مقدمة الرسالة للشيخ:
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [سورة الأحزاب، الآية 36].
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فإن مشروعية تعدد الزوجات من محاسن الإسلام؛ لحاجة النساء إلى الرجال ولحاجة الرجال إلى النساء، وهو الموافق للمصالح الخاصة والعامة؛ فقد يصير النساء بحاجة إلى من يعولهن ويقوم بحوائجهن والنفقة عليهن، والنساء يعرض لهن الحيض والنفاس؛ مما يمنع الرجل من إتيانهن مدة الحيض والنفاس؛ فيخشى على الرجل من الفتنة والوقوع في الفاحشة، فأباح الشرع للرجل تعدد الزوجات لهذه المصالح العظيمة والمنافع الكثيرة، وقد يقع الاضطرار من النساء للرجال لقلة الرجال بسبب الحروب أو لكثرة النساء؛ فإن النساء غالبًا أكثر من الرجال؛ كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «في آخر الزمان يكون لخمسين امرأة القيم الواحد». رواه البخاري ومسلم وغيرهما...
ولعجز النساء وضعفهن وحاجتهن إلى من يقوم بشؤونهن؛ فمن رحمة أرحم الراحمين أن أباح تعدد الزوجات ولا ينكر التعدد إلا جاهل أو معاند أو حاقد على الإسلام وأهله، ومن حكمة تعدد الزوجات أن الرجل يكون مستعدًا للنسل ولو بلغ من العمر ثمانين عامًا، وأن المرأة إذا بلغت خمسين عامًا يئست من المحيض وتوقفت عن النسل غالبًا.(1/1)
وكثرة النسل مطلوب لتحقيق مباهاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمم بأمته، وقد دلت الإحصائيات على أن الأمم التي لا تعدد فيها تكثر فيها الفواحش ويكثر فيها أولاد الزنا عياذًا بالله من ذلك. وكثرة النساء وكثرة النسل فيها عمار للكون، والزوجة الواحدة قد تكون مريضة فلا يستمتع بها زوجها، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح والفوائد الحاصلة بتعدد الزوجات الذي أباحه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين العالم بمصالح عباده وما ينفعهم ويضرهم وهو الحكيم العليم (1) .
وهذه الرسالة التي نقدم لها: (الأسوة في تعدد النسوة) التي جمعها الأخ عدنان بن عبد الله المهيدب قد وضعت النقاط على الحروف، وأوضحت مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام مؤيدة بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلام العلماء والمحققين؛ فهي جديرة بالطبع وجديرة بالقراءة والعمل؛ فيجب على المسلم والمسلمة أن يعتقد كل منهما إباحة تعدد الزوجات؛ سمعًا وطاعة لله ولرسوله؛ لأن إنكار هذه الإباحة وهذه المشروعية يؤدي إلى الكفر أعاذنا الله والمسلمين منه.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يعظم الأجر والمثوبة لجامعها، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يريهم الحق حقًا ويرزقهم اتباعه والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه.. إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سلك طريقهم إلى يوم الدين قاله الفقير إلى الله عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.
في: 10/7/1406هـ
* * * *
التقريظ
__________
(1) انظر كتاب حكمة التشريع وفلسفته، جـ2/10.(1/2)
الحمد لله الذي خلق الأزواج مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المشرع الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين وبعد...
فقد نظرت وقرأت الرسالة التي ألفها وجمعها الشيخ عدنان بن عبد الله المهيدب والتي عنوانها «الأسوة في تعدد النسوة» والتي حث فيها الفتيات بالإسراع لقبول الزواج في سن مبكرة حتى لا تضيع عليهن فرصة العمر؛ ولو كن شريكات مع زيجات أخريات.
فألفيته مؤلفًا جيدًا ونافعًا ومفيدًا لعلاج هذه القضية «قضية التأخر عن الزواج»؛ راجيًا المولى أن ينفع بها وأن يكون لها الأثر الطيب في النفوس وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
محمد بن إبراهيم الحقيل
في: 3/11/1411هـ
عضو الدعوة العلمية برئاسة البحوث (1)
الأسوة في تعدد النسوة
إن الحمد لله، نحمد ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: قال تعالى: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (3) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : في الحديث الطويل: «... وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» (4) .
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء». رواه الطبراني (5) .
__________
(1) الداعية الإسلامي برئاسة البحوث العلمية.
(2) سورة النساء، الآية 3.
(3) متفق عليه.
(4) متفق عليه.
(5) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.(1/3)
فإن الإسلام يحث الرجل على التزوج بأكثر من واحدة؛ كما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } : أي: انكحوا ما شئتم من النساء سواهن؛ إن شاء أحدكم اثنتين، وإن شاء ثلاثًا، وإن شاء أربعًا (1) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وجمهور العلماء: (لأن المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره).
