{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[الممتحنة: 12]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الشيخ/ أ.د. صالح بن غانم السدلان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد اطَّلعت على هذه الرسالة التوجيهيه (همسة للغالية)، والتي أعدتها الأخت في الله: سعاد محمد فرج، فوجدتها – على اختصارها – نافعة ومفيدة لمن قرأها وتأمل ما فيها وعمل بها، خاصةً وأنها قد ركَّزت على تناول بعض الأمور المحرمة التي جاءت في سياق تحذير الواقع فيها من غضب الله وعقوبته.
وقد أحسنت الكاتبة في حصرها تلك المحذورات التي تتعلق بالمرأة كيما يحذرها جنسها ويجتنبنها:
وهذه الرسالة مفيدة للقراءة الفردية وللقراءة في مجالس النساء؛ لما اشتملت عليه من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وجملة نافعة من كلام أهل العلم في تفسير وشرح تلك الآيات والأحاديث.
شكر الله للكاتبة جهدها وبارك فيه ونفع به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه
أ.د. صالح بن غانم السدلان
أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بالرياض
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:(1/1)
فإنَّ من القضايا الحساسة التي نالت مساحة واسعة من البحث والمدارسة واتُّخذت تِكأةً نحو عدد من المقاصد.. من تلك القضايا: قضية المرأة.. فهي قضية ولا قضية؛ قضية عندما حِيدَ بها عن نهج الإسلام، ولا قضية إذا ارتُسم فيها منهاج الشريعة المحكمة؛ ذلك أنها حينئذ لها كلُّ الأمن والهُدَى.. الأمن بكل معانيه.. والهُدَى الذي لا ضلال بعده.
وفي ضوء ذلك أدرك أعداء الإسلام دور المرأة في تنشئة الأجيال وعلموا أن فساد المرأة وتحللها إفسادٌ للمجتمع كله، فكادوا لها المكائد، وتربصوا بها الدوائر؛ لأنهم يريدون أن تكون المرأة المسلمة أداةَ تدمير للدين الإسلامي.
وبرغم ما خطط له أعداء أمة الإسلام للمرأة، فإن تَوَقِّيِ ذلك وعلاج ما وقع منه لا يزال ممكنًا بحمد الله.
ومن سُبُل العلاج إشاعةُ الوعي الإسلامي بين النساء؛ وبالذات الأحكام الخاصة بالمرأة.
وقيامًا بشيء من الواجب في ذلك: فهذه رسالة أودعت في طياتها المحبة والمودة والإخلاص والتحية من القلب، وتحمل في ثناياها أريج الأخوة الصادقة؛ لتصل إلى نفوس أبيَّة وهِمم عالية، فأثمر ذلك هذه المشاعر الفياضة والهمسات الحانية لكل غالية؛ لتصل إليهن نديَّة فواحة مع أطيب وألطف نسمة وأصدق دعوة.
ولدى مخالطتي لكثير من أخواتي الطيبات لاحظت وقوع عددٍ منهنَّ في أعمال محرمةٍ جاء الشرع بالنهي عنها، بل إن من تلك الأعمال ما جاءت النصوص الشرعية مصرحَّة بلعن الواقعة فيه.
وقد كنتُ أعجب وأعجب من كون أولئك الأخوات الواقعات في تلك الأمور المحرمات على جانب من الثقافة والأخلاق الاجتماعية الطيبة.
فحملني ذلك على أن أجمع بعض النصوص الشرعية الواردة في التحذير من أعمال يكثر من النساء الوقوع فيها مما جاء التصريح فيها بلعن فاعلته.(1/2)
وإني لأسأل الله تعالى أن يسلمني وذريتي وأهلي وأخواتي المسلمات من كل بلاء وفتنة، وأن يباعد بيننا وبين أسباب عقوبته وسخطه، وأن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* * * *
تعريف اللعن
التعريف اللغوي: اللعن: هو الإبعادِ والطرد من الخير. وقيل: اللعن إن كان من الله فهو الطرد والإبعاد، وإذا صدر من الخلق فمعناه السَّبُّ واللعن (1) .
التعريف الشرعي: اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وهو جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ فمن لَعَنَهُ الله فقد طرده من رحمته واستحق عذابه (2) .
والأعمال التي لُعِنَ أهلها من أشد المحرمات التي حرمها الله والكبائر التي توعد فاعلها أشد وعيد، وأحاديث اللعن أفادت حكم التحريم والوعيد.
* * * *
المتشبهات بالرجال
أخرج الإمام البخاري في «صحيحه» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» (3) .
