بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فهذه «صفحات مشرقات من سيرة العالمات المسلمات» توقظ همم طلاب العلم وطالباته، وتطلعهم على المكانة السامقة التي رفع الإسلام إليها المرأة، وكيف أنها طلبت العلم، وتصدت للرواية والدراية، وأمعنت في كل ذلك إمعانًا أعيا على الرجل دركه في مواطن كثيرة، أسأل الله أن ينفع بها أهل التوحيد والإيمان، وأن يقمع بها أهل الزيغ والطغيان، إنه كريم منان، والحمد لله رب العالمين.
مكة المكرمة 18 ذي الحجة 1410هـ
* * *
- وكأنهما أدلوا بالجديد من الحجة والعلم: يقولون: «إن المرأة نصف المجتمع» يتخذونها وسيلة تسوغ لهم كل مأرب في المرأة!
ولكننا نعلم أن الإسلام قد أولى المرأة غاية الأهمية والعناية لا باعتبار أنها نصف المجتمع، بل إنها أكثر من نصف المجتمع، إنها صانعة المجتمع، فيجب أن تحوز تلك العناية كي تكون على مستوى يجعلها تصوغ لَبِنَات المجتمع على أكمل وجه.
* لقد كان أول ما نزل من الوحي قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق: 1-5]، فدل ذلك على مكانة العلم وشرفه في الإسلام.
* وقال عز وجل: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9].
* وقال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم: 6].(1/1)
جاء عن علي - رضي الله عنه - في تفسيرها: «أدبوهم، وعلموهم»، وروى عنه الحاكم وابن المنذر قوله في تفسيرها: «علموا أنفسكم، وأهليكم الخير، وأدبوهم».
قال الألوسي رحمه الله: «واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بعض من أبيه».
* وقال عز وجل مخاطبًا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ } [الأحزاب: 34].
* وقال - صلى الله عليه وسلم - : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (1) .
قال الحافظ السخاوي رحمه الله: (قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث: «ومسلمة» وليس لها ذكر في شيء من طرقه، وإن كان معناها صحيحًا) (2) . اهـ.
ومن هنا قال الإمام ابن حزم رحمه الله: «ويجب عليهن - أي النساء - النفار للتفقه في الدين، كوجوبه على الرجال، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام، وما يحل، وما يحرم: من المآكل، والمشارب، والملابس كالرجال، ولا فرق، وأن يعلمن الأقوال والأعمال: إما بأنفسهن وإما بالإباحة لهن لقاء من يعلمهن، وفرض على الإمام أن يأخذ الناس بذلك» (3) . اهـ.
__________
(1) رواه ابن عدي والبيهقي عن أنس، والطبراني في «الكبير» عن ابن مسعود، وفي «الأوسط» عن ابن عباس، وفيه أيضًا وكذا البيهقي عن أبي سعيد، وتمام في فوائده عن ابن عمر، والخطيب في «تاريخه عن علي»، وقال الحافظ العراقي رحمه الله «قد صحح بعض الأئمة طرقه»، وقال المزي: «هذا الحديث روى من طرق تبلغ رتبة الحسن»، وقال السيوطي في «التعليقة المنيفة»: «وعندي أنه بلغ رتبة الصحيح، لأني رأيت له نحو خمسين طريقًا، وقد جمعتها في جزء». اهـ. انظر: «تخريج أحاديث إحياء علوم الدين» (1/55-57)، «تخريج أحاديث مشكلة الفقر» رقم (86).
(2) «المقاصد الحسنة» ص(277).
(3) «الإحكام في أصول الأحكام» (1/413)، وانظره: (2/412-418).(1/2)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها، فأحسن تعليمها، وأدبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران» (1) .
فقرن - صلى الله عليه وسلم - ثواب العتق من رق العبودية بثواب العتق من رق الجهل بفرائض الله عز وجل، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد أحست المرأة نتيجة لهذا الحق بحاجتها إلى العلم، فذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تطلب منه مجلسًا خاصًّا بالنساء، فعن أبي سعيد
الخدري - رضي الله عنه - قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: «يا رسول الله ذهبت الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله»، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا»، فاجتمعن، فأتاهن، فعلمهن مما علمه الله) (2) .
لقد بلغ حرص النساء المسلمات على العلم غايته حتى تطلبن المجالس الخاصة بهن للتعليم مع أنهن يستمعن في المسجد لتعليمه ومواعظه - صلى الله عليه وسلم - .
كذلك نجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسن للنساء سنة مؤكدة، ألا وهي: شهود مجامع الخير يتزودن منها:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم في «صحيحيهما».
(2) أخرجه البخاري (1/175) في العلم: باب هل يجعل للنساء يومًا على حدة في العلم، وفي الجنائز، وفي الاعتصام، ومسلم رقم (2633) في البر والصلة: باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه.(1/3)
فعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق (1) والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين.. قلت: «يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟» قال: «لتلبسها أختها من جلبابها») (2) .
وجاء في «فتوح البلدان» للبلاذري أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانت تتعلم الكتابة في الجاهلية على يد امرأة كاتبة تدعى «الشفاء العدوية» (3) ، فلما تزوجها - صلى الله عليه وسلم - طلب إلى الشفاء أن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة) (4) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» (5) .
لقد أقبلت المرأة المسلمة على العلم منذ أكرمها الله تعالى بالإسلام، فنهلت من معينه، وأخذت منه بسهم وافر.
* فهذه: الصديقة بنت الإمام الصديق الأكبر:
__________
(1) العواتق: جمع عاتق، وهي البنت البالغة، والتي قاربت البلوغ، لأنها تعتق من الخروج لخدمة أهلها، لتمكث في البيت، إلى أن تتزوج.
(2) أخرجه البخاري (2/386) في العيدين، والحيض، والحج، ومسلم رقم (890) في صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة.
(3) الشفاء بنت عبد الله العدوية، كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وهي من المهاجرات الأول، كان عمر يقدمها في الرأي، ويرعاها، ويفضلها، وربما ولاها شيئًا من أمر السوق - انظر: «الإصابة» (7/727-728).
(4) «تربية الأولاد في الإسلام» (1/277)، وانظر: «المجموع» (9/55).
(5) أخرجه مسلم رقم (332) في الحيض: باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم.(1/4)
خير من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء والمرسلين، رفيق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغار، ومعينه في الأسفار، ووزيره في عهده، وخليفته بحق من بعده، - رضي الله عنه - وعن ابنته، القرشية، التيمية المكية، أم المؤمنين، زوجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، في الدنيا والآخرة، وحبيبة خليل الله - صلى الله عليه وسلم - ، الفقيهة الربانية، المبرأة من فوق سبع سماوات، أفقه نساء هذه الأمة على الإطلاق، تزوج بها سيد الأولين والآخرين - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت تسع سنوات، وهو - صلى الله عليه وسلم - ابن أربع وخمسين سنة، وأقام معها تسع سنوات، ومات عنها وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهي لم تخط بعد إلى التاسعة عشرة، على أنها ملأت أرجاء الأرض علمًا، فهي في رواية الحديث نسيج وحدها، وعت من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم تعه امرأة من نسائه، وروت عنه ما لم يرو مثله أحد من الصحابة إلا أبا هريرة وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أجمعين.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: «روت عنه - صلى الله عليه وسلم - علمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وعن أبيها، وعن عمر، وفاطمة، وسعد، وحمزة بن عمرو الأسلمي، وجدامة بنت وهب» (1) .