وقال ابن حجر في فتح الباري في قوله تعالى: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } (2) ...الآية. وجه الاستدلال: أنها صيغة أمر تقتضي الطلب، وأقل درجاته الندب، فثبت الترغيب (3) .
__________
(1) انظر فتح الباري 9/114.
(2) انظر تفسير ابن كثير 1/450.
(3) انظر فتح الباري 9/104.(1/4)
وقال القاضي عياض في كتابه (الشفا): أما النكاح فمتفق على مشروعية كثرته، ولم يزل التفاخر به عادة معروفة، والتمادح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة، وقد كان زهاد الصحابة كثيري الزوجات والسراري كثيري النكاح، وحكي ذلك عن علي والحسن وابن عمر وغيرهم (1) . - رضي الله عنهم - . وعن عمير الأسدي قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فأتيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك فقال: «اختر منهن أربعًا» (2) . فمن فضل الله أنه قد أباح للرجل التعدد إلي أربع فقط على شرط العدل بينهن فيما يقدر عليه من المسكن والنفقة والمبيت، وأما محبة القلب فليس العدل فيها شرطًا؛ لأنها أمر لا يملكه الإنسان ولا يلام عليه، والعدل الذي نفى الله استطاعته بقوله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } (3) ، هو المحبة وما يلحق بها؛ فهذا عدل لم يجعل الله سبحانه وتعالى عدم تحققه مانعًا من التعدد لأنه غير مستطاع، وقد شرع الله التعدد لرسله ولمن يعدل العدل المستطاع؛ لأنه سبحانه أعلم بما يصلحهم؛ فهو خير للرجال والنساء؛ وذلك لأن الرجل السليم لديه الاستعداد والقدوة أن يسد الحاجة لدى أربع نسوة وأن يعفهن؛ فلو اقتصر الأمر على امرأة واحدة كما هي الحال عند النصارى وغيرهم، وكما ينادي بذلك أدعياء الإسلام إذا اقتصر على واحدة حصل الآتي:
* إذا كان مؤمنًا مطيعًا لله يخاف الله فإنه قد يعيش حياته يشعر بشيء من الحرمان وكبت حاجة النفس عن الحلال؛ لأن الواحدة يمنع الحمل في الأشهر الأخيرة والنفاس والحيض والمرض زوجها من التمتع بها فيعيش حياته كأنه بدون زوجة، هذا إذا كانت تعجبه ويحبها وتحبه.
__________
(1) انظر الشفا للقاضي عياض 1/114.
(2) رواه أبو داود وابن ماجه.
(3) سورة النساء، الآية 129.(1/5)
* أما إذا كانت لا تعجبه فالأمر أضر من ذلك، ثم إن المرأة قد تكون دميمة الخلقة أو مصابة بمرض مزمن مما ينزع رغبة الزوج الجنسية نحوها، وهما لا يريدان الطلاق لوجود الأولاد، أو زوجته لا تلد، أو تلد ولكن تمكث مدة من السنين، أو لخوف المرأة من البقاء بدون زوج.
فهل من الإنصاف أن يحرم هذا الزوج وتعطل منافعه ويعرض للفساد، إلا من عصم الله، الذي أعتقده ويعتقده كل مؤمن أن الله إنما أباح التعدد لمن عدل؛ لأنه هو الأصلح للرجال والنساء على حد سواء، فتبارك الله أحكم الحاكمين.
وإن كان الزوج عاصيًا لله خائنًا، فإنه يرتكب فاحشة الزنا، وينصرف عن زوجته، وكثير ممن لا يرى تعدد الزوجات يرتكب جرائم الزنا والخيانة، وأعظم من هذا أنه محكوم بكفره إذا كان يحارب التعدد المشروع ويعيبه وهو يعلم أن الله أباحه، وأما الغيرة والحزن الذي تحس به الزوجة حينما يأخذ زوجها الأخرى فهو أمر عاطفي، والعاطفة لا يصح أن تقدم في أي أمر من الأمور على الشرع، وليعلم بعض الأقوام وخاصة منهم الذين تربوا خارج هذه البلاد: أن الإسلام أنصف المرأة ورحمها، وأما الذين يحاربون التعدد المشروع فإنهم أعداء لله ولرسوله وللمرأة نفسها؛ فالتعدد سنة أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام إذ إنهم يتزوجون النساء ويجمعون بينهن في حدود ما شرع الله لهم.
وأنا أعرف أن هذا الموضوع يثير غضب النساء، إلا من عصم الله ولكن الله أمرنا باتباع الحق. قال تعالى: { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ } (1) .
ونذكركم بقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: أرى في هذا الزمان – يعني زمانه : للرجل أن يتزوج أربع نساء ليتعفف بذلك (2) .