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل» (4) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تخص النساء ولا العكس، وظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة أن المراد بالتشبه في الزي وبعض الصفات والحركات الأخرى، لا التشبه في أمر الخير، وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصدٍ مختار حرام اتفاقًا (5) .
__________
(1) ينظر: «لسان العرب» (13/387).
(2) «مرويات اللعن في السنة» للدكتور باسم الجوابرة (ص15).
(3) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (10/408).
(4) «شرح سنن أبي داود» (11/157).
(5) «فح الباري» (10/332-333).(1/3)
أختي الكريمة: أنت أمل هذه الأمة – بعد توفيق الله سبحانه ؛ فعليك تُعلق الآمال وترجَّى الخيرات؛ فبصلاحك يصلح المجتمع كله، وتسعد الأجيال المتلاحقة بإذن الله، وبانحرافك ينهار كيان الأمة ويعمها الضلال.
ولأجل هذا وذاك: دأب المفسدون في الأرض على التخطيط لإفسادك وانحرافك، إنهم يهتفون لك بالموضات.. وبالتحرر.. بالأزياء المتهتكة، بالفن العفن والزينة المحرمة، وبكل ما يغري أنوثتك، ويستجيش مشاعرك نحو الحرام، ويشغل فكرك بالأسماء البراقة، والكلمات المعسولة، وكلها شراكٌ خبيثة، ومصائد مسمومة، تفتك بِعِفَّتِك وتخدش حياءك وتدنس عرضك وتزعزع عقيدتك، ثم تذبح إنسانيتك، وبعد ذلك يلقون بك في أوحال الرذيلة، ومستنقعات الجريمة وهُوة الدمار (1) .
* * * *
الواصلة والمستوصلة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة» (2) .
جاء في النهاية لابن الأثير: الواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر آخر زورٍ.
والمستوصلة: هي التي تأمر من يفعل بها ذلك (3) .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: الواصلة: هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى؛ لتكثر به شعر المرأة.
والمستوصلة: هي التي تستدعي أن يُفعل بها ذلك (4) .
قال فقهاء الحديث وشُراحه: دلت أحاديث وصل الشعر على تحريم وصل الشعر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن فاعله، وطالبه، ولا يجوز لعن المباح، فكان اللعن من دلالات تحريم الشيء الذي لعن فاعله (5) .
__________
(1) انظري: «النساء والموضة والأزياء» للشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع (ص5).
(2) رواه البخاري في «صحيحه» برقم (5032) ومسلم في صحيحه برقم (2124).
(3) (5/192).
(4) (6/191).
(5) ينظر: «المغني» لابن قدامة (1/93)، نيل الأوطار للشوكاني (6/191).(1/4)
وقد جاء في حديث خرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «صنفان من أهل النار لم أرهما... ونساء كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البُخت» (1) .
قال الإمام النووي: «يعني يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما، وفي الحديث ذم ذلك».
وقال القرطبي: «البخت جمع بُختية وهي ضرب من الإبل عظام الأسنمة، وهي جمع سنام، وهو أعلى ما في ظهر الجمل، شبه رؤوسهن بها، لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن تزينًا وتصنعًا، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن» (2) .
أختي الكريمة: هذا الحديث يعد من المعجزات النبوية؛ فقد وجدنا في عصرنا الحديث الكاسيات العاريات اللاتي هن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة؛ لما يلبسنه من الثياب الرقيقة الضيقة واللاتي يعظمن ويكبرن رؤوسهن (بالباروكة) ونحوها (3) .
* * * *
النامصة والمتنمصة
أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله...» (4) .
جاء في «النهاية» لابن الأثير: النامصة: هي التي تنتف الشعر من وجهها.
والمتنمصة: هي التي تأمر من يفعل ذلك بها (5) .
وقال ابن حجر العسقلاني: المتنمصة: هي التي تطلب النماص.
والنامصة: هي التي تفعله. والنمص: إزالة شعر الوجه بالمنقاش. ويسمى المنقاش منماصًا لذلك. ويقال: إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما (6) .
فسَّر أبو داود النمص بإزالة شعر الحاجبين، فقال في سننه: النامصة: هي التي تنقش الحاجب حتى ترقه.
__________
(1) «صحيح مسلم» (2128).
(2) «صحيح مسلم بشرح النووي» (14/104-105).
(3) «المفصل في أحكام المرأة» (3/381) للدكتور عبد الكريم زيدان.
(4) رواه البخاري (4604)، ومسلم (2125).
(5) (5/119).