عاشت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسين سنة، وتوفيت ولها من العمر ثمان وستون سنة.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: (وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومن ثم يقال لها: الحميراء، ولم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بكرًا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل ولا في النساء مطلقًا، امرأة أعلم منها، وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل الله كل شيء قدرًا، بل نشهد أنها زوجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر؟) (2) .
* من فضائلها رضي الله عنها:
__________
(1) «سير أعلام النبلاء» (2/135).
(2) «السابق» (2/140).(1/5)
ما رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة (1) من حرير، فيقول: هذه امرأتك»، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت فيه، فأقول: «إن يك هذا من عند الله يمضه») (2) .
وعن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: (أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «هذه زوجتك في الدنيا والآخرة») (3) .
(وكان تزويجه - صلى الله عليه وسلم - بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة في شوال بعد وقعة بدر، فما تزوج بكرًا سواها، وأحبها حبًّا شديدًا كان يتظاهر به، بحيث أن عمرو بن العاص، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟» قال: «عائشة»، قال: «فمن الرجال؟»، قال: «أبوها» (4) .
__________
(1) السرقة: بفتح السين والراء والقاف: هي القطعة، وانظر: «الفتح» (9/156).
(2) «سير أعلام النبلاء» (2/140).
(3) «السابق» (2/141).
(4) أخرجه البخاري (7/19) في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، (8/59) في المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، ومسلم (2384) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر - رضي الله عنه - .(1/6)
وهذا خبر ثابت رغم أنوف الروافض، وما كان - صلى الله عليه وسلم - يحب إلا طيبًا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «لو كنت متخذًا خليلاً من هذه الأمة، لاتخذت أبا كر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام أفضل» (1) .
فأحبَّ أفضل رجل من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهو حري أن يكون بغيضًا إلى الله
ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (2) .
(وعن عمرو بن غالب: أن رجلاً نال من عائشة عند عمار، فقال: اعزب مقبوحًا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟) (3) .
وحبه - صلى الله عليه وسلم - لعائشة كان أمرًا مستفيضًا، ألا تراهم كيف كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربًا إلى مرضاته.
__________
(1) أخرجه البخاري (7/15) في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي المساجد، وفي الفرائض، وقد اختار - صلى الله عليه وسلم - أن يمرض في بيتها، ومن ثم قال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: «انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلاً عن الناطق». اهـ. نقلاً من «الإجابة» للزركشي ص(54).
(2) «سير أعلام النبلاء» (2/142).
(3) أخرجه الترمذي رقم (3888) في المناقب وحسنه، وابن سعد في «الطبقات» (8/65)، و «الحلية» (2/44).(1/7)
قال حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت، فلم يرد عليها، فعادت الثانية، فلم يرد عليها، فلما كانت الثالثة، قال: «يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها») (1) متفق على صحته.
وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها (2) .
وعن أنس مرفوعًا: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري (7/84) في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : باب فضل عائشة، وفي الهبة، وأخرجه مسلم مختصرًا رقم (2441)، ومطولاً رقم (2442).
(2) «سير أعلام النبلاء» (2/143).
(3) أخرجه البخاري (7/73) في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : باب فضل عائشة، وفي الأطعمة: باب الثريد، ومسلم رقم (2446) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة رضي الله عنها، والترمذي رقم (3887).(1/8)
وعنها رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا عائش، هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام»، قالت: «وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى يا رسول الله») (1) .
لقد كانت رضي الله عنها إحدى المجتهدات، من أنفذ الناس رأيًا في أصول الدين ودقائق الكتاب المبين، وكانت رضي الله عنها تحسن أن تقرأ، ولم يكن يعرف ذلك إلا عدد محدود من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكم كان لها رضي الله عنها من استدراكات على الصحابة وملاحظات، فإذا علموا بذلك منها رجعوا إلى قولها (2) .
قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - : «ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا» (3) ، وقال مسروق: «رأيت مشيخة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يسألونها عن الفرائض» (4) .
وقيل لمسروق: «كانت عائشة تحسن الفرائض؟» قال: «والله لقد رأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الأكابر يسألونها عن الفرائض» (5) .
__________
(1) أخرجه البخاري (7/83) في فضل عائشة، وبدء الخلق، والأدب، والاستئذان، ومسلم رقم (2447)، في فضائل الصحابة: باب فضائل عائشة رضي الله عنها، وأبو داود رقم (5232)، والترمذي رقم (3876) وقال الزركشي رحمة الله: (قال أبو الفجر: «وإنما سلم عليها، ولم يواجهها لحرمة زوجها - صلى الله عليه وسلم - ، وواجه مريم لأنه لم يكن لها بعل، فمن نزهت لحرمة بعلها عن خطاب جبريل، كيف يسلط عليها أكف أهل الخطايا؟!»). اهـ. من «الإجابة» ص(55).
(2) انظر: «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة» للزركشي، و «السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين» للمحب الطبري ص (33-94).
(3) أخرجه الترمذي رقم (3883)، وقال: «حسن صحيح».
(4) «الإجابة» للزركشي ص(58).
(5) أخرجه الدارمي (2/342، 343)، وابن سعد في «الطبقات» (8/45)، والحاكم (4/11).(1/9)
وقال عطاء بن أبي رباح: «كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن رأيا في العامة» (1) .
قال الزهري: «لو جمع علم الناس كلهم، وأمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعهم علمًا» (2) .
وعنه أيضًا قال: «لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل» (3) .
قال الذهبي رحمه الله: «مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين» (4) .
[وذكرها - رضي الله عنه - الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقاته في جملة فقهاء الصحابة، ولما ذكر ابن حزم أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام على مزية كثرة ما نقل عنهم، قدم عائشة رضي الله عنها على سائر الصحابة، وقال الحافظ أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي في كتاب «إيضاح ما لا يسع المحدث جهله»: «اشتمل كتاب البخاري ومسلم على ألف حديث ومائتي حديث من الأحكام فروت عائشة من جملة الكتابين مائتين ونيفًا وتسعين حديثًا لم يخرج عن الأحكام منها إلا يسير» قال الحاكم أبو عبد الله: «فحمل عنها ربع الشريعة»] (5) .
وعن عروة بن الزبير قال: «ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها» (6) .
وذكر أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: «أنها كانت وحيدة عصرها في ثلاثة علوم: علم الفقه، وعلم الطب، وعلم الشعر» (7) .
__________
(1) «سير أعلام النبلاء» (1/185).
(2) «المستدرك» (4/11).
(3) قال الهيثمي في «المجمع»: (رواه الطبراني، ورجاله ثقات. اهـ. (9/243) وكذا الحاكم (4/11).
(4) «سير أعلام النبلاء» (2/139).
(5) «الإجابة للزركشي» ص(59).