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية 20.
(2) متفق عليه.(1/6)
ولنا في أقوال وأفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة كما قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (1) .
وقوله سبحانه: { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (2) .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم المرسلين وهو أفضلهم وهو آخرهم، لا نبي بعده ولا دين غير ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - وترك الناس عليه؛ وهو الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله لعباده: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (3) .
فدين النصارى مثلاً لا يبيح الزواج إلا بواحدة مهما اقتضت الحاجة أو دعت الظروف، فهذا الدين مخالف لشريعة الإسلام.
وفي مناقشتي مع أحد النصارى جرى النقاش حول تعدد الزوجات فقال: (إن دينكم الدين الإسلامي دين السماحة والسهولة، ولقد تزوجت بامرأة أكبر مني سنًا، وبعدما أخذنا سنوات كبرت زوجتي وصارت طاعنة في السن محنية الظهر يابسة اللحم قد شابت حواجبها وأنا لا أستفيد منها بشيء لا في مبيت ولا في بيت، وديننا النصراني يحرم علينا الزواج بغير واحدة). انتهى كلامه.
فهذه شهادة أدلى بها رجل نصراني لا يدين بالإسلام، يوضح فيها نهج الإسلام بتعاليمه السمحة ومميزاته الخالدة التي تحفظ للأمة مكانتها ورفعتها على سالف العصور.
إن دين الإسلام شريعة الله المنزلة من السماء وليس دينًا وضعيًا وضعه مخلوق لمخلوق؛ وإنما شرعه خالق لمخلوق، فمن المصالح التي لا تخفى على اللبيب في تعدد الزوجات ما يلي:
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية 21.
(2) سورة الحشر، الآية 7.
(3) سورة آل عمران، الآية 15.(1/7)
1- أن الرجل أقوى من المرأة، وقد جعل الله للرجال على النساء درجة كما في قوله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } (1) .
2- فالمصالح تقتضي ضرورة كثرة النسل لمقابلة الأعداء وحماية أوطان المسلمين ومقدساتهم من اغتصاب أعداء الإسلام لها، فإذا كان عدد المسلمين كثيرًا كانت لهم هيبتهم ومكانتهم؛ لتكون أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي أكثر الأمم، وهم السواد الأعظم يوم القيامة: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة». متفق عليه.
فكثرة النسل لا تحصل إلا بالتعدد الذي شرعه الله في كتابه العظيم.
3- حث بعض أهل العلم في الأزمنة السابقة على التعدد؛ لأن الأمر يقتضي ذلك؛ لمباهاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأمته يوم القيامة، وكذلك لما رأوا من كثرة النساء وقلة الرجال، وذلك بموت الرجال كما يحصل في الحروب، وكما هو حاصل الآن في بعض بلدان المسلمين من قلة الرجال وكثرة النساء بسبب الحروب، وقانا الله شر ذلك.
أو تكون النساء أكثر عددًا من الرجال ولو لم تحصل حروب؛ كما هو مشاهد في زماننا هذا بكثرة النساء فهن يزدن على الرجال بكثير.
فقد اكتظت البيوت بالعوانس واللاتي أَضَعْنَ زهرة شبابهن بأسباب عديدة لا مبرر لها؛ إما بتشدد وليها وجشعه وطمعه، أو أنها تريد زوجًا له مواصفات قد لا تتوفر فيمن يتقدم لها، وصدق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «ناقصات عقل ودين».
وما نظرت لمستقبلها الذي هو مهم ومهم جدًا، وهو وجود الأولاد واستقلالها بحرية كاملة مع بعلها وأولادها تصير ذات مكانةٍ في مجتمعها.
__________
(1) سورة البقرة، الآية 228.(1/8)
فأغلب طالبات الثانويات والجامعات من العوانس واللاتي جلسن بدون أزواج محرومات من الحياة الزوجية السعيدة، ومن فلذات الأكباد ومن الزينة الحقيقية التي ذكرها الله في محكم كتابه العزيز؛ قال سبحانه: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } (1) .
بل إن المرأة سريعة الذبول والانتهاء عن الإنجاب؛ فأغلب النساء يقفن عن الإنجاب في سن الأربعين غالبًا.
وزكريا - عليه السلام - دعا ربه أن لا يذره فردًا وحيدًا؛ قال تعالى على لسان نبيه زكريا: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } (2) .
والحقيقة فإن الفرصة مهيأة للمرأة، وهذا من رحمة الله بها ورأفته؛ حتى لا تجلس فريدة وحيدة بدون زوج وبدون زينة الحياة الدنيا ولذتها وهم الأولاد.
