فِقْهُ الأُسرةِ المسلِمة
معالِمُ تربويَّةُ لأسرةٍ راشدةٍ
تأليف
المهندس. عبد اللطيف البريجاوي
حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا كتاب نافع وقيم في يحتوي على كثير من المعالم التربوية لأسرة راشدة،وقد أهداني المؤلف - حفظه الله - نسخة منه قبل ثلاث سنوات فقرأتها بعد سفري،فوجدته كتاباً سهلاً ونافعاً في هذا المجال .
ولكن لي عليه بعض الملاحظات :
الأولى- لم يخرج الأحاديث التي استدل بها من مظانها،فوقع فيها تحريف وتغيير أحياناً،وهي غير مشكلة أيضاً .
الثانية - كثير من الآراء التي ذكرها لم يذكر مصدرها .
الثالثة- هناك - بعض الإطلاقات التي تحتاج لتقييد لم يقيدها .
الرابعة- هناك بعض الأمكنة تحتاج إلى دليل أو توضيح ...
وأما عملي في هذا الكتاب فهو ما يلي :
أولا- ذكر الأحاديث من مصادرها الأساسية مشكلة،ومخرجة ومحكوم عليها بما يناسبها إذا لم تكن في الصجيجين .
ثانيا- شرح الكلمات الغريبة في الأحاديث وشرح بعض معانيها عند الاقتضاء
ثالثا- ذكر الجزء والصفحة أو الرقم للمصادر التي أشار إليها المؤلف إشارة .
رابعاً - ذكر مصادر الأبحاث التي نقلها ولم يعزها لأصحابها .
خامسا- شرح بعض الآيات القرآنية من كتب التفسير
سادسا- تقييد بعض الأبحاث التي أطلقها دون تقييد .(1/1)
سابعاً - زيادة بعض الأبحاث في الكتاب لصلتها المباشرة به،وقد بينت ذلك عند كل بحث منها . (1)
ثامنا- تنسيقه على أحسن شكل على الورد, ووضعه في الشاملة 3 لينتفع به عامة طلاب العلم.
وقد احتوى على الموضوعات التالية :
ما قبل الزواج وفترة الحملِ الأسري ...
الشروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة
إصلاحُ الزوجة
إصلاحُ الزوج
إشاعة ثقافة العفَّة في البيت
إشاعة ثقافة الشورى في البيت
إشاعة ثقافة الرفق في البيوت
إشاعة ثقافة المصارحة في البيوت
أدب الاختلاف ضمانة لأسرة متماسكة ...
عدم التذكير بالماضي المزعج
السعيُ إلى التمَيُّز الأسري
الحسم في المخالفات الشرعية
مراعاة الفروق الفردية في الأسرة
تخفيف التيتم والترمل الصوري
التعامل مع الأخطاء في المنْزل
__________
(1) - لقد أرسلت النسخة المحققة للمؤلف، مع رسالة مطولة، وطلبت منه وضع هذه النسخة في مكتبة صيد الفوائد بدلا من النسخة التي وضعها فيها، http://saaid.net/book/open.php?cat=6&book=2811
وعند طباعته يؤخذ بعين الاعتبار النسخة المحققة،ولكني لم أجد جواباً من المؤلف - عفا الله عنه !!!-
لذلك قررت وضعها على النت إبراءا للذمة .(1/2)
العلاقات الخارجية في الأسرة
حلُّ الشيفرة الأسرية طريق السعادة
علاقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأسرية - زيادة مني
خطوات أولية عملية ضرورية على طريق حل الشيفرة الأسرية
ثلاثون وصية ..تسعد بها زوجتك - زيادة مني
ثلاثون وصية ..تسعدين بها زوجك - زيادة مني
أي بنيتي...
ألم وآلام ...
-----------------
هذا ومن الواجب على طلاب العلم أن يكملوا بعضهم بعضاً،لا أن يخرِّبوا عمل بعضهم بعضاً،فقد وهب الله تعالى كلَّ واحدٍ منا طاقات وإمكانات مختلفة عن الآخرين،فلو سخرت مجموع هذه الطاقات والخبرات لخدمة الإسلام والمسلمين لكان فيها خيرا عظيماً.
عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ،يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ (1) .
قال تعالى : {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء
أسأل الله تعالى أن ينفع به مؤلفه ومحققه وقارئه وناشره والدال عليه في الدارين آمين .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
28 رجب 1430هـ الموافق ل 21/7/2009 م
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (481 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6750 )(1/3)
بين يديك أخي القارئ
تبتل وثناء:
« اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ،أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،وَلَكَ الْحَمْدُ،أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ حَقٌّ،وَقَوْلُكَ حَقٌّ،وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ،وَالْجَنَّةُ حَقٌّ،وَالنَّارُ حَقٌّ،وَالسَّاعَةُ حَقٌّ،وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ،وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ،اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَبِكَ آمَنْتُ،وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ،وَبِكَ خَاصَمْتُ،وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ،فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ،وَمَا أَسْرَرْتُ،وَمَا أَعْلَنْتُ،أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ - أَوْ - لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ » (1)
« اللَّهُمَّ انْفَعْنِى بِمَا عَلَّمْتَنِى وَعَلِّمْنِى مَا يَنْفَعُنِى وَزِدْنِى عِلْمًا الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ » (2)
« اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ » . (3)
بين يديك أخي القارئ:
بين يديك أخي القارئ مجموعةُ فصولٍ تعالج قضايا مهمة ودقيقة في حياة الأسرة،وتقدم لها برنامجاً علمياً لحياة ملؤها السعادة والهناء،والاتباع والاقتداء،يحنو عليها الحبُ والمودة،وتُظلِلُها (أنوار الذكر الحكيم) ونسماتٌ من هداية المصطفى عليه السلام،فتبعث الأسرةُ من جديد لتكون أسرةً على المستوى الذي أراده الإسلام،حصنا منيعاً لا يُهدم،وقلعةً لا تُدك،ومعقلاً لإنتاج أجيال الإسلام. ونحن لا ندعي الكمال في ذلك ولكنها بعون الله تعالى تكون لبنةً من لبناتِ إصلاح المجتمع المسلم. ولقد تعمدنا الاختصار غير
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم ( 6317 ) ومسلم (1844)
(2) -أخرجه الترمذي برقم ( 3948 ) وهو حسن لغيره
(3) أخرجه مسلم برقم ( 1086 )(1/4)
المخل في هذا الكتاب حتى يكون سهل التناول،وسهل الهضم وبعيداً عن الإطالة المملة التي تورث السآمة.
سبب هذا الكتاب:
جاءت هذه الفصول حصيلة عملٍ دام عامين تقريباً من مشاهدات خلال العمل في التحكيم الشرعي في المحاكم الشرعية بحمص،حيث كنت أتساءل دوماً عن معالمَ واضحةٍ في الإسلام لحل المشكلاتِ بين الزوجين التي قد تكون في بعض الأمور تافهةً إلى درجة كبيرة،لكنها كانت تسبب شقاقاً يصل إلى درجة الطلاق،وكنت أتساءل دائماً وأبحث،حتى جاءتني امرأة تطلب الطلاق بعد سبعة وثلاثين عاماً من زواجها (1) .
وعندها من الأولاد تسعة،أربعةُ ذكور وخمسُ إناث،ومن الأصهارِ أربعة،فصُعق قلبي،واهتزَّت أحلامي وآمالي حتى استطعنا مع أخي الأستاذ قاسم شرف الدين بتوفيق من الله سبحانه إعادةَ شريان الحياة الزوجية إلى ما كان عليه من قبل بل بشكل أفضل،نتيجة توضيح بعض النقاط المهمَّة والمهملة في الحياة الزوجية،وكانت البداية مع هذا الكتاب،حيث ألقيت مجموعة خطب في مسجد الحافظ بحمص بعنوان فقه الأسرة المسلمة إذ كان كل فصل من هذه الفصول عنواناً لخطبة كاملة.
ثم بدأت أفكر أن أعمم هذا الخير الذي سرى من خلال هذه الخطب،فبدأت أنشرها في المواقع المختلفة،فتلقفتها المواقع بشغف كبير فنشرت في مواقع عديدة مثل موقع صيد الفوائد،وموقع المرأة المتميزة،ولها أون لاين،والمختار الإسلامي،ونداء الإيمان وغيرها من المواقع حيث كان لها الصدى والأثر الكبيران.
وكانت الفكرة الجديدة هي نشر هذه الفصول المختلفة وجمعها في كتاب واحد الذي أسأل الله له حسن التمام وحسن القبول.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) ـ كتبت مقالاً عنها بعنوان ألم وآلام نشر في موقع صيد الفوائد "أطياف الهداية" وتجده في آخر هذا الكتاب.(1/5)
إلهي:
ها أنا اليوم أكتسي ثوباً جديداً هو ثوب نشر الكتب،وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس ثوباً جديداً قال:« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ » (1) .
فاجعل اللهم هذا الثوب الذي ألبستنيه ثوباً أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي،واجعله مقبولاً في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين آمين....
م. عبد اللطيف البريجاوي
حمص - سوريا
غرة شهر محرم الحرام
عام 1426 هـ
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم ( 4025) والترمذي برقم (3908) وهو حديث حسن لغيره(1/6)
ما قبل الزواج وفترة الحملِ الأسري
((الخِطبة))
الأسرةُ تولد كما يولد الطفل،وفترة الحمل بهذا المولود الجديد قد تطول أو تقصر حسب الظروف والإمكانات،وبمقدار الاهتمام بهذا الجنين المرتقب،وتغذيته الغذاءَ السليم،وتوعيةِ أبويه بالأمراض التي تفتك به قبل الولادة وبعدها،وإعطاءِ والدته اللقاحات المناسبة،تكون صحة هذا المولود الجديد.
ومن هذا المنطلق فإن صحة الأسرة أو مرضها تتضح معالمها في فترة الحمل الأسري (فترة ما قبل الزواج)،وتتشكل الصورة المبدئية لها،حيث تخلق التصورات المختلفة،وتتضح المعالم،ويرى كل واحد من الخاطبين الآخر من منظوره،فيعقد عليه الأمل،أو يحكم على علاقته بالفشل.
"والخطبة هي وعد بالزواج" (1)
والزواج هو أهم شركة يعقدها الإنسان في حياته،وبمقدار ما تكون الثقةُ والوضوح بين أطراف هذه الشركة يكون التوفيق والاستقرار والسعادة،وبمقدار ما يكون التحايلُ والخداع بين هذه الأطراف يكون الفشل والإحباط واليأس.
وهذا مأخوذ من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا » رواه البيهقي في السنن (2) .
فما أجمل تلك الشركة الزوجية التي يكون الله سبحانه ثالثهما فيها !
وما أتعس تلك الأسرة التي يخرج الله سبحانه وتعالى بلطفه ورحمته منها !
__________
(1) - عبد الرحمن الصابوني / الأحوال الشخصية وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 530) رقم الفتوى 1942 الخطبة وعد بالزواج وليست زواجاً وفتاوى يسألونك - (3 / 125) ماذا يترتب على العدول عن الخطبة
(2) - برقم ( 11756 ) وأبو داود برقم ( 3385 ) وهو حديث صحيح(1/7)
وفترة الحمل الأسري فترة مشحونة بالعاطفة اللاهبة،المشوبةِ بالحذر الخادع،والتلونِ الجاذب،والأحلامِ الوردية،والعيشِ الهنيء،والليالي المخملية،حيث يحاول الأطراف المختلفة من خاطب ومخطوبة وذويهما إظهارَ المحاسن الفاتنة،وإخفاءَ المساوئ المخجلة،وتذليل الصعاب الجمة،والعوائق المختلفة بطريقة سطحية بسيطة،وتنساق الأطراف وراء هذه العواطف المندفعة،حتى ينتهي الأمر وتولد الأسرة،وعند ذلك قد تصطدم بصخرة الواقع،وصعوبةِ العيش،وتتضحُ الأكاذيب،فتتبلدُ العاطفة،وتظهر الألوان،وتتبخر الأحلام،وتصبحُ الحياة جحيماً لا يطاق،فيحصل الشقاق وقد يقع الطلاق.
إن التصرفاتِ الخاطئةَ لمختلف الأطراف في هذه الفترة التي أسميناها فترة الحمل الأسري هي التي تؤدي غالباً إلى إجهاض هذه الأسرة قبل ولادتها،أو ولادتها ولادة مشوهة،وتصبح بذلك الأسرة عالة على المجتمع بدلاً من أن تكون دعامة قوية له ولبنة صالحة فيه.
لذلك لا بد من ضوابط لهذه الفترة،حتى يكون هذا الحمل سليماً معافى وحتى لا تولد الأسرة بحالة مشوهة.
والضوابط لهذه الفترة هي الضوابطُ العامة للمسلمين مع بعض الخصوصية في بعض المواقف ومن هذه الضوابط:
1 ـ حُسن النظر والاختيار (نظر الخاطب إلى خطيبته والخطيبة إلى خطيبها):
حيث تكون هذه الرؤيةُ المفتاحَ للقلوب بين الطرفين،وسبباً في تحصيل الوفاق بينهما،وتمهيداً لحياة ملؤها المودة والحنان،ولهذا وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الترمذي عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا » (1) .
"(أن يؤدم بينكما) أن يؤلف ويوفق بينكما،أي يوقع الأدم بينكما يعني يكون بينكما الألفة والمحبة،.... إذا تزوجها بعد معرفة فلا يكون بعدها غالباً ندامة" (2)
قال النووي في شرح مسلم: فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها.
__________
(1) - برقم ( 1110 ) وهو حديث صحيح
(2) - تحفة الأحوذي شرح الترمذي(1/8)
ويجب ألا يفهم من كلمة "انظر إليها" فقط مجرد النظر الحسي والجسدي،فكلمة "انظر" لها مدلولاتها العديدة من النظر في أخلاقها وأصدقائها وطريقة تفكيرها ونظرتها إلى الحياة وغير ذلك من الأمور المهمة لبناء الأسرة وهذا مأخوذ من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا،فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ » أخرجه البخاري (1) .
ومن هنا تأتي أهمية النظر في مختلف جوانب الفتاة فالذي يريد أن يتزوج لا بد أن يمعن النظر في صفات الفتاة ليستخلص ذات الدين.
وما ينطبق على المخطوبة ينطبق على الخاطب حيث النظرُ الحسيُ حقٌ من حقوق المخطوبة،بالإضافة إلى النظر العام في أحواله وأفكاره ومبادئه وتطلعاته وأهدافه،وهذا أيضاً مأخوذ من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ »أخرجه الترمذي (2) .
2 ـ لا مجاملةَ في الاختيار:
من أخطر ما يصيب الأسرة هو المجاملة في الاختيار،حيث تكون الفتاة غير راغبةٍ أو يكون الزوج غير راغب فيُحرج أو تُحرج لأسباب متعددة ويحصل الزواج وتولد الأسرة مشوهة وتبدأ المعاناة.
وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - مبدأ عدم المجاملة في الاختيار الزوجي مهما كانت الأسباب،فقد روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَا لِى فِى النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ » (3)
والنبي - صلى الله عليه وسلم - معروف أنه لا يرد أحداً،وهو الكريم والرؤوف الرحيم،لكنه مع ذلك رفض تلك المرأة ولم يجاملها ويقبلها،فأمر الاختيار في الزواج لا يحتاج إلى مجاملة أو تورية إنما يحتاج إلى بت وقطع.
__________
(1) - برقم ( 5090 )
(2) - برقم ( 1017 ) والصحيحة برقم (1022) وهو حسن لغيره،
(3) - برقم ( 5029 )(1/9)
3 ـ الوضوح:
إنَّ من أهم صفات المسلم العامة صفةَ الوضوح،وتجنبَ الغموض،والابتعادَ عن الضبابية والتلون الزائف،في كل مجالات الحياة ومعاملاتها لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بتأسيس الشركة الزوجية.
إن كثيراً من الناس يجعل هذه الفترة فترةً (الكذبُ فيها مباح)،فيبدأ يرسم على صفحات الماء لوحات فنية من السعادة،ويطلق العنان للسانه أن يقول ما يشاء،ويحمل نفسه أعباء هو في غنى عنها،ويشوه حقيقته المادية بومضاتٍ من كبد الخيال،ويلون تصرفاته السيئة بألوانٍ زاهية من الرقي والالتزام والمحبة. وفي الطرف الآخر تتكلم الفتاة عن نفسها وهي في كثير من الأحيان تتكلم عن امرأة من صنع الخيال،فيلتبس الأمر على الطرفين فيصطدمان في أول ليلة بواقع مرير وكأن كل واحد قد تزوج خيال الآخر.
إنَّ أخطر ما يصيب الحياة الزوجية بعد الزواج ذلك الغموضُ الذي يكرسه أحد الطرفين أو كلاهما،فتتحول تلك الكلمات التي ذكرت في فترة الخطبة إلى معوقات حقيقية للحياة الزوجية،وما أبشع أن يكتشف الإنسان أنه قد خدع وأنه بنى حياته على غموض وضبابية.
4 ـ عدم إطلاق الوعود الخادعة:
وثمة أمر آخر يجهض كل الضوابط التي وضعها الإسلام لتحصين هذا الحمل الأسري وهو إطلاق الوعود الكاذبة والخادعة،حيث يبدأ الخاطب ببناء أحلام من جليد،ويعد بما ليس بمقدوره تحقيقُه،وتقابله الفتاة بوعودٍ مخملية،وحياة بألوان زاهية،فإذا حصل الوصال بينهما إذا بهما في خضم الحياة قد اكتشف كل واحد كذبَ الآخر،وعدمَ وفائه بعهده،ويذكر كل طرف الآخر بوعوده الكاذبة،فتقع الجفوة،وتتكدر الحياة،وتنعدم الثقةُ،لذلك فإنَّ الإسراف في الوعود قبل الزواج يشكل عبئاً على الإنسان لاسيما إذا كانت الوعود غير قابلة للولادة.
5 ـ تبيان المنهج العام للأسرة القادمة:(1/10)
غالباً ما ينسى الطرفان أنهما مقدمان على بناء شركة مهمة لاسيما في خضم العواطف الجياشة التي تلف حالة الخطبة،لكن هذه العواطف يجب أَلاَّ تنسيَ الطرفين أن يوضحا معالم الأسرة التي يريدان وكيفية بنائها ومعالمها وطرق حل المشاكل فيها،وتبيان ما يحب وما يكره كل طرف.
إنَّ عرض مثل هذه الأمور في مرحلة الخطبة بين الطرفين يفتح آفاقهما للحوار،وهي محاولة لفهم الآخر وتصرفاته وتبيان حقوقه وواجباته.
إن فترة الحمل الأسري من أهم فترات حياة الأسرة،فالاعتناء به،وضبطه بالضوابط اللازمة من أهم ما ينبغي معرفته وبيانه ليسهم هذا الأمر في بناء أسرة متكاملة متماسكة وولادتها بإذن الله تعالى.
- - - - - - - - - - - - -(1/11)
الشروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم
و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ،فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهْىَ مَسْئُولَةٌ،وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ،أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ » أخرجه البخاري (1)
إن ملف الأسرة المسلمة ملف خطير جداً ومهم بكل ما في الكلمة من معنىً وذلك لأن الأسرة المسلمة هي أخطر الحصون المستعصية على أعداء الدين.
إنَّه هجوم من نوع مختلف،هجومٌ يركب الهواء والفضاء،وأعداءُ الدين يحاولون بكل ما أوتوا من قوةٍ تفكيك هذا الحصن الأخير وضربَه في الصميم،وحتى الآن والحمد لله ما زالت بعض الأسر مستعصية على هذا الهجوم لكن قسماً كبيراً منها سقط وأيما سقوط.... !
قال تعالى : {.... وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة
هذا إصرار أعداء الدين فما الذي يقابله من المسلمين ؟!
وإلى متى نقف متفرجين،غير عابئين بالأخطار التي تهددنا من كل جانب.
وممَّا يزيد هذا الأمر خطورة:
أنَّ المسلمين اليوم قد تعلموا الكثيرَ من العلوم الطبية والهندسية والكيميائية،ولكن نسوا علماً مهماً جداً هو علم الهندسة البشرية،كيف نربي أولادنا وكيف نجعلهم يرتقون إلى حمل الرسالة الإلهية.
__________
(1) - برقم ( 5188 ) ومسلم برقم (4828)(1/12)
إن الحفاظ على الكائن البشري على قيد الحياة هو سهل جداً،هو فعل تفعله كل المخلوقات،لكن المشكلة الكبرى هي تحويل هذا العنصر البشري إلى عنصر فعال ونشيط.
إن مهمة الآباء والأبناء والأمهات تكاد تنحصر في هذا الزمن في المطعم والملبس،وإن كان هناك اهتمام فإنه يرضي غرور الأبوين،
ومما يزيد هذا الأمر خطورة:
أنَّ واقع أسرنا واقعٌ مأساوي في أغلبه إلا من رحم الله،"فالأب مشغول والأم في الأسواق" (1) ،والأولاد لا يُعرف لهم طريق ولا اتجاه،وقد أوكلنا تربيتهم إلى الظروف....
إن الإسلام أكد أن الآباء يلعبون دوراً مهماً في التربية عندما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ،فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ،كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ،هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » أخرجه البخاري (2)
__________
(1) - محمد الدويش / محاضرات في التربية
(2) - برقم ( 1359) ومسلم برقم ( 6926)
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم - (9 / 9) وعون المعبود - (10 / 231)
أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا . وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْض مَنْ لَا يُعْتَدّ بِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَة هَذَا، وَأَجَابَ الْعُلَمَاء بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنْ الْمُسَارَعَة إِلَى الْقَطْع مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون عِنْدهَا دَلِيل قَاطِع، كَمَا أَنْكَرَ عَلَى سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص فِي قَوْله : أَعْطِهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ : أَوْ مُسْلِمًا الْحَدِيث . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ هَذَا قَبْل أَنْ يَعْلَم أَنَّ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّة، فَلَمَّا عَلِمَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( مَا مِنْ مُسْلِم يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْث إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّه الْجَنَّة بِفَضْلِ رَحْمَته إِيَّاهُمْ ) وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ فَفِيهِمْ ثَلَاثَة مَذَاهِب . قَالَ الْأَكْثَرُونَ : هُمْ فِي النَّار تَبَعًا لِآبَائِهِمْ . وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَة فِيهِمْ . وَالثَّالِث، وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، وَيُسْتَدَلّ لَهُ بِأَشْيَاء مِنْهَا حَدِيث إِبْرَاهِيم الْخَلِيل - صلى الله عليه وسلم - حِين رَآهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنَّة، وَحَوْله أَوْلَاد النَّاس قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، وَأَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : " وَأَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه . وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } وَلَا يَتَوَجَّه عَلَى الْمَوْلُود التَّكْلِيف وَيَلْزَمهُ قَوْل الرَّسُول حَتَّى يَبْلُغ، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا الْفِطْرَة الْمَذْكُورَة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَقَالَ الْمَازِرِيُّ : قِيلَ : هِيَ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ . فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ، وَأَنَّ الْوِلَادَة تَقَع عَلَيْهَا حَتَّى يَحْصُل التَّغَيُّر بِالْأَبَوَيْنِ . وَقِيلَ : هِيَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَة أَوْ شَقَاوَة يَصِير إِلَيْهَا . وَقِيلَ : هِيَ مَا هُيِّئَ لَهُ هَذَا كَلَام الْمَازِرِيُّ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : سَأَلْت مُحَمَّد بْن الْحَسَن عَنْ هَذَا الْحَدِيث، فَقَالَ : كَانَ هَذَا فِي أَوَّل الْإِسْلَام قَبْل أَنْ تَنْزِل الْفَرَائِض، وَقِيلَ الْأَمْر بِالْجِهَادِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَد عَلَى الْفِطْرَة، ثُمَّ مَاتَ قَبْل أَنْ يُهَوِّدهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ لَمْ يَرِثهُمَا، وَلَمْ يَرِثَاهُ، لِأَنَّهُ مُسْلِم، وَهُمَا كَافِرَانِ، وَلَمَا جَازَ أَنْ يُسِيء فَلَمَّا فُرِضَتْ الْفَرَائِض، وَتَقَرَّرَتْ السُّنَن عَلَى خِلَاف ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُولَد عَلَى دِينهمَا . وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك : يُولَد عَلَى مَا يَصِير إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَة أَوْ شَقَاوَة فَمَنْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ يَصِير مُسْلِمًا وُلِدَ عَلَى فِطْرَة الْإِسْلَام، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِير كَافِرًا وُلِدَ عَلَى الْكُفْر . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى مَعْرِفَة اللَّه تَعَالَى وَالْإِقْرَار بِهِ، فَلَيْسَ أَحَد يُولَد إِلَّا وَهُوَ يُقِرّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا، وَإِنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اِسْمه، أَوْ عَبْد مَعَهُ غَيْره وَالْأَصَحّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلّ مَوْلُود يُولَد مُتَهَيِّئًا لِلْإِسْلَامِ، فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدهمَا مُسْلِمًا اِسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَام فِي أَحْكَام الْآخِرَة وَالدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمهمَا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا، وَهَذَا مَعْنَى ( يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ )، أَيْ يَحْكُم لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الدُّنْيَا . فَإِنْ بَلَغَ اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حُكْم الْكُفْر وَدِينهمَا، فَإِنْ كَانَتْ سَبَقَتْ لَهُ سَعَادَة أَسْلَمَ، وَإِلَّا مَاتَ عَلَى كُفْره . وَإِنْ مَاتَ قَبْل بُلُوغه فَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة أَمْ النَّار أَمْ يَتَوَقَّف فِيهِ ؟ فَفِيهِ الْمَذَاهِب الثَّلَاثَة السَّابِقَة قَرِيبًا . الْأَصَحّ أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة . وَالْجَوَاب عَنْ حَدِيث " اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهُمْ فِي النَّار، وَحَقِيقَة لَفْظه : اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ بَلَغُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا إِذْ التَّكْلِيف لَا يَكُون إِلَّا بِالْبُلُوغِ . وَأَمَّا غُلَام الْخَضِر فَيَجِب تَأْوِيله قَطْعًا لِأَنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ، فَيَكُون هُوَ مُسْلِمًا، فَيَتَأَوَّل عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه أَعْلَم أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا، لَا أَنَّهُ كَافِر فِي الْحَال، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْحَال أَحْكَام الْكُفَّار . وَاَللَّه أَعْلَم .(1/13)
وهذا حثٌ للآباء على عدم ترك أولادهم ليتحكم الشارع والظروف في تربيتهم.
ناهيك عن الواقع المأساوي في العلاقة بين الزوجين والعلاقة بين الأب وابنه والأم وابنتها بالإضافة إلى العلاقات السيئة بين الحماة والكنة والعم والد الزوج أو الزوجة......
- - - - - - - - - - - -(1/14)
الشروط الخاصة للبدء بإصلاح الأسرة
لا شك في أن كل واحد يريد لابنه أن يكون أحسن منه حالاً أو مثله على الأقل،لقد أثبت الله هذه العاطفة على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة
في هذه اللحظات،لحظاتِ القرب من الله عزّ وجلّ لم ينسَ إبراهيمُ عليه السلام أولادَه وذريتَه. وكلمة ( إماماً ) هنا ليس معناها النبوة فقط على ما ذكره المفسرون وإنما الإمامة في الخير.... فهذه عاطفة متجذرة،لكن نريد لأولادنا أن يكونوا أفضل حالاً فأي إمامة نريد منهم،إمامة خير أم إمامة شر؟!
إن بيوتنا هي الملاذ الأخير لنا ولا سيما في زمن هذه الفتن التي شبهها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها « ... كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ».أخرجه مسلم (1) .
إنه في زمن الفتنة وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى البيوت فقال: « .. أَمْلِكْ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ » أخرجه أحمد (2) .
أما إذا كانت البيوت هي الفتنة وكان البيت يموج بالفتن المختلفة فأين يذهب الأبناء وأين تذهب الزوجات ؟
كيف الخروج من عواصف البيوت ؟؟
هناك ثلاثة شروط رئيسة للانطلاق في موضوع إصلاح الأسرة:
1 ـ الاستعانة بالله عزّ وجل:
قال تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) سورة الفاتحة
وكما يقول الرافعي:
__________
(1) - برقم ( 328 )
(2) - برقم (17915) وهو حديث صحيح لغيره(1/15)
فكلّ سهل إذا لم ... يوفق الله له صعب (1)
وما تكرار الاستعانة في اليوم أكثر من سبع عشرة مرة أثناء قراءة الفاتحة في الصلاة إلاَّ ليتعلم المسلمُ تَكرار الاستعانة بالله سبحانه،والاستعانُة ليست مجرد تكرار ألفاظ،إنما هي في حقيقة الأمر التوجهُ القلبيُ لما يريد أن يفعل،ثم مباشرة العمل الذي يريد بعد ذلك .
2 ـ التربيةُ بالقدوة:
قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان
وقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (44) سورة البقرة
فلا يمكنك تحويل أسرتك إلى الخط الصحيح والمنهج السليم إذا ما زلت منحرفاً عن هذا الخط.
مهما دفعت ولدك إلى الصلاة في المسجد لن يؤثر ذلك فيه،وإنَّ اصطحابه مرةً واحدة أو رؤيتَه لكَ تدخل المسجدَ أفضلَ بكثير من كثير من النصائح.
ومهما دفعتَ ولدك إلى التوقف عن التدخين لن يؤثر ذلك فيه إلا إذا رأى ذلك فعلاً وتطبيقاً منك.
ومهما دفعت ولدك إلى الإقلاع عن مشاهدة البرامج المسيئة فلن يؤثر ذلك فيه إذا لم تقم أنت بالخطوة الأولى.
3 ـ "ليس البيت حلبة صراع لا بد أن ينتصر فيها أحد الطرفين" (2)
ويمشي برأي الزوج أو الزوجة أو الحماة أو والد الزوج أو الزوجة.
