بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[نَظْمُ مُجَدِّدُ العَوَافِي مِنْ رَسْمَيِ العَرُوضِ وَالقَوَافِي] لسيدي محمد بن عبدالله العلوي الشنقيطي
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ... العَلَوِيُّ بَعْدَ بِسْمِ اللهِ
الحمدُ للهِ الّذِي أَعْطَانَا ... بَيانَهُ وَ وَضَعَ المِيزَانا
و سَمَكَ السَّماءَ و السَّحَابا ... و لا عَرُوضَ لا وَ لا أَسْبَابا
(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ العَلَوِيُّ) نسبة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أو إلى عليٍّ آخرَ من ذريته (بَعْدَ بِسْمِ اللهِ) الرحمن الرحيم (الحمدُ للهِ) ابتدأ بالبسملة قبل الحمد إقتداء بكتاب الله تعالى و سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله - صلى الله عليه وسلم - : [كل أمر ذي بال ... الخ] و في رواية: [بحمد الله] و حُمِلَ حديث البسملة على الابتداء الحقيقي بأن لا يسبقه شيء و حديث الحمدلة على الإضافي و هو ما بعد البسملة (الّذِي أَعْطَانَا بَيانَهُ) و هو النطق الفصيح (وَ وَضَعَ المِيزَانا) العدل (و سَمَكَ) رفع (السَّماءَ و السَّحَابا) المزن (و لا عَرُوضَ) لهما، وهو العمود المعترض وسط الخباء (لا وَ لا أَسْبَابا) حبالا.
وَ جَعَلَ الأَرْضَ لَنَا مِهَادَا ... و الرَّاسِياتِ مَتْنَهَا أَوْتادَا
سُبْحانَهُ مِنْ فاعِلٍ مُخْتارِ ... يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ
أَبْدَى الّذِي دَلَّ عَلَيْهِ وَ بَدَا ... وَ بَعَثَ الهادِيَ فِينَا أَحْمَدَا
مُؤَيَّداً مِنْهُ بِقَوْلٍ بَاهِرِ ... نَظْمَ الوَرَى لَيْسَ بِنَظْمِ شَاعِرِ
((1/1)
وَ جَعَلَ الأَرْضَ لَنَا مِهَادَا) أي: فراشا كالمهد للصبي (و الرَّاسِياتِ) الجبال الثابتات (مَتْنَهَا) أي في ظهرها (أَوْتادَا) تثبت بها الأرض كما يثبت الخباء بالأوتاد (سُبْحانَهُ مِنْ فاعِلٍ مُخْتارِ، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) و يكور النهار على الليل و فيه اكتفاء (أَبْدَى الّذِي دَلَّ عَلَيْهِ وَ بَدَا، وَ بَعَثَ الهادِيَ فِينَا أَحْمَدَا) (مُؤَيَّداً) من الأيد و هو القوة، يقال: آدَ يَئِيدُ أَيْداً أي: قَوِيَ، و أَيَّدْتُهُ فَتَأَيَّدَ أي: قَوَّيْتُهُ فَتَقَوَّى، قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ}(ص:17) (مِنْهُ بِقَوْلٍ بَاهِرِ، نَظْمَ الوَرَى لَيْسَ بِنَظْمِ شَاعِرِ).
و بِزُحُوفِ ضَارِبِي الدَّوَائِرْ ... ثُمَّ القَوَافِي لَهُمُ الدَّوَائِرْ
عَلَيْهِ أَفضَلُ الصَّلاةِ وَ السَّلامِ ... والآلِ وَ الصَّحْبِ مِنَ اللهِ السَّلامِ
ما قَصَدَ العَرُوضَ غَيْرَ آلِ ... رَكْبٌ يَغوصُ في بُحُورِ الآلِ
(و بِزُحُوفِ) جيوش (ضَارِبِي الدَّوَائِرْ) جمع دائرة و هي أعلى الرأس (ثُمَّ القَوَافِي لَهُمُ) لا عليهم (الدَّوَائِرْ) جمع دائرة و هي الهزيمة (عَلَيْهِ أَفضَلُ الصَّلاةِ وَ السَّلامِ، والآلِ وَ الصَّحْبِ مِنَ اللهِ السَّلامِ) (ما قَصَدَ العَرُوضَ) و هي مكة و المدينة و ما حولهما (غَيْرَ آلِ) أي مُقَصِّر (رَكْبٌ يَغوصُ في بُحُورِ) (الآلِ) السراب.
وَ بَعْدُ فَالعَرُوضُ مِنْ خَيْرِ الأَرَبْ ... لأَنَّهُ مِيزَانُ أَشْعارِ العَرَبْ
وَ تِلْكَ آلَةُ عُلُومِ الشَّرْعِ ... فَشَرُفَ الفَرْعُ فَفَرْعُ الفَرْعِ
(وَ بَعْدُ فَالعَرُوضُ مِنْ خَيْرِ) (الأَرَبْ) الحاجة (لأَنَّهُ مِيزَانُ أَشْعارِ العَرَبْ) (وَ تِلْكَ آلَةُ عُلُومِ الشَّرْعِ، فَشَرُفَ الفَرْعُ فَفَرْعُ الفَرْعِ) قال النووي: الاشتغال بأشعار العرب من فروض الكفاية لأنها يُستشهد بها على علوم العربية التي هي من آلات علوم الشرع.(1/2)
وَ قَدْ رَأَيْتُ الخَزْرَجِيَّ قَدْ ذَهَبْ ... لَهُ فَصاغَ فِيهِ نَظْماً مِنْ ذَهَبْ
قَصِيدَةً بَدِيعَةَ المِثَالِ ... لَكِنَّهَا بَعِيدَةُ المَنَالِ
يَكَادُ لَفْظُهَا يَكونُ لُغْزَا ... وَ لا يُرَى الكَلامُ إلاّ رَمْزَا
(يَكَادُ لَفْظُهَا يَكونُ لُغْزَا، وَ لا يُرَى الكَلامُ إلاّ رَمْزَا) أصله الاشارة بالشفة أو الحاجب أو العين قال:
رَمَزَتْ إِلَيَّ مَخَافَةً مِنْ بَعْلِهَا***مِنْ غَيْرِ أَنْ تُبْدِي هُنَاكَ كَلامَهَا(1)
فَجِئْتُ إذْ ذَاكَ بِتُرْجُمَانِ ... يَبُوحُ بالمَكْنونِ فِي الجِنَانِ
نَظْمٍ لِتَبْيِينِ المُرادِ جَامِزِ ... يُسْفِرُ عَنْ خَبْءِ رُموزِ الرَّامِزِ
و رُبَّما فَصَّلْتُ نَظْمِي بِدُرَرْ ... لِغَيْرِهِ غُصْتُ عَلَيْهَا في زُفَرْ
سَمَّيْتُهُ مُجَدِّدَ العَوَافِي ... مِنْ رَسْمَيِ العَرُوضِ وَ القَوَافِي
(فَجِئْتُ إذْ ذَاكَ بِتُرْجُمَانِ) المفسر للغة (يَبُوحُ) يصرح (بالمَكْنونِ) بالمستور (فِي الجَنَانِ) القلب (نَظْمٍ لِتَبْيِينِ المُرادِ) (جَامِزِ) مسرع (يُسْفِرُ) يظهر (عَنْ خَبْءِ رُموزِ الرَّامِزِ) (و رُبَّما فَصَّلْتُ نَظْمِي بِدُرَرْ، لِغَيْرِهِ غُصْتُ عَلَيْهَا في زُفَرْ) بحر (سَمَّيْتُهُ مُجَدِّدَ العَوَافِي) الدوارس.
و مَنْ رَأَى الخَلَلَ أَصْلَحَ الخَلَلْ ... و قَلَّمَا يَنْجُو امْرُؤٌ مِنَ الزَّلَلْ
و للجَوادِ في الرِّهانِ كَبْوَهْ ... و للحُسَامِ في القِرَاعِ نَبْوَهْ
وَ أَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ النَّفْعَا ... بِهِ لِمَنْ حَصَّلَهُ وَ الرِّفْعَا
__________
(1) البيت من البحر الكامل، و ذكر د.علي بن دخيل العوفي محقق كتاب: تحقيق الفوائد الغياثية للكرماني أن هذا البيت لا يعرف له قائل معيّن، وهو في أمالي المرتضى (1/455) برواية: "من غير أن يبدو". و رأيتُ من نسبه للهروي و عزاه لكتاب: النهاية في غريب الحديث و الأثر، و ليس بين يدي الآن.(1/3)
وَ الفَوْزَ فِي وَقْتِ الحِمَامِ الحَتْمِ ... عَلَى نُفُوسِنَا بِحُسْنِ الخَتْمِ
(وَ الفَوْزَ فِي وَقْتِ الحِمَامِ) الموت (الحَتْمِ) الواجب (عَلَى نُفُوسِنَا بِحُسْنِ الخَتْمِ).
عِلْمُ العَرُوضِ
الشِّعْرُ مَوْزُونُ الكَلامِ العَرَبِيْ ... مَعْ قَصْدِ وَزْنِهِ بِوَزْنِ العَرَبِ
فَلَمْ يَكُنْ حَدِيثاً أَوْ تَنْزِيلا ... كَـ { ذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }
((1/4)
الشِّعْرُ) لغة: العلم و الفهم، و اصطلاحا: (مَوْزُونُ) الوزن تسوية شيئين عددا و تركيبا (الكَلامِ العَرَبِيْ، مَعْ قَصْدِ وَزْنِهِ بِوَزْنِ) أي بميزان (العَرَبِ) (فَ) بسبب شرط القصد (لَمْ يَكُنْ) أي الشعر (حَدِيثاً أَوْ تَنْزِيلا) و إن وردا متزنين كقوله - صلى الله عليه وسلم - : [أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ](1)و قوله - صلى الله عليه وسلم - : [هَلْ أَنْتَ إِلاّ إِصْبَعٌ دَمِيتَ، وَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ](2)(كَـ) ـقوله تعالى المشابه للرجز: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا}(الإنسان:14)، وقوله المشابه للرَّمَل: { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ}(سبأ:13)، وقوله المشابه للهَزَجِ: { فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا}(يوسف:93)، وقوله المشابه للمضارع: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ }(غافر:32-33)، وقوله المشابه للمجتثِّ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الحجر:49)، وقوله المشابه للوافر: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}(التوبة:14)، وقوله المشابه للكامل: { وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(النور:46)، [قال](3)ابن رشيق: كل ما كان من هذا النحو إنما يقال فيه متّزن لا موزون أي: معروض على الوزن فاتَّزَنْ.
مِيزَانُهُ العَرُوضُ ما بِهِ عُرِفْ ... مُوافِقٌ أَوْزَانَهُ والمُنْحَرِفْ
(
__________
(1) رواه الإمام البخاري من حديث البراء بن عازب (2864، 2874، 2930، 3042، 4315، 4316).
(2) رواه الإمام البخاري من حديث جندب بن سفيان (2802، 6146).
(3) هذه الزيادة غير موجودة في الأصل، زيدت لتستقيم مع ما بعدها.(1/5)
مِيزَانُهُ) أي الشعر، علم (العَرُوضُ) و هو (ما بِهِ عُرِفْ مُوافِقٌ أَوْزَانَهُ) أي الشعر (والمُنْحَرِفْ) عنها بالموافق صحيح، و المنحرف فاسد.
و سُمِّيَ العَرُوضَ أنَّ الشاعِرا ... يَعْرِضُ شِعْرَهُ عَلَيْهِ سَابِرَا
أوْ أنَّ رَبِّيْ بِالعَرُوضِ أَرْشَدَا ... لِوَضْعِهِ الخَلِيلَ نَجْلَ أَحْمَدَا
(و سُمِّيَ) هذا العلم (العَرُوضَ) لـ(أنَّ الشاعِرا، يَعْرِضُ شِعْرَهُ عَلَيْهِ) (سَابِرَا) أي مختبرا صحيحه من فاسده ،العروض لغة ما يعرض عليه غيره أي يقاس عليه، و المدينة و مكة و ما حولهما، و الناحية و الناقة الصعبة (أوْ أنَّ رَبِّيْ بِالعَرُوضِ) مكة (أَرْشَدَا، لِوَضْعِهِ الخَلِيلَ نَجْلَ أَحْمَدَا) أو لأنه ناحية من العلوم أو لأنه صعب، يقال أن الخليل لما قرأ عليه سيبويه النحو و تبحر فيه انتقل إليه تلامذة الخليل فدعا الله تعالى أن يعطيه علما فأعطاه الله هذا العلم.
وَخَمْسَةَ عْشَرَ بُحُورُ العَرَبِ ... أَجْزَاؤُهَا مِنْ وَتِدٍ وَ سَبَبِ
و حَرِّكَ الأَوَّلَ حَتْماً وَ وَجَبْ ... تَسْكِينُ الآخِرِ وَ حَرْفانِ سَبَبْ
و مُسْكَنُ الثَّاني خَفيفُهُ وَ ضِدْ ... هَذَا الثَّقِيلُ وَ ثلاثَةٌ وَتِدْ
وَ نِعْمَ مَفْرُوقٌ وَ مَجْمُوعٌ نَعَمْ ... وَ عِنْدَنَا الفَاصِلَتَانِ كَالعَدَمْ
(وَخَمْسَةَ عْشَرَ بُحُورُ العَرَبِ) و تسمى أصولا و أعاريض و شطورا و أنواعا (أَجْزَاؤُهَا مِنْ وَتِدٍ وَ سَبَبِ) و هما مؤلفان من الحروف المتحركة و الساكنة (و حَرِّكَ الأَوَّلَ حَتْماً) لتعذر الابتداء بالساكن (وَ وَجَبْ تَسْكِينُ الآخِرِ) لأن العرب لا تقف على متحرك.
((1/6)
و مُسْكَنُ الثَّاني) كقَدْ (خَفيفُهُ) سمي بذلك لخفته بسكون ثانيه (وَ ضِدْ، هَذَا الثَّقِيلُ) سمي بذلك لثقله بحركة آخره (وَ ثلاثَةٌ) أحرف (وَتِدْ) و إنما خصّ الثنائي بلفظ السبب و الثلاثي بلفظ الوتد لأن الثنائي معرض للتغيير بالزحاف فشُبِّه بالحبل الذي يقطع تارة و يوصل تارة أخرى، و الثلاثي غير معرض لذلك و إن عرضت له علة دامت فشُبِّه بالوتد الثابت (وَ نِعْمَ) وتد (مَفْرُوقٌ وَ) وتد (مَجْمُوعٌ نَعَمْ) (وَ عِنْدَنَا الفَاصِلَتَانِ كَالعَدَمْ) لتركيبها من السبب بقسميه و من الوتد المجموع إذ الصغرى ثلاث متحركات بعدها ساكن، و الكبرى أربع متحركات بعدها ساكن كسَأَلَاْ و سَأَلَتَاْ، و يجمع هذي الستة قوله: لَمْ أَرَ عَلَى نَهْرِ جَبَلٍ سَمَكَةً، و ذهب الخليل إلى أن الأجزاء مركبة من السببين و الوتدين و الفاصلتين لأنه شبَّهَ بيت الشعر ببيت الشعر و هو لا يقوم إلا بالأسباب و الأوتاد الممسكة للأسباب و الفواصل و هي حبال طوال يقرن منها حبل أمام البيت و حبل وراءه يمسكانه من الريح، قال الأفوه(1):
و البيت لا يبتنى إلا بأعمدة***و لا عمود إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمَّع أسبابٌ و أعمدةٌ***و ساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
و اعْتَبَرُوا مَا تَسْمَعُ المَسَامِعُ ... فَرَسْمُهُ لِذَاكَ عَنْهُمْ ذَائِعُ
فَمَا يُشَدَّدُ وَ مَا يُنَوَّنُ ... حَرْفَانِ أَيْ مُحَرَّكٌ وَ مُسْكَنُ
(
__________
(1) هو الأفوه الأودي، من شعراء الجاهلية، و لم أعثر على البيت فيما بين يديَّ من المراجع.(1/7)
و اعْتَبَرُوا) أي العروضيون من الحروف (مَا تَسْمَعُ المَسَامِعُ، فَرَسْمُهُ لِذَاكَ عَنْهُمْ ذَائِعُ) و لو لم يثبت في كتابة العرب كالتنوين و صلتي هاء الضمير و ميم الجمع لا مالا تسمعه و لو ثبت في رسم العرب كألف الوصل و ما ثبت لالتقاء الساكنين من ألف أو واو أو ياء (فَمَا يُشَدَّدُ وَ مَا يُنَوَّنُ، حَرْفَانِ أَيْ مُحَرَّكٌ وَ مُسْكَنُ) و يرسمون الحروف متصلة و منفصلة بحسب أجزاء التفعيل نحو:
يا دارمي يتبل علياءفس سندي=أقوت وطا لعلى هاسالفل أبدي(1)
وَ رَتِّبِ البُحُورَ فِي دَوائِرَا ... خَمْسٍ لأَجْزَاءِ البُحُورِ سَاطِرَا
وَ حَلْقَةً لِمُتَحَرِّكٍ ضَعِ ... و أَلِفاً لِسَاكِنٍ ضَعْهُ وَعِ
وَ كُلَّ بَحْرٍ قَابِلَنْ بِأُوْلَى ... حَلَقِهِ وَ النَّقْطَ تِلْكَ تُولَى
وَ زِنْ بِالاَجْزَاءِ البُحُورَ وَ اجْعَلِ ... مِصْرَاعَها الأَخِيرَ مِثْلَ الأَوَّلِ
وَ مِنْ خُماسِيٍّ وَ مِنْ سُبَاعِي ... وَ مِنْهُمَا تَأَلُّفُ المِصْرَاعِ
وَ البَيْتُ مِنْ هَذَا وَ مِنْ أَبْياتِ ... بَحْرٍ تَسَاوَتِ القَصِيدُ يَاتِي
(وَ رَتِّبِ) الترتيب جعل كل كل شيء من الأشياء مخصوصة في مرتبة (البُحُورَ) الخمسة عشر (فِي دَوائِرَا، خَمْسٍ لأَجْزَاءِ البُحُورِ سَاطِرَا) فوقها (وَ حَلْقَةً لِمُتَحَرِّكٍ ضَعِ، و أَلِفاً لِسَاكِنٍ ضَعْهُ وَعِ).
