بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد.
فهذه الرسالة التي قمت بجمعها بموضوع تعدد الزوجات، وتاريخه، والأدلة عليه من الكتاب والسنة وفيها أيضًا شهادة بعض النصارى بحكمة تعدد الزوجات على خلاف ما عليه دينهم!
ومن أهم الأسباب التي دعتني لكتابة هذه الرسالة، زهد الناس في تعدد الزوجات مع توافر الدواعي إليه وانتشارها ومنها كثرة العوانس في البيوت، وقلة المتزوجين لأكثر من واحدة في الوقت نفسه إضافة لما يثار حول هذا الموضوع من أعداء الإسلام ومن بعض أبنائه ومن دعوات محمودة لمنعه، حتى وصل الأمر إلى دعوة بعض الزوجات على صفحات بعض الجرائد أزواجهن إلى اتخاذ العشيقات دون اتخاذ زوجة ثانية أو ثالثة (1) .
ونسوا أو تناسوا أن التعدد كان قديمًا قدم الإنسان نفسه، وأنه كان منتشرًا في جميع الحضارات السابقة، وأن كل ما فعله الإسلام هو أنه هذبه ونظمه وجعل العدد المسموح به أربع زوجات بعد أن كان عند الأمم السابقة بدون حد حتى إن منهم من يتزوج بالعشرات بل بالمئات! إذًا فلماذا هذه الدعوة المحمومة والمسمومة إلى منعه وعلى نعت الداعين إليه الحريصين على مصلحة المجتمع بتلك النعوت؟ فهل تلك النعوت والأوصاف تنطبق على الأنبياء والرسل؟ أم على سيد الأنبياء والرسل - صلى الله عليه وسلم - ؟!
__________
(1) انظر جريدة الصباحية الاثنين 20/9/1412هـ.(1/1)
وعلى ما سبق نرى أن التعدد كان موجودًا في جميع الأمم السابقة ولم يشذ عن ذلك إلا أهل أوربا في العقود المتأخرة، فإنهم استبدلوا بتعدد الزوجات الشرعيات تعدد العشيقات والإباحية الجنسية حتى أصبحوا يتثافنون في الحدائق العامة وفي الطرقات، كما أخبر بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما يريده دعاة منع التعدد سواء علموا بذلك أو جهلوا.
ونسوا أن في تعدد الزوجات حماية للمرأة من الابتذال والسقوط والانحلال، ومن أن تصبح سلعة تباع وتشترى كما كان في أوربا.
يقول الفيلسوف هربرت سبنسر في كتابه (علم وصف الاجتماع): إن الزوجات كانت تباع في إنكلترا فيما بين القرن الخامس والقرن الحادي عشر وأنه حدث أخيرًا في القرن الحادي عشر أن المحاكم الكنيسة سنت قانونًا ينص على أن للزوج أن ينقل أو يغير زوجته إلى رجل آخر لمدة محدودة حسبما يشاء الرجل المنقول إليه المرأة!!، وكان للحاكم أن يستمتع بامرأة الفلاح إلى مدة أربع وعشرين ساعة من بعد عقد زواجها على الفلاح، ولا يزال في بعض الأرياف في إنكلترا رجال يبيعون نساءهم بثمن بخس جدًا كثلاثين شلنا (1) .
فأين ذلك من عدل الإسلام وتكريمه للمرأة.
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (2) .
ثم إنه لم يمنع التعدد في مجتمع من المجتمعات أو يزهد الناس فيه لأي سبب من الأسباب إلا انتشر الزنا والبغاء سرًا أو جهرًا، علمنا ذلك أو لم نعلمه.
__________
(1) مجموعة الرسائل الكمالية رقم 10 ص255، 2556.
(2) رواه الترمذي وابن حبان والدارمي.(1/2)
ولهذا كتبت هذه الرسالة حاثًا شباب المسلمين على الإكثار من عدد الزوجات، فقد كثرت العوانس في البيوت، والخير كل الخير في ما كان عليه سلف هذه الأمة فقد كانوا على قلة ذات أيديهم يعددون الزوجات ويدعون إلى ذلك (1) .
وأسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بنيدر بن مقبل الحيسوني
أول من عدد الزوجات
إن تاريخ التعدد قديم قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض، فإن أول من عدد كان (لامك بن متشويل بن محو ايل بن عندر بن خنوع بن قابيل بن آدم) - عليه السلام - .
وقد تزوج لامك زوجتين هما (عدا، وصلا) وأسكنهما بلاد اليمن (2) ثم استمر تعدد الزوجات ينتشر في بني آدم ويسنه الأنبياء إلى اليوم وإلى قيام الساعة فهذه سنة الله { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 26].
التعدد عند الأنبياء
تذكر التوراة أن إبراهيم - عليه السلام - تزوج بثلاث نساء، هن: سارة، ثم تزوج بعدها قنطورة بنت يقطن الكنعاني، ثم تزوج بعدها حجون بنت أمين إضافة إلى «سريته هاجر أم إسماعيل – عليهما السلام.
وتزوج يعقوب - عليه السلام - أربع زوجات، هن: راحيل أم يوسف، وبلهاء، ولينة، وزلفة.
وكان عند سليمان - عليه السلام - ألف امرأة (سبعمائة مهيرة) أي زوجة، (وثلاثمائة امرأة سرية) أي جارية.
وكان لداود - عليه السلام - مائة امرأة.