إنَّ أهم الأسباب الموفقةِ لحياة سعيدةٍ هو أن يُعلِّم الرجلُ زوجَه وأولادَه أنه يحب الحقَ واتباعَه حتى لو جاء على أي لسان وليس عنده في ذلك أدنى مشكلة .
__________
(1) - ديوان الرافعي، تحقيق أسامة محمد السيد.
(2) - معاذ الخطيب (عشرة نقاط تمنع اختلال الأسرة).(1/16)
إن ما سنذكره في الفصول القادمة بإذن الله ليس كيف نربي الأولاد بل كيف نربي الأسرة،فهو برنامج للأسرة كلَّها لتسيرَ على هدىً وبصيرةٍ وفهمٍ حقيقي لدين الله سبحانه وتعالى ولذلك أسميناه فقه الأسرة المسلمة.
- - - - - - - - - - - -(1/17)
إصلاحُ الزوجة
البيتُ مؤسسةٌ ضخمة،تحمل في طياتها مؤسساتٍ متعددة،فهي تحمل في محتواها مؤسسةَ التربية ومؤسسةَ التموين والطعام ومؤسسة العلاقات الاجتماعية ومؤسسةَ الترفيه....
وعلى رأس هذه المؤسسات كلها تكون الزوجة،وأي إصلاح للبيت لا يرافقه إصلاح للزوجة فليس له أي معنىً،وإصلاح الزوجة يعني إصلاح البيت. قال تعالى حكاية عن سيدنا زكريا عليه السلام : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (90) سورة الأنبياء، قال الطبري رحمه الله : إن الله أصلح لزكريا عليه السلام زوجه،كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخُلُق .
والزوج معني بشكل أساسي بإصلاح زوجته وتربيتها وتعليمها وترقيتها. ولهذا ورد الحديث الشريف عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ » أخرجه أحمد (1) .
وفي هذا الأمر بالإطاعة مسؤولية عظيمةً على الزوج ليأمرَها بما أمره الله تعالى فلا بد للزوج أن يشمِّر عن ساعديه لينْقذَ بيته من الدمار ويعيدَ إلى زوجته قوتها وقدرتها على تربية الجيل المنشود.
-------------
كيف يكون إصلاح الزوجة ؟؟
هناك خطوات عملية لهذا الإصلاح:
الخطوة الأولى:الفهمُ الصحيح للآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي سلطت الأضواء على العلاقات الأسرية
ومن هذه الأحاديث:
__________
(1) - برقم ( 1683 ) وهو حديث حسن لغيره(1/18)
1 ـ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ،فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ،وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ،فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ،وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ،فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ » أخرجه البخاري (1)
حيث يظن بعض الناس أن هذا الحديث يحمل إشكاليةً تقول: "إن الإسلام يقول: إن المرأة خُلقت من ضلع أعوج فإن جئت لتقومه كسرته ومع ذلك فهو يطلب من الزوج إصلاح الزوجة ويقول إن تركته ظل معوجاً".
الحقيقة أنه لا إشكال في ذلك:
ذلك أن إصلاح الزوجة يعتمد على ثلاث نقاطٍ مهمة:
1 ـ الصبر: قال تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه
2 ـ الرفق: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ » أخرجه مسلم (2)
والرفقُ والصبر هما عماد الإصلاح في كل شيء،وإذا اجتمعا فإنهما يحققان الإصلاح بأحسن صوره.
3 ـ الفهمُ : أي فهم طبيعة المرأة وبم تفكر حيث أولوياتها تختلف عن أولويات الرجل،والرجل الحكيم هو الذي يوفق بين أولوياته وأولويات زوجته.
وهنا لابد للزوج أن يعرف نقطتين:
1 ـ أن فشل الرجل يبدأ عندما يبدأ يقلد المرأة،وفشل المرأة يبدأ عندما تبدأ تقلد الرجل.
2 ـ أن الأعمال الحياتية تقسم إلى قسمين:
* أمور تكون المرأة لها السيادة فيها ولها القرار فيها وعادة تكون هذه الأمور متعلقة بالمنْزل،كترتيبه،ووضع لمسات الجمال فيه،ومن ثَمَّ على الرجل ألا يتدخل في كل شاردة وواردة ويعكر هذا العالم الخاص بالمرأة.
__________
(1) - برقم ( 3331 )
(2) - برقم ( 6767 )(1/19)
* وأمور يكون القرارُ فيها للرجل لقوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ....} (34) سورة النساء مع الاحتفاظ لها بحق المشورة وإبداء الرأي في الأشياء التي تخصها،ومعنى ذلك أن يترك للمرأة الحرية الكاملة في بعض الأمور لا سيما فيما يتعلق في شؤون بيتها وأمور أخرى يتولاها الرجل وبذلك نستطيع التوفيق في أمور الحياة.
فالإسلام لا يطلب من الرجل أن يغيِّر أولويات زوجته وطبيعة الأنوثة فيها،بل يريد منه ألاَّ يشدد على هذه الأولويات فيزيل هوية الأنوثة فيها أو يترك هذه الأولويات هي التي تسيره وتسيّر أسرته معها.
2 ـ الحديث الثاني عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ » أخرجه مسلم (1) ومعنى لا يفرك أي لا يبغض وهو يدخل تحت الحديث الأول،وهو أن المرأة قد يصدر منها ما يزعج الرجل، فعليه ألا يكرهها،وأن يخفف هذا الاعوجاج بترك بعض الأمور - المحتملة - لها مع الحرص على المتابعة.
3 ـ وثمَّة آيةٌ قرآنية تتكلم عن مسؤولية الرجل في إصلاح زوجته وهذه الآية قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه
فكثير من الناس ينشغل بالرزق وتأمينه لأهله وينسى مهمةً عظيمة وهي أمرهم بالصلاة،وما هو ضروري لاستقامة الحياة على الوجهة الشرعية،وما ذكرت الصلاة إلا لأهميتها.
--------------
الخطوة الثانية:العمل على رفع مستواها العلمي والتربوي:
وهذه مهمة أيضاً للزوجة،فكثير من الرجال يتزوج الفتاة ولا يريد أن يضيف إليها شيئاً مما يجب أن يضيفه،وهو يريدها مكتملةً وجاهزةً من عند أهلها،فتكونُ كما يريدها أن تكون
__________
(1) - برقم ( 3721 )(1/20)
دون أن يُسهم في بناء شخصيتها،وهو ليس على استعداد أن يقبل منها أي خطأ أو هفوة!!
فقبل أن يقف لها على هفواتها،عليه أن يعمل على تعليمها وتثقيفها وإعدادِها لتكونَ أمَّا وأي مهنةٍ أخطرُ من هذه المهنة؟!
فكثيرٌ من الرجال لا يجلس مع زوجته ليعلِّمها مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى...»أخرجه الترمذي (1)
وليس هذا في الخدمة والتعاون في المنْزل فقط بل أيضاً برفع المستوى الإيماني والعلمي والفكري للزوجة.
-------------
الخطوة الثالثة: معاملتَها المعاملةَ التي تشعر فيها بالودِّ والرحمة
الذي وصف الله بها الزواج في الإسلام حين قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم .
وهذه أقصر الطرق للإصلاح ولا يخفى على المحسن أثر الإحسان في نفوس الناس.
--------------
الخطوة الرابعة: إشعارها بكرامتها أمام أهلها وأهل الزوج خاصة:
ولهذا أثره العميقُ في نفسها مما يجعلها أكثر تقبلاً للتغير نحو الأحسن والأفضل. إنَّ هذه الخطواتِ الأربع وغيرها تدخل تحت كلمة واحدة ذكرها القرآن الكريم في سورة النساء وهي قوله تعالى:{.. فَعِظُوهُنَّ ..} (34) سورة النساء
ففهمُ طبيعتها،ورفعُ مستواها ومعاملتُها المعاملة الحسنة كله يدخل في باب الوعظ والمعاملة الطيبة التي أمر الله سبحانه بها بقوله :{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... .} (229) سورة البقرة
__________
(1) - برقم ( 4269 ) وهو حديث صحيح(1/21)
ومن الخطأ الكبير والجسيم أن يَعْمد الرجلُ إلى إصلاح زوجته بتسلسل مقلوبٍ عما ورد في الآية الكريمة،قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء.
فيبدأ الزوج إصلاح زوجتِه هاجراً أو ضارباً وينْسى أنَّه لابد من المرور بالمرحلة الأولى والأساسية وهي مرحلة الوعظ والتوجيه وهذا الإصلاحُ المقلوبُ يؤدي إلى نفورٍ لا يمكن لَمْلَمتُه وإلى كسرٍ لا يمكن جَبْرُه.
- - - - - - - - - - - - - -(1/22)
إصلاحُ الزوج
الزوج عمادُ الأسرة،وأساسُ استقرارها وهنائها،ومنبعُ التفاؤل والأمل فيها،وأي كلام عن إصلاح الأسرة لا يكون الزوج طرفاً فيه فهو كباسط كفَّيْه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه فلن تبلغ الأسرة شأوْها في الاستقرار والصلاحِ إذا كان الأب بعيداً كل البعد عن منهج الإصلاح ومقوماته.
قدْ يطرأ ما يعكر صفوَ الحياة الزوجية،ويَطيح باستقرارها،ويَهدم المودَّة الربانية التي سكبَها الله سبحانه بين الزوجين،فيتحول المنْزل إلى كابوسٍ نتيجة تصرفات شيطانية وعشوائية من ربِّ الأسرة،حيث تُصعق الزوجةُ والأولاد بكثير من هذه التصرفات التي تهز مشاعرهم وتسلب السكينة من قلوبهم،وتحيل حياتهم إلى ذهولٍ واضْطراب،بدلاً من أن تتحول إلى مودة واستقرار.
وانطلاقاً من حرص الإسلام على الأسرة واستقرارها فقد جعل للمرأة سبلاً مختلفة لإصلاح الزوج وردِّه إلى الأسرة الهانئة،والحياة الرغيدة،والمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه.
قال تعالى: { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } (128) سورة النساء
قال النحاس : الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد،والإعراض ألاّ يكلمها ولا يأنس بها (1) .
في هذه الآية (ينظم حالة النشوز والإعراض حين يخشى وقوعها من ناحية الزوج،فتهدد أمن المرآة وكرامتها،وأمن الأسرة كلها كذلك . إن القلوب تتقلب،وإن المشاعر تتغير . والإسلام منهج حياة يعالج كل جزئية فيها،ويتعرض لكل ما يعرض لها؛ في نطاق مبادئه واتجاهاته؛ وتصميم المجتمع الذي يرسمه وينشئه وفق هذا التصميم .
__________
(1) - تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (5 / 403)(1/23)
فإذا خشيت المرأة أن تصبح مجفوة؛ وأن تؤدي هذه الجفوة إلى الطلاق - وهو أبغض الحلال إلى الله - أو إلى الإعراض،الذي يتركها كالمعلقة . لا هي زوجة ولا هي مطلقة،فليس هنالك حرج عليها ولا على زوجها،أن تتنازل له عن شيء من فرائضها المالية أو فرائضها الحيوية . كأن تترك له جزءاً أو كلاً من نفقتها الواجبة عليه،أو أن تترك له قسمتها وليلتها،إن كانت له زوجة أخرى يؤثرها،وكانت هي قد فقدت حيويتها للعشرة الزوجية أو جاذبيتها ) (1)
إنَّ الإسلام جعل كل أطرافِ البيت يتحملون مسؤوليةً تجاه استقرار البيت وهدوئه وطُمأنينته،فحمَّل الزوجَ المسؤولية تجاه إصلاح بيته وإصلاح زوجِه،وبالمقابل حمَّل الزوجةَ مسؤوليةَ حماية بيتها ورعايته ومسؤوليةَ إصلاحِ زوجها ورعايته،فكانت هذه المسؤولياتُ الملقاة على عاتق كل واحد حزام أمانٍ للأسرة حتى لا ينفرط عقْدها،ولا ينتَثِر وُدُّها.
وإنَّ السنة النبوية الشارحةَ للقرآن والمبينةَ له وضحت كثيراً من المفاصل الأخرى في هذه المسؤوليات.
وفي حالتنا هذه وهي حال إعراضِ الزوج ونفورِه،وقسوةِ قلبه ونشوزِه،سَمَحَ الإسلام للمرأة أن تتَدخل لتعالج الموقف وتردَّ الزوج إلى العيش الرغيد والبيت السعيد وأنْ تستخدم بعضَ الطرق المختلفة والمتنوعة حسب أحوال الناس ومعيشتهم.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 769)(1/24)
كيف يكون إصلاح الزوج؟؟
1 ـ الحوار بالتي هي أحسن:
من المشكلات التي تعاني منها الأسر اليوم قِلة طرق الحوارِ بين الزوجين،وهي دائماً مقطوعة،أو سالكةٌ بصعوبة،وهي لا تكون إلا في حالات محدودة ومعدودة.
إنَّ حكمة المرأة للمحافظة على بيتها تقتضي منها تذليل الصعوبات في هذه الطرق الحوارية،وجعلها أمراً طبيعياً في الحياة الزوجية،وتجنب المشاكسة والمعاندة فهي من أسباب زيادة الهُوة بين الزوجين "إن المشاكسة مرض عاطفي هدام ولكن علاجه ممكن ميسور" (1)
2 ـ التفاني في خدمته:
وهو أمر مطلوب شرعاً في الحالات العادية،وهو مطلوب أكثر في مثل هذه الحالات لأنه أقرب إلى تقبل الزوج وأسرع إلى الدخول إلى قلبه،وأوثقُ للعلاقة الزوجية.
والآياتُ والأحاديث أكثر من أن تحصى في وجوب طاعة الزوجة لزوجها. والأهمُّ من ذلك،لا بد أن يَعلم الرجل أن من أسبابِ السعادة المرأة،ومن أسباب الشقاء كذلك المرأة،فلا بد أن تُظْهر المرأةُ لزوجها أسبابَ السعادة والهناء فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ » أخرجه أحمد (2)
فلا بد أن يلْحظ الزوج أهميةَ الزوجة الصالحة في البيت وأنها من أهم أسباب الحياة السعيدة ولا يكون ذلك إلا بالتفاني في خدمته وخدمة بيته.
3 ـ تَدَخُّلُ والدِ الزوجة:
__________
(1) - دع القلق وابدأ الحياة دايل كارينجي. http://www.mktml.com/ib/index.php?showtopic=14528&st=80
(2) - برقم ( 1461 ) وهو حديث صحيح لغيره(1/25)
وفي حال عدم نجاح الممارسات المختلفة والمتنوعة فإنَّه لابد من خطوةٍ أخرى تكون أثْقل وأقوى في نفس الزوج وهي تدخل والد الزوجة الصالح. ونشدد على كلمة الصالح الذي يكون أكبر اهتمامه هو المحافظة على حياة ابنته وأسرتها،ويسعى دوماً إلى تخفيفِ حدة التوتر بين ابنته وزوجِها بحكمة وعقلانية.
وهذا ما حصل للسيدة فاطمة مع علي رضي الله عنهما فقد روى البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ،فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِى الْبَيْتِ فَقَالَ « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » . قَالَتْ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ شَىْءٌ،فَغَاضَبَنِى فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِى . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِنْسَانٍ « انْظُرْ أَيْنَ هُوَ » . فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،هُوَ فِى الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ،فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُضْطَجِعٌ،قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ،وَأَصَابَهُ تُرَابٌ،فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ « قُمْ أَبَا تُرَابٍ،قُمْ أَبَا تُرَابٍ » (1) .
ووالد الزوجة هنا صاحب قلبٍ كبيرٍ،ووعيٍ ناضجٍ،ولسانٍ كالعسل،ودُعابةٍ لطيفةٍ تَتَسرب إلى القلب لتزيلَ منه ما كان من غضبٍ ونفورٍ.
4 ـ تدخُّل الأصدقاء الصالحين:
الأصدقاءُ الصالحون ليسوا أقل تأثيراً في نفوس الزوج ولاسيما إذا كانوا أصحاب مكانة عند الزوج،وكانوا أصحاب علمٍ وأمانة،وكلامهم له تأثير في نفسه وتصرفاته.
فقد روى البخاري عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :آخَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ،وَأَبِى الدَّرْدَاءِ،فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ،فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً . فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِى الدُّنْيَا . فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ،فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا . فَقَالَ كُلْ . قَالَ فَإِنِّى صَائِمٌ . قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ . قَالَ فَأَكَلَ . فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ . قَالَ نَمْ . فَنَامَ،ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ . فَقَالَ نَمْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الآنَ . فَصَلَّيَا،فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا،وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ
__________
(1) - البخاري برقم ( 441 ) ومسلم (6382)(1/26)
حَقًّا،وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا،فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ . فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « صَدَقَ سَلْمَانُ » (1) .
5 ـ تدخُّل الأقارب الصالحين:
وربما تكون هذه في مراحلَ متقدمةٍ من الشقاق،قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (35) سورة النساء.
ومع ذلك فهي إحدى الوسائل المهمةِ والناجعةِ والناجحةِ في إعادة شرْيان الحياة إلى الحياة الزوجية،فتنفضُ عنها الغبار،وتزيل عنها ما لحقها من أدْران الجاهلية حيث يبين الحكمان الحقوق والواجبات لكلا الطرفين.
إن تقصير الزوجة في متابعة أخطاء زوجها،ومحاولة تصحيحها،والتقليل منها،وإهمالها في ذلك ليولِّد الكثيرَ من المشكلات التي يكون البيت في غنى عنها،منها:
1 ـ نشوز الزوج وإعراضه ونفوره.
2 ـ انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين (الطلاق النفسي).
3 ـ ضياع الأولاد بين الأبوين المتنافرين.
4 ـ انهدامُ الرابطة الزوجية.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - برقم ( 1968 )(1/27)
إشاعة ثقافة العفَّة في البيت
يقول ابن القيم "رحمه الله": إنَّ أعداءَ الدِّين يُحاربون المسلمين بسلاحين: سلاحُ الشهواتِ لإفسادِ سُلوكهم , وسلاحُ الشبهات لإفساد عقولهم "
وربَّما يكون استخدام سلاح أكثر من سلاح آخر.... في فترة محددة أقوى وأكبر.
فقد كان سلاح الشبهات فيما مضى قوياً،فكانوا تارة يشككُّون في القرآن وتارة يشكِّكون في أحكام الإسلام.... ويستأجرون بعض الأشخاص ليبثوا بين أفراد المسلمين شبهات بوسائلَ متعددة. (1)
ولكنهم اليوم استخدموا سلاحاً آخر هو سلاح الشَّهوات،وجندوا أغلب قوتهم من أجل ذلك،وساعدهم غفلة المسلمين عن خطورتها وميل النفسِ الإنسانية إليها.
قال تعالى : {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (27) سورة النساء
((فأما ما يريده اللّه فقد بينته الآيات السابقة في السورة. وفيها إرادة التنظيم،وإرادة التطهير،وإرادة التيسير،وإرادة الخير بالجماعة المسلمة على كل حال.
وأما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كل عقال : ديني،أو أخلاقي،أواجتماعي .. يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح،من أي لون كان. السعار المحموم الذي لا يقر معه قلب،ولا يسكن معه عصب،ولا يطمئن معه بيت،ولا يسلم معه عرض،ولا تقوم معه أسرة. يريدون أن يعود الآدميون قطعانا من البهائم،ينزو فيها الذكران على الإناث بلا ضابط إلا ضابط القوة أو الحيلة أو مطلق الوسيلة! كل هذا الدمار،وكل هذا الفساد،وكل هذا الشر باسم الحرية،وهي - في هذا الوضع - ليست سوى اسم آخر للشهوة والنزوة! وهذا هو الميل العظيم الذي يحذر اللّه المؤمنين إياه،وهو يحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات. وقد كانوا يبذلون
__________
(1) - يراجع موسوعة الرد على شبهات أعداء الإسلام، ففيها جمع لأهم الشهبات وردها http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=37&book=2730(1/28)
جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية في هذا المجال الأخلاقي،الذي تفوقوا فيه وتفردوا بفعل المنهج الإلهي القويم النظيف. وهو ذاته ما تريده اليوم الأقلام الهابطة والأجهزة الموجهة لتحطيم ما بقي من الحواجز في المجتمع دون الانطلاق البهيمي،الذي لا عاصم منه،إلا منهج اللّه،حين تقره العصبة المؤمنة في الأرض إن شاء اللّه....)) (1)
إنَّ من أهمِ صفات المجتمع المسلم أنه مجتمع لا تطفو الشهوة على سطحه أبداً،بل هي شهوةٌ موجهةٌ ومرتبة ومحاطة بهالةٍ عظيمة من الآيات والنصوص والأوامر والنواهي،تسير في طريق مضبوطةٍ لا تحيد عنها قيدَ أنملة،وإنْ حادت فإنها تُقَّوم وتُعاد إلى ما كانت عليه أول مرة.
وإنَّ من يحاول أن يجعل الشهوة طافيةً على سطح المجتمع يريد لهذا المجتمع أن يميلَ عن صوابه ورشْده،ويريد أن يخلع من قلوب المسلمين العفَّة والطهارةَ والحياء. فالشهوةُ الطافيةُ على سطح المجتمع سيلٌ جارفٌ يطيح بكل لبنة توضع لإصلاح المجتمع وتحصينه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ،فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ،وَجَعَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِى الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا،لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ،أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ « نَعَمْ » . وَذَلِكَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ أخرجه البخاري (2)
ففي هذا الحديث الشريف حاول النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضع يده على عيني ابن عمه الفضل رضي الله عنهما خشية الافتتان بالمرأة.
وإذا كنا نتكلم عن الأسرة المسلمة وهي جزء من المجتمع المسلم فكذلك تكون الشهوةُ في البيت شهوةً مضبوطة وموجهةً ومهذبة ومرتبة،لا تكون شهوةً عشوائية يسمح لها أن تنمو
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 632)
(2) - برقم ( 1513 )(1/29)
دون تهذيب. لذلك وجه الإسلام المسلمين إلى ضبط أمور الشهوة في بيوتهم وهو أمر مهم جداً لأن فورة الشهوة له من الآثار السلبية الشيء الكثير.
ـ ومن هذه الضوابط:
1 ـ تعليم الأولاد الاستئذان إذا أرادوا الدخول على آبائهم في غرفهم الخاصة....
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (58) سورة النور
ولنسأل أنفسنا لماذا يتكلم الله بجلاله في قرآنه العظيم عن هذه الأمور ؟
إنها الضوابط الإسلامية في مجال الأسرة حيث أنَّ ((هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم،وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم،كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم. وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية،مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية،ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر. بينما يقرر النفسيون اليوم - بعد تقدم العلوم النفسية - أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها.
والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب،سليمة الصدور،مهذبة المشاعر،طاهرة القلوب،نظيفة التصورات.
ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات. ولا يجعل استئذان الخدم والصغار في كل حين منعا للحرج. فهم كثيرو الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة : «طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ» .. وبذلك يجمع بين الحرص على عدم انكشاف العورات،وإزالة الحرج والمشقة لو حتم أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار.(1/30)
فأما حين يدرك الصغار سن البلوغ،فإنهم يدخلون في حكم الأجانب،الذين يجب أن يستأذنوا في كل وقت،حسب النص العام،الذي مضت به آية الاستئذان.
ويعقب على الآية بقوله : «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» لأن المقام مقام علم اللّه بنفوس البشر،وما يصلحها من الآداب ومقام حكمته كذلك في علاج النفوس والقلوب." (1)
2 ـ التفريق بين الأولاد في المضاجع :
لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ».أخرجه أبو داود (2) .
لأنَّ النمو الجنسي يبدأ في هذا العمر فلا بد أن نوقف كل محفزٍ له حتى ينمو بشكل صحيح "ولأن الأيام أيام مراهقة فلا بد أن يفضيَ النومُ في سرير واحدٍ إلى شهوة،فلا بدَّ من سدِّ سبيل الفساد قبل الوقوع" (3)
3 ـ تعلم الأولاد النوم على شقهم الأيمن وعدم النوم على بطونهم
فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ :« كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ » أخرجه البخاري (4)
وقَالَ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِىِّ : بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِى الْمَسْجِدِ مِنَ السَّحَرِ عَلَى بَطْنِى إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِى بِرِجْلِهِ فَقَالَ « إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ ». قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .أخرجه أبو داود (5)
فالنوم على البطن مثير. وهو يزيد عندهم المهيجات الجنسية.
إنَّ هذه الضوابط وغيرها في الإسلام.... هي للتخفيف من الشهوات في البيت المسلم،من أجل أن يعيش البيت المسلم سعيداً ينمو نمواً سليماً ويوجه توجيهاً سليماً.
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2532)
(2) - برقم ( 495 ) وهو حديث حسن صحيح
(3) - منهج التربية النبوية للطفل سويد
(4) برقم ( 1160 )
(5) - برقم (5042) وهو حديث حسن لغيره(1/31)
إنَّ من الغريبِ جداً أن لا يتنبه الآباء والأمهات إلى هذا الموضوع،ويتناسَوْنه ويتجاهلونه ويخجلُون منه. والغريبُ جداً أنَّ الآباء يُشجعون الشهواتِ عند أولادهم ويُسهلونها لهم ولا يقومون بضبط الفضائيات المختلفة....
وقد أكد استبيانٌ أجرته "مجلة ولدي" أن 98% من الأبناء يتابعون "الفيديو كليب" بشغف!
وربما سهر بعضُ الآباء مع أبنائهم ليروا مسلسلاتٍ وأفلاماً وحفلاتٍ غنائية فيها مثيرات للشهوة فما شعور الأب وهو يحفز ولده على الشهوة. وما شعور الأم وهي تحفز ابنتها على الشهوة.. وهي بقربها.؟!
"والنتيجةُ أنَّه يصعب على أي شخص مشاهدةَ أغنيةٍ مصورةٍ مع أسرته وأولاده دون أن يحمَّر وجهه خجلاً.... والسبب ببساطة أنَّنا نشاهد في هذه الأغنياتِ كلَّ ما لا يَمُتُّ إلى الغناء بصلة،وأصبحنا بصدد مشاهدةِ ((فتياتِ ليلٍ)) يحشُدْن كلَّ ((أسلحة دمارهنَّ الشامل)) للإيقاع بالمراهقين مستخدمات آخر ما توصل إليه العلم من ((سيليكون)) وخلافه!" (1) .
إنَّ هذه التربية الخاطئة لا تشكل إلا فتاة مضطربةً وشاباً مشوها.... يريد أن ينعتقَ مما فيه من الضوابط،ويُضمرَ أشياء في نفسه يريد أن يظهرها في مكان ما وفي وقت ما....
"ولقد منع أحد الآباء ابنه من مشاهدة برنامج معه في أحد الصور الخليعة،مع الحفاظ للأب بحق المشاهدة.. فسأل الطفل عن ذلك فكان جوابه: إنَّ الأطفال لا يشاهدون مثل هذه الأمور لكن فقط للكبار" (2) .
ما هذه المعايير ؟
أتحرمُ تلك المشاهدة على الصغار وهي حِلٌّ للكبار ينظرون إليها كيف يشاءون؟!
أليس الأجدر أن نتقيَ الله تعالى فلا نسمح لأنفسنا بالنظر إلى ما حرم الله،ونكون في ذلك أيضاً قدوة لأولادنا فنكسب الأجرين معاً؟!
__________
(1) ـ موقع صيد الفوائد.
(2) -(حول التربية والتعليم لـ عبد الكريم بكار).(1/32)
وينشأ ناشئ الفتيان منَّا على ما كان عوّده أبوه
... أليس الأجدر أن نخجلَ من ذنوبنا عندما نرى أولادنا وهم يحملون البراءة في أعينهم،ونحن نخفي عنهم معاصينا.
وتخجلُ منْ ناظريكّ ذنوبي فأنتَ لكبرى الذنوب متابُ (1)
لابد لنا أن نخفف محفزات الشهوة في بيوتنا إلى أدنى درجة ممكنة،إذا كنا نريد حقاً أن نحفظ أبناءنا من السيل العارم للشهوات،وبذلك ننال سعادةَ الدارين،ونستعيدُ توازن أسرنا ونشيع بذلك ثقافة العفة التي أمر الله بها.
إن فوائد تخفيف محفزات الشهوة في البيت تكمن في:
1 ـ تخفيف الاضطراب النفسي.
2 ـ الابتعاد عن الفواحش.
3 ـ التماسك الأسري.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - ديوان أحبك ربي د. دالاتي.(1/33)
إشاعة ثقافة الشورى في البيت
إنَّ من أهم الصفات التي يتصف بها المجتمع المسلم أنَّ أمورَه الصغيرةَ والكبيرةَ التي تتعلق بمصالحه،وتؤثر في اتجاهاته،تعتمدُ على قرارٍ جماعي،وتعتمد على ما سماه القرآن الكريم الشورى،قال تعالى: {.... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ..} (159) سورة آل عمران، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (38) سورة الشورى .
وكانت هذه هي صفة المجتمع المسلم في العصور الأولى فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل أمراً يهم المجتمع إلا و يشاور فيه صحابته الكرام،فقد شاورَهم في الخروج إلى بدر أو عدم الخروج (مقاتلة الأعداء)،وشاورهم في غزوة أحد.
وكذلك شاورَهم في حادثة الإفك، فوقف خطيباً على المنبر ثم قال: « مَنْ يَعْذِرُنِى مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِى أَذَاهُ فِى أَهْلِى،فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِى إِلاَّ خَيْرًا،وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا،وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِى إِلاَّ مَعِى » أخرجه البخاري (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الترمذي (2)
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يؤكدون هذا الأمر بتصرفاتهم.
