نواقض الإيمان القولية والعملية
تأليف
د. عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف
صـ261 الباب الثاني
نواقض الإيمان العملية
صـ262
سيكون الحديث في هذا الباب عن الأعمال التي تناقض الإيمان، ولا تجامعه، وقد سبق - في تمهيد هذا البحث - تقرير أن الإيمان قول وعمل، وأن الكفر كذلك، فكما أن الإيمان ليس تصديقاً فحسب، بل هو قول وعمل، قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، فكذلك الكفر ليس هو التكذيب فقط - كما ظن المرجئة -، كما دلت على ذلك النصوص، مثل قوله تعالى:- {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور، آية 47] فحكم الله تعالى عليهم بالكفر ونفى الإيمان، بسبب توليهم وامتناعهم عن الطاعة، وقال سبحانه: - {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى {31} وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة، آية 31، 32] فهذه الآية الكريمة تبين أن التولي غير التكذيب، فإن التكذيب ضده التصديق، وأما التولي فضد الطاعة والامتثال، فالكفر قد يكون اعتقاداً، وقد يكون قولاً باللسان، وقد يكون عملاً ظاهراً كالسجود للصنم وامتهان المصحف ونحوهما، فهذه الأعمال نواقض للإيمان؛ لأنها واقعة فيما يظهر عن طريق الجوارح، مع أن هذه الأعمال الظاهرة مناقضة لما في القلب من الأعمال الإيمانية كالانقياد والمحبة والتعظيم ونحوها.
صـ263
الفصل الأول
نواقض الإيمان العملية في التوحيد
المبحث الأول:: الشرك في العبادة
1- سبق الحديث بإيجاز عن معنى توحيد العبادة وأهميته، كما مر بنا الحديث عن حد الشرك في توحيد العبادة وضابطه، وعرفنا أن الشرك الأكبر هو أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من العبادة لغير الله تعالى.(1)(1/1)
وهذا المبحث سيكون موضوعه عن الشرك في العبادة العملية كالذبح لغير الله، والنذر لغير الله تعالى ... إلخ، وفي مطلع هذا المبحث سنتحدث باختصار عن وجوب إفراد الله تعالى وحده بهذه العبادات لا شريك له، تحقيقاً للتوحيد الذي يتضمن وجوب صرف جميع أنواع العبادة لله وحده، كما قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة، آية 163]، وقال تعالى: - {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل، آية 36]
(أ) فالذبح إن قصد به التوجه والتقرب إلى الله تعالى وحده فهو من العبادات، ويسمى نسكاً؛ لأن النسك هو العبادة والقربة (2)، وقد فرض الله ذلك بقوله تعالى: - {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162}لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام، آية 162، 163]، والنسك - هاهنا - الذبيحة (3)
يقول ابن عطية في تفسير الآيات: - " وقوله {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي} [الآية]، أمر من الله عز وجل أن يعلن بأن مقصده في صلاته وطاعته من ذبيحة وغيرها
صـ264
وتصرفه مدة حياته وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته إنما هو لله عز وجل، وإرادة وجهه وطلب رضاه، وفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به، حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه الله عز وجل "(1) "(1/2)
ويقول ابن كثير في تفسيره: - " يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى:- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر، آية 2]، أي أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام، ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى. (2) "
ومما قاله محمد رشيد رضا في تفسيره لهذه الآيات: - " هذا بيان إجمالي لتوحيد الإلهية بالعمل، والمراد بالصلاة جنسها الشامل للمفروض والمستحب، والنسك في الأصل العبادة أو غايتها، والناسك العابد، ويكثر استعماله في القرآن والحديث في عبادة الحج وعبادة الذبائح والقرابين فيه، أو مطلقاً.
- إلى أن قال - والعبادات إنما تمتاز على العادات بالتوجه فيها إلى المعبود تقرباً إليه، وتعظيماً له، وطلباً لمثوبته ومرضاته، وكل من يتوجه إليه المصلي أو الذابح بذلك، ويقصد به تعظيمه فهو معبود له، سواء عبر فاعله عن ذلك بقول يدل عليه أم لا. فالعبادة لا تنبغي إلا لله رب العباد وخالقهم ... وكون الصلاة والنسك لا يكونان في الدين الحق إلا خالصين لله وحده أمر ظاهر يعد من ضروريات الدين.(3) "
ويقول سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر، آية 2]
يقول ابن تيمية عن هذه الآية الكريمة: - " أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين، وهما الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن، وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله، وإلى عدته وأمره
صـ265(1/3)
وفضله، وعكس حال الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة في صلاتهم إلى ربهم، والذين لا ينحرون له خوفاً من الفقر، وتركا لإعانة الفقراء وإعطائهم، وسوء الظن منهم بربهم، ولهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى: - {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام، آية 162]، والنسك هي الذبيحة ابتغاء وجهه، وهو أجل العبادات المالية، وما يجتمع للعبد في نحره من إيثار الله، وحسن الظن به، وقوة اليقين، والوثوق بما في يد الله أمر عجيب، إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فكان كثير الصلاة لربه، كثير النحر، حتى نحر بيده في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنه، وكان ينحر في الأعياد وغيرها.(1) "
وبهذا يتقرر أن الذبح لله تعالى وحده عبادة من أجل العبادات، وأعظم الطاعات.
(ب) وأما النذر فهو عبادة لا يكون إلا لله وحده لا شريك له (2)؛ حيث إن الله تعالى مدح الموفين به، فقال سبحانه {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان، آية 7].
يقول ابن حجر عن هذه الآية: - " يؤخذ منه أن الوفاء بالنذر قربة للثناء على فاعله، لكن ذلك مخصوص بنذر الطاعة (3) "
ويقو الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في بيان هذه الآية:- " إن المدح مدح الموفين بالنذر، والله تعالى لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحب، أو ترك محرم، لا يمدح على فعل المباح المجرد، وذلك هو العبادة.(4) "
ويقول عز وجل: - {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [البقرة، آية 270].
صـ266(1/4)
وقال ابن كثير في تفسيهر لهذه الآية:- " يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه، ورجاء موعوده، وتوعد من لا يعمل بطاعته، بل خالف أمره وكذب خبره، وعبد معه غيره، فقال: - " وما للظالمين من أنصار " أي يوم القيامة، ينقذونهم من عذاب الله ونقمته.(5) "
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة فقال:- من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " (6)
وذم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ينذرون ولا يوفون فقال عليه الصلاة والسلام:- " خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران بن حصين رضي الله عنه راوي الحديث: - لا أدري ذكر ثنتين أو ثلاثاً بعد قرنه - ثم يجيء قوم ينذرون ولا يفون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون لا يستشهدون، ويظهر فيهم السمن.(7)"
قال ابن بطال: - " سوّى بين من يخون أمانته، ومن لا يفي بنذره، والخيانة مذمومة فيكون ترك الوفاء بالنذر مذموماً.(1) "
ومن خلال ما سيق إيراده، ندرك أن النذر عبادة مدح الله الموفين به، فلا يكون إلا لله وحده.
(ج) وأما السجود والركوع فلا شك أنهما عبادتان لله وحده، وهذا أمر ظاهر لاخفاء فيه، ففي السجود والركوع أبلغ معاني الخضوع والتذلل والانقياد، مما لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، ولقد أخبر الله تعالى بانقياد هذا الكون كله لله وحده لا شريك له، وسجوده له تعالى، فقال سبحانه: - {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد، آية 5].
وقال تعالى: - {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ
صـ267(1/5)
عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [الحج، آية 18].
وأمر الله تعالى بالسجود والركوع له تعالى وحده في مواضع كثيرة من كتابه، فقال سبحانه: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج، آية 77].
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة، آية 43].
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {37} فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت، آية 37 , 38].
{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم، آية 62].
كما أخبر سبحانه أن التعبد له بالركوع والسجود من أوصاف المؤمنين فقال تبارك وتعالى:-
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة، آية 55]
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة، آية 112].
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح، آية 29].(1/6)
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم، آية 58].
يقول ابن تيمية - في هذا المقام -: - " وبالجملة فالقيام والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والأرض، وما كان حقاً خالصاً لله لم يكن لغيره منه نصيب...
فالعبادة كلها لله وحده لا شريك له، قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة، آية 5].(1)
وأما الطواف فهو عبادة لله وحده لا شريك له، ولا يكون هذا الطواف إلا بالبيت الحرام، والدليل على ذلك قوله تعالى: - {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج، آية 29] وقال سبحانه: -: - {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة، آية 158].
وإجمالاً فكل هذه العبادات العملية وغيرهما ? مما لم نذكره كالتوبة وحلق الرأس تذللاً وخضوعاً ونحوهما ? يجب أن تصرف لله تعالى وحده لا شريك له، تحقيقاً لأصل التوحيد، كما قال تعالى: - {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء، آية 23].
وقال سبحانه: - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة، آية 5].
قال المقريزي(2) في هذه الآية: - " بالجملة فالعبادة المذكورة في قوله تعالى: - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} هي السجود والتوكل والإنابة والتقوى والخشية والتوبة والنذر والحلف والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعاً وتعبداً، والدعاء، كل ذلك محض حق الله تعالى.(3) "(1/7)
ويقول الصنعاني عن هذه الآية أيضاً:- " أمر الله عباده أن يقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ولا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى، وإلا كان كاذباً منهياً عن أن يقول هذه الكلمة، إذ معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد، وهو معنى قوله: - {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت، آية 56]، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة، آية 41] كما عرف من علم البيان، أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي لا تعبدوا إلا الله، ولا تعبدوا غيره، ولا تتقوا غيره...، فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له، والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستعانة بالله وحده، واللجا إلى الله، والنذر والنحر له تعالى، وجميع أنواع العبادات، من الخضوع والقيام تذللاً لله تعالى، والركوع
صـ269
والسجود والطواف والتجرد عن الثياب، والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل.(4) "
2- وإذا تقرر أن هذه الأعمال من العبادات، وأنها حق لله وحده لا شريك له سواء كانت ذبحاً أو نذراً أو سجوداً أو ركوعاً أو طوافاً ونحوها، فإن من جعل شيئاً منها لمخلوق كائناً من كان فقد أشرك بالله تعالى في عبادته، واتخذ مع الله أنداداً.
(أ) وبيان ذلك أن الذبح أو النذر لغير الله تعالى شرك بالله تعالى، لأنهما عبادتان يجب صرفهما لله تعالى وحده، فمن صرفهما لغيره فقد أشرك، كما أن هؤلاء الذين ينحرون أو ينذرون لغير الله تعالى سواء كان للأموات، أو للجن، أو للملائكة عليهم السلام، أو لطلعة سلطان ونحوها، إنما يفعلون ذلك عن اعتقاد باطل، فيعتقدون أنها تجلب النفع أو تدفع الضر، ومنهم من يقدم تلك النحائر والنذور إلى هذه المعبودات من أجل أن تقربهم عند الله زلفى...(1/8)
يقول الله تعالى: - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة، آية 3].
يقول ابن عطية في تفسير قوله تعالى: - {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}: - " يعني ما ذبح لغير الله تعالى، وقصد به صنم أو بشر من الناس كما كانت العرب تفعل، وكذلك النصارى، وعادة الذابح أن يسمي مقصوده ويصيح به، فذلك إهلاله.(1) "
ويقول ابن تيمية: - " قوله تعالى: - {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} [المائدة، آية 3]. ظاهره أنه ما ذبح لغير الله تعالى، مثل أن يقال هذا ذبيحة لكذا، وإذا كان هذا هو المقصود، فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه: باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن، متقربين به إلى الله سبحانه، كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له، أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة، فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح
صـ270
والزهرة أو قصد به ذلك أولى، وهذا يبين لك ضعف قول من حرم ما ذبح باسم غير الله، ولم يحرم ما ذبح لغير الله، كما قاله طائفة من أصحابنا وغيرهم، بل لو قيل بالعكس لكان أوجه، فإن العبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقرباً به إليه لحرم، وإن قال فيه باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين قد يتقربون إلى الكواكب، بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان.(2) "(1/9)
ويقول ابن كثير: - " وقوله تعالى: - {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة، قال ابن جريج: - وهي ثلاثمائة وستون نصباً... فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب، فهو من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذا.(1) "
ويقول الشوكاني: - " قوله تعالى: - {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} إشارة إلى الاستقسام بالأزلام، أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا، والفسق الخروج عن الحد، وفي هذا وعيد شديد؛ لأن الفسق هو أشد الكفر، لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر.(2)"
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: - " ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسؤ إلى شيئاً يكتمه الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، فقيل: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال " لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاُ، ولعن الله من غير منار الأرض.(3) "
ومما يبين لك أن هؤلاء الذين ينذرون أو يذبحون لغير الله تعالى، إنما هو عن اعتقاد بأنها تجلب النفع أو تدفع الضر، ما يرى من أحوالهم وأوضاعهم، وقد
صـ271
بين العلماء ذلك في كتبهم، فهذا الصنعاني يوضح هذا الأمر فيقول - مناقشاً شبهات من يذبح لغير الله -: " فإن قال إنما نحرت لله، وذكرت اسم الله عليه، فقل إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟ هل أردت بذلك تعظيمه؟ إن قال: نعم، فقل له هذا النحر لغير الله تعالى، بل أشركت مع الله تعالى غيره، وإن لم ترد تعظيمه، فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين؟ إليه أنت تعلم يقيناً أنك ما أردت ذلك أصلاً، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا قصداً له.(4) "(1/10)
ويقول أيضاً - مبيناً حكم هذه النذور والنحائر -: - " فإن قلت هذه النذور والنحائر ما حكمها " قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها، ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي من أدني الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أرداه، ما أخرج درهماً.(5) "
وكذلك الشوكاني يقرر أن هذه الأعمال الشركية صادرة عن الباطن، وأن أصحابها يعتقدون فيها النفع والضر، فيقول: - " وكذلك النحر للأموات عبادة لهم، والنذر لهم بجزء من المال عبادة لهم، والتعظيم عبادة لهم، كما أن النحر للنسك وإخراج صدقة المال، والخضوع والاستكانة عبادة لله عز وجل بلا خلاف، ومن زعم أن ثم فرقاً بين الأمرين فليهده إلينا، ومن قال إنه لم يقصد بدعاء الأموات والنحر لهم والنذر لهم عبادتهم، فقل له: فلأي مقتضى صنعت هذا الصنع؟ فإن دعاءك للميت عند نزول أمر ربك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عرض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم، فأنت مصاب بعقلك، وهكذا إن كنت تنحر لله، وتنذر لله، فلأي معنى جعلت ذلك للميت وحملته إلى قبره، فإن الفقراء على ظهر البسيطة في كل بقعة من بقاع الأرض وفعلك وأنت عاقل لا يكون إلا لمقصد قد قصدته، أو أمر قد أردته..(1) "
صـ272(1/11)
ويعلل صاحب كتاب " التوضيح عن توحيد الخلاق "(2) كون النذر لغير الله تعالى من الشرك الاعتقادي قائلاً: - " لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله إلا لاعتقاده في المنذور له أن يضر وينفع، ويعطي ويمنع، إما بطبعه، وإما بقوة سببية فيه، ويجلب الخير والبركة ويدفع الشر والعسرة، والدليل على اعتقاد هؤلاء الناذرين وشركهم حكيهم وقولهم أنهم قد وقعوا في شدائد عظيمة،فنذروا نذراً لفلان، وفلان، ... فانكشفت شدائدهم واستراحت خواطرهم، فقد قام في نفوسهم أن هذه النذور هي سبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم، ومن تأمل القرآن وسنة المبعوث به صلى الله عليه وسلم، ونظر أحوال السلف الصالح، علم أن هذا النذر نظير ما جعلته المشركون لآلهتهم في قوله تعالى: - {هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا} [الأنعام، آية 136].(3) "
ويتحدث مبارك الميلي (4) عن واقع أولئك الناس الذين يذبحون لغير الله تعالى، ويبين أنهم إنما يفعلون ذلك عن اعتقاد وطلب للقربى من تلك المعبودات... فكان مما قاله: - " إن كل من خالط العامة، يجزم بأن قصدهم بذبائح الزردة (5)التقرب من صاحب المزار، ويكشف عن ذلك أشياء: - أحدها: أنهم
صـ273
يضيفون الزردة إلى صاحب المزار، فيقولون: زردة سيدي فلان، أو طعام سيدي عبد القادر مثلاً.
ثانيها: - إنهم يفعلونها عند قبره، وفي جواره، لا يرضون لها مكاناً آخر.
ثالثها: - إنهم إن نزل المطر إثرها، نسبوه إلى سر المذبوح له، وقوى اعتقادهم فيه، وتعويلهم عليه.
رابعها: - أنهم لو تركوها فأصيبوا بمصيبة، نكسوا على رؤوسهم، وقالوا إن وليهم غضب عليهم، لتقصيرهم في جانبه.(1) "
وفي ختام مسألة الذبح أو النذر لغير الله تعالى، ننبه إلى عدم الخلط بين ما يذبح لغير الله تعالى تقرباً أو تعظيماً فهذا من باب العبادات والقربات، وبين ما يذبح عادة بقصد الأكل أو إكرام ضيف ونحوهما.(1/12)
ولما ساق النووي كلام بعض علماء الشافعية في هذا الشأن قائلاً:- " وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً، أفتى أهل بخاري بتحريمه؛ لأنه مما أهل به لغير الله تعالى، قال الرافعي هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه كذبح العقيقة لولادة المولود، وقيل هذا لا يوجب التحريم، والله أعلم (2) "
فقد عقب الميلي على ما سبق إيراده فقال: - " ونقله عن الرافعي غير مخالف لفتوى أهل بخارى إلا بالقصد،فهو خلاف في حال. فمن قصد التقرب إلى الأمير، صدقت عليه الفتوى، ومن قصد مجرد السرور أفتى بقول الرافعي.(3) "
وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب معلقاً على هذه المسألة:- " إن كانوا يذبحونه استبشاراً كما ذكر الرافعي فلا يدخل في ذلك، وإن كانوا يذبحونه تقرباً إليه، فهو داخل في الحديث يعني حديث لعن الله من ذبح لغير الله} .(4) "
صـ274
كما يجب التفريق بين النذر الشركي المخرج من الملة، وبين نذر المعصية فيما دون ذلك، ونبين ذلك من خلال نص في كتاب " التوضيح عن توحيد الخلاق " حيث جاء فيه ما يلي:- "والنذر غير الجائز قسمان " :-
أحدهما: - نذر فعل معصية، كشرب الخمر، وقتل المعصوم، فيحرم الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:- " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه "؛ ولأن معصية الله تبارك وتعالى لا تباح في حال من الأحوال...
الثاني:- النذر لغير الله تعالى كالنذر لإبراهيم الخليل، أو محمد النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، أو ابن عباس، أو عبد القادر، أو الخضر فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك الاعتقادي.(5) "
ومن جانب آخر، فقد لبس خصوم عقيدة التوحيد في هذه المسألة، فزعموا أن الذبح لغير الله، وكذا النذر لغيره، إنما هي من المحرمات التي دون الشرك..، وذلك بسبب سوء فهمهم للنصوص الشرعية، وكلام أهل العلم، بل ربما نسبوا هذا التلبيس لبعض أئمة السلف.(1)"(1/13)
وقد قام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بكشف هذا التلبيس، وبيان الحق في هذه القضية فكتب جواباً في الرد على ابن سحيم، حين زعم الأخير أن النذر لغير الله حرام ليس بشرك، فقال الشيخ في الرد عليه:-
" فدليلك قولهم أن النذر لغير الله حرام بالإجماع، فاستدللت بقولهم حرام على أنه ليس بشرك فإن كان هذا قدر عقلك، فكيف تدعي المعرفة؟ يا ويلك ما تصنع بقول الله تعالى:- {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [ الأنعام، آية 151]، فهذا يدل على أن الشرك حرام ليس بكفر يا هذا الجاهل الجهل المركب، ما تصنع بقول الله تعالى: - {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
صـ275
رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف، آية 33]، إلى قوله: {وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [الأعراف، آية 33].
هل يدل هذا التحريم على أنه لا يكفر صاحبه؟ يا ويلك في أي كتاب وجدته إذا قيل لك هذا حرام، أنه ليس بكفر، فقولك أن ظاهر كلامهم أنه ليس بكفر، كذب وافتراء على أهل العلم، بل يقال ذكر أنه حرام، وأما كونه كفر فيحتاج إلى دليل آخر، والدليل عليه أنه مصرح في " الإقناع " أن النذر عبادة، ومعلوم أن لا إله إلا الله معناها لا يعبد إلا الله، فإذا كان النذر عبادة وجعلتها لغيره، كيف لا يكون شركاً؟ (2) "
ويورد الشيخ محمد بن عبد الوهاب قاعدة مهمة أثناء جوابه على من ادعى أن الذبح للجن منهي عنه فهو معصية وليس ردة.. حيث قال الشيخ:-(1/14)
" قوله: - الذبح للجن منهي عنه، فاعرف قاعدة أهملها أهل زمانك، وهي أن لفظ " التحريم والكراهة " وقوله " لا ينبغي " ألفاظ عامة تستعمل في المكفرات، والمحرمات التي هي دون الكفر، وفي كراهة التنزيه التي هي دون الحرام، مثل استعمالها في المكفرات قوله: لا إله إلا الذي لا تنبغي العبادة إلا له (3)، وقوله {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم، آية 92]، ولفظ التحريم مثل قوله تعالى: - {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}[الأنعام، آية 151]، وكلام العلماء لا ينحصر في قولهم:-
" يحرم كذا " لما صرحوا في مواضع أخر أنه كفر، وقولهم " يكره " كقوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء، آية 23]، إلى قوله: - {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء، آية 38]، وأما كلام الإمام أحمد في قوله: - " أكره كذا " فهو عند أصحابه على التحريم، إذا فهمت هذا فهم صرحوا أن الذبح للجن ردة تخرج (1)، وقالوا الذبيحة حرام ولو سمي عليها، قالوا: لأنها يجتمع فيها مانعان، الأول: - أنها مما أهل به لغير الله، والثاني: أنها ذبيحة مرتد
صـ276
والمرتد لا تحل ذبيحته، وإن ذبحها للأكل وسمى عليها.(2) "
(ب)وإذا انتقلنا إلى حكم السجود أو الركوع لغير الله تعالى، فهذا من الشرك الظاهر، فلا ريب أن السجود والركوع عبادتان لله وحده لا شريك له، فمن سجد أو ركع لغير الله تعالى فقد أشرك.
يقول الله تعالى: - {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت، آية 37]، أي لا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لا يغفر أن يشرك به (3) "(1/15)
" قال بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية: إن من أراد أن يكون عبداً لله خالصاً، فلا يسجد إلا له سبحانه، ولا يسجد للشمس والقمر، نبه بهما على غيرهما من المخلوق العلوي، فالسفلي من الأحجار والأشجار والضرائح ونحوها بالأولى. وقد دلت هذه الآية على أن ديننا، هو أن السجود حق الخالق، فلا يسجد لمخلوق أصلاً كائناً ما كان، فإن المخلوقية يتساوى فيها الشمس والقمر، والولي والنبي، والحجر والمدر، والشجر ونحوها.(4) "
وأيضاً فإن الله تعالى قال - بعد الآية السابقة -: - {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت، آية 38]، فمن سجد لله وحده، فقد خضع وانقاد لله وحده، وحقق كمال الذل والمحبة لله تعالى، وضده من استكبر عن إفراد الله بالعبادة - ومنها السجود -، وقد توعد الله تعالى هؤلاء المستكبرين بالعذاب المهين (5) فقال سبحانه: - {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(6) [غافر، آية 60].
صـ277
ويقول القرطبي: - " وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوف عادة في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم، واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه، يسجد للأقدام لجهله سواء كان للقبلة أم غيرها جهالة منه، ضل سعيهم وخاب عملهم.(1) "
ويقول ابن القيم في بيان هذا الشرك: - " ومن أنواع الشرك: - سجود المريد للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له، والعجب أنهم يقولون: - ليس هذا سجود، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراماً وتواضعاً، فيقال لهؤلاء ولو سميتموه ما سميتموه، فحقيقة السجود: - وضع الرأس لمن يسجد له، وكذلك السجود للصنم، وللشمس، وللنجم، وللحجر، كله وضع الرأس قدامه.(1/16)
ومن أنواعه: - ركوع المتعممين بعضهم لبعض عند الملاقاة، وهذا سجود في اللغة، به تفسير قوله تعالى: - {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [البقرة، آية 58] أي منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول بالجبهة على الأرض، ومنه قول العرب: سجدت الأشجار إذا أمالتها الريح.(2) "
ويقول أيضاً:- " جاء شيوخ الضلال والمزاحمون للربوبية فزينوا لمريديهم حلق رؤوسهم لهم، كما زينوا لهم السجود لهم وسموه بغير اسمه، وقالوا هو وضع الرأس بين يدي الشيخ، ولعمر الله إن السجود لله تعالى هو وضع الرأس بين يديه سبحانه، وزينوا لهم أن ينذروا لهم، ويتوبوا لهم، ويحلفوا بأسمائهم، وهذا هو اتخاذهم أرباباً وآلهة من دون الله، قال تعالى: - {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79} وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران، آية 79، 80].
صـ278(1/17)
وأشرف العبودية عبودية الصلاة، وقد تقاسمها الشيوخ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة، فأخذ الشيوخ منها أشرف ما فيها، وهو السجود، وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوع، فإذا لقي بعضهم بعضاً ركع له، كما يركع المصلي لربه سواء، وأخذ الجبابرة منهم القيام، فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبودية لهم، وهم جلوس، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور الثلاثة على التفصيل، فتعاطيها مخالفة صريحة له، فنهى عن السجود لغير الله وقال: " لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد (3) " وتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة، وتجويز من جوزه لغير الله مراغمة لله ورسوله، وهو من أبلغ أنواع العبودية، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر، فقد جوز العبودية لغير الله، وأيضاً فالانحناء عند التحية سجود، ومنه قوله تعالى: - {وادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [البقرة، آية 58]، أي منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول على الجباه ...
والمقصود أن النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية الله سبحانه، وأشركت فيها من تعظمه من الخلق، فسجدت لغير الله، وركعت له، وقامت بين يديه قيام الصلاة وحلفت لغيره، ونذرت لغيره، وحلقت لغيره، وذبحت لغيره، وطافت لغير بيته ... وسوت من تعبده من المخلوقين برب العالمين، وهؤلاء هم المضادون لدعوة الرسل، وهم الذين بربهم يعدلون. قال تعالى {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء، آية 97، 98] (1) "(1/18)
وإذا تقرر كون السجود لغير الله تعالى شركاً بالله تعالى، فينبغي أن نفرق بين سجود العبادة، وسجود التحية، فأما سجود العبادة فقد سبق الحديث عنه، وأما سجود التحية فقد كان سائغاً في الشرائع السابقة، ثم صار محرماً على هذه الأمة، فهو معصية لله تعالى، فمن المعلوم أن سجود العبادة القائم على الخضوع والذل والتسليم والإجلال لله وحده هو من التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل، وإن صرف لغيره فهو شرك وتنديد، ولكن لو سجد أحدهم لأب أو عالم ونحوهما
صـ279
وقصده التحية والإكرام فهذه من المحرمات التي دون الشرك، أما إن قصد الخضوع والقربة والذل له فهذا من الشرك، ولكن لو سجد لشمس أو قمر أو قبر فمثل هذا السجود لا يتأتى إلا عن عبادة وخضوع وتقرب فهو سجود شركي، وإليك توضيح ذلك من خلال النصوص التالية:-
يقول الله تعالى:- {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا} [يوسف، آية 100].
يقول ابن عطية - في معنى السجود -: - " واختلف في هذا السجود، فقيل: كان كالمعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض، وقيل: بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه، مهما كان سيره تحياتهم للملوك في ذلك الزمان، وأجمع المفسرون أن ذلك السجود - على أي هيئة كان - فإنما كان تحية لا عبادة، قال قتادة: - هذه كانت تحية الملوك عندهم.(2) "
ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية:- " وقد كان سائغاً في شرائعهم، إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصاً بجناب الرب سبحانه وتعالى، هذا مضمون قول قتادة وغيره - إلى أن قال: - والغرض أن هذا كان جائزاً في شريعتهم؛ ولهذا خروا له سجداً.(3) "(1/19)
ويقول محمد رشيد رضا عند تفسيره لقوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} [البقرة، آية 34]: - " وهو سجود لا نعرف صفته، ولكن أصول الدين تعلمنا أنه ليس سجود عبادة إذ لا يعبد إلا الله تعالى، والسجود في اللغة التطامن والخضوع والانقياد، وأعظم مظاهره الخرور نحو الأرض للأذقان، ووضع الجبهة على التراب، وكان عند القدماء من تحية الناس للملوك والعظماء، ومنه سجود يعقوب وأولاده ليوسف عليهم السلام (1) "
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر،
صـ280
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " (2).
وعن قيس بن سعد (3) رضي الله عنه قال: - " أتيت الحيرة، فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم (4)، فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: - إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدن لمرزبان لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: أرأيت لو مررت على قبري أكنت تسجد له، قال: لا، قال: - فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق.(5) "
"قال الطيبي (6):-
" أي اسجدوا للحي الذي لا يموت، ولمن ملكه لا يزول، فإنك إنما تسجد لي الآن مهابة وإجلالاً، فإذا صرت رهين رمس، امتنعت عنه.(7) "
ويبين ابن تيمية هذه المسألة فيقول: -
" أما تقبيل الأرض، ووضع الرأس، ونحو ذلك مما فيه السجود، مما يفعل قدام بعض الشيوخ، وبعض الملوك، فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضاً، كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل منا يلقى أخاه، أينحني له؟
صـ281
قال لا ...(8) "(1/20)
وأما فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتديناً فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل.(1) "
ويقول أيضاً:-
" وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم، أو تقبيل الأرض ونحو ذلك، فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهي عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه.(2) "
ويقول في موضع ثالث: - وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحجرة الخليل، وغيرهما من المدافن التي فيها نبي ورجل صالح، لا يستحب تقبيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهي عن ذلك، وأما السجود لذلك فكفر.(3) "
(ج) وإذا انتقلنا إلى الطواف، فإن المراد بالطواف الذي يكون شركاً هو الطواف بغير الكعبة مع قصد التقرب لغير الله تعالى، كالطواف بالقبور والمشاهد ونحوها، فالطواف عبادة لقوله تعلى:- {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج، آية 29]، وصرف العبادة أو شيء منها لغير الله شرك، وأما لو طاف بتلك القبور بقصد التقرب إلى الله تعالى فهذا محرم، وبدعة منكرة، ووسيلة لعبادة تلك القبور "
يقول ابن تيمية في هذه المسألة:-
" وأما الرجل الذي طلب من والده الحج، فأمره أن يطوف بنفس الأب، فقال: طف ببيت ما فارقه الله طرفة عين قط، فهذا كفر بإجماع المسلمين، فإن الطواف بالبيت العتيق مما أمره الله به رسوله، وأما الطواف بالأنبياء والصالحين فحرام بإجماع المسلمين، ومن اعتقد ذلك دينا فهو كافر، سواء طاف ببدنه أو بقبره.(4) "
صـ282
ويقول أيضاً:-(1/21)
" ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة، ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة ... فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك، فكيف بمن يتخذها مكاناً يطاف به كما يطاف بالكعبة؟ والطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله بحال ...(5) "
3-وإذا تقرر حكم هذه الأعمال ... فيمكن إيجاز أوجه كون هذه الأعمال كفر بما يلي:-
(أ) أن هذه الأعمال شرك يناقض توحيد العبادة، فإذا كان الذبح والنذر، وكذا السجود والركوع والطواف عبادات لا يجوز صرفها إلا لله تعالى وحده، فمن أثبت لغير الله تعالى ما لا يكون إلا لله فهو كافر (1)؛ لأن الشرك الأكبر - كما سبق ذكره - هو صرف نوع أو فرد من العبادة لغير الله تعالى، والعبادة الشرعية تتضمن غاية الذل لله تعالى، مع غاية المحبة له.(2) "
وكما يقول ابن تيمية:-
" فالإله هو الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم، والإجلال والإكرام، والخوف والرجاء ونحو ذلك.(3) " ومن المعلوم أن الذبح والنذر والسجود والركوع والطواف ونحوها ... عبادات تجمع بين الخضوع والخوف والإجلال، والرجاء والمحبة والقرب، فإذا صرفت هذه العبادات لله وحده فهذا إيمان وتوحيد، وإذا صرفت لغيره فهذا كفر وتنديد.
وقد غلط مرجئة المتكلمين ومن تبعهم عندما زعموا أن شرك التقرب والنسك ليس شركاً بإطلاق، مالم يتضمن عندهم الشرك في التوحيد العلمي الخبري؛ لأنهم حصروا التوحيد في الربوبية والأسماء الصفات من ثم فالشرك
صـ283
عندهم هو الشرك في هذا التوحيد.(4)
ومثال ذلك ما توهمه بعضهم بأن السجود لغير الله تعالى لا يكون كفراً إلا إذا اعتقد الربوبية فيمن سجد له(5)، والصحيح أن السجود لغير الله تعالى شرك يناقض توحيد العبادة، وإذا انضم إلى ذلك اعتقاد الربوبية فيمن سجد له، فهذا شرك في توحيد الربوبية.(1/22)
ومنهم من قال إن السجود للصنم أو الشمس ونحوهما علامة الكفر (6) وإن لم يكن في نفسه كفر، وهذا ليس بصحيح، بل السجود للصنم أو الشمس في حد ذاته كفر وشرك بالله تعالى في العبادة، فهو خضوع ورجاء وتذلل لغير الله تعالى، ولا تقوم عبودية الله تعالى إلا بتحقيق السجود له سبحانه، كما قال تعالى:- {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت، آية 37].
(ب) أن من قصد بتلك العبادات غير الله تعالى، وصرفها لغيره سبحانه، فقد شبه المخلوق الضعيف العاجز بالخالق القوي القادر.
ولذا يقول ابن القيم:- " ومن خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونها: - غاية الحب، مع غاية الذل، هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين، فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله، فقد شبهه به في خالص حقه، وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع ... - إلى أن قال - فمن خصائص الإلهية السجود، فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به، ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به، ومنها التوبة فمن تاب لغيره فقد شبهه به.(1) "
صـ284
ويقول - في كتاب آخر -: " ومن أسباب عبادة الأصنام: - الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته، حتى جعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه، وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم، والذي أبطله الله سبحانه، وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله.(1/23)
فأهل الشرك غلوا فيمن يعظمونه، ويحبونه، حتى شبهوه بالخالق، وأعطوه خصائص الإلهية، بل صرحوا أنه إله، وأنكروا جعل الآلهة إلهاً واحداً، وقالا {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص، آية 6]، وصرحوا بأنه إله معبود يرجى ويخاف، ويعظم ويسجد له، وتقرب له القرابين، إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى، فكل مشرك فهو مشبه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه، وإن لم يشبهه به من كل وجه.(2) "
ويقول ابن القيم أيضاً: - " وقوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [فصلت، آية 11] إنما قصد به نفي أن يكون معه شريك، أو معبود يستحق العبادة والتعظيم، كما يفعله المشبهون والمشركون. وهذا التشبيه الذي أبطله الله سبحانه هو أصل شرك العالم، وعبادة الأصنام.. فإن المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة، والتعظيم، والخضوع، والنذر له والسجود له وحلق الرأس له، والاستغاثة به.(3) "
ومما قاله المقريزي - في شأن هذا التشبيه -: - " إن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وهي التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى. وسوى بين التراب ورب الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا.
واعلم أن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعاً وفطرة، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً ...
صـ285
ومن خصائص الإلهية للسجود، فمن سجد لغيره فقد شبهه به، ومنها الذبح له فمن ذبح لغيره قد شبهه به، ومنها حلق الرأس إلى غير ذلك.(4).(1/24)
ويتحدث أحمد الدهلوي (1) عن هذا التشبيه قائلاً:- " حقيقة الشرك أن يعتقد إنسان في بعض المعظمين من الناس أن الآثار العجيبة منه إنما صدرت لكونه متصفاً بصفة من صفات الكمال مما لم يعهد في جنس الإنسان بل يختص بالرب جل مجده، لا يوجد في غيره إلا أن يخلع هو خلعة الألوهية على غيره، فيتذلل عنده أقصى التذلل، ويعامل معه معاملة العباد مع الله تعالى. (2)
إضافة إلى ذلك فإن هذا التشبيه من أظلم الظلم وأشنعه، ولذا يقول إسماعيل الدهلوي:-
" قال الله تعالى: - {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان، آية 13] وقد هدت لقمان الحكمة العميقة التي أكرمه الله وخصه بها، إلى أن أفحش الظلم أن يجود الانسان على أحد بحق غيره، فمن أعطى حق الله لأحد خلقه فقد عمد إلى حق أكبر كبير، فأعطاه أذل ذليل، وكان كرجل وضع تاج الملك على مفرق إسكاف، وأي جور أكبر من هذا الجور، وأي ظلم أفحش من هذا الظلم.(3) "
(ج) أجمع العلماء على أن من صرف عبادة لغير الله تعالى فهو كافر - كما تقدم - وكما يقول ابن تيمية: - " فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب،
صـ286
وهداية القلوب وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.(4) "
ولذا علق الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب على هذا الإجماع قائلاً:- "وهو إجماع صحيح، معلوم بالضرورة من الدين، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر، أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادة.(5) "(1/25)
كما أن حرمة مثل هذا الشرك من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، كما وضحه ابن تيمية بقوله: - " فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحد من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين ...، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نهى عن كل هذه الأمور، وإن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله.(6) "
كما يقول أيضاً:- " كان من أتباع هؤلاء (المشركين) من يسجد للشمس والقمر والكواكب، ويدعوها كما يدعو الله تعالى، ويصوم لها وينسك لها، ويتقرب إليها، ثم يقول إن هذا ليس بشرك،وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي، فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك.(1) "
4- وفي ختام هذا المبحث، نسرد مجموعة من أقوال العلماء في هذه المسألة:-
يقول ابن نجيم الحنفي: - " والسجود للجبابرة كفر إن أراد به العبادة، إن أراد به التحية على قول الأكثر.(2) "
وجاء في الفتاوى البزازية: - " والسجدة لهؤلاء الجبابرة كفر؛ لقوله تعالى مخاطباً للصحابة رضي الله عنهم: - {أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران، آية 80]، نزلت حين استأذنوا في السجود له عليه الصلاة والسلام (3) ولا يخفى
صـ287
أن الاستئذان لسجود التحية بدلالة: {بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} ومع اعتقاد جواز سجدة العبادة لا يكون مسلماً، فكيف يطلق عليهم بعد إذ أنتم مسلمون "، وقيل لا يكفر لقصة إخوة يوسف عليه السلام، والقائل الأول يدعي نسخة بتلك الآية، وبقوله تعالى: - {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن، آية 18]، وقيل إن أراد العبادة كفر، وإن أراد التحية لا، وهذا موافق لما ذكر في فتاوى الأصل.(4) "
وقال محمد علاء الدين الحصكفي (5) فيمن نذر لغير الله:-(1/26)
" واعلم أن المنذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشموع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقرباً إليهم فهو بالإجماع باطل وحرام.(6) "
وقال ابن عابدين شارحاً لما سبق:-
" قوله باطل وحرام لوجوه: - منها أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق، ومنها أن المنذور له ميت، والميت لا يملك، ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى، واعتقاده ذلك كفر.(1) "
ويقول ابن عبد البر عند شرحه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2):-
صـ 288
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجداً، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم.(3) "
ويقول القاضي عياض:- " وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر ... كالسجود للصنم، وللشمس، والقمر، والصليب، والنار.(4) "
ويقول النووي:- " اعلم أن الذبح للمعبود وباسمه، نازلة منزلة السجود له، وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح لغيره من حيوان، أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة، لم تحل ذبيحته، وكان فعله كفراً، كمن سجد لغيره سجدة عبادة.(5) "
ويقول أيضاً: - والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم، أو الشمس ...(6) "(1/27)
ولما أورد الرملي (7) أنواع الردة ... كان مما قاله: - " السجود لصنم أو شمس، أو مخلوق آخر؛ لأنه أثبت لله شريكاً، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشية منه فلا كفر. - إلى أن قال - وإن قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به فلا
ص289
فرق بينهما في الكفر حينئذ. (1) "
ويقول البريهاري: - "ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام. (2) ".
ويقول ابن تيمية - في مسألة السجود لغير الله ووسائلها -: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وقال: - "فإنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار " (3)، ونهى عن تحري الصلاة في هذا الوقت، لما فيه من مشابهة الكفار في الصورة، وإن كان المصلي يقصد السجود لله لا للشمس، لكن نهى عن المشابهة في الصورة لئلا يفضي إلى المشاركة في القصد، فإذا قصد الإنسان السجود للشمس وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، كان أحق بالنهي والذم والعقاب، ولهذا يكون كافراً، كذلك من دعا غير الله، وحج إلى غير الله هو أيضاً شرك، والذي فعله كفر. (4) ".
ويبين ابن تيمية أن السجود الشركي من الأمور المتفق على تحريمها عند الرسل عليهم السلام، فيقول: -
"أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله، كما قال سبحانه وتعالى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف، آية 45](5) "
ص290(1/28)
ومما سطره هذا الإمام في مسألة النذر الشركي قوله رحمه الله: - "ولا يجوز أن ينذر أحد إلا طاعة، ولا يجوز أن ينذرها إلا لله، فمن نذر لغير الله فهو مشرك. كمن صام لغير الله، وسجد لغير الله، ومن حج إلى قبر من القبور فهو مشرك. (6) "
ويقول أيضاً: - " وأما النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم، أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم، فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى، سواء كان النذر نفقة أو ذهباً أو غير ذلك، وهو شبيه بمن ينذر للكنائس والرهبان وبيوت الأصنام. (7) "
ويؤكد ابن تيمية على إزالة مثل تلك النذور فيقول: -:وكل ما ينذر له، أو يعظمه من الأحجار أو الأشجار، ونحوها، يجب أن يزال؛ لأنه يحصل للناس به ضرر عظيم في دينهم، كما كسر الخليل عليه السلام الأصنام، وكما حرق موسى عليه السلام العجل، وكما كسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصنام وحرقها لما فتح مكة.. (1) - إلى أن قال - ومن قال أنه يشفى بمثل نذره لهذه الأشياء فهو كاذب، بل يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإنه مكذب لله ورسوله... (2)"
وأرد الشاطبي مثال من ذبح لغير الله تعالى - مع أمثلة أخرى - على مسألة قررها بقوله: - "كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل...؛ لأن الأخذ في خلاف مقاصد الشريعة مشاقة ظاهرة، والله تعالى يقول: - {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء، آية 115]، كما أن القاصد لخلاف الشرع مستهزىء بآيات الله وأحكامه، والله تعالى يقول {وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا} [ البقرة، آية 231] (3) "
ص291
وذكر مرعي بن يوسف الكرمي أن السجود للحكام بقصد العبادة كفر، وبقصد التحية كبيرة (4).(1/29)
ومما قاله أحمد الفاروقي السرهندي (5) في مكتوباته: - "والتبري من الكفر شرط الإسلام، والاجتناب عن شائبة الشرك توحيد، والاستمداد من الأصنام والطاغوت في دفع الأمراض والأسقام، كما هو شائع فيما بين جهلة أهل الإسلام عين الشرك والضلالة، وطلب الحوائج من الأحجار المنحوته نفس الكفر - إلى أن قال - وما يفعلونه من ذبح الحيوانات المنذورة للمشائخ عند قبور المشائخ المنذورة لهم جعله الفقهاء داخلاً في الشرك، وألحقوه بجنس ذبائح الجن الممنوع عنها شرعاً. (6)"
ويقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في هذا الشأن: - "والعبادة أنواع كثيرة، لكني أمثلها بأنواع ظاهرة لا تنكر، من ذلك السجود فلا يجوز لعبد أن يضع وجهه على الأرض ساجداً إلا لله وحده لا شريك له، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي، ومن ذلك الذبح فلا يجوز لأحد أن يذبح إلا لله وحده، كما قرن الله بينهما في القرآن في قوله تعالى: - {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162}لاَ شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام، آية 162] ,163 والنسك هو الذبح، وقال {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر، آية 2] فتفطن لهذا، واعلم أن من ذبح لغير الله من جني أو قبر، فكما لو سجد له، وقد لعنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بقوله: "لعن الله من ذبح لغير الله" (1) "
ومما كتبه الشوكاني عن مفاسد البناء على القبور قوله: - " ومن المفاسد البالغة إلى حد يرمي بصاحبه إلى وراء حائط الإسلام: أن كثيراً منهم يأتي بأحسن ما يملكه من الأنعام، وأجود ما يحوزه من المواشي فينحره عند ذلك القبر، متقرباً به
ص292
إليه، راجياً ما يضمر حصوله منه، فيهل به لغير الله، ويتعبد به لوثن من الأوثان، إذ أنه لا فرق بين نحر النحائر لأحجار منصوبة يسمونها وثناً، وبين قبر لميت يسمونه قبراً...(1/30)
- إلى أن قال - ولا شك أن النحر نوع من أنواع العبادة التي تعبد الله العباد بها، كالهدايا والفدية والضحايا، فالمتقرب بها إلى القبر والناحر لها عنده لم يكن له غرض بذلك إلا تعظيمه وكرامته، واستجلاب الخير منه، واستدفاع الشر به، وهذا عبادة لا شك فيها، وكفاك من شر سماعه. (2) "
ومما قاله الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين - في هذا الموضوع -: - "فالدين كله داخل في العبادة، فإذا علم الإنسان وتحقق معنى الإله، وأنه المعبود، وعرف حقيقة العبادة، تبين له أن من جعل شيئاً من العبادة لغير الله، فقد عبده واتخذه إلهاً، وإن فر من تسميته معبوداً أو إلهاً، فتغير الاسم لا يغير حقيقة المسمى، ولا يزيل حكمه
ولما سمع عدي بن حاتم (3) - وهو نصراني - قول الله تعالى: - {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [التوبة، آية 31]. قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لسنا نعبدهم. قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى، قال: فذلك عبادتهم (4) ".
فعدي ما كان يحسب أن موافقتهم فيما ذكر عبادة منهم لهم، فأخبره صلى الله عليه وسلم أن ذلك عبادة منهم لهم، مع أنهم لا يعتقدونه عبادة لهم. وكذلك ما يفعله عباد القبور من دعاء أصحابها، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور، عبادة منهم للمقبورين، وإن كانوا لا يسمونه ولا يعتقدونه عبادة. (5) "
ص293(1/31)
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب - في توجيهه القول بأن النذر لغير الله شرك -: " وذلك لأن الناذر لله وحده قد علق رغبته به وحده، لعلمه بأنه تعالى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فتوحيد القصد هو توحيد العبادة، ولهذا ترتب عليه وجوب الوفاء فيما نذره طاعة لله، والعبادة إذا صرفت لغير الله صار ذلك شركاً بالله لالتفاته إلى غيره تعالى فيما يرغب فيه أو يرهب، فقد جعله شريكاً لله في العبادة (1) "
ص294
المبحث الثاني:
الحكم بغير ما أنزل الله
لا شك أن تنحية شرع الله تعالى، وعدم التحاكم إليه في شؤون الحياة من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في مجتمعات المسلمين، ولقد كانت عواقب الحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين ما حل بهم من أنواع الفساد وصنوف الظلم والذل والمحق.
ونظراً لأهمية وخطورة هذه المسألة من جانب، وكثرة اللبس فيها من جانب آخر، فنفصل هذه المسألة على النحو التالي: -
1 - منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين: فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب، فقال سبحانه: - {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} [البقرة، آيه 213]، وقال تعالى: - {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ} [النساء، آية 105].(1/32)
وبين سبحانه اختصاصه وتفرده بالحكم، فقال: - {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام، آية 57]، وقال سبحانه: - {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف، آية 40]، وقال عز وجل: - {له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون} [القصص، آية 70]، وقال سبحانه: - {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى، آية 42].
وجاءت الآيات القرآنية مؤكدة على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله (وهو حكم الطاغوت والجاهلية) من صفات المنافقين. قال سبحانه: - {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {47}وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ {48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ {49}أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {50} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور، آية 47 - 51].(1/33)
وقال تعالى: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا {61}فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء، آية 59 - 62].
يقول ابن تيمية عن هذه الآيات: -
"ذم الله عز وجل المدعين الإيمان بالكتب كلها، وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضاً، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قالوا إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات. (1)"(1/34)
ويقول أيضاً: - " ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بين الناس في أمر دينهم ودنياهم في أصول دينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكم ويسلموا تسليماً. (2) "
ويقول محمد رشيد رضا عند تفسيره لقوله تعالى: -
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ..} الآية: - "والآية ناطقة بأن من صد وأعرض عن حكم الله ورسوله عمداً ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يعتد بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام. (3) "
ص296
ويمكن أن نحدد أهمية إفراد الله تعالى بالحكم، وبيان منزلة الحكم بما أنزل الله من خلال العناصر التالية: -
منزلته من توحيد العبادة: - إن الحكم بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد لله تعالى بالطاعة، والطاعة نوع من أنواع العبادة، فلا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، قال تعالى: - {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف، آية 40].
وقال سبحانه: - {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص، آية 70]
فعبادة الله تعالى تقتضي إفراده عز وجل بالتحليل والتحريم، حيث قال سبحانه: - {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، آية 31].(1/35)
وتحقيق هذه الطاعة، وإفراد الله تعالى بالحكم والانقياد لشرعه هو حقيقة الإسلام، وكما قال ابن تيمية: - "فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده. (1)
ويقول أيضاً: - "فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه وإن خالف أمر الله ورسوله، فقد جعله نداً... وهذا من الشرك الذي يدخل أصحابه في قوله تعالى: - {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} [البقرة آية 165] (2)"
ويقول ابن القيم: - "وأما الرضا بدينه، فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى رضي كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم تسليماً، ولو كان مخالفاً لمراد نفسه، أو هواها، أو قول مقلدة وشيخه وطائفته. (3) "
ص297
وفي المقابل فإن من أشرك مع الله في حكمه، فهو كالمشرك في عبادته لا فرق بينهما، كما قال الشنقيطي: - "الإشراك بالله في حكمه، والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، ولا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكلاهما مشرك بالله. (4) "(1/36)
ويقول أيضاً: - " ويفهم من هذه الآية: - {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: - {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى، هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: - {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {60}وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس، آية 60، 61] وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم، آية 44] (1) "
وتحقيقاً لتوحيد العبادة القائم على نفي الإلهية عما سوى الله تعالى، وإثباتها لله تعالى وحده، فإنه يجب الكفر بالطاغوت، كما قال تعالى: - {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة، آية 256].
وقد سمى الله تعالى الحكم بغير شرعه طاغوتاً، حيث قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء، آية 61]
والطاغوت عام. فكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود، أو متبوع،
ص298
أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت. (2)(1/37)
(ب) منزلته من التوحيد العلمي الخبري: - الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم، فقال سبحانه: - {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، آية 31]. (3) "
وكما يقول محمد رشيد رضا - في بيان معنى الشرك في الربوبية -: -
"هو إسناد الخلق والتدبير إلى غير الله تعالى معه، أو أن تؤخذ أحكام الدين في عبادة الله تعالى والتحليل والتحريم عن غيره، أي غير كتابه ووحيه الذي بلغه عنه رسله. (4)
ويقول ابن حزم - عند قوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ...}الآية -: - "لما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم، ويحلون ما أحلوا، كانت هذه ربوبية صحيحة، وعبادة صحيحة، وقد دانوا بها، وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله وعبادة، وهذا هو الشرك بلا خلاف. (1) "
ويقول ابن تيمية - في هذا الشأن -: - " وقد قال الله تعالى: - {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، آية 31]، وفي حديث عدي بن حاتم - وهو حديث حسن طويل رواه أحمد والترمذي وغيرهما - وكان قد قدم على النبي صلى الله علي وسلم وهو نصراني، فسمعه يقرأ هذه الآية، قال: فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم
ص299(1/38)
الله فتحلونه؟ قال فقلت: بلى قال: فتلك عبادتهم "(2) وكذلك قال أبو البختري: أما إنهم لم يصلوا لهم، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه، وحرامه حلاله، فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية...
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عبادتهم إياهم كانت في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، لا أنهم صلوا لهم، وصاموا لهم، ودعوهم من دون الله، فهذه عبادة الرجال، وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله: - {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3) "
كما أن حقيقة الرضا بالله رباً توجب إفراد الله تعالى بالحكم، واختصاصه تعالى بالخلق والأمر، حيث قال سبحانه: - {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف، آية 54]، وقال سبحانه: - {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [ آل عمران، آية 154]، فالأمر كله لله تعالى وحده، سواء كان هذا الأمر أمراً كونياً قدرياً، أو شرعياً دينيا. (4)
يقول العز بن عبدالسلام (5): - " وتفرد الإله بالطاعة لاختصاصه بنعم الإنشاء والإبقاء والتغذية والإصلاح الديني والدنيوي، فما من خير إلا هو جالبه، وما من ضير إلا هو سالبه... وكذلك لا حكم إلا له. (6) "
ويقول عبدالرحمن السعدي: - " فإن الرب، والإله هو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا
ص300
شريك له، ويطاع طاعة مطلقة فلا يعصى بحيث تكون الطاعات كلها تبعاً لطاعته.(1) "
إضافة إلى ذلك، فإن " الحكم " من أسماء الله تعالى الحسنى، فقد قال صلى الله عليه وسلم:- " إن الله هو الحكم وإليه الحكم.(2) "
وقال تعالى: - {أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام، آية 114].
وقال سبحانه: - {فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف، آية 87].
وقال عز وجل:- {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين، آية 8 ].(1/39)
وإن الإيمان بهذا الاسم يوجب التحاكم إلى شرع الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: - {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف، آية 26]، وقال سبحانه: - {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى، آية 10].
وقد بين الله تعالى - في آيات كثيرة - صفات من يستحق أن يكون الحكم له... كما قال الشنقيطي مبيناً ذلك:-
" فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع، قوله تعالى: - {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ثم قال مبيناً صفات من له الحكم:- {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {10}فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى، آيات 10-12].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر السموات والأرض أي خالقهما ومخترعهما، على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجاً...؟
ص301
فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم، ولا تقلبوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:- {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف، آية 26].(1/40)
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السموات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل المسموعات، وبصره بكل المبصرات؟ وأنه ليس لأحد دونه من ولي؟ سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:- {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص، آية 88].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأنه الإله الواحد وأن كل شيء هالك إلا وجهه؟ وأن الخلائق يرجعون إليه؟ تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف أخس خلقه بصفاته.
ومنها قوله تعالى:-
{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام، آية 57]. فهل فيهم من يستحق أن يوصف بأنه يقص الحق، وأنه خير الفاصلين؟.
ومنها قوله تعالى:-
{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس، آية 59].
فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي ينزل الرزق للخلائق، وأنه لا يمكن أن يكون تحليل ولا تحريم إلا بإذنه؟ لأن من الضروري أن من خلق الرزق وأنزله هو الذي له التصرف فيه بالتحليل والتحريم؟
سبحانه جل وعلا أن يكون له شريك في التحليل والتحريم.(1) "
(ج) منزلته من توحيد الاتباع - والمقصود بتوحيد الاتباع تحقيق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوحيد الاتباع هو توحيد الرسول بالتحكيم والتسليم.
ص302
والإنقياد والإذعان (2)، وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن الحكم بما أنزل الله هو توحيد الاتباع.(1/41)
قال الله تعالى:- {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء، آية 65].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطنه.(3) "
ويقول ابن القيم عن هذه الآية:- " أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع وأحكام المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضاً حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم، وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض.(1)
كما أن الحكم بما أنزل الله تعالى هو تحقيق للرضى بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، ولذا يقول ابن القيم:- " وأما الرضى بنبيه رسولاً: فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره ألبته، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان، ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه.(2) "
بل إن الحكم بما أنزل الله تعالى هو معنى شهادة أم محمداً رسول الله، وكما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: " ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا
ص303
بما شرع.(3) "(1/42)
ولذا يقرر الشيخ محمد بن إبراهيم أن تحكيم شرع الله تعالى وحده هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله بقوله: - " " وتحكيم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه، إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتبع المحكم ما جاء به فقط، ولا جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيماً عند النزاع.(4) "
(د) منزلته من الإيمان:- يقول عز وجل: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا {61}فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء، آية 59 - 62].
