المقدمة
قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز عن وصف المؤمنين في جنة الخلد مع أزواجهن:
{ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 25].
وقال تعالى: { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } [الدخان: 54].
وقال: { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن: 56-58].
وقال: { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } [الرحمن: 70-72].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان، كل واحد منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن، يسبحون الله بكرة وعشيًا، لا يسقمون ولا يمتخطون، ولا يبصقون؛ آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، وقود مجامرهم الألوة، ورشحهم المسلك» (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «الخيمة درة مجوفة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زواية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون» (2) .
وفي رواية مسلم: «للمؤمن فيها أهلون» وفي أخرى: «في كل زاوية منها أهل لمؤمن» وفي ثالثة: «يطوف عليهم المؤمن» (3) .
__________
(1) رواهما البخاري: (كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة).
(2) رواهما البخاري: (كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين.(1/1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: «إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء» (1) .
التعدد في الجنة
فهذه الآيات والأحاديث كلها تدل على أن للرجل في جنة النعيم أكثر من زوجة، وهذا دليل على أن نظام «تعدد الزوجات» أمر فطري عند بني آدم منذ أن خلقهم الله تعالى وأورثهم الأرض.
التعدد من شريعة الأنبياء
تعدد الزوجات أمر أقره ورغبت فيه جميع الأديان والشرائع من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - فالتعدد مأثور عن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
بل كان جميع أمم الأرض يبالغون في التعدد؛ حتى وصلت ببعضهم الحال أنه عدد أكثر من مائة زوجة دون الإماء؛ ثم جاء الإسلام الدين الحق والوسط ليحدد ويقيد العادة التي كانت مطلقة دون حدود أو قيود، بعد انتشار الجهل والفساد في جميع أنحاء المعمورة، ورفع الإسلام الظلم عن المرأة، وحفظ حقوقها بعد أن كانت مستباحة؛ فللإسلام فضل في تنظيم تعدد الزوجات.
التعدد في الإسلام
رخص الإسلام للرجل التزوج بأكثر من واحدة وحثه على ذلك.
قال الله تبارك وتعالى: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا } [النساء: 3].
قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: «لأن المقام مقام امتنان وإباحة؛ فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره» (2) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في هذه الآية: (وجه الاستدلال: أنها صيغة أمر تقضي الطلب، وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب) (3) .
__________
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: رقم (367).
(2) انظر: تفسير ابن كثير.
(3) فتح الباري (9/104).(1/2)
وقال الشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله: (إن القرآن نص صراحة على تحليله؛ بل جاء إحلاله بصيغة الأمر التي أصلها للوجوب ... وشرط العدل في هذه الآية ... شرط شخصي لا تشريعي، أعني أنه شرط مرجعه لشخص المكلف لا يدخل تحت سلطان التشريع والقضاء؛ فإن الله قد أذن للرجل – بصيغة الأمر – أن يتزوج ما طاب له من النساء) (1) .
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (ومن هدي القرآن للتي هي أقوم إباحته تعدد الزوجات إلى أربع ... ولا نشك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء) (2) .
فأجمعت الأمة الإسلامية قولاً وعملاً على حل تعدد الزوجات لمن استطاع ذلك بشروطه وضوابطه المعروفة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وأصدق دليل على التعدد هو معلم البشرية - صلى الله عليه وسلم - فقد عدد وأكثر من الزوجات لحكم معلومة، ومات - صلى الله عليه وسلم - عن تسع منهن، ورغب - صلى الله عليه وسلم - في تكاثر النسل، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (3) .
ولا شك بأن من أحد أهم أسباب التكاثر هو التعدد؛ لأن مصلحة الأمة تقتضي تكثير النسل لمواجهة أعدائها لحماية أوطان المسلمين وأموالهم وأنفسهم ومقدساتهم، وفي كثرتهم تكون هيبتهم ومكانتهم بين الأمم إضافة إلى هذا فإنه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أسوة المسلمين، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21].