(
__________
(1) معلقة النابغة الذبياني و هي من البحر البسيط، شرح المعلقات العشر و شروحها لأحمد الأمين الشنقيطي (ص158)، دار الكتاب العربي، ط1424هـ - 2004م، و أصل البيت:
يا دَارَ مَيَّة بالعَلياءِ فَالسَّنَدِ***أَقْوَتْ وَ طَالَ عليها سَالِفُ الأَبَدِ(1/8)
و كُلَّ بَحْرٍ قَابِلَنْ بِأُوْلَى، حَلَقِهِ وَ النَّقْطَ تِلْكَ) الحلقة الأولى (تُولَى) لأنه يؤمن به من الغلط (وَ زِنْ بِالاَجْزَاءِ البُحُورَ وَ اجْعَلِ، مِصْرَاعَها) و المصراع نصف البيت، سمّي بذلك تشبيها له بمصراع الدار، و مصراعاها بابان يضمان جميعا مدخلهما في الوسط (الأَخِيرَ مِثْلَ الأَوَّلِ) (وَ مِنْ) جزء (خُماسِيٍّ وَ مِنْ) جزء (سُبَاعِي) فإن وجد نوع أقل من خماسي أو سباعي أو أكثر منهما فهو فرع من أحدهما لا أصل (وَ مِنْهُمَا تَأَلُّفُ المِصْرَاعِ) (وَ) يتألف (البَيْتُ مِنْ هَذَا) المصراع (وَ مِنْ أَبْياتِ، بَحْرٍ) واحد (تَسَاوَتِ) في القافية و في عدد الأجزاء و فيما يجوز فيهما أو يلزم أو يمتنع (القَصِيدُ) و يقالُ القصيدة و عند كثير أن أقلها ثلاثة و قيل ما دون سبعة يسمى قطعة اتفاقا و ما دون العشرة يسمى قصيدة اتفاقا و ما بينهما فيه خلاف و رجح ابن واصل كونه قصيدة و عن الفراء أن العرب تسمي البيت الواحد يتيما فإذا بلغ الشعر بيتين أو ثلاثة سمي نتفة و ما بعدها إلى العشرة فهو قطعة و إذا بلغ العشرين استحق أن يسمى قصيدة و تدريج التأليف أن يقال القصيدة مؤلفة من الأبيات و هي مؤلفة من المصاريع و هي مؤلفة من الأجزاء و هي مؤلفة من الأسباب و الأوتاد و هي مؤلفة من الحروف.
(دَائِرَةُ الْمُخْتَلِفِ)
سميت بذلك لاختلاف أجزائها بين خماسي و سباعي و يقال دائرة المختلفة أي دائرة الجزء المختلف و دائرة الجزاء المختلفة و يقال مثل ذلك في بقية الدوائر.
ثَمِّنْ بِهَا الطَّوِيلَ فَالمَدِيدَا ... قَبْلَ بَسِيطِهَا وَ لا مَزِيدَا
وَ للمَدِيدِ فَاعِلاتُنْ فَاعِلُنْ ... وَ تِلْوُهُ مُسْتَفْعِلُنْ وَ جَاعِلُنْ
فَلِطَوِيلِهَا فُعُولَنْ فَمَفَا ... عِيلَنْ وَ مِنْ تَكْرَارِ هَذَينِ وَفَى
((1/9)
ثَمِّنْ بِهَا الطَّوِيلَ فَالمَدِيدَا، قَبْلَ بَسِيطِهَا وَ لا مَزِيدَا) على هذه الثلاثة، و هذه صورتها و بيتها التام و الذي تدور عليه: ...
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَ عِرْفَانِ***وَ رَسْمٍ عَفَتْ آياتُهُ منذُ أَزْمَانِ(1)
- - - - - - - - - - - - - - -
(دَائِرَةُ المُؤْتَلِفِ)
سميت بذلك لائتلاف أجزائها في كونها سباعية في كونها سباعية مركبة من وتد مجموع و سببين خفيف و ثقيل.
سَدِّسْ بِهَا الوَافِرَ وَ هْوَ أُلِفَا ... مِنْ عِلَتُنْ بَعْدَ مُفَا حَتَّى وَفَى
وَ بَعَدَهُ الكَامِلُ أَيْضاً أُسِّسَا ... مِنْ مُتَفَاعِلُنْ لَهُ مُسَدِّسَا
و هذه صورتها وبيتها التام الذي تدور عليه: ...
إذا غضبت بنو أمطر على ملك***عنت لهم الوجوه إذا هم غضبوا
دَائِرَةُ المُجْتَلِبِ
سميت بذلك عند الجمهور لأنها تدور على مفاعيلن و هو مجتلب من الطويل و مستفعلن و هو مجتلب من البسيط و فاعلاتن و هو مجتلب من المديد فهي مجتلبة من الدائرة الأولى.
سَدِّسْ بِهَا الّذِي بِهَا قَدِ امْتَزَجْ ... وَ بِمَفَاعِيلُنْ بِهَا زِنِ الهَزَجْ
وَ بَعْدَهُ الرَّجَزَ هَبْ مُسْتَفْعِلا ... فَالرَّمَلَ امْنَحْ فَاعِلاتُنْ تُكْمِلا
(سَدِّسْ بِهَا الّذِي بِهَا قَدِ امْتَزَجْ، وَ بِمَفَاعِيلُنْ بِهَا زِنِ الهَزَجْ، وَ بَعْدَهُ الرَّجَزَ هَبْ مُسْتَفْعِلا، فَالرَّمَلَ امْنَحْ فَاعِلاتُنْ تُكْمِلا) بحورها، وهذه صورتها و بيتها الذي تدور عليه:
عفا يا صاح من سلمى مغانيها***فظلت مقلتي تجري مآقيها
- - - - - - - - - - - - - - -
دَائِرَةُ المُشْتَبِهِ
__________
(1) البيت لامرئ القيس و هي من البحر الطويل، ديوان امرئ القيس (ص89)، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف، ط الرابعة.(1/10)
سميت بذلك عند الجمهور لاشتباه أجزائها في كونها سباعية و عكس بعضهم في هاتين الدائرتين فسمى هذه بدائرة المجتلب لكثرة أبحرها و الجلب قد يطلق لغة على الكثرة و سمي ما قبلها دائرة المشتبه لاشتباه أجزائها في كونها سباعية.
سَرِيعُها مُسْتَفْعِلُنْ تَكَرَّرَا ... يَتْلُوهُ مَفْعُولاتُ ثَالِثاً يُرَى
وَ وَزْنُ مُنْسَرِحِهَا بِذَا انْضَبَطْ ... لَكِنَّ مَفْعُولاتَهُ يُرَى وَسَطْ
وَ للخَفِيفِ فَاعِلاتُنْ قَبْلا ... مُسْتَفْعِلُنْ بِفَاعِلاتِنْ يُتْلَى
وَ للمُضَارِعِ مَفاعِيلُنْ فَفَا ... عِ مَعَ لاتِنْ بِمَفَاعِيلُنْ وَفَى
وَ قَدِّمَنَّ ثَالَثَ السَّرِيعِ ... لِنَيْلِ مُقْتَضَبِهَا المَنِيعِ
وَ قَدِّمَنَّ ثَانِيَ الخَفِيفِ ... لِتَعْرِفَ المُجْتَثَّ مِنْ تَعْرِيفِي
وَ كَرِّرَنْ أَجْزَاءَهُنَّ السَّائِرَه ... وَ رَتِّبَنْهُنَّ كَذَا فِي الدَّائِرَه
(وَ كَرِّرَنْ أَجْزَاءَهُنَّ السَّائِرَه) المشهورة (وَ رَتِّبَنْهُنَّ) أي البحور (كَذَا) الترتيب المذكور (فِي الدَّائِرَه)، و هذه صورتها و بيتها التام الذي تدور عليه: ...
ماذا وقوف الصبِّ بينَ الأطلالْ***في منزل مستوحش رث الحالْ
- - - - - - - - - - - - - - -
دائرة المُتَّفِقِ
قَدْ وُضِعَتْ للمُتَقَارِبِ وَ مِنْ ... وَزْنِ فَعُولُنْ ثَمِّنَنَّهُ يَبِنْ
و هذه صورتها و بيتها التام الذي تدور عليه:
فإما تميم تميم بن مر***فألفاهم القوم روبي نياما
فَهِذِهِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ نَقُولْ ... مِنْهَا أُصُولٌ وَ فُرُوعٌ للأُصُولْ
((1/11)
فَهِذِهِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ) يقال لها أجزاء التفعيل و الأركان و الأمثلة و الأوزان و الأفاعيل و التفاعيل، و تؤلف من عشرة أحرف يجمعها قولهم: [سُيُوْفُنَا] وتسمى أحرف التقطيع (نَقُولْ) تبعا للخزرجي و غيره، (مِنْهَا أُصُولٌ) و هي مفاعيلن و فعولن و مفاعلتن و[فاع لاتن مفروق الوتِد] و تفصل العين من اللام إعلاما بأنه وتد مفروق ليحصل الفرق بينه وبين [فاعلاتن المجموعة الوتِد] خطًّا، (وَ) منها (فُرُوعٌ) تلك (للأُصُولْ) ففعولن أصل فاعلن، و مفاعيلن أصل فاعلاتن و مستفعلن لا الوتد المجموع، و مفاعلتن أصل لمتفاعلن، و [فاع لاتن المفروق الوتِد] اصل مفعولات و [مستفع لن في الوتد المفروق] و تفصل العين من اللام إعلاما بالفرق بينه و بين [مستفعلن المجموع الوتِد]، و إنما جعلت تلك الأربعة أصولاً لأن الأسباب لضعفها إنما تعتمد على الأوتاد، و ما يكون معتمدا عليه خفيف بالتقديم ليعتمد ما بعده عليه، فكانت قضية البناء على هذا الأصل أن تكون أجزاء التفعيل و هي هذه الأربعة أصلا، لأنه لا جزء من الأجزاء مقرونَ وتِدٍ غيرها.
أَسْمَاءُ الأَجْزَاءِ وَ الأَبْيَاتِ
البَيْتُ مِصْرَاعَانِ أَيْ شَطْرَانِ ... صَدْرٌ وَ عَجْزٌ أَوَّلٌ وَ ثَانِي
وَ آخِرُ الصَّدْرِ عَرُوضٌ وَ المُتِمْ ... ضَرْبٌ وَ غَيْرُ ذَيْنِ حَشْوٌ قَدْ عُلِمْ
وَ أَوَّلُ الصَّدْرِ يُسَمَّى الصَّدْرَا ... فَغَيْرُ ذِي الأَجْزَاءِ حَشْواً يُدْرَى
((1/12)
وَ آخِرُ الصَّدْرِ عَرُوضٌ) سميت بذلك لأنها اعترضت وسط البيت كالعروض و هو العمود المعترض وسط الخيام أو لأنها يعرض لها النصف الثاني و هي مؤنثة و قد تذكر (وَ) الجزء (المُتِمْ، ضَرْبٌ) سمي بذلك لأنه مثل العروض في قولهم: هذا ضرب من هذا أي مثل (وَ غَيْرُ ذَيْنِ) الجزأين (حَشْوٌ) فمنهم من يجعل البيت أربعة أقسام: صدر و عروض و ضرب و حشو، و منهم من يجعله ثلاثة أقسام: عروض و ضرب و حشو، و على هذا فالحشو شامل للأول المسمى صدرا (قَدْ عُلِمْ).
(وَ أَوَّلُ الصَّدْرِ) على هذا (يُسَمَّى الصَّدْرَا، فَغَيْرُ ذِي الأَجْزَاءِ) الثلاثة (حَشْواً يُدْرَى).
وَ بَيْتٌ اسْتَكْمَلَ الاجَزَاءَ وَ لَمْ ... عَرُوضُهُ وَ ضَرْبُهُ كَالحَشْوِ تَمْ
وَ إِنْ تَجِدْ ذَيْنِ عَلَى خِلافِ ... حَشْوٍ لَهُ فَسَمِّهِ بِالوَافِي
وَ ذَانِ فِي الرَّجَزِ وَ الّذِي كَمَلْ ... وَ اخْتَصَّ ثَانٍ بِالطَّوِيلِ وَ الرَّمَلْ
وَ المُتَقَارِبِ البَسِيطِ الوَافِرِ ... مِثْلِ الخَفِيفِ وَ السَّرِيعِ العَاشِرِ
(وَ بَيْتٌ اسْتَكْمَلَ الاجَزَاءَ) و هو ما لم يدخله جَزْءٌ و لا شَطْرٌ و لا نهْكٌ (وَ لَمّْ) أي نزل لغة في أَلَمَّ (عَرُوضُهُ وَ ضَرْبُهُ) حال كونهما (كَالحَشْوِ) فيما يجوز عليه و يمتنع من الزحاف و في عدم العلة (تَمْ) أي يقال له التام (وَ إِنْ تَجِدْ ذَيْنِ عَلَى خِلافِ، حَشْوٍ لَهُ فَسَمِّهِ بِالوَافِي).
(وَ ذَانِ) أي التمام و الوفاء (فِي الرَّجَزِ) فالتام منه كقوله:
دار لسلمى إذ سليمى جارةٌ***قفْرٌ تُرَى آياتها مثل الزُّبُرْ
و الوافي منه كقوله:
القلب منها مستريح سالمٌ***و القلب مني جامدٌ مجهودُ
(وَ الّذِي كَمَلْ) فالتام منه كقوله:(1/13)
وَ إِذَا صَحَوْتُ فَمَا أُقَصِّرُ عَنْ نَدًى***وَ كَمَا عَلِمْتِ شَمَائِلِي وَ تَكَرُّمِي(1)
و الوافي منه كقوله:
لمن الديار عفا معالمَها***هطِلٌ أجش و بَاْدحٌ ترِبُ
(وَ اخْتَصَّ ثَانٍ) و هو الوافي (بِالطَّوِيلِ) كقوله:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلا***وَ يَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزَوِّدِ(2)
(وَ الرَّمَلْ) كقوله:
أبلغ النعمان عني مألُكًا***أنه قد طال حبْسي و انتظاري
(وَ المُتَقَارِبِ) كقوله:
وأروي من الشِّعرِ شعرا عويصا***يُنَسِّى الرواةَ الذي قدْ رووا
(البَسِيطِ) كقوله:
يا حارِ لا أرمَينْ منكمْ بداهيةٍ***لم يلقها سوقَةٌ قبلي و لا مَلِكُ(3)
(الوَافِرِ) كقوله:
لَنَا غَنَمُ نُسَوِّقُهَا غزَارٌ***كأنَّ قرونَ جلَّتِها العِصِىُّ(4)
(مِثْلِ الخَفِيفِ) كقوله:
أن قد دنا يوما على عامر***ننتصفْ منه أو ندعْه لكمْ
(وَ السَّرِيعِ) كقوله:
أزمان سلمى لا يرى مثلها***الراؤون في شامٍ و لا في عراقْ
(العَاشِرِ) و هو المنسرح كقوله:
إن ابن زيد لازال مستعملا***للخير يفشي في مصره العرفا
وَ مُسْقَطُ الجُزْأَيْنِ مَجْزُوًّا عُلِمْ ... وَ مُسْقَطُ الشَّطْرِ بِمَشْطُورٍ وُسِمْ
__________
(1) من معلقة عنترة بن شداد و هي من البحر الكامل، شرح المعلقات العشر (ص110)، و جمهرة أشعار العرب في الجاهلية و الإسلام لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي (2/494)، تحقيق: د.محمد علي الهاشمي، مطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود، ط1401هـ-1981م.
(2) من معلقة طرفة بن العبد و هي من البحر الطويل، شرح المعلقات العشر (ص50)، و جمهرة أشعار العرب (ص1/453).
(3) البيت لزهير بن أبي سلمى من البيت البسيط، ديوان زهير بن أبي سلمى (ص180).