ويقول سبحانه: - {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء، آية 65].(1/43)
من خلال هذه الآيات الكريمات ندرك منزلة تحكيم شرع الله تعالى من الإيمان، فلقد عد الشارع هذا التحكيم إيماناً كما قال تعالى: - {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}
يقول ابن حزم: - " فسمى الله تعالى تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم إيماناً، وأخبر الله تعالى أنه لا إيمان إلا ذلك، ومع أن لا يوجد في الصدر حرج مما قضي، فصح يقيناً أن الإيمان عمل وعقد وقول؛ لأن التحكيم عمل، ولا يكون
ص304
إلا مع القول، ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد (1) "
ويقول ابن تيمية: - " فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة، أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما شجر بينهم من أمور الدين أو الدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه.(2)(1/44)
ويقول الشوكاني عند تفسيره لقوله تعالى:- {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ... الآية}:- " وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود، وترجف له الأفئدة، فإنه أولاً أقسم سبحانه بنفسه مؤكداً لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال:- {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ} فضم إلى التحكيم أمراً آخر. وهو عدم وجود حرج: أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافياً حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس، ثم لم يكتف بهذا كله، بل ضم إليه قوله {وَيُسَلِّمُواْ} [أي يذعنوا وينقادوا ظاهراً وباطناً، ثم لم يكتف بذلك، بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال} {تَسْلِيمًا} فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه، ويسلم لحكم الله وشرعه تسليماً لا يخالطه رد، ولا تشوبه مخالفة.(3) "
وتحكيم شرع الله تعالى ورد النزاع إلى نصوص الوحيين شرط في الإيمان، كما قال الله تعالى:- {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء، آية 59].
ولذا يقول ابن القيم:-
" إن قوله {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقة وجله، جليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافياً لم يأمر بالرد إليه، إذ
ص305(1/45)
من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإن انتفى هذا الرد انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم، وأن عاقبته أحسن عاقبة.(1) "
ويقول ابن كثير:-
"فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله، وشهد له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى:- {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر.(2) "
وإذا كان التحاكم إلى شرع الله تعالى شرطاً في الإيمان، فإن التحاكم إلى غير هذا الشرع - وهو حكم الطاغوت والجاهلية - ينافي الإيمان، وهو من علامات النفاق، وقد سبق أن أوردنا كلام محمد رشيد رضا حيث يقول عند قوله تعالى:- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} [النساء، آية 60]:-
" والآية ناطقة بأن من صد وأعرض عن حكم الله ورسوله عمداً، ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يعتد بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام.(3) "
ويقول الشيخ السعدي - في هذا الصدد -: " الرد إلى الكتاب والسنة شرط في الإيمان.. فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت كما جاء في الآية: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ..} الآية، فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه، في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن، واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في ذلك.(4) "
ص306(1/46)
ويؤكد سيد قطب (5) على أن عدم تحكيم الشريعة الإسلامية لا يجتمع مع الإيمان، فيقول رحمه الله عند وقوفه على قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة، آية 43]: - " فهي كبيرة مستنكرة أن يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم بشريعة الله، وعندهم - إلى جانب هذا - التوارة فيها شريعة الله فيتطابق حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عندهم في التوارة، مما جاء القرآن مصدقاُ ومهيمناً عليه، ثم يتولون من بعد ذلك ويعرضون، سواء كان التولي بعدم التزام الحكم، أو بعدم الرضا به. ولا يكتفي السياق بالاستنكار، ولكن يقرر الحكم الإسلامي في مثل هذا الموقف {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [فما يمكن أن يجتمع الإيمان، وعدم تحكيم شريعة الله، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة، والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم " مؤمنون، ثم لا يحكمون بشريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم.. إنما يدعون دعوى كاذبة، وإنما يصطدمون بهذا النص القاطع {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} .(1) "
ومما كتبه الشيخ محمد بن إبراهيم في هذا المقام قوله: - " إن قوله تعالى: - {يَزْعُمُونَ} تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فكل من حكم بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه.(2) "
ويقرر الشنقيطي أن متبعي المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، ويسوق الأدلة على ذلك، ومنها قوله: - " ومن أصرح الأدلة في هذا أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله،
ص307(1/47)
يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب، وذلك في قوله تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ...} الآية.(3) "
إضافة إلى ذلك فإن الإيمان قول وعمل، فهو يتضمن تصديقاً وانقياداً، فكما يجب على الخلق أن يصدقوا الرسل عليهم السلام فيما أخبروا، فعليهم أن يطيعوهم فيما أمروا، كما قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ} [النساء، آية 64].
ولذا يقول محمد بن نصر المروزي في تعريف الإيمان: " الإيمان بالله: أن توحده، وتصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له، ولأمره، باعطاء العزم للأداء لما أمره، مجانباً للاستنكاف، والاستكبار، والمعاندة، فإذا اتبعت ما جاء به، أديت الفرائض، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات.(4) "
ولا شك أن تحكيم الشريعة انقياد وخضوع لدين الله تعالى، وإذا كان كذلك فإن عدم تحكيم هذه الشريعة كفر إباء ورد وامتناع وإن كان مصدقاً بها، فالكفر لا يختص بالتكذيب فحسب كما زعمت المرجئة.
(هـ) وفي ختام هذا العرض نشير إلى أن تحكيم الشريعة استجابة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ففيه الحياة والصلاح والخير، كما قال الله تعالى:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال، آية 24].
يقول الشيخ السعدي: - " قوله: {إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} وصف ملازم، لكل ما دعا الله ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلوب والروح، والروح بعبودية الله تعالى، ولزوم طاعته، وطاعة رسوله على الدوام.(1) "
ص308(1/48)
وإن رفض هذه الشريعة وعدم الاستجابة لها اتباع للهوى، فهو ضلال شنيع في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، يقول تعالى:- {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص، آية 50].
ويقول سبحانه: - {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص آية 26].
ويقول عز وجل: - {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء، آية 14].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: -
" أي لكونه غير ما حكم الله به، وضاد الله في حكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.(2) "
ولقد جاءت نصوص الوحيين محذرة من التحاكم إلى غير ما أنزل الله تعالى، فقال سبحانه:- {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة، آية 49].(1/49)
يقول الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الأزهري (3): - فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله فيه، ونهاه عن اتباع أهوائهم لما فيه من مخالفة المنزل إليه، وحذره أن يفتنوه فيحولوا بينه وبين بعض ما أنزل عليه، وأعلمه أنهم إن تولوا عن الحكم الذي أنزله الله إليه فإنما يريد أن يصيبهم ويبتليهم بسبب بعض ذنوبهم. فعلم منه أن التولي عن حكم الله وحكم رسوله إلى
ص309
حكم الأهواء سبب لإصابة الله بالمصائب (1) "
ويحكي ابن القيم شيئاً من عواقب تنحية حكم الله تعالى فيقول: -
" لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربى فيها الصغير وهرم عليها الكبير...(2)
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:- " يا معشر المهاجرين: خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم - وذكر منها -: - وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم.(3) "
وفي رواية: - " وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر (4) "
وفي هذا يقول ابن تيمية: - " وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا (حكم الكتاب والسنة) فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم، قال صلى الله عليه وسلم:- " ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم " وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول / كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك من أيده الله ونصره، ويحتسب مسلك من خذله الله وأهانه.(5) "
ص310(1/50)
وصدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الناظر إلى واقع المسلمين - الآن - يرى ما وقع في تلك البلاد من المصائب والشرور، ومن الفرقة والعداوة فيما بينهم، وكذا التقاتل والتناحر، كما ظهر الفقر والتدهور الاقتصادي، مع أن في بلاد المسلمين - كما هو معلوم - أعظم الثروات وبمختلف الأنواع، وأعظم سبب في ذلك هو تنحية شرع الله، والتحاكم إلى الطاغوت والله المستعان.(1)
ص311
2- متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
إذا تقرر أن التشريع من خصائص ربوبية الله تعالى، فالحلال ما حلله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله رسوله، فليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرع في دين الله تعالى، بل الواجب اتباع هذه الشريعة. قال تعالى: - {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف، آية 3].
كما يتعين الكفر بالطاغوت، وذلك بعدم التحاكم إليه واعتقاد بطلانه والبراءة منه. قال تعالى:- {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة، آية 256].
إن الإيمان اليقيني يوجب الانقياد لحكم الله تعالى الذي هو أحسن الأحكام على الإطلاق كما هو حال المؤمنين الصادقين الموقنين، قال تعالى: - {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة، آية 50].
وقال عز وجل: - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب، آية 36].(1/51)
وأما من تحاكم إلى الطاغوت أو حكم الجاهلية، وهو يدعي الإيمان، فهذه دعوى كاذبة كما هو شأن المنافقين المذكورين في قوله تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء، آية 60].
وقد سمى الله تعالى الذين يحكمون بغير شرعه كفاراً، وظالمين، وفاسقين.
فقال سبحانه: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة، آية 44].
وقال تعالى: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة، آية 45].
وقال عز وجل: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ المائدة، آية 47].
ص312
ويكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفراً ناقلاً عن الملة، وناقضاً من نواقض الإيمان في عدة صور وحالات، نتحدث عن بعضها على النحو التالي:-
(أ) من شرع غير ما أنزل الله تعالى:-
قد تقرر- بداهة - وجوب إفراد الله تعالى بالحكم والتشريع {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف، آية 54]، فإذا كان الله تعالى هو المتفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة لا شريك له في هذه الصفات، فهو سبحانه - أيضاً - وحده المتفرد بالتشريع والتحليل والتحريم، فالدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، وليس لأحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله تعالى، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له. من نازعه في شيء منه فهو مشرك، لقوله تعالى: - {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى، آية 21].(1/52)
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة.(1) "
وسمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء (2)، فقال سبحانه: - {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [ الأنعام، آية 137].
وقال عز وجل: - {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، آية 31].
فهؤلاء الأحبار والرهبان الذين شرعوا غير تشريع الله تعالى كفار، ولا شك في
ص313
كفرهم؛ لأنهم نازعوا الله تعالى في ربوبيته، وبدلوا دين الله وشرعه.(3)
وإذا كانت متابعة أحكام المشرعين غير ما شرعه الله، تعتبر شركاً، وقد حكم الله على هؤلاء الأتباع بالشرك، كما قال سبحانه: - {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام، آية 121](4) فكيف بحال هؤلاء المشرعين؟
ويقول عز وجل: - {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ} [التوبة، آية 37].(1/53)
يقول ابن حزم عن هذه الآية: " وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون ألبته إلا منه لا من غيره، فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله. (5) " وهؤلاء المشرعون ما لم يأذن به الله تعالى، إنما وضعوا تلك الأحكام الطاغوتية لاعتقادهم أنها أصلح وأنفع للخلق وهذه ردة عن الإسلام، بل إن اعتبار شيء من تلك الأحكام ولو في أقل القليل عدم رضا بحكم الله ورسوله، فهو كفر ناقل عن الملة (1) إضافة إلى أن هذا التشريع يعد تجويزاً وتسويغاً للخروج على الشرع المنزل، ومن سوغ الخروج على هذه الشريعة فهو كافر بالإجماع. (2)
" إن طواغيت البشر - قديماً وحديثاً - قد نازعوا الله في حق الأمر والنهي والتشريع بغير سلطان من الله تعالى، فادعاه الأحبار والرهبان لأنفسهم فأحلوا به الحرام، وحرموا به الحلال، واستطالوا به على عباد الله، وصاروا بذلك أرباباً من دون الله، ثم نازعهم الملوك في هذا الحق حتى اقتسموا السلطة مع هؤلاء الأحبار والرهبان، ثم جاء العلمانيون فنزعوا الحق من هؤلاء وهؤلاء، ونقلوه إلى هيئة تمثل الأمة أو الشعب، أطلق عليها اسم البرلمان، أو مجلس النواب... (3) "
ص314
وغالب الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين - من خلال استقراء دساتيرها - إنما هو انسلاخ من عقيدة إفراد الله تعالى وحده بالتشريع، حيث جعلت التشريع والسيادة للأمة أو الشعب، وربما جعلت الحاكم مشاركاً في سلطة التشريع، وقد يستقل بالتشريع في بعض الأحوال، وكل ذلك تمرد على حقيقة الإسلام التي توجب الانقياد والقبول لدين الله تعالى، والله المستعان. (4)
يقول د. صلاح الصاوي - عن تلك الأوضاع -: -
" إن الحالة التي تواجهها مجتمعاتنا المعاصرة هي حالة الإنكار على الإسلام أن تكون له صلة بشؤون الدولة، والحجر عليه ابتداء أن تتدخل شرائعه لتنظيم هذه الجوانب، وتقرير الحق في التشريع المطلق في هذه الأمور للبرلمانات والمجالس التشريعية.(1/54)
إننا أمام قوم يدينون بالحق في السيادة العليا والتشريع المطلق للمجالس التشريعية، فالحلال ما أحلته، والحرام ما حرمته، والواجب ما أوجبته، والنظام ما شرعته، فلا يجرم فعل إلا بقانون منها، ولا يعاقب عليه إلا بقانون منها، ولا اعتبار إلا للنصوص الصادرة منها...
هذه المحنة التي نواجهها اليوم، والتي لا يصلح لدفعها ترقيع جزئي بإلغاء بعض المواد، والنص على اخرى، وإنما يصلحه أن نبدأ بتقرير السيادة المطلقة والحاكمية العليا للشريعة الإسلامية، والنص على أن كل ما يتعارض معها من القوانين أو اللوائح فهو باطل. (5) "
لقد وصل امتهان الشريعة الإلهية ونبذها - في بعض تلك الدساتير - إلى حد أنهم جعلوا هذه الشريعة الربانية مصدراً ثانوياً من مصادر القانون، فتأتي الشريعة متأخرة بعد التشريع الوضعي، والعرف، كما أنهم يجاهرون صراحة بحق التشريع لغير الله تعالى، بحيث أن نصوص الشريعة لا تكتسب صفة القانون عندهم لو أرادوا العمل بتلك النصوص إلا بصدورها عمن يملك حق التشريع، وهي السلطة التى يمنحها الدستور الاختصاص بذلك!
ص315
أما كون هذه الشريعة منزلة من عند الله تعالى فلا يعطيها صفة القانون عندهم فضلاً أن تكون حاكمة ومهيمنة، بل إن العرف يلغي أي مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية! (1)
كما أن هذه القوانين والدساتير الطاغوتية عند أصحابها قد صار لها من الحرمة والتعظيم كما لو كانت شريعة إلهية، يبين ذلك الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - فيقول: -(1/55)
" هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام... هي في حقيقتها دين آخر جعلوه ديناً للمسلمين بدلاً من دينهم النقي السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها، حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيراً من الكلمات " تقديس القانون "، " قدسية القضاء "، "حرم المحكمة "، وأمثال ذلك من الكلمات... ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين ودراساتها كلمة " الفقه الفقيه "، " والتشريع " و" المشرع "...وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها.(2) "
إن شريعة الله تعالى يجب أن تكون وحدها حاكمة ومهيمنة على غيرها، وأن تكون المصدر الوحيد للتشريع، فلا ننخدع بما يقوله بعضهم بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لما تتضمنه هذه العبارة الشركية من الإقرار والرضا بمصادر أخرى للتشريع، ولو كانت مصادر فرعية.(3)
يقول الله تعالى:- {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة، آية 49].
(ب) أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى أحقية حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية لابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة، آية 44]
ص316
حيث قال: - " من جحد ما أنزل الله فقد كفر "(4) "
وهو اختيار ابن جرير في تفسيره.(5) "
إن جحود حكم الله تعالى هو اعتراض على شرح الله تعالى، وتكذيب لنصوص الوحيين، وقد أجمع العلماء على تكفير من أنكر حكماً معلوماً من الدين بالضرورة، وحكى هذا الإجماع جمع كثير من أهل العلم كما جاء مفصلاً فيما مضى.(1)
فمن ذلك ما قاله أبو يعلى: -(1/56)
" ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح، أو من رسوله، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله أو المسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى ولرسوله في خبره، وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين.(2) "
ويقول ابن تيمية: - " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً بالإتفاق.(3)"
ويقول الشنقيطي: - " من لم يحكم بما أنزل الله معارضة للرسل، وإبطالاً لأحكام الله، فظلمه وفسقه وكفره كلها مخرج عن المللة.(4) "
ص317
ولا يغيب عنا أن هذا الجحود في حد ذاته يعد كفرا، ولو لم يكن معه تحكيم لغير الشريعة، فالجاحد كافر سواء حكم بغير ما أنزل الله أو لم يحكم.
وعندما ساق ابن القيم أقوال العلماء في تأويل قوله تعالى: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة، آية 44]، كان مما قاله - في هذا الشأن - " ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً له، وهو قول عكرمة، وهو تأويل مرجوح، فإن نفس جحوده كفر، سواء حكم به أو لم يحكم.(5) "
(ج) أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، سواء كان هذا التفضيل مطلقاً، أو مقيداً في بعض المسائل.
وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذه الحالة ضمن نواقض الإسلام، فقال: - " من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هدية، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.(6) "(1/57)
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم: - " من اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمة وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقاً، أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، فلا ريب أنه كفر لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف نحاتة الأفكار على حكم الحكيم الحميد.(1) "
لقد قام التتار - بعد إسقاطهم لدولة الخلافة العباسية - بإظهار هذا الكفر، وذلك بتقديم حكم الياسق وفرضه على المسلمين ونبذ حكم الله تعالى، وقد أشار ابن كثير إلى هذا الواقع عند تفسيره لقوله تعالى،: - {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة، آية 50].
ص318
فقال: - " ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم سنكز خان، الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير...(2) "
ويقول محمود الآلوسي في تفسيره: - " لاشك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظاً ويتقصف غضباً إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم...(1/58)
فلا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بيّن المخالفة للشرع منها (أي القوانين) ويقدمه على الأحكام الشرعية منتقصاً لها.(3) "
ويتحدث إسماعيل الأزهري عما يزعمه من لا خلاق له من الإيمان، ممن يتهمون هذه الشريعة الكاملة بالنقص... فكان مما قاله:-
" من ظن أن هذه الشريعة الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر غير رسولهم الذي يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث.
وكذلك من ظن أن شيئاً من أحكام الكتاب والسنة النبوية الثابتة الصحيحة بخلاف السياسة والمصلحة التي يقتضيها نظام الدنيا فهو كافر قطعاً (1) "
ص319
ويحكي محمود شاكر هذه الحالة فيقول: - " والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتياج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل أسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بانقضائها.(2) "
لقد سلك خصوم هذا الدين مسالك متنوعة في سبيل استنقاص الشريعة الإسلامية (3)، وتفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، فتراهم يصفون الإسلام بأنه ديانة روحية، فلا علاقة له بشؤون الحياة الأخرى كالمعاملات والقضاء والسياسة والحدود ونحوها.(1/59)
يقول أحمد شاكر (4) عن هؤلاء القوم وحكم الله تعالى فيهم:- " والقرآن مملوء بأحكام وقواعد جليلة، في المسائل المدنية والتجارية، وأحكام الحرب والسلم وأحكام القتال والغنائم والأسرى وبنصوص صريحة في الحدود والقصاص فمن زعم أنه دين عبادة فقط (5) فقد أنكر كل هذا، وأعظم على الله الفرية، وظن أن لشخص كائناً من كان، أو لهيئة كائنة من كانت، أو تنسخ ما أوجب الله من طاعته والعمل بأحكامه، وما قال هذا مسلم ولا يقوله، ومن قاله فقد خرج عن الإسلام جملة، ورفضه كله، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.(6) "
ص320
كما يزعم هؤلاء الخصوم أن في تحكيم الشريعة إقرار للاستبداد السياسي، والإرهاب الفكري، ويستدلون على ذلك بما حصل لأوروبا أثناء تسلط رجال الكنيسة، وتارة ينعقون بدعوى جمود الشريعة، وعدم مواكبتها للحياة المتطورة المتجددة، وربما وصفوا أحكام الحدود والقصاص بالقسوة التي لا تلائم إنسانية هذا العصر.
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم في هذا الشأن: - " وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته، باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصاً، أو ظاهراً، أو استنباطاً أو غير ذلك، علمه من علمه، وجهله من جهله.(1) "
ويقول الشنقيطي في هذا الصدد:-
"وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض، فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث، وكل دعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك.(1/60)
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها، وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى أن يكون معه مشرع آخر علواً كبيراً.(2)
ومما يلحق بمسألة تفضيل حكم الجاهلية على حكم الله تعالى: من لم يحكم بما أنزل الله تعالى استخفافاً واستهانة بحكم الله تعالى، واحتقاراً له (3)، فمن وقع في ذلك فقد خرج عن الملة؛ لأن ذلك استهزاء بدين الله تعالى، ومن ثم فهو ردة عن الإسلام، كما هو ظاهر في النصوص التالية:-
ص321
يقول تعالى: - {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة، آية 65، 66].
يقول الفخر الرازي:- " إن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال.(4)
ويقول تعالى: - {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة، آية 12].
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: - " استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين إذ هو كافر، والطعن أن ينسب إليه مالا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين، لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه.(5) "
ويقول ابن أبي العز الحنفي: - " إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر (1) "
ومما قاله أبو السعود (2) عند تفسيره لقوله تعالى: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة، آية 44]:-(1/61)
" ومن لم يحكم بما أنزل الله كائناً من كان دون المخاطبين خاصة، فإنهم مندرجون فيه اندراجاً أولياً أي من لم يحكم بذلك مستهيناً منكراً... فأولئك هم الكافرون لاستهانتهم به.(3) "
ص322
(د) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت، واعتقد التماثل بينهما، فهذا كفر ناقل عن الملة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله تعالى: - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى، آية 11](4)
ولقوله عز وجل:- {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة آية 22]
إن دعوى المساواة بين الحكم الإلهي والحكم الوضعي تنقص للرب جل جلاله، وغلو وطغيان في أحكام البشر، وشرك بالله تعالى، لما في هذه المساواة من اتخاذ الأنداد مع الله تعالى، يقول، تعالى: - {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل، آية 74].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً، " إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " أي أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو، وأنتم بجهلكم تشركون به غيره.(5)
ويقول تبارك وتعالى: - {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} [البقرة، آية 165]. فمن أحب من دون الله شيئاً، كما يحب الله تعالى فهو ممن اتخذ من دون الله أنداداً فهذا ند في المحبة، لا في الخلق والربوبية، فإن أحداً من أهل الأرض لم يثبت هذا الند.(6)
وإذا كان الأمر كذلك فلا أضل ولا أسوأ حالاً من هؤلاء الذين ساروا بين حكم الله تعالى الذي لا معقب لحكمه، وبين حكم البشر العاجزين القاصرين.
يقول ابن تيمية:- " من طلب أن يطاع مع الله، فهذا يريد من الناس أن يتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، والله سبحانه أمر أن لا يعبد إلا إياه، وأن لا يكون الدين إلا له.(1) "(1/62)
وأخبر تعالى عن أهل النار أنهم يقولون - وهم في النار - لآلهتهم: - {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء، آية 97، 98].
ص323
يقول ابن القيم عن هذه الآية: - " ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق والإماتة والإحياء والملك والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل وهذا غاية الجهل والظلم، فكيف يسوى من خلق من تراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوي الفقير بالذات الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم، بالغني بالذات، القادر بالذات الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟ فأي ظلم أقبح من هذا؟ وأي حكم أشد جوراً منه؟ (2) " فإذا كانت التسوية بين الله تعالى وبين خلقه في عبادة من العبادات يعتبر شركاً وتنديداً يناقض توحيد العبادة، فكيف بمن سوى حكم الله تعالى بحكم البشر؟
وعلى كل فإن الرضا بالله تعالى رباً يوجب إفراد الله تعالى بالحكم واختصاصه تعالى بالأمر - قدراً أو شرعاً - كما قال سبحانه: - {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف، آية 54]، فالحكم بالطاغوت ولو في أقل القليل ينافي هذا التوحيد، فما بالك بمن سوى حكم البشر بالحكم الإلهي المنزل؟
(هـ) أن يجوز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله تعالى غير واجب، وأنه مخير فيه، فهذا كفر مناقض للإيمان، لتجويزه ما علم بالنصوص الصريحة القطعية تحريمه، حيث لم يعتقد وجوب إفراد الله تعالى بالحكم، وهو إن لم يكن جاحداً لحكم الله، لكن ما دام أنه لا يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى وحده، وذلك بتجويز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، فهذا كفر ناقل عن الملة.(3)(1/63)
- يقول القرطبي: - " إن حكم بما عنده على أنه من عند الله تعالى، فهو تبديل له يوجب الكفر.(4) "
ص324
ويوضح ابن تيمية هذه المسألة قائلاً: - " ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسواليف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر.
فإن كثيراً من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً.(1) "
وبتأمل هذا النص لمهم، يظهر لنا أن من جوزوا الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وقد عرفوا ذلك فلم يلتزموا، فإن هذا يعتبر استحلالاً وردة عن الإسلام، ولو لم يتضمن تكذيباً.(2)
ويقول أيضاً: - " ومن حكم بما يخالف شرع الله ورسوله، وهو يعلم ذلك، فهو من جنس التتار الذي يقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله.(3)
وإذا كان هذا الصنف من جنس التتار..، فكذلك هم من جنس اليهود عندما حكموا بما يخالف حكم الله تعالى وهم يعلمون ذلك، كما جاء مبيناً في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال: - مُرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً (4) مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوارة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكن كثر في أشرافنا، فكنا إذا
ص325(1/64)
أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إلى قوله {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} يقول أئتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه، فأنزل الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} في الكفار كلها.(5)
فمناط الكفر - هاهنا - ما تلبس به هؤلاء اليهود من تجويز الحكم بغير ما أنزل الله وتبديل حكم الله تعالى، فاليهود كفروا لتغييرهم حكم الله تعالى، فجعلوا التحميم والجلد بدلاً من الرجم، وهم يعلمون خطأهم.(6)
ويقول ابن القيم - عن هذه الحالة -: - " إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر.(1) "
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.(2) "
وإضافة إلى ذلك فإن تجويز الحكم بما يخالف حكم الله تعالى هو قبول للأحكام والتكاليف من غير الله تعالى ولو كان في بعضها، أو اليسير منها...، وهذا مناقض لحقيقة الإسلام لله وحده، فمن استسلم لله تعالى ولغيره كان مشركاً، والاستسلام لله وحده، يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده. (3)
ص326
وتوضيحاً لذلك فنورد ما سطره الأستاذ محمد قطب من أمثلة في تجويز الحكم بما يخالف حكم الله تعالى، حيث يقول: -(1/65)
" كيف نزعم لأنفسنا أننا آمنا بأنه لا إله إلا الله - أي لا معبود (4) إلا الله، ولا حاكم إلا الله - إذا كنا نقول - بلسان الحال أو بلسان المقال - إنك يا رب قد قلت إن الربا حرام، أما نحن فنقول إنه مدار الحياة الاقتصادية المعاصرة، ولا يقوم الاقتصاد إلا به، ولذلك فنحن نقره ونتداوله، ونجعله هو الأصل في تداول المال! وإنك يا رب قد قلت إن الزنا حرام، وحددت له عقوبة معينة في كتابك المنزل، وفي سنة رسولك صلى الله عليه وسلم، أما نحن فنرى أنه ليس هناك جريمة تستحق العقاب أصلاً إذا تم الأمر برضى الطرفين ولم تكن المرأة قاصراً، وإذا وقعت - من وجهة نظرنا - جريمة فعقوبتها عندنا أمر آخر غير ما قررت! وإنك قد قلت يا رب إن عقوبة السرقة قطع اليد، أما نحن فنرى أن هذه عقوبة وحشية بربرية، إنما عقوبة السرقة عندنا هي السجن، وهي عقوبة مهذبة تليق بإنسان القرن العشرين! (5) "
(و) من لم يحكم بما أنزل الله تعالى إباء وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة، وإن لم يجحد أو يكذب حكم الله تعالى(6)، وإذا كانت الحالة السابقة تجويز وقبول الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، فهذه الحالة لا تعدو أن تكون في المقابل من تلك الحالة.
فمن المعلوم - عند السلف الصالح - أن الإيمان قول وعمل، وتصديق وانقياد، فكما يجب على الخلق أن يصدقوا الرسل عليهم السلام فيما أخبروا، فعليهم أن يطيعوهم فيما أمروا، فلا يتحقق الإيمان مع ترك الانقياد والطاعة، قال تعالى:- {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} [النساء، آية 64]، فالإيمان ليس مجرد التصديق - كما زعمت المرجئة -، وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة
ص327
والانقياد. (1)(1/66)
كما أن الكفر عدم الإيمان - باتفاق المسلمين (2) -، ومن ثم ليس تكذيباً فحسب، بل قد يكون امتناعاً عن اتباع الرسول مع العلم بصدقه... (3)، وقد يكون هذا الكفر إعراضاً أو شكاً، وعلى هذا يكون من ترك الحكم بما أنزل الله إباءً ورداً فهو كافر مرتد، وإن كان مقراً بهذا الحكم، لأن الإيمان يقتضي وجوب الانقياد والطاعة والإذعان لحكم الله تعالى ونوضح ذلك من خلال ما يلي: -
- مما أورده ابن جرير رحمه الله عند شرحه لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه: مر بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فسألته، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنق رجل تزوج امرأة أبيه (4) "
حيث يقول ابن جرير: -: فكان فعله (أي نكاحه زوجة أبيه) من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاه عن الله تعالى ذكره، وجحوده آية محكمة في تنزيله... فكان بذلك من فعله حكم القتل وضرب العنق، فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه؛ لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام. (5) "
ومما قاله الطحاوي في شرح هذا الحديث: - "إن ذلك المتزوج فعل ما فعل على الاستحلال، كما كانوا يفعلون في الجاهلية، فصار بذلك مرتداً،فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد. (6) "
فتأمل - رحمك الله - نص هذا الحديث وما قرره ابن جرير والطحاوي... عندما بينا أن الجحود أو الاستحلال قد يظهر في عمل من الأعمال.. وهذا
ص328
كفر رد وإباء، فليس الجحود أو الاستحلال (القلبي) واقعاً بنطق اللسان فقط. (7)
حتى قال محمد رشيد رضا: - " إن حقيقة الجحد هو إنكار الحق بالفعل. (1) "(1/67)
ويقول ابن حزم بعبارة شاملة: - " كل من خرج إلى الكفر بوجه من الوجوه، فلابد من أن يكون مكذباً بشيء مما لا يصح الإسلام إلا به، أو رد أمراً من أمور الله عز وجل لا يصح الإسلام إلا به فهو مكذب بذلك الشيء الذي رده أو كذب به.. (2) "
إضافة إلى ذلك فإن من رد وامتنع عن قبول حكم الله تعالى فهو كافر بالإجماع، وإن كان مقراً بهذا الحكم، يقول إسحاق بن راهويه: - " وقد أجمع العلماء على أن من دفع شيئاً أنزله الله.. وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر (3) "
يقول الجصاص (4) في تفسير قوله تعالى: - {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء، آية 65]: -
" وفي هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم...(5) "
ص329
كما يقرر ابن تيمية اتفاق العلماء على وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، وإن كانت مقرة بتلك الشريعة، فيقول:-
" كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة... فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة... فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة.(6)(1/68)
-إلى أن قال -: - " فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء.(1) "
ويفصل ابن تيمية هذه المسألة تفصيلاً شافياً عندما بين أن من أبى وامتنع عن حكم الله تعالى - وإن كان مقراً بهذا الحكم - فهو أشد كفراً ممن جحد هذا الحكم، فيقول:-
" إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه، فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه، أو أنه حرمه، لكن امتنع من قبول هذا التحريم، وأبى أن يذعن لله وينقاد، فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفره الخوارج، فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقاً بأن الله ربه، فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق، وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في
ص330(1/69)
الإيمان بالربوبية، ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه وأبغض هذا الحق وأنفر منه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع.(2) "
وتأكيداً لما قرر ابن تيمية، نورد ما قاله النسفي في تفسيره لقوله تعالى: - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب، آية 36]: -
" فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر، وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق.(3) "
ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع: الإعراض والصدود عن حكم الله تعالى، ونوضح ذلك بما يلي: -(1/70)
يقول تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء، آية 60، 61].
يقول ابن تيمية: - " بين سبحانه أن من دُعي إلى التحاكم إلى كتاب الله وإلى رسوله فصد عن رسوله كان منافقاً، وليس بمؤمن... فالنفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره.(1)
ص331
ويقول ابن القيم: - " فجعل الإعراض عما جاء به الرسول، والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه، والتسليم لما حكم رضىً واختياراً ومحبة، فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق.(2) "
ويقول البيضاوي في تفسيره لقوله تعالى: - {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران، آية 32]: - " وإنما لم يقل لا يحبهم لقصد العموم، والدلالة على أن التولي كفر، وأنه من هذه الحيثية ينفي محبة الله، وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين.(3) "
ويقول ابن تيمية عند قوله تعالى: - {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام، آية 157]:-(1/71)
" فذكر سبحانه أنه يجزي الصادف (4) عن آياته مطلقاً - سواء كان مكذباً أو لم يكن - سوء العذاب بما كانوا يصدفون، يبين ذلك أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر، سواء اعتقد كذبه أو استكبر عن الإيمان به، أو أعرض عنه اتباعاً لما يهواه، أو ارتاب فيما جاء به، فكل مكذب بما جاء به فهو كافر. (5) "
(ز) من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفراً، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم: -
" وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع (6) ومكابرة لأحكامه،
ص332
ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات.
فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة، وغير ذلك.
فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟(1) "
ومما يلحق بهذه الحالة - ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم - أيضاً:-
" ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها " سلموهم " يتوارثون ذلك فيهم، ويحكمون به، ويحملون على التحاكم إليه عند النزاع بقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبة عن حكم الله ورسوله.(2) "(1/72)
(ح) من خلال عرض الحالات السابقة الموجبة للردة، يظهر حكم المشرع - كما في الحالة الأولى - والحاكم بغير ما أنزل الله - كما في بقية الحالات - ويبقى موضوع المحكوم بتلك القوانين الطاغوتية، فإن كفره متعلق بقبوله لغير شريعة الله، ورضاه بها، إضافة إلى ذلك فإن متابعة هذا المحكوم وقبوله لغير الشريعة من خلال تحاكمه إلى غير ما أنزل الله تعالى، لا يخلو من امتناع عن قبول حكم الله وحده، أو تجويز للحكم بالطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، أو تفضيل لحكم الطاغوت على حكم الله تعالى، أو التسوية بينهما...
ص333
يقول الله تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء، آية 60، 61].
ومما قاله أبو السعود في تفسير هذه الآية: - " التعجيب والاستقباح على ذكر إرادة التحاكم {إلى الطاغوت} دون نفسه (أي التحاكم) للتنبيه على أن إرادته مما يقضي منه العجب، ولا ينبغي أن يدخل تحت الوقوع فما ظنك بنفسه؟(3) "
كما دلت الآية على أن إرادة التحاكم إلى الطاغوت إيمان بهذا الطاغوت، ومن ثم فهو كفر بالله تعالى، حيث إن الله تعالى قد فرض على عباده الكفر بالطاغوت، والإيمان به تعالى، حيث قال سبحانه: - {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة، آية 256].(1/73)
ويقول عز وجل: - {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، آية 31].
يقول ابن تيمية - في معنى هذه الآية -:-
" هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين: -
أحدهما: - أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله(1) اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً - وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم - فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.
ص334
والثاني: - أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: - " إنما الطاعة في المعروف " (2) "(3) "
وأمر آخر وهو أن المحكوم بتلك القوانين راضياً بها فهو كافر، لأن الراضي بالكفر كفاعله يدل على ذلك قوله تعالى: -
{وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} [النساء، آية 140].
يقول القرطبي: - " قوله تعالى: - {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره} أي غير الكفر {إنكم إذاً مثلهم} فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر...(1) "(1/74)
ويقول محمد رشيد رضا: - " إنكم إذاً مثلهم " هذا تعليل للنهي أي إنكم إن قعدتم معهم تكونون مثلهم، وشركاء لهم في كفرهم؛ لأنكم أقررتموهم عليه ورضيتموه لهم، ولا يجتمع الإيمان بالشيء، وإقرار الكفر والاستهزاء به ويؤخذ من الآية أن إقرار الكفر بالاختيار كفر، ويؤخذ منه أن إقرار المنكر والسكوت عليه منكر وهذا منصوص عليه أيضاً، وأن إنكار الشيء يمنع فُشّوه بين من ينكرونه حتماً، فليعتبر بهذا أهل هذا الزمان، ويتأملوا كيف يمكن الجمع بين الكفر والإيمان، أو بين الطاعة والعصيان، فإن كثيراً من الملحدين في البلاد المتفرنجة يخوضون في آيات الله، ويستهزئون بالدين، ويقرهم على ذلك ويسكت لهم من لم يصل إلى درجة كفرهم، لضعف الإيمان والعياذ بالله تعالى.(2)
ص335
ويقول تعالى: - {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور، آية 47].
يقول النسفي - في تفسيرها -: - {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} أي المخلصين، وهو إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا، لا إلى الفريق المتولي وحده، وفيه إعلام من الله بأن جميعهم منتفٍ عنهم الإيمان لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء، والإعراض، وإن كان من بعضهم فالرضا بالإعراض من كلهم.(3)
وقال ابن تيمية: - " إن من الرضا ما هو كفر، كرضا الكفار بالشرك، وقتل الأنبياء وتكذيبهم، ورضاهم بما يسخطه الله ويكرهه.
قال تعالى: - {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد، آية 28]. فمن اتبع ما يسخط الله برضاه وعمله فقد أسخط الله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: - (إن الخطيئة إذا عملت في الأرض كان من غاب عنها ورضيها كمن شهدها، ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها)(4)
3-متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر؟(1/75)
يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر إذا حكم الحاكم أو القاضي بغير ما أنزل الله تعالى في واقعة ما (1)مع اعتقاده وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى في هذه القضية المعينة فعدل عنه عصياناً وهوى وشهوة، مع اعترافه بأنه آثم في ذلك، مستحق للعقوبة.
ونسوق جملة من كلام أهل العلم في هذه المسألة:-
ص336
يقول القرطبي: - " إن حكم به (أي بغير ما أنزل الله) هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين. (2) "
ويقول ابن تيمية: - " أما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة. (3) "
يقول ابن القيم: - " إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر. (4) "
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم: - "وأما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، وهو الذي لا يخرج عن الملة.. وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى. وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة فإن معصيته عظمى أكبر من الكبائر كالزنا وشرب الخمر والسرقة واليمين الغموس وغيرها، فإن معصيةً سماها الله في كتابه كفراً أعظم من معصية لم يسمها كفراً. (5) "
ويقول الشنقيطي: - " من لم يحكم بما أنزل الله معتقداً أنه مرتكب حراماً، فاعل قبيحاً، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة. (6) "
وعلى مثل هذه الحالة - التي ذكرت آنفاً - يحمل ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعطاء وطاووس وأبي مجلز رحمهم الله تعالى.
ص337(1/76)
فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة، آية 44]، أنه قال: - " ليس بالكفر الذي يذهبون إليه؟ "(7) وفي رواية أنه قال:- " كفر لا ينقل عن الملة. " (8) وقال عطاء (1): - "كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. (2)
وقال طاووس (3): - " ليس بكفر ينقل عن الملة. " (4)
" وعندما جاء نفر من الإباضية لأبي مجلز (5)، فقالوا له: يقول الله " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "، "فأولئك هم الظالمون "، " فأولئك هم الفاسقون"، قال أبو مجلز: - إنهم يعملون بما يعملون بما يعملون - يعني الأمراء - ويعلمون أنه ذنب... (6) "
ومما يجدر التذكير به - في هذا المقام - أن هناك من حمل مقالة ابن عباس رضي الله عنهما - وغيرها من الآثار السابقة - ما لا تحتمله، فأساؤا فهمها، والمراد منها، ولذا فلابد من التنبيه على ما يلي: -
ص338
(أ) أن ظاهر سياق تلك الآيات في قوله تعالى: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وما بعدها يدل على أن المعنى المقصود أصلاً بالكفر والظلم والفسق فيها هو الكفر الأكبر، والظلم الأكبر، والفسق الأكبر (7)
كما يوضح ذلك سبب نزولها، حيث أنها نزلت في اليهود - كما سبق بيانه - (8) ثم إن هؤلاء الأئمة كابن عباس وغيره عمموا بها غير الكفار (9)، وقالوا: كفر دون كفر، مع أن سياق الآيات يدل على أنها في الكفار، كما جاء في آخر رواية البراء بن عازب رضي الله عنه - في سبب نزول تلك الآيات -: - " في الكفار كلها "
(ب) أن ما قاله أبو مجلز رحمه الله للإباضية (10)، كان جواباً عما أرادوه من إلزامه بتكفير الأمراء؛ لأنهم في معسكر السلطان...، ولأنهم ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عنه..
ومما قاله محمود شاكر - في المقصود من كلام أبي مجلز -: -(1/77)
" اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون الكفر شريعة في بلاد الإسلام، فلما وقف على هذين الخبرين (1)، اتخذهما رأياً يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها، والعامل بها.
ص339
- إلى أن قال - لم يكن سؤالهم (2) عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى حكم غير الله في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه...
ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكم حكماً وجعله شريعة، ملزمة للقضاء بها، هذه واحدة، وأخرى أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة، وإما أن يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة.(3) "(1/78)
ولعل مما يؤكد ذلك: " ما أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: نعم، قالوا: - {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} قال: نعم، قالوا: فهؤلاء يحكمون بما أنزل الله؟ قال: نعم، هو دينهم الذي به يحكمون، والذي به يتكلمون، وإليه يدعون، فإذا تركوا منه شيئاً، علموا أنه جور منهم، إنما هذه اليهود والنصارى والمشركون الذين لا يحكمون بما أنزل الله.(4) "
فينبغي أن يفهم كلام أبي مجلز - وكذا كلام ابن عباس رضي الله عنهما - على ظاهره، وحسب مناسبته بلا غلو، ولا جفاء، فلا نكون كالخوارج الذين جعلوا مطلق المخالفة الشرعية كفراً أكبر، وفي نفس الوقت لا نكون مع الطرف المقابل لهم ممن جعلوا رفض الشريعة وتنحيتها والإعراض عنها كفراً أصغر، فلم يقصد ابن عباس - وكذا أبو مجلز - من أبى وامتنع عن الالتزام بشرع الله تعالى، وتحاكم إلى قوانين الجاهلية، فلم يكن في تلك القرون السابقة من يفعل مثل ذلك،
ص340
فكلام السلف الصالح - في معصية كفر دون كفر - يدور حول قضية مفردة، أو واقعة معينة في الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، عن هوى وشهوة، مع اعتقاد حرمة هذا الفعل وإثمه، وليس منهجاً عاماً، وهذا أمر ظاهر توضحه مقالة ابن تيمية - التي سبق ذكرها -: - " أما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة.(1)"
وكذا ما قاله ابن القيم:- " إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر.(2) "
4- من خلال العرض السابق، نذكر - بإيجاز - أوجه كون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان على النحو التالي:-(1/79)
(أ) لا يصح الإيمان إلا بالكفر بالطاغوت، فمن لم يكفر بالطاغوت، لم يؤمن بالله تعالى، وقد سمىّ الله تعالى الحكم بغير شرعه طاغوتاً، ومن ثم فالكفر بهذا الطاغوت وغيره من الطواغيت شرط الإيمان.(3)
يقول تعالى: - {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة، آية 256].
ويقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء، آية 60].
إضافة إلى ذلك، فقوله تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ..} الآية، يدل على أن من تحاكم إلى غير ما أنزل الله تعالى فهو منافق لا يعتد بما يزعمه من الإيمان.
ص341
(ب) أن اتباع أحكام المشرعين غير ما شرعه الله تعالى شرك بالله تعالى؛ لأن عبادة الله تقتضي إفراده عز وجل بالتحليل والتحريم، حيث يقول سبحانه: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، آية 31]، فذكر الله أن متابعتهم وموافقتهم للأحبار بتحليل الحرام وتحريم الحلال شرك بقوله تعالى: - {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(1/80)
وأمر آخر وهو أن إفراد الله عز وجل بالحكم والاتباع لشرعه هو معنى الاستسلام لله وحده. والانقياد له بالطاعة، فمن استسلم له تعالى ولغيره صار مشركاً، وقد سمى الله تعالى متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله مشركين... كما جاء في قوله تعالى: - {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام، آية 121]، فصرح وأكد بأنهم مشركون بطاعتهم واتباعهم لتشريع مخالف لما شرعه الله عز وجل.
كما أن الحكم بغير ما أنزل الله يناقض التوحيد العلمي الخبري، فإن لله تعالى وحده الخلق والأمر، يقول تعالى: - {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف، آية 54]، فالأمر كله لله وحده سواء كان أمراً كونياً قدرياً، أو أمراً شرعياً دينياً،
يقول الشنقيطي رحمه الله: - " لما كان التشريع وجميع الأحكام، شرعية كانت أو كونية قدرية، من خصائص الربوبية... كان كل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع رباً، وأشركه مع الله.(1)
و" الحكم " من أسماء الله تعالى الحسنى، والحكم بالطاغوت إلحاد في هذا الاسم، وتعطيل لتلك الصفة...(2).
(ج) أن الله عز وجل قد نفى الإيمان حتى يتحقق التحاكم إلى شرع الله وحده..قال تعالى: - {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء، آية 65].
يقول ابن حزم: - " فنص تعالى نصاً جلياً لا يحتمل تأويلاً، وأقسم تعالى
ص342
بنفسه أنه لا يؤمن أحد إلا من حكّم رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين غيره، ثم يسلم لما حكم به عليه السلام، ولا يجد في نفسه حرجاً مما قضى.(3) "(1/81)
ولذا جعله تعالى شرطاً في الإيمان، فقال سبحانه: - {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء، آية 59].
وحيث إن الإيمان قول وعمل، فهو متضمن للتصديق والانقياد، فتحكيم الشريعة إيمان؛ لأنه انقياد وخضوع لدين الله تعالى، ورفض تحكيم هذه الشريعة والامتناع عن قبولها هو كفر إباء ورد. وهذا الإباء والامتناع يعود إما إلى خلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، وعدم التصديق بصفة من صفاته تعالى، أو إلى بغض وكره لحكم الله تعالى، يقول عز وجل: - {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد، آية 9]، ويقول تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد، آية 28].
يقول ابن حزم: - " أخبرنا تعالى أنه قد أحبط أعمالهم باتباعهم ما أسخطه وكراهيتهم رضوانه.(4) "
إضافة إلى أن الامتناع عن قبول حكم الله تعالى، هو رد ودفع لما أنزله الله تعالى، يقول إسحاق بن راهويه: - وقد أجمع العلماء على أن من دفع شيئاً أنزله الله... وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر.(1) "
(د) لا شك أن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى معصية لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم.. يقول تعالى {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء، آية 14].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " أي لكونه غير ما حكم الله به، وضاد الله في حكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.(2) "
ص343
ويقول ابن تيمية: -(1/82)
" ولم يجيء إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار، كقوله تعالى: - {فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة، آية 90] (3) "
(هـ) أن إنكار حكم الله تعالى وجحوده هو اعتراض على شرع الله تعالى، وتكذيب لنصوص الوحيين، وإنكار لحكم معلوم من الدين بالضرورة كما سبق بيانه.(4)
(ز) أن تفضيل وتقديم حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، طعن في أحكام الشريعة الإلهية وتنقص لهذه الشريعة الربانية الكاملة، كما لا يخلو هذا التفضيل من استهانة بآيات الله واستهزاء بهذا الدين، والاستهزاء بالدين، أو بشيء من القرآن، أو السنة كفر ناقل عن الملة، كما قال تعالى: -
{قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة، آية 65، 66]. كما أ، التسوية بين حكم البشر، وحكم رب البشر من أشنع أنواع الشرك والتنديد، حيث أخبر اتعالى عن أهل النار أنهم يقولون - وهم في النار - لآلهتهم: - {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء، آية 97، 98]. فإذا كانت التسوية بين الله تعالى وبين خلقه في عبادة من العبادات تعتبر شركاً يناقض التوحيد، فكيف بمن سوى حكم البشر بحكم الله تعالى؟
(ح) أن المحكوم بتلك القوانين الطاغوتية عن رضى واختيار هو كافر بذلك؛ لأن الراضي بالكفر كفاعله، كما قال تعالى: - {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء، آية 140].
يقول القرطبي: - فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي، ذ ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر.(1) "
ص344
المبحث الثالث(1/83)
الإعراض التام عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به
1- نذكر في مطلع هذا المبحث، بأن الإيمان يتضمن طاعة وانقياداً، وتسليماً وقبولاً...كما قال محمد بن نصر المروزي - في معنى الإيمان:-
" الإيمان بالله: - أن توحده، وتصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره، بإعطاء العزم للأداء لما أمره، مجانباً للاستنكاف، والاستكبار، والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه، واجتنبت مساخطه.
- إلى أن قال - وإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به، فإذا اتبعت ما جاء به، أديت الفرائض، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات.(2) "
ويقول ابن تيمية:-
" من الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة، والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار، كقوله تعالى: - {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ {42} خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم، آية 42، 43] (3).
وإذا كان الإيمان يعد خضوعاً واستجابة وقبولاً لدين الله تعالى، فإن الإعراض ينافي ذلك ويضاده كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
2-نشرع في الحديث عن الإعراض... فنورد معناه في اللغة، ويقال: أعرض عنه، أي صد عنه وتولى عنه (4)
ص345
يقول الراغب الأصفهاني: - " وإذا قيل: أعرض عني، فمعناه ولى مبدياً عرضه.(5)
" يقول الفيومي: - أعرضت عنه: أضربت ووليت عنه، وحقيقة جعل الهمزة للصيرورة أي أخذت عرضاً، أي جانباً غير الجانب الذي هو فيه.(1) (2) "(1/84)
والمقصود بالإعراض - هاهنا - والذي يعد ناقضاً من نواقض الإيمان العملية، والإعراض التام عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، وهو التولي عن طاعة
ص346
الرسول والامتناع عن الإتباع، والصدود عن قبول حكم الشريعة، فإذا كان جنس العمل الظاهر من أصل الإيمان، فإن تركه وعدم الالتزام به إعراض كلي عن هذا العمل، ومن ثم فهو كفر مخرج عن الملة.
لكن يجب أن يعلم أن الإعراض ليس كله مما يخرج عن الملة، بل منه ما هو مخرج من الملة - كما ذكرنا - وهو الإعراض عن جنس العمل (الطاعة) والذي يعد شرطاً في صحة الإيمان، كما وضحه ابن تيمية قائلاً: -
" وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة، ولا صياماً، ولا غير ذلك من الواجبات.(3) "
وهناك إعراض لا يخرج من الملة، كأن يكون معه أصل الإيمان، لكنه يعرض عن فعل واجب من الواجبات الشرعية، وبهذا ندرك الفرق بين الإعراض الكلي عن جنس العمل الظاهر (4) (الطاعة أو الاتباع)، وبين الإعراض الجزئي عن بعض العمل، فالأول ينقض الإيمان وينفيه بالكلية، والآخر ينقص الإيمان، لكن لا ينفيه بالكلية.(1)
فهذا الإعراض الكلي أو التام مخرج عن الملة، ومن تلبس بهذا الإعراض فهو كافر، وإن كان يحسب أنه يحسن صنعاً، لأن من كان متمكناً ثم فرّط فأعرض عما جاء به الرسول فهو تارك للواجب.
يقول ابن تيمية - في هذه المسألة -: -
" وأصل ضلال هؤلاء (الرافضة والجهمية) الإعراض عما جاء به الرسول من الكتاب والحكمة، وابتغاء الهدى في خلاف ذلك، فمن كان هذا أصله فهو بعد بلاغ الرسالة كافر لا ريب فيه.(2) "
ص347
ويذكر ابن القيم الفرق بين المعرض المفرط وبين العاجز قائلاً:-(1/85)
" كل من اعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلابد أن يقول يوم القيامة: - {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف، آية 38]
فإن قيل فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف، آية 30].
قيل لا عذر لهذا وأمثاله من الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أتى من تفريطه وإعراضه،وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر، والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه...(3) "
ويقول أيضاً: - " إن العذاب يستحق بسببين: أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إراداتها والعمل بها وبموجبها...(4) "
ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: - {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا {99} مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا {100} خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} [طه، آية 99- 101]: - " وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم وأهل الكتاب وغيرهم، كما قال: - {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام، آية 19] فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا والنار موعده يوم القيامة...(1) "
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: -(1/86)
" وأما من أعرض عن الهدى ودين الحق، ولم يرفع به رأساً بعد معرفته، أو مع تمكنه من معرفته، فالأدلة القرآنية والأحاديث النبوية دالة على دخول هؤلاء في الوعيد. قال تعالى: - {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى {123} وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه، آية 123 , 124](2) "
3-والآن نوجز حكم الإعراض عن دين الله تعالى، بأنه ينافي الإيمان ويضاده، كما قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور، آية 47].
والإعراض عن دين الله وشرعه هو حقيقة النفاق. يقول تعالى: - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء، آية 61].
يقول ابن القيم عن هذه الآية: - " فجعل الإعراض عما جاء به الرسول والإلتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه، والتسليم لما حكم به رضىً واختياراً ومحبة، فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق.(3)
ويقول محمد رشيد رضا - في تفسير هذه الآية: - " والآية ناطقة بأن من صد وأعرض عن حكم الله ورسوله عمداً ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يعتد بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام.(4) "
إضافة إلى ذلك، فإن المؤمنين أهل طاعة وانقياد، وأصحاب استجابة وتسليم أما الإعراض عن دين الله تعالى فهو من صفات الكافرين، وخصال المنافقين، كما جاء ذلك مفصلاً في آيات كثيرة من القرآن.(1/87)
يقول الله تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران، آية 23].
{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {47}وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ} [النور، آية 47 , 48].
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف، آية 3].
ص349
{وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر، آية 3].
{فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى {14} لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى {15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل، آية، 14-16].
4- إن الإعراض عما جاء به الرسول ذنب عظيم، وإثم كبير، ولذا فإن له عواقب وخيمة، وآثار سيئة، نذكر منها ما يلي:-
(أ) يقول تعالى: -}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا {61}فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء، آية 61]، 62.
ويقول سبحانه: - {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة، آية 49].
فعلم من خلال هاتين الآيتين أن الإعراض عن دين الله سبب في وقوع البلايا والمصائب.(1)(1/88)
(ب) ويقول عز وجل: - {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} [آل عمران، آية 63]. يقول البيضاوي في تفسير هذه الآية: - " وعيد لهم، ووضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والاعتقاد المؤدي إلى فساد النفس، بل وإلى فساد العالم.(2) "
(ج) يقول تعالى:- {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا {125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه، آية 123 - 126].
يقول ابن تيمية:- " من أعرض عنه [أي الوحي} وإن لم يكذب به فإنه يكون يوم القيامة في العذاب المهين، وأن معيشته تكون ضنكا في هذه الحياة، وفي البرزخ، والآخرة، وهي المضنوكة النكدة المحشوة بأنواع الهموم والغموم والأحزان، كما أن الحياة الطيبة هي لمن آمن وعمل صالحاً.
- إلى أن قال - وقد أمر آدم وبنوه من حين أهبط باتباع هداه الذي يوحيه إلى الأنبياء، فثبت أن علة الشرك كان من ترك اتباع الأنبياء والمرسلين فيما أمروا به من
ص350
التوحيد والدين.(1)
ويقول ابن كثير: - قوله : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غير هداه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد.(2) "(1/89)
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن هذه الآية -: - " ذكر الله لمن أعرض عن القرآن عقوبتين إحداهما: المعيشة الضنك، وفسرها السلف بنوعين، أحدهما: ضنك الدنيا، وهو أنه إن كان غنياً، سلط عليه خوف الفقر، وتعب القلب والبدن في جميع الدنيا حتى يأتيه الموت ولم يتهن بعيش.