(6) «الإصابة» (8/18).
(7) انظر: «الاستيعاب» (4/1881) وما بعده.(1/10)
وروي عن ابن شهاب قال: حدثنا القاسم بن محمد: أن معاوية دخل على عائشة، فكلمها، فقال: فلما قام معاوية، اتكأ على يد مولاها ذكوان، فقال: «والله، ما سمعت قط أبلغ من عائشة، ليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » (1) .
وعن موسى بن طلحة قال: «ما رأيت أحد أفصح من عائشة» (2) .
وعن هشام عن أبيه قال: «ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتًا أو أكثر» (3) .
وعن أبي الزناد قال: (ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة، فقيل له: «ما أرواك!»، فقال: «ما روايتي في رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا») (4) .
وروي عن ابن سيرين عن الأحنف قال: «سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء بعدهم، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن من في عائشة» (5) .
وعن الشعبي: أن عائشة قالت: رويت للبيد نحوًا من ألف بيت، وكان الشعبي يذكرها، فيتعجب من فقهها وعلمها، ثم يقول: ما ظنكم بأدب النبوة! (6) .
وعن هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة رضي الله عنها: «يا أمتاه، لا أعجب من فقهك؛ أقول: زوجة نبي الله، وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس؛ أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب" كيف هو؟، ومن أين هو؟ أو ما هو؟» قال: فضربت على منكبه، وقالت: «أي عُرَيَّة، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم عند آخر عمره - أو في آخر عمره - وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثم») (7) .
__________
(1) «سير أعلام النبلاء» (2/183).
(2) رواه الترمذي (3884)، وقال: «حسن صحيح غريب».
(3) «سير أعلام النبلاء» (2/189).
(4) «الإصابة» (8/18).
(5) «المستدرك» (4/11).
(6) «سير أعلام النبلاء» (2/197).
(7) أخرجه الإمام أحمد (6/67)، وأبو نعيم في «الحلية» (2/50)، وانظر: «مجمع الزوائد» (9/242).(1/11)
وعن عروة قال: «ما رأيت أحدًا أعلم بالطب من عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا خالة ممن تعلمت الطب؟ قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض، فأحفظه» (1) .
وعن هشام، عن أبيه، قال: (لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية نزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طب، منها، فقلت لها: «يا خالة، الطب من أين علمته؟» فقالت: «كنت أمرض فينعت لي الشيء ويمرض المريض، فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض، فأحفظه».
قال عروة: «فلقد ذهب عامة علمها، لم أسأل عنه) (2) .
(وكانت زوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعًا قسيمات عائشة رضي الله عنها في إذاعة العلم وإفاضة الدين على المسلمين، مما يؤكد أن المرأة المسلمة أقبلت على العلم منذ أكرمها الله تعالى بالإسلام.
كثيرة تلك الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وكثيرة تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير وفقه الحديث، وكثيرات هن النساء اللاتي حفظن كتاب الله تعالى أو حفظن كثيره، وحفظن الكثير من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكن يبلغن ذلك الرجال من وراء حجاب كما أمر الله تعالى: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [الأحزاب: 53].
ولقد وجد على مر القرون نساء تجاوزن علوم فرض العين إلى فروض الكفاية، فكانت منهن المحدثات العظيمات، والراويات الثقات، وهذا الإمام محمد بن سعد صاحب الطبقات يعقد جزءًا من كتاب «الطبقات الكبرى» لراويات الحديث من النساء أتى فيه على نيف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن
صحابته - رضي الله عنهم - ، وروى عنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين، وكذا فعل غيره، من الأئمة في مصنفاتهم.
__________
(1) «سير أعلام النبلاء» (2/183).
(2) «السابق» (2/183)، «الحلية» (2/49).(1/12)
* وهل تجد موطنًا أوثق ومرتقى أسمق، ومنزلة أوثق من أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو العلم الأشم والخليفة الراشد، والإمام الشجاع العادل، - يتلقى الحديث على مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تقوم على خدمته، وهي ميمونة بنت سعد؟ فكيف بمن دون علي - رضي الله عنه - ؟!» (1) .
* ويروى عن أم الدرداء الفقيهة الزاهدة قولها: «لقد طلبت العبادة في كل شيء، فما أصبت لنفسي شيئًا أشفى من مجالسة العلماء ومذاكراتهم» (2) .
لقد تصدت المرأة لفنون العلم وشئون الأدب، وأمعنت في كل ذلك إمعانًا أعيا على الرجل دركه في مواطن كثيرة، «وكان لها مظهر خلقي كريم في العلم والتعليم، فقد امتازت (العالمة المسلمة) بالصدق في العلم، والأمانة في الرواية، واستمع إلى هذه الشهادة يشهدها واحد من عظماء العلماء ألا وهو الحافظ الذهبي (ت748)، وقد ألف كتابه «ميزان الاعتدال» ففي نقد رجال الحديث، خرج فيه عدة آلاف متهم من المحدثين، ثم أتبع قوله بتلك الجملة التي كتبها بخطه الواضح وقلمه العريض فقال:
«وما علمت من النساء من اتهمت ولا من تركوها» (3) .
ولعل قائلاً يقول: «وما للنساء ورواية الحديث؟ وهل تركهن الذهبي إلا من قلة أو ذلة؟»، والجواب: أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ عهد عائشة رضي الله عنها حتى عهد الذهبي ما حفظ ولا روي بمثل ما حفظ في قلوب النساء، وروي على ألسنتهن.
__________
(1) «المرأة العربية» (3/141-142) بتصرف.
(2) «الأخت المسلمة» للجوهري ص(74)، وانظر «سير أعلام النبلاء» (4/277).
(3) «ميزان الاعتدال» (4/604).(1/13)
* ذلكم الحافظ ابن عساكر (ت571هـ) أوثق رواة الحديث عقدة، وأصدقهم حديثًا، حتى لقبوه بـ «حافظ الأمة»، كان له من شيوخه وأساتذته بضع وثمانون من النساء، فهل سمع الناس في عصر من العصور، وأمة من الأمم أن عالمًا واحدًا يتلقى عن بضع وثمانين امرأة علمًا واحدًا؟ فكم ترى منهن من لم يلقها أو يأخذ عنها، والرجل لم يجاوز الجزء الشرقي من الدولة الإسلامية، فلم تطأ قدماه أرض مصر، ولا بلاد المغرب، ولا الأندلس وهي أحفل ما تكون بذوات العلم والرأي من النساء» (1) .
* «وهذا الإمام أبو مسلم الفراهيدي المحدث يكتب عن سبعين امرأة» (2) .
* «وقد شهد الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله مجالس حافلة قرأ فيها على بعض المحدثات الحافظات الفقيهات، فتراه يختم كتابه (بغية الوعاة) بمسلسلات قرأ منها على الأصيلة الثقة الخيرة الفاضلة الكاتبة أم هانئ بنت الحسن الهوريني.
* وعلى هاجر بنت محمد المصرية.
* وأخبرته الشيختان المسندتان أم هانئ وأم الفضل بنت محمد المقدسي.
* وقرأ على الأصيلة نشوان بنت عبد الله الكناني.