__________
(1) عمدة التفسير (3/103).
(2) أضواء البيان (3/277).
(3) رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، وصححه ألألباني في صحيح سنن أبي داود (2/386).(1/3)
وتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعدد أصحابه الكرام - رضي الله عنهم أجمعين والتابعون لهم بإحسان-، وقد عددوا بصورة واسعة، ولم تعرف عنهم ظاهرة تأذي الزوجة بزواج الرجل من أخرى واستمر عمل الناس على هذا في كل عصر ومصر إلى عهد قريب، حتى استفحل أمر الشر في دنيا الناس – المتمثل بالمناهج البشرية والقوانين الوضعية – بعدها عرف هذا المفهوم الخاطئ للتعدد، فبدأت معاول الهدم في الإسلام تعمل من قبل أعدائه مستخدمة وسائل الإعلام الهابطة التي لا تراعي الشرع والعرف؛ بل حتى الأذواق السليمة والفطر المستقيمة، ثم الأقلام المسمومة التي تكتب فيها، أو التمثيليات والأفلام التي يبثها الرائي (التلفاز) وتعرضها السينما، وغيرها من الوسائل الهدامة لضرب الإسلام، ثم جاء عصر الفضائيات والقنوات العالمية التي جعلت من الأرض قرية صغيرة، وجمعت بين أنحائها بشكل لم يعهد من قبل، والتي استمرت تنخر في جسم الأمة، حتى ضعفت العقيدة في النفوس، وجد الجهل بأحكام الإسلام الصحيحة وتعاليمه؛ إلى أن وصلت الحال بالمرأة المسلمة أن تقول: (إنني أتمنى الموت لزوجي قبل أن يتزوج علي من امرأة أخرى)!!(1/4)
فأعداء الإسلام ومن يدور في فلكهم؛ قد أحرزوا بعض النجاح في مسعاهيم الرامي إلى إيهام الناس بأن نظام التعدد فيه ظلم للمرأة، واستغلال لها من قبل الرجال من أجل إشباع شهواتهم ونزواتهم، أو أن التعدد لا يكون إلا في حالات يائسة مثل مرض المرأة أو العقم؛ حتى أصبح أمر التعدد عند الناس شاذًّا، وإذا أراد الشخص التعدد تشير إليه أصابع الاتهام من معظم الناس وعلى مختلف مستوياته؛ فبعضهم يتهمه بالترف، وآخرون يتهمونه الشهوانية المفرطة، وآخرون يقدمون إليه النصيحة بالعزوف عن التعدد وما ذلك إلا لعدم ثقتهم بالله سبحانه وتعالى - المنظم والمشرع -، ولضعف إيمانهم بأحكام دينهم العظيم، قال الله تبارك وتعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
[المائدة: 50].
وردًّا على هؤلاء نقول ونسأل: من أباح هذا التعدد الخالق، أم المخلوق؟ ومن أرحم بالعباد الخالق المعبود، أم العبد المخلوق؟ فإن الله الذي خلق الخلق سبحانه وتعالى؛ هو حكيم خبير، وبعباده رؤوف رحيم؛ يعلم أسرار خلقه؛ فلا يشرع لهم شيئًا إلا ولهم فيه صلاح ونفع، وقد أباح لهم التعدد بضوابطه الشرعية لحكم باهرة وغايات نبيلة وأهداف سامية، وإذا كنا نؤمن بالله ربًا خالقًا رازقًا حكمًا عادلاً، فلماذا الاعتراض إذا؟! ولا يحق لأحد الاعتراض على مشروعية التعدد؛ لأن ذلك اعتراضًا على الخالق جل وعلا قال تعالى: { لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [الأنبياء: 23].