__________
(1) «تنبيه» تحققت من عزو بعض الأحاديث وتخريجها هنا مناسبة للرسالة، وتحريت أن تكون جميعها صحيحة ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أورد فيها غير ذلك.
(2) قصص الأنبياء للإمام ابن كثير ص17 تحقيق الدكتور مصطفى عبد الواحد طبع دار القبة، جدة 1411هـ، وانظر (2/572).(1/3)
وفي العهد القديم ما يدل على أن موسى - عليه السلام - كانت له زوجة أخرى مع ابنة الرجل الصالح (1) .
أما خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - فقد تزوج إحدى عشرة زوجة جمع منهن في وقت واحد تسع زوجات - صلى الله عليه وسلم - مع جاريتين هما مارية وريحانة (2) .
لمحة عند التعدد في الأمم السابقة
عرف تعدد الزوجات منذ القدم، وانتشر عند اليونان الأثينين حيث كانوا يبيعون النساء في الأسواق، ويبيحون تعدد الزوجات بغير حساب، وكان التعدد فاشيًا في أوربا عند الغولوا في زمن سيزار ومعروفًا عند الألمان في زمن ناشيت، وقد فشا في الرومان فعلاً لا قانونًا، حتى منعه جوستنيان في قوانينه، ولكنه ظل فاشيًا بالفعل، وكان معروفا ومنتشرًا عند قدماء المصريين وخصوصًا عند الأمراء (3) .
وعرف التعدد في شريعة (حمورابي) فقد وجد منقوشًا في أحد الأحجار الأثرية في مدينة (صور) قانون حمورابي في تنظيم الأسرة، وكان من أهم ما فيه مادة تجيز التعدد (4) .
أما الإسبرطيون فقد أباحوا تعدد الأزواج للمرأة الواحدة كأهل التبت دون تعدد الزوجات (5) !!
ووجد ذلك أيضًا عند قبائل النير الهندية، فكان للمرأة الواحدة عدة أزواج قد يصل عددهم إلى عشرة أزواج (6) !!
وعند قبائل (التودا) إذا تزوجت المرأة رجلاً أصبحت بهذا الزواج زوجة لجميع إخوانه الأصغر سنًا منه، ويصبح هؤلاء الإخوة كذلك لأخوات المرأة الأصغر سنًا منها (7) !!.
التعدد في الجاهلية
__________
(1) تعدد الزوجات ومعيار تحقق العدالة بينهن في الشريعة الإسلامية ص9 د/ أحمد علي طه، دار الاعتصام.
(2) سيرة ابن هشام ج4 ص213.
(3) مجموعة الرسائل الكمالية رقم 10 ص254.
(4) منهاج السنة في الزواج ص235، الدكتور محمد أبو النور.
(5) مجموع الرسائل الكمالية رقم 10 ص254.
(6) قصة الزواج والعزوبية في العالم ص43-44.
(7) المصدر السابق: (ص57-60).(1/4)
وكان التعدد منتشرًا في الجاهلية بين قبائل العرب، وكانوا يتفاخرون بتعدد الزوجات لدلالته على الرجولة.
ومن ذلك أن قيس بن حارث - رضي الله عنه - أسلم وعنده ثمان نسوه حرائر، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطلق أربًعا ويمسك أربعًا (1) .
وأسلم غيلان بن سلمى الثقفي - رضي الله عنه - وتحته عشر نسوة حرائر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (اختر منهن أربعًا) (2) .
وفي مسند الشافعي عن نوفل بن معاوية الديلي - رضي الله عنه - : أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اختر أربعًا أيهن شئت وفارق الأخرى) (3) .
وقال عمر الأسدي - رضي الله عنه - : أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اختر منهن أربعًا) (4) .
وعن عيسى بن الحارث - رضي الله عنه - قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك فقال: (اختر منهن أربعًا) (5) .
وكان عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده ست زوجات (6) قال الضحاك: كان في الجاهلية وفي أول الإسلام للرجل أن يتزوج من الحرائر بما شاء، فقصرتهن، الآية الثالثة من سورة النساء على أربع (7) .
أدلة التعدد في القرآن
قال تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [النساء: 3].
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسير هذه الآية:
__________
(1) رواه أبو داود ومالك في الموطأ (344).
(2) رواه أبو داود وابن ماجه في سننهما.
(3) مسند الشافعي.
(4) رواه أبو داود وابن ماجه.
(5) رواه أبو داود وابن ماجه.
(6) سيرة ابن هشام (ج1 ص191).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج3/10.(1/5)
(... وإنه يجوز نكاح أربع، ويحرم الزيادة عليها كما دل على ذلك أيضا إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف الضال.. وإنه خشية عدم العدل لا يجوز نكاح غير واحدة والخوف في الآية.
قال بعض العلماء معناها: الخشية، وقال بعض العلماء: معناه العلم، أي وإن علمتم (1) .
ومن إطلاق الخوف بمعنى العلم قول أبي محجن الثقفي:
ولا تدفنني بالفلاة فإنني
أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
فقوله: أخاف يعني: أعلم (2) .
فيكون المعنى إنه لكم نكاح أربع زوجات، فإن علمتم بأنكم لن تستطيعوا العدل بين الأربع فثلاث، وإن علمتم عدم القدرة على العدل بينهن فاثنين، وإن علمتم عدم القدرة على العدل بينهن فيقتصر على واحدة فقط.