* وأخبرته كمالية بنت محمد بن أبي بكر الجرجاني.
* وأنبأته أمة الخالق بنت عبد اللطيف العقبي.
* وأخبرته أمة العزيز بنت محمد الأمباسي.
* وفاطمة بنت علي بن اليسير مشافهة بالفسطاط.
* وخديجة بنت أبي الحسن بن الملقن... الخ» (3) .
* لقد بلغت الكثيرات من العالمات المسلمات منزلة علمية رفيعة، فكان منهن الأستاذات والمدرسات (للإمام الشافعي، والإمام البخاري، وابن خلكان، وابن حيان) (4) .
ونعرض فيما يلي نماذج من هؤلاء الفقيهات، والمحدثات اللائي اعتززن بالإسلام، فكان لهن سهم في إعزازه، والبذل في سبيله.
فصل
صور من سيرة المسلمة العالمة
__________
(1) «المرأة العربية» (2/138-139).
(2) «من أخلاق العلماء» هامش ص(345).
(3) «السابق» ص(345).
(4) «تربية الأولاد في الإسلام» (1/279)، وانظر مجلة «الأزهر» عدد رمضان 1404هـ ص(1482).(1/14)
* حفصة بنت سيرين:
أم الهذيل، الفقيهة الأنصارية: (قال هشام بن حسان: «قرأت حفصة بنت سيرين القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي ابنة تسعين».
وعنه أن ابن سيرين كان إذا أشكل عليه شيء من القرآن قال: «اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ».
وعنه قال: «اشترت حفصة جارية أظنها سندية، فقيل لها: «كيف رأيت مولاتك؟»، فذكر إبراهيم كلامًا بالفارسية، تفسيره: «أنها امرأة صالحة، إلا أنها أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهي الليل كله تبكي وتصلي».
وعنه قال: «قد رأيت الحسن وابن سيرين، وما رأيت أحدًا أرى أنه أعقل من حفظه».
وعن عبد الكريم بن معاوية قال: «ذكر لي عن حفصة أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة، وكانت تصوم الدهر، وتفطر العيدين وأيام التشريق».
وعن هشام أن حفصة كانت تدخل في مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم لا تزال فيه حتى يرتفع النهار، وتركع، ثم تخرج فيكون عن ذلك وضوءها ونومها، حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها إلى مثلها».
وعن مهدي بن ميمون قال: «مكثت حفصة في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو لقائلة» (1) .
* عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: (ت98 أو 108هـ):
الأنصارية، النجارية، المدنية، الفقيهة، تريبة (2) عائشة وتلميذتها، وقيل: لأبيها صحبة، وجدها سعد من صدماء الصحابة، وهو أخو النقيب الكبير أسعد بن زرارة.
__________
(1) «صفة الصفوة» (4/24-26)، «سير أعلام النبلاء» (4/507).
(2) الترب: اللدة، والسن، ومن ولد معك.(1/15)
كانت عالمة فقيهة، حجة، كثيرة العلم، حدثت عن عائشة وأم سلمة، ورافع بن خديج، وأختها أم هشام بنت حارثة، وحدث عنها ولدها أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن، وابناه: حارثة، ومالك، وابن أختها القاضي أبو بكر بن حزم، وابناه: عبد الله، ومحمد والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون، وحديثها كثير في دواوين الإسلام. روى أيوب بن سويد، عن يونس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد أنه قال لي: «يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟»، قلت: «بلى»، قال: «عليك بعمرة فإنها كانت في حجر عائشة رضي الله عنها»؛ قال: «فأتيتها، فوجدتها بحرًا لا ينزف» (1) .
* وهذه ابنة سعيد بن المسيب:
__________
(1) «سير أعلام النبلاء» (4/507-508).(1/16)
لما دخل بها زوجها (1) ،
__________
(1) جاء في ترجمة سعيد بن المسيب: 0أن عبد الملك بن مروان خطب ابنته لولده الوليد حين ولاه العهد، فأبي أن يزوجها، قال أبو وداعة: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أيامًا، فلما جئت قال: «أين كنت؟»، قلت: «توفيت أهلي، فاشتغلت بها»، قال: «فهلا أخبرتنا فشهدناها؟» قال: ثم أردت أن أقوم فقال: «هل أحدثت امرأة غيرها؟» فقلت: «يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟» فقال: «إن أنا فعلت تفعل؟» قلت: «عم»، فحمد الله تعالى وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجني على درهمين أو على ثلاثة، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وصرت إلى منزلي، وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟، وصليت المغرب، وكنت صائمًا فقدمت عشائي لأفطر، وكان خبزًا وزيتًا، وإذا بالباب يقرع، فقلت: «من هذا؟» فقال: «سعيد»، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد، فقمت وخرجت، وإذا بسعيد بن المسيب، وظننت أنه بدا له فقلت: «يا أبا محمد هلا أرسلت إلي فأتيتك؟» قال: لا، أنت أحق في أن تزار»، قلت: «فما تأمرني؟» قال: «رأيتك رجلاً عزبًا قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك»، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم دفعها في الباب، ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم صعدت إلى السطح، وناديت الجيران، جاءوني وقالوا: «ما شأنك؟» قلت: «زوجني سعيد بن المسيب ابنته، وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار»، فنزلوا إليها، وبلغ أمي فجاءت، وقالت: «وجهي في وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام»، فأقمت ثلاثًا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس،ـ وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهرًا لا يأتيني ولا آتيه ثم أتيته بعد شهر، وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي، ولم يكملني، حتى انفض من في المسجد، فلما لم يبق غيري، قال: «ما حال ذلك الإنسان؟» قلت: «على ما يحب الصديق ويكره «العدو»). اهـ. نقلاً من («من أخلاق العلماء» لمحمد بن سليمان) ص(1230125)، وفي «الإحياء» بزيادة: (فقال: «إن رابك منه أمر، فدونك والعصا»!، فانصرفت إلى منزلي، فوجه إلي بعشرين ألف درهم). اهـ. فما أعظم اطمئنان ذلك التابعي الجليل إلى مصير ابنته، حتى أنه لم يفكر في استقصاء أحوالها، لاطمئنانه، إلى أنها في كنف رجل تقي، يخشى الله تعالى، ويعرف حقها عليه، ومكانتها منه!(1/17)
وكان من أحد طلبة والدها، فلما أن أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجته: «إلى أين تريد؟» فقال: «إلى مجلس سعيد أتعلم العلم» فقالت له: «اجلس أعلمك علم سعيد» (1) .
وكانت تقول: «والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الشعثاء وابنه في الجنة») (2) . اهـ.
* أم الدرداء الصغرى:
(السيدة العالمة الفقيهة، هجيمة بنت يحيى الوصابية الحميرية الدمشقية.
روت علمًا جمًّا عن زوجها أبي الدرداء، وعن سلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة. وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.
وقال ابن جابر وعثمان بن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء، تختلف معه في برنس، تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القرآن تعلم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يومًا: «الحقي بصفوف النساء».
وعن جبير بن نفير، عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: «إنك خطبتي إلى أبوي في الدنيا، فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسي في الآخرة»، قال: «فلا تنكحي بعدي»، فخطبها معاوية، فأخبرته بالذي كان، فقال: «عليك بالصيام».