لقد أنقذتْ امرأةٌ واحدة المسلمينَ في لحظة ِكان الصحابة متجهين فيها نحو الكعبة المشرفة فمنعتهم قريش ووقع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلح الحديبية (دون مشورتهم،وكانوا غير راضين عن بعض بنود الصلح ) . وقد أمرهم بالتحلل من الإحرام فأبوا كما في حديث صلح الحديبية الطويل « وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى فِى الْحَرَمِ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِى الْحِلِّ - قَالَ - فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْحَرُوا وَاحْلِقُوا ».قَالَ فَمَا قَامَ أَحَدٌ - قَالَ - ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا فَمَا قَامَ رَجُلٌ ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا فَمَا قَامَ رَجُلٌ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ
__________
(1) - برقم ( 2661 ) مطولا
(2) برقم (1818) بلا سند ووصله عبد الرزاق برقم (9721) وفيه انقطاع(1/34)
عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ مَا شَأْنُ النَّاس ِ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ دَخَلَهُمْ مَا قَدْ رَأَيْتَ فَلاَ تُكَلِّمَنَّ مِنْهُمْ إِنْسَاناً وَاعْمِدْ إِلَى هَدْيِكَ حَيْثُ كَانَ فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ فَلَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يُكَلِّمُ أَحَداً حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ فَقَامَ النَّاسُ يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ.» أخرجه أحمد (1)
إنَّ هذا المثالَ الحيَّ يُعلمنا كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرُ نساءه في كثير من الأمور حتى لو كانت أموراً متعلقة بشؤون الأمة وليست في شؤون الأسرة فقط.
إنَّ اختيار ثقافة الشورى في الأسرة ليجعلُ الأسرة أقرب إلى الحق وأبعد عن الخطأ كما الحسن البصري،قال : « ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم » (2) .
وكما قلنا سابقاً (في الشروط اللازمة لإصلاح الأسرة) ليس المهم أن يكون الحق على لساني المهم أن أتبعه ولو أتى على أي لسان من أهلي أو غيرهم. وبذلك يقول الشافعي رحمه الله: ما ناظرت أحداً إلا وتمنَّيتُ أن يجريَ الله الحق على لسانه. (3)
إنَّ كثيراً من الآباء ليتصرفون تصرفاً غير إسلامي في هذا الموضوع مع أسرهم فترى أحدهم يأخذ قراراتٍ كثيرةً تهم الأسرة كلها دون أن يعلموا بهذا الأمر،فتارة يبيع البيت أو يبيع المحل أو يزوِّج ابنته أو ما شابه ذلك والأسرة آخر من يعلم،ومن ثمَّ فإن كثيراً من الأسر تفشل في علاقاتها بسبب عدم التحاور أو التناقش في هذه الأمور.
"كما أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم،ومن ثم يحجم الأبناء،عن الحوار مع أهلهم،لأنهم يعتقدون أنَّ الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم،أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها" (4) .
__________
(1) برقم ( 19423 ) وهو حديث حسن
(2) -أخرجه ابن أبي شيبة في الأدب برقم (45) والمصنف (26267)بسند صحيح
(3) -ذكرها الشيخ سلمان العودة حفظه الله بمحاضرة له عن أدب الحوار http://www.islamweb.net/ver2/Archive/readArt.php?lang=A&id=82791
(4) - موقع صيد الفوائد المراهقة: خصائص المرحلة ومشكلاتها http://saaid.net/tarbiah/107.htm(1/35)
إن دكتاتورية الأب لا تولِّد إلا شاباً مشوهاً أو فتاة مهتزة،وتصبح اهتمامات هذا الشاب وهذه الفتاة التخلص من هذا الواقع،لذلك نرى مثلاً أن أول شاب يتقدم إلى الفتاة تقبل به حتى لو كان غير مناسب لتتخلص من ديكتاتورية والدها.
إنَّ الشورى الأسرية لا تنقص من مكانة الرجل بل بالعكس ترفعه في أعين أولاده وتزيد هيبته ومحبته وتهديه معهم إلى سواء الصراط.
ـ إنَّ الفوائد التي نجنيها من هذه الشورى الأسرية كثيرة ومتنوعة نجمل بعضها فيما يلي:
1 ـ الالتزامُ بمنهج الله في شؤون الحياة.
2 ـ القدرةُ على الحوار وتقبل الآخرين:
"وتذكر أن المحاورة مع طفلك تعلمه الطلاقةَ في الكلام وتساعدُه على ترتيب أفكاره وتنمي شخصيته وتزيدُه قرباً منك" (1) .
فكثير من الأولاد والنساء إذا جلسوا مجلساً لا يستطيعون إبداء آرائهم لأنهم لم يتعودوا هذا في بيوتهم،وكثير منهم لا يتقبلون الآخرين لأنهم لم يتعودوا هذا في بيوتهم أيضاً....
وهذا خطير على نشأة الأولاد وعلى مستقبلهم واندماجهم في الحياة.
3 ـ تفتق المواهب: إنَّ عمليةَ التفكير صعبةٌ ولكن عندما يُسأل الإنسان يبدأ بجمع الخيوط لينسج حلاً وربما يكون حلاً متميزاً.
4 ـ الابتعاد عن الخطأ.
5 ـ إذا وقعَ الخطأ بعد المشورة يتحمل الجميع الخطأ ولا يتهم أحد بالتقصير. (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - د. حسان، كيف تربي أبناءك في هذا الزمان.
(2) - ينظر كتاب فقه الاستشارة لناصر بن سليمان العمر http://saaid.net/book/open.php?cat=82&book=341(1/36)
إشاعة ثقافة الرفق في البيوت
عندما ندخل إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ونرى طريقة معاملته مع زوجاته وأسرته نجد هناك ثقافة أساسية في حياته ومحوراً أساسياً في حياته وهي ثقافة الرفق....
فقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرفق،منها: عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ . فَقُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ . فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ » . قُلْتُ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ « قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ » أخرجه البخاري (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ »أخرجه مسلم (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ » أخرجه مسلم (3) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: ((الرفق هو لينِ الجانب بالقول والفعل وَالْأَخْذ بِالْأَسْهَلِ،وَهُوَ ضِدّ الْعُنْف)) (4) .
ملاحظة مهمة:
ومن الملاحظ أن أغلب أحاديث الرفق ترويها السيدةُ عائشة،وفي هذا إشارة إلى إشاعة ثقافة الرفق بين أطراف الأسرة جميعاً وهم الزوج والزوجة والأولاد....
__________
(1) - برقم ( 6927 )
(2) - برقم ( 6766 )
(3) - برقم (6767)
(4) - منهاج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تصحيح الأخطاء - (1 / 224) ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - (6 / 2157) والمعلم الأول - صلى الله عليه وسلم - لفؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
http://saaid.net/book/open.php?cat=5&book=282(1/37)
إنَّ هذا الرفقَ والأخذَ بلين الجانب في الأسرة لا يخدشُ رجولة الرجل ولا يحطُّ من قيمته بل بالعكس إنَّه يرفع مكانته ويضعه في مكان العفو القادر.
لكن كثيراً من الرجال يفهمون الرفق فهماً خاطئاً ويظنُّون أنَّ الرفق في الحياة الزوجية عبارة عن ذلٍ وانكسار وخضوع للمرأة....
فترى أحدهم خارجَ البيت أكثرَ الناس حواراً ونقاشاً،و أكثر ضحكاً وابتساماً،وأكثر حركة وحيوية. ثم إذا دخل بيته كان أقلَّ الناس حواراً، وأكثرهم عبوساً وتقطيباً،وأثقلهم حركة ونشاطاً.(( ومن أهمِّ صفاتِ المجتمعِ المسلم هو أنَّه مجتمع يحلُّ مشكلاته عن طريق التفاهم )) (1)
وهذه صفة ملازمة للمجتمع المسلم فلا يمكن بحال من الأحوال أن تنفك عنه،ويجب أن تكون ملازمة للأسرة المسلمة لأنها اللبنة الأولى فيه.
لكن كثيراً من الرجال يلجئون إلى حل مشكلاتهم الزوجية عن طريق العنف،مع أنَّ الإسلام أكد على الرفق ونهى عن ضرب الزوجات ومعاملتهن بقسوة- إلا عند الضرورة على سبيل التأديب كما قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء أي ضرا غير مبرح إذا لزم الأمر ذلك فقط،وهو نادر جدا-
وبين - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أنَّ شرار الأزواج هم الذين يضربون زوجاتهم.
فعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ». فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ. فَرَخَّصَ فِى ضَرْبِهِنَّ
__________
(1) الإسلام رؤية كونية للدكتور عبد الكريم بكار
http://www.bab.com/persons/99/show_particle.cfm?article_id=438(1/38)
فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ » أخرجه أبو داود (1) .
وكثير من الرجال يحاولون أن يسدوا ثغرة ضعفهم في البيت وطريقة إقناعهم عن طريق القوة العضلية.
حيث بينت دراسة في إحدى الدول العربية "أن 88% من النساء يتعرضن للضرب من أزواجهم" (2) .
ولكنه أيضا منتشر في كثير من المجتمعات الأوربية وقد قرأت أحد الدراسات التي أكدت أن 70% من الزوجات في أوربا يتعرضن للضرب من أزواجهم وعلى مرآى من أبنائهن
بل ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف حتى في الدول المتقدمة (3)
و التقارير تشير إلى أن هناك 60% من الزوجات يتعرضن للضرب في فرنسا،و 50% في أمريكا والغرب،وهذه النسب تمثل الحالات المسجلة فقط في المحاكم ومراكز الشرطة. وتفيد التقارير الإحصائية المنشورة،بأن الضرب العنيف الذي يضاف على خانة جرائم قتل الزوجات قد بلغ 42% وهناك 17% من الحوامل يتعرضن للضرب وفي أمريكا وبعض دول الغرب توجد شرطة خاصة لأنقاذ الزوجات من الضرب (4) .
وتتعدد الأسباب التي تجعل الرجل يستخدم قوته العضلية:
"السبب الأول: الطبيعة غير السوية عند بعض الرجال بسبب العقد النفسية الكامنة في الصغر أو القهر والضغوط النفسية في العمل فيجد في ضرب الزوجة متنفساً
__________
(1) - برقم ( 2148 ) وهو حديث صحيح
(2) - عبد الحميد الأنصاري مجلة العربي العدد رقم 548 العنف ضد المرأة.
(3) انظر http://www.asharqalarabi.org.uk/center/dirasat-alunf.htm http://www.awrd.net/look/article.tpl?IdLanguage=17&IdPublication=1&NrArticle=1004&NrIssue=1&NrSection=19
(4) - http://www.sotakhr.com/index.php?id=679(1/39)
السبب الثاني: فهم مغلوط للرجولة ،إذ تعني عند البعض أن يكون الرجل شديداً حازماً،لأنَّ المرأة عندهم إنما تحترم الزوج الذي يضربُ لا الزوج المتسامحُ الطيب" (1) .
(إنَّ الرجل الذي يستعمل عضلاته في منع زوجته أو أولاده من أمر معين هو إنسان ضعيف،وعليه أن يعيد ترتيب حياته،ويبحث جيداً في طريقة أخرى "لابد أن نعلم أن القيادة ليست رفع صوت أو شتائم أو قسوة إنما القيادة أخلاقٌ ومن يقود بالطريقة الأولى فليعلم أنه منبوذ ولن يستمر طويلاً" (2) .
فإنَّك إن أردت شيئاً من زوجتك أو أبنائك فإن الطريقة المثلى هي المعاملة برفق.
وقد دلَّت الدراسات أن الأسر التي تتعامل بالرفق هي أكثر تماسكاً،بينما تزداد نسبة الطلاق من الرجال الذين يحاولون أن يحلوا مشكلاتهم بالقوة....
إنَّ إشاعة ثقافة الرفق أمرٌ مهمٌ في حياة كل مسلم لأنَّ لها فوائد عديدة :
1 ـ تستطيع أن تحصل على ما تريد من زوجتك وأولادك بالرفق.
2 ـ يعلمك الصبر لأن الله أمر بالصبر على الزوجة والاصطبار عليها.
3 ـ زيادة العلاقة بين أفراد الأسرة وزيادة الترابط الأسري فالكل يعلم أن القلوب حوله لها حنان خاص.
4 ـ لا يخاف الأولاد من بعض التقصير أو الأخطاء فيصارحون الآباء لعلمهم أن معاملة أبنائهم لن تكون إلا بالرفق والحنان.
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - عبد الحميد الأنصاري مجلة العربي العدد رقم 548 العنف ضد المرأة.
(2) - صناعة القائد طارق السويدان(1/40)
إشاعة ثقافة المصارحة في البيوت
إنَّ من أكبر الميزاتِ التي امتاز بها الإسلام عن بقية الشرائع السماوية هي الوضوحُ في كل شيء،فلا يوجد في الإسلام شيء غامض ولا يوجد في الإسلام معلوماتٌ محجوبةٌ عن مجموعة وهي مسموحة لمجموعة أخرى،فلا ضبابية في الإسلام،وإنما الصفة الملازمة للإسلام هي وضوح الرؤية في كل شيء.
فالمسلم واضح في علاقاته كلِّها....
فعلاقته مع ربه عزَّ وجلَّ علاقة عبودية.
وعلاقته مع نبيّه - صلى الله عليه وسلم - علاقة محبة واتباع
وعلاقته مع المسلمين علاقة أخوة ومحبة
وعلاقته مع أسرته علاقة رعاية وإنفاق وإشراف
وعلاقته مع أهل الكتاب - غير المحاربين -علاقة تعايش....
وليس هنالك أوضح من قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (67) سورة المائدة .
واستدل العلماء بهذه الآية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلَّغَ كلَّ ما أنزل إليه من ربهِّ.
وإذا كان الوضوح هو الصفةُ الملازمة للإسلام،فكذلك يجب أنْ يكون الوضوح والمصارحة ،هو الصفة الملازمة للأسرة التي هي نواة المجتمع المسلم....
إنَّ كثيراً من الناس يبنون حياتهم على الغموض،فتفاجأ الزوجة أو يفاجأ الزوج بأمور لم تكن بالحسبان،ومن ثمَّ تحصل المشكلات نتيجة لذلك. ولقد أعطانا القرآن الكريم مثلاً راقياً جداً في المصارحة،وهذا المثال الرائع قد نمرُّ عليه في القرآن الكريم دون أن نقف على دلالته وعلى أهميته لا سيما في هذه الحياة الصعبة....(1/41)
وذلك في قصة موسى عليه السلام مع إحدى ابنتي الرجل الصالح عندما قالتْ هذه الفتاة لأبيها،كما ورد في القرآن الكريم : {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (26) سورة القصص.
(( إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم،ومن مزاحمة الرجال على الماء،ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال. وهي تتأذى وأختها من هذا كله وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيت امرأة عفيفة مستورة لا تحتك بالرجال الغرباء في المرعى والمسقى. والمرأة العفيفة الروح،النظيفة القلب،السليمة الفطرة،لا تستريح لمزاحمة الرجال،ولا للتبذل الناشئ من هذه المزاحمة.
وها هو ذا شاب غريب طريد وهو في الوقت ذاته قوى أمين. رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما. وهو غريب. والغريب ضعيف مهما اشتد. ورأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر حين توجهت لدعوته. فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والتبذل. وهو قوي على العمل،أمين على المال. فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه. وهي لا تتلعثم في هذه الإشارة ولا تضطرب،ولا تخشى سوء الظن والتهمة. فهي بريئة النفس،نظيفة الحس ومن ثم لا تخشى شيئا،ولا تتمم ولا تجمجم وهي تعرض اقتراحها على أبيها.
ولا حاجة لكل ما رواه المفسرون من دلائل قوة موسى. كرفع الحجر الذي يغطي البئر وكان لا يرفعه - فيما قالوا - إلا عشرون أو أربعون أو أكثر أو أقل. فالبئر لم يكن مغطى،إنما كان الرعاء يسقون فنحاهم وسقى للمرأتين،أو سقى لهما مع الرعاء.
ولا حاجة كذلك لما رووه عن دلائل أمانته من قوله للفتاة : امشي خلفي ودليني على الطريق خوف أن يراها.
أو أنه قال لها هذا بعد أن مشى خلفها فرفع الهواء ثوبها عن كعبها .. فهذا كله تكلف لا داعي له،ودفع لريبة لا وجود لها. وموسى - عليه السّلام - عفيف النظر نظيف الحس،وهي كذلك،والعفة والأمانة لا تحتاجان لكل هذا التكلف عند لقاء رجل وامرأة. فالعفة تنضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف ولا اصطناع! واستجاب الشيخ(1/42)
لاقتراح ابنته. ولعله أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة متبادلة،وميلا فطريا سليما،صالحا لبناء أسرة. والقوة والأمانة حين تجتمعان في رجل لا شك تهفو إليه طبيعة الفتاة السليمة التي لم تفسد ولم تلوث ولم تنحرف عن فطرة اللّه. فجمع الرجل بين الغايتين وهو يعرض على موسى أن يزوجه إحدى ابنتيه في مقابل أن يخدمه ويرعى ماشيته ثماني سنين. فإن زادها إلى عشر فهو تفضل منه لا يلزم به.«قالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ،عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ. فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ. وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ».
وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه من غير تحديد - ولعله كان يشعر كما أسلفنا - أنها محددة،وهي التي وقع التجاوب والثقة بين قلبها وقلب الفتى. عرضها في غير تحرج ولا التواء. فهو يعرض نكاحا لا يخجل منه. يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل،ولا ما يدعوا إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد،والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة،وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة سخيفة،تمنع الوالد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته لابنته أو أخته أو قريبته وتحتم أن يكون الزوج أو وليه أو وكيله هو الذي يتقدم،أو لا يليق أن يجيء العرض من الجانب الذي فيه المرأة! ومن مفارقات مثل هذه البيئة المنحرفة أن الفتيان والفتيات يلتقون ويتحدثون ويختلطون ويتكشفون بعضهم لبعض في غير ما خطبة ولا نية نكاح. فأما حين تعرض الخطبة أو يذكر النكاح،فيهبط الخجل المصطنع،وتقوم الحوائل المتكلفة وتمتنع المصارحة والبساطة والإبانة! ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من يرغب في تزويجهن منهم. كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل،لا تخدش معه كرامة ولا حياء .. عرض عمر - رضي اللّه عنه - ابنته حفصة على أبي بكر فسكت وعلى عثمان فاعتذر،فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا طيب خاطره،عسى أن يجعل اللّه لها نصيبا فيمن هو خير منهما. ثم تزوجها - صلى الله عليه وسلم - وعرضت امرأة نفسها على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فاعتذر(1/43)
لها. فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء. فزوجها رجلا لا يملك إلا سورتين من القرآن،علمها إياهما فكان هذا صداقها.
وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع الإسلامي يبني بيوته ويقيم كيانه. في غير ما تلعثم ولا جمجمة ولا تصنع ولا التواء.
وهكذا صنع الشيخ الكبير - صاحب موسى - فعرض على موسى ذلك العرض واعدا إياه ألا يشق عليه ولا يتعبه في العمل راجيا بمشيئة اللّه أن يجده موسى من الصالحين في معاملته ووفائه. وهو أدب جميل في التحدث عن النفس وفي جانب اللّه. فهو لا يزكي نفسه،ولا يجزم بأنه من الصالحين. ولكن يرجو أن يكون كذلك،ويكل الأمر في هذا لمشيئة اللّه.. (1)
إنها أعلى درجات المصارحة،وعندما يضرب الإسلام أعلى الدرجات في المصارحة،فيعني هذا أن أدنى الدرجات أولى بذلك.
فكثير من المسلمين لا يتصارحون في أدنى الأمور في البيت،لذلك تجد أنَّ أصدقاء الأولاد يعرفون عن الأولاد أكثر من آبائهم،وصديقات الزوجة يعلمْنَ عن الزوجة أكثر من زوجها،وصديقات البنات يعرفْن عن البنات أكثر من أمهاتهن.
إنَّ الخطوة الأولى في المصارحة تكون من الآباء لا من الأبناء،فالولد والبنت لا يستطيعان أن يصارحا الأبَ أو الأمَّ في بداية الأمر،فلا بد من أن تكون الخطوة الأولى من الوالدين في البيت حتى يتعود الأولاد المصارحة.
"ولا تتولد مثلُ هذه المصارحة إلا من خلال تربية من الوالد،ومن خلال جهودِ الوالد من خلال تشجيعِ الفتى على طرح المشكلات" (2) .
إنَّ للمصارحة في البيت فوائد عديدة :
1 ـ الجرأةُ والقدرةُ على الحوار:
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2687)
(2) - عماد الدين الرشيد العلاقات الداخلية في الأسرة.(1/44)
فكم من شاب نشأ وصار في مصافِّ الرجال وهو لا يستطيع أن يتكلم ولا يعرف كيف يتكلم،فالمصارحة تجعل الشاب يميل إلى الجرأة والدفاع عن فكرته وما يريد.
2 ـ القدرةُ على تمييز الخطأ من الصواب:
فبالمصارحة تطرح الأمور على بساط البحث ومن ثم يميز الخطأ من الصواب.
3 ـ زيادة الثقة بين الآباء والأبناء.
4 ـ زيادة الترابط الأسري.
5- إخراج مكنونات النفس وعدم تراكمها:
والتقريب بين وجهات النظر وأنماط السلوك،والشعور بالثقة المتبادلة،والوقاية من كثير من المشكلات وحلها في مهدها قبل تفاقمها،بالإضافة إلى أن فيها إشعارًا لكل طرف بأهميته عند الطرف الآخر
- - - - - - - - - - - - - -(1/45)
أدب الاختلاف ضمانة لأسرة متماسكة
يشكو كثيرٌ من الآباء الشِجار المتكرر بين أولادهم،وأنه ما إن يخرج من البيت حتى يسمعَ صوت أولاده قد وصل إلى الشارع ويسمع صوتَ زوجته وهي تصيح عليهم،وربما يرى الشجار بينهم بأم عينه فلا يعلم كيف يوفق بينهم وكيف يجمعهم وكيف يزيل الشقاق بينهم؟!
إنَّ هذا الشجار الذي يقع في البيت المسلم صورة مصغرة لما يقع في المجتمع المسلم بين الأفراد وبين الدول.
فإذا كان الله قد وصف المؤمنين بأنهم إخوة فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات .
فهذا يعني أنهم يعيشون في بيت واحد لكنه كبير بعض الشيء وهو المجتمع بأكمله،ومع هذا الوصف الذي وصفه الله للمؤمنين بأنهم إخوة فإنَّ كثيراً منهم لم يحققوا هذه الأخوة على واقع الأرض بل استبدلوا بها حقداً وحسداً حتى صار شعار العالم الإسلامي:
نقذِف نشتمُ نتشاجرْ
نحسُد نبغضُ نتفاخرْ
وكلٌ منا يتهم الآخرْ (1) .
إنَّ المشاجرة بين الأبناء في البيت الواحد مشكلة كبيرة جداً قد تؤدي في بعض الأحيان إلى التفكير السلبي بأن يؤذي الأخ أخاه ويكيد له كيداً وقد ذكر الله سبحانه وتعالى كيف كاد أخوةُ يوسف لأخيهم حتى أنهم باشروا العمل وألقوه في غياهب الجبِّ،قال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (15) سورة يوسف
__________
(1) - الأبيات للمؤلف(1/46)
لذلك كان لزاماً على الآباء أن يتعلموا كيف ينقلون أبناءهم من هذه الحالة السلبية إلى حالة أخرى أقل سلبية وأكثر إيجابية،وهذا يكمن في أساليب كثيرة منها تعليم الأولاد أدب الاختلاف واحترام الآخر،وهو موضوع مهم جداً في العلاقات الأسرية والاجتماعية.
ومعنى أدب الاختلاف ببساطة: أن أحترم الذي أمامي بما يقول ويطرح ويفكر،وأن أنطلق في محاورته من نقاط الاتفاق لا من نقاط الخلاف.
لذلك كان الفقهاء يقولون كلامنا صواب يحتمل الخطأ تأكيداً منهم على قبول الرأي الآخر واحترامه.
إنَّ أدبَ الاختلاف عبادةٌ لله سبحانه لأنه طاعة لله وطاعة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام،وليس هناك أوضح دلالة من الآيات والأحاديث في ذلك.
فلا بدَّ أن نعلم أولادنا منذ صغرهم أدبَ الاختلاف وأن نقنعهم بأننا لا يمكن أن نسوقَ العالم كلَّه لأفكارنا دون أن نعطيَ الطرف الآخر حريةَ إبداءِ ما عنده وحرية التفكر والتصرف. والتركيز على هذا الأدب ضمانةٌ أكيدةٌ لأسرة متماسكة،فالذي يخالفني في الرأي هو أخي،واستيعاب هذا الخلاف عبادة لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستمع تماماً إلى ما يقوله المشركون ثمَّ بعد ذلك يعرض عليهم الإسلام ويناقشهم ويحاورهم دون حديات جازمة،مع التأكيد على "أن الخلاف بين الأولاد ليس كله ضاراً وليس بالسوء الذي يبدو للكبار" (1) .
إننا بتعليم أولادنا هذا الأدبَ نجتنبُ نقطتين مهمتين:
ـ الأحادية: فينشأ الطفل وهو يعلم أنَّ كلامه ليس نهائياً إنما قابل للمناقشة والحوار ولا بد له من تقبل الآخر.
ـ تجنبُ الصراخ والشجار: فالذي يظنُّ أنَّه ضعيف في فكرة يستعيض عنها بالصراخ وربما القوة العضلية.
إنَّ الاختلاف هو سنةُ الله في عباده،لكنْ يجب أن نعلمَ أن الاختلاف شيء والتنافر شيء آخر،لذلك لابد أن نعلم أولادنا كيف نختلف وكيف يكون الأدب الضابط لذلك.
__________
(1) - أبنائكم يتشاجرون ؟ ... إليكم الحل http://saaid.net/tarbiah/65.htm(1/47)
ويجب أن نعلم أيضاً أن الشجار والتنافر بين الأولاد في البيت له أسباب عديدة،ومن هذه الأسباب:
1 ـ الغيرة بسبب التفضيل بين الأولاد.
2 ـ انشغال الآباء عن أولادهم.
3 ـ شجار الأبوين أمام أولادهم.
4 ـ عدمُ وجود برنامج للأولاد يشغلهم عن الخلافات التافهة.
وبمعرفة هذه الأسباب ومعالجتها يمكن أن ينشأ الأولاد على درجة عالية من الوعي في هذه الأمور.
ولعل أبرز النتائج التي يمكن تحصيلها من تعليم الأولاد هذا الأدب هي:
1 ـ التماسكُ الأسري: و"الأولاد الذين يسمح لهم ببعض الجدال في صغرهم فيصبحون عادة أشد قرباً من بعضهم في كبرهم" (1) .
2 ـ القدرةُ على المحاورة والمناقشة.
3 ـ تقبلُ الآخر.
4 ـ توسيعُ الآفاق وتمحيص الأفكار كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:( إنِّي رأيتُ مناقشةَ الرجال تمحيصاً لأفكارهم ) (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - غضب الصغار كيف نعالجه؟ http://pr.sv.net/SVW/2005/NOVEMBER/page076.htm
(2) - د. وهبة الزحيلي، الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.(1/48)
عدم التذكير بالماضي المزعج
ما من إنسان إلا وقصَّر في حياته وأخطأ سواء كان هذا الخطأ كبيراً أو صغيراً،وهذه من صفات ابن آدم التي جبله الله عليها،ولذلك ورحمة بنا وردت آيات وأحاديث كثيرة تشجع على التوبة والإنابة والاستغفار قال تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (114) سورة هود
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا » (1)
وطلب الإسلام من المسلمين قبول التائب وقبول توبته وعدم التذكير في كل لحظة بالخطأ الذي ارتكبه،وتوعد أولئك الذين يحكمون على الناس بعدم قبول التوبة،وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَ « أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فَإِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ » (2) .
وعصرُ الصحابة رضي الله عنهم الذي هو خير القرون وجد فيه من وقع في الخطأ ورجع وأناب وتاب وقبل الناس توبته ولم يقفوا عند أخطاء من أخطأ،فلم يذكر التاريخ أن الصحابة عيروا كعب بن مالك رضي الله عنه لتخلفه عن غزوة تبوك بعد توبة الله عليه
وكذلك لم يذكر أن أحداً من الصحابة عيَّر حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه على ذنبه بإخبار قريشٍ نيةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوهم بعد التوبة والإنابة.
__________
(1) - برقم (7165)
(2) - برقم ( 6847 )(1/49)
ويوم تكلم خالد رضي الله عنه عن المرأة الغامدية التي زنت - وهي محصن - بعد رجمها نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: « مَهْلاً يَا خَالِدُ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ » . ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. أخرجه مسلم مطولا (1) .
وبما أنَّ الأسرة هي جزء من المجتمع المسلم فإن ما ينطبق عليه ينطبق عليها تماما.
إنَّ كثيرا من الناس تتملكهم الرغبة الشديدة والقوية في تذكير الناس بماضيهم السيئ أو المزعج،فكلَّما جلسوا مجلسا واجتمعوا في مكان يبدؤون بتذكير الناس بهذا الماضي،وهذا يحدث للإنسان وهو كبير يريد أنْ يتوب من فعل اقترفه في سالف حياته،لكنَّ النَّاس لا يريدون أن يتوبوا عليه أو يقبلوه،فكلما أراد أن يؤسس لحياة جديدة خرج له بعض الأشخاص يذكرونه بما عاهد الله على ألا يعود إليه.
والحقيقة أنَّ الإنسان يكون أكثر تعرياً في التصرفات أمام أسرته وفي بيته،فأغلب الآباء يعرفون أولادهم كيف ارتقوا وتربوا وكيف انتقل الولد من فكرةٍ سالبةٍ إلى أخرى موجبة أو من خطيئة إلى حسنة وكثير من الأزواج يعلمون هنات زوجاتهم وهنا ويا للأسف الشديد يكون الاطلاع على مثل هذه الأمور مدعاة للسخرية والتذكير بها في بعض المجالس.