(4) البيت لامرئ القيس من البحر الوافر، و في ديوان امرئ القيس (136):
أَلا إنْ لا تَكُنْ إِبِلٌ فَمِعْزَى***كأنَّ قرونَ جلَّتِها العِصِىُّ(1/14)
وَ مُسْقَطُ الجُزْءِ وَ شَطْرِهِ مَعَا ... سَمَّاهُ مَنْهُوكاً جَمِيعُ مَنْ وَعَى
وَ جَزْءُ غَيْرِ مَا جَلَبْتُهُ يَجِبْ ... وَ جَازَ فِي سَبْعٍ مِنَ الّذِي جُلِبْ
وَ الشَّطْرُ جَازَ فِي السَّرِيعِ وَ الرَّجَزْ ... وَ فِيهِ كَالمُنْسَرِحِ النَّهْكُ بَرَزْ
مَا جَمَعَتْ كَلِمَةٌ شَطْرَيْهِ جَا ... ءَ مُتَدَاخَلاً وَ جَاءَ مُدْمَجَا
(وَ) بيت (مُسْقَطُ الجُزْأَيْنِ مَجْزُوًّا عُلِمْ، وَ) بيت (مُسْقَطُ الشَّطْرِ بِمَشْطُورٍ وُسِمْ) (وَ) بيت (مُسْقَطُ الجُزْءِ وَ شَطْرِهِ مَعَا، سَمَّاهُ مَنْهُوكاً جَمِيعُ مَنْ وَعَى) من انهكه المرض إذا أضعفه فهذه الثلاثة من أوصاف الأبيات و قولهم عروض مجزُوَّةٌ و ضرب مجزوٌّ و تجوز للاختصار و يقال مثله في الشطر و النهك و اختلف في المشطور و المنهوك فقيل لهما عروض و لا ضرب لهما بناء على أن المحذوف الشطر الثاني و قيل بالعكس بناء على أن المحذوف الأول و قيل العروض هو الضرب. (وَ جَزْءُ غَيْرِ مَا جَلَبْتُهُ) و هو خمسة: المديد و المضارع و المقتضب و الهزج و المجتث (يَجِبْ، وَ جَازَ فِي سَبْعٍ مِنَ الّذِي جُلِبْ) و هي البسيط و الكامل و الرجز و الرمل و الوافر و الخفيف و المتقارب و لا يجوز في الطويل و السريع و المنسرح. (وَ الشَّطْرُ جَازَ فِي السَّرِيعِ وَ الرَّجَزْ، وَ فِيهِ كَالمُنْسَرِحِ النَّهْكُ بَرَزْ) (مَا جَمَعَتْ كَلِمَةٌ شَطْرَيْهِ جَا، ءَ مُتَدَاخَلاً وَ جَاءَ مُدْمَجَا) و هو كثير، و أكثر ما يكون في الخفيف و المتقارب كقوله:
و هل مر قلبي في الظاعنين***أم حانَ ضعْف فلم يتبعِ
و قوله:
هَلْ أَهْلِي مَا بَيْنَ دُرْنىَ فبادَوْ ***لى وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةً بَالسِّخَالِ(1)
و في البيت لطيفةٌ لاشتماله على التمثيل بمضمونه.
__________
(1) البيت لسمط الأعشى من البحر الخفيف، و في جمهرة أشعار العرب (1/323):
حَلَّ أَهْلِي وَسْطَ الغُمَيْسِ فَبَادُو***لا وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةً بَالسِّخَالِ(1/15)
الزِّحَافُ
و يقال له الزَّحْف، سمي بذلك لما يحدث في الكلمة من الإسراع في النطق بحروفها لما نقص مأخوذ من الزحْف إلى الحرب من غيرها و هو إسراع النهوض إليها و الزحف التقارب إلى الحرب قليلا قليلا و الحرفان إذا سقطت الواسطة بينهما أو سكنت قَرُبَ أحدهما من الأخر.
زِحَافُهُمْ تَغْيِيرُ حَرْفٍ ثَانِ ... مِنْ سَبَبٍ بِحَذْفٍ أَوْ إِسْكَانِ
فَأَوَّلُ الجُزْءِ وَ ثَالٍ مِنْهُ ... وَ سَادْسٌ مِنْهُ عَدَلْنَ عَنْهُ
(زِحَافُهُمْ تَغْيِيرُ حَرْفٍ ثَانِ، مِنْ سَبَبٍ) خفيف أو ثقيل (بِحَذْفٍ) فيهما (أَوْ إِسْكَانِ) للثقيل خاصة.
بسبب ذلك (فَأَوَّلُ الجُزْءِ وَ ثَالٍ) لغة في ثالث (مِنْهُ، وَ سَادْسٌ مِنْهُ عَدَلْنَ عَنْهُ) أي عن الزحاف لأنها لا تكون ثاني سبب و إنما يحل في ثاني الجزء و رابعه و خامسه و سابعه.
- - - - - - - - - - - - - - -
المُنْفَرِدُ مِنْهُ
و هو ما وقع في موضع واحد من الجزء.
إِسْكَانُ ثَانِ الجُزْءِ إِضْمَاراً دَعَوْا ... وَ حَذْفَهُ خَبْناً وَ وَقْصاً قَدْ رَأَوْا
وَ العَصْبُ أَنْ يُسْكَنَ خَامِسٌ وَ أَنْ ... يُحْذَفَ قَبْضٌ وَ كَذَاكَ العَقْلُ عَنْ
وَ الطَّيُّ حَذْفُ ذِي السُّكُونِ الرَّابِعِ ... وَ الكَفُّ حَذْفُ ذِي السُّكُونِ السَّابِعِ
((1/16)
إِسْكَانُ ثَانِ الجُزْءِ إِضْمَاراً) و الجزء مضمَرٌ سمي بذلك لأنه لما ذهبت حركته و عقبها السكون ضعف فشبه بالمضمر المهزول و لا يدخل الإضمار إلا متفاعلن. (دَعَوْا، وَ حَذْفَهُ خَبْناً) إن كان ساكنا و الجزء مخبون و الخبن لغة أن يجمع الرجل ثوبه من أمامه فيرفعه إلى صدره فيشده هنالك على شيء يجعله فيه و لما حذف ثاني الجزْء و انضم بذلك أوله إلى ثالثه شبه بالثوب المخبون و يدخل فاعلن و مستفعلن المجموع الوتد أو مفروقه و فاعلاتن المجموعة و مفعولات )وَ وَقْصاً( إن كان متحركا و الجزء موقوص، و الوقص لغة كسر العنق و لما حذف ثاني الجزء المتحرك شبه بمن كسرت عنقه و لا يدخل إلا متفاعلن و هذه الثلاثة ثنائية (قَدْ رَأَوْا).
(وَ أَنْ، يُحْذَفَ قَبْضٌ) إن كان ساكنا و الجزء مقبوض سمي بذلك لقبض امتداد الصوت بعدما كان مبسوطا و لا يدخل إلا فعولن و مفاعيلن (وَ كَذَاكَ العَقْلُ) إن كان متحركا و الجزء معقول و العقل لغة: المنع، و لما ذهبت اللام من الجزء منع من ذهاب النون حذف و اجتمع أربع متحركات فشبه بالبعير المعقول الممنوع من الذهاب و لا يدخل إلا مفاعلتن و هذه الثلاثة خماسية (عَنْ).
(وَ الطَّيُّ حَذْفُ ذِي السُّكُونِ الرَّابِعِ) و الجزء مطوي لأنه لما حذف رابعه شبه بالثوب المطوي من وسطه و لا يدخل إلا [مستفعلن المجموع الوتد] و مفعولات، و لا يدخل متفاعلن إلا مع الإضمار خوف اجتماع خمس متحركات و هو رباعي (وَ الكَفُّ حَذْفُ ذِي السُّكُونِ السَّابِعِ) و الجزء مكفوف لأنه لما حذف آخره شبه بالثوب الذي كف طرفه و يدخل مفاعيلن فاعلاتن في حاليه و [مستفع لن المفروق الوتد] و لا يدخل مفاعلتن إلا مع العصب خوف اجتماع خمس متحركات و هو سباعي.
- - - - - - - - - - - - - - -
المُزْدَوِجُ مِنْهُ
و هو ما وقع في موضعين من الجزء.
طَيٌّ أَتَى تَالِيَ خَبْنٍ خَبْلُ ... وَ مَا تَلا الإِضْمَارَ مِنْهُ خَزْلُ(1/17)
وَ الكَفُّ بَعْدَ الخَبْنِ شَكْلٌ وَ اشْتَهَرْ ... بِالنَّقْصِ بَعْدَ العَصْبِ وَ الأَنْوَاعَ ذَرْ
(طَيٌّ أَتَى تَالِيَ خَبْنٍ خَبْلُ) و الجزء مخبول و الخبل لغة الفساد و الاختلال و لما ذهب ثاني الجزء و رابعه شبه بالذي اعتلت يداه و لا يدخل إلا [مستفعلن المجموع الوتد] و مفعولات (وَ مَا تَلا الإِضْمَارَ مِنْهُ خَزْلُ) و الجزء مخزول و الخزل لغة: القطع و لما تكرر التغيير على الجزء شبه بالسنام المقطوع الذي أصابته الدبرة ثم قطع و لا يدخل إلا متفاعلن.
(وَ الكَفُّ بَعْدَ الخَبْنِ شَكْلٌ) و الجزء مشكول و الشكل لغة: التغيير و لما حذف آخر الجزء و ما يلي أوله شبه بالدابة التي شكلت يدها و رجلها لأن الجزء يمتنع بذلك من امتداده و إطلاقه كما تمنع الدابة بالشكال من امتداد قوائمها و لا يدخل إلا [فاعلاتن المجموع الوتد] و مستفع لن المفروقه (وَ اشْتَهَرْ) الكف (بِالنَّقْصِ بَعْدَ العَصْبِ وَ الأَنْوَاعَ) الأربعة لقبحها هما الخبل في الرجز و النقص في المجزوّ، و الخزل فيه أخوف منه في التام (ذَرْ).
المُعَاقَبَةُ وَ المُرَاقَبَةُ وَ المُكَاَنفَةُ
إِنْ يَتَوَالَيَا خَفِيفَانِ امْتَنَعْ ... حَذْفُهُمَا مَعاً وَ غَيْرُهُ اتَّسَعْ
فَبِالمُعَاقَبَةِ الإِمْتِنَاعَ سِمْ ... وَ جُزْؤُهَا يُدْعَى بَرِيئاً إِنْ سَلِمْ
وَ هُوَ صَدْرٌ عَجُزٌ وَ طَرَفَانْ ... إَنْ زُوحِفَ الأَوَّلُ وَ الثَّانِي وَ ذَانْ
(إِنْ يَتَوَالَيَا) سببان (خَفِيفَانِ) في جزء واحد أو جزأين (امْتَنَعْ) (حَذْفُ) الثاني من كل منـ(ـهُمَا) (مَعاً وَ غَيْرُهُ) و هو حذف أحدهما أو سلامتهما معا فلابد من سلامة أحدهما (اتَّسَعْ).
((1/18)
فَبِالمُعَاقَبَةِ) مأخوذة من معاقبة الراكبين أي تداولهما و تناوبهما للركوب كأن الساكنين كأنهما تداولا الحذف و تناوباه (الإِمْتِنَاعَ) لها (سِمْ) (وَ جُزْؤُهَا يُدْعَى بَرِيئاً) لبرئه من التغيير الذي يصيبه كما يبرأ السقيم من المرض (إِنْ سَلِمْ) منهما سواء كانت في جزء أو جزأين و شرط حلولها في جزئها أن يكون سالما من نقص العلل و الزحاف الجاري مجراها (وَ هُوَ) أي جزؤها (صَدْرٌ عَجُزٌ وَ طَرَفَانْ) (إَنْ زُوحِفَ) السبب (الأَوَّلُ) من لسلامة ما فيه كفاعلاتن فعلن و هو عائد إلى الصدر (وَ الثَّانِي) منه لسلامة ما بعده كفاعلات و فاعلن و هو عائد إلى العجز (وَ ذَانْ) الأول و الثاني، فالأول لسلامة ما قبله و الثاني لسلامة ما بعده كما تقول في المديد مبتدئا بعروضه فاعلاتن فعلات فاعلن و هو عائد إلى الطرفين و لم يتعرضوا لتسمية جزء المعاقبة المزاحف أحد سببيه كمفاعيلن في الطويل.
وَ هِيَ فِي غَيْرِ الّذِي يَاتِي تَصِحْ ... إِلاّ الأَخِيْرَ وَ تَجِي فِي المُنْسَرِحْ
وَ فِي سِوَى الآتِي تَحِلُّ إِنْ تَصِحْ ... كَذَا تَحِلُّ ثّالِثاً فِي المُنْسَرِحْ
(وَ هِيَ فِي غَيْرِ الّذِي يَاتِي) و هو الطويل و المديد و الوافر بعد عصبه و الكامل بعد إضماره و الهزج و الرمل و الخفيف و المجتث (تَصِحْ) (إِلاّ الأَخِيْرَ) أي المتقارب لأنه لا يتوالى فيه خفيفان (وَ تَجِي فِي المُنْسَرِحْ) في مستفعلن الذي بعد مفعولات.
(وَ فِي سِوَى الآتِي) في الحشو ما يأتي من الأبيات و يسمى زحافا غير جارٍ مجرى العلة و هو الأصل في الزحاف (تَحِلُّ إِنْ تَصِحْ) خرج به المتقارب إذ لا يصح فيه لأنه لا يتوالى فيه خفيفان (كَذَا تَحِلُّ ثّالِثاً فِي) في الشطر الأول و الثاني من (المُنْسَرِحْ).
وَ ادْعُ المُرَاقَبَةَ أَنْ يَمْتَنِعَا ... حَذْفُهُمَا وَ ضِدُّهُ مَا اجْتَمَعَا
وَ ذَا مَبَادِئَ شُطُورٍ انْجَلَبْ ... شَطْرِ المُضَارِعِ وَ شَطْرِ المُقْتَضَبْ(1/19)
وَ الحَذْفُ وَ الإِثْبَاتُ وَ المُخَالَفَهْ ... فِي كُمَّلِ الأَجْزَا يُرَى المُكَانَفَهْ
وَ فِي بَسِيطِ رَجَزٍ سَرِيعِ ... مُنْسَرِح ٍ تَحُلُّ ذَا تَسْبِيعِ
وَ لَيْسَ يَلْزَمُ زِحَافٌ آتِ ... صَدْراً وَ حَشْواً سَائِرَ الأَبْيَاتِ
وَ فِي العَرُوضِ وَ الضُّرُوبِ يَلْزَمُ ... مِنْهُ الّذِي فِي سِلْكِ ذَيْنِ أَنْظِمُ
(وَ ادْعُ المُرَاقَبَةَ) مأخوذة من المراقبة بمعنى الانتظار كأن كلا من الساكنين كأنه ينتظر حذف صاحبه و يثبت هو، و ينتظر إثباته ليحذف، أو من المراقبة بمعنى الحرس لأن كلا منهما يحرس صاحبه من الحذف بحذفه (أَنْ يَمْتَنِعَا) (حَذْفُهُمَا وَ ضِدُّهُ مَا اجْتَمَعَا) و هو سلامتهما معا و لابد من حذف أحدهما و سلامة الآخر و هي توافق المعاقبة في أنه إذا حذف أحد السببين سلم الآخر، و تخالفها في أنها يمتنع فيها إثباتهما معا و لأنها لا تكون إلا في سببي جزء واحد بخلاف المعاقبة بينهما.
(وَ ذَا) الامتناع (مَبَادِئَ شُطُورٍ) بحور (انْجَلَبْ) من تلك الشطور (شَطْرِ المُضَارِعِ) اتفاقا (وَ شَطْرِ المُقْتَضَبْ) على المشهور و قيل من بحور المكانفة كقوله:
صَرَمتْكَ جاريةٌ***تركَتْكَ في تعبِ
(وَ) جاز (الحَذْفُ) لهما معا (وَ الإِثْبَاتُ) لهما معا (وَ المُخَالَفَهْ) بأن يثبت أحدهما و يحذف الآخر (فِي كُمَّلِ الأَجْزَا) السالمة من نقص العلل و ما يجري مجراها من الزحاف (يُرَى المُكَانَفَهْ) و تخالف المعاقبة بالوجه الأول و المراقبة به و بالثاني و هي مأخوذة من المكانفة بمعنى المحافظة لأن في توافقهما نفيا و إثباتا حفظ كل منهما لصاحبه لملازمته إياه و كذلك مخالفتهما لأن جواز الموافقة كحصولها، أو بمعنى المعاونة لإعانة الشاعر على ما يشاء.
(وَ فِي بَسِيطِ رَجَزٍ سَرِيعِ، مُنْسَرِح ٍ تَحُلُّ) جزءا (ذَا تَسْبِيعِ) و هو مستفعلن المجموع الوتد و مفعولات السالمان من نقص العلل و الزحاف الجاري مجراها.
((1/20)
وَ لَيْسَ يَلْزَمُ زِحَافٌ آتِ، صَدْراً وَ حَشْواً سَائِرَ) بقية (الأَبْيَاتِ)
(وَ فِي العَرُوضِ وَ الضُّرُوبِ يَلْزَمُ، مِنْهُ الّذِي فِي سِلْكِ ذَيْنِ أَنْظِمُ) عند التعرض لذكر البحور و يسمى زحافا جاريا مجرى العلة.
