بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أمرنا بعبادته وأوصانا بالجار.. ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد خير جار صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأبرار.. أما بعد:
جارتي الغالية: هل سمعت عن قصتها...؟ هل علمت عن حالها..؟
هل عرفت سبب خسرانها..؟
إنها... تصلي، وتصوم، وتقوم الليل، وتتصدق، وتفعل من الخير الكثير... فيا تُرى ما سبب خسرانها..؟ ما سبب استحقاقها للنار...؟
جارتي: تأملي معي هذا الحديث معي هذا الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه - حيث يقول: قيل للنبي: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا خير فيها، هي من أهل النار» قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بالأثوار من الإقط ولا تؤذي أحدًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هي من أهل الجنة» [صحيح الترغيب 2560].
الأثوار: جمع ثور وهو القطعة العظيمة من الأقط، وهو اللبن الجامد.
أريت جارتي العزيزة ماذا كانت تفعل؟ وعلمت كم هي خسارتها كبيرة؟ إنها النار أعاذنا الله وإياك منها.
أريت جارتي العزيزة ماذا كانت تفعل؟ وعلمت كم هي خسارتها كبيرة؟ إنها النار أعاذنا الله وإياك منها.
جارتنا الغالية ولكي لا نكون مثل تلك المرأة تعالي بنا ننهل من نهل القرآن الكريم والسنة المطهرة ونتعرف على بعض ما جاء فيهما من الأمر بالإحسان إلى الجار والوصاية به، وترك أذيته، ومعرفة حقه علينا. فمن ذلك:
قوله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا } [النساء: 36].(1/1)
قوله تعالى: { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } يعني الذي بينك وبينه قرابة { وَالْجَارِ الْجُنُبِ } الذي ليس بينك وبينه قرابة. تفسير ابن كثير.
فانظري أختي الغالية إلى عظم حق الجار لقد قرنه سبحانه بعبادته... فتأملي هذه الآية جيدًا.
جارتنا الكريمة:
وأما سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فمليئة بالحث على إكرام الجار وبيان عظم حقه، فمن ذلك:
1 - ما رواه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» [متفق عليه واللفظ للبخاري].
2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» [رواه مسلم] وللبخاري: «فليكرم جاره».
3 - وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».
4 - وقد بين - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يؤمن المسلم الإيمان الكامل من كان جاره لا يأمن شروره وغوائله. وبين عليه الصلاة والسلام أن الإحسان إلى الجار سبب في كمال الإيمان ففي الصحيحين عن أبي هريرة... أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا» [حسن السلسلة الصحيحية 930].
قال ابن بطال: في هذا الحديث تأكيد حق الجار لقسمه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل [الفتح 10/545].(1/2)
جارتي – يا رعاك الله – وبعد هذه اللمحة الموجزة عن عظم حق الجار في ديننا الحنيف فإني أحذر نفسي وإياك من أذية الناس عمومًا وخصوصًا الجار فإنه أشد تحريمًا وأعظم مقتا. في «الصحيحين» عن ابن مسعود عن النبي أنه سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» قيل: ثم أي؟، قال: «أن تزاني حليلة جارك» [متفق عليه].
وفي مسند الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما تقولون في الزنا» قالوا: حرام، حرّمه الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة. فقال رسول الله: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره» قال: «فما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله فهو حرام، قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره» [صحيح].
أرأيت جارتي الغالية كيف ازداد عظم الذنب وكبرت الجريمة عندما تعلقت بحق الجار. فاحذري أذية الجيران، واعلمي أن من إكرام الجار عدم أذيته. قال علي للعباس رضي الله عنهما: ما بقي من كرم إخوانك؟ قال: (الإفضال إلى الإخوان وترك أذى الجار) [الآداب الشرعية].
من حقوق جارتك عليك:
جارتنا العزيزة: كثيرة هي الحقوق الواجبة لجيراننا علينا فإليك بعضًا من تلك الحقوق والواجبات:
إن من حقوق جارتك عليك: ستر العورة وإقالة العثرة فمتى رأيت أختي من عورة فاستريها، وما رأيت من عثرة فأقيليها، وردي عنها الغيبة، ففي الحديث عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» [رواه الترمذي] وإذا اعتذرت لك جارتك فاقبلي عذرها.(1/3)
واعلمي جارتي الغالية: أن من أعظم الحقوق إسداء النصيحة وإنكار المنكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صحابته الكرام النصح لكل مسلم. ومن صفات المؤمنين أنهم: { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [التوبة: 71] وتذكري أختي قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - : «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم» [رواه مسلم] فالنصيحة أخية واجبة وفي حق الجار أوجب وآكد.