الثاني: - الضنك في البرزخ وهو عذاب القبر، وفسر الضنك في الدنيا أيضاً بالجهل، فإن الشك والحيرة لهما من القلق وضيق الصدر ما لهما.(3) "
(د) يقول تعالى:- {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور، آية 63].
ومعنى يخالفون: - يعرضون ويصدون.(4)
ومما قاله ابن كثير في تفسير هذه الآية: - قوله تعالى {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}
أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو زندقة. " أو يصيبهم عذاب أليم " أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك.(5) "
(هـ) وقد أورد الشنقيطي جملة من عواقب الإعراض، عند تفسيره لقوله تعالى: - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [الكهف، آية 57].
فكان مما قاله رحمه الله: -
ص351(1/90)
" وما ذكره في هذه الآية الكريمة من أن الإعراض عن التذكرة بآيات الله من أعظم الظلم، قد زاد عليه في مواضع أخر بيان أشياء من العواقب الوخيمة الناشئة عن الإعراض عن التذكرة، فمن نتائجه السيئة: ما ذكره هنا في أن صاحبه من أعظم الناس ظلماً، ومن نتائجه السيئة جعل الأكنة على القلوب حتى لا تفقه الحق، وعدم الاهتداء أبداً، فقال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف، آية 57]، ومنها انتقام الله جل وعلا من المعرض عن التذكرة، كما قال تعالى: - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة، آية 22]، ومنها كون المعرض كالحمار كما قال تعالى {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ {49}كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} [المدثر، آية 49]، ومنها الإنذار بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود كما قال تعالى: - {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [ فصلت، آية 13]، منها تقييض القرناء من الشياطين كما قال تعالى: - {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف، آية 36]. (1) "
5- وأما وجه كون هذا الإعراض من نواقض الإيمان فذلك لجملة من الاعتبارات نذكر منها ما يلي:-
(أ)أن الله تعالى نفى الإيمان عمن أعرض وتولى عن دين الله عز وجل، يقول تعالى {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {47}وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ} [النور، آية 47، 48].(1/91)
يقول ابن حزم عن هذه الآيات: - " هذه الآيات محكمات لم تدع لأحد علقة يشغب بها، قد بين الله فيها صفة فعل أهل زماننا فإنهم يقولون: نحن المؤمنون بالله وبالرسول ونحن طائعون لهما، ثم يتولى طائفة منهم بعد هذا الإقرار فيخالفون ما وردهم عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، أولئك بنص حكم الله تعالى ليسوا مؤمنين.(2) "
ص352
ويقول ابن تيمية عن هذه الآيات وأمثالها: - " فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول، وقال تعالى: - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور، آية 62].
وقال: - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال، آية 2] ففي القرآن والسنة من نفى الإيمان لم يأت بالعمل مواضع كثيرة...(3) "
ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآيات: - " يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، يقولون قولاً بألسنتهم: - {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ}، أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون، ولهذا قال تعالى: - {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} وقوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الآية، أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه.
- إلى أن قال - وأياً كان فهو كفر محض والله عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من الصفات.(4)
مع أن بعض المفسرين يرى أن معنى الآية أبلغ مما سبق ذكره، حيث يقررون بأن الجميع منتف عنهم الإيمان، وإن كان الإعراض والتولي من بعضهم، وذلك بسبب تحقق الرضا بالإعراض من جميعهم، كما قال النسفي: -(1/92)
" قوله {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} أي المخلصين، وهو إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا، لا إلى الفريق المتولي وحده، وفيه إعلام من الله بأن جميعهم منتف عنهم الإيمان، لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء، والإعراض وإن كان من بعضهم، فالرضا بالإعراض من كلهم.(1) "
إضافة إلى ذلك، فمن الأدلة على أن الإعراض عن دين الله تعالى ينافي الإيمان، قوله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا {125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126} وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه، آية 124-128].
وكما قال أبو السعود: - " قوله تعالى [وَكَذَلِكَ} [أي مثل ذلك الجزاء الموافق للجناية، {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} بالانهماك في الشهوات، {وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ} [بل كذبها وأعرض عنها] ...(1)"
(ب) إذا كان الإيمان يتضمن طاعة وانقياداً، وتسليماً وقبولاً، واستجابة وخضوعاً لدين الله تعالى، فإن الإعراض يضاد ذلك وينافيه، فهو تول وصدود، وترك وامتناع، وهو إعراض عن الهدى، وعدم إرادته والعمل به وبموجبه، وقد تقرر - عند أهل السنة - أن الإيمان ليس تصديقاً قلبياً فحسب،بل لابد فيه من الخضوع والانقياد.(1/93)
وكما يقول ابن تيمية: - " لا بد أن يقترن بالعلم في الباطن مقتضاه من العمل الذي هو المحبة والتعظيم والانقياد ونحو ذلك، كما أنه لابد أن يقترن بالخبر الظاهر مقتضاه من الاستسلام والانقياد لأهل الطاعة، فهؤلاء الذين يعلمون الحق الذي بعث الله به رسوله، ولا يؤمنون به، ويقرون به يوصفون بأنهم كفار، وبأنهم جاحدون ويوصفون بأنهم مكذبون بألسنتهم، وأنهم يقولون بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم، وقد أخبر الله في كتابه أنهم ليسوا بمكذبين بما عملوه، أي مكذبين بقلوبهم وإن لم يكونوا مؤمنين مقرين مصدقين، إذ العبد يخلو في الشيء الواحد عن التصديق والتكذيب. والكفر أعم من التكذيب فكل من كذب الرسول كافر، وليس كل كافر مكذباً، بل من يعلم صدقه، ويقر به وهو مع ذلك يبغضه أو يعاديه كافر، أو من أعرض فلم يعتقد لا صدقه ولا كذبه كافر وليس بمكذب..(2) "
وأيضاً فإن المعرض عن دين الله تعالى لا يحب هذا الدين ولا يبغضه، ولا يصدق بالنبي ولا يكذبه، ولذا فهو معرض عن الطاعة والاتباع، بسبب خلو القلب من هذا الحب أو الإرادة؛ ومن المعلوم أن هذا الحب أو الإرادة الصادقة لو كانت موجودة لظهر لازمها من الطاعة والانقياد.
قال ابن تيمية:- " محبة الله بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان وأكبر أصوله وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين، كما أن
صـ354
التصديق به أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين. (3) "
(ج) ذكر الله تعالى أن الإعراض والتولي عن طاعة الله كفر، فقال تعالى: - {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران، آية 32].(1/94)
يقول ابن كثير في تفسيره: - {فإِن تَوَلَّوْاْ} [أي تخالفوا عن أمره، " فإن الله لا يحب الكافرين " فدل على أن مخالفته في الطريق كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين.(1)
ويقول البيضاوي: - " وإنما لم يقل لا يحبهم لقصد العموم والدلالة على أن التولي عن الطاعة كفر، وأنه من هذه الحيثية ينفي محبة الله وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين.(2) "
ويقول أبو السعود: - " وإيثار الإظهار على الإضمار لتعميم الحكم لكل الكفرة والإشعار بعلته، فإن سخطه تعالى عليهم بسبب كفرهم والإيذان بأن التولي عن الطاعة كفر.(3) "
ومما يدل على أن الإعراض عن دين الله والتولي عن طاعته كفر، أن الله تعالى توعد من أعرض وتولى بالصلي المطلق في النار، وهو المكث فيها والخلود الدائم، كما قال تعالى: - {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى {14} لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى {15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل، آية 14-16]، فالمتولي عن الطاعة كافر، ويشمله هذا الوعيد الشديد، كما أن المكذب كافر، وداخل في هذا الوعيد أيضاً.
يقول الشوكاني في تفسير الآيات السابقة: - {لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى} [أي يصلاها صلياً لازماً على جهة الخلود إلا الأشقى وهو الكافر، وإن صليها غيره من العصاة فليس صليه كصليه ... ثم الأشقى فقال: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}
صـ355
أي كذب بالحق الذي جاءت به الرسل، وأعرض عن الطاعة والإيمان.(4) "
(د) قرر القرآن الكريم أن الإعراض عن دين الله تعالى من صفات المنافقين، وأن التولي عن طاعته من النفاق.
يقول الله تعالى: - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء، آية 61].(1/95)
يقول ابن حزم عند هذه الآية: - " فليتق الله - الذي إليه المعاد - امرؤ على نفسه ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، فإن من ناظر خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها التي أمرنا بالتفقه فيها فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى، وإلى كلام الرسول، فصد عنهما، ودعاه إلى قياس أو إلى قول فلان وفلان، فليعلم أن الله عز وجل قد سماه منافقاً.(5) "
ويقول ابن تيمية - في هذه الآية السابقة -: " فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول، وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن، وأن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا، فالنفاق يثبت، ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره. (1) "
وقال عز وجل: - {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} [التوبة، آية 127].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " هذا إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم " نظر بعضهم إلى بعض " أي تلفتوا، " هل يراكم من أحد ثم انصرفوا " أي تولوا عن الحق وانصرفوا، وهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق، ولا يقبلونه، ولا يفهمونه، لقوله تعالى: - {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ {49}كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ {50}فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر، آية 49 - 51].(2) "
صـ356(1/96)
بل إن عاقبة الإعراض عن طاعة الله تعالى هي الوقوع في النفاق، كما قال تعالى: - {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ {76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [التوبة، آية 75 - 77].
ومما قاله الشوكاني في تفسير هذه الآيات: - " قوله " وتولوا " أي أعرضوا عن طاعة الله وإخراج صدقات ما أعطاهم الله من فضله " و" الحال أنهم معرضون " في جميع الأوقات قبل أن يعطيهم الله ما أعطاهم من الرزق وبعده، قوله: " فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه " الفاعل هو الله سبحانه، أي فأعقبهم الله بسبب البخل الذي وقع منهم والإعراض نفاقاً كائناً في قلوبهم، متمكناً منها، مستمراً فيها.(3) "
6-وفي نهاية هذا المبحث نورد جملة من كلام أهل العلم في هذا الناقض يقول القرطبي عند قوله تعالى: - {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى {14} لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى {15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل، آية 14-16]: " وتولى: أعرض عن الإيمان، قال قتادة: - كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله وقال الفراء: لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة، فجعل تكذيباً ...(4) "
ويقول ابن تيمية: - " قال تعالى: - {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام 157].(1/97)
فذكر سبحانه أنه يجزي الصادف عن آياته مطلقاً - سواء كان مكذباً أو لم يكن - سوء العذاب بما كانوا يصدفون، يبين ذلك أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر، سواء اعتقد كذبه، أو استكبر عن الإيمان به، أو أعرض عنه اتباعاً لما يهواه، أو ارتاب فيما جاء به، فكل مكذب بما جاء به فهو كافر، وقد يكون كافراً من لا يكذبه إذا لم يؤمن به.(1) "
صـ357
ويعرف ابن القيم كفر الإعراض مع ذكر مثاله، فيقول: -
" وأما كفر الإعراض فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبته، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم: " والله أقول لك كلمة إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أرد عليك، وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أكلمك.(2) (3) "
ويقول - في موضع آخر عند ذكره لأنواع الكفر ... " وكفر إعراض محض لا ينظر فيما جاء به الرسول، ولا يحبه، ولا يبغضه، ولا يواليه، ولا يعاديه، بل هو معرض عن متابعة ومعاداته.(4) "
ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران، آية 23].
" يقول تعالى منكراً على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم وهما التوراة والإنجيل، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم تولوا وهم معرضون عنهما، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد.(5) "(1/98)
وأورد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإعراض ضمن نواقض الإسلام فقال: - " الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة، آية 22].(6) "
ص358
المبحث الرابع
مظاهرة المشركين على المسلمين
1- في بداية هذا المبحث، نذكر - بإيجاز - نبذة عن أهمية عقيدة الولاء والبراء، ومعناها فنقول: -
إن الولاء والبراء شرط في الإيمان، كما قال سبحانه: {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ {80} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة، آية 83 - 84].
يقول ابن تيمية عن هذه الآية: - " فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف " لو " التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: -} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء} فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ...(1) "
والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: - " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " (2) "
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: -(1/99)
" فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في دين الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.(3) "
صـ359
ويقول الشيخ حمد بن عتيق (4):-
"فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده.(5) "
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فعن جرير بن عبد الله البجلي (1) رضي الله عنه قال: - أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال: " أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين.(1) "
وجاء من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده (2): - " قلت يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن - لأصابع يديه - ألا آتيك، ولا آتي دينك، وإني كنت امرءاً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بما بعثك ربك إلينا؟ قال: - بالإسلام، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي
صـ360
الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين.(3) "
وما أجمل تلك العبارة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل قائلاً:-(1/100)
" إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفراً ... وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب.(4) "
وأما معنى الولاء فهو المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء من أعمال القلوب، لكن تظهر مقتضياتهما على اللسان والجوارح.
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ:-
" وأصل الموالاة الحب، وأصل المعادة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداةكالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال. (5) "
والولاء لا يكون إلا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين قال سبحانه: - {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة، آية 55].
فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم،والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيادة مريضهم، وتشييع ميتهم، وإعانتهم، والرحمة بهم، وغير ذلك.(6)
صـ361
والبراءة من الكفار تكون ببغضهم - ديناً - ومفارقتهم، وعدم الركون إليهم، أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعاً، وجهادهم بالمال واللسان والسنان، ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله (1) "
2- ولما كانت موالاة الكفار تقع على شعب متفاوتة، وصور مختلفة، لذا فإن الحكم فيها ليس حكماً واحداً، فإن من هذه الشعب والصور ما يوجب الردة، ونقض الإيمان بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من المعاصي.(2) "(1/101)
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: - " ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة.(3) "
وهذا الموالاة التي تناقض الإيمان، قد تكون اعتقاداً فحسب، وقد تظهر في أقوال وأعمال. والذي يهمنا في هذا المبحث الموالاة العملية، حيث سنورد مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين كمثال لتلك الموالاة، وقبل أن نفصل الحديث عن تلك المسألة، فإننا نوضح - باختصار - جملة من الأمثلة على تلك الموالاة العملية، نظراً لعظم خطرها، وسعة انتشارها، وكثرة الوقوع فيها، فنذكر منها ما يلي:-
(أ) من أقام ببلاد الكفر رغبة واختياراً لصحبتهم، فيرضى ما هم عليه من الدين، أو يمدحه، أو يرضيهم بعيب المسلمين، فهذا كافر عدو لله ورسوله، لقوله تعالى: - {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران، آية 28].(4)
صـ368
يقول ابن رشد (5) - " فصل: - فإذا وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على من أسلم ببلد الحرب أن يهاجر، ويلحق بدار المسلمين ولا يثوي بين المشركين، ويقيم بين أظهرهم لئلا تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم حيث تجري علينا أحكامهم في تجارة أو غيرها، وقد كره مالك رحمه الله تعالى أن يسكن أحد ببلد يسب فيه السلف فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن، وتعبد فيه من دونه الأوثان، ولا تستقر نفس أحد على هذا إلا وهو مسلم سوء، مريض الإيمان.(1)"(1/102)
ومما حرره ابن حزم في هذه المسألة قوله: - " قد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى، وعن إمام المسلمين وجماعتهم، ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين (2) وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر، قال تعالى: - {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة، آية 71].
قال أبو محمد: - فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم. وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم عليه، ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره.(3) "
ويقول في موضع آخر: - " من لحق بأرض الشرك بغير ضرورة فهو محارب، هذا أقل أحواله إن سلم من الردة بنفس فراقه جماعة الإسلام، وانحيازه إلى أرض الشرك.(4) "
صـ363
ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء، آية 97].
"هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع.(5) "
ولما سئل أحمد بن يحي الونشريسي (6) عن قوم من الأندلسيين هاجروا من بلادهم الأندلس - وقد كانت دار شرك - إلى دار الإسلام في بلاد المغرب ...(1/103)
ثم ندموا على تلك الهجرة، وسخطوا وصرحوا بذم دار الإسلام، ومدح دار الكفر وأهله ... فكتب رحمه الله جواباً مبسوطاً عن هذه النازلة، بعنوان: " أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر، وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر (7) " فأورد النصوص الشرعية في تحريم الموالاة الكفرية، ووجوب الهجرة إلى دار الإسلام ثم قال: - " وتكرار الآيات في هذا المعنى وجريها على نسق وتيرة واحدة مؤكد للتحريم، ورافع للاحتمال المتطرق إليه، فإن المعنى إذا نص عليه وأكد بالتكرار فقد ارتفع الاحتمال لا شك، فتتعاضد هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والاجتماعات القطعية على هذا النهي، فلا تجد في تحريم هذه الإقامة، وهذه الموالاة الكفرانية مخالفاً من أهل القبلة المتمسكين بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فهو تحريم مقطوع به من الدين ... ومن خالف الآن في ذلك أو رام الخلاف من المقيمين معهم والراكنين إليهم، فجوز هذه الإقامة واستخف أمرها واستسهل حكمها، فهو مارق من الدين، ومفارق لجماعة المسلمين، ومحجوج بما
صـ364
لا مدفع فيه لمسلم، ومسبوق بالإجماع الذي لا سبيل إلى مخالفته وخرق سبيله.(1) "(1/104)
وجاء في آخر فتواه، قوله للسائل: - " وما ذكرت عن هؤلاء المهاجرين من قبيح الكلام وسب دار الإسلام، وتمني الرجوع إلى دار الشرك والأصنام، وغير ذلك من الفواحش المنكرة التي لا تصدر إلا من اللئام، يوجب لهم خزي الدنيا والآخرة وينزلهم أسوأ المنازل، والواجب على من مكنه الله في الأرض ويسره لليسرى أن يقبض على هؤلاء وأن يرهقهم العقوبة الشديدة، والتنكيل المبرح ضرباً وسجناً حتى لا يتعدوا حدود الله؛ لأن فتنة هؤلاء أشد ضرراً من فتنة الجوع والخوف ونهب الأنفس والأموال، وذلك أن من هلك هنالك فإلى رحمة الله تعالى وكريم عفوه، ومن هلك دينه فإلى لعنة الله وعظيم سخطه، فإن محبة الموالاة الشركية، والمساكنة النصرانية والعزم على رفض الهجرة والركوب إلى الكفار، والرضى بدفع الجزية إليهم، ونبذ العزة الإسلامية، والطاعة الإمامية، والبيعة السلطانية، وظهور السلطان النصراني عليها وإذلاله إياها فواحش عظيمة مهلكة قاصمة للظهر يكاد أن تكون كفراً والعياذ بالله.(2) "
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: - " الإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر الرفض، ودين الإفرنج ونحوهم من المعطلة للربوبية والإلهية، وترفع فيها شعائرهم، ويهدم الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل بدر وبيعة الرضوان، فالإقامة بين أظهرهم والحالة هذه لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين ... بل لا يصدر عن قلب رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فإن الرضى بهذه الأصول الثلاثة قطب الدين، وعليه تدور حقائق العلم واليقين، وفي قصة إسلام جرير عبد الله أنه قال يا رسول الله بايعني واشترط، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي
صـ365(1/105)
الزكاة وأن تفارق المشركين " أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي(1)، وفيه إلحاق مفارقة المشركين بأركان الإسلام ودعائمه العظام. (2) "
(ب) من أطاع الكفار في التشريع والتحليل والتحريم، فأظهر الموافقة في ذلك، فهو كافر وخارج عن الملة، وسنورد بعض النصوص القرآنية في هذا الشأن.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران، آية 100].
ومما قاله أبو السعود في تفسير هذه الآية: - " وتعليق الرد بطاعة فريق منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجاب الاجتناب عن مصاحبتهم بالكلية، فإنه في قوة أن يقال لا تطيعوا فريقاً ... (3) "
وتأمل قوله تعالى: - {إِن تُطِيعُواْ..} [فإن هذا الفعل جاء مطلقاً، فحذف المتعلق المعمول فيه، ليفيد تعميم المعنى (4)، فالآية الكريمة تحذر أيما تحذير عن طاعة أهل الكتاب - فضلاً عن غيرهم من أصناف الكفار - في جميع الأحوال وسائر شؤون الحياة.
ويقول عز وجل: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} [آل عمران، آية 149].
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: - عند هذه الآية " أخبر تعالى أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار فلا بد أن يردوهم على أعقابهم عن الإسلام، فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر، وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ولم يرخص في مواقفهم وطاعتهم خوفاً منهم. وهذا هو الواقع فإنهم لا يقتنعون ممن وافقهم إلا بشهادة أنهم على حق وإظهار العداوة والبغضاء للمسلمين.(5) "
صـ366(1/106)
ويقول سبحانه وتعالى: - {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام، آية 121].
فصرح تعالى بأنهم مشركون في طاعة أولئك الكفار، حينما وافقوهم في تحليل أو تحريم. (6)
وقال تبارك وتعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ {25} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد، آية 25 , 26].
فهذا النوع من الموالاة كان سبباً في ردة أولئك القوم (1)، ولذا يقول ابن حزم: - " فجعلهم مرتدين كفاراً بعد علمهم الحق، وبعد أن تبين لهم الهدى بقولهم للكفار ما قالوا فقط، وأخبرنا تعالى أنه يعرف إسرارهم.(2) "
ويقول القاسمي (3) في تفسيره: - " " ذلك إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم، " بأنهم " أي لسبب أنهم " قالوا " أي المنافقون " الذين كرهوا ما نزل الله "
أي اليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم " سنطيعكم في بعض الأمر " أي بعض أموركم، أو ما تأمرون به ... كما أوضح ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} [الحشر، آية 11].(4) "
صـ367
فتلك الآيات الكريمات قد قررت أن بعضاً من الطاعة لأولئك الكفار هي ردة عن دين الإسلام، كموافقتهم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المظاهرة على محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء مفصلاً في كتب التفسير (5)"(1/107)
ولذا عاقبهم الله تعالى بحبوط الأعمال، كما جاء في الآيات التالية: -
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ {27} ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد، آية 27 , 28]
ومما سطره يراع الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - عند قوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا ... " الآية
" أخبر تعالى أن سبب ما جرى عليهم من الردة وتسويل الشيطان والإملاء لهم هو قولهم للذين كرهوا ما نزل الله، سنطيعكم في بعض الأمر فإذا كان من وعد المشركين الكارهين لما نزل الله بطاعتهم في بعض الأمر كافراً، وإن لم يفعل ما وعدهم به، فكيف بمن وافق المشركين واظهر أنهم على هدى.(6) "
ويمكن أن نلحق بطاعة ومتابعة الكفار في التحليل والتحريم، وموافقتهم في التشريع، ما قد أفتى به بعض علماء هذا العصر في مسألة التجنس بجنسية أمة غير مسلمة (1)
وقد سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن تجنس المسلم بجنسية تنافي الإسلام - كما هو حاصل في بلاد تونس آنذاك - وما يتضمنه هذا التجنس من إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، والوقوف مع الكفار عسكرياً لقتال المسلمين.. الخ.
فكان من جوابه: -
" إذا كانت الحال كما ذكر في هذا السؤال، فلا خلاف بين المسلمين في أن قبول الجنسية ردة صريحة، وخروج من الملة الإسلامية، حتى أن الاستفتاء فيها يعد غريباً في مثل البلاد التونسية التي يظن أن عوامها لا يجهلون حكم ما في السؤال
صـ368
من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ...(1/108)
-إلى أن قال - إن قبول المسلم لجنسية ذات أحكام مخالفة لشريعة الإسلام خروج من الإسلام فإنه رد له، وتفضيل لشريعة الجنسية الجديدة على شريعته، ويكفي في هذا أن يكون عالماً بكون تلك الأحكام التي آثر غيرها عليها هي أحكام الإسلام فلا يعامل معاملة المسلمين، وإذا وقع من أهل بلد أو قبيلة وجب قتالهم عليه حتى يرجعوا.(2) "
وجاء في فتوى لجنة مصر برئاسة الشيخ علي محفوظ (3):-
" إن التجنس بجنسية أمة غير مسلمة على نحو ما في السؤال (4) هو تعاقد على نبذ أحكام الإسلام عن رضا واختيار، واستحلال لبعض ما حرم الله، وتحريم لبعض ما أحل الله، والتزام لقوانين أخرى يقول الإسلام ببطلانها، وينادي بفسادها، ولا شك أن شيئاً واحداً من ذلك لا يمكن تفسيره إلا بالردة، ولا ينطبق عليه حكم إلا حكم الردة، فما بالك بهذه الأربعة مجتمعة في ذلك التجنس الممقوت؟(5) "
ولما استفتي الشيخ يوسف الدجوي (6) عن هذه المسألة، كان من جوابه ما يلي: - " إن التجنس بالجنسية الفرنسية، والتزام ما عليه الفرنسيون في كل شيء
صـ369
حتى الأنكحة والمواريث والطلاق ومحاربة المسلمين والانضمام إلى صفوف أعدائهم معناه الانسلاخ من جميع شرائع الإسلام،ومبايعة أعدائه على ألا يعودوا إليه ولا يقبلوا حكماً من أحكامه بطريق العهد الوثيق، والعقد المبرم.(1) "
إلى أن قال: -
" وإنا نرى شبهاً كبيراً بين من يختار أن يسير على شريعة الفرنسيين دون شريعة المسلمين وبين جبلة بن الأيهم الغساني حين لطم الفزاري، فأراد عمر رضي الله عنه أن يقتص منه، فلم يرض بحكم الدين وفر إلى الشام مستبدلاً الإسلام بالمسيحية.(2) "(1/109)
ولعل من أخطر التبعات المترتبة على هذا التجنس - مما يتعلق بمبحثنا - ما يفرض على أولئك المتجنسين من التجنيد العسكري، وجعلهم جنوداً لتلك الدولة الكافرة، وفي مواجهة المسلمين، فيصير بذلك مظاهراً لأولئك الكفار ضد المسلمين، (3) وقد قال الله تعالى: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51].
ومع ذلك فإن نازلة " التجنس بجنسية أمة غير مسلمة " لها ملابسات مختلفة لا تنفك عنها،عند تحديد مناط حكم هذه النازلة، فأحوال أولئك المتجنسين متفاوتة، ولذا ينبغي التفصيل عند الحكم على واقع أولئك المتجنسين، فمن نال تلك الجنسية عن رغبة في بلاد الكفر، وانتماء إلى الكفار، ورضا بأحكامهم الطاغوتية، وتبعية لأنظمتهم الوضعية، فهذا لا شك أنه كافر خارج عن الملة، فهذا النوع من الناس لا يستوي بمن اضطر على مثل هذا التجنس بسبب أنظمة طاغوتية استولت على بلاد المسلمين فأذاقت أهلها سوء العذاب، وأنواع
صـ370
الافتتان، مما اضطر بعض أولئك المسلمين إلى ترك ديارهم، والإقامة في ديار الكفر، والتجنس بجنسيتهم، وهم مع ذلك مبغضون للكفر وأهله، قائمون بدينهم حسب الاستطاعة.
كما أن هناك عوامل أخرى لابد من مراعاتها عند الحكم في هذه المسألة، منها الظروف المختلفة التي يعيشها المقيمون في تلك البلاد، ونوعية تلك الديار كأن تكون دار حرب أو عهد ... ونوعية التجنس، وأسبابه ودوافعه، والتوقيت الزمني لتلك النازلة.. الخ.
(ج) من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان: - التشبه المطلق بهم، أو التشبه بهم فيما يوجب الكفر والخروج عن الملة.
إن المشاركة للكفار في الهدي الظاهر - وإن كان مباحاً - تؤول إلى مشاركة ومشابهة في الأخلاق، وموالاة في الباطن، وفي المقابل فإن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة عن الكفر وأسبابه، وتحقق عداوة وبراءة من الكفار.(1/110)
فالموالاة وإن كانت متعلقة بالقلب، لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومجانبتهم (1)، ولذا فإن جنس المخالفة للكافرين أمر مقصود للشارع.
وننبه إلى " أن المخالفة للكفار لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه بالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا، شرع ذلك.
ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدى الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمورهم، لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.(2) "
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار فقال: - " من تشبه
صـ371
بقوم فهو منهم " (3)
يقول ابن تيمية عن هذا الحديث:-
" وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51].
فقد يحمل هذا على التشبيه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم، في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً، أو معصية أو شعاراً لهم، كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه.(4) "
وقد أورد العلماء أمثلة عديدة، وصوراً متنوعة في التشبه الذي يوجب الكفر، نختار منها ما يلي: -
يقول القاضي عياض: - " وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك كالسعي إلى الكنائس والبيع (5) مع أهلها بزيهم، من شد الزنانير، وفحص (1) الرؤوس، فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر. (2) "(1/111)
ويقول ابن تيمية: - " وإذا زار أهل الذمة كنيسة بيت المقدس فهل يقال لهم يا حاج مثلاً؟ لا ينبغي أن يقال ذلك تشبيهاً بحاج البيت الحرام، ومن اعتقد أن زيارتها قربة فقد كفر، فإن كان مسلماً فهو مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك، فإن أصر فقد كفر وصار مرتداً.(3) "
صـ372
ويقول أيضاً: - " وأما زيارة " معابد الكفار " مثل الموضع المسمى " بالقمامة " أو بيت لحم " أو " صهيون " أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى، فمنهي عنها، فمن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فيه أفضل من العبادة في بيته فهو ضال خارج عن شريعة الإسلام، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.(4) "
ويقول الخرشي (5): - " وكذلك يكون مرتداً إذا شد الزنار في وسطه؛ لأن هذا فعل يتضمن الكفر ... ومثله فعل شيء مما يختص بزي الكفار، ولا بد أن ينضم إلى ذلك المشي إلى الكنيسة ونحوه، وقيد أيضاً بما إذا فعله في بلاد الإسلام.(6) "
وقال ابن نجيم:- " ويكفر بوضع قلنسوة المجوسي على رأسه على الصحيح، إلا لضرورة دفع الحر أو البرد، وبشد الزنار في وسطه إلا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب.(7) "
وقال ابن حجر الهيتمي: - " ولو شد على وسطه زناراً، ودخل دار الحرب للتجارة كفر ...(8) "
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في حكم لبس الصليب: - " إذا بين له حكم لبس الصليب وأنه شعار النصارى، ودليل على أن لابسه راض بانتسابه إليهم
صـ373
والرضا بما هم عليه وأصر على ذلك، حكم بكفره لقوله عز وجل: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة، آية 51] والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر، وفيه إظهار لموافقة النصارى على ما زعموه من قتل عيسى عليه السلام، والله سبحانه قد نفى ذلك في كتابه فقال: - {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء، آية 157](1) "(1/112)
ومن أخطر صور التشبه بالكفار، وأشدها ضرراً، وأكثرها انتشاراً بين المسلمين ألا وهو مشاركة الكفار في أعيادهم، ولذا فلا بد من وقفة يسيرة مع هذه القضية.
إن مشاركة الكفار في أعيادهم محرمة على أقل الأحوال، لما فيه من الموافقة لهم فيما ليس من ديننا، وعلى خلاف منهج سلفنا الصالح، عدا أن تلك الأعياد من البدع المحدثة (3)، وقد أثنى الله تعالى على عبادة المؤمنين، فوصفهم بقوله سبحانه: - {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان آية 72]، قال بعض السلف: - " الزور: أعياد المشركين.(3) "
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: - ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر.(4) "
يقول ابن تيمية في بيان معنى الحديث:-
" فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: - " إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين " والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل
صـ374
والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما.(5) "
وقد اتفق المسلمون على منع أهل الكتاب من إظهار أعيادهم في دار الإسلام، كما جاء في الشروط العمرية، لما فيه من الفساد، ولإظهار شعائر الكفر.(6)
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: - " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم " (7)
وعن عبد الله بن عمرو (1)رضي الله عنهما قال:- "من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة. (2) "(1/113)
ويعلق ابن تيمية على أثر عبد الله بن عمرو فيقول: - " وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه، فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية؛ لأنه لو لم يكن مؤثراً في استحقاق العقوبة لم يجز جعله جزءاً من المقتضى ...(3) "
وقد ساق ابن تيمية جملة من الاعتبارات المهمة في هذه المسألة منها قوله: -
"إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه: - {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج، آية 67]، كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة (4) في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها
صـ375
من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.(5) "
ويقول أيضاً: - " إنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيداً، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزاد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى، من الهدايا والأفراح، والنفقات وكسوة الأولاد، وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين.(6) "(1/114)
ويقول في موضع ثالث: - " وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض القبائح كانت محرمة، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله، من التبرك بالصليب والتعميد في المعمودية (7)، أو قول القائل: المعبود واحد، وإن كانت الطرق مختلفة، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله، وإما استحسان بعض ما فيها، مما يخالف دين الله، أو التدين بذلك، أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة.(1) "
وإذا تقرر ما سبق إيراده، فنسوق طرفاً من كلام أهل العلم في حكم المشاركة في أعياد الكفار..
يقول ابن تيمية: - " وأما إذا فعل المسلمون معهم (أي أهل الكتاب) أعيادهم مثل صبغ البيض، وتحمير دوابهم بمغرة (2) وبخور، وتوسيع النفقات، وعمل طعام
صـ376
فهذا أظهر من أن يحتاج إلى سؤال، بل قد نص طائفة من العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك على كفر من يفعل ذلك، وقال بعضهم: من ذبح بطيخة في عيدهم فكأنما ذبح خنزيراً.
فليس للمسلم أن يخص خميسهم الحقير لا بتجديد طعام الرز والعدس والبيض المصبوغ وغير ذلك، ولا بالتجمل بالثياب، ولا بصبغ دواب، ولا بنشر ثياب ولا غير ذلك، ومن فعل ذلك على وجه العبادة والتقرب به واعتقاد التبرر به فإنه يعرّف دين الإسلام، وأن هذا ليس منه بل هو ضده، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل. وأما ذبح المسلم لنفسه في أعيادهم إلى وجه القربة فكفر بيّن كالذبح للنصب.(3) "
ويقول الذهبي: - " وقد أوجب الله عليك - يا هذا المسلم - أن تدعو الله تعالى كل يوم وليلة سبع عشرة مرة بالهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.(1/115)
فكيف تطيب نفسك بالتشبه بقوم هذه صفتهم، وهم حطب جهنم؟ ولو قيل لك: تشبه بمسخرة لأنفت من ذلك وغضبت وأنت تشبه بأقلف عابد صليب في عيده، وتكسوه صغارك، وتفرحهم، وتصبغ لهم البيض، وتشتري البخور، وتحتفل بعيد عدوك كاحتفالك بعيد نبيك صلى الله عليه وسلم!
فأين يذهب بك إن فعلت ذلك إلا إلى مقت الله وسخطه إن لم يغفر الله لك إن علمت أن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم كان يحض على مخالفة أهل الكتاب في كل ما اختصوا به (4) "
ويقول محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي:-
" وفي الخلاصة: من أهدى بيضة إلى المجوس يوم النيروز كفر.
وفي الفتاوى الصغرى: - وإن اشترى يوم النيروز شيئاً ولم يكن يشتريه قبل ذلك، إن أراد به تعظيم النيروز كفر، وإن اتفق الشراء ولم يعلم أن هذا اليوم يوم النيروز لا يكفر.(1)"
صـ377
(د) من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان: - إقامة مؤتمرات وتنظيم ملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات، وذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها، وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث (الإسلام والنصرانية واليهودية) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية.
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير، والصهيونية العالمية (2) كما كان للبهائية مشاركة في إيجاد دين يوافق عليه الجميع! (3) "
ويذكر أن من أشهر دعاة وحدة الأديان في العصر الحديث جمال الدين الفارسي، والمشهور بالأفغاني (4)، فقد كان له دور خطير في السعي إلى توحيد الأديان الثلاثة (5)، وتلقف هذه الدعوة من بعده تلميذه محمد عبده (6) فقد كان له مشاركة في التوفيق بين الإسلام والنصرانية (7).
ومن الدعاة لهذه العقيدة الضالة في السنوات الأخيرة: - رجاء جارودي
صـ378
كما هو واضح في رسالته المسماة بـ " وثيقة أشبيلية " (8)(1/116)
وهذه الفكرة الخبيثة قد وجدت قديماً عند ملاحدة الصوفية كابن سبعين (9) وابن هود (1) والتلمساني (2)، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه، فمن ذلك قوله:-
" كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يجعلون أفضل الخلق " المحقق " عندهم، وهو القائل بالوحدة، وإذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهودياً أو نصرانياً، بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذه طرقاً إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين.(3) "
كما وجدت عند التتار، يقول ابن تيمية في ذلك: - " وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين.(4) "
صـ379
ولما كانت الدعوة إلى وحدة الأديان كفراً بواحاً، وردة ظاهرة، يدركها العوام فضلاً عن الخواص، لذا فقد حرص أعداء هذا الدين على إيجاد ذرائع مبطنة واستحداث وسائل مقنعة للوصول إلى مآربهم في هذه القضية، ولذا نجدهم - ابتداء - يجاهرون بضرورة التعايش بين الأديان، والحوار فيما بينها، ثم ينعقون بالحاجة الملحة إلى زمالة الأديان والتقارب فيما بينها من أجل مواجهة قوى الإلحاد والتيارات المادية.
ويأتي " النظام الدولي الجديد " عاملاً رئيساً في إحياء تلك الشجرة الخبيثة، كما هو ظاهر في مثل هذه الأيام القريبة، من كثرة المؤتمرات والملتقيات التي تسعى إلى وحدة و" خلط " الديانات.(1/117)
إن الدعوة إلى وحدة الأديان كفر صريح، لما تتضمنه من تكذيب للنصوص الصحيحة الظاهرة، والتي تقرر - قطعياً - بأن دين الإسلام الكامل، والذي أتم الله به النعمة، ورضيه لنا ديناً، أنه هو الناسخ لما سبقه من ديانات اعتراها التحريف والتبديل، قال تعالى: - {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران، آية 85]، كما أن هذا القرآن حجة على كل من بلغه.
يقول تعالى: - {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغ} [الأنعام، آية 19] كما أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم للثقلين كافة، قال تعالى: - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف، آية 158].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء، آية 107].
كما أن الدعوة إلى وحدة الأديان عبارة عن إنكار لأحكام كثيرة معلومة الدين بالضرورة، منها: - استحلال موالاة الكفار، وعدم تكفيرهم، وإلغاء الجهاد في سبيل الله تعالى وتوابعه.. الخ.
وقد حرم الله تعالى موالاة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فقال سبحانه: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} [المائدة، آية 51].
وخص سبحانه الولاية بقوله تعالى: - {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [المائدة، آية 55]. وقد شهد الله تعالى عليهم بالكفر في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران، آية 70].
صـ380
وقال تعالى: - {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة، آية 1].(1/118)
يقول ابن حزم: - " واتقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً، واختلفوا في تسميتهم مشركين.(1) "
ويقول القاضي عياض: - " ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.(2) "
وتتضمن دعوة وحده الأديان تجويزاً وتسويغاً لاتباع غير دين الإسلام، وهذا كفر يناقض الإيمان، فمن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
يقول ابن تيمية: - " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، او اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب.(3) "
وفي نهاية هذه المسألة نقول: - " إن من يحدّث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان وما مثله إلا كما قيل:-
أيها المنكح الثريا سهيلا……عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت……وسهيل إذا استقل يمان(4)
ص381
3-وأما مظاهرة الكفار على المسلمين، فالمقصود بها أن يكون أولئك أنصاراً وظهوراً وأعواناً للكفار ضد المسلمين، فينضمون إليهم، ويذبون عنهم بالمال والسنان والبيان، فهذا كفر يناقض الإيمان.(1) "
وهذا ما يسميه بعض العلماء بـ " التولي " ويجعلونه أخص من عموم الموالاة، كما هو عند بعض أئمة الدعوة السلفية في نجد (2) مع أن جمهوراً من المفسرين يفسرون التولي بالموالاة، فعلى سبيل المثال نذكر ما يلي: -
يقول ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة، آية 23]: - " أي والاهم واتبعهم في أغراضهم.(3) "(1/119)
ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله عز وجل: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ..} [الممتحنة، آية 13].
" ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر هذه السورة، كما نهى عنها في أولها فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا..} فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء. (4) "
ويقول البيضاوي عند تفسيره لقوله سبحانه: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51] " أي من والاهم منكم، فإنه في جملتهم، وهذا للتشديد في وجوب مجانبتهم. (5) "
وما يؤكد أن التولي يكون بمعنى المولاة، ما جاء في لغة العرب، فإن التولي والموالاة من مادة واحدة وهي: ولي بمعنى قرب، والولي: الناصر ضد العدو.(6)
صـ382
ولذا فإن شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى - في عدة مواضع من تفسيره - يفسر معنى اتخاذ الكفار أولياء بمعنى جعلهم أنصاراً (7)، وهو بمعنى توليهم.
وإذا كان التولي بمعنى الموالاة، فكما أن موالاة الكفار ذات شعب متفاوتة، منها ما يخرج من الملة كالموالاة المطلقة لهم، ومنها ما دون ذلك ... فإن تولي الكفار مثل موالاتهم، فهناك التولي المطلق التام الذي يناقض الإيمان بالكلية، وهناك مراتب دون ذلك.(8)
ولذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي عند تفسيره لقوله تعالى:-
{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة، آية 9]: - " وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ وما هو دونه.(1) "
ويقول عند تفسيره لقوله تعالى: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51].
" إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم.(2) "(1/120)
وعلى كل، فلا مشاحة في الاصطلاح، فالمهم أن مظاهرة الكفار، ونصرتهم والذب عنهم، يناقض الإيمان سواء سمي ذلك تولياً أم موالاة.
إن مظاهرة الكفار ضد المسلمين خيانة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، قال تعالى:- {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ {80} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة، آية 80، 81].
صـ383
فتولى الكفار موجب لسخط الله تعالى، الخلود في عذابه، ولو كان متوليهم مؤمناً ما فعل ذلك.
يقول الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: - {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران، آية 28].
" ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهوراً وأنصاراً، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر.(3) "
وتضمنت رسالة " الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك " للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم تعالى أكثر من عشرين دليلاً في النهي عن موالاة الكفار، فكان مما قاله الشيخ سليمان:-
" قوله تعالى: - {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر، آية 11](1/121)
فإذا كان وعد المشركين في السر - بالدخول معهم ونصرتهم والخروج معهم إن جلوا - نفاقاً وكفراً وإن كان كذباً، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقاً، وقدم عليهم، ودخل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصرهم وانقاد لهم، وصار من جملتهم وأعانهم بالمال والرأي؟ هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفاً من الدوائر كما قال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} [المائدة، آية 52].(1)
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - عن هذه المسألة -: " وأما قوله {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51] وقوله: - {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة، آية 22 وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة، آية 57]. فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة ...(2) "
وقد يخلط البعض بين مسألة تولي الكفار ومظاهرتهم، وبين مسألة الاستعانة بهم في قتال الكفار ... فالمسألة الأولى خروج عن الملة، ومحاربة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومفارقة لسبيل المؤمنين، يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عن ذلك: - " وأكبر ذنب وأصله وأعظمه منافاة لأصل الإسلام ونصرة أعداء الله ومعاونتهم، والسعي فيما يظهر به دينهم، وما هم عليه من التعطيل والشرك والموبقات العظام.(3) "(1/122)
وأما مسألة الاستعانة بهم في قتال كفار آخرين ... فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، فهناك من منعها، وهناك من أجازها بشروط كأن يحتاج إليهم، وتؤمن خيانتهم، وأن لا يكونوا أصحاب صولة وشوكة ... الخ (4)، وأما الاستعانة بالكفار على بغاة المسلمين فهذه ممنوعة عند جماهير علماء الإسلام.(5)
ونورد كلاماً لابن حزم في هذه القضية حيث يقول:-
" قد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب، فقد أبق عن الله تعالى، وعن إمام المسلمين وجماعتهم، ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم أنه برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر (6)، قال تعالى : - {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة، آية 71].
صـ385
فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها، من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه وغير ذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم. وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم عليه ولم يجد في المسلمين من يجيره،فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره.(1) "
-إلى أن قال - وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين، وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً؛ لأنه لم يأت شيئاً أوجب به عليه كفراً: قرآن أو إجماع، وإن كان حكم الكفار جارياً عليه فهو بذلك كافر، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافراً والله أعلم.(2) "
4 - والآن نورد جملة من الاعتبارات التي تجعل مظاهرة الكفار على المسلمين ناقضاً من نواقض الإيمان:-(1/123)
(أ) يقول الله تعالى: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة، آية 51].
فبين الله تعالى أن من فعل ذلك فهو منهم أي من أهل دينهم وملتهم، فله حكمهم.
يقول الطبري في تفسير هذه الآية: - " من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه.(3)
صـ386
ويقول الطبري في تفسيرها: - " قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ} فإنه أي يعضدهم على المسلمين {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} بين أن حكمه حكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة.(4) "
ويقول ابن حزم: - " صح أن قوله تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51]، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.(5) "
ويقول القاسمي في تفسيره: - {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}: أي جملتهم، وحكمه حكمهم، وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة.(1) "
إضافة إلى ذلك فإن الله تعالى ذكر بعد هذه الآية، قوله سبحانه {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة، آية 51].
وفي آية أخرى يقول عز وجل {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة، آية 23] والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر (2)، فدل هذا على أن مظاهرة الكفار على المسلمين خروج عن الملة.(1/124)
(ب) ولا ريب أن مظاهرة الكفار على المسلمين تناقض الإيمان، وتنافيه بالكلية، فمثل هذه الموالاة تتضمن بغضاً لدين الله تعالى، وحرباً لعباد الله الصالحين، ونصرة للكفار ... ولا شك أن الإيمان لا يمكن أن يجتمع مع هذه الموالاة كما قال تعالى: -
{تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ {80} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة، آية 80، 81]
صـ387
فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم، كما سجل على من تولى الكافرين بالمذمة وحلول السخط عليهم والخلود في العذاب.(3) "
يقول ابن تيمية عن هذه الآيات: - " فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف " لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال:-} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء} فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله وما أنزل إليه.
ومثله قوله تعالى: - {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هم منهم، والقرآن يصدق بعضه بعضاً.(4) "
ويقول الشيخ سليمان عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في ذلك: -(1/125)
" قوله تعالى: - {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة، آية 22].
أخبر تعالى أنك لا تجد من يؤمن بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب، وأن هذا مناف للإيمان مضاد له، لا يجتمع هو والإيمان إلا كما يجتمع الماء والنار.(1) "
(ج) جاء النص القرآني مقرراً براءة الله تعالى ممن ظاهر الكفار، فقال تعالى: - {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران، آية 28].
ويقول البيضاوي عند هذه الآية: - {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} [أي اتخاذهم أولياء، {فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} أي من ولايته في شيء يصح أن يسمى ولاية، فإن موالاة المتعاديين لا يجتمعان.(2) "
ويقول الشوكاني في تفسير هذه الآية: - " قوله {لاَّ يَتَّخِذِ} فيه النهي عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ... وقوله: {مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ} في محل الحال: أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالاً أو اشتراكاً ... ومعنى قوله {فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} أي من ولايته في شيء من الأشياء، بل هو منسلخ عنه بكل حال.(3) "(1/126)
(د) إن مظاهرة أعداء الله تعالى كفر نفاق، وقد حكم الله تعالى بذلك في قوله عز وجل: - {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً {88} وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ...} [النساء، آية 88 , 89].
وذلك أن قوماً كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا إن لقينا أصحاب محمد عليه السلام فليس علينا منهم بأس، وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله أو كما قالوا تقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا، ويتركوا ديارهم، تستحل دماؤهم وأموالهم لذلك، فكانوا كذلك فئتين ... فنزلت الآية تقرر نفاقهم وكفرهم وأن الله تعالى أركسهم أي ردهم إلى أحكام أهل الشرك في إباحة دمائهم وسبي ذراريهم (4).
صـ389
إن مظاهرة الكفار على المسلمين خصلة من خصال المنافقين، وشعبة من شعب النفاق، كما جاء بيان ذلك في كثير من نصوص القرآن الكريم.
قال تعالى: - {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [النساء، آية 138، 139].(1/127)
وقال سبحانه: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {14} أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المجادلة، آية 14، 15].
وقال عز وجل: - {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر، آية 11].
وقال سبحانه: - {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} [المائدة، آية 52].
يقول ابن جرير في تفسير الآية الأخيرة: - " هذا خبر عن ناس من المنافقين كانوا يوالون اليهود والنصارى، ويغشون المؤمنين، ويقولون نخشى أن تدور دوائر إما لليهود والنصارى، وإما لأهل الشرك من عبدة الأوثان، أو غيرهم على أهل الإسلام، أو تنزل بهؤلاء المنافقين فيكون بنا إليهم حاجة، وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد الله بن أبي، ويجوز أن يكون كان من قول غيره، غير أنه لا شك أنه من قول المنافقين.(1) "
وسئل الشيخ سليمان ين عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عمن أظهر علامات النفاق ممن يدعي الإسلام، هل يقال عنه أنه منافق أم لا؟
فأجاب رحمه الله: - " من ظهرت منه علامات النفاق الدالة عليه كارتداده عند التحزيب على المؤمنين وخذلانهم عند اجتماع العدو، كالذين قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وكونه إذا غلب المشركون التجأ إليهم، ومدحه للمشركين بعض الأحيان، وموالاتهم من دون المؤمنين، وأشباه هذه العلامات التي ذكر الله أنها علامات للنفاق، وصفات للمنافقين، فإنه يجوز إطلاق النفاق عليه وتسميته
صـ390(1/128)
منافقاً ...(2) "
5. ونختم هذا المبحث بإيراد جملة من كلام أهل العلم في هذه المسألة:-
يقول ابن تيمية: - " فمن قفز منهم إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار، فإن التتار فيهم المكره وغير المكره، وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة. (3) "
يقول ابن القيم: - " إنه سبحانه قد حكم، ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم. (1) "
وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - مظاهرة الكفار ضد المسلمين ضمن نواقض الإسلام، فقال: -
الناقض الثامن: - مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة، آية 51](2) "
ويقول الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ (3):-
" التولي كفر يخرج من الملة، وهو كالذب عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي.(4)
صـ391
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز: - " وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51](5)
ص392
الفصل الثاني
نواقض الإيمان العملية في النبوات
في هذا الفصل سنورد مثالاً واحداً على ما يناقض الإيمان بالنبوات، وهو الاستهانة بالمصحف.(1/129)
ونذكر ابتداء بما هو معلوم عند كل مسلم من وجوب الإيمان بالقرآن الكريم وتصديقه واتباعه، فالقرآن كلام الله تعالى، ولا يماثل شيئاً من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، فيجب تعظيمه وإجلاله، وتلاوته حق تلاوته، والذب عنه أمام تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
فهذا القرآن العظيم هو كلام الله عز وجل {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة، آية 6]،
وقال تعالى: - {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [النساء، آية 122، وهو حق، ونزل بالحق قال سبحانه {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء، آية 105].
وقال تعالى: - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [يونس، آية 13]
وهذا القرآن قول فصل، لا باطل ولا لعب: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ {13} وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق، آية 13]
ومن ثم فيتعين توقير هذا الكتاب والقيام بإجلاله وتقديره تحقيقاً للإيمان بالقرآن، وتنفيذاً للنصيحة لكتابه تعالى.
والاستهانة بالمصحف تناقض هذا الإيمان، وتنافيه بالكلية، والمقصود بالاستهانة - هاهنا - الاستخفاف والاستهزاء والاحتقار.(1) والاستهانة بالمصحف قد تكون أقوالاً (2)، وقد تكون أعمالاً.
صـ393
والاستهانة العملية بالقرآن الكريم أن يفعل عامداً ما يتضمن احتقاراً أو استخفافاً بهذا القرآن، أو إسقاطا لحرمته، ولهذه الاستهانة عدة أمثلة منها: - أن يضع المصحف تحت قدمه، أو يلقيه في القاذورات، أو يسعى إلى تغييره وتبديله بزيادة أو نقصان.(1/130)
وسنتحدث بشيء من التفصيل عن مسألة التبديل في آيات الكتاب إما بزيادة أو نقصان، نظراً لظهور هذا الكفر ووقوعه وانتشاره عند الفرق المنحرفة، كالباطنية مثلاً والتي تنتسب للإسلام زوراً وبهتاناً.
لقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه عن كل ما لا يليق من زيادة، أو نقصان، أو تصحيف أو تحريف ونحوه، ومن ثم فإن هذا القرآن لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض.
ولذا فإن المناسب أن نورد بعض النصوص الشرعية التي تقرر حفظ الله تعالى لكتابه العزيز، ونسوق أقوالاً مختارة لبعض الأئمة في ذلك.
يقول الله تعالى:-
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء، آية 82]
يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية:-
" يعني جل ثناؤه بقوله أفلا يتدبرون القرآن، أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله فيعملوا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم لاتساق معاينة، وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضاً بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض.(1)
ويقول ابن عطية:-
" قوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} هذا أمر بالنظر والاستلال ثم عرف تعالى، بمواقع الحجة، أي لو كان من كلام البشر لدخله ما في كلام البشر من القصور وظهر فيه تناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه، إذ ذلك موجود
صـ394
في كلام البشر والقرآن منزه عنه إذ هو كلام المحيط بكل شيء علماً.
فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافاً في شيء من كتاب الله، فالواجب أن يتهم نظره ويسأل من هو أعلم منه.(2) "
ويقول محمد رشيد رضا:-(1/131)
" وإن تعجب فعجب أن تمر السنون والأحقاب، وتكر القرون والأجيال، وتتسع دوائر العلوم والمعارف، وتتغير أحوال العمران ولا تنقض كلمة من كلمات القرآن، لا في أحكام الشرع، ولا في أحوال الناس وشؤون الكون، ولا في غير ذلك من فنون القول.(3) "
ويقول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر، آية 9].
يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية:- " يقول تعالى ذكره إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن وإنا له لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه (4) "
ويقول أبو السعود: - {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من كل ما لا يليق به فيدخل فيه تكذيبهم له واستهزاؤهم به دخولاً أولياً، فيكون وعيداً للمستهزئين، وأما الحفظ عن مجرد التحريف والزيادة والنقص وأمثالها فليس بمقتضى المقام، فالوجه الحمل على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه، والمجادلة في حقيته، ويجوز أنه يراد حفظه بالإعجاز دليلاً على التنزيل من عنده تعالى، إذ لو كان من عند غير الله لتطرق عليه الزيادة والنقص والاختلاف.(5)
ويقول الآلوسي: - {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، أي من كل ما يقدح فيه كالتحريف والزيادة والنقصان وغير ذلك، حتى إن الشيخ المهيب لو غير نقطة يرد عليه الصبيان ويقول من كان: الصواب كذا.
صـ395
ولم يحفظ سبحانه كتاباً من الكتب كذلك، بل استحفظها جل وعلا الربانيين والأحبار فوقع فيها ما وقع، وتولى حفظ القرآن بنفسه سبحانه فلم يزل محفوظاً أولاً وآخراً.(1) "(1/132)
وعقد الإمام البخاري (2) - في صحيحه - باباً بعنوان: " باب من قال لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين "وساق بسنده إلى عبد العزيز بن رفيع حيث قال: - " دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين (3)؛ قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية (4) فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. (5)
يقول الحافظ ابن حجر: - " وهذه الترجمة للرد على من زعم أن كثيراً من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي، واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتاً في القرآن وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة؛ لأنهم لم يكتموا مثل: - " أنت عندي بمنزلة هارون من موسى " (6) وغيرها من الظواهر التي قد يمسك بها من يدعي إمامته.(7)
صـ396
ويقول الشاطبي: - " إن هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة.
ويتبين ذلك من وجهتين:-
أحدهما: - الأدلة الدالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً، كقوله تعالى: - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر آية 9، وقوله: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود، آية 1]
والثاني: - الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وذلك أن الله عز وجل وفر دواعي الأمة للذب عن الشريعة، والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل.
أما القرآن الكريم فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر، فضلاً عن القراء الأكابر.(1) "
وتحدث ابن حزم عما يجب اعتقاده في مسألة حفظ الله تعالى لكتابه فقال:-(1/133)
" إن القرآن المقروء المكتوب في المصاحف حق نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه كلام الله عز وجل، حقاً لا مجازاً، وهو علم الله تعالى، وأنه محفوظ لم يغير منه شيء ولا حرف، ولا زيد فيه حرف فما فوقه، ولا نقص منه حرف فما فوقه، قال الله عز وجل: - {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء، آية 193 , 194]، وقال تعالى:- {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت، آية 49].
