مقدمة
الحمد لله القائل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد:
فإن الإسلام قد حث على الزواج ورغب فيه ووضح حكمه وأحكامه وما فيه من ثمرات وفضائل، وفي هذه الرسالة أحببت أن أذكر شيئًا من الوصايا لمن أقبل على الزواج ذكورًا وإناثًا، وهي من باب التذكير لمن نسيها والتعليم لمن جهلها.
فهد بن محمد الحميزي
ص.ب: 201 الرمز البريدي: 11362
جوال: (0554425442)
(fahad442@maktoob.com)
أولاً: حقها عليك
* صورة مشرقة من بيت النبوة:
عن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة؟ رواه البخاري.
* السعادة في الاختيار الصحيح:
إن مما شرع الله عز وجل من أسباب السعادة وجبل النفوس عليه الارتباط برباط الزوجية، فإنه من أعظم أسباب السعادة في هذه الحياة، وحصول الطمأنينة، والسعادة، والسكينة، متى تحقق الوئام بين الزوجين، وكتب التوفيق لهما، ولذا امتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة فقال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21].
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة».
* الزواج تاج الفضيلة:(1/1)
قال الشيخ بكر أبو زيد – وفقه الله -: «الزواج صلة شرعية تبرم بعقد بين الرجل والمرأة بشروطه وأركانه المعتبرة شرعًا، ولأهميته قدمه أكثر المحدثين والفقهاء على الجهاد؛ لأن الجهاد لا يكون إلا بالرجل، ولا طريق له إلا بالزواج، وهو يمثل مقامًا أعلى في إقامة الحياة واستقامتها، لما ينطوي عليه من المصالح العظيمة، والحكم الكثيرة، والمقاصد الشريفة...».
وقد عظم الله تعالى من شأن الزواج، حتى سماه بالميثاق الغليظ، أي العهد الشديد – الوفاء والالتزام القائم على الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان – فقال سبحانه وتعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [النساء: 20، 21].
فاعلم يا أخي أن زوجتك أمانة في عنقك سوف تُسأل عنها يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: «استوصوا بالنساء خيرًا» متفق عليه.
وإن تزوجت فكن حاذقًا
واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله
من جيرة وذي قربته
* تبادل الهدية:
تبادل الهدية بين الأزواج سيما هدايا الزوج للزوجة إحدى أسباب غرس المحبة بينهما. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تهادوا تحابوا». حسنه الألباني في الإرواء.
* * *
حقوق الزوجة على الزوج
«الزواج في حقيقته عبارة عن شركة بين رجل وامرأة من أجل بناء الجيل الصالح، الذي يعبد ربه ويبني ويعمر الحياة، فأصل الزواج في الإسلام هو حلول المودة والألفة والإيثار بين اثنين...، ومن أجل دوام العشرة بينهما جعل الله تعالى لكل من الرجل والمرأة حقوقًا لدى الآخر يجب القيام بها» [نقلاً عن كتاب خمسون وصية من وصايا الرسول للنساء].
أولاً: الإحسان في المعاملة والمعاشرة بالمعروف:(1/2)
الزوجة أمانة عند الزوج، فيجب عليه إحسان معاملتها قولاً؛ بكلام حسن وعفة لسان، وفعلاً: بمعاملة كريمة. لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر» أخرجه مسلم.
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - في الحديث المتفق عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء».
وقال عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله» صححه الألباني.
ثانيًا: صون الزوجة والغيرة عليها واحترامها:
الغيرة على الزوجة أمرٌ فطري في النفوس، سأل سعد
ابن عبادة - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أتعجبون من غيرة سعد! لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن». أخرجه البخاري.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه روضة المحبين، بعد أن ذكر أنواعًا من الغيرة منها المحمود والمذموم: وملاك الغيرة وأعلاها ثلاثة أنواع:
1- غيرة العبد لربه أن تنتهك محارمه وتضيع حدوده.
2- وغيرته على قلبه أن يسكن إلى غيره وأن يأنس بسواه.
3- وغيرته على حرمته أن يطلع عليها غيره.
فالغيرة التي يحبها الله ورسوله دارت على هذه الأنواع الثلاثة وما عداها فإما من خدع الشيطان، وإما بلوى من الله كغيرة المرأة على زوجها أن يتزوج عليها.