فحكمة تعدد الزوجات كحكمة سائر أحكام التشريع فيها خير كثير حتى وإن تقاصرت عقولنا عن ذلك.(1/5)
فمثلاً: الطلاق جائز شرعًا؛ لأنه إذا لم يحصل الوفاق والانسجام، وساءت العشرة بين الزوجين، يأتي الحل في نظام الطلاق - وهو رحمة من الله تعالى لعباده في هذه الحال -؛ فتشريع نظام التعدد من محاسن الإسلام وأحكامه الحكيمة، فالإسلام كله محاسن ولصالح البشرية جمعاء - وخاصة المسلمين - وهو موافق للمصالح العامة والخاصة، قال تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50].
وحكمة التشريع لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى خالق الخلق، والعالم الخبير الحكيم؛ لأن مصالح التشريع تظهر لنا أحيانًا، وتخفى علينا أحيانًا أخرى، وهذا شأن جميع أحكام الشرع؛ لأن الله تعالى لم يسن أي أمر عبثًا؛ بل يجب على المسلم التسليم التام لأمر ربه عز وجل، قال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا } [الأحزاب: 36].
ثم إن نظام التعدد قد جربته الأمة الإسلامية مدة أربعة عشر قرنًا؛ فما أورثها إلا قوة ومناعة وعزة وسيادة؛ أما منع التعدد فأورثها الذل والعار والتبعية لأعدائها، وواقع الأمة خير شاهد لذلك، والله المستعان.
ونسأل هؤلاء الذين ينكرون نظام التعدد.. ما هو البديل؟! فلا يجدون جوابًا إلا أن يقولوا: العشق والعلاقات غير الشرعية، مع عدم التقيد بعدد معين؛ فالبلاد التي تزعم الرقي والتقدم، وتعتبر التعدد إهانة للمرأة وظلمًا لها؛ هي التي تبيح للرجل ما شاء من التعدد عن طريق السفاح، أو الشذوذ الجنسي؛ حتى أصبح العشق والخنا في مفهومهم خيرًا من الزواج والعفاف!(1/6)
وهؤلاء لا يعرفون أو يتجاهلون المكانة التي أعطاها الإسلام للمرأة، فقد رفع مكانتها، وأعلى من شأنها، وحفظ لها كرامتها، وأزال عنها الظلم بجميع أنواعه كيف لا؟ وهي الأم، والأخت، وهي البنت، والخالة والعمة وهي نصف المجتمع، بل هي المجتمع كله؛ لأنها تلد نصفه الآخر، وكيف يعقل أن يكون التعدد ظلمًا للمرأة فالذي شرعه تبارك وتعالى يقول عن نفسه سبحانه في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا» (1) .
وفي الحقيقة التعدد أمر طبيعية في الإسلام لا يحتاج إلى دليل لإثبات مشروعيته؛ فهو أمر الله تعالى لا نناقشه؛ بل يجب التسليم له، والمسلم يعلم أن الإسلام أباح التعدد لمصالح تمليها ظروف الحياة، وجعله علاجًا لمشكلتها ومواجهة لضرورياتها، وأنه شرع الله تعالى الذي يعلم ما يصلح لبني آدم في حالهم ومآلهم؛ فقد أباحه تعالى لحكمة بالغة وفوائد حاصلة، ولا يقع منه سبحانه ظلم على عباده، قال تعالى: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
[الملك: 14].
فنظام تعدد الزوجات ليس من وضع البشر؛ حتى يعتريه النقص، ويكون له محاسن ومساوئ؛ بل هو نظام إلهي محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، قال تعالى: { الرْ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود: 1].