فمثلا كثير من الآباء يجلسون مع ضيوف ويجلس معهم الأولاد فيبدأ الأبُ بذكر ما فعله أولاده من هنات (والأولاد جالسون يسمعون)،أو بالأفكار التي كانوا يدينون بها. ويضحك الأب ويضحك الضيوف دون الاهتمام بأن الأولاد قد كبروا وتغيَّروا،إنَّه الأمر الذي يجعل الأثرَ السلبي كبيراً على نفوس الأولاد.
والشيء نفسه يتكرر مع الأزواج لزوجاتهم،فيذكر الزوج هنات زوجته التي أقلعت عنها أمام أقاربهما مما يسيء إلى الزوجة.
ليس هناك أشدُّ تخريباً للعلاقة الأسرية من التذكير بالماضي السيئ والمزعج في كل لحظةٍ مما يجعل الحياة جحيما لا يطاق.
__________
(1) - برقم(4528) ( مَهْلًا ): أَيْ أَمْهِلْ مَهْلًا وَارْفُقْ رِفْقًا فَإِنَّهَا مَغْفُورَة فَلَا تَسُبّهَا(1/50)
إن استدعاء الماضي للتقليل من شأن الآخرين،وغض الطرف عن أفعالهم الحسنة إنما يدل على إنسان مريض نفسيا يريد أن يبني شموخه وشهوته على أنقاض الآخرين والحطَّ من قدرهم ولعل هذا الفعل السيئ بتذكير الناس بماضيهم المزعج له آثاره السيئة الجلية منها:
1ـ الكراهيةُ : حيث يكره الابن أن يجلس مع أبيه وكذلك الزوجة تكره الجلوس مع زوجها.
2ـ الإصرارُ على المعصية: حيث سيكون ترك الفعل أو عدمه سيان،وهذا ما يحصل لكثير من الشبان الذين يتعلمون بعض العادات السيئة ويريدون أن يتوبوا فيكون التشهير بهم سببا للإصرار على فعلهم.
3ـ الوصولُ إلى درجة الوقاحة: حيث يبقى الرجلُ يذكر ولده بفعل معين ويذكر ويذكر دون حكمة حتى يخلعَ الولد ما كان عليه من احترام ويصل إلى درجة الوقاحة فيقول هذا أمر يخصني وحدي ولا دخل لأحد به.
إنَّ التذكير بالماضي المزعج خطير جدا إذ يحطم الروابط الأسرية،ويبدل بها روابط أخرى مبنية على الكراهية والشماته.
وإن الحل الأمثل لهذا الماضي هو نسيانه ووضعه في مكان آمن من الذاكرة لا يمكن الوصول إليه بحال من الأحوال،والنظر إلى المستقبل والعمل على تحسينه.
- - - - - - - - - - - - -(1/51)
السعيُ إلى التمَيُّز الأسري
إنَّ من أهم الصفات التي اتصفت بها الأمة الإسلام عن سائر الأمم أنها أمة متميزة ومستقلة،وهذا التميز وهذه الاستقلالية جاءت في الكتاب والسنة قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (110) سورة آل عمران
وقوله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ...} (143) سورة البقرة
قال ابن كثير : الوسط هو الخيار والأجود
وأمَّا في السنة الشريفة فقد وردت عدةُ أحاديثَ تؤكد استقلالية هذه الأمة وتميزها،من ذلك ما رواه البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ،وَفِّرُوا اللِّحَى،وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ » (1) .
والتميُّز مطلوب حتى في اللباس،فالمسلم لا بد أن يكون ذا مظهر حسن،وهذا ما رواه أبو داود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِى النَّاسِ،فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ » (2) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ »أخرجه أبو داود (3) .
وبما أن الأسرة المسلمة هي الخلية الأولى في المجتمع المسلم فلا بد أن تكون هذه الصفة ملازمة وملاصقة لها.
__________
(1) - برقم ( 5892 )
(2) - أبو داود برقم (4091) وهو حديث حسن
(3) - برقم ( 4165) وهو صحيح(1/52)
إنَّ طلب الواحد منا أن تكون أسرته متميزة عن سائر الأسر ليس أنانيةً بل هو مطلب شرعي نبه الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه الكريم، فقال حكاية عن سيدنا زكريا عليه السلام: { رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) }[مريم/4-6]
وقال حكاية على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (128) سورة البقرة .
وقال حكاية عن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان.
وفي مقام القرب لم ينسَ إبراهيم عليه السلام ذريتَه ؛كما قال تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة.
إنَّ التميز الأسري ضرورة ملحةٌ،ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه التفريعات والاختصاصات،إذ أن كثيراً من الأسر لا تعرف أي نوع من أنواعِ التميز،إنما تعيش هكذا دون هدف ودون برمجة لحياتها،بلْ إن الميزة الوحيدة لها تنحصر في أهدافٍ بسيطة جدّاً كنجاح في مدرسة أو الحصول على سيارة وغير ذلك.
إن التميَّز الذي يطلبه الإسلام هو تميزٌ بالشخصية،وبالفكْر الوَقادِ،والعمل الجاد،والأهدافِ السامية،ولا يمكن للمسلمين أن يسترجعوا هيبتهم ومكانتهم بين الأمم إلا إذا استعادوا التميز بأقل درجاته؛ وأقل درجات التميز هي أن يكون الفرد المسلم يقابل بقوته _ المادية والمعنوية - وتفوقه في مجاله اثنين من الكفار. قال الله سبحانه {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (66) سورة الأنفال.(1/53)
فالنسبة في المعركة هي (واحد من المسلمين إلى اثنين من المشركين أي 1/2)،وهذه الآية محكمة لم يرد فيها ناسخ فهي معمول بها إلى يوم الدين
فإذا كان هذا الأمر في المعاركِ الحربيةِ واجباً، فإنه في المعارك الحياتية أوجب (1) .
فالطبيب المسلم لا بد أن يكون بطبِّه بمقدار اثنين من أهل الشرك.
والشاعر المسلم لا بد أن يكون مقابل اثنين من الشعراء الآخرين وهكذا. وهذه أدنى درجات التميز التي يجب أن نعمل على تربية أسرنا عليها.
إنَّ هناك خطواتٍ عمليةً لجعل الأسرة متميزة منها:
1 ـ طلبُ التميز من الله سبحانه: وقد علمنا القرآن ذلك في أكثر من موضع،فقال حكاية على لسان زكريا عليه السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} (38) سورة آل عمران. فطلب من الله أن تكون ذريته طيبة.
وقال حكاية على لسان إبراهيم عليه السلام : {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } (100) سورة الصافات.
2 ـ إطلاقُ بعض الألقاب والصفات الحسنة على الأولاد: كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام حيث إن لهذه الألقاب دورا مهماً في حياة الإنسان،فهو يحاول دائما أن يتصف بهذا اللقب أو ذاك،وهذا ما حصل للحسن رضي الله عنه فقد روى البخاري عَنْ أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - أَخْرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ،فَقَالَ « ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ،وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » (2) .
وإطلاق هذا اللقب على الحسن رضي الله عنه لم يذهب سدى،بل كان هو سيد الموقف عندما تنازل لمعاوية بن أبي سفيان عن الأمر رضي الله عنهم جميعا،وجمع الله به كلمةَ المسلمين حتى سُمي ذلك العام بعام الجماعة.
__________
(1) - لا يقصد بكلمة الواجب هنا ما يقصده الفقهاء وإنما يقصد بها التأكيد.
(2) - برقم(3639)(1/54)
ولعل من بعض الألقاب التي تؤثر في نفسية الأولاد: صاحب الهمة ـ أبو المعالي ـ الحافظ ـ العفيفة ـ الثقة ـ الصدوق وغير ذلك مما يجعل الأولاد يلتزمون بهذه الصفات ويسعون ليتميزوا بها.
3 ـ الاهتمامُ بتحويل الأم إلى أم متميزة،ورفعها من المستوى الذي تعيشه نساء هذا العصر من تفاهات وترهات.
4 ـ توضيحُ معايير النجاح والتميز: حيث إن الكثير من الأولاد لا يعرفون معيار النجاح الحقيقي ومتى يكون المسلم ناجحا ومتى يكون فاشلاً،وهذا من الأمور الخطيرة التي يجب بيانها فمثلا يجب أن يعلم الأولاد أن المعيار الأول للنجاح هو رضا الله سبحانه وأن كثيرا من الأمور التي نظنها ناجحة هي بمعيار الرضا الإلهي غير ذلك (1) .
5 ـ تعليمُ الأولاد سير المتميزين الذين خدموا أمتهم: مثل الأنبياء والصالحين والمجاهدين وما قدموا لأمتهم،واصطحابهم لملاقاة العاملين الصالحين،وحضور مجالسهم،فقد دلت دراسة على أن "63% من المشاهير كانوا قد تعرفوا على مشاهير في مرحلة مبكرة من العمر" (2) .
وتحفيظهم أشعار الطموح مثل نشيد المستقبل:
ستصبح يا بنيّ فتى تشير إليه كلُّ يدِ
فتىً يبْني لأمَّته صروحَ الخيرِ والرشدِ
سَتُسهمُ في سعادتِها بعونِ الواحدِ الأحدِ
وسوفَ أرى بإذن اللهِ أنَّ خطاكَ لمْ تَحِدِ
تسيرُ إلى العلا شَهْماً بِعَزمٍ منك متقدِ ...
000000000000000
إنْ تَكُنْ تاهتِ السفينةُ يَوْماً فَلَقَدْ جاءها الفتى الربانُ
__________
(1) - انظر آخر الكتاب أي بنيتي
(2) - تطور العبقرية العلمية http://www.bafree.net/forum/archive/-45481.htm(1/55)
مسلمٌ صاغَهُ الوُجودُ وُجوداً بعينَيه تُشرق الأوطان (1)
إن السعي إلى التميز ومنه التميز الأسري ضرورة حتمية وليست ترفاً اجتماعيا أو أخلاقياً،وهي ضرورةٌ يمليها علينا واجبنا الإيماني والخلقي وهي وسيلة من وسائل الدعوة،لأن كثيراً من الناس لن يدخلوا الإسلام إذا لم يكن أهله شامة بين الناس في كل المجالات.
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صناعة القائد(1/56)
الحسم في المخالفات الشرعية
إنَّ الإسلام جاء للعالم كله،وهذا يعني أنه منفتح على العالم كله. قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء .
ولكن هذا الانفتاح له ضوابط وقواعد لا يجوز أن يتعداها،فإذا تعداها حرم ذلك
وأما اليوم فقد فرض هذا الأمر على المسلمين دون إرادتهم،سواء عن طريق الغزو الفكري،أو الاحتلال العسكري،أو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ،أو عن طريق العولمة ونحو ذلك ..
ونتيجة لهذا الانفتاح -الذي هو ميزة لهذا الدين -غير المنضبط قد يتسرب إلى المجتمع المسلم بشكل عام والأسرة المسلمة خاصة بعض الأمور والحيثيات الغربية أو الشرقية الغريبة عن المجتمع المسلم وعن مبادئه وأهدافه.
ومن هنا يكمن دور الأسرة في تحصين البيت من هذه السلبيات المختلفة،وهي مسؤولية عظيمة وجسيمة تقع على أكتاف الآباء والأمهات وأعناقهم لأن هذا الانفتاح الخطير والاختلاط الكبير جعل كثيرا من الأمور السلبية تتسرب إلى بيوتنا ونحن عنها غافلون،وربما الكثير من المسلمين لا يلقون لها بالا وهي شديدة الخطر وكثيرة الضرر.
ولقد حذر النبي عليه الصلاة و السلام من هذا التقليد الأعمى فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ،وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ،حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ » . قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ،الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ » أخرجه البخاري (1) .
. ونتيجة لهذا الانفتاح على العالم تكون هناك واردات مختلفة على مجتمعنا،والإسلام لم يرفض هذه الواردات إنما وقف أمامها موقفاً علمياً ومنهجياً:
1ـ فما وافق الأصول الإسلامية و الأهداف الإسلامية قبله واعتنى به. وهو يشمل كل نافع ومفيد للفرد والأسرة والمجتمع، فقد أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه على النبي
__________
(1) - برقم(3456)(1/57)
- صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق من إحدى جهات المدينة المنورة لمنع دخول الكفار من قبله وذلك قبيل غزو الأحزاب،فوافقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وباشر العمل فورا بمشورته
وفي الترمذي مرفوعا(2903) بسند ضعيف « .. الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا »..
2ـ ما خالف هذه الأصول والأهداف رفضه رفضاً قاطعاً لا هوادة فيه حرصاً منه على استقلالية الإسلام والمسلمين. روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » (1) . ( الرَّدّ ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود،وَمَعْنَاهُ : فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ .
وهكذا يجب أن يكون تعامل المسلمين اليوم مع هذه الواردات المختلفة.
إنَّ الأسرةَ تولد كما يولد الطفل،وإنَّ الفتراتِ الذهبيةَ لتربية الأسرة هي تلك الفترات الذهبية لتربية الطفل،أي في السنوات الأولى من ولادتها
لكنِّ -ويا للأسف الشديد- كثيرا من الأزواج يبدؤون حياتهم الزوجية وهم غير ملتزمين بالإسلام فتبدو الأسرة في الفترات الذهبية لتربيتها ضائعة لا تعرف منهجا ولا طريقا وينشأ قسم من الأولاد على هذا المنوال.
لقد كان منهج النبوة في المخالفات الشرعية التي توجد في البيت منهجا واضحا وصريحا هو عدم السماح لهذه المخالفات أن تبيت ليلة واحدة في البيت لقد كان منهجه هو "الحسم في المخالفات".
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَعَلْتُ عَلَى بَابِ بَيْتِى سِتْراً فِيهِ تَصَاوِيرُ فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَدْخُلَ نَظَرَ إِلَيْهِ فَهَتَكَهُ - قَالَتْ - فَأَخَذْتُهُ فَقَطَعْتُ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْتَفِقُهُمَا (2) .
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان موقفه عندما رأى شيئا مخالفاً وسلبياً في بيته هو الحسم في هذه السلبية حتى أنه نزع هذه التصاوير بيده كما هو ظاهر من هذه الرواية.
__________
(1) - برقم ( 2697 ) ومسلم برقم(4589)
(2) - برقم(25455) وهو صحيح لغيره(1/58)
ومرة تتكلم السيدة عائشة عن صفية رضي الله عنه عنهما فيكون موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - حاسماً،فقد روى أبو داود في سننه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِى قَصِيرَةً. فَقَالَ « لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ « مَا أُحِبُّ أَنِّى حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِى كَذَا وَكَذَا » (1) .
إن الحسم في المخالفات الشرعية في السنوات الذهبية من عمر الأسرة له الدور الكبير في سير هذه الأسرة في الطريق الصحيح والسليم.
لكنْ إذا تأخر الرجل في الحسم وإنهاء هذه المخالفات من بيته حتى سن متأخرة فهذا لا يعني اليأس لكنه مكلف شرعاً بإزالتها ولكنه يحتاج إلى جهد أكبر يرافقه حكمة بالغة.
إنَّ السكوت عن المخالفات الشرعية المختلفة في الأسرة يجعلها تتراكب وتتواكب لتشكل سدا منيعا في طريق إصلاح الأسرة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بإصلاحها. والأخطر من ذلك هو أن القائمين على الأسرة من الآباء والأمهات هم الذين يكرسون هذه السلبيات المختلفة فتنشأ الأسرة بعيدة كل البعد عن المنهج القويم والصراط المستقيم. والأمثلة على ذلك كثيرة فمن ذلك التدخين أمام الأولاد،والجلوس في البيت والأب ذو عورة مكشوفة،ومتابعة الساعات الطوال على شاشات الفضائيات وغير ذلك مع أن الله جعل الأب حاكما على بيته فمن يمنعه على الأقل من تطبيق الإسلام في بيته !
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - برقم(4877) وهو حديث صحيح(1/59)
مراعاة الفروق الفردية في الأسرة
إنَّ الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق جميعا ونثر عليهم من هباته،جاء كل واحد منهم مختلفا عن الآخر ولا يطابقه،وقد أكد الله سبحانه هذا الاختلاف بقوله : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (165) سورة الأنعام
وقال تعالى : {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (32) سورة الزخرف
وهذا التفضيل قد يكون بالجسم أو بالعلم أو بطريقة التفكير أو بالأمور المادية،قال الله حكاية عن طالوت: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (247) سورة البقرة.
لذلك حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يفهمون فقد ورد في صحيح الإمام مسلم عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً (1) .
وَقَالَ عَلِىٌّ رضي الله عنه :« حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ » أخرجه البخاري (2) .
ومعنى هذا الكلام كله أن الإسلام أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد أو بمعنى آخر أقر مبدأ الاهتمامات المختلفة فما يهتم به الزوج ليس بالضرورة ما تهتم به
__________
(1) - برقم(14)
(2) برقم(127)(1/60)
الزوجة،وما يهتم به الأبناء غير الذي يهتم به رب الأسرة مع وجود قاعدة أساسية ضابطة لهذه الاهتمامات والاختلافات.
وإن كان هذا الكلام ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على الأسرة المسلمة فما يهتم به الزوج غير الذي تهتم به الزوجة فلذلك كان لزاما على كل مسؤول عن أسرة أن ينتبه لهذه الفروق ولا يحولها إلى نقطة خلاف تسيء إلى حياته وحياة من حوله.
فالقدوةُ العظمى عليه الصلاة والسلام اهتم بهذه الفروق الفردية وبيّنها وتعامل معها تعاملاً إيجابياً وحولها من نقطة خلاف إلى نقطة تربية وتوعية فمرة كما في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ،فَضَرَبَتِ الَّتِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ،فَجَمَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ،ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِى كَانَ فِى الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ « غَارَتْ أُمُّكُمْ »،ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا،فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِى كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا،وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِى بَيْتِ الَّتِى كَسَرَتْ » (1) .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع هذه الحادثة يعلمنا طريقة للتعامل مع فارق فردي موجود عند النساء بكثرة إنه الغيرة،والتعامل بحكمة مع شيء من التجاهل.
وكذلك كانت طريقة تعامله عليه الصلاة والسلام مع الأطفال مراعاة منه لهذه الفروق، فكان يحمل الحسن والحسين وهو في الصلاة كما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذاً رَفِيقاً وَيَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ فَإِذَا عَادَ عَادَا حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ - قَالَ - فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرُدُّهُمَا. فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَقَالَ لَهُمَا « الْحَقَا بِأُمِّكُمَا » (2) .
__________
(1) - برقم(5225)
(2) - برقم(10942) وهو حديث حسن(1/61)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى إِحْدَى صَلاَتَىِ الْعَشِىِّ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ فَتَقَدَّمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ صَلاَتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا فَقَالَ ِنِّى رَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا الصَّبِىُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ فِى سُجُودِى فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ قَالَ النَّاسُ َا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ صَلاَتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً قَدْ أَطَلْتَهَا فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ. قَالَ « فَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِى ارْتَحَلَنِى فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَاجَتَهُ »أخرجه أحمد (1) .
ما أعظم سعادة الأطفال عندما يتعلقون بآبائهم وهم في الصلاة.
إنَّ خطأ الكثير من الناس أنَّه يريد لزوجته أن تلغي هذه الفروق الفردية من حياتها،ويريد من أولاده أن يُلْغوا كذلك هذه الفروق،ويريد أن يحشر الناس جميعا في رغباته الخاصة وأهوائه وما يريد هو فقط،من ثَمَّ لا يحصد في بيته إلا شقاءً،وفي مجتمعه إلا نفوراً.
" إنَّ الحياة الزوجيةَ لا تقوم على التشابه" (2) .
وإنما تقوم على المودة ومنْ يُرِدْ أنْ يَجْعَل منْ أولادِه نسخةً منْه فإنَّه لنْ يَحْصُد إلاَّ مَرارةً وشَقاءً،والأب الواعي والمستهدي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح لا يجعل من هذه الفروق الفردية نقطة خلاف،إنما يحول هذه الفروق بحكمة إلى وسيلة تربوية وإرشادية.
ومن الأمثلة على الفروق الفردية التي يجب الاهتمام بها واستخدامها وسيلة تربوية أنَّ كثيراً من النساء تكون الكلمة الجميلة واللطيفة من الزوج أفضل عندهنَّ من كثير من الأمور الأخرى والزوج مثلا يعتبر هذا الكلام سخافة وهراء وقد ذهب أوانه،وعدم الاهتمام بهذه النقطة مثلا قد يولد بعض النفور من الزوجة
كذلك بعض الأولاد ينتظرون رجوع والدهم من عمله بفارغ الصبر ليأتي لهم ببعض الأمور كالحلوى والألعاب لكن كثيراً من الآباء ينسون هذا وتخيب آمال الأطفال برجوع آبائهم،إلى البيت ومن الفروق الفردية الأخرى والمهمة جدا هو محبةُ الأطفال للعب بشغفٍ
__________
(1) - برقم(16456 ) وبرقم( 28414 ) والنسائي برقم( 1149 ) وهو حديث صحيح
(2) - عبد الكريم بكار/ العيش في الزمن الصعب.(1/62)
كبير،تجعلُ كثيراً من الآباء ربما يتصرفون تصرفات لا تحترم هذه الفروق الفردية،وينعكس ذلك سلبا على طريقة التربية.
يا صغيري نمْ هنيّا *** ساعةً بينَ يَديّا
فلقْد أمضيتَ يوماً *** صاخِباً لم تُبقِ شيّا
هذه الألعابُ تشكو *** وأنا أشكو الدّويّا!
نم على صدري برفقٍ *** نمْ هنيئاً.. يا بُنيّا
كم ملاكٍ يا صغيري *** قد دَنا يَحمي المحيّا
ساكنٌ أنتَ بقلبي *** أم دمي.. أم مُقلتياّ؟!
عندما تكبُرُ يا بْني *** نعبدُ اللهَ سويّا
ونُصلّي.. ونُزكّي *** كي يظلَّ القلبُ حيّا
خالقَ الأطفالِ: فاجعلْ *** كلّ طفلٍ أحمديّا
أُمّةُ الإسلامِ أضحتْ *** كلّها تهوى النبيّا
إنّهم- ربي- عبادُكْ *** ضعفُهمْ بادٍ جليّا
ربّنا سدّد خُطاهمْ *** لا تَذرْ فيهم شقيّا
ربّنا واقبلْ دُعاهمْ *** واجعلِ العاصي وليّا
أُمّةَ الإسلامِ..هيّا *** فلْنعُدْ للدّين..هيّا (1)
إن الاهتمام بهذه الفروق الفردية أمر مهم وملح ونحن بحاجة له لنثري المجتمع بالتنوع وهو لا شك أمر يتماشى مع الحياة والفطرة السليمة.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) -"من ديوان"عطر السماء"د - عبد المعطي دالاتي(1/63)
تخفيف التيتم والترمل الصوري
إنّ مكانة اليتيم عند الله سبحانه وتعالى مكانة عالية جدا حتى إنه ورد في ذلك الآيات والأحاديث التي تحض على كفالة اليتيم وتحذر من مغبة ضياعه في المجتمع ومن خطورة أكل ماله.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء.
و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ،وَالسِّحْرُ،وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ،وَأَكْلُ الرِّبَا،وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ،وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ،وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » أخرجه البخاري (1) .
وحث الإسلام على كفالة اليتيم فعَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِى الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى،وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا أخرجه البخاري (2) .
وأمر بالسعي على الأرملة، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ،أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ »أخرجه البخاري (3) .
ولو سألنا أنفسنا لماذا هذا التشديد على موضوع اليتيم والأرملة بشكل خاص عن باقي أفراد المجتمع؟
لوجدنا أن الجواب هو أنَّ هذه الفئة قد فقدتْ المُنْفقَ والمُشرِفَ والمُوجِّهَ، وبفقد هؤلاء الثلاثة يمكن أن يضيع اليتيم أو تضيع الأرملة ويصبح الواحد منهم أقرب إلى الانحراف نتيجة الوضع المادي (بغياب المنفق) ونتيجة للوضع الأخلاقي (بغياب المشرف والموجه).
__________
(1) - برقم(2766) ومسلم برقم( 272 )
(2) - برقم(5304)
(3) - برقم(5353)(1/64)
إن اليتيم الحقيقي يحرك من مشاعر أغلب المسلمين فيتهافتون ويتسارعون إلى رعاية هذه الفئة وهو أمر طيب ومأمور به شرعاً.
لكن هناك تيتماً وترملاً من نوعٍ آخر إنَّه التيتمُ والترملُ الصوري هو:
" أنْ يكونَ الأبُّ أوْ الزَّوجُ على قَيْد الحياةِ لكنَّه بِمنْزلة الميِّت ليسَ له أيُ أثرٍ فيْ حياةِ زوجتِه أوْ أوْلادِه"
ويأخذ هذا التيتم والترمل أشكالا مختلفة في العالم الإسلامي منها:
-كثيرٌ من الآباء قد جعلوا أولادهم أيتاما،فبعد مجيئه من العمل ما إن يتناول طعامه ويستريح قليلا حتى يغادر إلى عمل آخر نتيجة ظروف اقتصادية معينة ثم يعود مساء لينام وليعيد الكرة في اليوم الثاني وهكذا.
ومن ثمَّ يصبح البيت مكانا للطعام والنوم ولا يمارس فيه أي نوع من أنواع التوجيه والتربية مع أن القرآن حذر من الانشغال بالرزق عن الصبر على الأهل والأمر بالطاعات قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه
فكثير من الرجال ينسون واجباتهم المختلفة بالتربية نتيجة انشغالهم بالرزق وهذا نوع من التيتم والترمل.
- صنف ثان من الرجال يقضون نهارهم بالعمل ولياليهم بالسهر مع الأصدقاء وإلى ساعات متأخرة من الليل فلا يعود إلا وقد نام الأولاد وأرهقت الزوجة من الانتظار وهو لا يريد سماع صوت زوجته ولا أصوات أولاده وهو يكتفي بوضع مصاريف البيت على الطاولة عند الخروج فالأولاد لا يعرفون من أبيهم أي نوع من أنواع التوجيه والتربية فينشئون (كل يغني على ليلاه) وعلى ما يقدمه لهم المجتمع من نماذج مختلفة.
-صنف ثالث من الرجال يقضي عمره مغترباً عن زوجته وأولاده من أجل العمل وتأمينِ لقمة العيش ومستقبل مادي أفضل وينسى احتياجات الزوجة من قرب الرجل منها واحتياجات الأولاد من قرب أبيهم منهم.(1/65)
ـ صنف آخر من الرجال يقضون نهارهم بالعمل،ولياليهم بالسهر في بيوتهم لكنهم يقضون هذه الليالي بالسهر أمام شاشات التلفاز ومتابعة الفضائيات المختلفة حتى أصبح البيت مجرد صالة للسينما لا يتكلم فيها أحد ولا يعرض أي موضوع مهم وويل للأولاد إذا تكلموا.
إنَّ أولادنا وزوجاتنا ليسوا بحاجة إلى المال فقط وليسوا بحاجة أيضاً إلى الطعام واللباس وما شاكل ذلك من ماديات بل هم بحاجة إلى رعاية وحنان وعطف وتوجيه.
" ولقد أكّدتِ الدراساتُ على أن الطلاَّب الذين يجلسون مع أفراد أسرتهم حولَ مائدة الطعام على الأقل أربع مراتٍ أسبوعياً أفراد يتمتعون بالقَبول والاحترام في مجتمعهم والأسرة مترابطة" (1)
والأصل في ذلك مجموعة أحاديث وآيات منها:
*ما رواه البخاري عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِىُّ جَالِسًا . فَقَالَ الأَقْرَعُ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا . فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ « مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ » (2) .
*وقد روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ » (3) .
*وروى البخاري عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ » قُلْتُ إِنِّى أَفْعَلُ ذَلِكَ . قَالَ
__________
(1) - صناعة القائد / د - طارق سويدان
(2) - برقم(5997) ومسلم برقم( 6170 )
(3) برقم (2078) وفيه ضعف
بصاع : الصاع : مكيال معروف بالحجاز، وهو عندهم يسع أربعة أمداد، والمدُّ : رطل وثلث بالعراقي، والمد عند العراقيين : رطلان بالعراقي، فيكون الصاع عند الحجازيين : خمسة أرطال وثلث رطل، وعند العراقيين : ثمانية أرطال .جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 416)(1/66)
« فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ،وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقٌّ،وَلأَهْلِكَ حَقٌّ،فَصُمْ وَأَفْطِرْ،وَقُمْ وَنَمْ » (1) .
وحق الأهل يشمل حقوقا مختلفة منها حق الرعاية والتوجيه
إنَّ ظاهرة التيتم والترمل الصوري في المجتمع ظاهرةٌ خطيرة جداً لا ينتبه إليها كثير من الناس وربما لا يعبئون بها وهي تشكل خطراً جسيما يهدد الأسرة من الداخل،ويجفف ينابيع الود والرحمة المزروعة من قبل الله بين الزوجين،ويطفئ العاطفة الملتهبة بين أفراد الأسرة إلى درجة البرودة القاتلة..
فيا أكرم الأكرمين عرفنا واجباتنا حتى نقوم بها على الوجه الذي يرضيك واجعل خيرنا أول ما يكون لأهلينا مقتفين بذلك سنة رسولك - صلى الله عليه وسلم - فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى ..»أخرجه الترمذي (2) . آمين.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - برقم(1153) ومسلم برقم(2795)
(2) - برقم(4269) وهو حديث صحيح(1/67)
التعامل مع الأخطاء في المنْزل
إنَّ التعامل مع الأخطاء التي يرتكبها الأولاد أو حتى الزوجة فنٌ من الفنون التي يجب على كل والد وزوج أن يتعلمها ويُتقنها ويُحوِّل هذا الخطأ إلى قوة إيجابية بناءة في الأسرة لا إلى قوة سلبية هدامة.