ثالثًا: إعفاف الزوجة:(1/3)
وهذا حق مقرر للزوجة، ثابت في السنة النبوية، ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينيك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه». فأخبر عليه الصلاة والسلام أن للزوجة على زوجها حقًا، بل إن هذا الحق يعد أيضًا من أنواع العبادة التي يُثاب عليها الرجل، فعن أبي ذر
الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر» أخرجه مسلم.
رابعًا: حفظ أسرار الزوجة:
وهذا الحق يعد من الحقوق المشتركة بين الزوجين.
أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها».
خامسًا: النفقة الزوجية:
قال الله تعالى: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 6]، وقوله سبحانه: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [البقرة: 233] والآيتان وإن كانتا في إيجاب النفقة للمعتدة فهي للزوجة التي لم تطلق أولى وألزم.
وقال الله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء: 34].(1/4)
قال الإمام ابن كثير معلقًا على هذه الآية: « { وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ».
وعند أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن حق الزوجة فقال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تهجر إلا في البيت». صححه الألباني.
وعند هذا الحق يتبادر إلى الذهن ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن هندًا زوجة أبي سفيان قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».
وأخرجه مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
سادسًا: احتمال هفوات الزوجة وغض الطرف عنها:
أخي الزوج: ينبغي أن تعلم أنه ليس من سمة البشر الكمال، بل الأصل في البشر الخطأ والزلل، ولذلك من الحق والعدل أن تغض طرفك عن الأخطاء الصغيرة والهفوات العابرة، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر». أخرجه مسلم.
فالزوج العاقل الكريم إذًا لا يعاتب زوجته عند أدنى هفوة، ولا يؤاخذها بأول زلة، بل يلتمس لها المعاذير، ويحملها على أحسن المحامل، ومن ثم يقدم لها النصح بقدر المستطاع.
سابعًا: تعليمها أمور دينها:
قال الحق سبحانه: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [مريم: 20]. قال ابن كثير في تفسير الآية: «أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة واصبر أنت على فعلها.
روى مسلم في صحيحه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوتر يقول: «قومي يا عائشة».(1/5)
وفسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } بقوله: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعلم نساءه أمور دينهن، وزوج رجلاً من الصحابة امرأة على ما معه من القرآن.
ثامنًا: العدل بين النساء إن كن أكثر من واحدة:
والأصل في هذا الحق قوله تعالى: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا } .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا». صححه الألباني في الجامع الصغير.
وجاء في الطبقات لابن سعد – وأصله في البخاري -: أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُطاف به محمولاً في مرضه كل يوم وكل ليلة فيبيت عند كل واحدة منهن ويقول: «أين أنا غدًا؟» ففطنت لذلك امرأة منهن فقالت: إنما يسأل عن يوم عائشة. فقلنا: يا رسول الله: قد أذنا لك أن تكون في بيت عائشة، فإنه يشق عليك أن تحمل في كل ليلة، فقال: «وقد رضيتن؟» فقلن: نعم، قال: «فحولوني إلى بيت عائشة».
* تذكر:
تذكر أيها الزوج قول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: «إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج».
* العلاقة بذوي القربى:
على الزوج القدوة أن يحرص على احترام أسرة الزوجة وإكرامها وخاصة والديها بحيث يشعرون وكأنه ابنهم وذلك بجانب بره وإحسانه لأسرته وخاصة والديه، قال الله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى } [النساء: 36] الآية.
* قيل:(1/6)
- أنت تسب امرأتك إذا امتدحت امرأة أخرى أمامها.
- الزوج الصالح أب بعد أبٍ.
* حذاري!!
احذر أخي الزوج أن تكون من الناس الذين هم داخل بيوتهم من أفظ الناس وأغلظهم، وهم خارجها من ألطف الناس وآنسهم.
ثانيًا: حقه عليك:
* الزوجة الحكيمة:
إن الزوجة الحكيمة فعلاً هي التي تنصر الزوج على نفسه، فتذكره بالله دائمًا وذلك طمعًا في استمرار السعادة الأسرية، كما كانت نساء الصحابة رضوان الله عليهن يقلن لأزواجهن عند الخروج من البيت: «بالله عليك لا تدخل علينا حرامًا، واتق الله فينا».
* الاحترام المتبادل:
ما أجمل أن يكون الاحترام المتبادل بين الزوجين قائمًا على الدوام، وأن يكون عن طيب خاطر وراحة نفس.