الخطأ في ممارسة التعدد
لا يلزم منه إلغاء الحكم الشرعي
__________
(1) رواه مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.(1/7)
إن ما يحدث في بعض حالات التعدد من خلافات وظلم فإن ذلك ناجم عن ضعف الوازع الديني، وسوء تطبيقنا لنظام التعدد، واتباع أهوائنا في تطبيقه، وعدم رعايتنا لتعاليم الإسلام الصحيح عامة، وفقدان السجايا الناصعة، وهذه القضية تحتاج إلى علاج يستأصل الداء ويداوي السقيم، ويكون ذلك بإصلاح النفوس وتهذيبها وتقويم سلوكها، وذلك بتربيتهم على تعاليم الإسلام الحق، ولا يصح الاحتجاج بهذه الحالات لإبطال شرعية التعدد أو النيل منها، من أجل أناس انحرفوا عن سبيل الحق والخير والهدى! كما أن مثل هذه الحالات تحصل مع الذين ليست عندهم إلا زوجة واحدة!
إن هؤلاء المخطئين في تطبيق نظام التعدد، أو المسلمين عامة، ليسوا حجة على دينهم بل الحجة قائمة عليهم جميعًا.
قال تعالى: { قُلْ فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } [الأنعام: 149].
ولنعلم! أنه ليس في الإسلام أصل يجيز العبث بالتشريع، تبديلاً أو تعطيلاً، إرضاء للأهواء أو مسايرة لأعدائه، وإن إنكار أمر متواتر من أمور الدين يكون ردة عن الإسلام، والعياذ بالله.
ولا ينكر التعدد إلا معاند، أو حاقد يريد تقليل نسل المسلمين، ويتربص بهم، ويريد إضعافهم، أو يريد أن يقعوا في الزنا، كما هي الحال عند أسيادهم في بلاد الكفر والشرك والوثنية.
فإن الذين ينكرون التعدد، أو يرون فيه ظلمًا، أو هضمًا لحقوق المرأة، أو يكرهون هذا التشريع الإلهي، فلا شك في ردتهم وكفرهم بإجماع العلماء، وإن كانوا في عداد المسلمين.
كما نخشى على الذين يشوهون التعدد، ويتحدثون كثيرًا عن سلبياته، ويخوفون الناس منه، أو يقيدونه بالضرورة كعقم الزوجة، أو مرضها المزمن، بأن يقعوا في المحظور، ألا وهو الردة عن الدين لقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 9].(1/8)
وإن الالتزام بأحكام الإسلام خير عاصم للعقل البشري من الانحراف العقدي، وحصن منيع أمام الغزو الفكري، وصدق الله سبحانه وتعالى حيث قال: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50].
للتعدد ضوابط وشروط
من حكمة الله تبارك وتعالى أنه لم يجعل نظام التعدد فرضًا لازمًا على المسلم، ولا أوجب على المرأة تقبل الزواج من رجل له زوجة أو أكثر، وجعل للتعدد أسسًا ونظمًا وشروطًا، وضوابط متعددة، تدور كلها حول دائرة العدل، أساسها تأمين راحة الزوجات، ورفع الضرر عنهن، ولم يتركه لهوى الرجل، بل ضرب على يده بيد من حديد، وقيده بالعدل والقدرة على تحمل الأعباء، وأن لا يكون الجمع بين من يحرم الجمع بينهن، ولم يطلقه أيضًا كما كان قبل الإسلام في جميع الأمم، ولكن حدده بأربع نسوة.
وقد صرح العلماء رحمهم الله بأن من لا يعلم أحكام القَسْم والنشوز، ويعمل بمقتضاها، يحرم عليه تعدد الزوجات، وإذا عدد يستحق على فعله هذا أن يعد في الدنيا من الممقوتين، ويحشر في الآخرة مع الظالمين.
العدل في حال التعدد
والعدل في التعدد يكون في كل صغيرة وكبيرة عدا ميل القلب وشهوة النفس، فيكون العدل في المطعم والمسكن والملبس والمبيت، ومن غير تفرقة بين غنية وفقيرة، وجميلة ودونها، فمن خاف عند تعدد الزوجات من عدم الوفاء بحقوقهن، وإقامة العدل بينهن، أو خاف ظلم أولاده من زوجاته، أو خاف ظلم نفسه عندما يكلفها ما لا تطيق من سياسة هؤلاء والوفاء بحقوقهم؛ كان عليه أن يقتصر على واحدة، أو على ما عنده من النساء، قال تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } [النساء: 3].
