوية 2/ 224، والمقتضب 2/ 351، وهمع الهوامع 1/ 138.
1 في شرح التسهيل 2/ 22: "والكسر أولى لأنه لا يحوج إلى تقدير محذوف".
2 انظر النشر 2/ 378.(1/305)
"بالكسر على أنه تعليل مستأنف" بياني، فهو في المعنى جواب سؤال مقدر تضمنه ما قبله، فكأنهم لما قالوا: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} قيل لهم لم فعلتم ذلك، فقالوا: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فهو تعليل جملي، "مثل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}" [التوبة: 103] بكسر "إن" على أنه تعليل مستأنف، "ومثله" في جواز الوجهين: "لبيك إن الحمد والنعمة لك" يروى بكسر "إن" وفتحها1 فالفتح على تقدير لام العلة، والكسر على أنه تعليل مستأنف، وهو أرجح؛ لأن الكلام حينئذ جملتان، لا جملة واحدة، وتكثير الجمل في مقام التعظيم مطلوب، قاله الموضح في شرح بانت سعاد2.
والكسر اختيار أبي حنفية، والفتح اختيار الشافعي، قاله في الكشاف3.
الموضع "الرابع: أن تقع بعد فعل قسم ولا لام بعدها، كقوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
235- "أو تحلفي بربك العلي..... إني أبو ذيالك الصبي"
يروى بكسر "إن" وفتحها "فالكسر على الجواب" للقسم "والبصريون يوجبونه4"، واختاره الزجاجي5، "والفتح" عند الكسائي والبغداديين وأوجبه أبو عبد الله الطوال "بتقدير "على"" و"أن" مؤولة بمصدر معمول لفعل القسم، وهو "تحلفي"، بإسقاط الخافض، وعلى هذا ليست جوابًا للقسم؛ لأنها مفرد وجواب القسم لا يكون إلا جملة، وإذا امتنع أن يكون جوابًا للقسم كان الفعل إخبارًا بمعنى الطلب للقسم، لا قسما، إذ الأصل في الجواب أن يكون مذكورًا، لا محذوفًا، "ولو أضمر الفعل"، أي: فعل القسم، وذكرت اللام، أو لم تذكر، "أو ذكرت اللام" وذكر فعل القسم "تعين الكسر إجماعًا" من العرب "نحو: والله إن زيدًا" لقائم أو "قائم، وحلفت إن زيدًا لقائم" وحكى
__________
1 انظر الكتاب 3/ 128.
2 شرح بانت سعاد ص145، 146.
3 الكشاف 2/ 212.
235- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص188، والمقاصد النحوية 2/ 232، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 340، وتخليص الشواهد ص348، وشرح ابن الناظم ص120 وشرح الأشموني 1/ 138، وشر التسهيل 2/ 52، والجنى الداني ص413، وشرح ابن عقيل 1/ 358، وشرح عمدة الحافظ 231، ولسان العرب 15/ 450 "ذا" واللمع في العربية ص304، وتاج العروس "ذا".
4 انظر همع الهوامع 1/ 137، والارتشاف 2/ 139.
5 في الجمل ص58: "والكسر أجود وأكثر في كلام العرب، والفتح جائز قياسًا".(1/306)
ابن كيسان عن الكوفيين جواز الوجهين إذا أضمر الفعل، ولم تذكر اللام1، نحو: والله إن زيدًا قائم، وأنهم يفضلون الفتح في هذا المثال على الكسر، وأن أبا عبد الله الطوال منهم يوجبه، وهذا لا يقدح في دعوى الإجماع السابقة عن العرب، فإن الكوفيين، ومنهم الطوال لم يثبت لهم سماع بذلك.
الموضع "الخامس: أن تقع خبرًا عن قول ومخبرًا عنها بقول والقائل" للقولين شخص "واحد، نحو: قولي إني أحمد الله"، بفتح "إن" وكسرها، فإذا فتحت فالقول على حقيقته من المصدرية. أي: قولي حمد الله، وإذا كسرت فهو بمعنى المقول، أي: مقولي إني أحمد الله، قاله الموضح في حواشيه على التسهيل، ومن خطه نقلت. فالخبر على الأول مفرد، وعلى الثاني جملة، وهي مستغنية عن العائد؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى، على حد قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يونس: 10] قاله الموضح في شرح الشذور2.
"ولو انتفى القول الأول فتحت وجوبًا، نحو: عملي أني أحمد الله" لأنها خبر عن اسم معنى غير قول، والتقدير: عملي حمد الله، وهذا مبني على انحصار العمل في الحمد، إذ لا يخبر بالخاص عن العام إلا إذا ادعي انحصاره فيه، نحو: صديقي زيد؛ لأن المحمول لا يكون أخص من الموضوع، ولا يقال: الحيوان إنسان، وإنما يكون أعم منه كالإنسان حيوان، أو مساويًا كالإنسان الناطق، ولا يجوز كسرها لعدم العائد على المبتدأ، وبذلك فارقت: اعتقاد زيد إنه حق، والجامع بينهما أن خبر "أن" فيهما يصدق على المبتدأ، إلا أن يقال باستغنائها عن العائد لكونها نفس المبتدأ في المعنى فيشكل الفرق، "ولو انتفى القول الثاني، أو" وجد القولان، ولكن "اختلف القائل" لهما "كسرت" وجوبًا فيهما، فالأول "نحو: قولي إني مؤمن"، فالقول بمعنى المقول مبتدأ وجملة "إني مؤمن" خبره، وهي نفسه في المعنى، فلا تحتاج لرابط، ولا يصح الفتح؛ لأن الإيمان لا يخبر به عن القول لاختلاف مورديهما، فإن الإيمان مورده الجنان، والقول مورده اللسان. "و" الثاني نحو: "قولي إن زيدًا يحمد الله"، فالكسر على ما مر قبله، ولا يصح الفتح لفساد المعنى، إذ لا يصح أن يقال: حمد زيد الله؛ لأن "حمد زيد" غير قائم بالمتكلم، فكيف يسنده المتكلم إلى نفسه.
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 139.
2 شرح شذور الذهب ص208.(1/307)
الموضع "السادس: "أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 118، 119] قرأ نافع وأبو بكر بالكسر1" في {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ}. "أما على الاستئناف" فتكون جملة منقطعة عما قبلها، "أو بالعطف على جملة "إن" الأولى"، وهي: إن لك أن لا تجوع، وعليهما فلا محل لها من الإعراب. "و" قرأ "الباقون" من السبعة "بالفتح، بالعطف على أن لا تجوع"، من عطف المفرد على مثله، والتقدير: أن لك عدم الجوع، وعدم الظمأ.
واحترز بقوله: صالح للعطف عليه من نحو قولك: إن لي مالًا وإن عمرًا فاضل، فإن مالًا مفرد غير صالح للعطف عليه، إذ لا يصح أن يقال: أن لي مالًا وفضل عمرو، فيجب كسر "إن".
الموضع "السابع: أن تقع بعد حتى"، من حيث هي، ثم تارة يجب كسرها، وتارة يجب فتحها، وليس المراد جواز الفتح والكسر في محل واحد، كما مر قبله، "بل يختص الكسر بالابتدائية، نحو: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه"؛ لأن "حتى" الابتدائية منزلة منزلة "ألا" الاستفتاحية، فتكسر "إن" بعدها "و" يختص "الفتح بالجارة والعاطفة2، نحو عرفت أمورك حتى أنك فاضل"، فـ"حتى" في هذا المثال تصلح لأن تكون جارة، ولأن تكون عاطفة، و"أن" فيهما مفتوحة، فإن قدرت "حتى" جارة فـ"أن" في موضع جر بها، وإن قدرتها عاطفة فـ"أن" في موضع نصب، والتقدير على الجر: عرفت أمورك إلى فضلك، وعلى النصب: عرفت أمورك وفضلك، أما فتحتها في الجر فلدخول الجار عليها، وأما فتحها في النصب فلعطفها على المفعول.
الموضع "الثامن: أن تقع بعد "أما"" بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، "نحو: أما إنك فاضل، فالكسر على أنها" أي: "أما" "حرف استفتاح"، فتكون حرفًا واحدًا، "بمنزلة: ألا" الاستفتاحية، وتلك تكسر "إن" بعدها، "والفتح على أنها" مركبة من همزة الاستفهام، و"ما" العامة بمعنى شيء، وصارا بعد التركيب "بمعنى "حقا"" بتقديم الهمزة على "حقا" على الصواب، لا بإسقاطها، كما قال الموضح في الحواشي، وهو قليل، فالهمزة للاستفهام، و"ما" في محل نصب على الظرفية كما
__________
1 انظر قراءتها بالكسر في الإتحاف ص308، والنشر 2/ 322.
2 انظر الكتاب 3/ 143.(1/308)
انتصب عليها "حقا" في قوله: [من الوافر]
236- أحقا أن جيرتنا استقلوا..... فنيتنا ونيتهم فريق
تقديره: أفي حق، وقد جاء مصرحًا بـ"في"، كقوله: [من الوافر]
237- أفي حق مواساتي أخاكم ..............................
و"أن" وصلتها في موضع رفع على الابتداء عند سيبويه1 والجمهور، فهي بمنزلتها في: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ} [فصلت: 39]، وعلى الفاعلية عند المبرد وابن مالك2، فهمي بمنزلتها في {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51] وأصل ذلك أن "حقا" عند سيبويه ظرف مجازي بمنزلة "كيف1". ومصدر بدل من اللفظ بفعله عند المبرد3، وابن مالك4، ورده أبو حيان5.
الموضع "التاسع: أن تقع بعد "لا جرم"، والغالب الفتح، نحو: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} [النحل: 23] فالفتح عند سيبويه6 على أن "جرم: فعل ماض" معناه وجب، "و "أن" وصلتها فاعل، أي: وجب أن الله يعلم، و"لا" صلة" زائدة للتوكيد، ورده الفراء بأن "لا" لا تزاد في أول الكلام، وعلله في المغني7 بأن زيادة الشيء
__________
236- البيت للمفضل النكري، في الأصمعيات ص200، وشرح أبيات سيبويه 2/ 208، وله أو لعامر بن أسحم بن عدي في الدرر 2/ 214، وشرح شواهد المغني 1/ 170، ولرجل من عبد القيس أو للمفضل بن معشر البكري في تخليص الشواهد ص351، والمقاصد النحوية 2/ 235، وللعبدي في خزانة الأدب 10/ 277، والكتاب 3/ 136، وبلا نسبة في الجنى الداني 391، وشرح ابن الناظم ص121، وشرح الأشموني 1/ 92، وشرح التسهيل 1/ 23، ولسان العرب 10/ 301، "فرق" ومغني اللبيب 1/ 54، 68، وهمع الهوامع 2/ 71.
237- عجز البيت: "بما لي ثم يظلمني السريس"
، والبيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص636، والأغاني 12/ 129، وخزانة الأدب 10/ 280، 281، 282، ولسان العرب 6/ 106 "سرس"، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص353، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص983.
1 الكتاب 3/ 137.
2 شرح التسهيل 2/ 23، 24.
3 على تقدير: أحلف بالله أنك ذاهب، انظر الارتشاف 2/ 142.
4 شرح التسهيل 2/ 23.
5 الارتشاف 2/ 142.
6 الكتاب 3/ 138.
7 مغني اللبيب ص329.(1/309)
تفيد اطراحه، وكونه أول الكلام تفيد الاعتناء به، وجوابه ما أجاب به الفارسي عن القول بزيادة "لا" في "لا أقسم" من أن القرآن كالسورة الواحدة، وقال المرادي في شرح التسهيل: و"جرم" عند سيبويه بمعنى "حق"1 و"لا" رد لما قبلها، والوقف على "لا" و"أن" وما بعدها في موضع الفاعل. ا. هـ.
وما نقله المرادي عن سيبويه حكاه في المغني2 عن قطرب، "و" الفتح "عند الفراء على أن "لا جرم" مركبة من حرف واسم3، "بمنزلة: لا رجل"، في التركيب، "ومعناهما" بعد التركيب:"لا بد"، أو: لا محالة، "و "من"" أو "في" "بعدهما مقدرة"، أي: لا بد من أن الله يعلم، أو: لا محالة في أن الله يعلم.
ونقل ابن مالك4 عن الفراء5 أن "لا جرم" بمنزلة "حقا" وأصل جرم من الجرم بمعنى الكسب، "والكسر على ما حكاه الفراء" عن العرب "من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: ولا جرم لآتينك"، ولا جرم لقد أحسنت، ولا جرم إنك ذاهب، بكسر "إن"، واقتصر الناظم من ذلك على قوله:
181- بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده بوجهين نمي
182- مع تلو فا الجزا وذا يطرد في نحو خير القول إني أحمد
__________
1 الكتاب 3/ 138.
2 مغني اللبيب ص314.
3 معاني القرآن 2/ 8.
4 شرح التسهيل 2/ 24.
5 معاني القرآن 2/ 9.(1/310)
فصل2
"فصل":
"وتدخل لام الابتداء بعد "إن" المكسورة"، نحو: إن زيدًا لقائم، وتسمى اللام المزحلقة، والمزحلفة، بالقاف والفاء، وبنو تميم يقولون: زحلوقة، بالقاف، وأهل العالية: زحلوقة، بالفاء، سميت بذلك لأن أصل: إن زيدًا لقائم؛ لأن زيدًا قائم، فكرهوا افتتاح الكلام بحرفين مؤكدين، فزحلقوا اللام دون "إن" لئلا يتقدم معمولها عليها، وإنما لم ندع أن الأصل إن لزيدًا قائم لئلا يحول ما له صدر الكلام بين العامل والمعمول، قاله في المغني1.
وإنما دخلت اللام بعد "إن" لأنها شبيهة بالقسم في التأكيد، قاله سيبويه2.
وسميت لام الابتداء؛ لأنها لا تدخل على المبتدأ، وتدخل على غيره بعد "إن" المكسورة "على أربعة أشياء: أحدها الخبر، وذلك بثلاثة شروط: كونه مؤخرا" عن الاسم، "و" كونه "مثبتًا، و" كونه "غير ماض" فيشمل المفرد، "نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39]، والجملة المصدرة بالمضارع، نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} [النمل: 74]، والجار والمجرور والظرف إذا لم يقدر متعلقهما، نحو: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وإن زيدًا لعندك أما إذا قدرا متعلقين بـ"استقر" لم تدخل عليهما اللام؛ لأن معمول الفعل الماضي لا تدخل اللام عليه، خلافًا للأخفش، كما سيأتي، والجملة الاسمية على قلة، نحو: "{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [الحجر: 23]، وليس "نحن" ضمير فصل، خلافًا للجرجاني، "بخلاف" نحو: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: 12] لتقدم الخبر "و" بخلاف "نحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44]، لنفي الخبر، وشذ قوله وهو أبو حرام بن غالب بن حارث
__________
1 مغني اللبيب ص304.
2 الكتاب 3/ 146، 147.(1/311)
العكلي: [من الوافر]
238- "وأعلم إن تسليمًا وتركا..... للا متشابهان ولا سواء"
من وجهين، دخول اللام على الخبر المنفي، وتعليق الفعل عن العمل، حيث كسرت "إن"، وكان القياس أن لا يعلق؛ لأن الخبر المنفي ليس صالحًا للام، وسوغ ذلك كما قيل إنه شبه "لا" بـ "غير" فأدخل عليها اللام، والمعنى: أن التسليم على الناس وتركه ليسا متساويين، ولا قريبين من السواء، وكان حقه أن يقول: للا سواء ولا متشابهان، ولكنه اضطر فقد وأخر. و"سواء" في الأصل مصدر بمعنى المساواة. فلذلك صح وقوعه خبرًا عن اثنين. "وبخلاف نحو: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} [البقرة: 132], [آل عمران: 33] لأن الخبر ماض، وإنما دخلت اللام على الخبر المفرد؛ لأنه أشبه المبتدأ، وعلى الفعل المضارع لشبهه بالاسم وعلى الظرف وعديله؛ لأنهما في حكم الاسم، وعلى الجملة الاسمية؛ لأنها مبتدأ وخبر، ولم تدخل على الخبر إذا تقدم لئلا يتوالى حرفا توكيد؛ ولا إذا كان منفيا لئلا يجمع بين متماثلين في نحو: لم ولن ولما ولا، وحمل الباقي عليه، ولم تدخل على الماضي لعدم شبهه بالاسم. "وأجاز الأخفش1 والفراء وتبعهما ابن مالك2: إن زيدًا لنعم الرجل"، مما سلب الدلالة على الحدث والزمان، "و:" إن زيدًا "لعسى أن يقوم" مما دل على الزمان، وانتقل إلى الإنشاء؛ "لأن الفعل الجامد كالاسم"، ووافق الشاطبي على الأول دون الثاني، والفرق لائح.
"وأجاز الجمهور: إن زيد لقد قام، لشبه الماضي المقرون بـ"قد" بالمضارع لقرب زمانه من الحال"، والمضارع شبيه بالاسم. ومشابه المشابه مشابه، "وليس جواز ذلك مخصوصًا، بتقدير اللام للقسم لا للابتداء خلافًا لصاحب الترشيح"، بالراء، وهو خطاب الماردي، حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء على "قد" وادعى أن هذه اللام الداخلة عليها لام جواب القسم، والتقدير: إن زيدًا والله لقد قام، ووافقه على ذلك محمد بن مسعود الغزني. بغين معجمة مفتوحة وزاي ساكنة فنون مكسورة، "وأما
__________
238- البيت لأبي حزام العكلي في خزانة الأدب. 10/ 330، 331، والدرر 1/ 294، وسر صناعة الإعراب ص377، وشرح التسهيل 2/ 27، والمقاصد النحوية 2/ 244، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 345، وجواهر الأدب 85، وتخليص الشواهد ص356، وشرح ابن الناظم ص123، وشرح الأشموني 1/ 141، وشرح ابن عقيل 1/ 368، والمحتسب 1/ 34، وهمع الهوامع 1/ 140.
1 انظر الارتشاف 2/ 144.
2 شرح التسهيل 2/ 28.(1/312)
نحو: إن زيد لقادم"، بدون "قد" ظاهرة "ففي الغُرّة" بضم العين المعجمة لابن الدهان "أن البصري والكوفي" اتفقا "على منعها إن قدرت" اللام "للابتداء"، لا للقسم، "والذي نحفظه" نحن وهو المنقول في المغني "أن الأخفش" من البصريين، "وهشامًا" الضرير من الكوفيين "أجازاها على إضمار "قد""، ومنعها الجمهور، وقالوا: إنما هي لام القسم، فمتى تقدم فعل القلب فتحت همزة "إن"، كـ: علمت أن زيدًا لقائم، والصواب عند الكسائي وهشام الكسر. ا. هـ. كلام المغني1, إلا أنه لم يذكر فيه الأخفش، بل ذكر بدله الكسائي.
ويشترط في الخبر أيضًا أن لا يكون جملة شرطية؛ لأن اللام لا تدخل على الشرط اتقافًا، ولا على الجواب خلافًا لابن الأنباري2.
"الثاني" مما يدخل عليه اللام "معمول الخبر"؛ لأنه من تتمة الخبر، "وذلك بثلاثة شروط أيضًا، تقدمه على الخبر، وكونه غير حال، وكون الخبر صالحًا للام، نحو: إن زيدًا لعمرًا ضارب"، وقد تدخل على الخبر والحالة هذه دون معموله، نحو: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 11] وقد تدخل عليهما معًا حكى الكسائي والفراء من كلام العرب: إني لبحمد الله لصالح3، وذلك قليل أجازه المبرد، ومنعه الزجاج، وهو الصحيح4، كما امتنع دخولها على الخبر إذا دخلت على الاسم المتأخر، أو على ضمير الفصل، "بخلاف: إن زيدًا جالس في الدار" لتأخر المعمول، ولام الابتداء تطلب الصدر ما أمكن، "و" بخلاف: "إن زيدًا راكبًا منطلق"؛ لأن المعمول حال، ولم يسمع دخول اللام عليه، ونص الأئمة على منعه، ومقتضى قياس دخولها على المفعول والظرف جوازه، وفرق ابن ولاد بينه وبين الظرف بأن لحال لا تكون خبرًا وهو حال، بخلاف الظرف فإنه يكون خبرًا وهو ظرف، ا. هـ.
والفرق بينه وبين المفعول أن المفعول قد ينوب على الفاعل، فيصير عمدة، وإذا تقدم على عامله صار مبتدأ، واللام تدخل على المبتدأ، نحو: إن زيدًا لطعامه مأكول، "و" بخلاف: "إن زيدًا عمرًا ضرب"؛ لأن الخبر غير صالح للام لكونه فعلًا ماضيًا، "خلافًا للأخفش" من البصريين، والفراء من الكوفيين "في هذه" المسألة الأخيرة، وحجتهما أن
__________
1 مغني اللبيب ص301، 302.
2 انظر قوله في همع الهوامع 1/ 139، والتسهيل ص64.
3 شرح التسهيل 2/ 31، وفي شرح ابن الناظم ص123؛ أن هذا القول لابن الجراح.
4 شرح التسهيل 2/ 31.(1/313)
المانع إنما قام بالخبر لكونه فعلًا ماضيًا، فأما المعمول فاسم، وحجة المانعين أن دخول اللام على المعمول فرع دخولها على العامل، فكيف يتفرع فرع من غير أصل1.
قال الموضح في الحواشي: وينبغي أن يجرى خلاف في: إن زيدًا طعامك قد أكل، فإن خطابًا يمنع دخول اللام على "قد"، وبعد فالقول عندي قول الأخفش والفراء بدليل إجازة البصريين: زيدًا عمرو ضرب، وزيدًا أجله أحرز، مع قولهم: لا يتقدم الخبر إذا كان فعلًا، فأجازوا تقديم المعمول، وإن لم يجيزوا تقديم العامل؛ لأن المانع من تقديم العامل الالتباس. وذلك معنى خاص به دون المعمول، فكذا هنا، ا. هـ.
"الثالث" مما تدخل عليه اللام بعد "إن" "الاسم، بشرط واحد وهو أن يتأخر"، إما "عن الخبر، نحو: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران: 13]، "أو عن معموله"، أي: الخبر إذا كان المعمول ظرفًا، نحو: إن عندك لزيدًا مقيم، أو جار ومجرورًا، "نحو: إن في الدار لزيدًا جالس"، وما اختاره هنا من جواز تقديم معمول خبر "إن" على اسمها إذا كان ظرفًا أو جارا ومجرورًا منعه ابن عقيل في أول باب "إن" فقال2: لا يجوز أن يقال: إن بك زيدًا واثق، وإن عندك زيدًا جالس، ثم قال: وأجازه بعضهم.
"الرابع" مما تدخل عليه اللام "الفصل"، وهو المسمى عند الكوفيين عمادًا؛ لأنه يعتمد عليه في تأدية المعنى، وضمير فعل عند البصريين؛ لأنه يفصل به بين الخبر والنعت3، وإنما دخله اللام؛ لأنه مقو للخبر لرفعه توهم السامع كون الخبر تابعًا له، فنزل منزلة الجزء الأول من الخبر.
وقال ابن عصفور: لأنه اسم "إن" في المعنى، "وذلك بلا شرط" ولا التفات لمن يجيز تقديمه مع الخبر: هو القائم زيد، على أن الأصل: زيد هو القائم، فلذلك قال ابن عقيل4:" وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر، أو ما أصله المبتدأ والخبر "نحو: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}" [آل عمران: 62] وهذا "إذا لم يعرب: هو" الداخلة عليه اللام مبتدأ، فإن أعرب "مبتدأ" وما بعده خبر، والجملة خبر "إن" فلا يكون ضمير فصل؛ لأن ضمير الفصل لا محل له من الإعراب على الصحيح.
__________
1 انظر شرح التسهيل 2/ 28.
2 شرح ابن عقيل 1/ 349.
3 انظر الإنصاف 2/ 706.
4 شرح ابن عقيل 1/ 372.(1/314)
والحاصل أن لام الابتداء تدخل بعد "إن" المكسورة على أربعة أشياء اثنين مؤخرين، واثنين متوسطين، فالمتأخران أحدهما الخبر إذا لم يكن منفيا ولا ماضيًا متصرفًا مجردًا من "قد"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
183- وبعد ذات الكسر تصحب الخبر..... لام ابتداء نحو إني لوزر
184- ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا..... ولا من الأفعال ما كرضيا
185- وقد يليها مع قد كإن ذا..... لقد سما على العدا مستحوذا
والثاني الاسم، وإليه أشار بقوله:
186- ................. ...... واسما حل قبله الخبر
وأما المتوسطان فهما معمول الخبر، وضمير الفصل، وإليهما أشار بقوله:
186- وتصحب الواسط معمول الخبر والفصل .............................(1/315)
فصل3
"فصل":
"وتتصل "ما" الحرفية "الزائدة بهذه الأحرف" المتقدمة، "إلا "عسى" و"لا""، فإن "ما" لا تتصل بهما، وتتصل بـ"أن" و"إنّ" و"كأن" و"لكن" و"ليت" و"لعل" فتكفها عن العمل"، فيما دخلت عليه من الجمل الاسمية، "وتهيئها للدخول على الجمل" الفعلية، قال في المغني: وتسمى "ما" الكافة لعمل النصب والرفع. المتلوة بفعل مهيئة، فمثال "إن" و"أن"، "نحو: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}" [الأنبياء: 108] فـ"إن" في الأولى مكسورة، ومدخولها جملة فعلية، وفي الثانية مفتوحة، ومدخولها جملة اسمية، "و" مثال "كأن" نحو: "{كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} [الأنفال: 6]، ومثال "لعل" قوله: [من الطويل]
239 ............... لعلما أضاءت لك النار الحمار المقيدا
ومثال "لكن" قوله: [من الطويل]
240- ولكنما أسعى لمجد مؤثل ..............................
"بخلاف قوله": [من الطويل]
241- فوالله ما فارقتكم قاليا لكم "ولكن ما يقضى فسوف يكون"
__________
269- صدر البيت: "أعد نظرًا يا عبد قيس لعلما"
، والبيت للفرزدق في ديوانه 1/ 180، والأزهية ص88، والدرر 1/ 309، وشرح شواهد الإيضاح ص116، وشرح شواهد المغني ص693، وشرح المفصل 8/ 57، وبلا نسبة في رصف المباني ص319، وشرح شذور الذهب ص279، وشرح قطر الندى ص151، وشرح المفصل 8/ 54، ومغني اللبيب ص287، 288، والهوامع 1/ 143.
240- عجز البيت: "وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي"
، والبيت لامرئ القيس في ديوانه ص39، وإصلاح المنطق ص21، "والإنصاف 1/ 84، وشرح أبيات سيبويه 1/ 38، وشرح شواهد الإيضاح ص92، وشرح شواهد المغني 1/ 342، 2/ 642، ولسان العرب 11/ 9 "أثر"، وتاج العروس "أثل" "لو"، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص340، ومغني اللبيب 1/ 256، وهمع الهوامع 1/ 143.
241- البيت لذي القرنين أبي المطاع بن حمدان في تاج العروس 7/ 420 "برد" ومعجم البلدان 1/ 379، "بردى" وللأفوه الأودي في الدرر 1/ 203، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أمال القالي 1/ 99، وأوضح المسالك 1/ 348، وشرح الأشموني 1/ 108، وشرح قطر الندى ص149، ومعجم البلدان 2/ 220 "الحجاز" والمقاصد النحوية 2/ 315، وهمع الهوامع 1/ 110، وشرح التسهيل 1/ 332.(1/316)
فـ"ما" اسم مصول، لا زائدة، في موضع نصب على أنها اسم "لكن"، و"يقضى" صلتها، وجملة "فسوف" يكون" خبرها، ودخلت الفاء في خبرها؛ لأن "ما" الموصولة شبيهة باسم الشرط في الإبهام والعموم، فلذلك دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب، نص عليه ابن مالك1، ويوجد في غالب النسخ إسقاط لفظة "بخلاف" وليس بجيد، والمعتمد إثباتها، وإنما أهملت هذه الأحرف لزوال اختصاصها، "إلا" "ليت"، فتبقى على اختصاصها" بالجمل الاسمية على الاصح، خلافًا لابن أبي الربيع وطاهر القزويني، فإنهما أجازا: ليتما قام زيد2، "ويجوز إعمالها" استصحابًا للأصل حتى قيل بوجوبه، ويجوز إهمالها حملًا على أخواتها. "وقد روي بهما قوله"، وهو النابغة الذبياني: [من البسيط]
242- "قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا" إلى حمامتنا أو نصفه فقد
يروى برفع "الحمام" ونصبه، فالرفع على الإهمال، والنصب على الإعمال، وليس فيه رد على القائل بوجوب الإعمال؛ لأن سيبويه أجاز في رواية الرفع أن تكون "ما" موصولة اسم "ليت"، و"هذا" خبر مبتدأ محذوف، و"الحمام" نعت "هذا" و"لنا" خبر "ليت"، والتقدير: ليت الذي هو هذا الحمام لنا، وحذف صدر الصلة لطولها بالنعت، وقبل هذا البيت3:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد
__________
1 شرح التسهيل 1/ 331.
2 في همع الهوامع 1/ 143: "قال أبو حيان: ووقفت على كتاب تأليف طاهر القزويني في النحو، ذكر فيه أن "ليتما" تليها الجملة الفعلية، بل نقله أبو جعفر الصفار عن البصريين".
242- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص24، والأزهية ص89، 114، والأغاني 11/ 13، والإنصاف 2/ 479, وتخليص الشواهد ص362, تذكرة النحاة 353, وخزانة الأدب 10/ 251, 253 والخصائص 2/ 460، والدرر 1/ 113، 306، ورصف المباني ص229، 316، 318، وشرح شذور الذهب ص280، وشرح شواهد المغني 1/ 75، 200، 2/ 690، وشرح عمدة الحافظ ص233، وشرح المفصل 8/ 58، والكتاب 2/ 137، واللمع ص320، ومغني اللبيب 1/ 63، 286, 308, والمقاصد النحوية 2/ 254, وبلا نسبة في الارتشاف 1/ 450, وأوضح المسالك 1/ 349، وخزانة الأدب 6/ 157، وشرح ابن الناظم ص125، وشرح الأشموني 1/ 143، وشرح التسهيل 2/ 38، وشرح قطر الندى 151، ولسان العرب 3/ 347، "قدد" والمقرب 1/ 110، وهمع الهوامع 1/ 65.
3 ديوان النابغة الذيباني ص24.(1/317)
وبعده:
فحسبوه فألفوه كما ذكرت تسعًا وتسعين لم ينقص ولم يزد
فكملت مائة فيها حمامتها وأسرعت حسبة في ذلك العدد
والمعنى: كن حكيمًا كفتاة الحي، وهي زرقاء اليمامة، قيل: وكانت تبصر مسيرة ثلاثة أيام، وقصتها أنها كانت لها قطاة، ثم مر بها سرب من القطا بين جبلين، فقالت1: [من الرجز]
ليت الحمام ليه إلى حمامتيه
ونصفه قديه تم الحمام ميه
فنظر فإذا القطا قد وقع في شبكة الصياد، فعده فإذا هو ست وستون قطاة ونصفها ثلاثة وثلاثون قطاة، فإذا ضم ذلك إلى قطاتها كان مئة.
ووصف "الحمام" بصفة الجمع، وهو شراع، وشراع يحتمل أوله الإعجام والإهمال، وبصفة الإفراد وهو وارد، والثمد بفتح المثلثة والميم: الماء القليل، وحسبوه من الحساب، وهو العد.
"وندر الإعمال في "إنما""، نحو: إنما زيدًا قائم، بنصب "زيد"، رواه الأخفش والكسائي عن العرب سماعًا2، "وهل يمتنع قياس ذلك" المسموع "في الباقي3 مطلقا" أي: في بقية أخوات "إن" الأربعة، وهي: "أن" المفتوحة، و"كأن" و"لعل" و"لكن" وقوفًا مع السماع، ذهب إلى ذلك سيبويه والأخفش4، "أو يسوغ" القياس على ما سمع في "إنما" "مطلقًا" في بقية أخواتها الأربعة إذ لا فرق، ذهب إلى ذلك الزجاج5 وابن السراج6 والزمخشري7 وابن مالك8، أو يسوغ القياس "في "لعل"
__________
1 الرجز في ديوان النابغة الذبياني ص24، والدرر 1/ 308، ولسان العرب 12/ 159 "حمم"، وخزانة الأدب 10/ 257.
2 في شرح ابن الناظم ص125، "وذكر ابن برهان أن الأخفش روى: إنما زيدًا قائم، وعزا مثل ذلك إلى الكسائي، وهو غريب" وانظر شرح التسهيل 2/ 38، والارتشاف 2/ 158.
3 في "ط": "البواقي".
4 انظر الكتاب 2/ 138، 3/ 138 والارتشاف 2/ 157.
5 الارتشاف 2/ 157.
6 الأصول 1/ 232.
7 المفصل ص293.
8 شرح التسهيل 2/ 38.(1/318)
فقط"،؛ لأنها أقرب إلى "ليت" حتى قال بعضهم في قراءة من قرأ: "فَأَطَّلِعَ"1 إن "لعل" ضمنت معنى "ليت" ذهب إلى ذلك الفراء2، "أو" يسوغ "فيها"، أي: في "لعل"، "وفي: كأن" لقربهما من "ليت"؛ لأن الكلام معهما صار غير خبر، ذهب إلى ذلك ابن أبي الربيع3، فهذه أقوال أربعة، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
187- ووصل ما بذي الحروف مبطل إعمالها وقد يبقى العمل
__________
1 انظر القراءة في النشر 2/ 365.
2 معاني القرآن للفراء 3/ 9.
3 في الارتشاف 2/ 157: "عزاه البسيط إلى الأخفش، واختاره ابن أبي الربيع".(1/319)
فصل4
"فصل":
"يعطف على أسماء هذه الأحرف بالنصب قبل مجيء الخبر، وبعده، كقوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
243- "إن الربيع الجود والخريفا .....يد أبي العباس والصيوفا"
فعطف "الخريف" بالنصب على "الربيع" قبل مجيء الخبر، وهو "يدا أبي العباس"، وعطف "الصيوف" جمع "صيف" على "الربيع" بالنصب، بعد مجيء الخبر، والجود: بفتح الجيم، وسكون الواو وبالدال: المطر الغزير، ويروى: الجون، بالنون، بلد الدال، والمراد به السحاب الأسود، والمراد بالربيع والخريف والصيوف: أمطارهن، والمراد بأبي العباس: السفاح أول الخلفاء من بني العباس، وهذا من عكس التشبيه، مبالغة لأن الغرض تشبيه يديه بالأمطار الواقعة في الربيع والخريف والصيف، وحقيقة التشبيه أن تقول: إن يدي أبي العباس الربيع والخريف والصيوف.
"ويعطف بالرفع" على محل أسماء هذه الأحرف "بشرطين، استكمال الخبر، وكون العامل "إن" أو"أن" أو "لكن"" مما لا يغير معنى الجملة، "نحو: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}" [التوبة: 3] فعطف "رسوله" على محل الجلالة بعد استكمال الخبر وهو "بريء" و"قوله: [من الطويل]
244- فمن يك لم ينحب أبوه وأمه "فإن لنا الأم النجيبة والأب"
فعطف الأب على محل الأم؛ بعد استكمال الخبر وهو "لنا"، "وقوله": [من الطويل]
245- وما قصرت بي في التسامي خئولة "ولكن عَمِّي الطيب الأصل والخال"
__________
243- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص179، وتخليص الشواهد 368، وشرح التسهيل 2/ 48، والكتاب 2/ 145، والمقاصد النحوية 2/ 261، وللعجاج في الدرر 2/ 480، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 351، وشرح ابن الناظم ص125، والمقتضب 4/ 111، وهمع الهوامع 2/ 144.
244- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 353، وتخليص الشواهد. 370، والدرر 2/ 479، وشرح ابن الناظم ص126 وشرح الأشموني 1/ 143، والمقاصد النحوية 2/ 265، وهمع الهوامع 2/ 144.
245- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 355، وتخليص الشواهد ص370، والدرر 2/ 484، وشرح الأشموني 1/ 144، والمقاصد النحوية 2/ 316، وهمع الهوامع 2/ 144.(1/320)
فعطف "الخال" على محل "عمي" بعد استكمال الخبر وهو: "الطيب"، هذا معنى قول الناظم:
188- وجائز رفعك معطوفا على..... منصوب إن بعد أن تستكملا
189- وألحقت بإن لكن وأن .............................
وكون الرفع بالعطف على محل الاسم هو قول بعض البصريين الذين لا يشترطون وجود المحرز، أي: الطالب لذلك المحل، "والمحققون" من البصريين وهم الذين يشترطون ذلك مجمعون "على أن رفع ذلك ونحوه" ليس بالعطف على محل الاسم؛ "بل على أنه مبتدأ حذف خبره" لدلالة خبر الناسخ عليه فهو من عطف جملة على جملة، والتقدير: ورسوله بريء، ولنا الأب النجيب، والخال الطيب الأصل، "أو" على أنه مرفوع "بالعطف على ضمير الخبر" المستتر فيه، "وذلك إذا كان بينهما فاصل"، فهو من عطف مفرد على مفرد، فـ"رسوله" معطوف على الضمير المستتر في "بريء" أي: بريء هو ورسوله، لوجود الفصل بالجار والمجرور، وهو "من المشركين"، و"الأب" معطوف على الضمير المستتر في "لنا"، لوجود الفصل بالصفة والموصوف. و"الخال" معطوف على الضمير المستتر في "الطيب"، لوجود الفصل بالمضاف إليه، "لا" إن رفع ذلك ونحوه "بالعطف على محل الاسم مثل" عطف "امرأة" على محل "رجل" في قولك: "ما جاءني من رجل ولا امرأة، بالرفع،؛ لأن الرفع" لمحل "رجل" الفعل، وهو "جاءني" وهو باق ولا يمنعه عن العمل في محل "رجل" الحرف الزائد؛ لأن الزائد وجوده كلا وجود، والرفع لمحل الاسم "في مسألتنا" التي نحن فيها "الابتداء وقد زال بدخول الناسخ"، وهو "إن" و"أن" و"لكن" والعامل اللفظي يبطل عمل العامل المعنوي، فإن قيل: إذا كان هذا من عطف الجمل أو من العطف على الضمير عند المحققين فما وجه اشتراط استكمال الخبر، وكون العامل "إن و"أن" أو "لكن" عندهم، قلت: أما اشتراطهم الأول إذا كان من عطف الجمل فلئلا يلزم العطف قبل تمام المعطوف عليه، وإذا كان من العطف على الضمير فلئلا يلزم تقديم المعطوف على المعطوف عليه، وأما اشتراطهم الثاني إذا كان من عطف الجمل فلئلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء، وإن كان من العطف على الضمير فلم يحضرني عنه جواب شاف.
"ولم يشترط الكسائي و" تلميذه "الفراء الشرط الأول"، وهو استكمال الخبر "تمسكًا، بنحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}" [المائدة: 69](1/321)
فعطف "الصابئون" بالرفع على محل "الذين آمنوا" قبل استكمال الخبر، وهو: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [المائدة: 69] وبقراءة بعضهم1 "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" [الأحزاب: 56] فعطف "وملائكته" بالرفع على محل الجلالة قبل استكمال الخبر وهو "يصلون"، "وبقوله" وهو ضابئ بالضاد المعجمة، وبعد الألف باء موحدة، فهمزة، ابن الحارث البرجمي، بضم الموحدة والجيم [من الطويل]
246- فمن يك أمسى بالمدينة رحله..... "فإني وقيار بها لغريب"
فعطف "قيار" بالرفع على محل ياء المتكلم قبل استكمال الخبر، وهو "لغريب"، وقيار؛ بقاف مفتوحة "وياء مثناة تحتية مشددة: اسم فرس عند الخليل، واسم جمل عند أبي زيد، وضمير "بها" لـ"المدينة"، و"قوله" وهو بشر بن أبي خازم، بالخاء والزاي المعجمتين: [من الوافر]
247- "وإلا فاعلموا أنا وأنتم..... بغاة" ما بقينا في شقاق
فعطف "أنتم" وهو ضمير مرفوع على محل ضمير المتكلم المعظم نفسه، أو المشارك لغيره قبل استكمال الخبر، ولما كان ظاهر الاستدلال للكسائي، والفراء جميعًا والفراء لا يوافق على نحو: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] استدرك ذلك بقوله: "ولكن اشترط الفراء إذا لم يتقدم الخبر" على المعطوف بالرفع "خفاء إعراب الاسم2، برفع الخبر، ونصب خفاء على المفعولية لاشتراط، والظرف مقدر من تأخير
__________
1 هي قراءة أبي عمرو وابن عباس وعبد الوارث. انظر البحر المحيط 248، والكشاف 3/ 272.
246- البيت لضابئ بن الحارث البرجمي في الأصمعيات ص184، والإنصاف ص94، وتخليص الشواهد ص385، وخزانة الأدب 9/ 326، 10/ 312، 313، 320، والدرر 2/ 481، 2/ 483، وشرح أبيات سيبويه 1/ 369 وشرح شواهد المغني ص867، وشرح المفصل 8/ 68، والشعر والشعراء ص358, والكتاب 1/ 75, ولسان العرب 5/ 125, "قير", ومعاهد التنصيص 1/ 186, والمقاصد النحوية 2/ 318، ونوادر أبي زيد ص20، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 103، وأوضح المسالك 1/ 358، ورصف المباني ص267، وسر صناعة الإعراب ص372، وشرح الأشموني 1/ 144، ومجالس ثعلب ص316، 598, وهمع الهوامع 2/ 144.
247- البيت لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص165، والإنصاف 1/ 190، وتخليص الشواهد 373، وخزانة الأدب 10/ 293، 297، وشرح أبيات سيبويه 2/ 14، والكتاب 2/ 156، والمقاصد النحوية 2/ 271، وبلا نسبة في أسرار العربية 154، وشرح ابن الناظم ص127، وشرح المفصل 8/ 69.
2 معاني القرآن للفراء 1/ 310.(1/322)
تأخير، والأصل ولكن اشتراط الفراء خفاء إعراب الاسم إذا لم يتقدم الخبر، والتعبير بخفاء الإعراب أخذه من التسهيل1، واعترضه في حواشيه فقال: المعروف عن الفراء أنه يشترط بناء الاسم فلا يدخل في ذلك الاسم المقصور والمضاف للياء، ويدخلان في نقل المؤلف ا. هـ.
فيجيز إن كان الاسم مبنيا. "كما في بعض هذه الأدلة" المتقدمة، وهي: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 69] الآية، والبيتان، ويمنع إن كان الاسم معربًا، كما في نحو: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتُهُ" [الأحزاب: 56] بالرفع، لما فيه من تخالف المتعاطفين في الحركة اللفظية، ومقتضى هذه العلة أنه يجيز: إن الفتى وزيد ذاهبان، برفع "زيد"، لعدم اجتماع عاملين على المعمول واحد عملًا واحدًا؛ لأن الناسخ عامل في الخبر والمعطوف مبتدأ، وهو أيضًا عامل في الخبر فيجتمع على الخبر الواحد عاملان عملًا واحدًا، وذلك ممتنع، ولا يتأتى ذلك على مذهب الكسائي والفراء؛ لأن الرافع للخبر عندهما في باب "إن" هو رافعه في باب المبتدأ، إلا أنه مشكل، أما على القول بالترافع وهو المشهور عن الكوفيين؛ فلأن المبتدأ قد زال بدخول الناسخ، وأما على القول بأن رافعه الابتداء في باب "إن" كما نقله الشاطبي عنهم؛ فلأنه يلزم أن يكون الخبر في مسألتنا توارد عليه عاملان من جهة واحدة، وهما: الابتداء والمبتدأ، فما هربا منه وقعا فيه، "و" ما تمسكا به من الأدلة المتقدمة "خرجها المانعون" من البصريين "على التقديم والتأخير"، فيكون "من آمن" خبر "إن"، وخبر "الصابئون" محذوفًا، "أي: والصابئون" والنصارى "كذلك"، والأصل والله أعلم: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر، "أو على" تقدير "الحذف من الأول" لدلالة الثاني عليه، فيكون "من آمن" خبر "الصابئون" وخبر "إن" محذوفًا، "أي لدلالة خبر المبتدأ عليه، "كقوله:" [من الطويل]
248- خليلي هل طب "فإني وأنتما وإن لم تبوحا بالهوى دنفان"
فحذف خبر "إن" لدلالة خبر المبتدأ عليه، والتقدير: فإني دنف، أي: مريض
__________
1 التسهيل ص66.
248- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 362، وتخليص الشواهد ص374، وشرح ابن الناظم ص127، وشرح الأشموني 1/ 144، وشرح التسهيل 2/ 50، وشرح شواهد المغني 2/ 866، ومغني اللبيب 2/ 475، والمقاصد النحوية 2/ 274.(1/323)
وأنتما دنفان، والتوجيه الأول أجود؛ لأن الحذف من الثاني لدلالة الأول أولى من العكس، قاله الموضح في شرح الشذور1.
"ويتعين التوجيه الأول" وهو التقديم والتأخير "في قوله:" [من الطويل]
249- .............. "فإني وقيار بها لغريب"
والأصل: فإني لغريب وقيار غريب، "ولا يتأتى فيه" التوجيه "الثاني" وهو الحذف من الأول "لأجل اللام" لأنها لا تدخل في خبر المبتدأ "إلا إن قدرت زائدة مثلها في قوله:" [من الرجز]
250- ................. "أم الحليس لعجوز شهربه"
على الوجهين المتقدمين، فيصبح حينئذ التخريج الثاني، ويصير التقدير، فإني غريب، وقيار لغريب، "و" يتعين التوجيه "الثاني" وهو الحذف من الأول "في قوله تعالى": "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتُهُ" [الأحزاب: 56] بالرفع، والتقدير: إن الله يصلي وملائكته يصلون "ولا يتأتى فيه" التوجيه "الأول" وهو التقديم والتأخير "لأجل الواو في "يصلون" لأنها للجماعة المشتركة، والله واحد لا شريك له "إلا إن قدرت" الواو "للتعظيم" للواحد "مثلها في: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] فإنها لتعظيم المخاطب على أحد الوجهين، فيتأتى الوجه الأول أيضا، ويصير التقدير: إن الله يصلي وملائكته يصلون.
فإن قلت: كلا الوجهين مشكل، فإن شرط الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف معنى، أما على التوجيه الأول؛ فلأن الصلاة المذكورة بمعنى: الرحمة، والمحذوفة بمعنى الاستغفار، فلم ينطابقا، وأما على التوجيه الثاني فعلى العكس؛ لأن الصلاة المذكورة بمعنى: الاستغفار، والمحذوفة بمعنى: الرحمة، فلم يتطابقا أيضًا، قلت: أجاب عنه في المغني فقال: الصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد وهو: العطف، ثم العطف بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى: الرحمة، وإلى الملائكة: الاستغفار، وإلى الآدميين: دعاء بعضهم لبعض. ا. هـ2.
__________
1 لم أجده في شرح شذور الذهب، بل في مغني اللبيب 2/ 475.
249- تقدم تخريج البيت برقم 246.
250- تقدم تخريج البيت برقم 146.
2 مغني اللبيب ص791.(1/324)
وموضع الخلاف حيث يتعين كون الخبر للاسمين جميعًا، إنك وزيد زاهبان، وأما نحو: إن زيدًا وعمرو في الدار، فجائز باتفاق، قاله الموضح في شرح بانت سعاد1، وهو مخالف لما أطلقه هنا.
"ولم يشترط الفراء الشرط الثاني2" وهو كون العامل "إن" أو "أن" أو "لكن" "تمسكًا بنحو قوله"، وهو العجاج: [من الرجز]
251- "يا ليتني وأنت يا لميس في بلد ليس بها أنيس"
فعطف "أنت" بكسر التاء، على اسم "ليت" وهو ياء المتكلم. "لميس" علم امرأة، و"أنيس" بمعنى: مؤنس.
"وخرج" بتشديد الراء والبناء للمفعول "على أن" "أنت" مبتدأ، حذف خبره، وأن "الأصل: وأنت معي، والجملة" من المبتدأ والخبر "حالية" متوسطة بين اسم "ليت" وخبرها، فالاسم ياء المتكلم، "والخبر قوله: "في بلد""، هذا تخريج ابن مالك3، وهو على ندور أو قلة، فإن أكثر النحويين على امتناع تقديم الحال المنتصبة بالظرف, وهو ممن نص على ذلك، فقال في باب الحال:
346- ............ وندر نحو سعيد مستقرا في هجر
وشرحه الموضح بقوله4: يجوز توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، ا. هـ.
والنادر والقليل لا يقاس عليهما، وأبعد منه قول بعضهم إن الأصل: أنا وأنت، "فأنا" مبتدأ، "وأنت" معطوف عليه، وخبر المبتدأ وما عطف عليه قوله: "في بلد"، فحذف "أنا"، ا. هـ.
__________
1 شرح بانت سعاد ص146، 147.
2 انظر شرح ابن عقيل 1/ 377.
251- الرجز للعجاج في الدرر 1/ 484، وليس في ديوانه، ولرؤبة في ملحق ديوانه ص176، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 364، ومجالس ثعلب 1/ 316، وهمع الهوامع 2/ 144.
3 شرح التسهيل 2/ 52.
4 أوضح المسالك 2/ 331.(1/325)
فصل5
"فصل":
"تخفف "إن" المكسورة لثقلها" بالتضعيف، "فيكثر إهمالها لزوال اختصاصها" بالأسماء، "نحو: "وَإِنْ كُلٌّ لَمَا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ" [يس: 32] في قراءة من خفف "لما"1، فـ"كل" مبتدأ، واللام لام الابتداء، و"ما" زائدة و"جميع" خبر المبتدأ، و"محضرون" نعته، وجمع على المعنى "ويجوز إعمالها" على قلة "استصحابًا للأصل" وإليه يشير قول الناظم:
190- وخففت إن فقل العمل .............................
"نحو: "وَإِنَ كُلًّا لَمَا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ" [هود: 111] في قراءة نافع وابن كثير، بتخفيف "إن" و"لما"2، فـ"إن" مخففة من الثقيلة، و"كلا" اسمها، واللام في "لما" لام الابتداء، و"ما" موصولة خبر "إن"، وليوفينهم" جواب لقسم محذوف، وجملة القسم وجوابه صلة "ما"، والتقدير: وإن كلا للذين والله ليوفينهم، وقيل: "ما" نكرة موصوفة، وجملة القسم وجوابه سدت مسد الصفة، والتقدير: وإن كلا لخلق موفي عمله.
"وتلزم لام الابتداء بعد" "إن" المكسورة المخففة "المهملة"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
190- ................ وتلزم اللام إذا ما تهمل
حال كون اللام "فارقة بين الإثبات والنفي" في نحو: إن زيد لقائم، بتخفيف "إن" ورفع زيد، فلولا اللام لتوهم "إن" نافية، وأن المعنى: ما زيد قائم، فلما جيء باللام ارتفع التوهم.
__________
1 هي قراءة نافع وابن كثير والكسائي. انظر الإتحاف ص364، والنشر 2/ 291.
2 وقرأها كذلك عاصم وشعبة وابن محيصن، انظر الإتحاف ص260، والنشر 2/ 290.(1/326)
"و" هذه اللام "قد تغني عنها قرينة لفظية" بأن يكون الخبر منفيا، "نحو: إن زيد لن يقوم"، فيجب حينئذ ترك اللام كما في المغني1؛ لأن الخبر المنفي لا تدخل عليه لام الابتداء كما تقدم، "أو" قرينة "معنوية"، كأن يكون الكلام سيق للإثبات والمدح، "كقوله"، وهو الطرماح، واسمه الحكيم بن حكيم: [من الطويل]
252- أنا ابن أباة الضيم من آل مالك..... "وإن مالك كانت كرام المعادن"
ولو قال: لكانت باللام لجاز، ولكن استغنى عنها لكونه في مقام المدح، وتوهم النفي هنا ممتنع، وأباة جمع آب، كقضاة جمع قاض، من: أبى إذا امتنع، والضيم: الظلم، ومالك: اسم قبيلة، ولذلك قال: كانت، وصرفها مراعاة للحي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
191- وربما استغني عنها إن بدا..... ما ناطق أراده معتمدًا
"وإن ولي "إن" المكسورة المخففة" من الثقلية "فعل" فشرطه أن يكون ناسخًا، وربما تخلف، وشرط الناسخ كونه غير ناف، فخرج بذلك "ليس" وغير منفي، فخرج بذلك "زال" وأخواتها، ونحو: ما كان، وغير صلة، وغير صلة، فخرج بذلك "ما دام" ولا فرق في الناسخ بين الماضي والمضارع. إلا أنه "كثر كونه مضارعًا ناسخا نحو: "{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ" بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51]، "{وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [الشعراء:186] وأكثر منه" أي: من المضارع "كونه ماضيًا ناسخا، نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56]، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وتدخل اللام حينئذ على الجزء الثاني من معمولي الناسخ، أما دخول "إن" على الناسخ؛ فلأنها كانت مختصة بالدخول على المبتدأن والخبر في الأصل, فلما خففت وضعت شبهها بالفعل جاز دخولها على الفعل، وكان من النواسخ لئلا تفارق محلها بالكلية، ألا ترى أنها إذا دخلت على الناسخ كان مقتضاها موفرًا عليها إذ الجزآن مذكوران بعد مدخولها، وأما دخول اللام في الجزء الثاني من معمولي الناسخ فكما تدخل على خبرها؛ لأنك إذا قلت: إن كان زيد لقائمًا فمعناه: إن زيد
__________
1 مغني اللبيب ص306.
252- البيت للطرماح في ديوانه ص512، والدر 1/ 299، والمقاصد النحوية 2/ 276، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 150، وأوضح المسالك 1/ 367، وتخليص الشواهد ص378، وتذكرة النحاة 43، والجنى الداني ص134، وشرح ابن الناظم ص128، وشرح الأشموني 1/ 145، وشرح ابن عقيل 1/ 379، وشرح عمدة الحافظ ص237، وشرح قطر الندى ص165، وهمع الهوامع 1/ 141.(1/327)
لقائم، وأما كون الماضي أكثر من المضارع فلأن "إن" المشددة شبيهة به لفظًا ومعنى، فقصدوا بعد تخفيفها أن يدخلوها على مشابهها، ويقاس على النوعين اتفاقًا، ولا يجيز جمهور البصريين دخولها على غير الناسخ، "وندر" عند غيرهم "كونه ماضيًا غير ناسخ، كقوله" وهي الشخص المسمى عاتكة بنت زيد العدوية ابنة عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تخاطب عمرو بن شرموز قاتل الزبير بن العوام1: [من الكامل]
253- "شلت يمينك إن قتلت لمسلما"..... حلت عليك عقوبة المتعمد
فأدخلت "إن" المخففة على "قتلت" وهو فعل ماض غير ناسخ، وشلت بفتح الشين المعجمة أفصح من ضمها إخبار ومعناه: الدعاء وحلت: وجبت، "ولا يقاس عليه"، أي: على "إن قتلت لمسلمًا": "إن قام لأنا، وإن قعد لزيد، خلافًا للأخفش" فإنه أجازه، كما قاله في المغني2، وزاد هنا: "والكوفيين" وهو يوهم أنهم يجيزون "إن" المكسورة، ويدخلونها على: نحو قام وقعد، وذلك مخالف لقاعدتهم، فإنهم لا يجيزون تخفيف "إن" المكسورة، ويحملون على ما ورد من ذلك على أن "إن" نافية بمنزلة "ما"، واللام إيجابية بمنزلة "إلا"، قال في المغني في بحث اللام: وزعم الكوفيون أن اللام في ذلك كله بمعنى: "إلا" وأن "إن" قبلها نافية، ا. هـ.
ومما ورد من ذلك قراءة ابن مسعود: "قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ لَقَلِيلًا" [المؤمنون: 114] حكاها الأخفش في معانيه3، وقول امرأة من العرب: والذي يحلف به إن جاء لخاطبًا, فدخلت على الماضي غير الناسخ.
__________
1 بعده في "ط": "يوم الجمل".
253- البيت لعاتكة بنت زيد في الأغاني 18/ 11، وخزانة الأدب 10/ 373، 374، 376، 378، والدرر 1/ 300، وشرح شواهد المغني 1/ 71، والمقاصد النحوية 2/ 278، ولأسماء بنت أبي بكر في العقد الفريد 3/ 277، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 150، والأزهية ص49، والإنصاف 2/ 641، وأوضح المسالك 1/ 368، وتخليص الشواهد ص379، والجنى الداني ص208، ورصف المباني ص109، وسر صناعة الإعراب 2/ 548، 550, وشرح الأشموني 1/ 145، وشرح ابن عقيل 1/ 382، وشرح عمدة الحافظ ص236، وشرح المفصل 8/ 71، 9/ 27، واللامات ص116، ومجالس ثعلب ص368، والمحتسب 2/ 255، ومغني اللبيب 1/ 24، والمقرب 1/ 112، والمنصف 3/ 127، وهمع الهوامع 1/ 142.
2 مغني اللبيب 1/ 24.
3 معاني القرآن 2/ 640.(1/328)
"وأندر منه كونه لا ماضيًا ولا ناسخًا"، بأن يكون مضارعًا غير ناسخ، إذ لا مشابهة بينهما "كقوله: إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه1" ولا يقاس عليه اتفاقًا.
والحاصل أن للام بعد "إن" المخففة ثلاث حالات، وجوب ذكرها, ووجوب تركها، وجواز الأمرين. فالأول نحو: إن زيد لقائم، بالإهمال، حيث لا قرينة، والثاني نحو: إن زيد لن يقوم. والثالث نحو: إن زيدًا قائم, بالإعمال، وما ذكره من أنها لام الابتداء قال به سيبويه2 والأخفشان3، وأكثر البغداديين4، وذهب الفارسي5 وابن جني6 وابن أبي العافية وابن أبي الربيع7 إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق، وحجتهم أنها دختل على ما ليس مبتدأ ولا خبرًا في الأصل ولا راجعًا إلى الخبر كالمفعول في نحو: إن قتلت لمسلمًا، وأجيب بأن الفعل والفاعل بمنزلة الشيء الواحد، وهما حالّان محل الجزء الأول الذي يلي "إن" والمفعول كالجزء الثاني، فإن قتلت لمسلمًا بمنزلة إن قتيلك لمسلم، ثم إن كان الفعل ناسخًا دخلت على الخبر الذي كان خبرًا في الأصل، كما مر، وإن كان غير ناسخ، دخلت على معموله فاعلًا كان أو مفعولًا، ظاهرًا كان أو ضميرًا متصلًا، فإن تقدم عليها فعل من أفعال القلوب، نحو: قد علمنا إن كنت لموقنا، فإن قلنا اللام للابتداء كسرت "إن"، وإن قلنا لام أخرى اجتلبت للفرق فتحت، وإلى دخلوها على الفعل مطلقًا أشار الناظم بقوله:
192- والفعل إن لم يك ناسخًا فلا تلفيه غالبًا بإن ذي موصلًا
__________
1 انظر هذا القول في أوضح المسالك 1/ 369، وشرح ابن عقيل 1/ 382، وشرح المفصل 8/ 86، وشرح ابن الناظم ص129.
2 الكتاب 2/ 140.
3 انظر شرح التسهيل 2/ 35.
4 انظر همع الهوامع 2/ 142.
5 البغداديات ص39.
6 المحتسب 2/ 255.
7 همع الهوامع 1/ 142.(1/329)
فصل5
"فصل":
"وتخفف "أن" المفتوحة، فيبقى العمل" وجوبًا لتحقق مقتضاها وهو إفادة معناها في الجملة الاسمية؛ لأنها أكثر مشابهة للفعل من المكسورة، "ولكن يجب في اسمها كونه مضمرًا" لا مظهرًا "محذوفًا" لا مذكورًا، سواء كان للشأن أم لا عند ابن مالك1؛ لأن "إن" المكسورة ثبت إعمالها في الظاهر دون المفتوحة، فقدروا عملها في المضمر لئلا ينحط الأقرب عن الأضعف.
وذهب ابن الحاجب إلى أنه لا يكون إلا للشأن، "فأما قوله" وهو الشخص المسمى جنوب أخت عمرو ذي الكلب: [من المتقارب]
254- "بأنك ربيع وغيث مريع وأنك هناك تكون الثمالا"
"فضرورة" من وجهين عند ابن الحاجب، كونه غير ضمير الشأن، وكونه مذكورًا، وعند ابن مالك من وجه واحد، وهو كونه مذكورًا.
والربيع ربيعان، ربيع الشهور، وربيع الأزمنة، فربيع الشهور بعد صفر، وربيع الأزمنة ربيعان، أولهما: ما يأتي فيه النور والكمأة، والثاني: ما تدرك فيه لثمار، والمراد هنا ربيع الأزمنة، والغيث: الكلأ أو المطر، والمريع: إما بفتح الميم إن جعل الغيث اسمًا للكلأ، أي: خصيب، وإما بضمها إن جعل اسمًا للمطر، يقال: مرع الوادي وأمرعه المطر، والثمال، بكسر الثاء المثلثة: الغياث خبر "تكون".
__________
1 شرح التسهيل 2/ 41.
254- البيت لكعب بن زهير في الأزهية ص62، وتخليص الشواهد ص380، وليس في ديوانه، وهو لجنوب بنت عجلان في الحماسة الشجرية 1/ 309، وخزانة الأدب 10/ 384، وشرح أشعار الهذليين 2/ 585، والمقاصد النحوية 2/ 282، ولعمرة بنت عجلان أو لجنوب بنت عجلان في شرح شواهد المغني 1/ 106، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 207، وأوضح المسالك 1/ 370، وخزانة الأدب 5/ 427، وشرح الأشموني 1/ 146، وشرح قطر الندى ص156، وشرح المفصل 8/ 75، ولسان العرب 13/ 30 "أنن"، ومغني اللبيب 1/ 31، وتاج العروس "أنن".(1/330)
"ويجب في خبرها أن يكون جملة" لاشتمالها على المسند والمسند إليه محافظة على الأصل حيث لا يذكر الاسم. "ثم إن كانت" الجملة "اسمية أو فعلية فعلها جامد أو دعاء لم تحتج لفاصل" من الفواصل الآتية، أما مع الاسمية؛ فلأنه جيء بعد "أن" باسم وخبر، كما جيء بهما بعد المثقلة العاملة، وأما الفعل الجامد فهو كالاسم، والاسم غير محتاج إلى فصل. فكذلك ما أشبهه. وأما الدعاء فشبيه بالجامد في عدم التصرف، قاله الشاطبي فالاسمية "نحو: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}" [يونس: 1]، والفعلية، التي فعلها جامد. نحو: "{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}" [النجم: 39] والفعلية التي فعلها دعاء إما بخبر نحو: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: 8]، أو بشر نحو: "{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}" [النور: 9] في قراءة من خفف "أن"1 وكسر الضاد في غير السبع، وهذا مبني على جواز تفسير ضمير الشأن بالجملة الإنشائية وهو الصحيح، ويجوز الفصل فيهن، "ويجب الفصل في غيرهن"، ليكون عوضًا مما حذفوا من أنه وهو أحد النونين والاسم، أو لئلا يلتبس بـ"أن"، المصدرية، ولما كان التغيير مع الفعل أكثر مما هو مع الاسم وما أشبهه عوض مع الفعل المتصرف ولم يعوض مع الاسم وما أشبهه، والفصل إما "بـ"قد"" لأنها تقرب الماضي من الحال، "نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} [المائدة: 113]، أو تنفيس نحم: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونَ} [المزمل: 20]، أو نفي بـ"لا" أو "لن" أو "لم"" فقط، مثال "لا" "نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}" [المائدة: 71]، في قراءة من ضم نون "تكون"2، و: حسبت أن لا قام زيد، ومثال "لن": "{أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}" [البلد: 5] ومثال "لم"، "{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد: 7]، أو "لو" نحو:" {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} [الجن: 16] "{أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ}" [الأعراف: 100]، وهو كثير.
والحاصل أن الفعل إما مثبت أو منفي، وكل منهما إما ماض، أو مضارع فالمثبت إن كان ماضيًا ففاصله "قد"، وإن كان مضارعًا ففاصله حرف التنفيس، والمنفي إن كان ماضيًا ففاصله "لا" فقط، وإن كان مضارعًا ففاصله "لن" أو "لم" أو "لا"، وأما "لو"
__________
1 هي قراءة نافع كما في شرح ابن الناظم ص130، وانظر الإتحاف ص322، والنشر 2/ 330، وهي من شواهد شرح المفصل 6/ 104، وشرح ابن عقيل 1/ 386.
2 قرأها بالرفع: أبو عمرو والكسائي وحمزة ويعقوب والأعمش، انظر الإتحاف ص202، والنشر 2/ 255.(1/331)
فإنها في الامتناع شبيهة بالنافي فتدخل على الماضي والمضارع كما مثلنا، "ويندر تركه"، أي: الفصل بواحد منها، "كقوله": [من الخفيف].
255- "علموا أن يؤملون فجادوا"..... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
والقياس: عملوا أن سيؤملون، وسؤل: بمعنى مسئول كقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ [يَا مُوسَى} [طه: 36] أي: قد أوتيت مسئولك]1، "ولم يذكر "لو" في الفواصل إلا قليل من النحويين"، هذا شرح قول الناظم:
193- وإن تخفف أن فاسمها استكن...... والخبر اجعل جملة من بعد أن
194- وإن يكن فعلًا ولم يكن دعا..... ولم يكن تصريفه ممتنعا
195- فالأحسن الفصل بقد أو..... نفي أو تنفيس أو لو وقيل ذكر لو
"وقول ابن الناظم: إن الفصل بها"، أي: بـ"لو" "قليل، وهم" بفتح الهاء، أي: غلط "منه على أبيه" كأن الموضح وقع له النسخة التي فيها: وربما فصلت بـ"لو" فاعترض عليها؛ وإلا فالذي قاله ابن الناظم في غالب النسخ ما نصه2: وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين "أن" المخففة وبين الفعل بـ"لو" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
195- ................ ........... وقليل ذكر لو
انتهى، وهو مساو لنص الموضح، فلينظر.
__________
255- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 373، وتخليص الشواهد ص383، والجنى الداني ص219، والدرر 1/ 302، وشرح ابن عقيل 1/ 388، وشرح ابن الناظم ص131، وشرح قطر الندى ص155، والمقاصد النحوية 2/ 294، وهمع الهوامع 1/ 143.
1 ما بينهما إضافة من "ط".
2 شرح ابن الناظم ص131.(1/332)
فصل6
"فصل":
"وتخفف "كأن" فيبقى أيضًا إعمالها" استصحابًا للأصل، "لكن يجوز ثبوت اسمها وإفراد خبرها" وإلى ثبوت اسمها وحذفه أشار الناظم بقوله:
196- وخففت كأن أيضًا فنوي .....منصوبها وثابتًا أيضًا روي
"كقوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
256- "كأن وريديه رشاء خلب"
فـ "وريديه" وهما عرقان في الرقبة اسم "كأن"، و"رشاء" بكسر الراء والمد: خبرها، وهو مفرد لا مثنى، وصحح الصغاني أنه مثنى بالغين المعجمة، والرشاء: الحبل، والخلب: بضم الخاء المعجمة: الليف، قاله أبو إسحاق، وقال غيره الخلب: البئر البعيدة القعر.