قال القرطبي: (إن المراد من الخوف في الآية هو غلبة الظن، فيكون المعنى: إنه لكم نكاح أربع زوجات، فإن غلب على ظنكم عدم القدرة على العدل بينهن فثلاث، فإن غلب على الظن عدم العدل بينهن فاثنين، فإن غلب على الظن عدم العدل فواحدة) (3) .
وقال أبو عبيدة: معنى (خفتم) أي أيقنتم – فيكون المعنى إذا أيقنتم من عدم العدل بينهن فيقتصر على واحدة فقط (4) .
وعلى ذلك فالمراد بالخوف من عدم العدل أن يوقن الإنسان ويعلم من نفسه على اليقين عدم استطاعته العدل في المأكل والملبس والمشرب والمسكن بينهن فعند ذلك له عدم التعدد والاقتصار على واحدة.
ما المراد بالعدل؟
ويقول الله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } [النساء: 3].
ويقول الله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 129].
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج3/10.
(2) أضواء البيان ج1 ص369.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5/17.
(4) المرجع السابق ج5 ص10.(1/6)
وتفسير هاتين الآيتين: أنكم لن تستطيعوا أن تسووا بين الزوجات في المحبة القلبية لأن هذا أمر اضطراري لا اختياري فلا إثم فيه ولو حرصتم على ذلك، بل العدل في النفقة، والعطاء، بل لعل هذه الآية تبيح تعدد الزوجات وتبيح عدم التسوية بينهن في الحب (1) .
ويحرم عدم التسوية في النفقة والعطاء بين الزوجات، يقول - صلى الله عليه وسلم - : (من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) (2) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضًا على بعض في القسمة من مكثه عندنا. وكان قل يوم يمر إلا وهو يطوف علينا جميعًا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها» (3) .
ويقول الطحاوي:
وقد روي في تأويل قوله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } .
أن ذلك أكثر ما يقع في قلوبكم لبعضهن دون بعض وذلك معفو لهم عنه (4) .
ويقول الجرجاوي:
(يجوز للرجل أن يجمع بين الاثنين إذا حصل العدل، ويحرم عليه زيادة ثالثة ورابعة إذا لم يمكنه العدل، والعدل المطلوب يتناول غير الواجدان وعاطفة القلب كالإنفاق بقدر ماله وحالته، لأن الغرض المبيت بالتساوي لا الوطء) (5) .
فيكون المراد بعدم الاستطاعة في العدل هو في المحبة القلبية والعاطفة، وهذه غير مانعة من تعدد الزوجات عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) (6) أي من الحب والميل لبعضهن أكثر من بعض، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أعدل الناس، وكان يقول هذا.
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:
__________
(1) المرأة المسلمة أمام التحديات – الحصين ص193.
(2) رواه الترمذي.
(3) حكمة التشريع/ الجرجاوي.
(4) رواه الترمذي.
(5) طبقات ابن سعد.
(6) فتح الباري ج9/224.(1/7)
قال الله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } .
يعني في الحب والجماع.
فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي بين نسائه في القسم ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك). يعني في الحب (1) .
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: وشرط العدل في هذه الآية { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } شرط شخصي لا تشريعي: أعني: أنه شرط مرجعه لشخص المكلف لا يدخل تحت سلطان تشريع القضاء، فإن الله قد أذن للرجل – بصيغة الأمر – أن يتزوج ما طاب له من النساء دون قيد بإذن القاضي أو بإذن القانون أو بإذن ولي الأمر (2) أو غيره وأمر إن ظن في نفسه أن لا يعدل بين الزوجات أن يقتصر على واحدة، وبداهة أن ليس لأحد سلطان أن يعرف ما في داخلية نفسه من خوف الجور، أو عدم خوفه، بل ترك الله ذلك تقديره في ضميره وحده، ثم علمه الله سبحانه أنه على الحقيقة لا يستطيع إقامة ميزان العدل بين الزوجات إقامة تامة لا يدخلها ميل، فأمره أن لا يميل كل الميل، فيذر بعض زوجاته كالمعلقة، فاكتفى ربه منه – في طاعة أمره بالعدل – أن يعمل منه بما استطاع ورفع عنه ما لم يستطع (3) .
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: (اللهم أما قلبي فلا أملك، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل) (4) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (هذا العدل الذي ذكره الله تعالى هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة والميل الطبيعي، لأنه ليس تحت قدرة البشرية، بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع).
فعلى هذا يتبين لنا المراد بعدم الاستطاعة في العدل هو عدم الاستطاعة في العدل في المحبة والجماع والشهوة.
الحث على كثرة النساء في السنة
__________
(1) الجواب الكافي ص262، الحديث مرسل جيد.
(2) ليس المراد ولي الأمر.
(3) عمدة التفسير (3/102).
(4) تفسير الطبري ج5/214.(1/8)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة» (1) .
عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم» (2) .
وعند البيهقي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى» (3) .
وعند أبي داود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» (4) .
وورد قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إني مكاثر بكم الأمم» من حديث الصنابحي وابن الأعسر ومعقل بن يسار وسهل بن الحنظلية وحرملة بن النعمان وعائشة وعياض بن غنم ومعاوية بن قرة وغيرهم (5) .
وقد بوب البخاري في صحيحه على هذا، فقال: باب كثرة النساء.
وروي عن سعيد بن جبير قال:
(قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا. قال: تزوج، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء).
وعند الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (تزوجوا، فإن خيرنا كان أكثرنا نساء).