ولنفترض أن أحداً من أبنائنا أخطأ فما الخطوات الإسلامية في معالجة هذا الخطأ أو ذاك؟
إنَّ كثيراً من الآباءِ والأمهاتِ والأزواجِ يسلكون سلوكاً غير إسلاميٍّ في معالجة الأخطاء التي تحصل في منازلهم،ومن ثمَّ فبدلا من إيجاد حلول لهذه الأخطاء،وُجِدت أخطاءٌ أخرى هي مضاعفات لهذه الممارسات ومن ثمَّ نشأ في مجتمعنا مشكلاتٌ عديدة متراكبة ومتداخلة كان منشؤها التصرفُ غير الناضج مع خطأ ارتكبه أحد الأطراف،ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال.
وقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أى لما يصلحكم من أعمال البر والخير والطاعة،التى توصلكم متى تمسكتم بها إلى الحياة الكريمة الطيبة فى الدنيا،وإلى السعادة التى ليس بعدها سعادة فى الآخرة (1) .
والإحياء هذا مستعار لما يشبه إحياء الميت،وهو إعطاء الإنسان ما به كمال الإنسان،فيعم كل ما به ذلك الكمالُ من إنارة العقول بالاعتقاد الصحيح والخُلق الكريم،والدلالة على الأعمال الصالحة وإصلاح الفرد والمجتمع،وما يتقوم به ذلك من الخلال الشريفة العظيمة،فالشجاعة حياة للنفس،والاستقلال حياة،والحرية حياة،واستقامة أحوال العيش حياة (2) .
فاستجابتنا لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - هي دعوة للإصلاح،ودعوة لترشيد المنهج،ودعوة للحياة بصورتها المثلى.
__________
(1) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي - (6 / 73)
(2) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (9 / 313)(1/68)
فعندما تقع المشكلة أو الخطأ في المنْزل لا بد من بعض الخطوات المهمة لإزالة هذا الخطأ وفق المنهج الإسلامي السليم والأنيق الذي يحول دون تفشي الخطأ ويحوله إلى نقطة مراجعة واستذكار.
والإسلام يرسم لنا الخطوط العريضة لطريقة التعامل هذه ويترك المجال أمام الأبوين لمعالجة الأمر وفق هذه الخطوط العريضة ليتناسب حلها مع كل زمان ومكان ومن هذه الخطوط العريضة ومن بعض نقاط هذا المنهج:
1ـ تسليط الضوء على الصواب:
إن كثيرا من الذين يخطئون ـ ولاسيما الأولاد ـ لا يعلمون حجم الخطأ الذي ارتكبوه،ولربما لم يعلموا بأنهم قد أخطؤوا،لذلك يصعب على بعضهم أن تلومه على الخطأ الذي ارتكبه،فالحلُّ الأمثلُ في مثل هذه الحالة هو تسليطُ الضَوْءِ على الصواب وإزالةُ الغشاوة عن عين الطفل،وتوضيحُ معالم الحق الغائب عن ذهنه،وهذا ما فعله النبي عليه السلام مع معاوية بن الحكم
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِى الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبِأَبِى هُوَ وَأُمِّى مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِى وَلاَ ضَرَبَنِى وَلاَ شَتَمَنِى قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ » (1) .
فمعاوية لم يكن يعلم أن الصلاة لا يصح فيها الكلام،والنبي عليه الصلاة و السلام لم يقف عند حدود الخطأ الذي فعله معاوية رضي الله عنه لكن التصرف النبوي السليم هو تسليط الضوء على الصواب،وبيانٌ لما يجب أن يفعله في المرات القادمة دون نهر أو لوم أو شتم.
__________
(1) - برقم(1227)(1/69)
وفي البيت إذا وقع الخطأ من قبل أحد الأطراف فإن من الحلول المتنوعة تسليط الضوء على الصواب وإرشاد المخطئ إليه فلربما كان غائبا عن ذهنه ولم يقصد فعله أو التلبس به.
2ـ عدمُ تهويل الخطأ بحيث يُصبح أكبَرَ من حجمه:
كثير من الأخطاء التي تحصل في البيت تقابل بحجم أكبر من حجم الخطأ الذي حصل،وذلك نتيجة تهويل الأبوين لهذا الخطأ دون حاجة إلى ذلك،فتكون ردةُ فعل الأَبوين شديدةً وقويةً بل عنيفة،وهذا ما يشكل إشكاليةً ذهنية في عقول الأولاد،وربما بعض الاضطرابات النفسية. وفي قصة جريج،الذي أخطأ في إجابته لوالدته فواجهت والدته الخطأ الذي ارتكبه بخطأ آخر تمثل بالدعاء عليه،مثال واضح لتهويل الخطأ بحيث يُصبح أكبر من حجمه. فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ عِيسَى،وَكَانَ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ،كَانَ يُصَلِّى،فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ،فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّى . فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ . وَكَانَ جُرَيْجٌ فِى صَوْمَعَتِهِ،فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى،فَأَتَتْ رَاعِيًا،فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلاَمًا،فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ . فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ،وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ،فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ قَالَ الرَّاعِى . قَالُوا نَبْنِى صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ لاَ إِلاَّ مِنْ طِينٍ . وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ،فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ،فَقَالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِى مِثْلَهُ . فَتَرَكَ ثَدْيَهَا،وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَمَصُّ إِصْبَعَهُ - ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِى مِثْلَ هَذِهِ . فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِثْلَهَا . فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ،وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ . وَلَمْ تَفْعَلْ » (1) .
فهذه الحادثة جعلت الأم تُضَخم عصيان ولدها،حتى ألجأت نفسها إلى الدعاء عليه،ويا لحظها التعس كانت ساعة الإجابة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم
__________
(1) (01 1) - البخاري برقم(3436) ومسلم برقم ( 6673 )(1/70)
« ...لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ » (1) .
والأمثلة في مجتمعاتنا كثيرة على تضخيم الخطأ إلى درجة كبيرة أكبر من حجمه،فمن ضرب الرجل لولده ضرباً مبرحاً لأنه ناداه فلم يجبه،إلى مقاطعة الأم لابنتها لأنها لم تسمع نصيحتها في بعض الأمور المتعلقة بالنساء..
إن هذا التصرف وغيره من التصرفات المتشابهة،يجعل معالجة الخطأ وعراً،وطريقة تلافيه أشد وأصعب.
إن الحل الأمثل في مثل هذه الحالات هو إعطاء الخطأ حجمه الحقيقي لا أكثر ولا أقل بحيث لا نزيده فوق حجمه ولا ننقصه عن حجمه كما يفعل بعض الآباء عندما يرون الفتاة قد خرجت بلباس غير شرعي وهي في عمر الورود فيصغرون حجم هذا الخطأ ولا يعطونه حجمه المناسب.
3ـ تجاهل بعض الأخطاء:
التغاضي عن بعض الأخطاء أحدُ الفنون المهمة في معالجة الأخطاء ليس فقط في المنْزل بل حتى مع الأقارب والأصدقاء،والتجاهل في حقيقته هو: غضُّ الطَّرف عن نقيصةٍ بُغية عدم إحراج فاعلها،وبغيةَ توجيه رسالةٍ له مفادُها أنَّ هذا الخطأ غير مرغوب فيه،وهي نوعٌ من السمو الأخلاقي الذي يعيشه الأبوان أمام أولادهما،بغيةَ عدم إحراجهم على خطأ ارتكبوه،وبغية إعطائهم فرصة لمعالجة هذا الخطأ،وهذا ما فعله عليه السلام مع ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ،فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « دَعُوهُ،وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ - أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ - فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ،وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ » (2) .
وفي رواية فتناوله الناس،قال الحافظ في الفتح: أي بألسنتهم لا بأيديهم.
__________
(1) - برقم(7705)
(2) - برقم( 6128 ) ومسلم برقم( 685 )(1/71)
وقد ذكر الله أدب الإعراض والتجاهل في سورة التحريم بقوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } (3) سورة التحريم .
4ـ التعريض بالخطأ:
والتعريض هو ذكر خطأ مشابه،أو أشخاص مشابهين،لما ارتكبه الأولاد وهو في الحقيقة من أهم ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يربي أصحابه فقد كان يعرض دائماً لبعض الأخطاء فيقول: ما بال أقوام ما بال أقوام.
فقد روى البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَتْ عَائِشَةُ صَنَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ،فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً » (1) .
وروى البخاري عن قتادة أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِى صَلاَتِهِمْ » . فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ « لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ » (2) .
وروى البخاري عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِى . فَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ - قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ،فَيَأْتِى يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِى . فَهَلاَّ جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ،وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَأْتِى بِشَىْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ،إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ،أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ،أَوْ شَاةً تَيْعَرُ » . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَىْ إِبْطَيْهِ « أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ » ثَلاَثًا (3) .
__________
(1) - برقم(6101)
(2) - برقم(750)
(3) - برقم(7154) وانظر تفاصيل هذا الموضوع في كتابي (( منهاج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تصحيح الأخطاء))(1/72)
وهذه الأحاديث وغيرها بما فيها من فوائد وسنن هي بمجملها تعريض بالخطأ وبالمخطئين دون التوجيه المباشر الذي قد يؤذي الشعور الإنساني الذي كان يراعيه النبي عليه الصلاة والسلام دوماً،وما أحوجنا إلى مثل هذا الأسلوب في التعامل مع أولادنا وفي بيوتنا.
إن عدم اعتماد الطرق الشرعية في معالجة الأخطاء يولد لنا عدداً كبيراً من المشكلات منها:
1ـ تفاقم الخطأ وتراكبه وتحوله إلى قوة هدامة.
2ـ التستر أمام الوالدين بزوال الخطأ،وبقاؤه في الواقع والحقيقية.
3ـ لجوء الأولاد إلى الوقاحة لأنهم عرفوا أنهم قد كشفوا أمام والدهم أو أمهم فيستهترون بأفعالهم.
- - - - - - - - - - - - - -(1/73)
العلاقات الخارجية في الأسرة
حرص واعتدال
تعارف وبرّ
على الرغم من أن الأسرة كيان مستقل له صفاته الخاصة وحوائجه الخاصة وميزاته الخاصة،إلا أنه كيان ضمن مجموعة كبيرة من الأمواج المتلاصقة من الأسر والأفراد،وهذه الأسرة أو تلك ليست وحيدة في الساحة بل تتأثر بما يحصل في خارج محيطها ومؤثر فيه،وتتفاعل معه.
ولم يكن الإسلام ليترك هذه العلاقات الخارجية على أهميتها دون ضبط ودون توجيه،ولاسيما أنَّ الأسرة أولُ المعاقل الإسلامية التي يجب أن تحصن تحصيناً جيداً حتى لا يتخلخل جسد الأمة.
والعلاقات الأسرية الخارجية علاقات متشابكة ومتداخلة ومتنوعة،تنطلق من علاقة الزوجين بعائلة كل واحد منهما إلى علاقة الأولاد مع الخالة والعمة والخال والعم وأولادهم.
والعلاقات الخارجية هذه لا بد أن تتصف بالصفات التالية:
1ـ الحرص: فحرص المسلم على بيته من الأولويات في حياته،وهو حرص يشمل الحمايةَ والرعايةَ والخوفَ من التسرباتِ المختلفة نتيجة هذه العلاقات،لذلك لا بد أن يكون المسلم حريصاً على بيته أشد الحرص. ولقد أمرنا رسول الله عليه السلام بالحرص فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ »أخرجه مسلم (1) .
__________
(1) - برقم (6945)(1/74)
ولا شيء ينفع المسلم اليوم كحرصه على بيته،فعندما يرى مثلا أن بعض الزيارات لبعض الأشخاص تؤثر على بيته سلبا فلا بد أن يحد من هذه العلاقة.
2ـ الاعتدال: فلا إفراط ولا تفريط وأي علاقة زادت عن حجمها الطبيعي فقد تؤدي إلى خطورة متوقعة،وأي علاقة وقع التقصير فيها فهي جفوة وقطيعة لا يرضاها الإسلام.
وهذه العلاقات أيضا لا بد أن تحقق الأهداف التالية:
1ـ التعارف: فالزواج ليس علاقة بين فردين فقط بل هو علاقة بين أسرتين وعائلتين،وبهذا الزواج يزيد الإنسان من قاعدته المعرفية بالناس التي هي أحد الأهداف التي رصدها الإسلام فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات .
وقال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (54) سورة الفرقان .
قال القرطبي رحمه الله : "النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين"
والزواج أحد أسباب الرزق لأنه يحقق علاقات جديدة، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ،فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بِالْمَالِ » أخرجه الحاكم (1)
وكما يقول د. البكار " العلاقات الجيدة مصدر رزق جيد" (2) .
2ـ البر والإحسان والتواصل: وهي من أهم أهداف هذه العلاقات المتنوعة لأن هذه القرابة لها حقوق كثيرة قال تعالى :{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (26) سورة الإسراء.
وقال تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء.
__________
(1) - في المستدرك برقم(2679) وصححه وهو كما قال، ورجح الكثيرون إرساله، والوصل زيادة ثقة، فتقبل
(2) - العيش في الزمان الصعب(1/75)
وهذه العلاقات المتشابكة علاقات بالغة التعقيد،ترك الإسلام للمسلم فيها حرية التصرف والإدارة بما يحقق الأهداف الأساسية لهذه العلاقات ولكنه رسم لذلك الخطوط العريضة ومنها:
أولا علاقة الزوج مع أسرة الزوجة:
الضوابط لهذه العلاقة هي الضوابط العامة للإسلام مع تركيز على عدد من النقاط المهمة:
1ـ الاحترام المتبادل: وهو أن يحترم الزوج أهل الزوجة ويكرمهم،ويخاطبهم بأحب الأسماء إليهم،ويقدمهم في مجالسه.
2ـ عدم التكلم بالكلام البذيء أمام أهل الزوجة: ولاسيما بما يمس أمور الجماع وغيرها،وهذا الأمر يضعهم في دائرة الحرج والخجل،والمسلم بطبيعته ينبغي ألا يحرج أحدا فكيف إذا كان أهل زوجته،ولقد فَطِن لذلك علي رضي الله عنه فأبى أن يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حكم فقهي هو بحاجةٍ إليه لأنه كان زوجاً لابنته فأرسل رسولاً هو المقداد بن الأسود فقد روى الإمام البخاري عَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً أَنْ يَسْأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَسَأَلَ فَقَالَ « تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ » (1) .
3ـ عدم إفشاء سر الزوجة أمام أهلها: وهذا من الأمور الخطيرة التي قد يرتكبها بعض الرجال في حق نسائهم،سواء كان الأمر أمام أهلها أو غيرهم،ولقد اعتبر الإسلام أن ذلك الرجل من أشر الرجال روى الإمام مسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا » (2) . حيث أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابا سماه باب تحريم إفشاء سر المرأة.
4ـ السماح للزوجة بزيارة أهلها والسماح لهم بزيارتها: وهذا من أنواع البر والترفيه للمرأة،فمساعدتها على بر ذويها والسماح لهم برؤيتها،وفتح قلبه لهم قبل بيته،وتفهمه
__________
(1) - برقم(269) ومسلم برقم(721)
(2) - برقم(3615)(1/76)
لطبيعة العلاقة بينها وبين ذويها يشعر المرأة بقرب الزوج منها،وتشعر بأمن وهي في مملكتها التي تعيش فيها،فهي بذلك لم تخسر أهلها،وربحت زوجها فمن أحسن منها حالاً؟
إن من الأخطاء الشائعةَ والقاتلة َأنَّ الزوج َيريد أن يقطعَ وريدَ زوجته عن أهلها،ويغيِّرَ الدمَ الذي يجري في عروقها،فيمنع ويهدد ويحذر من زيارة أو حتى اتصال فتعيش الزوجة في قلق دائم،ويسري هذا القلق إلى المفاصل المختلفة من الأسرة فيعمل فيها حتى يشلها.
إن ضبط العلاقة مع أسرة الزوجة بهذه الضوابط وبغيرها من الضوابط العامة للإسلام تجعل من البيت المسلم في مأمن من كثير من المآزق المحتملة التي تكون غالبا بسبب إهمال في مثل هذه النقاط وتجاهلها،ومن ثم فإن توتراً دائماً في هذه العلاقة وشعوراً بالقلق يسريان في أوصال الأسرة.
ثانياً: علاقة الزوجة مع أسرة الزوج:
وهي علاقة دقيقة بعض الشيء،إذ إنَّ الزوجةَ تنتقل من بيت أهلها إلى بيت الزوجية حيث تصبح علاقتها مع بيت أهل زوجها علاقةً مباشرة،واحتكاكُها معهم شبه يومي،لذلك لا بد أن تكون الزوجة حكيمة في علاقتها معهم،دقيقة الملاحظة لتصرفاتها،سريعة البديهة لتجاوز الأخطاء إن وقعت.
وهذه العلاقة أيضا علاقة ترك الإسلام فيها حرية التصرف للطرفين بما يحقق أهدافه السامية ويزيد ترابط العلاقة بين جميع الأطراف ومن هذه الضوابط:
1ـ احترام أهل الزوج: فوالد الزوج كالوالد تماما وحرمته حرمة مؤبدة،وأم الزوج كذلك فهي أم أهدت للزوجة فلذة كبدها،وهذه الهدية هي أغلى هدية للزوجة،فلا بد من احترام مهديها وتقديره ومراعاة شعوره وتقديمه في المناسبات والمحافل واستخدام اللباقة وحسن الكلام معه.
2ـ تشجيع الزوج على بر والديه وأشقائه: فليست أم الزوج منافسة للزوجة في زوجها،ولكنها أمٌّ تخلّت عن ولدها الذي كان بين يديها ليكون بين يد امرأة أخرى،فهي تشْعر بفقدٍ وفراغٍ كبيرين في حياتها ولاسيما إذا كانت الأم نرجسية بعض الشيء في حبها(1/77)
لولدها،وهنا تأتي حكمة الزوجة في إزالة هذه الفكرة من ذهن الأم بتشجيع زوجها على بر والدته وأشقائه وإظهار رغبتها بذلك أمامهم بحب ولطف،وأنْ تَذْكُرَهم بخير أمام الناس وتذكر حب زوجها لأهله،فهذه السيدة عائشة مع السيدة فاطمة وهي (ابنة زوجها) تذكرها بخير فقد روى الترمذي عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِىِّ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِى عَلَى عَائِشَةَ فَسُئِلَتْ أَىُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ فَاطِمَةُ. فَقِيلَ مِنَ الرِّجَالِ قَالَتْ زَوْجُهَا إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا (1) .
فعندما تسمع فاطمة بهذا الكلام الذي ذكرته زوجة أبيها (عائشة) لن يكون منها إلا المبادلة بالمثل من ذكر بالمعروف والخير.
2ـ زيارتهم والتودد لهم: الزيارة بلسم من بلاسم الشفاء للأمراض الاجتماعية المختلفة فهي يد من الرحمن لمسح الآلام المختلفة لما فيها من رأب للصدع وتقريب للقلوب وإزالة للجفوة،وتخفيف للآلام وتعبيد للطرق الوعرة.
ولقد حث الإسلام على الزيارات بين الناس ولاسيما إذا كان الرابط لهذه الزيارة مرضاة الله وتحقيق أهداف الإسلام. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِى لِلْمُتَحَابِّينَ فِىَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِىَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِىَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِىَّ » أخرجه مالك في الموطأ (2) .
وإعراض بعض الناس عن الزيارات ولاسيما زيارة الكنة لأهل زوجها يسمح لكثير من المتطفلين الدخول والعبث بأمن الأسرة فينقلون الكلام ويحللون ويؤولون وهم في مأمن من أن هؤلاء لا زيارات بينهم.
__________
(1) - برقم(4248) والنسائي في الكبرى برقم(8844) وهو حسن لغيره ، قلت : وقد صح عنها خلافه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَىُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ عَائِشَةُ . قُلْتُ فَمِنَ الرِّجَالِ قَالَتْ أَبُوهَا . أخرجه أحمد برقم(26799) وهو حديث صحيح
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ « عَائِشَةُ » . فَقُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ فَقَالَ « أَبُوهَا » . قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ » . فَعَدَّ رِجَالاً .أخرجه البخاري برقم(3662)ومسلم برقم(6328)
(2) - برقم( 1748 ) وهو حديث صحيح(1/78)
4ـ الحياد الإيجابي بين الأطراف: العلاقات الخارجية في الأسرة كأي علاقة يصيبُها أعراض وأمراض مختلفة،والمسلم تجاه هذه الأعراض ليس سلبياً إلى درجة مقيتة،بل هو يتعامل مع الأطراف المختلفة تعاملا حياديا ولكنه حياد إيجابي،بحيث لا ينقل إلا خيراً ولا يقول إلا خيراً،ويبتعد عن الحدِّيات الجازمة وعن التحزُّب ضد أحد في محيط الأسرة،ويأخذ دورَ المصلح الذي تهفو إليه القلوب وتطمئن له النفوس وتودع عنده الأسرار.
فإذا وقعت قطيعة بين بعض الأطراف في الأسرة فواجب الزوجة مثلا أن تكون حياديَّة ما استطاعت،ولا تتحزبُ لأحد،وتحاول الإصلاح مضِّيقة شُقة الخلاف ومطبِّقة قولَ النبي عليه الصلاة و السلام في ذلك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِى يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ،فَيَنْمِى خَيْرًا،أَوْ يَقُولُ خَيْرًا » متفق عليه (1) .
ثالثاً: قواعد مشتركة للعلاقات الخارجية في الأسرة:
1ـ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ » (2) . قاعدة مهمة جدا لكل العلاقات ولاسيما العلاقات في محيط الأسرة.
2ـ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ » أخرجه البخاري (3) .
إكرام الضيوف يدخل السرور إلى قلوبهم ويجعلهم أكثر قربا،وأكثر حبا.
3ـ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ : تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ،وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ،وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ
__________
(1) - البخاري برقم(2692) ومسلم برقم( 6799 )
(2) - أخرجه أحمد برقم(1763) وهو صحيح لغيره
(3) - برقم(6018) ومسلم برقم(182)(1/79)
تُكْتَبُ لَكَ صَدَقَةٌ،وَإِمَاطَتُكَ الشَّوْكَةَ وَالْحَجَرَ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ،وَإِرْشَادُكَ الضَّالَّ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.أخرجه البزار في مسنده (1) .
4ـ تحديد أولويات الحياة الزوجية: فأهم الأولويات هو حماية الأسرة من أنواع التسربات المختلفة،ثم تحقيق الطمأنينة فيها،وهذه الأولويات يجب الاتفاق عليها بين الزوجين.
5ـ الاتفاق على بعض الأمور التي لها حساسية من قبل بعض الأطراف.
6ـ شجار الأطفال يجب ألا يتعدى ليصل إلى شجار الكبار.
0000000000000000000
رابعاً: علاقة الأولاد مع الأقارب من الجهتين:
علاقة الأولاد مع الأقارب تسبب كثيرا من الحرج والمشكلات والتصادمات،وما كان الإسلام ليترك هذه العلاقة هكذا دون توجيه ودون إرشاد فوضع لذلك مجموعة من المعالم العامة والمهمة منها:
1ـ جواز النوم عند الأقارب:
ولاسيما إذا لم يكن هناك مخالفات شرعية،وكان الأقارب من الطبقة الملتزمة حيث يتعرف الطفل على علاقات خارجية ملتزمة وقريبة،فيؤثر ذلك فيه أبلغ التأثير،وهذا ابن عباس ينام عند رسول الله عليه السلام ويتعلم منه كيف يقوم الليل.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا،فَصَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ،ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ،فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ،ثُمَّ نَامَ،ثُمَّ قَامَ،ثُمَّ قَالَ « نَامَ الْغُلَيِّمُ » . أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا،ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ،فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ،فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ » أخرجه البخاري (2) .
__________
(1) - برقم(4070) وابن حبان في صحيحه برقم( 475و530 ) وهو حديث صحيح
(2) - برقم(117)(1/80)
وبعض الناس يمانعون ممانعة شديدة في نوم الأطفال عند بعض الأقارب دون عذر شرعي مقبول،وهذا مما يمنع الطفل من مشاهدة العالم الخارجي عن أسرته الذي ينظر إليه دائما باستغراب ودهشة ويرغب بشدة أن يطلع عليه ويلجَ عالمه،ومنعُه من هذه الرغبة الشديدة يمنَعُه من رؤية هذا العالم وقد يؤثر على رؤيته المستقبلية للأمور
2ـ بر الأقارب:
وهذا من الأمور التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فيقصرون بحق أقاربهم فلا يتفقدونهم ولا يحسنون إليهم،وبعض الآباء لا يربون أولادهم على ذلك.
فأفضل الصدقات ما كانت للأقارب: فعَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ - رضى الله عنها - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِى يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّى أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِى قَالَ « أَوَفَعَلْتِ » . قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ « أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ » أخرجه البخاري ومسلم (1) .
وأفضل البرِّ برُّ الأقارب: فقد روى أبو داود عَنْ عَلِىٍّ قَالَ لَمَّا خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ تَبِعَتْنَا بِنْتُ حَمْزَةَ تُنَادِى يَا عَمِّ يَا عَمِّ. فَتَنَاوَلَهَا عَلِىٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ دُونَكِ بِنْتَ عَمِّكِ. فَحَمَلَتْهَا فَقَصَّ الْخَبَرَ قَالَ وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّى وَخَالَتُهَا تَحْتِى. فَقَضَى بِهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَالَتِهَا وَقَالَ « الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ » (2) .
وبر الأقارب يكفر الذنوب: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَذْنَبْتُ ذَنْباً كَبِيراً فَهَلْ لِى تَوْبَةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلَكَ وَالِدَانِ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَلَكَ خَالَةٌ ».قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَبِرَّهَا إِذاً »رواه أحمد (3) .
__________
(1) - البخاري برقم(2592) ومسلم ( 2364 )
(2) - برقم(2282) والبخاري مطولا برقم( 2699 )
(3) - برقم(4726) وهو حديث صحيح(1/81)
فالخال والخالة والعم والعمة والجد والجدة من الأقارب والأرحام الذين وصى بهم الإسلام وتربية الأولاد على برهم من أهم واجبات الوالدين تجاههم.
4ـ الفخر بالأقارب المتميزين: وسيلة تربوية مهمة وهي أن يفخر الإنسان بأقاربه المتميزين والمتفوقين وهذا يؤدي وظائف عديدة منها:
ـ زيادة الترابط الأسري والمحبة بين أفراد الأسرة.
ـ السعي إلى التأسي بهذا القريب المتميز.
وقد كان النبي عليه الصلاة و السلام يفخَرُ بخاله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقد روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « هَذَا خَالِى فَلْيُرِنِى امْرُؤٌ خَالَهُ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ مِنْ بَنِى زُهْرَةَ وَكَانَتْ أُمُّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَنِى زُهْرَةَ فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « هَذَا خَالِى » (1) .
وهذه الوسيلة العظيمة والمهمة والمهملة -في بعض الأوساط- لها دورها الفعال في تنشئة الأطفال على التأسي بالأقارب المتميزين،ولها دورها في توطيد أواصر المحبة بين مختلف أطراف الأسرة.
5ـ عدم تسمية طفلة أنها زوجة طفل آخر في المستقبل: وهذا قد يحصل في كثير من الأسر والقبائل،فيقولون هذه الطفلة سنزوجها لهذا الصبي أو ذاك في المستقبل،وهم بذلك يضعون أول مسمار نعش في العلاقات الخارجية للأسرة،لأن هذا الأمر يولد كثيراً من المشكلات بين مختلف الأطراف لاسيما إذا نضج الأولاد ولم يكن هناك رغبة من أحد الأطراف في الآخر،عند ذلك تقع المشكلات وتتفاقم الخلافات وربما أدى ذلك إلى قطيعة مدى العمر.
فالحل الأمثل لمثل هذه القضية هو عدم ربط أي طفلة بأي طفل ولو على سبيل المزاح،وإنما تترك الأمور لوقتها ولأصحابها،فالله أعطى الفتاة حق اختيارها لزوجها كما أعطى الشاب
__________
(1) - برقم(4118) وهو حديث صحيح لغيره(1/82)
حق اختياره لزوجته،وتسمية الأطفال لبعضهم سلب لهذا الحق الذي أعطاهم الله إياه،وتعد سافر على حرياتهم،وفضول بغيض يكرهه الإسلام.
إن العلاقات الخارجية في الأسرة على مستوياتها المختلفة علاقات مهمة في حياة كل أسرة،وهي وإن كانت متداخلة ومتشابكة فإن الإسلام طلب منا أن نتلمس طريق الصواب فيها حتى لا نزل ولا نضيع فتزل وتضيع بذلك أسرنا التي ملكنا الله إياها.
- - - - - - - - - - - -(1/83)
حلُّ الشيفرة الأسرية طريق السعادة (1)
التآلفُ والتفاهم أساس الحياة الأسرية السعيدة , وأيُّ بيتٍ غاب عنه هذان المفهومان فقد اتبعَ السبل التي تتفرق عن سبيل الله, وأصبح بيته كبيتِ العنكبوتِ تُحرِكه النَّسمة, وتُتْلفُه القطرةُ, وتَخْترقه الحشرةُ.
ومن لا يستطيع أن يضع نقاطا ومعالمَ للتفاهم والتآلف بينه وبين زوجه , وبينه وبين أولاده , سيبقى في شقاء وتعب , وجهد ونصب , يلهث وراء السعادة ولا يصل إليها , ويحلم بالهناء في بيته ولا يجده على أرض الواقع.
ولعل الأصل الشرعي للتفاهم والتراحم في الحياة الأسرية يكمن في كثير من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية.
فمن الآيات قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم .
( ( والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر،وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة. ولكنهم قلما يتذكرون يد اللّه التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا،وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر،وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب،وراحة للجسم والقلب،واستقرارا للحياة والمعاش،وأنسا للأرواح والضمائر،واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء.