"وقوله" وهو باغث، بالموحدة فالمعجمة فالمثلثة، ابن صريم، بالتصغير اليشكري، قاله النحاس1، وقال السيرافي2: هو أرقم بن علباء، وقال صاحب المنقد هو علباء بن أرقم اليشكري يذكر امرأته ويمدحها: [من الطويل]
257- ويومًا توافينا بوجه مقسم ".....كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم"
__________
256- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص169، والمقاصد النحوية 2/ 299، وبلا نسبة في لسان العرب 1/ 365، "خلب"، 13/ 32 "أنن"، والإنصاف 1/ 198، وأوضح لمسالك 1/
375، وتخليص الشواهد ص390، والجنى الداني ص575، وخزانة الأدب 10/ 391، 393، 395، 396، 397، 400، 412، ورصف المباني 211، وشرح أبيات سيبويه 2/ 75، وشرح المفصل 8/ 83، والكتاب 3/ 164، 165، والمقرب 1/ 110، وتاج العروس 2/ 380 "خلب".
1 خزانة الأدب 10/ 413.
2 شرح أبيات سيبويه 1/ 525.
257- البيت لعباء بن أرقم في الأصمعيات ص157، والدرر 1/ 304، والمقاصد النحوية 4/ 384، ولأرقم بن علباء في شرح أبيات سيبويه 1 525، ولزيد بن أرقم في الإنصاف 1/ 202، ولكعب بن أرقم في اللسان 12/ 482 "قسم" ولباغت بن صريم اليشكري في تخليص الشواهد ص390،=(1/333)
يروى بالرفع" لـ"ظبية" على أنها خبر "كأن" "على حذف الاسم، أي: كأنها" ظبية، ويروى بالنصب لظبية على أنها اسم "كأن" "على حذف الخبر، أي: كأن مكانها" ظبية، "و" يروى "بالجر" لظبية "على أن الأصل كظبية، وزيد "أن" بينهما"، أي: بين الكاف ومجرورها، وعليهن فجملة "تعطو" صفة لـ"ظبية"، والموافاة الإتيان، والمقسم بضم الميم وفتح القال والسين المهملة مع التشديد: المحسن من القسنام وهو الحسن، يقال: فلان قسيم الوجه، ومقسم الوجه، أي: حسنه، وتعطو: أي تتناول، وعداه بـ"إلى" لتضمنه معنى: تميل، والوارق: اسم فاعل من ورق الشجر: يرق، مثل: أورق، أي: صار ذا ورق، ويرى ناضر السلم، والنضرة الحسن والبهجة، والسلم بفتحتين شجر العضاه له شوك.
"وإذا حذف الاسم وكان الخبر جملة اسمية لم يحتج لفاصل" كما تقدم تعليله في "أن" المخففة "كقوله:" [من الهزج]
258- ووجه مشرق اللون ..... "كأن ثدياه حقان"
فـ "ثدياه حقان" مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر "كأن"، واسمها ضمير شأن محذوف، أي: كأنه. وهذا البيت رواه سيبويه هكذا1 ورواه غيره:
وصدر مشرق اللون ...................
__________
= وشرح المفصل 8/ 83، والكتاب 2/ 134، وله أو لعلباء بن أرقم في المقاصد النحوية 2/ 301، ولأحدهما أو لأرقم بن علباء في شرح شواهد المغني 1/ 111، ولأحدهما أو لراشد بن شهاب اليشكري، أو لابن أصرم اليشكري في خزانة الأدب 10/ 411، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 377، وجواهر الأدب ص197، والجنى الداني ص222، ورصف المباني ص117، 211، وسر صناعة الإعراب 2/ 683، وسمط اللآلي ص829، وشرح ابن الناظم ص132، وشرح الأشموني 1/ 147، وشرح عمدة الحافظ 1/ 331، 341، وشرح قطر الندى ص157، والكتاب 3/ 165، والمحتسب 1/ 308، ومغني اللبيب 1/ 33، والمقرب 1/ 111، 2/ 204، والمنصف 3/ 128، وهمه الهوامع 1/ 413.
258- البيت بلا نسبة في الإنصاف 1/ 197، وأوضح المسالك 1/ 378، وتخليص الشواهد ص389، والجنى الداني ص575، وخزانة الأدب 10/ 392، 394، 398، 399، 400، 440، والدرر 1/ 303 ، 305، وشرح ابن الناظم ص132، وشرح الأشموني 1/ 147، وشرح شذور الذهب ص285، وشرح ابن عقيل 1/ 391، وشرح قطر الندى ص158، وشرح المفصل 8/ 82، والكتاب 2/ 135، 140، ولسان العرب 13/ 30، 32 "أنن"، والمقاصد النحوية 2/ 305، والمنصف 3/ 128، وهمع الهوامع 1/ 143.
1 الكتاب 2/ 135.(1/334)
والمعنى على الأول: رب وجه يلوح لونه، وثديا صاحبه كحقين في الاستدارة.
"وإن كانت الجملة فعلية فصلت بـ"لم"" في المضارع المنفي. "أو "قد"" في الماضي المثبت، فالأول "نحو: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ}" [يونس: 24]، "و" الثاني "نحو قوله": [من الخفيف]
259- "لا يهولنك اصطلاء لظى الحر..... ب فمحذورها كأن قد ألما"
ففصل بين "كأن" و"ألما" بـ"قد" والهول: الفزع، يقال: هاله الأمر يهوله إذا أفزعه، ولظى الحرب: نارها، والاصطلاء، من اصطليت بالنار: تدفأت بها، والمحذور: من الحذر، وهو: ما يخاف منه، وألم: ماض من الإلمام، وهو النزول: ألم به أمر إذا نزل به.
"مسألة:
وتخفف "لكن" فتهمل وجوبًا" لزوال اختصاصها بالجملة الاسمية، وليباين لفظها لفظ الفعل، "نحو:" {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ "وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17]، وعن يونس والأخفش جواز الإعمال" قياسًا على "أن" ولم يسمع من العرب: ما قام زيد لكن عمرًا قائم، بنصب عمرو، وما ورد عن يونس أنه حكى فيها العمل فهي رواية لا تعرف والفرق بينها وبين "إن" زوال الاختصاص.
__________
259- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 379، وسر صناعة الإعراب ص419، 430، وشرح الأشموني 1/ 148، وشرح شذور الذهب ص286، والمقاصد النحوية 2/ 306.(1/335)
باب "لا" العاملة عمل "إن" المشددة:
وتسمى "لا"1 التبرئة دون غيرها من أحرف النفي، وحق "لا" التبرئة أن تصدق على "لا" النافية كائنة ما كانت؛ لأن كل من برأته فقد نفيت عنه شيئًا، ولكنهم خصوها بالعاملة عمل "إن" فإن التبرئة فيها أمكن منها في غيرها، لعمومها بالتنصيص، وتسمى النافية للجنس، وأفردت بباب لطول الكلام عليها.
قال أبو البقاء وإنما عملت "لا"1 عمل "إن" لمشابهتها لها من أربعة أوجه.
أحدها: أن كلا منهما يدخل على الجملة الاسمية.
الثاني: أن كلا منهما للتأكيد، فـ"لا" لتأكيد النفي، و"إن" لتأكيد الإثبات.
والثالث: أن "لا" نقيضة "إن"، والشيء يحمل على نقيضه، كما يحمل على نظيره.
والرابع: أن كلا منهما له صدر الكلام، ولكون "لا" محمولة على "إن" في العمل انحطت درجتها عن "إن" في أمور:
منها أن اسم "لا" لا يكون إلا مظهرًا، واسم "إن" يكون مظهرًا ومضمرًا.
ومنها أن اسم "لا" لا يكون إلا نكرة، واسم "إن" يكون نكرة ومعرفة.
ومنها أن "لا" لا يجوز أن يتقدم خبرها على اسمها إذا كان ظرفًا أو مجرورًا ويجوز في "إن".
ومنها أن اسم "لا" لا ينون، واسم "إن" ينون.
ومنها أن اسم "لا" المفرد مختلف في إعرابه وبنائه، واسم "إن" لا خلاف في إعرابه، ا. هـ.
__________
1 سقطت من "ب".(1/336)
ومنها أن "إن" تعمل بلا شرط، و"لا" لا تعمل إلا بشرط، "وشرطها أن تكون نافية" لا زائدة. "وأن يكون المنفي" بها "الجنس" بأسره، "وأن يكون نفيه نصا" وذلك إذا دخلت على نكرة، وأريد بها النفي العام، وقدر فيه "من" الاستغراقية؛ لأن "من" هي الموضوعة للجنس، فإذا قلت: لا رجل في الدار، وأنت تريد نفي الجنس كله لم يصح إلا بتقدير "من"، ولو لم ترد "من" لكنت نافيًا رجلًا واحدا, وجاز أن يكون في الدار اثنان فأكثر, ومن هنا قال النحويون إن "لا رجل" جواب لمن قال: هل من رجل في الدار؟، فهو سائل عن كل الجنس، قاله أبو البقاء في شرح لمع ابن جني "وأن لا يدخل عليها جار"، وهو المراد بقولهم أن لا تقع بين عامل ومعمول، "وأن يكون اسمها نكرة" لأنه على تقدير "من" كما تقدم، و"من" الاستغراقية مختصة بالنكرات، وأن تكون النكرة "متصلة بها"، خلافًا لأبي عثمان فإنه أجاز فيها أن تعمل مع فصلها، ولكنه لا يبنى، فقد جاء في السعة، لا منها بد، بالبناء مع الفصل، وليس مما يعول عليه، قاله الموضح في الحواشي، "وأن يكون خبرها نكرة" على الأصل، فجملة الشروط سبعة, أربعة راجعة إلى "لا" واثنان إلى اسمها، وواحد إلى خبرها، وستأتي محترزاتها.
وإذا اجتمعت هذه الشروط عملت "لا" عمل "إن" من نصب الاسم ورفع الخبر، "نحو: لا غلام سفر حاضر"، فـ"غلام سفر" اسمها، وهو منصوب، و"حاضر" خبرها، وهو مرفوعًا بها اتفاقًا؛ لأنها غير مركبة، وأما إذا ركبت فعن سيبويه أنها لا تعمل في الخبر، بل النكرة مع "لا" في موضع رفع بالابتداء والخبر خبر المبتدأ، مرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخول "لا"، والأصح عند الناظم أنه مرفوع بها أيضًا، وهو مذهب الأخفش والمازني والمبرد1، "فإن كانت غير نافية لم تعمل" في الأسماء شيء "وشذ إعمال" "لا" "الزائدة في قوله" وهو الفرزدق يهجو عمر بن هبيرة الفزاري: [من البسيط]
260- "لو لم تكن غطفان لا ذنوب بها إذن للام ذوو أحسابها عمرا"
فأعمل "لا" الزائدة، "وذنوب" اسمها: و"لها" خبرها، وإنما عملت مع
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 165، والمقتضب 4/ 357.
260- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 230، وخزانة الأدب 4/ 30، 32، 50، والدرر 1/ 320، والارتشاف 2/ 168، وشرح التسهيل 2/ 59، والمقاصد النحوية 2/ 322، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 3، والخصائص 2/ 36، ولسان العرب 6/ 269، "غطف"، وهمع الهوامع 1/ 147.(1/337)
الزيادة؛ لأنها أشبهت النافية لفظًا وصورة، فلوحظ فيها جانب اللفظ دون جانب المعنى، والدليل على زيادتها أن المعنى المستفاد مستفاد من "لو" لأن "لو" شرطها ممتنع، والغرض أنه منفي بـ"لم"، وامتناع النفي إثبات، فدل على إثبات الذنوب لغطفان، لا نفيها عنها، وإذا ثبتت الذنوب امتنع اللوم؛ لأن جواب "لو" إذا كان مثبتًا في نفسه يكون منفيا بعد دخول "لو"، وإنما شذ عمل الزائدة؛ لأنها غير مختصة، وشرط العمل الاختصاص، فإن قيل: "لا" النافية غير مختصة مع أنها عاملة، فالجواب ما قاله المرادي أن "لا" إذا قصد به النفي العام اختصت بالاسم فليست إذن الداخلة على الفعل "ولو كانت" "لا" لغير نفي الجنس بل "لنفي الوحدة عملت عمل "ليس""، فترفع الاسم وتنصب الخبر "نحو: لا رجل قائمًا"، فالمنفي هنا الواحد دون الجنس إذا قلت عقبه: "بل رجلان"، فيكون المنفي واحدًا، والمثبت اثنان، "وكذا" تعمل عمل "ليس" "أن أريد بها نفي الجنس لا على سبيل التنصيص" بل على سبيل الظهور، نحو: لا رجل قائمًا، ويمتنع أن يقال بعده: بل رجلان.
والحاصل أن "لا" إذا عملت عمل "ليس" احتمل نفي الواحد ونفي الجنس، وهو الظاهر؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، فإذا أردت نفي الواحد ميزته بقولك عقبه: بل رجلان، وإذا أردت نفي الجنس لم تعقبه بشيء، بل لا يجوز أن تقول بعده: بل رجلان، هذا حاصل كلام ابن عقيل1.
"وإن" وقعت2 "لا" بين عامل ومعمول كما إذا "دخل علها الخافض" فإنها لا تعمل شيئًا، "وخفض" الخافض "النكرة" لقوته؛ ولأن "لا" لا تحول بين العامل ومعموله "نحو: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء" بالجر فيهما بحرف الجر.
وعن الكوفيين أن "لا" هنا اسم بمعنى غير، وأن الخافض دخل عليها نفسها، وأن ما بعدها خفض بالإضافة، وغيرهم يراها حرفًا، ويسميها زائدة، ويعنون بذلك أنها معترضة بين شيئين مطالبين، وإن لم يصح أصل المعنى بإسقاطها، "وشذ: جئت بلا شيء, بالفتح" على الإعمال والتركيب، ووجهه أن الجار دخل بعد التركيب نحو: لا خمسة عشر، وليس حرف الجر معلقًا، بل "لا" وما ركب معها في موضع جر؛ لأنهما جريا مجرى الاسم الواحد، قاله ابن جني في كتاب القد. وقال في الخاطريات إن "لا" نصبت
__________
1 شرح ابن عقيل 1/ 393.
2 سقطت من "ب".(1/338)
"شيء"، ولا خبر لها؛ لأنها صارت فضلة نقله عن أبي علي وأقره1، "وإن كان الاسم معرفة أو منفصلًا منها أهملت" وجوبًا "ووجب عند غير المبرد وابن كيسان تكرارها" في الصورتين مع العاطف ليكون تكرارها عوضًا من مصاحبة ذي العموم2، أو لأن العرب جعلتها في جواب من سأل بالهمزة، وأم، والسؤال بهما لا بد فيه من العطف. فكذلك الجواب، "نحو: لا زيد في الدار ولا عمرو، ونحو: {لَا فِيهَا غَوْلٌ" وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]. "وإنما لم تتكرر" مع المعرفة "في قولهم: لا نولك أن تفعل، و" في "قوله": [من البسيط]
261- "أشاء ما شئت حتى لا أزال لما..... لا أنت شائية من شأننا شاني"
"للضرورة في هذا" البيت، واللام في الضرورة للتعليل متعلقة بـ"لم" تتكرر، والمعنى: وإنما لم تتكرر في "لا أنت" للضرورة، و"أشاء" مضارع شاء مسند للمتكلم، و"ما" موصول في موضع نصب على المفعولية بـ"أشاء"، وشئت بكسر التاء صلة "ما"، والعائد محذوف، "وحتى" بمعنى: إلى، و"أزال" مضارع زال، منصوب بـ"أن" مضمرة بعد حتى وجوبًا، واسم "أزال" مستتر فيه وجوبًا، وخبره "شاني" آخر البيت بنون من الشنآن، وهو: البغض، وقف عليه بحذف الألف على لغة ربيعة، و"لما" متعلق به، و"ما" موصول اسمي، و"لا" نافية، و"أنت" مبتدأ، و"شائية" من المشيئة خبره، و"من شأننا" متعلق به، والجملة صلة "ما"، والعائد محذوف، والمعنى: أن أشاء الذي شئته حتى لا أزال شانيًا للذي لا أنت شائيته من شاننا، أي: أمرنا، "ولتأول" معطوف على الضرورة "لا نولك" بلا ينبغي لك"، "ولا" إذا دخلت على الفعل لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة، "ونولك" بتفح النون وسكون الواو من التنويل والنوال وهو: العطية مبتدأ، وأن تفعل سد مسد خبره كما في الوصف مع مرفوعه قاله الخضراوي.
وقال أبو حيان: والذي أذهبت إليه أنه خبر لا فاعل؛ لأن "نولك" ليس بوصف.
وقال الموضح: لا أدري كيف يتأتى أن يقول هذا مع قوله: إن "لا نولك" مؤول بلا ينبغي لك، ولم ينزل كتاب بأن المرفوع الساد مسد الخبر لا يرفع إلا بالوصف ا. هـ.
__________
1 المسائل البصريات 2/ 906-908، والمسائل المنثورة ص85.
2 انظر الارتشاف 2/ 172، والتسهيل ص68.
261- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 7، والدرر 1/ 325، وشرح الأشموني 1/ 149، والمقاصد النحوية 2/ 325، وهمع الهوامع 1/ 148.(1/339)
وإذا قلنا بالأول فالظاهر أن المرفوع هنا نائب عن الفاعل. قال الرضي: والنول مصدر بمعنى: التناول وهو هنا بمعنى المفعول، أي: ليس متناولك هذا الفعل، أي: لا ينبغي لك أن تتناوله ا. هـ. فسقط بالتأويل في المثال ودعوى الضرورة في البيت ما احتج به المبرد1 وابن كيسان على عدم وجوب تكرار "لا" إذا دخلت على معرفة، وإلى إعمال "لا" عمل "إن" أشار الناظم بقوله:
197- عمل إن اجعل للا في نكره .....مفردة جاءتك أو مكرره
__________
1 المقتضب 4/ 359.(1/340)
فصل1
"فصل":
"وإذا كان اسمها مفردًا، أي: غير مضاف ولا شبيه به بني على الفتح إن كان مفردًا" لفظًا ومعنى أو لفظًا لا معنى. "أو جمع تكسير" لمذكر أو مؤنث، فالأول "نحو: لا رجل"، والثاني نحو: لا قوم ولا شجر. "و" الثالث نحو: "لا رجال" ولا هنود، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
199- وركب المفرد فاتحًا ........ ...................................
"و" بني "عليه" أي: على الفتح "أو على الكسر إن كان جمعًا بألف وتاء" مزيدتين، "كقوله" هو سلامة بن جندل يبكي على فراق الشباب، لا ابن مقبل، خلافًا لابن عصفور: [من البسيط]
262- "إن الشباب الذي مجد عواقبه فيه نلذ ولا لذات للشيب"
بكسر التاء وفتحها، "روى بهما" في "لذات" جمع لذة، وهو اسم "لا" و"للشيب" بفتح الشين خبرها، وفي الجمع بالألف والتاء إذا كان اسم "لا" أربعة أقوال:
أحدها: أنه يجعل في البناء كما هو في الإعراب، فكما أن فتحته في الإعراب كسرة، فكذلك في البناء قاله بان عذرة، وهو قول الأكثيرين. "و" قال أبو الفتح ابن جني "في الخصائص1" ما حاصله "أنه لا يجيز فتحه بصري إلا أبو عثمان" المازني، وعبارة الخصائص: لم يجز أصحابنا الفتح إلا شيئًا قياسه أبو عثمان، والصواب الكسر بغير تنوين، ا. هـ.
__________
262- البيت لسلامة بن جندل في ديوانه ص91، وتخليص الشواهد ص400، وخزانة الأدب 4/ 27، والدرر 1/ 319، والشعر والشعراء ص278، والمقاصد النحوية 2/ 326، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 9، وشرح شذور الذهب ص85، وشرح ابن عقيل 1/ 397، وهمع الهوامع 1/ 146.(1/341)
الثاني: كالأول إلا أنه ينون؛ لأن تنوينه كون "مسلمين"، لا كتنوين "زيد" فلا ينافي البناء، جزم به ابن مالك في سبك المنظوم، ونقله ابن الدهان عن قوم، وتابعه ابن خروف.
الثالث: أنه يفتح؛ لأن الحركة ليست له، بل لمجموع المركب، وهو "لا" والاسم، قاله المازني والفارسي1، وهو حسن في القياس، ورجحه الموضح في المغني وشرح الشواهد.
الرابع: أنه يجوز الفتح والكسر بغير تنوين، وهو الصحيح، واقتصر عليه هنا، وقال بعض المغاربة: جواز الأمرين مبني على الخلاف في اسم "لا".
فمن قال هي إعراب وحذف تنوينه للتخفيف كالزجاج، والجرمي والرماني والكوفيين كسر2، ومن قال هي بناء كجمهور البصريين فتح3، "و" بني "على الياء إن كان مثنى أو مجموعًا على حده"، أي: على حد المثنى وطريقته في إعرابه بالحروف وسلامة واحده واختتامه بنون زائدة تحذف للإضافة "كقوله: [من الطويل]
263- "تعز فلا إلفين بالعيش متعا" ولكن لوراد المنون تتابع
فـ"إلفين" بكسر الهمزة تثنية: إلف، اسم "لا" مبني على الياء، "ومتعا" بالبناء للمفعول خبرها، و"تعز" أمر من التعزية، وهي الحمل على الصبر عند المصيبة، و"المنون": الموت، و"وراده" الذين يردونه، وهو جمع وارد، "وقوله: [من الخفيف]
264- "يحشر الناس لا بنين ولا آ باء إلا وقد عنتهم شئون"
فـ"بنين" بكسر النون الأولى جمع ابن، اسم "لا" مبني على الياء، ولا آباء جمع أب، عطف على ما قبله "إلا" حرف إيجاب، وقد عنتهم بفتح العين المهملة والنون
__________
1 الارتشاف 2/ 165.
2 انظر الارتشاف 2/ 164، وشرح التسهيل 2/ 58, 59.
3 انظر الإنصاف 1/ 366.
263- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 10، وتخليص الشواهد 395، والدرر 1/ 317، وشرح ابن الناظم 134، وشرح الأشموني 1/ 145، وشرح شذور الذهب ص83، والمقاصد النحوية 2/ 333، وهمع الهوامع 1/ 146.
264- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 11، وتخليص الشواهد ص396، 1/ 318، وشرح ابن الناظم ص134، وشرح الأشموني 1/ 150، وشرح التسهيل 2/ 55، وشرح شذور الذهب ص84، والمقاصد النحوية 2/ 334، وهمع الهوامع 1/ 146.(1/342)
وسكون التاء المثناة فوق بمعنى: أهمتهم، وشئون: جمع شأن وهو الخطب فاعل "عنتهم"، والجملة في موضع رفع خبر "لا"، ولا يضر اقترانه بالواو؛ ولأن خبر الناسخ يجوز اقترانه بالواو، كقول الحماسي: [من الهزج]
265- ................. فأمسى وهو عريان
وقولهم: ما أحد إلا وله نفس أمارة1, وليست حالا خلافا للعيني2؛ لأن واو الحال لا تدخل على الماضي التالي "إلا" كما قال في الموضح في باب الحال3، وذهب المبرد4 إلى أن المثنى والمجموع على حده في باب "لا" معربان بناء على أن التثنية والجمع عارضا التضمن أو التركيب في علة البناء، ولو صح ذلك لزم الإعراب في: يا زيدان ويا زيدون ولا قائل به والقول بالبناء في اسم "لا" المفرد اختلف في علته. "قيل: وعلة البناء" فيه "تضمن معنى "من"" الاستغراقية "بدليل ظهورها في قوله:" [من الطويل]
266- فقام يذود الناس عنها بسيفه "وقال ألا لا من سبيل إلى هند"
واختار هذا القول ابن عصفور، وعلله بأن تركيب الاسم مع الحرف قليل، والبناء للتضمن كثير، واعترضه ابن الضائع بأن المتضمن لمعنى "من" هو "لا" نفسها، لا الاسم بعدها، "وقيل"، علة البناء "تركيب الاسم مع الحرف" كما في تركيب الاسمين، "كخمسة عشر"، هذا قول سيبويه والجماعة5، ويؤيده أنهم إذا فصلوا
__________
265- صدر البيت: "فلما صرح الشر"
وهو للفند الزماني "شهل بن شيبان" في أمالي القالي 1/ 260، وحماسة البحتري ص56، والحيوان 6/ 416، وخزانة الأدب 3/ 431، وسمط اللآلي ص578، 490، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص34، والمقاصد النحوية 3/ 122.
1 شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص34.
2 المقاصد النحوية 3/ 122.
3 أوضح المسالك 2/ 353.
4 المقتضب 4/ 366.
266- البيت بلا نسبة في كتاب العين 8/ 352، وأوضح المسالك 2/ 13، وتهذيب اللغة 15/ 423، وتاج العروس "ألا"، "لا" وأوضح المسالك 2/ 13، وتخليص الشواهد ص396، والجنى الداني ص292، والدرر 1/ 317، وشرح ابن الناظم ص134، وشرح الأشموني 1/ 148، ولسان العرب 15/ 434، "ألا"، 15/ 468 "لا"، ومجالس ثعلب ص176، والمقاصد النحوية 2/ 332، وهمع الهوامع 1/ 146.
5 الكتاب 2/ 474.(1/343)
أعربوا، فقالوا: لا فيها رجل ولا امرأة، وقد جاء تركيب الاسم مع الحرف المؤخر كقوله: [من الرجز]
726- أثور ما أصيدكم أم ثورين
ودليل التركيب والبناء ترك تنوينه وهو مفعول مقدم لـ"أصيد"، وأما "كم" فعلى التوسع بإسقاط اللام، والمعنى: أصيد لكم ثورًا أم ثورين.
"وأما المضاف وشبهه فمعربان" اتفاقًا، نحو: لا غلام سفر حاضر، ولا طالبًا علما ممقوت، وأما: لا أبا لك، فاللام زائدة، لتأكيد معنى الإضافة، وهي معتد بها من وجه دون وجه، وأما وجه الاعتداد فلأن اسم "لا" لا يضاف لمعرفة، فاللام مزيلة لصورة الإضافة، وأما وجه عدم الاعتداد فهو أن ما قبلها معرب بالألف، وإنما يعرب إذا كان مضافًا أو شبهه، هذا مذهب سيبويه والجمهور1، ويشكل عليه2: لا أبا لي، بالألف مع الإضافة إلى ياء المتكلم، "والمراد بشبهه" أي: شبه المضاف "ما اتصل به شيء من تمام معناه" مرفوع أو منصوب أو مجرور، "نحو: لا قبيحًا فعله محمود، ولا طالعًا جبلًا حاضر، ولا خيرًا من زيد عندنا" فـ"لا" في الجميع نافية، وما بعدها اسمها وهو منصوب بها، والمتأخر خبرها، وفعله في الأول فاعل "قبيحًا"؛ لأنه صفة مشبهة، "وجبلًا" في الثاني مفعول "طالعًا"؛ لأنه اسم فاعل، "ومن زيد" في الثالث متعلق بـ"خيرًا" لأنه اسم تفضيل، وما ذكره من نصب الشبيه بالمضاف وتنوينه هو مذهب البصريين، وأجاز البغداديون: لا طالعا جبلا، بلا تنوين أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجري مجراه في الإعراب، وعليه يتخرج الحديث: "لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت"3، قاله في المغني4.
__________
267- الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 140، والخصائص 2/ 180، ورصف المباني ص336، ولسان العرب 4/ 111 "ثور" 13/ 333 "قرن" وتهذيب اللغة 9/ 90.
1 الكتاب 2/ 287.
2 في "ط": "عليهم".
3 انظر الكلم الطيب ص37.
4 مغني اللبيب ص313.(1/344)
فصل2
"فصل":
"ولك في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، خمسة أوجه:
أحدها: فتحهما", أي: فتح ما بعد "لا" الأولى وما بعد "لا" الثانية, "وهو الأصل، نحو: {لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا ُلَّةَ} [البقرة: 254]، بفتحهما "في قراءة ابن كثير وأبي عمرو" بن العلاء1.
"والثاني: رفعهما إما بالابتداء، أو على إعمال "لا" عمل "ليس"، كالآية" المتقدمة "في قراءة الباقين من سبعة، وقوله" وهو عبيد الراعي بن حصين: [من البسيط]
268-
وما هجرتك حتى قلت معلنة "لا ناقة لي في هذا ولا جمل"
برفع "ناقة" و"جمل"، والمعنى: وما تركتك حتى تبرأت مني وقلت صريحًا: لا ناقة لي ولا جمل، وهو مثل، ضربه لبراءتهما منه2.
و"الثالث: فتح الأول، ورفع الثاني، كقوله:" [من الكامل]
269-
هذا لعمركم الصغار بعينه "لا أم لي إن كان ذاك ولا أب"
__________
1 الرسم المصحفي: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ}، بالرفع. وقرأها بالنصب: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محصين والحسن واليزيدي، انظر الإتحاف ص135، والنشر 2/ 211.
268- البيت للراعي النميري في ديوانه ص198، وتخليص الشواهد ص405، وشرح المفصل 2/ 111، 113، والكتاب 2/ 295، ولسان العرب 15/ 254 "لقا"، ومجالس ثعلب ص35، والمقاصد النحوية 2/ 336، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 15، وشرح الأشموني 1/ 152، واللمع ص128.
2 المثل في المستقصى 2/ 267، وفصل المقال ص388، ويروى: "لا ناقتي في هذا ولا جملي"
في مجمع الأمثال 2/ 220، وكتاب الأمثال لابن سلام ص275، وجمهور الأمثال 2/ 391.
269- البيت لضمرة بن جابر في خزانة الأدب 2/ 38، 40، وهو لرجل من مذحج أو لضمرة بن ضمرة، أو لهمام أخي جساس ابني مرة في تخليص الشواهد ص405، وهو لرجل من بني عبد مناة في الدرر 2/ 476، وهو لهني بن أحمر أو لزرافة الباهلي في لسان العرب 6/ 61 "حيس"، وتاج العروس 15/ 569 "حيس"، وهو لابن أحمر في المؤتلف والمختلف 38، والمقاصد النحوية 2/ 339، ولرجل=(1/345)
واختلف في قائله: فنسبه سيبويه في الكتاب1 إلى رجل من بني مذحج، ونسبه أبو رياش إلى همام بن مرة، ونسبه ابن الأعرابي إلى رجل من بني عبد مناة، ونسبه الحاتمي إلى ابن الأحمر، ونسبه الأصفهاني إلى ضمرة.
والصغار بفتح الصاد: الذل، و"بعينه" توكيد له، والباء زائدة "وقوله" وهو جرير يهجو نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وهو أبو قبيلة من قيس: [من الطويل]
270- بأي بلاء يا نمير بن عامر..... "وأنتم ذنابي لا يدين ولا صدر"
بأي متعلق بمحذوف، والتقدير: بأي بلاء تفتخرون، وذنابي: بضم الذال المعجمة وتخفيف النون، وبعد الألف باء موحدة مفتوحة، أي: أتباع، وجملة "لا يدين" و"لا صدر" تفسير للذنابي، والمعنى: لستم برءوس بل أتباع لا يدين ولا صدر.
"الرابع: عكس الثالث"، وهو رفع الأول، وفتح الثاني، "كقوله" وهو أمية بن أبي الصلت في أحوال الجنة: [من الوافر]
271- "فلا لغو ولا تأثيم فيها"..... وما فاهوا به أبدًا مقيم
واللغو: الباطل، والتأثيم: من أثمته، إذا قلت له أثمت، وفاهوا تلفظوا، والمعنى: ليس في الجنة قول باطل ولا تأثيم أحد، وما تلفظوا به من طلب شهوة حاصل مقيم على التأبيد.
__________
= من مذحج أو لهمام أخي حسان بن مرة أو لضمر بن ضمرة أو لابن أحمر في شرح شواهد المغني 921، ولهمام بن مرة في الحماسة الشجرية 1/ 256، ولعامر بن جوين الطائي أو منقذ بن مرة الكناني في حماسة البحتري 78، ولرجل من بني عبد مناة بن كنانة في سمط اللآلي 288، ولعمرو بن طيئ في معجم البلدان 1/ 98 "أجأ"، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص136، وشرح المفصل 2/ 110، 292، وجواهر الأدب ص241، 245، والأشباه والنظائر 4/ 162، وأمالي ابن الحاجب ص593، 847، وأوضح المسالك 2/ 16، ورصف المباني ص276، وشرح الأشموني 1/ 151، وكتاب اللامات ص106، واللمع في العربية ص129، ومغني اللبيب ص593، والمقتضب 4/ 371.
1 الكتاب 2/ 292.
270- البيت لجرير في ديوانه 1/ 179، والمقاصد النحوية 2/ 343، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 17.
271- البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص54، وتخليص الشواهد 406، 411، والدرر 2/ 478، واللسان "12/ 6 "أثم"، والمقاصد النحوية 2/ 346، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 165، وأوضح المسالك 2/ 19، وجواهر الأدب ص93، 245، وخزانة الأدب 4/ 494، وسر صناعة الإعراب 1/ 415، وشرح ابن الناظم ص136، وشرح الأشموني 1/ 152، وشرح شذور الذهب ص88، وشرح ابن عقيل 1/ 403، ولسان العرب 13/ 526، "فوه" واللمع ص129، وهمع الهوامع 2/ 144.(1/346)
"الخامس: فتح الأول ونصب الثاني: كقوله" وهو أنس بن العباس السلمي جد العباس بن مرداس، وقيل: أبو عامر جد العباس: [من السريع]
272- "لا نسب اليوم ولا خلة" اتسع الخرق على الراقع
وهذه الأوجه الخمسة الجارية في نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله مستفادة من قول الناظم:
199- وركب المفرد فاتحًا كلا..... حول ولا قوة والثاني اجعلا
200- مرفوعًا أو منصوبًا أو مركبا.... وإن رفعت أولًا لا تنصبا
ولكل منها توجيه يخصه، أما فتحهما فوجهه أن تجعل "لا" فيهما مركبة مع اسمها كما لو انفردت.
فعلى مذهب سيبويه1 يجوز أن يقدر بعدهما خبرًا لهما معًا، أي: لا حول ولا قوة لنا، أي: موجودان لنا؛ لأن مذهبه أن "لا" المفتوح اسمها لا تعمل في الخبر فهما في موضع رفع "ولا قوة" مبتدأ معطوف على مبتدأ، والمقدر مرفوع بأنه خبر عنهما جميعًا، فيكون الكلام جملة واحدة، نحو: زيد وعمرو قائمان، ويجوز أيضًا عنده أن يقدر لكل واحدة منهما خبر، أي: لا حول موجود لنا، ولا قوة موجودة لنا، فيكون الكلام جملتين.
وعلى مذهب غير سيبويه القائل بأن "لا" المفتوح اسمها عاملة في الخبر، كما عملت فيه "لا" الناصبة اسمها، فيجوز أيضًا أن يقدر لهما معًا خبر واحد، وذلك الخبر يكون مرفوعًا بـ"لا" الأولى والثانية، وإن كانت عاملتين إلا أنهما متماثلان فيجوز أن يعملا في اسم واحد عملًا واحدًا، كما في: إن زيدًا وإن عمرًا قائمان؛ لأنهما شيء واحد، ويجوز أيضًا عند هؤلاء أن يقدر لكل منهما خبر على حياله، وأما رفعهما فوجهه أن تجعل
__________
272- البيت لأنس بن العباس بن مرداس في تخليص الشواهد ص405، والدرر 2/ 476، 2/ 573، وشرح شواهد المغني 2/ 601، والكتاب 2/ 285، 309، ولسان العرب 5/ 511 "قمر" 10/ 238، "عتق"، والمقاصد النحوية 2/ 351، وله أو لسلامان بن قضاعة في شرح أبيات سيبويه 1/ 583، 587، ولأبي عامر جد العباس بن مرداس في ذيل سمط اللآلي 37، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 172، وأمالي ابن الحاجب 1/ 421، وأوضح المسالك 2/ 20، وشرح ابن الناظم ص135، وشرح الأشموني 1/ 151، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص75، 967، وشرح شذور الذهب ص87، وشرح ابن عقيل 1/ 400، وشرح المفصل 2/ 101، 135، 9/ 138، واللمع في العربية ص128، ومغني اللبيب 1/ 226، وهمع الهوامع 2/ 144، 211.
1 الكتاب 2/ 284، 285.(1/347)
"لا" الأولى ملغاة لتكرارها، فما بعدها مرفوع بالابتداء، أو عاملة عمل "ليس"، فيكون ما بعدها مرفوعًا بها, وعلى الوجهين فـ"لنا" خبر عن الاسمين إن قدرت "لا" الثانية تكرار للأولى وما بعدها معطوف فإن قدرت الأولى مهملة، والثانية عاملة عمل "ليس" أو بالعكس، فـ"لنا" خبر عن إحداهما، وخبر الأخرى محذوف، كما في: زيد وعمرو قائم، ولا يكون خبرًا عنهما لئلا يلزم محذوران: أحدهما: كون الواحد مرفوعًا منصوبًا. والثاني: توارد عاملين على معمول واحد، قاله في المغني1 في مسألة: لا رجل ولا امرأة، برفعهما، وأما فتح الأول ورفع الثاني، فوجهه أن "لا" الأولى عاملة عمل "إن" ولا الثانية زائدة، وما بعدها معطوف على محل "لا" الأولى مع اسمها، فعند سيبويه2 يجوز أن يقدر لهما معًا خبر واحد؛ لأنه خبر مبتدأ، وما عطف عليه، وعند غيره لا بد لكل واحد من خبر لئلا تجتمع "لا" والابتداء في رفع الخبر الواحد، ويجوز أن نجعل "لا" الثانية غير زائدة، وهي ملغاة، أو عاملة عمل "ليس".
وأما رفع الأول وفتح الثاني فوجهه أن "لا" الأولى ملغاة. أو عاملة عمل "ليس" و"لا" الثانية عاملة عمل "إن"، وتقدير الخبر في هذا الوجه كالوجه الذي قبله، سواء على المذهبين.
وأما فتح الأول ونصب الثاني فوجهه أن "لا" الأولى عاملة عمل "إن"، و"لا" الثانية زائدة، وما بعدها منصوب منون، "وهو أضعفها"؛ لأن نصب الاسم مع وجود "لا" ضعيف والقياس فتحه بلا تنوين، "حتى" قال ابن الدهان في الغرة: "خصه يونس وجماعة" من النحويين "بالضرورة، كتنوين المنادى" المفرد المعرفة3، وجعله الزمخشري منصوبًا على إضمار فعل أي: ولا أرى قوة4، "وهو عند غيرهم على تقدير "لا" زائدة مؤكدة، وأن الاسم" بعدها "منتصب بالعطف" على محل اسم "لا" الأولى عند ابن مالك5، وعند غيره على لفظ اسم "لا" لأنه لما اطرد في "لا" بناء اسمها معها على الفتح نزلت منزلة العامل المحدث للفتحة الإعرابية، وأما الخبر فلا يجوز عند سيبويه6 أن يقدر لهما خبر واحد بعدهما؛ لأن خبر ما بعد "لا" الأولى مرفوع بما كان مرفوعًا، قبل دخول "لا" عنده، وخبر ما بعد "لا" الثانية مرفوع بـ"لا" الأولى؛ لأن الناصب لاسمها عاملة في الخبر عنده، كما يقول غيره، فيلزم ارتفاع الخبر بعاملين
__________
1 مغني اللبيب 1/ 242.
2 الكتاب 2/ 285، 286.
3 الارتشاف 2/ 173.
4 المفصل ص75.
5 شرح التسهيل 2/ 68.
6 الكتاب 2/ 285.(1/348)
مختلفين، وهو لا يجوز، فيجب أن يقدر لكل منهم خبر [على حياله وعند غيره يقدر لهما خبر واحد؛ لأن العامل عندهم "لا" وحدها، ويجوز أن يقدر لكل خبر]1.
وهذه الأوجه الخمسة مأخوذة من اثني عشر وجهًا، وذلك لأن ما بعد "لا" الأولى يجوز فيه البناء على الفتح والرفع على الإلغاء، والرفع على إعمالها عمل "ليس"، فهذه ثلاثة، وما بعد "لا" الثانية يجوز فيه ذلك، ووجه رابع وهو النصب، وإذا ضربت هذه الأربعة في الثلاثة الأول بلغت اثني عشر وجها، وكلها جائزة إلا اثنين، وهما رفع الأول على الإلغاء أو على الإعمال عمل "ليس"، ونصب الثاني، وأنهاها ابن الفخار في شرح الجمل إلى مائة وأحد وثلاثين وجهًا، هذا إذا عطفت وكررت "لا"، "فإن عطفت ولم تكرر "لا" وجب فتح الأول" على إعمال "لا" عمل "إن"، وجاز في الثاني النصب" عطفًا على محل الأول، "والرفع" عطفًا على محل "لا" مع اسمها, وامتنع الفتح لعدم ذكر "لا" "كقوله"، وهو رجل من بني عبد مناة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك: [من الطويل]
273- "فلا أب وابنًا مروان وابنه" إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
يروى "وابنًا" بالنصب، "ويجوز "وابن" بالرفع"، ولا يجوز "وابن" بالفتح، "وأما حكاية الأخفش": لا رجل وامرأة، بالفتح، بلا تنوين "فشاذة"2، والأصل: ولا امرأة فحذفت "لا" وبقي البناء بحاله على نية "لا"، كما قالوا: ولا بيضاء شحمة3، على نية "كل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
203- والعطف إن لم تتكرر لا احكما له بما للنعت ذي الفصل انتمى
__________
1 سقطت ما بين المعقوفين من الأصل، وتم استدراكه من "ب"، "ط".
273- البيت لرجل من عبد مناة بن كنانة في تخليص الشواهد ص413، 414، وخزانة الأدب 4/ 67، 86، وشرح شواهد الإيضاح ص207، والمقاصد النحوية 2/ 355، وله أو للفرزدق في الدرر 2/ 474، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 419، 2/ 593، 847، وأوضح المسالك 2/ 22، وجواهر الأدب ص241، وشرح ابن الناظم ص138، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح قطر الندى ص168، وشرح المفصل 2/ 101، 110، والكتاب 2/ 285، واللامات ص105، واللمع 130، والمقتضب 4/ 372، وهمع الهوامع 2/ 143.
2 شرح ابن الناظم ص138، وشرح التسهيل 2/ 68.
3 في الكتاب 1/ 65: "ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة، وإن شئت نصبت "شحمة" و"بيضاء": في موضع جر، كأنك أظهرت "كل" فقلت: "ولا كل بيضاء"، ومن الأمثال قولهم: "ما كل سوداء تمرة ولا كل بيضاء شحمة" والمثل في الفاخر ص195، وجمهرة الأمثال 2/ 226، 287، والمستقصى 2/ 328، ومجمع الأمثال 2/ 281.(1/349)
فصل3
"فصل":
"وإذا وصفت النكرة المبنية بمفرد" متعلق بوصفت "متصل" نعت مفرد جاز في الوصف المفرد "فتحه على أنه ركب معها" أي: مع النكرة "قبل مجيء "لا"" وصار الوصف والموصوف كالشيء الواحد، ثم دخل عليهما "لا" "مثل": لا "خمسة عشر" عندنا، وقيل: علة النباء كون الوصف ما تمام اسم "لا" واسم "لا" وجب له البناء لتضمنه معنى "من" فصارا كأنهما معًا تضمنا معنى "من" وقيل: إنه أجري على لفظ الموصوف؛ لأنه أشبه المعرب، وقيل: فتحته فتحة إعراب، وحذف تنوينه للمشاكلة.
وجاز نصبه مراعاة لمحل النكرة الموصوفة؛ لأنها في محل نصب "بلا"، وقال الشاطبي: النصب بالحمل على لفظ النكرة، وإن كان مبنيا؛ لأن حركة البناء هناء شبيهة بحركة الإعراب بل الإعراب أصلها ا.هـ.
"و" جاز "رفعه مراعاة لمحلها مع "لا"" لأنهما في محل رفع بالابتداء لصيرورتها بالتركيب كشيء واحد، فحكموا على محلهما بالرفع، وجعلوا النعت للمجموع كما عكسوا في النعت المقرون بـ"لا"، نحو: مررت برجل لا ظريف ولا كريم. قال الرضي1: جعل حرف النفي مع الاسم الذي بعده صفة لـ"رجل" ا. هـ.
"نحو: لا رجل ظريف فيها" هذا من أمثلة الخليل, فيجوز فيه: لا رجل ظريف, بفتح "ظريف"، ولا رجل ظريفًا، بنصبه، ولا رجل ظريف، برفعه ومثله: "لا رجلين ظريفين، وظريفان، و
لا رجال ظريقين, وظريفون، يستوي فيهما لفظ المفتوح والمنصوب ولا هندات ظريفات؛ لأن اسم "لا" في ذلك كله مبني، ولا فرق في النعت بين المشتق، كما مر، والجامد المنعوت بمشتق، "ومنه2 ألا ماء ماء باردًا عندنا" فيجوز في "ماء" الثاني الفتح على أنه مركب مع الأول، والنصب والرفع على ما مر، وضعف الكمال الأنصاري
__________
1 شرح الرضي 1/ 291.
2 الكتاب 2/ 289.(1/350)
في شرح المفصل كون "ماء" الثاني صفة "لماء" الأول، وقال: كيف يوصف الشيء بنفسه مع أنه جامد، وإنما هو من قبيل التوكيد اللفظي، أو البدل، ا .هـ. وجوابه أنه لا بعد في جعله صفة؛ لأنه لما وصف بـ"باردًا" صار مغايرًا للأول تغاير المطلق والمقيد، "ولأنه يوصف بالاسم" الجامد "إذا وصف" كـ: مررت برجل رجل عاقل، "والقول بأنه توكيد" لفظي أو بدل "خطأ"؛ لأن "الماء" الثاني لما وصف وتقيد بقيد خرج عن كونه مرادفًا للأول، فلا يصح كونه توكيدًا له، ولا بد منه لعدم مساواته للأول، وإن جعلنا "باردًا" نعتًا "لماء" الأول، "وماء" الثاني بدلًا من الأول لزم مع ذلك تقديم البدل على النعت وهو ممتنع.
وقال أبو حيان1: وتكرير النكرة هنا توطئة للنعت كما جاءت توطئة للحال في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4، 5] واعترضه الموضح في الحواشي بأنه إنما جيء بالجامد توطئة للحال ليجرى على منعوته إذا كان ذلك حق المشتقات [ومن ثم قال ابن عصفور وغيره في: جاء زيد ضاحكًا، كما أنه على حذف الموصوف]2، وهنا لو لم يذكر
التابع لجرى قولك: "باردًا" نعتًا على "ماء" الأول، فما فائدة هذه التوطئة ا. هـ.
قلت: هذا كلام مخالف لقول سيبويه لا بد من تنوين "بارد" لأنه وصف ثان، "فإن فقد الإفراد" في النعت "نحو: لا رجل قبيحًا فعله عندنا، أو" فقد الإفراد في المنعوت، نحو: "لا غلام سفر ظريفًا عندنا، أو" فقد "الاتصال" بأن كان بين النعت والمنعوت فاصل، "نحو: لا رجل في الدار ظريف، أو: لا ماء عندنا ماء باردًا امتنع الفتح" فيهن؛ لأنه يستدعي التركيب وهم لا يركبون ما زاد على كلمتين "وجاز الرفع" بالنظر إلى المحل، "والنصب" بالنظر إلى لفظ المنعوت إن كان معربًا، وإلى محله إن كان مبنيا.
قال ابن خروف: الحمل على الموضع في هذا الباب حسن في المعرب والمبني؛ لأن الموضع للابتداء ا. هـ. وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
201- ومفردًا نعتا لمبني يلي فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل
202- وغير ما يلي وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد
__________
1 الارتشاف 2/ 175.
2 إضافة من "ط".(1/351)
"كما" تقدم "في المعطوف بدون تكرار: لا" فشبه النعت المفصول في جواز الرفع والنصب بالمعطوف بدون تكرار "لا" والناظم عكس ذلك، فشبه المعطوف بدون تكرار "لا" بالنعت المفصول فقال:
203- والعطف إن لم تتكرر لا احكما له بما للنعت ذي الفصل انتمى
وصنيع الموضح أقعد من جهة التقسيم وأنسب لقوله: "وكما في البدل الصالح لعمل "لا"" وهو المنكر "فالعطف" بدون تكرار "لا" "نحو: لا رجل وامرأة فيها" بنصب امرأة ورفعها، "والبدل" الصالح لعمل "لا" "نحو: لا أحد رجل وامرأة فيها"، بنصب "رجل وامرأة" ورفعهما، ولا يجوز الفتح في المعطوف والبدل لوجود الفاصل في العطف بحرفه، وفي البدل بعامله؛ لأن البدل على نية تكرار العامل "فإن لم يصلح" البدل "له" أي: لعمل "لا" بأن كان معرفة، "فالرفع" واجب بالنظر إلى محل "لا" مع اسمها ويمتنع النصب بالنظر إلى محل اسم "لا"؛ لأنها لا تعمل في معرفة، "نحو: لا أحد زيد وعمرو فيها" فـ"زيد وعمرو" بدل تفصيل من "أحد"، و"كذا" يجب الرفع مع تكرار "لا" "في المعطوف الذي لا يصلح لعمل "لا"، نحو: لا امرأة فيها ولا زيد" لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة.
قال أبو حيان1: ومن قال: رب شاة وسخلتها، قال، لا غلام ولا العباس ولا رجل عندنا ولا أخاه، قاله صاحب البسيط، ووجهه أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل، وسكت الموضح عن البيان والتوكيد المعنوي بناءًا على أنهما لا يتبعان نكرة، وسيأتي الخلاف فيهما.
__________
1 الارتشاف 2/ 175.(1/352)
فصل4
"فصل":
"وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا"" النافية للجنس "لم يتغير الحكم"، بل يكون حكمها مع الهمزة كحكمها بدونها من عمل في اللفظ1، نحو: ألا غلام سفر حاضر، بنصب "غلام" لا غير، ومن تركيب نحو: ألا رجل في الدار بفتح "رجل" لا غير، وتكرار نحو: ألا رجوع وألا حباء، بالأوجه الخمسة، "ثم تارة يكون الحرفان باقيين على معنييهما" من الاستفهام والنفي، وذلك إذا كان الاستفهام عن النفي، "كقوله"، وهو قيس بن الملوح على ما قيل: [من البسيط]
274- "ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد" إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي
والمعنى: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت، هل عدم الاصطبار ثابت لسلمى أم لها تجلد، وكنى عن الموت بما ذكر تسلية لها، وأدخل "إذا" الظرفية على المضارع بدل الماضي وهو نادر وبقاء الحرفين على معنييهما "قليل، حتى توهم" أبو علي "الشلوبين أنه غير واقع" في كلام العرب2، ورد على الجزولي إجازته إياه3، وألحق وقوعه في كلامهم على قلة، كقولهم في المثل: أفلا قماص بالعير4،
__________
1 انظر الكتاب 2/ 306، والمسائل المنثورة ص105.
274- البيت لقيس بن الملوح في ديوانه ص178، وجواهر الأدب 245، والدرر 1/ 322، وشرح شواهد المغني 1/ 42، 213، والمقاصد النحوية 2/ 358، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 176، وأوضح المسالك 2/ 24، وتخليص الشواهد ص415، والجنى الداني ص384، وخزانة الأدب 4/ 70، وشرح ابن الناظم ص139، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح ابن عقيل 1/ 410، وشرح عمدة الحافظ ص320، 384، ومغني اللبيب 1/ 15، وهمع الهوامع 1/ 147، وتاج العروس "ألا".
2 الارتشاف 2/ 176.
3 الجزولية ص219.
4 من شواهد الكتاب 2/ 306، ويروى: "ما بالعير من قماص" في مجمع الأمثال 2/ 268، وجمهرة الأمثال 2/ 237، والمستقصى 2/ 317.(1/353)
والقماص بكسر القاف وبالصاد المهملة، والعير بفتح العين المهملة: الحمار، والشلوبين لفظ أعجمي ينطق بالحرف الذي بعد واوه بين الباء الموحدة والفاء ولامه مضمومة وقد تفتح، قاله الدماميني. "وتارة يراد بهما" أي: بالهمزة و"لا" "التوبيخ" والإنكار، "كقوله": [من البسيط]
275- "ألا ارعواء لمن ولت شبيته" وآذنت بمشيت بعده هرم
فـ"ألا" حرف توبيخ، و"ارعواء" مصدر ارعوى، أي: انكف عن الشيء، يستعمل كثيرًا في ترك ما يستهجن، يقال: ارعوى فلان عن القبيح، أي: انكف عنه، و"ولت": أدبرت وذهبت و"الشبيبة": الشباب قال في المطول1: والشباب في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة، أي: قوية مشتعلة ا. هـ.
وهو مأخوذ من كلام الأطباء، و"آذنت" أعلمت، والمشيب والشيب واحد.
وقال الأصمعي: المشيب دخول الرجل في حد الشيب من الرجال. والشيب بغير ميم: بياض الشعر، والهرم: كبر السن. "و" كون الحرفين يراد بهما التوبيخ "هو الغالب" في الاستعمال، واعترضه الدماميني فقال: اعلم أن المفيد للإنكار التوبيخي هو الهمزة وحدها لا مجموع "ألا" والنفي المفاد بـ"لا" باق على حاله، ففي البيت عدم الارعواء أمر ثابت، والتوبيخ تسلط2 على ذلك، وحينئذ لهما حرفان، كل منهما يفيد ما اختص به. وأجاب الشمني3 بأن المراد أن الهمزة تفيد الإنكار التوبيخي، وكلمة "لا" تفيد النفي فمجموع "ألا" يفيد الإنكار التوبيخي على النفي. "وتارة يراد بهما التمني، كقوله": [من الطويل]
276- "ألا عمر ولى مستطاع رجوعه" فيرأب ما أثأت يد الغفلات
__________
275- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 177، وأوضح المسالك 2/ 25، وتخليص الشواهد ص414، والدرر 1/ 324/ وشرح ابن الناظم ص139، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح التسهيل 2/ 70، وشرح شواهد المغني 1/ 212، وشرح ابن عقيل 1/ 409، وشرح عمدة الحافظ ص319، ومغني اللبيب 1/ 68، والمقاصد النحوية 2/ 360، وهمع الهوامع 1/ 147.
1 المطول "شرح التلخيص" 1/ 250.
2 في "ط": "مسلط".
3 حاشية الصبان 2/ 16.
276- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 26، وتخليص الشواهد ص415، والجنى الداني ص384، وخزانة الأدب 4/ 70، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح شواهد المغني ص800، وشرح ابن عقيل 1/ 411، وشرح عمدة الحافظ ص318، ومغني اللبيب ص69، 381، والمقاصد النحوية 2/ 361.(1/354)
والعمر: المدة، ويرأب: بفتح الياء المثناة تحت وسكون الراء وفي آخره باء موحدة قبلها همزة بمعنى: يصلح، منصوب في جواب التمني، وفاعله ضمير العمر، وأثأت: بمثلثة بعد الهمزة الأولى: أي: أفسدت، ويد الغفلات فيه استعارة بالكناية، واستعارة تخييلية، استعار للغفلات يدا تشبيها بمن يكسب أشياء بيده. "وهو" أي كون الحرفين يراد بهما التمني "كثير"، واختلف في "ألا" هذه في رفعها الخبر ومراعاة محلها مع اسمها وإلغائها، "و" المعتمد "عند سيبويه1 والخليل أن "ألا" هذه" ملاحظ فيها معنى الفعل والحرف، فهي "بمنزلة: أتمنى، فلا خبر لها" كما أن أتمنى لا خبر له، "وبمنزلة: "ليت" فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها ولا إلغائها إذا تكررت" كما أن "ليت" كذلك؛ لأن "ليت" تركب مع اسمها، ولا تكرر فتلغى، فلا تعمل "ألا" عندهما إلا في الاسم خاصة فينبني إن كان مفردا، ويعرب نصبًا إن كان مضافًا أو شبهه، "وخالفهما المازني2 والمبرد3" فجعلاها كالمجردة من همزة الاستفهام، فلها عندهما مركبة ما لها مجردة من تركيب ونصب وخبر وإلغاء وإتباع للفظ اسمها أو محله، واستدلا بالبيت السابق ووجه الدلالة منه أن "مستطاع" إما خبر لـ"ألا"، وإما صفة لاسمها مراعاة لمحلها مع اسمها لا لمحل اسمها فقط، وإلا نصب، وعليهما فـ"رجوعه" مرفوف بـ"مستطاع" على النيابة عن الفاعل، فاللازم أحد الأمرين، إما ثبوت الخبر، أو مراعاة لمحلها مع اسمها، وأيا ما كان فهو المدعى، "و" رد بأنه "لا دليل لهما في البيت"، أي: الذي استدلا به، "إذ لا يتعين كون "مستطاعًا" خبرًا" لـ"ألا"، "أو صفة" لاسمها، "و "رجوعه" فاعلًا" على حذف مضاف، أي: نائب فاعل لـ"مستطاع" "بل يجوز كان "مستطاع" خبرًا مقدمًا، "و "رجوعه" مبتدأ مؤخرًا، والجملة" من المبتدأ والخبر "صفة ثانية" لـ"عمر" وصفته الأولى جملة "ولى"، وإذا طرقه هذا الاحتمال سقط منه الاستدلال.
ولما فرغ من الكلام على "ألا" المركبة اتفاقًا، وهي المشار إليها في النظم بقوله:
204- وأعط لا مع همزة استفهام ما تستحق دون الاستفهام
شرع في "ألا" البسيطة على الأصح تكملة للأقسام فغير الأسلوب وقال: "وترد "ألا" للتنبيه" والاستفتاح "فتدخل على الجملتين" الاسمية والفعلية، ولا تعمل شيئًا، فالاسمية "نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [يونس: 62]،
__________
1 الكتاب 2/ 308، وانظر الارتشاف 2/ 177.
2 الأصول 1/ 397، وشرح التسهيل 2/ 71.
3 المقتضب 4/ 382.(1/355)
والفعلية نحو: "{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}" [هود: 8] فـ"ألا" داخلة على "ليس" تقديرًا؛ لأن "يوم" منصوب بـ"مصروفًا " مقدم من تأخير، والأصل: ألا ليس مصروفًا عنهم يوم يأتيهم.
"و" ترد "ألا" "عرضية"، بسكون الراء "وتحضيضية"، بحاء مهملة وضادين معجمتين، "فتنختصان" بالجملة "الفعلية" الخبرية، ولا تعملان شيئا، فالعرضية "نحو: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] والتحضيضية نحو: "{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 13]، وإنما اختصا بالفعلية؛ لأنهما للطلب لأن العرض طلب بلين ورفق، والتحضيض طلب بحث وإزعاج ، ومضمون الفعلية، أمر حادث متجدد، فيتعلق الطلب به بخلاف الاسمية فإنها للثبوت وعدم الحدوث.
قال ابن الحاجب في شرح المفصل: حروف التحضيض معناها الأمر إذا وقع بعدها المضارع، والتوبيخ إذا وقع بعدها الماضي.
"مسألة:
وإذا جهل الخبر" سواء قلنا: إنه خبر "لا" أم خبر المبتدأ "وجب ذكره" للجهل به، "نحو: "لا أحد أغير من الله عز وجل"1، وإذا علم" من سياق أو غيره فحذفه كثير، نحو: {فَلَا فَوْتَ} [سبأ: 51]، أي: لهم، "{قَالُوا لَا ضَيْرَ}"، [الشعراء: 50] أي: علينا، ولو ذكر لجاز عند الحجازيين2، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
205- وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر
"و" حذف الخبر المعلوم "يلتزمه التميميون والطائيون" هذا نقل ابن مالك3، ونقل ابن خروف عن بني تميم4 أنهم لا يظهرون خبرًا مرفوعًا، ويظهرون المجرور والظرف، وهو ظاهر كلام سيبويه5، وقال أبو حيان6: وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع "إلا"، نحو: لا إله إلا الله، أي: لنا، أو في الوجود، أو نحو ذلك. قال الزمخشري في جزء لطيف على كلمة الشهادة، هكذا قالوا، والصواب أنه كلام تام، ولا
__________
1 أخرجه البخاري في النكاح برقم 4358، 4924.
2 انظر الارتشاف 2/ 166، وشرح التسهيل 2/ 56.
3 شرح التسهيل 2/ 56، وشرح الكافية الشافية 1/ 535.
4 انظر الارتشاف 2/ 167.
5 الكتاب 2/ 267.
6 الارتشاف 2/ 166، 167.(1/356)
حذف، وان الأصل: الله إله مبتدأ وخبر, كما تقول: زيد منطلق، ثم جيء بأداة الحصر، وقدم الخبر على الاسم وركب مع "لا"، كما ركب المبتدأ معها في نحو: لا رجل في الدار، ويكون "الله" مبتدأ مؤخرًا، و"إله" خبر مقدمًا، وعلى هذا تخريج نظائره، نحو: "لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي"1. نقله الموضح منه، وذلك على قول الجمهور، ومن الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وعن العام بالخاص، وذلك على قول من يجعل المرفوع خبرًا، ا. هـ.
__________
1 شرح المفصل 1/ 107.(1/357)
هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين:
هذا قول الجمهور1، وذهب السيهلي إلى أن المفعولين في باب "ظن" ليس أصلهما المبتدأ والخبر، بل هما كمفعولي "أعطى" واستدل بـ: ظننت زيدًا عمرًا، فإنه لا يقال: زيد عمرو، إلا على جهة التشبيه وأنت لم ترد ذلك مع ظننت2. وأجيب بالمنع، وأن المراد: ظننت زيدًا عمرا، فتبين خلافه.
وذهب الفراء3 إلى أن الثاني منصوب على التشبيه بالحال، مستدلًا بوقوعه جملة وظرفًا وجارا ومجرورًا. وعورض بوقوعه معرفة وضميرًا وجامدًا، وبأنه لا يتم الكلام بدونه.
"أفعال هذا الباب نوعان:
أحدهما: أفعال القلوب، وإنما قيل لها ذلك؛ لأن معانيها قائمة بالقلب وليس كل قلبي ينصب مفعولين، بل القلبي ثلاثة أقسام: ما لا يتعدى بنفسه، نحو: فكر" في كذا، "وتفكر" فيه، "وما يتعدى لواحد" بنفسه، "نحو: عرف" زيد الحق، "وفهم" المسألة، "وما يتعدى لاثنين" بنفسه، "وهو المراد هنا"، وإليه أشار الناظم بقوله:
206- انصب بفعل القلب جزأي ابتدا..... أعني رأى خال علمت وجدا
207- ظن حسبت وزعمت مع عد...... حجا درى وجعل اللذ كاعتقد
208- وهب تعلم ....... ..........................
__________
1 انظر المساعد 1/ 352.
2 انظر المساعد 1/ 352، والارتشاف 3/ 56.
3 الارتشاف 3/ 56.(1/358)
"وينقسم" هذا القسم المتعدي لاثنين "أربعة أقسام:
أحدها: ما يفيد في الخبر يقينًا، وهو أربعة: وجد وألفى وتعلم بمعنى: اعلم، ودرى، قال الله تعالى: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا}" [المزمل: 20] فالهاء المتصلة به مفعوله الأول، و"خيرًا" مفعوله الثاني، و"هو" ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وإنما ساغ مجيء "وجد" للعلم؛ لأن من وجد الشيء على حقيقته فقد علمه، وقال الله تعالى: "{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ}" [الصافات: 69]، فـ"آباءهم" مفعول أول، و"ضالين" مفعول ثان، "وقال الشاعر"، وهو زياد بن سيار: [من الطويل]
277- "تعلم شفاء النفس قهر عدوها" فبالغ بلطف في التحيل والمكر
فـ"تعلم" أمر بمعنى، اعلم، و"شفاء النفس" مفعوله الأول، و"قهر عدوها" مفعوله الثاني، "والأكثر وقوع" "تعلم" "هذا على "أن"" المشددة "وصلتها"، فتسد مسد المفعولين لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه، "كقوله" وهو زهير بن أبي سلمى، بضم السين: [من الطويل]
278- "فقلت تعلم أن للصيد غرة" وإلا تضيعها فإنك قاتله
فـ"أن" بفتح الهمزة، وتشديد النون حرف موصول، "وللصيد" خبرها مقدم، و"غرة" بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء المهملة اسمها مؤخر، و"أن" وصلتها سدت مسد مفعولي "تعلم"، و"إلا" إلى آخره جملة شرطية، والهاء في "تضيعها" عائدة على "الوصية" فيما قبله، والهاء في "قاتله" عائدة على "الصيد"، وقد تكون "تعلم" بمعنى الماضي، قال يعقوب: تقول: تعلمت أن زيدًا خارج، بمعنى: علمت، "وقال الآخر: [من الطويل]
279- دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط" فإن اغتباطًا بالوفاء حميد
__________
277- البيت لزياد بن سيار وهو تصحيف زبان بن سيار في خزانة الأدب 9/ 129، والدرر 1/ 334، وشرح شواهد المغني 2/ 923، والمقاصد النحوية 2/ 374، وبلا نسبة في
الارتشاف 3/ 13، وأوضح المسالك 2/ 31، وشرح ابن الناظم ص142، وشرح الأشموني
1/ 158، وشرح ابن عقيل 1/ 420، وشرح الكافية الشافية 2/ 456، وهمع الهوامع 1/ 149.
278- البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص134، ولسان العرب 13/ 13 "أذن" والمقاصد النحوية 2/ 374، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 32، وشرح الأشموني 1/ 158.
279- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 33، والدرر 1/ 333، وشرح ابن الناظم ص142، وشرح الأشموني 1/ 157، وشرح التسهيل 2/ 79، وشرح ابن عقيل 1/ 419، وشرح قطر الندى ص171، وشرح الكافية الشافية 2/ 545، والمقاصد النحوية 2/ 372، وهمع الهوامع 1/ 149.(1/359)
و"دريت" مبني للمفعول، والتاء مفعوله الأول في موضع رفع على النيابة عن الفاعل، و"الوفي" مفعوله الثاني، وهو صفة مشبهة، و"العهد" بالرفع على الفاعلية، وبالنصب على التشبيه بالمفعول به، وبالجر على الإضافة، "وعرو" مرخم بحذف التاء، و"فاغتبط" جواب شرط مقدر، أي: إن دريته فاغتبط من الغبطة، وهو أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، فإن أراد زوالها كان حسدًا، "والأكثر في" "درى" "هذا أن يتعد بالباء"، نحو: دريت بزيد، "فإذا دخلت عليه الهمزة تعدى لآخر بنفسه، نحو: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ}" [يونس: 16] فضمير المخاطبين مفعوله الأول، والمجرور بالباء مفعوله الثاني.