عِلَلُ الأَجْزَاءِ
عِلَّتُهَا تَغْيِيرُ غَيْرِ الثَّانِي ... مِنْ سَبَبٍ بِزَيْدٍ أَوْ نُقْصَانِ
فَزَيْدُ مَا خَفَّ عَلَى الأَخِيرِ مِنْ ... مَجْزُوِّ كَامِلٍ بِتَرْفِيلٍ زُكِنْ
وَ فِيهِ كَالبَسِيطِ تَذْيِيلٌ بِأَنْ ... يُزَادَ بِالأَخِيرَ ثَامِنٌ سَكَنْ
وَ مِثْلُهُ تَسْبِيغُ بَحْرِ الرَّمَلِ ... وَ ذَانِ فِي المَجْزُوِّ مِثْلُ الأَوَّلِ
وَ إِنْ تَزِدْ أَوَّلَ صَدْرٍ أَرْبَعَا ... فَسَافِلاً تَجِئْ بِخَزْمٍ أَشْنَعَا
(عِلَّتُهَا تَغْيِيرُ غَيْرِ الثَّانِي، مِنْ سَبَبٍ) بأن يكون في سبب كله خاصة أو قيد مع بعض لآخر أو في كل الوتد أو بعضه أو في سبب و بعض وتد (بِزَيْدٍ) و هو أربعة (أَوْ نُقْصَانِ) و هو أحد عشر و إن أردف مواضع الزيادة. (فَزَيْدُ مَا خَفَّ) سبب (عَلَى) الحرف (الأَخِيرِ مِنْ، مَجْزُوِّ كَامِلٍ بِتَرْفِيلٍ) و هو لغة الإطالة، يقال: ثوب مرفّل أي مطول (زُكِنْ)، (وَ فِيهِ كَالبَسِيطِ تَذْيِيلٌ) أو إذالة و هو لغة: جعل الذيل للثوب و ذيل الثوب ما جرّ منه و ذيل الفرس ذنبه أو ما أسبل منه (بِأَنْ، يُزَادَ بِالأَخِيرَ ثَامِنٌ سَكَنْ)، (وَ مِثْلُهُ تَسْبِيغُ) و هو لغة: الإطالة، يقال: ثوب سابغ و درع سابغة أي: طويلان (بَحْرِ الرَّمَلِ، وَ ذَانِ) أي التذييل و التسبيغ (فِي المَجْزُوِّ) من الأبحر الثلاثة (مِثْلُ الأَوَّلِ) أي للترفيل فهو في المجزوّ من الكامل.
((1/21)
إِنْ تَزِدْ أَوَّلَ صَدْرٍ) في أي بحر كان (أَرْبَعَا) من الأحرف (فَسَافِلاً تَجِئْ بِخَزْمٍ) و هي لغة مصدر خزمت البعير إذا جعلت في أنفه الخزامة و هي حلقة من شعر و لما كان بالزيادة زيدت فيه نقطة، و لما كان الخزم بالنقصان نقصت منه نقطة و لا يعتد بتلك الزيادة في التقطيع (أَشْنَعَا) أي قبيح جدا و هو نادر في شعر العرب و لم يقع قط لمولد و هو في الصدر بواحد كقوله:
وَ كَانَ أَبَانَا فِي أَفَانِينَ وَ دَقَّه***كَبِيرُ أُنَاسٍ في بَجَادٍ مُزْمَلِ(1)
و باثنين كقوله:
يا مطرَ بنِ ناجيةَ ابن سامةَ إنني***أجفى و تغلق دوني الأبواب
و بثلاثة كقوله:
لقد عجبت لقوم أسلموا بعد عزهم***إمامهم للمنكرات و للغدر
و بأربعة كقوله:
اشدد حياز يمك للموت***فإن الموت لاقيكا
و لا تجزع من الموت***إذا حل بواديكا
وَ زِدْ إِلَى ثَلاثَةٍ فِي أَوَّلِ ... عَجْزٍ وَ مَا كُرِّرَ بِالخَشِّ جَلِي
بِالنَّقْصِ أَعْجَازُ الأَعَارِيضِ تُعَلّْ ... وَ ذَاكَ أَعْجَازَ الضُّرُوبِ قَدْ دَّخَلْ
فَالحَذْفُ حَذْفُ الخِفِّ فِي الطَّوِيلِ حَلّْ ... مِثْلُ الخَفِيفِ وَ المَدِيدِ وَ الرَّمَلْ
وَ المُتَقَارِبِ وَ بَحْرِ الهَزَجِ ... وَ القَطْفُ مَا فِي وَافِرٍ مِنْهُ يَجِي
(وَ زِدْ إِلَى ثَلاثَةٍ) و الغاية داخلة عند بعضهم و خارجة عند آخرين (فِي أَوَّلِ، عَجْزٍ) فبواحد كقوله:
كلما رابك مني رائب***و يعلم الجاهل مني ما علم
و باثنين كقوله:
بريقا بت أرقبه***بل لايرى إلا إذا اعتلما
و بثلاثة كقوله:
العجز أوله جهل و آخره***حقد إذا تذكرتِ الأقوال و الكلم
(وَ مَا كُرِّرَ) منه في البيت كقوله:
هل تذكرون إذ نقاتلكم***إذ لا يضر معدما عدمه
(
__________
(1) من معلقة امرئ القيس، و في شرح المعلقات العشر (ص33) و جمهرة أشعار العرب (1/274):
كَاَنَّ ثبيراً في عَرَانينَ وَبْلِهِ***كَبِيرُ أُنَاسٍ في بَجَادٍ مُزْمَلِ(1/22)
بِالخَشِّ جَلِي) و هو لغة جعل الخش في أنف البعير و يقال للبعير المخشوش أيضا خش و الخشاش عود محدد و هو الخِلالُ، و أشار إلى علل النقص بقوله (بِالنَّقْصِ أَعْجَازُ الأَعَارِيضِ تُعَلّْ، وَ ذَاكَ أَعْجَازَ الضُّرُوبِ قَدْ دَّخَلْ) و إن أردت أنواع النقص و تعيين مواضعه (فَالحَذْفُ حَذْفُ) السبب (الخِفِّ فِي الطَّوِيلِ حَلّْ، مِثْلُ الخَفِيفِ وَ المَدِيدِ وَ الرَّمَلْ)، (وَ المُتَقَارِبِ وَ بَحْرِ الهَزَجِ) و يدخل من الأجزاء فعولن و مفاعيلن و فاعلاتن المجموع الوتد (وَ القَطْفُ) و هو لغة اجتناء الثمرة فشبه الجزء لما حذف منه سبب وحركة بالثمرة التي قطعت و قد علق بها شيء من الشجرة (مَا فِي وَافِرٍ مِنْهُ يَجِي).
وَ يَنْتَفِي الثَّقِيلُ إِذْ يَخِفُّ ... وَ القَصْرُ أَيْضاً قَدْ حَوَاهُ الخِفُّ
حَذْفٌ وَ تَسْكِينٌ وَ ذَا القَصْرُ وَلَجْ ... مَا حَذَفُوا إلاّ الطَّوِيلَ وَ الهَزَجْ
وَ القَطْعُ فِي الوَتِدِ كَالقَصْرِ بَرَزْ ... وَ الكَامِلَ اقْطَعْ وَ البَسِيطَ وَ الرَّجَزْ
(وَ يَنْتَفِي) السبب (الثَّقِيلُ إِذْ يَخِفُّ) أي يصير خفيفا بإسكان ثانيه (وَ القَصْرُ أَيْضاً قَدْ حَوَاهُ) السبب (الخِفُّ) و هو أي الخفيف، و هو لغة قطع الذي و غيره.
(حَذْفٌ) ساكنه (وَ تَسْكِينٌ) ما قبله و هو لغة المنع والجزء لما حذف آخره و سكن ما قبله منع الحركة كما منه المقصور كالعصا من ظهورها (وَ ذَا القَصْرُ وَلَجْ، مَا حَذَفُوا إلاّ الطَّوِيلَ وَ الهَزَجْ) و يدخل من الأجزاء فعولن و فاعلاتن المجموع الوتد و مستفع لن المفروقه. (وَ القَطْعُ فِي الوَتِدِ كَالقَصْرِ) في السبب الأخير فهو حذف آخر الوتد المجموع و تسكين ما قبله و يدخل من الأجزاء فاعلن و مستفعلن المجموع الوتد و متفاعلن، و لقد أحسن بعض الأندلسيين حيث يقول:
يا كاملا شوقي إليه و وافرا***و بسيط وَجْدي في هواه عزيز
عاملت أسبابي إليك بقطعها***و القطع في الأسباب ليس يجوز
((1/23)
بَرَزْ، وَ الكَامِلَ اقْطَعْ وَ البَسِيطَ وَ الرَّجَزْ) [و بقي على الناظم من بحور القطع المنسرح [قال](1)كاتبه :
وَالقَطْعُ أَيْضاً قَدْ أَتَى فِي المُنْسَرِحْ ... وَ كُلُّ بَازٍ شَاهِدٍ قَدْ يَتَّضِحْ
إشارة إلى قوله: ...
و كل باز يمسه هرم***بالت على رأسه العصافير
و قال:
إن هو مستوليا على أحد***إلا على أضعف المجانين(2)
و قال الحريري:
لا تبك الفاتا و لا دارا***و در مع الدهر كيفما دارا](3).
وَ الحَذْفُ للوَتِدِ حَذاًّ يُسْمَى ... فِي كَامِلٍ وَ فِي السَّرِيعِ صَلْمَا
تَسْكِينُ تَاءِ لاتَ يُدْعَى الوَقْفَا ... وَ حَذْفُ ذِي التَّاءِ يُسَمَّى الكَشْفَا
وَ فِي السَّرِيعِ وَقَعَا وَ المُنْسَرِحْ ... وَ قَطْعُ مَحْذُوفٍ بِبَتْرٍ يَتَّضِحْ
وَ فِي المَدِيدِ المُتَقَارِبِ جَرَى ... أَوِ المَدِيدُ لا يُسَمَّى أَبْتَرَا
(وَ الحَذْفُ للوَتِدِ) المجموع (حَذاًّ) و هو لغة: الخفة و القصر أيضا، و الجزء أحذ (يُسْمَى، فِي كَامِلٍ وَ فِي السَّرِيعِ) يسمى (صَلْمَا) و هو لغة القطع و الجزء أصلم و الوتد في الكامل مجموع و في السريع مفروق.
(تَسْكِينُ تَاءِ لاتَ يُدْعَى الوَقْفَا، وَ حَذْفُ ذِي التَّاءِ يُسَمَّى الكَشْفَا) بالمعجمة و هو لغة: من كشفت الشيء إذا أزلت غطاءه، و صوَّب الزمخشري و تبعه المجدُ كونه بالمهملة و هو لغة: القطع و مصدر لكسفت الشمس كأن الجزء ذهب نوره.
(
__________
(1) هذه الزيادة غير موجودة في الأصل، زيدت لتستقيم مع ما بعدها.
(2) ذكر محققو كتاب: [تمهيد القواعد بشرح تسهيل ابن مالك] لناظر الجيش أنه و مع كثرة دوران هذا البيت في كتب النحو غيرُ منسوب لقائل، راجع معجم الشواهد (ص412)، شرح التسهيل لابن مالك (1/165)، التذييل و التكميل لأبي حيان (2/225).
(3) ما بين المعقوفتين هو من زيادات كاتب هذه النسخة الشيخ عبد الله و داداه استدركه على الناظم.(1/24)
وَ فِي السَّرِيعِ وَقَعَا وَ المُنْسَرِحْ) المنهوك (وَ قَطْعُ مَحْذُوفٍ بِبَتْرٍ يَتَّضِحْ) و هو بسكون التاء، وهو لغة القطع و بفتحها الانقطاع و الجزء أبتر، و الأبتر مقطوع الذنب و سمي اجتماعهما بالبتر لأنه أبلغ من الحذف.
(وَ فِي المَدِيدِ المُتَقَارِبِ جَرَى) على المشهور فيدخل من الأجزاء فعولن و فاعلاتن (أَوِ المَدِيدُ لا يُسَمَّى أَبْتَرَا) بل إنما يسمى محذوفا مقطوعا قاله الزجاج و علله أن فعولن يبقى منه أقله في المتقارب فناسب ذلك تسميته أبتر، و فاعلاتن يبقى منه أكثره في المديد فلا ينبغي أن يسمى أبترا.
وَ شَعِّثِ الخَفِيفَ وَ المُجْتَثَّ أَيْ ... صَيِّرْ عِلا مِنْ فَاعِلاتِنْ مِثْلَ كَيْ
وَ الخَرْمُ فِي أَوَّلِ الاَوَّلِ يَرِدْ ... وَ هُوَ حَذْفُ بَدْءِ مَجْمُوعِ الوَتِدْ
وَ فِي فَعُولَنْ دُونَ قَبْضٍ ثَلْمَا ... يُدْعَى وَ مَعْ قَبْضٍ يُسَمَّى الثَّرْمَا
وَ فِي مَفَاعِيلَنْ دَعَوْهُ الخَرْمَا ... وَ الشَّتْرَ وَ الخَرَبَ فَافْهَمْ فَهْمَا
وَ فِي مُفَاعَلَتَنِ العَضْبُ أُلِفْ ... وَ القَصْمُ وَ الجَمَمُ وَ العَقْصُ وَقِفْ
وَ جُلُّ ذِي العِلَلِ إِنْ حَلَّ حُتِمْ ... وَ بَعْضُهَا مِثْلَ الزِّحَافِ مَا لَزِمْ
الخَزْمُ وَ الخَرْمُ كَذَا التَّشْعِيثُ مَعْ ... حَذْفٍ بِأُولَى المُتَقَارِبِ اجْتَمَعْ
قَدِ انْتَهَى فَنُّ العَرُوضِ مُجْمَلا ... وَ هَاكَهُ مُفَصَّلاً لِيُعْقَلا
((1/25)
وَ شَعِّثِ الخَفِيفَ وَ المُجْتَثَّ) التشعيث لغة: تفريق رأس الوتد بكثرة الضرب عليه أو التفريق مطلقا و منه: لَمَّ الله شعثك أي متفرق أمرك (أَيْ، صَيِّرْ عِلا مِنْ فَاعِلاتِنْ مِثْلَ كَيْ) و اختلف في المحذوف فقيل اللام و هو مذهب الخليل و قيل العين و هو مذهب الأخفش و قيل الألف و سكنت اللام و هو مذهب السرقسطي و قيل خبن فاضمر أول الوتد تشبيها له بعد الخبن بثاني السبب و هو مذهب الزجاج و ينقل على كل المذاهب إلى مفْعُولن و كلها خارجة عن القياس لأن حذف وسط الوتد لا نظير له و الخرم لا يكون إلا في أول الجزء و القطع لا يكون إلا في آخره و الإضمار لا يكون إلا في الأسباب.
(وَ الخَرْمُ) و هو لغة: مصدر خرمت الأنف و الأذن و غيرهما إذا شققته شبه حذف أول الجزء بخرم الأنف لأن أنف الشيء أوله (فِي) حرف (أَوَّلِ) الجزء (الاَوَّلِ) من الشطر (يَرِدْ، وَ هُوَ حَذْفُ بَدْءِ مَجْمُوعِ الوَتِدْ).
((1/26)
وَ فِي فَعُولَنْ دُونَ قَبْضٍ ثَلْمَا، يُدْعَى وَ مَعْ قَبْضٍ يُسَمَّى الثَّرْمَا) و الثلم لغة: كسر طرف الإناء و غيره، و الثرم كسر طرف الإناء و غيره و هو أكثر من الثلم، (وَ فِي مَفَاعِيلَنْ دَعَوْهُ الخَرْمَا) بسكون الراء تسمية للغير باسم المطلق أو بفتحها فرقا بينه و بين الخرم المطلق و سكنت للضرورة (وَ الشَّتْرَ) و هو لغة: شقّ جفن العين و انقلابها، و لما حذف أوله و خامسه و استقبح النطق به شبِّه بالجفن الأشتر (وَ الخَرَبَ) و هو لغة: الفساد و لما حذف أوله و آخره شبه بالشيء الخرب الفاسد (فَافْهَمْ فَهْمَا)، (وَ فِي مُفَاعَلَتَنِ العَضْبُ أُلِفْ) و العضب لغة: كسر القرن، و لما حذف أوله شبه بالعضب و هو الذي كسر قرنه (وَ القَصْمُ) و هو لغة: الكسر مع إبانةٍ، و لما حذف أول الجزء و سكن خامسه شبه بالذي ذهب قرنه (وَ الجَمَمُ) و هو لغة: ذهاب القرنين معا، و لما حذف أوله و خامسه شبه بالأجم و هو الذي ذهب قرناه (وَ العَقْصُ وَقِفْ) و هو لغة: كسر العنق، و لما حذف أول الجزء و آخره شبه بالذي كسرت عنقه.