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرا موحيا،وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس : «لِتَسْكُنُوا إِلَيْها» .. «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» ..«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» .. فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقا للآخر. ملبيا لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية. بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء،والمودة والرحمة،لأن
__________
(1) - الشيفرة ليست عربية، وهي تعني اللغز أو السر الخفي، يعني معرفة أسرار الأسرة يؤدي للسعادة ، وكان ينبغي عليه استخدام الكلمة العربية بدلاً من هذه المصطلحات الأجنبية الوافدة .(1/84)
تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر،وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد ...)) (1)
فمقام المودة والرحمة هو المقام الأساس في الحياة الزوجية ولا يمكن الوصول إليه إلا بالتفاهم والتآلف , بتآلف الزوج مع قلب زوجته وتآلف الزوجة مع قلب زوجها وبتفهم الزوج لهموم زوجته ومشكلاتها وتفهم الزوجة مشكلات الزوج وهمومه.
ومن الأحاديث التي تحض على التفاهم والتآلف ما رواه الْمُغِيرَةُِبْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا »أخرجه الترمذي (2) . ومعنى قوله أحرى أن يؤدم بينكما أي أحرى أن تدوم المودة بينكما. يَعْنِي يَكُونُ بَيْنَكُمَا الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا إِذَا كَانَ بَعْدَ مَعْرِفَةٍ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا غَالِبًا نَدَامَةٌ .تحفة الأحوذي
ولكل شخصٍ طباعه الخاصة التي أمتعه الله بها فهو يعيش في هذه الطباع ويركن إليها, وتظهر هذه الطباع أكثر ما تظهر في حالات السرور الشديد والحزن الشديد.
ولما كان الله سبحانه وتعالى قد جعل عقد الزواج على نية الديمومة بين الزوجين كان لا بد لكلا الزوجين أن يسيرا باتجاه بعضهما اتجاها إيجابيا يحققان من خلاله التآلف المنشود والتفاهم المقصود ويحطمان كل ما يقف في طريق سعادتهما.
وكان من أحد سبل هذا السير الإيجابي هو معرفة طباع الرجل لزوجته ومعرفة طباع المرأة لزوجها وهو الذي أسميناه ( الشيفرة الأسرية ).
فإذا كانت المرأة قد عقدتْ العزمَ على أن تسير باتجاه زوجها هذا السير الإيجابي وقررت أن تحطِّم كل ما يقف في طريق سعادتها كان لا بد لها أن تعرف زوجها حق المعرفة , وأن تسعى لتتعرف عليه وعلى طباعه بشكل أكبر وبطرق مختلفة حتى تصل إلى حل الشيفرة الخاصة به ومن ثم تصل بزوجها وبيتها إلى برِ الأمان وشاطئ المودة والتراحم التي ذكره الله،وما يقال للزوجة يقال للزوج.
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2763)
(2) - برقم(1110) وهو حديث صحيح(1/85)
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف زوجاته حق المعرفة حيث روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً،وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى » . قَالَتْ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ « أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ،وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ » . قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ (1) .
وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري كلاما لطيفا هذا نصه: " قَوْله ( إِنِّي لَأَعْلَم إِذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَة إِلَخْ )يُؤْخَذ مِنْهُ اِسْتِقْرَاء الرَّجُل حَال الْمَرْأَة مِنْ فِعْلهَا وَقَوْلهَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَعَدَمه،وَالْحُكْم بِمَا تَقْتَضِيه الْقَرَائِن فِي ذَلِكَ،لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - جَزَمَ بِرِضَا عَائِشَة وَغَضَبهَا بِمُجَرَّدِ ذِكْرهَا لِاسْمِهِ وَسُكُوتهَا،فَبَنَى عَلَى تَغَيُّر الْحَالَتَيْنِ مِنْ الذِّكْر وَالسُّكُوت تَغَيُّر الْحَالَتَيْنِ مِنْ الرِّضَا وَالْغَضَب،وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ شَيْء آخَر أَصْرَح مِنْهُ لَكِنْ لَمْ يُنْقَل وَقَوْل عَائِشَة " أَجَل يَا رَسُول اللَّه مَا أَهْجُر إِلَّا اِسْمك " قَالَ الطِّيبِيُّ : هَذَا الْحَصْر لَطِيف جِدًّا لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي حَال الْغَضَب الَّذِي يَسْلُب الْعَاقِل اِخْتِيَاره لَا تَتَغَيَّر عَنْ الْمَحَبَّة الْمُسْتَقِرَّة فَهُوَ كَمَا قِيلَ : إِنِّي لِأَمْنَحك الصُّدُود وَإِنَّنِي قَسَمًا إِلَيْك مَعَ الصُّدُود لَأَمْيَل
وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّر : مُرَادهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُك التَّسْمِيَة اللَّفْظِيَّة وَلَا يَتْرُك قَلْبهَا التَّعَلُّق بِذَاتِهِ الْكَرِيمَة مَوَدَّة وَمَحَبَّة ا هـ . وَفِي اِخْتِيَار عَائِشَة ذِكْر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام دُون غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء دَلَالَة عَلَى مَزِيد فِطْنَتهَا،لِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى النَّاس بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن،فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا بُدّ مِنْ هَجْر الِاسْم الشَّرِيف أَبْدَلَتْهُ بِمَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ حَتَّى لَا تَخْرُج عَنْ دَائِرَة التَّعَلُّق فِي الْجُمْلَة .
فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا في هذا الحديث المبارك الاهتمام بطبيعة المرأة ومعرفة أحوالها والتصرف معها في كل حالة بما تقتضيها وهذا أدعى إلى عدم الخلط ومعرفة الأحوال ومن ثم يصل باستقراء أحوال زوجته إلى الحكم الصحيح عليها فيعاملها بما تقتضيه القرائن.
__________
(1) - البخاري برقم( 5228 ) ومسلم برقم(6438 )(1/86)
وهذه الشيفرة الزوجية مهمة جدا في حسن سير الحياة بين الزوجين , فإذا وصل الإنسان إلى حل هذه الشيفرة الخاصة بزوجته استطاع أن يقود سفينة بيته إلى شاطئ المودة والرحمة.
ومن لا يعرف ذلك سيصل بسفينته هذه إلى صخور التنافر لتحطمها وتكسرها وهو ما عبرَ عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكسر عندما قال: « إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا »أخرجه مسلم (1) .
وكذلك المرأة لا بد أن تتعرف على طباع زوجها و شيفرته الخاصة لتهيئ الجو المناسب والرياح الهادئة لسير هذه السفينة.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - برقم(3719)
قال النووي رحمه الله قال النووي في شرح مسلم (5/207) لهذا الحديث : وَفِيهِ دَلِيل لِمَا يَقُولهُ الْفُقَهَاء أَوْ بَعْضهمْ أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع آدَم، قَالَ اللَّه تَعَالَى : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا } وَبَيَّنَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُلَاطَفَة النِّسَاء وَالْإِحْسَان إِلَيْهِنَّ وَالصَّبْر عَلَى عِوَج أَخْلَاقهنَّ وَاحْتِمَال ضَعْف عُقُولهنَّ، وَكَرَاهَة طَلَاقهنَّ بِلَا سَبَب وَأَنَّهُ لَا يَطْمَع بِاسْتِقَامَتِهَا وَاَللَّه أَعْلَم .(1/87)
علاقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأسرية (1)
ويمكن تناولها من خلال المباحث التالية :
1- العشرة بالمعروف .
2- الإنصاف والإحسان عند الاختلاف .
3- معاملة ذوى القربى والأرحام .
1- تمثل خلق العشرة بالمعروف عند النبي - صلى الله عليه وسلم - .
لم تعرف المرأة عشرة زوجية بالمعروف،كما تعنيه هذه العشرة من كمال لأحد من البشر كما عرفته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،المبين للقرآن بحاله وقاله وأفعاله .
حيث " كان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - معهن أنه جميل العشرة،دائم البشر،يداعب أهله ويتلطف بهم،ويوسعهم نفقته،ويضاحك نساءه،حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - في البرية في بعض سفراته يتودد إليها بذلك،فعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ،فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : هَذِهِ بِتِلْكَ. (2)
ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان،ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد،يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار،وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام،يُؤانسهم بذلك - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]. (3)
ولقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - معيار خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات،فَعْن عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى .. ». الترمذى (4) .
__________
(1) - هذا البحث زيادة مني
(2) - صحيح ابن حبان - (4691) صحيح
(3) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (2 / 242)
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (4269 ) صحيح(1/88)
وذلك لأن التَّصنُّع والتظاهر بمكارم الأخلاق يضعف حين يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذاً،ثم يشتد ضعفاً حينما تطول معاشرته لمن له عليه السلطة،فإذا ظل الإنسان محافظًا على كماله الخُلقي في مجتمع له عليه سلطة،وله معه معاشرة دائمة ومعاملة مادية وأدبية،فذلك من خيار الناس أخلاقًا .
فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - خير الناس لأهله،فإن معاشرته لهم لا بد أن تكون مثالية حقًا،في كل ما تعنيه الخيرية من كمال خُلُقي في السًّلوك،والتَّعامل الأدبي،والتعاملي ؛ من محبة وملاعبة،وعدل ورحمة،ووفاء،وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها،كما أوضحت ذلك كتب السنة والشمائل والسيرة،وذلك هو ما دلت عليه السنة المشرفة بأحاديثها الكثيرة من سلوكه - صلى الله عليه وسلم - معهن ومعاملته لهن .
( أ ) محبته لهن،عَنْ أَنَسٍ،قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا: النِّسَاءُ،وَالطِّيبُ. وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ. أبو عوانة (1) .
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : عَائِشَةُ،قِيلَ لَهُ : لَيْسَ عَنْ أَهْلِكِ نَسْأَلُكَ،قَالَ : فَأَبُوهَا. صحيح ابن حبان (2)
( ب ) ملاعبته أهله فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ لِى صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِى،فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ،فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَىَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِى . البخاري في الصحيح (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِى أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ،وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ،فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ « دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ » . وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى . وَقَالَتْ عَائِشَةُ
__________
(1) - مسند أبي عوانة( 3248 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 40) (7107) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6130 )(1/89)
رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِى،وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِى الْمَسْجِدِ،فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « دَعْهُمْ،أَمْنًا بَنِى أَرْفِدَةَ » . يَعْنِى مِنَ الأَمْنِ " البخارى (1) .
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِى - وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ لِكَىْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِى حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِى أَنْصَرِفُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ. " (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ،وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ،فَيَقُومُ مِنْ أَجْلِي قَائِمًا حَتَّى كُنْتُ أَكُونُ أَنَا أَنْصَرِفُ،فَاقْدُرْ يَا ابْنَ أُخْتِي قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ. (3)
وقد مر حديث مسابقته - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - الدال على لعبه - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه بنفسه الشريفة تلطُّفًا بهن،وتأنيسًا لهن،لكريم عشرته وعظيم رأفته ورحمته .
ومن حسن عشرته وكريم خُلقه - صلى الله عليه وسلم - ما ورد عن السيدة عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِىَّ فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِىَّ. . مسلم (4) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَظْمَ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُعْطِيهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ فَمَهُ فِى الْمَوْضِعِ الَّذِى فِيهِ وَضَعْتُهُ وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأُنَاوِلُهُ فَيَضَعُ فَمَهُ فِى الْمَوْضِعِ الَّذِى كُنْتُ أَشْرَبُ مِنْهُ. أبو داود (5) .
وعَنْ شُرَيْحٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها سَأَلْتُهَا هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهِىَ طَامِثٌ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونِى فَآكُلُ مَعَهُ وَأَنَا عَارِكٌ وَكَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ فُيُقْسِمُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (987 و988)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (455 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2101)
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (17 / 18) (18804 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (718 ) -العِرق : العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (259 ) صحيح - أتعرق : آكل ما على العظم من اللحم(1/90)
عَلَىَّ فِيهِ فَأَعْتَرِقُ مِنْهُ ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَعْتَرِقُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِى مِنَ الْعَرْقِ وَيَدْعُو بِالشَّرَابِ فَيُقْسِمُ عَلَىَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَآخُذُهُ فَأَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِى مِنَ الْقَدَحِ. (1)
( ج ) وأما حلمه - صلى الله عليه وسلم - عن إساءتهن وصبره على أذيتهن فهو في ذلك المثل البشري الأعلى،بحيث لم يسمع بأحد كان أحلم عن نسائه كما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وذلك مع عظيم جنابه،ورفيع قدره،وسُموِّ منزلته عند الله تعالى وعند الناس،فمن ذلك ما يلي :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم] حَتَّى حَجَّ فَحَجَجْتُ مَعَهُ فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ،ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةٍ فَتَوَضَّأَ،فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا اللَّهُ : {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم]،فَقَالَ عُمَرُ : وَاعَجَبًا مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هِيَ حَفْصَةُ،وَعَائِشَةُ،ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ،فَقَالَ :
إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَكُنَّا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ فَصَخِبَتْ عَلَيَّ امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي،فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي،قَالَتْ : وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُرَاجِعْنَهُ،وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ،فَقُلْتُ : خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ،ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ،فَقُلْتُ لَهَا : يَا حَفْصَةُ أَتُغْضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ،قَالَتْ : نَعَمْ،قُلْتُ : قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَهْلِكِينَ ؟ لاَ تَسْتَنْكِرِي
__________
(1) - سنن النسائي- المكنز - (281 ) صحيح -الطامث : الحائض -العِرق : العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم -العارك : الحائض(1/91)
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلاَ تُرَاجِعِيهِ وَلاَ تَهْجُرِيهِ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَضْوَأَ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عَائِشَةَ -
قَالَ عُمَرُ : وَقَدْ تُحِدِّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تَنْعَلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ إِلَيَّ عَشِيًّا فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ،فَقَالَ : قَدْ حَدَثَ أَمَرٌ عَظِيمٌ،قُلْتُ : مَا هُوَ أَجَاءَتْ غَسَّانُ،قَالَ : لاَ بَلْ أَعْظَمُ وَأَطْوَلُ طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ،قَالَ عُمَرُ : قُلْتُ : خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ.
قَالَ : فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَشْرُبَةً لَهُ اعْتَزَلَ فِيهَا،. قَالَ : وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي قُلْتُ : وَمَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ أُحَذِّرُكِ هَذَا أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَتْ : لاَ أَدْرِي هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ،فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكُونَ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ أَسْوَدَ : اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ،قَالَ : فَدَخَلَ الْغُلاَمُ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ : قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلاَمِ : اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ،قَالَ : قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَلَمَّا أَنْ وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا إِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي يَقُولُ : قَدْ أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئً عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ : يَا رَسُولَ اللهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ ؟ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ : لاَ،فَقُلْتُ : اللَّهُ أَكْبَرُ،يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ نِسَاءَنَا فَلَمَّا أَنْ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَصَخِبَتْ عَلَيَّ امْرَأَتِي فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا،فَقَالَتْ : أَتُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ وَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ قَالَ : قُلْتُ قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذًا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ قَالَ : فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ(1/92)
رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ : لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ عَائِشَةَ،قَالَ : فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَبَسُّمًا آخَرَ قَالَ : فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيَتُهُ تَبَسَّمَ،قَالَ : فَرَجَعْتُ بَصَرِيَ فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أُهْبَةٍ ثَلاَثَةٍ،فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ،الرُّومَ قَدْ وِسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ.
قَالَ : فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ مُتَّكِئًا ثُمَّ قَالَ : أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،قَالَ : فَقُلْتُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللهِ فَاعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَكَانَ قَالَ : مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةِ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّا أَصْبَحْنَا فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً عَدَّهَا،فَقَالَ : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً وَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً." (1)
فانظر كيف انزعج عمر - رضي الله عنه - من مراجعة بسيطة راجعته بها زوجته،والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل مراجعة نسائه،بل ويتحمل غضبهن عليه،حتى يَهجرنه من الكلام،وهو النبي الكريم والإمام العظيم،وما ذلك إلا لعظيم حلمه وبالغ صبره - صلى الله عليه وسلم - .
والأعجب من ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مع ذلك الحال يلاطفهن في القول،وكأنه لم يصدر منهن شيء ذو بال،فعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى،قَالَتْ : وَبِمَ تَعْرِفُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً،فَحَلَفْتِ،قُلْتِ : لاَ وَرَبُّ مُحَمَّدٍ،وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى،قُلْتِ : لاَ وَرَبُّ إِبْرَاهِيمَ،قُلْتُ : أَجَلْ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ. البخاري (2) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5191) وصحيح ابن حبان - (9 / 493) (4187) - الأهبة : جمع إهاب وهو الجلد قبل الدباغ -المشربة : الغرفة العالية
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 49) (7112) وصحيح البخارى- المكنز - (5228) وصحيح مسلم- المكنز - (6438)(1/93)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ،فَضَرَبَتِ الَّتِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ،فَجَمَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ،ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِى كَانَ فِى الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ « غَارَتْ أُمُّكُمْ »،ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا،فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِى كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا،وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِى بَيْتِ الَّتِى كَسَرَتْ . البخاري (1) .
فانظر إلى مبلغ حلمه - صلى الله عليه وسلم - على أزواجه،حيث تظلُّ إحداهن هاجرة له اليوم كله حتى تهجر اسمه الشريف،وتستطيل إحداهن بيدها بين يديه على ما يخالف الواجب في حقه عليه الصلاة والسلام،ومع ذلك فهو يُغضي عن ذلك ويحلم ويصبر ويصفح،وهو القادر على أن يفارقهن،فيبدله ربه خيرًا منهن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً،كما وعده ربه سبحانه إن هو طلَّقهن،ولكنه كان رؤوفًا رحيمًا،يعفو ويصفح ولا يزيده كثرة الجهل عليه إلا حلمًا .
( ح ) وأما الوفاء لهن فلعله قد علم مما تقدم عن خلق الوفاء،وتطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - له في بابه،لاسيما مع زوجه خديجة - رضي الله عنها -،حتى بلغ من وفائه أن غارت منها عائشة - رضي الله عنها - وهي لم تدركها ولم تضارها فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ،لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا،وَقَدْ أُوحِىَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ . البخاري (2) .
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ فَبَدَأَ بِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ :« إِنِّى ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَسْتَعْجِلِى حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ ». وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِى بِفِرَاقِهِ قَالَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5225 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5229)(1/94)
لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) [الأحزاب : 28 - 29]) فَقُلْتُ لَهُ : فَفِى هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَىَّ فَإِنِّى أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ (1)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ قَالَ : بَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكِ أَمْرًا فَلاَ تَفْتَاتِنَّ فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْكِ أَبِي بَكْرٍ،وَأُمِّ رُومَانَ،قَالَتْ : أَيْ رَسُولَ اللهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكِ أَمْرًا فَلاَ تَفْتَاتِنَّ فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْكِ أَبِي بَكْرٍ وَأُمِّ رُومَانَ . قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكِ أَمْرًا فَلاَ تَفْتَاتِنَّ فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْكِ أَبِي بَكْرٍ،وَأُمِّ رُومَانَ،قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ : قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا،وَزِينَتَهَا،فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ،وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً،وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،وَالدَّارَ الآخِرَةَ،فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} قَالَتْ : فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،وَالدَّارَ الآخِرَةَ،وَلاَ أُؤَامِرُ فِي ذَلِكَ أَبَوَيَّ أَبَا بَكْرٍ وَأُمَّ رُومَانَ،قَالَتْ : فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْحُجَرَ،فَقَالَ : إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَذَا وَكَذَا،قَالَ : فَقُلْنَ مِثْلَ الَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ. " (2)
لقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة،وذلك يدل على أنهن - رضي الله عنهن - كنَّ قد تخلَّقن بأخلاق النبوة،فأصبحن يخترن ما اختاره - صلى الله عليه وسلم - لنفسه من الزهادة في الدنيا،والرغبة في الآخرة،وذلك لبالغ تأثرهن بأخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كانت محل العظمة والكمال .
( د ) أما عدله - صلى الله عليه وسلم - بين أزواجه،فهو على نحو ما قلت من حبه وملاعبته وحلمه ووفائه،وعدل ناشىء عن الشعور بالمسؤولية،ومن فِطرة الله تعالى له على الحق والعدل وبعثه بهما :
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2468 ) وصحيح مسلم- المكنز - (3769 ) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 344) (15414)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 411)(25770) 26289- صحيح(1/95)
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ يَا ابْنَ أُخْتِى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِى الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِى هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا وَلْقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِى لِعَائِشَةَ. فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا قَالَتْ نَقُولُ فِى ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِى أَشْبَاهِهَا أُرَاهُ قَالَ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (128) سورة النساء. أبوداود (1) .
ولم يكن يتغير حاله - صلى الله عليه وسلم - في العدل تبعًا لتغير أحواله سفرًا وحضرًا،بل لقد كان يعدل في سفره كما يعدل في حضَره فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ،فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ،وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا،غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا،لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - البخارى (2) . تعني بذلك لمَّا كبرت،وأضحت لا إربة لها في الرجال .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ،فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ " (3)
وكان من عدله - صلى الله عليه وسلم - بينهن أنه كان إذا تزوج ثيِّبًا أقام عندها ثلاثًا لإيناسها،ثم يقسم لها كسائر نسائه،فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا وَقَالَ « إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِى ». مسلم (4) .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (2137) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2593 )
(3) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 49) 40-7696 صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (3694 )(1/96)
ولقد بلغ به الحال في عدله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يفرِّط فيه حتى في مرض موته،حيث كان يُطاف به عليهن في بيوتهن كل واحدة في نوبتها فعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ،اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِى أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى،فَأَذِنَّ لَهُ،فَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِى الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ قُلْتُ لاَ . قَالَ هُوَ عَلِىٌّ . وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ « هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ،لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ،لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ » . وَأُجْلِسَ فِى مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ،ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ . البخارى (1) .
5 وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْأَلُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ يَقُولَ « أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا » يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ،فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ،فَكَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا،قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِى الْيَوْمِ الَّذِى كَانَ يَدُورُ عَلَىَّ فِيهِ فِى بَيْتِى،فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِى وَسَحْرِى،وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِى - ثُمَّ قَالَتْ - دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِنِى هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ . فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ،ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِى . البخاري (2) .
ومع ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من كمال العدل بين نسائه في كل ما يقدر عليه مما هو في يده فإنه مع ذلك كان يعتذر إلى الله تعالى فيما لا يقدر عليه مما هو خارج عن نطاق التكليف،فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ « اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِى فِيمَا أَمْلِكُ فَلاَ تَلُمْنِى فِيمَا تَمْلِكُ وَلاَ أَمْلِكُ ». يَعْنِى الْقَلْبَ. ( أبو داود ) (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (198 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4450 ) -السحر : الرئة أى مات مستندا لصدرها
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (2136 ) صحيح لغيره(1/97)
وقيل : يعني الحب والمودة،كما فسره الترمذي،والمعنى : أن القسمة الحسِّية قد كان - صلى الله عليه وسلم - يوفِّي بها على الوجه الأكمل لأنها بيده،لكن القلب بيد الله،وقد جعل فيه حب عائشة أكثر من غيرها،وذلك خارج عن قدرته وإرادته . ولأنها كانت تتفانى في عمل أي شيء يرضيه ويحبه .
ومع ذلك فهو يضرع إلى الله أن لا يلومه على ما ليس بيده،مع أن الأمر القلبي لا يجب العدل فيه،وإنما العدل في المبيت والنفقة (1) ،ولكن هذا من باب قول الله تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (60) سورة المؤمنون.
مما يدلُّ على أن أمر العدل بين الزوجات خطير كما بينه - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر حيث فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ ». الترمذي (2) .
وفي عشرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه أسوة للمؤمنين،وعليهم معرفتها والتأسي بها لقول الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب،لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - كقوله وتقريره،تشريع لأمته،وهدى لهم،يجب عليهم الاقتداء به ما لم يكن الفعل خاصاً به .
حثه - صلى الله عليه وسلم - الرجال على حسن معاشرة أزواجهم :
ومع ذلك فقد دل النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى ما تنبغي أن تكون عليه العشرة الزوجية بقوله،كما دلهم على ذلك بفعله،والثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب أحاديث كثيرة أقتطف منها ما يأتي من ذلك :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ،فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ،وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ،فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ،وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ،فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ » (3) ..
__________
(1) - انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية - (11 / 357)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (1171 ) صحيح لغيره
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3331 )(1/98)
وفي رواية عند مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا ». (1)
فانظر كيف جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الوصية بهنَّ وبيان حقيقتهن،ليكون ذلك أدعى إلى قبول وصيته،لأنه إذا كان طبعها العوج،فإن من الواجب على الرجل أن يصبر عليها ولا يؤمل أن تكون مستقيمة على الصراط،فإنها تصير إلى ما جُبِلت عليه ولا بد،ولذلك كان طلب استقامتهن على النحو الأعدل مثار تعجب الشعراء حتى قال بعضهم :
هي الضِّلَعُ العوجاء لست تُقيمها ألا إنَّ تقويم الضُّلوع انكسارُها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
وقال آخر فيما هو أعم منه :
ومكلِّف الأشياء غير طباعها متَطَلِّب في الماء جَذوة نار
وما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرر هذه الوصية كلما حانت الفرصة،ففي خطبة حجة الوداع أفرد لها جانبًا كبيرًا من خُطبته العظيمة فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَبِى أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ ثُمَّ قَالَ « أَىُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ أَىُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ أَىُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ ». قَالَ فَقَالَ النَّاسُ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ لاَ يَجْنِى جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ يَجْنِى وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ وَلاَ وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ أَلاَ إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ رِبًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِى بَنِى لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (3719 )(1/99)
غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِى بُيُوتِكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ أَلاَ وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِى كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ ». (1)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا،فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ،لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ،وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ،فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِلَّا إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا،وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ،فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ،فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ،وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ،أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ،وَطَعَامِهِنَّ " (2)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ " مَا حَقُّ أَزْوَاجِنَا عَلَيْنَا ؟ " قَالَ : " أَطْعِمْ إِذَا طَعِمْتَ،وَاكْسُ إِذَا اكْتَسَيْتَ،وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ،وَلَا تُقَبِّحْ،وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " (3)
وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرر وصيته بالنساء،لما يعلمه من حالهن الذي بينه في الحديث السابق،وهو الحال الذي قد لا يقدر على تحمُّله بعض الرجال الذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب فيحمله عوج المرأة إلى أن يفارقها فيتفرَّق شمله،وتَتَشتَّتُ أسرته وأهله .
ولذا أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الأزواج في حديث آخر إلى ما فيه صلاح حاله مع أسرته،فعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ ». أَوْ قَالَ « غَيْرَهُ ». مسلم (4) .
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3367 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
المبرح : الشديد الشاق -العوان : جمع العانية وهن الأسيرات
(2) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 188)273- 7927- صحيح
قوله : "بفاحشة مبينة" يريد لا يدخلن من يكرهه أزواجهن ولا يغضبنهم. وليس المراد بذلك الزنى ؛ فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد " تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (5 / 173)
(3) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 198)284-7937- صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (3721 ) -يَفرك : يبغض(1/100)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا،أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا،وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ (1) .. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأَهْلِهِ،وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ..." (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رِجَالًا اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ،فَأَذِنَ لَهُمْ،فَسَمِعَ صَوْتًا،فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا: أَذِنْتَ لِلرِّجَالِ فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ , وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ " (3)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ قَالَ : " فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ " فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : " أَكَسِلْتَ ؟ " قَالَ : " نَعَمْ " فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَعِبٌ،لَا يَكُونُ أَرْبَعَةٌ : مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ،وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ،وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ،وَتَعَلُّمُ الرَّجُلِ السَّبَّاحَةَ " النسائى (4) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المعلومة الحاثة على انتهاج الأخلاق الحميدة مع الأهل والعشيرة .
تأديبه - صلى الله عليه وسلم - نساءه إذا اقتضى الأمر ذلك .
ومع تلك المعاشرة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتهجها مع أهله أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - :رحمة ورأفة وعطفاً وتلطفاً،إلا أنها لم تكن على ذلك الحال في جميع الأحوال؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حكيمًا يضع كل تصرف في مكانه اللائق به،فحيث كانت تلك العشرة أجدى وأولى انتهجها،وإذا كان التأديب والزجر والهجرة هو الأجدر اتخذه لأنه كما قيل :
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يًكدَّرا
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 49)(24204) 24708- صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (9 / 485)(4177) صحيح
(3) - شرح مشكل الآثار - (6 / 343) (2523 ) صحيح
(4) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 61)49-7704- والمسند الجامع برقم(3088) وهو صحيح(1/101)
فالنساء بما فُطرن عليه من الاعوجاج،وحدة العاطفة،يحتجن حتماً إلى تقويم وتربية وتأديب،ولأجل هذا خوَّل الله تعالى الرجال هذه المسؤولية حيث قال : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرته مع أهله لم يستغن عن اتخاذ هذا الأسلوب ليكون أسوة لأمته في التربية والتأديب .
فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما سأله نساؤه النفقة الخارجة عن حده،وأردن التوسع في الدنيا ولذَّاتها،خلاف ما اختاره لنفسه منها،هجرهُنَّ وآلى من الدخول عليهن شهراً،حتى أنزل الله تعالى عليه :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الأحزاب،يا أيها النبي قل لأزواجك اللاتي اجتمعن عليك،يطلبن منك زيادة النفقة: إن كنتنَّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فأقبِلْنَ أمتعكنَّ شيئًا مما عندي من الدنيا،وأفارقكنَّ دون ضرر أو إيذاء.