"و" القسم "الثاني: ما يفيد في الخبر رجحانًا وهو خمسة: جَعَلَ وحجا وعدّ ووهب وزعم، نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 1]، فـ"الملائكة" مفعوله الأول، و"إناثًا" مفعوله الثاني "و" نحو "قوله" وهو تميم بن مقبل، وقيل: أبو شبل الأعرابي: [من البسيط]
280- "قد كنت أحجوا أبا عمرو أخا ثقة" حتى ألمت بنا يومًا ملمات
فـ"أبا عمرو" مفعوله الأول، و"أخا ثقة" مفعوله الثاني، و"الملمات" جمع ملمة، بمعنى النازلة، فاعل "ألمت" بمعنى نزلت، "و" نحو "قوله" وهو النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه: [من الطويل]
281- "فلا تعدد المولى شريكك في الغنى" ولكنما المولى شريكك في العدم
فـ"المولى" بمعنى الصاحب، هنا مفعوله الأول، و"شريكك" مفعوله الثاني، و"العدم" بضم العين: الفقر، "و" نحو "قوله" وهو ابن همام السلولي: [من المتقارب]
__________
280- البيت لتميم بن مقبل في تخليص الشواهد ص440, والمقاصد النحوية 2/ 376، ولم أقع عليه في ديوانه، وله أو لأبي شبل الأعرابي في الدرر 1/ 328، وللأزهري في شرح ابن الناظم ص143 ، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 35، وشرح التسهيل 2/ 77، وشرح شذور الذهب ص357، وشرح ابن عقيل1/ 426، وشرح الكافية الشافية 2/ 543، ولسان العرب 2/ 315، "ضربج"، 14/ 167، "حجا"، وهمع الهوامع 1/ 148.
281- البيت للنعمان بن بشير في ديوانه ص29، وتخليص الشواهد ص431، والدرر 1/ 329، والمقاصد النحوية 2/ 377، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 36, وخزانة الأدب 3/ 57, وشرح ابن الناظم ص143, وشرح الأشموني 1/ 157، وشرح التسهيل 2/ 77، وشرح ابن عقيل 1/ 425، وشرح الكافية الشافية 2/ 545، وهمع الهوامع 1/ 148.(1/360)
282- فقلت أجرني أبا خالد "وإلا فهبني امرأ هالكا"
فياء المتكلم: مفعوله الأول، و"امرأ" مفعوله الثاني، و"هالكًا" نعت "امرأ".
والأقل في "هب" هذا وقوعه على "أن" وصلتها، كما في المسألة الحمارية في الفرائض: هب أن أبانا كان حمارًا1، "و" نحو "قوله" وهو أبو أمية الحنفي، واسمه أوسن: [من الخفيف]
283- "زعمتني شيخًا ولست بشيخ" إنما الشيخ من يدب دبيبًا
فياء المتكلم مفعوله الأول، و"شيخا" مفعوله الثاني، "ويدب دبيبًا": يدرج في المشي درجًا رويدًا، "والأكثر في" "زعم" "هذا وقوعه على "أن" بتخفيف النون، "أو: أن" بتشديدها [أي: مع فتح الهمزة فيهما]2 "وصلتهما"، وإفراد الضمير في مثل هذا أفصح من تثنيته [لأن العطف فيه بـ"أو" وهو رأي البصريين، والتثنية رأي الكوفيين]2، فالأول "نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}" [التغابن: 7]، "و" الثاني نحو "قوله" وهو كثير عزة: [من الطويل]
284- "وقد زعمت أني تغيرت بعدها" ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
و"عز" منادى مرخم.
__________
282- البيت لعبد الله بن همام السلولي في تخليص الشواهد ص442، وخزانة الأدب 9/ 36، والدرر 1/ 332، وشرح شواهد المغني 2/ 923، ولسان العرب 1/ 804، "وهب"، ومعاهد التنصيص 1/ 285، والمقاصد لنحوية 2/ 378، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 37، وشرح ابن الناظم ص144، وشرح الأشموني 1/ 248، وشرح التسهيل 2/ 78، وشرح شذور الذهب ص361، وشرح ابن عقيل 216، وشرح الكافية الشافية 2/ 456، ومغني اللبيب 2/ 594، وهمع الهوامع 1/ 149.
1 تقوم هذه المسألة على إرث زوج وأم وأخوين لأم وأخوين لأب وأم، وحكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيها بالنصف للزوج، والسدس للأم، والثلث للأخوين للأم، وترك الأخوين لأب وأم، فقالا له: هب أن أبانا كان حمارًا، فأشركنا بقرابة أمنا، ففعل. انظر الجامع لأحكام القرآن 5/ 79.
283- البيت لأبي أمية أوس الحنفي في الدرر 1/ 331، وشرح شواهد المغني ص922، والمقاصد النحوية 2/ 397، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 38، وتخليص الشواهد ص428، وشرح الأشموني 1/ 156، وشرح قطر الندى ص172، ومغني اللبيب ص594.
2 إضافة من "ط".
284- البيت لكثير عزة في ديوانه ص328، والأغاني 9/ 26، وتخليص الشواهد ص428، وخزانة الأدب 5/ 222، 314، والمقاصد النحوية 2/ 380، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 40، وشرح الأشموني 1/ 157، وشرح شذور الذهب ص359.(1/361)
"و" القسم "الثالث: ما يرد بالوجهين، والغالب كونه لليقين، وهو اثنان: رأي وعلم، كقوله جل ثناؤه: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 7] الأول للرجحان، والثاني لليقين، "وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] الأولى لليقين والثانية للرجحان.
"و" القسم "الرابع: ما يراد بهما"، أي: بالوجهين، "والغالب كونه للرجحان، وهو ثلاثة: ظن، وحسب، وخال" فالرجحان كقوله: [من الطويل]
285- "ظننتك إن شبت لظى الحرب صاليا" فعردت فيمن كان عنها معردًا
فالكاف مفعوله الأول، و"صاليًا" مفعوله الثاني، و"إن شبت" بالبناء للمفعول شرط, و"لظى الحرب" نائب الفاعل، وجواب الشرط محذوف، والتعريد بالعين المهملة، الانهزام والجبن، يقال: عرد في الحرب إذا جبن. وقال الخليل: عرد وعرج في الحرب واحد، والمعنى: ظننتك صاليًا الحرب إذا أوقدت نارها فانهزمت فيمن كان منهزمًا، "و" اليقين، "نحو قوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}" [البقرة: 46]، أي: يتيقنون ذلك، "و" الرجحان في حسب، "كقول الشاعر" وهو زفر بن الحارث الكلابي: [من الطويل]
286- فـ"كل" مفعوله الأول، و"شحمة" مفعوله الثاني، و"عشية" منصوب على الظرفية، و"جذام وحمير" قبيلتان لم ينصرفا للعملية والتأنيث. "و" اليقين فيها نحو "قوله" وهو لبيد العامري: [من الطويل]
287- "حسبت التقى والوجود خير تجارة" رباحًا إذا ما المرء أصبح ثاقلًا
__________
285- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 42، وشرح الأشموني 1/ 156، وشرح التسهيل 2/ 80، والمقاصد النحوية 2/ 381.
286- البيت لزفر بن الحارث الكلابي في تخليص الشواهد ص435، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص155، وشرح شواهد المغني 2/ 930، والمقاصد النحوية 2/ 382، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 43، وشرح ابن الناظم ص143، وشرح التسهيل 1/ 344، ومغني اللبيب 2/ 636.
287- البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص246، وأساس البلاغة ص46 "ثقل"، والدرر 1/ 334، ولسان العرب 11/ 88، "ثقل" والمقاصد النحوية 2/ 384، وتاج العروس "ثقل"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 44، وتخليص الشواهد ص435، وشرح ابن الناظم ص144، وشرح الأشموني 1/ 156، وشرح ابن عقيل 1/ 422، وشرح قطر الندى 274، وهمع الهوامع 1/ 149.(1/362)
فـ"التقى" مفعول أول، و"الوجود" معطوف عليه، و"خير" مفعوله الثاني، ولم يثن لأنه اسم تفضيل، واسم التفضيل إذا أضيف إلى نكرة لزمه الإفراد والتذكير، و"رباحًا" بالباء الموحدة، والحاء المهملة تمييز، و"إذا" شرطية، و"ما" زائدة، و"المرء" مرفوع بفعل محذوف يفسره "أصبح"، و"ثاقلًا" بمعنى: ثقيلًا1، خبر أصبح المحذوف، والمعنى: تيقنت التقى والجود خير تجارة رباحًا2 إذا أصبح المرء ثقيلًا بسب الموت، ووصف الميت بالثقل؛ لأن الأبدان تخف بالأرواح، فإذا مات صاحبها تصير ثقيلة كالجمادات. "و" الرجحان في "خال" "كقوله": [من الطويل]
288- "إخالك إن لم تغضض الطرف ذا هوى" يسومك ما لا يستطاع من الوجد
إخالك بكسر الهمزة والقياس فتحها3, والكاف مفعوله الأول, و"ذا الهوى" مفعوله الثاني، و"إن لم تغضض الطرف" شرط، وجوابه محذوف، وجملة "يسومك" بمعنى: يكلفك نعت "هوى"، وفاعله ضمير مستتر يعود على "هوى"، وهو العائد من الصفة إلى الموصوف، و"ما لا يستطاع" في موضع المفعول الثاني لـ"يسومك"، و"من الوجد" بيان لـ"ما"، "و" اليقين فيها، نحو "قوله": [من المنسرح]
289- "ما خلتني زلت بعدكم ضمنا" أشكو إليكم حموة الألم
أنشده خلف الأحمر من الكوفيين، وياء المتكلم مفعوله الأول، و"ضمنا" مفعوله الثاني، وهو بفتح الضاد المعجمة، وكسر الميم وبالنون: الزمن المبتلي, وفي نسخة: ظمئا بالظاء المشالة, والهمزة, وهو بمعنى مشتاق4، قاله5 في الصحاح6، وظمئت إلى لقائكم: اشتقت، و"زلت بعدكم" معترض بين المفعولين و"خلتني" معترض بين النافي وهو "ما" والمنفي وهو "زلت"، و"ضمنا" معترض بين اسم "زال" وهو التاء وخبرها
__________
1 في "ب": "ثقيل".
2 سقطت من "ب".
288- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 45، والدرر 1/ 335، وشرح التسهيل 2/ 80، وشرح الأشموني 1/ 155، وهمع الهوامع 1/ 150.
3 في خزانة الأدب 9/ 152 أن فتح الهمزة في "أخال" هي لغة بني أسد.
289- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 47، واللسان 13/ 260 "ضمن"، 14/ 201 "حما"، والمقاصد النحوية 2/ 386 ، وشرح التسهيل 1/ 335، 2/ 81.
4 في "أ"، "ط": "مشفق".
5 في "ب"، "ط": "قال".
6 الصحاح 1/ 61 "ظمأ" 6/ 2156، "ضمن".(1/363)
وهو "أشكو"، و"بعدكم" متعلق بـ"ضمنا" وجاز تقدمه على الصفة المشبهة؛ لأنه ظرف و"حموة" بضم الحاء المهملة والميم، وتشديد الواو: الشدة، والتقدير: خلت نفسي ضمنا بعدكم ما زلت أشكو شدة الفراق.
"تنبيهان" اثنان: "الأول: ترد "علم" بمعنى: عرف، و" ترد "ظن؛ بمعنى: اتهم" وإليهما أشار الناظم بقوله:
214- لعلم عرفان وظن تهمه تعديه لواحد ملتزمه
"و" ترد ""رأى" بمعنى:" ذهب، من "الرأي، أي: المذهب، و" ترد ""حجا" بمعنى: قصد، فيتعدين" هذه الأفعال الأربعة "إلى" مفعول "واحد" فقط: فأولها "نحو: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] أي: لا تعرفون شيئًا. "و" ثانيها نحو: ""وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ1"" [التكوير: 24] بالظاء المشالة، أي: بمتهم. "و" ثالثها: "تقول: رأى أبو حنيفة حل كذا، ورأى: الشافعي حرمته"، أي: ذهب أبو حنيفة إلى حل كذا، وذهب الشافعي إلى حرمته. "و" رابعها: نحو: "حجوت بيت الله" أي: نويته وقصدته. "وترد "وجد" بمعنى: حزن أو حقد، فلا يتعديان"، يقال: وجد زيد إذا حزن، أو حقد، ويختلفان في المصدر، فمصدر وجد بمعنى: حزن وجد، ومصدر وجد بمعنى: حقد موجدة.
"وتأتي هذه الأفعال" الخمسة "وبقية أفعال الباب لمعان أخر غير قلبية، فلا تتعدى لمفعولين"، فتأتي "علم" العلمية بضم العين، كعلم الرجل إذا كان مشقوق الشفة العليا، وتأتي "رأى" بمعنى: أبصر، نحو: رأيت زيدًا، أي: أبصرته، وبمعنى: أشار، نحو: رأى زيدٌ كذا، أي: أشار به، وبمعنى: ضرب، نحو: رأيت الصيد، أي: ضربت رئته، وتأتي "حجا" بمعنى: غلب في المحاجة، نحو: حجا زيد عمرًا، أي: غلبه في المحاجة، وبمعنى: رد، نحو: حجيت السائل إذا رددته، وبمعنى: ساق، نحو حجوت الإبل، أي: سقتها وبمعنى: كتم، وبمعنى: حفظ، نحو: حجوت الحديث، أي: كتمته أو حفظته، وبمعنى: أقام، نحو: حجا بمكة، أي: أقام بها، وبمعنى بخل يقال: حجا بماله أي: بخل به، وبمعنى: وقف، كقوله: [من الرجز]
__________
1 الآية من شواهد شرح ابن الناظم ص151، وشرح ابن عقيل 1/ 440، وشرح المفصل 7/ 81، والرسم المصحفي: {بِضَنِيْنٍ}، بها قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وابن عباس، وغيرهم. انظر الإتحاف ص434، والنشر 2/ 398، 399.(1/364)
290- فهن يعكفن به إذا حجا
أي: إذا وقف، وتأتي "وجد" بمعنى: أصاب، نحو: وجد زيد ضالته، أي: أصابها، وبمعنى: استغنى، يقال: وجد فلان، أي: استغنى، وتأتي "عد" بمعنى: حسب، بفتح السين نحو عددت المال، أي: حسبته أحسبه، وفي التنزيل: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وفي الحديث: $"الزعيم غارم"1، وبمعنى: رأس، بالهمزة وتركه، نحو: زعم زيد إذا رأس، ومنه: زعيم القوم هو فلان، أي: رئيسهم، وبمعنى: قال، كقول أبي زبيد الطائي: [من البسيط]
291- يا لهف نفسي إن كان الذي زعموا حقا وماذا يرد القوم تلهيفي
أي: إن كان الذي قالوه حقا، نص عليه ابن بري2، وبمعنى: سمن وهزل، يقال: زعمت الشاة بمعنى: سمنت وهزلت، وبمعنى: طمع، قاله في الصحاح3. وفي حواشيه لابن بري قال ابن خالويه4: يقال: زعم في غير مَزْعَم، أي: طمع في غير مطمع، وتأتي درى: بمعنى: خدع، نحو: درى الذئب الصيد إذا خدعه واستخفى له ليفترسه. وتأتي "حسب" بمعنى: احمر لونه وابيض، يقال: حسب الرجل إذا احمر لونه وابيض كالبرص.
وتأتي "خال" للعجب، يقال: خال الرجل تكبر وأعجب بنفسه، وبمعنى: ظلع، بالظاء المشالة، يقال: خال الفرس، أي: غمز في مشيه، وغير ذلك. قال الموضح: "وإنما لم نحترز عنها؛ لأنها لم يشملها قولنا أفعال القلوب".
التنبيه "الثاني" من التنبيهين: العرب "ألحقوا "رأى" الحلمية بـ"رأى" العلمية في التعدي لاثنين" بجامع إدراك الحس الباطن، كقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، فـ"أرى" عملت في ضميرين متصلين لمسمى
__________
290- الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 24، 25، ولسان العرب 14/ 166 "حجا"، وتاج العروس 24/ 179، "عكف"، "حجا".
1 أخرجه ابن ماجه في كتاب الصدقات برقم 2398، وأحمد في المسند 5/ 276.
291- البيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص120، وخزانة الأدب 9/ 131، ولسان العرب 4/ 32، "أمر"، 9/ 324 "نجف"، وتاج العروس "زعم".
2 انظر لسان العرب "غرم".
3 الصحاح 5/ 1942 "غزم".
4 لسان العرب "زعم".(1/365)
واحد، وأحدهما فاعل، وثانيهما مفعول أول، وجملة "أعصر خمرًا" المفعول الثاني1، "وكقوله" وهو عمرو بن أحمر الباهلي يذكر جماعة من قومه لحقوا بالشام، فرآهم في منامه: [من الوافر]
292- "أراهم رفقتي حتى إذا ما" تجافى الليل وانخزل انخزالا
فالهاء والميم مفعول أول، و"رفقتي" بضم الراء وكسرها مفعول ثان، والرفقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة، وسموا رفقة لاتفاق بعضهم ببعض، والرؤيا هنا حلمية بدليل قوله: حتى إذا ما تجافى الليل وانخزل، أي: انطوى وانقطع، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
215- ولرأي الرؤيا انم ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى
وذهب بعضهم إلى أن "رأى" الحلمية لا تنصب مفعولين، وأن ثاني المنصوبين حال. ورد بوقوعه كما هنا. واعترض بأن الرفقة الرفقاء، وهم: المخالطون والمرافقون، فهو بمعنى اسم الفاعل. فالإضافة فيه غير محضة، قاله الموضح في الحواشي، وفيه نوع مخالفة لما هنا.
و"رأى" الحلمية لا يدخلها إلغاء ولا تعليق، خلافًا للشاطبي. "ومصدرها الرؤيا، نحو" قوله تعالى: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 100] "ولا تختص الرؤيا بمصدر الحلمية، بل قد تقع مصدرا للبصرية، خلافًا للحريري وابن مالك، بدليل: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] ، "قال ابن عباس" رضي الله عنهما: "هي رؤيا عين"، ولكن المشهور استعمالها في الحلمية.
"النوع الثاني" من أنواع هذا الباب الناصبة للمبتدأ والخبر مفعولين "أفعال التصيير"، وإنما قيل لها ذلك لدلالتها على التحويل والانتقال من حالة إلى أخرى، "كجعل ورد وترك واتخذ وتخذ وصير وهب"، وإليهما الإشارة بقول الناظم:
208- ........... والتي كصيرا أيض بها انصب مبتدأ وخبرا
__________
1 انظر شرح التسهيل 2/ 92، وهمع الهوامع 1/ 156.
292- البيت لابن أحمر في ديوانه ص129، والحماسة البصرية 1/ 262، وشرح أبيات سيبويه 1/ 487، والكتاب 2/ 270، ولسان العرب 6/ 689 "حنش" والمقاصد النحوية 2/ 421، وبلا نسبة في الأزمنة والامكنة 1/ 240، والإنصاف 1/ 354، وتخليص الشواهد ص455، والخصائص 2/ 378، وشرح ابن الناظم ص151، وشرح الأشموني 1/ 163، وشرح ابن عقيل 1/ 441.(1/366)
"قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، فالهاء مفعوله الأول، و"هباء" مفعوله الثاني، و"منثورًا" نعت "هباء" وقال تعالى: "{لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا" حَسَدًا} [البقرة: 109] فالكاف والميم مفعول أول، و"كفارًا" مفعول ثان، "وحسدًا" مفعول لأجله، وقال تعالى: "{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}" [الكهف: 99] فـ"بعضهم" مفعول أول، وجملة "يموج في بعض" في موضع المفعول الثاني، وقال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] فـ"إبراهيم" مفعول أول، و"خليلًا" مفعول ثان، "وقال الشاعر" وهو أبو جندب ابن مرة الهذلي: [من الوافر]
293- تخذت غراز إثرهم دليلًا" وفروا في الحجاز ليعجزوني
فـ"غراز" بضم الغين المعجمة وتخفيف الراء وفي آخره زاي اسم واد، قاله العيني، وأنشده الموضح مختومًا بنون، وقال: إنه اسم جبل، وهو مفعول أول لا ينصرف على إرادة البقعة، و"دليلًا" مفعول ثان، و"إثرهم" منصوب على الظرفية، والضمير المضاف إليه فاعل، و"فروا" و"يعجزوني" راجع إلى بني لحيان في البيت قبله، "وفي" بمعنى: إلى، واللام في "ليعجزوني" للتعليل، "وقال" رؤبة: [من السريع]
294- ولعبت طير بهم أبابيل "فصيروا مثل كعصف مأكول"
وهو من السريع مستفعلن مفعولات، مرتين، والواو في "صيروا" نائب الفاعل، وهو المفعول الأول، و"مثل" المفعول الثاني، و"كعصف" مضاف إليه على زيادة الكاف بين المتضايفين.
__________
293- البيت لأبي جندب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 354، والارتشاف 3/ 61، ولسان العرب 5/ 370 "عجز" والمقاصد النحوية 2/ 400، وتاج العروس 15/ 95، "حجز"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 51، وشرح الأشموني 1/ 158، ولسان العرب 15/ 331 "حجز"، وشرح التسهيل 2/ 82، وشرح الكافية الشافية 2/ 459.
294- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص181، وخزانة الأدب 10/ 168، 175، 184، 189، وشرح شواهد المغني 1/ 53، والمقاصد النحوية 2/ 402، ولحميد الأرقط في الدرر 1/ 336، والكتاب 1/ 408، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 52، والجنى الداني ص90, وخزانة الأدب 7/ 73, ورصف المباني ص201, وسر صناعة الإعراب ص296، وشرح الأشموني 1/ 158، ولسان العرب 9/ 247 "عصف"، ومغني اللبيب 1/ 180، والمقتضب 4/ 141، 350، وهمع الهوامع 1/ 150، وتاج العروس 24/ 161 "عصف".(1/367)
وقال الدماميني: فينبغي أن تكون الكاف اسمًا أضيف إليه "مثل"، فيكون عمل كل من الكلمتين موفرًا عليها, أما إذا جعلت حرفًا زائدًا، وجعل "مثل" مضافًا إلى "عصف" لزم قطع الحرف الجار عن عمله بلا كاف له، اللهم إلا أن يقال نزل منزلة الجزء من المجرور1. ا. هـ.
وقيل: الكاف اسم بمعنى، "مثل"، و"مثل" الثانية توكيد لها، قاله في المغني في حرف الكاف2.
والعصف: قال الحسن3: زرع أكل حبه، وبقي تبنه، وقال الفراء4 ورق الزرع.
"وقالوا" في الدعاء: "وهبني الله فداءك"، أي: صيرني، حكاه ابن الأعرابي5 عن العرب وهو قليل. فياء المتكلم مفعوله الأول، و"فداءك" مفعوله الثاني، "و" وهب "هذا ملازم للمضي"؛ لأنه إنما سمع في مثل، والأمثال لا ينصرف فيها.
__________
1 نقله الصبان في حاشيته 2/ 25 ولم ينسبه.
2 مغني اللبيب ص328.
3 لسان العرب "عصف".
4 في معاني القرآن 3/ 113، 292: "العصف: أطراف الزرع قبل أن يدرك ويسنبل".
5 انظر الارتشاف 3/ 61، ولسان العرب "وهب".(1/368)
فصل1
"فصل":
"لهذه الأفعال ثلاثة أحكام، أحدها: الإعمال، وهو الأصل، وهو واقع في" أفعال هذا الباب "الجميع"، الجامد منها والمتصرف والقلبي والتصييري ويختص الحكمان الباقيان بالقلبي المتصرف، "و" الحكم "الثاني: الإلغاء وهو إبطال العمل لفظًا ومحلا لضعف العامل بتوسطه" بين المبتدأ والخبر، "أو تأخره" عنهما، فالمتوسط "كـ: زيد ضننت قائم، و" المتأخر نحو: "زيد قائم ظننت، قال" منازل بن زمعة المنقري: [من البسيط]
295- أبالأراجيز يابن اللوم توعدني "وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور"
فوسط "خلت"، بين المبتدأ المؤخر وهو "اللؤم" والخبر المقدم وهو "في الأراجيز" جمع أرجوزة بمعنى: الرجز، وأراد: القصائد المرجزة الجارية على بحر الرجز، و" اللؤم" بضم اللام اجتماع الشح ومهانة النفس، ودناءة الآباء فهو من أذم ما يهجا به، وقد بالغ هذا الشاعر في هجو رؤبة، أو العجاج على ما قيل، حيث جعله ابنا للؤوم إشارة إلى أن ذلك غريزة فيه، و"الخور" بفتح الخاء المعجمة والواو، وفي آخره راء مهملة: الضعف، والمعنى: أتوعدني يابن اللؤم بالأراجيز وفيها اللؤم والخور.
"وقال" أبو أسيدة الدبيري: [من الطويل]
296- وإن لنا شيخين لا ينفعاننا غنيين لا يجدي علينا غناهما
"هما سيدانا يزعمان وإنما" يسوداننا إن أيسرت غنماهما
__________
295- البيت لجرير في ملحق ديوانه ص1028، وشرح أبيات سيبويه 1/ 407، ولسان العرب 11/ 226، "خيل"، وللعين المنقري في الدرر 1/ 340، وتخليص الشواهد ص445, وخزانة الأدب 1/ 257، وشرح شواهد الإيضاح ص120، وشرح المفصل 7/ 84، 85، والكتاب 1/ 120، والمقاصد النحوية 2/ 404، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 2/ 184، وأوضح المسالك 2/ 85، وشرح ابن الناظم ص147، وشرح قطر الندى ص174، واللمع ص137.
296- البيتان لأبي أسيدة الدبيري في لسان العرب 5/ 296 "يسر"، وتاج العروس 14/ 457 "يسر"، وبلا نسبة في الحيوان 6/ 65، والبيت الثاني له في تخليص الشواهد 446، والدرر 1/ 340، والمقاصد النحوية 2/ 403، ومعاني القرآن للفراء 3/ 271، وشرح التسهيل 2/ 86، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 59، وشرح ابن الناظم ص147، ولسان العرب 12/ 445، "غنم" وهمع الهوامع 1/ 153.(1/369)
فأخر "يزعم" عن المبتدأ والخبر, و"إن" حرف شرط، حذف جوابها، والمعنى: هذان الشيخان يزعمان أنهما سيدانا، وإنما يكون كذلك إذا أيسرت غنماهما بأن كثرت ألبانها ونسلها، وأجرى علينا من ذلك، "وإلغاء" العامل "المتأخر" عن المبتدأ والخبر "أقوى من إعماله" بلا خلاف لضعفه بالتأخر،"و" العامل "المتوسط بالعكس" فالإعمال فيه أقوى من أهماله؛ لأن العمل اللفظي أقوى من الابتداء، "وقيل: هما"، أي: الإلغاء والإعمال "في المتوسط بين المفعولين سواء" لأن ضعف العامل بالتوسط سوغ مقاومة الابتداء له، فلكل منهما مرجح، قاله أبو حيان1.
"تنبيه":
هذا الإلغاء بالنسبة إلى المفعولين، وأما بالنسبة إلى الفعل ومرفوعه، نحو: قام ظننت زيد، فإنه يجوز عند البصريين، ويجب عند الكوفيين, ووجهه أنه إنما ينصب بـ"ظننت" ما كان مبتدأ قبل مجيئها، ولا يبتدأ بالاسم إذا تقدمه الفعل، قاله الخضراوي وأبو حيان2، وشاهد الجواز قوله: [من الوافر]
297- شجاك أظن ربع الظاعنينا ................................
يروى برفع "ربع" على الفاعلية، وبنصبه على أنه مفعول أول، و"شجاك" مفعوله الثاني، وفيه ضمير مستتر راجع إلى "ربع"، قاله في المغني3، واعترض بأنا لا نسلم أن "شجاك" فعل ومفعول، بل مضاف ومضاف إليه، و"ربع الظاعنين" خبر عنه على تقدير رفعه، ومفعول أول مقدم و"ربع الظاعنين" مفعول ثان، و"أظن" عامل على تقدير نصبه.
والحكم "الثالث: التعليق، وهو إبطال العمل لفظًا لا محلا لمجيء ما له صدر الكلام بعده" وسمي تعليقًا؛ لأنه إبطال في اللفظ مع تعلق العامل بالمحل، وتقديره إعماله والمانع من إعماله في اللفظ اعتراض ما له صدر الكلام، "وهو لام الابتداء نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} الآية؛ وتمامها {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102]،
__________
1 الارتشاف 3/ 63، 64.
2 الارتشاف 3/ 66.
297- عجز البيت: "فلم تعبأ بعذل العاذلينا"
، والبيت بلا نسبة في تخليص الشواهد ص446، والدرر 1/ 343، وشرح ابن الناظم ص148، وشرح الأشموني 1/ 160، وشرح شواهد المغني 2/ 807، ومغني اللبيب 1/ 378، والمقاصد النحوية 2/ 419، وهمع الهوامع 1/ 153.
3 مغني اللبيب ص506.(1/370)
فـ"من" مبتدأ، وهو موصول اسمي، وجملة "اشتراه" صلة "من"، وعائدها فاعل "اشتراه" المستتر فيه، و"ما" نافية، و"له" و"في" متعلقان بالاستقرار خبر "خلاق" و"من" زائدة، وجملة "ما له في الآخرة من خلاق" خبر "من"، والرابط بينهما الضمير المجرور باللام، وجملة "من" وخبره في محل نصب معلق عنها العامل بلام الابتداء؛ لأن لها الصدر فلا يتخطاها عامل، وإنما تخطاها في باب "إن" فرفع الخبر؛ لأنها مؤخرة من تقديم لإصلاح اللفظ، وأصلها التقديم على "إن". "ولام القسم، كقوله" وهو لبيد على ما قيل: [من الكامل]
298- "ولقد علمت لتأتين منيتي" إن المنايا لا تطيش سهامها
فاللام في "لتأتين" لام القسم وتسمى لام جواب القسم، والقسم وجوابه جملة1 في محل نصب معلق عنها2 فاللام في "لتأتين" لام القسم وتسمى لام جواب القسم، والقسم وجوابه جملة في محل نصب معلق عنها العامل بلام القسم لا جملة الجواب فقط، فسقط ما قيل: إن جملة جواب القسم لا محل لها، وإن الجملة المعلق عنها العامل لها محل، فيتنافيان، ولهذا قال أبو حيان3 وأكثر أصحابنا لا يذكرون لام القسم في المعلقات، وفي الغزة: ولام القسم لا تعلق، كقوله: [من المتقارب]
299- لقد علمت أسد أننا لهم يوم نصر لنعم النصر
بفتح "أن" فهذه لام القسم ولم تعلق، وتقول: علمت أن زيدًا ليقومن، ففتح "أن"، ا. هـ. وفي المغني4: أن أفعال القلوب لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، كقوله: [من الكامل]
__________
298- البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص308، وتخليص الشواهد ص453، وخزانة الأدب 9/ 159، 161، والدرر 1/ 344، وشرح شواهد المغني 2/ 828، والكتاب 3/ 110، والمقاصد النحوية 2/ 405، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 69، وأوضح المسالك 2/ 61، وخزانة الأدب 10/ 334، وسر صناعة الإعراب ص400، وشرح ابن الناظم ص149، وشرح الأشموني 1/ 161، وشرح التسهيل 2/ 88، وشرح قطر الندى ص176، ومغني اللبيب 2/ 401، 407, وهمع الهوامع 1/ 154.
1 سقطت من "ب"، "ط".
2 في "ب": "عنهما".
3 الارتشاف 3/ 69.
299- البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص29، ولسان العرب 8/ 428 "رغغ" وتهذيب اللغة 16/ 66.
4 مغني اللبيب 1/ 407.(1/371)
300- ولقد علمت لتأتين منيتي ...............................
ا. هـ. فأخرج لام "لتأتين" عن كونها للقسم، "و "ما" النافية، نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 65] فـ"ما" نافية، و"هؤلاء" مبتدأ، و"ينطقون" خبره، والجملة الاسمية في موضع نصب بـ"علمت"، وهي معلق عنها العامل في اللفظ بـ"ما" النافية. "و "لا" و"إن" النافيتان" الواقعتان "في جواب قسم ملفوظ به"، أي: بالقسم، "أو" قسم "مقدر" بالقسم الملفوظ به، "نحو: علمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو" وعلمت والله إن زيد قائم، والقسم المقدر نحو: علمت لا زيد في الدار ولا عمرو، "وعلمت إن زيد قائم"، فهذه أربعة أمثلة لكل واحد من الحرفين مثالان، وجملة القسم وجوابه في الأمثلة الأربعة معلق عنها العامل فهي في محل نصب على المفعولية بـ"علمت".
"والاستفهام، وله صورتان:
إحداهما: أن يعترض حرف الاستفهام بين العامل والجملة" بعده، "نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109]، فـ"قريب" مبتدأ، و"أم بعيد" معطوف عليه، و"ما" موصول اسمي في محل رفع خبر المبتدأ، وما عطف عليه، وجملة "توعدون" صلة الموصول، والعائد محذوف، وجملة المبتدأ وخبره في موضع نصب بـ"أدري" المعلق بالهمزة.
والصورة "الثانية: أن يكون في الجملة اسم استفهام عمدة كان، نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} [الكهف: 12] فـ"أي" اسم استفهام مبتدأ، و"أحصى" خبره، وهو فعل ماض, وقيل: اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزوائد، وجملة المبتدأ والخبر معلق عنها "نعلم"؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ولا فرق في العمدة بين المبتدأ، كما مر، والخبر، نحو: علمت متى السفر، والمضاف إليه المبتدأ، نحو: علمت أبو من زيد، أو الخبر، نحو: علمت صبيحة أي يوم سفرك، "أو فضلة" بالنصب عطفًا على عمدة "نحو: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]، فـ"أي منقلب" مفعول مطلق منصبو بـ"ينقلبون" مقدم من تأخير، والأصل: ينقلبون أي انقلاب، وليست "أي" مفعولًا به لـ"يعلم"، كما قد يتوهم؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وجملة "ينقلبون" معلق عنها العامل، فهي
__________
300- تقدم تخريج البيت برقم 298.(1/372)
في محل نصب، وإلى ذكر المعلقات أشار الناظم بقوله:
212- ................ والتزم التعليق قبل نفي ما
213- وإن ولى لام ابتداء أو قسم كذا والاستفهام ذا له انحتم
"ولا يدخل الإلغاء ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير" لقوتها، "ولا في قلبي جامد" لعدم تصرفه "وهو اثنان، هب وتعلّم، فإنهما يلزمان الأمر"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
209- وخص بالتعليق والإلغاء ما من قبل هب والأمر هب قد ألزما
210- كذا تعلّم ......... ...........................
واعترض بأن "تعلّم" قد يكون بمعنى الماضي كما تقدم، "وما عداهما من أفعال" هذا "الباب متصرف إلا "وهب"" من أفعال التصيير فإنه ملازم للمضي, "كما مر" في آخر النوع الثاني. "ولتصاريفهن ما لهن" من الإعمال والتعليق، "تقول في الإعمال" للمضارع: "أظن زيدًا قائمًا، و" لاسم الفاعل، "أنا ظان زيدًا قائمًا، و" تقول "في الإلغاء للمضارع" مع التوسط: "زيد أظن قائم، و" مع التأخر له "زيد قائم أظن، و" مع التوسط للوصف: "زيد أنا ظان قائم"، فـ"زيد" مبتدأ, و"قائم" خبره, وجملة "أنا ظان" متوسطة بينهما, "و" مع المتأخر له: "زيد قائم أنا ظان"، فألغي الوصف فيهما مع اعتماده على المبتدأ, "و" تقول "في التعليق" بـ"ما": "أظن ما زيد قائم، وأنا ظان ما زيد قائم"، وقس على ذلك بقية التصاريف.
والمصدر في ذلك كالفعل فيما ذكر من الإعمال والإلغاء والتعليق، قاله أبو موسى الجزولي1، وذلك مأخوذ من قول الناظم:
210- ................. ولغير الماض من سواهما..................................
يعني "هب" و "تعلم".
210- ................................. .................... اجعل كل ما له زكن
أي: علم.
"وقد تبين بما قدمناه" في حكمي الإلغاء والتعليق "أن الفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين: أحدهما: أن العامل الملغى لا عمل له البتة"، لا في اللفظ، ولا في المحل، "و" أن "العامل" المعلق له عمل في المحل"، لا في اللفظ، "فيجوز" على
__________
1 انظر الجزولية ص81، 82.(1/373)
اعتبار المحل: "علمت لزيد قائم، وغير ذلك من أموره بالنصب" لـ"غير" "عطفًا على المحل"، أي: محل جملة: زيد قائم، فإنها في محل نصب على المفعولية لـ"علمت"، ولولا ذلك لامتنع العطف على محلها بالنصب وفي هذ المثال فائدتان:
إحداهما: أنه من محل الخلاف، قال أبو حيان: "في الجملة المقرونة بمعلق غير الاستفهام ثلاثة مذاهب: أحدها لسيبويه والبصريين وابن كيسان: أنها في موضع نصب.
الثاني للكوفيين: لا موضع لها وأنه أضمر بين العامل والمعلق قسم، والجملة جواب له.
والثالث للمغاربة: لا موضع لها أيضًا، إلا أن الأفعال أنفسها ضمنت معنى فعل القسم، فصارت قاصرة لا تتعدى، وصارت الجملة جوابًا له، وصححه ابن عصفور في شرح الجمل". ا. هـ.
الفائدة الثانية: أنه إنما يعطف محل على الجملة المعلق عنها العامل مفرد فيه معنى الجملة، فتقول: علمت لزيد قائم، وغير ذلك: من أموره: ولا تقول: علمت لزيد قائم وعمرو؛ لأن مطلوب هذه الأفعال إنما هو مضمون الجمل فإن كان في الكلام مفرد يؤدي معنى الجملة صح أن تتعلق به، وإلا فلا، "قال" كثير عزة: [من الطويل]
301- "وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ولا موجعات القلب حتى تولت"
فعطف "موجعات" بالنصب بالكسرة على محل قوله: "ما البكا" الذي علق عن العمل فيه قوله: "أدري" هذا مراده هنا، وصرح بذلك في شرح القطر1، وقال في المغني2: هكذا استدل به ابن عصفور، ولك أن تدعي أن "البكا" مفعول، وأن "ما" زائدة، وأن الأصل: ولا أدري موجعات القلب، فيكون من عطف الجمل، أو أن الواو للحال، و"موجعات" اسم "لا"، أي: وما كنت أدري قبل عزة والحال أنه لا موجعات للقلب موجودة ما البكا، ا. هـ.
وعلى الأول فالمعنى: وما كنت أدري أي شيء البكا، وصح عطف "موجعات" على محل الجملة؛ لأنه يؤدي معنى الجملة؛ لأن معنى: ولا موجعات القلب ولا موجعات قلبي، هو في معنى: قلبي له موجعات.
__________
301- البيت لكثير عزة في ديوانه ص95، وخزانة الأدب 9/ 144، وشرح شذور الذهب ص368، وشرح شواهد المغني ص813، 824، وشرح قطر الندى ص178، ومغني اللبيب 1/ 419، والمقاصد النحوية 2/ 408، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 64، وشرح الأشموني ص162.
1 شرح قطر الندى ص197.
2 مغني اللبيب 1/ 419.(1/374)
"و" الوجه "الثاني": من وجهي الفرق بين الإلغاء والتعليق "أن سبب التعليق موجب" للإهمال لفظًا "فلا يجوز" معه الإعمال نحو: "ظننت ما زيدًا قائمًا"، بنصبهما، "وسبب الإلغاء مجوز" للإعمال، والإهمال، "فيجوز: زيدًا ظننت قائمًا" بنصبهما مع المتوسط، و"زيدًا قائمًا ظننت"، بنصبهما مع المتأخر، "ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
211- وجوز الإلغاء لا في الابتدا .................................
"خلافًا للكوفيين والأخفش"، فإنهم أجازوا الإلغاء مع التقدم1، نحو: ظننت زيدًا قائم برفعهما، "واستدلوا" على ذلك "بقوله" وهو بعض بني فزارة: [من البسيط]
302- كذلك أدبت حتى صار من خلقي "أني وجدت ملاك الشيمة الأدب"
برفع "ملاك" على الابتداء, و"الأدب" على الخبرية مع تقدم "وجدت" عليهما، وفي الحماسة2، بنصبهما على الإعمال. "وقوله" وهو كعب بن زهير: [من البسيط]
303- أرجو وآمل أن تدنوا مودتها "وما إخال لدينا منك تنويل"
برفع "تنويل" على الابتدائية، وخبره المجرور قبله، مع تقدم "إخال" بكسر الهمزة، والقياس فتحها، كما مر محكي عن بني أسد خاصة. ووجه الدليل من هذين البيتين أن العامل ألغي فيهما مع تقدمه على المبتدأ والخبر. "وأجيب" عنهما "بأن ذلك محتمل لثلاثة أوجه:
__________
1 انظر الكتاب 1/ 119، ومعاني القرآن للأخفش 2/ 685، والارتشاف 3/ 64.
302- البيت لبعض الفزاريين في خزانة الأدب 9/ 139، 10/ 335، والدرر 1/ 341، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 133، وأوضح المسالك 2/ 65، وتخليص الشواهد ص449، وشرح ابن الناظم ص148، وشرح الأشموني 1/ 160، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص146، وشرح عمدة الحافظ ص249، وشرح ابن عقيل 1/ 437، والمقاصد النحوية 2/ 411، 3/ 89، والمقرب 1/ 117، وهمع الهوامع 1/ 153.
2 شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1146.
303- البيت لكعب بن زهير في ديوانه ص62، وخزانة الأدب 11/ 311، والدرر 1/ 801، 342، وشرح عمدة الحافظ ص248 ، والمقاصد النحوية 2/ 412، وبلا نسبة في الارتشاف 1/ 422، وأوضح المسالك 2/ 67، وشرح ابن الناظم ص148، وشرح الأشموني 1/ 160، وشرح التسهيل 1/ 75، وهمع الهوامع 1/ 53، 153.(1/375)
أحدها: أن يكون من التعليق بلام الابتداء المقدرة، والأصل: لملاك وللدنيا، ثم حذف اللام وبقي التعليق" بحاله كما كان مع وجود المعلق، وهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه، قاله في المغني، وعلى هذا حمل سيبويه، قوله: [من الكامل]
304- .................. وإخال إني لاحق مستتبع
بكسر "إن" على تقدير إني للاحق.
"و" الوجه "الثاني: أن يكون من الإلغاء؛ لأن التوسط المبيح للإلغاء ليس هو التوسط بين المعمولين فقط بل توسط العامل في الكلام مقتض أيضًا" للإلغاء، "نعم الإلغاء للتوسط بين المعمولين أقوى" من الإلغاء مع التقدم عليهما "والعامل هنا" وهو "وجدت" في البيت الأول، و"إخال" في البيت الثاني "قد سبق بـ"إني"، و" أما "إخال" فقد سبق "بـ"ما" النافية" فجاز إلغاؤهما لكونهما لم يتصدرا "ونظيره" في المسبوقية بالغير: "متى ظننت زيدًا قائمًا، فيجوز فيه الإلغاء" لعدم تصدره، والإعمال لتقدمه على المعمولين.
"و" الوجه "الثالث: أن يكون من الإعمال على أن المفعول الأول محذوف، وهو ضمير الشأن، والأصل:" إني "وجدته، و" ما "إخاله" فحذف ضمير الشأن منهما "كما حذف في قولهم"، أي: العرب: "إن بك زيد مأخوذ"، والأصل: إنه، وإلى الوجه الأول والثالث أشار الناظم بقوله:
211- ..................... وانو ضمير الشأن أو لام ابتدا
212- في موهم إلغاء ما تقدما .............................
والوجه الأول أولى؛ لأن حذف اللام قد عهد في الجملة، كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] والأصل: لقد أفلح، والوجهان الآخران ضعيفان، أما ضعف الإلغاء المذكور؛ فلأنهم نزلوا تقديم المسند إليه في الجملة، وهو الياء من "إني" بمنزلة تقديم المبتدأ المطلوب للعامل، ونزلوا تقديم النفي والاستفهام لكونهما داخلين على الخبر تقديرًا منزلة تقديم الخبر، أما إذا قدرا داخلين على العامل بطل الإلغاء، وأما ضعف الحذف فمن وجهين، ضعف حذف أحد المفعولين دون الآخر، وسيأتي بيانه، وضعف حذف ضمير الشأن؛ لأنه لا يستعمل في مواطن التفخيم، والحذف مناف لذلك.
__________
304- صدر البيت: "فغبرت بعدهم بعيش ناصب"
، والبيت لأبي ذؤيب الهذلي في تخليص الشواهد ص448، والدرر وشرح أشعار الهذليين 1/ 8، وشرح شواهد المغني 1/ 262، والمقاصد النحوية 3/ 494، والمنصف 1/ 322، ولسان العرب 1/ 758، "نصب" وللهذلي في مغني اللبيب 1/ 231 ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 604، وهمع الهوامع 1/ 153.(1/376)
فصل2
"فصل":
"ويجوز بالإجماع حذف المفعولين" لأفعال القلوب. "اختصارًا، أي: لدليل" يدل عليهما، "نحو: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62]، "وقوله" وهو الكميت يمدح أهل البيت: [من الطويل]
305- "بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عارًا علي وتحسب"
فحذف في الآية مفعولًا "تزعمون" وفي البيت مفعولًا "تحسب" لدليل ما قبلهما عليهما، "أي: تزعمونهم شركاء, وتحسبـ" ـه، أي: "حبهم عارًا علي"، وعدل عن تقدير تزعمون أنهم شركاء]1 لأن الكلام في حذف المفعولين معًا لا في حذف ما يسد مسدهما.
"وأما حذفهما اقتصارًا، أي: لغير دليل، فعن سيبويه2" فيما نقل ابن مالك3 "و" عن "الأخفش" والجرمي وابن خروف وشيخه ابن طاهر والشلوبين "المنع مطلقًا"، سواء في ذلك أفعال الظن والعلم. "واختاره الناظم" وحجتهم في ذلك أن العرب تجري هذه الأفعال مجرى القسم، فتلقاها بما يتلقى به القسم، نحو: {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [فصلت: 48]، [من الكامل]
306- ولقد علمت لتأتين منيتي ...............................
__________
305- البيت للكميت في خزانة الأدب 9/ 137، والدرر 1/ 338، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص692، والمحتسب 1/ 183 ، والمقاصد النحوية 2/ 413، 3/ 112، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 69، وشرح الأشموني ص164, وشرح ابن عقيل 1/ 443، وشرح التسهيل 2/ 73، وهمع الهوامع 1/ 152.
1 سقط من "أ" وهو ثابت في "ب"، "ط".
2 الكتاب 1/ 40.
3 شرح الكافية الشافية 2/ 553.
306- تقدم تخريج البيت برقم 298.(1/377)
والجواب لا يحذف، فكذلك ما هو بمنزلته، ورد بأن تضمنها معنى القسم ليس بلازم. "وعن الأكثرين الإجازة مطلقًا" لمجيء ذلك في أفعال العلم؛ "كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}" [البقرة: 232]، {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ "فَهُوَ يَرَى}" [النجم: 35] أي: يعلم، والأصل؛ والله أعلم1؛ يعلم الأشياء كائنة ويرى ما نعتقده حقا، أو نحو ذلك مما يعطيه معنى الكلام. وفي أفعال الظن، نحو: "{وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ}" [الفتح: 12] فـ"ظن السوء"، مفعول مطلق مفيد للنوع، "وقولهم" في المثل: "من يسمع يخل2"، أي: يقع منه خيلة، قاله الموضح3، وصاحب التقريب4، والمعنى من يسمع خبرًا يحدث له ظن، ومن قاله معناه: يخل مسموعه صادقًا فقد جعله من الحذف الاقتصاري، وليس الكلام فيه. "وعن الأعلم" يوسف الشنتمري تفصيل، فقال5: "يجوز في أفعال الظن" لكثرة السماع فيها "دون أفعال العلم". وعن أبي العلاء إدريس يجوز في "ظن وخال وخسب"؛ لأنه سمع فيها، ويمتنع في الباقي، ونسبه لسيبويه6.
"ويمتنع بالإجماع حذف أحدهما اقتصارًا"، أي: لغير دليل؛ لأن المفعولين هنا أصلهما المبتدأ والخبر فكما لا يجوز أن يؤتى بمبتدأ دون خبر، ولا بخبر دون مبتدأ قبل دخول الناسخ فكذلك بعده، وإلى امتناع حذف المفعولين أو أحدهما اقتصارًا أشار بقوله:
216- ولا تجز هنا بلا دليل سقوط مفعولين أو مفعول
"وأما" حذف أحدهما "اختصارًا"، أي: لدليل "فمنعه" أبو إسحاق "بن ملكون" من المغاربة وطائفة، وحجتهم أن المفعول في هذا الباب مطلوب من جهتين، من جهة العامل فيه، ومن جهة كونه أحد جزأي الجملة، فلما تكرر طلبه امتنع حذفه، كذا قالوا. وما قالوه منتقض بخبر "كان"، فإنه مطلوب من جهتين، ولا خلاف في جواز حذفه إذا دل عليه دليل، "وأجازه الجمهور7"، كقوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِين
__________
1 سقطت من "ب".
2 المثل في المستقصى 2/ 262، وفصل المقال ص412، ومجمع الأمثال 2/ 300، وجمهرة الأمثال 2/ 263.
3 مغني اللبيب ص797.
4 المقرب 1/ 116.
5 الارتشاف 2/ 56.
6 الارتشاف 2/ 56.
7 انظر الارتشاف 2/ 56، والمقرب 1/ 116.(1/378)
يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180]، تقديره: ولا يحسبن الذين يبلخون ما يبخلون به هو خيرًا لهم، فحذف المفعول الأول للدلالة عليه، "كقوله" وهو عنترة العبسي: [من الطويل]
307-
"ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم"
تقديره: فلا تظني غيره مني واقعًا، فحذف المفعول الثاني، والتاء في "نزلت" مكسورة والحاء والراء من "المحب المكرم" مفتوحتان.
"فرع1":
إذا قلت: زيدًا ظننته قائمًا، فالتقدير عند الجمهور: ظننت زيدًا قائمًا، وعند ابن ملكون وموافقيه: اتهمت زيدًا ظننته قائمًا، أو لابست، قاله الموضح في الحواشي.
فائدة:
هذا الخلاف في الحذف وعدمه مجرد اصطلاح عند النحويين، وليس من الحذف في شيء عند البيانيين؛ لأن غرض المتكلم في إفادة المخاطب؛ لأنه تارة يقصد مجرد وقوع الحدث من غير تعلق بفاعل، فيسند الفعل إلى المصدر، فيقول: وقع ظن أو علم، وتارة يقصد نسبته إلى فاعله من غير تعلق بمفعول، فيقول2: فلان يظن أو يعلم, فينزل الفعل في هاتين الحالتين منزلة القاصر، وحينئذ فلا يقال: إنه حذف منه شيء، كما يقال في القاصر: إنه حذف منه شيء، وأما إذا لم ينزل منزلة القاصر فلا بد من ذكرهما؛ لأن الغرض تعلق بإفادتهما.
__________
307- البيت لعنترة في ديوانه ص191، وأدب الكاتب ص603، والأشباه والنظائر 2/ 405، والاشتقاق ص38، والأغاني 9/ 212، وجمهرة اللغة ص591، وخزانة الأدب 3/ 227، 9/ 136، والخصائص 2/ 216، والدرر 1/ 339، وشرح شواهد المغني 1/ 480، ولسان العرب 1/ 289، "حبب"، والمقاصد النحوية 2/ 414، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 70، وشرح الأشموني 1/ 164، وشرح ابن عقيل 1/ 444، والمقرب 1/ 117، وهمع الهوامع 1/ 152.
1 في "ط": "فائدة".
2 في "ب": "فيقع".(1/379)
فصل3
"فصل":
"تحكى الجملة الفعلية بعد القول" عند جميع العرب، "وكذا الاسمية" عند بعضهم فلا يعمل القول في جزأيها شيئًا، كما يعمل لظن؛ لأن الظن يقتضي الجملة من جهة معناها، فجزآها معه كالمفعولين في باب "أعطيت" فصح أن ينصبهما، وأما القول فيقتضي الجملة من جهة لفظها، فلم يصح أن ينصب جزأيها مفعولين؛ لأنه لم يقتضها من جهة معناها فلم يشبه باب "أعطيت" ولا أن ينصبها مفعولًا واحدًا؛ لأن الجملة لا إعراب لها، فلم يبق إلا الحكاية، قاله ابن الناظم1.
"وسليم" بالتصغير قبيلة من قيس عيلان، وهو سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان، وسليم أيضًا قبيلة من جذام من اليمن، يجرون بالقول مجرى الظن، "ويعملونه فيها"، أي: في الجملة الاسمية "عمل "ظن"" فينصبون المبتدأ والخبر "مطلقًا" من غير شرط من الشروط الآتية، "وعليه يروى قوله" وهو امرؤ القيس بن حجر الكندي يصف فرسًا: [من الطويل]
308- إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه "تقول هزيز الريح مرت بأثأب"
"بالنصب لـ"هزيز" على أنه مفعول أول لـ"تقول"، وجملة "مرت بأثأب" مفعول ثان، و"شأوين" تثنية شأو، بسكون الهمزة وهو: السبق، ونصبه على المفعولية المطلقة نيابة عن المصدر، "والعطف": "ألجانب، و"هزيز الريح": دويها عند هبوبها، و"الأثأب" بفتح الهمزتين وسكون التاء المثلثة وفي آخره باء موحدة جمع أثأبة وهي نوع من الشجر، "وقوله" وهو الحطيئة يصف جملا: [من الطويل]
__________
1 شرح ابن الناظم ص150.
308- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص49، ولسان العرب 5/ 424 "هزز"، والمقاصد النحوية 2/ 431، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 220، وأوضح المسالك 2/ 71، وشرح التسهيل 2/ 95.(1/380)
309- "إذا قلت أني آيب أهل بلدة" وضعت بها عنه الولية بالهجر
"بالفتح" لـ"أني" على أنها مع معموليها سدت مسد مفعولي "قلت"، وآيب"، أي: راجع، و"أهل بلدة" مفعول "آيب"، والضمير في "عنه" يعود إلى "الجمل"، و"الولية" بفتح الواو وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف: البرذعة التي توضع تحت الرحل، و"الهجر" بفتح الهاء وسكون الجيم ضرورة والأصل فتحها: نصف النهار عند اشتداد الحر، وإلى رأي سليم أشار الناظم بقوله:
219- وأجري القول كظن مطلقًا عند سليم ........................
"وغيرهم يشترط" في إعمال لفظ القول عمل "ظن" "شروطًا" ثلاثة، "وهي كونه" فعلا "مضارعًا"، فخرج المصدر والوصف والماضي والأمر، فلا يعمل شيء من ذلك عمل "ظن" لأنها لم تقو قوة المضارع في هذا الباب. "وسوى به السيرافي" بكسر السين. "قلت بالخطاب، و" سوى به "الكوفي قل"، فيجوز على قولهما إعمال الماضي المسند إلى تاء المخاطب، وفعل الأمر، نحو: أقلت زيدًا منطلقًا، بجامع الإسناد إلى ضمير المخاطب. "و" يشترط في المضارع "إسناده للمخاطب" لأن الإعمال إنما يكون مع فعل المخاطب إذا استفهمته عن ظن نفسه، فلا يجوز إعمال المضارع المسند إلى ضمير متكلم، ولا غائب، فلا تقل: أقول زيدًا منطلقًا، ولا: يقول زيد عمرًا منطلقًا لما مر، ولو قال: وإسناده للمخاطب، وسوى به السيرافي إلخ...... كان أبين للتسوية، "و" يشترط في زمن المضارع "كونه حالًا، قاله الناظم" في شرح التسهيل1، "ورد بقوله" وهو عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل]
310- أما الرحيل فدون بعد غد "فمتى تقول الدار تجمعنا"
أنشده سيبويه بنصب "الدار" على أنها مفعول أول و"تجمعنا" مفعول ثان2
__________
309- البيت للحطيئة في ديوانه ص225، وتخليص الشواهد ص459، وخزانة الأدب 2/ 440، والمقاصد النحوية 2/ 432، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 72، وشرح الأشموني 1/ 165.
1 شرح التسهيل 2/ 95.
310- البيت لعمرو بن أبي ربيعة في ديوانه ص402، وخزانة الأدب 2/ 439، 9/ 185، وشرح أبيات سيبويه 1/ 179، وشرح المفصل 7/ 78، 80، والكتاب 1/ 124، ولسان العرب 11/ 575 "قول"، والمقاصد النحوية 2/ 434، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 74، وتخليص الشواهد ص457، ورصف المباني ص89، ولسان العرب 11/ 279 "رحل"، 12/ 226 "زعم"، والمقتضب 2/ 349.
2 الكتاب 1/ 124.(1/381)
قال أبو حيان1: وفيه رد على من اشترط الحال؛ لأنه لم يستفهمه عن ظنه في الحال أن الدار تجمعه وأحبابه، بل استفهمه عن وقوع ظنه في الحال. ا. هـ.
وهذا مبني على أن "متى" ظرف لـ"تقول"، "والحق أن "متى" ظرف لـ"تجمعنا" لا لتقول"، وفيه نظر؛ لأن "تقول" على هذا غير مستفهم عنه فلا يكون عاملا لعدم اعتماده على استفهام إلا على قول من لم يشترط الاعتماد عليه، ويشترط كونه مضارعًا لمخاطب فقط على ما حكاه ابن الخباز في شرح الجزولية، وليس التفريع عليه. "و" يشترط في المضارع المسند إلى ضمير المخاطب "كونه" واقعًا "بعد استفهام بحرف، أو باسم، سمع الكسائي" من العرب "أتقول للعميان عقلا"، فـ"عقلا" مفعول أول، و"للعميان" مفعول ثان على التقدير والتأخير. "وقال" عمرو بن معد يكرب المذحجي:" [من الطويل]
311- "علام تقول الرمح يثقل عاتقي" إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
فـ"علام" جار ومجرور، والجار والمجرور "ما" الاستفهامية، ولكن حذفت ألفها لدخول الجار عليها، و" الرمح" بالنصب مفعول أول، وجملة "يثقل عاتقي" في موضوع المفعول الثاني، و"أطعن" بضم العين، يقال: طعن يطعن، بالضم إذا كان بالرمح وغيره، وطعن يطعن بالفتح إذا كان في النسب، و"إذا" في الموضوعين داخلة على فعل محذوف يفسره المذكور، على حد {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] والتقدير: إذا لم أطعن أنا لم أطعن، وإذا كرت الخيل كرت.
"قال سيبويه والأخفش"3 من البصريين "و" يشترط في الاستفهام والمضارع عند جمهور العرب "كونهما متصلين" من غير حاجز بينهما، "فلو قلت: أأنت تقول" زيد منطلق، "فالحكاية" واجبة، "وخولفا"، قال أبو حيان وخالفهما
__________
1 الارتشاف 3/ 78.
311- البيت لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص72، وخزانة الأدب 2/ 436، والدرر 1/ 351، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص159، وشرح شواهد المغني ص418، واللسان 11/ 575 "قول"، والمقاصد النحوية 2/ 436، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 76، وشرح الأشموني 1/ 164، ومغني اللبيب ص143، وهمع الهوامع 1/ 157.
2 في الكتاب 1/ 123: "فإن قلت: أأنت تقول زيد منطلق، رفعت؛ لأنه فصل بينه وبين حرف الاستفهام، كما فصل في قولك: أأنت زيد مررت به فصارت بمنزلة أخواتها، وصارت على الأصل".
3 انظر همع الهوامع 1/ 157.(1/382)
وخالفهما الكوفيون وسائر البصريين، فأجازوا النصب، ولم يعتدوا بالضمير فاصلا1، ووجه قولهم بأن الاستفهام يطلب الفعل، و"أنت" فاعل فعل مضمر، وذلك الفعل واقع على الاسمين فينصبهما.
ورد بأن الحكم إنما هو للمذكور، وأما المضمر فلا عمل له إلا في الاسم المشتغل عنه خاصة، والعمل فيما عداه لهذا الظاهر وهو لم يتصل بالاستفهام، نقله الموضح في حواشي التسهيل، ولم يتعقبه، ومن خطه نقلت.
وعلى هذا يشكل قوله هنا: "فإن قدرت الضمير" وهو "أنت" "فاعلا بمحذوف والنصب" للمفعولين "بذلك المحذوف جاز اتفاقا"، فليتأمل، "واغتفر الجميع الفصل" بين الاستفهام والفعل "بظرف زماني" أو مكاني "أو مجرور، أو معمول القول"، مفعولا كان أو حالا، أو غيرهما، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
217- وكتظن اجعل تقول إن ولي مستفهمًا به ولم ينفصل
218- بغير ظرف أو كظرف أو عمل وإن ببعض ذي فصلت يحتمل
فالفصل بالظرف الزماني، "كقوله": [من البسيط]
312- "أبعد بُعد تقول الدار جامعة" شملي بهم أم تقول البعد محتوما
فالهمزة للاستفهام، و"بعد" بفتح الباء ظرف زمان، و"بعد" بضم الباء مضاف إليه، وبينهما جناس محرف، و"الدار" مفعول أول لـ"تقول"، و"جامعة" مفعوله الثاني، و"شملي" مفعول "جامعة" و"البعد" مفعول أول لـ"تقول"، و"محتومًا" مفعوله الآخر، فأعمل "تقول" مرتين، والأول منهما مفصول من الاستفهام بالظرف، والثاني متصل بالاستفهام بـ"أم"، والفصل بالظرف المكاني كقولك: أعندك تقول زيدًا جالسًا والفصل بالمجرور كقولك: أفي الدار تقول زيدًا مقيمًا.
"و" الفصل بالمعمول نحو "قوله" وهو الكميت بن زيد الأسدي: [من الوافر]
__________
1 انظر الارتشاف 3/ 79.
312- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 232، وأوضح المسالك 2/ 77، وتخليص الشواهد 457، والدرر 1/ 351، وشرح الأشموني 1/ 164، وشرح شواهد المغني 2/ 969، ومغني اللبيب 2/ 692، والمقاصد النحوية 2/ 438، وهمع الهوامع 1/ 157.(1/383)
313- "أجهالا تقول بني لؤي" لعمر أبيك أم متجاهلينا
ففصل بين الاستفهام والمضارع بمفعوله الثاني، والأصل: أتقول بني لؤي جهالا، و"بني لؤي" مفعوله الأول، والمراد بهم قريش، و"الجهال" جمع جاهل، و"المتجاهل" هو الذي يظهر الجهل من نفسه، وليس بجاهل، والمعنى، أتظن بني لؤي جهالا، أم مظهرين الجهل بين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم وقدموهم على بني مضر، مع فضلهم عليهم.
والفصل بالحال كقولك: أمسرعا تقول زيدًا منطلقًا؛ لأن المعمول المتقدم في نية التأخير.
"قال السهيلي: و" يشترط أيضًا في المضارع "أن لا يتعدى باللام، كـ: تقول لزيد عمرو منطلق"، برفعهما قال: لأنك إذا عديته باللام بعد عن معنى الظن، ولم يكن إلا قولا مسموعًا؛ لأن الظن من أفعال القلب، وذكر أنه يدل عليه أصول النحاة مع استقراء كلام العرب، نقله المرادي بتعليله في شرح التسهيل وأقره.
"وتجوز الحكاية مع استيفاء الشروط، نحو: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ}، [البقرة: 140] بالتاء المثناة فوق, وكسر "إن" "في قراءة الخطاب" للأخوين وابن عامر وحفص، "وروي":
314- "علام تقول الربح" ....... ...................................
"بالرفع"، على الحكاية.
وإذا أعمل القول عمل "ظن" فهل يجرى مجراه في العمل خاصة، أم في العمل والمعنى معًا، مذهب الجمهور أنه لا يعمل عمل "ظن" حتى يتضمن معنى الظن في اللغة السليمية1، وغيرها. وزعم بعضهم أنه قد يجرى مجرى الظن في العمل ولا يتضمن معناه كقوله: [من الرجز]
__________
313- البيت للكميت بن زيد في خزانة الأدب 9/ 183، 184، والدرر 1/ 352، وشرح أبيات سيبويه 1/ 132، وشرح المفصل 7/ 79، 87، والكتاب 1/ 123، والمقاصد النحوية 2/ 429، وليس في ديوانه، وهو لابن أبي ربيعة في شرح ابن الناظم ص153، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 363، وأوضح المسالك 2/ 78، وتخليص الشواهد ص457، وخزانة الأدب 2/ 439، وشرح الأشموني 1/ 164، وشرح ابن عقيل 1/ 448، والمقتضب 2/ 349، وهمع الهوامع 1/ 157.
314- تقدم تخريج البيت برقم 311.
1 في حاشية الصبان 2/ 37: "وممن اختار هذا المذهب ابن جني".(1/384)
315- قالت وكنت رجلًا فطينا هاذا لعمر الله إسرائينا
فليس المعنى على "ظننت"؛ لأن هذه المرأة رأت عند هذا الشاعر ضبا فقالت، هذا إسرائين؛ لأنها تعتقد في الضباب أنها من مسخ بني إسرائيل، وإلى هذا ذهب الأعلم وابن خروف، واختاره صاحب البسيط1. قال ابن عصفور: ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون "هذا" مبتدأ، و"إسرائين" على تقدير مضاف، أي: مسخ بني إسرائيل، فحذف المضاف الذي هو الخبر، وبقي المضاف إليه على جره؛ لأنه غير منصرف للعلمية والعجمة؛ لأنه لغة في "إسرائيل". وإذا أجري القول مجرى الظن هل يجوز فيه ما جاز في الظن من الإلغاء والتعليق، وكون الفاعل والمفعول لمسمى واحد، قال في النهاية: نعم، وبحث الشاطبي المنع، ولا يبعد تخريجه على القولين السابقين، فمن قال: إنه يجري مجراه في المعنى والعمل قال بالجواز، ومن قال بالعمل فقط قال بالمنع قلته تفقهًا، ولم أره نصا.
__________
315- الرجز لأعرابي في المقاصد النحوية 2/ 425، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص456، والدرر 1/ 350، وسمط اللآلي ص681، وشرح ابن الناظم ص152، وشرح الأشموني 1/ 156، وشرح ابن عقيل 1/ 450، وشرح التسهيل 2/ 95، ولسان العرب 13/ 323 "فطن"، 459، 460 "يمن"، والمعاني الكبير 646، وهمع الهوامع 1/ 157، وجمهرة اللغة ص293، وتاج العروس "فطن"، "بمن" "سرو" والمخصص 13/ 282.
1 انظر حاشية الصبان 2/ 37.(1/385)
باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة
باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة:
ثلاثة، بالنصب، بدلا من مفاعيل، ولم يقل "ثلاثة مفاعيل" بالإضافة؛ لأن إضافة العدد للصفة قليلة، أو ضرورة، قاله أبو حيان نقلًا عن شيخه ابن النحاس. ولا يجوز "ثلاثة مفعولين"، بجمع السلامة؛ لأن مفعولا اسم للفظ، وهو غير عاقل، قاله الموضح في الحواشي.