وقال تعالى:- {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ {77} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ {78} لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ {79} تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة، آية 77-79].
وقال تعالى: - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر، آية 9].
فمن قال إن القرآن نقص منه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف، أو زيد فيه حرف، أو بدل منه حرف، أو أن هذا المسموع أو المحفوظ أو المكتوب أو المنزل ليس هو القرآن، أو قال: إن القرآن لم ينزل به جبريل صلى الله عليه وسلم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه ليس هو كلام الله تعالى
صـ397
فهو كافر، خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أهل الإسلام.(2)
3. إن الاستهانة بالقرآن ناقض من نواقض الإيمان لجملة من الاعتبارات نذكر منها ما يلي:-
(أ) أن الاستهانة بالمصحف تناقض الإيمان، فالإيمان مبني على إجلال الله تعالى وتعظيم كلامه، والاستهانة استخفاف واستهزاء، يقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} [التوبة، آية 65 , 66] والإيمان انقياد وخضوع، والاستهانة بالمصحف لا تجتمع مع هذا الانقياد والخضوع، فمن استهان بالمصحف، امتنع أن يكون منقاداً لأمر الله تعالى.(1/134)
يقول ابن تيمية: - " إن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدان، فمتى حصل في القلب أحدهما، انتفى الآخر فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد.(3) "
(ب) أن الله تعالى توعد من اتخذ آياته هزواً بالعذاب المهين، ولم يجئ إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار.(4)
كما توعد أولئك المستهينين بآياته بالخلود في النار. فقال تعالى: - {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [الجاثية، آية 9]
وقال سبحانه: - {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ {34} ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الجاثية، آية 34 , 35].
(ج) أن الاستهانة بالمصحف تكذيب لله تعالى في خبره، ومناقضة لما أمر الله تعالى به من تعظيم كلامه عز وجل، والاستهانة بالقرآن استهانة بمن تكلم به تعالى.(1)
يقول الله تعالى: - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر، آية 9]
صـ398
ويقول سبحانه: - {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {82}} [النساء، آية 82].
وقال تعالى: - {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء، آية 88].(1/135)
وقال سبحانه: - {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج، آية 52] فأخبر تعالى أنه يحفظ آياته، ويحكمها حتى لا يخالطها غيرها ولا يداخلها التغيير ولا التبديل (2)
فمن استهان بالمصحف سواء كان بتحريف، أو تصحيف أو زيادة، أو نقص فهو مكذب بمثل الآيات الكريمة التي سبق ذكرها، ولقد حكم الله تعالى - ولا معقب لحكمه - لكفر على من جحد آياته، وأخبر تعالى بأنه لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله تعالى، وأنهم لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة، كما سبق إيراده.(3) "
يقول الحليمي (4): - إن الله حفظ القرآن، فقال عند ذكره {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر آية 9]. وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ {41}لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت، آية 42].
فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن أو نقصانه منه، أو تحريفه أو تبديله، فقد كذب الله في خبره، وأجاز الوقوع فيه، وذلك كفر.(5) "
ويقول القرطبي:-
" لا خلاف بين الأمة ولا بين الأئمة أهل السنة أن القرآن اسم لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له، وأنه محفوظ في الصدور،
صـ399(1/136)
مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف، معلومة على الاضطرار سوره وآياته، مبرأ من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بحد، ولا في حصره بعد، فمن ادعى زيادة عليه أو نقصاناً منه فقد أبطل الإجماع، وبهت الناس، ورد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن المنزل عليه، ورد قوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء، آية 88]، وأبطل آية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا ذاك يصير القرآن مقدوراً عليه، حين شيب بالباطل، ولما قدر عليه لم يكن حجة ولا آية، وخرج عن أن يكون معجزاً.(1) "
(د) أن الاستهانة بالمصحف - تحريفاً أو تبديلاً - استهانة بالدين، وهدم لأصول هذه الشريعة وفروعها، وهو طعن في تمام دين الإسلام وكماله.
ولذا يقول ابن حزم: - " والدين قد تم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه، ولا يبدل.
قال تعالى: - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة، آية 3]
وقال تعالى: - {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} [يونس، آية 64}، والنقص والزيادة تبديل.(2) "
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " ومن اعتقد عدم صحة حفظه {أي المصحف} من الإسقاط، واعتقد ما ليس منه أنه منه قد كفر، ويلزم من هذا رفع الوثوق بالقرآن كله، وهو يؤدي إلى هدم الدين، ويلزمهم عدم الاستدلال به، والتعبد بتلاوته، لاحتمال التبدل، ما أخبث قول قوم يهدم دينهم.(3) "
وعندما تحدث محمود شكري الآلوسي (4) عن القرآن الكريم، وأنه محفوظ
صـ400(1/137)
عن الزيادة والنقصان، ثم ذكر معتقد الإثني عشرية في القرآن ... قال بعد ذلك:- " والحق ما ذهب إليه أهل السنة وجمهور الفرق الإسلامية أنه ليس في القرآن تحريف ولا نقصان، وذلك لأن الله تعالى قال: - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر، آية 9].
وإذا كان الله تعالى الحافظ له، كيف يتمكن أحد من تحريفه، لأن تبليغ القرآن كان واجباً على الرسول عليه الصلاة والسلام إلى كافة الناس، أو بمن اتبعه ...
ولم يزل المسلمون يتعبدون بتلاوته آناء الليل، وأطراف النهار، ويرون ذلك من أفضل الطاعات والأعمال من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى زمننا هذا، وكل ما في هذا شأنه لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه، ولأنه لو كان فيه تحريف بتغيير أو نقصان لم يبق وثوق بالأحكام.(1) "
(هـ) أجمع العلماء على كفر من استهان بالمصحف، وخروجه عن الملة، وقد نقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم (2) ونورد هاهنا ما يلي:-
ذكر ابن حزم أن العلماء اتفقوا على: " أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفاً من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفاً، أو بدل منه حرفاً مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمداً لكل ذلك عالماً بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر.(3) "
ويقول أيضاً: - " إن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامداً وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك، أو أسقط كلمة عمداً كذلك، أو زاد فيها كلمة عامداً فإنه كافر بإجماع الأمة كلها.(4) "
ويقول القاضي عياض: - " اعلم أن من استخف بالقرآن، أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبهما، أو جحده، أو حرفا منه، أو آية، أو كذب به، أو بشيء
صـ401(1/138)
منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال تعالى: - {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت، آية 42].(5) "
4.وفي نهاية هذا الفصل نذكر جملة من كلام العلماء في هذه المسألة:-
يقول ابن حزم - في الرد على اعتراض النصارى بأن الروافض يزعمون أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بدلوا القرآن ...:- " وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن، فإن الروافض ليسوا من المسلمين.(6) "
وقال محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي:_ " من استخف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع كفر، ومن وضع رجله على المصحف حالفاً استخفافاً كفر.(1) "
وذكر الدردير أن من موجبات الردة:: " إلقاء مصحف أو بعضه ولو كلمة، وكذا حرقه استخفافاً لا صوناً، ومثل إلقائه، وتركه بمكان قذر، ولو طاهراً كبصاق أو تلطيخه به ... ومثل المصحف الحديث، وأسماء الله تعالى وكتب الحديث، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة.(2) "
وقال النووي:- " الأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كإلقاء المصحف في القاذورات.(3) "
وقال قليوبي شارحاً قول النووي: - " إلقاء مصحف بقاذورة ": - " قوله كإلقاء مصحف بقاذورة " بالفعل أو بالعزم والتردد فيه ومسه بها كإلقائه فيها، وألحق بعضهم به وضع رجله عليه ونوزع فيه، والمراد بالمصحف ما فيه قرآن ومثله
صـ402
الحديث، وكل علم شرعي وما عليه اسم معظم، قال شيخنا الرملي: ولا بد في غير القرآن من قرينة تدل على الإهانة وإلا فعلا، وشملت القاذورة الطاهرة كبصاق ومخاط ومني.(4) "(1/139)
وعد البهوتي من نواقض الإسلام ما يلي: - " أو وجد منه امتهان القرآن، أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مختلف، أو مقدور في مثله، أو إسقاط حرمته كفر؛ لقوله تعالى: - {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر، آية 21] وقوله: - " {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء، آية 82] وقوله {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [ الإسراء، آية 88]. (5)
صـ403
الباب الثالث:
نواقض الإيمان المختلف فيها القولية والعملية
صـ404
في البابين السابقين كان الحديث شاملاً للنواقض القولية والعملية المتفق عليها بين أهل السنة.
وفي هذا الباب سنتحدث عن أمثلة مهمة على نواقض الإيمان المختلف فيها بين أهل السنة أيضاً، وسيظهر من خلال عرض أكثر تلك المسائل أن الخلاف فيها يسير، وذلك عند تحقيق معاني تلك النواقض، ومعرفة تفاصيل مجملها، وتنوع احتمالاتها.
صـ405
الفصل الأول: النواقض القولية
المبحث الأول: (سب الصحابة رضي الله عنهم)?
1- في مطلع هذا المبحث نشير إلى ما يجب علينا نحو الصحابة رضي الله عنهم، فالواجب علينا أن نحبهم ونجلهم ونترضى عنهم، وننزلهم المنزلة اللائقة بهم من غير إفراط ولا تفريط، كما ينبغي أن تسلم قلوبنا وألسنتنا نحوهم، وأن نمسك عما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
يقول الله تعالى:- {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة، آية 100](1/140)
ويقول سبحانه: - {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح، آية 29].
ويقول عز وجل: - {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر، آية 8 , 9] وقال صلى الله عليه وسلم: - " لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل
صـ406
أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه (1) "
وقد قرر علماء أهل السنة في مؤلفاتهم - اتباعاً لما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - الواجب نحو الصحابة رضي الله عنهم وإليك أمثلة من تقريراتهم على النحو التالي:-(1/141)
فذكر الحميدي رحمه الله تعالى أن من السنة: - " الترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم فإن الله عز وجل قال: - {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر، آية 10]، فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو تنقضهم، أو أحداً منهم فليس على السنة، وليس له في الفيء حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس.(1) "
وقال الطحاوي في عقيدته المشهورة: - " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بالخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.(2) "
ويقول ابن بطة - في هذه المسألة: - " ويشهد لجميع المهاجرين والأنصار بالجنة والرضوان والتوبة والرحمة من الله، ويستقر علمك وتوقن بقلبك أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم وشاهده وآمن به واتبعه ولو ساعة من نهار أفضل ممن لم يره، ولم يشاهده ولو أتى بأعمال الجنة أجمعين، ثم الترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم، وأولهم وآخرهم، وذكر محاسنهم ونشر فضائلهم، والاقتداء بهديهم، والاقتفاء لآثارهم.(3) "
صـ407
ويذكرهم ابن بطة المسلك الصحيح تجاه النزاع بين الصحابة، فيقول: -
" ونكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل، فقد غفر الله لهم، وأمرك بالإستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم، وفرض ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولا تنظر في كتاب صفين والجمل، ووقعه الدار وسائر المنازعات التي جرت بينهم، ولا تكتبه لنفسك، ولا لغيرك، ولا تروه عن أحد، ولا تقرأ على غيرك، ولا تسمعه ممن يرويه، فعلى ذلك اتفاق سادات علماء هذه الأمة من النهي عما وصفناه.(4) "(1/142)
ويقول أبو نعيم (5): " فالواجب على المسلمين في أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم إظهار ما مدحهم الله تعالى به وشكرهم عليه من جميل أفعالهم، وجميل سوابقهم، وأن يغضوا عما كان منهم في حال الغضب والإغفال وفرط منهم عند استزلال الشيطان إياهم.
ونأخذ في ذكرهم بما أخبر الله تعالى به فقال تعالى: - {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر، آية 10]، فإن الهفوة والزلل والغضب والحدة والإفراط لا يخلو منه أحد، وهو لهم غفور، ولا يوجب ذلك البراءة منهم، ولا العداوة لهم، ولكن يحب على السابقة الحميدة، ويتولى للمنقبة الشريفة.
-إلى أن قال -: فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزللهم، ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة إلا مفتون القلب في دينه.(1) "
صـ408
ومما سطره شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (2) في رسالته " عقيدة أصحاب الحديث ":- " ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم، ويرون الترحم على جميعهم، والموالاة لكافتهم، وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين.(3) "(1/143)
وجاء في " العقيدة الواسطية " ما يلي:- " ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: - {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر، آية 10]، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (4) " ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم.(5) "
ثم قال: - " ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساويهم، منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذرون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون. (6) "
-إلى أن قال - " ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما
صـ409
من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله.(7) "
وبهذا يعلم عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم، وأنه لا يعدلها شيء، وأن حبهم طاعة وإيمان وبغضهم معصية ونفاق، وأن من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل فإن بغض الصحابة أو سبهم من صفات المبتدعة كما هو ظاهر - مثلاً - عند الرافضة والخوارج.
2 - وإذا تقرر واجبنا تجاه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإننا ننتقل إلى الحديث عن حكم سب الصحابة رضي الله عنهم.(1/144)
وابتداء نذكر بمعنى السب، فهو الشتم وكل كلام قبيح يوجب الإهانة والتنقص والاستخفاف.(1) "
واختلف العلماء فيمن سب الصحابة رضي الله عنهم، وهل يكفر بذلك؟(2)
وذلك أن سب الصحابة ليس على مرتبة واحدة، بل له مراتب متفاوتة، فإن سب الصحابة أنواع ودركات، فمنها سب يطعن في عدالتهم، ومنها سب لا يوجب الطعن في عدالتهم، وقد يكون السب لجميعهم، وأكثرهم وقد يكون لبعضهم، وهناك سب لمن تواترت النصوص بفضله، ومنهم دون ذلك.
وسنورد جملة من أنواع سب الصحابة رضي الله عنهم مما يعد ناقضاً من نواقض الإيمان على النحو التالي:-
أ - إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر (3)، فمن المعلوم أن جميع الصحابة رضي الله عنهم عدول، وقد أجمع العلماء على عدالتهم، لما جاء في الكتاب والسنة من الثناء الحسن عليهم، المدح لهم ونقل هذا الإجماع
صـ410
جمع كثير من العلماء، منهم النووي حيث يقول:-
" وكلهم عدول رضي الله عنهم، ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحداً منهم عن العدالة ...
-إلى أن قال - ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين.(4) "
ويقول ابن الصلاح (5) في مقدمته: - " للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.
-إلى أن قال - ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، نظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه أتاح الإجماع على ذلك، لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم.(1) "(1/145)
ويقول ابن كثير: - " والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.(2) "
وقد تقرر أن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بالكتاب والسنة، قال تعالى:- {وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات، آية 12].
قال ابن تيمية: - " وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتاباً.(3) "
وقال عز وجل: - {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران، آية 119].
صـ411
قال ابن تيمية: - " ومحبة الشيء كراهته لضده، فيكون الله يكره السب لهم الذي هو ضد الاستغفار، والبغض لهم الذي هو ضد الطهارة.(4) "
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.(5) "
فسب الصحابة كبيرة من كبائر الذنوب، لما ترتب عليه من الوعيد باللعنة (6)، واستحلال سبهم إنكار لما علم تحريمه من الدين بالضرورة، ومن ثم فهو خروج عن الملة.(7) "
ولذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:-
" فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم والأحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على كمالهم ... فمن اعتقد حقية سبهم وإباحته، أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم، أو حليته فقد كفر بالله تعالى ورسوله فيما أخبر من فضائلهم ...
- إلى أن قال - فإن اعتقد حقية سبه أو إباحته فقد كفر، لتكذيبه ما ثبت قطعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكذبه كافر.(8) "
(ب) ومما يناقض الإيمان: - أن يسب جميع الصحابة، أو جمهورهم سباً يقدح في دينهم وعدالتهم، كأن يرميهم بالكفر، أو الفسق، أو الضلال، وبيان ذلك من خلال النقول الآتية:-
يقول القاضي عياض: - " وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى
صـ412(1/146)
تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة، كقول الكميلية (1) من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ... لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن، إذ ناقلوه كفرة على زعمهم، وإلى هذا - والله أعلم - أشار مالك في أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة.(2) "
ويقول ابن تيمية: - " وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب في كفره؛ لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران، آية 110]، وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.(3) "
ويقول السبكي: - " إن سب الجميع لا شك أنه كفر ... وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي: وبغضهم كفر، فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر. (4) "
ويقول ابن كثير: - " ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك [أي كتمان الوصية لعلي بالخلافة ...] فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة، رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضادته في حكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام ...(5) "
صـ413
ويقول ابن حجر الهيتمي: - " إن تكفير جميع الصحابة كفر؛ لأنه صريح في إنكار جميع فروع الشريعة الضرورية فضلاً عن غيرها ...(6) "(1/147)
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن القول بارتداد الصحابة عدا خمسة أو ستة نفر هو: " هدم لأساس الدين؛ لأن أساسه القرآن والحديث، فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر، وقع الشك في القرآن والأحاديث.(1) "
ويقول أيضاً: -: ومن نسب جمهور أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى الفسق والظلم، وجعل اجتماعهم على الباطل فقد أزرى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وازدراؤه كفر.(2) "
ويقول محمد العربي بن التباني المغربي (3):-
" كيف يؤمن بنصوص القرآن من يكذب بوعده تعالى لهم بالحسنى، وبإعداده لهم المنازل الرفيعة في الجنة، وبرضاه عنهم بزعمه أنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام، فعقيدة هذه الطائفة [يعني الرافضة] في جل سادات هذه الأمة لا تخرج عن أمرين: - إما نسبة الجهل إليه تعالى، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى بها على الصحابة رضوان الله عليهم، تقدس ربنا وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ... ولا خلاف بين كل من يؤمن بالقرآن وله عقل سليم أن نسبة الجهل أو العبث إليه تعالى كفر بواح.(4) "
ويمكن أن نلحق بهذا النوع من السب - وإن كان أشنع مما سبق - فيما لو سب الصحابة رضي الله عنهم من أجل صحبتهم ونصرتهم لدين تعالى، ولو كان
صـ414
واحداً..، وإليك ما يبين ذلك من كلام أهل العلم.
يقول ابن حزم: - " ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لأنه وجد الحرج في نفسه مما قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان بأيديهم، ومن عادى علياً لمثل ذلك فهو أيضاً كافر.(5) "
ويقول السبكي: - " إن سب الجميع بلا شك أنه كفر، وهكذا إذا سب واحداً من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة، ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شك في كفر الساب.(1/148)
-إلى أن قال - ولا شك أنه لو أبغض واحداً منهما (أي الشيخين أبي بكر وعمر) لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة، إذا أبغضه لصحبته كان كافراً قطعاً.(6)
ومما أورده الحافظ ابن حجر عند شرحه لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: - " آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار " (1) حيث قال رحمه الله: - " فمن أبغضهم من جهة هذه الصفة - وهي كونهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أثر ذلك في تصديقه، فيصح أنه منافق، ويقرب هذا زيادة أبي نعيم في المستخرج في حديث البراء بن عازب: - " من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم (2) "، وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد رفعه: - " لا يبغض الأنصار رجل يؤم بالله واليوم الآخر " (3)، (4) "
صـ415
ويوضح العيني (5) هذا المعنى فيقول: - " المقصود من الحديث الحث على حب الأنصار وبيان فضلهم لما كان منهم من إعزاز الدين، وبذل الأموال والأنفس والإيثار على أنفسهم والإيواء والنصرة، وغير ذلك، وهذا جار في أعيان الصحابة كالخلفاء وبقية العشرة، والمهاجرين، بل في كل الصحابة، إذ كل منهم له سابقة وسالفة وغناء في الدين وأثر حسن فيه، فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان، وبغضهم محض النفاق.(6) "
ويقول الصاوي: - " وأما من كفر جميع الصحابة فإنه يكفر باتفاق، كما في الشامل؛ لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وكذب الله ورسوله.(7) "
(ج) من أنواع سب الصحابة الذي يناقض الإيمان: - " أن يسب صحابياً تواترت النصوص بفضله، فيطعن في دينه وعدالته، وذلك لما فيه من تكذيب لهذه النصوص المتواترة، والإنكار والمخالفة لحكم معلوم من الدين بالضرورة.
وإليك جملة من كلام أهل العلم في تقرير ذلك: -
قال مالك (8) رحمه الله: - " من شتم أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال كانوا على ضلال وكفر قتل.(8)
صـ416(1/149)
" وسئل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة، فقال: ما أراه على الإسلام، وسئل عمن يشتم عثمان، فقال رحمه الله: - هذه زندقة.(1) "
" وقال محمد بن يوسف الفريابي (2) وسئل عمن شتم أبا بكر، فقال: كافر، قيل: فيصلي عليه؟ قال: لا، وسأله: كيف يصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته.(3) "
وجاء في الفتاوى البزازية: - " ومن أنكر خلافة أبي بكر فهو كافر في الصحيح، ومنكر خلافة عمر رضي الله عنه فهو كافر في الأصح، ويجب إكفار الخوارج بإكفار عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم.
وفي الخلاصة: الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر.(4) "
وقال الخرشي:- " إن رمى عائشة بما برأها الله منه بأن قال زنت، أو أنكر صحبة أبي بكر أو إسلام العشرة أو إسلام جميع الصحابة، أو كفر الأربعة، أو واحداً منهم كفر.(5) "
ويقول السبكي: - " احتج المكفرون للشيعة والخوارج بتكفيرهم لأعلام الصحابة رضي الله عنهم، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة، وهذا عندي احتجاج صحيح فيمن ثبت عليه تكفير أولئك، وأجاب الآمدي بأنه إنما يلزم أن لو كان المكفر يعلم بتزكية من كفره قطعاً على الإطلاق إلى مماته بقوله صلى الله عليه وسلم: - أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان
صـ417
في الجنة، وعلي في الجنة(6) إلى آخرهم، وإن كان هذا الخبر ليس متواتراً لكنه مشهود مستفيض، وعضده إجماع الأمة على إمامتهم وعلو قدرهم وتواتر مناقبهم أعظم التواتر الذي يفيد تزكيتهم فبذلك نقطع بتزكيتهم على الإطلاق إلى مماتهم لا يختلجنا شك في ذلك.(7) "(1/150)
ويقول أيضاً: - " وأما الرافضي فإنه يبغض أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لما استقر في ذهنه بجهله وما نشأ عليه من الفساد عن اعتقاد ظلمهما لعلي، وليس كذلك ولا علي يعتقد ذلك، فاعتقاد الرافضي ذلك يعود على الدين بنقض؛ لأن أبا بكر وعمر هما أصل بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مأخذ التكفير ببغض الرافضة لهما، وسبهم لهما.(1) "
ويقول في موضع ثالث:- " وتحريم سب الصديق رضي عنه معلوم من الدين بالضرورة بالنقل المتواتر على حسن إسلامه، وأفعاله الدالة على إيمانه وأنه دام على ذلك إلى أن قبضه الله تعالى هذا لا شك فيه.(2) "
وهذه المسألة فيها خلاف، فهناك من لا يعد هذا السب كفراً، بل يجعله فسقاً، يوجب التأديب والتعزير.
ولا شك أن هذا السب فسق بالاتفاق، بل إن القائلين بعدم تكفير من سب الصحابة مجمعون على ذلك، كما قال السبكي:-
" وأجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة أنهم فساق.(3)
ويذكر ابن تيمية أن أقل ما يفعل بشاتم الصحابة: التعزير ويعلل ذلك بقوله: - " لأنه [أي التعزير] [مشروع في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وقال صلى الله
صـ418
عليه وسلم:- " انظر أخاك ظالماً أو مظلوماً "(4) وهذا مما لا يعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة، فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والترحم عليهم والترضي عنهم، واعتقاد محبتهم، وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول.(5) "
وإليك طرفاً من أقوال العلماء القائلين بعدم التكفير في هذا السب.
سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرى أن يضرب ... وقال: ما أراه إلا على الإسلام.(6) "(1/151)
ويقول القاضي عياض: - " قد اختلف العلماء في هذا، فمشهور مذهب مالك في ذلك الاجتهاد والأدب الموجع، قال مالك رحمه الله: - من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل، ومن شتم أصحابه أدب.
وقال ابن حبيب (1) : - " من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت، ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سحنون (2): - من كفر أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
صـ419
علياً أو عثمان أو غيرهما، يوجع ضرباً.(3) "
وقال السبكي: - " وأما أصحابنا [الشافعية] [فقد قال القاضي حسين (4) في تعليقه في باب اختلاف نية الإمام والمأموم: - من سب النبي صلى الله عليه وسلم يكفر بذلك، ومن سب صحابياً فسق، وأما من سب الشيخين أو الختنين (5) ففيه وجهان، أحدهما يكفر؛ لأن الأمة اجتمعت على إمامتهم، والثاني يفسق ولا يكفر.(6) "
ويقول الرملي: - " ولا يكفر بسب الشيخين أو الحسن والحسين إلا في وجه حكاه القاضي {حسين}.(7) "
ويقول ابن عابدين: - " نقل في البزازية عن الخلاصة أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر، وإن كان يفضل علياً عليهما فهو مبتدع.أ. هـ
على أن الحكم عليه بالكفر مشكل، لما في الاختيار: اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفراً، ولكن يضلل ... الخ.
وذكر في فتح القدير أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة.
-إلى أن قال - فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر قول ضعيف مخالف للمتون والشروح ...(8) "
صـ420(1/152)
ومما يستدل به القائلون بعدم كفر ساب الصحابة رضي الله عنهم بأن مطلق السب لغير الأنبياء لا يستلزم الكفر؛ لأن بعض من كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما سب بعضهم بعضاً، ولم يكفر أحد بذلك (1).
والجواب عن استدلالهم أن يقال: إن سب الصحابة نوعان، أحدهما سب يقدح في دين الصحابة وعدالتهم، كأن يرمي صحابياً بالكفر مثلاً ممن تواترت النصوص بفضله، فهذا من الكفر، لما يتضمنه من تكذيب للآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة الدالة على تزكيتهم وفضلهم، ولأن هذا السب إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن ظن أن مثل هذا السب لا يعد كفراً، فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع (2). والآخر أن يسب صحابياً - وإن كان ممن تواترت النصوص بفضله - سباً لا يقدح في إسلامه ودينه، مثل وصفه بالبخل، أو الجبن، أو قلة معرفة بالسياسة ونحو ذلك، فهذا لا يعتبر كفراً، ولكن يستحق فاعله التأديب والتعزير.(3)
وكذا لو سب صحابياً لم يتواتر النقل بفضله سباً يطعن في دينه، فلا يكفر بهذا السب، لعدم إنكاره معلوماً من الدين بالضرورة (4).
ولا شك أن ما قد وقع بين بعض الصحابة من سبا ليس من النوع الأول، ويشهد لذلك أن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حيث قال: - كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.(5)
فقد جاءت رواية توضح وتبين حقيقة هذا السب، فقد روى الإمام أحمد بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: - كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا
صـ421
بها، فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: - دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده ... الحديث (6) "(1/153)
وبهذا التفصيل والتفريق بين نوعي السب يمكن اجتماع القولين، كما يحصل التوفيق بين الأقوال المختلفة، فمثلاً الرواية السابقة عن الإمام أحمد: ما أراه إلا على الإسلام يمكن أن نضمها إلى الرواية الأخرى عن الإمام أحمد حيث قال: - ما أراه على الإسلام (1)"
وقد قال القاضي أبو يعلى في الجمع بين تلك الروايتين المتعارضتين عن الإمام أحمد "يحتمل أن قوله " ما أراه على الإسلام " إذا استحل سبهم بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك، بل فعله مع اعتقاده لتحريمه كمن يأتي المعاصي، قال: ويحتمل قوله " ما أراه على الإسلام " على سب يطعن في عدالتهم نحو قوله: ظلموا، وفسقوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذوا الأمر بغير حق، ويحمل قوله في إسقاط القتل على سب لا يطعن في دينهم، نحو قوله " كان فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة ...(2) "
ويقول ابن تيمية - في هذا الصدد -: - " وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم .(3) "
وكذا يمكن التوفيق بين الروايات المختلفة عن الإمام مالك، فالرواية السابقة عن مالك: من شتم الصحابة أدب، لا تعارض ما جاء في الرواية الأخرى عنه حيث قال: - " من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قتل،
صـ422
وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالاً شديداً.(4)
فهذه الرواية تبين ما أجمل في الرواية الأولى، فمن شتم الصحابة - ممن تواترت النصوص بفضلهم - شتماً يقدح في دينهم فهو كافر يجب قتله، ومن شتمهم بغير هذا فليس بكفر، ويتعين تعزيره وتأديبه.(1/154)
وأيضاً فرواية مالك: - " من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: - من رماها فقد خالف القرآن.(5) "
فمراده - والله أعلم - أن يسب الصديق رضي الله عنه سباً لا يقدح في دينه، وذلك لما ورد عنه رحمه الله من القول بالقتل فيمن شتم من هو دون الصديق - كما سبق ذكره -
يوضح ذلك ما قاله السبكي: - " فيتلخص أن سب أبي بكر رضي الله عنه على مذهب أبي حنيفة وأحد الوجهين عند الشافعية كفر، وأما مالك فالمشهور أنه أوجب الجلد، فيقتضي أنه ليس كفراً، ولم أر عنده خلاف ذلك، إلا في الخوارج فتخرج عنه أنه كفر، فتكون المسألة عنده على حالتين: إن اقتصر على السب من غير تكفير لم يكفر، وإن كفر كفر.(1)
ويقول أيضاً: - " القائل بأن الساب لا يكفر لم نتحقق منه أن يطرده فيمن يكفر أعلام الصحابة رضوان الله عليهم، فأحد الوجهين عندنا إنما اقتصرنا على مجرد السب دون التكفير، وكذلك أحمد إنما جبن عن قتل من لم يصدر منه إلا السب.(2) "
وإذا تقرر نوعا السب والطعن في حق الصحابة رضي الله عنهم، فإن من أنواع السب ما لا يمكن القطع بإلحاقه في أحد النوعين السابقين، بل يكون محل تردد، وهذا النوع هو ما قال عنه ابن تيمية:-
صـ423
" وأما من لعن وقبح مطلقاً، فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.(3) "
(ك) من قذف إحدى أمهات المؤمنين، فإن كنت عائشة رضي الله عنها فهو كافر بالإجماع ومن قذف غيرها من أمهات المؤمنين فهو أيضاً كافر على أصح الأقوال.
وبيان ذلك أن قذف عائشة رضي الله عنها تكذيب ومعاندة للقرآن، فإن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله تعالى.
قال تعالى: - {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [ النور، آية 17].
كما قال الإمام مالك: - من سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن.(4) "(1/155)
قال ابن حزم معلقاً على مقالة مالك: - " قول مالك هاهنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها.(5) "
وذكر ابن بطة عائشة رضي الله عنها، وأنها: " مبرأة طاهرة خيرة فاضلة وصاحبته في الجنة، وهي أم المؤمنين في الدنيا والآخرة، فمن شك في ذلك، أو طعن فيه، أو توقف عنه، فقد كذب بكتاب الله، وشك فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه من عند غير الله عز وجل، قال الله تعالى: - {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور آية 17]، فمن أنكر هذا فقد برىء من الإيمان.(1) "
إضافة إلى ذلك، فإن قذف عائشة رضي الله عنها يعد تنقصاً للرسول صلى الله عليه وسلم وإيذاء له، ولذا قال السبكي: - " وأما الوقيعة في عائشة رضي الله عنها والعياذ بالله فموجبة للقتل لأمرين:-
أحدهما: أن القرآن الكريم يشهد ببراءتها، فتكذيبه كفر، والوقيعة فيها تكذيب له.
صـ424
الثاني: أنها فراش النبي صلى الله عليه وسلم، والوقيعة فيها تنقيص له، وتنقيصه كفر. (2) "
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " من قذف عائشة بالفاحشة ... فقد جاء بكذب ظاهر واكتسب الإثم، واستحق العذاب، وظن بالمؤمنين سوءاً وهو كاذب، وأتى بأمر ظنه هيناً وهو عند الله عظيم، واتهم أهل بيت النبوة بالسوء، ومن هذا الاتهام يلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم .(3) "
إضافة إلى ذلك، فقد أجمع العلماء على أن من قذفها بما برأها الله تعالى منه فهو كافر.
يقول ابن تيمية رحمه الله: - " ذكر غير واحد من العلماء اتفاق الناس على أن من قذفها بما برأها الله تعالى منه فقد كفر؛ لأنه مكذب للقرآن.(4) "
ويقول ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور، آية 23]: -(1/156)
" وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن. (5) "
وأما من قذف سائر أمهات المؤمنين، فهل يكفر من قذفهن أم لا؟ على قولين أصحهما أنه يكفر.
والقول الآخر أنه لا يكفر، وقالوا: إن القرآن قد شهد ببراءة عائشة رضي الله عنها، فمن خالف ذلك وأنكره، فهو مكذب للقرآن، ومن ثم فهو كافر بالله تعالى، ولم يرد مثل هذا في بقية أمهات المؤمنين.
والجواب عن ذلك أن يقال: - المقذوفة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى إنما غضب لها؛ لأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
صـ425
فهي وغيرها منهن سواء.(1) "
كما أن جميع أمهات المؤمنين فراش للنبي صلى الله عليه وسلم، والوقيعة في أعراضهن تنقص ومسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن سب المصطفى صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة بالإجماع (2).
وقد اختار القول الأول جمع من المحققين، كابن حزم (3)، والقاضي عياض (4)، وابن تيمية (5)، والسبكي (6) وغيرهم.
ويقول ابن تيمية: - " والأصح أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن هذا منه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن.(7) "
ويدل على هذا قوله تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور، آية 23].
فهذه الآية الكريمة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة، في قول كثير من أهل العلم كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين.
وكذا روي عن أبي الجوزاء، والضحاك، والكلبي وغيرهم (8) "(1/157)
يقول ابن تيمية عن هذه الآية: - لما كان رمي أمهات المؤمنين أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، فلعن صاحبه في الدنيا والآخرة، ولهذا قال ابن عباس: - ليس له توبة؛ لأن مؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً، وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به
صـ426
أذى النبي صلى الله عليه وسلم، أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة.(9) "
ومما قاله أبو السعود في تفسير هذه الآية:-
" والمراد بها عائشة الصديقة رضي الله عنها، والجمع باعتبار أن رميها رمي لسائر أمهات المؤمنين، لاشتراك الكل في العصمة والنزاهة والانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: - {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء، آية 105]، ونظائره، وقيل أمهات المؤمنين فيدخل فيهن الصديقة دخولاً أولياً.
وأما ما قيل من أن المراد هي الصديقة، والجمع باعتبار استتباعها للمتصفات بالصفات المذكورة من نساء الأمة، فيأباه، أن العقوبات المترتبة على رمي هؤلاء عقوبات مختصة بالكفار والمنافقين، ولا ريب في أن رمي غير أمهات المؤمنين ليس بكفر، فيجب أن يكون المراد إياهن على أحد الوجهين، فإنهن قد خصصن من بين سائر المؤمنات، فجعل رميهن كفراً إبرازاً لكرامتهن على الله عز وجل، وحماية في صاحب الرسالة من أن يحوم حوله أحد بسوء.(1) "
3- ومن خلال عرض أنواع سب الصحابة التي تخرج عن الملة، فإنه يمكن أن نسوق جملة من الأوجه في كون هذا السب ناقضاً من نواقض الإيمان، على النحو التالي:-
أ- أن في سب الصحابة رضي الله عنهم تكذيباً للقرآن الكريم، وإنكاراً لما تضمنته الآيات القرآنية من تزكيتهم والثناء الحسن عليهم.(1/158)
ولذا يقول ابن تيمية: - " إن الله سبحانه رضي عنهم رضى مطلقاً بقوله تعالى:- {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [ التوبة، آية 100] فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، وقال تعالى: - {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح، آية 18]، والرضى من الله صفة قديمة (2)، فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات
صـ427
الرضى، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً "
- إلى أن قال - فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح، فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له، فلو علم أن يتعقب ذلك بما يسخط الرب لم يكن من أهل ذلك (3) "
ويقول ابن حجر الهيتمي: - " ومنها قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح، آية 18]، فصرح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة، ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر، لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام، وأما من علم موته على الكفر، فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه رضي عنه، فعلم أن كلا من هذه الآية وما قبلها صريح في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون حتى للقرآن العزيز، إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم، وأنهم عدول خيار، وأن الله لا يخزيهم وأنه رضي عنهم، فمن لم يصدق بذلك منهم فهو مكذب لما في القرآن، ومن كذب بما فيه مما لا يحتمل التأويل كان كافراً جاحداً ملحداً مارقاً.(1) "(1/159)
وقد استنبط بعض الأئمة من نصوص قرآنية كفر من سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فقال الإمام مالك بن أنس: - " من تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا قوله تعالى: - {مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [حتى أتى قوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الآية " الحشر، آية 7- 10]، فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق.(2) "
صـ428
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (3):-
"لاحظ للرافضي في الفيء والغنيمة لقول الله حين ذكر آية الفيء في سورة الحشر، فقال {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ..} [الآية (4) "
" وقال أبو عروة - رجل من ولد الزبير: - كنا عند مالك، فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية: - {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء} [حتى بلغ: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ} [الفتح، آية 29] فقال مالك: من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية.(5) "
قال القرطبي - معلقاً على قول مالك -: -
" لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن تنقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته، فقد رد على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين.(6) "
ولما ذكر أبو المعالي الآلوسي هذه الآية {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ...} قال: " قال العلماء هذه الآية ناصة على أن الرافضة كفرة؛ لأنهم يكرهونهم، بل يكفرونهم والعياذ بالله تعالى.(7) "(1/160)
وننبه هاهنا إلى أن قول مالك رحمه الله: - من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية، إنما يحمل على غيظ سببه ما كان عليه الصحابة من الإيمان والقوة والكثرة، قال تعالى: - {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح، آية 29].
فكثرهم الله تعالى وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين، فمن غاظه حال الصحابة رضي الله عنهم لإيمانهم فهو كافر، كمن سبهم طعناً في دينهم وعدالتهم، وأما إن وقع الغيض من غير هذه الجهة، فليس بكفر، فقد جرت حروب بين الصحابة، ووقع من بعضهم غيظ وبغض لبعض، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بكفر أو نفاق.
وتوضيحاً لذلك نورد ما قاله العيني، ونقله عن القرطبي (1) صاحب المفهم.. عند شرحه لحديث: - " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار " " حيث يقول العيني:- " المقصود من الحديث الحث على حب الأنصار، وبيان فضلهم لما كان منهم من إعزاز الدين وبذل الأموال والأنفس والإيثار على أنفسهم والإيواء والنصر وغير ذلك ... فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم محض النفاق.
وقال القرطبي: - وأما من أبغض والعياذ بالله أحداً منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حدث وقع لمخالفة غرض، أو لضرر ونحوه، لم يصر بذلك منافقاً ولا كافراً، فقد وقع بينهم حروب ومخالفات، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام.(2) "(1/161)
وبهذا ندرك خطأ ما قاله ابن حزم عند خطأ من حمل الآية: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ..} على ما استنبطه الإمام مالك (3)، فابن حزم لم يفرق بين الغيظ الذي يوجب خروجاً عن الملة، وبين الغيظ فيما دون ذلك.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى
صـ430
فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر.(4) "
وإذا تقرر أن سب الصحابة رضي الله عنهم تكذيب للقرآن الكريم، فإن القول بكفر جمهور الصحابة رضي الله عنهم، أو فسقهم يؤول إلى الشك في القرآن الكريم، والطعن في ثبوته وحفظه؛ لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول، ولذا فإن الرافضة لما كفروا جمهور الصحابة، اتبعوا ذلك بدعوى تحريف القرآن الكريم وتبديله.
(ب) أن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى، أو العبث في تلك النصوص الكثيرة التي تقرر الثناء الحسن على الصحابة، وتزكيهم.
ويبين ذلك الشيخ محمد العربي بن التباني المغربي حيث يقول:-(1/162)
" كيف يؤمن بنصوص القرآن من يكذب بوعده تعالى لهم بالحسنى، وبإعداده لهم المنازل الرفيعة في الجنة، وبرضاه عنهم، ورضاهم عنه بزعمه أنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام، فعقيدة هذه الطائفة {أي الرافضة} في جل سادات هذه الأمة لا تخرج عن أمرين: - إما نسبة الجهل إليه تعالى، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى بها على الصحابة رضوان الله عليهم وتقدس ربنا وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وكلاهما مصيبة كبرى، وذلك لأنه تعالى إن كان عالماً بأنهم سيكفرون فيكون وعده لهم بالحسنى ورضاه عنهم عبثاً، والعبث في حقه تعالى محال،{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الدخان، آية 38]، وإن كان تعالى غير عالم بأنهم سيكفرون ومع ذلك أثنى عليهم ووعدهم بالحسنى فهو جهل، والجهل عليه تعالى محال، ولا خلاف بين كل من يؤمن بالقرآن وله عقل سليم أن نسبة الجهل أو العبث إليه تعالى كفر بواح.(1) "
(ج) من سب الصحابة رضي الله عنهم، ورماهم بالكفر أو الفسق، فقد تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه؛ لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم، ومن المعلوم أن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة.(2) "
صـ431
أخرج الخطيب البغدادي - بسنده - عن أبي زرعة (3) قال: - " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة.(4) "
ومن أشنع أنواع السب: أن يقذف إحدى أمهات المؤمنين، لما في الوقيعة في أعراضهن من التنقص والمسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - كما سبق ذكره ? -(1/163)
ساق اللالكائي (1) بسنده أن الحسن بن زيد (2)، ولما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور، آية 26].
فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه.(3) "
صـ432
وأخرج اللالكائي ? بسنده ? عن محمد بن زيد (4) أنه قدم عليه من العراق رجل ينوح بين يديه فذكر عائشة بسوء، فقام إليه بعمود، وضرب به دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا وممن يتولانا، فقال: - هذا سمى جدي قرنان (5) استحق عليه القتل فقتلته (6).
إضافة إلى ذلك فإن هذا السب يستلزم اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم ينجح في دعوته، ولم يحقق البلاغ المبين، وقد زعم من لا خلاق له من الدين والعلم، أن جمهور الصحابة رضي الله عنهم قد ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت على الإيمان إلا القليل، وقد يؤول هذا الأمر إلى اليأس من إصلاح البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن المعلوم قطعاً أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
(د) أن سب الصحابة رضي الله عنهم، والطعن في دينهم، هو طعن في الدين، وإبطال للشريعة، وهدم لأصله، لعدم توافر النقل المأمون له.
وإليك هذه القصة التي تبين ذلك: -
قال عمر بن حبيب (1): - " حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة تنازعها الحضور، وعلت أصواتهم، فاحتج أحدهم بحديث رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة
صـ433(1/164)
والخصومة، حين قال قائلون منهم: - لا يقبل هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه، وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: هذا الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة صحيح النقل، صدوق فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فنظر إليّ الرشيد نظر مغضب، وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل صاحب البريد بالباب، فدخل فقال لي: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه، فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب، حاسر عن ذراعيه بيده والسيف، وبين يديه النطع، فلما بصر بي قال لي: يا عمر بن حبيب، ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين، فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول، فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله، وأمر لي بعشرة آلاف درهم.(2) "
وقال ابن عقيل الحنبلي في هذا المقال: " الظاهر أن من وضع مذهب الرافضة قصد الطعن في أصل الدين والنبوة، وذلك أن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر غائب عنا، وإنما نثق في ذلك بنقل السلف، وجودة نظر الناظرين إلى ذلك منهم... فإذا قال قائل: - إنهم أول ما بدأوا بعد موته بظلم أهل بيته في الخلافة، وابنته في إرثها، وما هذا إلا لسوء اعتقاد في المتوفي.
فإن الاعتقادات الصحيحة سيما في الأنبياء توجب حفظ قوانينهم بعدهم لا سيما في أهليهم وذريتهم.(1/165)
فإذا قالت الرافضة: إن القوم استحلوا هذا بعده، خابت آمالنا في الشرع؛ لأنه ليس بيننا وبينه إلا النقل عنهم والثقة بهم. فإذا كان هذا محصول ما حصل لهم بعد موته خبنا في المنقول، وزالت ثقتنا فيما عولنا عليه من اتباع ذوي العقول،
صـ434
ولم نأمن أن يكون القوم لم يروا ما يوجب اتباعه، فراعوه مدة الحياة، وانقلبوا عن شريعته بعد الوفاة، ولم يبقى على دينه إلا الأقل من أهله، فطاحت الاعتقادات، وضعفت النفوس عن قبول الروايات في الأصل، فهذا من أعظم المحن على الشريعة.(1) "
وقال الذهبي: - " فمن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين؛ لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم، وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم، وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وبيان فضائلهم ومناقبهم وحبهم...
إلى أن قال ? والطعن في الوسائط طعن الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول، هذا ظاهر لمن تدبره، وسلم من النفاق، ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته...(2) "
وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن القول بارتداد الصحابة عدا خمسة أو ستة نفر: - " هدم لأساس الدين؛ لأن أساسه القرآن والحديث، فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر، وقع الشك في القرآن والأحاديث... فهؤلاء أشد ضراراً على الدين من اليهود والنصارى، وفي هذه الهفوة الفساد من وجوه، فإنها توجب إبطال الدين والشك فيه، وتجوز كتمان ما عورض به القرآن، وتجوز تغيير القرآن...(3) "
ويقول محمد صديق حسن خان (4): - " والعجب كل العجب من علماء الإسلام وسلاطين هذا الدين كيف تركوهم {أي الرافضة} على هذا المنكر البالغ في القبح إلى غايته ونهايته، فإن هؤلاء المخذولين لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها، طعنوا في أعراض الحاملين لها، الذين لا طريق لنا إليها إلا من
صـ435(1/166)
طريقهم، واستذلوا أهل العقول الضعيفة والإدراكات الركيكة بهذه الذريعة الملعونة والوسيلة الشيطانية، فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة، ويضمرون العناد للشريعة ورفع أحكامها عن العباد.(5) "
(هـ) إن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم تضليل الأمة المحمدية، ويتضمن أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.(1) "
كما أن سبهم إنكار لما قام الإجماع عليه، قبل ظهور المخالف من فضلهم وشرفهم ومصادمة للنصوص المتواترة من الكتاب والسنة في بيان علو مقامهم وعظيم شأنهم.(2) "
صـ436
المبحث الثاني
الاستهزاء بالعلماء والصالحين
1- في مطلع هذا المبحث نشير إلى منزلة العلماء والصالحين، وواجبنا نحوهم فالعلماء لهم المنزلة اللائقة بهم، فقد رفعهم الله تعالى وميزهم عن غيرهم، فقال سبحانه: - {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة، آية 11] وقال تعالى: - {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر، آية 9] واستشهد سبحانه بأولي العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده، فقال تعالى: - {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران، آية 18].(1/167)
وعن أبي الدرداء (3) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ افر.(4) "
قال ابن القيم: - " قوله: - {إن العلماء ورثة الأنبياء} هذا من أعظم المناقب لأهل العلم فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته، إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده، ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء، كانوا أحق الناس بميراثهم، وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليهم، فإن الميراث إنما يكون
صـ437
لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدرهم والدينار، فكذلك هو في ميراث النبوة، والله يختص برحمته من يشاء، وفيه أيضاً إرشاد وأمر للأمة بطاعتهم واحترامهم وتعزيرهم وتوقيرهم وإجلالهم... وفيه تنبيه على أن محبتهم من الدين وبغضهم مناف للدين، كما هو ثابت موروثهم، وكذلك معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كما هو في موروثهم، قال علي رضي الله عنه: - محبة العلماء دين يدان به.(1) "
ومما قاله ابن رجب في شرح حديث أبي الدرداء و?-الذي سبق ذكره -: -
"وإنما يبغض المؤمن والعالم عصاة الثقلين؛ لأن معصيتهم لله اقتضت تقديم أهوائهم على محبة الله وطاعته، فكرهوا طاعة الله وأهل طاعته، ومن أحب الله وأحب طاعته، أحب أهل طاعته، وخصوصاً من دعا إلى طاعته وأمر الناس بها وأيضاً فإن العلم إذا ظهر في الأرض وعمل به درت البركات، ونزلت الأرزاق، فيعيش أهل الأرض كلهم، حتى النملة وغيرها من الحيوانات ببركته...(1/168)
وقد ظهر بهذا أن محبة العلماء العاملين من الدين، وفي الأثر المعروف:-
" كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً لهم، ولا تكن الخامسة فتهلك.(2) "
قال بعض السلف: سبحان الله! لقد جعل الله لهم مخرجاً، يعني أنه لا يخرج عن هذه الأربعة الممدوحة إلا الخامس الهالك، وهو من ليس بعالم، ولا متعلم، ولا مستمع، ولا محب لأهل العلم وهو الهالك، فإن من أبغض أهل العلم، أحب هلاكهم، ومن أحب هلاكهم فقد أحب أن يطفأ نور الله في الأرض، ويظهر فيها المعاصي والفساد، فيخشى أن لا يرفع له مع ذلك عمل، كما قال سفيان الثوري وغيره من السلف.(3) "
صـ438
واحترام العلماء وتوقيرهم هو إجلال لله تعالى كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري (4) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط.(5) "
وعن عبادة بن الصامت (1)رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - " ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه (2) "
وقال طاووس رحمه الله: - من السنة أن يوقر العالم (3)
وما أجمل ما كتبه الآجري في وصف العلماء حيث قال رحمه الله:-
" إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان كما اختص من سائر المؤمنين من أحب، فتفضل عليهم، فعلمهم الكتاب والحكمة، وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، فضلهم عظيم، وخطرهم (4) جزيل، ورثة الأنبياء،
صـ439(1/169)
وقرة عين الأولياء حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، ولا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف عنهم غائلة، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، هم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا.(5) "
وأما الصالحون فهم أولياء الله تعالى من المقتصدين أصحاب اليمين والسابقين المقربين، قال الله تعالى في وصفهم وجزائهم: - {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62}الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {63}لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس، آية 62، 64]
فهؤلاء الأولياء تجب محبتهم ومودتهم ونصرتهم كما قال تعال:- {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [المائدة، آية 55].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى قال: - " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " (1)(1/170)
يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث:- " قوله عز وجل " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " يعني فقد أعلمته بأني محارب له، حيث كان محارباً لي بمعادة أوليائي... فأولياء الله تجب موالاتهم، وتحرم معاداتهم، كما أن أعداءه تجب معاداتهم، وتحرم موالاتهم، قال تعالى: - {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة، آية 1] وقال:- {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة، آية 55، 56]، ووصف أحباءه الذين يحبهم
صـ440
ويحبونه بأنهم أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين (2) "
وبهذا يعلم أن الواجب تجاه العلماء والصالحين هو محبتهم ومودتهم، وتوقيرهم وإجلالهم، كما جاءت به الشريعة، دون غلو وإفراط.
2- ولا شك أن الاستهزاء بالعلماء أو الصالحين يضاد محبتهم وإجلالهم، فالاستهزاء بهم يعني السخرية بهم والاستخفاف بهم.(3) "
قال الآلوسي: - " الاستهزاء: الاستخفاف والسخرية، وذكر الغزالي أن الاستهزاء الاستحقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وبالإشارة والإيماء... وأصل هذه المادة الخفة، يقال: ناقة تهزأ به أي: تسرع وتخف.(4) "
إن الاستهزاء بأهل العلم والصلاح صفة من صفات الكافرين، وخصلة من خصال المنافقين، كما قرر ذلك القرآن في آيات كثيرة.
يقول الله تعالى: - {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة، آية 212].(1/171)
وقال سبحانه: - {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {103} تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ {104} أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {105} قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ {106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {107} قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ {108} إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ {110} إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون، آية 103، 111].
وقال سبحانه:- {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {29} وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ {30}وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ {31}وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ {32} وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين، آية 29- 33].
صـ441
وقال تعالى في شأن المنافقين: - {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ {14} اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة، آية 14،? 15].
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة، آية 79].(1/172)
ولقد حرص أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وأذنابهم من منافقي هذا الزمان على تشويه سمعة العلماء، وزعزعة مكانتهم في نفوس الأمة المسلمة.
فمما جاء في البروتوكول السابع عشر من بروتوكولات اليهود:-
" وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين من الأمميين (غير اليهود) في أعين الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤوداً في طريقنا، وإن نفوذ رجال الدين على الناس ليتضاءل يوماً فيوماً.(1) "
وسعى هؤلاء في سبيل ذلك سعياً حثيثاً، فشنوا الحملات المسعورة، وأعدوا المخططات الرهيبة من أجل الكيد لهذا الدين والصد عنه، عن طريق الطعن في حملة الإسلام ودعاته وعلمائه، وقد آتت هذه المؤامرات ثمارها النكدة كما هو مشاهد في واقع الأمة، وتولت وسائل الإعلام في بلاد المسلمين وغيرها كبر هذه الهجمة الشرسة على علماء الأمة (2)، فظهر الاستهزاء بالعلماء والصالحين على وسائل الإعلام المختلفة، وتطاول الأقزام من أهل الشبهات والشهوات على مقامات أهل العلم والصلاح باسم حرية الرأي والفكر!، واستهزئ بأهل الصلاح والديانة تحت مظلة محاربة التطرف والتشدد!
وساعد على استفحال هذا المنكر أسباب كثيرة، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره، نذكر أيضاً من تلك الأسباب:-
غلبة الجهل بدين الله تعالى بين المسلمين، سواء كان الجهل بحرمة المسلم وعظيم حقه ومنزلته، أو الجهل بحكم الاستهزاء بأهل العلم والصلاح. وسبب
صـ442
آخر وهو تنحية شرع الله تعالى في بلاد المسلمين... فلو أن حد الردة? مثلاً? أقيم على من يستحقه... فلن يتطاول سفيه على فتاوى أهل العلم، كما هو واقعنا الآن، ولن يسخر مريض قلب من استقامة أهل الديانة وطهرهم، والله حسبنا ونعم الوكيل.
إن الاستهزاء بالعلماء والصالحين على ضربين:-(1/173)
أحدهما:- الاستهزاء بأشخاصهم، كمن يستهزئ بأوصافهم الخلقية أو الخلقية، وهذا محرم لقوله تعالى: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات، آية 11].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال " الكبر بطر الحق وغمص الناس (1) " ويروى وغمط الناس.
والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله تعالى، وأجب إليه من الساخر منه المحتقر له... (2) "
والضرب الآخر: - الاستهزاء بالعلماء لكونهم علماء، ومن أجل ما هم عليه من العلم الشرعي، فهذا كفر؛ لأنه استهزاء بدين الله تعالى، وكذا الاستهزاء بأهل الصلاح من أجل استقامتهم على الديانة، واتباعهم للسنة، فالاستهزاء ? هاهنا ? متوجه إلى الدين والسنة.
ومن المناسب هاهنا أن نورد تعقيباً لابن حجر الهيتمي على ما قاله أحد علماء الأحناف ? عند ذكره لنواقض الإيمان ? فقال هذا الحنفي (3)
أو قال: إيش مجلس الوعظ، او العلم لا يثرد (4)، أو وعظ على سبيل
صـ443
الاستهزاء، أو ضحك على وعظ العلم، أو قال: إيش هذا القبيح الذي خففت شاربك، أو قال بئسما أخرجت السنة.(5) " أهـ كلامه
فعقب ابن حجر قائلاً:- " ما ذكره في إيش مجلس الوعظ.. الخ، إنما يتجه إن أراد الاستهزاء، وكذا إن أطلق على احتمال قوي فيه لظهور هذا اللفظ في الاستخفاف بمجلس الوعظ والعلم.(1/174)
وما ذكره في الوعظ استهزاء إنما يتجه إن أراد الاستهزاء بالواعظ وكذا بالوعظ من حيث هو وعظ، أما لو أراد الاستهزاء بالواعظ، أو بكلماته، لا من حيث كونه واعظاً فلا يتجه الكفر حينئذ، وكذا يقال في الضحك على الوعظ.(1) "
ولما كان الاستهزاء بالعلماء والصالحين محتملاً للضربين المذكورين آنفاً، صار محلاً للخلاف (2)، وبهذا التفريق بينهما يزول الإشكال، ويرتفع الخلاف.