قال مكحول: «كانت أم الدرداء فقيهة»، وعن عون بن عبد الله قال: «كنا نأتي أم الدرداء، فنذكر الله عندها».
وقال يونس بن ميسرة: «كان النساء يتعبدن مع أم الدرداء رضي الله عنها، فإذا ضعفن عن القيام، تعلقن بالحبال».
قال إسماعيل بن عبيد الله: «كان عبد الملك بن مروان جالسًا في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء معه جالسه، حتى إذا نودي للمغرب قام، وقامت تتوكأ على عبد الملك حتى يدخل بها المسجد، فتجلس مع النساء، ويمضي عبد الملك إلى المقام يصلي بالناس.
__________
(1) «المدخل» للإمام ابن الحاج (1/215).
(2) «سير أعلام النبلاء» (4/508-509).(1/18)
وعن يحيى بن يحيى الغساني قال: «كان عبد الملك ابن مروان كثيرًا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق» (1) . اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أم الدرداء الصغرى: تابعية عابدة عالمة فقيهة، كان الرجال يقرءون عليها، ويتفقهون في الحائط الشمالي بجامع دمشق، وكان عبد الملك بن مروان يجلس في حلقتها مع المتفقهة، يشتغل عليها وهو خليفة رضي الله عنها» (2) .
* بنت الإمام مالك بن أنس:
وكان الإمام مالك يُقرأ عليه الموطأ، فإن لحن القارئ في حرف، أو زاد، أو نقص تدق ابنته الباب، فيقول أبوها للقارئ: «ارجع، فالغلط معك». فيرجع القارئ، فيجد الغلط (3) .
* جارية الإمام مالك بن أنس:
(وحكى عن أشهب أنه كان في المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأنه اشترى خضرة من جارية وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز، فقال لها: إذا كان عشية حين يأتينا الخبز فأتنا نعطك الثمن، فقالت: ذلك لا يجوز، فقال لها: ولم؟ فقالت: لأنه بيع طعام بطعام غير يد بيد، فسأل عن الجارية، فقيل له: «إنها جارية مالك بن أنس» رحمه الله تعالى) (4) .
* أم علي تقية:
العالمة المصرية الفاضلة أبوها الثقة أبو الفرج غيث بن علي، وولدها النحوي القارئ أبو الحسين علي بن فضل، صحبت الحافظ المحدث أبا طاهر السلفي بثغر الإسكندرية زمانًا، فذكرها في بعض تعاليقه، وأثنى عليها، وعثر هو يومًا في منزله، فانجرح إخمصه، فشقت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبته، فأنشدت تقية المذكورة في الحال لنفسها تقول:
لو وجدت السبيل بخدي عوضًا
عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبِّل اليوم رِجلاً
سلكت دهرها الطريق الحميدة
وقد كتب الشيخ السلفي هذه الواقعة بخطه) (5) .
__________
(1) «السابق» (4/277-279) بتصرف.
(2) «البداية والنهاية» (9/47).
(3) «المدخل» ص(215).
(4) «السابق».
(5) «من أخلاق العلماء» للشيخ محمد بن سليمان رحمه الله ص(37).(1/19)
* والدة الفقيه الواعظ المفسر زين الدين علي بن إبراهيم
ابن نجا:
المعروف بـ «ابن نجية» سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الحنبلي.
قال ناصح الدين بن الحنبلي: «قال لي والدي: زين الدين سَعِدَ بدعاء والدته، وكانت صالحة حافظة، تعرف التفسير.
قال زين الدين: كنا نسمع من خالي التفسير، ثم أجيء إليها، فتقول: «أيش فسر أخي اليوم؟»، فأقول: «سورة كذا وكذا»، فتقول: «ذكر قول فلان؟ وذكر الشيء الفلاني؟» فأقول «لا»، فتقول «ترك هذا»، وسمعت والدي يقول: «كانت تحفظ كتاب «الجواهر» وهو ثلاثون مجلدة، تأليف والدها الشيخ أبي الفرج، وأقعدت أربعين سنة في محرابها» (1) .
* فاطمة بنت الأستاذ الزاهد أبي علي، الحسن بن علي الدقاق:
الشيخة، العابدة، العالمة، أم البنين النيسابورية، أهل الأستاذ أبي القاسم القشيري، وأم أولاده، وكانت عابدة، قانتة، متهجدة، كبيرة القدر (2) .
* أم الخير الحجازية:
تصدرت حلقات وعظ وإرشاد المسلمات بجامع عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في القرن الرابع الهجري (3) .
* [وجاء في مقدمة كتاب المعلمين لابن سحنون: (أن القاضي الورع عيسى بن مسكين كان يُقرئ بناته وحفيداته.. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقلية «أسد بن الفرات» بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
وروى الخشني أن مؤدبًا كان بقصر الأمير محمد بن الأغلب، وكان يعلم الأطفال بالنهار، والبنات في الليل)] (4) .
__________
(1) «ذيل طبقات الحنابلة» (1/440).
(2) «سير أعلام النبلاء» (18/479-480).
(3) «الأخت المسلمة» للجوهري ص(64).
(4) «تربية الأولاد في الإسلام» (1/278).(1/20)
* قال الإمام ابن الحاج رحمه الله تعالى: (وقد كان في زماننا هذا سيدي أبو محمد رحمه الله تعالى قرأت عليه زوجته الختمة فحفظتها، وكذلك رسالة الشيخ أبي محمد بن أبي زيد رحمه الله، ونصف الموطأ للإمام مالك رحمه الله تعالى، وكذلك ابنتاها قريبتان منها، فإذا كان هذا في زماننا فما بالك بزمان السلف رضوان الله عليهم أجمعين، والعالم أولى من يحمل أهله ومن يلوذ به على طلب المراتب العلية فيجتهد في ذلك جهده، فإنهم آكد رعيته، وأوجبهم عليه وأولاهم به) (1) .
* فاطمة بنت السمرقندي:
(وكان لعلاء الدين السمرقندي «صاحب تحفة الفقهاء» ابنته «فاطمة» الفقيهة العلامة، حفظت «التحفة» لأبيها، وطلبها جماعة من ملوك الروم، فلما صنف أبو بكر الكاساني الملقب «ملك العلماء» كتابه «البدائع» وهو شرح التحفة، عرضه على شيخه وهو أبوها، فازداد به فرحًا، وزوجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك، فقالوا في عصره: «شرح تحفته، وتزوج ابنته».
قال صاحب «الفوائد البهية ص158» في ترجمة السمرقندي: (محمد بن أحمد بن أبي أحمد أبو بكر علاء الدين السمرقندي صاحب «تحفة الفقهاء» أستاذ صاحب «البدائع»، شيخ كبير فاضل جليل القدر تفقه على أبي المعين ميمون المكحولي، وعلى صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي، وكانت ابنته فاطمة الفقيهة العلامة زوجة علاء الدين أبي بكر صاحب «البدائع»، وكانت تفقهت على أبيها، وحفظت تحفته، وكان زوجها يخطئ فترده إلى الصواب، وكانت الفتوى تأتي فتخرج وعليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت بصاحب «البدائع» كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها). اهـ (2) .