"وهي: أعلم وأرى، اللذان" كان "أصلهما" قبل دخول همزة النقل عليهما: "علم ورأى المتعديان لاثنين"، وإنما اقتصر عليهما وقوفًا مع السماع، وأما بقية أخواتهما وهي: ظننت وأخواتها فمنع من نقلها بالهمزة كثير من البصريين، وقصروا ذلك على السماع، ومنعوا أن يقال: أظننت زيدًا عمرًا قائمًا؛ لأنه لم ينقل عن العرب، فالزيادة عليه ابتداء لغة، وأجازه قوم منهم طردًا للباب، قاله أبو البقاء في شرح لمع ابن جني.
"وما ضمن معناهما من "نبأ""، بتشديد الموحدة، "وأنبأ، وخبر" بتشديد الموحدة، "وأخبر وحدث" بتشديد الدال، "نحو: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 167]. "فيرى" بضم الياء مضارع أرى، والهاء والميم مفعول أول، و"الله" فاعل، و"أعمالهم" مفعول ثان، و"حسرات" مفعول ثالث، قاله الزمخشري1. وهو مبني على أن الأعمال لا تجسم فلا تدرك بحاسة البصر. قال الموضح في حواشيه: وهذا قول المعتزلة وأما أهل السنة فيعتقدون أن الأعمال تجسم وتوزن حقيقة، "فيرى" على هذا بصرية، و"حسرات" حال. والمعتزلة يقولون علمية، و"حسرات" مفعول ثالث، والذي أجازوه ممكن عندنا فإنهم إذا أبصروها حسرات فقد علموها كذلك.
والذي نقوله نحن ممتنع، ا. هـ.
وألحق بذلك رأي الحلمية سماعًا, "نحو: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ" كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ} [الأنفال: 43]، فالكاف فيهما مفعول أول، والهاء والميم مفعول ثان و"قليلا" في الأول، وكثيرا في الثاني مفعول ثالث وفي هذه الأمثلة رد على ابن الخباز حيث
__________
1 الكشاف 1/ 327.(1/386)
قال: لم أظفر بفعل متعد لثلاثة إلا وهو مبني للمفعول، كما في قول النابغة: [من الكامل]
316- نبئت زرعة والسفاهة كاسمها تهدى إلى غرائب الأشعار
فالتاء نائب الفاعل، وهو المفعول الأول، و"زرعة" مفعول ثان، وجملة "تهدى إلي" مفعول ثالث، وما بينهما اعتراض، وقول الأعشى ميمون بن قيس: [من المتقارب]
317- وأنبئت قيسًا ولم أبله كما زعموا خيرا أهل اليمن
فالتاء مفعوله الأول، و"قيسًا" الثاني، "وخير" الثالث، ومعنى أبله: أجربه، وقول العوام بن عقبة بن كعب بن زهير: [من الطويل]
318- وخبرت سوداء الغميم مريضة فأقبلت من أهلي بمصر أعودها
فالتاء المفعول الأول، و"سوداء" الثاني، و"مريضة" الثالث، و"الغميم" بالغين المعجمة موضع من بلاد غطفان, وقول رجل من بني كلاب: [من البسيط]
319- وما عليك إذا أخبرتني دنفا وغاب بعلك يومًا أن تعوديني
فالتاء المكسورة مفعول أول، وياء المتكلم الثاني، و"دنفا" الثالث، والدنف المريض، وقول الحارث بن حلزة اليشكري: [من الخفيف]
320- أومنعتم ما تسألون فمن حـ ـدثتموه له علينا العلاء
__________
316- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص54، وتخليص الشواهد ص467، وخزانة الأدب 6/ 315، 333، 334، وشرح ابن الناظم ص155، وشرح التسهيل 2/ 101، والمقاصد النحوية 2/ 439، وأساس البلاغة "أبد"، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص252.
317- البيت للأعشى في ديوانه ص75، وتخليص الشواهد ص467، والدرر 1/ 353، ومجالس ثعلب 2/ 414، والمقاصد النحوية 2/ 440، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص155، وشرح الأشموني 1/ 167، وشرح ابن عقيل 1/ 459، وشرح التسهيل 2/ 102، وشرح عمدة الحافظ 251، وهمع الهوامع 1/ 159.
318- البيت للعوام بن عقبة "أو عتبة" في الدرر 1/ 353, والمقاصد النحوية 2/ 442, وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص467, وخزانة الأدب 11/ 369، وشرح ابن الناظم ص156، وشرح الأشموني 1/ 167، وشرح التسهيل 2/ 101، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1414 وشرح ابن عقيل 1/ 459، وشرح عمدة الحافظ ص252، وهمع الهوامع 1/ 159.
319- البيت لرجل من بني كلاب في الدرر 1/ 354، والمقاصد النحوية 2/ 443، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص468، وشرح ابن الناظم ص156، وشرح الأشموني 1/ 167، وشرح التسهيل 2/ 101، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1423، وشرح ابن عقيل 1/ 457.
320- البيت للحارث بن حلزة في ديوانه ص27، وتخليص الشواهد 468، والدرر 1/ 354، وشرح ابن الناظم ص156، وشرح القصائد السبع ص469، وشرح القصائد العشر ص387، وشرح المعلقات السبع ص225، وشرح المعلقات العشر ص122، وشرح المفصل 7/ 66، والمعاني الكبير 2/ 1011، والمقاصد النحوية 2/ 445، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص686، وشرح ابن عقيل 1/ 458، وشرح عمدة الحافظ ص253، وهمع الهوامع 1/ 159.(1/387)
فالضمير المرفوع مفعول أول، والمنصوب مفعول ثان، والجملة بعده مفعول ثالث، والفعل في الجميع مبني للمفعول، [وإلى نصب هذه الأفعال مفاعيل ثلاثة]1 أشار الناظم بقوله:
220- إلى ثلاثة رأى وعلما عدوا إذا صارا أرى وأعلما
ثم قال:
224- وكأرى السابق نبا أخبرا حدث أنبا كذلك خبرا
وقال الناظم في شرح التسهيل: إن أولى من ذلك، يعني من نصب نبأ وأخواته أن يحمل الثاني منها على نزع الخافض، كما في آية التحريم2، وكما في قول بعض العرب، نبئت زيدًا مقتصرًا عليه، وكما قال سيبويه3 في: [من الطويل]
321- نبئت عبد الله ......... ...............................
والثالث حال، ويرجح ذلك كونه حملا على ما ثبت، وهو التوسع، وأن في سلامة من التضمين الذي هو خلاف الأصل4, ا. هـ.
"ويجوز عند الأكثرين حذف" المفعول "الأول" استغناء عنه، "كأعلمت كبشك سمينًا"، ولا تذكر من أعلمته، "و" يجوز "الاقتصار عليه كأعلمت زيدًا"، ولا تذكر من أعلمت به؛ لأن الفائدة لا تنعدم في الاستغناء عن الأول، ولا في الاقتصار عليه إذ يراد الإخبار بمجرد العلم به، أو بمجرد إعلام الشخص المذكور، هذا قول أبي العباس5 وأبي بكر وابن كيسان وخطاب وابن أبي الربيع6 وابن مالك7 والأكثرين.
وذهب سيبويه8 وابن الباذش وابن طاهر وابن خروف وابن عصفور9 إلى أنه لا يجوز حذفه ولا الاقتصار عليه، كفاعل "علم" وهو قياس الأخفش لا بد من الثلاثة10.
__________
1 سقط ما بينهما من "ب".
2 وهي الآية رقم3 من سورة التحريم: {مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا}.
3 الكتاب 1/ 39.
321- البيت للفرزدق وتمامه:
"نبئت عبد الله بالجو أصبحت كرامًا مواليها لئيما صميمها"
وهو في الكتاب 1/ 39، والمقاصد النحوية 2/ 522، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 153، وشرح أبيات سيبويه 1/ 426، وشرح الأشموني 1/ 186.
4 شرح التسهيل 2/ 101.
5 المقتضب 3/ 122.
6 البسيط 1/ 450.
7 شرح الكافية الشافية 2/ 574.
8 الكتاب 1/ 41.
9 المقرب 1/ 122.
10 الارتشاف 3/ 84.(1/388)
زعم الشلوبين أنه يجوز الاقتصار عليهما، [ومنع الاقتصار عليه]1، وأما حذف الثلاثة جميعًا فقال ابن مالك2: الصواب جواز حذف الثلاثة لدليل وغيره، وإن لم يجز في باب الظن الحذف لغير دليل، وذلك لأن قولك: علمت وظننت لا فائدة له؛ لأن الإنسان لا يخلو غالبًا عن علم أو ظن، وأما الإعلام فإنه يخلو منه. ا. هـ.
"وللثاني والثالث" من المفاعيل الثلاثة بعد النقل "من جواز حذف أحدهما اختصارًا"، أي: لدليل "ومنعه اقتصارًا"، أي: لغير دليل، "ومن الإلغاء والتعليق ما كان لهما" قبل النقل، وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
221- وما لمفعولي علمت مطلقًا للثان والثالث أيضًا حققا
"خلافًا لمن منع الإلغاء والتعليق مطلقًا3"، أي: سواء أكان مبنيا للفاعل أم للمفعول، وهو أبو علي الشلوبين ونسبه إلى المحققين، "و" خلافًا "لمن منعهما في المبني للفاعل" وهو أبو موسى الجزولي4، فإن فرق بين البناء للمفعول والبناء للفاعل، فقال يجوز في المبني للمفعول لمساواته في الحكم لباب علم لصيرورته بالبناء للمفعول، ورفع نائب الفاعل، كصورته في المتعدي لاثنين، ولا يجوز في المبني للفاعل؛ لأن الفعل إذ ذاك يكون معملا ملغى في حالة واحدة، وذلك تناقض.
وقال خطاب في الترشيح: لا تلغى أعلم وأخواتها؛ لأن منصوباتها لا ينعقد منها حينئذ مبتدأ وخبر، لبقاء الأول غير مرتبط فإن بنيتها للمفعول ووسطتها أو أخرتها جاز ذلك, إذ ليس لنا حينئذ إلا منصوبان ينعقد منهما مبتدأ وخبر، ولم يؤثر فيهما شيء. "ولنا" من الأدلة "على الإلغاء" في المبني للفاعل من النثر "قول بعضهم: البركة أعلمنا الله مع الأكابر"، "فالبركة" مبتدأ، "ومع الأكابر" خبره "وأعلم" ملغاة لتوسطها مبنية للفاعل بين المبتدأ وخبره. "و" من النظم "قوله:" [من الطويل]
322- "وأنت أراني الله أمنع عاصم" وأرأف مستكفى وأسمح واهب
فـ"فأنت" مبتدأ، "وأمنع" خبره، "وأرى" ملغاة لتوسطها مبنية للفاعل بين المبتدأ وخبره.
__________
1 سقط ما بينهما من "ب".
2 حاشية الصبان 2/ 39.
3 في همع الهوامع 1/ 158: "ومنع قوم الإلغاء والتعليق هنا سواء ثبت للفاعل أم للمفعول، وعليه ابن النحاس وابن أبي الربيع؛ لأن مبنى الكلام عليهما".
4 همع الهوامع 1/ 158، والجزولية ص83.
322- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 80، والدرر 1/ 352، وشرح الأشموني 1/ 166، وشرح شواهد المغني ص679، والمقاصد النحوية 2/ 446، وهمع الهوامع 1/ 158.(1/389)
"و" لنا "على التعليق" من النثر الفصيح قوله تعالى: "{يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}" [سبأ: 7] فالكاف والميم مفعول أول، وجملة "إنكم لفي خلق جديد" في محل نصب، سدت مسد المفعول الثاني والثالث، والفعل معلق عن الجملة بأسرها باللام، ولذلك كسرت "إن" و"إذا" شرطية، وجوابها محذوف مدلول عليه بـ"جديد" والتقدير: إذا مزقتم تجددون، وجملة الشرط وجوابه معترضة بين المفعول الأول، وما سد مسد المفعولين ولا يصح أن تكون جملة "إن" وما بعدها جواب الشرط؛ لأن الحرف الناسخ لا يكون في أول الجواب إلا وهو مقرون بالفاء نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، "و" من النظم "قوله": [من الطويل]
323- "حذار فقد نبئت إنك للذي ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى"
فـ"حذار" بكسر الراء اسم فعل بمعنى: احذره: و"نبئت" بالبناء للمفعول فعل ماض, والتاء نائب الفاعل، وهو المفعول الأول، وجملة "إنك للذي" في موضع نصب سدت مسد المفعولين، والفعل معلق عنها باللام، ولذلك كسرت "إن".
"قال ابن مالك" في النظم وغيره1: "وإذا كانت: أرى، و: أعلم منقولتين من" "رأى" البصرية و"علم" العرفانية "المتعدي" كل منهما "لواحد تعديًا" بالهمزة "لاثنين، نحو:" أرأيتت زيدًا الهلال، أي: أبصرته إياه، وأعلمت زيدًا الخبر، أي: عرفته إياه، قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [الأنفال: 44]، فالكاف والميم مفعول أول، و "ما تحبون" مفعول ثان، وأما : {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} [الأنفال: 44] فـ"قليلا" حال لا مفعول ثالث، "و" هذان المفعولان "حكمهما حكم مفعولي "كسا" في الحذف"، لهما أو لأحدهما، "لدليل وغيره"، وفي كون الثاني منهما لا يكون جملة. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
222- وإن تعديا لواحد بلا همز فلاثنين به توصلًا
223- والثاني منهما كثاني اثني كسا ....................................
ووجه الشبه بينهما أن الثاني منهما غير الأول، ألا ترى أن "الحكم" غير "زيد"، في قولك: أعلمت زيدًا الحكم، كما أن "الثوب" غير "زيد" في قولك: كسوت زيدًا ثوبًا، فتقول في حذف الأول: أعلمت الخبر ورأيت الهلال، كما تقول: كسوت
__________
323- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 81، والدرر1/ 353، والمقاصد النحوية 2/ 447، وهمع الهوامع 1/ 157.
1 شرح التسهيل 2/ 100، وشرح الكافية الشافية 2/ 569.(1/390)
ثوبًا، وفي حذف الثاني: أعلمت زيدًا، كما تقول: كسوت زيدًا، وفي حذفهما معًا أعلمت ورأيت كما تقول: كسوت.
"وفي منع الإلغاء والتعليق" في المفعولين معًا؛ لأنهما ليس أصلهما المبتدأ والخبر "قيل: وفيه نظر في موضعين. أحدهما أن "علم" بمعنى: عرف، إنما حفظ نقلها" إلى اثنين: "بالتضعيف لا بالهمزة" ، نحو: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]. "و" الموضع "الثاني أن "أرى" البصرية سمع تعليقها بالاستفهام" عن المفعول الثاني, "نحو: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة: 260] فـ"أرني" فعل دعاء، وياء المتكلم مفعوله الأول، و"كيف تحيي الموتى" جملة استفهامية في موضع نصب على أنها مفعوله الثاني، معلق عن لفظها بالاستفهام بـ"كيف"، وهذا النظر لأبي حيان1.
"وقد يجاب" عن الأول "بالتزام جواز نقل المتعدي لواحد بالهمزة قياسا" على المتعدي لاثنين كما قيس في "نحو: ألبست زيدًا جبة"، على: كسوته جبة، وظاهر كلام الشاطبي أنه سمع في "علم" نقلها بالهمزة إلى اثنين فإنه قال: وأما السماع في المتعدي فكثير، وذكر أمثلة منها: علم الشيء وأعلمته إياي، أي: عرفته إياه، هذا نصه، فسقط القول بأنه إنما حفظ نقلها بالتضعيف لا بالهمزة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ولا حاجة إلى دعوى القياس مع وجود السماع.
"و" قد يجاب عن النظر الثاني "بادعاء أن الرؤية هنا"، أي: في2: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة: 260] "علمية" لا بصرية، كما قال الحوفي في: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] الرؤية رؤية القلب في هذا، ومخرجها مخرج رؤية العين، ويجوز في مثل هذا مع الرؤية، ولا يجوز مع العلم ا. هـ. ذكره في سورة النساء، ولك أن تقول ليس هذا من التعليق في شيء، بل جملة "كيف تحيي" في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: أرني كيفي إحيائك الموتى، كما قال الكوفيون وابن مالك في {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إبراهيم: 45] أن التقدير: وتبين لكم كيفية فعلنا بهم، على أنا لا نسلم امتناع التعليق عن المفعول الثاني في باب "كسا" لجواز أن يقول: اكسني كيف شئت، كما تقول: أرني كيف تفعل؛ لأنه سؤال عن مفعول به. قلته بحثًا، ولم أره مسطورًا ، فإن صح سقط النظر الثاني، وصح عموم قول الناظم:
223- والثان منهما كثاني اثني كسا فهو به في كل حكم ذو ائتسا
__________
1 البحر المحيط 2/ 297.
2 سقطت من "ط".(1/391)
باب الفاعل
باب الفاعل:
"الفاعل" لغة من أوجد الفعل، واصطلاحًا "اسم" صريح ظاهر أو مضمر بارز أو مستتر "أو ما في تأويله" أي: الاسم "أسند إليه فعل" تام متصرف أو جامد، "أو ما في تأويله"، أي: الفعل، "مقدم"، أي: الفعل، وما في تأويله على المسند إليه، "أصلي المحل" في التقديم، "و" أصلي "الصيغة. فالاسم" الصريح الظاهر، "نحو: {تَبَارَكَ اللَّهُ} [الأعراف: 54]، والمضمر نحو: تباركت يا الله، والمستتر نحو: أقوم وقم، "والمؤول به"، أي: بالاسم ما اقترن بسابك لفظًا أو تقديرًا، والسابك هنا أنّ وأنْ، وما دون لو وكي، "نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51]، أي: إنزالنا، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]، و: [من الوافر]
324- يسر المرء ما ذهب الليالي ...............................
أي: ذهابها، ولا يقدر من هذه الأحرف إلا "أنْ" خاصة, نحو: وما راعني إلا يسير، ولا تقدر "أنّ" المشددة، ولا "ما" لعدم ثبوته، ولا يقدر فاعل مؤول بالاسم من غير سابك من هذه الأحرف الثلاثة عند البصريين، خلافًا للكوفيين، ولا حجة لهم في نحو: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: 35]، حيث أولوا "ليسجننه" بالسجن، بفتح السين على أنه فاعل "بدا" لاحتمال أن يكون فاعل "بدا"
__________
324- عجز البيت: "وكان ذهابهن له ذهابا"
، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 37، والجنى الداني ص331، والدرر 1/ 142، وشرح التسهيل 1/ 225، 2/ 105، وشرح قطر الندى ص41 ، وشرح المفصل 8/ 142، 143، وهمع الهوامع 1/ 81.(1/392)
ضميرًا مستترًا فيه راجعًا إلى المصدر المفهوم منه، والتقدير: ثم بدا لهم بداء، كما جاء مصرحًا به في نحو قول الشاعر: [من الطويل]
325- ................... بدا لي من تلك القلوص بداء
وإليه ذهب المبرد ومن وافقه. "والفعل كما مثلنا" من نحو: {تَبَارَكَ اللَّهُ} [الأعراف: 54]، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51]، "ومنه" أي: من الفعل نحو: "أتى زيد ونعم الفتى، ولا فرق في ذلك بين المتصرف" كـ"أتى" "والجامد" كـ"نعم"، "والمؤول بالفعل" يشمل اسم الفاعل، "نحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: 69]، فـ"مختلف" في تأويل يختلف، و"ألوانه" فاعل، وصح إعماله لاعتماده على موصوف محذوف، والتقدير: صنف مختلف ألوانه، ولا فرق في اسم الفاعل بين السالم كما مثل، "و" غير السالم، "نحو: منيرًا وجهه، في قولك: أتى زيد منيرًا وجهه"، وهو المشار إليه في النظم بقوله:
225- الفاعل الذي كمرفوعي أتى زيد منيرًا وجهه نعم الفتى
فـ"أتى" فعل ماض، و"زيد" فاعل، و"منيرًا" حال من "زيد"، و"وجهه" فاعل "منيرًا", وصح عمله فيه لاعتماده على صاحب الحال وهو "زيد"، وأمثلة المبالغة نحو، ضراب أو ضروب أو مضراب أو ضريب أو ضرب زيد. والصفة المشبهة نحو: زيد حسن الوجه.
واسم التفضيل نحو قوله: [من الخفيف]
326- ما رأيت امرأ أحب إليه الـ ـبذل منه إليك يابن سنان
والمصدر نحو قوله: [من الطويل]
327- ألا إن ظلم نفسه المرء بين ...............................
__________
325- صدر البيت: "لعلك والموعود حق لقاؤه"
والبيت لمحمد بن بشير في ديوانه ص29، والأغاني 16/ 77، وخزانة الأدب 9/ 213، 215، والدرر 1/ 519، وشرح شواهد المغني ص810، وللشماخ بن ضرار في ملحق ديوانه ص427، ولسان العرب 14/ 66 "بدا" وبلا نسبة في الخصائص 1/ 340، وسمط اللآلي ص705، وشرح شذور الذهب ص167، ومغني اللبيب ص388، والهوامع 1/ 247.
326- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 336، وشرح شذور الذهب ص416، وشرح عمدة الحافظ ص773، وشرح قطر الندى ص282، وهمع الهوامع 2/ 102.
327- عجز البيت: "إذ لم يصنها عن هوى يغلب العقلا"
وهو بلا نسبة في شرح قطر الندى ص267.(1/393)
واسم المصدر نحو: عجبت من عطاء الدنانير زيد، واسم الفعل نحو: [من الطويل]
328- فهيهات هيهات العقيق....... ...................................
والظرف وعديله المعتمدين، نحو: "وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابُ" [الرعد: 43]، و{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10] قاله أبو حيان. أو اسم موضوع موضع الفعل نحو: إياك أنت وزيد أن تخرجا، ففي إياك ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية، ولذلك أكد بالمنفصل المرفوع وعطف عليه المرفوع، فـ"إياك" وضع موضع "احذر" ا. هـ.
وقولنا: تام مخرج للفعل الناقص، نحو: كان زيد قائمًا فإن "زيد" لا يسمى فاعلًا حقيقة في الاصطلاح. "وقوله : مقدم رافع لتوهم دخول" "زيد" من "نحو: زيد قام"، في حد الفاعل، خلافًا للكوفيين بل "زيد" مبتدأ، "وقام" متحمل لضميره، والجملة خبره، وينبغي أن يقيد ذلك بالاختيار، فقد حكى ابن مالك عن الأعلم وابن عصفور أنهما قالا في: [من الطويل]
329- .................وقلما وصال على طول الصدود يدوم
إن "وصال" فاعل "يدوم" المذكور، لا محذوف، وإن الذي سوغ ذلك الضرورة1، ا. هـ.
"و" قوله "أصلي المحل" قيد "مخرج لنحو: قائم زيد, فإن" "زيد" فاعلا؛ لأن المسند و"هو "قائم"" مقدم اللفظ. و"أصله التأخير؛ لأنه خبر"، و"زيد" مبتدأ، هذا قول جمهور البصريين، وذهب الأخفش والكوفيون إلى جواز كون "قائم" مبتدأ، وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام، و"زيد" فاعل سد مسد الخبر، فعلى قولهم يجب إدخاله في الحد، ولا يحتاج إلى قوله: أصلي المحل، "وذكر" أصالة "الصيغة" قيد "مخرج لنحو: ضرب زيد، بضم أول الفعل وكسر ثانيه، فإنها" صيغة غير أصلية،
__________
328- تقدم تخريج البيت برقم 139.
329- صدر البيت: "صددت وأطولت الصدود وقلما"
والبيت للمرار الفقعسي في ديوانه ص480، والأزهية ص91، وخزانة الأدب 10/ 226، 227، 229, 231، والدرر 2/ 263، 579، وشرح أبيات سيبويه 1/ 105، وشرح شواهد المغني 2/ 717، ومغني اللبيب 1/ 307، 2/ 582، 590, وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 144، وخزانة الأدب 1/ 145، والخصائص 1/ 143، 257، وشرح المفصل 7/ 116، 8/ 132، 10/ 76 ، وضرائر الشعر ص201، والكتاب 1/ 31، 3/ 115، والتصريف ولسان العرب 11/ 412 "طول"، 564 "قلل"؛ والمحتسب 1/ 96، والمقتضب 1/ 84، والممتع في التصريف 2/ 482، والمنصف 1/ 191، 2/ 69، وهمع الهوامع 2/ 83، 224.
1 انظر ضرائر الشعر ص201، وشرح التسهيل 2/ 109.(1/394)
لأنها "مفرعة عن "ضرب"، بفتحهما" على الصحيح عند جمهور البصريين، فـ"زيد" ليس فاعلا بل نائب عن الفاعل, وعلى القول بأنها صيغة أصلية تحتاج إلى قيد لإخراج نائب الفاعل، ومخرج لنحو: مضروب زيد، فإنها مفرعة عن ضارب، ومخرج لنحو: أعجبني قراءة في الجامع القرآن. فالمصدر هنا بمعنى المفعول1؛ لأنه واقع موقع فعل مبني للمفعول، فصيغته مفرعة عن صيغة المبني للفاعل تقديرًا، والقرآن نائب الفاعل به، والتقدير: يعجبني أن يقرأ في الجامع القرآن، وسم الحد بعد ذلك للفاعل.
"وله أحكام" سبعة: "أحدها: الرفع"؛ لأنه عمدة إذ لا يستغني الكلام عنه، ورافعه المسند وفاقًا لسيبويه2 لا الإسناد خلافًا لخلف الأحمر3، وقد ينصب شذوذا إذا فهم المعنى، سمع من كلامهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، برفع أولهما، ونصب ثانيهما، وجعله ابن الطراوة قياسًا مطردًا، واستأنس له بعضهم بقراءة عبد الله بن كثير: "فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ" [البقرة: 37]، بنصب "آدم"، ورفع "كلمات4"، وفيه نظر، لإمكان حمله على الأصل؛ لأن من تلقى شيئًا فقد تلقاه الآخر.
"وقد يجر لفظًا بإضافة المصدر نحو: {لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة: 251] فـ"الله" فاعل، و"الناس" مفعول، والتقدير: ولولا أن يدفع الله الناس، "أو" يجر بإضافة "اسمه"، أي: المصدر، "نحو" قول عائشة رضي الله عنها: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء"5 فـ"الوضوء" مبتدأ مؤخر، و"من قبلة الرجل" خبر مقدم و"قبلة" بضم القاف اسم مصدر قبل، و"الرجل" فاعله، "وامرأته" مفعول، وسيأتي أن اسم المصدر غير العلم والميمي إنما يعمل عند الكوفيين والبغداديين، "أو" يجر "بـ"من" أو الباء الزائدتين". فالأول "نحو: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} [المائدة: 19]، أي: ما جاءنا بشير. والثاني نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] أي: كفى الله.
والثالث نحو: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36]، أي: هيهات ما توعدون.
__________
1 في "ب": "مبني".
2 الكتاب 1/ 33، 34.
3 الارتشاف 2/ 180، والمساعد 1/ 386.
4 وقرأها كذلك: ابن عباس ومجاهد، والرسم المصحفي برفع "آدم" ونصب "كلمات"، انظر الإتحاف ص134، و النشر 2/ 211.
5 الموطأ ص40.(1/395)
الحكم "الثاني: وقوعه بعد المسند" وهذا مستفاد من قوله في الحد مقدم، أي: على الفاعل، ولكن ذكره توطئه لقوله: "فإن وجد" في اللفظ "ما ظاهره أنه فاعل تقدم" على المسند" "وجب تقدير الفاعل ضمير مستترًا" في المسند، "وكون" المسند إليه "المقدم إما مبتدأ في نحو: زيد قام" ففي "قام" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية عائد على "زيد" و"زيد" مبتدأ, و"قام" وفاعله خبر "زيد"، "وإما فاعلًا" حال كونه "محذوف الفعل في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6]، فـ"أحد" مبتدأ، و"استجارك" خبره من غير حذف؛ "لأن أداة الشرط" موضوعة لتعليق فعل بفعل فهي "مختصة بالجمل الفعلية" على الأصح عند جمهور البصريين خلافًا للأخفش1 والكوفيين فيجوز عندهم أن يكون "أحد" مبتدأ، وسوغ الابتداء به تقدم الشرط عليه أو نعته بالمجرور بعده، و"استجارك" خبره "وجاز الأمران" الابتدائية والفاعلية "في نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}" [التغابن: 6] فـ"بشر" يجوز أن يكون مبتدأ, وسوغ الابتداء به تقدم الاستفهام عليه, وجملة "يهدوننا" خبره, ويجوز أن يكون فاعلًا بفعل محذوف يفسره "يهدوننا" والتقدير: أيهدينا بشر يهدوننا، والأرجح الفاعلية؛ لأن الغالب في الهمزة دخولها على الأفعال، "و" جاز الأمران في: "{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}" [الواقعة: 59]، فـ"أنتم" يجوز أن يكون مبتدأ، و"تخلقونه" خبره، ويجوز أن يكون فاعل فعل محذوف يفسره المذكور، والأصل: أتخلقون تخلقونه، فحذف الفعل احترازًا عن العبث لوجود المفسر، ثم أبدل من الضمير المتصل به ضميرًا منفصلا على ما هو القانون عند حذف العامل، "والأرجح الفاعلية"؛ لأن الاستفهام بالفعل أولى منه بالاسم، وعورض بأن في الفعلية تخالفًا في عطف جملة2 {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] عليه، وفي الابتدائية تناسبًا، والتناسب أولى من التخالف، ومن ثم قال الموضح2، في المغنى3: وتقدير الاسمية في "أأنتم تخلقونه" أرجح منه في "أبشر يهدوننا" لمعادلتها الاسمية وهي "أم نحن الخالقون".
وهذه الأرجحية وإن كانت بالنسبة إلى شيء خاص مطلوبة في الجملة لأجل المعادلة، وإذا تعارض المرجحان تساقطا، وبقي الوجهان على السواء، وما ذكره من
__________
1 انظر معاني القرآن للأخفش 2/ 550، وشرح التسهيل 2/ 110.
2 سقطت من "ب".
3 مغني اللبيب ص495.(1/396)
وجوب تأخير الفاعل عن المسند وهو مذهب البصري "وعن الكوفي جواز تقديم الفاعل" عن المسند "تمسكًا بنحو قول الزباء" بفتح الزاي والباء الموحدة المشددتين والمد، ملكة الجزيرة، وتعد من ملوك الطوائف: [من الرجز]
330- "ما للجمال مشيها وئيدا" أجندلا يحملن أم حديدًا
وجه التمسك أن "مشيها" روي مرفوعًا، ولا جائز أن يكون مبتدأ إذ لا خبر له في اللفظ إلا "وئيدًا" وهو منصوب على الحال فتعين أن يكون فاعلًا بـ"وئيدًا" مقدمًا عليه فقد تقدم الفاعل على المسند وهو المدعي، و"وئيدًا" بفتح الواو وكسر الهمزة وبعدها ياء مثناة تحت فدال مهملة التؤدة، قاله الجوهري1 وفي القاموس2: الوئيد الرزانة والتأني. "وهو عندنا" معشر البصريين "ضرورة" تبيح تقديم الفاعل على المسند كما تقدم، "أو "مشيها" مبتدأ حذف خبره" لسد الحال مسده, "أي: يظهر "وئيدًا"، كقولهم: حكمك مسمطًا3" فـ"حكمك" مبتدأ حذف خبره لسد الحال مسده، "أي: حكمك لك مثبتًا قبل أو "مشيها" بدل من ضمير الظرف" المنتقل إليه بعد حذف الاستقرار. وذلك أن "ما" الاستفهامية في محل رفع على الابتداء، و"للجمال" خبره، وهو جار ومجرور، وفيه ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية عائد على "ما"، وهذه التخريجات ضعيفة، أما الضرورة فلا داعي إليها لتمكنها من النصب على المصدرية، أو الجر على البدلية من "الجمال" بدل شتمال، وأما الابتدائية فتخريج على شاذ، كما مر في بابه, وأما الإبدال من الضمير؛ فلأنه إما بدل أو اشتمال، وكلاهما لا بد فيه من ضمير يعود على المبدل منه لفظًا أو تقديرًا، وعلى تقدير تكلفه ففيه ضعف من وجه آخر، وهو أن الضمير المستتر في الظرف ضمير "ما" الاستفهامية، وإذا أبدل "مشيها"
__________
330- الرجز للزباء في لسان العرب 3/ 443، "وأد" 3/ 193، "صرف" 100/ 148، "زهق" وأدب الكاتب ص222، والأغاني 15/ 256، وأوضح المسالك 2/ 86، وجمهرة اللغة ص742، 1237، وخزانة الأدب 7/ 295، والدرر 1/ 355، وشرح الأشموني 1/ 169، وشرح شواهد المغني 2/ 912، وتاج العروس 9/ 248 ، "وأد"، 24/ 17 "صرف" ، وشرح عمدة الحافظ ص179، ومغني اللبيب 2/ 581، وللزباء أو للخنساء في المقاصد النحوية 2/ 448، وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 159، ومقاييس اللغة 6/ 78، وكتاب العين 7/ 111، وأساس البلاغة "وأد".
1 الصحاح "وأد".
2 القاموس المحيط "وأد".
3 المثل في مجمع الأمثال 1/ 212، وجمهرة الأمثال 1/ 341، 374.(1/397)
منه وجب أن يقترن بهمزة الاستفهام؛ لأن حكم ضمير الاستفهام حكم ظاهر كما صرح به في المغني1.
فإن قلت: ما فائدة الخلاف بين أهل البلدين؟ قلت: فائدته تظهر في التثنية والجمع, فتقول على رأي الكوفيين الزيدان قام, والزيدون قام, بالإفراد فيهما، ولا يجوز ذلك على رأي البصريين، بل لا بد من الضمير المطابق في "قام"2.
الحكم "الثالث" من أحكام الفاعل: "أنه" عمدة "لا بد منه" لأن المسند حكم، ولا بد للحكم من محكوم عليه "فإن ظهر" الفاعل "في اللفظ" بأن نطق به ظاهرًا كان أو مضمرًا "نحو: قام زيد والزيدان قاما، فذاك" واضح "وإلا" يظهر في اللفظ "فهو ضمير مستتر راجع إما لمذكور" متقدم على المسند "كزيد قام، كما مر" في الحكم الثاني، ففي "قام" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية راجع إلى "زيد" المذكور قبله "أو" راجع "لما دل عليه الفعل" المسند المستتر فيه الضمير، "كالحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"3.
ففي "يشرب" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية راجع إلى "الشارب" الدال عليه "يشرب" بالالتزام، "أي: ولا يشرب هو، أي: الشارب"؛ لأن "يشرب" يستلزم شاربًا، بالإلتزام، "أي: ولا يشرب هو، أي: الشارب"؛ لأن "يشرب" يستلزم شاربًا، وحسن ذلك تقدم نظيره وهو "لا يزني الزاني"، وليس براجع إلى "الزاني" لفساد المعنى، "أو" راجع "لما دل عليه الكلام، أو" دل عليه "الحال المشاهدة"، فالأول "نحو: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي} [القيامة: 26]، ففي "بلغت" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية راجع إلى "الروح" الدال عليها سياق الكلام، "أي: إذا بلغت" هي، أي: "الروح"، و"التراقي" أعالي الصدر. "و" الثاني: "نحو قولهم" أي: العرب "إذا كان غدا فأتني"، بنصب "غدًا"، و"قوله" وهو سوار بن المضرب حين هرب من الحجاج خوفا على نفسه: [من الطويل]
331- "فإن كان لا يرضيك حتى تردني" إلى قطري لا إخالك راضيا
__________
1 مغني اللبيب ص758.
2 انظر شرح ابن عقيل 1/ 456.
3 أخرجه البخاري في كتاب الحدود برقم 6400.
331- البيت لسوار بن المضرب في المقاصد النحوية 2/ 451، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 90، وخزانة الأدب 10/ 479، والخصائص 2/ 433، وشرح الأشموني 1/ 169، وشرح المفصل 1/ 80، والمحتسب 2/ 192، وشرح التسهيل 2/ 123، 3/ 264.(1/398)
ففي "كان" فيهما ضمير مستتر مرفوع بـ"كان" مدلول عليه بالحال المشاهدة فيهما، "أي: إذا كان هو، أي: ما نحن الآن عليه من سلامة" في غد، هذا في المثال، "و" في البيت، "فإن كان هو، أي: ما تشاهده مني" ففيه لف ونشر على الترتيب، ويجوز في "كان" فيهما أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة، فإن جعلتها ناقصة كان "غدًا" في المثال و"لا يرضيك" في البيت في موضع خبرها، وإن جعلتها تامة كان "غدًا" منصوبا على الظرفية متعلقًا بـ"كان"، و"لا يرضيك" في موضع الحال من فاعل "كان"، وحكى سيبويه1: إذا كان غد، بالرفع على أنه فاعل "كان" وقد قيل: إن النصب لغة تميم، والرفع لغة غيرهم، وقطري، بفتح القاف والطاء المهملة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف هو قطري بن الفجاءة الخارجي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
226- وبعد فعل فاعل فإن ظهر فهو وإلا فضمير استتر
ففهم منه أنه لا يجوز حذف الفاعل.
"وعن الكسائي إجازة حذفه2" وتبعه السهيلي "تمسكًا بنحو ما أولناه" من الآية والحديث والمثال والبيت.
ويطرد حذف الفاعل في أربعة مواضع في باب النائب عن الفاعل، نحو: {قُضِيَ الْأَمْرُ} [يوسف: 41]، وفي الاستثناء المفرغ نحو: ما قام إلا هند، وفي "أفعل" بكسر العين في التعجب إذ دل عليه متقدم مثله، نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38]، وفي المصدر نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} [البلد: 14، 15].
الحكم "الرابع: أنه يصح حذف فعله" جوازًا "إن أجيب به نفي كقولك: بلى زيد" جوابًا "لمن قال: ما قام أحد"، فـ"زيد" فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول النفي, والجملة فعلية, "أي: بلى قام زيد" ليطابق الجواب مدخول النفي في الفعلية، ولو جعل مبتدأ حذف خبره لم يطابق، "ومنه قوله:" [من الطويل]
332- "تجلدت حتى قيل لم يعر قلبه من الوجد شيء قلت بل أعظم الوجد"
فـ"أعظم الوجد" فاعل فعل محذوف، دل عليه مدخول النفي، والتقدير: بل عراه أعظم الوجد، و"تجلدت" من التجلد، وهو التصبر على الهموم ونحوها، "ولم يعر"
__________
1 الكتاب 1/ 224.
2 في شرح الكافية الشافية 2/ 600: "أجاز الكسائي وحده حذف الفاعل إذ دل عليه دليل".
332- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 92، وتخليص الشواهد ص478، وشرح الأشموني 1/ 172، والمقاصد النحوية 2/ 453، وشرح التسهيل 2/ 120.(1/399)
بالعين والراء المهملتين، من: عراه الأمر: إذا غشيه، و"قلبه" مفعول "يعر" و"شيء" فاعله، و"بل" للإضراب، و"أعظم الوجد" شدة الشوق.
"أو" أجيب به "استفهام محقق"، أي: ملفوظ به، "نحو: نعم زيد، جوابًا لمن قال: هل جاءك أحد؟" فـ"زيد" فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام، ولم يجعله مبتدأ حذف خبره لفوات مطابقة الجواب للسؤال، "ومنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}" [الزخرف: 87]، فـ"الله" فاعل بفعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام، والتقدير: خلقنا الله؛ لأن مثل هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء يكون جوابًا عن سؤال محقق, قاله التفتازاني1، وهو متعين لأن القضية الشرطية لا تستدعي الوقوع ولا عدمه، ثم قال: والدليل على أن المرفوع فاعل فعل محذوف لا مبتدأ أنه جاء عند عدم الحذف كذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9] ا. هـ.
وهو معارض بالمثل، فيقال: والدليل على أنه مبتدأ أنه قد جاء كذلك كقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63]، إلى قوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا} [الأنعام: 64] وما يقال: إنه قدم لإفادة الاختصاص ممنوع؛ لأن الفاعل لا يجوز تقديمه على عامله على الأصح، والأحسن أن يقال إن الجملة الفعلية في هذا الباب أكثر فالحمل عليها أولى وإن كانت لا تطابق جملة السؤال في الاسمية.
"أو" أجيب به استفهام "مقدر" يدل على تقديره لفظ الفعل المبني للمفعول، قاله السيد عبد الله، "كقراءة الشامي وأبي بكر2: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ" [النور: 36، 37]، فـ"يسبح" مضارع مبني للمفعول، و"له" نائب الفاعل، وأوجبه الخفاف لخفاء الإعراب، وعدم القرينة.
وقال الموضح في الحواشي لا يجب، بل هو أولى مما بعده. و"الآصال" جمع أصل، بضمتين، و"أصل" جمع أصيل، ويجمع آصال على أصائل، و"رجال" فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام المقدر، وكأنه لما قيل: يسبح له فيها بالغدو والآصال، قيل: من يسبحه، فقيل، يسبحه رجال، ثم حذف الفعل لإشعار "يسبح" المبني للمفعول به، ولا يصح إسناد "رجال" إلى الفعل المذكور المبني للمفعول لفساد المعنى؛ لأن الرجال ليسوا مسبحين، بفتح الباء، بل مسبحين بكسرها، فالوقف دونهم.
__________
1 انظر المطول "شرح التلخيص" 2/ 14.
2 انظر القراءة في النشر 2/ 332.(1/400)
"وقوله": وهو ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد بن نهشل، كما قال التفتازاني1 والنيلي، وقال أبو عبيدة: وهو مهلهل، وقال العيني2: هو نهشل، وقال بعضهم3: هو الحارث بن نهيك النهشلي: [من الطويل]
333- "ليبك يزيد ضارع لخصومة" ومختبط مما تطيح الطوائح
فـ"ضارع" فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام المقدر، كأنه قيل: من يبكيه: فقيل: ضارع، أي: يبكيه ضارع، ثم حذف الفعل. كما قيل: إن "رجال" فاعل فعل محذوف، "أي: يسبحه رجال، ويبكيه ضارع"، و"يزيد" نائب فاعل "يبك" المجزوم بلام الأمر، والضارع الفقير الذليل، والمختبط: الذي يأتي إليك للمعروف من غير وسيلة، وتطيح من الإطاحة، وهي: الإذهاب والإهلاك، والطوائح: جمع مطيحة على غير قياس، كلواقح جمع ملقحة، والقياس المطاوح والملاقح، و"من" تعليلية متعلقة بـ"مختبط"، و"ما" مصدرية، والمعنى: ليبك يزيد رجلان ذليل ومتوقع معروف لأجل إذهاب المنايا بيزيد، ويروى: ليبك: ببناء الفعل للفاعل، و"يزيد" مفعوله، و"ضارع" فاعله، وفي كل من الروايتين وجه حسن. أما الأولى فمن جهة جعل "يزيد" الذي هو ملاذ الضعفاء في صورة العمدة وأما الثانية فمن جهة عدم الحذف.
"وهو" أي: حذف فعل الفاعل كما في الآية والبيت "قياسي، وفاقًا للجرمي4" بفتح الجيم، نسبة إلى بني جرم قبيلة مشهورة، واسمه صالح بن إسحاق، وكنيته أبو عمرو، "وابن جني5"، بكسر الجيم وإسكان الياء ليس منسوبًا، وإنما هو معرب،
__________
1 انظر المطول 2/ 14.
2 المقاصد النحوية 2/ 454.
3 خزانة الأدب 1/ 303.
333- البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب 1/ 303، وشرح شواهد الإيضاح ص94، وشرح المفصل 1/ 80، والكتاب 1/ 288، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص362، ولنهشل بن حري في خزانة الأدب 1/ 303، ولضرار بن نهشل في الدرر 1/ 358، ومعاهد التنصيص 1/ 202، وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه 1/ 110، ولنهشل أو للحارث أو لضرار أو لمزرد بن ضرار أو للمهلهل في المقاصد النحوية 2/ 454، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 345، 7/ 24، وشرح ابن الناظم ص161, وأمالي ابن الحاجب ص447, 789, وأوضح المسالك 2/ 93, وتخليص الشواهد ص478، وخزانة الأدب 8/ 139، والخصائص 2/ 353، 424.
4 الارتشاف 2/ 181.
5 الخصائص 2/ 424، وانظر الارتشاف 2/ 181، 182.(1/401)
كني، واسمه أبو الفتح، وهما من البصريين أجاز: أُكل الطعام زيد، وشرب الماء عمرو، بالبناء للمفعول فيهما، ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس1، والمرفوع في الآية والبيت خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: المسبح له رجال، والباكي ضارع صرح بالتقدير الأول أبو حيان2، وبالثاني صاحب البسيط.
"و" على القياس "لا يجوز في نحو: يوعظ" بالبناء للمفعول "في المسجد رجل" أن يجعل "رجل" فاعل فعل محذوف، "لاحتماله للمفعولية"، والرفع بالنيابة عن الفاعل، فيقع اللبس، فيجب أن يكون مرفوعًا على النيابة عن الفاعل، "بخلاف: يوعظ في المسجد رجال زيد"، فإنه يجوز أن يجعل "زيد" فاعل فعل محذوف لعدم احتماله للمفعولية؛ لأن الفعل المبني للمفعول رفع "رجال" على النيابة عن الفاعل ونائب الفاعل لا يكون إلا واحدا, كالفاعل، وكأنه لما قيل: من يعظهم قيل: زيد، أي: يعظهم زيد، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
229- ويرفع الفاعل فعل أضمرا كمثل زيد في جواب من قرا
"واستلزمه"، أي: استلزم الفعل الرافع للفاعل "ما" ذكر "قبله" من فعل "كقوله" وهو الفرزدق: [من الطويل]
334- "غداة أحلت لابن أصرح طعنة
حصين عبيطات السدائف والخمر"
فـ"الخمر" مرفوع بفعل محذوف يستلزمه "أحلت"، "أي: وحلت له الخمر؛ لأن: أحلت" المزيد "يستلزم: حلت" المجرد، وحكي أن الكسائي سئل بحضرة يونس بن حبيب عن توجيه رفع "الخمر" في هذا البيت فقال: بإضمار فعل, أي: وحلت الخمر, فقال يونس: ما أحسن والله ما وجهته غير أني سمعت الفرزدق: ينشده بنصب "طعنة"، ورفع "عبيطات" على جعل الفاعل مفعولًا، نقله محمد بن سلام، و"غداة" نصب على الظرفية، و"طعنة" فاعل "أحلت" و"حصين" بالجر بدل من "ابن أصرم"، أو عطف بيان عليه، "وعبيطات" مفعول "أحلت", والعبيط، بالعين المهملة: الطري من اللحم، و"السدائف" بالسين المهملة والفاء آخره: سقف السنام ، وغيره مما غلب
__________
1 الارتشاف 2/ 181.
2 الارتشاف 2/ 182.
334- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 254، وسمط اللآلي ص367، والمقاصد النحوية 2/ 456، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 187، وأوضح المسالك 2/ 96، وشرح المفصل 1/ 32، 8/ 70, وشرح التسهيل 2/ 119، 3/ 254.(1/402)
عليه السمن، وكان حصين بن أصرم قد قتل له قريب فحرم على نفسه شرب الخمر, وأكل اللحم الطري حتى يقتل قاتل قريبه، فلما طعنه وقتله أحلت له الطعنة شرب الخمر وأكل اللحم الطري.
"أو فسره" أي: فسر الفعل الرافع للفاعل "ما بعده" من فعل نحو: "{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] فـ"أحد" فاعل فعل محذوف يفسره "استجارك" والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك. "والحذف في هذه" الصورة الآخيرة "واجب"؛ لأن "استجارك" المذكور كالعوض من "استجارك" المحذوف ولا يجمع بين العوض والمعوض. وتقدم الخلاف فيهما.
والحكم "الخامس" من أحكام الفاعل "أن فعله" وما هو بمنزلته "يوحد مع تثنيته وجمعه، كما يوحد مع إفراده، فكما تقول: قام أخوك" وأقائم أخوك، "كذلك تقول: قام أخواك" وأقائم أخواك. "وقام إخوتك"، وأقائم إخوتك. "وقام نسوتك" وأقائم نسوتك، بتوحيد المسند في الجميع؛ لأنه لو قيل: قاما أخواك وقاموا إخوتك، وقمن نسوتك, لتوهم أن الاسم الظاهر مبتدأ مؤخر، وما قبله فعل وفاعل خبر مقدم، وكذا في تثنية الوصف وجمعه، فالتزم توحيد المسند دفعًا لهذا الإيهام، وهذا هو الفرق بين التثنية والجمع، وبين التأنيث حيث ألحقوا علامة للتأنيث دون علامتي التثنية والجمع؛ لأن علامة التأنيث ليست بعلامة إضمار فلا تلتبس بعلامة الإضمار، ولغة التوحيد هي الفصحى، وبها جاء التنزيل: "قال تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ} [المائدة: 23] {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} [الفرقان: 8]، {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: 30] وإليها أشار الناظم بقوله:
227- وجرد الفعل إذا ما أسندا لاثنين أو جمع كفاز الشهدا
"وحكى البصريون عن طيئ، و" حكى "بعضهم عن أزد شنوءة"، بفتح الهمزة وسكون الزاي أو السين، قال في الصحاح1: أزد: أبو حي من اليمن، وهو بالسين أفصح، يقال: أزد شنوءة وأزد عمان وأزد السراة. واختلف في تسميته أزدا وأسدا، فقيل: لأنه كثير العطاء، فقيل له ذلك لكثرة من يقول: أسدي إلى كذا، أو أزدي إلى كذا.
وقيل: لأنه كان كثير النكاح، والأزد والأسد: النكاح، وشنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة، "نحو: ضربوني قومك وضربنني نسوتك وضرباني أخواك"، وفي
__________
1 الصحاح "أزد".(1/403)
الحديث "أو مخرجي هم"1 قاله -صلى الله عليه وسلم- لما قال له ورقة بن نوفل: "وددت أن أكون معك إذ يخرجك قومك"، والأصل: أومخرجوي هم، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، "وقال" عمرو بن ملقط الجاهلي: [من السريع]
335- "ألفيتا عيناك عند القفا" أولى فأولى لك ذا واقيه
فـ"ألفيتا" بالبناء للمفعول فعل ماض، و"عيناك" نائب الفاعل، فألحق الفعل علامة التثنية مع إسناده إلى الظاهر، ونائب الفاعل كالفاعل، و"عند" ظرف بمعنى: قرب، متعلق بـ"ألفيتا" و"ذا واقيه" حال من مضاف إليه، وهو الكاف، و"واقيه" مصدر معناه الواقية كالكاذبة مصدر معناه الكذب: "وأولى فأولى لك" دعاء، أي: قاربك، وهذ البيت يصف به رجلا يهرب إذا اشتد الوطيس فهو يلتفت إلى ورائه مخافة يتبع فتلفى عيناه عند قفاه من شدة الالتفات، "وقال" أمية: [من المتقارب]
336- "يلومونني في اشتراء النخيـ ـل أهلي فكلهم ألوم"
فـ"أهلي" فاعل "يلومونني" فألحق الفعل علامة الجمع مع أنه مسند إلى الظاهر, و"اشتراء" مصدر مضاف إلى مفعوله، وحذف فاعله، ويروى: اشترائي النخيل بإضافة المصدر إلى فاعله، ونصب مفعوله، و"كلهم" مبتدأ، و"ألوم" بفتح الواو غير مهموز خبره، وهو اسم تفضيل من ليم، بالبناء للمفعول، كقيل، أي: وكلهم أكثر ملومية، واللوم: العذل، ويروى: وكلهم يعذل، وبعده2:
وأهل الذي باع يلحونه كما لحي البائع الأول
__________
1 أخرجه البخاري في بدء الوحي برقم 3.
335- البيت لعمرو بن ملقط في تخليص الشواهد ص474، وخزانة الأدب 9/ 21، وشرح شواهد المغني 1/ 331, والمقاصد النحوية 2/ 458، ونوادر أبي زيد ص62، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 98، ورصف المباني ص19، وسر صناعة الإعراب 2/ 718، وشرح المفصل 3/ 88، والصاحبي في فقه اللغة ص177، ومغني اللبيب 2/ 371.
336- البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص48، والدرر 1/ 356، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 363, وأوضح المسالك 2/ 100, وسر صناعة الإعراب 2/ 629, وشرح الأشموني 1/ 70, وشرح شواهد المغني 2/ 783، وشرح ابن عقيل 1/ 470، وشرح المفصل 3/ 87، 7/ 7, ومغني اللبيب 2/ 356، والمقاصد النحوية 2/ 460، وهمع الهوامع 1/ 160.
2 ورد هذا البيت في الدرر 1/ 357.(1/404)
"وقال" آخر: [من الكامل]
337- "نتج الربيع محاسنًا ألقحنها غير السحائب"
فـ"غر" جمع غراء، ومؤنث أغر، بمعنى أبيض، فاعل ألقح، وألقحه علامة جمع المؤنث وهي النون، و"السحائب" جمع سحابة، والفعل والفاعل نعت "محاسنًا"، و"محاسن" جمع محسن كـ: مساوئ جمع مسوأ على غير قياس، والوصف في ذلك كالفعل، إلا أن الوصف إذا أسند إلى جماعة الإناث لحقه الألف والتاء دون النون، نحو: أقائمات الهندات.
"والصحيح" عند سيبويه1 ومتابعيه "أن الألف والواو والنون في ذلك" المسموع "أحرف"، وأن طيئًا وأزد شنوءة "دلوا بها على التثنية والجمع" تذكيرا وتأنيثًا، "كما دل الجميع" من العرب "بالتاء في "قامت" على التأنيث" بجامع الفرعية عن الغير، فالمثنى والجمع فرع الإفراد، كما أن المؤنث فرع المذكر. قال سيبويه2: واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، فشبهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في: قالت فلانة، فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة كما جعلوا للمؤنث علامة، ثم قال: وهي لغة قليلة. وإلى ذلك يشير قول الناظم:
228- وقد يقال سعدا وسعدوا والفعل للظاهر بعد مسند
"لا أنها ضمائر للفاعلين، وما بعدها" من الظواهر مبتدأ وهي ما قبلها خبر "على التقديم" للخبر، "والتأخير" للمبتدأ "أو" ما بعدها "تابع" لها "على الإبدال من الضمير" بدل كل من كل. "و" الصحيح أيضًا "أن هذه اللغة" وهي إلحاق العلامات "لا تمتنع من المفردين أو المفردات المتعاطفة" بغير "أو" خلافًا لزاعمي ذلك"، بكسر ميم الجمع، أي: خلافًا لمن زعم أن الظواهر مبتدآت، ولمن زعم أنها إبدال، ولمن زعم امتناع هذه اللغة مع المتعاطفات، وإنما كان الصحيح أنها أحرف لا ضمائر "لقول الأئمة" من أهل اللغة "إن ذلك لغة لقوم معينين، وتقديم الخبر" كما يقول به الأول "والإبدال" من الضمير كما يقول به الثاني يجيزهما جميع العرب "ولا يختصان بلغة قوم بأعيانهم"، قاله ابن مالك في شرح التسهيل3، وإنما كان الصحيح أن هذه اللغة لا تمتنع
__________
337- البيت لأبي فراس الحمداني في ديوانه ص28، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 102، والدرر 1/ 357، والمقاصد النحوية 2/ 460، وهمع الهوامع 1/ 160.
1 الكتاب 2/ 36.
2 الكتاب 2/ 40.
3 شرح التسهيل 2/ 117، وشرح الكافية الشافية 2/ 581.(1/405)
مع المتعاطفات "لمجيء قوله" وهو عبيد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما: [من الطويل]
338- تولى قتال المارقين بنفسه "وقد أسلماه مبعد وحميم"
فألحق علامة التثنية وهي الألف في "أسلماه" مع المتعاطفين وهما "مبعد وحميم" و"المارقين"، الخوارج، من: مرق السهم مروقًا إذا خرج من الجانب الآخر، و"أسلماه": خذلاه، يقال: أسلمت فلانًا إذا لم تعنه ولم تنصره على عدوه، و"المبعد": اسم مفعول من الإبعاد، والمراد به الأجنبي من النسب، و"الحميم": القريب. "وقوله" وهو عروة بن الورد يمدح الغنى ويذم الفقر: [من الوافر]
339- ذريني للغنى أسعى فإني رأيت الناس شرهم الفقير
وأحقرهم وأهونهم عليه "وإن كانا له نسب وخير"
فألحق علامة التثنية وهي الألف في "كانا" مع المتعاطفين وهما "نسب وخير" بكسر الخاء المعجمة أي: الكرم، والمعنى: وإن كان للفقير نسب وكرم فهو أحقر الناس وأهونهم لأجل فقره، وبهذين البيتين رد أبو حيان على الخضراوي حيث قال: لا نعلم أحدًا يجيز: قاما زيد وعمرو، ولا قاموا زيد وعمرو وبكر، وقال الموضح في المغني1: وليس الرد بشيء؛ لأنه يمنع التخريج لا التركيب ا. هـ.
والحكم "السادس" من أحكام الفاعل: "أنه إن كان مؤنثًا أنث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي"، جامدًا كان أو متصرفًا، تاما كان أو ناقصًا، وذلك مستفاد من قول الناظم:
230- وتاء تأنيث تلي الماضي إذا كان لأنثى .......................
"وبتاء المضارعة في أول المضارع" ولم يتعرض له في النظم، "ويجب ذلك" التأنيث "في مسألتين: أحدهما: أن يكون" الفاعل "ضميرًا متصلًا" لغائية حقيقية التأنيث أو مجازيته، ونعني بحقيقي التأنيث ما له فرج، والمجازي خلافه فالحقيقة:
__________
338- البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص196، وتخليص الشواهد 473، والدرر 1/ 356، وشرح شواهد المغني 2/ 784، 790، والمقاصد النحوية 2/ 461، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 106، والجنى الداني ص175، وجواهر الأدب ص109، وشرح ابن الناظم ص159، وشرح الأشموني 1/ 170، وشرح ابن عقيل 1/ 469، ومغني اللبيب 2/ 367، 371، وهمع الهوامع 1/ 160.
339- البيتان لعروة بن الورد في ديوانه ص91، والمقاصد النحوية 2/ 462.
1 مغني اللبيب ص481.(1/406)
"كـ: هند قامت أو تقوم، و" المجازية نحو: " الشمس طلعت أو تطلع"، وإنما وجب تأنيث الفعل في ذلك لئلا يتوهم أن ثم فاعلًا مذكرًا منتظرًا إذ يجوز أن يقال، هند قام أبوها، والشمس طلع قرنها، "بخلاف" الضمير "المنفصل، نحو:" هند "ما قام" إلا هي، "أو ما يقوم إلا هي"، والشمس ما طلع إلا هي، أو ما يطلع إلا هي، فالتذكير واجب في النثر لعدم التوهم المذكور؛ لأن الفعل لا يكون له فاعلان، وبخلاف قول المرأة الحاضرة: قمت أو أقوم، فإنه لا يمكن تأنيثه، وإن كان ضميرًا متصلًا لمؤنث "و" تاء التأنيث "يجوز تركها في الشعر" مع اتصال الضمير :"إن كان التأنيث مجازيا"، وإليه أشار الناظم بقوله:
234- ............... ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع
"كقوله" وهو عامر بن جوين الطائي يصف سحابة وأرضا نافعتين1: [من المتقارب]
340- فلا مزنة ودقت ودقها "ولا أرض أبقل إبقالها"
وكان القياس "أبقلت"؛ لأن الفاعل ضمير مؤنث متصل، ولكنه حذف التاء للضرورة، وقال ابن كيسان: يجوز ترك التاء في الكلام النثر، يقال: الشمس طلع، كما يقال: طلع الشمس؛ لأن التأنيث مجازي ولا فرق بين المضمر والظاهر، واستدل على ذلك بأن الشاعر كان يمكنه أن يقول: أبقلت إبقالها، بالنقل، فلما عدل عن ذلك مع تمكنه منه دل على أنه مختار لا مضطر: وأجيب بأنه إنما يثبت ما ذكره بعد ثبوت أن هذ الشاعر ممن يخفف الهمز بالنقل وغيره، فإن من العرب من لا يجيز في الهمز إلا التحقيق، وقد يعارض بالمثل، فيقال: إنما تثبت دعوى الضرورة بعد ثبوت كونه ممن لا يخفف الهمز بالنقل, ويؤيد ما قاله ابن كيسان أن الأعلم حكى في شرح أبيات كتاب سيبويه أنه روى2: أبقلت إبقالها
__________
1 سقطت من "ب".
340- البيت لعامر بن جوين في تخليص الشواهد ص483، وخزانة الأدب 1/ 45، 49، 50، والدرر 2/ 540، وشرح شواهد الإيضاح ص339، 460، وشرح شواهد المغني 2/ 943، والكتاب 2/ 46، ولسان العرب 7/ 111 "أرض"، 11/ 60 "بقل"، والمقاصد النحوية 2/ 464، وتاج العروس "ودق" "بقل"، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 352، وأوضح المسالك 2/ 108، وشرح ابن الناظم ص163، وشرح أبيات سيبويه 1/ 57، وشرح ابن عقيل 1/ 480، ومغني اللبيب 2/ 656، وشرح المفصل 5/ 94، وهمع الهوامع 2/ 171.
2 شرح أبيات سيبويه 1/ 240.(1/407)
بتخفيف الهمزة، قال: ولا ضرورة فيه على هذا، إذ هذا دليل على أن قائله يجيز النقل، قال وعلى رواية تحقيق الهمزة إنما هو لتأويل الأرض بالمكان، فلا ضرورة ا. هـ .
وفي هذا التأويل نظر؛ لأن الهاء في "إبقالها" يأباه. "وقوله" وهو الأعشى ميمون بن قيس في قصيدة يمدح بها رهط قيس بن معد يكرب ويزيد بن عبد الدار الحارثي: [من المتقارب]
341- فإما تريني ولي لمة "فإن الحوادث أودى بها"
وكان القياس "أودت"؛ لأن الفاعل ضمير متصل، ولكنه حذف التاء ضرورة، و"اللمة" بكسر اللام، وتشديد الميم: شعر الرأس دون الجمة، و"الحوادث" جمع حادثة، والجمع في معنى الجماعة والجماعة مؤنث مجازي، وقيل: المراد الحدثان الليل والنهار، و"أودى" بمعنى: هلك يتعدى بالباء.
"و" المسألة "الثانية" من وجوب التأنيث "أن يكون" الفاعل ظاهرًا "متصلا" بالفعل، "حقيقي التأنيث نحو: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} [آل عمران: 35] وإلى هاتين المسألتين أشار الناظم بقوله:
231- وإنما تلزم فعل مضمر متصل أو مفهم ذات جر
"وشذ قول بعضهم: قال فلانة"، حكاه سيبويه عن بعض العرب1، "وهو رديء لا ينقاس"، فيقتصر فيه على السماع، وظاهر قول الناظم:
234- والحذف قد يأتي بلا فصل..... .....................................
أنه ينقاس على قلة، "وإنما جاز في" الكلام "الفصيح، نحو: نعم المرأة" في المدح، "وبئس المرأة" في الذم بترك التاء فيهما؛ "لأن المراد" بالمرأة فيهما "الجنس" وهو مؤنث مجازي، "وسيأتي أن الجنس" فيه معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، فلذلك "يجوز فيه ذلك" الترك، وإليه أشار الناظم قوله:
236- والحذف في نعم الفتاة استحسنوا لأن قصد الجنس فيه بين
__________
341- البيت للأعشى في ديوانه ص221، وخزانة الأدب 11/ 431، 432، 433, وشرح أبيات سيبويه 1/ 477، وشرح شواهد الإيضاح ص346، وشرح المفصل 5/ 95، 9/ 41، والكتاب 2/ 46، ولسان العرب 2/ 132 "حدث"، 15/ 385 "ودي" والمقاصد النحوية 2/ 466، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 764، وأوضح المسالك 2/ 110، ورصف المباني 103، 316، وشرح ابن الناظم ص540، وشرح الأشموني 1/ 175، وشرح المفصل 9/ 6، وأمالي ابن الشجرى 2/ 345.
1 الكتاب 2/ 38.(1/408)
"ويجوز الوجهان" التأنيث والتذكير "في مسألتين:
إحداهما:" المؤنث الحقيقي الظاهر "المنفصل" من الفعل بفاصل، "كقوله" وهو جرير بن الخطفى يهجو الأخطل: [من الوافر]
342- "لقد ولد الأخيطل أم سوء" على باب استها صلب وشام
فترك التاء من "ولدت" جائز لوجود الفصل بالمفعول وهو الأخيطل بالتصغير، والصلب: بضم الصاد المهملة واللام جمع صليب النصارى، والشام جمع شامة، "وقولهم" أي: العرب: "حضر القاضي اليوم امراة"، فامرأة فاعل "حضر" وترك التاء للفصل بالمفعول وذكر الظرف قصدًا لحكاية الشاهد بتمامه. وإنما لم يجب التأنيث مع الفصل؛ لأن الفعل بعد عن الفاعل المؤنث، وضعفت العناية به، وصار الفصل كالعوض من تاء التأنيث، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
232- وقد يبيح الفصل ترك التاء في نحو أتى القاضي بنت الواقف
"والتأنيث أكثر" من التذكير لقوة جانبه، "إلا إن كان الفاصل" بين الفعل وفاعله المؤنث "إلا" الاستثنائية الإيجابية، "فالتأنيث خاص بالشعر، نص عليه الأخفش" وأوجب التذكير في الكلام، نحو: ما قام إلا هند؛ لأن ما بعد "إلا" ليس هو الفاعل في الحقيقة، وإنما هو بدل من فاعل مقدر قبل "إلا"، وذلك المقدر هو المستثنى منه وهو مذكر، ولذلك ذكر الفعل، والتقدير: ما
قام أحد إلا هند، "وأنشد" الأخفش "على التأنيث" في الشعر: [من الرجز]
343- "ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم"
فـ"بنات العم" فاعل "برئت" وأنثه مع وجود الفصل بـ"إلا"، وجوزه ابن مالك في النثر" على قلة فقال1:
233- والحذف مع فصل بإلا فضلا كما زكا إلا فتاة ابن العلا
__________
342- البيت لجرير في ديوانه ص283، وشرح شواهد الإيضاح ص338، 405، وشرح المفصل 5/ 92، ولسان العرب 1/ 529، "صلب" والمقاصد النحوية 2/ 468، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 175، وأوضح المسالك 2/ 112، وجواهر الأدب ص113، والخصائص 2/ 414، وشرح الأشموني 1/ 173، والمقتضب 2/ 148، 3/ 349، والممتع في التصريف 1/ 218.
343- الرجز بلا نسبة في الدرر 2/ 543، وشرح الأشموني 1/ 174، وشرح شذور الذهب ص176، والمقاصد النحوية 2/ 471، وهمع الهوامع 2/ 171.