وكانت العرب تمتدح بكثرة النكاح لدلاله على الرجولة (6) .
وكان أكثر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، قد تزوجوا أكثر من واحدة، واشتهر منهم عدد ليسوا بالقليل بكثرة التعدد كالمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن عوف والحسن بن علي بن أبي طالب، وأبي بكر وعمر وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وغيرهم كثير وكذلك التابعين، بل أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم كان عنده مع الزوجات الكثير من
الجواري.
تعدد الزوجات في الجنة
__________
(1) رواه البخاري 5068.
(2) فتح الباري ج9/ص13.
(3) المصدر السابق.
(4) أبو داود رقم 2026.
(5) الفتح ج9/13.
(6) كتاب الشفاء.(1/9)
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون» (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا» (2) .
وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «للشهيد عند الله ست خصال، يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه» (3) .
النصارى وتعدد الزوجات
انظر، فقد كان النصارى يعيبون على المسلمين هذه المسألة! وهم الآن يطالبون بها!
1- هتلر يفكر بتعدد الزوجات.
ذكرت جريدة الأهرام في 13/12/1960م. أنه قد اكتشف وثيقة بخط يد نائب هتلر كان قد كتبها في عام 1944م يقول فيها: إن هتلر كان يفكر جديًا في أن يبيح للرجل الألماني الزواج من اثنتين زواجًا قانونيًا لضمان مستقبل قوة الشعب الألماني (4) .
2- مفكرو الغرب يطالبون بتعدد الزوجات
__________
(1) صحيح البخاري رقم 4879 ومسلم برقم 2838.
(2) صحيح البخاري برقم 2345.
(3) أخرجه الترمذي برقم 1663، وابن ماجه 2799، وأحمد 4/131.
(4) المرأة بين البيت والمجتمع – البهي الخولي ص110.(1/10)
هذه آراء بعض مفكري الغرب وأدباء وكتاب من النصارى الذين يدعون إلى إباحة تعدد الزوجات (1) بعد ما رأوا أكثر النساء يتفشى فيهن الزنا وينتشر بكثرة هائلة، أفلا ندعو الله نحن ونخاف مما وقع بههم ونعف نساءنا؟
قال سينار: وهو عضو مجلس النواب الفرنسي:
إن في فرنسا الآن مليونين وخمسمائة ألف فتاة لن يجدن لهن أزواجًا على افتراض أن كل شاب فرنسي يتزوج فتاة واحدة وإني أقول بصراحة أنا واثق بصحته وهو أن المرأة لا تتمتع بصحة جيدة ما لم تصبح أمًا، وفي اعتقادي أن القانون الذي يحكم على تلك الفئة الكبيرة بأن تعيش على نقيض ناموس الطبيعة إنما هو قانون مناف لكل عدالة.
وقال العالم الإنجليزي جود:
إن النظام البريطاني الذي يمنع تعدد الزوجات نظام غير مرض فقد اضر بنحو مليوني امرأة ضررًا بالغًا حيث صيرهن عوانس، وأدى بشبابهن إلى الذبول، وحرمهن من الأولاد وبالتالي ألجأهن إلى نبذ الفضيلة نبذ النواة.
ويقول الفيلسوف الإنجليزي سبنسر في كتابه (أصول علم الاجتماع):
إذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب، ولم يكن لكل رجل من الباقين إلا زوجة واحدة، وبقيت نساء عديدات بلا أزواج ينتج عن ذلك تقاتل أمتين مع فرض أنهما متساويتان في جميع الوسائل المعيشية وكانت إحداهما لا تستفيد من جميع نسائها بالاستيلاد فإنها لا تستطيع أن تقاوم خصيمتها التي سيولد رجالها جميع نسائها وتكون النتيجة أن الأمة الموحدة للزوجات – أي التي لا يتزوج رجالها إلا واحدة – تفنى أمام المتعددة الزوجات.
3- مفكرو الغرب يدافعون عن التعدد في الإسلام
يقول المفكر الفرنسي المسلم (ناصر الدين رينيه) في كتاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) المرأة المسلمة أمام التحديات – أحمد الحصين.(1/11)
الواقع يشهد بأن تعدد الزوجات شيء ذائع في سائر أرجاء العالم وسوف يظل موجودًا ما وجد العالم، مهما تشددت القوانين في تحريمه، ولكن المسألة الوحيدة هي معرفة ما إذا كان الأفضل أن يشرع هذا المبدأ ويحدد، أم أن يظل نوعًا من النفاق المستتر لا شيء يقف أمامه ويحد من جماحه.
وقد لاحظ الرحالة ونخص بالذكر منهم (جيرال دي نيرفال) و (مورجان) أن تعدد الزوجات عند المسلمين وهم يعترفون بهذا المبدأ – أقل انتشارًا منه عند النصارى الذين يزعمون أنهم يحرمون الزواج بأكثر من واحدة، وليس ذلك – التعدد – بالأمر الغريب على الفطرة البشرية، فالنصارى يجدون لذة الثمرة المحرمة عند خروجهم على مبدئهم في هذا!!.
ثم قال: ومع ذلك فإننا نتسائل: هل في زوال تعدد الزوجات فائدة أخلاقية؟!
إن هذا أمر مشكوك فيه، فالدعارة تندر في أكثر الأقطار الإسلامية، وبغيره – أي التعدد – سوف تتفشى وتنشر آثارها المخربة.