وَ جُلُّ ذِي العِلَلِ إِنْ حَلَّ حُتِمْ ... وَ بَعْضُهَا مِثْلَ الزِّحَافِ مَا لَزِمْ
الخَزْمُ وَ الخَرْمُ كَذَا التَّشْعِيثُ مَعْ ... حَذْفٍ بِأُولَى المُتَقَارِبِ اجْتَمَعْ
قَدِ انْتَهَى فَنُّ العَرُوضِ مُجْمَلا ... وَ هَاكَهُ مُفَصَّلاً لِيُعْقَلا
(الخَزْمُ وَ الخَرْمُ كَذَا التَّشْعِيثُ مَعْ، حَذْفٍ) عروض (بِأُولَى) أعاريض (المُتَقَارِبِ اجْتَمَعْ) كقوله:
كَأَنَّ المُدَامَ وَ صوبَ الغَمَام***و ريحَ الخُزامَى و نَشْرَ القُطُرْ
يُعَلُّ به بردُ أَنيابها***إِذَا طَرَّب الطائرُ المستَحرّْ(1)
(قَدِ انْتَهَى فَنُّ العَرُوضِ مُجْمَلا، وَ هَاكَهُ مُفَصَّلاً لِيُعْقَلا).
الطَّوِيلُ
__________
(1) الأبيات لامرئ القيس من البحر المتقارب، ديوان امرئ القيس (157).(1/27)
سمي بذلك لأنه أتم البحور استعمالا و أسلمها من الجَزْء و الشَّطْر و النَّهْك.
قَبْضُ العَرُوضِ فِي الطَّوِيلِ أُلِفَا ... وَ ضَرْبَهَا صَحِّحْهُ وَ اقْبِضْ وَ احْذِفَا
وَ إِنْ تُرِدْ زِحَافَهُ فَاقْبِضْ وَ كُفْ ... أَوْ خَرْمَهُ فَاثْلِمْهُ وَ اثْرِمْهُ وَ كُفْ
وَ هِيَ فِي التَّصْرِيعِ كَالضَّرْبِ تَرِدْ ... وَ ذَاكَ حُكْمٌ فِي البُحُورِ مُطَّرِدْ
(قَبْضُ العَرُوضِ فِي الطَّوِيلِ أُلِفَا) لازما (وَ ضَرْبَهَا صَحِّحْهُ) كقوله:
أبا خالد كانت غرورا صحيفتي***و لم أعطكُمْ الطوْعِ مالِي و لا عرضي
(وَ اقْبِضْ) كقوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا***و يأتيك بالأخبار من لم تزودي
(وَ احْذِفَا) كقوله:
أقيموا بني النعمان عنا صدوركم***و إلا تقيموا صاغرين الرؤوسا
(وَ إِنْ تُرِدْ زِحَافَهُ فَاقْبِضْ) كقوله:
أتطلب من سواك بيشة دونه***أبومطر و عامرٌ و أبوسعدِ
(وَ كُفْ) كقوله:
شاقتك أحداجُ سليمى بعاقلي***فعيناك ليس تجودان بالرمح
(أَوْ خَرْمَهُ فَاثْلِمْهُ) كقوله:
شاقتك أحداجُ سليمى بعاقلي***فعيناك ليس تجودان بالرمح
(وَ اثْرِمْهُ) كقوله:
هاجك ربع دارس الرسم باللوى***لأسماءَ عَفَّى آيَهُ المورُ والقَطْرُ
(وَ كُفْ) عنه.
(وَ هِيَ فِي) حالة (التَّصْرِيعِ كَالضَّرْبِ) كقوله:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَ عِرْفَانِ***وَ رَسْمٍ عَفَتْ آياتُهُ منذُ أَزْمَانِ
و كقوله:
طحابك قلبٌ في لحسانِ طروبُ***بُعَيْدَ الشَّبابِ عصرَ حَانَ مَشيِبُ
(تَرِدْ)، (وَ ذَاكَ) أي ورود العروض كالضرب في حالة التصريع (حُكْمٌ فِي) جميع (البُحُورِ مُطَّرِدْ).
المَدِيدُ
سمي بذلك لامتداد سباعيه حول خماسيه.
جَزْءُ العَرُوضِ فِي المَدِيدِ قَدْ حُتِمْ ... وَ صُحِّحَتْ وَ ضَرْبُهَا كَهَا عُلِمْ
وَ حُذِفَتْ فَقَطْ وَ ضَرْبُهَا يُرَى ... كَهَا وَ مَقْصُوراً وَ جَاءَ أَبْتَرَا(1/28)
وَ حَذْفُهَا مَخْبُونَةً قَدْ يُذْكَرُ ... وَ ضَرْبُهَا مُمَاثِلٌ وَ أَبْتَرُ
وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ كَفٌّ شَكْلُ ... وَ فِي صَحِيحِهِ وَ حَشْوٍ كُلُّ
(جَزْءُ العَرُوضِ فِي المَدِيدِ قَدْ حُتِمْ، وَ صُحِّحَتْ وَ ضَرْبُهَا كَهَا عُلِمْ)
كقوله:
يالَ بكرٍ نَشَرُوا لِي كُلَيْبًا***يالَبْكْرٍ أينَ أينَ الفِرَارْ
(وَ حُذِفَتْ فَقَطْ وَ ضَرْبُهَا يُرَى، كَهَا)
كقوله:
اعْلَمُوا أنِّي لكُمْ حافظٌ***شاهدًا ما كنْتُ أوْ غَائِبَا
(وَ مَقْصُوراً) كقوله:
لا يغررن أمرءاً عيشَةٌ***كلُّ عيشٍ صائرٌ للزَّوالْ
(وَ جَاءَ أَبْتَرَا) كقوله:
إنما الذَّلفَاءُ يَاقُوتَةٌ***أخْرِجَتْ مِنْ كيسِ دِهْقَانِ
(وَ حَذْفُهَا مَخْبُونَةً قَدْ يُذْكَرُ، وَ ضَرْبُهَا مُمَاثِلٌ) كقوله:
للفتى عقلٌ يعيشُ بهِ***حيثُ تهْديِ ساقَهُ قدمُهْ
(وَ أَبْتَرُ) كقوله:
رب قارئة أرمقها***تقضم المقرى و القارا
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ) كقوله:
و متى ما يعِ منْكَ كلامًا***يتكلم فيجْبْكَ بعقلِ
و هو بيت الصدر كقوله:
ماذا وقوفي على ربعٍ عفا***مُخْلولِقٍ دارسٍ مسْتَعْجِمِ
(وَ كَفٌّ) كقوله:
لن يزالَ قومُنا مُخْصِبِينَ***صالحينَ ما اتَّقَوا و اسْتَقَامُوا
و هو بيت العجز و إنما يخلان فيه على سبيل المعاقبة من نون فاعلاتن و ألف ما بعده
(شَكْلُ)كقوله:
لمنِ الدِّيَارُ غَيَّرَهَا***كُلُّ جَوْنِ المُزْنِ دانِي الرَّبابْ
(وَ فِي صَحِيحِهِ وَ حَشْوٍ كُلُّ) من الثلاثة و لا يتصور الكف و الشكل في الضرب الصحيح و يتصور فيه الخبن كما تقدم
البَسِيطُ
سمي بذلك لانبساط الأسباب في أوائلِ أجزائه السُّباعيةِ و الحركاتِ في عروضِه و ضربِه.
خِبْنُ العَرُوضِ فِي البَسِيطِ عُهِدَا ... وَ ضَرْبُهَا كَهَا وَ بِالقَطْعِ بَدَا
وَ جُزِئَتْ وَ صُحِّحَتْ وَ ضَرْبُ ذِي ... كَهَا وَ بِالتَّذْيِيْلِ وَ القَطْعِ احْتُذِي
وَ قُطِعَتْ كَضَرْبِهَا وَ الأَصْلُ ... زِحَافُهُ خَبْنٌ وَ طَيٌّ خَبْلُ(1/29)
وَ الكُلُّ فِي الصَّحِيحِ وَ الحَشْوِ بَدَا ... كَذَاكَ فِي الضَّرْبِ المُذَالِ وَرَدَا
وَ الخَبْنُ مَعْ قَطْعِهِمَا قَدْ يَقَعُ ... مُسْتَعْذَباً وَ نَوْعُهُ المُخَلَّعُ
(خِبْنُ العَرُوضِ فِي البَسِيطِ عُهِدَا، وَ ضَرْبُهَا كَهَا) كقوله:
يا حَارِ لا أرْميَنْ منكمْ بداميةٍ***لمْ يلْقَها سوقَةٌ قبلِي و لا ملِكُ
(وَ بِالقَطْعِ بَدَا) كقوله:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني***جزداءُ معروقَةُ الّلحْيينِ سُرحُوبُ
(وَ جُزِئَتْ وَ صُحِّحَتْ وَ ضَرْبُ ذِي، كَهَا وَ بِالتَّذْيِيْلِ) كقوله:
إنا ذُمِمْنا على ما خَيَّلتْ***سعدُ بنُ زيدٌ و عمروٌ من تميمْ
(وَ القَطْعِ احْتُذِي) كقوله:
سيروا معًا إنَّما مِيعَادُكُمْ***يوم الثُّلاثاءِ بطنَ الوادِي
(وَ قُطِعَتْ كَضَرْبِهَا) كقوله:
ما هيَّجَ الشوق من أطلال***أضحت قفارا كوحيِ الواحيِ
(وَ) هذا (الأَصْلُ) أي البحر (زِحَافُهُ خَبْنٌ) كقوله:
لقد مضت حقبٌ صروفُها عجَبٌ***و أحدَثَتْ عِبَرًا و أعْقَبَتْ دُوَلاَ
(وَ طَيٌّ) كقوله:
ارْتحَلُوا غُدْوَةً و انْطلَقوا سَحرًا***في زمرٍ منْهمُ تَتْبعها زمَرُ
(خَبْلُ) كقولهم:
و زعموا أنهُمْ لقِيَهُمْ رَجُلٌ***فأخَذُوا مالَه و ضَربُوا عنُقَهْ
(وَ الكُلُّ فِي الصَّحِيحِ وَ الحَشْوِ بَدَا) كما تقدم (كَذَاكَ فِي الضَّرْبِ المُذَالِ وَرَدَا) بالخبن فيه كقوله:
قد جاءكم أنكم يوما إذا ما*** ذقتم الموت سوف تبعثون
و الطي فيه كقوله:
يا صاح قدْ أخْلَفتْ أسماءُ ما***كانتْ تمنيكَ منْ حُسْنِ وصالْ
و الخبل فيه كقوله:
هذا مقامي قريب من أخي***كل امرئ قائم مع أخيه
(وَ الخَبْنُ مَعْ قَطْعِهِمَا) كقوله:
أصبحت و الشيبُ قدْ علاني***يدعوحثيثًا إلى الخضابِ
(قَدْ يَقَعُ، مُسْتَعْذَباً) حتى التزم المحدثون الخبن مع القطع (وَ نَوْعُهُ) يقال له (المُخَلَّعُ).
الوَافِرُ
سمي بذلك لوفور أجزائه وتِدًا بعدَ وتِدٍ.(1/30)
اقْطِفْ عَرُوضَ وَافِرٍ وَ الضَّرْبَا ... وَ اجْزَأْهُمَا فَقَطْ وَ زِدْهُ عَصْبَا
وَ جَوِّزَنْ عَصْباً وَ عَقْلاً نَقْصَا ... عَضْباً وَ قَصْماً جَمَمًا وَ عَقْصَا
(اقْطِفْ عَرُوضَ وَافِرٍ وَ الضَّرْبَا) كقوله:
لنا غنم نسوقها غزار***كأن قرون جلتها العصى
(وَ اجْزَأْهُمَا فَقَطْ) كقوله:
لقد علمت ربيعة أنَّ***حبلَكِ واهنٌ خَلَقُ
(وَ زِدْهُ عَصْبَا) كقوله:
أعاتبها و آمرُها***فتبغضُني و تعْصِينِي
(وَ جَوِّزَنْ عَصْباً) كقوله:
إذا لم تستطع شيئا فدعه***و جاوزه إلى ما تستطيع
(وَ عَقْلاً) كقوله:
منازلٌ لفَرتَنَي قِفَارٌ***كأنما رسومها سطورُ
(نَقْصَا) كقوله: ...
لسلامة دار بجعير***كباقي الخلَق السمق قفار
(عَضْباً) كقوله:
إن نزل الشتاء بدار قوم***تجنب جار بيتهم الشتاء
(وَ قَصْماً) كقوله:
ما قالوا لنا سددا و لكن***تفاحش قولهم و أتوا بنُكر
(جَمَمًا) كقوله:
أنت خير من ركب المطايا***و أكرمهم أبا و أخا و أما
(وَ عَقْصَا) كقوله:
لولا ملكٌ رءوفٌ رحيمٌ***تداركنيِ برحمته هلَكتُ
الكَامِلُ
سمي بذلك لأنه أكمل البحور حركة و ضربا.
فِي الكَامِلِ العَرُوضَ وَ الضَّرْبَ مَعَا ... صَحِّحْ وَ أَضْمِرْهُ أَحَذَّ وَ اقْطَعَا
وَ جِئْ بِهَا حَذَّاءَ وَ الضَّرْبُ أَحَذْ ... وَ حَذُّهُ تَابِعُ إِضْمَارٍ وَ فَذَ
وَ اجْزَأْهُمَا فَقَطْ أَوِ الضَّرْبَ اجْعَلا ... مَقْطُوعاً أَوْ مُذَالاً أَوْ مُرَفَّلا
وَ الزَّحْفُ إِضْمَارٌ وَ وَقْصٌ خَزْلُ ... فِي حَشْوِهِ وَ فِي الصَّحِيحِ الكُلُّ
وَ فِي المرَفَّلِ وَ فِي المُذَيَّلِ ... وَ القَطْعُ مُطْلَقاً للاِضْمَارِ يِلِي
(فِي الكَامِلِ العَرُوضَ وَ الضَّرْبَ مَعَا، صَحِّحْ) كقوله:
و إذا صحوت فما أقصر عن ندًى***و كما علِمْتِ شمائلِي و تَكَرُّمِي
(وَ أَضْمِرْهُ أَحَذَّ) كقوله:
لمن الديار برامتين فعاقل***درست و غيَّرَ آيها القطر
(وَ اقْطَعَا) كقوله:(1/31)
و إذا دعونك عمهن فإنَّه***نسبٌ يزيدُكَ عندهنَّ خبالا
(وَ جِئْ بِهَا حَذَّاءَ وَ الضَّرْبُ أَحَذْ) كقوله:
لمن الديار عفا معالمَها***هطِلٌ أجَشُّ و بادحٌ ترِبُ
(وَ حَذُّهُ تَابِعُ إِضْمَارٍ) كقوله:
و لأنت أشجعُ من أسامةَ إذْ***دعِيَتْ نزالِ ولُجَّ فيِ الذُّعْرِ
(وَ فَذّْ، وَ اجْزَأْهُمَا فَقَطْ) فهما صحيحان كقوله:
و إذا افتقرت فلاتكن*** متخشعًا و تَجَمَّلِ
(أَوِ الضَّرْبَ اجْعَلا، مَقْطُوعاً) كقوله:
و إذا هم ذكروا الإسا***ءة أكثروا الحسنات
(أَوْ مُذَالاً) كقوله:
جدثٌ يكونُ مقامُه***أبداً بمختلَفِ الرياح
(أَوْ مُرَفَّلا) كقوله:
و لقد سبقتهم إلي فلم***نزعت و أنت آخر
(وَ الزَّحْفُ إِضْمَارٌ) كقوله:
إني أمرؤ من خير عبس منصبا***شطري و احمي سائري بالمنصل
(وَ وَقْصٌ) كقوله:
يذبُّ عن حريمهِ بسيفه***و نبلِه و رمحِه و يحتمِي
(خَزْلُ) كقوله:
منزلة صُمَّ صداها عفتْ***أرسمها إن سئلتْ لم تجبِ
و هذه الأبيات الثلاثة تلتمس بالرجز الأول بسالمه، و الثاني بمخبونه و الثالث بمطويه و الفرق بينهما سلامة جزء من القصيدة.
(فِي حَشْوِهِ وَ فِي الصَّحِيحِ) من العروض و الضرب كما تقدم (الكُلُّ)، (وَ فِي)الضرب(المرَفَّلِ) فلا إضمار فيه كقوله:
و غررتني و زعمت أنـ***ـك لابن في الصيف تامر
و الوقص فيه كقوله:
و لقد شهدت وفاتهم***و نقلتهم إلى المقابر
و الخزل فيه كقوله:
صفحوا عن ابنك إن في ابـ***ـنكَ حدُّه حين يكلمْ
(وَ فِي المُذَيَّلِ) فلا إضمار فيه كقوله:
و إذا اغتبطت أو ابتأست***حمدت رب العالمين
و الوقص فيه كقوله:
كتب الشقاء عليهما***فهما له ميسران
و الخزل فيه كقوله:
وأجب أخاك إذا دعا***ك مُعالِنًا غيرَ مُخَافِ
(وَ القَطْعُ مُطْلَقاً) سواء كان في الوافي كقوله:
و إذا افتقرت إلى الذخائرِ لمْ تَجِدْ***ذُخرًا يكون كصالح الأعمالِ
أو في المجزوّ كقوله:
و أبو الحليس و رب مكّـ***ـةَ فارغٌ مشغولُ
(للاِضْمَارِ يِلِي).(1/32)
الهَزَجُ
سمي بذلك لأن العرب كثيرا ما تهزج به، أي تغني.