(6) «فتح الباري» (10/461).(1/5)
والمتنمصة: هي المعمول بها (1) . ومعنى: تنقش الحاجب أي تخرج شعره بالمنقاش؛ فقد جاء في لسان العرب: النقش: النتف بالمنقاش (2) . وقول أبي داود: حتى ترقه. يقتضي أنها تنقش جانبي الحاجب حتى يرق.
قال أهل العلم: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص؛ التماسَ الحُسن؛ لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه (3) .
وبهذا يُعلم أن ترقيق الحاجبين بنتفهما أو نتف جوانبهما، كل ذلك لا يجوز؛ لأن النهي يشملهما؛ فإن اللعن لا يكون على فعل مباح بل على حرام.
قال العلماء: ويستثني من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية؛ كمن يكون لها سنٌّ زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك (4) .
أختي المسلمة: هذا لا يعني أن المرأة لا تكون صالحة ولا عاقلة إلا إذا عزفت عن مظاهر الزينة؛ كلا، بل إن المرأة الحصيفة تأخذ حظها من الزينة والحلي، ولكن كل ذلك على هدى من دينها؛ فذات الدين تحرص كل الحرص على أن يكون جمالها وزينتها قد بلغا الذروة أمام زوجها، كما جاء وصف الزوجة في الحديث الصحيح أن الزوج «إذا نظر إليها سَرَّتْهُ» (5) .
* * * *
الوشم والوشر
روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله...» (6) .
__________
(1) «شرح سنن أبي داود» (11/228).
(2) «لسان العرب» (9/15).
(3) ينظر: «فتح الباري» (10/462) ففيه تفصيل مفيد.
(4) «فتح الباري» (10/462).
(5) «النساء والموضة والأزياء» (ص9).
(6) «صحيح البخاري» (4604)، و «صحيح مسلم» (2125).(1/6)
الوشم: هو غرز إبرة ونحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم يُحشى ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر، وفاعلة ذلك تسمى واشمة، والمفعول بها تسمى موشمة؛ فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة (1) .
الوشر: هو تحديد الأسنان وتدقيق أطرافها، وتفعله المرأة الكبيرة لكي تتشبه بالشابات وتسمى الواشرة، وأما المؤتشرة فهي التي تأمر من يفعل بها ذلك (2) .
المتفلجة: هي التي تفعل الفلج في أسنانها.
والفلج: فرجة بين الثنايا والرباعيات من الأسنان؛ بأن تبرد ما بين أسنانها، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربها في السن؛ تظاهرًا بصغر السن وحسن الأسنان؛ لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للشابات، فتوهم الآخرين أنها شابة، وهذا الصنيع يقال له أيضًا: الوشر، ومنه الحديث: «لعن الله الواشرة والمستوشرة» (3) .
قال الإمام الخطابي: وإنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء ؛ الوشم والوشر والوصل والنمص – لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش، ولما فيها من تغيير الخلقة، وإلى ذلك الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله: «المغيرات خلق الله» والله أعلم (4) .
__________
(1) «النهاية» (5/189)، «شرح صحيح مسلم» (12/106).
(2) «النهاية» (5/188).
(3) «شرح صحيح مسلم» (12/106-107)، «تفسير القرطبي» (5/393)، «عون المعبود» (11/226).
(4) «فتح الباري» (10/465).(1/7)
قال الإمام النووي رحمه الله: وقد يفعل – أي الوشم – بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ولا تأثم البنت؛ لعدم تكليفها حينئذٍ. والموضع الذي وشم يصير نجسًا، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته، وإن لم يمكن إلا بالجرح؛ فإن خافت منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإن لم يخف شيء من ذلك ونحوه لزمه إزالته ويعصى بتأخيره. وسواء في هذا كله الرجل والمرأة (1) .
أختي المسلمة: ينبغي على الموشومة أن تسارع إلى إزالة الوشم وتتوب إلى الله من فعله إلا إذا خافت الضرر الفاحش من إزالته، فتكتفي بالتوبة إلى الله مما فعلته كما هو ظاهرٌ من الكلام المتقدم.
* * * *
زيارة النساء للقبور
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لعن زوارات القبور» (2) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» (3) .
قال المنذري: قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور نهيًا عامًا للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها واستمر النهي في حق النساء.
وقولُ المحققين من أهل العلم: نهى النساء عن زيارة القبور، وإليه ذهب علماء أهل الحديث؛ لما ينشأ عنه من الصياح وشق للجيوب ونحو ذلك.
__________
(1) «صحيح مسلم بشرح النووي» (14/106).
(2) رواه الترمذي (2/259).