وإن كنتن تردْنَ رضا الله ورضا رسوله وما أعدَّ الله لكُنَّ في الدار الآخرة،فاصبرْنَ على ما أنتُنَّ عليه،وأطعن الله ورسوله،فإن الله أعد للمحسنات منكنَّ ثوابًا عظيمًا. (وقد اخترن الله ورسوله،وما أعدَّ الله لهن في الدار الآخرة). فخيَّرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البقاء معه على الكفاف،أوالمفارقة فاخترن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك من حديث أنس وأم سلمة وابن عباس في الصحيحين وغيرهما .
وهكذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا جدَّ الجدُّ في معاملته لهن،بأن أخطأن خطأ لا يمكن التغاضي عنه،وذلك بأن كان دينياً،فإنه لا تأخذه في الإنكار عليهن وزجرهن في الله لومة لائم،فكان يعظ،ويوجِّه،ويخوف،ويغضب،.. بحسب مقام كل قضية مما هو معلوم ولا يخفى أمره . وهذا مما يدل على تكافؤ أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وتوازنها،حيث يضع كل أمر في نصابه ومحله اللائق(1/102)
الذي لا ينبغي غيره،فعَنْ عَائِشَةَ (1) ،قَالَتْ : مَا لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْلِمًا مِنْ لَعْنَةٍ تُذْكَرُ،وَلاَ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا يُؤْتَى إِلَيْهِ،إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ،إِلاَّ أَنْ يَضْرِبَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ،وَلاَ سُئِلَ شَيْئًا قَطُّ فَمَنَعَهُ،إِلاَّ أَنْ يُسْأَلَ مَأْثَمًا،فَإِنَّهُ كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ،وَلاَ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا،وَكَانَ إِذَا كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَم يُدَارِسُهُ،كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ." (2)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 231)(24985) 25499- صحيح
(2) - انظر (الشبكة الإسلامية) د. أحمد قاسم الحداد http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?id=10488(1/103)
خطوات أولية عملية ضرورية على طريق حل الشيفرة الأسرية
1 - النية الصادقة في معرفة الحقوق والواجبات:
عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ،فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ،وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ » أخرجه البخاري ومسلم (1) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح في شرح هذا الحديث: " قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسه نُفْرَة مِمَّنْ لَهُ فَضِيلَة أَوْ صَلَاح فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَث عَنْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ لِيَسْعَى فِي إِزَالَته حَتَّى يَتَخَلَّص مِنْ الْوَصْف الْمَذْمُوم،وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي عَكْسه (2) .
ويبنى على كلام ابن الجوزي رحمه الله أن الزوج إذا كان يعرف أن زوجه من المشهود لها بالصلاح وهو لا يستطيع أن يتفاهم معها لا بد أن يعيد حساباته مع نفسه فلعله يحمل صفة مذمومة هي التي تحول بينه وبين التفاهم مع زوجه , وكذلك يقال للزوجة , فلا بد إذن من وجود نية صادقة لحل هذه الشيفرة فيسعى الإنسان إلى فك رموزها ولو كان بالتخلص من بعض الصفات التي يتصف بها.
2 - معرفة نمط تفكير الزوج ونمط تفكير الزوجة:
خلق الله البشر متفاوتين بطباعهم وتصرفاتهم وطرائق تفكيرهم, وهذا الاختلاف قائمٌ إلى يوم الدين بين جميع البشر, والمسلم مطالب أَلاَّ يصل هذا الاختلاف إلى النفور والهجر والبغضاء, بل مطلوب منه أن يقارب الأفكار المختلفة ويتعامل معها بحكمة وروية , فإذا كانت هذه هي الصفة العامة والراسخة في الإسلام بين جميع المسلمين فهي بين الزوجين
__________
(1) - البخاري برقم(3336) ومسلم برقم( 6876)
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : تَآلُفهَا هُوَ مَا خَلَقَهَا اللَّه عَلَيْهِ مِنْ السَّعَادَة أَوْ الشَّقَاوَة فِي الْمُبْتَدَأ، وَكَانَتْ الْأَرْوَاح قِسْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ . فَإِذَا تَلَاقَتْ الْأَجْسَاد فِي الدُّنْيَا اِئْتَلَفَتْ وَاخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ، فَيَمِيل الْأَخْيَار إِلَى الْأَخْيَار، وَالْأَشْرَار إِلَى الْأَشْرَار . وَاَللَّه أَعْلَم . شرح النووي على مسلم - (8 / 481)
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (6 / 370) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 3910)سؤال رقم 3864- معنى حديث الأرواح جنود مجندة(1/104)
يجب أن تكون أكثر ترسيخاً وأكثر وضوحاً إذ ينبغي أَلاَّ يكون هذا الاختلاف سبباً في التنافر بين الزوجين بل يجب أن يحصل نوع من التقارب وذلك من خلال معرفة طريق تفكير الزوجين أحدهما للآخر يقول د. التكريتي:
(لكل شخصٍ نمطٌ يغلبُ عليه فهو إمَّا أنْ يكونَ صورياً أو سمعياً أو حسياً هل رأيتَ مشهداً لزوجٍ وزوجته يتجادلان دونَ أن يكون بينهما تفاهم فهو يقولُ مثلاً جلبتُ لكِ بدلةً جميلةً وسواراً ثميناً وهي تقولُ له لم أسمعْ منك كلمةً تعبر عن مشاعركَ تجَاهي.. إنَّ نمطَ تفكيرِ الرجلِ هو صوريٌ ونمطُ تفكيرِ المرأةِ هو سمعيٌ فهي تريد أن تسمعَ منه كلاماً جميلاً لا أن تنْظرَ إلى الفساتين وكان يمكن لهذا الرجل أنْ يرضيَ زوجتَه بكلماتٍ قليْلة ) (1) .
3- الاهتمام بالحالة النفسية لكلا الجانبين:
ولقد وضح ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يعرف تماما حال زوجته كما مر في الحديث السابق .
حالة الغضب وحالة الرضا فهو يعرف حالة الغضب في زوجته ويعلم حالة الرضا وهذا مهم جدا في الحياة الزوجية حتى يضع الأمور في نصابها.
4 - الاهتمام بالحالة الجنسية لكلا الجانبين:
__________
(1) -د- محمد التكريتي آفاق بلا حدود
قلت (علي) : وهذا الكلام احتمالي، وليس قطعياًّ،لأنَّ الهندسة النفسية (أو البرمجة اللغوية العصبية) عند تفكيكها والدخول في جوهرها ليست علماً محايداً، بل فكر فلسفي مادي يدور حول تضخيم قدرات العقل، وإعطاء الإنسان قدرة حتمية على التغيير بعيداً عن قدر الله سبحانه وتعالى.مثال على ذلك صاحب هذا الكتاب حيث يقول :
( إنها - أي الهندسة النفسية - تزيح الستار عن أسرار النجاح والتفوق لدى بعض الناس، وتتيح لنا الوصول إلى وصفة ملائمة لذلك النجاح والتفوق. ثم إنها تتيح لنا استخدام تلك الوصفة لتحقيق ما نريد تحقيقه من أهداف ومقاصد ). [ د.محمد التكريتي: آفاق بلا حدود، ص 21].ويقول أيضا : ( إذا كان أمر ما ممكناً لبعض الناس فهو ممكن للآخرين كذلك). [ المرجع السابق، ص 22]
انظر http://www.altareekh.com/doc/article.php?sid=672&mode=&order=0(1/105)
وهذا أمر مهم يعرفه كل زوج في زوجه.
حيث يعتبر الزواج سببا في استقرار الحالة الجنسية عند الطرفين, فعندما يفقد أحد الطرفين الاهتمام به أمام الطرف الآخر يحصل الاضطرابُ الذي يسبب كثيرا من المشكلات التي تكون سبباً في اختلال التوازن في الأسرة , والإسلام ذهب إلى أبعد من هذا فقد طلب من الرجل ألا ينزع عن زوجته في حال الجماع حتى تنتهيَ حرصا منه على استقرار حالتها الجنسية ونيل حظها من زوجها.
إن الخطوات المتعددة في حل الشيفرة الأسرية لا تقتصر على هذه النقاط الأربعة , بل إن هناك أمورا دقيقة لا يعرفها إلا الأزواج أحدهما مع الآخر،حتى يصل الزوجان إلى سعادتهما الحقيقة وإلى مقام ( المودة والرحمة ) لا بد أن يتجنب كل واحد ما يزعج الآخر ويفعل ما يحبه وعند ذلك سيتحققان بهذا.
- - - - - - - - - - - -(1/106)
ثلاثون وصية ..تسعد بها زوجتك (1)
السعادةُ الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان،وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه . وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم،ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة الأسرة واستقرارها .
ولا شك أن مسؤولية السعادة الزوجية تقع على الزوجين .فلا بد من وجود المحبة بين الزوجين. وليس المقصودُ بالمحبة ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ فجأة،إنما هو ذلك التوافق الروحيُّ والإحساس العاطفيًّ النبيل بين الزوجين .
والبيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها،بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين . والتسامحُ لا يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين . والتعاونُ عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد،وبغيره تضعف قيم المحبة والتسامح . والتعاون يكون أدبياً ومادياً . ويتمثل الأول في حسن استعداد الزوجين لحلِّ ما يعرض للأسرة من مشكلات . فمعظم الشقاق ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر،أو عدم إنصاف حقوق شريكه .
ولا نستطيع أن نعدد العوامل الرئيسة في تهيئة البيت السعيد دون أن نذكر العفة بإجلال وخشوع،فإنها محورُ الحياة الكريمة،وأصل الخير في علاقات الإنسان .
فقد كتب أحد علماء الاجتماع يقول : " لقد دلتني التجربةُ على أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادي الشقاق،هو أنه لا يوجدَ حريقٌ يتعذرُ إطفاؤه عند بدء اشتعاله بفنجان من ماء .. ذلك لأن أكثر الخلافات الزوجية التي تنتهي بالطلاق ترجعُ إلى أشياءَ تافهةٍ تتطورُ تدريجياً حتى يتعذرَ إصلاحُها "
وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيتية على الوالدين،فكثيراً ما يهدم البيت لسانٌ لاذعٌ،أو طبعٌ حادٌّ يسرعُ إلى الخصام،وكثيراً ما يهدم أركان السعادة البيتية حبُّ التسلط أو عدم الإخلاص من قبل أحد الوالدين وأمورٌ صغيرة في المبنى عظيمةٌ في المعنى .
__________
(1) - هذا البحث زيادة مني، وهو في الأصل للدكتور حسان شمسي باشا(1/107)
وهاك بعضاً من تلك الوصايا التي تسهمُ في إسعاد زوجك :
1. لا تُهنْ زوجتك،فإن أي إهانة توجهها إليها،تظلُّ راسخة في قلبها وعقلها . وأخطرُ الإهانات التي لا تستطيع زوجتك أن تغفرها لك بقلبها،حتى ولو غفرتها لك بلسانها،هي أن تنفعلَ فتضر بها،أو تشتمها أو تلعن أباها أو أمها،أو تتهمها في عِرضها .
2. أحسِنْ معاملتك لزوجتك تُحسنْ إليك . أشعرها أنك تفضلًها على نفسك،وأنك حريصٌ على إسعادها،ومحافظ على صحتها،ومضحٍّ من أجلها،إن مرضتْ مثلاً،بما أنت عليه قادر .
3. تذكرْ أن زوجتك تحبُّ أن تجلس لتتحدثَ معها وإليها في كل ما يخطر ببالك من شؤون. لا تعدْ إلى بيتك مقطبَ الوجه عابسَ المحيَّا،صامتا أخرساً،فإن ذلك يثيرُ فيها القلق والشكوك .!
4. لا تفرضْ على زوجتك اهتماماتِك الشخصيةَ المتعلقة بثقافتك أو تخصصك،فإن كنت أستاذا في الفلك مثلا فلا تتوقع أن يكون لها نفس اهتمامك بالنجوم والأفلاك !!
5. كنْ مستقيماً في حياتك،تكن هي كذلك . فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَرُّوا آباءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ،وَعِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ" رواه الطبراني (1)
وحذار من أن تمدنَّ عينيك إلى ما لا يحلُّ لك،سواء كان ذلك في طريق أو أمام شاشة التلفاز،قال تعالى : {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (131) سورة طه .
وما أسوأ ما أتت به الفضائياتُ من مشاكل زوجية !!
6. إياك إياك أن تثير غيرة زوجتك،بأن تذكِّرها من حين لآخر أنك مقدمٌ على الزواج من أخرى،أو تبدي إعجابك بإحدى النساء،فإن ذلك يطعن في قلبها في الصميم،ويقلب مودتها إلى موج من القلق والشكوك والظنون . وكثيرا ما تتظاهر تلك المشاعر بأعراض
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 173)(252)والمجمع 8/81 و 138 و 139 و الترغيب 3/493 و تمهيد 2/309 و خط 6/311 و أصفهان 2/285 و عدي 1/324حسن لغيره(1/108)
جسدية مختلفة،من صداع إلى آلام هنا وهناك،فإذا بالزوج يأخذ زوجته من طبيب إلى طبيب !!
7. لا تذكِّرْ زوجتك بعيوبٍ صدرتْ منها في مواقف معينة،ولا تعيِّرها بتلك الأخطاء والمعايبَ،وخاصة أمام الآخرين.
8. عدِّل سلوككَ من حين لآخر،فليس المطلوبُ فقط أن تقوم زوجتك بتعديل سلوكها،وتستمرَّ أنت متشبثا بما أنت عليه،وتجنب ما يثيرُ غيظ زوجتك ولو كان مزاحا .
9. اكتسبْ من صفات زوجتك الحميدة،فكم من الرجال ازداد التزاماً بدينه حين رأى تمسك زوجته بقيمها الدينية والأخلاقية،وما يصدرُ عنها من تصرفاتٍ ساميةٍ .
10. الزم الهدوءَ ولا تغضبْ،فالغضبُ أساسُ الشحناء والتباغض . وإن أخطأت تجاه زوجتك فاعتذر إليها . لا تنمْ ليلتك وأنت غاضبٌ منها وهي حزينة باكيةٌ . تذكَّر أن ما غضبْتَ منه - في أكثر الأحوال - أمرٌ تافه لا يستحقُّ تعكير صفو حياتكما الزوجية،ولا يحتاج إلى كل ذلك الانفعال . استعذْ بالله من الشيطان الرجيم،وهدئ ثورتك،وتذكر أن ما بينك وبين زوجتك من روابط ومحبةٍ أسمَى بكثير من أن تدنِّسَه لحظةُ غضبٍ عابرةٍ،أو ثورةُ انفعال طارئةٍ .
11. امنحْ زوجتك الثقة بنفسها . لا تجعلْها تابعة تدور في مجرَّتك وخادمة منفِّذةً لأوامرك . بل شجِّعها على أن يكون لها كيانُها وتفكيرها وقرارها . استشرْها في كل ما يحتاج لمشورتها،وحاورها ولكن بالتي هي أحسن . خذ بقرارها عندما تعلمُ أنه الأصوبُ،وأخبرها بذلك وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك برفق ولباقة .
12. أثنْ على زوجتك عندما تقومُ بعمل يستحقُّ الثناء،فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : « مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ » رواه الترمذي (1) .
13. توقفْ عن توجيه التجريحِ والتوبيخ،ولا تقارنها بغيرها من قريباتك اللاتي تعجبُ بهن وتريدها أن تتخذهنَّ مُثُلاً عليا تجري في أذيالهن،وتلهثُ في أعقابهن .
__________
(1) - سنن الترمذى برقم (2082 ) ومسند أحمد برقم (7715 ) صحيح(1/109)
14. حاولْ أن توفر لها الإمكانات التي تشجعها على المثابرة وتحصيل المعارف . فإن كانت تبتغي الحصول على شهادة في فرع من فروع المعرفة فيسِّرْ لها ذلك،طالما أن ذلك الأمر لا يتعارض مع مبادئ الدين،ولا يشغلُها عن التزاماتها الزوجية والبيتية . وتجاوبْ مع ما تحرزه زوجتك من نجاحٍ فيما تقوم به.
15. أنصتْ إلى زوجتك باهتمامٍ،فإنَّ ذلك يعمل على تخليصها مما رانَ عليها من همومٍ ومكبوتاتٍ،وتحاشى الإثارةَ والتكذيب،ولكن هناك من النساء من لا تستطيع التوقف عن الكلام،أو تصبُّ حديثها على ذم أهلكَ أو أقربائكَ،فعليكَ حينئذ أن تعامل الأمر بالحكمةِ والموعظة الحسنة
16. أشعرْ زوجتك بأنها في مأمنٍ من أي خطر،وأنك لا يمكن أن تفرط فيها،أو أن تنفصل عنها .
17. أشعرْ زوجتكَ أنك كفيلٌ برعايتها اقتصاديا مهما كانت ميسورة الحال . لا تطمعْ في مالٍ ورثتْهُ عن أبيها،فلا يحلُّ لك شرعاً أن تستولي على أموالها .
ولا تبخلْ عليها بحجة أنها ثريةٌ،فمهما كانت غنية في حاجة نفسية إلى الشعور بأنك البديلُ الحقيقي لأبيها .
18.حذارِ من العلاقات الاجتماعية غير المباحة . فكثيرٌ من خراب البيوت الزوجية منشؤه تلك العلاقات،كالاختلاط المذموم ونحوه،فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ . قَالَ « الْحَمْوُ الْمَوْتُ » (1) .
19. وائمْ بين حبكَ لزوجك وحبِّكَ لوالديك وأهلك،فلا يطغَى جانبٌ على جانب،ولا يسيطر حبٌّ على حساب حبٍّ آخرَ . فأعط كل ذي حقٍّ حقه بالحسنى،والقسطاسِ المستقيم .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5232 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5803)
الحمو : أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه(1/110)
20.كنْ لزوجك كما تحبُّ أن تكونَ هي لك في كل ميادين الحياة،فإنها تحبُّ منك كما تحبُّ منها . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْظِفَ جَمِيعَ حَقِّي عَلَيْهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ. (1) .
21 . أعطها قسطاً وافرا وحظا يسيرا من الترفيه خارج المنزل،كلون من ألوان التغيير،وخاصة قبل أن يكون لها أطفالٌ تشغل نفسها بهم .
22. شاركْها وجدانيًّا فيما تحبُّ أن تشاركك فيه،فزر أهلها وحافظ على علاقة كلِّها مودةٍ واحترامٍ تجاهَ أهلِها .
23. لا تجعلْها تغارُ من عملكَ بانشغالك به أكثر من اللازم،ولا تجعله يستأثرْ بكل وقتك،وخاصة في إجازة الأسبوع،فلا تحرمْها منك في وقت الإجازة سواء كان ذلك في البيت أم خارجه،حتى لا تشعرَ بالملل والسآمة .
24. إذا خرجتَ من البيت فودعها بابتسامةٍ وطلب الدعاء . وإذا دخلت فلا تفاجئها حتى تكون متأهبة للقائكَ،ولئلا تكون على حال لا تحبُّ أن تراها عليها،وخاصة إن كنت قادماً من السفر .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزَاةٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ « أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً - أَىْ عِشَاءً - كَىْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ».
وفي رواية عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلاَ يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ ».
وفي رواية عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ. (2)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 7 / ص 63) برقم (19258) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5073 -5078) -يطرق : يأتى(1/111)
25. انظر معها إلى الحياة من منظار واحد .. فعَنْ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ وَحَادٍ يَحْدُو بِنِسَائِهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا هُوَ قَدْ تَنَحَّى بِهِنَّ قَالَ فَقَالَ « يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ »مسند أحمد (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَمًا قَالَ « يَغْتَسِلُ ». وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلاَ يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ « لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ ». فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ قَالَ « نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ » سنن أبى داود (2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا » رواه مسلم (3) .
26. حاولْ أن تساعد زوجك في بعض أعمالها المنزلية،فلقد بلغ من حسن معاشرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنسائه التبرع بمساعدتهن في واجباتهن المنزلية . فعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِى بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ . رواه البخاري (4)
27. حاولْ أن تغضَّ الطرف عن بعض نقائص زوجتك،وتذكر ما لها من محاسن ومكارم تغطي هذا فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ »أخرجه مسلم . (5)
__________
(1) - برقم (13098) صحيح -القوارير : جمع قارورة وهو إناء من زجاج أراد النساء شبههن بالقوارير من الزجاج
(2) - برقم (236 )صحيح
(3) - صحيح مسلم برقم (3720 )
(4) - برقم (676 )
(5) - برقم (3721 ) -يَفرك : يبغض(1/112)
28. على الزوج أن يلاطف زوجته ويداعبها،تأسياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : فعَنْ جَابِرٍ قَالَ تَزَوَّجْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَتَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ». فَقُلْتُ ثَيِّبًا. قَالَ « فَهَلاَّ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ »أخرجه النسائي (1) ..
وعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:"يَا فُلانُ،تَزَوَّجْتَ؟"،فَقَالَ: لا،فَقَالَ لِي:"تَزَوَّجْتَ؟"،فَقُلْتُ: نَعَمْ،فَقَالَ:"أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟"،قُلْتُ: لا،بَلْ ثَيِّبًا،فَقَالَ:"فَهَلا بِكْرًا تَعَضُّهَا وَتَعَضُّكَ". (2)
وحتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو القوي الشديد الجاد في حكمه - كان يقول : " ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ( أي في الأنس والسهولة ) فإن كان في القوم كان رجلا " (3) .
29. استمعْ إلى نقد زوجتك بصدرٍ رحب،فقد كان نساءُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يراجعنه في الرأي،فلا يغضب منهن (4) .
30 . أحسنْ إلى زوجتك وأولادك،فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى » رواه الترمذي (5) .
فإنْ أنت أحسنت إليهم أحسنوا إليك،وبدلوا حياتك التعيسة سعادة وهناء . لا تبخلْ على زوجك ونفسك وأولادك،وأنفقْ بالمعروف،فإنفاقك على أهلك صدقة،قال تعالى : {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (7) سورة الطلاق
__________
(1) - برقم (3232 ) والبخاري مطولا برقم (5247 )
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 21) (15662) حسن
(3) - إحياء علوم الدين - (ج 1 / ص 396) الأمثال لابن سلام - (1 / 29) والمستقصى في أمثال العرب - (1 / 125) ومجمع الأمثال - (1 / 256) ومجمع الأمثال - (ج 1 / ص 256) وشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد1-20 - (ج 7 / ص 478)
(4) - السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 7 / ص 37)برقم (13647) صحيح
(5) - سنن الترمذى برقم (4269 )صحيح(1/113)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدِينَارٌ فِى الْمَسَاكِينِ وَدِينَارٌ فِى رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ فِى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْراً الدِّينَارُ الَّذِى تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ » أخرجه أحمد (1) . (2)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد برقم (10387)صحيح
(2) - http://www.khayma.com/chamsipasha/Yourwife.htm(1/114)
ثلاثون وصية ..تسعدين بها زوجك (1)
ليس في العالم كله مكانٌ يضاهي البيت السعيد جمالا وراحة . فأينما سافرنا،وأنى هللنا،لا نجدُ أفضل من البيت الذي تخيم عليه ظلال السعادة .
والبيتُ السعيد هو ذلك البيت الذي لا خصام فيه ولا نزاع .. الذي لا يُسمع فيه الكلامُ اللاذع القاسي،ولا النقدُ المرير . هو البيت الذي يأوي إليه أفرادُ الأسرة فيجدون فيه الراحةً والهدوء والطمأنينة .
وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيئية على الوالدين . ولكننا أردنا هذا المقال أن نبين كيف تستطيع المرأة بذكائها وحكمتها وحسن معاملتها أن تسعدَ زوجها و من ثم تسعد بيتها :
1. تذكَّري أنكِ أنت مسؤولةٌ عن إسعادِ زوجك وأولادك،وتذكري أنَّ رضا زوجك عنك يدخلُك الجنة،فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ »الترمذي (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا،وَصَامَتْ شَهْرَهَا،وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا،وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ." (3)
2. لا تحمِّلي زوجك ما يفوقُ طاقتَه . فلا تحشري رغباتك ولا تكدِّسي طلباتك مرة واحدة،حتى لا يرهقَ زوجك فيهرب منك . وإذا أصررتِ على مطالبك الكثيرة،فقد يرفضُها جميعا ويرفضك أنت رفضا تاما،غير آسف ولا نادم . قال: قال عبدُ الملك بن عمرَ بن عبد العزيز لأبيه: يا أبتِ،مالك لا تْنفذ الأمور،فوالله ما أبالي لو أن القُدور غَلت بي
__________
(1) - هذا البحث زيادة مني ، انظر مقال ثلاثون وصية ..تسعدين بها زوجك للدكتور حسان شمسي باشا
(2) - برقم (1194 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وهو كما قال .
(3) - صحيح ابن حبان - (9 / 472) (4163) حسن(1/115)
وبك في الحق. قال له عمر: لا تَعجل يا بنيّ،فإن الله ذَم الخمر في القرآن مرتين وحَرَّمها في الثالثة،وأنا أخاف أن أحمل الحقّ على الناس جملةً فيدفعونه جُمْلة،ويكونَ من ذلك فتنة." (1)
وعن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يحب المرأة المَلِقَةَ البزْعة ( أي الظريفة ) مع زوجها،الحصان ( أي الممتنعة عن غيره ) " رواه الديلمي (2)
3. لا تكلفيهِ أن يتحلَّى مرة واحدة بكل الصفات والفضائل والمكارم التي تشتهين أن تجتمع فيه . فمن النادر جدا أن تجتمع كلُّ تلك الصفات في شخص واحد !
4. حين يتزوجُ رجلٌ امرأة،يتعلق بصورتها الحلوة كما رآها في الواقع،ويودُّ أن يحفظ لها هذه الصورة سليمةً صافيةً ساحرة طوال حياته،فلا تشوِّهي صورتك التي في ذهنه .
حافظي على جمالكِ وأناقتك،ونضرةِ صحتك،ورشاقةِ حركاتك،وحلاوةِ حديثك،ولا تتحدثي بصوت أجشَّ،ولا ترددي ألفاظاً سوقية هابطة،وإذا تخليتِ عن هذه السمات النسوية المطلوبة،أو أهملت شيئا منها،هبطتْ صورتُك في نظر زوجك،وابتعدتِ أنت عن الصورة النسوية الرائعة التي ينشدُها كلُّ رجل في امرأته .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ » أخرجه أبو داود (3) .
5. حافظي على تدينك ِ. التزمي بالحجابِ الإسلامي،ولا تتساهلي في أن يرى أحدٌ شيئاً من جسدك ولو للمحة عابرةٍ،فإنَّ زوجك يغارُ عليك ويحرصُ على ألا يراك إلا من تحلُّ له رؤيتك .
تزوج رجلٌ بنتا أُعجب بحجابها وتدينها،حين ردت على صاحبتها في مناقشة مسموعة،إذ قالت {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (51) سورة التوبة. وقال لها إنه سيظل دائما يتصورها بهذه الصورة الطاهرة السامية : مؤمنة بالله،راضية بقدره،متمسكة بالمبادئ السامية والأفكار الطاهرة . ولعل زوجكِ يرى
__________
(1) - العقد الفريد - (2 / 162)
(2) - أخرجه الديلمى (1/2/249) والسلسلة الضعيفة (7/125، رقم 3126) وفيه ضعف
(3) - برقم (1666 ) صحيح(1/116)
فيك مثل ذلك،فلا تحطِّمي صورتكِ في قلبه وعقله،تجملي لزوجك قبل أن يأتي إلى البيت في المساء،فيراكِ في أحسن حال . البسي ثوبًُ نظيفاً لائقا،واستعملي من العطور ما يحبُّ،ضعي على صدرك شيئا من الحلي التي أهداها إليك،فهو يحبُّ أن يرى أثر هداياه عليك،وكوني كما لو كنت في زيارة إحدى صديقاتك أو قريباتك .
6. لا تنشغلي بأعمال البيت عن زوجكِ،فتظهرْ كلُّ أعمال الطهي والتنظيف والترتيب عندما يأتي الزوجُ إلى بيته متعباً مرهقا . فلا يراك إلا في المطبخِ،أو في ثياب التنظيف والعمل !! قومي بهذه الأعمال في غيابه .
7. رتبي بيتكِ على أحسن حال . غيِّري من ترتيب غرفة الجلوس من حين لآخر . ضعي لمساتك الفنية في انتقاء مواضع اللوحاتِ أو قطع التزيين وغيرها .
8. لا تتحسري على العاطفةِ الملتهبةِ،ومشاعر الحبِّ الفياضة وأحلام اليقظة التي كنت تعيشين فيها قبل الزواج،فهي تهدأُ بعد الزواج وتتحولُ إلى عاطفةٍ هادئةٍ متزنةٍ .
9. إذا كان الرجلُ هو صاحبُ الكلمة الأولى في العلاقة الزوجية،فأنتِ المسؤولةُ عن النجاح والتوافق والانسجام في الزواج . ومهما بلغتِ من علم وثقافة،ومنصبٍ وسلطان،ارضخي لزوجك والجئي إليه،ولا تصطدمي معه في الرأي . واهتمِّي في مناقشاتك معه بأن تتبادلي الأفكارَ مع زوجك تبادلاً فعليا،فتفاعلُ الآراء المثمرِ خيرٌ من استقطابها استقطابا مدمرا.
10. أشعري زوجكِ دائما بمشاركتِك له في مشاعرهِ وأفراحهِ،وهمومه وأحاسيسه . أشعريه أنه يحيا في جنةٍ هادئةٍ وادعةٍ،حتى يتفرغَ للعمل والإبداع والإنتاج مما يجعلُ حياته حافلةً مثمرةً .
11. جرِّبي الكلامَ الحلوَ المفيدَ،والابتسامة المشرقة المضيئة،والفكاهة المنعشة،والبشاشة الممتعة،وابتعدي عن الحزن والغمِّ،والهذر واللغو،والعبوسِ والتجهُّم،والكآبةِ والاكتئابِ .