والخوف هنا من أمر قد يحدث وقد لا يحدث، وهو سابق لتقرير أمر التعدد، وليس لاحقًا للزوج بالفعل، وإن العبرة بالنوايا الحسنة والعمل الصالح، قال تعالى: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا } [النساء: 127].(1/9)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من كانت له امرأتان؛ فمال إلى أحداهما دون الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل» (1) .
الإسلام يحث على الزواج
حث الإسلام أيضًا على الزواج عامة ورغب فيه، ونهى عن الإعراض عنه، حتى لو كان هذا الإعراض من أجل الاشتغال بالعبادة، وجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سنته، فمن رغب عنها فليس منه، بل رد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الذين أرادوا أن يعزفوا، قائلاً: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (2) .
وجاءت كلمة – النساء – في الحديث بصيغة الجمع، أي: تشمل زوجة واحدة، فأكثر، فأصبح التعدد من هدية - صلى الله عليه وسلم - .
وقد امتدح الله تعالى في كتابه عباده الصالحين، ووصفهم بالود والتراحم وتعدد الزوجات، قال تعالى: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان: 74].
ولهذا فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يرون الأفضلية في الزواج بأكثر من واحدة.
فعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: «قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء».
وقال الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : «لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأنا أعلم أني أموت في آخرها يومًا، ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة» (3) .
__________
(1) رواه أبو داود (كتاب النكاح)، باب في القسم بين النساء، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/400.
(2) رواه مسلم، (كتاب النكاح)، باب: استحباب النكاح.
(3) انظر: (المغني) لابن قدامة، (6/446).(1/10)
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج وبالغ في العدد، وفعل ذلك أصحابه، ولا يشتغل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلا بالأفضل، ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدني) (1) .
وقال القاضي عياض رحمه الله: (أما النكاح فمتفق فيه شرعًا وعادة؛ فإنه دليل الكمال وصحة الذكورية، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة، والتمادح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة ... وقد كان زهاد الصحابة - رضي الله عنهم - كثيري الزوجات والسراري كثيري النكاح، وحكي ذلك عن علي والحسن وابن عمر - رضي الله عنهم - ) (2) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (أرى في هذا الزمان للرجل أن يتزوج اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا؛ يريد العفة» (3) .
قلت: فكيف بزماننا هذا؛ زمن الفتن والفضائيات!! الله المستعان وعليه التكلان.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (إن الإسلام يحث الرجل على التزوج بأكثر من واحدة كما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [النساء: 3] أي: انكحوا ما شئتم من النساء سواهن، إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثًا، وإن شاء أربعًا (4) .
حكم التعدد
__________
(1) انظر: (المغني) لابن قدامة، (6/447).
(2) انظر: (الشفا) (1/88).
(3) طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلي.
(4) فتح الباري (9/104).(1/11)
يظهر من عموم أدلة التعدد أنه سنة وليس برخصة، إذ هو أفضل من الإفراد في حق من يملك شروطه، ذلك لأن الله تعالى اختار التعدد لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يختار سبحانه له إلا الأفضل والأحسن والأكمل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قدوة المسلمين وإمامهم، ويجب على المسلمين طاعته والاقتداء به والتأسي بسنته - صلى الله عليه وسلم - وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - حب النساء، قال - صلى الله عليه وسلم - : «حُبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة» (1) .