وكذلك سوف يظهر في بلاد المسلمين داء لم نعرفه من قبل، ذلك هو عزوبة النساء التي تنتشر بآثارها المفسدة في البلاد المقصور فيها الزواج على واحدة. وقد ظهر ذلك فيها بنسب مفزعة، وخاصة عقب فترات الحروب (1) .
يقول أحد المفكرين الألمان:
إن قوانين الزواج في أوربا فاسدة المبنى، فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة، وأفقدتنا نصف حقوقنا وأضاعت واجباتنا.
ثم قال: أما أن تعدد الزوجات أمر نافع لنوع الإنسان بأسره، كل من تدبر حقيقة الأمر يجد أن تعدد الزوجات شائع في أوربا شيوعًا لا ينكره إلا مكابر. ومن الغريب أن يوجد أمر تعدد الزوجات بصورة غير قانونية أو لا يوجد حتى بين من تسمى بالطبقة الراقية العالية، فمن اللازم إباحته ووضع نظام له وحدود تقلل شيوع الفاحشة، على أنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات ما دام منتشرًا بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام.
__________
(1) مصطفى السباعي – المرأة بين الفقه والقانون ص223، 224.(1/12)
وإننا في بعض أيامنا أو معظمها كلنا أو أغلبنا يتخذ كثيرًا من النساء، عشيقات وما دام الرجل محتاجًا إلى زوجات كثيرات فيجب أن يتكفل بشئون هذه الزوجات!!
ويقول الكاتب جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: إن تعدد الزوجات يجنب المجتمع ويلات هذه الآفة من أخطار الخليلات، ويتخلص القوم من الأولاد الذين لا أب لهم (أي اللقطاء).
ويقول المفكر برنادشو:
إن أوربا ستضطر للرجوع إلى الإسلام قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم لم تشأ (1) .
4- المرأة الغربية تطالب بالتعدد
بعدما عانت المرأة الأوروبية من التشرد، وتجشمت ما لا يلائم فطرتها، فذاقت الويلات راحت هي الأخرى تنادي بالتعدد، فقامت مظاهرة نسائية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945م طالبت النسوة في هذه المظاهرة أن يوضع في الدستور نص يبيح تعدد الزوجات رغبة في حماية المرأة الألمانية من احتراف البغاء (2) .
وقالت إحدى الكاتبات في جريدة لندن ثروت – نقلتها عنها جريدة (لغوص ويكلي ركورد):
لقد كثرت الشاردات من بناتنا وعم البلاء وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذا كنت امرأة أنظر إلى هاتيك البنات، وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنًا، وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني وتفجعي وإن شارك فيه الناس جميعًا؟!
__________
(1) المرأة المسلمة أمام التحديات – أحمد الحصين.
(2) استوصوا بالنساء خيرًا – رءوف شلبي ص65.(1/13)
لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة. ولله در المفكر (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكامل الشفاء وهو (الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة) وبواسطة هذا يزول البلاء ولا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا مشردات، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال. ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، أي ظن وحرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد شرعيون أصبحوا كلاًّ وعارًا على المجتمع الإنساني؛ فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب ويسلم عرض أولادهن. وبإباحة عدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين (1) .
وفي ألمانيا تقول إحدى الألمانيات: إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو في تعدد الزوجات.
وتقول أستاذة ألمانية: إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل واحد ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه، وإن هذا ليس رأيي وحدي بل رأي كل نساء ألمانيا (2) .
وبعثت فتاة إلى رئيس إحدى الصحف الفرنسية بالخطاب الآتي:
إنني أبلغ من العمر الثانية والثلاثين وأعيش من كدي وثمرة جهدي في الحياة – كما هو حال كثير من فتياتنا اليوم – وليس في ما أشكو منه إلا أنني محرومة من الأطفال وأنت يا سيدي تعلم أن عدد الرجال بعد الحرب العالمية قد انخفض ولا سبيل إلى التوازن ما دام للرجل امرأة واحدة أفليس من الواجب على الحكومة أن تسن قانونًا يبيح تعدد الزوجات.
__________
(1) المرأة المسلمة أمام التحديات – أحمد الحصين نقلاً عن مجلة المنار.
(2) تعدد الزوجات ومعيار تحقق العدالة بينهن في الشريعة الإسلامية – د. أحمد علي طه.(1/14)
ما دمت أحدثك عن نفسي فأقسم لك إنني إذا سن هذا لقانون وشاركني في حياة زوجي نساء أخريات فلن تجد الغيرة إلى قلبي سبيلاً، بل لن أطمع إلى معرفة الزوجة أو الزوجات اللاتي يتخذهن بعلي بل حسبي أن تكون حياتي معه شريفة وأن أرزق منه أطفالاً تقر بهم عيني (1) .
وقالت (إني بيزايت) في كتابها (الأديان المنتشرة في الهند): ولكن كيف يجوز أن يجرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين ما دام البغاء شائعًا في بلادهم، ومن يتأمل فلا يجد وحدة الزوجة الواحدة محترمة إلا لدى نفر قليل من الرجال الطاهرين، فلا يصح أن يقال عن بيئة أهلها موحدون للزوجة، ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية عشيقات من وراء ستار، ومتى وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء أفضل من البغاء الغربي الذي سمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهوته ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره (2) .