3- وأما وجه كون هذا الاستهزاء يناقض الإيمان، فلما يلي:-
(أ) أن الله عز وجل جعل الاستهزاء بالمؤمنين استهزاء بالله تعالى وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم(1)، فقال تبارك وتعالى:-
{قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة، آية 65، 66].
فقد جاء في سبب نزول هذه الآيات عن عبد الله بن عمر (3) رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً (4)، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس:
صـ444
كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقاً بحقب (5) ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة، وهو يقول: - يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}(6) "
ونورد جملة من كلام أهل العلم في بيان ذلك: -
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله ? في هذا الشأن " وفيه بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها، أو بعمل يعمل به... ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله.(7) "(1/175)
وسئل الشيخ حمد بن عتيق- رحمه الله - عن معنى قول الفقهاء: من قال يا فقيه بالتصغير يكفر.. فكان من جوابه: - " اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله، أو رسوله، أو كتابه فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء، واستدلوا بقوله تعالى: - {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة، آية 65، 66].
وسبب النزول مشهور، وأما قول القائل: فقيه، أو عويلم، أو مطيويع ونحو ذلك، فإذا كان قصد القائل الهزل، أو الاستهزاء بالفقه أو العلم أو الطاعة، فهذا كفر أيضاً ينقل عن الملة فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً.(1) "
صـ445
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (2): - " قوله تعالى: - {أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ..} الآيات أي فليس لكم عذر؛ لأن هذا لا يدخله الخوض واللعب، وإنما تحترم هذه الأشياء وتعظم ويخشع عندها إيماناً بالله ورسوله، وتعظيماً لآياته، وتصديقاً وتوقيراً، والخائض واللاعب منتقص لها، ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم لأجله.(3) "
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة ما يلي:-
" سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة، والاستهزاء بالمتمسك بها نظراً لما تمسك به كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة، هذا كفر إذا صدر من مكلف، وينبغي أن يبين له أن هذا كفر، فإن أصر بعد العلم فهو كافر، قال الله تعالى: - {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة، آية 65، 66](4) "
(ب) ذكر الله عز وجل أن الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين سبب في دخول نار جهنم، وعدم الخروج منها.(1/176)
فعندما ينادي أهل النار قائلين:- {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون، آية 107].
يقول الله تعالى جواباً عنهم:- {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ {108} إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون، آية 108،? 110].
وتوضيحاً لذلك نسوق أقوال بعض المفسرين لهذه الآيات
فمما قاله أبو السعود رحمه الله: - " وقوله تعالى: - {إنه} تعليل لما قبله من الزجر عن الدعاء أي أن الشأن {كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي} [وهم المؤمنون.. {يقولون} في الدنيا {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} أي اسكتوا عن الدعاء بقولكم ربنا الخ؛ لأنكم كنتم تستهزئون بالداعين بقولهم ربنا آمنا الخ، وتتشاغلون باستهزائهم " حتى أنسوكم " أي الاستهزاء بهم {ذكري} من فرط اشتغالكم باستهزائهم {وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} وذلك غاية الاستهزاء.(1)
ويقول الآلوسي: - قيل: التعليل على معنى إنما خسأناكم كالكلب ولم نحتفلكم إذ دعوتكم؛ لأنكم استهزأتم غاية الاستهزاء بأوليائي حين دعوا واستمر ذلك منكم حتى نسيتم ذكري بالكلية ولم تخافوا عقابي فهذا جزاؤكم.
وقيل: - خلاصة معنى الآية إنه كان فريق من عبادي يدعون، فتشاغلتم بهم ساخرين، واستمر تشاغلكم باستهزائهم إلى أن جركم إلى ترك ذكري في أوليائي فلم تخافوني في الاستهزاء بهم.
وفيه تسخط عظيم لفعلهم ذلك ودلالة على اختصاص بالغ لأولئك العباد المسخور منهم، كما نبه عليه أولاً في قوله تعالى {مِّنْ عِبَادِي} وختمه بقوله تعالى {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ} إلى قوله تعالى: - {هُمُ الْفَائِزُونَ} (2)(1/177)
ومما سطره الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآيات: - {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ..} إلى قوله تعالى {وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} حيث قال رحمه الله:-
" قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه، أن " إن " المكسورة المشددة من حروف التعليل كقولك: عاقبه إنه مسيء: أي لأجل إساءته، وقوله في هذه الآية {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي} الآيتين. يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة على أن من الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم، وسخريتهم من هذا الفريق المؤمن الذي يقول: - {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله، والإيمان به فيدخلون بذلك النار...
وحتى في قوله: {حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي..} حروف غاية، لاتخاذهم إياهم سخرياً أي لم يزالوا كذلك، حتى أنساهم ذلك ذكر الله والإيمان به، فكان مأواهم
صـ447
النار والعياذ بالله.(3) "
(ج) أن الاستهزاء بالعلماء والصالحين لأجل ما هم عليه من العلم الشرعي، واتباعهم للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، هو في حقيقته استهزاء بآيات الله تعالى، وسخرية بشرائع دين الله عز وجل، ولا شك أن هذا الاستهزاء كفر يناقض الإيمان، يقول الله تعالى: - {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [الجاثية، آية 9]، ولم يجيء إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار.(1) "
يقول ابن حزم: - " صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر.(2) "
4- ونختم هذا المبحث بجملة من أقوال العلماء في تلك المسألة.(1/178)
يقول القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: - {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا..} الآية {حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي} أي اشتغلتم بالاستهزاء عند ذكري {وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} استهزاء بهم، وأضاف الإنساء إلى المؤمنين؛ لأنهم كانوا سبباً لاشتغالهم عن ذكره، وتعدى شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم..
ويستفيد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء، والمساكين، والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل.(3) "
وجاء في الفتاوى البزازية: - " والاستخفاف بالعلماء لكونهم علماء استخفاف بالعلم، والعلم صفة الله تعالى منحه فضلاً على خيار عباده ليدلوا خلقه على شريعته نيابة عن رسله، فاستخفافه بهذا يعلم أنه إلى من يعود.(4) "
صـ448
وجاء أيضاً:- " رجل يجلس على مكان مرتفع أو لا يجلس عليه، لكن يسألونه عن مسائل بطريق الاستهزاء، ويضربونه بما شاؤا وهم يضحكون كفروا.(5) "
" ويقول ابن نجيم: - " ويكفر بجلوسه على مكان مرتفع والتشبه بالمذكرين ومعه جماعة يسألون من المسائل ويضحكون منه، ثم يضربونه بالمخراق (6)، وكذا يكفر الجميع لاستخفافهم بالشرع، وكذا لو لم يجلس على مكان مرتفع، ولكن يستهزئ بالمذكورين ويتمشى والقوم يضحكون، وبقوله لا تذهب وإن ذهبت تطلق امرأتك استهزاء بالعلم والعلماء جواباً لمن قال إلى مجلس العلم، جواباً أين تذهب.(1) "
ويقول أيضاً:- " ولو صغر الفقيه أو العلوي قاصداً الاستخفاف بالدين كفر، لا إن لم يقصده.(2) "
ويقول ? في كتاب آخر -: - " الاستهزاء بالعلم والعلماء كفر.(3) "(1/179)
ويقول ملا علي قاري: - " وفي الظهيرية من قال لفقيه أخذ شاربه: ما أشد قبحاً قص الشارب ولف طرف العمامة تحت الذقن يكفر؛ لأنه استخفاف بالعلماء يعني وهو مستلزم لاستخفاف الأنبياء عليهم السلام؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام، وقص الشارب من سنن الأنبياء عليهم السلام فتقبيحه كفر بلا اختلاف بين العلماء.
وفي الخلاصة من قال: قصصت شاربك وألقيت العمامة على العاتق استخفافاً يعني بالعالم أو بعلمه فذلك كفر.
ونقل عن الأستاذ نجم الدين الكندي بسمرقند أن من تشبه بالمعلم على وجه السخرية، وأخذ الخشبة، وضرب الصبيان كفر، يعني لأن معلم القرآن من جملة علماء الشريعة فلاستهزاء به وبمعلمه يكون كفراً.
ص449
وفي المحيط ذكر أن فقيهاً وضع كتابه في دكان وذهب، ثم مر على ذلك الدكان، فقال صاحب الدكان: ههنا نسيت المنشار، فقال الفقيه عندك كتاب لا منشار، فقال صاحب الدكان: النجار بالمنشار يقطع الخشب، وأنتم تقطعون به حلق الناس، أو قال حق الناس، فشكى الفقيه إلى الإمام الفضلي يعني الشيخ محمد بن الفضل، فأمر بقتل ذلك الرجل؛ لأنه كفر باستخفاف كتب الفقه.
وفي التتمة: من أهان الشريعة أو المسائل التي لا بد منها كفر، ومن ضحك من المتيمم كفر. (1) "
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن بعض الناس يسخرون بالملتزمين بدين الله ويستهزئون بهم فما حكم هؤلاء؟
فأجاب: - " هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق، فإن الله قال عن المنافقين: - {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ التوبة، آية 79].(1/180)
ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع، فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم، وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزىء بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله لكنهم على خطر عظيم. (2) "
ص450
الفصل الثاني
النواقض العملية
المبحث الأول " ترك الصلاة*
1 - في مستهل هذا المبحث نشير بإيجاز إلى أهمية شأن الصلاة، وعظيم منزلتها، وخصائصها، ولقد كفانا الإمام محمد بن نصر المروزي مؤنة الحديث عن منزلة الصلاة، حيث ألف رحمه الله كتاباً مستقلاً بعنوان "تعظيم قدر الصلاة" (1)، ولذا سنورد جملة من كلامه في هذا المقام.
يقول الإمام محمد بن نصر: - " ومما دل الله تعالى به على تعظيم قدر الصلاة ومباينتها لسائر الأعمال؛ إيجابه إياها على أنبيائه، ورسله، وإخباره عن تعظيمهم إياها، فمن ذلك أنه جل وعز قرب موسى نجياً، وكلمه تكليماً، فكان أول ما افترض عليه بعد افتراضه عبادته إقام الصلاة، ولم ينص له فريضة غيرها، فقال، تبارك وتعالى مخاطباً لموسى بكلماته ليس بينه وبينه ترجمان: - {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى {13} إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه، آية 13]. فدل
ص451
ذلك على عظم قدر الصلاة، وفضلها على سائر الأعمال، إذ لم يبدأ مناجيه وكليمه بفريضة أول منها. (2) "(1/181)
ويقول أيضاً:- " ومدح الله عباده المؤمنين، فبدأ بذكر الصلاة قبل كل عمل، فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1}الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون، آية 1 , 2] فمدحهم في أول نعتهم بالخشوع فيها، ثم أعاد ذكرها في آخر القصة إعظاماً لقدرها، في القربة إليه، ولما أعد للقائمين بها، المحافظين عليها من جزيل الثواب، ونعيم المآب فقال: - {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون آية 9 - 11].
ولم نجد الله عز وجل مدح أحداً من من المؤمين بمواظبته على شيء من الأعمال مدح من واظب على الصلوات في أوقاتها، ألا تراه كيف ذكرها مبتدأة من بين سائر الأعمال،
قال تعالى: - {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج، آية 19-21] ثم لم يبرئ أحداً من هذين الخلقين المذمومين من جميع الناس قبل المصلين، فقال: - {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ {22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج، آية 22، 23].
ثم أعاد ذكرهم في آخر الآية، بذكر آخر فقال: - {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {34} أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} [المعارج، آية 34، 35].
وقال {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر، آية 29]، في كل ذلك يبدأ بمدح الصلاة قبل سائر الأعمال، تبعها ما تبعها من سائر الطاعات، فكرر الثناء عليهم، ومدحهم بالمحافظة عليها، ليدوموا عليها، كل ذلك تأكيداً لها وتعظيماً لشأنهما (3) "
ويقول أيضاً: - " إن الصلاة لم تزل مفتاح شرائع دين الإسلام وعقده لا تزول عنه أبداً، ولم تزل مقرونة بالإيمان في دين الملائكة والأنبياء والخلق أجمعين، لم يكن لله عز وجل دين بغيرها قط، وسائر الفرائض ليس كذلك.(1/182)
-إلى أن قال - فهي أشهر معالم التوحيد مناراً بين ملة الإسلام، وملة الكفر، لن يستحق دين الإسلام ومشاركة أهل الملة، ومباينة ملة الكفر إلا بإقامتها، فإن تركتها العامة انطمس منار الدين كله، فلا يبقى للدين رسم، ولا علم يعرف به.(1) "
ومما دونه ابن القيم في هذا الصدد:- " إن الصلاة قد اختصت من سائر الأعمال بخصائص ليست لغيرها، فهي أول ما فرض الله من الإسلام، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم نوابه ورسله أن يبدؤوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين فقال لمعاذ: " ستأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة (2) "، ولأنها أول ما يحاسب عليها العبد من عمله، ولأن الله فرضها في السماء ليلة المعراج، ولأنها أكثر الفروض ذكراً في القرآن، ولأن أهل النار لما يسألون: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر، آية 42]لم يبدؤوا بشيء غير ترك الصلاة، ولأن فرضها لا يسقط عن العبد بحال دون حال ما دام عقله معه بخلاف سائر الفروض، فإنها تجب في حال دون حال، ولأنها عمود فسطاط الإسلام، وإذا سقط عمود الفسطاط وقع الفسطاط، ولأنها آخر ما يفقد من الدين، ولأنها فرض على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والحاضر والمسافر، والصحيح والمريض، والغني والفقير...(3)"
2- وإذا انتقلنا إلى مسألة ترك الصلاة، فينبغي أن يعلم أن هذا الترك له ضروب متعددة، فمنه ما هو كفر، ومنه ما ليس بكفر، ومنه ما هو مختلف فيه فمن ترك الصلاة نسياناً فلا يكفر بإجماع الأمة (4)، وأما الترك الذي يعد كفراً، فمنه ما يلي:-
(أ) من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذا إن جحد
صـ453
وجوبها ولم يترك فعلها.(5)
(ب) من ترك الصلاة استكباراً أو حسداً... فهذا كافر بالاتفاق.
وقد بين ابن تيمية هذه الحالة بياناً كافياً فقال:-(1/183)
" أن لا يجحد وجوبها، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبراً، أو حسداً، أو بغضاً لله ولرسوله، فيقول أعلم أن الله أوجبها على المسلمين، والرسول صادق في تبليغ القرآن، لكنه ممتنع عن التزام الفعل استكباراً، أو حسداً للرسول، أو عصبية لدينه، أو بغضاً لما جاء به الرسول، فهذا كافر بالاتفاق، فإن إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحداً للإيمان، فإن الله تعالى باشره بالخطاب، وإنما أبى واستكبر وكان من الكافرين، وكذلك أبو طالب كان مصدقاً للرسول فيما بلغه، لكنه ترك اتباعه حمية لدينه، وخوفاً من عار الانقياد، واستكباراً عن أن تعلو أسته رأسه، فهذا ينبغي أن يتفطن له. ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا من يجحد وجوبها فيكون الجحد عنده متناولاً للتكذيب بالإيجاب، ومتناولاً للامتناع عن الإقرار والالتزام، كما قال تعالى:- {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام، آية 63]، وقال تعالى: - {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل، آية 14]. وإلا فمتى لم يقر ويلتزم فعلها قتل وكفر بالاتفاق.(1) "
(ج) من ترك الصلاة استخفافاً واستهانة بها فهو كافر، " فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الرجل يدع الصلاة استخفافاً ومجوناً، فقال: سبحان الله إذا تركها استخفافاً ومجوناً فأي شيء بقي، فقيل له: إنه يسكر ويمجن، قال: هذا تريد تسأل عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: - " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة (2) " قلت: - ترى أن تستيبه، فأعدت عليه، فقال: إذا تركها استخفافاً ومجوناً فأي شيء بقي.(3) "
صـ454(1/184)
وقال الإمام أحمد في رسالة الصلاة:- " فكل مستخف بالصلاة مستهين بها هو مستخف بالإسلام مستهين به، وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة.(4) "
(د) من ترك الصلاة وأصر على تركها حتى يقتل فهو كافر اتفاقاً، فإن من امتنع من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطل مقراً بوجوبها، ولا ملتزماً بفعلها.
وقد فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن الرجل إذا كان مقراً بوجوب الصلاة، فدعي إليها وامتنع واستتيب مع تهديده بالقتل فلم يصل حتى قتل هل يموت كافراً أو فاسقاً؟ على قولين.
فهذا فرض باطل، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل معتقداً لفرضية الصلاة وعقوبة تاركها، ومع ذلك يصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة.(5)
يقول ابن تيمية - عن هذه المسألة وأشباهها:-
" وهي فروع فاسدة، فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن، معتقداً لوجوبها، يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل، وهو لا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم، ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها، ويقال له إن لم تصل وإلا قتلناك، وهو يصر على تركها، مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام.(1) "
وتحدث ابن تيمية - في موضع آخر - عن هذه المسألة المفترضة، وبيان صلتها بالإرجاء فقال: - " لا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع، حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن قط، ولا يكون إلا كافراً، ولو قال أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها، كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه...
فهذا الموضع ينبغي تدبره، فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن، زالت عنه الشبهة من هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن
صـ455(1/185)
الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإدارة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في " مسألة الإيمان "، وأن الأعمال ليست من الإيمان.(2) "
ويستنكر ابن القيم عدم تكفير من تلبس بهذه الحالة، فيقول:-" ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: - تصلي، وإلا قتلناك، فيقول: - اقتلوني، ولا أصلي أبداً، ومن لا يكفر تارك الصلاة، يقول: هذا مؤمن مسلم يغسل، ويصلي عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، أفلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة.(3) "
(هـ) من ترك الصلاة معرضاً عنها، لا مقراً بوجوبها، ولا منكراً فهو كافر، كما بين ذلك ابن تيمية بقوله:-
" أن يتركها {أي الصلاة} ولا يقر بوجوبها، ولا يجحد وجوبها، لكنه مقر بالإسلام من حيث الجملة، فهل هذا من موارد النزاع، أو من موارد الإجماع؟ ولعل كلام كثير من السلف متناول لهذا، وهو المعرض عنها لا مقراً ولا منكراً، وإنما هو متكلم بالإسلام فهذا فيه نظر، فإن قلنا: يكفر بالاتفاق، فيكون اعتقاد وجوب هذه الواجبات على التعيين من الإيمان لا يكفي فيها الاعتقاد العام، كما في الخبريات من أحوال الجنة والنار، والفرق بينهما أن الأفعال المأمور بها، المطلوب فيها الفعل لا يكفي فيها الاعتقاد العام، بل لابد من اعتقاد خاص بخلاف الأمور الخبرية، فإن الإيمان المجمل بما جاء به الرسول من صفات الرب وأمر المعاد يكفي فيه مالم ينقض الجملة بالتفصيل... بخلاف الشرائع المأمور بها فإنه لا يكتفي فيها بالجمل، بل لابد من تفصيلها علماً وعملاً.(1) "(1/186)
صـ456
3 - أما من تعمد ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً، وهل هو كافر أو مسلم؟ ففيه قولان، وهذه المسألة محل خلاف طويل بين أهل العلم، وسنورد أقوالهم وأدلتهم ومناقشتها على النحو التالي:-
القول الأول:- قال بتكفير تارك الصلاة جمع من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين وكثير من أئمة العلم وأهله.
يقول محمد بن نصر المروزي عن هذا القول: - " وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث.(2)
ويقول ابن حزم: - " فروينا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلاً من الصحابة، والتابعين ضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرض عامداً ذاكراً حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماحشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره.(3) "
وقال ابن قدامة: - واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً؟ فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد، فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد، ولا يرث أحداً، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا، وابن حامد، وهو مذهب الحسن، والنخعي، والشعبي، وأيوب السختياني، والأوزاعي، وابن المبارك، وحماد بن زيد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن...(4) "
وقال النووي: - " من تركها بلا عذر تكاسلاً وتهاوناً فيأثم بلا شك، ويجب قتله إذا أصر، وهل يكفر؟ فيه وجهان، حكاهما المصنف {الشيرازي} وغيره، أحدهما يكفر، قال العبدري: وهو قول منصور الفقيه من أصحابنا وحكاه
صـ457
المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا.(5) "(1/187)
وقال ابن تيمية: - " وإن كان التارك للصلاة واحداً فقد قيل إنه يعاقب بالضرب والحبس حتى يصلي، وجمهور العلماء على أنه يجب قتله إذا امتنع من الصلاة بعد أن يستتاب، فإن تاب وصلى، وإلا قتل، وهل يقتل كافراً أو مسلماً فاسقاً؟ فيه قولان، وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً، وهذا كله مع الإقرار بوجوبها.(1)
وأما القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة فكثير من الفقهاء.
قال ابن قدامة: - " والرواية الثانية: يقتل حداً، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله ابن بطة، وأنكر قول من قال إنه يكفر... وهذا قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك، والشافعي.(2) "
وقال النووي - عن هذا القول -: - " وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور.(3) "
(أ) أدلة الفريق الأول:-
استدل القائلون بتكفير تارك الصلاة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب:-
1. فقوله تعالى: - {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ {35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {36} أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ {37} إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ {38}أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [- إلى قوله - {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ {42} خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم، آية 35 - 43].
صـ458
يقول ابن تيمية: - " إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار، كقوله {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ {42} خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} (4) "(1/188)
ويقول ابن القيم: - " فوجه الدلالة من الآية: - أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين، وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته، ولا بحكمه، ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين، فقال: - " يوم يكشف عن ساق " وأنهم يدعون إلى السجود لربهم - تبارك وتعالى - فيحال بينهم وبينه، فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا، وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كصياصي البقر (5)، ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.(6) "
2 - قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {38}إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ {39}فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ {40}عَنِ الْمُجْرِمِينَ {41}مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ {42}قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ {43}وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ {44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ {45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ {46}حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر، آية 38 - 47]
يقول محمد بن نصر المروزي: - أولا تراه أبان أن أهل المعاد إلى الجنة المصلين، وأن المستوجبين للإياس من الجنة المستحقين للتخليد في النار من لم يكن من أهل الصلاة بإخباره تعالى عن المخلدين في النار حين سئلوا {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ {42}قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر، آية 42].(1)
وقال ابن القيم: - " قد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين، وتارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ {47}يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر، آية 47 , 48]
وقال تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}
صـ459
[المطففين، آية 29]، فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.(2) "(1/189)
3- قوله تعالى:- {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم، آية 59].
ومعنى أضاعوا الصلاة أي تركوها، كما اختاره ابن جرير وغيره (3)، وأما المقصود بغي، فقد ساق الإمام محمد بن نصر بسنده عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن صخرة زنة عشر عشروات (4) قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً، ثم تنتهي إلى غي وأثام،
فقلت: وما غي وأثام؟ قال: - بئران في أسفل جهنم، يسيل فيها صديد أهل جهنم.(5) "
يقول ابن القيم: - " فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة، واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة المسلمين، لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو في أسفلها، فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام، بل من أمكنه الكفار، ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى: - {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {59} إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فلو كان مضيع الصلاة مؤمناً، لم يشترط في توبته الإيمان، وأنه يكون تحصيلاً للحاصل.(1)"
صـ460
4- قوله عز وجل: - {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة، آية 11].
فمفهوم هذه الآية أنهم إن لم يقيموا الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين، ومن انتفت عنهم أخوة المؤمنين، فهم من الكافرين؛ لأن الله تعالى يقول: - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات، آية 10]، فالأخوة الدينية لا تنتفي بالمعاصي وإن عظمت، ولكن تنتفي بالخروج عن الإسلام.(2)
5- قوله سبحانه وتعالى: - {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى {31} وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة، آية
31, 32].(1/190)
يقول محمد بن نصر المروزي: - " فالكذب ضد التصديق، والتولي ترك الصلاة وغيرها من الفرائض، ثم أوعده وعيداً بعد وعيد فقال: - {أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى} [القيامة 34، 35].(3) "
ويقول ابن القيم - عن هذه الآيات -: - " فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر، جعل سبحانه له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب، والصلاة بالتولي فقال: - "} وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فكما أن المكذب كافر، فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة.(4) "
6.قوله تبارك وتعالى: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون، آية 9].
قال عطاء بن أبي رباح: - " هي الصلاة المكتوبة.(5) "
يقول ابن القيم: - " ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق لمن ألها ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار، فإن
صـ461
المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه، فآخر أمره إلى الربح، يوضحه أنه سبحانه وتعالى - أكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:
الأول: إتيانه به بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: - تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح، أفاد ذلك إثبات كمال ذلك، بخلاف قولك عالم صالح.
الثالث: - إتيانه - سبحانه - بالمبتدأ والخبر معرفتين،وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: - {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة، آية 5]، وقوله تعالى - {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة، آية 254].(1/191)
الرابع: - إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وهو يفيد مع الفصل فائدتين أخريين: قوة الإسناد، واختصاص المسند إليه بالمسند، كقوله تعالى:-
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج، آية 64] وقوله: - {وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [ المائدة، آية 76]. (1) "
7. قوله تعالى: - {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ {46}وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ {47}وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ {48} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات، آية 46 - 49].
يقول ابن القيم: - " توعدهم على ترك الركوع، وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب، فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبرهم عن تركهم لها، وعليه وقع الوعيد.
على أنا نقول: لا يصر على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله سبحانه أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل - في العادة والطبيعة - أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمره بها، فليس في قلبه شيء من الإيمان.
صـ462
ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد، والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته، وعدم الموانع المانعة له من الفعل،و هذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة، ولا ترك معصية.(2) "(1/192)
8- قوله تعالى: - {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم، آية 31].
فبين عز وجل أن علامة أن يكون من المشركين ترك إقامة الصلاة.(1) "
وأما أدلتهم من السنة فنوردها كما يأتي:-
1- ساق الإمام مسلم (2) بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة.(3) "
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد بين الإسلام والكفر ترك الصلاة، فمن أدى الصلاة فهو مسلم، ومن تركها فهو كافر.
يقول البيهقي (4): - " ليس من العبادات بعد الإيمان الرافع للكفر عبادة سماها الله
صـ463
عز وجل إيماناً، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها كفراً إلا الصلاة.(5) "
وقد جاء الكفر - في هذا الحديث - معرفاً، فدل على التخصيص والعهد، وكما قال ابن تيمية:-
" ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافراً الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمناً، حتى يقوم به أصل الإيمان، وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم: - " ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة " وبين كفر منكر في الإثبات.(6) "
ويقول الشوكاني: - - في بيان حكم تارك الصلاة - والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الإسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق.(7) "
ويقول الشنقيطي عن هذا الحديث: - " وهو واضح في أن تارك الصلاة كافر؛ لأن عطف الشرك على الكفر فيه تأكيد قوي لكونه كافراً.(8) "
2- وعن بريدة بن الحصيب (1)رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "(2) "
صـ464(1/193)
يقول العراقي في شرح هذا الحديث: - " الضمير في قوله " وبينهم " يعود على الكفار أو المنافقين، معناه بين المسلمين والكافرين والمنافقين ترك الصلاة... والمراد أنهم ما داموا يصلون فالعهد الذي بينهم وبين المسلمين من حقن الدم باق...(3) "
ومما قاله المباركفوري (4) في شرح هذا الحديث: - " والمعنى أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلاتهم، ولزوم جماعتهم، وانقيادهم للأحكام الظاهرة، فإذا تركوا ذلك كانوا هم والكفار سواء.(5) "
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً يميز المسلمين عن غيرهم من الكفار، ويشهد لهذا ما جاء في الحديث الآخر عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً قال: - " بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك (6) "
3- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: - " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم تكن له نوراً، ولا برهاناً، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف (7) "
صـ465
قال ابن القيم: - " وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة... إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رئاسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رئاسة وزارة فهو مه هامان، ومن شغله عنها تجارته مع أبي بن خلف.(1) "
وقال الشنقيطي: " وهذا الحديث أوضح دلالة على كفر تارك الصلاة؛ لأن انتفاء النور والبرهان والنجاة، والكينونة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف يوم القيامة أوضح دليل على الكفر كما ترى.(2)"(1/194)
4 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بسبع: - لا تشرك بالله شيئاً، وإن قطعت أو حرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً، فمن تركها عمداً فقد برئت منه الذمة (3) "
يقول ابن القيم: - " ولو كان باقياً على إسلامه، لكانت له ذمة الإسلام.(4) "
5- وجاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الطويل، قوله صلى الله عليه وسلم: - " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد.(5) "
يقول الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: - "ألست تعلم أن الفسطاط (6) إذا سقط عموده، سقط الفسطاط، ولم تنتفع بالطنب ولا بالأوتاد، وإذا قام عمود
صـ466
الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد؟(7) "
6- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا.(8) "
فهذا دليل على أن من لم يصل صلاتنا، ويستقبل قبلتنا فليس بمسلم.(9)
وقال ابن القيم - عن هذا الحديث -: -
" ووجه الدلالة فيه من وجهين:-
أحدهما: أنه إنما جعله مسلماً بهذه الثلاثة، فلا يكون مسلماً بدونها.
الثاني:- أنه إذا صلى إلى الشرق، لم يكن مسلماً حتى يصلي إلى قبلة المسلمين، فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية.(1) "
7- وعن محجن الديلي (2) رضي الله عنه: أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ قال بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت.(3)(1/195)
يقول ابن عبد البر: - " في هذا الحديث وجوه من الفقه: أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم لمحجن الديلي: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ وفي هذا - والله أعلم - دليل على أن من لا يصلي ليس بمسلم، وإن كان
ص467
موحداً، وهذا موضع اختلاف بين أهل العلم، وتقرير هذا الخطاب في هذا الحديث: أن أحداً لا يكون مسلماً إلا أن يصلي، فمن لم يصل فليس بمسلم (4) "
ويقول ابن القيم: - " فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة، وأنت تجد تحت ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلماً لصليت، وهذا كما تقول: مالك لا تتكلم ألست بناطق؟ ومالك؛ لا تتحرك ألست بحي؟ ولو كان الإسلام يثبت مع عدم الصلاة، لما قال لمن رآه لا يصلي: ألست برجل مسلم. (5) "
8 - وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. (6) "
وفي رواية المسلم (7): " قالوا: - كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم (8) بهم (9) ألا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: - فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض "
يقول ابن تيمية: - فدل ذلك على أن من لم يكن غراً محجلاً، لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من أمته. (1) "
9 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث على بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ (2) لم تحصل من
ص468(1/196)
ترابها (3) وقال فقسمها بين أربعة نفر بين عينية بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: - ألا تأمونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً، قال فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة (4)، كث اللحية محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، فقال: " ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله " قال ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: - يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: - لا لعله أن يكون يصلي (5) "
وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: - " إني نهيت عن قتل المصلين (6) "
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الصلاة مانعاً من قتل من همّ الصحابة بقتلهم لما رأوا فيهم من احتمال كفرهم، ولو لم يكونوا مقيمين للصلاة لم يمنع الصحابة من ذلك، كما هو ظاهر الحديثين، ولكان قتلهم إياهم لأجل أنهم كفار ليس لدمائهم عصمة، ولا يقال هنا أن تارك الصلاة يقتل حداً لا كفراً، بدلالة هذين الحديثين السابقين، فإنهما لا يدلان على ذلك، وإنما يدلان على خلافه، والذي يبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: - " لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. (7) "
ص469
وليس تارك الصلاة من أصحاب الحدود من المسلمين، بل لا يكون ذلك إلا في الزاني المحصن وليس قاتل نفس، فلم يبق إلا أن يكون إباحة دم تارك الصلاة من أجل ردته. (8)
10 - عن عوف بن مالك (1) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويعلنونكم، قيل: - يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة ... (2) "(1/197)
وعن أم سلمة (3) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: - " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: - لا، ما صلوا (4) "
و" ما " في قوله " ما صلوا " مصدرية ظرفية، أي لا تقاتلوهم مدة كونهم يصلون، ويفهم منه أنهم إن لم يصلوا قوتلوا. (5)
وجاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: - " دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن
ص470
تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. (6) "
فدل مجموع هذه الأحاديث أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله برهان؛ لأنه إذا لم يجز الخروج على الأئمة إلا إذا كفروا كفراً بواحاً، ثم جاز الخروج عليهم إذا تركوا الصلاة، دل ذلك على أن ترك الصلاة من ذاك الكفر.(7) "
11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
" إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، ويقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار.(8) "
" قال إسحاق [بن راهويه] : واجتمع أهل العلم على أن إبليس إنما ترك السجود لآدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في نفسه خيراً من آدم عليه السلام، فاستكبر عن السجود لآدم فقال - {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف، آية 12].
فالنار أقوى من الطين، فلم يشك إبليس في أن الله قد أمره، ولا جحد السجود، فصار كافراً بتركه أمر الله تعالى، واستنكافه أن يذل لآدم بالسجود له، ولم يكن تركه استنكافاً عن الله تعالى، ولا جحوداً منه لأمره، فاقتاس قوم ترك الصلاة على هذا.(1/198)
قالوا: تارك السجود لله تعالى، وقد افترضه عليه عمداً، وإن كان مقراً بوجوبه، أعظم معصية من إبليس في تركه السجود لآدم؛ لأن الله افترض الصلوات على عباده، اختصها لنفسه، فأمرهم بالخضوع لهم بها دون خلقه، فتارك الصلاة أعظم معصية، واستهانة من إبليس حين ترك السجود لآدم عليه السلام، فكما وقعت استهانة إبليس، وتكبره عن السجود لآدم موقع الحجة، فصار بذلك كافراً، فكذلك تارك الصلاة، عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.(1)
صـ471
وأما دلالة الإجماع على كفر تارك الصلاة، فإجماع الصحابة رضي الله عنهم، فعن سليمان بن يسار قال: أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ طعن، دخل عليه هو وابن عباس رضي الله عنهم، فلما أصبح من غد، فزعوه، فقالوا: الصلاة، ففزع، فقال: نعم، لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى والجرح يثعب دماً.(2) "
يقول ابن القيم: - " فقال هذا بمحضر من الصحابة، ولم ينكروه عليه.(3)"
وقال محمد بن نصر المروزي: - " ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتل من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك.(4) "
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي (5) قال: - " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.(6) "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: - " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه غير الصلاة.(7)
صـ472
قال الشوكاني معلقاً على أثر عبد الله بن شقيق " والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: " كان أصحاب رسول الله، جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك.(1) "(1/199)
" وقال إسحاق بن راهوية: - قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.(2) "
(ب) أدلة الفريق الآخر:-
واستدل القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة بجملة من الأدلة، نذكرها على النحو التالي:-
1- قوله تعالى: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء، آية 48].
2- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - " خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.(3) "
وفي رواية: " فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن.. الحديث 3 "
وهذا الدليل أجود ما اعتمدوا - كما يقول ابن تيمية (5)-
صـ473
قال الطحاوي: - " دل أنه لم يخرج بذلك عن الإسلام فيجعله مرتداً مشركاً؛ لأن الله تعالى لا يدخل الجنة من أشرك به لقوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة، آية 73]، ولا يغفر له لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء، آية 48].(6) "
وقال ابن عبد البر عن هذا الحديث: - " وفيه دليل على أن من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله، إذا كان موحداً مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مقراً، وإن لم يعمل.(7) "
وقال الزرقاني (1): " وفيه - يعني حديث عبادة المذكور - أن تارك الصلاة لا يكفر ولا يتمتم عذابه، بل هو تحت المشيئة بنص الحديث.(2) "، ولو كان كافراً لم يدخله تحت المشيئة (3).(1/200)
3- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعاً:- يدرس الإسلام كما يدرس وشي (4) الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله، فنحن نقولها.
قال صلة بن زفر لحذيفة: - ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفه، ثم ردها عليه ثلاثاً،
صـ474
كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تنجيهم من النار ثلاثاً.(5) "
4- وعن أبي ذر الغفاري (6) رضي الله عنه قال: - قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي من صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم وتخلفهم، انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه، فصلى فجئت خلفه، فأومأ إلي بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود، فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله، فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل منا بنفسه، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو، فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة، فقال ابن مسعود: - لا أسأله عن شيء حتى يحدث إليّ، فقلت بأبي أنت وأمي، قمت بآية من القرآن ومعك القرآن، لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه (1)، قال دعوت لأمتي، قال: فماذا أجبت؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة ... الحديث (2) "(1/201)
5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- " الدواوين عند الله ثلاث: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله عز وجل: - {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة، آية 73].
صـ475
وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله - عز وجل - يغفر ذلك، ويتجاوز عنه إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، فظلم العباد بعضهم بعضاً القصاص لا محالة.(3) "
6- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول ما يقضي بين الناس في الدماء (4) "
وجاء من حديث أبي هريرة قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - " إن أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن أتمها، وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من تطوعه، ثم ترفع سائر الأعمال على ذلك.(5) "
يقول الشوكاني: - أثناء شرحه لهذا الحديث - " والحديث يدل على أن ما لحق الفرائض من النقص كملته النوافل، وأورده المنصف [المجد ابن تيمية] في حجج من قال بعدم الكفر؛ لأن نقصان الفرائض أعم من أن يكون نقصاً في الذات، وهو ترك بعضها، أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها، أو أركانها وجبرانها بالنوافل، شعر بأنها مقبولة مثاب عليها، والكفر ينافي ذلك.(6) "
ويقول الشنقيطي: - " وجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة أن نقصان الصلوات المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً، كما يقتضيه ظاهر عموم اللفظ كما ترى. (1) "
صـ476(1/202)
7- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر! إنه سيكون بعدي أمراء، يميتون الصلاة (2)، فصل الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك (3) (4) " فهذا دليل على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها غير كافر.
8- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسئل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه أفاق، قال: علام جلدتموني؟ إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور، ومررت، على مظلوم فلن تنصره.(5) "
قال الطحاوي: " في هذا الحديث ما قد دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافراً؛ لأنه لو كان كافراً، لكان دعاؤه باطلاً، لقوله تعالى: {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر، آية 50](6) "
9- وعن أبي شميلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: مملوك لآل فلان كان من أمره، قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا نعم ولكن كان وكان، فقال: أما كان يصلي فقالوا: كان يصلي ويدع: فقال لهم:
صـ477
ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه، والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه.(7) "
10- وعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " إن للإسلام صوى (1)، ومناراً كمنار الطريق، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً، فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره.(2) "(1/203)
11- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا، فوالذي نفسي بيده ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار.
قال: يقولون: ربنا! إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا فأدخلتهم النار.
قال: فيقول اذهبوا، فأخرجوا من عرفتم منهم. فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم ... فيخرجون منها بشراً كثيراً، فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا.
قال: ثم يعودون فيتكلمون، فيقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا. ثم يقول: ارجعوا فمن كان في قلبه وزن نصف دينار، فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا حتى يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة، فيخرجون خلقاً كثيراً.
صـ478
قال: فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير، قال ثم يقول الله: شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين. قال: فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، قد احترقوا حتى صاروا حمماً.
قال: فيؤتى بهم إلى ماء ما يقال له: الحياة، فيصب عليهم ... - إلى أن قال صلى الله عليه وسلم -: فيقال لهم: ادخلوا الجنة ... الحديث (3) "
قال الشيخ ناصر الدين الألباني عن هذا الحديث: - " فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله، أنه لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء، آية 48] (4) "(1/204)
12- واحتجوا بجملة من عمومات الأحاديث: - كقوله صلى الله عليه وسلم: - " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل.(1) "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: - " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.(2) "
وما جاء في معناهما ...(3)
صـ479
13- واحتجوا بالإجماع قائلين:- " لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك صلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافاً في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام.(4) "
وأجاب هذا الفريق عن أدلة مكفري تارك الصلاة بأجوبة منها:-
1- قالوا: تحمل أحاديث تكفير تارك الصلاة على كفر النعمة، كقوله صلى الله عليه وسلم: - " من تعلم الرمي، ثم تركه، فهي نعمة كفرها (5) "
وقوله: -: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " (6)
وقوله: - " من حلف بغير الله فقد كفر " (7)
وبعضهم يقول - كالشوكاني - إن كفر تارك الصلاة إنما هو كفر دون كفر، فلا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة.(8) "
2- إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة كحديث جابر وبريدة رضي الله عنهما إنما هي على سبيل التغليظ والزجر الشديد لا على الحقيقة، فظاهرها غير مراد (9)
ص480
3- إن مثل هذه النصوص محمولة على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل. قال النووي: - وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده.(1) "(1/205)
4- المراد من هذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً بلا عذر.(2)
(ج) أجوبة المكفرين عن أدلة الآخرين:-
وقد أجاب القائلون بتكفير تارك الصلاة عن أدلة الآخرين بما يلي:-
1- أما حديث عبادة بن الصامت: - " خمس صلوات.. الحديث " فهذا الوعد الكريم إنما هو بالمحافظة عليها، والمحافظة: فعلها في أوقاتها كما أمر، قال تعالى: - {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة، آية 238] وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت، كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر يوم الخندق، فأنزل الله آية الأمر بالمحافظة عليها وعلى غيرها من الصلوات.
وقد دل الكتاب والسنة، واتفاق السلف على الفرق بين من يضيع الصلاة فيصليها بعد الوقت، والفرق بين من يتركها. ولو كانت بعد الوقت لا تصح بحال، لكان الجميع سواء ,
فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها، لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا، ولم يحافظوا عليها (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم: - " ومن لم يفعل فليس له على الله عهد.. " معناه: أنه لم يأت بهن على الكمال، وإنما أتى بهن ناقصات من حقوقهن، كما جاء مفسراً في بعض الروايات: " ومن جاء بهن، وقد انتقص من حقهن شيئاً، جاء وليس له عند الله
ص481
عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه (4) "
قال محمد بن نصر المزوري: - "فمن أتى بذلك كله كاملاً على ما أمر به، فهو الذي له العهد عند الله تعالى بأن يدخله الجنة، ومن أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن شيئاً، فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فهذا بعيد الشبه من الذي يتركها أصلاً لا يصليها. (5) "(1/206)
2- وأما حديث حذيفة - والذي جاء فيه -: "تنجيهم لا إله إلا الله " فهو محمول على زمن الفترات، حيث تضمن هذا الحديث الإخبار عما يحصل في آخر الزمان من محو الإسلام، ورفع القرآن حتى لا يبقى منه آية، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، فيغفر الله لهؤلاء مالا يغفر لغيرهم ممن قامت عليهم الحجة، وظهرت آثار الرسالة في وقتهم، وقد أشار ابن تيمية إلى زمانه، وما كان عليه الكثير من الناس من الوقوع في أنواع الكفر فقال - عنهم -: -
"وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنه الفترات، يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لمم تقم الحجة عليه، ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: " يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً ولا حجاً.. الحديث (1) "
فإذا كان هؤلاء معذورين مع وجود أهل العلم، ووجود القرآن والسنة بين أظهرهم...فكيف لا يعذر بترك الصلاة ونحوها من كان في زمان يمحى فيه الإسلام، ويرفع فيه القرآن فلا يبقى منه في الأرض آية؟
فينبغي مراعاة أحوال الأزمنة والأمكنة والأشخاص، ولعل مما يؤكد ما ذكرناه أن راوي الحديث السابق حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لما رأى رجلاً لا يتم
ص482
الركوع والسجود، قال: - " ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم (2) "
يقول ابن حجر: - " واستدل به على تكفير تارك الصلاة؛ لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها، فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى (3)"
فتأمل تنوع الجوابين لاختلاف الزمان والحال والله أعلم(1/207)
3- وأما استدلالهم بحديث أبي ذر مرفوعاً:- " إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة.. الحديث "، فقد أجاب محمد بن نصر عن استدلالهم بما يلي: - " ليس في هذه الأخبار التي احتججتم بها دليل على أن تارك الصلاة عمداً، حتى يخرج وقتها لا يكفر، متعمدين لتركها حتى يذهب وقتها. إنما قال في حديث عبادة (4) يكون عليكم أمراء يشغلهم أشياء عن الصلاة، فإنما أخروها عن الوقت الذي كانت تصلى فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين... فكانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار إلى وقت أصحاب العذر.. ولا يؤخرونها حتى يخرجوا من وقت أصحاب العذر كله، فلم يكونوا يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت كله، إنما كانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار، ويصلون في آخر وقت العذر، فلذلك لم يثبت عليهم الكفر.(1) "
وأجاب ابن تيمية قائلاً: " وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، " صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة (2) " وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، والعصر إلى وقت الاصفرار، وذلك مما هو مذمومون عليه، ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس، فإن هؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم،
ص483
ونهى عن قتال أولئك، فإنه لما ذكر أنه سيكون أمراء يفعلون ويفعلون، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: - " لا، ما صلوا "وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها، وأمر أن نصلي في الوقت، وتعاد معم نافلة، فدل على صحة صلاتهم، ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم. (3)"
- واستكمالاًً لأجوبة القائلين بتكفير تارك الصلاة، نضيف ما يلي: -(1/208)
4- أما استدلالهم بقوله تعالى: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآية، فقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر وشرك، كما جاء في حديث جابر مرفوعاً: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، فيكون ترك الصلاة داخلاً في عموم الآية من جهة الدلالة على أن ذلك مما لا يغفره الله تعالى، وبهذا نصدق بجميع تلك النصوص، ويتحقق إعمالها دون إهمالها. (4)
5- وأما احتجاجهم بحديث أبي ذر مرفوعاً: "لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة " ففي سنده قدامة بن عبدالله بن عبدة البكري، قال عنه ابن حجر: - "مقبول (5) "، وفي سنده جسرة بنت دجاجة، قال البيهقي: فيها نظر، وقال البخاري في تاريخه: - وعند جسرة عجائب (6).
وقد أورد ابن خزيمة هذا الحديث بصيغة تشعر بعدم صحته، فعقد باباً بعنوان: - " باب إباحة ترديد الآية الواحدة في الصلاة مراراً عند التدبر والتفكر في القرآن إن صح الخبر "، ثم ساق الحديث المذكور (7)
ويمكن أن يقال: أن الحديث علق ترك الصلاة بأمر ممتنع لا يمكن الاطلاع عليه، فمن المعلوم أن "لو" حرف امتناع لامتناع، وبهذا نعلم أن هذه الرواية قد قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.
ص484
6. وأما احتجاجهم بحديث عائشة: - "الدواوين ثلاثة... ففيه صدقة بن موسى وقد ضعفه الجمهور (1). " قال يحي بن معين: - ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به، ليس بالقوي (2) "
وفيه يزيد بن بابنوس، قال عنه الذهبي: فيه جهالة. (3)
وضعف الألباني هذا الحديث. (4)
ولو صح الحديث فيحمل على من يقع أحياناً في ترك صلوات، دون أن يتركها بالكلية، ويشهد لذلك لفظ الحديث حيث جاء فيه: "" من صوم يوم تركه أو صلاة تركها "(1/209)
7- وكذا يقال بالنسبة لحديث عبدالله بن مسعود: " أول ما يحاسب به العبد الصلاة.. الحديث "فإن مناط التكفير لتارك الصلاة إنما هو الترك المطلق، بحيث يترك الصلاة جملة، وأما ترك بعض الصلوات فلا يكون كفراً، كما يدل عليه ظاهر الحديث، وسيأتي مزيد تفصيل - إن شاء الله - لهذه المسألة.
بل إن بعض مرويات هذا الحديث تكاد تشهد بكفر تارك الصلاة، فعن أنس مرفوعاً "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. (5) "
فجعل صلاح الصلاة وصحتها شرطاً في صلاح سائر الأعمال وصحته، وأن فسادها شرط في فساد باقي الأعمال.
ولذا قال الإمام أحمد بن حنبل: - " وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: - " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه
ص 485
الصلاة (6) " وجاء في الحديث " إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه تقبل من سائر عمله، وإن ردت عليه صلاته رد سائر عمله. (7) " فصلاتنا آخر ديننا، وهي أول ما نسئل عنه غداً من أعمالنا، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين، فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام، فكل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه... (1) "
8- وأما حديث: " أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة.. الحديث (2) " ففي سنده عاصم بن بهدلة تكلموا في حفظة... (3) وقال ابن حجر: - " صدوق، وله أوهام (4) " وفيه: جعفر بن سليمان الضبعي، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع. (5)(1/210)
إضافة إلى ذلك، فقد جاء في رواية هذا الحديث: - صليت صلاة واحدة بغير طهور " فهو إذن ليس تاركاً للصلاة بالكلية بتركه الوضوء، وإنما هي صلاة واحدة بغير طهور " فهو إذن ليس تاركاً للصلاة بالكلية بتركه الوضوء، وإنما هي صلاة واحدة...وهناك فرق ظاهر بين من تركها بالكلية... ومن ترك صلاة واحدة وقد يفعل بعض المسلمين ذلك، فيصلي بغير وضوء، فيكون مستحقاً للذم والعقاب، وقد يفعله مع اعترافه بالذنب فلا يكفر، كما ظن بعض الأحناف عندما أطلقوا كفر من صلى بغير طهارة (6)، ولكن لو فعله على سبيل الاستهانة والاستخفاف
ص486
فهو كافر (7) فكيف بحال هذا الرجل الذي كان مداوماً على الوضوء والصلاة.. لكنه صلى صلاة واحدة بغير وضوء؟ وأما قوله: - إن دعاء الكافرين داخل في قوله تعالى: - {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر، آية 50] فلا يستجاب لهم، فهذا كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل، فقد يدعو الكافر ربه فيستجاب له، كما جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن.
قال تعالى: - {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {40}بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام، آية 40، 41].
وقال سبحانه: - {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت، آية 65]
وأما دعاء الكافرين لغير الله تعالى فهو ضلال، كما هو ظاهر الآية التالية: - {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [الرعد، آية 14].(1/211)
كما ينبغي مراعاة الفرق بين حياة البرزخ كما جاء في الحديث الذي استدلوا به، ودخول دار الجزاء (الجنة أو النار) كما في الآية: - {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر، آية 50] ففي البرزخ قد يقع التكليف كما في سؤال الملكين، وكذا في عرصات القيامة يدعون إلى السجود، وأما بدخول دار الجزاء فينقطع التكليف، كما في الآية. (1)
إضافة إلى ذلك فهذا الحديث - المتكلم على سنده ومتنه - معارض لحديث صحيح صريح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: -
" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: - صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده (2) "
صـ487
9- وأما الحديث الذي أخرجه الخلال وفيه أن مولى للأنصار مات وكان يصلي ويدع، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله والصلاة عليه ودفنه.. فهذا الحديث في سنده مقال.. فأبو شميلة مختلف في صحبته...
وقد ذكر الذهبي وابن حجر وغيرهما قصة تدل على صحبته، لكن في سندها محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. (3)
وفيه عبدالوهاب بن عطاء، قال عنه ابن حجر: - صدوق، ربما أخطأ (4)
وضعف الألباني هذا الحديث في "الضعيفة". (5)
ولو صح الحديث فلا دلالة فيه على أن الترك المطلق للصلاة لا يعد كفراً، وهذا المولى كان يصلي ويدع، فلم يكن تاركاً للصلاة بالكلية، وفرق بين من يحافظ على تركها، ومن يصلي ويدع فهو غير محافظ على فعلها والله أعلم.
10 - وأما حديث " إن للاسلام صوى ومناراً كمنار الطريق... الحديث. "فليس في دلالة ظاهرة على عدم كفر تارك الصلاة... ولقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن من ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن المعلوم أن تلك "المنارات" متفاوته، فمنها ما تركه يناقض الملة كالإيمان بالله تعالى، ومنها ما تركه ينافي كمال الإيمان الواجب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها ما تركه يعد تفويتاً لكمال الإيمان المستحب كالسلام.(1/212)
11 - وأما استدلالهم بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الشفاعة، وكذا عمومات الأحاديث الأخرى.. فهذه من نصوص الوعد، التي لابد من الإيمان بها، وضمها إلى ما يقابلها من نصوص الوعيد، فالذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بالوعد والوعيد، فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب، قد تبين سبحانه أنه مشروط بأن لا يتوب، فإن تاب، تاب الله عليه، وبأن لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فهكذا الوعد له تفسير وبيان فمن قال بلسانه: لا إله إلا الله وكذب
ص488
الرسول فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن جحد شيئاً مما أنزل الله... (1)
فاستدلالهم بعموم الأحاديث التي فيها من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وما جاء في معناها، ولم يشترط إقامة الصلاة لذلك... لا دلاله فيها على أن تارك الصلاة لا يكفر؛ لأن المراد بقول لا إله إلا الله تحقيق شروطها وترك نواقضها، وقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر، فلا اعتبار بمجرد الإقرار بالشهادتين مع عدم أداء الصلاة. (2)
ومثل هذه الأحاديث التي قد يكون فهمها مشكلاً أو مشتبهاً على البعض، فإنه يجب ردها إلى الأحاديث الواضحة المحكمة، فنصوص الكتاب والسنة يصدق بعضها بعضاً.
ويقال - أيضاً - إن هذه العمومات يمكن تخصيصها بأحاديث كفر تارك الصلاة. (3)
يقول ابن الوزير: - " ولا شك في ترجيح النص الخاص على العموم وتقديمه، وعليه عمل علماء الإسلام في أدلة الشريعة، ومن لم يقدمه في بعض المواضع لم يمكنه الوفاء بذلك في كل موضع، واضطر إلى التحكم والتلون من غير حجة بينة. (4) "
وقد عقد إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد باباً بعنوان: - " باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص. " ثم أورد أدلته على ذلك (5)(1/213)
بل إن في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره من أحاديث الشفاعة لعصاة الموحدين ما يدل على أن تارك الصلاة كافر... فقد قال صلى الله عليه وسلم
ص489
وسلم: - " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود. (6) "
فعلم أن من لم يكن يسجد لله تأكله النار كله. (7)
وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلماً، ولكنه كان لا يصلي لا يخرج إذ لا علامة له. (8)
وإن كانوا يحتجون برواية " لم يعملوا خير قط " على عدم كفر تارك الصلاة، في نفس الوقت يدفعون توهم من زعم أن المراد بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار، كما قال ابن حجر: - " ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين، كما تدل عليه بقية الأحاديث (1) "
فكذا يقال أيضاً أن هذا الخير المنفي ما زاد على فعل الصلاة كما جاءت بذلك النصوص.
وقال ابن خزيمة: - " هذه اللفظة" لم يعملوا خيراً قط " من الجنس الذي يقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه على الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيراً قط، على التمام والكمال.. (2) "
12 - وأما دعواهم الإجماع - على فرض صحتها - فهي منقوضة ومردودة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم كما نقله أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله، فالإجماع على مراتب، وأقواها إجماع الصحابة رضي الله عنهم. (3).
ص490
وقولهم لا نعلم بين المسلمين خلافاً لا يعد إجماعاً (4)، ونفي العلم ليس علماً بالنفي.(1/214)
إضافة إلى ذلك فإنه قد يصعب القطع بأن فلاناً لا يصلي تماماً، خاصة أن من ادعى أنه صلى في أهله وبيته، قبل منه، كما دل عليه حديث محجن - وقد تقدم - وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لمحجن: - " ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ قال محجن: بلى يا رسول الله، ولكني صليت في أهلي "
وقد استنبط ابن عبدالبر من هذا الحديث أن من أقر بالصلاة وإقامتها أنه يوكل إلى ذلك إذا قال إني أصلي؛ لأن محجناً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد صليت في أهلي، فقبل منه. (5)
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: - " من قيل أنه لا يصلي فكذبهم صدق. (6) "
وقال النووي: - " إذا أراد السلطان قتله، فقال: صليت في بيتي ترك (7) "
إن الترك للصلاة - والذي يعد ناقضاً من نواقض الإيمان - لا يتحقق في المعين إلا بالإصرار على تركها، والأصل في المسلم فعل الصلاة حتى يثبت ما يناقض ذلك، فمن أظهر أداء الصلاة فهو المسلم حكماً وظاهراً، وقد يكون مؤمناً عند الله، وقد يكون منافقاً كافراً، فليس كل من قيل عنه أنه كافر، تجرى عليه أحكام الكفر. (8)
يقول ابن تيمية: - " إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين علي الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام. (1) "
ص491
وأما قولهم: إن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام..