ومن المعلوم أن التركيب الجسمي للرجل أصح وأقوى من المرأة، بحكم أنه لا يصيبه ما يصيب المرأة من الحيض والحمل والولادة والإرضاع؛ ولذلك يتفوق الرجل على المرأة بقوته وحيويته واستمرار قدرته الجنسية ورغبته إلى النساء، ولو كبر سنه، بل إلى أن تأتيه المنية، ومن هنا تجد أكثر الرجال لديهم من القوة الجنسية الجامحة، وشدة التوقان للنساء، بحيث نادرًا ما تحصنهم وتروى رغبتهم زوجة واحدة، لا سيما أنها قد تعتريها من الحالات ما تمنع المعاشرة، كالحيض والحمل والنفاس والمرض وغيرها من عقبات الاستمتاع، إذن فلا بد أن يكون لهم منافذ مشروعة نقية، ويقابل ذلك أن رغبة المرأة إلى الجماع أقل من رغبة الرجل، وهي أكثر حياء منه، وكثير من النساء لا تتحمل كثرة الجماع، وتتأفف منه، فلا تستطيع امتصاص طاقة الرجل، وخاصة كلما تأخر بها العمر.
مع العلم أن تعدد العشيقات أسهل بكثير على الرجل من تعدد الحليلات، وأخف حملاً عليه ماديًّا ومعنويًّا من حيث تحمل المسئوليات، فماذا يفعل المسلم الذي يخاف الله عز وجل ويعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى هو الرقيب عليه في كل أمره، فيظل يعيش في كبت وضيق ومجاهدة دائمة، وأمره بين النارين!! والله المستعان.
__________
(1) رواه النسائي كتاب عشرة النساء، باب: فحب النساء، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3/827).(1/12)
فقوة الرغبة الجنسية لدى الرجل أمر فطري قد جبل عليها، فوق طاقته قد تتغلب على الإنسان فتغلبه، وإن الذي خلقها وهو سبحانه أعلم بها حيث جعل له متنفسًا، وفي هذه الحالة يكون في إباحة التعدد كبح جماع هذه الرغبة وتوظيفها فيما أباح الله تعالى، وتحقيق لمصلحة الرجل، وسلوكه طريق الاستقامة والعفة، أما غير الملتزم فلا رادع يمنعه من الوقوع فيما حرم الله تعالى، فهو يَعِد النساء، ولكن بطرق غير مشروعة، وهذا هو الفرق بين الحالتين ... والله المستعان.
ثم ما المانع أن يساير الرجل شهوته التي هي جزء من كيانه، إذا كانت عن طريق شرعي؟ فهذا من سماحة الإسلام، ونعمة الله تعالى لعبادة، قال الله تبارك وتعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [الأعراف: 32].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (1) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ } [آل عمران: 14] فجعلهم من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك) (2) .
إذن لماذا الوقوع في نار الفتنة والله تعالى قد أباح لنا التعدد، وفي القاعدة الأصولية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، لذا فإن الوقاية من الوقوع في الفتنة واجب، ولذلك يجب التعدد على من لا يأمن على نفسه الفتنة.
__________
(1) رواه البخاري كتاب النكاح باب: ما يتقى من شؤم النساء.
(2) فتح الباري (9/41).(1/13)
ثم نقول: إننا مأمورون بمخالفة الكفار عامة من اليهود، والنصارى، ومن اتبعهم من الملل، وعدم التشبه بهم. وعدم التعدد اليوم أصبح من هدي الكفار وسماتهم؛ بل هاجموا الإسلام من جانب التعدد؛ فيجب علينا – نحن المسلمين – أن نأصِّل نظام تعدد الزوجات في نفوس الجيل الناشئ؛ حتى ينشؤوا على الإسلام الحق.
ومن أسرار التعدد التي نبه إليها الشارع الحكيم بأنه سبب من أسباب الغنى وسعة في المال، وجلب الخير والبركات، وكثرة الرزق، وهذا لا يخفى على أهل الإيمان والمعرفة والتجربة، قال الله تبارك وتعالى: { وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } [النحل: 72].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا النساء؛ فإنهم يأتينكم بالمال» (1) .
وفيه إشارة إلى قول الله تبارك وتعالى: { وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [النور: 32].
قال الصحابي الفقيه ابن مسعود - رضي الله عنه - : «التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله تعالى: { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ } [النور: 32]» (2) .
وبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعون من الله سبحانه وتعالى لمن طلب العفاف في التعدد، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله» (3) .
__________
(1) رواه الحاكم كتاب النكاح، باب: تزوجوا النساء فإنهم يأتينكم بالمال، ووثق رجاله الهيثمي في المجمع (4/255).
(2) رواه الطبري في تفسيره، (19/166).
(3) رواه الإمام أحمد، (2/251)، والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.(1/14)
ومن هذا نقول: إن الله تعالى أعلم بما هو أصلح لأحوال عباده في دنياهم؛ فقد أباح سبحانه تعدد الزوجات:
- لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج.
- ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه.
- ولمصلحة الأمة بكثرة نسلها.
فهو تشريع من حكيم خبير، رؤوف رحيم، لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته؛ بكفر، أو نفاق، أو عناد!!
{ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ } [البقرة: 140].
{ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ } [الحجرات: 16].
{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك: 14].
{ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر: 15].
مؤلفات في تعدد الزوجات:
فقد ألفت رسائل كثيرة في باب التعدد، ولله الحمد، نذكر منها ما يلي:
( تعدد الزوجات) الشيخ عطية محمد سالم.
(تعدد الزوجات) الشيخ عبد الله ناصح علوان.
(تعدد الزوجات) د. عبد الناصر العطار.
(تعدد الزوجات) الشيخ إبراهيم بن محمد الضبيعي.
(تعدد الزوجات) د. أحمد علي طه رمان.
(تعدد الزوجات) الشيخ إبراهيم محمد الجمل.
(الإسلام وتعدد الزوجات) د. محمد مسفر الزهراني.
(فقه تعدد الزوجات) الشيخ مصطفى العدوي.
(تعدد الزوجات أم تعدد العشيقات) خاشع حقي.
(العدل في التعدد) د. عبد الله بن محمد الطيار.
(الكلمات في بيان محاسن تعدد الزوجات) هاشم الرفاعي.
(قالوا وقلن عن تعدد الزوجات) محي الدين عبد الحميد.
(زوجة واحدة لا تكفي) عماد الدين حسين.
(لماذا الهجوم على تعدد الزوجات) أحمد الحصين.
(الحكمة والبراهين في تعدد زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) أحمد الحصين.
(دعوة إلى تعدد الزوجات) بنيدر الحيسوني.
(الأسوة في تعدد النسوة) عدنان المهيدب.
(فضل تعدد الزوجات) خالد الجريسي.
(لماذا تعدد الزوجات) خالد الجريسي.
(كيف تزوج عانسًا؟) خالد الجريسي.
(رسائل في تعدد الزوجات) مريم بنت محمد.
(نعم تعدد الزوجات نعمة) غالية الجحدري.
(تعدد الزوجات في الإسلام، كيف؟ ولماذا؟) رعد الحيالي.(1/15)
(زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات وحكمة تعددهن) محمد الصواف.
(ردود على شبهات حول تعدد الزوجات) د. عبد الكريم زيدان.
(أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة) إحسان العتيبي.
(تعدد نساء الأنبياء) أحمد عبد الوهاب.
(لكي ينجح تعدد الزوجات) عبد الكريم بن عبد المحسن التركي.
وغيرها من الرسائل المستقلة، أو المبثوثة في بطون أمهات الكتب والمراجع، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الفهرس
المقدمة ... 5
التعدد في الجنة ... 6
التعدد من شريعة الأنبياء ... 6
التعدد في الإسلام ... 6
الخطأ في ممارسة التعدد ... 6
لا يلزم منه إلغاء الحكم الشرعي ... 6
للتعدد ضوابط وشروط ... 6
العدل في حال التعدد ... 6
الإسلام يحث على الزواج ... 6
حكم التعدد ... 6
مؤلفات في تعدد الزوجات: ... 6
الفهرس ... 6(1/16)