قارن وتأمل
1- نساء الكويت والتعدد:
بعد أن عرفنا وجهة نظر المرأة الغربية، ودعوتها الرجال إلى تعدد الزوجات على غرار ما في الشريعة الإسلامية، وذلك بسبب ما تعانيه من كثرة العوانس من بنات جنسها في تلك المجتمعات وما ترتب على ذلك من انتشار الزنا والإباحية في المجتمع الغربي.
فلنتعرف على وجهة نظر المرأة في الكويت في هذه القضية.
فقد نشرت جريدة الصباحية في العدد 591 بتاريخ 20/9/1414هـ. ما نصه:
- تصاعد مستمر في أزمة الأزواج بالكويت.
- كويتيات يعتدين بالضرب على لجنة تشجيع الزواج الثاني.
__________
(1) المرأة المسلمة أمام التحديات – أحمد الحصين نقلاً عن مجلة منشأة الشرف – السنة 28 العدد 8.
(2) المرأة بين الفقه والسنة والقانون، مصطفى السباعي ص229.(1/15)
- لجان نسائية تناشد الزوجات قبول زوجة جديدة لزوجها دخلت المعركة بين نساء الكويت و (اللجنة الخيرية لمشروع الزواج) مرحلة خطيرة. تبادلت الجهتان الاتهامت الخادشة للحياء على صفحات الجرائد. قالت عضوات اللجنة: إن الزوجة الكويتية تقبل أحيانًا أن يكون لزوجها علاقات غير مشروعة على أن يتزوج ثانية. وصفت الزوجات الكويتيات هذه اللجنة باسم (لجنة خراب البيوت العامرة) اتهمت بعض النساء اللجنة بأن عقول عضواتها ذهبت أثر حرب الخليج.
كانت (اللجنة الخيرية لمشروع الزواج) قد طرحت فكرة الزواج زوجة ثانية لحل مشكلة العنوسة. انتقلت عضوات اللجنة إلى البيوت لإقناع الزوجات بذلك فكان نصيبهن الضرب والسب.
اتجهت اللجنة إلى اتجاه آخر لحل الأزمة: ورصدت مبلغ ألف دينار بالإضافة إلى قرض مالي لكل شاب مقبل على الزواج.
قررت اللجنة أيضًا منح هدية خاصة للطفل الأول.
ضمت اللجنة إلى جانب النساء تسعة رجال بينهم من يحمل شهادة الدكتوراه.
دعت في بيان لها كل رجال الكويت إلى الزواج من زوجة أخرى لحل مشكلة العنوسة.
هاجمت اللجنة في بيانها الرجال الذين يعارضون الفكرة.
وصفت اللجنة الرجل الذي يعارضهم بأنه ينظر إلى الزواج بأخرى كنوع من العار الذي يحط من شأنه.
ردت بعض الزوجات على البيان بقولهن: سنقتل أزواجنا إذا استجابوا لهذه الدعوة.
أرسلت امرأة خطابًا إلى الجمعية قالت فيه: سأقتل زوجي وأرميه للكلاب إذا فكر في الزواج بأخرى. اجتمعت مجموعة من النساء المتزوجات لتشكيل جبهة مضادة لهذه اللجنة. نادى أول بيان لهذه المجموعة بإغلاق الملف نهائيًا.(1/16)
المعروف أن (اللجنة الخيرية لمشروع الزواج) تشكلت قبل الاحتلال العراقي للكويت (1) .
2- تونس والتعدد:
صرح الرئيس التونسي الحبيب برقيبه في حديث لجريدة الأهرام في 20/12/1975م بأنه أصدر في سنة 1956م قانونًا يمنع تعدد الزوجات واعتبر التعدد جنحة يعاقب عليها مرتكبها بالسجن سنة وغرامة مالية قدرها «240» دينارًا.
ولقد ثارت خصومة بين رجل وبين صديق له فقال له صديقه: والله لأفضحنك ولأوقعنك في فخ لا مخرج لك منه.
قال: ماذا تصنع؟
قال: أبلغ الجهات المختصة بأنك متزوج من اثنتين.
وفعلا عنده زوجتان كل في بيت خاص يتردد على هذه يومًا وعلى هذه يومًا آخر، فذهب صديقه إلى الشرطة وبلغهم أن فلانًا قد ارتكب جريمة. ألا وهي أنه متزوج من اثنتين!!.
فراقبوه فترةً، وبالفعل وجدوه يتردد على بيتين، فقبضوا عليه متلبسًا بالجرم المشهود، وبدءوا معه محضر التحقيق.
ولكن الرجل كان ذكيًا، وأعد للأمر عدته!
فقال: أنتم تجنيتم عليَّ هذه زوجة فعلا، ولي منها أولاد، ولكن هذه ليست زوجة، وإنما صديقة أقمت معها علاقة صداقة، فاعتذروا منه وأبدوا له شديد الأسف وأخرجوه لأنه أصبح برئيًا من تهمة تعدد الزوجات!!.
سكرتيرات بدل تعدد الزوجات!
يقول رسول الله: «ما خلا رجل بامرأة إلى وكان الشيطان ثالثهما».
إن الرجل حينما ترك تعدد الزوجات انصرف إلى مجال آخر، إلى تعدد السكرتيرات!!.