ففتح الله لها بابًا بأن تكون شريكة مع زوجة واحدة أو اثنتين أو ثلاث، والحكمة الإلهية اقتضت ذلك لما علم حال المرأة وقصر عمر الإنجاب لديها؛ فقد رأف بها الإسلام واحتضنها حتى لا تفوت عليها الفرصة.
وبكثرة العوانس في هذا الزمان فإن الأمر يقتضي التعدد؛ لأنه يترتب على عدم التعدد ضياع حياة المرأة وفقدانها الحياة الزوجية وفلذات الأكباد الذين هم زينة الحياة، وحياة امرأة بدون زواج حياة مليئة بالهموم والوساوس.
وهناك قصة امرأة حصل بينها وبين زوجها سوء تفاهم، فأخذها والدها من بيت زوجها ومكثت أيامًا ومعها أولادها، فلما صاح أحد أولادها دعت على من أتى بها إلى هذا البيت؛ أي بيت والدها، وإذا هو يسمع، فأخذها وأعادها إلى بيت زوجها.
والحياة لا تخلو من مشاكل؛ سواء كان الزوج معه واحدة أو أكثر؛ فالخلاف يحصل دائمًا، ولكن جميل الصبر وحسن المعاشرة والسلوك يكون بعده الفرج.
__________
(1) سورة الكهف، الآية 45.
(2) سورة الأنبياء، الآية 89.(1/9)
ومهما كانت المرأة مدللة في بيت والدها ووالدتها فإن بيت الزوج هو الحياة السعيدة مهما كان فيه من مكدرات؛ لأن العاقبة حميدة، أما إذا جلست في بيت والدها فإن الأيام ترحل ويموت الوالدان فتجلس بدون أب ولا أم وليس لها زوج ولا أولاد إذا فرطت في أول حياتها، وتكون تحت إمرة زوجات إخوانها إذا كان لها إخوان، أو تجلس منفردة تلجأ إلى أحد أقاربها.
فأيهما أفضل؛ تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة ويأتي لها أولاد، أو تجلس عانس بدون زوج ولا أولاد لا سمح الله، والجواب معروف لدى الجميع.
ولقد شهدت امرأة بمقالتها الجميلة وأبياتها الشعرية المليئة بالحزن والتلهف على زوجها لبعده عنها؛ ففي ليلة من الليالي وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتفقد أحوال رعيته في المدينة سمع صوت قائلة تنشد هذه الأبيات:
ألا طال هذا الليل وازور جانبه
وأرقني ألا حبيب ألاعبه
فوالله لولا الله لا رب غيره
لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني
وأكرم زوجي أن تنال مراكبه
فلما أصبح - رضي الله عنه - وسأل عنها قالوا: فلانة بنت فلان، زوجها غائب. فذهب إلى ابنته حفصه وقال: يا بنية، أنت زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوثق نساء العالمين في نفسي، وإني جئت لأسألك عن مسألة من أمور المسلمين فلا تستحِ مني وأصدقيني؛ كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: أربعة أشهر، قال: وخمسة، قالت: وخمسة، قال: وستة؟ قالت: لا؛ إلا بمشقة. فأرسل إلى المرأة القائلة امرأةً؛ لتكون معها، ولم يرسل إليها سائقًا ولا خادمًا كما هو في زمننا هذا، وكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يغيبوا رجلاً فوق أربعة أشهر.
فهذه حال امرأة قد غاب عنها زوجها فترة زمنية ثم يأتي إليها؛ فما حال اللاتي جلسن بدون زواج.
وأخيرًا أوجه نصحي الخالص وإرشادي العميق إلى أخواتي الشابات للمبادرة بقبول الزواج من زوج؛ سواء كانت هي الوحيدة أو معها زوجات متعددات؛ فالتوفيق بيد الله تعالى.(1/10)
فلا تفوتن أيتها الأخوات فرصة الزواج بسبب دراسة، أو عدم قبول من عنده أكثر من زوجة.
واسألن من لديهن أولاد من أخواتكن أو أقاربكن كيف لذة الحياة الزوجية، والأولاد الذين يصرخون ويمرحون ويلعبون بين ساحات المنزل وغرفاته وحدائقه.
وفقكن الله للأزواج الصالحين والزواج المبكر وأقر أعينكن بالبنات والبنين، وفق الله الجميع وصلى الله على خاتم المرسلين.
اللهم ارزقنا العفاف يا رب العالمين، واجعلنا متمسكين بكتابك يا أرحم الراحمين، واجعلنا متبعين لسنة خير الأنبياء والمرسلين. والله أعلم.
«وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين» (1) .
بقلم جامعها
عدنان بن عبد الله المهيدب
* * * *
__________
(1) انظر رسالة دين الحق ورسالة هذه هي الاشتراكية للشيخ عبد الرحمن بن حماد العمر.(1/11)