الجَزْءُ للعَرُوضِ وَ الضَّرْبِ يَجِي ... مَعْ صِحَّةٍ أَوْ حَذْفِهِ فِي الهَزَجِ
وَ زَحْفُهُ قَبْضٌ وَ كَفٌّ وَ طَلَبْ ... أَوَّلَهُ خَرْمٌ وَ شَتْرٌ وَ خَرَبْ
(الجَزْءُ للعَرُوضِ وَ الضَّرْبِ يَجِي، مَعْ صِحَّةٍ) كقوله:
عفا من آل ليلى السهْـ***ـبُ فالأملاح فالغمر
(أَوْ حَذْفِهِ فِي الهَزَجِ) كقوله:
و ما ظهْري لباغي الضيم***بالظهرِ الذَّلولِ
(وَ زَحْفُهُ قَبْضٌ) كقوله:
فقلت لا تخفْ شيئًا***فمَا عليكَ من باسِ
(وَ كَفٌّ) كقوله:
فهذان يذودان***و ذا من كثبٍ يَرمِي
(وَ طَلَبْ، أَوَّلَهُ خَرْمٌ) كقوله:
أدَّوا مَا استعارُوه***كذاك العيشُ عارِيَهْ
(وَ شَتْرٌ) كقوله:
في الذين قد ماتوا***و فيما قدموا عِبرهْ
(وَ خَرَبْ) كقوله:
لوْ كان أبو موسى***أميرا ما رضيناه
الرَجَزُ
سمي بذلك لاضطرابه لكثرة لحوق العلل بعجزه بقطع و جزء و شطر و نهك.
صَحِّحْ عَرُوضَ الرَّجَزِ المُسْتَعْمَلِ ... وَ ضَرْبَهَا صَحِّحْ أَوِ اقْطَعْ تَعْدِلِ
وَ اجْزَأْهُ وَ اشْطُرْهُ وَ مَنْهُوكاً يَقَعْ ... كَقَوْلِهِ يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذُعْ
وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ طَيٌّ خَبْلُ ... وَ خَبْنُ مَقْطُوعٍ بِهِ يَحِلُّ
(صَحِّحْ عَرُوضَ الرَّجَزِ المُسْتَعْمَلِ، وَ ضَرْبَهَا صَحِّحْ) كقوله:
دار لسلمى إذْ سليمى جارة***قفرٌ ترى آياتها مثل الزبر
(أَوِ اقْطَعْ تَعْدِلِ) كقوله:
القلب منها مستريح سالم***و القلب مني جامد مجهود
(وَ اجْزَأْهُ) كقوله:
قد هاج قلبي منزل***من أم عمر و مقفر
(وَ اشْطُرْهُ) كقوله:
ما هاج أحزانا***و شجوا قد شجا
(وَ مَنْهُوكاً يَقَعْ، كَقَوْلِهِ يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذُعْ) أخب فيها وأضعْ
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ) كقوله:
و طالما و طالما و طالما***كُفِي بكفِّ خالدٍ مَخُوفُها
(وَ طَيٌّ) كقوله:
ما ولدت والدةٌ من ولد***أكرم من عبد منافٍ حَسَبا
(خَبْلُ) كقوله:(1/33)
و ثِقلُ منَع خيرَ طلَبِ***و عجلٌ منعَ خيرَ تَؤدَهْ
(وَ خَبْنُ مَقْطُوعٍ) كقوله:
لا خير فيمنْ كف عنا شره***إن كان لا يرجى ليوم خيره
(بِهِ يَحِلُّ).
الرَّمَلُ
سمي بذلك لانتظام أوتاده بين أسبابه كحصير نظم بالنسج، يقال: رملت الحصير و أرملته إذا نسجته.
وَ فِي عَرُوضِ الرَّمَلِ الحَذْفُ جَرَى ... وَ ضَرْبَهَا صَحِّحْهُ وَ احْذِفْ وَ اقْصُرَا
وَ جُزِءَا فَقَطْ وَ ضَرْبُهَا يَرِدْ ... أَيْضاً مُسَبَّغاً وَ مَحْذُوفاً وُجِدْ
وَ الخَبْنُ وَ الكَفُّ وَ شَكْلاً سَوَّغُوا ... وَ يُخْبَنُ المَقْصُورُ وَ المُسَبَّغُ
(وَ فِي عَرُوضِ الرَّمَلِ الحَذْفُ جَرَى، وَ ضَرْبَهَا صَحِّحْهُ) كقوله:
مثل سحق البرد عفَّى بعدَك الـ***ـقطرُ مغناهُ و تأويبُ الشِّمالِ
(وَ احْذِفْ) كقوله:
قالت الخنساءُ لما جئتُها***شابَ بعدي رأسُ هذا و اشتهَبْ
(وَ اقْصُرَا) كقوله:
أبلغِ النُّعمان عنِّي مألكًا***أنه قد طالَ حبسي و انتظارْ
(وَ جُزِءَا فَقَطْ وَ ضَرْبُهَا يَرِدْ) فهما صحيحان كقوله:
مقفراتٌ دارساتٌ***مثلُ آياتِ الزَّبورِ
(أَيْضاً مُسَبَّغاً) كقوله:
يا خليلي اربعا و استخبرا رسما بعسفان
(وَ مَحْذُوفاً وُجِدْ) كقوله:
ما لما قرت بع العينان من ثمن
(وَ الخَبْنُ) كقوله:
و إذا رايةُ مجد رفعت***نهض الصلت إليها فحواها
و هو بيت الصدر
(وَ الكَفُّ) كقوله:
ليس كل من أراد حاجة***ثم جدَّ في طِلابها قضَاها
و هو بيت العجز
(وَ شَكْلاً سَوَّغُوا) كقوله:
إن سعدا بطل ممارس***صابر محتسب مما أصابه
و هو بيت الطرفين
(وَ يُخْبَنُ المَقْصُورُ) كقوله:
أقْصَدَتْ كِسرَى و أمسَى قيصرٌ***مغلقًا من دونِه بابُ حديدِ
(وَ المُسَبَّغُ) كقوله:
واضحات فارسيا***تٌ و آدمٌ عَرَبيَّاتْ
السَّرِيعُ
سمي بذلك لسرعة لفظه لاتصال الأسباب بالأوتاد.
اكْشِفْ عَرُوضاً للسَّرِيعِ مَعَ طَيْ ... كَضَرْبِهَا وَقِفْهُ مَطْوِياًّ أُخَيْ(1/34)
وَ اصْلِمْهُ وَ اكْشِفْ مَعَ خَبْلٍ كُلاَّ ... وَ الشَّطْرُ مَعْ وَقْفٍ وَ كَشْفٍ حَلاَّ
وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ طَيٌّ خَبْلُ ... وَ الخَبْنُ فِي المَشْطُورَتَيْنِ سَهْلُ
(اكْشِفْ عَرُوضاً للسَّرِيعِ مَعَ طَيْ، كَضَرْبِهَا) كقوله:
هاج الهوى رسمٌ بذات الغضى***مُخْلولِقٌ مستعجمٌ مُحولُ
(وَقِفْهُ مَطْوِياًّ أُخَيْ) كقوله:
أزمان سلمى لا يرى مثلها الرا***ؤون في شام و لا في عراق
(وَ اصْلِمْهُ) كقوله:
قالت و لم تقصد لقيل الخنى***مهلا فقد أبلغت إسماعي
(وَ اكْشِفْ مَعَ خَبْلٍ كُلاَّ) كقوله:
النشرُ مسك و الوجوهُ دنا***نيرٌ و أطرافُ الأكُفِّ عنَمْ
(وَ الشَّطْرُ مَعْ وَقْفٍ) كقوله:
ينضحْنَ في حافتِها بالأبوالْ
(وَ كَشْفٍ حَلاَّ) كقوله:
يا صاحبي رحلي أقِلاَّ عَذلي
و هذا من مشطور السريع عند الخليل و الكثيرين لأنَّهم لا يجيزون القطع في مَشطورِ الرجز
و الأقلون أجازوه فيه فألحقوه بالرجز
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ) كقوله:
أرد من الأمورِ ما ينبغي***و ما تطيقُه و ما يستقيمْ
(وَ طَيٌّ) كقوله:
قال لها و هو بها عالم***ويحك أمثال طريف قليلْ
(خَبْلُ) كقوله:
و بلد قطعه عامرٌ***و جمل نحره في الطريق
و حلول هذه الثلاثة على سبيل المكانفة و إنما تحل في حشوه.
(وَ الخَبْنُ فِي المَشْطُورَتَيْنِ سَهْلُ) كقوله في الموقوفة:
لابد منه و انحرون وارقينْ
و كقوله في المكشوفة:
يا رب إن أخطأت أو أسأت
المُنْسَرِحْ
سمي بذلك لانسراحه و جريانه على اللسان بسهولة.
قَدْ صَحَّحُوا العَرُوضَ فِي المُنْسَرِحِ ... وَ ضَرْبَهَا اطْوِهِ وَ لا تُصَحِّحِ
وَ النَّهْكَ مَعْ وَقْفٍ وَ كَشْفٍ يَجْلُوا ... وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ طَيٌّ خَبْلُ
وَ الخَبْنُ فِي المَنْهُوكَتَيْنِ يَرْسُوا ... كَقَوْلِهِ هَلْ فِي الدِّيَارِ إِنْسُ
(قَدْ صَحَّحُوا العَرُوضَ فِي المُنْسَرِحِ، وَ ضَرْبَهَا اطْوِهِ وَ لا تُصَحِّحِ) كقوله:
إن ابن زيد لازال مستعملا***يفشي في مصرهِ العُرْفا
((1/35)
وَ النَّهْكَ مَعْ وَقْفٍ) كقوله: صبرا بني عبد الدار
(وَ كَشْفٍ يَجْلُوا) كقوله: ويل أم سعدٍ سعدا
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ) كقوله:
منازل عفاهن بذي الأرا***ك كل وابل مسبل هطل
و يحل في غير الضرب الأول
(وَ طَيٌّ) كقوله:
إن سميرا أرى عشيرته***قد حدبوا دونه و قد أنفوا
(خَبْلُ) كقوله:
و بلدٍ متشابهٍ سَمْتُه***قطعَه رجلٌ علَى جمله
و حلول الثلاثة في غير عروضه و ضربه الأولين على سبيل المكانفة و في عروضه الأول على سبيل المعاقبة.
(وَ الخَبْنُ فِي المَنْهُوكَتَيْنِ يَرْسُوا، كَقَوْلِهِ) في المكشوفة منهما (هَلْ فِي الدِّيَارِ إِنْسُ) و كقوله في الموقوفة منهما لما التقوا بسولاق
الخَفِيفُ
سمي بذلك لأنه أخف السباعيات.
قَدْ َصَحَّحُوا العَرُوضَ فِي الخَفِيفِ مَعْ ... تَصْحِيحِ ضَرْبِهَا وَ مَحْذُوفاً يَقَعْ
وَ حُذِفَا وَ جُزِءَا فَقَطْ وَ قَدْ ... يُقْصَرْ مَخْبُوناً إِذَا الجُزْءُ وَرَدْ
وَ إِنْ تُرِدْ زِحَافَهُ فَالخَبْنُ ... وَ الكَفُّ وَ الشَّكْلُ وَ فِيهِ وَهْنُ
وَ مَا حَذَفْتَ الخَبْنُ قَدْ جَاءَ مَعَهْ ... وَ شَعِّثَنَّ الضَّرْبَ وَ المُصَرَّعَهْ
(قَدْ َصَحَّحُوا العَرُوضَ فِي الخَفِيفِ مَعْ، تَصْحِيحِ ضَرْبِهَا) كقوله:
حلَّ أهلي ما بينَ دَرنَى فبادوْ***لَى و حلَّت علويٌ بالسِّخَالِ
(وَ مَحْذُوفاً يَقَعْ) كقوله:
ليت شعري هلْ ثم هلْ آتينْهم***أو يحولنْ من دون ذاك الرَّدَى
(وَ حُذِفَا) كقوله:
إن قدرنا يوما على عامر***ننتصفْ منه أو ندعه لكمْ
(وَ جُزِءَا فَقَطْ) كقوله:
ليت شعري ما ترى أم عمرو في أمرِنا
فهما صحيحان
(وَ قَدْ، يُقْصَرْ مَخْبُوناً إِذَا الجُزْءُ وَرَدْ) كقوله:
كل خطب ما لم تكونوا غضبتم فيسير
(وَ إِنْ تُرِدْ زِحَافَهُ فَالخَبْنُ) كقوله:
و قواد كعهده بسليمى***بهوى لم يزل و لم يتغير
و هو بيت الصدر
(وَ الكَفُّ) كقوله:
يا عمير ما تظهر من هواك***أو تكن يستكثر حين يبدو
و هو بيت العجز
((1/36)
وَ الشَّكْلُ) كقوله:
صرمتك أسماء بعد وصالها***فأصبحت مكتئبا حزينا
و هو بيت الطرفين
(وَ فِيهِ وَهْنُ) أي: ضعف لأنه من الزحاف المزدوج.
(وَ مَا حَذَفْتَ) من العروض و الضرب (الخَبْنُ قَدْ جَاءَ مَعَهْ) مثاله في ضرب الأولى قوله:
و المنايا ما بين غاد و سار***كل حيٍّ في حبلها علِق
و مثاله في الثانية و ضربها:
بينما هي في الأراك معا***إذا أتى راكب على جمله
(وَ شَعِّثَنَّ الضَّرْبَ) كقوله:
إن قومي جحاجحة كرام***متقادم مجدهم أخيار
و في الشكل و الطرفان أيضا
(وَ) العروض (المُصَرَّعَهْ) كقوله:
آذنتنا ببينها أسماء***ربّ ثاو يُملّ منه الثَّواء
المُضَارِعُ
سمي بذلك لمضارعته للمقتضب لمشابهته له في كون أحدِ أجزائه مفروقُ الوتد.
الجَزْءَ للعَرُوضِ وَ الضَّرْبِ أَجِبْ ... فِي ذَا المُضَارِعِ وَ صَحِّحَنْ تُصِبْ
وَ زَحْفُهُ قَبْضٌ وَ كَفٌّ وَ انْجَلَبْ ... أَوَّلَهُ خَرْمٌ وَ شَتْرٌ وَ خَرَبْ
(الجَزْءَ للعَرُوضِ وَ الضَّرْبِ أَجِبْ، فِي ذَا المُضَارِعِ وَ صَحِّحَنْ تُصِبْ) كقوله:
دعاني إلى سعادَ***دواعي هوى سعادِ
و فيه الكف
(وَ زَحْفُهُ قَبْضٌ) كقوله:
لقد رأيت الرجال***فما أرى مثل زيد
و فيه كف العروض، و هذا البيت يشبه المجتث كقوله:
و مذ علقت بسلمى***علمت أنْ ستموتُ
و الفرق بينهما لزوم المراقبة في المضارع
(وَ كَفٌّ) كما تقدم في البيتين و كقوله:
و إن تدن منه شبرا***يقربك منه باعا
و القبض و الكف إنما يحلان فيه على سبيل المراقبة بين ياء مفاعيلن و نونه.
(وَ انْجَلَبْ، أَوَّلَهُ خَرْمٌ) و لم أجد له شاهدا مختصا به و لكن شاهد الشتر و الخرب شاهدان له لوجوده مع الشتر و الخرب ضمنا.
(وَ شَتْرٌ) كقوله:
سوف أهدي لسلمى***ثناء على ثناء
(وَ خَرَبْ) كقوله:
قلنا لهم و قالوا***و كل له مقال
و حَذْفُ بعض شراح الخزرجية الواو من: [و إن تدن إلخ]، و جعله شاهدا عليه وَهْمٌ.
المُقْتَضَبُ وَ المُجْتَثُّ(1/37)
سمي المقتضب بذلك لأنه مقتضب، أي: منقطع من المنسرح لأنه مجزو في الاستعمال فإذا حذف الأول من كل شطري المنسرح يبقى مفعولات مستفعلن و هو مجزو المقتضب.
و سمي المجتث بذلك لاجتثاثه أي: اقتلاعه من الخفيف بالتقديم و التأخير.
الجَزْءُ للعَرُوضِ وَ الضَّرْبِ وَجَبْ ... مَعْ طَيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي المُقْتَضَبْ
وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ طَيٌّ وَ انْتَحِ ... ذَا الجَزْءَ فِي المُجْتَثِّ لَكِنْ صَحِّحِ
وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ كَفٌّ شَكْلُ ... و شَعِّثِ الضَّرْبَ كَذَاكَ المِثْلُ
(الجَزْءُ للعَرُوضِ وَ الضَّرْبِ وَجَبْ، مَعْ طَيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي المُقْتَضَبْ) كقوله:
أقبلت فلاح لها***عارضان كالبرد
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ طَيٌّ) فهما معا كقوله:
أتانا مبشرنا***بالبيان و النذر
و الطي وحده كقوله:
هل على ويحكما***أن أموت من حرج
و إنما يخلان فيه على سبيل المراقبة بين فاء مفعولات و واوه.