12. أظهري لزوجك مهارتَكِ وبراعتكِ وتفوقك على سائر النساءِ،وسيزدادُ تمسكُ زوجك بك،واعتزازُه بصفاتك الشخصية،حين تتقنين كلَّ شيء تعملينه .(1/117)
13. لا تضيِّعي وقتك ِفي ثرثراتٍ هاتفيةٍ مع صاحباتك،أو في قراءة مجلاتٍ تافهة تتحدثُ عن أخبار الممثلين والممثلات،والمغنين والمغنيات،وفي قراءة قصصِ الحبِّ والعلاقات الغراميةِ والأوهام . فما أكثرَ تلك المجلات في أيامنا،وما أكثر النساء اللواتي يقضينَ معظم أوقاتهن في قراءة تلك المجلات التافهةِ الهابطةِ .
14 0اختاري من المجلات ما يفيدُ ذهنكِ وعقلكِ وقلبك،وما يزيدك ثقافةً تعينك على حلِّ مشاكل البيت والأولاد .
15 . اختاري من برامج التلفاز ما يفيدكِ ويزيدكِ ثقافةً وخبرةً،ولا تضيِّعي وقتكِ في المسلسلات الهابطةِ والأفلام المائعةِ،لأنها تعود رائيها على إقرار الفاحشة والمنكر في نفسه وأهله .
16 . شجِّعي زوجكِ على النشاط الرياضي والبدني خارج البيت . امش معه إن أمكن واستمتعا بالهواء الطلقِ في عطلة نهاية الأسبوع وكلما سنحت الفرصةُ لذلك .
17 0تخيَّري الأوقاتَ المناسبة لعرض مشاكل الأسرة ومناقشة حلِّها،إذ يصعبُ حلُّ المشاكل قبل خروج زوجك للعمل في الصباح بسبب قلة الوقت،ولا تناقشي أي مشكلة عند عودته من عمله في المساء مرهقا متعبا . ولعل المساءَ هو أفضل فترة لمناقشة المشاكل ومحاولة حلها،ولا تناقشي مشاكل الأبناء في حضورهم،حتى لا يشعروا أنهم أعباءٌ ثقيلةٌ عليك وعلى زوجك،وأنهم سببُ الخلاف بين الوالدين .
18 0 لا تسرعي بالشكوى إلى زوجك بمجرد دخوله البيت من أمور تافهة مثل صراخ الأولاد . ولا تطلبي من زوجك أن يلعب دور الشرطي للأولاد،يقبضُ على المتهم ويحاكمه أو يضربه .
19 0لا تنتقدي سلوكَ زوجك أمام أطفالِه،ولا تستعملي ألفاظاً غير لائقةٍ يرددُها الأبناء من بعدها مثل " جاء البعبع " أو " وصل الهمُّ " ...
فبعض النساء،إن تكاسل ولدُها في المذاكرة قالت له : لن تنجحَ أبدا في حياتك فأنت كسولٌ فاشلٌ مثل أبيكَ،وإذا مرض زوجها قللت من أهمية مرضه،وإنْ حدثها زوجها(1/118)
بقصةٍ قاطعته قائلة " لقد سمعتها من قبل .. " وغير ذلك من الأمور التي قد تبدو تافهة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من الآلام للزوج !!
20.حذارِ حذار من الإفراط في الغيرة والعتاب،وتجنبي التصرفات التي تؤجج غيرة زوجكِ،وتبلبل أفكاره . قال عَبْدُ اللَّه بن جعفر لابنته: يا بنية،إيّاكِ والغَيرة فإنّها مفتاحُ الطلاق،وإيّاكِ والمعاتبة فإنّها تورث البِغْضة وعليكِ بالزّينة والطِّيب،واعلمي أنّ أزْيَنَ الزِّينة الكُحلُ،وأطيبَ الطِّيب الماء (1) "
21.إياكِ أن تغاري من حبِّ زوجك لأمِّه وأبيه . فكيف نقبلُ من زوجة مسلمة أن تبدأ حياتُها بالغيرة من حبِّ زوجها لأهله،وهو حبٌّ فطريٌّ أوجبه اللهُ على المسلمين لا يمسُّ حبُّ زوجها لها من قريب أو بعيد ؟ وكيف نقبلُ من زوجة مسلمة أن توحي لزوجها أن يبدأ حياته معها بمعصية الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في أهله،يعقُّ والديه ويقطعُ رحمه من أجل رضا زوجته ؟!
وهو ما أنبأ عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تغيير حال المسلمين وأخلاقهم في المستقبل،فأخبر بأنه في ذلك الزمان : " وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ " رواه الترمذي (2)
22. لا تنقلي مشاكلَ بيتك إلى أهلكِ،فتوغري صدور أهلك ضد زوجك . بل حُلِّي تلك المشاكل بالتعاون مع زوجك .
23. لا تستعلِ على زوجك إذا ما كنت أغنى منه أو أعلى حسبا ونسبا أو أكثرَ ثقافةً وعلما،فلا يجوزُ استصغار الزوج وانتقاصُ قدره والتعالي عليه . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَن ّرَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لاَ تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا،وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ " رواه الحاكم (3)
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 5862) رقم الفتوى 19643 وصايا للأزواج ومحاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 415) والبيان والتبيين - (ج 1 / ص 147)
(2) - برقم (2371 ) وفيه ضعف
(3) - المستدرك للحاكم مشكلا - (ج 3 / ص 30)برقم (2771) صحيح(1/119)
24.لا تمتنعي على زوجك في المعاشرة الزوجيةِ،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ،فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا،لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ » متفق عليه (1) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَتَتِ امْرَأَةٌ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ،مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زوجته ؟ قَالَ : لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ،مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ؟ قَالَ : لاَ تَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ لَهُ الأَجْرُ وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ , قَالَتْ : يَا نَبِي الله مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امرأته قَالَ : لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ اللهِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْغَضَبِ حَتَّى تَتُوبَ،أَوْ تراجع قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ : فَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا،قَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لاَ يَمْلِكُ عَلَيَّ أَمْرِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا مَا بَقِيتُ." (2)
وعَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَطْلُبُ حَاجَةً فَلَمَّا قَضَتْ حَاجَتَهَا قَالَ : أَلَكِ زَوْجٌ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ،قَالَ : فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ قَالَتْ : مَا آلُوهُ خَيْرًا إلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ قَالَ : انْظُرِي،فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ. (3)
وتذكري أن أول حقوق للزوج على زوجه طاعتها له .
فعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْتُ رَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ إِنِّى أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. قَالَ « أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِى أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ ». قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَ « فَلاَ تَفْعَلُوا لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ » سنن أبى داود (4) .
__________
(1) - صحيح البخارى -برقم (3237 ) ومسلم برقم (3614 )
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 303) (17409) حسن
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 304) (17410) صحيح
(4) - برقم ( 2142 ) صحيح = المرزبان : الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك وهو معرب(1/120)
ولا تصومي نفلا إلا بإذن زوجك .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ،إِلا بِإِذْنِهِ،وَلا تَأْذَنُ لِرَجُلٍ فِي بَيْتِهَا وَهُوَ كَارِهٌ،وَمَا تَصَدَّقَتْ مِمَّا كَسَبَتْ،فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ صَدَقَتِهَا " الطبراني (1)
25. لا تنسِ فضل زوجك عليكِ،فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - تناسي فضل الزوج سببا لدخول المرأة النار،وسمَّاه كفراً . فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ » . قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ،وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ،لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ » رواه البخاري (2) .
26. حافظي على أموالِ زوجك،ولا تنفقي شيئا من ماله إلا بإذنه،وبعد أن تستوثقي من رضاه . فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ « لاَ تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الطَّعَامُ قَالَ « ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا » رواه الترمذي (3) .
وإذا أعسرَ زوجُك فتصدقي عليه من مالك،وإن لم يكن لك مال،فاصبري على شظف العيش معه لعل الله تعالى يفرِّج عليكما .
27. إذا كنتِ من الأمهات العاملات،فلا تتصوري أن ما يحتاج إليه زوجُك وأولادُك هو المالُ وحده،فتغدقُ الأمُّ عليهم المال تعويضاً عن تقصيرها في أداء مهامها الإنسانية . وهيهاتَ هيهاتَ أن يتساوى اللبن الصناعيُّ مع لبن الأمِّ الربانيِّ الطبيعيِّ . أو يتساوى حنانُ الخادمة مع حنان الأم .. وطعامُ الخادمة الكافرة مع طعام الزوجةِ النظيفة،وتربيةُ المربية الجاهلة مع تربيةِ الأمِّ الواعية .
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 117) برقم (266 ) حسن
(2) - برقم ( 29 )
(3) - برقم (672 ) حسن(1/121)
28. لا تضجري من عملِ زوجك،فإن أسوأَ ما تصنع بعض النساء هو إعلانُ الضجر من عمل الزوج . والإعلانُ يكون عادة في خلق النكد،والدأبِ على الشكوى،واتهامِ الزوج بإهمالها .. واللجوءِ إلى بيت أمها غضبى .
29. تذكَّري أنَّ الزوج الذي اعتاد أن يرى أمَّه هي أول من تستيقظ من نومها،ثم توقظُ كلَّ مَنْ في البيت بعد ذلك،وتجهزُ لهم الفطور،وتعاون الصغار في ارتداء ملابسهم،لن يرضى بامرأةٍ اعتادتْ أن تنامَ حتى منتصفِ الشمس في كبد السماء . !!
30. تذكَّري أن البيت المملوءَ بالحبِّ والسلام،والتقدير المتبادل والاحترام،مع طعام مكوَّن من كسرةِ خبزٍ وماءٍ،خيرٌ من بيت مليء بالذبائحَ واللحومِ وأشهى الطعام،وهو مليءٌ بالنكدِ والخصامِ !!
على الزوجة أن تعلم تأن الحياة إقبالٌ وإدبارٌ،وكلُ شيء مرغوب يأتي بالتدريج،وعليها أن تبحث عن مفاتيح لقلب زوجها وتعرف ما يحب ويكره،كما أنه لا بد من النظر إلى الحياة بموضوعية ومحاولة الإصلاح بعيداً عن العنف والشدة.ومن أخطر ما يصيب البيت شعور الزوج بالضعف،فعلى الزوجة أن تشكره على القليل ولا تبين له سوآته وعوراته،وتكون هي قدوة بشكل غير مباشر،فهناك درجات في الدعوة وأساليب مختلفة،والزوج يحتاج إلى ذكاء وحنكة الزوجة في التعامل معه. (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) الدكتور حسان شمسي باشا http://www.khayma.com/chamsipasha/Yourhusband.htm(1/122)
أي بنيتي...
في لحظات الفراق والبُعد المؤقت يتذكر الإنسان لحظات البعد الذي لا عودة فيه, ويتذكر الرحلة الأخيرة والسفرَ الأخير وهنا تراوده أسئلة كثيرة ماذا لو فارقت الدنيا الآن ؟؟
ماذا تركت لأولادي من بعدي ؟؟
سألت نفسي هذا السؤال وجاشت عيناي بالدموع وتذكرت صغيرتيَّ (هداية) التي لم تبلغ الثالثةَ من عمرها و(تسنيم) التي لم تبلغ عامها الأول فعزمت على كتابة وصية لهما يتخذانها دليلاً ومنهجاً فكتبتُ لهما قائلا:
في أي لحظة من اللحظات قد أودع الدنيا وأترك هذا العالم إلى عالمٍ أشدُّ أمْناً لأنَّه معَ الله وحده , ومتى كان الإنسان مع الله وحده كان في مأمنٍ من كل شيء فهو الملجأ وإليه المصير
أي بنيتي:
فكرت لو تركتكِ على حين غفلةٍ وأختَك التي لم تتجاوز عامها الأول ماذا سيكون منهجكما وكيف ستسيران في هذه الحياة فأحببت أن أكتب لكما هذه الكلمات لتكون لكما ولكل فتيات المسلمين منهجاً ودليلاً.
أي بنيتي:
كلمة واحدةٌ في القرآن لو عَرفها الإنسان لعرف كل شيء , ولو فهمها الإنسان لفهم كل شيء , ولو تمسك بها الإنسان ما فاته شيء,وإن أضاعها ضَاع منه كل شيء ألا وهي الله
ومن غفلة ابن آدم أنه يدور حول كل شيء وحول كل معنىً وينسى أن يدور حول هذه الكلمة كمن يطوف حول نفسه فيعجب بها وينسى أنها خلق الله في الأرض فيطوف جسدُه ولا تسمو روحُه.
أي بنيتي:(1/123)
القرآن مائدةُ الله.. ومن ذا الذي يجوع إذا جلس إلى مائدة الله!!
والقرآن حبلُ الله... ومن ذا الذي ينقطع إذا تمسك بحبل الله!!
ومائدة الله غذاء , وحبله طريق مستقيم , والمسلم في سفره لا يحتاج إلاَّ إلى غذاءٍ في طريقه الصحيح ليصل إلى هدفه ومبتغاه فاجلسي إلى مائدة الله, وتمسكي بحبله المتين يكن لك خيرَ جليسٍ وخير معين.
أي بنيتي:
أول معرفةِ الله الطاعةُ والامتثالُ ومن لا يمتثل لا يَعرف ومن لايعرف لا يغرف ومن لا يغرف لا يتصف فكوني مع الله بالطاعة والامتثال , تَتَحَقَقي بمعرفتِه وتَغْرِفي من هدايته , فتُنارُ لك البصيرةُ, وتَخْلُص لك السريرةُ وتكوني ربانيَّة كما أراد الله سبحانه.
وأولُ إصلاحِ العلاقة مع الأرحام اللَّهفةُ والحنانُ, فكوني ملهوفة القلب عليهم شديدة القرب منهم غريبةً عما يزعجهم وضَّاءةً فيما يسعدهم فإنَّكِ إنْ فعلتِ كانوا لزلاَّتك دِثَاراً ولهفواتك جِباراً.
وأولُ السرورِ مع الزوجِ الحبُّ والجمالُ فبالحب يكمُل البُنيان وبالجمال يتمُّ العمران.
ولتكن علاقتك معه كلّها جميلة فاصبري عليه صبراً جميلاً وتقربي منه تقربا جميلاً واعذريه عذراً جميلاً.
وأول إصلاحُ العلاقةِ مع الأصدقاء عدمُ طلبِ ثمنِ محبتكِ لهم, فليس كل إنسان يملك رصيداً ليدفع ثمن محبة الناس له , فإنَّك إن فعلت كشفت أرصدةَ الناس والناس لا يُحبون أن تكشف أرصدتهم.
وأولُ النجاح ِفي الحياة هدفٌ واضحٌ, وسيرٌ أكيدٌ إليه بلا كللٍ ولا مللٍ،وأول النجاحِ في الآخرة أن يكون ذلك الهدف هو رضا الله سبحانه.
أي بنيتي:
الحياة مجموعةُ تجارب والتجربةُ لا تكون إلا بامتحان.
فإذا كثرتْ عليكِ الامتحاناتُ في الدنيا فاعلمي أنها سُلَّم للارتقاء إلى العلْياء , فلا تَجزعِي منها واسْتقبليها بِرَحابة صدر وابتسامةِ أملٍ واحتسابٍ عند الله سبحانه.(1/124)
واعلمي بُنيتي أن قلبَ الفتاةِ أشدُّ شبها بالكبريت الأحمر, سريع الاشتعالِ وصعبُ المنال, فلا تزهدي به ولا تعطيه لمن لا يستحقه, فيذهب به ويَتْرُك خلفه دخاناً أسودَ يسود عليك حياتك ومعيشتَك.
واعلمي أنَّ خيَر نِساء العالمين مريمُ وآسيةُ وخديجةُ و فاطمةُ وعائشةُ فاجعلي من سيرتهنَّ قُرطا في أُذنك كلما هبَّ النَّسيم اهتزَّ فأسمعك من سِيرَتِهِنَّ ما تُقومينَ به سلوككِ وتَتَقَربينَ به من ربك وتَنْفعينَ به أمتكِ.
واعلمي أنِّي خارجٌ من الدنيا عاجلاً أم آجلاً وأنكما عَملي بعد مماتي , وسببَاً في زيادة حسناتي وسببَاً في تثقيْل مَوازيني إنْ هي خَفَّتْ, وحِجاباً من النَّار إنْ هيَ لفحتْ , فاجعلا لي من دُعائكما نصيباً , ولا تفرطا به وتذكرا أنِّي ربَيتُكما على الكتاب والسنة فإنَّه أوثَقُ ما عَمِلْتُ وأَرْجَى ما فعلتْ.
والدك
عبد اللطيف البريجاوي
مدينة نصر ـ القاهرة
- - - - - - - - - - - - -(1/125)
ألم و آلام
الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد:
جاءتني تطلب الطلاق بعد سبع وثلاثين عاماً....!!
وعندها من الأولاد تسعة... !
خمسٌ من الذكور وأربعٌ من الإناث....!!!
وعندها من الأصهار أربعة ومن زوجات البنين ثلاثة...!
وعندها من الأحفادِ عشرة....!
أما السبب فإنها لم تستطع أن تتفاهم معه...!
قلتُ لها - ممازحاً -كم بقِيَ من العمر؟
هلا انتظرتِ خمسَ عشرةَ سنةً أخرى لعل الله يحل هذه المشكلة بينكما بوفاةِ أحدكما.
فأجابتْ مستطردةً لم أعدْ أحتمله ولا أستطيعُ التفاهم معه.....
قلت سبحان الله هذه إحدى المشاكل العديدة والمتنوعة في المجتمع،ثم جلست أفكر في هذه القصة. وتراودني أسئلة كثيرة:
ألمْ يستطع أحد الزوجين أنْ يَخفِض جَنَاحه للأخر؟؟
ألم يستطعْ الزوجان أنْ يَجِدا نقاطاً مشتركةً يسيران عليها في حياتهما ؟
ألمْ يستطعْ الزوجان أن يبتعدَ كلُ واحدٍ منهما عمّا يزعج الآخر؟؟
ألمْ يتدخلُ الأولادُ والبناتُ والأصهارُ في توضيح الصورة للزوجين ؟
ألمْ.. ألمْ.... ألمْ..... حتى أصابني من هذه الأسئلة ألم...
ثم رحت أكبّر الصورةَ الاجتماعية شيئاً فشيئاً حتى تشمل المجتمع المسلم كلّه فرأيت أنَّ المجتمعَ المسلمَ كلّه بأطرافه المختلفة يشبه هذه الأسرة الممزّقة.
نشتم.. نقذف.. نتشاجر.. نحسد.. نبغض.. نتفاخر.
وكل منا يتهم الآخر.(1/126)
هذا هو حال المسلمين لا أحد يستوعب الآخر ولا أحد يرى الفضل للآخر فكلّ واحد بدأَ الإسلامُ من عنده و لربّما فكّر بأنَّه سينتهي عنده.
مع أنّ الإسلام وجّه إلى الاعتراف بفضل الآخرين وذلك نلمسه واضحاً وجليّاً في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ،إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ،فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ،وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ،وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »أخرجه البخاري (1) .
فانظر كيف اعترف الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالبناء كاملاً ولم يحقّر هذا البناء إنمّا جاء مكمّلاً له ومتمّماً وأنّه مجرّد لبنة ولبنة واحدة فقط.!
وكلّ مسلم هو حلقة من سلسلة من الحلقات فلا بد أن يعترف بالحلقة التي قبله ويمسك بالحلقة التي بعده حتى تصبح هذه الحلقات متينة وقوية.
وهذا الحديث يعلمنا كيف نتواضع لجهود الآخرين وإنْ لم تبلغ الكمال وإن لم تنجحْ وكانت في طريق النجاح وكم نحتاج إلى هذا،فهاهو النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - يعترف بجهود من قبله متواضعا لهم مع أن جهودهم لم تبلغ الكمال ولم تصل إلى الدرجات العلى.
فكم نحن بحاجة إلى الأرضية التي ننسجُ من خلالها احترام الآخر والاعتراف به وخفض الجناح له واحترام الزوج لزوجته واعترافه بفضلها وعلى ذلك ربَّى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - صحابته الكرام فجاءوا أئمة هداة جابوا الدنيا ونشروا العلم والأمان
فيا ربنا أكرمنا بالبصيرة واتباع الكتاب والسنة المطهرة..آمين
وفي كل أول وآخر يطيب الحمد لله رب العالمين
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - برقم(3535)(1/127)
السيرة الذاتية للمؤف
ـ عبد اللطيف البريجاوي
ـ تولد حمص 1971
ـ إجازة في الهندسة الزراعية من جامعة حلب عام 1995
ـ إجازة في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر بالقاهرة عام 2005م
ـ عمل خطيباً ومدرساً في مساجد حمص منذ عام 1992 وحتى الآن
ـ عمل محكِّماً شرعياً في المحاكم الشرعية بحمص منذ عام 2002 وحتى الآن
ـ خبرة إدارية في الإدارة من مشفى جمعية البر والخدمات الاجتماعية
ـ متزوج وعنده ريحانتان ( هداية و تسنيم)
ـ الموقع الالكتروني ـ أطياف الهداية -
أعمال قيد الإنجاز:
ـ رحلة النظر في قصار السور
ـ رؤى في أحاديث القصص
ـ أمثال القرآن الكريم: رؤى وأفكار
ـ محاولات في الفهم
والحمد لله رب العالمين.
- - - - - - - - - - - - -(1/128)
السيرة الذاتية للمحقق
علي بن نايف الشحود
تجدها في الأماكن التالية :
http://up.ahlalalm.net/ccfiles/Uob66825.rar
--------------------
http://cid-3d4e3b5bad809b62.skydrive.live.com/self.aspx/%D9%83%D8%AA%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%8A%20%D8%A8%D9%8A%20%D8%AF%D9%8A%20%D8%A5%D9%81.rar
==================
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=76582
- - - - - - - - - - - - - -(1/129)
المصادر الهامة للتحقيق
القرآن وعلومه :
القرآن الكريم بالرسم العادي – قالون
تفسير الطبري الشاملة 2
تفسير ابن كثير الشاملة 2
تفسير القرطبي الشاملة 2
تفسير الظلال الشاملة 2
التفسير الوسيط الشاملة 2
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور الشاملة 2
السنة وشروحها :
صحيح البخاري المكنز
صحيح مسلم المكنز
سنن أبي داود المكنز
سنن الترمذي المكنز
سنن النسائي الصغرى المكنز
سنن النسائي الكبرى الرسالة
سنن الدارقطني المكنز
سنن البيهقي المكنز
موطأ الإمام مالك المكنز
مسند الإمام أحمد بن حنبل المكنز
المستدرك للحاكم العلمية وغيرها –جامع الحديث
صحيح ابن حبان جامع الحديث
المصنف لعبد الرزاق – المكتب الإسلامي
المصنف لابن أبي شيبة الشاملة 2
الأدب لابن أبي شيبة الشاملة 2
شرح صحيح مسلم للنووي الشاملة 2
فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني الشاملة 2
تحفة الأحوذي شرح الترمذي الشاملة 2(1/130)
كتب عامة :
شرح قانون الأحوال الشخصية للصابوني
محاضرات في التربية -محمد الدويش
ديوان الرافعي،تحقيق أسامة محمد السيد
دع القلق وابدأ الحياة - دايل كارينجي
موسوعة الرد على شبهات أعداء الإسلام – علي بن نايف الشحود
منهج التربية النبوية للطفل سويد
ديوان أحبك ربي د. دالاتي.
فقه الاستشارة لناصر بن سليمان العمر
http://saaid.net/book/open.php?cat=82&book=341
المعلم الأول - صلى الله عليه وسلم - لفؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
http://saaid.net/book/open.php?cat=5&book=282
صناعة القائد طارق السويدان
الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز- د. وهبة الزحيلي،
العيش في الزمن الصعب -د عبد الكريم بكار
ديوان"عطر السماء"د - عبد المعطي دالاتي
آفاق بلا حدود - د- محمد التكريتي
مقالات عامة :
أطياف الهداية للكاتب
عشرة نقاط تمنع اختلال الأسرة -معاذ الخطيب
حول التربية والتعليم - عبد الكريم بكار
أدب الحوار -سلمان العودة
http://www.islamweb.net/ver2/Archive/readArt.php?lang=A&id=82791
كيف تربي أبناءك في هذا الزمان- د. حسان شمسي باشا
المراهقة: خصائص المرحلة ومشكلاتها - موقع صيد الفوائد
http://saaid.net/tarbiah/107.htm
الإسلام رؤية كونية للدكتور عبد الكريم بكار(1/131)
http://www.bab.com/persons/99/show_particle.cfm?article_id=438
العنف ضد المرأة -عبد الحميد الأنصاري مجلة العربي العدد رقم548
العلاقات الداخلية في الأسرة- د عماد الدين الرشيد
أبنائكم يتشاجرون ؟ ... إليكم الحل http://saaid.net/tarbiah/65.htm
غضب الصغار كيف نعالجه؟ http://pr.sv.net/SVW/2005/NOVEMBER/page076.htm
تطور العبقرية العلمية http://www.bafree.net/forum/archive/-45481.htm
ثلاثون وصية تسعد بها زوجتك الدكتور حسان شمسي باشا http://www.khayma.com/chamsipasha/Yourwife.htm
ثلاثون وصية تسعدين بها زوجك الدكتور حسان شمسي باشا http://www.khayma.com/chamsipasha/Yourhusband.htm
مواقع نت :
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=37&book=2730
موقع صيد الفوائد.
http://www.asharqalarabi.org.uk/center/dirasat-alunf.htmhttp://www.awrd.net/look/article.tpl?IdLanguage=17&IdPublication=1&NrArticle=1004&NrIssue=1&NrSection=19
http://www.sotakhr.com/index.php?id=679
(الشبكة الإسلامية) د. أحمد قاسم الحداد http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?id=10488
http://www.altareekh.com/doc/article.php?sid=672&mode=&order=(1/132)
الفهرس العام
بين يديك أخي القارئ ... 4
سبب هذا الكتاب: ... 5
إلهي: ... 6
ما قبل الزواج وفترة الحملِ الأسري ... 7
ما قبل الزواج وفترة الحملِ الأسري ... 7
((الخِطبة)) ... 7
1 ـ حُسن النظر والاختيار (نظر الخاطب إلى خطيبته والخطيبة إلى خطيبها): ... 8
2 ـ لا مجاملةَ في الاختيار: ... 9
3 ـ الوضوح: ... 10
4 ـ عدم إطلاق الوعود الخادعة: ... 10
5 ـ تبيان المنهج العام للأسرة القادمة: ... 10
الشروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة ... 12
الشروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة ... 15
كيف الخروج من عواصف البيوت ؟؟ ... 15
1 ـ الاستعانة بالله عزّ وجل: ... 15
2 ـ التربيةُ بالقدوة: ... 16
3 ـ "ليس البيت حلبة صراع لا بد أن ينتصر فيها أحد الطرفين" ... 16
إصلاحُ الزوجة ... 18
كيف يكون إصلاح الزوجة ؟؟ ... 18(1/133)
إصلاحُ الزوج ... 23
كيف يكون إصلاح الزوج؟؟ ... 25
1 ـ الحوار بالتي هي أحسن: ... 25
2 ـ التفاني في خدمته: ... 25
3 ـ تَدَخُّلُ والدِ الزوجة: ... 25
4 ـ تدخُّل الأصدقاء الصالحين: ... 26
5 ـ تدخُّل الأقارب الصالحين: ... 27
إشاعة ثقافة العفَّة في البيت ... 28
ـ ومن هذه الضوابط: ... 30
1 ـ تعليم الأولاد الاستئذان إذا أرادوا الدخول على آبائهم في غرفهم الخاصة.... ... 30
2 ـ التفريق بين الأولاد في المضاجع : ... 31
3 ـ تعلم الأولاد النوم على شقهم الأيمن وعدم النوم على بطونهم ... 31
إشاعة ثقافة الشورى في البيت ... 34
إشاعة ثقافة الرفق في البيوت ... 37
إشاعة ثقافة المصارحة في البيوت ... 41
أدب الاختلاف ضمانة لأسرة متماسكة ... 46
عدم التذكير بالماضي المزعج ... 49
السعيُ إلى التمَيُّز الأسري ... 52
الحسم في المخالفات الشرعية ... 57
مراعاة الفروق الفردية في الأسرة ... 60(1/134)
تخفيف التيتم والترمل الصوري ... 64
التعامل مع الأخطاء في المنْزل ... 68
1ـ تسليط الضوء على الصواب: ... 69
2ـ عدمُ تهويل الخطأ بحيث يُصبح أكبَرَ من حجمه: ... 70
3ـ تجاهل بعض الأخطاء: ... 71
4ـ التعريض بالخطأ: ... 72
العلاقات الخارجية في الأسرة ... 74
أولا علاقة الزوج مع أسرة الزوجة: ... 76
ثانياً: علاقة الزوجة مع أسرة الزوج: ... 77
ثالثاً: قواعد مشتركة للعلاقات الخارجية في الأسرة: ... 79
رابعاً: علاقة الأولاد مع الأقارب من الجهتين: ... 80
حلُّ الشيفرة الأسرية طريق السعادة ... 84
علاقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأسرية ... 88
1- تمثل خلق العشرة بالمعروف عند النبي - صلى الله عليه وسلم - . ... 88
حثه - صلى الله عليه وسلم - الرجال على حسن معاشرة أزواجهم : ... 98
تأديبه - صلى الله عليه وسلم - نساءه إذا اقتضى الأمر ذلك . ... 101
خطوات أولية عملية ضرورية على طريق حل الشيفرة الأسرية ... 104
1 - النية الصادقة في معرفة الحقوق والواجبات: ... 104
2 - معرفة نمط تفكير الزوج ونمط تفكير الزوجة: ... 104
3- الاهتمام بالحالة النفسية لكلا الجانبين: ... 105(1/135)
4 - الاهتمام بالحالة الجنسية لكلا الجانبين: ... 105
ثلاثون وصية ..تسعد بها زوجتك ... 107
ثلاثون وصية ..تسعدين بها زوجك ... 115
أي بنيتي... ... 123
ألم و آلام ... 126
السيرة الذاتية للمؤف ... 128
المصادر الهامة للتحقيق ... 130(1/136)