__________
(1) «المدخل» (1/215-216).
(2) «من أخلاق العلماء» ص(125)، وانظر: «جولة في رياض العلماء» للدكتور عمر الأشقر ص(155).(1/21)
وكانت فقيهة عالمة بالفقه والحديث، أخذت العلم عن جملة عن الفقهاء، وأخذ عنها كثيرون، وكان لها حلقة للتدريس، وقد أجازها جملة من كبار القوم، وكانت من الزهد والورع على جانب عظيم، وألفت المؤلفات العديدة في الفقه والحديث، وانتشرت مؤلفاتها بين العلماء الأفاضل.
وكانت معاصرة للملك العادل «نور الدين الشهيد»، وطالما استشارها في بعض أموره الداخلية، وأخذ عنها بعض المسائل الفقهية، وكان دائمًا ينعم عليها، ويعضد مسعاها (1) .
* فاطمة بنت الإمام الحافظ البرزالي:
كتبت البخاري في ثلاثة عشر مجلدًا، فقابله لها أبوها الإمام، وكان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة، حتى صارت نسختها أصلاً معتمدًا يكتب منها الناس (2) .
* ستيتة بنت القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي:
(العالمة، الفقيهة، المفتية، تفقهت بأبيها، وروت عنه، وحفظت القرآن، والفقه، والفرائض، والحساب، والدور، والعربية، وغير ذلك، وكانت من أحفظ الناس للفقه، ومن أعلم الناس في وقتها بمذهب الشافعي، وكانت تفتي به مع الشيخ أبي علي بن أبي هريرة، وكانت فاضلة في نفسها، كثيرة الصدقة، مسارعة إلى فعل الخيرات، وقد سمعت الحديث أيضًا، وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي) (3) .
* زوجة الحافظ الهيثمي (وهي بنت شيخه الحافظ العراقي):
كانت تساعد زوجها في مراجعة كتب الحديث (4) .
* فاطمة بنت محمد بن أحمد التنوخية (ت778هـ):
(خاتمة المسندين في دمشق، كانت عالمة بالحديث، أخذ عنها جماعة، منهم الحافظ ابن حجر) (5) .
* أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية:
__________
(1) «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور» ص(367).
(2) «البداية والنهاية» (14/185).
(3) انظر: «البداية والنهاية» (1ذ1/306)، «سير أعلام النبلاء» (15/264).
(4) «تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة» ص(39).
(5) «الأعلام» (5/132).(1/22)
الشيخة، الصالحة، العالمة، المفتية، الفقيهة، المدرسة، العابدة، الناسكة، المجاهدة، وكل هذه ألقاب خلعها عليها أهل دهرها، وكلها صفات وصلت بها منتهى حدودها.
كانت تصعد المنبر، وتعظ النساء، وانتفع بتربيتها، والتخرج عليها خلق كثير، وكانت عالمة موفورة العلم في الفقه والأصول (1) .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مؤاخاتهم النساء والمردان، وتنكر أحوالهم وأصول أهل البدع، وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا يقدر عليه الرجال، وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها، ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرًا من المغني أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وهي التي خَتَّمَتْ نساء كثيرًا القرآن، منهن أم زوجتي عائشة بنت صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أمة الرحيم زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته وجنته، آمين) (2) .
توفيت في يوم عرفة، بظاهر القاهرة، وشهدها خلق كثير. وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في «ذيل طبقات الحنابلة»: (فاطمة بنة عباس أبي الفتح، أم زينب الواعظة، الزاهدة العابدة، الشيخة الفقيهة، العالمة المسندة المفتية، الخائفة الخاشعة، السيدة القانتة، المرابطة المتواضعة، الدينة العفيفة، الخيرة الصالحة، المتقنة المحققة الكاملة، الفاضلة المتفننة البغدادية، الواحدة في عصرها، والفريدة في دهرها، المقصودة في كل ناحية.
__________
(1) «المرأة العربية» (3/98).
(2) «البداية والنهاية» (14/72).(1/23)
كانت جليلة القدر، وافرة العلم، تسأل عن دقائق المسائل، وتتقن الفقه إتقانًا بالغًا، أخذت عن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، حتى برعت. كانت إذا أشكل عليها أمر سألت ابن تيمية عنه، فيفتيها، ويتعجب منها ومن فهمها، ويبالغ في الثناء عليها.
وكانت مجتهدة، صوامة قوامة، قوالة بالحق، خشنة العيش، قانعة باليسير، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، انتفع بها خلق كثير، وعلا صيتها، وارتفع محلها، وقيل: إنها جاوزت الثمانين، توفيت ليلة عرفة سنة أربع عشرة وسبعمائة، رحمها الله تعالى ورضي عنها آمين) (1) .
(وعلى سنتها سارت ابنتها زينب، فكانت تعظ النساء، وتخطبهن في حياة أمها، وبعد موتها) (2) .
* شهدة بنت المحدث أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري:
مسندة العراق، وفخر النساء، قعدت للحديث في القرن السادس، وهي صاحبة السماع العالي، ألحقت فيه الأصاغر بالأكابر، بعد صيتها، وسمع عليها الخلق الكثير، وكان لها خط حسن، وخالطت الدور والعلماء، ولها بر وخير (3) .
* كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية:
الشيخة، العالمة، الفاضلة، المسندة، سيدة الوزراء، المجاورة بحرم الله، كانت من راويات صحيح البخاري المعتبرة عند المحدثين، روت عن زاهر بن أحمد السرخسي، وغيره، وكانت نابغة في الفهم والنباهة وحدة الذهن، رحل إليها أفاضل العلماء.
قال أبو بكر بن منصور السمعاني: سمعت الوالد يذكر كريمة، ويقول: «وهل رأى إنسان مثل كريمة؟» (4) .
* عائشة بنت محمد بن الحسين البسطامي:
عالمة محدثة، كان أبوها، وأخوها، وولده من كبار العلماء (5) .
* زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلية:
__________
(1) «ذيل طبقات الحنابلة» (2/467-468).
(2) «المرأة العربية» (3/98).
(3) «سير أعلام النبلاء» (20/542).
(4) «السابق» (18/233-235).
(5) «السابق» (18/425).(1/24)
ابنة الإمام شرف الدين عبد الله أخي شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمهم الله تعالى، وزوجة الإمام العلامة أبو محمد عبد الوهاب بن السلاَّر (1) ، قال الحافظ ابن حجر: «سمعت من الحجار وغيره، وحدثت، وأجازت لي» (2) .
ومن تلاميذها الإمام الحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي الشافعي (3) .
* عائشة بنت حمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي:
سمعت صحيح البخاري، وروى عنها الحافظ ابن حجر، وقرأ عليها كتبًا عديدة، وانفردت في آخر عمرها بعلم الحديث (4) .
* ومن المحدثات السيدة نفيسة بنة محمد (5) .
* ومنهن: فاطمة بنت محمد البغدادي:
الشيخة، العالمة، الواعظة، الصالحة، المعمرة، مسندة أصبهان، حدث عنها السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني وغيرهم (6) .