والواجب عليك احترامك زوجك والاعتراف له بالقوامة وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن ينفرد بها، وإنزاله منزلته التي أنزله الله إياها، من كونه رب الأسرة وسيدها وحاميها والمسؤول الأول عنها.
ولله در أم هانئ حين خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبت، لا لعدم رغبتها أو موافقتها، بل لانشغالها وهي أم أطفال صغار، أن يطغى أحد الواجبين على الآخر: واجب الزوج، وواجب الأطفال.
* كوني له أرضًا يكن لك سماء:
أختي المسلمة! اقرئي وصية أسماء بنت خارجة امرأة عوف الشيباني، إلى ابنتها قبل زفافها، تجدي فيها كلمة جامعة لأصول المعاملات الزوجية، والآداب التي يجب أن تتحلى بها كل فتاة مقبلة على الزواج.
تقول أسماء لابنتها:
«أي بُنية! إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركتُ لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغني والديها وشدة حاجتها إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.(1/7)
أي بنية! إنك تفارقين بيتك الذي منه خرجت، وتتركين عشك الذي فيه درجت، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضًا يكن لك سماء، وكوني له مهادًا يكن لك عمادًا، وكوني له أمة يكن لك عبدًا، واحفظي له خصالاً عشرًا يكن لك ذخرًا.
- أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع والطاعة.
- وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
- وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
- وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والادعاء على حشمه وعياله، فملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
- وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرًا ولا تفشين له سرًا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إن كان ترحًا، أو الترح بين يديه إن كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والأخرى من التكدير.
وكوني ما تكونين له إعظامًا، يكن أشد ما يكون لك إكرامًا، وأشد ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت أو كرهت – والله يخير لك.
فما أجمل أن تزود كل أم عاقلة ابنتها بمثل تلك الآداب القيمة والنصائح النيرة، والتي حوت حقوق الزوج برمتها.
* حقوق الزوج على الزوجة
أولاً: الطاعة بالمعروف:
والمراد بالمعروف: ما أقره الشرع وأمر به، فهي تطيعه في غير ما نهى الله عنه. قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 228] وقال سبحانه: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء: 34].(1/8)
بل اعلمي أختي المسلمة أن رفضك طاعة زوجك يعرضك لغضب الله تعالى ولعنته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبانًّا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح» متفق عليه.
واسمعي إلى ما قال ابن الجوزي رحمه الله بهذا الصدد قال: «وينبغي للمرأة العاقلة إن وجدت زوجًا يلائمها، أن تجتهد في مرضاته، وتتجنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكرهه أوجبت ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر عليها، فإنه قد يجد وقد لا تجد هي، ومعلوم أن الملل للمستحسن قد يقع، فكيف للمكروه». اهـ.
ثانيًا: القرار في المنزل وترك الخروج منه إلا بإذن الزوج:
قال الله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [الأحزاب: 33] وهذا وإن كان خطابًا لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو إرشاد لبقية نساء الأمة بالتأسي بهن، والتأدب بأدبهن.
ثالثًا: صون العرض والمال:
لقوله عليه الصلاة والسلام: «والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها» أخرجه البخاري.
رابعًا: خدمة البيت:
والدليل على المطالبة لخدمة الزوج في البيت ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه الزاد من أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم الأمر بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة (أي الخدمة داخل البيت) وحكم على علي بالخدمة الظاهرة (أي خارج المنزل).
خامسًا: التزين للزوج:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال: «أمهلوا حتى ندخل ليلاً – أي عشاءً – لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة». رواه البخاري ومسلم.
سادسًا: مراعاة مشاعر الزوج:(1/9)
عليك أن تبتعدي عما يؤذيه من قولٍ أو فعل أو خلق، وعليك كذلك مراعاة ظروفه المالية والاجتماعية.
قال الشاعر:
إنك إن كلفتني ما لم أطق
ساءك ما سرَّك مني من خُلُق
سابعًا: حفظ أسرار الزوج وعدم إفشائها:
وهذا الحق يعد من الحقوق المشتركة بين الزوجين، قال الله تعالى: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ } [النساء: 34] فسر بعض المفسرين قوله { حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ } أنهن الحافظات بما يجري بينهن وبين أزواجهن مما يجب كتمه ويتحتم ستره من بواطن وأسرار، وفي الحديث: «إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه».