فقد أجاب عند محمد بن نصر المروزي بقوله: -(1/215)
" إن الكافر الذي أجمعوا على أنه لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة هو الكافر الذي لم يسلم قط، ثم أسلم، فإنهم أجمعوا على أنه ليس عليه قضاء ما ترك من الصلاة في حال كفره... فأما من أسلم ثم ارتد عن الإسلام، ثم رجع فإنهم قد اختلفوا فيما ضيع في ارتداده من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك، فكان الشافعي يوجب عليه قضاء جميع ذلك. (2) "
ثم قال: - " فإذا ترك الرجل صلاة متعمداً حتى يذهب وقتها فعليه قضاؤها، لا نعلم في ذلك اختلافاً، إلا ما يروى عن الحسن، فمن أكفره بتركها استتابه، وجعل توبته، وقضاءه إياها رجوعاً منه إلى الإسلام، ومن لم يكفر تاركها ألزمه المعصية، وأوجب عليه قضاءها. (3) "
وقال أبو الوفاء ابن عقيل: - " من كان كفره بترك الصلاة، لا بترك كلمة الإسلام، فهو إذا عاود فعل الصلاة صارت معاودته للصلاة إسلاماً. (4) "
وقال ابن تيمية: - " من كفر بترك الصلاة: الأصوب أن يصير مسلماً بفعلها، من غير إعادة الشهادتين؛ لأنه كفره بالامتناع كإبليس. (5) "
والآن ننتقل إلى مناقشة أجوبة القائلين بعدم التكفير لأدلة الفريق الأول.
1- فأما حملهم أحاديث تكفير تارك الصلاة على كفر النعمة، فهذا غير مستقيم، ولا يخفى ما فيه من تكلف..فهل يسوغ أن يكون معنى حديث جابر بين الرجل وبين كفر النعمة ترك الصلاة؟ لقد بين الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله فساد هذا القول عند أهل اللغة، ثم علل ذلك قائلاً: - " وذلك أنهم (أي العرب) لا يعرفون كفران النعم إلا بالجحد لأنعام الله وآلائه، وهو كالمخبر عن
ص492(1/216)
نفسه بالعدم، وقد وهب الله له الثروة، أو بالسقم وقد منّ الله عليه بالسلامة وكذلك ما يكون من كتمان المحاسن ونشر المصائب فهذا الذي تسميه العرب كفراناً إن كان ذلك فيما بينهم وبين الله، أو كان من بعضهم لبعض إذا تناكروا اصطناع المعروف عندهم وتجاحدوه، ينبئك عن ذلك مقالة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: - " إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير - يعني الزوج - وذلك أن تغضب إحداكن فتقول: - ما رأيت منك خيراً قط (1) "
فهذا ما في كفر النعمة (2) "
وأما قولهم إنه كفر دون كفر، فقد سبق بيان أن الكفر جاء معرفاً كما في حديث جابر مما أفاد التخصيص والعهد، وفرق بين هذا وبين كفر منكر...
إضافة إلى ذلك فإن حديث بريدة مرفوعاً "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " قد جعل الصلاة حداً فاصلاً بين المسلمين عن غيرهم، ولا يتصور أن يكون كفراً دون كفر؛ لأنه لا يكون حداً فاصلاً بين المسلمين والكافرين، فهناك من المسلمين من يقع في مثل هذا الكفر، وإن لم يكن مؤمناً بإطلاق. (3)
2- وأما قولهم إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة إنما هي على سبيل التغليظ والزجر الشديد لا على الحقيقة فظاهرها غير مراد.
فالجواب أن يقال: هذا كلام فيه إجمال وإيهام، فلا شك أن هذه الأحاديث فيها تغليظ وتخويف، وهي على الحقيقة، نؤمن بذلك ولا نكذب، ونمرها كما جاءت ونأخذ بظاهرها المفهوم منها، وإذا كان عامة السلف الصالح يقرون أحاديث الوعيد - فيما دون الكفر - ويمرونها كما جاءت، ويكرهون أن تتأول تأويلات تخرجها عن مقصود قائلها صلى الله عليه وسلم (4)، فكيف ساغ لهؤلاء صرف نصوص تكفير تارك الصلاة عن ظاهرها، وجعله وعيداً لا حقيقة له!
إن الإيمان بالنصوص الشرعية - ومنها نصوص الوعيد - يوجب التسليم لها والانقياد، كما يقتضي إجلالها وتعظيمها، وقد التزم سلف الأمة هذا النهج،
ص493(1/217)
" فقد قال الرجل للزهري: يا أبا بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " ليس منا من لطم الخدود (5)، " وليس منا من لم يوقر كبيرنا (6) " وما أشبه هذا الحديث؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: - من الله عز وجل العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. (7) "
" ولما ذكر عبدالله بن المبارك - رحمه الله - حديث: - " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... (1)، فقال فيه قائل: ما هذا! على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان (2) أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلما جهلنا معنى حديث تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا. (3) "
ومما يحسن إيراده في هذا الموضع ما قاله ابن تيمية: -
" ينبغي للمسلم أن يقدر قدر كلام الله ورسوله.. فجميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد انه اتبع فيه مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي تأوله، فيكون أصل مقصودة معرفة ما أراده الرسول بكلامه. (4) "
ص494
وعلى كل فإن الاسترسال مع قول من قال إن هذا وعيد للتغليظ ولا حقيقة له، قد يؤؤل إلى تعطيل الشريعة وإبطال العقاب... (5)
وقد نبه جمع من أهل العلم لخطورة ذلك.
فقال أبو عبيد القاسم بن سلام - جواباً عمن حمل نصوص الوعيد على التغليظ: - " وأما القول المحمول عل التغليظ فمن أفظع ما تأول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أن جعلوا الخبر عن الله وعن دينه وعيداً لا حقيقة له، وهذا يؤول إلى إبطال العقاب؛ لأنه إن أمكن ذلك في واحد منها، كان ممكناً في العقوبات كلها.(6) "(1/218)
وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: - " المرجئة كلما سمعوا حديثاً فيه تخويف قالوا: هذا تهديد، وإن المؤمن من يخاف تهديد الله وتحذيره وتخويفه ووعيده، ويرجو وعده. وإن المنافق لا يخاف تهديد الله ولا تحذيره ولا تخويفه ولا وعيده، ولا يرجو وعده. (7)"
وقال ابن حزم: - " وأما من استجاز أن يكون ورود الوعيد على معنى التهديد لا على معنى الحقيقة، فقد اضمحلت الشريعة بين يديه، ولعل وعيد الكفار أيضاً كذلك، ومن بلغ هذا المبلغ فقد سقط الكلام معه؛ لأنه يلزمه تجويز ترك الشريعة كلها إذ لعلها ندب، ولعل كل وعيد ورد إنما هو تهديد، وهذا مع فراقه المعقول خروج عن الإسلام؛ لأنه تكذيب لله عز وجل. (8) "
وقال القاسمي - معلقاً على ما قاله الزمخشري عن حديث: " آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى.. (9) ": للتغليظ: -
" قول الزمخشري " فللتغليظ" يوجد مثله لثلة من شراح الحديث وغيرهم وقد بحث فيه بعض محققي مشايخنا بقوله: - هذا الجواب لا يرتضيه من عرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم غفلوا عما يستلزمه هذا الجواب مما لا يرتضيه
ص495
أدنى عالم أن ينسب إليه، وهو الإخبار بخلاف الواقع لأجل الزجر. انتهى، وقال بعض المحققين: عليك أن تقر الأحاديث كما وردت، لتنجو من معرة الخطر. (1) "
3 - وأما قولهم: إن مثل هذه النصوص محمولة على أن شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل... فالجواب أن يقال: - ما المسوغ لاستحلال دم تارك الصلاة وهو ليس بكافر عندكم؟
لقد تقرر - شرعاً - أن قتل المسلم لا يستباح إلا بإحدى ثلاث:- ترك دين، وإراقة الدم المحرم، وانتهاك الفرج المحرم.
فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - " لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: - الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة (2) "
فتارك الصلاة ليس قاتلاً، ولا زانياً محصناً، فلم يبق إلا أن يكون إباحة دمه من أجل ردته.(1/219)
يقول ابن حزم - وهو ممن يرى عدم كفر تارك الصلاة - جواباً عن القائلين بقتل تارك الصلاة دون كفره:-
" أما مالك والشافعى فإنهما يريان تارك الصلاة مسلماً؛ لأنهما يورثان ماله، وولده، ويصليان عليه، ويدفنانه مع المسلمين... فإذا ذلك كذلك فقد سقط قولهما في قتله؛ لأنه لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو نفس بنفس، وتارك الصلاة متعمداً لا يخلو أن يكون كافراً. أو يكون غير كافر، فإن كان كافراً فهم لا يقولون بذلك... فإذا ليس كافراً، ولا قاتلاً، ولا زانياً محصناً.. فدمه حرام بالنص.(3) "
4 - أما قولهم إن المراد بهذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً... فجوابه أن يقال:- إن هذه الأحاديث - كحديث جابر وبريدة ونحوهما... قد علقت الكفر بترك الصلاة، فمناط الحكم بالكفر فيها ترك الصلاة، وقد يكون هذا الترك جحوداً، أو تهاوناً وكسلاً.
ص496
فمن قال إن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا كان جاحداً لوجوبها، فقد جعل مناط الحكم في هذه المسألة غير ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه على هذا التأويل لا فرق بين الصلاة وغيرها، فلا تكون إقامتها عهداً وحداً يعرف به المسلم من الكافر؛ لأن من ترك شيئاً من شعائر الإسلام وفرائضه الظاهرة جحوداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، فجحد الوجوب لا يختص بالصلاة وحدها، مع أن الصحابة رضي الله عنهم قد جعلوا ترك الصلاة هو مناط الكفر دون بقية الأعمال، كما حكى ذلك عنهم أبو هريرة رضي الله عنه وعبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله.(1)
ومن المناسب - في خاتمة هذه المناقشة - أن نشير إلى أن بعض القائلين بعدم تكفير تارك الصلاة، قد سلكوا في بعض استدلالهم مسلك الإرجاء.(1/220)
فهم يقولون - مثلاً - إن الكفر جحود التوحيد، وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول، وهذا يقر بالوحدانية شاهداً أن محمد رسول الله، مؤمناً بأن الله يبعث من في القبور، فكيف يحكم بكفره؟ والإيمان هو التصديق، وضده التكذيب، لا ترك العمل، فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد؟(2)
وجواباً عن ذلك نقول: - قد تقرر عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل، فليس تصديقاً فحسب، ومن ثم فإن مقابله هو الكفر قول وعمل، فقد يكون الكفر قولاً قلبياً، وقد يكون عملاً قلبياً، وتارة قولاً باللسان، وتارة عملاً بالجوارح كما سبق تفصيله وبيانه بالأدلة (3)
ويقول أيضاً: - يلزم من تكفير تارك الصلاة أن يكفر القاتل والشاتم للمسلم، وأن يكفر الزاني، وشارب الخمر...(5)
ص497
والجواب: - أن هذا اللازم يلزم المبتدعة عموماً... سواء كانوا وعيدية أو مرجئة والذين جعلوا الكفر خصلة واحدةً، بناء على ظنهم الفاسد أن الإيمان شيء واحد يزول كله بزوال بعضه، وقد دلت النصوص أن الكفر مراتب وشعب متفاوتة، كالإيمان، فمن شعب الكفر ما يخرج من الملة، ومنها مالا يخرج من الملة.
(د) الترجيح: -
بعد هذا العرض التفصيلي لأدلة الفريقين واستدلالاتهم ومناقشتها، يظهر أن أدلة القائلين بتكفير تارك الصلاة أصح وأقوى. (6)
إلا أن الراجح - في نظري - ولعله القول الوسط بين الطرفين، وبه تجتمع الكثير من أدلة الفريقين، وهو أن يقال: إن ضابط ترك الصلاة الذي يعد كفراً - ها هنا - هو الترك المطلق الذي هو بمعنى ترك الصلاة من حيث الجملة الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو بالإصرار على عدم إقامتها، أو بتركها في الأعم الأغلب، وليس مناط التكفير - ها هنا - مطلق الترك للصلاة بحيث يلزم أن نكفر كل من ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات (7)
ويشهد لذلك جملة من الأدلة، منها ما يلي: -(1/221)
قوله تعالى: - {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم، آية 59]
فالمراد من تضييع الصلاة - هاهنا - تركها بالكلية كما قاله محمد بن كعب القرظي وزيد بن أسلم والسدي واختاره ابن جرير. (1)
2 - وقوله صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم -: - "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة" فهذا الحديث صريح في الفرق بين الترك المطلق، وبين مطلق الترك.. يقول ابن تيمية رحمه الله: -
ص498
"فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها، لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها... (2) "
ثم قال: - " فإن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة... (3) "
ويقول في موضع آخر: - " فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت - ثم ساق الحديث المذكور - (4) "
3- قوله صلى الله عليه وسلم: - " إن أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن أتمها، وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من تطوعه (5) "
والانتقاص هنا عام يتناول ترك الأداء لبعض الصلوات... وهذا من مطلق الترك الذي لا يعد كفراً، ومن ثم صارت مقبولة، وأكملت بالتطوع، والله أعلم.
ص499
المبحث الثاني
السحر وما يلحق به(1/222)
1 - من المعلوم يقيناً عند أهل الإيمان أن النفع والضر بيد الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو سبحانه المتفرد بالخلق والتدبير والنفع والضر، فلا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يجري حادث إلا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.
قال سبحانه: - {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام، آية 59]
وقال عز وجل: - {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ {85}قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86}سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ {87} قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون، آية 84 - 89]
ومن ثم فلا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له، فالدعاء والسجود والخوف والرجاء وسائر الطاعات كلها لله وحده لا شريك له.
قال تعالى: - {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162}لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [ الأنعام، آية 162].
وفي هذا المبحث سنتحدث عن السحر وما يلحق به؛ لأنه يضاد الإيمان وينافيه، وهو محل خلاف بين أهل العلم هل يعد كفراً أم لا؟
ومما يؤكد أهمية هذا الموضوع وجود ظاهرة السحر بأنواعه المختلفه في غالب الأمم، كما دل ذلك قوله تعالى: - {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات، آية 52].(1/223)
ولذا يقول ابن تيمية: - " اسم الساحر معروف في جميع الأمم... (1) "
فقد وجد السحر عند أهل فارس، وعند قدماء المصريين، وكذا في الهند، وبلاد اليونان، كما أن اليهود لما انحرفوا فأعرضوا عن كتاب الله تعالى... أقبلوا
ص500
على السحر، واتبعوا ما تتلو الشياطين كما قال سبحانه: -
{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ....} [ البقرة، آية 101، 102].
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله -: - " لما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن، ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ومن ترك الذل لربه، ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.
كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلو الشياطين وتختلق من السحر... (1) "
وبالفعل هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله تعالى، وانحرفوا عن عبادة الله وحده، عوقبوا بعبادة الشيطان عن طريق السحر، فتعرضوا للخذلان والحرمان، وأنواع الضنك والشقاء في الدنيا والآخرة، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية بقوله:-
" إن الكثيرين من أرباب السحر ممن يدخل فى الباطل الخفي الدقيق، ويحتاج إلى أعمال عظيمة، وأفكار عميقة، وأنواع من العبادات والزهادات والرياضات، ومفارقة الشهوات والعادات، ثم آخر أمرهم الشك بالرحمن، وعبادة الطاغوت والشيطان، والفساد في الأرض، والقليل منهم من ينال غرضه، الذي لا يزيده من الله إلا بعداً، وغالبهم محروم مأثوم، يتمنى الكفر والفسوق والعصيان، وهو لا يحصل إلا على نقل الأكاذيب وتمنى الطغيان، سماعون للكذب، أكالون للسحت، عليهم ذلة المفترين.(2)
ص501(1/224)
وفي هذا العصر، عصر التقدم المادي... تزداد ظاهرة السحر نفوذاً وانتشاراً، فأكثر شعوب العالم تقدماً مادياً تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة كأمريكا وفرنسا وألمانيا، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام، أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال.
إضافة إلى ذلك فإن بلاد المسلمين - عموماً - تنتشر فيها مظاهر السحر وأنواعه بسبب ضعف الإيمان بالله تعالى، وظهور الجهل بأحكام الشريعة، وسذاجة الكثير من المسلمين وجهلهم بحل هؤلاء السحرة المشعوذين، وتعطيل أحكام الله تعالى في هؤلاء السحرة (3).
2- السحر في لغة العرب هو كل ما لطف مأخذه ودق، وأصل السحر: صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، وسحره بمعنى خدعه، وسحره بكلامه: استماله برقته، وحسن تركيبه (4)
وأما تعريفه اصطلاحاً فإن السحر ليس نوعاً واحداً يمكن حده بحد يميزه عن غيره وقد أشار الشافعي رحمه الله إلى ذلك بقوله: - " والسحر اسم جامع لمعان مختلفة.(5) "
وكما قال الشنقيطي: - " واعلم أن السحر في الاصطلاح لا يمكن حده بحد جامع مانع لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً.(1) "
فعرف أبو بكر الجصاص السحر بقوله: - " كل أمر خفي سببه، وتخيل
ص502
على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع.(2) "
وقال ابن العربي - في معنى السحر -: - " كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى، وتنسب إليه في المقادير والكائنات.(3) "
وقال ابن قدامة: - " السحر هو عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله.(4) "
إلى غير ذلك من التعريفات المختلفة.(5)(1/225)
وسبب ذلك الاختلاف: كثرة أنواع السحر، واختلاف صوره.. حتى جعله الفخر الرازي ثمانية أقسام (6)، وبعضهم جعله أكثر من ذلك (7).
إضافة إلى توسع بعض العلماء في إطلاق السحر على كثير من الأحوال استناداً للمعنى اللغوي، فبعضهم يطلق السحر على النميمة، والكلام البليغ، وكذا الحركات القائمة على خفة اليد ومهارة الأداء.
وأمر ثالث أوجب هذا الاختلاف، وهو تنوع السحر من ناحية حقيقته أو تخييله، من ثم فبعض العلماء يقول: إن السحر حقيقة، ومنهم من يقول إنه تخييل، والصحيح في ذلك: - أن منه ما هو حقيقة، فيفرق بين المرء وزوجه، ولذا أمر الله تعالى بالاستعاذة به سبحانه من السواحر، فدل ذلك على أن للسحر حقيقة، وبعض السحر تخييل لا حقيقة له. (8).
وقد نبه الإمام القرافي رحمه الله إلى ضرورة تحديد معنى السحر وتمييزه عن غيره فقال: - " أطلق المالكية وجماعة الكفر على الساحر، وأن السحر كفر،
ص503
ولا شك أن هذا قريب من حيث الجملة، غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيهم الغلط العظيم المودي إلى هلاك المفتي، والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو السحر وما حقيقته حتى يقضي بوجوده على كفر فاعليه يعسر عليه ذلك جداً، فإنك إذا قلت له السحر والرقى والخواص والسيميا والهيميا وقوى النفوس شيء واحد، وكلها سحر، أو بعض هذه الأمور سحر، وبعضها ليس بسحر، فإن قال: الكل سحر، يلزمه أن سورة الفاتحة سحر؛ لأنها رقية إجماعاً، وإن قال: لكل واحدة من هذه خاصية تختص بها، فيقال: بين لنا خصوص كل واحد منها، وما به تمتاز، وهذا لا يكاد يعرفه أحد من المتعرضين للفتيا. وأنا طول عمري ما رأيت من يفرق بين هذه الأمور، فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معين أو بمباشرة شيء معين بناء على أن ذلك سحر، وهو لا يعرف السحر ما هو (1) "(1/226)
إلى أن قال: - " إن الكتب الموضوعة في السحر، وضع فيها هذا الاسم [السحر] على ما هو كذلك كفر ومحرم، وعلى ما ليس كذلك، وكذلك السحرة يطلق لفظ السحر على القسمين، فلابد من التعرض لبيان ذلك. (2) "
ثم قال أيضاً: - " وللسحر فصول كثيرة في كتبهم يقطع من قبل الشرع بأنها ليست معاصي ولا كفراً، كما أن لهم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل كما قال الشافعي رضي الله عنه، أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحراً كفر فصعب جداً. (3) "
وصدق رحمه الله تعالى، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلابد للناظر في هذه المسألة أن يفصل ويميز ويفرق بين السحر الذي يعد كفراً، وما ليس كذلك... وبهذا التفصيل والتمييز يزول الإشكال ويرتفع الخلاف كما سيأتي إن شاء الله.
3 - قبل أن نورد الخلاف، يجب أن نتذكر أن السحر - بمعناه الاصطلاحي - محرم بالكتاب والسنة والإجماع.(4)
ص504
قال تعالى: - {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة، آية 102].
وقال سبحانه: - {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه، آية 69].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: - " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. (5) "(1/227)
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: - " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، مصدق بالسحر (6) "
وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كان لداود نبي الله عليه السلام من الليل ساعة يوقظ فيها أهله، فيقول: - يا آل داود قوموا فصلوا فإن هذه ساعة يستجيب الله فيها الدعاء إلا لساحر أو عشار (1) (2) "
وإليك الخلاف في مسألة كفر الساحر، وأقوال العلماء فيها، والتحقيق في ذلك
ص505
قال ابن هبيرة (3): - " اختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: - يكفر بذلك، إلا أن من أصحاب أبي حنيفة من فصل ذلك، فقال إن تعلمه ليتقه أو ليتجنبه فلا يكفر بذلك، وإن تعلمه معتقداً لجوازه أو معتقداً أنه ينفعه فإنه يكفر، ولم ير الإطلاق، وإن اعتقد أن الشياطين تفعل ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي: - إذا تعلم السحر قلنا له صف سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر بمثل ما اعتقد أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر (4) "
أما القائلون بتكفير الساحر، فنورد أمثلة من أقوالهم على النحو التالي:-
يقول ملا علي قاري الحنفي: - " ثم قول بعض أصحابنا بأن السحر كفر مؤول، فقد قال الشيخ أبو منصور الماتريدي القول بأن السحر كفر على الإطلاق خطأ يجب البحث عنه، فإن كان رد ما لزمه في شرط الإيمان (5) فهو كافر وإلا فلا، فلو فعل ما فيه هلاك إنسان، أو مرضه، أو تفريق بينه وبين امرأته، وهو غير منكر لشيء من شرائط الإيمان لا يكفر، لكنه يكون فاسقاً ساعياً في الأرض بالفساد. (6) " ويقول الدردير المالكي: - " فقول الإمام (7) رضي الله عنه: - إن تعلم السحر وتعليمه كفر، وإن لم يعمل به، ظاهر في الغاية إذ تعظيم الشياطين ونسبة الكائنات
ص506
إليها لا يستطيع عاقل يؤمن بالله أن يقول فيه: إنه ليس بكفر (8) "(1/228)
وقال الخرشي: - " والمشهور أن تعلم السحر كفر، وإن لم يعمل به (8).
وقال ابن قدامة: - " إن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته، وروي عن الإمام أحمد ما يدل على أنه لا يكفر (1) (2) "
وقال مرعي الكرمي: - " فساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء، أو يدعي أن الكواكب تخاطبه كافر، كمعتقد حله، لا من يسحر بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر، ويعزر بليغاً. (3) "
وجاء في الإنصاف: - "الساحر الذي يركب المكنسة، فتسير به في الهواء ونحوه، كالذي يدعي أن الكواكب تخاطبه يكفر ويقتل، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب... وعنه: لا يكفر..
فأما الذي يسحر بالأدوية، والتدخين، وسقي شيء يضر، فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر. هذا المذهب...(4) "
وأما الفريق الآخر، فهذا الإمام الشافعي - رحمه الله - يقول: - " والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئاً، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً، وكان غير معروف ولم يضر به أحد نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن كان يعمل عملاً إذا عمله إذا قتل المعمول به، وقال عمدت قتله، قتل به
ص507
قوداً، إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته...(5) "
وإذا تأملنا القولين فلا اختلاف معنوي بينهما، فعند التفصيل يزول الاشكال وتجتمع الأدلة، وكما قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - " وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك وليس كذلك بل لا يأتي السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشيطان والكواكب، ولهذا سماه الله كفراً في قوله: - {إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة، آية 102](1/229)
وأما سحر الأدوية والتدخين ونحوه فليس بسحر، وإن سمي سحراً فعلى سبيل المجاز كتسمية القول البليغ والنميمة سحراً، ولكنه يكون حراماً لمضرته، ويعزر من يفعله تعزيراً بليغاً.(1) "
وقال الشنقيطي: - " التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل، فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة فإنه كفر بلا نزاع،كما دل عليه قوله تعالى: - {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر.(2) "
وللإمام النووي رحمه الله تعالى عبارة جامعة في حكم السحر حيث قال: -
" قد يكون (السحر) كفراً، وقد لا يكون كفراً بل معصيته كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب...(3) "
ص508
وإن السحر الذي يعد كفراً، قد يقع قولاً باللسان، أو اعتقاداً بالقلب، أو عملاً بالجوارح، ونورد أمثلة على ذلك:
فمنه السحر الذي لا يتأتى إلا عن طريق الشياطين، كأن يستغيث بهم، ويدعوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وينطق بكلمة الكفر من أجل رضاهم والاستماع بهم، أو يعتقد نفعهم وضرهم بغير إذن الله تعالى، أو يذبح لتلك الشياطين ونحوهم ويتقرب إليهم، أو يهين ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، أو يدعي لنفسه أو لشياطينه علم الغيب ومشاركة الله في ذلك.
4 - وأما وجه كون هذا السحر كفراً فذلك لعدة اعتبارات منها:-(1/230)
(أ) قوله تعالى: - {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة، آية 102، 103].
فيستدل بهذه الآيات على كفر الساحر من وجوه:-
1 - قوله تعالى: - {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}
فظاهر هذا أنهم إنما كفروا بتعليمهم السحر؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته، فصرحت الآية بكفر الشياطين منوطاً بتعليم السحر للناس.(1)
2 - قوله تعالى: - {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق} يعني من حظ ولا نصيب.
يقول الشيخ حافظ الحكمي (2) " - في ذلك -: " وهذا الوعيد لم يطلق إلا فيما هو كفر لا بقاء للإيمان معه، فإنه ما من مؤمن إلا ويدخل الجنة، وكفى بدخول الجنة خلاقاً، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.(3) "
3 - قوله تعالى: - {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا..}
يقول الجصاص - عن هذه الآية -: " فجعل ضد هذا الإيمان فعل السحر؛ لأنه جعل الإيمان في مقابلة فعل السحر، وهذا يدل على أن الساحر كافر، فإذا ثبت كفره، فإن كان مسلماً قبل ذلك، فقد كفر بفعل السحر، فاستحق القتل.(4) "(1/231)
يقول ابن كثير: - " وقد استدل بقوله {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا..} من ذهب إلى تكفير الساحر (5)
ويقول الحكمي - عن هذا الدليل -: " وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر، ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي: ولو أنه آمن واتقى، وإنما قال تعالى ذلك لمن كفر، وفجر، وعمل بالسحر، واتبعه، وخاصم به رسوله، ونبذ الكتاب وراء ظهره.(6) "
(ب) قوله تعالى: - {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه، آية 69]
ومما قاله الشنقيطي - رحمه الله - في هذه الآية:-
" إن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم... فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ} [الآية يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله {حَيْثُ أَتَى} وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر.
ص510
ويدل على ذلك أنه عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة {لا يفلح} يراد بها الكافر كقوله تعالى في سورة يونس: - {قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {68} قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [يونس، آية 68 - 70].
وقوله في الأنعام " - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [آية، 21]..(1) "
(ج) أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن السحر بالشرك، وفي بعض الأحاديث سماه شركاً، وحكم صلى الله عليه وسلم بالكفر على من أتى ساحراً فصدقه، كما تبرأ صلى الله عليه وسلم من الساحر والمسحور.(1/232)
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: - " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر.. الحديث (2) "
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه (3) "
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: - " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك.(4)
ص511
" والتولة ضرب من السحر، قال الأصمعي: - وهو الذي يحبب المرأة إلى زوجها.(5) "
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: - " من أتى عرافاً، أو ساحراً، أو كاهناً فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.(6)
وعن عمران بن حصين (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له.. " الحديث (2)
(د)أن الصحابة رضي الله عنهم أمروا بقتل أولئك السحرة، وقد تقرر شرعاً أن دماء المسلمين محظورة إلا ما استثناه الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.(3) "
وليس الساحر زانياً محصناً، ولا قاتل نفس، فتعين أن يكون كافراً مرتداً.
يقول ابن تيمية: - " أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله
ص512
بن عمر، وجندب بن عبدالله... (4) "
فمن هذه الآثار ما جاء " عن بجالة بن عبدة (5) أنه قال: - كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر. (6) "
يقول ابن قدامة - معلقاً على هذا الأثر -: - " وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً. "(1/233)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، فقال أن أم المؤمنين حفصة(7) رضي الله عنها سحرتها جارية لها، فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه، فقال: جاريتها سحرتها أقرت بالسحر وأخرجته، قال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره. (8) "
وعن جندب الخير(9) رضي الله عنه قال: - " حد الساحر ضربة بالسيف.(10) "
ص513
وقتل جندب بن عبد الله البجلي (1) رضي الله عنه ساحراً كان عند الوليد بن عقبه (2).
وأما ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما عندما باعت جارية مدبرة (3) سحرتها، فيحمل على أن سحرها من قبيل الأدوية الضارة، والتدخينات المؤذية، كي تموت أم المؤمنين، فيتحقق عتقها، ولذا أمرت عائشة رضي الله عنها بعقاب تلك الجارية بنقيض قصدها، كما هو ظاهر في الحديث التالي:-
فعن عمرة قالت: - اشتكت(4) عائشة فطال شكواها، فقدم إنسان المدينة يتطبب (5) فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها، فقال: والله إنكم تنعتون نعت امرأة مطبوبة (6)، قال هذه امرأة مسحورة سحرتها جارية لها، فقالت: نعم(7) أردت أن تموتي فأعتق، قال وكانت مدبرة، قالت: فبيعوها في أشد العرب ملكة (8)، واجعلوا ثمنها في مثلها.(9) "
وقد أجاب الإمام الشافعي عن هذا الأثر قائلاً:-
" وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها، فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر
ص514
فباعتها؛ لأن لها بيعها عندنا، وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك، ما تركت قتلها إن لم تتب، أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها (10)"
(هـ) أن السحر الذي يعد كفراً يتضمن أنواعاً كثيرة من المكفرات الاعتقادية والقولية والعملية، كأن يعتقد نفع الشياطين وضررهم بغير إذن الله تعالى، أو يعتقد أن الكواكب مدبرةًً لأمر العالم، أو ينطق بكلمة الكفر كسب الله تعالى، أو الاستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم.(1/234)
كما يتضمن هذا السحر شركاً في توحيد العبادة، فمن ذلك أن يدعو غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو يستعيذ بالشياطين أو يذبح لهم، أو يتقرب إليهم بالنذور.
وقد أورد القرافي أمثلة للكفر التي يتضمنها هذا السحر فقال: -
" هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر، أو اعتقاد هو كفر، أو فعل هو كفر، فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر، والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية، والثالث كإهانة ما أوجب الله تعالى تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر، فذلك السحر كفر لا مرية فيه. (1) "
ويذكر بن حجر الهيتمي أنواعاً من الكفر تندرج في هذا السحر فيقول:-
" إن اشتمل (السحر) على عبادة مخلوق كشمس، أو قمر، أو كوكب أو غيرها، أو السجود له، أو تعظيمه كما يعظم الله تعالى، أو اعتقاد أن له تأثيراً بذاته، أو تنقيص نبي، أو ملك... كان كفراً وردة. (2)"
ويتبين الشيخ السعدي وجه إدخال السحر في الشرك قائلاً: -
"السحر يدخل في الشرك من جهتين: - من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك
ص515
الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شعب الشرك والكفر. (3) "
5 - واستكمالاً لهذا المبحث نورد جملة من كلام العلماء في معنى السحر وحكمه. وهمزه ووسوسته، ويتلقاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقاه عنه، استعمله في غيره بالقول والنفث في العقد. (4) "(1/235)
وقال شيخ الإسلام الصابوني: - " ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد انه يضر أو ينفع بغير إذن الله فقد كفر بالله جل جلاله، وإذا وصف ما يكفر به استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإن وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال السحر ليس بحرام، وأنا اعتقد إباحته وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه. (5) "
ويقول ابن العربي: - " إن الله سبحانه قد صرح في كتابه بان السحر كفر؛ لأنه تعالى قال: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} من السحر، {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} بقول السحر، " وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ " به وبتعليمه، وهاروت وماروت يقولان " إنما نحن فتنة فلا تكفر " وهذا تأكيد للبيان (6) "
وقال ابن الشاط: - " فالذي يستقيم في هذه المسألة: ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله تعالى به، أو يكون سحراً مشتملاً على كفر كما قال الشافعي. (7) "
ويقول القرطبي: - " قوله تعالى: - {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} تبرئة من الله لسليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحداً نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، ولما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر، ثم قال " ولكن الشياطين كفروا " فأثبت كفرهم بتعليم السحر. (1) "
ص516
وقال النووي: - " والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح... كالسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها... (2) "(1/236)
ويقول ابن تيمية: - " إذا تقرب صاحب العزائم وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إلى الشياطين بما يحبون من الكفر والشرك، صار ذلك كالرشوة لهم، فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله... ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة، وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إما حروف الفاتحة، وإما حروف قل هو الله أحد وإما غيرهما.. فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين، أعانتهم على بعض أغراضهم... (3) "
ويقول السبكي: - وأما مذهب الشافعي فحاصله أن السحر له ثلاثة أحوال: حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر، أما الحالة التي يقتل فيها كفراً، فقال الشافعي رحمه الله: - أن يعمل بسحره، ما يبلغ الكفر، وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة: - أحدهما أن يتكلم بكلام هو كفر ولا شك في أن ذلك موجب للقتل.
المثال الثاني: - أن يعتقد ما اعتقده من التقريب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل بأنفسها فيجب عليه أيضاً القتل،
المثال الثالث: - أن يعتقد أنه يقدر به على قلب العيان، فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسين والماوردي. (4) "
ويقول الذهبي: - " إن الساحر لابد وأن يكفر، قال الله تعالى: - {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة، آية 102]، وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به.
فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر ويظنون أنه حرام فقط، وما
ص517
يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعلم السيمياء (5) وعملها، وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو سحر، وفي محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال. وحد الساحر القتل؛ لأنه كفر بالله أو ضارع الكفر... فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة. (1) "(1/237)
ويقول البيضاوي: - " قوله تعالى {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} تكذيب لمن زعم ذلك، وعبر عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفر، وأن من كان نبياً كان معصوماً عنه.. (2) "
وقال الحافظ ابن حجر: - " وقد استدل بهذه الآية: - {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ} على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه... كالتعبد للشياطين، أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً.
- إلى أن قال - وفي إيراد المصنف [البخاري] هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر لقوله فيها: - {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر، فيكون العمل به كفراً، وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه، وقد زعم بعضهم أن السحر لا يصح إلا بذلك، وعلى هذا فتسميته ما عدا ذلك سحراً مجاز. (3) "
ص518
وقال الدردير: - " وسحر فيكفر بتعلمه، وهو كلام يعظم به غير الله تعالى، وينسب إليه المقادير، ثم إن تجاهر به فيقتل إن لم يتب، وإن أسره فحكم الزنديق، يقتل بدون استتابة، وشهر بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً. (4) "
وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب السحر من نواقض الإسلام فقال: -
"السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر. (5) "
6 - ما يلحق بالسحر:
مما يلحق بالسحر: التنجيم، وهو أحد أقسام الكهانة، ولذا يسمي بعضهم المنجم كاهناً (6)، والكاهن " هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن. (7) "
يقول القاضي عياض - ذاكراً أنواع الكهانة -(1/238)
"كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب: - أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم باطل من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: - أنه يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده.
الثالث: - المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف، وهو الذي
ص519
يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك بالزجر والطرق والنجوم، وأسباب معتادة، وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم الشرع ونهى عن تصديقهم، وإتيانهم والله أعلم. (1)
وأما تعريف التنجيم فهو مأخوذ من النجم والمراد به: الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، بمعنى أن المنجم يربط ما يقع في الأرض بالنجوم بحركاتها، وطلوعها، وغروبها واقترانها وتفرقها (2)
وهذا التنجيم إنما كان سحراً لقوله صلى الله عليه وسلم: - " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد (3) "
يقول ابن تيمية: - " فقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر، وقد قال الله تعالى {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه آية 69] وهكذا الواقع فإن الاستقراء يدل على أن أهل النجوم لا يفلحون، لا في الدنيا ولا في الآخرة. (4) " والتنجيم الذي يعد سحراً له أنواع منها: -
(أ) عبادة النجوم كما كان يفعل الصابئة، اعتقاداً منهم بأن الموجودات في العالم السفلي مركبة على تأثير تلك النجوم، ولذا بنوا هياكل لتلك النجوم، وعبدوها وعظموها، زاعمين أن روحانية تلك النجوم تتنزل عليهم فتخاطبهم
ص520
وتقضي حوائجهم. (5). ولا شك أن هذا كفر بالإجماع. (1)(1/239)
(ب) أن يستدل بحركات النجوم وتنقلاتها على ما يحدث في المستقبل من الحوادث والوقائع، فيعتقد أنه لكل نجم منها تأثيرات في كل حركاته منفرداً أو مقترناً بغيره. (2)
وفي هذا النوع دعوى لعلم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر مخرج من الملة؛ لأنهم بهذا يزعمون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولأنه تكذيب لقوله تعالى {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [ النحل، آية 65] وهذا من أقوى أنواع الحصر؛ لأنه بالنفي والاستثناء.
كما أنه تكذيب لقوله سبحانه: - {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [ الأنعام، آية 59] (3)
3 - ومن أنواع هذا التنجيم: - " ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد، ويجعل لكل حرف منها قدراً من العدد معلوماً، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والمكنة وغيرها، ويجمع جمعاً معروفاً عنده، ويطرح منه طرحاً خاصاً، ويثبت إثباتاً خاصاً، وينسبه إلى الأبراج الإثني عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان. (4) "
ص521
" قال بن عباس رضي الله عنهما في قوم يكتبون أباجاد، وينظرون في النجوم: - ما أدري من فعل ذلك له عند الله خلاق. (5) "
وهذا النوع أيضاً يتضمن دعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي انفرد به سبحانه. (6)
يقول السعدي في هذا المقام: - " إن الله تعالى المنفرد بعلم الغيب، فمن ادعى مشاركة الله في شيء من ذلك بكهانة أو عرافة أو غيرها، أو صدق من ادعى ذلك، فقد جعل الله شريكاً فيما هو من خصائصه، وقد كذب الله ورسوله... (7) "
ويقول الشنقيطي: - " لما جاء القرآن العظيم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله، كان جميع الطرق التى يراد بها التوصل إلى شيء من علم الغيب غير الوحي من الضلال المبين... (8) "(1/240)
إن هذه الأنواع من التنجيم وما شابهها كفر أكبر يناقض الإيمان.. فالنبي صلى الله عليه وسلم سمى التنجيم سحراً.. وقد سبق بيان وجه كون السحر كفراً.
إن هذا التنجيم يناقض الإيمان، لما فيه من اعتقاد أن تلك النجوم تنفع وتضر بغير إذن الله تعالى، ولما فيه من دعوى الغيب، ومنازعة الله تعالى فيما اختص به سبحانه من علم الغيب، كما قال سبحانه: - {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن، آية 26]، كما أن هذا السحر يحوي شركاً في العبادة، ودعاء لتلك النجوم وتعظيماً وتقربا لها.
إضافة إلى ذلك فإن التنجيم إذا كان نوعاً من الكهانة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: - " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على
ص522
محمد صلى الله عليه وسلم. (1) "
وفي رواية: - " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول.. فقد بريء مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. (2) "
فهذه الأحاديث دليل على كفر من سأل الكهان مصدقاً لهم، فإذا كان هذا حال السائل فكيف بالمسؤول؟
يقول ابن تيمية - ذاماً هؤلاء المنجمين -: - " فإن هؤلاء الملاعين يقولون الإثم ويأكلون السحت بإجماع المسلمين، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الصديق عنه أنه قال: - " إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه " (3)وأي منكر أنكر من عمل هؤلاء الأخابث، سوس الملك، وأعداء الرسل، وأفراخ الصابئة عباد الكواكب؟!!
فهل كانت بعثة الخليل صلاة الله وسلامه عليه إمام الحنفاء إلا إلى سلف هؤلاء - فإن نمرود بن كنعان كان ملك هؤلاء، وعلماء الصابئة هم المنجمون ونحوهم - وهل عبدت الأوثان في غالب الأمر إلا عن رأي هذا الصنف الخبيث، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله؟!! (4) "
ومما يلحق بالسحر أيضاً: العيافة، والطرق، والطيرة، لما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: - " العيافة والطرق والطيرة من الجبت (5) "(1/241)
والجبت هو السحر عند جمع من أهل العلم - كما سيأتي بيانه -
والمقصود بالعيافة: زجر الطير والحيوان، والاستدلال بأصواتها وحركاتها
ص523
وسائر أحوالها على الحوادث، واستعلام ما غاب عنهم. (1)
وأما الطرق فهو الخط في الأرض. وقال بعضهم: الضرب بالحصى، ويسمى علم الرمل حيث يستدلون بأشكال الرمل على أحوال المسألة حين السؤال. (2)
والطيرة: التشاؤم، وأصله أن العرب في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع (3)
والجبت هو السحر، قال الله تعالى: - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء، آية 51].
والجبت هو السحر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الجبت السحر، والطاغوت الشيطان " (4)
وهكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن والضحاك والسدي (5).
ووجه كون العيافة والطرق والطيرة سحراً، لما فيها من دعوى علم الغيب، ومنازعة الله تعالى في ربوبيته، فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله تعالى بها دون من سواه، إضافة إلى أن بعضهم يعتقد أن تلك الأشياء تنفع أو تضر بغير إذن الله تعالى.
ص524
خاتمة
من خلال ما سبق عرضه في هذا المبحث، يمكن أن نشير إلى بعض الأمور التالية:
1- التأكيد على أهمية وخطورة دراسة نواقض الإيمان، وضرورة الاعتناء بها، وتحرير مسائلها بعلم وعدل، والحذر من مسلك ردود الأفعال، وما يؤول إليه من غلو أو إرجاء.
2- إن دراسة موضوع نواقض الإيمان، لا تنفك عن دراسة مقابله وهو الإيمان، ولذا فإن اللبس والخطأ في فهم حقيقة الإيمان يورث - بطبيعة الحال - لبساً وخطاً في دراسة الكفر، كما هو ظاهر حال المبتدعة من الوعيدية والمرجئة.(1/242)
3- إذا كان الإيمان قولاً وعملاً، قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، فهذا النواقض إما أنها تضاد قول القلب أو عمله، أو تضاد قول اللسان أو عمل الجوارح. وحيث إن الإيمان تصديق وإقرار، وانقياد والتزام بطاعة الله تعالى ظاهراً وباطناً، فالكفر عدم الإيمان وهو تكذيب وجحود، وإباء واستكبار، وامتناع وإعراض.
4- ضرورة مراعاة ضوابط التكفير، وعوارض الأهلية والتي سبق الاشارة إلى بعضها، فإن الاعتناء بمثل ذلك يوجب توسطاً واعتدالاً بين الإفراط والتفريط.
5- الاعتناء بالتفصيل والتوضيح عند دراسة تلك النواقض، وتحقيق حدودها وتعريفاتها شرعاً ولغة وعرفاً، والحذر من الإجمال والإطلاق.
6- تضمن هذا البحث جملة من نواقض الإيمان، كان من أهمها: الشرك في العبادة، فتحدثت - ابتداءً - عن وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة وحدة لا شريك له، ثم ذكرت حقيقة الشرك في العبادة، سواء كانت العبادة قولية أو عملية، ووضحت الفرق بين تلك المظاهر الشركية وما دونها من المعاصي،
ص525
كالفرق - مثلاً - بين السجود الشركي وسجود التحية، والفرق بين النذر الشركي، ونذر المعصية....، ثم أوردت عدة اعتبارات في كون تلك الممارسات ناقضاً من نواقض الإيمان.
7- ظهر من خلال عرض مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، أهمية وضرورة التحاكم إلى شرع الله تعالى وحده، وعظم منزلته من الدين، ثم ذكرت جملة من الحالات التي يكون فيها الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى خراجاً عن الملة، كمن جحد حكم الله تعالى، أو فضل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، أو ساوى بينهما، أو جوز الحكم بما يخالف شرع الله تعالى، أو لم يحكم بما أنزل الله إباء وامتناعاً. وأما المحكوم فإن كفره متعلق بقبوله لغير شريعة الله تعالى، ورضاه بها.(1/243)
8- حوى هذا البحث مسألة تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً... فبسطت أدلة الفريقين واستدلالاتهم، مع المناقشة والترجيح. ولعل القول الراجح في هذه المسألة أن ترك الصلاة الذي يعد كفراً هو الترك المطلق الذي هو بمعنى ترك الصلاة بالكلية أو في الأعم الأغلب والله أعلم.
9- إن لنواقض الإيمان أمثله كثيرة جداً لا يمكن حصرها والإحاطة بها، وقد كثر كلام العلماء في هذا النواقض، وكثرت تفصيلاتهم، وإيراد أنواع وأفراد من المكفرات، وربما تركوا ما هو نظير تلك الأفراد، أو آكد منها، والأولى في هذا أن تذكر أجناس الأشياء والأصول التي ترجع إليها، لأجل إذا ذكرت الأشياء تفصيلاً، كان تمثيلاً لا حصراً. (1)
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا الجهد، وأن يبارك فيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) انظر : المبحث الثاني من الفصل الأول في الباب الأول
(2) انظر : المفردات للأصفهاني ص 747 ، ومعجم مقاييس اللغة 5/420 ، والمصباح ص 738 ، واللسان 10/498 .
(3) انظر : تفسير ابن كثير 2/189 ، والدر المنثور للسيوطي 3/410 ، ويقول ابن عطية في تفسيره (6/193) : - " ويحسن تخصيص الذبيحة بالذكر في هذه الآية ، أنها نازلة قد تقدم ذكرها والجدل فيها في السورة "
(1) تفسير ابن عطية 3/192 .
(2) تفسير ابن كثير 2/189 .
(3) تفسير المنار 8/241 , 243 = باختصار .
(1) مجموع الفتاوى 16/531 ، 532 = باختصار
(2) النذر عبادة باعتبار الوفاء به ، أما النذر ابتداءً فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال " إنه لا يرد شيئاً " أخرجه الجماعة إلا الترمذي .
(3) فتح الباري 11 / 576 .
(4) تيسير العزيز الحميد ص 203 ، وانظر القول السديد للسعدي ص 47 .
(5) تفسير ابن كثير 1/305 .
(6) أخرجه البخاري ، ك الأيمان والنذور (11/581) ح (6696) ، وأحمد 6/41 .(1/244)
(7) أخرجه البخاري ، ك الأيمان والنذور (11/580) ح (6695) وأحمد 4/440 .
(1) فتح الباري 11/580 .
(1) مجموع الفتاوى 27/93 = باختصار .
(2) أحمد بن علي بن عبد القادر الحسيني المصري الحنفي ، عاش في القاهرة ، كان مؤرخاً محدثاً ، وتولى حسبه القاهرة ، له مؤلفات كثيرة ، توفي بالقاهرة سنة 845 هـ .
انظر شذرات الذهب 7/255 ، البدر الطالع 1/79 .
(3) تجريد التوحيد ، ص 22 .
(4) تطهير الاعتقاد ، ص 28 = باختصار يسير .
(1) تفسير ابن عطية 5/21 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم 2/563
(1) تفسير ابن كثير 2/12 = باختصار .
(2) فتح القدير 2/10 ، وانظر فتح القدير 1/57 ، وإيثار الحق على الخلق لابن الوزير ص 451 .
(3) أخرجه مسلم ، ك الأضاحي (3/ 1567) ح (1978) ، وأحمد 1/118 .
(4) تطهير الاعتقاد ص 33 .
(5) المرجع السابق ، وانظر سبل السلام للصنعاني 4/225 .
(1) الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ضمن الرسائل السلفية) ص 20 ، 21 .
(2) اشترك في تأليف هذا الكتاب كل من : الشيخ الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، وحمد بن معمر ، ومحمد بن غريب .
انظر للتحقيق في هذا التوثيق / كتاب دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للكاتب ص 59 ، 60 .
(3) التوضيح ص 382 ، 383 = باختصار ، وانظر فتح المنان تتمة منهاج التأسيس لمحمود الآلوسي ص 418 - 421 .
(4) مبارك بن محمد الميلي ، من علماء الجزائر ، عاش في قسنطينة ، وولي أمانة سر جمعية علماء الجزائر ، له مؤلفات ، توفي حوالي سنة 1357 هـ .
انظر : معجم المؤلفين 8/175 .(1/245)
(5) هكذا تسمى الذبائح التي ذبحت لغير الله باسم " الزردة" أو " النشرة " في بعض جهات الجزائر ، بينما يسمون ما ينذرون لغير الله بالغفارة (انظر رسالة الشرك ومظاهره لمبارك الميلي ص 225 ، 256 ، 269 ) ، وفي اليمن يسمون تلك الذبائح بالجلبة ، وأما النذور فيطلقون عليها " التلم " (انظر الدرر السنية 8/286 ، وتطهير الإعتقاد للصنعاني ص 37) .
(1) رسالة الشرك ومظاهره ص 257 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13/141 وانظر روضة الطالبين للنووي 3/205 .
(3) رسالة الشرك ومظاهرة ص 253 .
(4) تيسير العزيز الحميد ص 192 ، وقد أشار الشاطبي في الموافقات إلى هذا التفريق 2/210 .
(5) التوضيح ص 382 ، 383 .
(1) كما فعل ذلك داود بن جرجيس النقشبندي ، فزعم أن ابن تيمية وابن القيم لا يرون كفر من ذبح أو نذر لغير الله ... وحرف بعض كلامهما ، وبتر البعض الآخر ، وأساء الفهم والقصد في هذه المسألة ، وقد قام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بالرد عليه في كتاب تحت عنوان (منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس) وأتمه محمود شكري الآلوسي .
(2) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 5/229 .
(3) يقول ابن القيم : - " وإنما تجيء لا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للذي هو في غاية الامتناع شرعاً " الجواب الكافي ص 179 ، وانظر تجريد التوحيد للمقريزي ص 21 .
(1) أي تخرج من الملة .
(2) مجموعة مؤلفات الشيخ 3/66 ، 67 ، وانظر منهاج التأسيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ابن حسن آل الشيخ ص 239 , 245 .
(3) انظر تفسير ابن كثير 4/104 .
(4) الدين الخالص 2/53 .
(5) وسبق مراراً أن ذكرنا قول ابن تيمية : - " ولم يجيء إعداد العذاب المهين إلا في حق الكافر " الصارم المسلول ص 52 .
(6) أي صاغرين حقيرين .
(1) تفسير القرطبي 1/294 .(1/246)
(2) مدارج السالكين 1/344 ، 345 ، وانظر الجواب الكافي لابن القيم ص 178 ، وتجريد التوحيد للمقريزي ص 21 .
(3) لم أعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ ، وقد ورد بمعناه عند أحمد في المسند 5/277 وابن ماجة في سننه ح (1853) ، والحاكم في المستدرك 4/171 ،172 .
(1) زاد المعاد 4/159 -161 = باختصار ، وانظر أعلام الموقعين 3/117 ، 155 وشرح الشروط العمرية ص 94 .
(2) تفسير ابن عطية 9/377 ،378 ، وانظر تفسير القرطبي 1/293 ، 9/265 .
(3) تفسير ابن كثير 2/491 = باختصار .
(1) تفسير المنار 1/265 .
(2) أخرجه أحمد 3/158 ، وكذا البزار كما في مجمع الزوائد (9/4) وقال الهيثمي : - " رجاله رجال الصحيح غير حفص بن أخي أنس ، وهو ثقة " ووافقه الألباني في الإرواء 7/55 .
(3) هو قس بن سعد عبادة الخزرجي ، صحابي جليل ، أمير مجاهد ، كان يطعم الناس ، وصاحب دهاء ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، مات سنة 85 هـ .
انظر : الإصابة 5/473 ، وسير أعلام النبلاء 3/102 .
(4) أي الفارس الشجاع .
(5) أخرجه أبو داود ح (2140) ، والحاكم (2/187) ، والبيهقي (7/291) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
(6) هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي ، من علماء الحديث والتفسير ،له ردود على المبتدعة ، كان كريماً جواداً ، له مؤلفات ، توفي سنة 743 هـ .
…انظر الدرر الكامنة 2/156، والبدر الطالع 1/229.
(7) عون المعبود 6/187 .
(8) أخرجه أحمد 3/198 ، والترمذي وحسنه ح ( 2728) ، وابن ماجه ح ( 3702) .
(1) مجموع الفتاوى 1/372 = باختصار .
(2) المرجع السابق 27/92 .
(3) المرجع السابق 27/136 ، وانظر تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات ص 50 ، 51 .
(4) المرجع السابق 2/308 .
(5) المرجع السابق 27/10 = باختصار .
(1) انظر الرد على البكري لابن تيمية ص 214 .
(2) انظر العبودية لابن تيمية ص 44 .
(3) العبودية ص 51 .(1/247)
(4) انظر : لمزيد من التفصيل رسالة ضوابط التكفير للقرني ص 173 ، 174 .
(5) انظر : تهذيب الفروق والقواعد السنية لمحمد على بن حسين المالكي (بهامش الفروق للقرافي ) 1/137 ، وانظر السيل الجرار للشوكاني 4/580 ، وقارنه بكلامه في الدر النضيد ص 34 ، 35 .
(6) انظر أصول الدين لعبد القاهر البغدادي ص 266 ، والشفا لعياض 2/1072 .
(1) الجواب الكافي ص 183 = باختصار .
(2) إغاثة اللهفان 2/322 ،323 = باختصار .
(3) المرجع السابق 2/329 - 341 = باختصار .
(4) تجريد التوحيد ص 27 , 28 = باختصار ، وكلام المقريزي هاهنا يكاد يطابق كلام ابن القيم في الجواب الكافي ص 182 , 183
(1) هو ولي الله بن أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي ، نشأ بدلهي في الهند ، ورحل إلى الحجاز ، وصار من كبار العلماء ، وأتقن علوماً كثيرة ، وله مؤلفات جمة وجهود إصلاحية متعددة ، توفي سنة 1180 هـ .
انظر : معجم المؤلفين 4/292 . ومقدمة كتابه الفوز الكبير في أصول التفسير
(2) حجة الله البالغة 1/61= بتصرف يسير .
(3) رسالة التوحيد ص 48 ، 49 .
(4) مجموع الفتاوى 1/124 .
(5) تيسير العزيز الحميد ص 229 .
(6) الرد على البكري ص 376 ، وانظر مجموعة الرسائل والمسائل 1/29 .
(1) درء التعارض 1/227 ، 228 .
(2) البحر الرايق 5/134 .
(3) أخرجه عبد بن حميد عن الحسن ، وانظر الدر المنثور للسيوطي 2/250 .
(4) الفتاوى البزازية (بهامش الفتاوى الهندية) 6/343 ، وانظر كلام صنع الله الحلبي الحنفي في تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله بن محمد عبد الوهاب ص 207 ، وفتح المنان للآلوسي ص 420 ، ورسالة في تحريم اتخاذ الضرائح المصنوعة من الخشب لمحمد الآبادي ص 25 - 28 ، : - وروح المعاني للآلوسي 17/212 ، ونصاب الاحتساب لعمر السنامي ص 317 .(1/248)
(5) محمد بن علي بن محمد الحصكفي الدمشقي الحنفي ، فقيه ، أصولي ، مفسر ، نحوي ، رحل إلى القدس ، وتولي إفتاء الأحناف ، له مؤلفات ، توفي بدمشق سنة 1088 هـ .
…انظر : معجم المؤلفين 11/56.
(6) الدر المختار (مع حاشية ابن عابدين) 2/439 .
(1) حاشية ابن عابدين 2/439 .
(2) أخرجه مالك (1/172) ح (172) وأحمد 2/246 \ ، والحميدي ح (1025) وصححه الألباني في " تحذير الساجد " ص 25 .
(3) التمهيد 5/45 .
(4) الشفا 2/1072 .
(5) روضة الطالبين 3/205 ، 206 وانظر روضة الطالبين 1/326 .
(6) المرجع السابق 10/64 ، وانظر مغني المحتاج للشربيني 4/136 .