* ومنهن: زينب بنة الكمال:
ومن تلاميذها الإمام محمد بن حمزة الحسيني (7) .
* ومنهن: كمال بنت المحدث أبي محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي:
أم الحسن، صالحة خيرة، وهي زوجة المحدث عبد الخالق اليوسفي (8) .
* ومنهن: وزيرة بنت عمر بن المنجي:
ومن تلاميذها الإمام محمد بن سوار السبكي (9) .
* ومنهن: عائشة بنت حسن بن إبراهيم:
الواعظة، العالمة، المسندة، أم الفتح الأصبهانية، قال ابن السمعاني سألت الحافظ إسماعيل عنها فقال: «امرأة صالحة، عالمة، تعظ النساء، وكتبت أمالي ابن مندة عنه، وهي أول من سمعت منها الحديث، بعثني أبي إليها، وكانت زاهدة» (10) .
__________
(1) انظر «الرد الوافر» لابن ناصر الدين الدمشقي ص(110).
(2) «جلاء العينين في محاكمة الأحمدين» ص(30).
(3) «الرد الوافر» ص(110).
(4) «المرأة ومكانتها» للحصين ص(57).
(5) «تربية الأولاد في الإسلام» (1/278).
(6) «سير أعلام النبلاء» (20/148).
(7) «الرد الوافر» ص(55).
(8) «سير أعلام النبلاء» (20/420).
(9) «الرد الوافر» ص(50).
(10) «سير أعلام النبلاء» (18/302-303).(1/25)
* ومنهن: زينب بنت مكي:
وممن سمع عليها الحافظ أحمد بن بكار النابلسي وعبد الله بن المحب وعمر بن حبيب وكثير من المحدثين (1) .
* وزينب بنت أبي القاسم:
كانت عالمة أدركت جماعة من أعيان العلماء وأخذت عنهم، وأجازها أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري مؤلف الكشاف، والمؤرخ شهاب الدين بن خلكان صاحب التاريخ المشهور (2) .
* أم سلمى فاطمة بنت أبي بكر بن عبد الله:
روت عن أبيها وكتب عنها محمد بن جعفر كتاب «الجمل» (3) .
* ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا:
الشيخة الصالحة، راوية صحيح البخاري، وغيره (4) .
* خديجة بنت موسى بن عبد الله:
الواعظة، وتعرف بـ «بنت البقال»، قال الخطيب: «كتبت عنها، وكانت فقيرة، صالحة، فاضلة» (5) .
* أم الهذيل:
لها روايات كثيرة، وقد قرأت القرآن وعمرها اثنتا عشرة سنة، وكانت فقيهة عالمة، من خيار النساء (6) .
* أم السلامة بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شنخرة:
سمعت من محمد بن إسماعيل النصلاني وغيره، وعنها الأزهري، والتنوخي، وأبو يعلى بن الفراء، وغيرهم، وأثنى عليها غير واحد في دينها، وفضلها وسيادتها (7) .
* فاطمة بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي:
المسندة، المحدثة، الدمشقية الصالحة، سمعت صحيح البخاري من ابن الزبيدي مرات، وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري، وأخذ عنها العلامة السبكي، والإمام المحقق ابن قيم الجوزية (8) .
* ست القضاة بنت الشيرازي:
تتلمذ عليها الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، والقاضي أحمد بن فضل الله العمري (9) .
__________
(1) «الرد الوافر» ص(80)، (10)، (113).
(2) «المرأة ومكانتها» ص(57).
(3) «السابق» ص(56).
(4) «البداية والنهاية» (14/79).
(5) «السابق» (12/54).
(6) «السابق» (9/302).
(7) «السابق» (11/328).
(8) انظر: «شذرات الذهب» (6/28)، «الأعلام» (5/129)، «ذيل طبقات الحنابلة» (2/448)، «طبقات المفسرين» (2/91).
(9) «الرد الوافر» ص(18).(1/26)
* زبيدة زوجة هارون الرشيد وابنة عمه:
كانت عالمة، فقيهة.
وذكر ابن خلكان: (أنه كان لها مائة جارية كلهن يحفظن القرآن العظيم، غير من قرأ منه ما قدر له وغير من لم يقرأ، وكان يسمع لهن في القصر دوي كدوي النحل، وكان ورد كل واحدة عشر القرآن) (1) .
* وقاية:
(امرأة عالمة فاضلة،ـ كانت بإحدى مدن ليبيا، وكان يلجأ إليها أفاضل العلماء، ويقولون: «تعالوا بنا نستشير وقاية، فعصابتها خير من عمائمنا») (2) .
* فاطمة بنت الحسن بن علي البغدادي العطار:
(المؤدبة الكاتبة وتعرف ببنت الأقرع) سمعت الحديث من أبي عمر بن مهدي، وغيره، وكانت تكتب المنسوب على طريقة ابن البواب، ويكتب الناس عليها، وبكتابها يضرب المثل، وبخطها كانت الهدنة من الديوان إلى ملك الروم، وكتبت مرة إلى عميد الملك الكندي رقعة فأعطاها ألف دينار...) (3) .
* ربيعة خاتون بنت أيوب أخت السلطان صلاح الدين الأيوبي الملقبة بـ «ست الشام»:
واقفة المدرستين البرانية والجوانية الست الجليلة خاتون أخت الملوك، وعمة أولادهم، وأم الملوك، كان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكًا، وكانت «ست الشام» من أكثر النساء صدقة وإحسانًا إلى الفقراء والمحاويج، وكانت تعمل في كل سنة في دراها بألوف من الذهب أشربة وأدوية وعقاقير وغير ذلك وتفرقه على الناس.
وكانت وفاتها يوم الجمعة في دارها التي جعلتها مدرسة (4) .
وكانت في خدمتها الشيخة الصالحة العالمة أمة اللطيف بنت الناصح الحنبلي، وكانت فاضلة، ولها تصانيف، وهي التي أرشدتها إلى وقف المدرسة بسفح قاسيون على الحنابلة، ووقفت أمة اللطيف على الحنابلة مدرسة أخرى (5) .
__________
(1) «البداية والنهاية» (10/71).
(2) «حقائق ثابتة في الإسلام» لابن الخطيب ص(78).
(3) «البداية والنهاية» (12/134)، «سير أعلام النبلاء» (18/480).
(4) انظر: «البداية والنهاية» (13/84-85).
(5) «السابق» (13/170).(1/27)
* وقال الشيخ عطية محمد سالم حفظه الله تعالى: (وقد رأيت بنفسي وأنا مدرس بالأحساء نسخة لسنن أبي داود عند آل المبارك وعليها تعليق لأخت صلاح الدين الأيوبي) (1) . اهـ.
* فاطمة بنت أحمد بن السلطان صلاح الدين الأيوبي:
(من فضليات النساء، روت الفقه، وشيئًا من الحديث، واشتهرت في عصرها) (2) .
* فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه:
(سمعت الخطيب وابن المسلمة وغيرهما، وكانت واعظة لها رباط تجتمع فيه الزاهدات، وقد سمع عليها ابن الجوزي مسند الشافعي وغيره) (3) .