(3) رواه الترمذي (1/201)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (5/23).(1/8)
أختي الغالية: وعند التأمل في واقع المسلمين في مختلف أوطانهم فإن الملاحظ هو أن عين ما حذَّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشرك ومبادئه واقع في كثير من بلاد المسلمين؛ فثمة الأضرحة والمزارات الشركية التي اعتادها روادها وحسبوها من شريعة الإسلام؛ فهي تُدعى من دون الله ويُسال أصحابُها – وبخاصة النساء – أنواع الحاجات، وتقدم لها النذور وغير ذلك من الأمور المنكرة.
* * * *
هجر فراش الزوج
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح» (1) .
قال ابن أبي حمزة: الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع؛ أي لمن يطأ في الفراش، وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلاً؛ لقوله: «حتى تصبح». وكأن السر تأكُّد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وإنما خص الليل بالذكر لأنها المظنة لذلك.
وفي الحديث دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - خوف بذلك، وفيه الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته، وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة، ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك، والسبب فيه الحض على التناسل، وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته؛ جزاءً على مراعاته لعبده؛ حيث لم يترك شيئًا من حقوقه إلا جعل له من يقوم به حتى جعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوةٍ من شهواته، فعلى العبد أن يوفِّيَ حقوق ربه التي طلبها منه، وإلا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان (2) .
__________
(1) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (6/385).
(2) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (9/367-368).(1/9)
هذا إن بات الزوج غضبانا عليها تلعنها الملائكة؛ بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك؛ فإنه يكون إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك (1) .
* * * *
همسة للغالية
أفيقي أيتها الغالية... أفيقي من غفلتك...!
أما آن لك أن يخشع قلبك لذكر الله وما نزل من الحق، قبل أن لا تتمكني اتباع الحق، حتى ولو ظهر لك؛ فإن القلب إذا كثرت عليه المعاصي مرض ثم مات، يقول الله تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} (2) .
يا غالية... إن الشيطان يزين للناس الباطل ويغرهم بزخرفه؛ فهو حريصٌ أشد الحرص على أن يستدرج المسلمة وينقلها من الحجاب إلى السفور والتعرِّي.
ومن الستر إلى الفضيحة.
ومن الحياء والعفة إلى الفجور والوقاحة.
لقد ميزك الله بحجابك وجعلك حرة حتى تُعرفي بالعفاف فلا تتعرضي للأذى... فأبى كثيرٌ من النساء إلا أن يَكُنَّ جوارٍ سافرات وشبه عاريات، فدعونَ بذلك الرجال ليتعرضوا لَهُن بالأذى بالنظرات والكلمات والمعاكسات وغير ذلك، فهل آن الأوان لكي يَسمعنَ الحق ويَتبِعنه؛ حتى يؤدي بهن إلى الجنة، وينجون من أن يكنَّ من النساء اللاتي هن أكثر أهل النار! أمَّا تلك التي فرَّطت في حجابها وحشمتها وسترها فنقول لها:
هل آن الأوان لتعودي إلى حجابك وسترك وحيائك؟ لا تفقدي الأمل؛ فما زالت الفرصة سانحة أمامك للعودة إلى الحق والنجاة من النار، وما زال باب التوبة مفتوحا أمامك ما دمت تتنفسين، وما دامت الروح في جسدك.
فماذا تنتظرين؟! أتنتظرين الموت ومجيء الملائكة لتقبض روحك وعندها لا ينفع الندم؟!
يا غالية... هل تنتظرين أن تموتي ثم تقولي: رب ارجعون؛ لعلي أعمل صالحًا فيما تركت؟!
__________
(1) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (9/367).
(2) سورة الأنفال، الآية: 24.(1/10)
أتذهبين إلى الشارع والأسواق وأنت تلبسين آخر صرعات الموضة وأحدث الموديلات التي تكشف عن أجزاء من جسمك! أم تلبسين الحجاب وتلتزمين الأدب والحياء في خروجك الضروري؟!
فلماذا لا تكوني هكذا في يومك الذي تعيشين فيه الآن؟! فربما اليوم أو غدًا موعد موتك؟!
فعُمرك يا غالية ليس إلا هذه الأوقات التي تنقضي كل يوم... وكل يوم يمر من حياتك تكونين قد اقتربت من موعد موتك، والله عز وجل يقول: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ... } (1) إنه يوم موتك، يوم عودتك إلى الله الواحد القهار، إنها تلك اللحظة التي تلقين فيها آخر النظرات على البنين والبنات والإخوة والأخوات.