(وَ انْتَحِ، ذَا الجَزْءَ فِي المُجْتَثِّ لَكِنْ صَحِّحِ)كل منهما كقوله:
البطن منها خميص***و الوجه مثل الهلال
و الثغر منها شنيب***و الريق مثل الوصال
و الطرْف منها كحيل***و اللحظ مثل النصال
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ) كقوله:
و مذْ علقت بسلمى***علمت أن ستموتا
و هو بيت الصدر
(وَ كَفٌّ) كقوله:
ما كان عطاؤهن***إلا عدة ضمارا
و هو بيت العجز، و إنما يحاك فيه على سبيل المعاقبة بين نون مستفعلن و ألف فاعلاتن أو نون هذا وسين ذاك.
(شَكْلُ) كقوله:
أولئك خير قوم***إذا ذكر الخيار
و هو بيت الطرفين
(و شَعِّثِ الضَّرْبَ) كقوله:
لم لا يعي ما أقول***ذا السيدُ المأمول
و قيل لم يقع التشعيث إلا في شعر المولدين كقوله:
أنت امرؤ متجن***و لست ياليقظان
أنت امرؤ لك شانٌ***فيما أرى غير شاني
صرح بما عنه تَكنِي***أكف عنه لساني
هبني أسأت فهلا***مننت بالغفراني
((1/38)
كَذَاكَ المِثْلُ) أي العروض المماثلة له في التصريع لأنها في حكم الضرب و قد ورد فيه و في الخفيف غير مصرعة و هو من الاشارة إلى التصريع كقوله:
و للهوى سلطان***قرنيه مقهور
و قوله: ...
دمية عند راهب قسيس***صوروها في جانب المحراب
المُتَقَارِبُ
سمي بذلك لتقارب أسبابه و أوتاده إذ بين كل سببين وتد و بين كل وتدين سبب.
تَصْحِيحُ أُولَى المُتَقَارِبِ جَرَى ... كَضَرْبِهَا وَ احْذِفْهُ وَ اقْصُرْ وَ ابْتُرَا
وَ جَزْؤُهَا مَحْذُوفَةً أَيْضاً جَرَى ... وَ الضَرْبُ جَاءَ مِثْلَهَا وَ أَبْتَرَا
وَ زَحْفُهُ قَبْضٌ فَقَطْ وَ الثَّلْمُ ... يَحِلُّ فِيهِ وَ كَذَاكَ الثَّرْمُ
(تَصْحِيحُ أُولَى المُتَقَارِبِ جَرَى، كَضَرْبِهَا) كقوله:
فإما تميم تميم بن مر***فألفاهم القوم رَوبَي نِياما
(وَ احْذِفْهُ) كقوله:
واروي من الشعر شعرا عويصا***يُنَسِّي الرواة الذي قد رووا
(وَ اقْصُرْ) كقوله:
وياوي إلى نسوة يابسات***و شعثا مراضيع مثل السَّعال
(وَ ابْتُرَا) كقوله:
خليلي عوجا على رسم دار***خلت من سليمى و من مَيِّهِ
(وَ جَزْؤُهَا مَحْذُوفَةً أَيْضاً جَرَى، وَ الضَرْبُ جَاءَ مِثْلَهَا) كقوله:
أمن دمنة أقفرت***لليلى بذات الغضا
(وَ أَبْتَرَا) كقوله:
تعفف و لا تبتئس***فما يقْضَ يأتيكا
(وَ زَحْفُهُ قَبْضٌ) كقوله:
أفاد فجاد و ساد فقاد***و زاد فزاد و عاد فأفضل
(فَقَطْ وَ الثَّلْمُ، يَحِلُّ فِيهِ) كقوله:
لولا خداش أخذت جمالا***ت سعد و لم أعطه ما عليها
و في جزءه الثالث القبض و يروى: (دواب سعد) و فيه شذوذ أن القصر في العروض و لم يحكه الخليل و لا غيره و الجمع بين الساكنين ولم يسمع ذلك إلا في المتقارب بعد هذا البيت و في قوله:
فرمنا قصاصا و كان للتقا***صُ فرضا و حقا على المسلمينا
و أجازه المبرد في العروض لأنها فاصلة تشبه الضرب.
(وَ كَذَاكَ الثَّرْمُ) كقوله:
قلت سداد المن جاء ني***فأحسنت قولا و أحسنت رايا
و فيه الحذف(1/39)
خَاتِمَةُ عِلْمِ العَرُوضِ
تَدَارَكَ الأَخْفَشُ بَحْراً فَوُسِمْ ... بِالمُتَدَارَكِ وَ بِالخَبَبِ سِمْ
يَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ المُتَّفِقِ ... وَ فَاعِلَنْ ثَمِّنْ لَّهُ تُحَقِّقِ
وَ الضَرْبَ وَ العَرُوضَ سَلِّمْ وَ اخْبِنَا ... وَ اقْطَعْ وَ زِدْ جَزْءًا وَ سَلِّمْهَا هُنَا
وَ ضَرْبَهَا سَلِّمْ وَ رَفِّلْ وَ أَذِلْ ... وَ اخْبِنْهُمَا أَوْ ضَرْبَهَا قَطْعاً أَنِلْ
وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ وَ تَشْعِيثٌ يَحِلّْ ... حَشْوًا وَ فِي المَحْذُوفِ خُلفٌ قَدْ نُقِلْ
(تَدَارَكَ الأَخْفَشُ) على الخليل (بَحْراً فَوُسِمْ) بسبب ذلك (بِالمُتَدَارَكِ) بزنة اسم المفعول و يصح بزنة اسم الفاعل كأنه تدارك هو بالمتقارب أي تلاحق (وَ بِالخَبَبِ سِمْ) لسرعة النطق بأجزائه لكونها خماسية كسرعة مشي الخبب.
(يَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ المُتَّفِقِ) من سبب فعولن الأول (وَ فَاعِلَنْ ثَمِّنْ لَّهُ تُحَقِّقِ).
(وَ الضَرْبَ وَ العَرُوضَ سَلِّمْ) من الجنس كقوله:
لم يدع من مضى للذي قد غبَرْ***فضلَ علم سوى أخذه بالأثرْ
(وَ اخْبِنَا) كقوله:
أوقَفْت على طللٍ طرِبًا***فشجاكَ و أحزنَك الطلل
(وَ اقْطَعْ) كقوله:
مالي مالٌ لإِلاَّ درهم***أو بِرْذونِي ذاك الأدهم
و كما ينسب لعلي –كرم الله وجهه-:
إن الدنيا قد غرتنا***و استغوتنا و استهوتنا
لسنا ندري ما قدمنا***إلا لو أنا قدْ متنا
(وَ زِدْ جَزْءًا) له و للعروض (وَ سَلِّمْهَا هُنَا).
(وَ ضَرْبَهَا سَلِّمْ) كقوله:
قف على روضة أينعت***ناشفا مسكها في السحر
(وَ رَفِّلْ)هماكقوله:
دار سلمى ببحر عمان***قد كساها البِلى الَملوَان
(وَ أَذِلْ) مما كقوله:
دمنة أقفرت أم زبورْ***قد محته صروف الدهورْ
(وَ اخْبِنْهُمَا) كقوله:
أنسيت زيارتها***و مدامعها تكِفٌ
(أَوْ ضَرْبَهَا قَطْعاً أَنِلْ) كقوله:
فلك الحمد يا صمد***أبدا و لك الشكر
(وَ زَحْفُهُ خَبْنٌ) كقوله:
أوقَفْت على طللٍ طرِبًا***فشجاكَ و أحزنَك الطلل
و قوله:(1/40)
كرة طرحت لصوالجة***فتلقفها رجل رجل
(وَ تَشْعِيثٌ يَحِلّْ، حَشْوًا) كقوله:
مالي مالٌ لإِلاَّ درهم***أو بِرْذونِي ذاك الأدهم
و قوله:
إن الدنيا قد غرتنا***و استغوتنا و استهوتنا
لسنا ندري ما قدمنا***إلا لو أنا قدْ متنا
(وَ فِي المَحْذُوفِ خُلفٌ قَدْ نُقِلْ) كالخلف المنقول في تشعيث فاعلاتن و على كل فوزنه فَعْل.
عِلْمُ القَافِيَةِ
قَافِيَةُ البَيْتِ أَخِيرَةُ الكَلِمْ ... بَلْ هِيَ مِنْ مُحَرِّكٍ بِهِ يُلِمْ
قُبَيْلَ سَاكِنٍ لِثَانٍ مُكْمِلِ ... نَحْوُ عَلٍ وَ مِنْ عَلٍ وَ مِرْجَلِ
(قَافِيَةُ البَيْتِ أَخِيرَةُ الكَلِمْ) سميت بذلك لأنها تقفو صدر البيت فهي فاعلة على بابها أو لأن الشاعر يقفوها أي ينظم عليها فهي فاعلة بمعنى مفعولة كـ(ماء دافق) أي مدفوق و هي عند الأخفش (بَلْ هِيَ مِنْ مُحَرَّكٍ) على الراجح و هو مذهب الخليل و الجرمي و من تبعهما تبتدئ (بِهِ) أي في البيت (يُلِمْ) أي يحُل.
(قُبَيْلَ سَاكِنٍ لِـ) ـساكن (ثَانٍ) الغاية داخلة (مُكْمِلِ) للبيت (نَحْوُ عَلٍ) على القول الأول (وَ مِنْ عَلٍ) على القول الثاني من قوله:
مِكرٍّ مِفرٍّ مقْبِلٍ مُدْبرٍ معًا***كجلمودِ صخرٍ حطَّهُ السيلُ منْ علٍ
(وَ مِرْجَلِ) على كلا القولين من قوله:
على الأين جياش كان اهتزامه***إذا جاش فيه حميه غَلْىُ مرجل
... ... حُرُوفُ القَافِيَةِ وَ حَرِكَاتُهَا ...
رَوِيُّهَا إِلَيْهِ الاِنْتِمَاءُ ... وَ الوَصْلُ لَيْنٌ بَعْدَهُ وَ هَاءُ
وَ بِالخُرُوجِ لَيْنُ ذِي الهَاءِ عُرِفْ ... وَ لَيْنُنَا وَاوٌ وَ يَاءٌ وَ أَلِفْ
وَ الرِّدْفُ لَيْنٌ قَبْلَهُ وَ الهَاوِي ... بِاليَاءِ لَمْ يُصْحَبْ وَ لا بِالوَاوِ
وَ مَا قَطَعْتَ أَوْ قَصَرْتَ أَرْدِفَا ... كَذَا مَفَاعِيلَنْ إِذَا مَا حُذِفَا
(رَوِيُّهَا إِلَيْهِ الاِنْتِمَاءُ) أي انتساب القصيدة فيقال قصيدة لامية أو رائية مثلا إذا كان رويّها لاما أو راءً و يجب تكراره في جميعها.
((1/41)
وَ الوَصْلُ لَيْنُ بَعْدَهُ) أما ألف و لا يكون إلا بعد فتحة كقوله:
أقلي اللوم عاذل و العتابا
أو واو بعد ضمة كقوله:
أمن المنون و ريبه تتوجع
أو ياء بعد كسرة كقوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل
(وَ هَاءُ) ساكنة كقوله:
أجشاك الربح أم قدمه
أو متحركة و ستأتي قريبا
(وَ بِالخُرُوجِ لَيْنُ ذِي الهَاءِ عُرِفْ) أما الألف كقوله:
عفت الدِّيارُ محلُّها فمقامها
أو واو كقوله:
و مهمهٍ مغبرة أرجاؤه
أو ياء كقوله:
تجرد المجنون من كسائه
(وَ لَيْنُنَا وَاوٌ وَ يَاءٌ وَ أَلِفْ) كما تقدّم.
(وَ الرِّدْفُ لَيْنٌ قَبْلَهُ) أي قبل الروي كقوله:
ألاَ عِمْ صباحاً أيُّها الطَّلّلُ البَالي
و قوله:
طحا بكَ قلبٌ في الحسان طروب
و وقوله:
و ما كل موت نصحه بلبيب
(وَ الهَاوِي) و هو الألف (بِاليَاءِ لَمْ يُصْحَبْ وَ لا بِالوَاوِ) في قصيدة واحدة لطول مد الألف و عدم مجانسة الفتحة للكسرة و الضمة كجمال و جميل و حمول و تتعاقب الواو و الياء كقوله:
عصر حان مشيب***و عادت عواد بيننا و خطوب
و قوله:
كنت إذا ما جئته من غيب***يشم رأسي و يشم ثوبي
(وَ مَا قَطَعْتَ) من البسيط و الكامل و الرجز (أَوْ قَصَرْتَ) من المديد و الرمل و الخفيف و المتقارب (أَرْدِفَا) وجوبا ليقوم المد فيه مقام ما نقص من القافية أو مقام حركة تفصل بين الساكنين و أجاز سيبويه ترك الردف مع النقصان لأن الوزن قائم بالحرف الصحيح قيامه بحرف العلة كقوله:
و لقد رحلتُ العيسَ ثم زجرتُها***قدما و قلت عليك خير معد
و عليك سعد بن الضباب فصبحي***سيرًا إلى سعد عليك بسعد
(كَذَا مَفَاعِيلَنْ إِذَا مَا حُذِفَا) و ذلك في الطويل و الهزج.
وَ مَا بَتَرْتَ أَوْ أَذَلْتَ أَوْ وُقِفْ ... وَ فِي اشْتِرَاطِ المَدِّ فِي الرِّدْفِ اخْتُلِفْ
وَ قَبْلَ حَرْفٍ قَبْلَهُ التَّأْسِيسُ حَلْ ... أَيْ أَلِفٌ فِي كِلْمَةِ الرَّوِيِّ غَلّْ(1/42)
أَوْ لا وَ كَانَ مُضْمَراً أَوْ بَعْضَهُ ... رَوِيُّهُ وَ نَقْضُ ذَا لَمْ نَرْضَهُ
وَ بَيْنَ هَذَيْنِ الدَّخِيلُ قَدْ دَخَلْ ... وَ حَدُّهُ حَرْفٌ مُحَرَّكٌ فَصَلْ
(وَ مَا بَتَرْتَ) من المديد و المتقارب (أَوْ أَذَلْتَ) من البسيط و الكامل (أَوْ وُقِفْ) من السريع و المنسرح (وَ فِي اشْتِرَاطِ المَدِّ فِي الرِّدْفِ اخْتُلِفْ) فقيل لا يكون الحرف ردفا إلا إذا كان حرف لين و مد كما تقدم و قيل يكون ردفا إذا كان حرف لين و لو كان غير ممدود كقوله:
لعمرك ما أخزى إذا ما نسبتني***إذا لم تقل بُطْلاً عليَّ و مينا
و قوله:
تمر الأنابيب الخواطر بيننا***و نذكر إقبال الأمير فيحلو لي
و على الأول فلا تعاقب في نحو قوله:
كنت إذا ما جئته من غيب***يشم رأسي و يشم ثوبي
و إنما هو في نحو مشيب و خطوب
(وَ قَبْلَ حَرْفٍ قَبْلَهُ) أي الروي (التَّأْسِيسُ حَلْ، أَيْ أَلِفٌ فِي كِلْمَةِ الرَّوِيِّ غَلّْ) أي دخل كقوله:
كِلينِي لِهَم يا أميمةَ ناصبِ***و ليلٍ أقاسيه بطئِ الكواكبِ
(أَوْ لا) يغل فيهما (وَ) لكن (كَانَ مُضْمَراً) كقوله:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى***من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
(أَوْ بَعْضَهُ) كقوله:
فقد ينبتُ المرعَى على دِمَنِ الثَّرى***و تبقَى حزازاتُ النفوسِ كما هيَا
(رَوِيُّهُ وَ نَقْضُ ذَا) الألف الذي رويه مضمرا أو بعضه (لَمْ نَرْضَهُ) تبعا للخزرجي و الجمال ابن واصل لكونه عندنا تأسيسا لازما خلافا لمن جعله تأسيسا غير لازم و أما الألف الداخلة في كلمة الروي فتأسيس لازم اتفاقا.
(وَ بَيْنَ هَذَيْنِ) الروي و التأسيس (الدَّخِيلُ قَدْ دَخَلْ) و سمي دخيلا لأنه يدخل لفظ القافية كدخيل الرجل الذي يداخله في أموره [تهذيب]، (وَ حَدُّهُ حَرْفٌ مُحَرَّكٌ فَصَلْ) بيننهما كما في ناصب.
فَصْلٌ
حَرَكَةُ الرَّوِيِّ تُدْعَى المَجْرَى ... وَ مَا عَلَى الهَاءِ النَّفَاذَ تُدْرَى(1/43)
وَ مَا تَلاهَا رِدْفُهَا حَذْوٌ وَ مَا ... يَتْبَعُهَا التَّأْسِيسُ رَشٌّ فَاعْلَمَا
وَ مَا عَلَى الدَّخِيلِ إِشْبَاعٌ وَ مَا ... قَبْلَ المُقَيَّدِ بِتَوْجِيهٍ سِمَا
(حَرَكَةُ الرَّوِيِّ تُدْعَى المَجْرَى، وَ مَا عَلَى الهَاءِ النَّفَاذَ تُدْرَى) سميت نفاذا لأنها منفذ الخروج الذي هو ليس الهاء و لا يجو اختلافها في الشعر الواحد [تهذيب].