جارتي الغالية: ومن الحقوق إجابة الدعوة فمتى دعتك لزيارتها أو طلبت زيارتك، أو مشاركتك فرحتها فإن الواجب علينا تلبية الدعوة وذلك من حقوق المسلم على أخيه فكيف بالجار المسلم إنه يكون أعظم وآكد. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس» [متفق عليه].
وإن من الملاحظ جارتي العزيزة على كثير من نساء هذا الزمان عدم دعوة الجارة لجارتها في المناسبات فإن ذلك يوغر الصدر، والعكس من النساء تراها تدعى ومع ذلك ترد الدعوة بحجج واهية وأعذار باطلة واحذري أختي من إجابة الدعوة التي يكون فيها محرم.
ومن الحقوق والواجبات تقديم الهدية: ولا يخفى عليك جارتي أن للهدية أعظم الأثر في استجلاب المحبة... وإثبات المودة.. وإذهاب الضغائن.. وتأليف القلوب... وفيها إشعار بالتقدير والاحترام، ولذلك فقد قبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلم والكافر، وقبلها من المرأة كما قبلها من الرجل.
? فكم من ضغينة ذهبت بسبب هدية!!
? وكم من مشكلة دفعت بسبب هدية!!
? وكم من صداقة ومحبة جلبت بسبب هدية !!(1/4)
ولقد حث - صلى الله عليه وسلم - على الهدية وعدم احتقارها مهما قلت. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تهادوا تحابوا» حسن السلسلة 3004 وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» متفق عليه. والفرسن. حافر الشاة.
كم هو جميل عندما نتبادل الهدية فيما بيننا فهذه تهدي أغراضا للطعام وتلك للشراب وأخرى تتحفنا بالكتب والأشرطة وهذه تطعمنا من طبخها وغير ذلك.
وتأملي جارتي وصية النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك منها» [رواه مسلم].
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تُنزل القِدر
ما ضر جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر
ولتكن جارتك القريبة أولى بالهدية ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله ! إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا» [رواه البخاري].
جارتي – رعاك الله – ومن الحقوق والواجبات عدم الاستهزاء والسخرية بالجيران مهما كانت أجناسهم أو لهجاتهم أو بلدانهم فالسخرية والاستهزاء بالخلق كبيرة من الكبائر وقد نهانا الله عن ذلك فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الحجرات: 11].
فانظري أختي الغالية بديع هذه الآية حيث نهى سبحانه الرجال وخص النساء مع أن الخطاب يشمل الجميع وما ذاك إلا لأن السخرية من النساء أكثر.
تفسير القرطبي بتصرف.(1/5)
ومن الحقوق تبادل الزيارات فيما بين الجارة وجاراتها، ولا تنتظري من جاراتك الزيارة بل بادريها بها. وليكن لنا زيارات دورية نتداول فيها أطراف الحديث ونتعلم فيها ما ينفعنا ونتعرف على أحوال بعضنا ونتعلم من بعضنا البعض...
جارتي: أحسني الجوار وكفي الأذى عن الجار واعلمي أن الصبر على أذاه من أعظم الإحسان إليه. فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثة يحبهم الله.. والرجل يكون له الجار يؤذيه جارُه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن» [رواه أحمد وهو في صحيح الجامع 3074].
قال الحسن البصري رحمه الله: (ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار، ولكن حسن الجوار الصبر على أذى الجار).
تفقدي جارتي أحوال جيرانك فلربما تغيثين ملهوفة أو تفرِّجين همَّ مهمومةٍ أو تنفسين كرب مكروبة أو تسدين جوع جائعة.
عن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يشبع الرجل دون جاره» [رواه أحمد].
جارتنا يا من نكن لها الحب والمودة والتقدير هل تمعنت في قول الله تعالى: { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [الماعون: 7] فلقد حمل بعض المفسرين هذه الآية على التقصير في حق الجار وعدم إعارته ما يحتاجه من ماء ونار وملح وقدر وفراش ونحو ذلك.
واحذري أختي كل الحذر من عدم رد المستعار فإنه قد في جاء سبب قطع المرأة المخزومية أنها كانت تستعير المتاع ولا ترده.
جارتنا الغالية: أحبي لنا ما تحبين لنفسك من الخير وما تكرهينه من الشر فإن هذا من خلق المسلم ومن حق المسلم على أخيه المسلم. عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه أو قال لجاره ما يحب لنفسه» رواه مسلم.(1/6)
جارتي العزيزة: إن الحقوق أكثر من أن تحصى فالرفق بالجار وإسداء الخير والمعروف له والنصرة وعيادته إذا مرض، وتهنئته إذا فرح، ومساعدته إذا احتاج، والسؤال عنه إذا غاب، ومعاملته بالفضل وشكر النعمة، وقضاء الحاجة، وعدم أذيته بالقول أو الفعل. وعدم التصنت عليه، وعدم زجر أولاده وحب الخير له وعدم إسماعه ما يزعجه من صوت الموسيقى.. كل ذلك من حقوق الجار على جاره.