__________
(1) وقد كان لهذه اللجنة نجاح منقطع النظير حيث كثر تعدد الزوجات في المجتمع الكويتي حسب ما أخبرنا بذلك الثقات. وهذا مما يشجع على تكوين مثل هذه اللجنة في مجتمعات إسلامية أخرى وكما حدث عندنا في جدة والرياض حيث كان لها النتائج نفسها ولله الحمد والمنة.(1/17)
فلماذا يحمل الرجل نفسه مسئولية فتح بيت آخر وزوجة أخرى وقد وجد بعض النساء اللاتي يؤدين الدور نفسه ولكن بمسمى آخر وهو سكرتيرة!!، فقد انتشرت فضائح السكرتيرات في الغرب حتى إنه لا يكاد يمر شهر إلا ونقرأ على صفحات الجرائد بفضيحة أخلاقية وسياسية في الغرب بطلتها السكريترة وهذا ما بدأ يغزو بعض المجتمعات الإسلامية بسبب تركها لأمر شرعه الله وأحله لها وهو تعدد الزوجات.
ومن الفضائح ما نشرته مجلة حضارة الإسلام في المجلد الثاني ص364 فقالت:
طلبت زوجة الطلاق من زوجها في شهر العسل ووقفت تبكي أمام القاضي وهي تروي له قصتها. قالت: لقد احتفلنا بزواجنا في الأسبوع الماضي وقررنا أن نمضي شهر العسل على شاطيء البحر ولكنني صدمت في اليوم التالي عندما وجدت فتاة شقراء جميلة تشاركنا في شهر العسل، لقد قال زوجي: «إنها سكرتيرته الخاصة وأنه لا يستطيع أن يستغني عنها لحظة واحدة»!!.
ولم يكن ممكنًا أن أحتمل وجود امرأة أخرى وهي تجلس أمام زوجي بالمايوه ليملي عليها خطاباته، ويمضي معها نصف شهر عسلي أنا. وطلب القاضي من الزوج أن يختار بين الزوجة والسكرتيرة فخرج من المحكمة وهو يتأبط ذراع سكرتيرته (1) !.
من فوائد تعدد الزوجات
إن للتعدد فوائد عزيمة تدل على عظيمة المشرع سبحانه وتعالى منها:
أنه قد تكون الزوجة الأولى عاقرًا وهو راغب في الولد ولا تطيب له نفسه بمفارقة هذه الزوجة العاقر، وقد تكون هي في حاجة إلى كفالته لها.
وهنا يجد الزوج طلبه في إباحة الإسلام لتعدد الزوجات فيبتغي الولد بينما تستمر حياته مع زوجته الأولى، وقد يصيب الزوجة الأولى داء مزمن يفوت على زوجها مقاصد الزواج.
ومنها زيادة عدد الأرامل والعوانس والمطلقات في المجتمع، فإن في بقائهن بدون زوج وبدون عائل مفسدة لا تزول إلا بالتعدد.
__________
(1) المرأة بين الفقه والقانون.(1/18)
وكذلك دخول المرأة سن اليأس والرجل ما زال فيه القوة والقدرة على الإنجاب فإن الرجل ينجب إلى ما بعد الثمانين من عمره.
وقد يكون الرجل قويًا بحيث يرى المرأة الواحدة لا تكفي لإحصانه، أو أن يكون زمن حيضها أو نفاسها يطول.
وكذلك في حال اغتراب الزوج وعدم قدرته على الرجوع إلى أهله فلو لم يتزوج لم يأمن على نفسه الفتنة.
وفي حال انتشار الحروب التي تذهب بالرجال، فيزيد عدد النساء زيادة فاحشة فالذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية من الرجال أكثر من عشرين مليون رجل فما هو مصير زوجاتهم؟
وفيه إغلاق لباب الزنا ومنع انتشار المومسات كما نرى في الدول التي تمنع تعدد الزوجات وتبيح الزنا والعياذ بالله.
تعدد الزوجات من أسباب الغنى
روى ابن أبي شيبة (4/127) مرسلاً ووصله الحاكم في المستدرك (2/161) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال» قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي وهذا فيه إشارة إلى قول الله تعالى: { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ } سورة النور وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاث حق على الله عونهم» فذكر منهم «الناكح يريد العفاف» رواه أبو داود وهو صحيح وقد لا يتحقق العفاف إلا بالتعدد، فهذه بشرى صادقة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الإمام أحمد رحمه الله :أرى في هذا الزمان للرجل أن يتزوج اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا يريد العفة (1) .
وهذا في زمان الإمام أحمد فكيف بزماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن وانتشرت في الأسواق والشوارع وحتى داخل البيوت.
شبهات حول تعدد الزوجات (2)
الشبهة الأولى:
حاصلها أن الله عز وجل قال: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } [النساء: 3].
__________
(1) طبقات الحنابلة – لابن أبي يعلى.
(2) مصطفى العدوي – فقه تعدد الزوجات.(1/19)
وقد قال تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [النساء: 129].
فقالوا: إن الله عز وجل أمر المؤمنين - عند خوف عدم العدل – أن ينكحوا واحدة، وأكد أنهم لن يستطيعوا أن يعدلوا، فدل ذلك على استحباب الاقتصار على الواحدة.
والجواب على هذه الشبهة أن العدل في الآية الأولى أعم وأوسع من العدل في الآية الثانية، فالعدل في الآية الثانية: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا } المراد به حب القلب والجماع على ما تقدم، أما في الآية الأولى فهو أعم من ذلك فيدخل فيه أصل القسم والمبيت والإنفاق وغير ذلك.