1 شرح التسهيل 2/ 114.(1/409)
"وقرئ: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ" [يس: 29] بالرفع1، وقرأ مالك بن دينار والحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري بخلاف عنه، وجماعة من التابعين: "فَأَصْبَحُوا لَا تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ" [الأحقاف: 25] بضم التاء من "ترى" ورفع "مساكنهم" على النيابة عن الفاعل، وقال ابن جني2: إنها ضعيفة في العربية.
المسألة "الثانية" من جواز الوجهين: "المجازي التأنيث، نحو: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}" [القيامة: 9]، ولو ورد: "وجمعت"، بالتاء، لم يمتنع، "ومنه" أي: من مجازي التأنيث "اسم الجنس" كشجر، "واسم الجمع" المعرب: كقوم ونسوة، "والجمع" المكسر "كإعراب، وهنود" "لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، فلذلك جاز التأنيث" في الفعل مع اسم الجمع، "نحو: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ}" [ق: 12]، "و" مع الجمع المكسر نحو: "{قَالَتِ الْأَعْرَابُ}" [الحجرات: 14] "و" مع اسم الجنس نحو: "أورقت الشجر، و" جاز "التذكير" في الفعل مع اسم الجنس "نحو: أورق الشجر، و" مع اسم الجمع المذكر نحو: "{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ}" [الأنعام: 66] "و" مع اسم جمع مؤنث نحو: "{وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: 30]، "و" مع الجمع المكسر المذكر نحو: "قال الرجال، و" مع جمع التكسير المؤنث نحو: "جاء الهنود"، فأتى في جانب التذكير بالنشر مرتبًا على ترتيب اللف، وفي جانب التأنيث مختلطًا، كقوله: هو شمس وأسد وبحر جود وبهاء وشجاعة، وقيدنا اسم الجمع بالمعرب احترازًا من اسم الجمع المبني نحو: الذين، فإنه لا يقال فيه قالت الذين آمنوا، بالتأنيث، وإن قيل إنه جمع "الذي"، وإنما لم يجب التأنيث مع المؤنث المجازي لأمرين: أحدهما: أن التأنيث غير حقيقي، فتضعف العناية به. والثاني: أن هذا المؤنث في معنى المذكر فيحمل عليه كما حمل المذكر على المؤنث في: جاءتني كتاب زيد، أي: صحيفته، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
335-
والتاء مع جمع سوى السالم من لتاء مع إحدى اللبن
إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح" المذكر والمؤنث "أوجبت التذكير" في الفعل "في نحو: قام الزيدون"، وفي التنزيل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]، "و" أوجبت "التأنيث في" الفعل، "نحو: قامت الهندات" هذا مذهب سيبويه3 وجمهور البصريين، "خلافًا للكوفيين فيهما"، فإنهم أجازوا في
__________
1 قرأها بالرفع: أبو جعفر وشيبة ومعاذ والحارث، انظر الإتحاف ص364، والنشر 2/ 353.
2 المحتسب 2/ 266.
3 الكتاب 2/ 38.(1/410)
الفعل مع كل من جمعي التصحيح التذكير والتأنيث، "و" خلافًا "للفارسي" من البصريين "في" جمع تصحيح "المؤنث" فإنه انفرد عن أصحابه بجواز الأمرين، ووافق أصحابه في وجوب تذكير الفعل مع تصحيح المذكر، وتبعه الناظم فلم يستثنه، "واحتجوا بنحو: {إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}" [يونس: 90] فأنث الفعل مع جمع تصحيح المذكر، "و" بنحو: "{إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}" [الممتحنة: 12] فذكر الفعل مع جمع تصحيح المؤنث، "و" بنحو "قوله": [من الكامل]
344- "فبكى بناتي شجوهن وزوجتي" والطامعون إلي ثم تصدعوا
فذكر الفعل مع إسناده إلى جمع تصحيح المؤنث، و"شجوهن" بمعنى: حزنهن مفعول لأجله، و"تصدعوا": انصرفوا. "وأجيب بأن "البنين"" في قوله: "بنو إسرائيل" "و"البنات"" في قوله: "بناتي" "لم يسلم فيهما لفظ الواحد"، إذ الأصل، بنو، فحذفت لامه، وزيد عليه واو ونون في التذكير وألف وتاء في التأنيث، فلما لم يسلم فيه بناء الواحد عومل معاملة جمع التكسير، وليس الكلام فيه. قال الشاطبي1: ومحل الخلاف في تصحيح الجمعين إذا لم يحصل تغيير فيهما، أما ما تغير منهما: كبنين وبنات فيجوز فيه الوجهان اتفاقًا ا. هـ. "وبأن التذكير في "جاءك" المؤمنات" "للفصل" بالمفعول وهو الكاف على حد قولهم: حضر القاضي امرأة، "أو لأن الأصل النساء المؤمنات" والنساء: اسم جمع، فحذف الموصوف وخلفته صفته، فعوملت معاملته "أو لأن: أل" في "المؤمنات" اسم موصول "مقدرة باللاتي، وهي" أي: اللاتي "اسم جمع" وتقدم أنه يجوز مع الفصل واسم الجمع التذكير والتأنيث، قيل: وفي هذه الأجوبة الثلاثة الأخيرة نظر. أما الأول فلان الفصل بغير "إلا " الأرجح فيه التأنيث وتركه مرجوح، وقد أجمعت السبعة هنا على تركه، فيلزم أن يكونوا قد أجمعوا على وجه مرجوح، وأما الثاني فلأنه يلزم منه حذف الفاعل، والبصري لا يقول به فلا يحسن منه ارتكابه، وفيه نظر؛ لأن الصفة قامت مقام الموصوف, وأما الثالث فلأن "أل" في نحو: المؤمن والكافر معرفة لكون الوصف للثبوت والدوام، لا للحدوث، والتجدد، وسكت الموضح تبعًا للناظم عن إسناد الفعل إلى المثنى، وحكمه حكم مفرده، فإن كان لمذكر وجب
__________
344- البيت لعبدة بن الطبيب في ديوانه ص50، وشرح اختيارات المفضل ص701، ونوادر أبي زيد ص23، ولأبي ذؤيب في المقاصد النحوية 2/ 472، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 116، والخصائص 3/ 295، وشرح الأشموني 1/ 175.
1 حاشية الصبان 2/ 54.(1/411)
تذكير الفعل نحو: {قَالَ رَجُلَانِ} [المائدة: 23] وإن كان لمؤنث وجب تأنيث فعله، نحو قالت الهندات.
والحكم "السابع" من أحكام الفاعل: "أن الأصل فيه أن يتصل بفعله"؛ لأنه منزل منه منزلة جزئه, "ثم يجيء المفعول" بعدهما، "وقد يعكس" ذلك فيتصل المفعول بالفعل. ثم يجيء الفاعل بعدهما، "وقد" يتأخر الفعل والفاعل، و"يتقدمهما المفعول، وكل من ذلك" المذكور من تقديم الفاعل على المفعول وعكسه، وتقديم المفعول على الفعل والفاعل جميعًا "جائز وواجب" فهذه ست مسائل داخلة تحت قول الناظم:
237- والأصل في الفاعل أن يتصلا والأصل في المفعول أن ينفصلا
238- وقد يجاء بخلاف الأصل وقد يجيء المفعول قبل الفعل
"فأما جواز الأصل" وهو تقديم الفاعل على المفعول "فتحو: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}" [النمل: 16]، فـ"سليمان" فاعل و"داود" مفعول. "وأما وجوبه"، أي: الأصل "ففي مسألتين:
إحداهما أن يخشى اللبس" في الفاعل ولا قرينة تميز الفاعل من المفعول، "كـ: ضرب موسى عيسى" فـ"موسى" فاعل، و"عيسى" مفعول، ويمتنع هنا تقديم المفعول على الفاعل خشية التباس أحدهما بالآخر، وصور ذلك ست عشرة صورة، قامت من ضرب أربع في مثلها، وذلك بأن يكونا مقصورين أو إشارتين أو موصولين أو مضافين لياء المتكلم، وكلها داخلة تحت قول الناظم:
239- وأخر المفعول إن لبس حذر ..................................
فيتعين في هذه الصورة أن يكون الأول منهما فاعلًا، والثاني مفعولًا، "قاله أبو بكر" بن السراج1 "والمتأخرون كالجزولي2 وابن عصفور3 وابن مالك" في النظم وغيره4، "وخالفهم" في ذلك "ابن الحاج" في نقده على المقرب لابن عصفور، فقال5: لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية، "محتجا بأن العرب تجيز تصغير عمرو وعمر" على عمير، مع وجود اللبس، "وبأن الإجمال من مقاصد
__________
1 انظر الأصول 2/ 245.
2 الجزولية 50، 51.
3 المقرب 1/ 53.
4 شرح الكافية الشافية 2/ 589.
5 انظر الارتشاف 2/ 199.(1/412)
العقلاء" فإن لهم غرضًا في الإجمال، كما أن لهم غرضًا في البيان، "وبأنه يجوز" أن يقال: زيد وعمرو "ضرب أحدهما الآخر"، إذ لا يبعد أن يقصد قاصد ضرب أحدهما من غير تعيين، فيأتي باللفظ المحتمل، "وبأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز عقلا باتفاق" عند الأصوليين، ولغة عند النحويين، فلا يمتنع أن يتكلم بالمجمل ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة، كـ: مختار ومنقاد، فإنهما مجملان لترددهما بين الفعل والمفعول بقلب عينهما المكسورة أو المفتوحة ألفًا، "و" جائز "شرعًا على الأصح" خلافًا للمعتزلة وكثير من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الظاهر، وأبي إسحاق المروزي وأبي بكر الصيرفي؛ لأن المراد بالبيان حصول تمكن المكلف من امتثال الأمر، ولا حاجة لذلك إلا عند تعيين الامتثال، فأما قبل ذلك فلا، "وبأن الزجاج نقل" في معانيه "أنه لا خلاف" بين النحويين "في أنه يجوز في نحو: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15] كون "تلك" اسمها"، أي: اسم "زال"، "و"دعواهم" الخبر، وبالعكس"، انتهى كلام ابن الحاج.
قال المرادي1: ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية جواز مثل ذلك في ضرب موسى عيسى؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم "زال" بخبرها، وذلك واضح ا. هـ. وكذا يقال في الباقي, فلو زال الالتباس بقرينة لفظية نحو: ضربت موسى سعدى، أو معنوية كأكلت الكمثرى الحبلى جاز التقديم بلا خلاف.
المسألة "الثانية" من مسائل وجوب تقديم الفاعل على المفعول "أن يحصر المفعول بـ"إنما"، نحو: إنما ضرب زيد عمرا"، فيجب تقديم الفاعل على المفعول اتفاقًا؛ لأنه لو أخر انقلب المعنى؛ وذلك لأن معنى قولنا: إنما ضرب زيد عمرًا انحصار ضرب زيد في عمرو، مع جواز أن يكون عمرو مضروبًا لشخص آخر، فإذا أخر وقيل إنما ضرب عمرًا زيد جاز أن يكون زيد ضاربًا لشخص آخر، ولم يجز أن يكون عمرو مضروبًا لشخص آخر، "وكذا الحصر بـ"إلا" عند" أبي موسى "الجزولي2 وجماعة" من المتأخرين فإنهم أوجبوا تأخير المفعول المحصور بـ"إلا" نحو: ما ضرب زيد إلا عمرًا، "وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري" من الكوفيين "
تقديمه"، أي: المفعول مع "إلا" "على الفاعل3 كقوله" وهو دعبل بن علي الخزاعي: [من الطويل]
__________
1 شرح المرادي 2/ 17.
2 الجزولية ص51.
3 انظر شرح التسهيل 2/ 134.(1/413)
345- "ولما أبى إلا جماحًا فؤاده" ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل
فقدم المفعول المحصور بـ"إلا" وهو "جماحا" على الفاعل وهو "فؤاده"، والجماح هنا الإسراع, والجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يرده شيء، وقوله وهو مجنون بني عامر: [من الطويل]
346- تزودت من ليلى بتكليم ساعة "فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها"
فقدم المفعول المحصور بـ"إلا" وهو "ضعيف" على الفاعل وهو كلامها، و"قوله" وهو زهير بن أبي سلمى بضم السين: [من الطويل]
347- وهل ينبت الخطي إلا وشيجه "ويغرس إلا في منابتها النخل"
فقدم الجار والمجرور وهو بمثابة المفعول المحصور بـ"إلا" على نائب الفاعل، وهو "النخل" لأنه بمثابة الفاعل، "وينبت" بضم الياء مضارع أنبت، و"الخطي" بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء الرمح المنسوب إلى الخط، وهو سيف البحر عند عمان، بتخفيف الميم والبحرين مفعول مقدم، و"وشيجه"، بالشين المعجمة والجيم جمع وشيجة وهي عروق شجر الرماح فاعل مؤخر، "ويغرس" بالبناء للمفعول و"النخل" نائب الفاعل، والمانع لتقديم المفعول المحصور مع "إلا" على الفاعل يدعي تقدير عامل للمرفوع: قال في التسهيل1 وتبعه في المغني2: ولا يعمل ما قبل "إلا" فيما بعدها إلا
__________
345- البيت لدعبل بن علي الجزاعي في ملحق ديوانه ص349، والدرر 1/ 360، والمقاصد النحوية 2/ 480 ، وللحسن بن مطير في ديوانه ص182، وسمط اللآلي ص502، ولابن الدمينة في ديوانه ص94، وللمجنون في ديوانه ص181، وبلا نسبة في أمالي القالي 1/ 223، وأوضح المسالك 2/ 121، وتذكر النحاة ص334، والحماسة البصرية 2/ 173، والزهرة ص87، وشرح الأشموني 1/ 177، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1292، وهمع الهوامع 1/ 161.
346- البيت للمجنون في ديوانه ص194، والدرر 1/ 259 ، وشرح ابن الناظم ص165، والمقاصد النحوية 2/ 481، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 122، وتخليص الشواهد ص486، والدرر 1/ 496، وشرح الأشموني 1/ 177، وشرح ابن عقيل 1/ 491، وشرح التسهيل 2/ 134، وشرح الكافية الشافية 2/ 591، وهمع الهوامع 1/ 161، 230.
347- البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص115، والمقاصد النحوية 2/ 482، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 123، وتذكرة النحاة 334، ولسان العرب 7/ 290، "خطط" وشرح التسهيل 2/ 134، 305.
1 التسهيل ص75.
2 مغني اللبيب ص98.(1/414)
أن يكون مستثنى نحو: ما قام إلا زيد، أو مستثنى منه، نحو: ما قام إلا زيدًا أحد، أو تابعًا له نحو: ما قام أحد إلا زيدًا فاضل، وما ظن من غير هذه الثلاثة معمولا لما قبلها قدر له عامل، ا. هـ.
ولو قيل المرفوع في هذه الأبيات ليس واقعًا في مركزه الأصلي؛ لأنه مؤخر من تقديم فهو واقع قبل "إلا" تقديرًا لا بعدها لم يبعد, ولكنهم لم ينظروا إلى ذلك محتجين بأن الشيء إذا حل في موضعه لا ينوى مع غيره؛ وإلا لجاز ضرب غلامه زيدًا وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
240- وما بإلا أو بإنما انحصر أخر وقد يسبق إن قصد ظهر
"وأما توسط المفعول" بين الفعل والفاعل "جوازًا، فنحو: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}" [القمر: 41] فـ"النذر" فاعل "جاء" و"آل فرعون" مفعول به متوسط بين الفعل والفاعل، "و" نحو "قولك: خاف ربه عمر"، فـ"عمر" فاعل و"ربه" مفعول. "قال" جرير يمدح عمر بن عبد العزيز: [من البسيط]
348- جاء الخلافة إذ كانت له قدرًا "كما أتى ربه موسى على قدر"
فـ"موسى" فاعل و"ربه" مفعول متوسط بين الفعل وفاعله، ولا يضر اتصاله بضمير الفاعل المتأخر لتقدمه في الرتبة، وإليه أشار الناظم بقوله:
241- وشاعه نحو خاف ربه عمر .................................
والمراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
"وأما وجوبه" أي: وجوب توسط المفعول بين الفعل وفاعله "ففي مسألتين:
إحداهما أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ}" [البقرة: 124]، فـ"إبراهيم" مفعول مقدم، و"ربه" فاعل مؤخر وجوبًا، "و" نحو: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [غافر: 52] فـ"معذرتهم" فاعل مؤخر، و"الظالمين" مفعول مقدم وجوبًا، وإنما وجب تقديم المفعول فيهما لئلا يعود ضمير على المفعول، وهو متأخر لفظا ورتبة، "و" لأجل ذلك "لا يجيز أكثر النحويين نحو: زان نوره الشجر" بتقديم الفاعل على المفعول، "لا في نثر ولا في شعر، وأجازه فيهما
__________
348- البيت لجرير في ديوانه 416، والأزهية 114، وخزانة الأدب 11/ 69، والدرر 2/ 439، وشرح شواهد المغني 1/ 196، ومغني اللبيب 1/ 62، 70، والمقاصد النحوية 2/ 485، 4/ 145، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 124، والجنى الداني 230، وشرح ابن الناظم ص479، وشرح الأشموني 1/ 178، وشرح قطر الندى 184، وهمع الهوامع 2/ 134.(1/415)
الأخفش وابن جني1" من البصريين "و" أبو عبد الله "الطوال"، بضم الطاء، وتخفيف الواو من الكوفيين "وابن مالك" في التسهيل2 في باب الضمير "احتجاجًا" في النثر بقولهم: ضربوني وضربت قومك، بإعمال الثاني، حكاه سيبويه3، وأجازه البصريون، وضربته زيدًا، بإبدال "زيد" من الهاء بإجماع، حكاه ابن كيسان، وكلاهما فيه ما في: ضرب غلامه زيدًا من تقديم ضمير على مفسر مؤخر الرتبة وفي الشعر، "بنحو قوله" وهو النابغة أو أبو الأسود أو عبد الله بن همارق على اختلاف فيه: [من الطويل]
349- "جزى ربه عني عدي بن حاتم" جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
فـ"ربه" فاعل، وهو متصل بضمير عائد إلى "عدي" وهو مفعول، ورتبته التأخير، و"جزاء الكلاب" مفعول مطلق. واختلف في معنى "جزاء الكلاب" فقيل هو الضرب والرمي بالحجارة. وقال الأعلم ليس بشيء، وإنما هو دعاء عليه بالابنة إذ الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد، وهذا من ألطف الهجو4. "والصحيح جوازه في الشعر فقط" للضرورة، وهو الإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر، فلا يقاس عليه، وأما الإعمال، والبدل فمستثنيان لمجيئهما على خلاف الأصل، إذ الأصل والكثير الشائع تقدم مفسر ضمير الغائب باعتراف ابن مالك وغيره، فمتى جاء ما يخالفه فلا يعول عليه في قياس ما ليس من بابه عليه، كما استثنى بيع العرايا بخرصها تمرًا إلى الجذاذ مما خارج عن القواعد، وإلى ذلك أشار الناظم فقال:
241- ................... وشذ نحو زان نوره الشجر
"و" المسألة "الثانية" من مسألتي وجوب توسط المفعول بين الفعل وفاعله
__________
1 الخصائص 1/ 293، 294.
2 التسهيل ص28.
3 الكتاب 2/ 40.
349- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص191، والخصائص 1/ 294، وله أو لأبي الدؤلي في خزانة الأدب 1/ 277، 278، 281, 287, والدرر 1/ 114، وللنابغة أو لأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق في المقاصد النحوية 2/ 487، ولأبي الأسود الدؤلي في ملحق ديوانه ص401، وتخليص الشواهد ص490، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 125، وشرح الأشموني 2/ 59، وشرح شذور الذهب ص137، وشرح ابن عقيل 1/ 496، ولسان العرب 15/ 108، "عوي" وهمع الهوامع 1/ 66.
4 ورد قول الأعلم في شرح الشواهد للعيني 2/ 59.(1/416)
"أن يحصر الفاعل بـ"إنما"" باتفاق، "نحو {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}" [فاطر: 28]، فـ"العلماء" فاعل محصور فيه الخشية، فوجب تأخيره فلزم توسط المفعول، والمعنى، ما يخشى الله من عباده إلا العلماء، "وكذا الحصر بـ"إلا" عند غير الكسائي" فإنه يجب تأخير الفاعل المحصور بـ"إلا" نحو: ما ضرب عمرًا إلا زيد، "واحتج" الكسائي على عدم وجوب تأخير الفاعل المحصور بـ"إلا" "بقوله" [من البسيط]
350- "ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم ولا جفا قط إلا جبأ بطلا"
فقدم الفاعل المحصور بـ"إلا" في الموضعين، والأصل: ما عاب فعل ذي كرم إلا لئيم، ولا جفا بطلًا إلا جبأ، وعاب بالعين المهملة من العيب، واللئيم هنا البخيل، مقابل الكريم، والجبأ بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وفي آخره همزة غير ممدود: الجبان، ومقابله البطل وهو الشجاع، "وقوله": [من البسيط]
351- نبئتهم عذبوا بالنار جارهم "وهل يعذب إلا الله بالنار"
فقدم الفاعل المحصور بـ"إلا" على المجرور بالباء، وطوى ذكر المفعول، و"هل" بمعنى "ما"، والأصل ما يعذب أحد أحدًا بالنار إلا الله، و"نبئتهم" مبني للمفعول، وضمير المتكلم مفعوله الأول قائم مقام الفاعل، وضمير الغائبين مفعوله الثاني، وجملة "عذبوا" في موضع المفعول الثالث، "وجارهم" مفعول "عذبوا" لا المفعول الثالث خلافًا للعيني "وقوله": [من الطويل]
352- "فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا" عشية إنآء الديار وشامها
فقدم الفاعل المحصور بـ"إلا" على المفعول وهو "ما هيجت"، والأصل: فلم يدر ما هيجت لنا إلا الله و"عشية" منصوب على الظرفية، والإنآء بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الهمزة الممدودة كالإبعاد وزنا ومعنى، والوشام، بكسر الواو جمع وشيمة: الكلام الشر والعداوة، والوشام أيضًا من الوشم. يقال وشم يده وشمًا إذا غرزها بالإبرة ثم ذر عليها النيلة، مرفوع على الفاعلية بـ"هيجت"، وغير الكسائي قدر
__________
350- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 129، وتخليص الشواهد ص487، وتذكرة النحاة ص335، والدرر 1/ 361، وشرح الأشموني 1/ 177، والمقاصد النحوية 2/ 490، وهمع الهوامع 1/ 161.
351- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 130، وتذكرة النحاة 335، والمقاصد النحوية 2/ 492.
352- البيت لذي الرمة في ديوانه ص999، والدرر 1/ 360، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 131، وتخليص الشواهد ص487، وشرح الأشموني 1/ 177، وشرح ابن عقيل 1/ 489، والمقاصد النحوية 2/ 493، والمقرب 1/ 55، وهمع الهوامع 1/ 161.(1/417)
للمنصوب والمجرور غير المحصورين في هذه الأبيات ونحوها عاملا، فقدر قبل: "فِعَلَ" ذي كرم عاب، وقيل: "بطلا" جفأ، وقبل "بالنار" يعذب، وقبل "ما هيجت" درى، بناء على أن ما قبل "إلا" لا يعمل فيما بعدها إلا في مستثنى أو مستثنى منه، أو تابع له، كما تقدم تمثيله وتقريره عليه جرى في التسهيل1، وخالف هنا فقال:
240- وما بإلا أو بإنما انحصر أخر وقد يسبق إن قصد ظهر
"وأما تقديم المفعول" على الفعل والفاعل "جوازا فنحو: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}" [البقرة: 87]، فـ"فريقًا" فيهما مفعول مقدم للفعل الذي بعده، ويجوز في غير القرآن تأخيره.
"وأما وجوبًا" أي: وجوب تقديم المفعول على الفعل، والفاعل جميعًا "ففي مسألتين:
إحداهما أن يكون" المفعول "مما له الصدر" كأن يكون اسم استفهام، "نحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ}" [غافر: 81]، "فأي" مفعول مقدم لـ"تنكرون"، أو اسم شرط، نحو: "{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}" [الإسراء: 110] فـ"أيا" اسم شرط مفعول مقدم لـ"تدعوا"، و"ما" صلة، و"تدعوا" مجزوم بـ"أيا"، فكل منهما عامل في عامله من جهتين مختلفتين.
المسألة "الثانية:" من [مسألتي]2 وجوب تقديم المفعول على عامله "أن يقع عامله بعد الفاء" الجزائية في جواب "أما" ظاهرة أو مقدرة، "وليس له"، أي: العامل المفعول "منصوب غيره" أي: غير المفعول "مقدم" نعت منصوب "عليها" أي: على الفاء، مثال "أما" المقدرة: "نحو: {وَرَبَّكَ فَكَبِّر}" [المدثر: 3] فتقديره: وأما ربك فكبر، "و" مثال "أما" الظاهرة "نحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}" [الضحى: 9] وإنما وجب تقديم المفعول فيهما حذارًا من أن تلي الفاء "أما" الملفوظة أو المقدرة ففصل بينهما بالمفعول، فإن قيل ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها، فكيف عمل ههنا في المفعول؟ فالجواب أنها إنما تمنع ما بعدها أن يعمل فيما قبلها إذا كانت في مركزها الأصلي، وهي ههنا ليست فيه؛ لأنها مؤخرة من تقديم، وكان حقها أن تدخل على المفعول المتقدم لطلبها المصدر ما أمكن، ولكنها زحلقت إلى الفعل حذرًا من إيلائها أما "
بخلاف" ما إذا كان للفعل منصوب غير المفعول به مقدم على الفاء فإنه يكتفي بالفصل بذلك
__________
1 التسهيل ص75.
2 إضافة من "ب".(1/418)
المنصوب فلا يجب تقديم المفعول نحو: "أما اليوم فاضرب زيدًا"، فالعامل، وهو فعل الأمر له منصوبان وهما الظرف والمفعول به، وتقدم الظرف وحصل الفصل به فاستغني عن تقديم المفعول.
"تنبيه":
يدرك بالتأمل فيما تقدم "إذا كان الفاعل والمفعول" به "ضميرين" متصلين "ولا حصر في أحدهما وجب تقديم الفاعل" على المفعول كما هو الأصل فيهما، "كضربته"، فالتاء فاعل، والهاء مفعول إذ لو قدم المفعول على الفاعل هنا تعذر الاتصال في الفاعل.
"وإذا كان المضمر" المتصل "أحدهما فإن كان" المضمر "مفعولا" والظاهر فاعلا "وجب" في المضمر "وصله" بالفعل "وتأخير الفاعل" الظاهر عن المفعول "كـ: ضربني" زيد"؛ لأنه لو قدم الفاعل والحالة هذه وجب أن يؤتى بالضمير مفصولا مع إمكان اتصاله.
"وإن كان" المضمر "فاعلا" والظاهر مفعولا "وجب" في المضمر "وصله" بالفعل "و" وجب إما "تأخير المفعول" الظاهر عن الفاعل "أو تقديمه" عليه "وعلى الفعل" معًا، "كـ: ضربت زيدًا وزيدًا ضربت" حذرًا من ارتكاب الانفصال مع التمكن من الاتصال.
"وكلام الناظم" في النظم "يوهم امتناع التقديم" للمفعول على الفعل كزيدًا ضربت؛ "لأنه سوى" في النظم "بين هذه المسألة" وهي مسألة: ضربت زيدًا "ومسألة: ضرب موسى عيسى"، في وجوب تأخير المفعول فيهما عن الفاعل فقال:
239- وأخر المفعول إن لبس حذر أو أضمر الفاعل غير منحصر
فاقتضى أنه لا يجوز: زيدًا ضربت، كما لا يجوز: عيسى ضرب موسى بتقديم المفعول على الفعل، "والصواب ما ذكرنا" من جواز نحو: زيدًا ضربت، إذ لا لبس، وامتناع نحو: عيسى ضرب موسى. لئلا يتوهم أن عيسى مبتدأ، وأن الفعل متحمل لضميره، وأن موسى مفعول.
وحاصل ما ذكره الموضح من أول الحكم السابع إلى هنا من أحكام الوجوب أنه يجب تقديم الفاعل على المفعول في ثلاثة مسائل: أن يخشى اللبس، وأن يكون المفعول محصورًا فيه، وأن يكون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين، وأنه يجب توسط(1/419)
المفعول في مسألتين: أن يكون الفاعل ملتبسًا بضمير المفعول، وأن يكون الفاعل محصورًا فيه، وأنه يجب تقديم المفعول على عامله في مسألتين: أن يكون له صدر الكلام، وأن يكون معمولا لما بعد الفاء بشرطه, وأنه يجب تأخير الفاعل في مسألة واحدة، وهي ما إذا كان المفعول ضميرًا متصلا والفاعل اسمًا ظاهرًا، وأنه يجب اتصال الفاعل بالفعل، ويخير في المفعول بين تقديمه على الفعل وتأخيره عن الفاعل في مسألة واحدة ، وهي ما إذا كان الفاعل ضميرًا متصلا والمفعول اسما ظاهرًا، والجواز فيما عدا ذلك.(1/420)
باب النائب عن الفاعل:
"هذا باب النائب عن الفاعل":
قال أبو حيان1: لم أر مثل هذه الترجمة لغير ابن مالك2، والمعروف باب المفعول الذي لم يسم فاعله.
"قد يحذف الفاعل للجهل به كـ: سرق المتاع"، إذا لم يعلم السارق من هو، "أو لغرض لفظي" كالإيجاز، نحو: قوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وكإصلاح السجع، كقولهم: من طابت سريرته حمدت سيرته, فإنه لو قال: حمد الناس سيرته لاختلفت السجعة، قاله الموضح في شرح القطر3 وغيره "وكتصحيح النظم" كما وقع للأعشى ميمون بن قيس في قوله في قنة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد: [من البسيط]
353- "علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق أخرى ذلك الرجل"
فبنى "علق" في المواطن الثلاثة للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى لتصحيح النظم إذ لو قال: علقني الله إياها، وعلقها الله رجلا غيري، وعلق الله أخرى ذلك الرجل لاختل النظم، والتعليق هنا المحبة، و"عرضًا" بالعين المهملة وفتح
__________
1 الارتشاف 2/ 184.
2 شرح التسهيل 2/ 124، والتسهيل ص77.
3 شرح قطر الندى ص187.
353- البيت للأعشى في ديوانه ص107، والأشباه والنظائر 5/ 152، ولسان العرب 7/ 185 "عرض"، 10/ 262، "علق"، وتاج العروس "علق" والمقاصد النحوية 2/ 504، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 136.(1/421)
الراء مفعول مطلق، أي: تعليقًا عرضًا من غير قصد. قال في الصحاح1: وقولهم علقها عرضًا إذا هوى امرأة، أي: اعترضت لي فعلقتها من غير قصد ا. هـ. واسم هذه القينة هريرة، كما صرح به في بيت أول القصيدة في قوله2: [من البسيط]
ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل
وهريرة هذه عشقت رجلا غيره، وذلك الذي عشقته هريرة عشق امرأة غيرها.
"أو" لغرض "معنوي كأن لا يتعلق بذكرة غرض" أي: قصد "نحو: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}" [البقرة: 196] "{وَإِذَا حُيِّيتُمْ}" [النساء: 86] "{إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا}" [المجادلة: 11]، إذ ليس من الغرض من هذه الأفعال إسنادها إلى فاعل مخصوص بل إلى أي فاعل كان. وحيث حذف الفاعل "فينوب عنه في رفعه وعمديته ووجوب التأخير عن فعله واستحقاقه للاتصال به" وصيرورته كالجزء منه وعدم حذفه "وتأنيث الفعل لتأنيثه" إن كان مؤنثًا غير مجرور "واحد" فاعل ينوب "من أربعة" بيان لواحد.
"الأول" منها: "المفعول به" لأنه كالفاعل في كون الفعل حديثًا عنه وفي جواز إضافة المصدر إليه، ولا فرق في الفعل بين الصحيح كـ:ضرب زيد، والمعتل العين أو اللام "نحو: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: 44]، والأصل: غاض الله الماء وقضى الله الأمر، فحذف الفاعل للعلم به، وأنيب المفعول به منابه فصار مرفوعًا بعد أن كان منصوبًا، وعمدة بعد أن كان فضلة، وواجب التأخير [عن الفعل]3 بعد أن كان جائز التقديم عليه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
242- ينوب مفعول به عن فاعل فيما له .........................
"الثاني: المجرور" كما عبر عنه البصريون سواء أكان الفعل لازما للبناء للمفعول أم لا. فالأول "نحو: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}" [الأعراف: 149] "و" الثاني نحو: "قولك، سير بزيد"؛ لأن المجرور بالحرف مفعول به معنى فصح نيابته عن الفاعل، هذا مذهب الجمهور.
"وقال ابن درستويه والسهيلي وتلميذه" أبي علي "الرندي" بالراء المهملة والنون: "النائب ضمير المصدر" المفهوم من الفعل المستتر فيه، والتقدير: ولما سقط هو،
__________
1 الصحاح "عرض".
2 البيت للأعشى في ديوانه ص105، ولسان العرب 12/ 112 "جهنم" ومقاييس اللغة 4/ 126، وتاج العروس 22/ 296 "ودع".
3 إضافة من "ط".(1/422)
أي: السقوط، وسير هو، أي: السير، "لا المجرور" بالحرف المعدى؛ "لأنه لا يتبع على المحل"، أي: محل المجرور إذا ناب عن الفاعل، "بالرفع" فلا يقال: مر بزيد الظريف، ولا ذهب إلى زيد وعمرو، برفع التابع فيهما ولو كان المجرور نائبًا عن الفاعل لجاز في تابعه الرفع كما جاز في تابع الفاعل المجرور بالمصدر الرفع، كقولهك [من الكامل]
354- .................. طلب المعقب حقه المظلوم
برفع "المظلوم" على محل "المعقب" فلما لم يتبع على المحل علمنا أنه ليس هو النائب "ولأنه" أي: المجرور قد "يتقدم" على عامله "نحو: {كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}" [الإسراء: 36]، فلو كان "عنه" هو النائب لما تقدم على عامله وهو "مسئولا"، والفاعل لا يتقدم على عامله، فنائبه كذلك إذ لا يتقدم الفرع إلا حيث يتقدم الأصل؛ "ولأنه" أي: المجرور، "إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل فإنه إذا تقدم كان مبتدأ" نحو: الزيت كيل، ورمضان صيم، وضرب شديد ضرب، كما أن الفاعل إذا تقدم كان مبتدأ، نحو: زيد قام، وأجاز الكوفيون تقديم الفاعل ونائبه باقيين على حالهما؛ "ولأن الفعل لا يؤنث له" أي: للمجرور المؤنث إذا ناب عن الفاعل "في نحو: مر بهند" وكل مؤنث ينوب عن الفاعل فإن الفعل يؤنث له نحو: ضربت هند، فثبت بهذه العلل الربع أن المجرور لا ينوب عن الفاعل.
"و" قال الجمهور: "لنا" من الأدلة على نيابة المجرور في لسان العرب "قولهم: سير بزيد سيرًا" بالنصب، فأنابوا المجرور، ولم ينيبوا المصدر لإبهامه، بل أبقوه منصوبًا، ولو أنابوه لرفعوه، وإذا لم ينب المصدر الظاهر فضميره أولى بالمنع لكونه أشد إبهامًا منه, وأما كونه يرجع إلى معهود فالأصل عدمه، ولنا من الأجوبة "أنه إنما يراعى محل يظهر" إعرابه "في الفصيح" من الكلام وهو المجرور بحرف زائد أو غير زائد ومدخوله ظرف، فالأول "نحو: لست بقائم ولا قاعدًا" بالنصب اتباعًا لمحل "قائم" فإنه يظهر إعراب محله في فصيح الكلام، فيقال: لست قائمًا، والثاني نحو قوله: [من الطويل]
__________
354- صدر البيت: "حتى تهجر في الرواح وهاجها"
والبيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص128، والإنصاف 1/ 232، وخزانة الأدب 2/ 242، 345، 8/ 134، والدرر 2/ 485، وشرح شواهد الإيضاح ص133، وشرح المفصل 6/ 66، ولسان العرب 1/ 714، "عقب"، والمقاصد النحوية 3/ 512، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 214، وخزانة الأدب 8/ 134، وشرح ابن الناظم ص299، وشرح الأشموني 2/ 337، وشرح ابن عقيل 2/ 104، وشرح المفصل 2/ 42، 46، وهمع الهوامع 2/ 145.(1/423)
55- فإن لم تجد من دون عدنان والدًا ودون معد فلتزعك العواذل
بنصب "دون" الثانية اتباعًا لمحل "دون" الأولى، فإن إعرابها النصب بـ"تجد"، ويظهر في الفصيح نصبه، فيقال: فإن لم تجد دون عدنان، "بخلاف" المجرور بحرف أصلي معد، "نحو: مررت بزيد الفاضل" بالنصب، اتباعًا لمحل المجرور المنصوب على المفعولية، أو: مر بزيد الفاضل، بالرفع، اتباعًا لمحل المجرور المرفوع على النيابة عن الفاعل "فلا يجوزان" خلافًا لابن جني1؛ "لأنه لا يجوز" في الفصيح حذف الجار وتعدية الفعل إليه بنفسه مع دون أنّ وأنْ وكي, إلا شذوذا, فلا تقل: "مررت بزيد" بالنصب على المفعولية "ولا: مر زيد" بالرفع على النيابة عن الفاعل، وإذا لم يكن فصيحًا فلا يجوز مراعاته، وأما قوله: [من الرجز]
356- يسلكن في نجد وغورًا غائرًا
بالنصب فالفصيح أنه منصوب بفعل محذوف، أي: ويسلكن غورًا، لا بالعطف على محل "نجد" فسقط قولهم؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع، وأما قولهم؛ ولأنه يتقدم نحو: {كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36]، فـ"عنه" ليس هو النائب عن الفاعل، خلافًا لصاحب الكشاف2، ولا ضمير المصدر كما قالوا "و" إنما "النائب في" هذه "الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم "كان" وهو المكلف" المدلول عليه بالمعنى، والتقدير: مسئولا هو، أي: المكلف، وإنما لم يقدر ضمير "كان" راجعًا "لكل"، لئلا يخلو "مسئولا" عن ضمير، فيكون مسندًا إلى "عنه" وذلك لا يجوز كما تقدم، وأما قولهم ولأنه إذا تقدم لم
__________
355- البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص255، وأمالي المرتضى 1/ 171، وخزانة الأدب 2/ 252، 9/ 113، وسر صناعة الإعراب 1/ 131، وشرح أبيات سيبويه 1/ 22، وشرح شواهد المغني 1/ 151، 2/ 866، والكتاب 1/ 681، والمعاني الكبير ص1211، ورصف المباني ص82، والمحتسب 2/ 43، ومغني اللبيب 2/ 472.
1 في المحتسب 2/ 43، بعد إنشاد البيت: "عطف "دون" الثانية على موضع "من دون" الاولى، ونظائره كثيرة جدا".
356- الرجز لرؤبة في ملحق ص190، وأساس البلاغة "فسق" وللعجاج في ملحق ديوانه 2/ 288، والكتاب 1/ 94، وبلا نسبة في لسان العرب 10/ 308، "فسق" والخصائص 2/ 432، وشرح شذور الذهب ص332، والمحتسب 2/ 43.
2 في الكشاف 2/ 449: "و"عنه" في موضع الرفع بالفاعلية، أي: كل واحد منها كان مسئولا عنها، فمسئول: مسند إلى الجار والمجرور، كالمغضوب في قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}.(1/424)
يكن مبتدأ فذاك حيث لم يمنع مانع "وامتناع الابتداء" في المجرور بحرف أصلي "لعدم التجرد" من العوامل اللفظة غير المزيدة وشبهها، هكذا أجاب ابن عصفور، وأجاب الخفاف بأنه قد يتفق في بعض الفاعلين أنه لا يجوز أن يتقدم مبتدأ، فالنائب أحق وأجدر وذلك نحو: نعم امراة هند إذ لو قيل: هي نعم امرأة لم يجز؛ لأن المبتدأ حينئذ يصير عائدًا على شيء من الخبر مؤخر. ا. هـ.
"وقد" يتفق لبعض ما ينوب عن الفاعل أنه لا يجوز أن يتقدم بالكلية فضلًا عن أن يكون مبتدأ وذلك أنهم "أجازوا النيابة في: لم يضرب من أحد" اتفاقًا؛ لأن الجر بالحرف الزائد كلا جر "مع امتناع: من أحد لم يضرب" لأن "من" لا تزاد في الإيجاب لا لوقوع "أحد" في الإثبات لأن نفي ضميره مسوغ لذلك كقوله: [من الطويل]
357- إذا أحد لم يعنه شأن طارق .................................
نص عليه ابن مالك في التسهيل1 في باب العدد، وحيث امتنع التقديم امتنع الابتداء، وأما قولهم ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو: مر بهند؛ فلأنه لما لم يظهر تأثيره في رفعه لشغله بحرف الجر نزل منزلة الفضلة، فلم يؤنث الفعل له، فأما قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} [التوبة: 66]، بالتاء المثناة فوق في قراءة مجاهد2، فقال ابن جني3: محمولة على معنى: إن تسامح طائفة، بدليل {نُعَذِّبْ طَائِفَة} [التوبة: 66] ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم وجوب التأنيث في الفعل المسند إلى المؤنث المجرور، بالحرف فقد4 "قالوا في {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] إن المجرور فاعل مع امتناع: كفت بهند" بتأنيث الفعل مع أن الفاعل مجرور بحرف زائد، فما بالك إذا كان مجرورًا بحرف أصلي، هذا تقدير كلام الموضح، وهو معارض بنحو: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} [الأنعام: 59]، {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} [فصلت: 47] بتأنيث الفعل مع أن فاعله مجرور بحرف زائد، واختلف في سبب امتناع كفت بهند، فقال الزجاج5: لأنه كفى مضمن معنى اكتف، وفعل الأمر لا يؤنث لتأنيث فاعله. وقال ابن السراج: إن
__________
357- شطر بيت بلا نسبة في التسهيل ص118، وحاشية الصبان 3/ 67.
1 التسهيل ص118.
2 انظر هذه القراءة في النشر 2/ 280.
3 المحتسب 1/ 298.
4 سقطت من "ب".
5 معاني القرآن وإعرابه 2/ 27.(1/425)
فاعل كفى ضمير مستتر يعود على الاكتفاء، والباء متعلقة بالمضمر، أي: كفى الاكتفاء بهند، ورد بأن ضمير المصدر لا يعمل عند البصريين، وهو منهم، خلافًا للكوفيين.
"الثالث" مما ينون عن الفاعل: "مصدر" متصرف "مختص" بصفة أو غيرها "نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً}" [الحاقة: 13]، فـ"نفخة" نائب الفاعل وهو مصدر1 متصرف لكنه مرفوعا، ومختص لكونه موصوفًا بـ"واحدة" وغير المتصرف من المصادر ما لزم النصب على المصدرية، نحو: {سُبْحَانَ اللَّهِ} [المؤمنون: 91] وغير المختص المبهم، نحو: سير فيمتنع سبحانه الله بالضم، على أن يكون نائب فاعل فعله المقدر على أن الأصل: يسبح سبحان الله لعدم تصرفه، "ويمتنع نحو: سير سير لعدم الفائدة" إذ المصدر المبهم مستفاد من الفعل فيتحد معنى المسند المسند إليه ولا بد من تغايرهما، بخلاف ما إذا كان مختصا فإن الفعل مطلق، ومدلول المصدر مقيد فيتغايران فتحصل الفائدة، وإذا امتنع سِيْرَ سَيْرٌ مع إظهار المصدر "فامتناع سير", بالبناء للمفعول على "إضمار ضمير" المصدر "[السير]2 أحق" بالمنع؛ لأن ضمير المصدر المؤكد أكثر إبهامًا من ظاهره "خلافًا لمن أجازه" كالكسائي وهشام فيما نقل ابن السيد أنهما أجازا: جلس، بالبناء للمفعول، وفيه ضمير مجهول، قال ثعلب: أراد أن فيه ضمير المصدر، وتبعهما أبو حيان في النكت الحسان، فقال3: ومضمر المصدر يجري مجرى مظهره فيجوز أن تقول: قيم وقعد، فتضمر المصدر كأنك قلت: قيم القيام، وقعد القعود، ا. هـ.
والصحيح المنع، "وأما قوله" وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
358- "وقالت متى يبخل عليك ويعتلل يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب
"فـ" النائب عن الفاعل بـ"يعتلل" ضمير مصدر مختص بلام العهد، أو بصفة محذوفة، و"المعنى: ويعتلل" هو، أي: "الاعتلال المعهود، أو اعتلال، ثم خصصه بـ"عليك" أخرى" في موضع الحال من الضمير ليقيد بها فيفيد ما لم يفده الفعل؛ لأنه إنما يدل على مصدر نكرة محضة وهي حال "محذوفة للدليل" الدال عليهما
__________
1 سقطت من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 النكت الحسان ص53.
358- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص42، وشرح شواهد المغني ص92، 883، ولعلقمة في ديوانه ص83، ولأحدهما في المقاصد النحوية 2/ 506، وشرح الأشموني 1/ 182، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 142، ومغني اللبيب 2/ 516.(1/426)
وهو "عليك" المذكورة قبل الفعل، وحذفت "كما تحذف الصفات المخصصة" للموصوفات للدليل، كقوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] أي: نافعًا؛ لأن أعمالهم توزن بدليل، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 9] الآية، قاله في المغني. وإضمار ضمير المصدر النوعي أجازه سيبويه1؛ لأن الفعل لا يدل عليه قاله ابن خروف في شرح كتاب سيبويه. و"يسؤك" من الإساءة جواب الشرط الأول، و"تدرب" بالدال المهملة من الدربة، وهي العادة جواب الشرط الثاني والاعتلال: الاعتذار، يقال: اعتل عليه بعلة اعتذر له عن قضاء غرضه بعذر، "وبذلك" التوجيه "يوجه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ}" [سبأ: 54]، بالنصب، فيكون المعنى: وحيل هو، أي: الحول المعهود، أو حول بينهم إلا أن الصفة هنا مذكورة، "و" بذلك يوجه أيضًا "قوله" وهو طرفة بن العبد: [من الطويل]
359- "فيا لك من ذي حاجة حيل دونها" وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله
فيكون المعنى: حيل هو، أي: الحول المعهود، أوحول دونها، وليس النائب الظرف فيهما؛ لأنه غير متصرف عند جمهور البصريين، وعن الأخفش أنه أجاز في: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94]، {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] أن يكون الظرف في موضع رفع مع فتحه، ثم قال أبو علي2 وتلميذه ابن جني3 فتحة إعراب، واستشكل، وقال غيرهما فتحة بناء، وهو المشهور، ولو قرئ: "وَحِيلَ بَيْنُهُمْ" [سبأ: 54]، أو روي حيل دونها، بالرفع فيهما كما قرئ: "لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ"، بالرفع4، وكما روي: [من الطويل]
360- ..................... وباشرت حد الموت والموت دونها
__________
1 الكتاب 1/ 229.
359- البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص78، والمقاصد النحوية 2/ 510، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 144، وشرح الأشموني 1/ 183.
2 انظر الحجة 3/ 360.
3 المحتسب 2/ 190.
4 كذا قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وعاصم ومجاهد، انظر الإتحاف ص213، والنشر 2/ 260.
360- صدر البيت: "ألم تريا أني حميت حقيقتي"
، وهو لموسى بن جابر في الدرر 1/ 461، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص371، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص81، والارتشاف 2/ 262، وعمدة الحافظ "دون"، وهمع الهوامع 1/ 213.(1/427)
بالرفع أيضًا لجاز، ولم يحتج إلى هذا التوجيه، "و" بذلك أيضًا "قوله" وهو الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين: [من البسيط]
361- "يغضي حياء ويغضى من مهابته" فما يكلم إلا حين يبتسم
فيكون المعنى: يغضي الإغضاء المعهود، أو إغضاء من مهابته، "ولا يقال النائب المجرور" بـ"من" وهو "مهابته" "لكونه مفعولا له"، قاله ابن جني فيما كتب على الحماسة، وتبعه أبو البقاء في شرح لمع ابن جني فقال: والجمهور على نيابة المفعول له، خلافًا للأخفش وضعفه، قال الخفاف: وعلة المنع أن المفعول له مبني على سؤال مقدر، فكأنه من جملة أخرى ا. هـ. وبهذا يعلل منع نيابة الحال؛ لأنه مبني على سؤال مقدر ولا ينوب التمييز خلافًا للكسائي وهشام، ولا المفعول معه, ولا خبر "كان"، فلا يقال كين قائم، خلافًا للفراء.
"الرابع" مما ينوب عن الفاعل "ظرف" زماني أو مكاني "متصرف مختص" فالزماني "نحو: صيم رمضان، و" المكان نحو: "جلس أمام الأمير"، فـ"رمضان وأمام" ظرفان متصرفان؛ لأنهما يخرجان عن الظرفية إلى الفاعلية والمفعولية والإضافة وغيرها، ومختصان بالعلمية في الأول والإضافة في الثاني، "ويمتنع نيابة نحو عندك ومعك وثم" بفتح المثلثة، فلا يقال: جلس عندك ولا معك ولا ثم، "لامتناع رفعهن" وخصهن بالذكر؛ لأنهن لا يتصرفن تصرفًا كاملا؛ لأن "من" تدخل عليهن فما لا يتصرف بحال كـ"قط وعوض" أولى بالمنع، ويمتنع نيابة "نحو: مكانا وزمانًا إذا لم يقيدا" بقيد يخصصهما، فلا يقال: جلس مكان، ولا صيم زمان لعدم الفائدة؛ لأن الفعل يدل على مطلق المكان والزمان التزامًا في الأول ووضعًا في الثاني، فإن قيدا بوصف مثلا جاز نيابتهما نحو: جلس مكان حسن، وصيم زمان طويل، لحصول الفائدة بالاختصاص بالوصف؛ لأن الفعل لا يدل على خصوصية الوصف، وإلى جواز نيابة المجرور والمصدر، والظرف أشار الناظم بقوله:
250- وقابل من ظرف أو من مصدر أو حرف جر بنيابة حري
__________
361- البيت للحزين الكناني "عمرو بن عبد وهيب" في الأغاني 15/ 263، ولسان العرب 13/ 114، "حزن" والمؤتلف والمختلف ص89، وللفرزدق في ديوانه 2/ 179، وأمالي المرتضى 1/ 68، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1622، وشرح شواهد المغني 2/ 732، ومغني اللبيب 1/ 320، والمقاصد النحوية 2/ 513، 3/ 273، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 146، وشرح ابن الناظم ص260، وشرح الأشموني 1/ 183، وشرح المفصل 2/ 53.(1/428)
"و" حيث وجد المفعول به وغيره من مصدر وظرف ومجرور "لا ينوب غير المفعول به مع وجوده" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
251- ولا ينوب بعض هذي إن وجد في اللفظ مفعول به ..................
لأن غير المفعول به إنما ينوب بعد أن يقدر مفعولا به مجازا، فإذا وجد المفعول به حقيقة لم يقدم عليه غيره؛ لأن تقديم غيره عليه من تقديم الفرع على الأصل لغير موجب، "وأجازه الكوفي1" أي: أجاز الكوفيون2، أن ينوب غير المفعول به مع وجوده "مطلقًا" أي: من غير شرط سواء تأخر النائب عن المفعول به أو تقدم عليه.
فالأول "كقراءة أبي جعفر: "لِيَجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"" [الجاثية: 14]، فبنى "يجزى" للمفعول وأناب المجرور بالباء عن الفاعل مع وجود المفعول به وهو "قومًا" مقدمًا على النائب3.
والثاني كضرب في الدار زيدًا، "و" أجازه "الأخفش بشرط تقديم النائب" على المفعول به4 كالمثال الثاني، "وكقوله": [من الرجز]
362- وإنما يرضي المنيب ربه "ما دام معنيا بذكر قلبه"
فـ"معنيا" اسم مفعول من "عني بحاجتك"، أصله معنوي، كمضروب، أعل بقلب الواو ياء وإدغامها في الياء وقلب الضمة كسرة، ونائب فاعله هو المجرور بالباء وهو "ذكر" مع وجود المفعول به مؤخرًا وهو "قلبه"، "و" نحو "قوله" وهو رؤبة: [من الرجز]
__________
1 انظر الكتاب 1/ 223، وشرح ابن الناظم ص170، 171.
2 في "ب": "الكوفي".
3 الآية من شواهد ابن الناظم ص170، وشرح ابن عقيل 1/ 509، وأوضح المسالك 2/ 149، وشرح المفصل 7/ 75، والقراءة المستشهد بها قرأها عاصم وشيبة والأعرج، انظر الإتحاف ص390، والنشر 2/ 372.
4 في شرح ابن الناظم ص170: "مذهب سيبويه أنه لا يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده، وأجازه الأخفش والكوفيون". وانظر شرح الكافية الشافية 2/ 609، والخصائص 1/ 397.
3621- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 149 ، وشرح ابن الناظم ص170، وشرح التسهيل 2/ 128، وشرح الأشموني 1/ 184، وشرح قطر الندى ص189، وشرح الكافية الشافية 2/ 610، والمقاصد النحوية 2/ 519.(1/429)
363- "لم يعن بالعلياء إلا سيدًا" ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى
فـ"يعن" مضارع مبني للمفعول من "عني بكذا"، و"بالعلياء" نائب: الفاعل، "وسيدا" مفعول به مؤخر، واختاره الناظم في التسهيل1، وظاهر قول الناظم:
250- .................. ................. وقد يرد
يشمل مذهب الكوفيين والأخفش. وأجاب جمهور البصريين عن البيتين بأنهما ضرورة، وعن القراءة بأنها شاذة. قال الموضح في شرح القطر2، ويحتمل أن يكون النائب عن الفاعل في الآية ضميرًا مستترًا في الفعل عائدا على "الغفران" المفهوم من قوله "يغفروا" أي: ليجزى الغفران قومًا، وإنما أقيم المفعول به غاية ما فيه أنه المفعول الثاني، وذلك جائز. ا. هـ.
وإن لم يوجد المفعول به فقال الجزولي3: تساوت البقية. واختار ابن عصفور4 إقامة المصدر، وأبو حيان 5 ظرف المكان، وابن معط المجرور6.
مسألة:
وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع" للنائب عن الفاعل "واجب نصبه لفظًا إن كان غير جار ومجرور، كضرب زيد يوم الخميس أمامك ضربًا شديدًا" برفع "زيد" على النيابة عن الفاعل ونصب الظرفين والمصدر "ومن ثم" أي: من أجل أنه يجب نصب ما عدا النائب "نصب المفعول الذي لم ينب" عن الفاعل سواء كان الأول أم الثاني "في نحو: أعطي زيد دينارًا، وأعطي دينار زيدًا" ويسمى المفعول المنصوب من المفعولين خبر ما لم يسم فاعله. "أو" واجب نصبه "محلا إن كان" غير النائب "جارا ومجرورًا، نحو: "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً"" [الحاقة: 13] فرفع "نفخة"
__________
363- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص173، والدرر 1/ 363، والمقاصد النحوية 2/ 521، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 150، وتخليص الشواهد ص497، وشرح ابن الناظم ص170، وشرح الأشموني 1/ 184، وشرح ابن عقيل 1/ 510 ، وشرح التسهيل 2/ 128، وشرح الكافية الشافية 2/ 609، وهمع الهوامع 1/ 162.
1 التسهيل ص77.
2 شرح قطر الندى ص190.
3 الجزولية ص142.
4 المقرب 1/ 81.
5 النكت الحسان ص55.
6 في المصدر السابق: "واختار ابن معط إقامة المجرور".(1/430)
على النيابة عن الفاعل، ونصب محل الجار والمجرور، وهو في "الصور"، "وعلة ذلك" النصب الواجب لفظا أو محلا لما عدا النائب "أن الفاعل لا يكون إلا واحدًا، فكذلك نائبه" لا يكون إلا واحدًا فينصب ما عداه، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
254- وما سوى النائب مما علقا بالرافع النصب له محققا
هل نصبه بالرافع للنائب فيكون متجددًا، أو برافع الفاعل المحذوف فيكون مستصحبًا فيه مذهبان، أصحهما الأول، ويغزى لسيبويه1.
__________
1 الكتاب 1/ 228.(1/431)
فصل1
"فصل":
"وإذا تعدى الفعل لأكثر من مفعول" واحد "فنيابة الأول جائزة اتفاقًا ونيابة الثالث ممتنعة اتفاقًا، نقله" ابن هشام "الخضراوي1" وابن أبي الربيع "وابن الناظم" في شرح النظم2، "والصواب أن بعضهم أجازه إن لم يلتبس" بغيره "نحو: أعلمت زيدًا كبشك سمينًا" فتقول: أعلم زيدا كبشك سمين، قاله أبو حيان في النكت الحسان3. وقال الشاطبي: أجاز بعض المتأخرين إقامة الثالث لكن مع حذف الأول، وأجرى فيه الخلاف في الثاني، وألزم ابن الحاج من قال بإقامة الثاني أن يقول بإقامة الثالث إذ لا فرق بينهما. قال الشاطبي: وهو إلزام صحيح ا. هـ.
وإنما لم يذكر الناظم حكم الثالث؛ لأنه داخل في حكم الثاني، فيأتي فيه الخلاف الآتي فيه، ويكون الصحيح فيه الجواز إن لم يلبس، وهو قضية كلام التسهيل4.
"وأما الثاني ففي باب "كسا"" وهو ما ليس خبرًا في الأصل عن الأول "إن ألبس، نحو: أعطيت زيدًا عمرًا، امتنع" نيابته "اتفاقًا" للإلباس تقدم أو تأخر؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون معطى، ولا يتبين المأخوذ من الآخذ إلا بالإعراب، فلو قيل: أعطي عمرو زيدً، أو أعطي زيدًا عمرو، لتوهم أن "عمرًا" آخذ، و"زيدًا" مأخوذ والغرض بالعكس.
وقال بعض المتأخرين ينبغي أن يستظهر على اللبس بحفظ الرتبة كما في: ضرب موسى عيسى، فيكون المقدم هو المسند إليه، "وإن لم يلبس نحو: أعطيت زيدًا درهمًا، جاز" نيابته "مطلقًا" أي: سواء اعتقد القلب أم لا، وسواء كان الثاني نكرة والأول معرفة أم لا؛ لأن "زيدا" آخذ أبدا, و"درهما" مأخوذ أبدا. "وقيل: يمتنع مطلقا" طردًا للبس، فيتعين نيابة الأول؛ لأنه فاعل معنى.
__________
1 انظر المقرب 1/ 81، والارتشاف 2/ 188.
2 شرح ابن الناظم ص56.
3 النكت الحسان ص56.
4 انظر التسهيل ص77، والارتشاف 2/ 186-188.(1/432)
"وقيل" يمتنع نيابة الثاني "إن لم يعتقد القلب" في الإعراب وهو كون المرفوع منصوبا والمنصوب مرفوعًا، فإن اعتقد القلب جاز، والنائب في الحقيقة هو الأول؛ لأن نيابة الثاني مع اعتقاده القلب مجاز صوري، ورفعه مجاز، كما أن نصب الأول مجاز، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب، وعكسه عند أمن اللبس كقولهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وهو من ملح كلامهم.
"وقيل:" يمتنع نيابة الثاني "إن كان نكرة والأول معرفة" قاله الفارسي، فلا يقال: أعطي درهم زيدًا، ويتعين: "أعطي زيد درهمًا"1؛ لأن المعرفة أحق بالإسناد إليها من النكرة "وحيث قيل بالجواز" في الثاني "فقال البصريون إقامة الأول أولى" لأنه فاعل معنى. "وقيل" عن الكوفيين أنهم قالوا: "إن كان" الثاني "نكرة" والأول معرفة "فإقامته قبيحة، وإن كان معرفتين استويا في الحسن قاله" المرادي نقلًا عن الكوفيين في شرح التسهيل.
وقال أبو حيان2: محل الخلاف أنه إذا كان "درهمًا" منصوبًا بـ"أعطى"، أما من جعله منصوبًا بغير "أعطى" وقدر له فعلًا آخر تقديره: يأخذ درهمًا، فلا يصح على مذهبه إقامة "الدرهم" معمولا" لـ"أعطى" لأنه معمول لغيره. ا. هـ.
"و" المفعول الثاني "في باب "ظن"" وهو ما كان خبرًا في الأصل عن الأول.
"قال قوم" كثيرون "يمتنع" نيابته" مطلقًا" سواء ألبس أم لم يلبس، وسواء كان جملة أم لا، وسواء كان نكرة والأصل معرفة أم لا "للإلباس في النكرتين" نحو: ظن أفضل منك أفضل من زيد، إذا كان أفضل من زيد هو الأول، "و" في "المعرفتين" نحو: ظن صديقك زيدًا، إذا كان زيد هو الأول، "ولعود الضمير على المؤخر" من المفعولين "إن كان الثاني نكرة" والأول معرفة؛ "لأن الغالب" في الثاني "كونه مشتقا، وهو حينئذ" أي: حين إذ ناب عن الفاعل "شبيه بالفاعل؛ لأنه مسند إليه" الفعل المبني للمفعول، "فرتبته التقديم" نحو: ظن قائم زيدًا، ففي "قائم" ضمير مستتر يعود على "زيدًا" وهو متأخر لفظًا ورتبة؛ لأنه مفعول غير نائب عن الفاعل، "وقائم" متقدم الرتبة؛ لأنه نائب الفاعل، ولا يصح أن يعود من المرفوع ضمير على المنصوب إلا في الشعر، "و" هذا القول "اختاره" أبو موسى "الجزولي3" وابن هشام "الخضراوي .
__________
1 في "ب": "أعطي زيدًا درهم".
2 النكت الحسان ص56.
3 الجزولية ص143.(1/433)
وقيل يجوز" نيابة الثاني في باب "ظن" "إن لم يلبس" نحو: ظن قائم زيدًا، ويمتنع إن ألبس، نحو: ظن عمرو زيدًا، إذا كان مفعولًا ثانيًا، "ولم يكن جملة" اسمية أو فعلية؛ لأن الفاعل ونائبه لا يكونان جملة على الأصح، "و" هذا القول "اختاره ابن طلحة" والسيرافي في الإقناع "وابن عصفور1 وابن مالك2" وجماعة من المتأخرين.
"وقيل: يشترط" في إقامة الثاني "أن لا يكون نكرة والأول معرفة، فيمتنع: ظن قائم زيدًا" برفع "قائم" لأنه يؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة وذلك مرفوض في الكثير، وما سمع منه حمله جماعة على القلب، وقد نص على هذا المعنى سيبويه3 في: كان رجل زيدًا، والبابان واحد، قاله الشاطبي.
"و" المفعول الثاني "في باب "أعلم" أجازه قوم" منهم الجزولي4، والشلوبين في التوطئة، وتلميذه ابن الحاج في الرد على ابن عصفور في المقرب "إذا لم يلبس فيمتنع" أعلم زيد عمرو قائمًا، "ومنعه قوم ومنهم الخضراوي والأبدي" بضهم الهمزة وتشديد الموحدة، نسبة إلى أبدة بلد بالأندلس، "وابن عصفور5 لأن" المفعول "الأول" واقع عليه الإعلام فهو "مفعول صحيح" لصحة إطلاق المفعولية عليه حقيقة؛ ولأن أصله الفاعلية فهو أحق بما كان ملتبسًا به، "و" أما المفعولان "الأخيران" "فأصلهما مبتدأ وخبر شبها" في نصبهما "بمفعولي "أعطى"" فإطلاق المفعولية عليهما مجاز؛ "ولأن السماع إنما جاء بإقامة الأول، قال" الفرزدق : [من الطويل]
364- "ونبئت عبد الله بالجو أصبحت كرامًا مواليها لئيما صميمها
فالتاء هي المفعول الأول نائبة عن الفاعل, و"عبد الله" علم قبيلة المفعول الثاني، وجملة "أصبحت" المفعول الثالث، واسم "أصبحت" ضمير مستتر فيها يعود إلى "عبد الله" وأنثها باعتبار القبيلة, و"كراما" خبر أصبحت، و"مواليها" فاعل "كراما" و"لئيمًا" خبر بعد خبر "وصميمها" فاعل "لئيمًا" و"الجو" بفتح الجيم، وتشديد الواو اليمامة، كانت تسمى جوا، و"الكريم": الشريف، و"اللئيم"
__________
1 المقرب 1/ 41.
2 التسهيل ص77، وشرح الكافية الشافية 2/ 610.
3 الكتاب 1/ 47.
4 الجزولية ص143.
5 المقرب 1/ 81.
364- تقديم تخريج البيت برقم 321.(1/434)
ضده "وصميم الشيء" خالصه، والمراد أعيان القبيلة ورؤساؤها، والمعنى: أخبرت أن القبيلة المدعوة بعبد الله الكائنة باليمامة مواليها كرام، ورؤساؤها لئام.
"وقد تبين" مما ذكر من جريان الخلاف في ثاني [مفعولي]1 كسا، واشتراط كون الثاني في باب "ظن" ليس جملة، وجريان الخلاف في الثالث في باب "أعلم" "أن في النظم أمورًا" غير مناسبة، "وهي حكاية الإجماع على جواز إقامة الثاني من باب "كسا"، حيث لا لبس" فإنه2 قال:
252- وباتفاق قد ينوب الثان من باب كسا فيما التباسه أمن
"وعدم اشتراط كون الثاني من باب "ظن" ليس جملة" حيث قال:
253- في باب ظن وأرى المنع اشتهر ولا أرى منعا إذا القصد ظهر
"وإيهام أن إقامة الثالث" من باب "أعلم" "غير جائزة بالاتفاق، إذ لم يذكره مع المتفق عليه" وهو إقامة الأول "ولا مع المختلف فيه" وهو إقامة الثاني "ولعل هذا" الصنيع الموهم "هو الذي غلط ولده" في شرح النظم3، "حتى حكى الإجماع على الامتناع"، فهذه ثلاثة أمور، والأولان مسلمان، والثالث منظور فيه من وجهين. أحدهما: أن الناظم وإن لم يتعرض للثالث صريحًا فقد تعرض له التزامًا، وذلك لأن الثالث في باب "أعلم" هو الثاني في باب "علم، وقد ذكر الثاني، فلو ذكر الثالث لكان تصريحًا بما علم التزامًا ففيه شائبة تكرار, والثاني أن ابن الناظم مسبوق بحكاية الاتفاق على الامتناع وهي ثابتة كما نقله الموضح أول الفصل عن الخضراوي, فلا ينسب حاكيها إلى غلط، غاية ما في الباب أن حاكي الاتفاق لم يقف على الاختلاف.
__________
1 إضافة من "ب".
2 سقطت من "ب".
3 شرح ابن الناظم ص171.(1/435)
فصل2
"فصل":
"يضم أول فعل المفعول" الذي لم يسم فاعله "مطلقًا" سواء كان ماضيًا أم مضارعًا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
243- فأول الفعل اضممن ..... .................................