(7) محمد بن أحمد بن حمزة الرملي المصري الشافعي ، تولى إفتاء الشافعية بمصر ، وصنف شروحاً وحواشي كثيرة ، توفي سنة 1004 هـ .
انظر :الأعلام 6/7 ، ومعجم المؤلفين 8/255 .
(1) نهاية المحتاج 7/417 ، وانظر قليوبي وعميرة 4/176 ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس ص 403 ، والإعلام لبن حجر الهيتمي ص 348 .
(2) شرح السنة للبربهاري ص 31 .
(3) أخرجه البخاري ك بدء الخلق (6/335) ح (3273) ، ومسلم ك صلاة المسافر (1/567) ح (827) .
(4) الرد على الأخنائي ص 61 ، وانظر مجموع الفتاوي لابن تيمية 27/11 ، 23 ، 11/502 ، واقتضاء الصراط المستقيم ، 2/768 .
(5) إقتضاء الصراط المستقيم 1/192 .
(6) منهاج السنة 2/440
(7) مجموع الفتاوي 11/504
(1) أخرجه البخاري بمعناه ، ك المغازي ، ح (4287) ، ومسلم ، ك الجهاد ، ح (1781)
(2) مختصر الفتاوي المصرية ص 551، وانظر الفتاوي 33/123 ، واقتضاء الصراط المستقيم 2/644- 646 .
(3) انظر : الموافقات 2/333 - 335 = باختصار .
(4) انظر : غاية المنتهى 3/337 ، وانظر كشاف القناع للبهوتي 6/137
(5) أحمد بن عبدالأحد السرهندي ، النقشبندي ، من علماء الهند ، دعا إلى نبذ البدع ، اشتغل بالتدريس ، له مؤلفات ، توفي سنة 1034 هـ .
…انظر : الأعلام 1/142، معجم المؤلفين 1/259.(1/249)
(6) المنتخبات من المكتوبات للسرهندي ص 220 .
(1) الدرر السنية 2/54 .
(2) شرح الصدور بتحريم رفع القبور ص20 = باختصار
(3) عدي بن حاتم بن عبدالله الطائي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسلم في سنة تسع ، شهد فتح العراق ، وكان جواداً ، مات سنة 68 هـ .
…انظر : الإصابة 4/472، وسير أعلام النبلاء 3/162.
(4) سيأتي تخريجه ص 299
(5) الانتصار ص 33، 34 = باختصار .
(1) قرة عيون الموحدين ص 85 وانظر جواب الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ عن الذبح لغير الله تعالى في الدرر السنية 8/286 ، وجواب الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عن الذبح لغير الله وكذا النذر لغير الله في فتاويه 1/105 - 107 وانظر فتاوي ابن باز 3/322 والمجموع الثمين لابن عثيمين 1/41 ، وفتاوي اللجنة الدائمة 1/89 ، 110 ، 112 - 116 ، 127 ، 132 ، 220 ، 258 .
(1) مجموع الفتاوي 12/339 ، 340 = بتصرف يسير
(2) مجموع الفتاوي 7/37 ، 38 .
(3) تفسير المنار 5/227 .
(1) مجموع الفتاوي 3/91 وانظر النبوات ص 69 ، 70
(2) مجموع الفتاوي 10/267 .
(3) مدارج السالكين 2/118
(4) الحاكمية في تفسير أضواء البيان لعبدالرحمن السديس ص 52 ، 53 = باختصار ، وانظر أضواء البيان للشنقيطي 7/162 .
(1) أضواء البيان 4/83 ، وانظر أضواء البيان 3/440
(2) انظر : أعلام الموقعين 1/49 ، 50 وانظر رسالة معنى الطاغوت لمحمد بن عبدالوهاب (مجموعة التوحيد) ص 260 ، وفتاوي اللجنة الدائمة 1/542 .
(3) انظر المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 1/33
(4) تفسير المنار 2/55 ، وانظر تفسير المنار 3/326 .
(1) الفصل 3/266
(2) أخرجه الترمذي ح (3095) ، والبيهقي ( 10/116) وحسنه الألباني في "غاية المرام" (6)
(3) مجموع الفتاوى 7/67
(4) انظر : تحكيم الشريعة لصلاح الصاوي ص 18-21 ، ورسالة ضوابط التكفير ص116(1/250)
(5) هو أبو محمد عبدالعزيز بن عبدالسلام السلمي الدمشقي الشافعي ، سلطان العلماء الآمر بالمعروف والناهى عن المنكر ، كان فقيهاً مفسراً ، ولي الخطابه بدمشق ، له مؤلفات ، توفي بالقاهرة سنة 660 هـ .
انظر : طبقات الشافعية 8/209 ، البداية والنهاية 13/235 .
(6) قواعد الأحكام 2/134 ،135 .
(1) القول السديد ص 102 .
(2) أخرجه أبو داود ح (4955) ، والنسائي (8/226 ، 227) والبيهقي (10/145)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (8/237).
انظر : زاد المعاد 2/335 .
(1) أضواء البيان 7/163 - 168 = باختصار .
(2) انظر شرح العقيدة الطحاوية 1/228 .
(3) تفسير ابن كثير 3/211 .
(1) التبيان في أقسام القرآن ص 270 .
(2) مدارج السالكين 2/172 ، 173 .
(3) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/190 ، وانظر تيسير العزيز الحميد لسليمان السليمان بن عبد الله ص 554 ، 555.
(4) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (رسالة تحكيم القوانين) 12/251 .
(1) الدرة ص 338 .
(2) مجموع الفتاوى 28/471 ، وانظر مجموع الفتاوى 35/363 ، 407 .
(3) فتح القدير للشوكاني 1/484 .
(1) أعلام الموقعين 1/49 ، 50 .
(2) تفسير ابن كثير 3/209 .
(3) تفسير المنار 5/227 .
(4) تفسير السعدي 2/90 = باختصار .
(5) سيد قطب بن إبراهيم ، مفكر إسلامي كبير ، وأديب بليغ ، له جهود ظاهرة في الإصلاح ، وصاحب مؤلفات ، توفي مقتولاً سنة 1387 هـ .
انظر الأعلام 3/147 .
(1) في ظلال القرآن 2/894 ،895 .
(2) رسالة تحكيم القوانين ص 2 .
(3) أضواء البيان 4/83 وانظر الحاكمية في أضواء البيان للسديس ص 58 .
(4) تعظيم قدر الصلاة 1/392 ، 393 .
(1) تفسير السعدي 3/125 .
(2) عمدة التفسير 3/125 .
(3) هو أبو هبة الله إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسني الأسعردي الأزهري السلفي ، لم أعثر له على ترجمة ، ولكنه كان معاصراً لمحمد منير بن عبده آغا الدمشقي (ت1367 هـ)(1/251)
انظر : نموذج من الأعمال الخيرية لمحمد منير آغا ص 291 ، والأعلام 7/310 .
(1) تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن ص 40 ، وانظر ص 22 ، وانظر مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم 2/53 .
(2) الفوائد ص 42 ، 43 .
(3) أخرجه ابن ماجه 2/1333 ح (4019) ، والحاكم (4/540) ، والبيهقي (3/346) وقال البوصيري في (الزوائد) :- :هذا حديث صالح للعمل به .." وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1/321) . وانظر الصحيحة (106)
(4) أخرجه الطبراني في الكبير وقال المنذري : - " وسنده قريب من الحسن ، وله شواهد " وحسنه الألباني في صحيح الترغيب " (1/321) .
(5) مجموع الفتاوى 35/387 .
(1) انظر مثلاً لمعرفة آثار هذه القوانين : رسالة الكتاب والسنة يجب أن يكون مصدر القوانين في مصر للشيخ أحمد شاكر ، وبحث " وجوب تطبيق الشريعة " للشيخ مناع القطان .
(1) تفسير ابن كثير 4/113 .
(2) انظر : أضواء البيان للشنقيطي 4/83 ، 7/173 .
(3) انظر : الشريعة الإلهية ص 179- 182 .
(4) انظر : تفسير ابن كثير 2/163 ، فتاوى ابن تيمية 7/70 ، أضواء البيان للشنقيطي 3/440 .
(5) الفصل 3/245
(1) انظر : فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم 12/500 ، والمجموع الثمين لابن عثيمين 1/36
(2) انظر : فتاوى ابن تيمية 27/58 ، 59 ، 28/524 ، البداية لابن كثير 13/119
(3) نظرية السيادة ، وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية لصلاح الصاوي ص 19 ،20
(4) انظر المرجع السابق ص 12-16
(5) تحكيم الشريعة ودعاوي العلمانية لصلاح الصاوي ص 81
(1) انظر تفصيل ذلك في كتاب حد الإسلام وحقيقة الإيمان لعبد المجيد الشاذلي ص 365 - 377 .
(2) عمدة التفسير لابن كثير 3/124 = باختصار .
(3) انظر : ضوابط التكفير لعبد الله القرني ص 115 ، 116 ، وأضواء على ركن من التوحيد لعبد العزيز بن حامد ص 20.
(4) أخرجه ابن جرير في تفسيره 6/149 .(1/252)
(5) انظر : الموضع السابق ، وتفسير ابن كثير 2/58 .
(1) انظر : الفصل الرابع من الباب الأول وعنوان هذا الفصل : " إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة "
(2) المعتمد في أصول الدين ص 271 ، 272 .
(3) مجموع الفتاوى 3/267 ، وانظر فتاوى محمد بن إبراهيم (رسالة تحكيم القوانين) 12/288 ، وكتاب حد الإسلام للشاذلي ص 437 ، ومقال " تحكيم الشريعة " لمناع القطان ، مجلة البحوث العدد الأول ، ص 67 ، ورسالة ضوابط التكفير للقرني ص 19 ، 20.
(4) أضواء البيان 2/104 .
(5) مدارج السالكين 1/336 .
(6) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/386 .
(1) فتاوى محمد بن إبراهيم (رسالة تحكيم القوانين) 12/288 ، وانظر تفسير المنار 6/404 ، 407 وفتاوى ابن باز 1/273 ، والمجموع الثمين لابن عثيمين 1/36 .
(2) عمدة التفسير 4/171 - 173 وانظر البداية لابن كثير 13،119 = باختصار .
(3) روح المعاني 28/20 ، 21 = باختصار .
(1) تحذير أهل الإيمان ص 80، 81 ، وانظر ص 22 .
(2) عمدة التفسير لابن كثير 4/157 .
(3) انظر تفصيل ذلك في : الإسلام والعلمانية ليوسف القرضاوي ، والعلمانية لسفر الحوالي وتهافت العلمانية في الصحافة العربية لسالم البهنساوي ، وتحكيم الشريعة لصلاح الصاوي .
(4) أحمد بن محمد شاكر ، من علماء الحديث في هذا العصر ، التحق بالأزهر ، وتولى القضاء ، واشتغل بتأليف الكتب ، توفي سنة 1377 هـ .
انظر : الأعلام 1/253 .
(5) أي لا صلة له بشؤون الحياة الأخرى كالمعاملات والحدود .. إلخ .
(6) الكتاب والسنة يجب أن يكون مصدر القوانين في مصر ، ص 98 ، وانظر : - عمدة التفسير لابن كثير (تعليق لأحمد شاكر) 2/171 ، 172 ، وانظر : موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين لمصطفى صبري 4/292 .
(1) فتاوي محمد بن إبراهيم (رسالة تحكيم القوانين) 12/288 .
(2) أضواء البيان 4/84 ، 85 .(1/253)
(3) غالباً ما يكون هناك تلازم بين من يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ، وبين من يستهين بالشريعة أو يستهزئ بها .
(4) التفسير الكبير 16/124 .
(5) تفسير القرطبي 8/82 ج
(1) شرح العقيدة الطحاوية 2/446 .
(2) هو محمد بن محمد العمادي الحنفي ، فقيه ، مفسر ، شاعر ، تقلد القضاء ، والفتيا في تركيا ، له مصنفات كثيرة ، توفي بالقسطنطينية سنة 982 هـ .
انظر : شذرات الذهب 8/398 ، البدر الطالع 1/361 .
(3) تفسير أبي السعود 2/64 ، وانظر : تفسير البيضاوي 1/276 ، ومحاسن التأويل للقاسمي 6/215 .
(4) انظر فتاوى محمد بن إبراهيم (رسالة تحكيم القوانين) 12/289 ، ومقالة تحكيم الشريعة للقطان ، مجلة البحوث ، العدد الأول ، ص 68 .
(5) تفسير ابن كثير 2/559 .
(6) انظر : مدارج السالكين 3/20 ، وطريق الهجرتين ص 239 ، 240 .
(1) مجموع الفتاوى 14/329 .
(2) الجواب الكافي ص 177 ، وانظر مفتاح دار السعادة 2/20 ، وطريق الهجرتين ص 296 .
(3) انظر : فتاوى محمد بن إبراهيم 12/288 ،280 ، وأضواء على ركن من التوحيد لعبد العزيز بن حامد ص 43 ، وعمدة التفسير لابن كثير (تعليق لمحمود شاكر) 4/158 ، وفتاوى ابن باز 1/275 ، 137 .
(4) تفسير القرطبي 6/191 ، وانظر تفسير الطبري 6/146 .
(1) منهاج السنة النبوية 5/130 .
(2) انظر رسالة ضوابط التكفير ص 228 .
(3) مجموعة الفتاوى 35/407، وانظر الفتاوى 27/58 ، 59 ، 28/524 .
(4) أي مسوداً الوجه ، من الحممة : الفحمة .
(5) أخرجه مسلم ، ك الحدود (3/1327) ح (1700) ، وأحمد (4/286) .
(6) انظر : رسالة ضوابط التكفير للقرني ص 219 ، وحد الإسلام للشاذلي ص 381 ، 382 .
(1) مدارج السالكين 1/337 ، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2/446 .
(2) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/387 .
(3) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/91 ومجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (التفسير) 4/344 .(1/254)
(4) يقصد : أي لا معبود بحق إلا الله تعالى .
(5) حول تطبيق الشريعة ص 20 ، 21
(6) وهذه الحالة تعتبر مثالاً على كفر الإباء والاستكبار ، حيث يعد هذا الكفر هو الغالب على الأمم الكافرة بالرسل عليهم السلام . انظر مدارج السالكين 1/337
(1) انظر كتاب الصلاة لابن القيم ص 54
(2) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 20/86
(3) انظر السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل 1/347 ,348 ، درء تعارض النقل والعقل 1/242 .
(4) سبق تخريجه ص 251
(5) تهذيب الآثار 2/148 وانظر الفتاوى لابن تيمية 20/91
(6) شرح معاني الآثار 3/149
(7) قارن ما سبق ذكره .. بما تراه واقعاً مشاهداً في مجتمعات المسلمين ، عندما "جوزت" تلك الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين أوكار الربا والزنا والخمر ونحوها من المحرمات الظاهرة ، ومنحت التراخيص لتلك الموبقات ، بل "فرضت" تلك المحرمات القطعية ، وقامت على رعايتها وحمايتها ، ليس هذا فحسب ، بل و"سوغت" تلك الأنظمة موالاة الكفار باسم المصالح المشتركة والتعايش السلمي " .. والله المستعان .
(1) مجلة المنار مجلد 25 ، جزء 1 ، ص 21
(2) الفصل 3/266
(3) التمهيد لابن عبد البر = 4/226 = باختصار .
(4) أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي ، فقيه مجتهد ، استوطن بغداد ، رفض القضاء ، صاحب تعبد وزهد ، له مؤلفات ، توفي سنة 370 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 16/340 ، شذرات الذهب 3/71 .
(5) أحكام القرآن للجصاص 2/213 ، 214 .
(6) مجموع الفتاوي 28/502 .
(1) مجموع الفتاوي 28/502 وانظر الفتاوى 28/519 .
(2) الصارم المسلول ص 521 ، 522 ، وانظر مجموع الفتاوي 20/97 .
(3) تفسير النسفي (ضمن كتاب مجموعة من التفاسير) 4/119 .
(1) الصارم المسلول ص 33 = باختصار .
(2) مختصر الصواعق المرسلة 2/353 .
(3) تفسير البيضاوي 1/156 ، وانظر تفسير ابن كثير 1/338 .
(4) صدف عنه : أي أعرض إعراضاً شديداً ،
انظر : مفردات الأصفهاني ص 408 .(1/255)
(5) درء تعارض العقل والنقل 1/56 .
(6) قول الشيخ رحمه الله عن اتخاذ تلك المحاكم الوضعية .. " وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع .. " وذلك لما يتضمنه إنشاء محاكم غير شرعية من الأضرار المتعدية ، والشرور العامة ، والانحرافات الشاملة ، والتي غلبت على المسلمين بسبب إقامة تلك المحاكم القانونية ، إضافة إلى ذلك فإن اتخاذ تلك المحاكم الجاهلية قد يوقع في أكثر من ناقض من نواقض الإيمان من تلك الحالات التي سبق ذكرها ، ومن ثم كانت هذه الحالة أشمل وأعظم من قبلها .
(1) فتاوى محمد بن إبراهيم " رسالة تحكيم القوانين " 12/289 ، 290 .
(2) المرجع السابق 12/290 ، 291 ، وانظر 12/ 280 ، 281 ، 292 ، والدرر السنية 8/241 ، 271 - 275 .
(3) تفسير أبي السعود 1/724 .
(1) مما يجدر التنبيه عليه هاهنا : أن هذا الاستحلال أو الجحود ليس تكذيباً باللسان فقط - كما هو عند المرجئة - فإن هذا الاستحلال أو الجحود يعتبر في حد ذاته كفراً ، وإن لم يكن هناك متابعة أو طاعة لأولئك الأرباب ، ومناط الكفر - هاهنا - هو القبول والمتابعة في هذا التبديل ...
(2) أخرجه البخاري ، ك الأحكام (13/122) ح (7145) ومسلم ، ك الإمارة (3/1469) ح (1840) .
(3) مجموع الفتاوي 7/70.
(1) تفسير القرطبي 5/418 ، وانظر تفسير البيضاوي 1/251 .
(2) تفسير المنار 5/464 .
(3) تفسير النسفي (ضمن مجموعة من التفاسير ) 4/409 .
(4) الاستقامة 2/121 , 122 .(1/256)
(1) فهو ليس منهجاً ثابتاً أو قانوناً دائماً ، فمثل هذا يعد إباءً ورفضاً لحكم الشريعة - كما سبق توضيحه ، بل هو ملتزم لشرع الله في الجملة كما قال ابن تيمية ... ، وكما يقول الشيخ محمد بن إبراهيم : - " وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر ، إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق ، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر ، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل " أ . هـ من فتاوي محمد بن إبراهيم 12/280 ،وانظر : فتاوي محمد بن إبراهيم 6/189 .
(2) تفسير القرطبي6/191
(3) منهاج السنة 5/131
(4) مدارج السالكين 1/336 ، وانظر شرح الطحاوية 2/446
(5) فتاوى محمد بن ابراهيم ، (رسالة تحكيم القوانين) 12/291
(6) أضواء البيان 2/104 ، وانظر الأضواء 2/109 ، وانظر : تحكيم الشريعة للصاوي ص 71 ورسالة ضوابط التكفير للقرني ص 217 ، ومقال وجوب تحكيم الشريعة لمناع القطان ، مجلة البحوث ع "1" ص 69 ، وكتاب أضواء على ركن من التوحيد لعبدالعزيز بن حامد ص 42 . 43 ، ومختصر الغياثي لمحمد الحسني ص 56 .
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/313 ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/521
(8) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/313 ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/522
(1) أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي مولاهم ، المكي ، من خيار التابعين ، فقيه مفسر ، كان مفتي مكة ، صاحب عبادة وزهد ، مات بمكة سنة 115 هـ .
انظر : البداية والنهاية 9/306، سير أعلام النبلاء 5/78.
(2) أخرجه ابن جرير في تفسيره 6/148 ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/522
(3) أبو عبدالرحمن طاووس بن كيسان اليمني ، من سادات التابعين ، جمع بين العلم والعبادة ، ولازم ابن عباس رضي الله عنهما ، توفي سنة 106 هـ .
…انظر : البداية والنهاية 9/235، سير أعلام النبلاء 5/38.…
(4) أخرجه ابن جرير في تفسيره 6/148 ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/522(1/257)
(5) لاحق بن حميد السدوسي البصري ، تابعي ثقة ، قدم خراسان ، روى عن نفر من الصحابة ، مات سنة 106 هـ .
انظر : تهذيب التهذيب 11/172
(6) أخرجه ابن جرير في تفسيره 6/146
(7) ويؤكد ذلك أن الكفر - ها هنا - جاء معرفاً باللام ، وفرق بين الكفر المعرف باللام ، وبين كفر منكر ..
انظر : اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/208
(8) انظر مجموع الروايات في سبب نزول تلك الآيات في تفسير ابن جرير 6/140 - 148
(9) انظر ما كتبه الشاطبي في الموافقات 3/285 في بيان سر تعميم السلف لمثل هذه الآية ونحوها ...
(10) الإباضية : - فرقة من فرق الخوارج ، تنسب إلى عبدالله بن إباض التميمي ، وهم خوارج في الاعتقاد ، لكنهم يقولون إن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة أو كفر نفاق - على خلاف بينهم - وهم طوائف متعددة .
…انظر : مقالات الإسلاميين 1/183، والملل والنحل 1/134.
(1) يعني قول أبي مجلز ، والذي جاء في روايتين عند الطبري في تفسيره
(2) أي النفر من الإباضية
(3) عمدة التفسير لابن كثير لأحمد شاكر 4/156 , 157 = باختصار .
(4) الدر المنثور للسيوطي 3/88 .
(1) منهاج السنة 5/131 .
(2) مدارج السالكين 1/336 ، ولمزيد من التفصيل في هذه المسألة . انظر : - رسالة ضوابط التكفير للقرني ص 217 ، وأضواء على ركن من التوحيد لعبد العزيز بن حامد ص 36 - 43 ، وحد الإسلام وحقيقة الإيمان لعبد المجيد الشاذلي ص 406 - 414 ، ومختصر الغياثي لمحمد الحسني ص 46 - 60 ، وتحكيم الشريعة للصاوي ص 70 - 83 .
(3) انظر : مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/376 ، وتيسير العزيز الحميد ص 556 ، وأضواء البيان للشنقيطي 7/165 .
(1) أضواء البيان 7/169 .
(2) انظر : المبحث الثاني من الفصل الأول في الباب الأول : (إنكار اسم أو صفة لله عز وجل) .
(3) الفصل 3/263 وانظر : كتاب العقيدة وأثرها في بناء الجيل لعبد الله عزام ص 78 - 81 .
(4) الفصل 3/262 .(1/258)
(1) التمهيد لابن عبد البر = باختصار 4/226 .
(2) عمدة تفسير ابن كثير ، لأحمد شاكر 3/125 .
(3) الصارم المسلول ص 46 .
(4) انظر : الفصل الرابع من الباب الأول : (إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة) .
(1) تفسير القرطبي 5/418 .
(2) تعظيم قدر الصلاة 1/392 ، 393 .
(3) مجموع الفتاوى 7/611 .
(4) انظر : اللسان 7/182 ، وترتيب القاموس للزاوي 3/196 ، ومختار الصحاح ص 425 ، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي 1/216 ، 2/1 ، ومفردات الراغب ص 406 ، 408 ، 838 .
(5) المفردات ص 495 .
(1) المصباح المنير ص 478 .(1/259)
(2) وبهذا يعلم أن الإعراض في اللغة هو بمعنى التولي والصدود .. وبعضهم يجعل الإعراض أشد وأبلغ من التولي (انظر تفسير المنار 3/266) ، والإعراض يكون بمعنى الترك ، لأن ترك الطاعة يعتبر تولياً ، كما قال تعالى : - " " قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين " " آل عمران ، آية 32 ، ولعل هذا يؤكد أن الإعراض ناقض عملي ، فإنه إذا كان تركاً فهو يعتبر فعلاً كما هو مقرر عند أهل الأصول . وأمر آخر يحسن هاهنا ذكره وهو أن ننبه على عدم الخلط بين الإعراض ، والاعتراض ، فالاعتراض إعراض مع مناقضة ومصادمة للنصوص الشرعية ، وصد عن سبيل الله تعالى ، يقول ابن القيم في بيان ذلك : - " إن الله سبحانه وصف المعرضين عن الوحي المعارضين له بعقولهم وآرائهم بالجهل والضلال والحيرة الشك والعمى والريب ، فلا يجوز وصفهم بالعلم والعقل والهدى ، ومنشأ ضلال هؤلاء من شيئين أحدهما : الإعراض عما جاء به الرسول ، والثاني معارضته بما يناقضه فمن ذلك نشأت الاعتقادات المخالفة للكتاب والسنة ، فكل من أخبر بخلاف ما أخبر به الرسول عن شيء من أمر الإيمان بالله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر أو غير ذلك فقد ناقضه وعارضه ... وهذا حال أهل الجهل المركب، ومن أعرض عما جاء به الرسول ولم يعرفه، ولم يتبينه، ولا عارضه بمعقول أو رأي فهو من أهل الجهل البسيط ، وهو أصل المركب " أ . هـ من الصواعق المرسلة 3/1131 ولما كان الاعتراض أعظم إثماً وأعم ضرراً من الإعراض ، كانت عاقبته أشد ، وعذابه أسوأ ، كما قال تعالى : - " " فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون " " الأنعام ،آية 157 . فمن أظهر الأقوال في معنى هذه الآية - كما يقول ابن كثير - ما قاله السدي : - " أي لم ينتفع بما جاء به الرسول ، ولا اتبع ما أرسل به ، ولا ترك غيره ، بل صدف عن اتباع آيات الله أي صرف الناس وصدهم عن ذلك "أهـ" من(1/260)
تفسير ابن كثير 2/184 ويدل على ذلك قوله تعالى : - " " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب " " النحل ، آية 8.
(3) مجموع الفتاوى 7/621 .
(4) ويلحق بهذا الإعراض ما دل الدليل على أن تاركه يكفر ... كالصلاة ، كما سيأتي تفصيلاً إن شاء الله .
(1) انظر مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/315 ،والدرر السنية 8/258 ، وإرشاد الطالب لابن سحمان ص 11 ، ومنهاج أهل الحق لابن سحمان ص 63 ، 64 ، ورسالة ضوابط التكفير للقرني ص 195 - 201 .
(2) مجموع الفتاوى 12/497 .
(3) مفتاح دار السعادة 1/43 ، 44 , وانظر هذه المسألة أكثر تفصيلاً وبياناً في طريق الهجرتين ص 412 .
(4) طريق الهجرتين ص 414 .
(1) تفسير ابن كثير 3/160 .
(2) منهاج التأسيس ص 227 ، 228 .
(3) مختصر الصواعق المرسلة 2/353 .
(4) تفسير المنار 5/227 .
(1) انظر مختصر الصواعق لابن القيم 2/353 .
(2) تفسير البيضاوي 1/165 ، وانظر تفسير أبي السعود 1/498 .
(1) مجموع الفتاوى 20/107 = باختصار وانظر : 20/109 ، 112 .
(2) تفسير ابن كثير 3/164 .
(3) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 4/266 ، 267 .
(4) انظر تفسير البيضاوي 2/136 ، وأضواء البيان 6/252 .
(5) تفسير ابن كثير 3/297 .
(1) أضواء البيان 4/142 ، 143 = باختصار .
(2) الإحكام في أصول الأحكام 1/92 .
(3) مجموع الفتاوى 7/142 ، وانظر 7/221 .
(4) تفسير ابن كثير 3/288 = باختصار .
(1) تفسير النسفي 4/409 ، وانظر تفسير أبي السعود 4/134 .
(1) تفسير أبي السعود 3/675 .
(2) التسعينية 5/166 .
(3) التحفة العراقية في أعمل القلوب ص 57 .
(1) تفسير ابن كثير 1/338
(2) تفسير البيضاوي 1/156 .
(3) تفسير أبي السعود 1/466 ، وانظر تفسير روح المعاني للآلوسي 3/130 .
(4) فتح القدير 5/453 .
(5) الإحكام في أصول الأحكام 1/91 .
(1) الصارم المسلول ص 33 .
(2) تفسير ابن كثير 2/385 .
(3) فتح القدير 2/384 , 385 .(1/261)
(4) تفسير القرطبي 20/86 ، 87 = باختصار .
(1) الدرء 1/56 .
(2) انظر سيرة ابن هشام 2/444، 445 ، والبداية لابن كثير 3/135 . ولفظهما : - " والله لا أكلمك أبداً ، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ، وما ينبغي لي أن أكلمك ."
(3) مدارج السالكين 1/338 .
(4) مفتاح دار السعادة 1/94 .
(5) تفسير ابن كثير 1/336 .
(6) مجموعة التوحيد (رسالة نواقض الإسلام ) ص 272 ، وانظر إرشاد الطالب لابن سحمان ص 11 ، وهاتف الأمن لعبد العزيز بن راشد ص 98 - 104 .
(1) الإيمان ص 14 .
(2) أخرجه أحمد 4/286 وابن أبي شيبه في كتاب الإيمان ح (110) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/480 ، وحسنه الألباني في " الصحيحة " حديث رقم (1728) .
(3) رسالة أوثق عرى الإيمان ص 38 .
(4) حمد بن علي بن عتيق ، من علماء نجد ، ولد في الزلفي سنة 1227 هـ ، وتولى القضاء في عدة بلدان ، له مؤلفات ، توفي بالأفلاج سنة 1301 هـ .
انظر : علماء نجد 1/228 ، ومشاهير علماء نجد ص 244 .
(5) النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الاشراك (ضمن مجموعة التوحيد ) ص 363 .
(5) النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الاشراك (ضمن مجموعة التوحيد ) ص 363 .
1 جرير بن عبد الله البجلي ، من أعيان الصحابة ، كان بديع الحسن ، كامل الجمال ، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الخلصة فهدمها ، سكن الكوفة ، مات سنة 51 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 2/530 ، الاصابة 1/475 .
(1) أخرجه أحمد 4/365 ، والنسائي 7/148 ، والبيهقي 9/13 وصححه الألباني في " الصحيحة " (936) .
(2) هو معاوية بن حيدة القشيري ، جد بهز بن حكيم ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، نزل البصرة ، أخرج له أصحاب السنن .
انظر : الاصابة 6/149 .
(3) أخرجه أحمد (5/4) ، والحاكم (4/600) وصححه ، ووافقه الذهبي ، وحسن الألباني إسناده في الصحيحة (369) .(1/262)
(4) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/268 .
(5) الدرر السنية 2/157 .
(6) انظر : تفصيل ذلك في رسالة أوثق عرى الإيمان لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص 49 - 51 وكتاب الولاء والبراء لمحمد القحطاني ، والموالاة والمعاداة لمحماس الجلعود .
(1) انظر : تفصيل ذلك في رسالة أوثق عرى الإيمان لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص 49-51 وكتاب الولاء والبراء لمحمد القحطاني ، والموالاة والمعادة لمحماس الجلعود .
(2) انظر : الدرر السنية 7/155 , 159 , 220 ، ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/10، 31 ، 38 ، 57 .
(3) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/7 .
(4) انظر : الدفاع عن أهل السنة والاتباع لحمد بن عتيق ص 12 ، والدرر السنية 7/202 .
(5) أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي ، فقيه ، ولي الإفتاء والقضاء ، صاحب عبادة وزهد ، توفي سنة 520 هـ .
انظر : الديباج المذهب 2/248 ، وسير أعلام النبلاء 19/501.
(1) مقدمات ابن راشد 2/612 , 613 .
(2) أخرجه أبو داود ح (2645) ، والترمذي ح (1605) ، وأورد الألباني في صحيح الجامع (1474).
(3) المحلى 13/138 ، 139 .
(4) المرجع السابق 13/31 .
(5) تفسير ابن كثير 1/514 .
(6) أبو العباس أحمد بن النشريسي التلمساني ، فقيه مالكي استوطن فاس ، له مؤلفات كثيرة ، توفي بفاس سنة 914 هـ .
انظر : الأعلام 1/269 ، معجم المؤلفين 2/205 .
(7) انظر المعيار المعرب 2/119 - 135 .
(1) المعيار المعرب 2/123 ، 124 = باختصار .
(2) المعيار المعرب 2/132 ، وانظر ما كتبه الونشريسي من مفاسد الإقامة في ديار الكفر في كتابه المعيار 2/137 -141 .
(1) الدرر السنية 7/165 , 166 = باختصار .
(2) سبق تخريجه ص 359 .
(3) تفسير أبي السعود 1/523 .
(4) انظر توضيح هذه النكته في كتاب القواعد الحسان لتفسير القرآن / لعبد الرحمن السعدي ص 46-51 .
(5) الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك ص 33 .(1/263)
(6) انظر أضواء البيان للشنقيطي 4/83 .
(1) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية 28/193 .
(2) الفصل 3/262 .
(3) جمال الدين بن محمد سعيد القاسمي ، من كبار علماء الشام في القرن الماضي ، عاش في دمشق ، واشتغل بالتدريس ، رحل إلى مصر والحجاز ، له مؤلفات كثيرة ، توفي بدمشق سنة 1332 هـ .
انظر : الأعلام 2/135 ، ومعجم المؤلفين 3/157 .
(4) تفسير القاسمي 15/56 .
(5) انظر : زاد المسير لابن الجوزي 7/409 وفتح القدير للشوكاني 5/39 ، وتفسير النسفي 5/512 .
(6) الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك 50 ، 51 .
(1) كتب الشيخ محمد النيفر بحثاً في هذه المسألة ، كما بحثها الشيخ محمد السبيل ، وكلا البحثين منشوران في مجلة المجمع الفقهي - العدد الرابع .
(2) مجلة المنار ، مجلد 25 ، جزء 1 ، ص 22 .
(3) علي محفوظ ، فقيه واعظ ، تخرج من الأزهر ، ثم كان من أعضاء كبار العلماء ، وله مؤلفات ، توفي سنة 1361 هـ .
انظر : الأعلام 4/323 ، ومعجم المؤلفين 7/175 .
(4) خلاصة السؤال : - ما قول العلماء في مسلم تجنس بجنسية أمة غير مسلمة اختياراً منه ، والتزم أن تجري عليه أحكام قوانينها بدل أحكام الشريعة ... ويدخل في هذا الالتزام أن يقف في صفوفها عند محاربتها ولو لأمة إسلامية ، كما هو الشأن في التجنس بالجنسية الفرنسية الآن في تونس ؟
(5) التجنس بجنسية دولة غير إسلامية لمحمد السبيل ، بحث في مجلة المجمع الفقهي ، العدد الرابع ، ص 156 ، 157 .
(6) يوسف بن أحمد الدجوي ، مدرس من علماء الأزهر ، وفقيه مالكي له مؤلفات كثيرة ، توفي سنة 1365 هـ .
…انظر : الأعلام 4/323، معجم المؤلفين 7/175.
(1) التجنس بجنسية دولة غير إسلامية لمحمد السبيل ، بحيث في مجلة المجمع الفقهي ، العدد الرابع ، ص 150 ، 151 .
(2) المرجع السابق ، ص 153 ، وانظر مجالس العرفان ومواهب الرحمن لمحمد جعيط 2/66 .(1/264)
(3) يقول الشيخ محمد الشاذلي النيفر في بحثه عن التجنس بجنسية غير إسلامية : - " وقد تورط في الجندية للدولة غير الإسلامية كثير من المسلمين حاربوا في صفوف أعداء الإسلام مما أدى إلى انهزام الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى انظر مجلة المجمع الفقهي ، العدد الرابع ، ص 233 .
(1) انظر : إقتضاء الصراط المستقيم 1/79 - 81 ، 159 ، 488 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم 1/418 .
(3) أخرجه أبو داود 4/314 ، ح (4031) ، وأحمد 2/50 وقال عنه ابن تيمية في الاقتضاء 1/236 : " إسناده جيد " ، وحسنه الألباني في الجامع الصغير (6025) .
(4) اقتضاء الصراط المستقيم 1/237 ، 238 .
(5) الكنيسة والبيعة يقالان لمعابد اليهود والنصارى ، وقيل الأول عام والثاني مخصوص بالنصارى .
انظر : المعجم الوسيط 1/79 ، 2/806 .
(1) أي حلق أوساطها ، وهو من شعائرهم .
(2) الشفا 2/1072 ، 1073 .
(3) مختصر الفتاوى المصرية ص 514 .
(4) مجموع الفتاوى 27/14 .
(5) محمد بن عبد الله الخرشي المالكي ، أول من تولى مشيخة الأزهر ، كان فقيهاً ورعاً ، له مؤلفات ، توفي بالقاهرة سنة 1101 هـ.
انظر الأعلام 6/240 ، ومعجم المؤلفين 10/210 .
(6) الخرشي على مختصر خليل 7/63 ، وانظر : الفروق للقرافي 4/264 ، وتبصرة الحكام لابن فرحون 2/282 ، والشرح الصغير للدردير 6/146 ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/301 .
(7) البحر الرايق 5/133 ، وانظر : الفتاوى البزازية (بهامش الفتاوى الهندية) 3/332 ، وشرح الفقه الأكبر لملا علي قاري ص 280 ، ورسالة البدر الرشيد في ألفاظ الكفر ص 42 ، 43 .
(8) الإعلام بقواطع الإسلام ص 363 ، وذكر النووي أن الصواب عدم كفره ، انظر روضة الطالبين 10/69 .
(1) فتاوى اللجنة الدائمة 2/78 .
(3) انظر اقتضاء ، الصراط المستقيم 1/425 ، 426 .
(3) انظر تفسير ابن جرير 19/29 ، والدر المنثور 6/282 ، وانظر : اقتضاء الصراط 1/426 .(1/265)
(4) أخرجه أبو داود ح (1134) ، وأحمد (3/103) ،) ، والنسائي (3/146) ، وصححه ابن تيمية في الاقتضاء 1/432 وقال ابن حجر في الفتح (2/442) : - " إسناده صحيح "
(5) اقتضاء الصراط المستقيم 1/432 , 433 .
(6) انظر المرجع السابق 1/454 .
(7) أخرجه البيهقي 9/234 .
(1) عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي ، صحابي جليل ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ، أسلم قبل أبيه ، مات بالشام سنة 65 هـ.
انظر : الإصابة 4/193 ، وسير أعلام النبلاء 3/79 .
(2) أخرجه البيهقي 9/234 .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم 1/459 .
(4) في الكتاب : فوافقه ، ولعل الصحيح ما أثبته كما يدل على ذلك سياق الجملة التي تليها .
(5) المرجع السابق 1/471 .
(6) المرجع السابق 1/473 ، 474 .
(7) " المعمودية - عند النصارى - أن يغمس القس الطفل في ماء ، يتلو عليه بعض فقر من الإنجيل ، وهو آية التنصير عندهم "
انظر : المعجم الوسيط 2/632 .
(1) اقتضاء الصراط 1/481 ، 482 .
(2) المغرة : لون ليس بناصع الحمرة ، انظر ترتيب القاموس المحيط 4/266 .
(3) مختصر الفتاوى المصرية ص 517 ، 518 = باختصار .
(4) تشبه الخسيس بأهل الخميس للذهبي ص 21-23 .
(1) رسالة ألفاظ الكفر ص 43 ، 45 ، وانظر البحر الرايق لابن نجيم 5/133 ، وشرح الفقه الأكبر لملا علي قاري ص 282 ، والفتاوى البزازية 3/333 ، 334 .
(2) انظر الاتجاهات الوطنية لمحمد محمد حسين 2/318 - 320 والإسلام والأديان لمحمد عوض ص 35 .
(3) انظر الاتجاهات الوطنية لمحمد محمد حسين 2/321 .
(4) جمال الدين بن صفدر بن علي المشهور بالأفغاني ، واسع الإطلاع على مختلف العلوم ، ورحل إلى عدة بلدان ، واشتغل بالسياسة ، له مؤلفات ، ذو شخصية غامضة ، صاحب أفكار منحرفة ، توفي بتركيا سنة 1314 هـ .
انظر : - معجم المؤلفين 3/154 ، الإسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين ص 63 .
(5) دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام لمصطفى غزال ص 241 .(1/266)
(6) محمد عبده بن حسن آل التركماني ، فقيه ، مفسر ، متكلم ، مارس التعلم ، واشتغل بالسياسة والقضاء ، له مؤلفات ، صاحب نزعة عقلية ، وميول غربية ، توفي بالإسكندرية سنة 1323 هـ .
انظر : معجم المؤلفين 10/272 ، الإسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين ص 63 .
(7) الاتجاهات الوطنية لمحمد محمد حسين 2/319 والإسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين ص 197 ، 198 .
(8) انظر كتاب : لا لجارودي ووثيقة أشبيلية لسعد ظلام، والإسلام والأديان لمحمد عوض ص 11-20 .
(9) عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الرقوطي ، اشتغل بالفلسفة فأصابه إلحاد ، وجاور بغار حراء راجياً النبوة ، هلك عام 669هـ.
انظر : البداية والنهاية 13/261 ، شذرات الذهب 5/329 .
(1) حسن بن علي المغربي الأندلسي ، متصوف فيلسوف ، له صلة باليهود ، صاحب شطح وذهول ، هلك عام 699 هـ .
انظر شذرات الذهب 5/446 ، الأعلام 2/203 .
(2) أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله العابدي ، شاعر نحوي ، نسب إليه حلول واتحاد وزندقة ، له مؤلفات ، هلك عام 690 هـ
انظر : البداية والنهاية 13/326 ، وشذرات الذهب 5/412 .
(3) الصفدية 1/268 ، وانظر : الصفدية 1/98 ، 99 ، والرد على المنطقيين ص 282 ومجموع الفتاوى 14/165 .
(4) مجموع الفتاوى 28/523 .
(1) مراتب الإجماع ص 119 ، 120 .
(2) الشفا 2/1071 .
(3) مجموع الفتاوى 28/524 ،وانظر مختصر الفتاوى المصرية ص 507 .
(4) فتاوى اللجنة الدائمة 2/85 .
(1) انظر : تفسير الطبري 3/140 ، ومجموعة التوحيد ص 38 ، والدرر السنية 7/201 ، وفتاوى ابن باز 1/272 .
(2) انظر : الدرر السنية 7/201 ، وعقود الجواهر المنضدة لابن سحمان ص 146 .
(3) تفسير ابن عطية 8/152 .
(4) تفسير ابن كثير 4/356 .
(5) تفسير البيضاوي 1/279 ، وانظر البيضاوي 2/462 ، وتفسير الآلوسي 28/32 ، وتفسير الشوكاني 5/192 ، وتفسير القاسمي 6/331 .(1/267)
(6) انظر : معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/141 ، وترتيب القاموس المحيط 4/658 ، والمصباح المنير ص 841 ، ومفردات الراغب ص 837 ، ومختار الصحاح للرازي ص 736 ، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي 2/208 .
(7) انظر : تفسير الطبري 5/195 ، 6/159 ، 166 , 182 , 28/34 .
(8) أنظر : بدائع الفوائد لابن القيم 4/19 ، ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/7 .
(1) تفسير السعدي 7/357 .
(2) المرجع السابق 2/304 .
(3) تفسير الطبري 3/140 .
(1) الدلائل في حكم مولاة أهل الإشراك ص 52 .
(2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/7 .
(3) المرجع السابق 3/57 .
(4) انظر المرجع السابق 3/66 , 67 ، وكتاب الاستعانة بغير المسلمين لعبد الله الطريقي ص 262 - 271 .
(5) انظر كتاب الاستعانة بغير المسلمين لعبد الله الطريقي ص 272 - 274 .
(6) مراد ابن حزم - هاهنا - : أن يلحق المسلم بدار الحرب مختاراً محارباً - كما سيأتي تمام كلامه بعد قليل - ، انظر للمزيد من التوضيح المحلى 13/140 .
(1) المحلى 13/138 ، 139 .
(2) المرجع السابق 13/140، 141 .
(3) تفسير الطبري 6/160 .
(4) تفسير القرطبي 6/217 ، وانظر تفسير البيضاوي 1/279 ، وتفسير الشوكاني 2/50 .
(5) المحلى 13/35 .
(1) تفسير القاسمي 6/240 .
(2) انظر فتاوى اللجنة الدائمة 2/78 .
(3) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/490 ، والدرر السنية 7/84 .
(4) الإيمان ص 13 ، 14 ، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/17 , 542 .
(1) تفسير البيضاوي 1/155 ، وانظر تفسير ابن كثير 1/357 .
(2) الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك ص 56 ، وانظر ص 39 .
(3) فتح القدير 1/331 وانظر رسالة أوثق عرى الإيمان ص 28 ، والدلائل ص 32 كلاهما للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب .
(4) انظر : تفصيل ذلك : في تفسير الطبري 5/113 .
(1) تفسير الطبري 6/161 .
(2) الدرر السنية 7/79 ، 80 .(1/268)
(3) مجموع الفتاوى 28/534 ، وانظر مجموع الفتاوى 28/530 ، 531 ، ومختصر الفتاوى المصرية ص 507 ، 508 ، ومجموعة الرسائل والمسائل 1/41 - 43 .
(1) أحكام أهل الذمة 1/67 .
(2) مجموعة التوحيد ص 38 .
(3) هو عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، من علماء نجد في هذا العصر ، نشأ في الأحساء ، ودرس في الرياض ، وتتلمذ على يديه خلق كثير ، له بعض الفتاوى والرسائل، توفي في الرياض سنة 1339هـ .
انظر : علماء نجد 1/78 ، والدرر السنية 12/98 .
(4) الدرر السنية 7/201 .
(5) فتاوي ابن باز 1/274 .
(1) انظر : اللسان 13/438 ، والمصباح المنير ص 795 ، ومختار الصحاح للرازي ص 2 , 7 .
(2) انظر أمثلة على تلك الأقوال الكفرية : شرح الفقه الأكبر لملا علي قاري ص 249 - 254 ، والفتاوى البزازية (بهامش الفتاوى الهندية) 3/338 ، والإعلام للهيتمي ص 359 .
(1) تفسير ابن جرير 5/6, 1 ، وانظر تفسير ابن كثير 1/1 , 5 ، 2 , 5
(2) تفسير ابن عطية 4/187 ، 188 .
(3) تفسير المنار 5/289 .
(4) تفسير ابن جرير 14 / 6 ، وانظر تفسير ابن كثير 2/528 ، والقرطبي 10/5 .
(5) تفسير أبي السعود 3/296 ، وانظر فتح القدير للشوكاني 3/122 .
(1) روح المعاني 14/16 = باختصار .
(2) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ، أمير المؤمنين في الحديث ، صاحب الصحيح ، الحافظ ، الفقيه ، المؤرخ ، له رحلات كثيرة ، ومؤلفات جمة ، توفي سنة 256 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 12/391 ، ومقدمة فتح الباري .
(3) اللوحتين ، والمراد به المصحف .
(4) محمد بن علي بن أبي طالب ، من كبراء التابعين ، كان ورعاً كثير العلم ، وهو من سادات قريش ، كان شجاعاً قوياً ، مات بالمدينة سنة 81 هـ .
…انظر : البداية والنهاية 9/38، سير أعلام النبلاء 4/110.
(5) أخرجه البخاري ، ك فضائل القرآن (9/64) ح (5019) .(1/269)
(6) أخرجه البخاري ، ك فضائل الصحابة (7/71) ، ح (3706) ، ومسلم ، ك فضائل الصحابة (4/1871) ، ح (2404) .
(7) فتح الباري 9/65 .
(1) الموافقات 2/58 , 59 = باختصار .
(2) الدرة فيما يجب اعتقاده ص 218 - 221 = باختصار يسير .
(3) الصارم المسلول ص 521 .
(4) انظر المرجع السابق ص 52 .
(1) انظر مغني المحتاج للشربيني 4/136 .
(2) انظر الموافقات للشاطبي 2/58 .
(3) انظر المبحث الثالث من الفصل الثاني في الباب الأول .
(4) أبو عبد الله الحسين بن الحسن البخاري الشافعي ، محدث متكلم عاش في بلاد ما وراء النهر ، كان ذكياً سيال الذهن ، له مؤلفات ، توفي سنة 403 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 17 / 231 ، طبقات الشافعية 4/333 .
(5) المنهاج في شعب الإيمان 1/320 .
(1) تفسير القرطبي 1/80 ، 81 .
(2) المحلى 1/31 .
(3) رسالة في الرد على الرافضة ص 14 .
(4) أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله الآلوسي الحسيني ، عالم بالشرع ، والتاريخ والأدب ولد في بغداد سنة 1273 هـ ، له جهود في الرد على المبتدعة ، وألف كتباً كثيرة ، توفي ببغداد سنة 1342 هـ .
انظر : - كتاب تلميذه محمد بهجت الأثري " أعلام العراق " ص 36 ، الأعلام 7/172 .
(1) السيوف المشرقة ومختصر الصوامق المحرقة ، (مخطوط) ، ق 129 = باختصار .
(2) وقد سبق ذكر شيء من ذلك فيما مضى ، مما هو قريب من موضوع هذا الفصل ، انظر : - المبحث الثالث من الفصل الثاني في الباب الأول .
(3) مراتب الإجماع ص 174 .
(4) الفصل 3/296 ، وانظر : المحلى 1/39 ، والإحكام في أصول الأحكام 1/86 .
(5) الشفا 2/1101 ، وانظر 2/1076 .
(6) الفصل 2/213 ، وانظر المحلى 1/15 .
(1) رسالة في ألفاظ الكفر ص 22 ، ويقول ملا علي قاري معلقاً على الجملة الأخيرة : - " ولا يخفى أن قوله حالفاً قيد واقعي فلا مفهوم له . " شرح الفقه الأكبر ص 250(1/270)
(2) الشرح الصغير 6/145 , 146 ، وانظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/301 ، وبلغة السالك 2/416 ، والخرشي على مختصر خليل 7/62 , 63 .
(3) روضة الطالبين 10/64 ، وانظر مغني المحتاج للشربيني 4/136 ، ونهاية المحتاج للرملي 7/416 .
(4) قليوبي وعميرة 4/176 ، وانظر الأعلام للهيتمي ص 349 .
(5) كشاف القناع 6/137 ، وانظر شرح منتهى الإرادات 3/387 ، وغاية المنتهى لمرعي الكرمي 3/339 .
? في هذا المبحث استفدت مما كتبه الأخ محمد الوهيبي في بحث نشر في مجلة البيان ع ، 25، 26 بعنوان (اعتقاد أهل السنة في الصحابة).
(1) أخرجه البخاري ، ك فضائل الصحابة (7/21) ح ( 3673) ، ومسلم ، ك فضائل الصحابة (4/1967) ح (2540) ، انظر ما ورد في فضل الصحابة في الكتاب والسنة : - كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل ، وفضائل الصحابة للنسائي ، والصواعق المحرقة للهيتمي ، ودر السحابة في مناقب الصحابة للشوكاني ، وإتحاف ذوي النجابة لمحمد العربي ، وكتاب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادة الكبيسي 149 ? 176 .
(1) أصول السنة للحميدي (بذيل مسنده) 2/546 .
(2) شرح العقيدة الطحاوية 2/689 .
(3) الإبانة الصغرى ص 263 - 265 .
(4) المرجع السابق = باختصار ص 268 , 269 .
(5) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الشافعي ، محدث مؤرخ ، صاحب تصوف له مؤلفات ، توفي بأصبهان سنة 430هـ .
انظر : طبقات الشافعية 4/18 ، البداية والنهاية 12/45 .
(1) الإمامة ص 341 , 342 ، 344 ، وانظر ص 208 - 211 .
(2) إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الصابوني الشافعي ، محدث فقيه ، مفسر واعظ ، نصر السنة في خراسان ، ولقب بشيخ الإسلام ، توفي سنة 449 هـ .
انظر : طبقات الشافعية 4/271 ، وسير أعلام النبلاء 18/40 .
(3) عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 93.
(4) سبق تخريجه ص 406 .
(5) شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس ص 157 , 158 .
(6) المرجع السابق ص 164 .(1/271)
(7) المرجع السابق ص 167 .
(1) انظر مسألة سب الله تعالى في المبحث من الفصل الأول في الباب الأول .
(2) انظر : الشفا للقاضي عياض 2/1108 - 1114 ، والصارم المسلول ص 567 - 587 ، وصحابة رسول الله لعيادة الكبيسي ص 334 - 346 .
(3) انظر الصارم المسلول لابن تيمية ص 569 ، 571 .
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 15/149 .
(5) أبو عنمر عثمان بن صلاح الدين بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري الشافعي ، إمام ، محدث ، درس وأفتى ، صاحب هيبة ووقار ، أتقن علوماً كثيرة ، توفي سنة 643 هـ.
انظر : طبقات الشافعة 8/326 ، وسير أعلام النبلاء 23/140 .
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 427 ، 428 .
(2) الباعث الحثيث ص 205 .
(3) الصارم المسلول ص 571 .
(4) المرجع السابق ص 574 .
(5) أخرجه الطبراني في الكبير (12/142) ، وابن أبي عاصم في السنة (2/483) وأبو نعيم في الحلية " (7/103) وحسنه الألباني في (الصحيحة) (2340) .
(6) انظر تعريف الكبيرة في شرح العقيدة الطحاوية 2/526 ، ومجموع فتاوى ابن تيمية 11/650 .
(7) انظر في هذه الرسالة : - الفصل الرابع من الباب الأول : "إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة "
(8) الرد على الرافضة ص 18، 19 .
(1) الكميلية : ولعلها الكاملية ، وهم أصحاب أبي كامل ، وهم فرقة من غالية الشيعة ، أكفروا جميع الصحابة ، وقالوا بالتناسخ والحلول .
انظر : الملل والنحل 1/174 ، واعتقادات فرق المسلمين ص 60 .
(2) الشفا 2/1072 = باختصار .
(3) الصارم المسلول ص 586 ، 587 .
(4) فتاوى السبكي 2/575 .
(5) البداية والنهاية 5/252 .
(6) الإعلام ص 380 .
(1) الرد على الرافضة ص 13 .
(2) المرجع السابق ص 8 وانظر ص 17 .
(3) أبو عبد الله محمد العربي التباني الجزائري ثم المكي، عالم معاصر ، أصولي ، مفسر ، محدث ، مؤرخ ، درس في الحرم المكي ، وكذا في مدرسة الفلاح بمكة ، له مؤلفات جمة، كان حياً عام 1374 هـ .(1/272)
انظر : مقدمة كتابه تحذير العبقري من محاضرات الخضري (1/9) .
(4) إتحاف ذوي النجابة ص 75 .
(5) الفصل 3/300 .
(6) فتاوى السبكي 2/575 .
(1) أخرجه البخاري ، ك الإيمان (1/62) ح (17) ، ومسلم ، ك الإيمان (1/85) ح (74) .
(2) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة ح(1411) ، والنسائي في فضائل الصحابة ح (225) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/39) : " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، غير أحمد بن حاتم وهو ثقة " انظر "الصحيحة " للألباني ح (991) .
(3) أخرجه مسلم ، ك الإيمان (1/86) ح (77) ، وأحمد (2/419) .
(4) فتح الباري 1/62 .
(5) بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العيني الحلبي ثم القاهري الحنفي ، فقيه ، محدث مفسر ، لغوي ، أجاد علوماً جمة ، له رحلات ومؤلفات ، ولي التدريس والحسبة والقضاء في مصر ، توفي بالقاهرة سنة 855 هـ .
انظر : - شذرات الذهب 7/286 ، البدر الطالع 2/294 .
(6) عمدة القارئ 1/173 وانظر : الصارم المسلول لابن تيمية ص 581 .
(7) الشرح الصغير للدردير بحاشية الصاوي 6/160 ، وانظر الرد على الرافضة لمحمد بن عبد الوهاب ص 19 .
(8) أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي ، إمام دار الهجرة ، وأحد الأئمة الأربعة ، كان صلباً في دينه ، له مؤلفات ، توفي في المدينة المنورة سنة 179 هـ .
…انظر : الديباج المذهب 1/82، سير أعلام النبلاء 8/48.
(8) الشفا 2/1107 .
(1) المسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة للأحمدي 2/358 ، 363 ، وانظر السنة للخلال ص 493 .
(2) أبو عبد الله محمد بن يوسف بن واقد الفريابي ، إمام حافظ ، عابد ، من أكبر شيوخ البخاري ، وثقة جمهور المحدثين ، له ردود على المبتدعة ، مات سنة 212 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 10/114 ، وتهذيب التهذيب 9/335 .
(3) السنة للخلال ص 499 .
(4) الفتاوى البزازية (بهامش الفتاوى الهندية) 6/318 وانظر البحر الرايق لابن نجيم 5/131 .(1/273)
(5) الخرشي على مختصر خليل 7/74 ، وعلل العدوي ذلك في حاشيته على الخرشي (7/74) : "لأن إسلام الصحابة صار معلوماً من دين الله بالضرورة . "
(6) أخرجه الترمذي ح (3748) ، (3757) ، وقال الترمذي : " حسن صحيح " ، وأحمد (1/193) ، والنسائي في فضائل الصحابة ، ح(91) ، وابن أبي عاصم في السنة " (2/618) وصححه الألباني في الجامع الصغير ح (3905) .