صور من تعامل الجيران مع بعضهم البعض:
صورة:
إن من أعظم الهدي الذي يُهتدى به هدي سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - لقد كان - صلى الله عليه وسلم - أعرف الناس وأرعاهم لحق الجار.
فها هو صلوات الله عليه وسلم يتحمل أذى جيرانه الذين كانوا يؤذونه بمكة مثل أبي لهب وامرأته...
وها هو يحث على إكرام الجار ويأمر أهله واصحابه بتفقد الجيران وإطعامهم إذا طعموا... وها هو يزور الجار ويعود المريض ويدعوهم إلى الخير وكان له جار يهودي لا بأس بخلقه، فمرض، فعاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله!» فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه، وسكت الفتى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فقال أبوه في الثالثة: قل ما قال لك، ففعل، فمات، فأرادت اليهود أن تليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «نحن أولى به منكم» فغسله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكفنه، وحنطه، وصلى عليه [مصنف عبد الرزاق].
فانظري جارتي الحبيبة كيف تعامل صلوات الله عليه وسلامه مع جيرانه سواء المؤمن منهم أو الكافر.
صورة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه ذبحت له شاة فجعل يقول لغلامه أهديت لجارنا اليهودي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» [البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وقال الترمذي: حسن غريب].
صورة:(1/7)
كان للإمام أبي حنيفة رحمه الله جار إسكاف (خراز) يعمل نهاره أجمع حتى إذا جن الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحما فطبخه أو سمكة فشواها ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه رفع صوته وهو يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم وأبو حنيفة يسمع جلبته وكان يصلي الليل ففقد صوته فسأل عنه فقالوا سجنه الأمير فسار إليه فأطلقه الأمير فركب أبو حنيفة والإسكاف وراءه، فقال له أبو حنيفة: يا فتى، أضعناك؟ فقال له: بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار وتاب الرجل [عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي].
صورة:(1/8)
وهذه امرأة مسلمة من بلاد عربية كانت تسكن في ضاحية من ضواحي باريس، في منزل يتكون من أربع طوابق. وفي ذات يوم. وبينما هي تنزل على السلم مسرعة لتلحق بالمترو الذي سيقلُّها إلى كليتها، سمعت أنينًا خافتًا من ناحية السلم، فتوجست شرًا. لكنها، واصلت النزول وهي تترقب، وكلما نزلت ازداد الصوت وضوحًا، وبات واضحًا أن صاحب الصوت يتألم ألمًا شديدًا، واستيقظ في داخلها حس المسلم لنجدة الملهوف، فأسرعت بنزول ما تبقى من سلالم حتى وجدت نفسها أمام جارتها العجوز، اقتربت منها... سألتها: ما بك؟ ماذا حدث؟ فأخبرتها العجوز أن قشرة موز تسببت في انزلاقها على السلم وكسر ساقها مع كبر سنها، ولم تستطع الحركة، وأن الكثير من السكان الفرنسيين رأوها وهي تصرخ طالبة النجدة فلم يتقدم أحدهم لنجدتها، بل أخذوا ينظرون إليها وإلى ساعاتهم ويسرعون إلى أعمالهم، أسرعت هذه المرأة المسلمة بنقل جارتها إلى أقرب عيادة طبية، وأولتها رعايتها، حتى تماثلت جارتها للشفاء، وبمجرد أن استطاعت المشي على قدميها ثانية قامت بزيارة من أسدت لها المعروف، وسألتها عن سر هذا الاهتمام والحب الذي أولته لها، وهو ما لم تجده من الآخرين، فأخبرتها أنه الإسلام الذي يأمرنا بالإحسان إلى الجار، فأقبلت الجارة تسأل عن الإسلام وأحكامه حتى نطقت بشهادة التوحيد وحسُن إسلامها.
جارتي: اعلمي أن جيرانك على أصناف:
1 - فصنف له ثلاثة حقوق وهو الجار الملاصق ذو الرحم المسلم، فله حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام.
2 - وصنف له حقان وهو الجار الملاصق المسلم: حق الجوار وحق الإسلام.
3 - وصنف له حق واحد وهو الجار الملاصق الكافر: فله حق الجوار فقط.(1/9)
فاعرفي لكل واحد حقه.. وأحسني لجيرانك ولتعلمي أن من علامة إحسانك لجيرانك شهادتهم لك بذلك. فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا سمعت جيرانك يقولون فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت» [رواه أحمد والنسائي الطبراني وصححه ابن حبان والحاكم. وهو في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع].
وفقنا الله وإياك لكل خير وجعلنا جيران خير متعاونين على البر والتقوى وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/10)