و"يشركه" في الضم "ثاني الماضي المبدوء بتاء زائدة" معادة سواء أكانت للمطاوعة، أم لا، فالثاني "كتضارب، و" الأول نحو: "تعلم" وتدحرج، وقيدنا الزيادة بالمعتادة احترازًا من التاء في نحو قولهم: ترمس الشيء، بمعنى رمسه، فإنها زائدة، ولا يضم ثاني فعلها لكون زيادتها غير معتادة، قاله المرادي1، وإلى تاء المطاوعة، أشار الناظم بقوله:
245- والثاني التالي تا المطاوعه كالأول اجعله بلا منازعه
ويشركه "ثالث المبدوء بهمز الوصل" كان متعديًا أم لازمًا، فالثاني "كـ: انطلق، و" الأول نحو: "استخرج واستحلى" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
246- وثالث الذي بهمز الوصل كالأول اجعلنه كاستحلي
وفي جمل الزجاجي2 لا يجوز أن يبنى الفعل اللازم للمفعول عند أكثر النحويين ا. هـ.
وخصه أبو البقاء بما لا يتعدى بحرف جر، ومثله بـ"قام" و"جلس" وعلله بأنه لو بني للمفعول لبقي الفعل خبرًا بغير مخبر عنه، وذلك محال، "ويكسر ما قبل الآخر من الماضي" وإليه أشار الناظم بقوله:
243- ........... والمتصل بالآخر اكسر في مضي كوصل
ومن العرب من يسكنه كقوله: [من الرجز]
365- لو عصر بها البان والمسك انعصر
__________
1 شرح المرادي 2/ 23، 24.
2 الجمل ص77.
365- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص103، وأدب الكاتب ص538، وإصلاح المنطق ص36، واللكتاب 4/ 114، واللسان 3/ 336 "قصد"، 4/ 581 "عصر" والمنصف 1/ 24، والارتشاف 2/ 195، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 124، واللامات 36، والمنصف 2/ 124، والمخصص 147/ 220.(1/436)
واختاره قطرب، قال الخضراوي: وهي لغة بكر بن وائل وكثير من بني تميم، ومن العرب من يقلب الكسرة فتحة في المعتل اللام، فنقلب الياء ألفًا، فيقول في رؤي زيد: رؤى زيد، بفتح الهمزة، وهي لغة طيئ، فتحصل في معتل اللام ثلاث لغات، كسر ما قبل آخره وتسكينه، وفتحه "ويفتح" ما قبل الآخر "من المضارع" وإليه أشار الناظم بقوله:
244- واجعله من مضارع منفتحا ..................................
هذا كله في صحيح العين السالم من التضعيف.
"و" أما "إذا اعتلت عين الماضي وهو ثلاثي كـ"قام"" من الواوي، "و "باع"" من اليائي. "أو" كان "على" وزن "افتعل وانفعل، كـ"اختار"" من البائي، "و "انقاد"" من الواوي "فلك" في العين "كسر ما قبلها بإخلاص أو إشمام الضم فتقلب" الألف "ياء فيهما" وإخلاص الكسر لغة قريش ومن جاورهم، وإشمام الكسر الضم لغة كثير من قيس، وأكثر بني أسد.
قال الشاطبي: وفي كيفية الإشمام ثلاثة مذاهب:
أحدها ضم الشفتين مع النطق بالفاء فتكون حركتها بين حركتي الضم والكسر، هذا هو المعروف المشهور المقروء به.
والثاني ضم الشفتين مع إخلاص كسرة الفاء.
والثالث ضم الشفتين قبيل النطق بها؛ لأن أول الكلمة مقابل لآخرها، فكما أن الإشمام في الأواخر بعد الفراغ من إسكان الحرف فكذلك يكون الإشمام في أولها قبيل النطق بكسر الحرف ا. هـ.
وقال المرادي1: الأقرب ما حرره بعض المتأخرين فقال: كيفية النطق به أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة مركبة من حركتين إفرادًا لا شيوعًا جزء الضمة مقدم وهو الأقل يليه جزء الكسرة وهو الأكثر، ومن ثم تمخضت الياء ا. هـ.
"ولك إخلاص الضم فتقلب" الألف "واوًا" وإلى فاء الثلاثي المعتل العين أشار الناظم بقوله:
247- واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل عينا وضم جا كبوع فاحتمل
وأشار إلى ما كان على وزن افتعل وانفعل بقوله:
__________
1 شرح المرادي 2/ 25.(1/437)
249- وما لفا باع لما العين تلي في اختار وانقاد وشبه ينجلي
"قال" رؤبة في الضم الخالص: [من الرجز]
366- "ليت وهل ينفع شيئًا ليت ليت شبابًا بوع فاشتريت"
فـ"بوع" مبني للمفعول وهو خبر "ليت" الأولى، و"شبابًا" اسمها، و"ليت" الأخيرة توكيد للأولى فلا اسم لها ولا خبر، وليت الوسطى فاعل "ينفع"، و"شيئًَا" مفعول مطلق، أي: نفعًا وفاقًا للموضح لا مفعول به خلافًا للعيني1، والجملة من الفعل والفاعل معترضة بين المؤكد والمؤكد، و"هل" للنفي بدليل أنه روى وما ينفع شيئًا ليت، والواو للاعتراض، "وقال" آخر: [من الرجز]
367- "حوكت على نيرين إذ تحاك" تختبط الشوك ولا تشاك
فـ"حوكت" من الحياكة وهي النسج، مبني للمفعول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه يرجع إلى الحلة، و"نيرين" تثنية نير بكسر النون وسكون الياء المثناة تحت، وفي آخره راء علم الثوب ولحمته أيضًا فإذا نسج على نيرين كان أصفق ولصفاقتها تختبط الشوك ولا يؤثر فيها شيئ، وهذه اللغة "وهي" الضم الخالص لغة "قليلة" موجودة في كلام هذيل "وتعزى لفقعس ودبير" الجميع، وهما من فصحاء بني أسد، قاله المرادي في شرح التسهيل.
وقال الشاطبي: حكيت عن بني ضبة، وقال الموضح2: حكيت عن بعض تميم، "وادعى ابن عذرة" وطائفة من متأخري المغاربة "امتناعها في افتعل" كـ"اختار" "وانفعل" كـ"انقاد" مما زاد على الثلاثة، فلا يقال: اختور ولا انقود، "و" المشهور
__________
366- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص171، والدرر 1/ 524، 2/ 534، وشرح شواهد المغني 2/ 819، والمقاصد النحوية 2/ 524، وبلا نسبة في أسرار العربية ص92، وأوضح المسالك 2/ 155، وتخليص الشواهد ص594، وشرح ابن الناظم ص169، وشرح الأشموني 1/ 181، وشرح ابن عقيل 1/ 503، وشرح التسهيل 2/ 131، 3/ 304، وشرح الكافية الشافية 2/ 605، ومغني اللبيب 2/ 632، وهمع الهوامع 1/ 248، 2/ 165، وتهذيب اللغة 14/ 320، وديوان الأدب 3/ 402.
1 المقاصد النحوية 2/ 525.
367- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 156، وتخليص الشواهد ص495، والدرر 2/ 535، وشرح ابن الناظم ص168، وشرح الأشموني 1/ 181، وشرح ابن عقيل 1/ 502، وشرح التسهيل 2/ 131، وشرح الكافية الشافية 2/ 605، والمقاصد النحوية 2/ 536، والمنصف 1/ 250، وهمع الهوامع 2/ 165، وتاج العروس 19/ 237 "خبط".
2 شرح بانت سعاد ص126.(1/438)
"الأول" وهو "قول ابن عصفور والأبدي وابن مالك" وينطق بالهمزة في نحو: اختار وانقد على حسب ما ينطق بالحرف الثالث، قاله ابن مالك1. "وأدعى ابن مالك امتناع ماألبس من كسر كـ"خفت وبعت" أو ضم كـ"عقت"" مبنيات للمفعول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
248- وإن بشكل خيف لبس يجتنب ....................................
"وأصل المسألة" قبل بنائهن للمفعول "خافني زيد، وباعني لعمرو، وعاقني عن كذا"، فحذفت الفاعل، "ثم بنيتهن للمفعول" وأبدلت من ياء المتكلم تاء فوقانية لاشتراكهما في الدلالة على المتكلم، "فلو قلت: خفت وبعت فبالكسر" في الخاء والباء، "وعقت بالضم" في أوله "لتوهم أنهن فعل وفاعل وانعكس المعنى" المراد "فتعين أنه لا يجوز إلا الإشمام أو الضم في" خفت وبعت "الأولين، والكسر في" عقت "الثالث، و" تعين "أن يمتنع الوجه الملبس" وهو الكسر في الأولين والضم في الثالث، "وجعلته المغاربة مرجوحًا لا ممنوعا" فقالوا: إن العرب تختار الكسر في الفاء إذا كانت فيما سمي فاعله مضمومة، وتختار الضم في الفاء إذا كانت فيما سمي فاعله مكسورة فرقًا بينهما وهو ظاهر2، "و" لهذا "لم يلتفت سيبويه" في ذلك "للإلباس3" بل أجاز الأوجه الثلاثة مطلقًا اكتفاء بالفرق التقديري؛ لأن الإلباس غير مانع "لحصوله في" الاسم والفعل، فالاسم "نحو: مختار"، إذ يحتمل أن يكون وصفًا للفاعل أو المفعول، ومع ذلك أعلوه بقلب الياء ألفًا، واكتفوا فيه بالفرق التقديري فعلى تقدير كونه وصفًا للفاعل تكون الياء مكسورة، وعلى تقدير المفعول تكون مفتوحة، "و" الفعل نحو: "{تُضَارَّ}" [البقرة: 233] إذ يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وأن يكون مبنيا للمفعول ومع ذلك أدغم، فعلى تقدير البناء للفاعل تكون الراء الأولى مكسورة، وعلى تقدير البناء للمفعول تكون مفتوحة، "وأوجب4 الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف" وهو ما كان عينه ولامه من جنس واحد، "نحو: شد ومد" بضم الفاء وتشديد الدال فيهما، "والحق قول بعض الكوفيين إن الكسر" في الفاء "جائز" ونص سيبويه على اطراده. فقال5 :
__________
1 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 605.
2 انظر الارتشاف 2/ 196.
3 الكتاب 4/ 421.
4 في "ب": "وأوجبه".
5 الكتاب 4/ 422، 423.(1/439)
واعلم أن لغة مطردة للعرب يجري فيها فعل من المضاعف الثلاثي مجرى فعل من المعتل فيكسر أوله، فيقال: رِدّ، كما يقال: قِيل، نقله الموضح عنه في الحواشي، ومن خطه نقلت.
"و" الكسر "هو لغة بني ضبة" بضاد معجمة مفتوحة فموحدة مشددة، فهاء تأنيث وهو ابن أد عم تميم بني مرة، قاله الدماميني1. وقال أبو محمد بن السيد البطليوسي2: ضنة، بالضاد المعجمة والنون لا بالباء، وهو بطن من قضاعة ينسب إليها جماعة، كذا في مختصر الأنساب ا. هـ. ويمكن أن يكونا قبيلتين ضبط كل منهما واحدة، "و" لغة "بعض تميم، وقرأ علقمة" ويحيى بن وثاب: ""رِدَّتْ إِلَيْنَا""3 [يوسف: 65] و: ""وَلَوْ رِدُّوا""4 [الأنعام: 28]، "بالكسر" فيهما بنقل كسرة العين إلى الفاء حملًا له على المعتل، "وجواز ابن مالك الإشمام أيضًا" فقال في التسهيل5: وقد تشم فاء المدغم، "وقال المهاباذي: من أشم" من العرب "في قيل وبيع" من المعتل "أشم هنا" يعني في المضعف فتحصل في فاء المضاعف ما ثبت في فاء المعتل من الكسر الخالص والإشمام والضم الخالص، كما أشار إليه الناظم بقوله:
248- ................... وما لباع قد يرى لنحو حب
وعلى الكسر يلغز، فيقال: ما وجه رفع الماء في قولهم: إن الماء؛ بكسر الهمزة، ورفع الماء، وجوابه أن أصله إن زيد الماء في الحوض إذا صبه فحذف الفاعل، وأنيب عنه المفعول، وكسر الهمزة على حد "رِدَّتْ إِلَيْنَا" [يوسف: 65] بكسر الراء، واستفدنا من تغيير الفعل إذا بني للمفعول أن صيغته مفرعة عن صيغة المبني للفاعل، وبه قال جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنها صيغة أصلية مستقلة بنفسها غير مغيرة عن شيء، وسيأتي في التصريف توجيه كل من القولين.
__________
1 شرح التسهيل للدماميني 4/ 267.
2 الكتاب مفقود، ورد قوله في شرح شواهد ابن الناظم ص260.
3 انظر القراءة في الإتحاف ص266، والمحتسب 1/ 345.
4 انظر القراءة في الإتحاف ص207، والبحر المحيط 4/ 104.
5 التسهيل ص77.(1/440)
باب الاشتغال
باب الاشتغال:
"هذا باب الاشتغال":
وحده أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه فعل متصرف، أو اسم يشبهه ناصب لضميره، أو لملابس ضميره بواسطة أو غيرها، ويكون ذلك العامل بحيث لو فرّغ من ذلك المعمول، وسلط على الاسم المتقدم لنصبه، إذا تقرر ذلك فنقول: "إذا اشتغل فعل متأخر بنصبه محل ضمير اسم متقدم عن نصبه للفظ ذلك الاسم" المتقدم "كـ"زيدًا ضربته""، أو لمحله" أي: لمحل ذلك الاسم المتقدم؛ "كـ: هذا ضربته" وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
255- إن مضمر اسم سابق فعلا شغل عنه بنصب لفظه أو المحل
وذهب جمهور الشارحين إلى أن نصب اللفظ أو المحل إنما هو للضمير المشتغل به العامل مدعين أن العامل إذا وصل إلى الضمير بنفسه ينصب لفظه، وإذا وصل إليه بحرف جر ينصب محله. والتحقيق أن نصب اللفظ أو المحل إنما هو للاسم المتقدم كما شرح الموضح، وأن الضمير لا ينصب له لفظ "فالأصل" جواب إذا "أن ذلك الاسم" المتقدم "يجوز فيه وجهان:
أحدهما راجع لسلامته من التقدير" للعامل، "وهو الرفع بالابتداء، فما بعده" من الجملة الفعلية "في موضع رفع على الخبرية" للمبتدأ، والرابط، بينهما الهاء المتصلة بالفعل، "وجملة الكلام" من المبتدأ والخبر "حينئذ" أي: حين إذ جعل الاسم المتقدم مبتدأ؛ جملة "اسمية" لتصديرها بالاسم.
"و" الوجه "الثاني" من الوجهين "مرجوح لاحتياجه إلى التقدير" للعامل، "وهو النصب فإنه بفعل موافق للفعل المذكور" فيما يلائمه "محذوف وجوبًا" لأن الفعل المذكور مفسر له، ولا يجمع بينهما، وأما قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] فتوكيد، خلافًا لمن أجاز الجمع بين المفسِّر والمفسَّر، "فما بعده" أي: الاسم المتقدم "لا محل له؛ لأنه مفسِّر" للفعل(1/441)
المحذوف، والجملة المفسرة لا محل لها على الأصح، وقال في المغني1: إن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمى في الاصطلاح جملة تفسيرية، وإن حصل بها تفسير، ا. هـ.
"وجملة الكلام" من الفعل المحذوف وما بعده "حينئذ" أي: حين إذ جعل الاسم المتقدم منصوبًا بفعل محذوف جملة "فعلية" لتصديرها بالفعل المحذوف.
وهذا الوجه المرجوح مراتبه متخالفة، فالنصب في نحو: "زيدا ضربته" أقوى من النصب في نحو: "زيدًا ضربت أخاه" والنصب في "زيدًا ضربت أخاه" أحسن من النصب في
"زيدًا مررت به" والنصب في "زيدًا مررت به" أحسن من النصب في "زيدا مررت بأخيه"، قاله المرادي في تلخيص شرح أبي حيان على التسهيل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
256- فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما مواق لما قد أظهرا
وزعم الكسائي أن نصب الاسم المتقدم بالفعل المتأخر, وألغى الضمير وزعم تلميذه الفراء أنهما منصوبان بالفعل المذكور؛ لأنهما في المعنى لشيء واحد2. ويرد عليهما "أزيدًا مررت به؟" و"أزيدًا هدمت داره؟".
"ثم قد يعرض لهذا الاسم" المتقدم "ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يسوى" فيه "بين الرفع والنصب، ولم نذكر" نحن "من الأقسام ما يجب رفعه، كما ذكر الناظم" في النظم بقوله:
258- وإن تلا السابق ما بالابتدا يختص فالرفع التزمه أبدا
259- كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولا لما بعد وجد
"لأن حد الاشتغال السابق" أو الباب "لا يصدق عليه"؛ لأنه يعتبر فيه أن يكون الاسم المتقدم بحيث لو فرغ الفعل من الضمير وسلط عليه لنصبه، وما يجب رفعه ليس بهذه الحيثية، "وسيتضح ذلك" في التنبيه الأول الآتي. "فيجب النصب إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل كأدوات التحضيض" بحاء مهملة وضادين معجمتين "نحو: هلا زيدًا أكرمته" وأهمله في الارتشاف.
"وأدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو: هل زيدًا رأيته" فيجب نصب "زيد" بفعل محذوف يفسره المذكور، وهو "رأيت" ولا يجوز رفعه؛ لأن "هل" إذا جاء بعدها
__________
ـ
1 مغني اللبيب ص526.
2 الارتشاف 3/ 110، وهمع الهوامع 2/ 114.(1/442)
اسم وفعل لم يجز تقديم الاسم على الفعل، فلا يجوز "هل زيدًا رأيت" إلا في الشعر، هذا مذهب سيبويه1، وخالفه الكسائي في ذلك، فأجاز أن يليها الاسم الذي بعد فعل، ولم يخص ذلك بالشعر2، فعلى قوله يجوز الاشتغال في النثر، ولا يجب النصب بل يترجح، وما تقدم في صدر الكتاب3 من أن "هل" مشتركة بين الأسماء والأفعال مقيد عند غير الكسائي بما إذا لم يكن في حيزها فعل، نحو: "هل زيد أخوك" فإنها إذا لم يكن في حيزها فعل تسلت عنه، بخلاف ما إذا كان الفعل في حيزها، فلا تدخل إلا عليه، ولم ترض بافتراق الاسم بينهما، قاله التفتازاني4 وغيره.
"و: متى عمرًا لقيته" فيجب النصب لما ذكر، وسيأتي الكلام على الهمزة في المسألة الثالثة. "وأدوات الشرط، نحو: حيثما زيدًا لقيته فأكرمه" فيجب النصب، لما ذكر من الاختصاص بالفعل. "إلا أن هذين النوعين" وهما أدوات الاستفهام غير الهمزة وأدوات الشرط "لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر" عن سيبويه5، "وأما في" نثر "الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل"، فلا يجوز في الكلام "متى عمرًا لقيته" و"حيثما زيدًا لقيته فأكرمه" "إلا إن كانت أداة الشرط "إذا" مطلقًا، سواء أكان الفعل ماضيًا أم لا "أو: إن" بكسر الهمزة وسكون النون "والفعل ماض" لفظًا أو معنى "إذا زيدًا "تلقاه فأكرمه""، لا فرق في ذلك بين الماضي والمضارع مع "إذا" "و" تقول في "إن" والفعل ماض لفظًا: "إن زيدًا لقيته فأكرمه" أو معنى فقط "إن زيدًا لم تلقه فانتظره". "ويمتنع" الاشتغال "في" نثر "الكلام" بعد "إن" الجازمة لفعل التفسير لفظًا نحو: "إن زيدًا تلقه" بحذف الألف "فأكرمه"؛ لأن "إن" لما جزمت الفعل قوي طلبها له، فلا يليها غيره، بخلاف ما إذا لم تجزمه لفظًا، إما لمضيه، وإما لجزمه بغيرها كما تقدم، فيضعف طلبها للفعل، فيليها غيره.
"ويجوز" الاشتغال "في الشعر" بعد "إن" الجازمة لفعل التفسير، نحو "إن" زيدًا تلقه فأكرمه". "وتسوية الناظم" في الناظم "بين "إن" و "حيثمًا" مردودة"،
__________
1 الكتاب 3/ 99.
2 انظر الكشاف 3/ 107.
3 انظر ما تقدم ص37.
4 مختصر التفتازاني 2/ 260، 361.
5 الكتاب 1/ 101.(1/443)
لأن الاشتغال بعد "حيثما" لا يقع إلا في الشعر، وأما بعد "إن" فإنه إن كان الفعل المشتغل ماضيًا لفظًا أو معنى يقع الاشتغال بعدها في الكلام والشعر، وإن كان مضارعًا مجزومًا بها فالاشتغال بعدها مختص بالشعر.
وجوابه إن الغرض من التسوية بينهما إنما هو في وجوب النصب حيث وقع الاشتغال بعدهما، وأما التسوية بينهما في جميع الوجود فليست بلازمة، وعبارة الناظم ناطقة بذلك، ونصبها:
257- والنصب حتم إن تلا السابق ما يختص بالفعل كإن وحيثما
"ويترجح النصب في ست مسائل:
إحداها أن يكون الفعل" المشتغل "طلبًا1، وهو الأمر والدعاء" بخير أو شر، "ولو" كان الدعاء "بصيغة الخبر" المقابل للإنشاء، "فالأمر نحو: زيدًا اضربه، و" الدعاء بصيغة الطلب، نحو: "اللهم عبدك ارحمه، و" الدعاء بصيغة الخبر، نحو: "زيدًا غفر الله له".
فالنصب فيهن بفعل محذوف من لفظ الأولين، ومن معنى الثالث لقصوره، والتقدير: اضرب زيدًا وارحم عبدك، وارحم زيدًا غفر الله له، وإنما ترجح النصب فيهن على الرفع؛ لأن الطلب إنما يكون بالفعل، فكان حمل الكلام عليه أولى؛ ولأن في الرفع الإخبار بالطلب، وحق الخبر أن يكون محتملا للصدق والكذب، قاله ابن الشجرى2 ونوقش فيه3.
وقال أبو علي4: كنت أستبعد إجازة سيبويه الإخبار بجملتي الأمر والنهي5 حتى مر بي قوله: [من البسيط]
368- إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
__________
1 انظر الكتاب 1/ 137، 138، 142، وشرح ابن الناظم ص173، والارتشاف 3/ 107.
2 أمالي ابن الشجري 1/ 331.
3 انظر الدرر اللوامع 1/ 183، 184، وهمع الهوامع 1/ 96.
4 أمالي ابن الشجري 1/ 331، 332.
5 الكتاب 1/ 138.
368- البيت لأبي مكعت أخي بني سعد بن مالك في خزانة الأدب 1/ 247، 249، 250، والدرر 1/ 285، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 914، ومغني اللبيب 2/ 585، وهمع الهوامع 1/ 135، وأمالي ابن الشجري 1/ 332، وشرح التسهيل 2/ 11.(1/444)
"وإنما وجب الرفع في نحو: "زيدًا أحسن به" لأن الضمير" المجرور بالباء "في محل رفع" على الفالية عند سيبويه، وزيدت الباء لإصلاح اللفظ، فليس من الاشتغال في شيء، وكذا إن قلنا: الضمير في محل نصب، لأن فعل التعجب جامد لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا.
"وإنما اتفق السبعة عليه" أي على الرفع "في نحو: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا" كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] "لأن" الفاء مانعة من حملة على الاشتغال، فإن "تقديره عند سيبويه1: مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني"، فحذف المضاف الذي هو "حكم"، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو "الزانية والزاني"، وحذف الخبر وهو المجرور، "ثم" بعد تمام الجملة "استؤنف الحكم" وهو "فاجلدوا" فصارت جملة الطلب مستأنفة، فلم يزلم الإخبار بالجملة الطلبية وهي "فاجلدوا" عن المبتدأ وهو "الزانية والزاني"، ولم يستقم عمل فعل من جمل مستأنفة في مبتدأن مخبر عنه بغير ذلك الفعل من جملة أخرى، وهذا التقدير متعين عند سيبويه2، "وذلك لأن الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا"ن المثال، فإنه يمنع زيادة الفاء في خبر المبتدأ، ما لم يكن المبتدأ موصولًا بفعل أو ظرف، وصلة "أل" غير ذلك، "ولذا" أي ولأجل منع سيبويه زيادة الفاء في خبر المبتدأ إذا لم يكن موصولًا بفعل أو ظرف "قال في قوله: [من الطويل]
369- وقائلة خولان فانكح فتاتهم" وأكرومة الحيين خلو كما هيا
"إن التقدير: هذه خولان"، هذا مقول قول سيبويه3، فجعل "خولان" خبر مبتدأ محذوف، وجملة "فانكح فتانهم" مستأنفة هربًا من زياة الفاء في خبر المبتدأ غير
__________
1 الكتاب 142، 143.
2 الكتاب 1/ 139، 140.
369- البيت بلا نسبة في الأزهية ص243، وأوضح المسالك 2/ 163، والجني الداني ص71، وخزانة الأدب 1/ 315، 455، 4/ 369، 8/ 19، 11/ 367، والدرر 1/ 201، والرد على النحاة ص104، ورصف المباني ص386، وشرح أبيات سيبويه 1/ 413، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 279، 294، وشرح الأشموني 1/ 189، وشرح التسهيل 1/ 331، وشرح شواهد الإيضاح ص86، وشرح شواهد المغني 1/ 468، و2/ 873، وشرح المفصل 1/ 100 ، 8/ 95، والكتاب 1/ 139، 143، ومغني اللبي 1/ 165، والمقاصد النحوية 2/ 529، وهمع الهوامع 1/ 110، ومعاني القرآن للأخفش 1/ 247/ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 407.
3 الكتاب 1/ 138، 139.(1/445)
الموصول وأجاز الأخفش زيادتها مطلقًا1، ونقله ابن إياز في نتيجة المطارحة أيضًا عن الفارسي2 وابن جني3 وغيرهما من البصريين.
وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمرًا أو نهيًا4، و"خولان" بفتح الخاء المعجمة: قبيلة من اليمن، "والنكاح": التزويج، و"الفتاة": الشابة، و"أكرومة" بضم الهمزة: من الكرم، كالأعجوبة من العجب، مبتدأ، و"الحيين": تثنية حي، والمراد حي أبيها، وحي أمها، يعني أن كرمها من جهتي نسبها، و"الخلو" بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام: الخالية من الأزواج، خبر "أكرومة"، و"كما": جار ومجرور، خبر بعد خبر "وما" المجرورة بالكاف: اسم موصول، وكلمة "هي" مبتدأ محذوف الخبر، والجملة صلة "ما" والعائدة محذوف، بمعنى "على"، والتقدير: على ما هي عليه.
"وقال المبرد5: الفاء" في {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] "لمعنى الشرط"؛ لأن الموصول فيه معنى الشرط، فتدخل الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط، والمعنى: إن زنيا فاجلدوهما، "ولا يعمل الجواب في الشرط، فكذلك ما أشبههما" مما هو منزل منزلة الشرط والجواب. فكما لا يعمل الجواب في الشرط لا يعمل الخبر المشبه للجواب في المبتدأ المشبه للشرط، "وما لا يعمل لا يفسر عاملا".
فعلى قولي سيبويه والمبرد ليست الآية من الاشتغال"، "فالرفع" على الابتداء "عندهما واجب" والخبر على قول سيبويه محذوف, وعلى قول المبرد مذكور وهو "فاجلدوا". وقال أبو علي
الفارسي6: من جعل الفاء زائدة أجاز النصب في "زيد فاضربه" وأنشد ثعلب أحمد بن يحيى: [من الرجز]
370- يا رب موسى أظلمي وأظلمه فاصبب عليه ملكًا لا يرحمه
__________
1 معاني القرآن للأخفش 1/ 247، وانظر الدر 1/ 201.
2 شرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 279، 280، 294, وفي الدرر 1/ 201: "قال أبو علي: من جعل الفاء زائدة أجاز في "خولان" الرفع والنصب".
3 سر صناعة الإعراب 1/ 260.
4 الارتشاف 2/ 66، 70.
5 الكامل ص822.
6 الدرر اللوامع 1/ 201، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 280.
370- الرجز بلا نسبة في الارتشاف 2/ 69، وخزانة الأدب 4/ 369، 370، والدرر 1/ 202، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 294، وشرح عمدة الحافظ ص653، وهمع الهوامع 1/ 110.(1/446)
المعنى: أظلمنا1.
وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي عبلة "وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ" [المائدة: 38] بالنصب2، و"قال" أبو محمد، عبد الله بن محمد "ابن السيد"؛ بكسر السين، وسكون الياء آخر الحروف؛ البطليوسي، "و" أبو الحسن، طاهر بن أحمد "ابن بابشاذ"، بالتركيب، كلمة أعجمية يتضمن معناها الفرح والسرور "يختار الرفع في" الاسم المنظور فيه "إلى العموم" بالأمر، "كالآية" ونحوها كـ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] لشبهه بالشرط في العموم والإبهام، "و" يختار "النصب في" الاسم المنظور فيه إلى الخصوص" بالأمر، "كـ: زيدًا اضربه" لعدم مشابهته للشرط3.
المسألة "الثانية:" مما يترجح فيه النصب "أن يكون الفعل" المشتغل "مقرونا باللام أو بلا الطلبيتين، نحو: "عمرًا ليضربه بكر" و"خالدًا لا تهنه"".
فإن قيل: كيف جاز ذلك، وقد فسر العامل ما لا يعمل؛ لأن "اللام" و"لا" الطلبيتين لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما قياسًا؟. قلت: أجاب ابن عصفور بأنهم أجروا الأمر بـ"اللام" مجرى الأمر بغيرها، وأجروا النهي بـ"لا" مجرى النفي بها.
ويشمل الطلب ما لفظه لفظ الخبر، "ومنه: زيدًا لا يعذبه الله" برفع "يعذب"؛ "لأنه نفي بمعنى الطلب"، فـ"زيدًا" منصوب بفعل محذوف، تقديره: رحم الله زيدًا؛ لأن عدم التعذيب رحمة. "ويجمع المسألتين" هذه والتي قبلها "قول الناظم":
260- واختير نصب "قبل ذي طلب" .....................................
"فإن ذلك" الفعل المصاحب للطلب "صادق" على شيئين: "على الفعل الذي هو طلب" كالأمر والدعاء، "وعلى الفعل المقرون بأداة طلب"، كالمقرون "باللام" و"لا" الطلبيتين.
المسألة "الثالثة: أن يكون الاسم" المشتغل عنه "واقعًا بعد شيء، الغالب" في ذلك الشيء "أن يليه فعل"، وإليه أشار الناظم بقوله:
260- .................... وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب
__________
1 شرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 294.
2 انظر هذه القراءة في البحر المحيط 3/ 476، والكشاف 1/ 377، ومعاني القرآن وإعرابه 2/ 172.
3 انظر رأي البطليوسي في كتابه الحلل ص154، ورأي ابن بابشاذ في همع الهوامع 2/ 113، وانظر الارتشاف 3/ 107.(1/447)
"ولذلك أمثلة، منها همزة الاستفهام، نحو: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ}" [القمر: 24] فيترجح نصب، "بشرا" بفعل محذوف يفسره المذكور؛ لأن الغالب في الهمزة أن تدخل على الأفعال، وإنما لم يجب دخولها على الأفعال كباقي أخواتها؛ لأنها أم الباب، وهم يتوسعون في أمهات الأبواب ما لم يتوسعوا في غيرها. "فإن فصلت الهمزة" من الاسم المشتغل عنه "فالمختار الرفع نحو: أأنت زيد تضربه"؛ لأن الاستفهام حينئذ داخل على الاسم، لا على الفعل، هذا إن جعلت "أنت" مبتدأ, كما هو رأي سيبويه1, وإن جعلته فاعلا بفعل مقدر, وانفصل بعد حذفه كما هو رأي الأخفش فالمختار النصب2؛ لأن الهمزة داخلة في التقدير، "إلا في نحو: أكل يوم زيدًا تضربه"، فيترجح النصب؛ "لأن الفصل بالظرف" وهو "كل يوم" بنصب "كل" "كلا فصل" وحرف الاستفهام داخل في الحكم على الفعل.
"وقال ابن الطراوة3: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع" واجب، "نحو: أزيد ضربته أم عمرو" لأن الضرب محقق، وإنما الشك في المفعول، فالاستفهام عن تعيينه "وحكم" ابن الطراوة "بشذوذ النصب في قوله" وهو جرير يمدح ثعلبة ورياحًا، ويذم طهية والخشاب: [من الوافر]
371- أثعلبة الفوارس أم رياحا عدلت بهم طهية والخشابا
بنصب "ثعلبة" بفعل محذوف تقديره: أحقرت ثعلبة، ولا يجوز إضمار "عدلت" لتعديه بالياء، قاله الموضح في الحواشي.
و"ثعلبة" بتاء مثلثة وعين مهملة وباء موحدة و"الفوارس" نعته، وإن كان جمعًا، نظر إلى معنى أهل القبيلة، و"رياحًا" بمثناة من تحت، وحاء مهملة، "وطهية" بضم الطاء المهملة، وفتح الهاء وتشديد الياء آخر الحروف، و"الخشاب" بكسر الخاء المعجمة وبالشين المعجمة: كلها قبائل، قاله الموضح في الحواشي.
__________
1 الكتاب 1/ 104، وانظر الارتشاف 3/ 106.
2 شرح التسهيل 2/ 144، والارتشاف 3/ 112.
3 الارتشاف 3/ 108.
371- البيت لجرير في ديوانه ص814، والأزهية ص114، وأمالي المرتضى 2/ 57، وجمهرة اللغة ص290، وخزانة الأدب 11/ 69، وشرح أبيات سيبويه 1/ 288، والكتاب 1/ 102، 3/ 183، ولسان العرب 1/ 355، "خشب" 15/ 17 "طها" والمقاصد النحوية 2/ 533، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 166، والرد على النحاة ص105، وشرح الأشموني 1/ 190.(1/448)
وفي مثل الزجاجي1، قال المازني: سأل مروان الأخفش عن "أزيدًا ضربته أم عمرًا" فقال الأخفش: المختار النصب لأجل الألف. فقال: إنما المستفهم عنه هنا الاسم لا الفعل. وإنما ينبغي أن يختار الرفع. فقال: هذا هو القياس. قال المازني: وكذا القياس عندي، ولكن النحاة أجمعوا على اختيار النصب لما كان معه حرف الاستفهام الذي هو في الأصل للفعل. فظهر بهذا أن ما قاله ابن الطراوة شاذ، بدليل قول العرب: "أزيدًا ضربته أم عمرًا" بالنصب، ا. هـ.
"وقال الأخفش2: أخوات الهمزة" في ترجيح النصب "كالهمزة" في ذلك "نحو: أيهم زيدًا ضربه"، فـ"أيهم": مبتدأ، و"زيدًا" منصوب بفعل محذوف يفسره "ضربه" والجملة خبر "أيهم" والتقدير: "أيهم ضرب زيدًا"، "ومن أمة الله ضربها" فـ"من" بفتح الميم: مبتدأ، و"أمة الله": منصوب بفعل محذوف، خبر "من" والتقدير: من ضرب أمة الله؟.
"ومنها" أي: من الأمثلة "النفي بـ"ما" أو "لا" أو "إن" نحو: ما زيدًا رأيته" أو: لا زيدًا رأيته، أو: إن زيدًا رأيته، فيترجح النصب؛ لأنهم شبهوا أحرف النفي بأحرف الاستفهام في أن الكلام معها غير موجب.
"وقيل: ظاهر مذهب سيبويه اختيار الرفع" في الاسم بعدها3.
"وقال" أبو عبد الله4 "ابن الباذش"؛ بباء موحدة وألف فذال وشين معجمتين، والذال مكسورة؛ "وابن خروف": لا يترجح النصب مع هذه الأحرف، وإنما الرفع والنصب "يستويان" معها لدخولها على الأسماء والأفعال، بخلاف غيرها من أحرف النفي وهي: "لم" و"لما" و"لن" فإنها مختصة بالأفعال، فحكها حكم "إن" الشرطية في وجوب النصب إن اضطر شاعر إلى ذلك. قاله ابن مالك في شرح الكافية5.
"ومنها "حيث" نحو: حيث زيدًا تلقاه فأكرمه، قاله الناظم" في شرح الكافية ونصه6: ومن مرجحات النصب تقدم" حيث" مجردة من "ما" نحو: حيث
__________
1 أي: في مجالس العلماء ص61.
2 انظر الارتشاف 3/ 108.
3 الكتاب 1/ 145، 146 ، وانظر الارتشاف 3/ 108.
4 كذا في "أ"، "ب", "ط" والصواب: أبو الحسن، انظر بغية الوعاة 2/ 142.
5 شرح الكافية الشافية 2/ 619، 620.
6 شرح الكافية الشافية 2/ 620.(1/449)
زيدًا تلقاه فأكرمه؛ لأنها تشبه أدوات الشرط فلا يليها في الغالب إلا فعل، فإن اقترنت بـ"ما" صارت أداة شرط، واختصت بالفعل. ا. هـ. وهو في ذلك تابع لسيبويه، فإنه قال1: "إذا" و"حيث" مما يقبح بعده ابتداء الأسماء، وإذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصب في القياس، تقول: "إذا عبد الله تلقاه فأكرمه" و"حيث زيدًا تجده فأكرمه".
ونوزع سيبويه في "إذا" لأنها عنده مختصة بالأفعال، ولم ينازع في "حيث" فظن الموضح أن المنازعة في "حيث" فقال: "وفيه نظر"، والعجب منه أنه وافق النتاظم في المغني فقال2: وإضافة "حيث" إلى الفعلية أكثر ومن ثم ترجح النصب في نحو: جلست حيث زيدًا أراه. ا. هـ.
ولعل وجه النظر في قوله: "فأكرمه"، فإنه يوهم أنه جواب "حيث"، و"حيث" المجردة من "ما" لا جواب لها عند البصريين, ومن جازى بها من الكوفيين أوجب النصب بعدها، فلا يكون راجحًا.
المسألة "الرابعة:" مما يترجح فيه النصب "أن يقع الاسم" المشتغل عنه "بعد عاطف غير مفصول" ذلك العاطف من الاسم "بـ: أما" المفتوحة الهمزة، المشددة الميم، "مسبوق" العاطف "بفعل غير مبني" ذلك الفعل "على اسم" قبله، والمراد ببنائه عليه أن يجعل الفعل خبرًا عن ذلك الاسم، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
261- وبعد عاطف بلا فصل على
معمول فعل مستقر أولًا
ولا فرق في الفعل بين أن تكون رافعًا للفاعل أو ناصبًا للمفعول، فالأول "كـ: قام زيد وعمرا أكرمته"، "و" الثاني "نحو: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل: 5] بعد" قوله: "{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}" [النحل: 4] وإنما ترجح نصب المعطوف فيهما؛ لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية، والرافع عاطف جملة اسمية على جملة فعلية، وتشاكل الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى أحسن من تخالفهما، قاله في شرح الكافية3. ما إذا فصل بين العاطف والاسم بـ"أما" "نحو: ضربت زيدًا وأما عمرو فأهنته، فالمختار الرفع"؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير.
وحكم الاسم الواقع بعد "أما" في الأحوال الخمسة حكم الاسم الواقع في ابتداء الكلام،
__________
1 الكتاب 1/ 106، 107.
2 مغني اللبيب ص177.
3 شرح الكافية الشافية 2/ 620، 621.(1/450)
"لأن "أما" تقطع ما بعدها عما قبلها" لكونها من الحروف التي يبتدأ بها الكلام، قاله الشاطبي: "وقرئ "وَأَمَّا ثَمُودًا فَهَدَيْنَاهُمْ" [فصلت: 17] بالنصب لـ"ثمود" منونا وغير منون، قاله الزمخشري في كشافه1، والبيضاوي في تفسيره2، والتنوين باعتبار الحي، وعدمه باعتبار القبيلة، والنصب بلا تنوين قراءة الحسن البصري، وبالتنوين3 قراءة ابن عباس، والنصب بفعل محذوف يفسره ما بعده، "على حد: زيدًا ضربته"، إلا أن الفعل المحذوف لا يقدر قبل "ثمود" كما يقدر قبل "زيد" في "زيدًا ضربته" لئلا يلزم الفصل بين "أما" و"الفاء" بجملة تامة، وذلك لا يجوز، فلا يقال: وأما هدينا ثمود فهديناهم، وإنما يقدر بعد الفاء من لفظ المذكور، والأصل: وأما ثمود فهدينا هديناهم، فلما حذف الفعل المفسر بالفتح؛ دخلت الفاء على مفسره فصار "وأما ثمود فهديناهم"، فإن قلت: ما بعد فاء الجزاء لا يعلم فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، قلت: الفاء ليست هنا في مركزها الأصلي فلا تكون مانعة من العمل. وشمل قوله: العاطف "الواو" و"الفاء" و"ثم" و"أو"، قاله الشاطبي.
"و "حتى" و"لكن" و"بل" كالعطف نحو: ضربت القوم حتى زيدًا ضربته" و"ما رأيت زيدًا لكن عمرًا رأيت أباه" و"ما أكرمت زيدًا بل عمرًا أكرمته" وإنما قال: كالعاطف؛ لأن المعطوف بهذه الثلاثة يشترط كونه مفردًا، وهو هنا جملة، فجعلت هذه الأحرف منزلة منزلة العاطف في إعطاء حكمه.
المسألة "الخامسة": مما يترجح فيه النصب "أن يتوهم في الرفع أن الفعل المشتغل بالضمير "صفة" لما قبله، "نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ" بِقَدَر} [القمر: 49]؛ لأنه إذا رفع "كل"4 احتمل "خلقنا" أن يكون خبرا له، فيكون المعنى على عموم خلق كل الممكنات الموجودة بقدر خيرًا كانت أو شرا كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
واحتمل أن يكون "خلقنا" صفة لشيء، و"بقدر" خبر "كل"، والتخصيص باللغة يفهم أن ما لا يكون موصوفًا بها لا يكون بقدر، والصفة هي المخلوقية المنسوبة له، فالمخلوقية التي لا تكون منسوبة له لا تكون بقدر، فيوهم أن ثم مخلوقًا لغيره تعالى، وهو مذهب المعتزلة.
__________
1 الكشاف 3/ 388.
2 أي: في كتابه أنوار التنزيل 4/ 116.
3 في "ب": "بالنصب".
4 هي قراءة أبي السمال، انظر الكشاف 4/ 41، والمحتسب 2/ 300.(1/451)
"وإنما لم يتوهم ذلك مع النصب" لـ"كل" على أنه مفعول بفعل محذوف، يفسره "خلقنا"، ويمتنع جعله صفة لـ"كل شيء"؛ "لأن الصفة لا تعمل بالموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا".
"ومن ثم" بفتح المثلثة، أي: من أجل أن الصفة لا تعمل في الموصوف "وجب الرفع" لـ"كل" "إن كان الفعل" المتصل بالضمير "صفة" لـ"كل شيء" "نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر}" [القمر: 52] أي: الكتب، ولا يصح نصب "كل" لأن تقدير تسليط الفعل عليها إنما يكون على حسب المعنى المراد، وليس المعنى هنا أنهم فعلوا كل شيء في الزبر، حتى يصح تسليط "فعلوا" على "كل شيء" وإنما المعنى: وكل شيء مفعول لهم، ثابت في الزبر، وهو مخالف لذلك المعنى، فرفع "كل" واجب على الابتدائية، والفعل المتأخر صفة له أو لـ"شيء" و"في الزبر" خبر "كل".
"أو" إن كان الفعل "صلة" لموصول "نحو: زيد الذي ضربته، أو" إن كان الفعل "مضافًا إليه نحو: زيد يوم تراه تفرح" فـ"زيد" فيهما واجب الرفع بالابتدائية، ولا يجوز نصبه بفعل يفسره "ضربته" في الأول, و"تراه" في الثاني؛ لأن كلا منهما لا يعمل فيما قبله، أما الأول فلأنه صلة؛ والصلة لا تعمل فيما قبل الموصول؛ وأما الثاني فلأنه مضاف إليه "يوم" وهو شبيه الصلة في تتميم ما قبله، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.
"أو" إن "وقع الاسم بعد ما يختص بالابتداء، كـ"إذا" الفجائية على الأصح" متعلق بـ"يختص" وفي المسألة ثلاثة أقوال، أصحها هذا مطلقًا والثاني: جواز دخولها على الفعلية مطلقًا، والثالث: التفرقة بين أن يقترن الفعل بـ"قد" فيحوز دخولها عليه, وألا يقترن فيمتنع حكاها في المغني1, وعلى الأصح فيجب الرفع "نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو"، ويجوز النصب على الثاني، ويمتنع على الثالث لفقدان "قد" وإليها أشار الناظم بقوله:
262- وإن تلا السابق ما بالابتدا يختص فالرفع التزمه أبدا
"أو" إن وقع الاسم "قبل ما لا يرد قبله معمولًا لما بعده" وإليها أشار الناظم بقوله:
259- كذا إن الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولا لما بعد وجد
__________
1 مغني اللبيب ص132، 233.(1/452)
"نحو: زيد ما أحسنه، أو" زيد "إن رأيته فأكرمه، أو" زيد "هل رأيته، أو" زيد "هلا رأيته" أو ما زيد إلا يضربه عمرو، فيجب رفع "زيد" في هذه الأمثلة؛ لأن ما بعد "ما" التعجبية و"إن" الشرطية و"هل" الاستفهامية و"هلا" التخضيضية و"إلا" الاستثنائية، لا يعمل فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، ويقاس على ذلك سائر أدوات الصدور.
"تنبيهان" اثنان: "الأول: ليس من أقسام مسائل الباب ما يجب فيه الرفع كما في مسألة "إذا" الفجائية" المتقدمة "لعدم صدق الضابط عليها" لأن من جملة الضابط المذكور أن يكون الفعل بحيث لو فرغ من الضمير لنصب الاسم السابق، وذلك ممتنع مع "إذا" الفجائية وما ذكر معها، "وكلام الناظم" في البيتين السابقين "يوهم ذلك"؛ لأنه جعله من جملة أقسام الباب، لكن ضرورة تتميم الأقسام ألجأته إلى ذلك. وهذا التنبيه تقدم التنبيه عليه فلا حاجة إلى ذكره.
التنبيه "الثاني: لم يعتبر سيبويه إيهام الصفة مرجحًا للنصب" كما فعل الناظم في شرح التسهيل حيث قال: ومن المرجحات للنصب أن يكون مخلصًا من إيهام غير الصواب، والرفع بخلاف ذلك كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ثم علله بأخصر مما قدمناه. "بل جعل" سيبويه "النصب في الآية" المذكورة مرجوحًا "مثله في زيدًا ضربته" فإنه "قال" في أثناء كلام: فأما قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فإنما جاء على حد قوله: "زيدًا ضربته" "وهو عربي كثير". انتهى كلام سيبويه1. فيكون الرفع أحسن من النصب.
قال ابن الشجري2: أجمع البصريون في هذه الآية على أن الرفع أرجح لعدم تقدم ما يقتضي النصب. وقال الكوفيون: النصب فيها أجود؛ لأنه تقدم على كل عامل ينصب وهو "إن" فاقتضى ذلك إضمار "خلقنا" ا. هـ.
المسألة "السادسة:" مما يترجح نصبه "أن يكون الاسم" المشتغل عنه "جوابًا لاستفهام منصوب" لفظًا أو محلا بما يليه "كـ"زيدًا ضربته" جوابًا لمن قال: "أيهم ضربت" أو "من ضربت" فـ"زيدًا" يترجح نصبه لكونه جوابًا لاستفهام منصوب لفظًا في الأول، ومحلا في الثاني، ليطابق الجواب السؤال في الجملة الفعلية.
__________
1 الكتاب 1/ 148.
2 أمالي ابن الشجري 1/ 338، 339.(1/453)
أما إذا كان الاستفهام مرفوعا نحو: "أيهم ضربته" برفع "أيهم" فإنك تجيب بالرفع فتقول: "زيد ضربته" برفع "زيد" راجحًا، ليطابب الجواب السؤال في الجملة الاسمية.
وجوز الأخفش مراعاة الصغرى والكبرى بعد "أيهم ضربته" كما يجيز الوجهين في "زيد ضربته وعمرًا أكرمته"، وأجرى الجواب مجرى العطف1، وإنما يجيز سيبويه ذلك في النصب على حده في "زيدا ضربته"2. ويقال: "هل رأيت زيدًا" فتقول: "لا، ولكن عبد الله لقيته"، ينزل ذلك منزلة الجواب، وإن لم يكن جوابًا، عن المسئول عنه، وكذا لو عطفته فقلت: "لا، بل عمرًا لقيته"، أو: "وعمرًا لقيته"، قاله الموضوح في الحواشي، ومن خطه نقلت.
"و" الرفع والنصب "يستويان في مثل الصورة الرابعة"، على أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بـ"أما"، مسبوق بفعل "إذا بني الفعل" السابق "على اسم" بأن أخبر بالفعل عن اسم "غير "ما" التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية" المعطوفة على الجملة المبني فعلها على مبتدئها "ضميره، أو كانت" الجملة الثانية "معطوفة بالفاء" المفيدة للسببية "لحصول المشاكلة" متعلق بيستويان وعلى أنه علة له "رفعت أو نصبت" الاسم المشتغل عنه بالضمير في الجملة الثانية، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
262- وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا به عن اسم فاعطفن مخيرا
"وذلك نحو: "زيد قام وعمرو أكرمته لأجله" أو "فعمرو أكرمته"" فيجوز في "عمرو" الرفع والنصب على السواء؛ وذلك لأن "زيد قام" جملة كبرى ذات وجهين، ومعنى قولنا: كبرى، أنها جملة في ضمنها جملة مبنية على مبتدئها. ومعنى قولنا: أنها ذات وجهين، أنها اسمية الصدر بالنظر إلى مبتدئها، فعلية العجز بالنظر إلى خبرها، فإن راعيت صدرها رفعت "عمرًا" وكنت قد عطفت جملة اسمية على جملة اسمية، وكلاهما لا محل له من الإعراب، وإن راعيت عجزها نصبته، وكنت قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية محلها الرفع على الخبرية، والرابط بين الجملة المعطوفة والمعطوف عليها إما الضمير من "لأجله" العائد على صدر الجملة الأولى، أو "الفاء" فالمناسبة حاصلة على كلا التقديرين، فاستوى الوجهان.
__________
1 انظر الارتشاف 3/ 109.
2 الكتاب 1/ 93.(1/454)
وقال في البسيط: إن أبا علي رجح افرفع، ا. هـ. وهو مقتضى قول ابن الشجري1: إن اعتبار الاسم الذي ضمنه فعل أولى من اعتبار الفعل.
وقال أبو حيان2: قال بعض معاصرينا: لم يصرح سيبويه بأنهما على حد سواء، وإنما ذلك قول الجزولي3. والأظهر ترجيح النصب؛ لأن الحمل على الصغرى أقرب وهم يراعون الجوار ما أمكن نحو: "هذا جحر ضب خرب"4 وعورض بأن الرفع ترجح بعدم الإضمار، فلكل منهما مرجح، فتساويا "بخلاف" ما إذا بني الفعل على "ما" التعجبية نحو: "ما أحسن زيدًا، وعمرو أكرمته عنده، فلا أثر للعطف" على الجملة الفعلية، فرفع "عمرو" في هذا هو المختار، وذكر ذلك سيبويه5؛ لأن فعل التعجب قد جرى مجرى الأسماء لجموده، ولذلك صغر6. واعتقد الكوفيون اسميته، فكأنه ليس في الكلام فعل مبني على اسم، فيترجح الرفع لعدم الإضمار.
"فإن لم يكن في" الجملة "الثانية ضمير الأول، ولم يعطف بالفاء فالأخفش والسيرافي" بكسر السين "يمنعان النصب" بناء على العطف على الصغرى، "وهو المختار7"؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا بد فيه من رابط، وهو مفقود، فالرفع عندهما واجب، وإن ورد النصب فهو على حده في "زيدًا ضربته" ابتداء، ويكون من عطف جملة فعلية على جملة اسمية، وهو جائز بلا خلاف، قال المرادي في التلخيص.
"والفارسي وجماعة" كثيرة من المتقدمين "يجيزونه" أي: النصب، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال8: وقد ذكر المسألة: وذلك قولك: "عمرو لقيته وزيد كلمته" إن حملت الكلام على الأول، وإن حملته على الآخر قلت: "عمرو لقيته وزيدًا كلمته" ا. هـ. يعني بالنصب، فصرح
بأنك إن حملت على الآخر، نصبت، وليس في هذا المثال الذي ذكره ما يقتضي كون ما بعد العطف خبرًا.
__________
1 أمالي ابن الشجري 1/ 337.
2 الارتشاف 3/ 110.
3 الجزولية ص101.
4 انظر الكتاب 1/ 436، 437، والاقتضاب ص247 "طبعة دار الجيل".
5 الكتاب 1/ 96.
6 الكتاب 3/ 478.
7 الارتشاف 3/ 110.
8 الكتاب 1/ 91(1/455)
ونقل ابن عصفور1 إن سيبويه وغيره لم يشترطوا ضميرا2، واستدلوا لذلك بإجماع القراء على نصب: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن: 7] وهي معطوفة على "يسجدان" في قوله تعالى: "وَالنَّجْمَ وَالشَّجَرَ يَسْجُدَانِ" [الرحمن: 6] وليس فيها ضمير يعود على "النجم والشجر".
"وقال هشام" الضرير من الكوفيين3: "الواو كالفاء" في حصول الربط؛ لأن الواو فيها معنى الجمعية، كما أن الفاء فيها معنى السببية، بدليل "هذان زيد وعمرو"، ورد بأن الواو إنما تكون للجمع في المفردات، ولهذا لا يجوز "هذان يقوم ويقعد"، وقال ابن خروف تبعًا لطائفة من المتقدمين: جميع حروف العطف يحصل بها الربط، واحتجوا ببيت أنشده ثعلب: [من الطويل]
272- فذرني أجول في البلاد لعلني أسر صديقا أو يساء حسود
وخرج على التقدير: أو يساء بي حسود. "وهذه أمور متممات لما تقدم"، وفي بعض النسخ تنبيهات.
"أحدها: أن" العامل "المشتغل عن الاسم السابق كما يكون فعلًا كذلك يكون اسمًا لكن بشروط ثلاثة:
أحدها: أن يكون واصفا", فلا يكون اسم فعل ولا مصدرا.
"الثاني: أن يكون" الوصف "عاملًا" عمل الفعل، فلا يكون وصفًا غير عامل.
والشرط "الثالث: أن يكون" الوصف العامل "صالحًا للعمل فيما قبله"، فلا يكون وصفًا مقرونًا بـ"أل"، ولا صفة مشبهة، ولا اسم تفضيل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
265- وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل بالفعل إن لم يك مانع حصل
"وذلك" الاسم المستوفي للشروط الثلاثة يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة.
__________
1 شرح الجمل 1/ 367، 368.
2 شرح التسهيل 2/ 144.
3 الارتشاف 3/ 110.
372- البيت بلا نسبة في أمالي القالي 2/ 136.(1/456)
فالأول "نحو: زيدًا أنا ضاربه"، والثاني نحو: "الدرهم أنت معطاه".
والثالث1 نحو: "العسل أنت شرّابه، و"النِّعم أنت مِنحارها". و"العبد أنت ضروبه" أو "ضربيه" و"القدر أنت حذره" "الآن، أو: غدًا" في الجميع، فالاسم السابق فيهن منصوب بوصف محذوف يفسره الوصف المذكور، والتقدير: أنا ضارب زيدًا، وأنت معطًى الدرهم، وأنت شراب العسل، وأنت منحار النعم، وأنت ضروب أو ضريب العبد، وأنت حذر القدر، "بخلاف "زيد عليكه" و"زيد ضربا إياه"" بالياء المثناة تحت، فلا يجوز نصب "زيد" فيهما "لأنهما" أي: "عليك" و"ضربًا" "غير صفة"؛ لأن الأول اسم فعل، والثاني مصدر، واسم الفعل والمصدر لا يعملان فيما قبلهما، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، فـ"زيد" في المثالين واجب الرفع على الابتدائية، وخبره ما بعده من الفعل النائب عنه اسم الفعل والمصدر.
"نعم يجوز النصب" فيه "عند من جوز تقديم معمول اسم الفعل، وهو الكسائي2، و" عند من جوز تقديم "معمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري" كـ"ضربًا" النائب عن فعله الطلبي، "وهو المبرد3، والسيرافي"، وعند من جوز عمل اسم الفعل والمصدر محذوفين.
"وبخلاف "زيد أنا ضاربه أمس" لأنه غير عامل على الأصح"؛ لأنه بمعنى الماضي4، نعم يجوز النصب عند من جوز عمل الوصف إذا كان بمعنى الماضي، وهو الكسائي5.
"و "زيد أنا الضاربه" و"وجه الأب زيد حسنه"" فـ"زيد" في المثال الأول، و"وجه الأب" في المثال الثاني فرفعهما واجب على الابتدائية، وما بعدهما من الجملة الاسمية خبرهما، ولا يجوز نصبهما؛ "لأن الصلة" وهي "ضارب" "والصفة المشبهة" وهي "حسن" "لا يعملان فيما قبلهما"، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، وبخلاف "زيد عمرو أكرم منه"؛ لأن اسم التفضيل لا يعمل في مفعول به اتفاقًا لا تقديمًا ولا تأخيرًا.
__________
1 سقطت من "ب".
2 الارتشاف 3/ 104، 107.
3 المقتضب 1/ 13، والارتشاف 3/ 103.
4 شرح ابن عقيل 1/ 274.
5 شرح التسهيل 3/ 75.(1/457)
الأمر "الثاني: لا بد في صحة الاشتغال من علقة" رابطة "بين العامل والاسم السابق"؛ لأن الأصل في ذلك المبتدأ والخبر، ودخل حكم الاشتغال عليه فهو فرعه، "وكما تحصل العلقة" الرابطة "بضميره" أي: ضمير الاسم السابق "المتصل بالعامل كـ"زيدًا ضربته"" فالعلقة الرابطة بين العامل وهو "ضربت" وبين الاسم وهو "زيد" الهاء المتصلة بـ"ضربت" "كذلك تحصل" العلقة "بضميره المنفصل من العامل بحرف جر" متعلق بالمنفصل "نحو: "زيدا مررت به""، فالهاء المجرورة بالباء هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بحرف جر وهو الباء.
"أو" المنفصل من العامل "باسم مضاف نحو: زيدا ضربت أخاه" فالهاء المجرورة بإضافة "الأخ" إليها هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بالاسم المضاف الذي هو "الأخ"1 وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
264- وفصل مشغول بحرف جر أو بإضافة كوصل يجري
"أو" المنفصل من العامل "باسم أجنبي"، أتبع بتابع مشتمل" ذلك التابع "على ضمير الاسم" السابق، "بشرط أن يكون التابع" للأجنبي "نعتًا له" لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد. قاله في المغني "نحو: زيدا ضربت رجلًا يحبه" فالهاء من "يحبه" هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بالأجنبي وهو "رجلًا"، وجملة "يحبه" نعت "رجلًا" وهو أجنبي من "زيد" لأنه ليس سببًا له. "أو" يكون التابع "عطفًا" على الأجنبي "بالواو" خاصة، لما فيها من معنى الجمع، فالاثنان معها أو الجمع بمنزلة اسم مثنى أو مجموع فيه ضمير، قاله الموضح في الحواشي، "نحو: زيدًا ضربت عمرًا وأخاه، أو" يكون التابع "عطف بيان" على الأجنبي؛ لأن عطف البيان كالنعت في الإيضاح والتخصيص "كـ: زيدا ضربت عمرًا أخاه" فالهاء في "أخاه" فيهما هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بالمعطوف، وذلك مستفاد من قول الناظم:
266- وعلقة حاصلة بتابع كعلقة بنفس الاسم الواقع
مسألة عطف البيان زائدة على التسهيل، "فإن قدرت" الأخ" فيها "بدلًا" من "عمرًا" "بطلت" هذه "المسألة، نصبت الاسم" السابق "أو رفعت" لأن "الأخ" يصير من جملة ثانية؛ لأن البدل على نية تكرار العامل فتخلوا الجملة
__________
1 انظر الارتشاف 3/ 104، وشرح ابن عقيل 1/ 273، وشرح ابن الناظم ص176.(1/458)
الأولى من ضمير يعود على المبتدأ إن رفعت، وعلى المشتغل عنه إن نصبت. قاله ابن عصفور1. اللهم "إلا إذا قلنا: عامل البدل والمبدل منه واحد صح الوجهان"، النصب والرفع لوجود الرابط فيهما، فإن قلت: ويمكن أن يصح الوجهان على القول الأول أيضًا، بأن يجعل العامل في "الأخ" خبرًا في الرفع، ومفسرًا في النصب، وجملة "ضربت عمرًا" معترضة بينهما، قلت: عامل البدل ليس كالملفوظ به من كل وجه حتى يصلح أن يكون خبرًا أو مفسِّرًا لغيره، وإنما هو على تقدير معنوي، وإلا لم يكن من بدل المفرد من المفرد بل هو من بدل الجملة من الجملة، وذلك باطل بالاتفاق، وبقي من التوابع التوكيد2، ولا يصح مجيئه هنا؛ لأن الضمير المتصل به عائد على المؤكد أبدًا، فلا يصح عوده على الاسم السابق، قاله الشاطبي.
الأمر "الثالث: يجب كون المقدر في نحو: "زيدًا ضربته" من معنى العامل المذكور ولفظه" فيقدر: ضربت زيدًا ضربته. "وفي بقية الصور من معناه" أو لازمه، "دون لفظه، فيقدر" في نحو: "زيدًا مررت به" "جاوزت زيدًا مررت به"، ولا يقدر "مررت"؛ لأنه لا يصل إلى الاسم بنفسه، ويقدر في نحو: "زيدًا لست مثله": خالفت زيدًا لست مثله؛ لأن "خالفت" هو معنى "لست مثله"، قاله أبو البقاء. "و" يقدر في نحو: "زيدا ضربت أخاه" "أهنت زيدا ضربت أخاه", ولا يقدر "ضربت" لأنك لم تضرب زيدًا، وإنما ضربت أخاه، ومن لازمه إهانة. "زيد" لأن من ضرب أخا شخص فقد أهان ذلك الشخص3. وجميع ما يقدر في هذا الباب يقدر متقدمًا على الاسم المنصوب إلا أن يمنع مانع من حصر أو غيره، فيقدر متأخرًا عنه.
الأمر "الرابع": ما تقدم من الأوجه الخمسة فيما إذا نصب فعل ضمير اسم سابق أو ملابسًا لضميره يجري "إذا رفع فعل ضمير اسم سابق" لفظًا "نحو: زيد قام، أو" تقديرًا نحو: "زيد "غضب عليه""، فالهاء المجرورة بـ"على" في محل رفع على النيابة عن الفاعل بـ"غضب" "أو" رفع "ملابسًا لضميره نحو: "زيد قام أبوه"".
"فقد يكون ذلك الاسم" السابق "واجب الرفع بالابتداء كـ: خرجت فإذا زيد" قد "قام" لأن "إذا" الفجائية لا تدخل على الأفعال على الأصح السابق4،
__________
1 شرح الجمل 1/ 362.
2 بعده في "ط": "نحو: زيدًا ضربت عمرا نفسه".
3 انظر شرح ابن الناظم ص274، 276، وشرح المفصل 2/ 30، 31.
4 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 615، والارتشاف 3/ 105.(1/459)
"و "ليتما عمرو قعد"، إذا قدرت "ما" كافة" لـ"ليت" عن العمل، فـ"عمرو": مبتدأ، و"قعد"، خبره، ولا يجوز أن يكون "عمرو" فاعلًا لمحذوف؛ لأنه لم يسمع "ليتما قعد عمرو" فإن قدرت "ما" زائدة غير كافة لم يكن الرفع واجبًا بل جائزًا، لما تقدم من أنها إذا اتصل بها "ما" الزائدة جاز إعمالها وإلغاؤها لعدم زوال اختصاصها بالجمل الاسمية، وإن قدرت "ما" مصدرية كان الرفع واجبًا، لكن على الفاعلية؛ لأن "ما" المصدرية يجب أن يليها فعل ظاهر أو مقدر.
"أو" واجب الرفع "بالفاعلية نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6]، و: هلا زيد قام" لأن أدوات الشرط والتحضيض بالأنفال خلافًا للكوفيين1 فيهما، قاله ابن عصفور2 في شرح الإيضاح.
"وقد يكون" الاسم السابق" "راجح الابتدائية على الفاعلية نحو: "زيد قام" عند المبرد ومتابعيه"، فإنهم أجازوا رفعه بفعل محذوف من باب الاشتغال. ذكر ذلك الفارسي في التذكرة ونقله ابن الحاج عنه في النقد على مقرب ابن عصفور، فسقط ما قيل: إنه لا يعلم من أجاز رفعه على الفاعلية.
وعكس ابن العريف الترجيح، فرجح الفاعلية على الابتدائية، "وغيرهم" من البصريين "يوجبون ابتدائيته لعدم تقدم طالب الفعل" من نفي أو استفهام. وتقدم عن الكوفيين إجازة تقديم الفاعل في بابه.
"وقد يكون" الاسم السابق "راجح الفاعلية على الابتدائية نحو: زيد ليقم" لأن الرفع على الابتدائية يستلزم الإخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ، وهو خلاف القياس؛ لأنها لا تحتمل الصدق والكذب، والفاعلية سالمة من ذلك فترجحت، هذا تقرير كلامه، وفيه نظر؛ لأن رفع "زيد" على الفاعلية يستلزم أن يكون بفعل محذوف مقرون بلام الأمر كمفسره، وقد قال في باب التحذير من هذا الكتاب3: إن اجتماع حذف الفعل ولام الأمر شاذ، فكيف يكون راجحًا مع كونه شاذا؟ "ونحو: قام زيد وعمرو قعد" فيترجح رفع "عمرو" على الفاعلية بفعل محذوف يفسره "قعد" لتناسب العطف على الجملة الفعلية.
"ونحو {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] و {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}" [الواقعة: 59] فيرتجح رفع "بشر" و"أنتم" على الفاعلية بفعل محذوف؛ لأن الغالب في الهمزة دخولها
__________
1 ومنهم الأخفش، انظر همع الهوامع 2/ 114.
2 انظر المقرب 1/ 260.
3 أوضح المسالك 2/ 86.(1/460)
على الأفعال، وتقدم في باب الفاعل ما يغني هنا عن إعادته.
نعم الرفع على الفاعلية في "أبشر يهدوننا" أرجح في الرفع على الفاعلية في "أأنتم تخلقونه" وتقدير الاسمية في "أأنتم تخلقونه" أرجح منه في "أبشر يهدوننا" لمعادلتها الاسمية، وهي: {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] صرح بذلك في المغني1.
"و" الابتدائية والفاعلية "قد يستويان" في "نحو: زيد قام وعمرو قعد عنده" ففي الفاعلية مراعاة الصغرى، ففيه عطف فعلية على فعلية. وفي الابتدائية مراعاة الكبرى، ففيه عطف اسمية على مثلها، فالتناسب حاصل على كلا التقديرين.