الشبهة الثانية:
ذهب بعضهم إلى أن الرجل لا يتزوج إلا إذا كان بالأولى عيب أو يبغضها الرجل. هذا أيضًا مردود، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة وسودة بعد خديجة رضي الله عنهن وكان يحب عائشة حبًا جمًا ومع ذلك فقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد عائشة رضي الله عنها سبع نسوة.
الشبهة الثالثة:
قول بعض الجهلاء: إنه لا يفعل ذلك إلا الشهواني.
وهذا القول قول سخيف حكايته تغني عن رده. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكمل الناس خلقًا ومع ذلك يجمع بين تسع نسوة وكذلك جم غفير منن أصحابه - رضي الله عنهم - يجمعون بين أكثر من امرأة.
وشهوة الحلال التي يقضيها المتزوج ويثيبه الله تعالى عليها، هي خير من شهوة الحرام التي يقضيها هذا الجاهل وغيره بدءًا من النظر المحرم وما بعده.
الشبهة الرابعة:(1/20)
دعوى أن هذا ظلم للمرأة، وهذا القول لا يقوله إلا أهل الإلحاد ومن يتابعهم من أهل الزيغ والضلال، فالله حكم عدل، قضاؤه عدل، قوله حق وعدل فهو أعدل العادلين أرحم الراحمين { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ، { وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } . فالذين عطلوا النساء من التزويج بحجة الاقتصار على الواحدة وعدم ظلم الواحدة، هم أظلم الخلق وأضل الخلق فقصروا الزواج على الواحدة وأباحوا الفاحشة وأذاعوها بين الرجال والنساء والشباب والشابات { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [الأنعام: 144].
الشبهة الخامسة:
يقول بعضهم: إن الزواج بالثانية يجعل الزوج يغيب عن زوجته وأولاده يومًا كاملاً؟ والجواب عن هذا أنه ليس بصحيح بل إن الأب المربي يتابعهم ويتصل بهم دائمًا ويمر عليهم ليصبحوا معه وقت الصلاة. كما أن كثيرًا من الأزواج الذين ليس لهم إلا زوجة واحدة قد يكون عمله يتطلب سهرًا ومناوبة كل ليلتين ومع ذلك لم تصدر الشكوى منه لأن فيه مصلحة دنيوية!!.
ثم قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سبق بيانه يمر بزوجاته كل يوم، وإنما القسم في المبيت.
كيف نقنع النساء بالتعدد؟!
أولاً: العمل على دعوة المسلمين إلى دينهم جملةً وتفصيلاً – وهذا ما نلحظه اليوم – لأن تعدد الزوجات جزء من الشريعة، ومن الصعب علاج جزء من الجسد العليل مع ترك بقية الجسد تعمل فيه العلل. فمتى تم ذلك أدرك سر هذا التشريع العظيم وفهم مراميه وأهدافه وعرف كل ما له من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات.
ثانيًا: العمل على توعية المسلمين وتعريفهم بالحكم التي شرع لأجلها التعدد.(1/21)
ثالثًا: على الرجال المعددين أن يحرصوا على العدل بين زوجاتهم ليعطوا الناس صورة مشرفة وقدوة حسنة للتعدد، تمحو ما ينشر من صور شاذة عن بعض الرجال الذين يمثلون أنفسهم ولا يمثلون هدي الإسلام حقًا.
رابعًا: على الأخوات الداعيات اللائي رضين بأن يعدد أزواجهن أن يبصرن غيرهن بأهمية ذلك وأخطار ترك المرأة الزواج حتى يأتي رجل لا زوجة معه فقد لا تملك الفتاة من الجمال ما يجذب إليها شابًا فهل تجلس عانسًا طول عمرها؟ أم ترضى أن تكون زوجة ثانية لزوج يرغب بكرًا فحينئذ تعف نفسها وتحفظ دينها.
خامسًا: تكثيف الدروس والمحاضرات النسائية المتعلقة بهذا الموضوع.
سادسًا: حبذا أن تشتمل مناهج التعليم في مدارس البنات على موضوعات تتعلق بالتعدد وهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه لتنشأ البنت من الصغر على القناعة به ومعرفة فوائده.
سابعًا: يجب أن تمنع وسائل الإعلام من تشويه صورة التعدد، وأن تعرضه بصورة حسنة، أو أن تسمح لأهل العلم بتناوله عبر وسائلها.
وليس المهم أن تقتنع المرأة بتعدد الزوجات، لأن هذا شرع الله سبحانه وتعالى، فيجب علينا السمع والطاعة والرضا به والخضوع له مع عدم كراهيته، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[النساء الآية: 65].
وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }
[الأحزاب: 36].
وأن تعلم المرأة أن هذا دين وشرع اللطيف الخبير القائل: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك: 16]، وهو أعلم بحاجة الرجل والمرأة منهما.(1/22)
ثم إن الدين لا يؤخذ بالهوى، فما وافق الهوى أخذ به، وما خالف الهوى رد، بل الإسلام كل لا يتجزأ فالذي شرع التعدد هو الذي أوجب الصلاة والزكاة وهو الذي حرم الزنا.
وأخيرًا نقول: إن الله سبحانه وتعالى لم يقيد التعدد برضا الزوجة أو طلب من الزوج أخذ موافقتها وإذنها بذلك ولم يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من أصحابه - رضي الله عنهم - استشار زوجته قبل أن يتزوج عليها أو أخذ منها الموافقة على زواجه من غيرها عليها فهلا رضي الرجل والمرأة بما رضي الله تعالى لهما من العفة وتكثير النسل وصلاحه؟!(1/23)