* قصة:
ذهبت أم كلثوم بنت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنها وهي ابنة خمس سنين، في حاجة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان ثوبها يجر وراءها شبرًا أو يزيد، فأراد عمر - رضي الله عنه - أن يمازحها، فرفع ثوبها حتى بدت قدماها، فقالت: مه، أما لو لم تكن أمير المؤمنين لضربت وجهك!!
* فتوى:
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ما يسمى (بدبلة الخطوبة)؟
فأجاب: لا يجوز التختم بالدبلة لأنه تشبه بالكفار، فقد جاءت هذه العادة من الكفار، وكما جاء في الحديث: «من تشبه بقوم فهو منهم». أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
* ذكرى..
تذكري أختي المسلمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لما عرضت عليه النار ورأى أكثر أهلها النساء، فقال: «رأيت أكثر أهلها النساء» قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: «يكفرن». قيل: يكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير (1) ، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط». رواه البخاري.
* كوني لبقة:
اللباقة تعني بكل بساطة: الكلمة المناسبة، ورد الفعل الذكي.
__________
(1) أي الزوج.(1/10)
أو بعبارة أخرى: أن المرأة اللَّبقة هي التي تُلبس لكل حال لبوسها، وتستطيع أن تحول الموقف المضاد بذكاء الكلمة والفعل إلى صالحها.
ومما نقش في ذاكرة التاريخ مما يدل على لباقة بعض النساء: أن خالد بن يزيد بن معاوية وقع يومًا في عبد الله ابن الزبير منافس بني أمية اللدود، وأقبل يصفه بالبخل، وكانت زوجته رملة بنت الزبير أخت عبد الله بن الزبير جالسة فأطرقت ولم تتكلم بكلمة، فقال لها خالد: ما لك لا تتكلمين؟! أرضى بما قلته أم تنزهًا عن جوابي؟! فقال: لا هذا ولا ذاك، ولكن المرأة لم تخلق للدخول بين الرجال؟ إنما نحن رياحين للشمِّ والضم! فأعجبه قولها ورجاحة عقلها.
* أخية:
احذري الصفات غير المرغوبة لدى الزوج، واحرصي على تقديره وتوقيره، جاء في تفسير ابن الجوزي عند قوله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة: 228] قالت ابنة سعيد بن المسيب: «ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم...».
فهل لك في ابنة ابن المسيب أسوة؟!.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك.
قال بعض العرب: لا تنكحوا من النساء ستة:
«لا أنانة، ولا منانة، ولا حنانة: (وهي التي تحن إلى زوج آخر)، ولا حداقة: (وهي التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه وتكلف الزوج شراءه)، ولا براقة: (وهي التي تكون طوال النهار في تزيين وجهها ليكون براقًا)، ولا شداقة: (وهي كثيرة الكلام)».
* من كنوز الحكم:
قيل: المرأة الجميلة تملك القلوب، لكن المرأة الفاضلة تسرق العقول.
قيل: رب جميلة بدون دين يصونها جرت على أسرتها الويلات.
قيل:
جمال الوجه مع قبح النفوس
كقنديل على قبر مجوسي!
قيل: قال عبد الله بن جعفر لابنته: يا بنية إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق، وإياك والمعاتبة، فإنها تورث الضغينة.
قيل: ثلاثة أشياء تسقط قيمة المرأة: حب المال، والأنانية، وحب السيطرة. وثلاثة ترفعها: التضحية، والوفاء، والفضيلة.(1/11)
قال رجل للحسن: فمن أزوج ابنتي؟ قال: ممن يتقي الله؛ فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
* وأخيرًا:
أخي الزوج: لتقف قليلاً مع نفسك بعد أن أصبحت ربًا لأسرة وعلى عتبة مرحلة جديدة في حياتك.. لابد أن تكون واعيًا لحجم ومقدرات الأمانة والمسئولية التي صرت مكلفًا بها.
أخي الزوج: لئن كنت بالأمس وحدك فالآن أتى من يشاركك، ولئن كنت في الماضي تفكر لنفسك فالآن تفكر لك ولغيرك، ومنذ العقد وإلى أن تخلو بزوجتك ليلة الزفاف فإنه يحدوك الأمل المشرق والمستقبل الباسم في السعادة.. فخذ بزمام الأمر، وابحث عنها في مظانها.(1/12)