إنها اللحظة التي تلقين فيها آخر النظرات على هذه الدنيا وتبدو على وجهك معالم السكرات وتخرج من صميم قلبك الآهات والزفرات.
إنها اللحظة التي لو كنتِ كافرةً لآمنتِ ولو كنت فاجرة لأيقنتِ.
إنها اللحظة التي تعرفين فيها حقارة الدنيا.
إنها اللحظة التي تحسين فيها بالحسرة والألم على كل لحظة فرطت فيها في جنب الله، تنادين ربكِ: ربي.. لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين.
إنها اللحظة الحاسمة التي يجيء فيها ملك الموت حتى يجلس عند رأسك لكي ينادي... فيا ليت شعري هل ينادي نداء النعيم أم ينادي نداء الجحيم؟!
ألا ليت شعري هل يقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان؟! أم يقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب؟!
ألا ليت شعري هل تخرج نفسك فتسيل كما تسيل القطرة من فَيِّ السقاء؟! أم تفرق من جسدك فينتزعها ملك الموت كما ينتزع السفود من الصوف المبلول؟!
ألا ليت شعري.. هل يخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض؟! أم يخرج كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض؟!
ألا ليت شعري: هل تقول الملائكة: ما هذا الروح الطيب؟! أم تقول: ما هذا الروح الخبيث؟!
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 281.(1/11)
ألا ليت شعري هل يقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين؟! أم يقول: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى؟!
ألا ليت شعري.. هل ينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة؟! أم ينادي أن كذب عبدي، فافرشوه من النار، وافتحوا له بابًا من النار؟!
عزيزتي الغالية: أما سمعت قوله تبارك وتعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (1) ، فعودي إلى الله، توبي إلى الله توبةً نصوحًا؛ عسى ربك يكفر عنك سيئاتك ويُدخلكِ جنات تجري من تحتها الأنهار (2) .
* * * *
نداء... لأولياء أمور النساء
__________
(1) سورة الزمر، الآية: 53.
(2) انظري: كتاب «التعري الشيطاني» للأستاذ/ عدنان الطرشة (181) بتصرف.(1/12)
أوجه ندائي إلى أولياء أمور النساء أنه إذا رأى زوجته أو ابنته أو أخته قد انحرفت عن الطريق المستقيم، فليسارع إلى الوقوف في وجهها وليردها إلى الطريق المستقيم إن كان يتقي الله ويخشاه ويحرص على وقاية نفسه وأهله من النار، كما أمره الله عز وجل بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (1) ؛ فالمرأة لا تُترك لنفسها ثم يأتي ولي أمرها بعد حين يريد إصلاحها عندما يرى أنها قد انحرفت عن الطريق المستقيم؛ لأن الانحراف يكون قد ضخم، ولن ينفع الإصلاح والتقويم بعد ذلك؛ فالنار تطفأ فور اشتعالها وبذلك تكون النجاة، أما تركها تستعر وتنتشر فسيصعب مقاومتها وستأكل الأخضر واليابس، فعلى ولي الأمر أن لا يقول بأنها جيدة أو أنها قد صارت بمستوى لا تحتاج فيه إلى مزيد من التربية؛ فيتركها ويهمل رعايتها لها؛ لأن المرأة- أي امرأة- تحتاج دائمًا إلى الرعاية والعناية والتعليم والإرشاد والتوجيه واستمرارها التربية الإسلامية لها مدى الحياة من قبل ولي أمرها، وتقويمها أولاً بأول عند ظهور أي انحراف أو اعوجاج؛ فهو مع القيام بكل ذلك يظل يرى منها كأنه يجرها إلى الجنة بالسلاسل وهي لا تريد الدخول؛ كأنها داخلة إلى النار لا إلى الجنة، فكيف لو لم يفعل ذلك!
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينجي أزواجنا وبناتنا وأبنائنا وأخواتنا ونساءنا جميعًا من النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أم عبد الرحمن
الرياض، غرة المحرم من عام 1421هـ.
* * * *
الفهرس
مقدمة الشيخ/ أ.د. صالح بن غانم السدلان ... 6
المقدمة ... 6
تعريف اللعن ... 6
التعريف اللغوي: ... 6
التعريف الشرعي: ... 6
المتشبهات بالرجال ... 6
الواصلة والمستوصلة ... 6
النامصة والمتنمصة ... 6
زيارة النساء للقبور ... 6
هجر فراش الزوج ... 6
همسة للغالية ... 6
نداء... لأولياء أمور النساء ... 6
الفهرس ... 6
__________
(1) سورة التحريم، الآية: 6.(1/13)
* * * *(1/14)