__________
1 مغني اللبيب ص62.(1/461)
باب التعدي واللزوم:
"هذا باب التعدي واللزوم":
في الأفعال "الفعل ثلاثة أنواع:
أحدها: ما لا يوصف بتعد ولا لزوم، وهو "كان" وأخواتها" في حال نقصانها1، فإن منصوبها خبر لها على قول البصريين، وحال أو شبيه به على قول الكوفيين، "وقد تقدمت" عقب باب المبتدأ.
"والثاني: المتعدي، وله علامتان، إحداهما: أن يصح أن تتصل به هاء ضمير غير المصدر" على وجه لا يكون خبرًا، وعلى هذه العلامة اقتصر الناظم بقوله:
267- علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به....................
العلامة "الثانية": أن يصح "أن يبنى منه اسم مفعول تام"، بأن يستغنى عن حرف جر كما قال في شرح الكافية2.
وزاد في التسهيل3: باطراد، "وذلك كـ: ضرب" بفتح الراء "ألا ترى أنك تقول "زيد ضربه عمرو" فتصل به" أي: بضرب "هاء ضمير غير المصدر وهو: زيد"، وخرج بقولنا: على وجه لا يكون خبرًا نحو: "الصديق كنته"، فإنه يصدق على "كان" أنه اتصل به هاء ضمير غير المصدر، ومع ذلك لا يكون متعديًا كما مر، "و" ألا ترى أنك "تقول: هو مضروب، فيكون" "مضروب" تاما غير مفتقر إلى حرف جر واحترز بالاطراد من نحو: [من الوافر]
__________
1 في "ط": "نقصها".
2 شرح الكافية الشافية 2/ 629، وانظر شرح ابن الناظم ص177.
3 التسهيل ص83.(1/462)
373- تمرون الديار ....... ............................
فإنه يصح أن يبنى منه اسم مفعول تام، فتقول: الديار ممرورة، ولكنه ليس بمطرد، فلا يكون "مر" متعديًا.
"و" المتعدي "حكمه أن ينصب المفعول به كـ: ضربت زيدًا، وتدبرت الكتب" أي: تأملتها "إلا إن ناب" المفعول به "عن الفاعل" فإنه يرفع على النيابة عن الفاعل "كـ: ضربت زيد، وتدبرت الكتب" برفعهما، وبناء الفعلين للمفعول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
268- فانصب به مفعوله إن لم ينب عن فاعل...........................
وما ذكر من أن المفعول به منصوب بالفعل وحده هو قول البصريين، واختلف قول الكوفيين1 فقال هشام: الناصب له الفاعل، وقال الفراء: كلاهما. وقال خلف الأحمر: معنى المفعولية، ولكل حجة، فحجة البصريين أن أصل العمل للأفعال، وحجة هشام أن نصبه يدور مع الفاعل وجودًا وعدما، والدوران يفيد العلية، وحجة الفراء أن الفعل والفاعل كالشيء الواحد، ولا يعمل بعض الكلمة دون بعضها الآخر. وحجة خلف أن المفعولية صفة قائمة بذات المفعول، ولفظ الفعل غير قائم به، وإسناد الحكم إلى العلة القائمة بذات الشيء أولى من غيرها، ورد البصريون هذه الحجج بما يطول ذكره2، وعلم من تخصيص الفعل المتعدي بنصب المفعول به، أن بقية المفاعيل ينصبها المتعدي واللازم، بخلاف المفعول به فإنه لا ينصبه إلا المتعدي.
النوع "الثالث: اللازم وله اثنتا عشرة علامة" اثنتان عدميتان، وعشر3 وجودية، "وهي" مطردة.
__________
373- تمام البيت:
"تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذن حرام"
وهو لجرير في ديوانه ص278، والاقتضاب ص370، وتخليص الشواهد ص503، وخزانة الأدب 9/ 118، 119، 121، والدرر2/ 262، وشرح شواهد المغني 1/ 311، ولسان العرب 5/ 165، "مرر" والمقاصد النحوية 2/ 560، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 145، 8/ 252، وخزانة الأدب 7/ 158، ورصف المباني ص247، وشرح ابن عقيل 1/ 278، وشرح المفصل 8/ 8، 9/ 103، ومغني اللبيب 1/ 100، والمقرب 1/ 115، وهمع الهوامع ، 2/ 83.
1 سقط من "ب": "واختلف قول الكوفيين".
2 انظر آراء البصريين والكوفيين في الإنصاف 1/ 78-80، المسألة رقم 11.
3 في "أ", "ب": "عشرة".(1/463)
فالأولى والثانية: "ألا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، وألا يبنى منه اسم مفعول تام، وذلك كـ"خرج"، ألا ترى أنه لا يقال: زيد خرجه عمرو" فيتصل بـ"خرج" ضمير غير المصدر وهو "زيد", "ولا: هو مخروج" فيبنى منه اسم مفعول تام، "وإنما يقال: الخروج خرجه عمرو" فيتصل به هاء ضمير المصدر، وهو الخروج. "وهو مخروج به أو إليه" بحسب المعنى، فيكون اسم المفعول ناقصًا لاحتياجه إلى حرف الجر.
"و" الثالثة: "أن يدل على سجية" بالسين المهملة؛ أي: الطبيعة والسليقة، "وهي" أي: السجية "ما ليس حركة جسم، من وصف ملازم" للذات غير منفك عنها، "نحو: "جَبُن" و"شَجُع" من الأفعال اللازمة الصادرة عن الطبيعة التي لا شعور لها بما يصدر منها، وضم عين الفعل لمناسبة انضمام الطبيعة إلى الذات، عند صدور هذه الأفعال منها، قاله شارح القصارى1، وإليه الإشارة بقوله:
269- ................ وحتم لزوم أفعال السجايا............
العلامة الرابعة: المذكورة في قوله: "أو" أن يدل "على عرض" بفتح العين والراء المهملتين "وهو" أي: العرض "ما ليس حركة جسم من وصف غير ثابت" دائمًا "كـ: مَرِض، و: كَسِل، و: نَهِم، إذا شبع" بكسر العين فيهن، بخلاف "نهم" إذا صار أكولًا، فليس لازمًا، وإليها الإشارة بقوله:
271- أو عرضًا ........... .............................
والخامسة المذكورة في قوله، "أو" أن يدل "على نظافة كـ: نَظُف، وطهُر، وَضُؤ" بضم العين فيهن، ويجوز في "طهر" فتح العين.
السادسة المذكورة في قوله: "أو" أن يدل "على دنس نحو: بَخُس، وقذر" بالذال المعجمة كسرًا وضما فيهما، وإليهما الإشارة بقوله:
270- ................. وما اقتضى نظافة أو دنسا
السابعة: المذكورة في قوله: "أو" أن يدل "على مطاوعة فاعله لفاعل فعل متعد لواحد نحو: كسرته فانكسر، و: مددته فامتد" وإليها الإشارة بقوله:
271- ...... أو طاوع المعدّى لواحد ........................
__________
1 هو حسن شاه بن شرف الدين البقالي العجمي المتوفى 905، والقصارى، متن في التصريف لعلاء الدين أحمد الخجندي البرهاني، انظر كشف الظنون 1327، وهدية العارفين 1/ 288.(1/464)
والمطاوعة قبول الأثر، ففاعل الفعل اللازم قبل الأثر من فاعل الفعل المتعدي، "فلو طاوع ما يتعدى فعلة لاثنين تعدى" المطاوع بكسر الواو "لواحد كـ: علمته الحساب فتعلمه" ففاعل "تعلم" قبل التعليم من فاعل "علم".
الثامنة: المذكورة في قوله: "أو" أن "يكون موازنا للافْعَلَلّ" بفتح اللام الأولى وتشديد الثانية "كـ: "اقشعر" و"اشمأز" بمعجمتين؛ وهو بناء مقتضب، وقيل: ملحق بـ"احرنجم" و أصلهما "اقشعرر" و"اشمأزز" بسكون العين والهمزة، فكرهوا اجتماع مثلين متحركين فأسكنوا الأول، ونقلوا حركته إلى ما قبله، ثم أدغموا أحد المثلين في الآخر، قاله أبو البقاء. واعترض بأن حكم الملحق ألا يدغم، لئلا تفوت الموازنة، ولهذا وجب الفك في "اقعنسس" والاستناد إلى اتحاد المصدرين ممنوع.
والتاسعة المذكورة في قوله: "أو" يكون موازنًا "لما ألحق به" أي: بـ"افعلَلّ" "وهو افوَعَلّ" بسكون الفاء، وفتح الواو والعين، وتشديد اللام "كـ: اكوهد الفرخ إذا ارتعد".
والعاشرة المذكورة في قوله: "أو" يكون موازنًا "لـ: افعنلل" بسكون الفاء وفتح العين وسكون النون وفتح اللام الأولى، وهو ما كانت فيه النون زائدة بين حرفين قبلها، وحرفين بعدها أصليين "كـ: احرنجَمَ".
الحادية عشرة والثانية عشرة المذكورتان في قوله: "أو" أن يكون موازنا "لما ألحق به" أي: بـ"افْعَنْلَلَ"، بأصالة اللامين "وهو" ما كان فيه بعد النون الزائدة حرفان أحدهما زائد بالتضعيف، أو من حروف "سألتمونيها" فالأول نحو: "افْعَنْلَلَ؛ بزيادة ينقاد، و" الثاني نحو: "افْعَنْلَى" بفتح العين، وسكون النون، وزيادة الألف في آخره، وهي من حروف "سألتمونيها" "كـ: احرنبى الديك" بسكون الحاء المهملة، وفتح الراء، وسكون النون، وفتح الموحدة "إذا انتفش للقتال" فإن قلت: زعم ابن جني1 وأبو عبيدة أن "افْعَنْلَى" يتعدى، ولا يتعدى، ومن تعديه قول الراجز: [من الرجز]
374- قد جعل النعاس يغرنديني أدفعه عني ويسرنديني
__________
1 المنصف 1/ 86.
374- الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص1215، والخصائص 2/ 258، وسر صناعة الإعراب 2/ 290، وشرح الأشموني 1/ 196، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 113، وشرح شواهد الشافية ص47، وشرح شواهد المغني 2/ 885، ومغني اللبيب 2/ 520، والممتع في التصريف 1/ 185، والمنصف 1/ 86, 3/ 11, ولسان العرب 3/ 212 "سرد"، 325 "غرند" وديوان الأدب 2/ 492، وتهذيب اللغة 2/ 240، 13/ 150، وكتاب العين 7/ 341، ومقاييس اللغة 4/ 432، ومجمل اللغة 4/ 49.(1/465)
قال أبو عبيدة المغرندي والمسرندي: الذي يغلبك ويعلوك، قلت: أجيب عنه بأنه شاذ، والمعتمد إطلاق سيبويه بأنه غير متعد1، واقتصر الناظم على "افعَلَلّ" و"افْعَنْلَلَ" بقوله:
270- كذا افعلل والمضاهي اقعنسسا ....................................
"وحكم" الفعل "اللازم أن يتعدى بالجار" وذلك مستفاد من قول الناظم:
272- وعد لازمًا بحرف جر .........................
ويختلف الجار باختلاف المعنى "كـ: "عجبت منه" و"مررت به" و"غضبت عليه" وقد يحذف" الجار "ويبقى الجر" بحاله "شذوذًا" لأن حرف الجر لا يعمل محذوفًا، "كقوله" وهو الفرزدق: [من الطويل]
375- إذا قيل أي الناس شر قبيلة "أشارت كليب بالأكف الأصابع"
فحذف الجار من "كليب" وأبقى عمله، والأصل: "إلى كليب" وهو كليب بن يربوع بن حنظلة2 أبو قبيلة جرير، و"الأصابع": فاعل "أشارت"، و"بالأكف": حال منها، و"الباء" بمعنى "مع" أي: أشارت الأصابع في حال كونها مصاحبة للأكف، فالإشارة وقعت بالمجموع، وقيل: هذا مقلوب، والأصل أشارت الأكف بالأصابع.
"وقد يحذف" الجار فيتعدى الفعل بنفسه "وينصب المجرور" إن كان في موضع نصب "وهو ثلاثة أقسام":
__________
1 الكتاب 4/ 76، 77.
375- البيت للفرزدق في ديوانه ص1/ 420، وتخليص الشواهد ص504، وخزانة الأدب 9/ 113، 115، والدرر 2/ 92، وشرح شواهد الغني 1/ 12، والمقاصد النحوية 2/ 542، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 472، 3/ 53، وأوضح المسالك 2/ 178، وخزانة الأدب 10/ 41، والدرر 2/ 259، وشرح ابن الناظم ص180، وشرح الأشموني 1/ 196، وشرح ابن عقيل 2/ 39، وشرح التسهيل 2/ 151، 244، 3/ 193، وشرح الكافية الشافية 2/ 635، ومغني اللبيب 1/ 61، 2/ 634، وهمع الهوامع 2/ 36، 81.
2 في "أ"، "ب", "ط": "خطفة" وهو تحريف، والتصويب من جمهرة أنساب العرب 224.(1/466)
أحدها "سماعي جائز في الكلام المنثور نحو: نصحته، و: شكرته" و: كلته، و: وزنته، "والأكثر ذكر اللام" الجار "نحو: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الأعراف: 97]، {أَنِ اشْكُرْ لِي} [لقمان: 14]، و"كلت له"، و"وزنت له"؛، وقال التفتازاني: اللام زائدة؛ لأن معنى نصحت زيدًا، ونصحت له، مستويان. ا. هـ. وفي التنزيل: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] بغير ذكر اللام.
"و" الثاني "سماع خاص بالشعر، كقوله" وهو ساعدة بن جؤية: [من الكامل]
376- لدن بهز الكفن يعسل متنه فيه "كما عسل الطريق الثعلب"
فـ"لدن"؛ بفتح اللام، وسكون الدال المهملة؛ خبر مبتدأ محذوف، أي: هو لدن، أي: لين، و"بهز" متعلق بـ"يعسل"؛ بالعين والسين المهملتين؛ أي: يضطرب بهز الكف، و"متنه": فاعل "يعسل" والمتن: الصدر، وضمير "فيه" يعود إلى الهز، و"في" للمصاحبة، يقول: هذا الرمح يضطرب صدره بسبب الهز معه، وذلك دليل على كثرة لينه: و"الثعلب": فاعل "عسل"، "وقوله" وهو المتلمس جرير بن عبد المسيح: [من البسيط]
377- "آليت حب العراق الدهر أطعمه" والحب يأكله في القرية السوس
"آليت": حلقت: يحتمل أن يكون إخبارًا عن نفسه، فتكون التاء مضمومة، وأن يكون خطابا لملك الحيرة، فتكون مفتوحة، وذلك أن شخصًا هجا ملك الحيرة، فبلغه
__________
376- البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في الكتابخ 1/ 36، 214، وتخليص الشواهد 503، وخزانة الأدب 3/ 83، 86، والدرر 3/ 86، وشرح أشعار الهذليين، 1120، وشرح شواهد الإيضاح 155، وشرح شواهد المغني 885، ولسان العرب 7/ 428 "وسط"، 11/ 446 "عسل" والمقاصد النحوية 2/ 544، ونوادر أبي زيد 15 وبلا نسبة في أسرار العربية 180، وأمالي ابن الشجري 1/ 42, 2/ 248, وشرح التسهيل 2/ 227, والارتشاف 2/ 254, وأوضح المسالك 2/ 179, وجمهرة اللغة 842, والخصائص 3/ 319, وشرح ابن الناظم ص179, وشرح الأشموني 1/ 197، ومغني اللبيب ص11، وهمع الهوامع 1/ 200.
377- البيت للمتلمس في ديوانه ص95، وتخليص الشواهد ص507، والجنى الداني ص473، وخزانة الأدب 6/ 351، وشرح شواهد المغني 1/ 294، والكتاب 1/ 38، والمقاصد النحوية 2/ 548، وبلا نسبة في أمالي ابن الشجري 1/ 365، وأوضح المسالك 2/ 180، وشرح ابن الناظم ص179، وشرح الأشموني 1/ 197، ومغني اللبيب 1/ 99.(1/467)
ذلك، فحلف الملك أن لا يطعمه حب العراق، وهو القمح1. و"أطعمه" على تقدير: لا أطعمه؛ لأنه جواب القسم، ولذلك امتنع أن يكون "حب" منصوبًا على شريطة التفسير؛ لأن "لا" النافية في جواب القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا. و"السوس": بمهملتين؛ قمل القمح ونحوه، والشاهد في البيت الأول في حذف "في"، ونصب "الطريق"، والأصل ذكر "في"؛ لأن "الطريق" اسم مكان مختص كالبيت والدار "أي: في الطريق" وقول ابن الطراوة؛ إن الطريق ظرف، مردود بأنه غير مبهم، وقله إنه اسم لكل ما يقبل الاستطراق فهو مبهم لصلاحيته لكل موضع منازعن فيه، بل هو اسم لما هو مستطرق. قاله في المغني2.
"و" الشاهد في البيت الثاني في حذفه "على" ونصب "حب" أي: "على حب العراق". وإلى هذين القسمين أشار الناظم بقول:
272- ................. وإن حذف فالنصب للمنجر
273- نقلا ........... ........................
"و" الثالث "قياسي وذلك في "أنّ" و"أنْ"" بفتح الهمزة فيهما، وتشديد النون في الأولى، وسكونها في الثانية: "و: كي" لطولهن بالصلة "نحو: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] ونحو: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ} [الأعراف: 63] ونحو: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7] أي: بأنه" لا إله إلا هو "ومن أن جاءكم، ولكيلا، وذلك إن قدرت "كي" مصدرية" لدخول اللام عليها تقديرًا، "وأهمل النحويين هنا ذكر: كي" مع تجويزهم في نحو: "جئت كي تكرمني" أن تكون "كي" مصدرية، واللام مقدرة قبلها، والمعنى: لكي تكرمني. قاله في المغني3.
"واشترط ابن مالك في" النظم وغيره4, في حذف الجار من ""أنّ" و"أنْ" أمن اللبس" فقال في النظم:
273- ..... وفي أن وأن يطرد مع أمن لبس..................
"فمنع الحذف في نحو: رغبت في أن تفعل, أو "عن أن تفعل" لإشكال المراد بعد الحذف", هل هو على معنى "في", أو "عن"؟ لأن "رغب" يتعدى بكل
__________
1 المقاصد النحوية 2/ 495-550.
2 مغني اللبيب ص681.
3 مغني اللبيب ص681، 682.
4 شرح التسهيل ص2/ 150.(1/468)
منهما، ومعناهما مختلف، "ويشكل عليه" قوله تعالى: "{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] فحذف ا لحرف" الجار "مع" أن اللبس موجود، بدليل "أن المفسرين اختلفوا في المراد" فبعضهم قدر "في أن"، وبعضهم قدر "عن أن"، واستدل كل على ما ذهب إليه، وأجيب عنه بجوابين، ذكرهما المرادي في شرح النظم:
أحدهما: أن يكون حذف الحرف اعتمادا على القرينة الرافعة للبس، وقد أشار إلى هذا في منهج السالك.
والآخر: أن يكون حذف لقصد الإبهام، ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لجمالهن ومالهن، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن، وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين. ا. هـ.
وفي الكشاف1: "يحتمل في أن تنكحوهن لجمالهن، وعن أن تنكحوهن لدمامتهن"، وتبعه البيضاوي2، والجواب الأول موافق لقول الموضح في المغني3، وإنما حذف الجار في "أن تنكحوهن" لقرينة، وإنما اختلف العلماء في المقدر من الحرفين الآية, لاختلافهم في سبب نزولها، فالخلاف في الحقيقة في القرينة. ا. هـ.
وما ذهب إليه الموضح من أن محل "أنّ" و"أنْ" نصب بعد الحذف هو مذهب الخليل، وأما سيبويه فقال4 بعدما أورد أمثلة من الحذف: ولو قال قائل: إن الموضع جر لكان قولًا قويا، وله نظائر نحو قولهم: "لاه أبوك". ثم نقل النصب عن الخليل، فظهر بهذا أن ما قاله ابن مالك5 تبعًا لابن العلج من أن الخليل يقول: بالجر، سهو.
ولا يقاس على "أنّ" و"أنْ" غيرهما، فلا يقال: "بريت السكين القلم"، والأصل: بالسكين، خلافًا للأخفش الأصغر علي بن سليمان البغدادي، تلميذ ثعلب والمبرد، نشأ بعد الأخفش الصغير أبي الحسن سعيد بن مسعدة، تلميذ سيبويه، والأخفش الأكبر غيرهما، وهو أبو الخطاب شيخ سيبويه، والأخافشة أحد عشرة نحويًا6 والسيبويهون أربعة7.
__________
1 الكشاف 1/ 301.
2 أنوار التنزيل 1/ 120.
3 مغني اللبيب ص788.
4 الكتاب 3/ 128.
5 شرح التسهيل 2/ 150.
6 بغية الرعاة 2/ 389.
7 بغية الوعاة 2/ 390.(1/469)
فصل1
"فصل":
"لبعض المفاعيل الأصالية في التقديم على بعض" آخر، وأصالة المفعول "إما بكونه مبتدأ في الأصل" والآخر خبر, كما في باب "ظن", "أو" بكونه "فاعلا في المعنى", والآخر مفعول معنى، كما في باب "أعطى"، "أو" بكونه "مسرحًا" أي: مطلقًا، لم يتقيد بجار "لفظًا أو تقديرًا، والآخر مقيد" بحرف جر "لفظًا أو تقديرًا"، كما في باب "اختار" فيتقدم كل من المبتدأ في الأصل والفاعل معنى والمسرح على غيره، و"ذلك كـ: "زيدًا" في "ظننت زيدًا قائمًا""، فتقدم "زيدًا" على "قائمًا" لأن "زيدًا" مبتدأ في الأصل، و"قائمًا" خبره، والمبتدأ مقدم على الخبر، "وأعطيت زيدًا درهمًا" فتقدم "زيدًا" على "درهما"؛ لأن "زيدًا" فاعل معنى؛ لأنه الآخذ والقابل للدرهم، ومن ثم جاز "أعطيت درهمه زيدًا"، فاعل معنى؛ لأنه الآخذ والقابل للدرهم، ومن ثم جاز "أعطيت درهمه زيدًا"، وامتنع "أعطيت صاحبه الدرهم" إلا على قول من أجاز "ضرب غلامه زيدًا" قاله ابن مالك في شرح التسهيل1.
"و: اخترت زيدًا القوم، أو: من القوم" فتقدم "زيدًا" لأنه مسرح غير مقيد بجار لفظًا وتقديرًا، و"القوم" مقيد تقديرًا، و"من القوم" مقيد لفظًا، والمسرح مقدم على المقيد "لأنه مسرح غير مقيد بجار لفظًا وتقديرًا"، و"القوم" مقيد تقديرًا، و"من القوم مقيد لفظًا، والمسرح مقدم على المقيد؛ لأن علقة ما يتعدى إليه العامل بنفسه أقوى من علقة ما قد يتعدى إليه بواسطة، ومن ثم يقال: "اخترت قومه عمرًا" ولا يقال: "اخترت أحدهم القوم" إلا على لغة من أجاز "ضرب غلامه زيدًا"، قاله ابن مالك في شرح التسهيل1 أيضًا، والتقديم في ذلك كله جائز، وإليه يشير قول الناظم:
274- والأصل سبق فاعل معنى........ ........................................
"ثم قد يجب الأصل" فيجب التقديم، كما أشار إليه الناظم بقوله:
__________
1 شرح التسهيل 2/ 152.(1/470)
275- ويلزم الأصل لموجب عرى ..................................
"كما إذا خيف اللبس" كـ"ظننت زيدًا عمرا"، و"كـ: أعطيتن زيدًا عمرًا"، وكـ: "اخترت الشجعان الجند"، ويأتي فيه البحث المتقدم في باب الفاعل عن ابن الحاج. "أو كان الثاني محصورًا" كـ"ما ظننت زيدًا إلا قائمًا"، أو "كـ: ما أعطيت زيدًا إلا درهما" و"ما اخترت زيدًا إلا القوم"، ويأتي فيه الخلاف المتقدم في باب الفاعل، "أو" كان المفعول الثاني اسمًا "ظاهرًا، و"، المفعول "الأول ضمير نحو": "العالم ظننته مجتهدًا"، أو "{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، و"الفرسان اخترتهم القوم"، ويأتي فيه ما ذكر من المناقشة مع ابن مالك في آخر باب الفاعل من أن الضمير يجب وصله بالفعل، وأنت بالخيار في الظاهر، إن شئت قدمته على الفعل والضمير، وإن شئت أخرته عنهما.
"وقد يمتنع" الأصل فيجب التأخير، وإليه أشار الناظم بقوله:
275- ....................... وترك ذاك الأصل حتما قد يرى
"كما إذا اتصل" المفعول "الأول بضمير" المفعول "الثاني" كـ: "ظننت زيدًا غلامه" و "كـ"أعطيت المال مالكه"" و"اخترت قومه عمرًا". "أو كان" الأول "محصورًا" كـ"ما ظننت قائمًا إلا عمرًا"، و"كـ: ما أعطيت الدرهم إلا زيدًا", و"ما اخترت القوم إلا بكرًا". "أو" كان الثاني "مضمرًا والأول ظاهرًا" كـ"الفاضل ظننته زيدًا"، و"كـ: "الدرهم أعطيته زيدًا""، و"القوم اخترتهم عمرًا". أما الامتناع في الأولى فلئلا يعود ضمير على متأخر لفظًا ورتبة، وأما في الثانية؛ فلأن المحصور فيه واجب التأخير، وأما في الثالث فلأنه إذا أمكن الاتصال, لا يعدل عنه إلا الانفصال، إلا فيما يستثنى، وليس هذا منه1.
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 274.(1/471)
فصل2
"فصل":
"يجوز حذف المفعول لغرض إما لفظي، كتناسب الفواصل" جمع فاصلة، والمراد بها رءوس الآي، وذلك "في نحو: : {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: .3] والأصل: يخشاه؛ أي: القرآن؛ ويحتمل أن لا حذف، ومفعول "يخشى" هو قوله تعالى: {تَنْزِيْلًا} [طه: 4]، والمعنى: لمن يخشى تنزيل الله. قال في الكشاف1: وهو معنى حسن وإعراب بين. ا. هـ.
"وكالإيجاز" والاختصار، وذلك "في نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا" وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24]، والأصل: فإن لم تفعلوه، ولن تفعلوه، أي: الإتيان بسورة من مثله.
"وإما معنوي كاحتقاره نحو: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ} [المجادلة: 21] أي: الكافرين"، فحذف المفعول لاحتقاره. "أو لاستهجانه" أي: لاستقباح التصريح بذكره، "كقول عائشة رضي الله عنها: ما رأى مني ولا رأيت منه2" تعني عورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحذفت المفعول لاستقباح ذكره، "أي: العورة3. وقد يمتنع حذفه" أي: المفعول "كأن يكون محصورًا" فيه "نحو: "إنما ضربت زيدًا"؛ لأن الحذف ينافي الحصر، "أو" يكون "جوابًا" لسؤال "كـ: "ضربت زيدًا" جوابًا لمن قال: من ضربت؟"؛ لأن المطلوب تعيينه لا يجوز حذفه، وذلك كله مستفاد من قول الناظم:
276- وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جوابًا أو حصر
__________
1 الكشاف 2/ 472.
2 رواية الحديث في الكامل في ضعفاء الرجال 2/ 479: "ما رأيت عورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قط", وهذه الرواية لا شاهد فيها.
3 انظر شرح التسهيل 2/ 161، والارتشاف 2/ 283، وشرح ابن عقيل 1/ 281.(1/472)
فصل3
"فصل":
"وقد يحذف ناصبه" أي: ناصب المفعول المعبر عنه في النظم بقوله:
277- ويحذف الناصبها "إن علما" ...............................
"كقولك لمن سدد" بالمهملة "سهمًا: "القرطاس"، ولمن تأهب لسفر: "مكة"، ولمن قال: من أضرب؟" بالمضارع "شر الناس". فالقرطاس: منصوب "بإضمار "تصيب""، ودل عليه المشاهدة، "و" "مكة": منصوب بإضمار "تريد"، ودل عليه قرينة الحال، "و" "شر الناس": منصوب بإضمار "اضرب"، ودل عليه قرينة المقال، "وقد يجب ذلك" الحذف، كما أشار إليه الناظم بقوله:
277- .............. وقد يكون حذفه ملتزمًا
وذلك "كما" تقدم "في" باب "الاشتغال كـ: "زيدا ضربته""؛ لأنه لا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر، "و" باب "النداء" فيما سيأتي "كـ: يا عبد الله"؛ لأن "يا" عوض عن الناصب، ولا يجمع بين العوض والمعوض. "وفي الأمثال" العربية؛ وهي كل كلام مركب مشهور شبه مضربه بمورده "نحو: الكلاب على البقر1" فـ"الكلاب": منصوب بفعل محذوف وجوبًا "أي: أرسل"، ولا يجوز ذكره؛ لأن ذكره يغير المثل، والأمثال لا تغير؛ لأنا لما شبه مضربها بموردها، لزم أن يلتزم فيها أصلها كقولهم: "الصيف ضيعت اللبن"2، يقال بكسر التاء لكل مخاطب، والمراد بالبقر في المثل المتقدم: بقر الوحش. "وفيما جرى مجرى الأمثال" في كثرة الاستعمال، وهو كل كلام اشتهر، فبسبب شهرته جرى مجرى المثل، فأعطي حكمه في أنه لا يغير، "نحو: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}" [النساء: 171] فـ"خيرًا" مفعول بفعل محذوف وجوبًا "أي: وائتوا" خيرًا، ولا يجوز ذكره لما تقدم، وذهب بعضهم3، إلى أن "خيرًا" خبر لـ"كان" محذوفة، والتقدير:
__________
1 مجمع الأمثال 2/ 142، وجمهرة الأمثال 2/ 169، والمستقصى 1/ 341، وفصل المقال ص400، وكتاب الأمثال لابن سلام 284.
2 جمهرة الأمثال 1/ 575، وكتاب الأمثال لابن سلام ص247.
3 مثل أبي عبيدة، انظر الارتشاف 2/ 279.(1/473)
"انتهوا يكن خيرًا لكم" وهو تخريج على قلة؛ لأن "كان" لا تحذف مع اسمها ويبقى خبرها كثيرًا إلا بعد "إن" و"لو" الشرطيتين "وفي التحذير بـ"إياك" وأخواتها" من ضمائر الخطاب المنفصلة، "نحو: إياك والأسد"، فـ"إياك" منصوب المحل بفعل محذوف وجوبًا، ويقدر متأخرًا عن "إياك" "أي: "إياك باعد" على أحد التقديرين الآتيين في باب التحذير، و"الأسد" منصوب بفعل محذوف وجوبًا، ويقدر متقدمًا على "الأسد" أي: "واحذر الأسد، والفرق أن "إياك" ضمير منفصل، فلو قدر العامل قبله لزم اتصاله، بخلاف "الأسد"، "وفي التحذير بغيرها" أي: بغير إياك وأخواتها "بشر عطف أو تكرار"، فالعطف "نحو: رأسك والسيف". فـ"رأسك" و"السيف" منصوبان بفعلين محذوفين وجوبًا، "أي: باعد" رأسك"، "واحذر" السيف.
"و" التكرار "نحو: الأسد الأسد" بتقدير "احذر". "وفي الإغراء بشرط أحدهما" وهو العطف أو التكرار، فالعطف "نحو: المروءة والنجدة، و" التكرار "نحو: السلاح السلاح بتقدير "الزم"" في المثالين، وإنما وجب حذف الفعل فيهما؛ لأن كلا من العطف والتكرار قائم مقام العمل، فالتزم حذفه لذلك.(1/474)
باب التنازع في العمل:
"هذا باب التنازع في العمل":
"ويسمى أيضًا باب الإعمال" بكسر الهمزة عند الكوفيين1، "وحقيقته: أن يتقدم فعلان" مذكوران "متصرفان، أو اسمان يشبهانهما" في التصرف، "أو فعل متصرف واسم يشبهه" في التصرف، ويتأخر عنهما؛ أي عن العاملين "معمول غير سببي مرفوع" وغير مرفوع، واقع بعد إلا، على الأصح فيهما، "وهو" أي: المعمول المتأخر عن العاملين "مطلوب لكل منهما من حيث المعنى" والطلب إما على جهة التوافق في الفاعلية أو المفعولية، أو مع التخالف فيهما، والعاملان إما فعلان أو اسمان أو مختلفان، وأمثلتها اثنا عشر مثالًا، مثال الفعلين في طلب المرفوع: "قام وقعد زيد"، ومثالهما في طلب المنصوب: "ضربت وأكرمت زيدًا"، ومثالهما في طلب أحدهما المرفوع والآخر المنصوب: "قام وضربت زيدًا" ومثالهما في طلب العكس: "ضربت وقام زيد"، ومثال الاسمين في طلب المرفوع: "أقائم وقاعد الزيدان"، ومثالهما في طلب المنصوب: "زيد ضارب وقائم عمرًا" ومثال اختلافهما في الصورتين: "زيد قائم وضارب أبويه"، وعكسه: "زيد ضارب وقائم أبواه"، ومثال الاسم والفعل في طلب المرفوع:
"أقائم وقعد زيد" ومثالهما في طلب المنصوب: "زيد ضارب ويكرم عمرًا" ومثال اختلافهما مع تقدم طالب المرفوع: "أقائم ويضرب عمرًا" وعكسه: "ضربت وأقائم زيد". والناظم اقتصر في التمثيل على طلب الفعلين المرفوع فقال:
281- كيحسنان ويسيء ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا
والموضح اقتصر في الأنواع الثلاثة في التمثيل على طلب المنصوب فقال: "مثال
__________
1 كذلك قال ابن عصفور في المقرب 1/ 250.(1/475)
الفعلين {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] فـ"آتوني" يطلب "قطرًا" على أنه مفعول ثان له، و"أفرغ" يطلبه على أنه مفعوله، وعمل الثاني وهو "أفرغ": في "قطرًا", وأعمل "آتوني" في ضميره، وحذفه؛ لأنه فضلة، والأصل: آتونيه، ولو أعمل الأول لقيل: أفرغه. "ومثال الاسمين قوله:" [من الطويل]
378- "عهدت مغيثًا مغنيا من أجرته" فلم اتخذ إلا فناءك موئلا
فـ"مغنيا" من الإغانة بالمثلثة، و"مغنيًا": من الإغناء ضد الإفقار، تنازعا "من" الموصولة، فكل منهما يطلبها من جهة المعنى على المفعولية، وأعمل الثاني لقربه، وأعمل الأول في ضميره، وحذفه، فالأصل: "مغيثه "وعهدت", مبني للمفعول مسند إلى تاء المخاطب، و"مغيثًا" و"مغنيًا" حالان منهما، و"الفناء" الجوار والقرب، و"الموئل": الملجأ.
"ومثال المختلفين {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 109] فـ"ها" اسم فعل بمعنى "خذ" والميم حرف يدل على الجمع، و"اقرءوا" فعل أمر، تنازعا "كتابيه". وأعمل الثاني لقربه، وحذف من الأول ضمير المفعول، والأصل: هاؤموه، وأصل "هاؤم": هاكم، أبدل من الكاف الواو ثم أبدلت الواو همزة، وفي الجزاء الأول من شرح البحرين عن صفوان بن عسال أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه رجل، قال صلى الله عليه وسلم: "هاؤم". فقال: الرجل يحب القوم، ولما يلحق بهم، فقال: "المرء مع من أحب" حديث حسن، صحيح، رواه الشافعي في مسنده1، ومالك2, وسفيان، وشعبة بن الحجاج، والحمادان، ومعنى "هاؤم": تعالوا. ا. هـ.
قال الموضح في الحواشي: فإن صح أنه يرد "قاصرًا" تعني "تعالوا" كما قيل في الحديث، فلا تنازع في الآية، ويخرج حينئذ عن استدلال البصريين، وهذا المعنى متعين، وظاهر في الآية، ولكن لا أستحضر الآن أحدًا قال به غير هذا الرجل في هذا الحديث ا. هـ. قلت: قال به الحوفي في الآية نفسها.
__________
ـ
378- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 189، وتخليص الشواهد ص513، وشرح ابن الناظم ص184، وشرح الأشموني 1/ 202، وشرح الكافية الشافية 2/ 642، والمقاصد النحوية 3/ 2.
1 انظر مسند الشافعي المجلد الأول 1/ 41، 42، حديث رقم 122، أورده ابن قدامة في كتابه "المتحابين في الله" ص88.
2 لم أجد الحديث في الموطأ، ولا في المدونة الكبرى.(1/476)
وظاهر كلام الموضح أن التنازع يكون في جميع المعمولات، وفي النهاية لابن الخباز: لا يقع التنازع في المفعول له، ولا الحال، ولا التمييز، ويجوز في المفعول معه، تقول:"قمت وسرت زيدًا"، إن أعملت الثاني، و"قمت وسرت وإياه وزيدًا"، إن أعملت الأول. ا. هـ. وسيأتي الكلام في الواقع بعد "إلا".
واستفدنا من أمثلة الموضح أنه لا يشترط في التنازع أن يكون أحد العاملين معطوفًا على الآخر، خلافًا للجرمي.
وأصل التنازع أن يكون بين عاملين في معمول واحد، "وقد يتنازع ثلاثة. وقد يكون المتنازع فيه متعددًا، وفي الحديث "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"1 فتنازع ثلاثة" وهي "تسبحون" و"تكبرون" و"تحمدون" "في اثنين: ظرف" وهو "دبر"، "و" نائب "مصدر" وهو "ثلاثة"، فأعمل الأخير لقربه، فنصب "دبر" على الظرفية، و"ثلاثًا" على المفعولية المطلقة، لنيابته عن المصدر، وأعمل الأولين في ضميريهما، وحذفهما لأنهما فضلتان، والأصل: تسبحون الله فيه إياه، وتكبرون الله فيه إياه، وما ذكره من جواز إعمال الأول والثاني والثالث حكى بعضهم فيه الإجماع، قال ابن خروف في شرح كتاب سيبويه: استقرأت كلام العرب، فوجدت إعمال الثالث، وإلغاء ما عداه. قال ابن مالك2: وهو كما قال. واعترض بأنه سمع من كلامهم إعمال الأول من الثلاثة، كقول أبي الأسود: [من الطويل]
379- كساك وإن لم تكسه فاشكرن له أخ لك يعطيك الجزيل وناصر
قال المرادي: فدل على أن استقراءه غير تام، ولا يحفظ من كلامهم إعمال الثاني. ا. هـ.
"وقد علم مما ذكرته" في حقيقة التنازع، من أن المتنازعين لا بد أن يكونا فعلين، أو اسمين، أو مختلفي الاسمية والفعلية "أن التنازع لا يقع بين حرفين"؛ لأن الحروف لا دلالة لها على الحدث حتى تطلب المعمولات، وأجاز ابن العلج التنازع بين
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم 5970.
2 شرح التسهيل 2/ 176، 177.
379- البيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص166، 309، وإنباه الرواة 1/ 58، والارتشاف 3/ 93، ودرة الغواص ص157، وحماسة البحتري ص149، وسمط اللآلي ص166، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 203.(1/477)
حرفين، مستدلا بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] فقال: تنازع "إن" و"لم" في "تفعلوا". ورد بأن "إن" تطلبن مثبتًا، و"لم" تطلب منفيا، وشرط التنازع الاتحاد في المعنى، ونقل الشاطبي عن الفارسي أنه أجاز في التذكرة التنازع في قوله: [من الرجز]
380- حتى تراها فكأن وكأن أعناقها مشددات بقرن
ومنع التوكيد للعطف بالواو، ا. هـ. وسيأتي الكلام عليه في باب التوكيد.
"ولا" يقع التنازع "بين حرف وغيره" من فعل واسم، ومن أجاز التنازع بين حرفين أجازه بين حرف وغيره، كما نقل ابن عمرون عن بعضهم أنه جوز تنازع "لعل" و"عسى"، نحو: "لعل وعسى زيد أن يخرج" على إعمال الثاني، و"لعل وعسى زيدًا خارج" على إعمال الأول، ورد بأن منصوب "عسى" لا يحذف1.
"و" علم من تقييد العاملين بالتصرف أنه "لا" يقع التنازع "بين" عاملين "جامدين" فعلين، أو اسمين، أو مختلفين؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله، قال أحمد بن الخباز في النهاية. فإذا قلت: "سرني إكرامك وزيارتك عمرا" وجب نصب عمرا بالثاني، لا بالأول، للفصل بين المصدر ومعموله2، ا. هـ.
"ولا" يقع التنازع "بين جامد وغيره" من فعل، أو اسم متصرف. "وعن المبرد" في كتابه المدخل "إجازته في فعلي التعجب" مع جمودهما، سواء كانا بلفظ الماضي، أو بلفظ الأمر، فالأول "نحو: ما أحسن وأجمل زيدًا" فتعمل الثاني في الاسم الظاهر، وتعمل الأول في ضميره، وتحذفه لأنه فضلة.
"و"الثاني نحو: "أحسن وأجمل بعمرو" فتعمل الثاني في الظاهر المجرور، وتعمل الأول في ضميره المجرور، ولا تحذفه لأنه فاعل، والفاعل لا يحذف عنده؛ لأنه بصري3، ويحذف على القول بأن المجرور في محل نصب على المفعولية عند الفراء.
والجمهور على المنع فرارًا من الفصل بينه وبين معموله إذا أعمل الأول، وإذا لم يصح إعمال الأول بطل التنازع، إذ من شرطه جواز إعمال كل منهما4.
__________
380- الرجز لخطام المجاشعي أو للأغلب العجلي في الدرر 2/ 394، والمقاصد النحوية 4/ 100،
وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 253، وأوضح المسالك 3/ 342، وشرح ابن الناظم
ص364، وشرح الأشموني 2/ 41، وهمع الهوامع 2/ 125.
1 ورد قول ابن عمرون في التذكرة لأبي حيان ص361.
2 ورد قول ابن الخباز في الارتشاف 3/ 98.
3 المقتضب 4/ 184، والارتشاف 3/ 98.
4 شرح التسهيل 2/ 177.(1/478)
"و" علم من تقييد المعمول بالتأخير أنه "لا" يقع التنازع في "معمول مقدم، نحو: أيهم ضربت وأكرمت، أو: شتمته"؛ لأن الثاني لم يأت إلا بعد أن أخذ الأول معموله المتقدم عليه، وقوله: "شتمته" عديل مدخول الاستفهام. "خلافًا لبعضهم" في إجازة التنازع في المتقدم كما قال به بعض المغاربة1 مستدلا بقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، ولا حجة له؛ لأن الثاني لم يجئ حتى استوفاه الأول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة معمول الأول عليه، وما قاله بعض المغاربة قال به الرضي، وعبارته2: "قد يتنازع العاملان ما قبلهما إذا كان منصوبًا نحو: زيدا ضربت وقتلت، و: بك قمت وقعدت"، وتعقبه البدر الدماميني، فقال يلزم عليه عند إعمال الثاني تقدم ما في حيز حرف العطف عليه, وهو ممتنع، ثم اعترض على نفسه بأن الجمهور قد ارتكبوه في نحو: {أَفَلَمْ يَسِيْرُوا} [يوسف: 109]، فجعلوا الهمزة واقعة في الأصل بعد العاطف، ولكنها قدمت عليه لفظًا، وأجاب بأن هذ الحكم ليس بمتعد إلى غير الهمزة، بل مقصور عليها عندهم. ا. هـ.
"ولا" يقع التنازع "في معمول متوسط نحو: ضربت زيدًا وأكرمت"؛ لأن الأول استقل به مجيء الثاني "خلافًا للفارسي" فإنه أجاز في قوله: [من البسيط]
381- ..................... متى تصب أفقا من بارق تشم
أن تكون "من" زائدة، و"بارق" في موضع نصب بـ"تشم"، ومفعول "تصب" محذوف، وهو ضمير عائد على بارق.
ومال المرادي في شرح التسهيل إلى جواز التنازع في المتوسط والمتقدم، فقال3: وأقول الذي يظهر أن تأخير المعمول ليس بشرط في التنازع، بل حيث تقدم المعمول، أو توسط
، جاز عمل كل من العاملين فيه. ا. هـ.
__________
1 همع الهوامع 2/ 110.
2 شرح الرضي 1/ 201.
381- صدر البيت: "قد أوبيت كل ماء فهي طاوية"
، وهو لساعدة بن جؤية في خزانة الأدب 8/ 163، 166، والدرر 2/ 179، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1128، وشرح شواهد الإيضاح ص150، وشرح شواهد المغني 1/ 157، 2/ 743، ولسان العرب 14/ 4 "أبي"، 473، "صوي"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 262، وخزانة الأدب 9/ 26، ومغني اللبيب 1/ 330، وهمع الهوامع 2/ 57، والمسائل العضديات ص157.
3 انظر شرح المرادي 2/ 64.(1/479)
"و" علم من اشتراط كون المعمول مطلوبًا لكل من العاملين من جهة المعنى أن التنازع "لا" يقع "في نحو" قول جرير: [من الطويل]
382- "فهيهات هيهات العقيق ومن به" وهيهات خل بالعقيق نواصله
"خلافًا له" أي: الفارسي1 "وللجرجاني2؛ لأن الطالب للمعمول" وهو العقيق "إنما هو" هيهات "الأول، وأما" "هيهات" "الثاني فلم يؤت به للإسناد" إلى العقيق، "بل لمجرد التقوية" والتوكيد لـ"هيهات" الأول، "فلا فاعل له" أصلًا، "ولهذا قال" الشاعر: [من الطويل]
383- فأين إلى أين النجاة ببغلتي "أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس"
فـ"اللاحقون" فاعل "أتاك" الأول، و"أتاك" الثاني لمجرد التقوية فلا فاعل له؛ لأنه ليس في التنازع، "ولو كان من التنازع لقال: أتاك أتوك" على إعمال الأول، "أو: أتوك أتاك" على إعمال الثاني، وليس بمتعين لجواز أن يضمر مفردًا في المهمل منهما ويستتر كما حكى سيبويه3: "ضربني وضربت قومك" بالنصب، وقيل: المرفوع في البيتين فاعل بالعاملين؛ لأنهما بلفظ واحد ومعنى واحد، فكأنهما عامل واحد، فهذه الثلاثة أقوال أصحها عن ابن مالك4 ما ذكره الموضح.
"و" علم من تقييد المعمول بكونه غير سببي مرفوع أنه "لا" تنازع "في نحو" قول كثير عزة: [من الطويل]
384- قضى كل ذي دين فوفى غريمه "وعزة ممطول معنى غريمها"
__________
383- تقدم تخريج البيت برقم 139.
1 المسائل الحلبيات ص241، والمسائل العضديات ص172.
3 انظر الارتشاف 3/ 87.
383- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 616، والأشباه والنظائر 7/ 267، وأمالي ابن الشجري 1/ 243، وأوضح المسالك 2/ 194، وخزانة الأدب 5/ 158، والخصائص 3/ 103، 109، والدرر 2/ 255, 2/ 390، وشرح ابن الناظم ص184، وشرح الأشموني 1/ 201، وشرح التسهيل 2/ 165، 3/ 302، وشرح قطر الندى ص290، وشرح الكافية الشافية 2/ 642، والمقاصد النحوية 3/ 9، وهمع الهوامع 2/ 111، 125.
3 الكتاب 1/ 79, 80.
4 شرح الكافية الشافية 2/ 643.
384- البيت لكثير عزة في ديوانه ص143، وخزانة الأدب 5/ 223، وشرح شواهد الإيضاح 90، وشرح المفصل 1/ 8، والمقاصد النحوية 3/ 3، وهمع الهوامع 2/ 111، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 282، 7/ 255، والإنصاف 1/ 90، وأوضح المسالك 2/ 195، وشرح الأشموني 1/ 203، وشرح شذور الذهب ص421، ولسان العرب 14/ 334 "ركا"، ومغني اللبيب 2/ 417، وشرح التسهيل 2/ 166، والارتشاف 3/ 88، وشرح الكافية الشافية 3/ 642.(1/480)
لأنه لو قصد فيه التنازع، لأسند أحدهما إلى السبي والآخر إلى ضميره، فيلزم عدم ارتباط رافع الضمير بالمبتدأ؛ لأنه لم يرفع ضميره، ولا ما التبس بضميره. قاله المرادي1 تبعًا لابن مالك في شرح التسهيل2. قال بعضهم: وفيه نظر؛ لأن هذا يأتي فيما لو كان السبي منصوبًا نحو: "زيدًا ضربت وأكرمت أخاه"؛ لأن أحد العاملين يعمل في السببي، والآخر يعمل في ضميره، فيلزم عدم ارتباط ناصب الضمير بالمبتدأ، فلا معنى لتقييد السببي بالمرفوع، قال: ولعل الوجه ما ذكره أبو محمد بن السيد البطليوسي، من أن "غريمها" إن رفع بـ"معنى" يكون "ممطول" قد جرى على غير من هو له، فيلزم ظهور الضمير، وإن رفع بـ"ممطول" فهو خطأ؛ لأنه قد وصف بـ"معنى" والاسم الذي يعمل عمل الفعل، إذا وصف لا يعمل شيئًا، فلا يجوز: "مررت بضارب ظريف زيدًا". ا. هـ. وأقول: ما ذكره أبو محمد، يقال بمثله فيما إذا كان السببي منصوبًا، نحو: "غلام زيد ضارب مهين أخاه"، إذا كان الضارب والمهين زيدًا، فإن كان الناصب للسببي الثاني وجب إبراز الضمير الأول؛ لكونه جرى على غير من هو له. وإن كان الناصب له الأول فهو خطأ؛ لأنه قد وصف بمهين، والوصف إذا وصفا لا يعمل.
إذا تقرر هذا فتقول: "عزة" مبتدأ، وليس "ممطول" و"معنى" خبرين لها، "بل "غريمها" مبتدأ" ثان مؤخر عن خبره، "و"ممطول" و"معنى" خبران" لغريمها، خبر بعد خبر3. "أو "ممطول "خبر" وحده، "و "معنى" صفة4 له"؛ لأن الوصف يجوز وصفه على الأصح، وحجة المانع أن الوصف كالفعل، وهو لا يوصف. "أو حال من ضميره" المستتر فيه، المرفوع على النيابة عن الفاعل العائد إلى "غريمها" و"غريمها" وخبره خبر "عزة". والرابط بينهما الضمير المضاف إليه غريم.
"و" علم من تقييد السببي بالمرفوع أنه "لا يمتنع التنازع في" السببي المنصوب. "نحو: زيد ضرب وأكرم أخاه؛ لأن السببي" وهو "أخاه" "منصوب" بأحد العاملين، والرابط موجود بالضمير المستتر، أو بالمضاف إليه السببي.
__________
1 شرح المرادي 2/ 64.
2 شرح التسهيل 2/ 166.
3 هذا الرأي لابن مالك، انظر شرح التسهيل 2/ 166.
4 هذا الرأي للبطليوسي، انظر الارتشاف 3/ 88.(1/481)
ومنع الشاطبي التنازع في السببي المنصوب، وعلله بأنه لو أعملت الأول أو الثاني فلا بد من ضمير يعود على السببي، وضمير السببي لا يتقدم عندهم عليه. قال ابن خروف: لأنه لو تقدم كان عوضًا من اسمين مضاف ومضاف إليه، وهذا مما لا سبيل إليه. ا. هـ.
فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقًا، ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع الواقع بعد "إلا" على الصحيح كقوله: [من البسيط]
385- ما صاب قلبي وأضناه وتيمه إلا كواعب من ذهل بن شيبانا
والمانع من كونه من التنازع، أنه لو كان منه لزم إخلاء الفعل الملغى من الإيجاب، ولزم في نحو: "ما قام وقعد إلا أنا" إعادة ضمير غائب على حاضر. قاله المرادي في شرح التسهيل. ا. هـ.
وحمله في التسهيل1 على الحذف، وقال في شرحه2: على تأويل: ما قام أحد وقعد إلا أنا، فحذف "أحد" لفظًا، واكتفى بقصده، ودلالة المعنى، والاستثناء عليه.
وعلم من قولنا "مذكوران" أنه لا تنازع بين محذوفين، ولا بين محذوف ومذكور.
__________
385- البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص287، والدرر 2/ 353، وشرح التسهيل 2/ 176، وهمع الهوامع 2/ 110.
1 التسهيل ص86.
2 شرح التسهيل 2/ 175.(1/482)
فصل1
"فصل":
"إذا تنازع العاملان جاز إعمال أيهما شئت باتفاق" من البصريين والكوفيين1؛ لأن إعمال كل منهما مسموع من العرب، "و" الخلاف بينهم في المختار، هل هو من الأول، أو الثاني, أو هما على حد سواء أقوال: "اختار الكوفيون" منها "الأول لسبقه، واختار البصريون الأخير لقربه"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
278- إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل
279- والثاني أولى عند أهل البصره واختار عكسا غيرهم ذا أسره
وقيل: هما سيان؛ لأن لكل منهما مرجحًا، حكاه ابن العلج في البسيط.
إذا تنازع ثلاثة فالحكم كذلك بالنسبة إلى الأول والثالث، قاله المرادي2.
وسكتوا عن المتوسط، فهل يلتحق بالأول لسبقه على الثاني3، أو بالثاني لقربه من المعمول بالنسبة إلى الأول، أو يستوي فيه الأمران؟ لم أر في ذلك نقلًا.
"فإن" تنازع اثنان، و"أعملنا الأول في المتنازع فيه" على اختيار الكوفيين، "أعملنا الأخير في ضميره" مرفوعًا كان أو منصوبا أو مجرورًا، "نحو: "قام وقعدا" أخواك"، "أو" قام "وضربتهما" أخواك، "أو" قام "ومررت بهما أخواك, وبعضهم" كالسيرافي "يحيز حذف غير المرفوع" وهو المنصوب والمجرور "لأنه فضلة" وهو الذي يفهم من كلام التسهيل4، "كقوله" وهو الشخص المسمى بعاتكة بنت عبد المطلب. [من م. الكامل]
__________
1 الإنصاف 1/ 83-96، المسألة رقم 13.
2 شرح المرادي 2/ 65.
3 في "ب"، "ط": "الثالث"، وانظر الارتشاف 3/ 93.
4 التسهيل ص86.(1/483)
386- "بعكاظ يعشي الناظريـ ـن إذا هم لمحوا شعاعه"
فأعملت الأول وهو "يعشى"، فرفعت "شعاعه"، وأعملت "لمحوا" في ضميره، وحذفته، والتقدير: لمحوه و"عكاظ" بضم العين المهملة، وتخفيف الكاف وبالظاء المشالة: موضع بقرب مكة كان سوقًا في الجاهلية، و"يعشي" مضارع "أعشى" بالعين المهملة، وقيل بالمعجمة، و"شعاعه" بالشين المعجمة: ضوؤه، والضمير المضاف إليه للسلاح فيما قبله.
"ولنا" من الأدلة على امتناع حذف غير المرفوع "أن في حذفه تهيئة العامل"، وهو "لمحوا" "للعمل" في "شعاعه" "وقطعه عنه" برفعه بـ"يعشي" بغير معارض، قاله بعض المغاربة. "و" هذا "البيت ضرورة" عند الجمهور.
"وإن أعملنا الثاني" على اختيار البصريين "فإن احتاج الأول لمرفوع فالبصريون يضمرونه" ولا يحذفونه "لامتنع حذف العمدة" عندهم. "و" إن لزم منه الإضمار قبل الذكر، وهو عود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة؛ "لأن الإضمار قبل الذكر قد جاء" مصرحًا به "في غير هذا الباب، نحو: ربه رجلًا و: نعم رجلا" فـ"رجلا" فيهما تمييز للضمير المجرور بـ"رب" والمرفوع على الفاعلية بـ"نعم"، ورتبة التمييز التأخير، فقد عاد الضمير على التمييز، وهو متأخر لفظًا ورتبة، "و" جاء الإضمار قبل الذكر "في" هذا "الباب" الذي نحن فيه، وهو باب التنازع نثرًا وشعرًا "نحو" قول بعض العرب: ضربوني وضربت قومك" بالنصب "حكاه سيبويه1", فقد أعمل الثاني. وأضمر في الأول ضمير الفاعل، وهو الواو العائدة على المتنازع فيه، وهو "قومك" المنصوب على المفعولية، والمفعول رتبته التأخير، فعد الضمير على متأخر لفظًا، ورتبة "وقال الشاعر": [من الطويل]
387- "جفوني ولم أجف الأخلاء إنني" لغير جميل من خليلي مهمل
__________
386- البيت لعاتكة بنت عبد المطلب في الدرر 2/ 350، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص743، والمقاصد النحوية 3/ 11، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 384، وأوضح المسالك 2/ 199، وشرح الأشموني 1/ 206، وشرح شذور الذهب ص424، وشرح ابن عقيل 1/ 285، ومغني اللبيب 2/ 611، والمقرب 1/ 251، وهمع الهوامع 2/ 109.
1 الكتاب 1/ 79.
387- البيت بلا نسبة في الارتشاف 1/ 484، والأشباه والنظائر 3/ 77، 5/ 282، وأوضح المسالك 2/ 200، وتخليص الشواهد 515، وتذكرة النحاة ص359، والدرر 1/ 115، 2/ 352، وشرح ابن الناظم ص187، وشرح الأشموني 1/ 179، 204، وشرح التسهيل 1/ 163، 2/ 170، وشرح قطر الندى ص197، ومغني اللبيب 2/ 489، والمقاصد النحوية 3/ 14، وهمع الهوامع 1/ 66، 2/ 109.(1/484)
فأعمل الثاني، ونصب "الأخلاء" المنصوب على المفعولية، و"الأخلاء": جمع خليل و"الجميل": الشيء الحسن، و"مهمل": اسم الفاعل من الإهمال، وهو الترك.
"والكسائي وهشام" الضرير "والسهيلي" والكوفيون "يوجبون الحذف" للضمير المرفوع على الفاعلية هربًا من الإضمار قبل الذكر1، "وتمسكًا بظاهر قوله"، وهو علقمة بن عبدة يمدح الحارث بن جبلة الغساني : [من الطويل]
388- "تعفق بالأرطى لها وأرادها رجال" فبذت نبلهم وكليب
"إذ لم يقل: تعفقوا" على تقدير إعمال الثاني، "ولا: أرادوه" على تقدير إعمال الأول، ويمكن أن يجاب عنه بأنه أعمل الثاني، ولم يقل "تعفقوا" على لفظ الجمع؛ لأنه يجوز أن ينوي مفردًا على مذهب البصريين باعتبار تأويله بالمذكور، ولهذا قال الموضح2: "بظاهر قوله"، ولم يقل: "بقوله"، و"تعفق" بفتح العين المهملة وتشديد الفاء وبالقاف أي: استتر، و"الأرطى": شجر، و"بذت" بالباء الموحدة، والذال المعجمة المشددة أي: غلبت، و"نبلهم" بسكون الموحدة: سهامهم، فاعل "بذت"، و"كليب" بفتح الكاف وكسر اللام: جمع كلب، كعبيد جمع عبد.
والحاصل أن العمل لأحد العاملين في المتنازع فيه، وتعمل المهمل في ضميره سواء اتفق مطلوبهما أم اختلف.
"والفراء يقول: إن استوى العاملان في طلب المرفوع" وكان العطف بالواو؛ كما في المغني "فالعمل لهما" لأنهما لما كان مطلوبهما واحدًا كان كالعامل الواحد، "نحو: قام وقعد أخواك" فـ"أخواك" مرفوع عنده بـ"قام" و"قعد"، فيكون الاسم الواحد فاعلا لفعلين مختلفين لفظًا ومعنى، وهو مشكل، فإن النحويون يجعلون العوامل كالمؤثرات الحقيقية، واجتماع مؤثرين على أثر واحد ممنوع عند أهل الأصول. قاله الرضي، ثم قال: وجاز عند الفراء وجه آخر، وهو أن يأتي بفاعل الأول ضميرًا منفصلًا بعد المتنازع فيه، لتعذر المتصل بلزوم الإضمار قبل الذكر، هذا هو النقل الصحيح عن الفراء. ا. هـ.
"وإن اختلفا" أي: العاملان؛ في طلب المعمول فإن كان أولهما يطلب مرفوعًا
__________
1 ذكر السيوطي في همع الهوامع 2/ 109 أن هذا مذهب هشام والسهيلي وابن مضاء.
388- البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص38، والرد على النحاة ص95، واللسان 10/ 254 "عفق" 14/ 353 "زبي" والمقاصد النحوية 3/ 15، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 201، وتذكرة النحاة ص357، وجمهرة اللغة ص936، والمقرب 1/ 251، وشرح التسهيل 1/ 127، 2/ 174.
2 مغني اللبيب ص635, 636، وانظر شرح التسهيل 2/ 166.(1/485)
"أضمرته مؤخرًا" وجوبًا "كـ: ضربني وضربت زيدًا هو"، انتهت مقالة الفراء1.
فهو فاعل "ضربني" وإنما أخر عن الظاهر هربا من الإضمار قبل الذكر، ولم يحذفه هربًا من حذف الفاعل، هذا كله إذا احتاج الأول لمرفوع من إعمال الثاني.
"وإن" أعملنا الثاني، و"احتاج الأول لمنصوب لفظًا" وهو ما يصل إليه العامل بنفسه "أو محلا" وهو ما يصل إليه العامل بواسطة حرف جر "فإن أوقع حذفه" أي: المنصوب "في لبس" ظاهر، "أو" لم يوقع في لبس، ولكن "كان العامل من باب "كان" أو من باب "ظن" وجب إضمار المعمول موخرا" عن المتنازع عنه في المسائل الثلاث:
فالأولى: "نحو: استعنت واستعان علي زيد به2"، فالأول يطلب "زيدًا" مجرورًا بالباء، والثاني يطلبه فاعلا؛ لأنه استوفى معمول المجرور بـ"على"، فأعملنا الثاني، وأضمرنا ضمير "زيد" مجرورًا بالباء مؤخرًا وقلنا به، والذي حملنا على ذلك أنا لو أضمرناه مقدما قبل "استعان" لزم الإضمار قبل الذكر، ولو حذفناه أوقع في لبس، فلا يعلم هل "زيد" مستعان به أو عليه.
"و" الثانية: نحو: "كنت وكان زيد صديقًا إياه"، فـ"كنت"، و"كان" تنازعا "صديقا" على الخبرية لهما، فأعملنا الثاني فيه، وأعملنا الأول في ضميره مؤخرًا.
"و" الثالثة: "نحو: "ظنني وظننت زيدًا قائمًا إياه"، فـ"ظنني" يطلب "زيدًا قائمًا" فاعلًا ومفعولا ثانيا، "وظننت" يطلبهما مفعولين، فأعملنا الثاني، ونصبنا "زيدًا قائمًا" وبقي الأول يحتاج إلى فاعل ومفعول ثان، فأضمرنا الفاعل مقدمًا مستترًا, وأضمرنا المفعول الثاني مؤخرًا، وقلنا: "إياه"3. ولم نحذف المنصوب في المسألة الثانية والثالثة؛ لأنه عمدة في الأصل؛ لأنه خبر مبتدأ. "وقيل في باب "ظن" و"كان" يضمر مقدمًا" كالمرفوع؛ لأنه مرفوع في الأصل فيقال: "ظنني إياه، وظننت زيدًا قائمًا" هكذا مثل أبو حيان في النكت الحسان4 بالضمير منفصلًا، ولا يتعين، بل يجوز اتصاله نحو: "ظننيه" على ما تقدم من اختلاف الترجيح.
__________
1 انظر شرح التسهيل 2/ 174.
2 شرح التسهيل 2/ 173.
3 المقتضب 2/ 113.
4 النكت الحسان ص94.(1/486)
وقول الشارح1 تبعًا لأبيه في شرح الكافية2: "ولا يجوز تقديمه عند الجميع" مخالف لظاهر التسهيل3، ولتصريح ابن عصفور4، وابن خروف بذلك.
"وقيل": لا يضمر، ولا يحذف، بل "يظهر" كما في المسألة الآتية في تخالف صاحب الضمير ومفسره، فيقال: "ظنني قائمًا وظننت زيدًا قائمًا"، "وقيل": لا يضمر، ولا يظهر، بل "يحذف، وهو الصحيح؛ لأنه حذف لدليل"، فإن المفسر يدل عليه، قال ابن عصفور5: وهذا المذهب أسد6 المذاهب؛ لأن الإضمار قبل الذكر، والفصل بين العامل والمعمول، لم تدع ضرورة إليه، وحذف الاختصار في باب "ظن"، قد تقدم الدليل على جوازه ا. هـ.
وشرط الحذف أن يكون المحذوف مثل المثبت إفرادًا وتذكيرًا، وفروعهما فإن لم يكن مثله لم يجز حذفه، نحو: "علمني وعلمت الزيدين قائمين" فلا بد أن يقول: "إياه" متقدمًا أو متأخرًا، ولا يجوز حذفه. قاله أبو حيان في النكت الحسان7.
"وإن كان العامل من غير بابي، كان، و: ظن" ولم يلبس "وجب حذف المنصوب" لفظًا أو محلا؛ لأنه فضلة مستغنى عنه، فلا حاجة لإضماره قبل الذكر "كـ: ضربت وضربني زيد"، و: مررت ومر بي زيد، "وقيل: يجوز إضماره كقوله": [من الطويل]
389- "إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب" جهارًا فكن في الغيب أحفظ للود
فأعمل الثاني، وأضمر في الأول ضمير المفعول، "وهذا" البيت "ضرورة عند الجمهور"،
__________
1 أي: ابن الناظم في شرحه على الألفية ص188.
2 شرح الكافية الشافية 2/ 649.
3 التسهيل ص86.
4 شرح الجمل 1/ 616.
5 شرح الجمل 1/ 617.
6 في "ط": "أحد".
7 النكت الحسان ص94.
389- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 281، وأوضح المسالك 2/ 203، وتخليص الشواهد ص514، والدرر 2/ 352، وشرح ابن الناظم ص186، وشرح الأشموني 1/ 25، وشرح شذور الذهب ص423، وشرح شواهد المغني 2/ 745، وشرح ابن عقيل 1/ 551، ومغني اللبيب 1/ 333، والمقاصد النحوية 273، وهمع الهوامع 2/ 110.(1/487)
ولم يوجب في التسهيل حذفه بل جعله أولى1. وإلى ما تقدم أشار الناظم بقوله:
280- وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه والتزم ما التزما
ثم قال:
282- ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع أوهلا
283- بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر
"مسألة: إذا" اختلف المخبر عنه، ومفسر الضمير، و"احتاج العامل المهمل إلى ضمير، وكان ذلك الضمير" المحتاج إليه "خبرًا عن اسم، وكان ذلك الاسم" المخبر عنه "مخالفًا في الإفراد والتذكير أو غيرهما" من التأنيث والتثنية والجمع "للاسم المفسر له؛ وهو" الاسم "المتنازع فيه؛ وجب العدول" من الإضمار "إلى الإظهار"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
284- وأظهر إن يكن ضمير خبرًا لغير ما يطابق المفسرا
"نحو: "أظن ويظناني أخا الزيدين أخوين"، وذلك لأن الأصل" قبل الإعمال "أظن ويظنني الزيدين أخوين" بالتثنية فيهما "فـ"أظن" يطلب "الزيدين أخوين" مفعولين، و"يظنني" يطلب "الزيدين" فاعلًا، و"أخوين" مفعولًا" ثانيًا؛ لأنه أخذ مفعوله الأول، وهو ياء المتكلم المتصلة به، "فأعملنا الأول" وهو "أظن"، "فنصبنا الاسمين، وهما "الزيدين أخوين" على أنهما مفعولان لـ"أظن"، و"أضمرنا في الثاني "وهو "يظنني" "ضمير "الزيدين" وهو الألف" في "يظناني"، فاستوفى فاعله ومفعوله الأول، "وبقي علينا المفعول الثاني" لـ"يظناني" "يحتاج إلى إضماره، وهو خبر" في الأصل "عن ياء المتكلم" المتصلة به التي هي الآن المفعول الأول بعد دخول "يظن"، "والياء المخالفة لـ"أخوين" الذي هو مفسر الضمير الذي يؤتى به، فإن الياء مفرد، و "الأخوين" تثنية، فدار الأمر بين إضماره مفردًا ليوافق المخبر عنه" وهو الياء، "وبين إضماره مثنى ليوافق المفسر" وهو "الأخوين"، "وفي كل منهما محذور" لا محيص منه " فوجب العدول إلى الإظهار، فقلنا: "أخا" فاتفق المخبر عنه" وهو الياء في الإفراد "ولم يضره مخالفته لـ"أخوين" لأنه" أي: "أخا" "اسم ظاهر لا يحتاج إلى ما يفسره، هذا تقرير ما قالوا" في هذه المسألة2.
__________
1 التسهيل ص86.
2 انظر هذه المسألة في شرح ابن الناظم ص188-189، وشرح ابن عقيل 1/ 386, 287، وشرح الكافية الشافية 2/ 651.(1/488)
قال الموضح تبعًا لجماعة على سبيل البحث: "و" الذي "يظهر لي فساد دعوى التنازع في "الأخوين" لأن "يظنني" لا يطلبه؛ لكونه مثنى، والمفعول الأول مفرد".
وجوابه أن المتنازع فيه مطلق الأخوة من غير نظر كونه مفردًا أو مثنى، قال صاحب المتوسط بمعناه، وفيه نظر؛ لأن التنازع لا يكون في مبهم "وعن الكوفيين أنهم أجازوا فيه وجهين: حذفه وإضماره" مقدمًا "على وفق المخبر عنه"، فيقولون على الحذف: "أظن ويظناني الزيدين أخوين"، ويحذفون "أخا" لدلالة أخوين عليه، ويقولون: على الإضمار: "أظن ويظناني إياه الزيدين أخوين"، كذا مثله في شرح الكافية1 مقدمًا؛ لأن العلة المقتضية لتأخيره؛ وهي تأخير المفسر: مفقودة هنا.
وإن أعملنا الثاني فالحكم فيه كما سبق من وجوب الإظهار، ومن إجراء الوجهين المحكيين عن الكوفيين، ولكن يضمر مؤخرا, قاله المرادي في شرح التسهيل، وفيه البحث السابق.
__________
1 شرح الكافية الشافية 2/ 651, 652.(1/489)
باب المفعول المطلق:
"هذا باب المفعول المطلق":
"أي: الذي يصدق عليه قولنا: مفعول" بغير صلة "صدقا" منصوب بيصدق "غير مقيد" صفة "صدقًا" "بالجار" حرف أو اسم، متعلق بمقيد؛ بخلاف بقية المفاعيل فإن صدق المفعولية عليها مقيد بالجار كالمفعول به، والمفعول له، والمفعول فيه، والمفعول معه، وهذه التسمية للبصريين1.
وأما غيرهم2 فلا يسمى مفعولًا إلا المفعول به خاصة، ويقول في غيره: مشبه بالمفعول، قال الموضح في الحواشي3.
"و" المفعول المطلق: "هو اسم يؤكد عامله"، فيفيد ما أفاده العامل من الحدث من غير زيادة على ذلك. "أو يبين نوعه"، أي: نوع العامل، فيفيده زيادة على التوكيد "أو" يبين "عدده" أي:
عدد العامل، فيفيد عدد مرات العامل زيادة على التوكيد، "وليس" هو "خبرا" عن مبتدأ "ولا حالا" من غيره "نحو: ضربت ضربًا، أو" ضربت "ضرب الأمير، أو" ضربت "ضربتين"، فالأول مثال لما يؤكد عامله، والثاني مثال لما يبين نوعه، والثالث مثال لما يبين عدده "بخلاف نحو": "ضربك ضربتان" و"ضربك ضرب أليم" فإه وإن بين العدد في الأول، والنوع في الثاني لوصفه بـ"أليم" فهو خبر عن "ضربك" فلا يكون مفعولًا مطلقًا، "و" بخلاف "نحو: {وَلَّى مُدْبِرًا} [النمل: 10] فإنه وإن كان توكيدًا لعامله فهو حال من الضمير المستتر في عامله فلا يكون مفعولًا مطلقًا.
وإلى أن المفعول المطلق يفيد المعاني الثلاثة أشار الناظم بقوله:
288- توكيدا أو نوعا يبين أو عدد ...................................
__________
1 همع الهوامع 1/ 165.
2 أي: الكوفيون، كما في همع الهوامع 1/ 165.
3 انظر شرح شذور الذهب ص266.(1/490)
"وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرًا" كما تقدم من الأمثلة، "والمصدر" كما قال الناظم:
286- .... اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل......................
وهو "اسم الحدث الجاري على الفعل"، وليس علمًا ولا مبدوءًا بميم زائدة لغير المفاعلة كما قاله الموضح في باب إعمال المصدر1.
"وخرج بهذا القيد" وهو الجريان على الفعل "نحو" "غسلا" و"وضوءًا" و"عطاء" من قولك: ""اغتسل غسلًا" و"توضأ وضوءًا" و"أعطى عطاء" فإن هذه" الثلاثة "أسماء مصادر" وليست مصادر لعدم جريانها على أفعالها؛ لأن "اغتسل" قياس مصدره الجاري عليه "الاغتسال"، و"توضأ" قياس مصدره الجاري "التوضؤ"، و"أعطي" قياس مصدره الجاري عليه "الإعطاء".
وخرج بقولنا: وليس علما، نحو "حماد" علمًا للمحمدة، وبقولنا: ليس مبدوءًا بميم زائدة لغير المفاعلة نحو: "مقتل" بمعنى القتل فإنها من أسماء المصادر، والفرق بين المصدر واسمه أن المصدر يدل على الحدث بنفسه واسم المصدر يدل على الحدث بواسطة المصدر، فمدلول المصدر معنى، ومدلول اسم المصدر لفظ المصدر.
وسمي المصدر مصدرًا؛ لأن فعله صدر عنه؛ أي: أخذ منه، كمصدر الإبل للمكان الذي ترده ثم تصدر عنه2.
"و" المصدر المنصوب على المفعولية المطلقة "عامله إما مصدر مثله" لفظًا ومعنى "نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}" [الإسراء: 63]، فـ"جزاء" مفعول مطلق، وعامله "جزاؤكم"، وهو مصدر مثله، أو لا معنى لا لفظًا نحو: "أعجبني إيمانك تصديقًا"، وقول الجرمي: لا يعمل المصدر في المصدر مردود بالآية ونحوها.
"أو ما اشتق" لفظه "منه من فعل" غير تعجبي ولا ناقص ولا ملغى عن العمل "نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}" [النساء: 164]، وخرج عنه فعل التعجب، فلا يقال: "ما أحسن زيدًا حسنًا"، والأفعال الناقصة فلا يقال: "كان زيد قائمًا كونا"، والأفعال الملغاة فلا يقال: "زيد قائم ظننت ظنا".
"أو" من "وصف" اسم فاعل أو مفعول أو للمبالغة دون اسم التفضيل والصفة المشبهة، فاسم الفاعل "نحو: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1]، واسم المفعول
__________
1 أوضح المسالك 3/ 200, 201.
2 انظر الإنصاف 1/ 235، المسألة رقم 28.(1/491)
نحو: "الخبز مأكول أكلا" وأمثله المبالغة نحو: "زيدًا ضراب ضربًا"، ولا يجوز: "زيد حسن وجهه حسنًا"، ولا "أقوم منك قياما"، وأما قوله: [من البسيط]
390- أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم لؤما وأبيضهم سربال طباخ
فـ"لؤما" منصوب محذوف، قاله صاحب البديع، وإلى ناصب المفعول المطلق أشار الناظم بقوله:
287- بمثله أو فعل أو وصف نصب ....................................
وما ذكره من أن الفعل والوصف مشتقان من المصدر هو الصحيح من مذهب البصريين، وإليه يرشد قوله الناظم:
287- .................. وكونه أصلًا لهذين انتخب
"وزعم بعض البصريين" كالفارسي، واختاره الشيخ عبد القاهر "أن الفعل أصل للوصف" فيكون فرع الفرع.
"وزعم الكوفيون أن الفعل أصل لهما" أي: للمصدر والوصف.
وزعم ابن طلحة أن الفعل والمصدر أصلان، وليس أحدهما مشتقا من الآخر1.
والصحيح الأول؛ لأن الفرع لا بد فيه من معنى الأصل وزيادة، والفعل يدل على الحدث والزمان، والصفة تدل على الحدث والموصوف ولا دلالة لهما على الزمان المعين2.
__________
390- البيت لصدره روايات مختلفة، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص18، ولسان العرب 7/ 124، "بيض"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 139، وأمالي المرتضى 1/ 92، والإنصاف 1/ 149، وخزانة الأدب 8/ 230، وشرح المفصل 6/ 93، واللسان 7/ 123 "بيض"، 15/ 96، "عمى"، والمقرب 1/ 73، وأساس البلاغة "طبخ".
1 ورد هذا الرأي والذي قبله دون نسبة إلى قائل في الارتشاف 2/ 202، وهمع الهوامع 1/ 186.
2 انظر الإنصاف 1/ 235، المسألة رقم 28.(1/492)
فصل1
"فصل":
"ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق ما يدل على المصدر من صفة" له "كـ: سرت أحسن السير" والأصل سرت السير أحسن السير، فحذف الموصوف لدلالة إضافة صفته إلى مثله عليه، ونابت صفته منابه، وانتصبت انتصابه. "و: اشتمل الصماء"، والأصل الشملة الصماء، فحذف الموصوف ونابت صفته منابه. "و: ضربته1 ضرب الأمير اللص، إذ الأصل: ضربا مثل ضرب الأمير اللص، فحذف الموصوف" وهو "ضربًا" "ثم المضاف" وهو "مثل" وصح وقوعه نعتًا للنكرة وإن أضيف لمعرفة؛ لأنه لم يكتسب التعريف بالمضاف إليه لتوغله في الإبهام.
وقيد أبو البقاء المسألة بقوله: وكذلك صفة المصدر إذا أضيفت إليه نحو: "سرت أشد السير"؛ لأن الصفة هي الموصوف في المعنى وإنما قدمت لتدل على المبالغة. ا. هـ.
وما ذكره الموضح من إقامة الصفة مقام الموصوف في الانتصاب على المفعول المطلق تبع فيه ابن مالك في شرح التسهيل2، وخالف ذلك في شرح القطر3، فقال: وليس مما ينوب عن المصدر صفته نحو: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا} [البقرة: 35] خلافًا للمعربين. زعموا أن الأصل: أكلا رغدا، وأنه حذف الموصوف، ونابت صفته منابه، وانتصبت انتصابه4.
ومذهب سيبويه5 أن ذلك إنما هو حال من مصدر الفعل المفهوم منه، والتقدير: "فكلا" حال كون الأكل رغدًا، ويدل ذلك على أنهم يقولون: "سِيْرَ عليه طويلًا" فيقيمون الجار والمجرور مقام الفاعل، ولا يقولون: "طويل" بالرفع، فدل على أنه حال لا مصدر، وإلا جازت إقامته مقام الفاعل؛ لأن المصدر يقوم مقام الفاعل باتفاق6. ا. هـ.
__________
1 في "ط": "ضربت".
2 شرح التسهيل 2/ 182.
3 شرح قطر الندى ص226.
4 منهم البيضاوي، انظر أنوار التنزيل 1/ 142.
5 الكتاب 1/ 228.
6 شرح قطر الندى ص226.(1/493)
"أو" من "ضميره" أي: ضمير المصدر "نحو: عبد الله" بالنصب "أظنه جالسًا" فـ"عبد الله" مفعول أول لـ"أظن"، و"جالسًا" مفعوله الثاني، و"الها" في "أظنه" ضمير المصدر نائبة عنه في الانتصاب على المفعولية المطلقة. وهل هي نائبة عن مصدر مؤكد فيكون التقدير: أظن ظنا، أو عن نوعي، فيكون التقدير: أظن ظني، كما قدره الشارح1 تبعًا للمفصل2، فيه بحث.
قال الموضح في الحواشي: والذي يظهر أن الضمير إنما يقوم مقام المؤكد خاصة، وذلك كقوله: [من م. الكامل]
391- من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحيه
وقوله: [من البسيط]
392- هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب
أي: يدرس الدرس، وقد نلت النيل، ولو صرح بالظاهر لم يفد إلا التوكيد فكذلك ضميره.
"و" أما "نحو" {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا "لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا"} [المائدة: 115] فتقديره: لا أعذب هذا التعذيب الخاص، فالضمير هنا نائب عن المصدر النوعي فصار له حالتان.
انتهى كلامه في الحواشي، ومن خطه نقلت.
وينبغي أن يكون3 "أل" في "النيل" و"الدرس" للجنس لا للعهد، وإلا لكان نوعيّا أيضًا.
"أو" من "إشارة إليه" أي: إلى المصدر؛ سواء أكان اسم الإشارة متبوعا بالمصدر أم لا. فالأول "كـ: ضربته ذلك الضرب" بالنصب، والثاني كـ"ضربته ذلك"،
__________
1 أي: ابن الناظم في شرح الألفية ص192.
2 المفصل ص47.
391- البيت لزهير بن جناب في إصلاح المنطق ص316، والأغاني 18/ 307, والشعر والشعراء 1/ 386 ، ولسان العرب 11/ 46 "بجل" 14/ 216، "حيا" والمؤتلف والمختلف ص130، وبلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 299، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص100، ولسان العرب 14/ 217 "حيا".
392- البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 2/ 3، 5/ 226, 9/ 48، 61، 547، والدرر 2/ 78، ورصف المباني ص247، 315، وشرح شواهد المغني ص587 والكتاب 3/ 67، ولسان العرب 10/ 157، "سرق" والمقرب 1/ 115، وهمع الهوامع 2/ 33.
3 في "ب"، "ط": "تكون".(1/494)
فـ"ذلك" في المثالين مفعول مطلق نائب عن المصدر.
وذهب ابن مالك في شرح التسهيل1 إلى أنه لا بد من جعل المصدر تابعًا لاسم الإشارة المقصود به المصدرية. وذهب سيبويه2 والجمهور إلى أن ذلك لا يشترط، ومن كلام العرب: "ظننت ذلك"، يشيرون به إلى الظن قاله المرادي في التلخيص.
"أو" من "مرادف له" معنى "نحو: شنئته بغضًا" فـ"بغضًا": مفعول مطلق نائب عن "شنء" فإن "الشنء" مصدر "شنئ"؛ بكسر النون مرادف للبغض، "و: أحببه مقة"، فـ"مقة" مفعول مطلق نائب عن المحبة, فإن المقة؛ بكسر الميم؛ مصدر "ومق" مرادف للمحبة، "و: فرحت جذلًا"، فـ"جذلا" مفعول مطلق نائب عن "فرحًا" فإن الجذل؛ بفتحتين "وهو بالذال المعجمة مصدر "جذِل" بالكسر" مرادف للفرح. وظاهر كلام الموضح تبعًا لابن مالك3 أن المرادف منصوب بالفعل المذكور، وهو مذهب المازني، والمنقول عن الجمهور أن ناصبه فعل مقدر من لفظه، والتقدير عندهم في الأمثلة المذكورة: شنئته وبغضته بغضًا، وأحببته ومقته مقة، وفرحت وجذلت جذلا.
"أو" من "مشارك له" أي: للمصدر المحذوف "في مادته" وحروفه "وهو أقسام ثلاثة:
اسم مصدر" غير علم "كما تقدم" من نحو: "اعتسل غسلا" و"توضأ وضوءًا" و"أعطى عطاء". وفي شرح التسهيل4: أن [اسم]5 المصدر العلم لا يستعمل مؤكدًا ولا مبينا.
"واسم عين ومصدر لفعل آخر"، فاسم العين "نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}" [نوح: 17] فـ"نباتا": اسم عين للنبات، وهو ما ينبت من زرع أو غيره، ومنه زكاة النبات، وعن سيبويه6: أان "نباتًا" في الآية مصدر جار على غير الفعل، وكأنه نائب عن "إنباتًا"، قاله الشاطبي، فعلى هذا "يكون من القسم الثالث؛ وهو ما كان مصدرًا لفعل آخر نحو: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] فـ"نباتًا" نائب
__________
1شرح التسهيل 2/ 181.
2 الكتاب 1/ 125.
3 شرح التسهيل 2/ 182.
4 شرح التسهيل 2/ 180.
5 إضافة من المصدر السابق.
6 الكتاب 4/ 81.(1/495)
عن "إنباتا" و"تبتيلا" نائب عن "تبتلا"، "والأصل" في مصدر "أنبت" و"تبتل" "إنباتًا وتبتلا"؛ لأن قياس مصدر "أنبت" الإنبات لا النبات؛ لأنه مصدر "نبت". قال ابن القطاع: نبت البقل نباتًا، وقياس مصدر "تبتل" التبتل لا تبتيلا؛ لأن التبتيل مصدر "بتل" بالتشديد.
"أو" من لفظ "دال على نوع منه" أي: من المصدر "كـ: قعد القرفصاء" بالمد والقصر، "و: "رجع القهقرى" بالقصر فقط، فإن "القرفصاء" نوع من القعود، و"القهقرى" نوع من الرجوع، والأصل: قعد القعدة القرفصاء, ورجع الرجوع القهقرى، فحذف المصدر وأنيب عنه لفظ دال على نوع منه. فإن قلت: القرفصاء والقهقرى مصدران، فكيف يقال: نابا عن المصدر؟ قلت: أجيب بأنهما نابا عن المصدر الأصلي المحتمل للقليل والكثير. وفي هذا الجواب نظر؛ لأنه يقتضي أن انتصاب النوعي فرع عن انتصاب المؤكد، ولا قائل به. قاله الموضح في الحواشي.
"أو" من لفظ ""دال على عدده" أي: المصدر "كـ: ضربته عشر ضربات" فـ"عشر" نائب عن المصدر، والأصل: ضربته ضربًا عشر ضربات، فحذف المصدر، وأنيب عنه عدده، ومثله: "{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}" [النور: 4]، والأصل: فاجلدوهم جلدًا ثمانين، فحذف المصدر وأنيب عنه "ثمانين، و"جلدة" تمييز.
"أو" من لفظ دال "على آلته" أي: المصدر "كـ: ضربته سوطًا، أو عصا" والأصل: ضربته ضربًا بسوط أو عصا، ثم توسع في الكلام. فحذف المصدر، وأقيمت الآلة مقامه، وأعطيت ما له فمن إعراب وإفراد أو تثنية أو جمع، تقول: "ضربته سوطين" و"أسواطًا" والأصل: ضربتين بسوط، وضربات بسوط، قاله الشارح1.
وقال المرادي في التلخيص: أصل ضربته سوطًان ضربته ضربة2 سوط، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه وذلك يطرد فلي كل آلة معهودة للفعل، فلو قلت: ضربته خشبة، لم يجز3 لأنه لا4 يعهد كون ذلك آلة لهذا الفعل. ا. هـ.
"أو" من "كل" وما معناها مضاف إلى المصدر "نحو: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] فـ"كل": مفعول مطلق نائب عن مصدر محذوف، والأصل: فلا
__________
1 أي: ابن الناظم في شرح الألفية ص192.
2 في "ط: "ضرب".
3 في "ب": "يصح".
4 في "ط": "لم".(1/496)
تميلوا ميلا كل الميل، "و" نحو "قوله" وهو قيس بن الملوح: [من الطويل]
393- وقد يجمع اله الشتيتين بعدما "يظنان كل الظن ألا تلاقيا"
والأصل: يظنان ظنا كل الظن، ونحو: ضربته جميع الضرب أو عامة1 الضرب.
"أو" من "بعض" وما في معناها مضافة إلى المصدر "كـ: ضربته بعض الضرب"، فـ"بعض": مفعول مطلق نائب عن مصدر محذوف، والأصل: ضربته بعض الضرب، وفي التنزيل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44]، ونحو: "ضربته يسير الضرب"، وفي التنزيل: {وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} [هود: 57] وحاصل ما ذكره الموضح أن النائب عن المصدر نوعان: نائب عن مؤكد، ونائب عن مبين. فالنائب عن المؤكد: المرادف والمشارك له في المادة بأقسامه الثلاثة، والنائب عن المبين: ما بقي وهو الوصف والضمير والإشارة والعدد والآلة وكل وبعض وذلك يدخل في قول الناظم:
289- وقد ينوب عنه ما عليه دل ................................
"مسألة: المصدر المؤكد" لعامله "لا يثنى ولا يجمع باتفاق" فلا يقال:" ضربت "ضربين" بالتثنية، "ولا:" ضربت "ضروبًا" بالجمع؛ "لأنه" اسم جنس مبهم يحتمل القليل والكثير "كـ"ماء" و"عسل"" و"دقيق"؛ ولأنه بمنزلة تكرير الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع باتفاق، فكذلك ما كان بمنزلته.
"و" المصدر العددي، وهو "المختوم بتاء الوحدة كـ"ضربة" بعكسه" فيثنى ويجمع "باتفاق، فيقال:" ضربت "ضربتين، وضربات؛ لأنه" فرد لجنس "كـ"تمرة" و "كلمة". واختلف في" المصدر "النوعي، فالمشهور" من الخلاف في تثنيته وجمعه "الجواز" قياسًا. فيقال: "ضربت ضربتين ضربا عنيفًا وضربًا رقيقًا"، و"ضربت ضروبًا مختلفة" "وظاهر مذهب سيبويه المنع" وأنه لا يقال منه إلا ما سمع 2، "واختاره" أي: المنع "الشلوبيين3" واحتج المجيز بمجيئه في الفصيح كقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] والألف مزيدة تشبيهًا للفواصل بالقوافي، وإلى المنع في المؤكد والجواز في غيره أشار الناظم بقوله:
290- وما لتوكيد فوحد أبدًا وثن واجمع غيره وأفردا
__________
393- البيت للمجنون في ديوانه ص243، والمقاصد النحوية 3/ 42، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 213، والخصائص 2/ 448، وشرح الأشموني 1/ 210 ولسان العرب 2/ 48، "شتت".
1 في "أ": "غاية".
2 الكتاب 1/ 35.
3 انظر الارتشاف 2/ 205، وهمع الهوامع 1/ 186.(1/497)
فصل2
"فصل":
النحاة "اتفقوا على أنه يجوز لدليل مقالي أو حالي حذف عامل المصدر غير المؤكد" وهو المبين للنوع أو العدد. والدليل المقالي: ما مرجعه إلى القول، "كأن يقال: "ما جلست". فيقال: "بلى جلوسًا طويلًا"، أو "بلى جلستين"" فـ"جلوسًا": مصدر نوعي لوصفه بالطول، حذف عامله جوازا لدليل مقالي، وهو قول القائل: ما جلست، والتقدير: بلى جلست طويلًا، و"جلستين": مصدر عددي حذف عامله لذلك، والتقدير: بلى جلست جلستين.
"و" الدليل الحالي: ما مرجعه إلى الحال من مشاهدة أو غيرها, "كقولك لمن قدم من سفر: قدومًا مباركًا"، ولمن تكرر منه إصابة الغرض: "إصابتين"، فـ"قدومًا": مصدر نوعي، و"إصابتين" مصدر عددي، حذف عاملهما جوازا لدليل حالي، وهو الحال المشاهدة، والتقدير: قدمت قدومًا مباركًا، وأصبت إصابتين.
"وأما" المصدر "المؤكد فزعم ابن مالك" في شرح الكافية1: "أنه لا يحذف عامله؛ لأنه إنما جيء به لتقويته وتقرير معناه والحذف مناف لهما"، فلم يجز حذفه، بخلاف المصدر المبين نوعًا أو عددًا، فإنه يدل على معنى زائد على معنى الفعل فأشبه المفعول به. فجاز حذف عامله كما جاز عامل المفعول به. انتهى كلامه في شرح الكافية وصرح بذلك في النظم فقال:
291- وحذف عامل المؤكد امتنع وفي سواه لدليل متسع
"ورده ابنه2" بأنه إن أراد أن المصدر المؤكد قد يقصد به تقوية عامله, وتقرير معناه دائما, فلا شك أن حذفه مناف لذلك القصد, ولكنه ممنوع, ولا دليل عليه, وإن أراد أن المصدر المؤكد قد يقصد به التقوية والتقرير, وقد يقصد به مجرد التقرير فمسلم،
__________
1 شرح الكافية الشافية 2/ 657, 658.
2 بعده في "ب": "في شرح النظم"، وفي "ط": "في شرحه". وانظر شرح ابن الناظم 193.(1/498)
ولكن لا نسلم أن الحذف مناف لذلك القصد؛ لأنه إذا جاز أن يقرر معنى العامل المذكور بتوكيده بالمصدر؛ فلأن يجوز أن يقرر معنى العامل المحذوف لدلالة القرينة عليه أحق وأولى.
"وبأنه قد حذف جوازًا" إذا كان خبر اسم عين في غير تكرير ولا حصر "في نحو: "أنت سيرًا" ووجوبًا" مع التكرير أو الحصر في "أنت سَيْرًا سَيْرًا" و"ما أنت إلا سيرًا". "و" في غير ذلك "نحو: سقيا ورعيا" وحمدا وشكرًا لا كفرا، فمنع مثل هذا إما للسهو1 عن وروده، وإما للبناء على أن المسوغ لحذف العامل فيه نية التخصيص، وهو دعوى على خلاف الأصل، ولا يقتضيها فحوى الكلام، انتهى كلام ابنه في شرحه2.
وأجاب الشاطبي بأن ما قاله ابن الناظم غير لازم؛ لأنه إذا أريد تقرير معنى العامل فقد قصد الإتيان بلفظ آخر يقرر معنى اللفظ الآخر ويؤكده, فحذفه مع هذا القصد نقض للغرض، وأما ما استدل به فلا دليل فيه؛ لأن تلك المصادر لم تأت للتأكيد أصلًا، وإنما هي مصادر جعلت بدلًا من أفعالها، وعوضت منها، ففائدتها النيابة عن أفعالها، وإعطاء معانيها، لا تأكيدها فلو كانت مؤكدة لها لكانت مؤكدة لنفسها، والشيء لا يؤكد نفسه. انتهى ملخصًا مع اعترافه بأن "أنت سيرًا" للتوكيد. حيث قال في شرح قول الناظم:
294- كذا مكرر...... ........................
وتقول في المؤكد: "أنت تسير سيرًا" فيظهر أيضًا؛ يعني العامل؛ ولهذا لم يتعقب الموضح كلام ابن الناظم بل أقره عليه، لكن إقراره على نحو: "سقيا" و"رعيا" مشكل، بل قال ابن عقيل3: إن ما قاله ابن الناظم ليس بصحيح، فإن جمع ما أتى به من الأمثلة ليست من المصدر المؤكد في شيء، وإنما هي من المصادر النائبة عن أفعالها. ا. هـ.
والحق أن المصدر النائب عن فعله من قسم المصدر المؤكد، وهو في معنى الاستثناء من قوله:
291- وحذف عامل المؤكد امتنع ..................................
قاله الموضح في بعض حواشيه على الخلاصة.
"وقد يقام المصدر" المؤكد "مقام فعله" المستعمل أو المهمل "فيمتنع ذكره معه" أي: فيمتنع ذكر الفعل مع المصدر؛ لقيامه مقامه.
__________
1 في "أ", "ب": "لسهو".
2 شرح ابن الناظم ص193.
3 شرح ابن عقيل 1/ 291, 292.(1/499)
"وهو نوعان، ما لا فعل له" أصلًا من لفظه "نحو: ويل زيد وويحه؛ و: [من الكامل]
394- ................... بله الأكف"................
بالإضافة إلى المفعول، "فيقدر له عامل من معناه، على حد: "قعدت جلوسًا"، بناء على قول المازني: إن جلوسًا منصوب بـ"قعدت"، فيقدر في نحو: "ويل زيد ويحه": أحزن الله زيدًا ويله، وأحزن الله زيدًا ويحه؛ لأن الويل والويح بمعنى الحزن، قاله أبو البقاء، وقيل: يقدر: "أهلك" لأنهما بمعنى الهلاك، وقيل: يقدر قبل "ويح" و"رحم" لأنها كلمة ترحم، وقبل1 "ويل" عذب لأنها كلمة عذاب.
وذهب بعض البغداديين إلى أن "ويحه" و"يله" و"يسه" منصوبة بأفعال من لفظها وأنشد: [من الهزج]
395- فما مال ولا واح ولا واس أبو هند
قال المرادي في شرح التسهيل: وهو مصنوع2. ا. هـ.
ويقدر في "بله الأكف": اترك؛ لأن بله الشيء بمعنى تركه، و"الأكف": جمع كف. "وما له فعل" مستعمل من لفظه، "وهو نوعان":
نوع "واقع في الطلب وهو الوارد دعاء" بخير أو ضده، فالأول: "كـ: سقيا، ورعيا"، والثاني كـ: كيًّا "و: جدعا" والأصل: سقاك الله سقيا، ورعاك الله رعيا, وكواه الله كيًّا، وجدعه جدعا والجدع: قطع طرف الأنف أو الشفة أو الأذن أو غير ذلك.
"أو" الوارد "أمرًا أو نهيًا نحو: قيامًا لا قعودًا" أي: قم قياما لا تقعد قعودا،
__________
394- تمام البيت:
"تذر الجماجم ضاحيا هاماتها بله الأكف كانها لم تخلق"
وهو لكعب بن مالك في ديوانه ص245، وحزانة الأدب 6/ 211، 214، 217، والدرر 1/ 508، وشرح شواهد المغني ص353، ولسان العرب 3/ 478، "بله" وتاج العروس "بله"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 217، وتذكرة النحاة ص500، والجنى الداني 425، وخزانة الأدب6/ 232، وشرح ابن الناظم ص196، وشرح الأشموني 1/ 251، وشرح المفصل 4/ 48، ومغني اللبيب ص115، وهمع الهوامع 1/ 236.
1 في "ب": "قيل".
395- البيت بلا نسبة في الممتع في التصريف 2/ 567، والمنصف 2/ 198.
2 الارتشاف 1/ 90.(1/500)
"و" كذلك النوعي "نحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] أي: فاضربوا ضرب الرقاب1، "و" نحو "قوله": [من الطويل]
396- على حين ألهى الناس جل أمورهم "فندلا زريق المال ندل الثعالب
أي: اندل يا زريق المال ندل الثعالب، أي: اختطفه بسرعة كاختطاف الثعالب.
و"زريق"؛ بزاي فراء؛ مصغر علم رجل، و"المال": مفعول به، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
292- والحذف حتم مع آت بدلًا من فعله كندلا اللذ كاندلا
"كذا أطلق ابن مالك" القول بأن المصدر القائم مقام فعله في الطلب يجب معه الحذف، لم يقيده بالتكرار.
"وخص ابن عصفور الوجوب" للحذف "بالتكرار2، كقوله" وهو قطري بن الفجاءة الخارجي: [من الوافر]
397- "فصبرا في مجال الموت صبرًا" فما نيل الخلود بمستطاع
أي: اصبر صبرًا، ووجهه أنه جعل تكرار المصدر قائما مقام العامل، وبذلك قال ابن الضائع: ونصه: واعلم أنه يجري مجرى هذا في التزام الإضمار3 المصادر في الأمر المثناة كقولهم: الحذر الحذر، والنجاء النجاء، وضربا ضربًا. ا. هـ.
__________
1 بعده في "ط": "ولا فرق في ذلك بين المفرد والمضاف، ولذلك فصله بقوله"، وفي "ب": "هذا من النوعي، ولذلك فصله بقوله".
396- البيت للأعشى همدان في الحماسة البصرية 2/ 262، 263, ولشاعر من همدان في شرح أبيات سيبويه 1/ 371، 372، ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير في المقاصد النحوية 3/ 46، وهو في ملحق ديوان الأحوص ص215، وملحق ديوان جرير ص1021، وبلا نسبة في الإنصاف ص293، وأوضح المسالك 2/ 218، وجمهرة اللغة ص682 ، والخصائص 1/ 120، وسر صناعة الإعراب ص507 وشرح ابن الناظم ص194، وشرح الأشموني 1/ 204، وشرح ابن عقيل 1/ 566، والكتاب 1/ 115، ولسان العرب 11/ 653 "ندل".
2 شرح الجمل 2/ 407.
397- البيت لقطري بن الفجاءة في تخليص الشواهد ص298، والمقاصد النحوية 3/ 51، وشرح التسهيل 2/ 187، وشرح الكافية الشافية 2/ 662، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 220، وشرح الأشموني 2/ 212.
3 في "ط": "إضمار".(1/501)
قال الموضح في حاشية التسهيل: وأشار بقوله هذا إلى التحذير بغير "إيا"، وبمثل قوله قال ابن عصفور1، وكلاهما مخالف لإطلاق ابن مالك القول بأن المصدر الذي أقيم مقام عامله في الطلب يلتزم معه الحذف. انتهى كلام الموضح.
"أو" الوارد "مقرونا باستفهام توبيخي" وهو ثلاثة أقسام:
توبيخ متكلم لنفسه كقول عامر بن الطفيل يخاطب نفسه: أغدة كغدة البعير وموتا في بيت امرأة سلولية2.
وتوبيخ لمخاطب "نحو: "أتوانيا وقد جد قرناؤك""، أي: أتتوانى توانيًا، "وقوله"؛ وهو جرير يهجو خالد بن يزيد الكندي: [من الوافر]
398- أعبدا حل في شعبى غريبًا "ألؤما لا أبا لك واغترابا"
أي: أتلؤم لؤما وتغترب اغترابًا، و"عبدًا": منادى بالهمزة: و"شعبى": بضم الشين المعجمة3 وفتح العين والباء الموحدة؛ موضع.
والتوبيخ لغائب في حكم حاضر، كقولك لشيخ غائب وقعد أبلغك أنه يلعب: "ألعبا وقد علاك المشيب"، أي: أتلعب لعبًا.
"و" نوع "واقع في الخبر، وذلك في" خمس "مسائل:
إحداها: مصادر مسموعة كثر استعمالها، ودلت القرائن على عاملها"
المحذوف "كقولهم عند تذكر نعمة وشدة: حمدًا وشكرا لا كفرًا،" وهي من أمثلة سيبويه4، وقدره:" أحمد الله حمدًا، وأشكره شكرًا لا أكفره كفرًا، كذا يتكلم بهذه الأمثلة مجتمعة.
__________
1 شرح الجمل 2/ 407.
2 من الأمثال في مجمع الأمثال 2/ 57، وفصل المقال ص374، والمستقصى 1/ 258، وجمهرة الأمثال 1/ 102.
398- البيت لجرير في ديوانه ص650، وإصلاح المنطق 221، والأغاني 8/ 21، وجمهرة اللغة ص1181، وخزانة الأدب 2/ 183، وشرح أبيات سيبويه 1/ 98، والكتاب 1/ 339، 344 ولسان العرب 1/ 503 "شعب"، ومعجم ما استعجم ص799، 861، والمقاصد النحوية 3/ 49، 4/ 506، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 221، ورصف المباني ص52، وشرح ابن الناظم ص195، وشرح الأشموني 1/ 212.
3 في "ط": "المهملة".
4 الكتاب 1/ 318, 319.(1/502)
قال ابن عصفور1: لا يستعمل كفرًا إلا مع حمدا وشكرًا، ولا يقال: "حمدًا" وحده أو "شكرًا" إلا أن يظهر على الجواز ولا يلزم الإضمار إلا مع "لا2 كفرًا"، فهذه الأمور جرت مجرى المثل، ينبغي أن يلتزم فيها ما التزمت العرب. ا. هـ.
"و: صبرًا لا جزعًا"، والتقدير: أصبر صبرًا، لا أجزع جزعًا، ولا يخفى ما في كلامه من اللف والنشر3 المرتب، "و" كقولهم "عند ظهور أمر معجب: عجبًا" أي: أعجب عجبا، "وعند خطاب" شخص "مرضي عنه أو مغضوب عليه: أفعله" أنا "وكرامة ومسرة" أي: أفعل4 ما تريد وأكرمك كرامة وأسرك مسرة، ولا تستعمل "مسرة" إلا بعد "كرامة" و"كرامة": اسم مصدر "أكرم"، "ولا أفعله ولا كيدًا ولا هما" أي: أكاد كيدًا، ولا أهم هما، هذا تقدير5 سيبويه6، واختلف في تقديره: "أكاد" فقال الأعلم: هي الناقصة، وقال ابن طاهر: هي التامة، والمعنى: ولا مقاربة7، وقال ابن خروف: يحتمل الوجهين. "وهما" من هممت بالشيء. ولا يخفى ما في كلام الموضح من اللف والنشر المرتب، فالمثبت للمرضي عنه، والمنفي للمغضوب عليه.
المسألة "الثانية: أن يكون" المصدر "تفصيلًا لعاقبة ما قبله" من طلب أو خبر، فالأول "نحو: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}" [محمد: 4] فـ"منا" و"فداء" ذكرا تفصيلًا لعاقبة الأمر بشد الوثاق، والتقدير: فإما أن تمنوا منا، وإما أن تفادوا فداء.
والثاني كقوله: [من البسيط]
399- لأجهدن فإما درء واقعة تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل
__________
1 شرح الجمل 2/ 421.
2 سقطت "لا" من "أ".
3 اللف والنشر: أن يذكر الناظم في أول البيت أسماء متعددة غير تامة المعنى، ثم يقابلها بأشياء يعددها على ترتيبها من غير الأضداد تتمم معناها؛ إما بالجمل، وإما بالألفاظ المفردة، كقول ابن حيوس:
فعل المدام ولونها ومذاقها في مقلتيه ووجنتيه وريقه
4 بعده في "ب": "أنا".
5 بعده في "ط": "كلام".
6 الكتاب 1/ 319.
7 الارتشاف 2/ 212، وهمع الهوامع 1/ 191.
339- البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 418، وهمع الهوامع 1/ 192، وشرح التسهيل 2/ 188.(1/503)
فـ"درء" و"بلوغ" ذكر تفصيلًا لعاقبة الجهد أي: إما أدرأ وإما أبلغ. وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
293- وما لتفصيل كإما منا عامله يحذف حيث عنا
المسألة "الثالثة: أن يكون" المصدر "مكررًا أو محصورًا أو مستفهمًا عنه، وعامله خبر عن اسم عين" في الأنواع الثلاثة: وشروطها أربعة أمور:
أحدها: التكرير أو الحصر أو العطف عليه أو الاستفهام عنه.
والثاني: كون المصدر مستمرا للحال لا منقطعًا عنه ولا مستقبلا، نص على ذلك سيبويه1.
والثالث: كون عامل المصدر خبرًا.
والرابع: كونت المخبر عنه اسم عين.
فالمكرر "نحو: "أنت سيرًا سيرًا""، والتقدير: أنت تسير سيرًا، فحذف "تسير" وجوبا لقيام التكرير مقامه2.
"و" المحصور بـ"إلا" أو "إنما" نحو: ""ما أنت إلا سيرًا"، و "إنما أنت سير البريد""، والتقدير: ما أنت إلا تسير سيرًا, وإنما أنت تسير سير البريد، فحذف "تسير" لما في الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير. والمعطوف عليه نحو: "أنت أكلا وشربًا"، والتقدير: أنت تأكل أكلًا، وتشرب شربًا؛ لأن العطف كالتكرار، نصوا عليه هنا وفي باب الإغراء والتحذير، ولكن يقدر هنا عاملان بخلاف ذلك الباب، والفرق أن العامل هنا يجب أن يكون من معنى المعمول, والمتعاطفان مختلفان في المعنى فلا ينصبهما عامل واحد، والعامل الثاني معطوف على الأول، وكلاهما خبر عن "أنت"، قاله الموضح في الحواشي.
"و" المستفهم عنه نحو: ""أأنت سيرًا"" والتقدير: أأنت تسير سيرًا، نص عليه سيبويه3، ووجهه أن الفعل شديد المطلوبية للاستفهام، ومعنى الاستفهام الطالب للفعل قائم مقام التكرير، وجوز في المعنى أن يكون العامل المحذوف وصفًا وهو غير مناسب هنا؛ لأن الكلام في قيام المصدر مقام فعله، فليتأمل.
واقتصر الناظم على المكر والمحصور فقال:
__________
1 الكتاب 1/ 336.
2 شرح ابن الناظم ص195، والارتشاف 2/ 214، والكتاب 1/ 335-340.
3 الكتاب 1/ 399.(1/504)
294- كذا مكرر وذو حصر ورد نائب فعل لاسم عين استند
فإن لم يكن المصدر مكررًا ولا محصورًا ولا مستفهما عنه ولا معطوفًا عليه لم يجب إضمار عامله نحو: "أنت تسير سيرًا" وإن شئت حذفته، فقلت: "أنت سيرًا", ولو كان العامل خبرًا عن اسم معنى لم يحتج إلى إضمار فعل، بل يتعين رفع المصدر على الخبرية، نحو "إنما سيرك سير البريد" بخلاف كونه خبرا عن اسم عين كما تقدم فإن ذلك يؤمن معه اعتقاد الخبرية، إذ المعنى لا يخبر به عن العين إلا مجازًا كقوله: [من البسيط]
400- .............. فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار، قاله في شرح الكافية1.
المسألة "الرابعة: أن يكون المصدر مؤكدًا لنفسه"، "أو" مؤكدا "لغيره، فالأول"؛ وهو المؤكد لنفسه، هو "الواقع" بعد جملة هي نص في معناه، نحو:
296- ......... له علي ألف عرفا ................................
أي: اعترافًا" فجملة "له علي ألف" نص في الاعتراف؛ لأنها لا تحتمل غيره: وسمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة ما قبله، فكأن الذي قبله نفسه.
"والثاني"؛ وهو المؤكد لغيره؛ هو "الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره"، ويقع منكرًا ومعرفًا، فالأول نحو: "زيد ابني حقا"، فجملة "زيد ابني" تحتمل الحقيقة والمجاز، ولكنها صارت نصا بالمصدر؛ لأن قولك: "حقا" يرفع المجاز ويثبت الحقيقة، وسمي مؤكدًا لغيره؛ لأنه يجعل ما قبله نصا بعد أن كان محتملًا، فهو مؤثر، والمؤكد به متأثر، والمؤثر غير المتأثر. "و" الثاني قسمان: ما هو جائز التعريف، وما هو واجبه، فالأول نحو: "هذا زيد الحق لا الباطل" فجملة "هذا زيد" تحتمل الصدق والكذب، فإذا قلت: "الحق"، فقد حققت أحد الاحتمالين، فرفعت الاحتمال الآخر، وكأنك قلت: أحق ذلك الحق أو حقا، فإن كان المخاطب يعتقد خلاف ما ذكرت، وأردت قصر القلب
__________
400- صدر البيت: "ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت"
وهو للخنساء في ديوانها ص383، والأشباه والنظائر 1/ 198، وخزانة الأدب 1/ 431، 2/ 34، وشرح أبيات سيبويه 1/ 282، والشعر والشعراء 1/ 354، والكتاب 1/ 337، ولسان العرب 7/ 305، "رهط" 11/ 538 "قبل" 14/ 410 "سوا"، والمقتضب 4/ 305 والمنصف 1/ 197، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 387، 4/ 68، وشرح الأشموني 1/ 213، وشرح المفصل 1/ 115، والمحتسب 2/ 43، وشرح التسهيل 1/ 324.
1 شرح الكافية الشافية 2/ 665, 666.(1/505)
قلت: "لا الباطل" بالنصب عطفًا على "الحق". "و" الثاني: "لا أفعل كذا البتة"، فجملة "لا أفعل كذا" تحتمل استمرار النفي وانقطاعه، فإذا قلت: "البتة" حققت استمرار النفي، ورفعت انقطاعه. و"البت": القطع، يقال: "لا أفعله البتة" لكل أمر لا رجعة فيه، قاله في الصحاح، و"أل" في "البتة" لازمة الذكر، قاله الموضح في الحواشي. وفي حاشية العلامة عبد القادر المكي على هذا الكتاب يقال: لا أفعله بتة والبتة أي: بتتة بتة والبتة. وفي الباب1: لم يسمع في "ألبتة" إلا قطع الهمزة، والقياس وصلها، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
295- ومنه ما يدعونه مؤكدا لنفسه أو غيره فالمبتدا
296- نحو له علي ألف عرفا والثاني كابني أنت حقا صرفا
المسألة "الخامسة: أن يكون" المصدر "فعلًا علاجيا تشبيهيا" واقعا "بعد جملة مشتملة عليه" أي: على اسم بمعناه؛ "و" مشتملة "على صاحبه" أي: المصدر؛ فهذه أربعة شروط، زاد المرادي شرطًا خامسًا، وهو: أن يكون ما اشتملت عليه الجملة غير صالح للعمل، "كـ: مررت فإذا له صوت صوت حمار2"، و: إذا له "بكاء بكاء ذات داهية"، فالمصدر الثاني فيهما فعل علاجي3، واقع بعد جملة، وهي: "له صوت" و"له بكاء", وتلك الجملة مشتملة على اسم بمعناه، وهو المصدر الأول، ومشتملة أيضًا على صاحب المصدر، وهو: "الها" في "له" ولا صلاحية للمصدر الأول للعمل في المصدر الثاني؛ لأنه لا يحل محله فعل، لا مع حرف مصدري، ولا بدونه؛ لأن المعنى يأبى ذلك؛ لأن المراد: أنك مررت به في حال تصويت وبكاء, لا أنه أحدث التصويت والبكاء عند مرورك به، وإذا لم يصلح للعمل فيه تعين أن يكون منصوبًا بفعل محذوف وجوبًا، لتضمن الكلام معنى الفعل؛ لأن معنى "إذا له صوت": هو يصوت، فاتجه انتصاب ما بعده لصحة تقدير الفعل مكانه.
قال سيبويه4: وإنما انتصب هذا؛ لأنك مررت به في حال تصويت، ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلًا منه، ولكنك لما قلت: "له صوت" علم أن ثم مصوتًا، فصار قولك: "له صوت"، بمنزلة قولك: "فإذا هو يصوت" فحمل المصدر الثاني على المعنى. ا. هـ.
__________
1 اللباب في علم الإعراب للإسفرائيني ص78.
2 شرح ابن الناظم ص196.
3 بعده في "ب": "لأنه من أفعال الجوارح".
4 الكتاب 1/ 356.(1/506)
ويجوز الرفع مع استيفاء الشروط على البدلية والصفة إن كان نكرة، ذكرهما سيبويه1، ويجوز أن يكون خبر المحذوف، وتمتنع الصفة إن كان معرفة، ولا يجوز إلا في الضرورة، قاله سيبويه1.
وقال الخليل2: تجوز الصفة أيضًا على تقدير: "مثل"، وهل3 الرفع والنصب متكافئان أو لا؟ فذهب ابن خروف إلى أن الرفع مرجوح؛ لأن الثاني ليس هو الأول، والنصب سالم من هذا المجاز، وذهب ابن عصفور إلى أنهما متكافئان؛ لأن في النصب التقدير، والأصل عدمه.
"ويجب الرفع في نحو" قولك: ""له ذكاء ذكاء الحكماء؛ لأنه"؛ أي: الذكاء؛ "فعل معنوي لا علاجي"، والمراد بالعلاجي: ما يحتاج في إحداثه إلى علاج بتحريك عضو من الأعضاء، كالضرب والشتم، والمعنوي بخلافه، كالعلم والذكاء وإنما وجب الرفع من غير العلاجي؛ لأنك إذا قلت: "له ذكاء"، فلست تريد أنه فعل شيئًا، بل أنه ذو ذكاء، فكان بمنزلة "له يد يد أسد"، فكما لا ينتصب "يد" فكذلك هذا.
ويجب الرفع أيضًا في نحو: "له صوت صوت حسن"؛ لأنه غير تشبيهي، "وفي نحو "صوته صوت حمار" لعدم تقدم الجملة"؛ لأن "صوته" مبتدأ، و"صوت حمار" خبره "وفي نحو: فإذا في الدار صوت صوت حمار، ونحو: فإذا عليه نوح نوح لحمام، لعدم تقدم صاحبه" فيهما، أما الأول؛ فلأن الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور للمصدر لا لصاحبه؛ وأما لثاني فلأن الضمير المجرور بـ"على" عليس عائدًا على صاحب النوح وإنما هو للمنوح عليه لا للنائح، فلم يتحقق فاعل الفعل المقدر الذي ينصب المصدر، "وربما نصب نحو هذين" المثالين، "لكن على الحال" من الضمير لا على المفعول المطلق؛ لأنه ليس منه.
"تنبيه: مثل: له صوت صوت حمار" في النصب على المفعول المطلق، "قوله"؛ وهو أبو كبير بالباء الموحدة المكسورة، واسمه عامر بن الحليس الهذلي يصف فرسًا: [من الكامل]
__________
1 الكتاب 1/ 361.
2 الكتاب 1/ 361، والارتشاف 2/ 217.
3 في "ب": "هذا".(1/507)
401- "ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل"
فـ"طي" مفعول مطلق، وناصبه محذوف تقديره: يطوي؛ "لأن ما قبله" هو:
ما إن يمس الأرض إلا منكب .........................
"بمنزلة: له طي" فهي جملة مشتملة على المصدر وعلى صاحبه، "قال سيبويه" بمعناه، ونصه1: صار "ما إن يمس الأرض" بمنزلة "له طي"، ا. هـ.
و"ما": نافية و"إن": زائدة، و"حرف الساق"، مرفوع بالعطف على "منكب"، والمعنى: أن هذا الفرس مضمر، قد بلغ في التضمير إلى حد لا تصل بطنه الأرض إذا اضطجع، وإنما يمس الأرض منه منكب وحرف الساق، وأراد بـ"طي المحمل" أنه مدمج الخلق كطي المحمل، وأن له تجافيًا كتجافي المحمل؛ بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وهو علاقة السيف. واقتصر في النظم على بعض شروط المسألة، وأحال بقية الشروط على المثال فقال:
297- كذاك ذو التشبيه بعد جمله كلي بكا بكاء ذات عضله
__________
401- البيت لأبي كبير الهذلي في شرح أشعار الهذليين 3/ 1074، والاقتضاب 340، وخزانة الأدب 8/ 194، وشرح أبيات سيبويه 1/ 324، وشرح التسهيل 2/ 191، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص90، وشرح شواهد الإيضاح ص147، وشرح شواهد المغني 1/ 227، والشعر والشعراء 2/ 676، والكتاب 1/ 359، والمقاصد النحوية 3/ 54، وللهذلي في الخصائص 2/ 309، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 217، والأشباه والنظائر 1/ 246، والإنصاف 1/ 230، وأوضح المسالك 2/ 224، والمقتضب 3/ 203، 232.
1 الكتاب 1/ 360.(1/508)
باب المفعول له
باب المفعول له:
"هذا باب المعفول له":
"ويسمى المفعول لأجله و" المفعول "من أجله"، وهو ما فعل لأجله فعل، "مثاله: جئت رغبة فيك"، فـ"رغبة": اسم، فعل لأجله فعل وهو المجيء، وحكمه النصب بشروط، "وجميع ما اشترطوا له خمسة أمور":
الأول: "كونه مصدرًا"؛ لأن النصب1 يشعر بالعلية، والذات لا تكون عللًا فلأفعال غالبًا؛ لأن العلل أحداث، والمصدر اسم للحدث، "فلا يجوز: جئتك السمن والعسل" بالنصب؛ لأنه اسم عين لا مصدر، وهذا الشرط "قاله الجمهور. وأجاز يونس" بن حبيب2: " أما العبيد" بالنصب "فذو عبيد" زاعما أن قومًا من العرب يقولون ذلك إذا وصف عندهم شخص شخصًا بعبيد وغيرهم, كالمنكرين عليه وصفه بغير العبيد، وتأول نصب "العبيد" على أنه مفعول له، وإن كان غير مصدر "بمعنى: مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد" لا غير، فـ"العبيد" علة للذكر "و" هذا النصب "أنكره سيبويه" وقبحه، وقال3: إنه لغة خبيثة قليلة، وإنما يجوز على ضعفه، إذا لم يرد عبيدا بأعيانهم، وأوله الزجاج على تقدير: أما تملك العبيد، أي: مهما يذكر شخص من أجل تملك العبيد فذو عبيد، وهذا كله مراعاة للمصدر.
"و" الشرط الثاني: "كونه قلبيا" أي: من أفعال النفس الباطنة "كالرغبة"؛ لأن العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل، والحامل على الشيء متقدم عليه، وأفعال الجوارح
__________
1 في "ط": "المصدر".
2 انظر الكتاب 1/ 389، والارتشاف 2/ 221.
3 الكتاب 1/ 389, 390، وانظر الارتشاف 2/ 221.(1/509)
ليست كذلك. "فلا يجوز: جئتك قراءة للعلم" من أفعال اللسان، "ولا: قتلًا للكافر" من أفعال اليد، وهذا الشرط "قاله ابن الخباز وغيره" كالرندي، ويجوز "إرادة قراءة العلم"، و"ابتغاء قتل الكافر"، وهذا الشرط مستغنى عنه بشرط اتحاد الزمان؛ لأن أفعال الجوارح لا تجتمع في الزمان مع الفعل المعلل1 قاله الشاطبي، "وأجاز الفارسي "جئتك ضرب زيد" أي: لتضرب زيدًا"، ويؤخذ منه أن الفارسي لا يشترط الاتحاد في الفاعل أيضًا؛ لأن فاعل المجيء غير فاعل الضرب، وهو مذهب ابن خروف كما سيأتي.
"و" الشرط الثالث: "كونه علة" لأنه الباعث على الفعل. واستشكل جعل العلية شرطًا؛ لأنها محل الشروط، ومحل الشروط لا يجعل شرطًا، وجوابه بأن هذه شروط لنصبه، لا لتحقيق ماهيته "عرضًا كان"؛ بفتح العين والراء المهملتين؛ وهو ما ليس حركة جسم من وصف غير ثابت، كما تقدم في باب التعدي واللزوم، فسقط ما قيل: إن الغرض؛ بالغين المعجمة؛ ما كان باعثًا على الفعل، ووجوده متأخرًا عنه، فلا يصح تمثيله بقوله: "كـ"رغبة"" بفتح الراء وسكون الغين المعجمة، وفتح الموحدة "أو غير عرض"، وهو ما كان جبليا من الأوصاف اللازمة. "كـ: قعد عن الحرب جبنا"، فإن الجبن وصف جبلي لازم.
"و" الشرط الرابع: "اتحاده بالمعلل به وقتا"، بأن يكون وقت الفعل المعلل؛ بفتح اللام الأولى؛ والمصدر المعلل؛ بكسرها واحدًا، وذلك صادق بأن يقع الحدث في بعض زمن المصدر كـ"جئتك رغبة" و"قعدت عن الحرب جبنًا" أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر نحو: "جئتك2 خوفًا من فرارك" أو بالعكس نحو "جئتك إصلاحًا لحالك"، فإن لم يتحدا وقتا امتنع النصب "فلا يجوز: تأهبت" اليوم "السفر" غدًا؛ لأن زمن التأهب غير زمن السفر. وهذا الشرط "قاله الأعلم" يوسف الشنتمري، "والمتأخرون" كالشلوبين، وقال تلميذه ابن الضائع؛ بإعجام الضاد وإهمال العين: لم يشترطه سيبويه، ولا أحد من المتقدمين، فعلى هذا يجوز "جئتك أمس طمعًا في معروفك الآن"3.
__________
1 في "ط": "المطلق".
2 في "ب", "ط": "حبستك".
3 انظر الارتشاف 2/ 221.(1/510)
"و" الشرط الخامس: "اتحاده بالمعلل به فاعلا"، بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحدًا، كقوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقر: 19] فـ"الحذر" مصدر، ذكر علة لجعل الأصابع في الآذان، وفاعل "الجعل" و"الحذر" واحد، وهم الكفار، فإن اختلف الفاعلان امتنع النصب "فلا يجوز: جئتك محبتك إياي"؛ لأن فاعل "المجيء" المتكلم، وفاعل "المحبة" المخاطب، وهذا الشرط "قاله المتأخرون أيضًا، وخالفهم ابن خروف" فأجاز النصب مع اختلاف الفاعل محتجا بنحو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12]. ففاعل "الإراءة" هو الله تعالى، وفاعل "الخوف" و"الطمع" المخاطبون، وأجاب عنه ابن مالك في شرح التسهيل فقال: معنى يريكم يجعلكم ترون، ففاعل الرؤية على هذا هو فاعل الخوف والطمع، وقيل هو على حذف مضاف، أي: إراءة الخوف والطمع. وجعل الزمخشري الخوف والطمع حالين1، واقتصر في النظم على بعض الشروط، ووكل الباقي إلى المثال فقال:
298- ينصب مفعولًا له المصدر إن أبان تعليلًا كجد شكرا ودن
299- وهو بما يعمل فيه متحد وقتا وفاعلا ................
وبقي عليه شروط ماهية المفعول له، وقد ذكرها أبو البقاء في شرح اللمع لابن جني فقال: وللمفعول له شروط:
أحدها: أن يصلح في جواب "لِمَ".
الثاني: أن يصلح جعله خبرًا عن الفعل العامل فيه، كقولك: "زرتك طمعا في برك"، أي: الذي حملني على زيارتك الطمع، أو مبتدأ، كقولك: "الطمع حملني على زيارتي إياك".
الثالث: أن يصح تقديره باللام.
الرابع: أن يكون العامل فيه من غير لفظه، فلا يجوز أن تجعل زيارة في قولك: "زرتك زيارة" مفعولًا له؛ لأن المصدر هو الفعل في المعنى، والشيء لا يكون علة لوجود نفسه. ا. هـ.
"ومتى فقد المعلل" بكسر اللام الأولى؛ من شروط جواز النصب "شرطًا منها وجب عند من اعتبر ذلك الشرط أن يجره بحرف التعليل" وهو أربعة: "اللام، والباء
__________
1 الكشاف 2/ 282.(1/511)
وفي، ومن" واقتصر في النظم على "اللام"؛ لأنها الأصل، فقال:
299- .................. ............ وإن شرط فقد
300- فاجرره بالحرف .......... ..................................
"ففاقد" الشرط "الأول" وهو المصدرية "نحو: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام}" [الرحمن: 10] فـ"الأنام" علة "للوضع"، وليس مصدرًا، فلذلك جر باللام.
"و" فاقد الشرط "الثاني" وهو القلبية "نحو: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] فـ"إملاق" وهو الفقر علة للقتل، وهو ليس قلبيا، فلذلك خفض بـ"من" التعليلية، "بخلاف" {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ "خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ"} [الإسراء: 31] فـ"الخشية" مصدر قلبي, فلذلك جاء منصوبًا.
وفاقد الشرط الثالث وهو كونه علة نحو: "قتلته صبرًا" فيمتنع جره؛ لأن الجر بحرف التعليل يفيد العلية، والغرض عدمها, فلذلك أسقطه.
"و" فاقد الشرط "الرابع" وهو الاتحاد في الوقت "نحو" قول امرئ القيس الكندي: [من الطويل]
402- "فجئت وقد نضت لنوم ثيابها" لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فالنوم وإن كان علة لخلع الثياب لكن وقت الخلع سابق على وقت النوم، فلما اختلفا في الوقت جر باللام، و"نضت" بتخفيف الضاد المعجمة من النضو، وهو الخلع، و"لبسة" بكسر اللام: هيئة من اللبس، و"المتفضل": هو الذي يبقى في ثوب واحد. والمعنى: جئت إليها في حال خلع ثيابها لأجل النوم، ولم يبق عليها إلا ثوب واحد تتوشح به.
"و" فاقد الشرط "الخامس" وهو الاتحاد في الفاعل، "نحو" قول أبي صخر الهذلي: [من الطويل]
403- "وإني لتعروني لذكراك هزة" كما انتفض العصفور بلله القطر
__________
402- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص14، والارتشاف 2/ 223، 369، والدرر 1/ 421، وشرح شذور الذهب ص228، وشرح التسهيل 2/ 196، 374، وشرح عمدة الحافظ ص453، ولسان العرب 15/ 329 "نضا" وتاج العروس "فضل"، "نضا" وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 226، والدرر 1/ 518، ورصف المباني ص223، وشرح الأشموني 1/ 206، وشرح قطر الندى ص227، والمقرب 1/ 161، وهمع الهوامع 1/ 194، 247.
403- البيت لأبي صخر الهذلي في الأغاني 5/ 169, 170، والإنصاف 1/ 253، وخزانة الأدب 3/ 254، 257، 260، والدرر 1/ 422، وشرح أشعار الهذليين 2/ 957، واللسان 2/ 155، "رمث" والمقاصد النحوية 3/ 67، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 222، والأشباه والنظائر 7/ 29، وأمالي ابن الحاجب 2/ 646، 648، وأوضح المسالك 2/ 227، وشرح ابن الناظم ص262، وشرح الأشموني 1/ 216 وشرح التسهيل 2/ 196، 372، وشرح شذور الذهب ص229، وشرح ابن عقيل 2/ 20، وشرح قطر الندى ص228، وشرح الكافية الشافية 2/ 803، وشرح المفصل 2/ 67، والمقرب 1/ 162، وهمع الهوامع 1/ 194.(1/512)
فالذكرى علة عرو الهزة، وفاعلها مختلف ففاعل العرو الهزة، وفاعل الذكرى هو المتكلم؛ لأن المعنى لذكري إياك، فلذلك جر باللام. و"الهزة" بالكسر: النشاط والارتياح.
"وقد انتفى الاتحادان" معا وهما اتحاد الوقت واتحاد الفاعل "في: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}" [الإسراء: 78] ففاعل القيام المخاطب، وفاعل الدلوك هو الشمس، وزمنهما مختلف فزمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك فلذلك جر بلام التعليل.
وقال في المغني1: اللام في "لدلوك" بمعنى "بعد" فظاهره التخالف، والدلوك: الميل، يقال دلكت الشمس دلوكا إذا مالت عن وسط السماء.
"ويجوز جر المستوفي للشروط" وإلى ذلك يشير قول الناظم:
300- .............. وليس يمتنع مع الشروط......................
"بكثرة إن كان" مقرونا "بـ"أل" وبقلة إن كان مجردًا" منها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
301- وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل......
"وشاهد القليل فيهما" أي: في المقرون بـ"أل" والمجرد منها "قوله": [من الرجز]
404- "لا أقعد الجبن عن الهيجاء" ولو توالت زمر الأعداء
فـ"الجبن" مفعول له، وهو مقرون بـ"أل"، وجاء منصوبًا على قلة، والأكثر فيه أن يكون مجرورًا. "وقوله": [من الرجز]
405- "من أمكم لرغبة فيكم جبر" ومن تكونوا ناصريه ينتصر
فـ"رغبة" مفعول له وهو مجرد من "أل" وجاء مجرورًا، وفيه رد على الجزولي في منعه
__________
1 مغني اللبيب ص281.
404- الرجز بلا نسبة في الارتشاف 2/ 224، والدرر 1/ 422، وشرح الأشموني 1/ 217، وشرح التسهيل 2/ 198، وشرح ابن عقيل 1/ 298، 299، وشرح عمدة الحافظ ص398، وشرح الكافية الشافية 2/ 672، وعمدة الحافظ "هيج"، والمقاصد النحوية 3/ 67، وهمع الهوامع 1/ 195.
405- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 229، وشرح الأشموني 1/ 217، وشرح عمدة الحافظ ص399، والمقاصد النحوية 3/ 70.(1/513)
الجر، والأكثر فيه أن يكون منصوبًا، وإنما كان جرا لمجرد قليلا بخلاف المقرون بـ"أل"؛ لأنه أشبه الحال لما فيه من البيان وكونه نكرة، وشاهد الكثير قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56].
"و" النصب والجر "يستويان في المضاف"، فالنصب "نحو: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة: 265] فـ"ابتغاء": مفعول له، هو مضاف منصوب "و" الجر "نحو: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74] أي: لأجل خشية الله، فـ"خشية" مفعول له، وهو مضاف مجرور. "قيل ومثله" في جر المفعول له المضاف "{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}" [قريش: 1] فـ"إيلاف" مفعول له مضاف مجرور باللام وهي متعلقة بـ"يعبدوا" "أي: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3] لإيلافهم الرحلتين" رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، ودخلت "الفاء" لما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: أن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل إيلافهم رحلة الشتاء والصيف اللتين كانوا محترمين فيهما؛ لأنهم خدمة بيت الله، بخلاف غيرهم فإنهم يخاف عليهم من القطاع والمنتهبين.
"والحرف" الجار "في هذه الآية واجب عند من اشترط" في نصب المفعول له "اتحاد الزمان" وهو الأعلم والمتأخرون؛ لأن زمن الإيلاف1 سابق على زمن الأمر بالعبادة؛ ولأن زمن العبادة مستقبل، وزمن الإيلاف ثابت في الحال. وقال الكسائي والأخفش2: "اللام" في "لإيلاف" متعلقة بـ"اعجبوا" مقدرًا، وقال الزجاج3: متعلقة بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] فتكون السورتان سورة واحدة، ويرجحه أنهما في مصحف أبي سورة واحدة، ويضعفه أن جعلهم كعصف إنما كان لكفرهم أو جرأتهم على البيت، والله أعلم بكتابه.
واختلف في ناصب المفعول له، فقال جمهور البصريين: منصوب بالفعل على تقدير لام العلة، وخالفهم الزجاج والكوفيون فزعموا أنه مفعول مطلق، ثم اختلفوا فقال الزجاج: ناصبه فعل مقدر من لفظه، والتقدير: جئتك أكرمك إكراما، وقال الكوفيون: ناصبه الفعل المقدم عليه؛ لأنه ملاق له في المعنى، وإن خالفه في الاشتقاق، مثل "قعدت جلوسًا"4.
__________
1 في "أ"، "ب": "لائتلاف".
2 البحر المحيط 8/ 514.
3 معاني القرآن وإعرابه 5/ 365.
4 انظر رأي البصريين والكوفيين في الارتشاف 2/ 221، وهمع الهوامع 1/ 194, 195.(1/514)