* قال فضيلة الشيخ عطية محمد سالم حفظه الله: (... وذكر صاحب التراتيب الإدارية قوله: وقد ثبت عن كثير من نساء أهل الصحراء الأفريقية خصوصًا شنقيط «شنجط»، وهي المعروفة بموريتانيا وتيتبكتو، وقبيلة كنت - العجب، حتى جاء أن الشيخ المختار الكنتي الشهير، ختم مختصر خليل للرجال، وختمته زوجته في جهة أخرى للنساء، ومما يؤيده ما ذكره أننا ونحن في بعثة الجامعة الإسلامية لأفريقيا، سمعنا ونحن في مدينة أطار وهي على مقربة من مدينة شنجط المذكورة، سمعنا من كبار أهلها أنه كان يوجد بها سابقًا مائتا فتاة يحفظن المدونة كاملة، وقد سمعت في الآونة الأخيرة أنه توجد امرأة تدرس في المسجد النبوي الحديث والسيرة، واللغة العربية وهي شنقيطية» (4) . اهـ.
__________
(1) «تتمة أضواء البيان» (9/360).
(2) «الأعلام» للزركلي (5/130).
(3) «البداية والنهاية» (12/198).
(4) «تتمة أضواء البيان» (9/360-361).(1/28)
* وقال الأستاذ عبد الله عفيفي رحمه الله: (وأكثر ما عرف به الممتازات من نساء المغرب الأقصى حفظ القرآن الكريم بقراءاته جميعًا ورواية الحديث ودرس الفقه والأصول وما إلى هذه من علوم الدين، ويذكر أهل ذلك الإقليم ثمانين امرأة من نساء المغرب جمعن إلى النفاد في ذلك كله حفظ مدونة الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - ، وهي أكبر المطولات الجامعة في الحديث والفقه) (1) . اهـ.
وذكر من النسوة اللاتي تخرجن في العلوم الدينية: «السيدة الشريفة فاطمة الزهراء ابنة السيد محمد بن أحمد الإدريسي، تحفظ القرآن الكريم بقراءاته، وتحفظ كثيرًا من كتب الفقه والحديث، ولها فوق ذلك صلة وثيقة بالعلوم العصرية، ولم تبارح دار أبيها قط، وتخرجت على أبيها وجدها) (2) .
* وقال عبد الرحمن المراكشي: (إنه كان بالربض الشرقي في قرطبة سبعون ومائة امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي) (3) .
أما بعد: فذاك غيض من فيض حديث النهضة العلمية الإسلامية، وتلك آثار المرأة المسلمة فيها، ومآثرها عليها، فهل رأيت ما رأيت في أمة من الأمم قديمها وحديثها؟ اللهم إنها حكمة الله ملأ بها أحناء تلك الصدور: { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [البقرة: 269].
فلو كان النساء كمن ذكرنا
لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب
وما التذكير فخر للهلال
ومما ينبغي أن يعلم أن امرأة حازت تلك المكانة العلمية الرفيعة ضمن ضوابط شرعية محددة، تهيء لها المناخ الصالح الذي تأمن فيه الاختلاط بالرجال، وحضور مجالسهم، فكانت تؤدي وظيفة العلم من وراء حجاب.
__________
(1) «المرأة العربية» (3/155).
(2) «السابق» (3/156).
(3) «المرأة ومكانتها في الإسلام» للحصين ص(57).(1/29)
ومن هنا فلا يجوز لأحد أن يستدل بهذه النماذج الطيبة من «العالمات المسلمات» على «استحلال» ما عليه مجتمعاتنا اليوم من اختلاط فاضح، وتهتك مزر، وتبرج مشين، فهذا لا يمكن أن يقره دين ولا عقل، لتعارضه مع نصوص الشريعة الصريحة، ولمنافاته روحها الرامية إلى سد الذرائع المفضية إلى الفتنة والفساد، ولكن تلك النماذج المشرقة دليل واضح على موقف الإسلام من حق المرأة في التعلم، على أن يتم في حدود ما أحل الله، وعلى أن تراعي طبيعتها وما يناسبها من أنواع العلوم، وعلى أن تصان مما يخدش عقيدتها وآدابها الإسلامية (1) .
وآخر دعوانا أن «الحمد لله رب العالمين».
فهرس الموضوعات
المقدمة ... 5
* الصديقة بنت الإمام الصديق الأكبر: ... 6
* من فضائلها رضي الله عنها: ... 6
فصل: صور من سيرة المسلمة العالمة ... 6
* حفصة بنت سيرين: ... 6
* عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: ... 6
* وهذه ابنة سعيد بن المسيب: ... 6
* أم الدرداء الصغرى: ... 6
* بنت الإمام مالك بن أنس: ... 6
* جارية الإمام مالك بن أنس: ... 6
* أم علي تقية: ... 6
* والدة الفقيه الواعظ المفسر زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا ... 6
* فاطمة بنت الأستاذ الزاهد أبي علي، الحسن بن علي الدقاق: ... 6
* أم الخير الحجازية: ... 6
* فاطمة بنت السمرقندي: ... 6
* فاطمة بنت الإمام الحافظ البرزالي: ... 6
* زوجة الحافظ الهيثمي (وهي بنت شيخه الحافظ العراقي): ... 6
* فاطمة بنت محمد بن أحمد التنوخية (ت778هـ): ... 6
* أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية: ... 6
* شهدة بنت المحدث أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري: ... 6
* كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية: ... 6
* عائشة بنت محمد بن الحسين البسطامي: ... 6
* زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلية: ... 6
__________
(1) ويأتي مزيد بيان لقضية «تعليم المرأة» إن شاء الله في القسم الرابع من «عودة الحجاب» يسر الله إتمامه.(1/30)
* عائشة بنت حمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي: ... 6
* ومن المحدثات السيدة نفيسة بنة محمد ... 6
* ومنهن: فاطمة بنت محمد البغدادي: ... 6
* ومنهن: زينب بنة الكمال: ... 6
* ومنهن: كمال بنت المحدث أبي محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي: ... 6
* ومنهن: وزيرة بنت عمر بن المنجي: ... 6
* ومنهن: عائشة بنت حسن بن إبراهيم: ... 6
* ومنهن: زينب بنت مكي: ... 6
* وزينب بنت أبي القاسم: ... 6
* أم سلمى فاطمة بنت أبي بكر بن عبد الله: ... 6
* ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا: ... 6
* خديجة بنت موسى بن عبد الله: ... 6
* أم الهذيل: ... 6
* أم السلامة بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شنخرة: ... 6
* فاطمة بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي: ... 6
* ست القضاة بنت الشيرازي: ... 6
* زبيدة زوجة هارون الرشيد وابنة عمه: ... 6
* وقاية: ... 6
* فاطمة بنت الحسن بن علي البغدادي العطار: ... 6
* ربيعة خاتون بنت أيوب أخت السلطان صلاح الدين الأيوبي الملقبة بـ «ست الشام»: ... 6
* فاطمة بنت أحمد بن السلطان صلاح الدين الأيوبي: ... 6
* فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه: ... 6
فهرس الموضوعات ... 6(1/31)