(7) فتاوى السبكي 2/569 .
(1) المرجع السابق 2/576 .
(2) المرجع السابق 2/587 ، وانظر : 2/589 وانظر الإعلام للهيتمي ص 352 ، 363 ، 380 .
(3) المرجع السابق 2/580 .
(4) أخرجه البخاري ، ك المظالم (5/98) ح (2443) ، وأحمد (3/99)
(5) الصارم المسلول ص 578 .
(6) انظر : المسائل المروية عن الإمام أحمد ، للأحمدي 2/363 ، وانظر الإنصاف للمرداوي 10/323 ، 324 .
(1) أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي المالكي ، من أوائل فقهاء المالكية ، كان موصوفاً بالحذق في الفقه ، له مؤلفات كثيرة ، تولى الفتيا في قرطبة ، مات سنة 238 هـ .
انظر : الديباج المذهب 2/8 ، سير أعلام النبلاء 12/102 .
(2) أبو سعيد عبد السلام بن حبيب التنوخي القيرواني المالكي ، برع في الفقه ، وتفقه به عدد كثير صاحب ورع وكرم ، تولى القضاء ، توفي القضاء ، توفي سنة 240هـ.
انظر : الديباج المذهب 2/30 ، وسير أعلام النبلاء 12/63 .
(3) الشفا 2/1108 ، وانظر : الشرح الصغير للدردير 6/160 ، والخرشي على مختصر خليل 7/74 ، وفتح العلي المالك لعليش 2/286 ، وبلغة السالك لأقرب المسالك 2/420 .
(4) هو أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي الشافعي شيخ الشافعية في زمانه ، كان غواصاً في دقائق الفقه ،له مؤلفات ، توفي سنة 462 .
انظر : طبقات الشافعية 4/356 ، شذرات الذهب 3/310 .
(5) يعني عثمان وعلياً رضي الله عنهما ، وفي الأصل المطبوع : الحسين ، والتصحيح من كتاب الإعلام لابن حجر ص 352 .(1/274)
(6) فتاوى السبكي 2/577 ، وانظر فتح الباري 7/36 .
(7) نهاية المحتاج 7/426 ، وانظر قليوبي وعميرة 4/175 .
(8) حاشية ابن عابدين 4/237 ، وانظر مجموعة رسائل ابن عابدين 1/342 - 345 .
(1) انظر : الصارم المسلول ص 579 .
(2) سيأتي إن شاء الله بيان أوجه كون سب الصحابة كفراً
(3) انظر : الصارم المسلول ص 571 ، 589 .
(4) انظر : رسالة الرد على الرافضة لمحمد بن عبد الوهاب ص 18 ، 19 .
(5) سبق تخريجه ص 406 .
(6) مسند الإمام أحمد 3/266 وقال الهيثمي في المجمع (10/15) : - " ورجاله رجال الصحيح " وانظر البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف لابن حمزة الحسيني 3/304 ، 305 .
(1) انظر المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد ، للأحمدي 2/363 ، 364 .
(2) الصارم المسلول ص 571 .
(3) المرجع السابق ص 586 .
(4) الشفا 2/1108 .
(5) المرجع السابق 2/1109 .
(1) فتاوى السبكي 2/590 .
(2) المرجع الساب نفس الجزء والصفحة .
(3) الصارم المسلول ص 586 ، وانظر فتاوى السبكي 2/579 .
(4) انظر : الشفا 2/1109 .
(5) المحلى 13/504 .
(1) الإبانة الصغرى ص 270 .
(2) فتاوى السبكي 2/592 .
(3) الرد على الرافضة ص 24 = بتصرف يسير .
(4) الرد على البكري ص 340 .
(5) تفسير ابن كثير 3/267 ، وقد حكى ابن كثير هذا الإجماع أيضاً في البداية 8/92 ، وانظر مجموعة رسائل ابن عابدين 1/345.
(1) انظر : البداية لابن كثير 8/92 .
(2) انظر فتاوى السبكي 2/592 ، وطرح التثريب للعراقي 8/69.
(3) انظر المحلى 13/504 .
(4) انظر الشفا 2/1113 .
(5) انظر الصارم المسلول ص 567 .
(6) انظر فتاوي السبكي 2/592 .
(7) الصارم المسلول ص 567 .
(8) انظر : تفسير الطبري 18/74 ، وابن كثير 3/268 ، والدر المنثور للسيوطي 6/164 .
(9) الصارم المسلول ص 47 .
(1) تفسير أبي السعود 4/104 ، 105 .
(2) الرضى من صفات الله تعالى الفعلية التي تتعلق بمشيئة واختاره .(1/275)
(3) الصارم المسلول ص 572 ، 573 ، وانظر سير أعلام النبلاء للذهبي 5/117 .
(1) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ص 316 .
(2) الحلية لأبي نعيم 6/327 ، وانظر : السنة للخلال ص 493 ، وأصول اللالكائي 7/1268 .
(3) أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله ، إمام حافظ ، صاحب التصانيف ، ولي قضاء طرطوس ، وقدم بغداد ، ألف في غريب الحديث واللغة ، نصر السنة ورد على المبتدعة ، توفي بمكة سنة 124 هـ .
انظر : طبقات الحنابلة 1/259 ، وسير أعلام النبلاء 10/490 .
(4) السنة للخلال ص 498 .
(5) الحلية لأبي نعيم 6/327 .
(6) تفسير القرطبي 16/96 ، 297 .
(7) السيوف المشرقة (مخطوط) ، ق 238 .
(1) أبو العباس أحمد بن عمرو بن إبراهيم القرطبي المالكي ، محدث ، فقيه ، رحل إلى المشرق ، له مؤلفات ، توفي بالإسكندرية سنة 656 هـ .
انظر : الديباج المذهب 1/240 ، وشذرات الذهب 5/273 .
(2) عمدة القارئ 1/173 = باختصار ، وانظر فتح الباري 1/63 .
(3) انظر : الفصل 3/294 .
(4) الرد على الرافضة ص 17 .
(1) إتحاف ذوي النجابة بما في القرآن والسنة من فضائل الصحابة ص 75 = باختصار .
(2) انظر : أصول اللالكائي (حاشية المحقق) 7/1238 ، فتاوي السبكي 2/575 ، والرد على الرافضة لمحمد بن عبد الوهاب ص 8 ، وصحابة الرسول للكبيسي ص 337 .
(3) أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي ، الإمام الحافظ ، نشأ في الري ، له رحلات ، ومؤلفات جمة ، من أحفظ الناس للحديث ، وأعلمهم به وكان صاحب عبادة وزهد ، توفي سنة 264هـ .
انظر : طبقات الحنابلة 1/199 ، وسير أعلام النبلاء 13/65 .
(4) الكفاية في علم الرواية ص 63 ، 64 .
(1) أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري الرازي الشافعي ، إما حافظ له مصنفات ، نصر السنة ، توفي في الدينور سنة 418 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 17/419 ، شذرات الذهب 3/211 .(1/276)
(2) الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل العلوي ، ظهر سنة 250 هـ ، وكثر جيشه ، واستولى على جرجان ، واستفحل أمره ، توفي سنة 270 هـ .
انظر : البداية والنهاية 11/6 ، وسير أعلام النبلاء 13/136 .
(3) انظر : أصول اللالكائي 7/1269 .
(4) هو محمد بن زيد بن محمد العلوي ، تولى الحكم بعد وفاة أخيه الحسن بن زيد عام 270هـ ، كانت في أيامه حروب وفتن ، وكان شجاعاً ، أديباً ، حسن السيرة ، توفي مقتولاً بجرجان 287 هـ .
انظر : - الكامل لابن الأثير 7/504 ، والأعلام 6/132 .
(5) في الأصل : قرتان ، وقال المحقق : لم يتبين لي معناها (اللالكائي 7/1270) والصحيح ما أثبته كما نقله ابن تيمية في الصارم المسلول ص 67 ومعنى قرنان : - " هو الذي يشارك في امرأته كأن يقرن به غيره ، وهو نعت سوء في الرجل الذي لا غيرة له " لسان العرب13/338 .
(6) انظر أصول اللالكائي 7/1270 .
(1) عمر بن حبيب العدوي البصري ، ولي قضاء البصرة ، ومات بها سنة 207 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء 9/490 ، شذرات الذهب 2/17 .
(2) تهذيب الكمال 2/1004 ، 1005 .
(1) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 107 , 108 .
(2) الكبائر ص 285 .
(3) الرد على الرافضة ص 13 = باختصار .
(4) محمد صديق بن حسن الحسيني البخاري القنوجي ، عالم ، أمير ، نشأ في الهند ، وشارك في أنواع من العلوم ، وله مؤلفات كثيرة ، توفي سنة 1307 هـ .
انظر : التاج المكلل ص 541 ، ومعجم المؤلفين 10/90 .
(5) الدين الخالص 3/404 .
(1) انظر الصارم المسلول ص 587 ، والأعلام لابن حجر الهيتمي ص 380 .
(2) انظر صحابة الرسول للكبيسي ص 337 .
(3) أبو الدرداء عويمر الخزرجي ، صحابي جليل ، شهد أحداً ، ولاه معاوية قضاء الشام في خلافة عمر ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مات سنة 32هـ .
انظر : الإصابة 4/747 ، وسير أعلام النبلاء 2/335 .(1/277)
(4) أخرجه أحمد 2/407 وأبو داود ح (3641) والترمذي ح(2646) وابن ماجه ح (223) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب للمنذري 1/33 .
(1) مفتاح دار السعادة 1/66 = باختصار يسير .
(2) قال الهيثمي : - أخرجه الطبراني في الثلاثة والبزار ، ورجاله موثقون "
انظر : مجمع الزوائد (1/122) .
(3) شرح حديث أبي الدرداء ص 30 - 32 = باختصار .
(4) هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري ، صحابي جليل ، وكان من قراء الصحابة ، وولي الإمارة والقضاء في خلافة عمر ، وشارك في الفتوحات ، صاحب صيام وصلاة، توفي سنة 42 هـ .
انظر : الإصابة 4/211 ، وسير أعلام النبلاء 2/380 .
(5) أخرجه أبو داود ح (4843) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/44 .
(1) عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري ، صحابي جليل ، أحد النقباء يوم العقبة ، شهد المشاهد كلها بعد بدر ، وحضر الفتوحات ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ، تولى الإمارة والقضاء في الشام ، مات بالرملة سنة 34 هـ .
انظر : الإصابة 3/625 ، وسير أعلام النبلاء 2/5.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/122) ، وحسنه الألباني .
انظر : صحيح الجامع الصغير (5319) ، وصحيح الترغيب والترهيب 1/45 .
(3) انظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر وفضله 1/129 .
(4) خطرهم : أي شرفهم وقدرهم ،
انظر : المصباح المنير ص 208 ومختار الصحاح ص 180 .
(5) أخلاق العلماء ص 81 - 83 = باختصار .
(1) أخرجه البخاري ، ك الرقاق (11/340) . ح (6502)
(2) جامع العلوم والحكم 2/334 = باختصار .
(3) انظر : لسان العرب 1/183 ، والمصباح المنير ص 787 .
(4) روح المعاني 1/158 = باختصار .
(1) بروتوكولات حكماء صهيون / ترجمة محمد خليفة التونسي ص 187 .
(2) انظر : - المشايخ والاستعمار لحسني عثمان ، والقول المبين في حكم الاستهزاء بالمؤمنين لعبد السلام آل عبد الكريم ، والاستهزاء بالدين وأهله لمحمد القحطاني .(1/278)
(1) أخرجه مسلم ك الإيمان (1/93) . ح (91)
(2) تفسير ابن كثير 4/213 .
(3) لم يذكر ابن حجر الهيتمي اسم هذا العالم .
(4) لا يثرد من قولهم " ثرد الخبز : أي فتنه ثم بله بمرق (انظر اللسان 3/102) ، وظاهر العبادة السابقة : العلم لا يثرد ... الاستهزاء بالعلم واحتقاره .
(5) الإعلام لابن حجر ص 372 ، 373 .
(1) الإعلام لابن حجر ص 372 ، 373 .
(2) انظر روضة الطالبين للنووي 10/68 ، والإعلام لابن حجر ص 362 .
(1) انظر فتاوي اللجنة الدائمة 2/14، 15 .
(3) عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ، صحابي جليل ، أسلم مع أبيه ، روى أحاديث كثيرة ، عرف بالزهد والورع ، وكثرة التعبد وتحري السنة ، مات سنة 73 هـ .
انظر : الإصابة 4/181 ، وسير أعلام النبلاء 3/203 .
(4) أي : أوسع بطوناً ،
انظر : الفائق في غريب الحديث للزمخشري 2/69 .
(5) الحقب : حبل يشد به رحل البعير إلى بطنه .
انظر : المرجع السابق 1/300 .
(6) أخرجه الطبري في تفسيره 10/104 ، وانظر الصحيح المسند من أسباب النزول لمقبل الوادعي ص 77 .
(7) قرة عيون الموحدين ص 217 .
(1) الدرر السنية 8/242 = باختصار يسير .
(2) عبد الرحمن بن محمد قاسم العاصمي القحطاني ، من علماء نجد المعاصرين ، له مؤلفات كثيرة ، جمع فتاوى ابن تيمية ، ورتب فتاوى علماء نجد ، توفي عام 1392 هـ .
انظر : علماء نجد 2/414 .
(3) حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد ، ص 323 .
(4) فتاوى اللجنة الدائمة 1/256 ، 257 .
(1) تفسير أبي السعود 4/87 = باختصار يسير .
(2) روح المعاني 18/69 = باختصار يسير .
(3) أضواء البيان 5/827 ، 828 = باختصار .
(1) انظر الصارم المسلول لابن تيمية ص 52 .
(2) الفصل 3/299 ، وانظر المحلى 13/00 5 - 502 .
(3) تفسير القرطبي 12/154 = باختصار .
(4) الفتاوى البزازية (بهامش الفتاوى العالمكيرية) 6/336 .
(5) المرجع السابق 6/337 .
(6) المخراق : - المنديل يلف ليضرب به(1/279)
انظر : مختار الصحاح ص 173 .
(1) البحر الرايق 5/132 .
(2) المرجع السابق 5/134 .
(3) الأشباه والنظائر ص 191.
(1) شرح الفقه الأكبر ص 260 - 262 = باختصار ، وانظر تهذيب ألفاظ الكفر لمحمد اسماعيل الرشيد ص 26
(2) المجموع الثمين 1/65 ، وانظر الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة للدوسري ص 63 ، والمنافقون في القرآن لعبدالعزيز الحميدي ص 384 .
* الترك يعد فعلاً وعملاً ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة ، قال تعالى : " " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الأثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " " المائدة ، آية 63 فسمى الله عز وجل عدم نهي الربانيين والأحبار لهم صنيعاً ، والصنع فعل . وقال تعالى : " " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " " فسمى عدم تناهيهم عن المنكر فعلاً . وقال صلى الله عليه وسلم : " عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها ، فوجدت في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق ، ووجدت في مساويء أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب النهي عن البصاق في المسجد ، في الصلاة وغيرها 1/390 ، رقم الحديث (553) .
انظر تفصيل هذه المسألة : - روضة الناظر لابن قدامة ص 54 ، والموافقات للشاطبي 4/58، وإرشاد الفحول للشوكاني ص 42، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 62، وشرح الروضة للشنقيطي ص 38، وأفعال الرسول لمحمد الأشقر 2/47-50.
(1) طبع هذا الكتاب سنة 1406 هـ في مجلدين ، بتحقيق الدكتور عبدالرحمن الفريوائي
(2) تعظيم قدر الصلاة 1/96
(3) المرجع السابق 1/135 , 136 .
(1) المرجع السابق 2/1002 ، 1003 .
(2) أخرجه البخاري ، ك الزكاة (3/357) ، ح (1496) ومسلم ، ك الإيمان (1/50) ، ح (19) .
(3) كتاب الصلاة ص 31 , 32 ، وانظر رسالة الصلاة للإمام أحمد بن حنبل ص 14 - 22 ، ومجموع الفتاوي لابن تيمية 3/427.(1/280)
(4) انظر معالم السنن للخطابي 7/45 ، والمجموع للنووي 3/16 .
(5) انظر مقدمات ابن رشد ص 100 ، والمجموع للنووي 3/16 ، والمغني لابن قدامة 3/351 ، ومجموع فتاوي ابن تيمية 20/96 ، 22/40 .
(1) مجموع الفتاوى 20/97 ، 98 ، وانظر : الصارم المسلول ص 521 ، 522 .
(2) تقدم تخريجه .
(3) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد ، جمع عبد الإله الأحمدي 2/37 .
(4) ص 15 ، 16 .
(5) انظر مجموع فتاوي ابن تيمية 7/219 ، 22/48 ، 35/106 .
(1) مجموع الفتاوى 22/48 .
(2) مجموع الفتاوى 7/615 = باختصار .
(3) كتاب الصلاة ص 62 ، 63 .
(1) مجموع الفتاوى 20/98 , 99 .
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/ 636 .
(3) الفصل 3/274 ، وانظر المحلى 2/326 ، 327 ، والشريعة للآجري ص 133 - 135 وأصول اللالكائي 2/816 - 829 ، والإبانة الكبرى لابن بطة 2/669 - 683 ، والتمهيد لابن عبد البر 4/225 .
(4) المغني 3/354 ، وانظر الإنصاف للمرداوي 1/404 ، 405 .
(5) المجموع 3/17 .
(1) مجموع الفتاوى 28/308 ، وانظر 28/359 ، 360 ، 7/303 ، 611 ، 20/97 - وكتاب الصلاة لابن القيم ص 33 ، وجامع العلوم والحكم لابن رجب 1/147 .
(2) المغني 3/355 ، وانظر الإنصاف للمرداوي 1/404 ، 405 .
(3) المجموع 3/17 ، وانظر طرح التثريب شرح التقريب للعراقي 2/147 ، ومقدمات ابن رشد ص 101 ، والتمهيد لابن عبد البر 4/230 .
(4) مجموع الفتاوى 7/611 .
(5) صياصي البقر : أي قرونها . انظر اللسان 7/52 ، ومفردات الأصفهاني ص 429 .
(6) كتاب الصلاة ص 37 ، 38 .
(1) تعظيم قدر الصلاة 2/1007 .
(2) كتاب الصلاة 38 .
(3) انظر تفسير ابن جرير 16/66 ، وابن كثير 3/125 ، وفتح القدير للشوكاني 3/339 .
(4) عشروات : - جمع عشراء : وهي الناقة التي أتى عليها من وقت الحمل عشرة أشهر . (انظر اللسان 4/572 ، ومختار الصحاح ص 434) .(1/281)
(5) تعظيم قدر الصلاة 1/119 ، 120 ، وأخرجه الطبري (16/75) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/389) : " وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن حبان وقال يخطئون " وقال المنذري في الترغيب (4/231) : - " رواه الطبراني والبيهقي مرفوعاً ، ورواه غيرهما موقوفاً عن أبي أمامة وهو أصح . " وقال محقق كتاب تعظيم قدر الصلاة - الفريوائي - (1/121) وله شاهد من حديث أبي هريرة ، وبريدة ، وأبي موسى ، وأنس ، وخلاصته أن الحديث صحيح لشواهده . "
وانظر " الصحيحة للألباني (1612) .
(1) كتاب الصلاة ص 41 .
(2) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/613 ، وكتاب الصلاة لابن القيم ص 41 ، 42 ، وأضواء البيان للشنقيطي 4/311 ، ورسالة الطهارة والصلاة لابن عثيميين ص 58 .
(3) تعظيم قدر الصلاة 1/129 .
(4) كتاب الصلاة ص 42 ، وانظر فتاوى ابن تيمية 7/612 ، 613 .
(5) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/7 = 76) ، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/129) ، وانظر الدر المنثور للسيوطي (8/180).
(1) كتاب الصلاة ص 42 ، 43 .
(2) المرجع السابق ، ص 43 ، 44 .
(1) انظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/1005 ، 1006 ، وفتح الباري 2/7 .
(2) أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، الإمام ، الحافظ ، صاحب " الصحيح " ، كان من أوعية العلم ، له مصنفات ، توفي بنيسابور سنة 261 هـ .
انظر سير أعلام النبلاء 12/557 ، طبقات الحنابلة 1/337 .
(3) سبق تخريجه .
(4) أبو بكر أحمد بن الحسين الخراساني ، الحافظ الفقيه ، صاحب المصنفات الكثيرة ، كان متقناً لعلوم جمة ، وزاهداً ورعاً ، مات سنة 458 هـ .
انظر طبقات الشافعية 4/8 ، وسير أعلام النبلاء 18/163 .
(5) شعب الإيمان للبيهقي 3/33 .
(6) اقتضاء الصراط المستقيم 1/208
(7) نيل الأوطار 2/13 .
(8) أضواء البيان 4/311 .(1/282)
(1) بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي ، صحابي جليل ، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة ، وغزا خراسان في زمن عثمان ، ومات في مرو سنة 63 هـ .
انظر : الإصابة 1/286 ، وسير أعلام النبلاء 2/469.
(2) أخرجه أحمد 5/346 ، والترمذي في الإيمان ح (2621) وقال " هذا حديث حسن صحيح غريب " ، والنسائي في الصلاة (1/187) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/6) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/226) . وانظر : تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/877 - 880) .
(3) طرح التثريب شرح التقريب 2/145 .
(4) محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ، من علماء الحديث في بلاد الهند ، قرأ في العلوم المختلفة ، وله مؤلفات ، توفي سنة 1353 هـ .
…انظر : معجم المؤلفين 5/166.
(5) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 7/369 .
(6) أخرجه اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (4/822) وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/227) ، وانظر : تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/879 ، 880 ) .
(7) أخرجه أحمد (2/169) وابن حبان ح (1448) ، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/292) إلى الطبراني في الكبير والأوسط ، وقال : - " رجال أحمد ثقات .
(1) كتاب الصلاة ص 46 ، 47
(2) أضواء البيان 4/313 .
(3) أخرجه ابن ماجه في الأشربة ، ح (4034) ، واللالكائي 2/823 ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/885 - 891 ، وقال البوصيري : " إسناده حسن ، وشهر بن حوشب [أحد رجال هذا الحديث] مختلف فيه " ، وصححه الألباني لشواهده في صحيح الترغيب والترهيب 1/227 - 229 .
(4) كتاب الصلاة ص 487 .
(5) أخرجه أحمد (5/231) ، والترمذي ح (2616) وقال " حسن صحيح " ، وابن ماجه ح (3973) وصححه ابن القيم في كتاب الصلاة (ص47) ، وصححه الألباني في تخريجه لكتاب الإيمان لابن أبي شيبة (1) ، وصحيح الجامع الصغير (5012) .(1/283)
(6) الفسطاط : بيت الشعر (المصباح المنير ص 567) .
(7) رسالة الصلاة ص 16 ، وانظر كتاب الصلاة لابن القيم ص 48 ، وجامع العلوم والحكم 1/146 ، 2/146 .
(8) أخرجه البخاري ، ك الصلاة (1/496) ح (391) .
(9) انظر التمهيد لابن عبد البر 4/1228 .
(1) كتاب الصلاة ص 48 ، 49 .
(2) محجن بن أبي محجن الديلي ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعد من أهل المدينة
انظر : الإصابة 5/779 .
(3) أخرجه مالك في الموطأ (1/132) ، وأحمد (4/34) ، والنسائي (2/87) والحاكم (1/244)، وصححه الألباني في الجامع الصغير ح (480) .
(4) التمهيد 4/224
(5) كتاب الصلاة ص 50
(6) أخرجه البخاري ، ك الوضوء (1/235) . ح (136) ، ومسلم ، ك الطهارة (1/216) ح (246) .
(7) ك الطهارة (1/218) ح (249)
(8) دهم : جمع أدهم وهو الأسود
(9) بهم : قيل السود ، وقيل : الذي لا يخالط لونه لوناً سواه ، بل يكون خالصاً .
(1) مجموع الفتاوى 7/612
(2) في أديم مقروظ : أي في جلد مدبوغ بالقرظ ، والقرظ حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاء ، (عن تعليق محمد فؤاد عبدالباقي على صحيح مسلم 2/742)
(3) لم تحصل من ترابها : أي لم تميز ولم تصف من تراب معدنها . (المصدر السابق)
(4) ناشر الجبهة : أي مرتفعها (المصدر السابق)
(5) أخرجه البخاري ، ك المغازي (8/67) ، ح (4351) ومسلم ، ك الزكاة (2/742) ، ح (1064) .
(6) أخرجه أبو داود ك الأدب ، ح (4928) ، والدار قطني 2/54 ، 55 ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/918 ، وصححه الألباني في الجامع الصغير 1/332 رقم (2502) .
(7) أخرجه البخاري ، ك الديات (12/201) ح (6878) ، ومسلم . ك القسامة ، (3/1302) ، ح (1676) .
(8) انظر ضوابط التكفير لعبدالله القرني ص 206، 207
(1) عوف بن مالك الأشجعي ، صحابي جليل ، أسلم عام خيبر ، وشهد الفتح ، ونزل حمص ، مات سنة 73هـ .
…انظر : الإصابة 4/743، وسير أعلام النبلاء 2/487.(1/284)
(2) أخرجه مسلم ك الإمارة (3/1481) ح (1855) ، وأحمد (6/24 ، 28)
(3) أم سلمه هند بنت أبي أمية المخزومية ، أم المؤمنين ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، من المهاجرات الأول ، ولها أولاد صحابيون ، توفيت سنة 68 هـ .
…انظر : سير أعلام النبلاء 2/201، الإصابة 8/221.
(4) أخرجه مسلم ، ك الإمارة (3/148) ح (1854) ، والترمذي ، ك الفتن ، ح (2265)
(5) انظر أضواء البيان للشنقيطي 4/315
(6) أخرجه البخاري ك (الفتن (13/5) ح (7055، 7056) ، ومسلم ك الإمارة (3/1470) ح (1709) .
(7) انظر أضواء البيان للشنقيطي 4/311، 315 ، وضوابط التكفير للقرني ص 208 .
(8) أخرجه مسلم ، ك الإيمان (1/87) ح (81) ، وأحمد 2/443 .
(1) تعظيم قدر الصلاة 2/934 .
(2) أخرجه مالك في الموطأ (1/40) ، والآجري في الشريعة (ص134) ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/892 - 896) ، واللالكائي (2/825) ، وصححه الألباني في تحقيقه وتخريجه لكتاب الإيمان لابن أبي شيبة رقم (103) .
(3) كتاب الصلاة ص 50 . ويقول الشيخ ابن عثيمين في رسالته عن الطهارة والصلاة (ص59) : " والحظ النصيب وهو هنا نكرة في سياق النفي ، فيكون عاماً لا نصيب لا قليل ولا كثير . "
(4) تعظيم قدر الصلاة 2/925 .
(5) أبو عبد الرحمن عبد الله بن شقيق العقيلي ، تابعي جليل من أهل البصرة ، وثقه جمع من المحدثين ، وكان رجلاً صالحاً مجاب الدعوة ، مات سنة 108 هـ .
انظر : تهذيب التهذيب 5/253 ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/81 .
(6) أخرجه الترمذي ، ك : الإيمان ح (3622) ، وأخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (2/905) ، وقال النووي في المجموع (3/19) : "إسناده صحيح " ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/227) رقم (564)
(7) أخرجه الحاكم (1/7) وقال الذهبي : - إسناده صالح " ، وانظر أصول اللالكائي 4/829 .
(1) نيل الأوطار 2/16 .(1/285)
(2) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر 2/930 ، وانظر التمهيد لابن عبد البر 4/226 .
(3) ،4 أخرجه أحمد 5/319 ، ومالك في الموطأ ، صلاة الليل ، باب الأمر بالوتر (1/123) وأخرجه أبو داود ، ك الصلاة ، الوتر ح (325) وأخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/951 - 956) ، وصححه النووي في المجموع (3/20) ، وقال العراقي في طرح التثريب (2/148) " إسناده " صحيح ، وصححه الألباني في الجامع الصغير، ح (3238) .
(5) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/614 .
(6) مشكل الآثار 4/226 .
(7) التمهيد 23/290 .
(1) أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي ، محدث ، فقيه ، أصولي عاش في القاهرة ، له مؤلفات ، توفي بالقاهرة سنة 1122هـ .
انظر / معجم المؤلفين 10/124 .
(2) شرح الموطأ 1/255 .
(3) انظر المغني لابن قدامة 3/357 ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 7/614 ، وأضواء البيان للشنقيطي 4/318 .
(4) كما يدرس وشي .. : - أي كما يمحي ويزول نقش الثوب
انظر : المصباح المنير ص 228 ، 826 .
(5) أخرجه ابن ماجه ح (4049) وقال البوصيري : - إسناده صحيح ، والحاكم 4/473 وصححه ووافقه الذهبي ، وقال عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (13/16) : سنده قوي " وصححه الألباني في " الصحيحة " (87) .
(6) هو جندب بن جنادة الغفاري ، صحابي جليل ، كان زاهداً ، صادق اللهجة ، من السابقين الأوائل إلى الإسلام ، توفي بالربذة سنة 31 هـ .
انظر : الإصابة 7/125 ، وسير أعلام النبلاء 2/46 .
(1) وجدنا عليه : - أي غضبنا عليه ،
انظر : المصباح المنير ص 803 .
(2) أخرجه أحمد (5/170) ، وأخرج بعضه النسائي ، ك الافتتاح ، باب ترديد آية (2/138) . وابن ماجة ، ح(1350) ، وقال الهيثمي في المجمع (2/273) : - " رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات "
(3) أخرجه أحمد (6/240) ، والحاكم (4/575) وقال : صحيح الإسناد .(1/286)
(4) أخرجه النسائي ، ك تحريم الدم (7/77) ، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/209) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (1748) .
(5) أخرجه أحمد 2/290 ، وابن ماجة ، ك : إقامة الصلاة ، باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1/458) ، وأخرجه البغوي في شرح السنة (4/159) (رقم 1019) وقال " حديث حسن " ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (1358) .
(6) نيل الأوطار 2/18 , 19 .
(1) أضواء البيان 4/319 .
(2) يميتون الصلاة : - أي يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه )تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم 1/448) .
(3) أحرزت صلاتك : أي حصلتها وصنتها لها (المرجع السابق) .
(4) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار ( 1/448 رقم _648) ، والترمذي الصلاة ح (1760) ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ، باب ذكر الأخبار التي احتجت به هذه الطائفة التي لم تكفر بترك الصلاة 2/939 - 951 .
(5) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار 4/231 ، وقال المنذري في الترغيب (3/190) : - " رواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيخ . " وانظر التمهيد لابن عبد البر 23/299 .
(6) مشكل الآثار 4/231 .
(7) أخرجه الخلال في جامعه ، كما قاله ابن قدامة في المغني 3/357 .
(1) الصوى جمع صوة وهي أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي يستدل بها على الطريق .
انظر : لسان العرب 14/472 مادة " صوو" .
(2) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان (3) ، وأخرجه الحاكم (1/27) وقال : هذا حديث صحيح عل (شرط البخاري ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (333) .
(3) أخرجه أحمد ( 3/94) ، والنسائي (998) ، ابن ماجة ح (60) ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ح (276) . وقال الألباني : " إسناده صحيح على شرط الشيخين ، وللحديث متابعات كثيرة .(1/287)
انظر رسالة حكم تارك الصلاة للألباني ص 30 - 32 ، والشفاعة للوادعي ص 130 - 158 .
(4) حكم تارك الصلاة للألباني ص 35 .
(1) أخرجه البخاري ، ك أحاديث الأنبياء (6/474) ح (3435) ومسلم ، ك الإيمان (1/57) ح (28) .
(2) أخرجه البخاري ، ك العلم (10/93) ، ح (99) .
(3) انظر : التمهيد لابن عبد البر 23/296 - 299 ، والمغني لابن قدامة 3/356 ، والمجموع للنووي 3/20 ، وطرح التثريب للعراقي 2/148 ، ونيل الأوطار للشوكاني 2/19 .
(4) المغنى 3/357 , 358 ، وانظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/956 ، والمجموع للنووي 3/20 .
(5) أخرجه أبو داود ح ( 2513) ، والنسائي (6/185) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (18 , 6) .
(6) تقدم تخريجه .
(7) أخرجه الترمذي وحسنه ح (1535) ، وأبو داود ح (3251) ، والحاكم (1/18 ، 4/297) وصححه ووافقه الذهبي .
(8) انظر هذا الجواب : مشكل الآثار للطحاوي 4/227 ، وكتاب الصلاة لابن القيم ص 51 - 53 ، والعواصم لابن الوزير 9/79 ، ونيل الأوطار 2/20 .
(9) انظر هذا الجواب : المغني لابن قدامة 3/358 ، فتح الباري 2/32 ، وأحكام القرآن لابن العربي 1/41 .
(1) المجموع 3/20 ، وانظر هذا الجواب : مسلم بالنووي 2/71 ، وأحكام القرآن لابن العربي 1/41 ، وطرح التثريب للعراقي 2/147 .
(2) انظر : هذا الجواب : التمهيد لابن عبد البر 4/236 ، ومسلم بالنووي 2/71 ، وطرح التثريب للعراقي 2/147
(3) انظر الفتاوى لابن تيمية 7/614 , 615 ، 22/19 .
(4) أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 2/968 ، وانظر بقية الروايات الأخرى في نفس الكتاب 2/968 - 971 ، وانظر التمهيد لابن عبدالبر 23/293 و294
(5) تعظيم قدر الصلاة 2/971
(1) مجموع الفتاوى 35/165 .
(2) أخرجه البخاري ك الأذان (2/275) ح (791) .(1/288)
(3) فتح الباري 2/275 ، ويجب التنبيه هاهنا أن قول الصحابي : سنة محمد أو فطرته له حكم الرفع - على القول الراجح كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح 2/275 -
(4) حديث : - إنه سيكون بعدي أمراء " رواه اكثر من صحابي
(1) تعظيم قدر الصلاة 2/957 - 963 = باختصار .
(2) أخرجه مسلم ك المساجد ومواضع الصلاة ، (1/449) ح (648)
(3) منهاج السنة النبوية 5/210 ، 211 ، وانظر كتاب الصلاة لابن القيم ص 26
(4) انظر لمزيد من التفصيل في الجواب عن الاستدلال بهذه الآية : - رسالة ضوابط التكفير للقرني ص 209 .
(5) تقريب التهذيب 2/124
(6) انظر ميزان الاعتدال للذهبي 1/399
(7) انظر صحيح ابن خزيمة 2/124
(1) انظر : مجمع الزوائد للهيثمي 10/348
(2) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4/432
(3) انظر الحاكم مع التلخيص 4/575 ، 576 ، وانظر التهذيب 11/316
(4) انظر : شرح العقيدة الطحاوية ص 367
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط 2/512 ح (1880) ، وقال الألباني في "الصحيحة" (1358) : - "وأخرجه الضياء في المختارة 2/209 ... وهو حديث صحيح بمجموعة طرقه . " وانظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي 1/213 رقم (185) والهيثمي في المجمع 1/291 ، 292 .
(6) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق ص 28 ، والضياء في المختارة 1/495 ، وصححه الألباني في الصحيحة (1739)
(7) لم أعثر عليه بهذا اللفظ ، وقد جاءت أحاديث كثيرة بمعناه ، انظر مجمع الزوائد 1/291 ، 292
(1) رسالة الصلاة ص 17 ، وانظر كتاب الصلاة لابن القيم ص 32
(2) هذا الحديث أورده المنذري في الترغيب (3/190) بصيغة التمريض ، وكذا الذهبي في الكبائر ص 147
(3) انظر التهذيب 5/38 - 49
(4) التقريب 1/383
(5) انظر : التهذيب 2/95 - 98 ، والتقريب 1/131
(6) انظر مثلاً رسالة البدر الرشيد الحنفي في الألفاظ المكفرات ص 29
(7) انظر منهاج السنة النبوية 5/204 ، وانظر حكم تارك الوضوء في كتاب الصلاة لابن القيم ص 27 ، 28 .(1/289)
(1) انظر مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية ص 645 ، 646
(2) أخرجه مسلم ، ك الوصية (3/1255) ح (1631) ، والترمذي ح (1376)
(3) انظر الإصابة 7/208 ، وتجريد الصحابة للذهبي 2/178
(4) انظر : التهذيب 6/451 - 453 ؛ والتقريب 1/528
(5) انظر : كتابه : - " حكم تارك الصلاة " ص 64 ، حيث ذكر أنه ضعيف ، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة (6036)
(1) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 8/270 ، 271 = باختصار يسير ، وانظر كتاب التوحيد لابن خزيمة 2/869 .
(2) انظر تفصيلاً : نيل الأوطار 2/20 ، وضوابط التكفير للقرني ص 209 ، 210
(3) انظر : أضواء البيان للشنقيطي 4/320 ورسالة في الطهور والصلاة لابن عثيمين ص 60
(4) إيثار الحق على الخلق ص 383
(5) انظر : كتاب التوحيد 2/727 - 734
(6) أخرجه البخاري ك الأذان (2/293) ح (806)
(7) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/612
(8) انظر فتح الباري 11/457
(1) المرجع السابق 13/429
(2) كتاب التوحيد 2/732
(3) انظر المغني في أصول الفقه للخبازي ص282 ، وفتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم 3/7
(4) انظر أعلام الموقعين لابن القيم 1/30 ، وإرشاد الفحول للشوكاني ص 90
(5) انظر : التمهيد 4/224
(6) الأم 1/390
(7) روضة الطالبين 2/147
(8) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/617
(1) مجموع الفتاوي 7/716 ، وانظر مجموع الفتاوى 6/429 ، 24/287
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/980
(3) المرجع السابق 2/996
(4) بدائع الفوائد لابن القيم 3/212
(5) الاختيارات الفقهية ص 32
(1) أخرجه البخاري ك الإيمان (1/83) ح (29) ، ومسلم ك الإيمان (1/86) ح _79)
(2) الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 88
(3) انظر رسالة ضوابط التكفير ص 203
(4) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 7/674
(5) أخرجه البخاري ، ك الجنائز ، (3/166) ، ح (1297) ، ومسلم ، ك الإيمان ، (1/99) ، ح (165)(1/290)
(6) أخرجه الترمذي ، وقال حسن غريب ، ك البر والصلة ، باب ما جاء في رحمة الصبيان ، حديث (1921) ، وابن ماجة ، ك الأدب ، باب في الرحمة ، حديث (4943) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/44 و45)
(7) السنة للخلال 3/579 ، وانظر تعظيم قدر الصلاة 1/487
(1) أخرجه البخاري ، ك المظالم (5/119) ، ح (2475) ، ومسلم ، ك الإيمان (1/76) ح (100)
(2) أي كثيرو الكلام والتشكي (لسان العرب 13/28)
(3) تعظيم قدر الصلاة 1/504 ، 505
(4) مجموع الفتاوي 7/36 ، 37 = باختصار
(5) انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية 19/150
(6) الإيمان لأبي عبيد ص 88
(7) السنة لعبدالله بن الإمام أحمد 1/377
(8) الإحكام لابن حزم 1/283
(9) أخرجه البخاري بمعناه ك الإيمان (1/89) ح (33) ، ومسلم ك الإيمان (1/78) ح (107)
(1) تفسير القاسمي 3/536 ،537
(2) سبق تخريجه ص 468
(3) المحلى 13/438 = خص .
(1) انظر تفصيل هذا الجواب : - الفتاوى لابن تيمية 7/614 ،والدرر السنية 4/102 ، ورسالة ضوابط التكفير للقرني ص 205 .
(2) انظر كتاب الصلاة لابن القيم ص 37 .
(3) انظر : المبحث الأول من تمهيد الرسالة .
(5) انظر التمهيد لابن عبد البر 4/236 .
(6) انظر : أضواء البيان للشنقيطي 4/322
(7) انظر : رسالة ضوابط التكفير ص 211
(1) انظر : تفسير الطبري 16/66 ، وتفسير ابن كثير 3/125
(2) مجموع الفتاوي 7/615
(3) المرجع السابق 7/616
(4) المرجع السابق 22/49 ، وانظر مجموع الفتاوى 6/429 ، والصارم المسلول ص 554
(5) تقدم تخريجه
(1) النبوات ص 272 ، وانظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 210 ت : محمد الأصفر
(1) تفسير السعدي 1/118
(2) درء تعارض العقل والنقل 5/62 ، 63 = باختصار يسير ، وانظر مجموع الفتاوى 29/384 ، 385 .
(3) انظر لمعرفة أحوال السحرة في هذا العصر :-(1/291)
عالم السحر والشعوذة لعمر الأشقر ص 55 -68 ، وتكملة المجموع لمحمد المطيعي 21/90 , 91 والسحر والمجتمع لسامية الساعاتي ، والعرافون الدجالون لياسين العجرمي .
(4) انظر اللسان 4/348 ، والمصباح المنير ص 317 ، وترتيب القاموس المحيط 2/528 ، ومختار الصحاح ص 288 .
(5) الأم 1/391 .
(1) أضواء البيان 4/444 .
(2) أحكام القرآن للجصاص 1/42 .
(3) أحكام القرآن لابن العربي 1/31 ، وانظر الشرح الصغير للدردير 6/146 ، والخرشي على خليل 7/63.
(4) المغني 8/150 ، وانظر المبدع في شرح المقنع 9/188 ، وشرح منتهى الإرادات 3/394 .
(5) انظر كتاب السحر بين الحقيقة والخيال لأحمد الحمد ص 13 - 16 .
(6) انظر تفسير الرازي 3/228 - 236 ، وانظر المفردات للراغب ص 331 .
(7) انظر : - الفروق للقرافي 4/137 - 149 ، ومفتاح دار السعادة لطائش كبري زاده 1/340 - 346 ، وأضواء البيان للشنقيطي 4/452 -455 ، وكتاب السحر للحمد ص 18-36 .
(8) انظر تفصيل هذه المسألة في كتاب السحر لأحمد الحمد ص 37 - 88
(1) الفروق للقرافي 4/135
(2) المرجع السابق 4/137
(3) المرجع السابق 4/141
(4) انظر الفتاوى لابن تيمية 35/171 ، ومختصر الفتاوى المصرية ص 151 ، والإعلام للهيتمي ص 391 ، وحاشية ابن عابدين 4/240
(5) أخرجه البخاري ، ك الوصايا (5/393) ح (2766) ومسلم ، ك الإيمان (1/92) ح (89)
(6) أخرجه أحمد (4/399) ، وقال الهيثمي في المجمع (5/74) : - " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات " "
(1) العشار : - هو الذي يأخذ من أموال الناس ضريبة باسم العشر على عادة الجاهلية (عن الفتح الرباني وشرحه بلوغ الأماني لأحمد البنا)(1/292)
(2) أخرجه أحمد (4/22) ، وانظر المسند (4/218) ، وقال المنذري في الترغيب (4/31) : - "رواه أحمد عن علي بن زيد عنه ، وبقية رواته محتج بهم في الصحيح ، واختلف في سماع الحسن من عثمان " وقال أحمد البنا في الفتح الرباني (15/16) : - " أخرجه الطبراني في الأوسط ، وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن فيه على بن زيد وفيه كلام وقد وثق "
(3) أبو المظفر يحي بن محمد بن هبيرة الشيباني العراقي الحنبلي ، صاحب التصانيف الوزير العادل ، كان ديناً خيراً عاقلاً كريماً ، توفي سنة 560هـ.
…انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/251، وسير أعلام النبلاء 20/426.
(4) الإفصاح عن معاني الصحاح 2/226 ، وانظر المحلى لابن حزم 13/469 ، وتفسير القرطبي 2/47 ، 48 .
(5) يعني بشرط الإيمان : إقرار اللسان ، لأن القول الظاهر - عند أبي منصور - شرط لثبوت أحكام الدنيا ، والإيمان هو التصديق فحسب .
انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/510 وشرح العقيدة الطحاوية 2/459 .
(6) شرح الفقه الأكبر ص 220
(7) لعله الإمام مالك بن أنس رحمه الله
(8) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/302 ، وانظر الشرح الصغير 4/146 ، وبلغة السالك 6/146.
(8) الخرشي على مختصر خليل 7/63.
(1) غالب الروايات عن الإمام أحمد تنص على قتل الساحر ، ومنها روايات تنص على كفره وروايات أخرى لا تكفره
انظر : المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة 2/60 ، 69 ، 101 - 107
(2) المغنى 8/150
(3) غاية المنتهى 3/344 وانظر : المبدع 9/188 ، وشرح منتهى الإرادات 3/394
(4) الإنصاف للمرداوي 10/349 ، 350 = باختصار .
(5) الأم 1/391 ، 392 .
(1) تيسير العزيز الحميد ص 384 = باختصار .
(2) أضواء البيان 4/456
(3) صحيح مسلم بالنووي 14/176 .
(1) انظر : تفسير القرطبي 2/43 ، فتح الباري 10/225 ، الزواجر لابن حجر الهيتمي ص 104 ، ومعارج القبول للحكمي 1/514 - 516 ، وكتاب السحر للحمد ص 158 .(1/293)
(2) حافظ بن أحمد الحكمي ، من علماء الجزيرة العربية في هذا العصر ، نِشأ في منطقة جيزان واشتغل بالعلم بتوجيه من الشيخ عبد الله القرعاوي ، وألف حافظ مؤلفات جمه، ومارس التدريس ، توفي بمكة سنة 1377 هـ .
انظر : ترجمته في مقدمة كتابه معارج القبول ، الأعلام 2/159 .
(3) معارج القبول 1/517 ، وانظر أضواء البيان للشنقيطي 4/442 .
(4) أحكام القرآن 1/53 .
(5) تفسير ابن كثير 1/137 .
(6) معارج القبول 1/518 .
(1) أضواء البيان 4/441 - 443 = باختصار ، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 35/193 .
(2) تقدم تخريجه .
(3) أخرجه النسائي 7/103 وقال المنذري في الترغيب 4/51 " وراه النسائي من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه عند الجمهور " وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/78) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير 5/221 رقم (5714)
(4) أخرجه أحمد (1/381) ، وأبو داود ، ح (3883) وابن ماجه ح (3530) وأخرجه الحاكم (4/417، 418) وصححه على شرط الشيخين .
(5) انظر شرح السنة للبغوي 12/158 .
(6) أخرجه البيهقي (8/36) ، وقال المنذري في الترغيب (4/53) : رواه البزار وأبو يعلى باسناد جيد موقوفاً ، وقال الهيثمي في المجمع (5/118) : " رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن مريم وهو ثقة . " ، وقال ابن كثير في التفسير (1/137) : " وهذا إسناد صحيح " وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/217) : - وسنده جيد ، ومثله لا يقال بالرأي "
(1) أبو نجيد عمران بن حصين الخزاعي ، صحابي جليل أسلم عام خيبر ، وغزا عدة غزوات ، وبعثه عمر إلى البصرة معلماً ، وكان مجاب الدعوة ، مات سنة 52 هـ .
انظر : الإصابة 1/509، 511، وسير أعلام النبلاء 3/175.…
(2) وقال المنذري في الترغيب (4/52) : - " رواه البزار وإسناده جيد " ، وقال الهيثمي في المجمع (5/117) : - " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن إبراهيم وهو ثقة "
(3) تقدم تخريجه .(1/294)
(4) مجموع الفتاوي 29/384 ، وانظر المنتقى للباجي 7/117 ، والمغني لابن قدامة 8/153
(5) بجالة بن عبدة التميمي البصري ، كان كاتباً لجزء بن معاوية في خلافة عمر ، وثقه جمع من العلماء وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلك ولم يره .
انظر : تهذيب التهذيب 1/417 ، والإصابة 1/339
(6) أخرجه أبو داود ح (3043) . وأحمد (1/190، 191) والبيهقي 8/136 ، وابن حزم في المحلى وصححه 13/470 ، 473
(7) حفصه بنت عمر بن الخطاب ، أم المؤمنين ، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة ، روت عنه عدة أحاديث ، كانت صوامة قوامة ، توفيت بالمدينة سنة 41 هـ .
انظر : الإصابة 7/580، وسير أعلام النبلاء 3/175.…
(8) أخرجه مالك (2/871) ، والبيهقي (8/136) ، وقال الهيثمي في المجمع (6/280) رواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفة ، وبقية رجاله ثقاث . "
(9) أبو عبدالله جندب بن عبدالله الأزدي ، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم دمشق ، ويقال له جندب الخير .
انظر : الإصابة 1/509 ، 511 ، وسير أعلام النبلاء 3/175 .
(10) أخرجه الترمذي ح (1460) ك الحدود ، باب ما جاء في حد الساحر ، وذكر الترمذي أنه لا يصح رفعه ، والبيهقي 8/136 ، والحاكم 4/360 وصححه ووافقه الذهبي .
(1) أبو عبد الله جندب بن عبد الله البجلي ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزل الكوفة والبصرة ، وله عدة أحاديث ، بقى إلى حدود سنة سبعين .
انظر : الإصابة 1/509 ، وسير أعلام النبلاء 3/174 .
(2) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/222 ، والبيهقي 8/136 .
(3) التدبير : هو تعليق العتق بالموت .
(4) اشتكت : أي مرضت )عن الفتح الرباني وشرحه بلوغ الأماني لأحمد البنا 14/159)
(5) يتطبب : أي يعاني الطب ولا يجيده (عن المرجع السابق) .
(6) مطبوبة : أي مسحورة (عن المرجع السابق) .(1/295)
(7) هذا جواب عن سؤال لم يذكر في الحديث ، وكأن عائشة سألتها هل قول الطبيب صحيح ؟ فقالت نعم أردت أن تموتي فأعتق (عن المرجع السابق) .
(8) أي للأعراب الذين لا يحسنون إلى المماليك (عن المرجع السابق) .
(9) أخرجه أحمد (الفتح الرباني 14/159) الحاكم (4/219 ، 220) ، وصححه ، والبيهقي (8/137) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/178) رقم (1757) .
(10) الأم 1/392 ، وقد أورد البيهقي هذا الحديث تحت عنوان : - " باب من لا يكون سحره كفراً ولم يقتل به أحداً لم يقتل " ،
انظر : سنن البيهقي 8/137
(1) الفروق 4/140
(2) الإعلام ص 391
(3) القول السديد ص 74 ، 75
(4) شرح السنة للبغوي 12/188
(5) عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 96
(6) أحكام القرآن 1/31
(7) تهذيب الفروق 4/157
(1) تفسير القرطبي 2/43
(2) روضة الطالبين 10/ 64 . وانظر مغني المحتاج للشربيني 4/136
(3) مجموع الفتاوي 19/34 ، 35 - بتصرف
(4) فتاوي السبكي 2/324
(5) السيمياء : - أحد علوم السحر ، وهو عبارة عما تركب من خواص توجب بعض التخيلات
انظر : ، ومقدمة ابن خلدون 3/1159 ، والفروق للقرافي 4/137 ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 29/389 ، ومفتاح السعادة لطاش كبري 1/317 ، أبجد العلوم لمحمد صديق حسن 2/332 ، وأضواء البيان 4/452
(1) الكبائر للذهبي ص 41
(2) أنوار التنزيل 1/73
(3) فتح الباري 10/224 ، 225 = باختصار يسير
(4) الشرح الصغير 6/146 وانظر بلغة السالك 2/416 ، وتبصرة الحكام لابن فرحون 2/288 ، والخرشي علي خليل 7/63
(5) مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (رسالة نواقض الإسلام) 1/386 وانظر فتاوي محمد بن إبراهيم 1/163 ، وفتاوي اللجنة الدائمة 1/364 ، وفتاوي ابن باز 2/119 ، والمجموع الثمين من فتاوي ابن عثيمين 2/130
(6) انظر شرح السنة للبغوي 12/177 ، ومجموع الفتاوي لابن تيمية 35/172 ، 193(1/296)
(7) معالم السنن للخطابي 4/225 ، وانظر النهاية لابن الأثير 4/214 ، وشرح السنة للبغوي 12/182 ، وفتح الباري 10/216 ، ومفردات الراغب ص 665 ، وشرح الفقه الأكبر لملا علي قاري ص 221 ، ومفتاح السعادة لطاش كبري 1/340 ، وبلوغ الأرب للآلوسي 3/269 ، وفتاوي اللجنة الدائمة 1/393 .
(1) صحيح مسلم بالنووي 14/223 ، وانظر معالم السنن للخطابي 4/225 ، ومفتاح دار السعادة لابن القيم 2/217 ، وفتح الباري 10/217 ، وفتاوي ابن باز 2/120 ، والمجموع الثمين من فتاوي ابن عثيمين 2/138 .
(2) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 35/192 ، وتيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبدالله ص 441 ، والمجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 2/138
(3) أخرجه أحمد (1/227) ، وأبو داود ح (3905) ، وابن ماجه ح (3726) وصححه النووي في رياض الصالحين ح (1673) ، والعراقي في تخريج أحاديث الإحياء 4/117
(4) مجموع الفتاوى 35/193
(5) انظر : أحكام القرآن للجصاص 1/51، ومجموع الفتاوي لابن تيمية 35/171 ، ومفتاح دار السعادة لابن القيم 2/191 ، ومقدمة ابن خلدون 3/1149 وتيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبدالله ص 441 ، ومعارج القبول للحكمي 1/522 ، والمجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 2/143 .
(1) انظر الفتاوي لابن تيمية 35/177 ، وشرح العقيدة الطحاوية 2/775 ، وشرح الفقه الأكبر لملا علي قاري ص 223 ، وتيسير العزيز الحميد ص 441
(2) انظر : معالم السنن للخطابي 4/226 ، والفتاوي لابن تيمية 35/171 ، وتيسير العزيز الحميد ص 442 ، ومعارج القبول 1/524 ، والمجموع الثمين من فتاوي ابن عثيمين 2/143 .
(3) انظر تيسير العزيز الحميد ص 442 ، والقول السديد للسعدي ص 77 ، 78 ، 84 ، وأضواء البيان للشنقيطي 2/197 ، وفتاوي ابن باز 2/120 ، والمجموع الثمين من فتاوي ابن عثيمين 1/143 .(1/297)
(4) معارج القبول 1/523 ، وانظر تفصيل الحديث عن علم تلك الحروف في مقدمة ابن خلدون 3/1159 - 1196 ، وأبجد العلوم لمحمد صديق حسن 2/236
(5) أخرجه عبدالرازق 11/26 ، والبيهقي 8/139
(6) ومما يحسن ذكره ها هنا أن ما يسمى بحساب الجمل ، والذي يستفاد منه في تيسير حفظ أزمان الأحداث والوقائع ... فهذا ليس ممنوعاً ؛ لأنه لا يتضمن شيئاً مما نهى عنه الشارع
(7) القول السديد ص 77 ، 78
(8) أضواء البيان 2/197 ، وانظر الموافقات للشاطبي 4/84
(1) أخرجه أحمد 2/429 ، والحاكم 1/8 وصححه على شرط الشيخين ، والبيهقي 8/135 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (5815)
(2) أخرجه أحمد 2/408 ، وأبو داود ح (3904) ، والترمذي ح (135) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (5818)
(3) أخرجه أحمد (91) ، . والترمذي ح (2168) وصححه ، وأبو داود ح (4338) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (1970)
(4) مجموع الفتاوى 35/195 ، وانظر شرح العقيدة الطحاوية 2/763
(5) أخرجه أحمد (3/477) وأبو داود (3907) ، وحسن النووي إسناده في "رياض الصالحين" ح (1672) ، وكذا ابن تيمية في مجموع الفتاوي (35/192)
(1) انظر ترتيب القاموس المحيط 3/357 ، والمصباح المنير للفيومي ص 527 ، وشرح السنة للبغوي 12/177 ، وبلوغ الأرب للآلوسي 3/307 .
(2) انظر ترتيب القاموس المحيط 3/71 ، وشرح السنة للبغوي 12/177 ، ومختصر سنن أبي داود للمنذري 5/374 ومفتاح السعادة لطاش كبري زاده 1/336
(3) انظر ترتيب القاموس المحيط 3/116 ، والمصباح المنير للفيومي ص 454 ، والفروق للقرافي 4/238 ، وفتح الباري 10/212
(4) أخرجه البخاري تعليقاً (8/251) ، وابن جرير موصولاً (3/13) وقال الحافظ ابن حجر : - " إسناده قوي " ، انظر الفتح 8/252
(5) انظر تفسير ابن كثير 1/485 ، وفتح الباري 8/251 ، 252 ، والدر المنثور للسيوطي 2/564 ، 565
(1) انظر الإرشاد للسعدي ص 203
??
??
??
??(1/298)
الدرر السنيةwww.dorar.net
10(1/299)