(وَ مَا تَلاهَا رِدْفُهَا حَذْوٌ) سميت حذوا لن الشاعر يحذوها في القوافي أي يفعل مثلها [تهذيب]، (وَ مَا، يَتْبَعُهَا التَّأْسِيسُ رَشٌّ فَاعْلَمَا).
(وَ مَا عَلَى الدَّخِيلِ إِشْبَاعٌ وَ مَا، قَبْلَ المُقَيَّدِ بِتَوْجِيهٍ سِمَا).
مَا لا يَكُونُ رَوِياًّ
امْنَعْ حُرُوفَ المَدِّ مَا عَدَا أَلِفْ ... أَصْلِياًّ أَوْ مَقْلُوبَ أَصْلِيٍّ أُلِفْ
وَ هَاءَ طَلْحَةَ وَ قِهْ وَ قَصَدَهْ ... وَ قَالَهَا امْنَعْ وَ أَجِزْ هَاءَ تَدَهْ
وَ مَا تَلا السَّاكِنَ مِنْ هَاءٍ مُنِعْ ... أَجِزْهُ وَ امْنَعْ كُلَّ تَنْوِينٍ سُمِعْ
(امْنَعْ حُرُوفَ المَدِّ مَا عَدَا أَلِفْ، أَصْلِياًّ) و هو الذي بنيت عليه الكلمة ابتداءً كألف أربى (أَوْ مَقْلُوبَ أَصْلِيٍّ أُلِفْ) كألف الفتى و العصا.
(وَ هَاءَ) التأنيث و السكت و الضمير المتحرك ما قبلها نحو هاء (طَلْحَةَ وَ قِهْ وَ قَصَدَهْ، وَ قَالَهَا امْنَعْ وَ أَجِزْ) كل هاء أصلية نحو (هَاءَ تَدَهْ).
(وَ مَا تَلا السَّاكِنَ مِنْ هَاءٍ مُنِعْ) نحو ماء و فيها وحصاة و يا فرساه و أجاز بعضهم كون هاء التأنيث المتحركة رويا (أَجِزْهُ وَ امْنَعْ كُلَّ تَنْوِينٍ سُمِعْ) بأنواعه الخمسة.
... ... عُيُوبُ القَافِيَةِ
الوَصلُ للرَّوِيِّ وَ المَجْرَى بِمَا ... يَدْنُوا بِالاِكْفَاءِ فاَلاِقْوَاءِ سِمَا
وَ وَصْلُ ذَيْنُ بِالبَعِيدِ قَدْ عُلِمْ ... وَ بِالإِجَازَةِ فَالاِصْرَافِ وُسِمْ
سنادها اختلافها في ردف أو ... تأسيس أو حذو أو اشباع حكوا(1/44)
وَ هَكَذَا التَّوْجِيهُ لَكِنْ إِنْ قُرِنْ ... كَسْرٌ بِضَمٍ فَالسِّنَادُ قَدْ حَسُنْ
وَ كَامِلٌ مِنَ السِّنَادِ قَدْ سَلِمْ ... بَأْوٌ وَ نَصْبٌ مَا قَبِيحَهُ عَدِمْ
(الوَصلُ للرَّوِيِّ وَ المَجْرَى) روى أو مجرى (بِمَا، يَدْنُوا) منهما مخرجا في الأول و ثقلا في الثاني كالطاء و التاء و الدال و السين و الصاد و الزاي و كالراء و اللام و النون و كالضمة و الكسرة (بِالاِكْفَاءِ) كقوله:
بثمن من ذاك غير و كْسِ***دون غلاءٍ و فويقَ الرّخْصِ
و وقوله:
إذا رحلت فاجعلوني وسَطا***إني كبيرٌ لا أطيقُ العنَدَا
و لا أطيق البكراتِ الشُّرَّدَا
و قوله:
بُنَىِّ إن البَّر شيءٌ هيّنُ***المنطق الليِّنُ و الطعيِّمُ
(فاَلاِقْوَاءِ سِمَا) كقوله:
سقط النصيفُ و لم ترد إسقاطه***فتناولته و اتقتنا باليدِ
بمخضب رخص كان بنانه***عنَمٌ يكادُ من اللطافة يُعقدُ
و قوله:
آذنتنا ببينها أسماءُ***ربَّ ثاوٍ يُمَلُّّّّّّّّّ منهُ الثَّواءُ
ثم قال:
فملكنا بذلك الناس حتى***ملك المنذرُ بن ماء السماءِ
(وَ وَصْلُ ذَيْنُ بِالبَعِيدِ) منهما مخرجا في الأول و ثقلا في الثاني (قَدْ عُلِمْ، وَ بِالإِجَازَةِ) كقوله:
تحسب بالدوِّ الغزالَ الداريا***حمارَ وحش ينعَب المناعبا
والثعلب المطرودَ قرمًا هائجا
(فَالاِصْرَافِ وُسِمْ) كقوله:
لا تنكحن عجوزا إن دعيت لها***و لا يسوقَنَّها في حبلك القدر
و إن أتوك و قالوا إنها نصَفٌ***فإن أفضل نصفيها الذي غبرا
و قوله:
ألم ترني رددت على أبي بكر***منيحته فعجلت الأداءَ
و قلت لشاتِه لما أتتنا***رماك الله من شاة بداءِ
و في التهذيب أن الإقواء و الإكفاء أقل قبحا من الإجازة و الإصراف.
(سِنَادُهَا) أي القافية (اخْتِلافُهَا فِي رِدْفٍ) بتجريد قافية و إرداف أخرى كقوله:
إذا كنت في حاجة مرسلا***فأرسل حكيما و لا توصه
و إن باب أمر عليك التوى***فشاور حكيما و لا تعصه
(أَوْ، تَأْسِيسٍ) بتجريد قافية و تأسيس أخرى كقوله:(1/45)
لوَ أَنَّ صدورَ الأمرِ يبدونَ للفتَى***كأعقابِه لم تلفِه يتندمُ
إذا الأرض لم تجهل على فروجها***و إذ ليَ عن دارِ الهوان مراغَمُ
(أَوْ حَذْوٍ) كجرَيْنا و لاعبِينا (أَوْ اشْبَاعٍ حَكَوْا) كقوله:
يا نخل ذات السود و الجراوِِل***تطاولي ما شئت أن تطاوَلي
و قوله:
و خرجت مائلة التجاسُر***مع قوله قومي علوا قوما بمجدٍ فاخِرِ
(وَ هَكَذَا) الاختلاف في (التَّوْجِيهُ) كقوله:
لا و أبيك ابنة العامري***لا يدعي القوم أني أفرْ
تميم بني مر و أشياعها***و كندةُ حولي جميعا صبر
إذا ركبوا الخيل و استلأموا***تحرقت الأرض و اليوم قر
(لَكِنْ إِنْ قُرِنْ، كَسْرٌ بِضَمٍ فَالسِّنَادُ) في التوجيه و الاشباع (قَدْ حَسُنْ) كما في أفرْ وصُبُرْ والتَّجاسُرِ وفاخِرِ وإنما حسُنَ لأن الكسرة والضَّمَّة متعاقبتان كالياء والواو في الردف وأقبح وجوه السناد سناد الحذو ثم سناد التأسيس ثم سناد الردف ثم سناد الإشباع ثم سناد التوجيه وهو أقلها قُبحًا خلافا للخليل القائلِ إنه أقبح من سنادِ الاشباعِ وفي البيت لطافة لاشتماله على التمثيل لمضمونه.
(وَ) بيت (كَامِلٌ) الأجزاء (مِنَ السِّنَادِ) بأنواعه الخمسة يقال له (قَدْ سَلِمْ، بَأْوٌ وَ نَصْبٌ) بيت (مَا قَبِيحَهُ عَدِمْ) كوقوع الفتح مع الضم أو الكسر لا حسنه كوقوع الضم مع الكسر.
وَ لاخْتِلافِ الاَضْرُبِ التَّحْرِيدُ ... وَسْمٌ وَ ذَا يَمْنَعُهُ التَّوْلِيدُ
وَ هَكَذَا الاَرْبَعَةَ الأُولَى مَنَعْ ... وَ مَا سِوَاهَا مِنْ ذَوِيهِ قَدْ يَقَعْ
وَ عَوْدُهَا لَفْظاً وَ مَعْنىً جَاءَ ... وَ هْوَ الّذِي يَدْعُونَهُ إِيطَاءَ
وَ كُلَّمَا بَعُدَ فَالقُبْحُ يَقِلّْ ... وَ بَعْضُهُمْ مَا بَعْدَ سَبْعَةٍ قَبِلْ
وَ عِنْدَنَا التَّضْمِينُ أَنْ تُعَلَّقَا ... قَافِيَةٌ بِمَا قَفَاهَا مُطْلَقَا
(وَ لاخْتِلافِ الاَضْرُبِ) في البحر الواحد كقوله:
النشرُ مسك و الوجوهُ دنا***نيرٌ و أطرافُ الأكُفِّ عنَمْ
ثم قال:(1/46)
ليسَ على طول الحياة قدم***و من وراء المرء ما يعلم
(التَّحْرِيدُ، وَسْمٌ) أي علامة لذلك الاختلاف لأنه اسمه و الاسم علامة للمسمى سواء قلنا أنه مشتق من الوسم كما للكوفيين أو من السمو كما للبصريين (وَ ذَا) التجريد (يَمْنَعُهُ التَّوْلِيدُ) و هو الاحداث بعد العرب و يقال للشاعر الذي ليس بعربي مولد.
(وَ هَكَذَا الاَرْبَعَةَ الأُولَى) و هي الإكفاء و الإقواء و الإجازة و الإصراف (مَنَعْ) التوليد (وَ مَا سِوَاهَا) من العيوب الماضية و الآتية (مِنْ ذَوِيهِ) أي أصحاب التوليد (قَدْ يَقَعْ).
(وَ عَوْدُهَا) أي القافية (لَفْظاً وَ مَعْنىً جَاءَ) وفاقا للجمهور و به العمل فإن اختلف المعنى فقط كثغر للفم و موضع الرباط و جلل للأمر الصغير و الكبير فليس بإيطاء خلافا للخليل كقوله:
هذا جناي و خياره فيه***و كل جان يده إلى فيه
و اختلاف المعنى و لو من وجه كاف كغلام و الغلام.
(جَاءَ، وَ هْوَ الّذِي يَدْعُونَهُ إِيطَاءَ) و أما تكرار قافية التصريع فليس بعيب كقوله:
خليلي مرافي على أم جندب***نقض لبانات الفؤاد المعذب
فإنكما إن تنظراني ساعة***من الدهر تنفعني لدى أم جندب
إذ لا يصدق عليه حد الإيطاء [تهذيب].
(وَ كُلَّمَا بَعُدَ) العود (فَالقُبْحُ يَقِلّْ) و كذلك إذا خرج الشاعر من مدح إلى ذم أو من نسيب إلى أحدها و كلما قرب ازداد قبحا كقوله:
على الأين جياش كان سراته***على الضمر و التعداءِ سرحة مرقب
ثم قال بعد بيت له:
له أيطلا ظبيٍ و ساقا نعامة***و صهوةُ عيرٍ قائم فوق مِرقب
و يزداد قبحه أيضا بتكرير أكثر من القافية كقوله:
سبقوا هُوِىَ و اعنَقوا لهواهم***فتخرموا و لكل جنب مصرع
ثم قال في صفة الثور و الكلاب:
فصرعته تحت العجاج و جنبه***متترب و لكل جنب مصرع
(وَ بَعْضُهُمْ مَا بَعْدَ سَبْعَةٍ) أبيات زكرياء و به العمل (قَبِلْ).
((1/47)
وَ عِنْدَنَا التَّضْمِينُ أَنْ تُعَلَّقَا، قَافِيَةٌ) بيت (بِمَا قَفَاهَا) أي تبعها (مُطْلَقَا) سواء تم الكلام بدونه أولا، و أما تعليق ما قبلهما من البيت بما بعده فليس بتضمين لأنه ليس من أحكام القافية و هو جائز مطلقا قلما يخلو منه شعر.
وَ مَا يَتِمُّ دُونَهُ الكَلامُ ... سَهْلٌ وَ مَا سِوَاهُ فِيهِ ذَامُ
وَ حَذْفُ وَصْلِهَا وَ زَيْدُ الغَالِي ... وَ اللَّيْنِ بِالوَزْنِ ذَوَا إِخْلالِ
وَ عِيبَ إِقْعَادٌ وَ لَيْسَ دَاخِلْ ... إِذْ هُوَ تَنْوِيعُ عَرُوضِ الكَامِلْ
كَذَا الإِشَارَةُ إِلَى التَّصْرِيعِ ... وَ خَفَّ مَا يُعْرَفُ بِالتَّجْمِيعِ
(وَ مَا يَتِمُّ دُونَهُ الكَلامُ) كالتوابع و سائر المفضلات (سَهْلٌ وَ مَا سِوَاهُ) كالخبر و الفاعل و الصلة و المضاف إليه و جواب الشرط و القسم كقوله:
و هم وردوا الجفار على تميم***و هم أصحاب يوم عكاظ إنِّي
شهدت لهم مواطن صالحات***أتينَهمُ بود الصدرِ منِّي
(فِيهِ ذَامُ) أي عيب و منه قولهم:
لا تعدم الحسناء ذاما قال
أىَ قالت قتيلَةُ إذ رأتني***وقدلاَ تعدم الحسناء ذاما
(وَ حَذْفُ وَصْلِهَا) و هو في الانتهاء كالخرم في الابتداء في أن كل واحد منهما نقصان من أحد طرفي البيت كقوله:
لا يبعد الله أقواما تركتهم***لم أدر بعد غداة البين ما صنع
و قوله:
و لأنت تفري ما خلقت و بعـ***ـضُ القوم يخلق ثم لا يفز
(وَ زَيْدُ) النون (الغَالِي) و هو الزائد بعد الروي المقيد و سمي غاليا لمجاوزته الحد لأنه يخل بالوزن و تسمى الحركة قبله غلوا و هو في الانتهاء كالخزم في الابتداء في أن كل واحد منهما زيادة في أحد طرفي البيت و يدخل المجرد المتمكن كقوله:
و منهل وردته طام خلقن
و ذا الألف و اللامِ كقوله:
و قاتم الأعماق خاوي المخترقن
و الحرف كقوله:
قالت بنات العم يا سلمى و أنن
و الفعل كقوله:
يكل وفد الريح من حيث انخرقن
و قوله:
ويعدو على المرئ ما يأتمرن
[(1/48)
قال] ابن الحاج: ينبغي عندي قياسا أن يتحرك الروي قبله بالحركة التي تجب له إن كان متحركا في الكلام فيكسر في نحو و المخترقن و يفتح في نحو انخرقن و يضم في نحو يأتمرن فإن كان ساكنا في الكلام كسر كقولك في قوله:
دع ذا و عجل ذا و الحقنا بذا الن
كما تكسر قد و نحوها في زيادة التذكر إلا أن يكون الساكن مما يحرك في الكلام بغير الكسر لالتقاء الساكنين فيحرك بما كان يحرك به كمذ و هذا قياس ما حرك للتخلص و ما كان مطلقا من أصله.
[قال] ابن هشام: المشهور تحريك ما قبل الغالي بالكسرة كما في صه و يومئذ و اختار ابن الحاجب الفتح حملا على حركة ما قبل نون التوكيد كاضربن.
(وَ) زيد (اللَّيْنِ) أي لين التعدي و هو الزائد بعد هاء الوصل الساكنة كقوله:
عجبت و الدهر كثير عجبه***من عنزى سبني لم أضربه
فيقال عجب هو و هو كالخزم (ذَوَا إِخْلالِ).
(وَ عِيبَ إِقْعَادٌ وَ لَيْسَ دَاخِلْ) في عيوب القافية (إِذْ هُوَ تَنْوِيعُ عَرُوضِ الكَامِلْ) أي الإتيان بها على أنواع مختلفة كقوله:
الله أنجح ما طلبت به***و البر خير حقيبة الرحل
و قبله بأبيات:
يا رب غانية صرمت حبالها***و مشيت متّئدا على رسلي
فجمع العروض السالمة مع الحذاء و أقبح منه قوله:
أفبعد مقتل ملك بن زهير***ترجو النساء عواقب الأطهار
من كان مسرورا بمقتل ملك***فليات نسوتنا بوجه نهارِ
و قوله:
حنت نوار و لات هنَّا حنتِ***و بدا الذي كانت نوار أجنَّتِ
مع قوله:
لما رأت ماء السلى مشروبا***و الفرث يُعصَر في الإناء أرنَّتِ
فاستعمل العروض المقطوعة مع الساكنة مع أنه لم يحك للكامل عروض مقطوعة.
(كَذَا الإِشَارَةُ إِلَى التَّصْرِيعِ) و هو موافقة العروض للضرب المخالف لها من غير تصريع كقوله:
و للهوى سلطان***قرنيه مقهور
و قوله:
دمية عند راهب قسيس***صوروها في جانب المحراب
و قوله:
أفبعد مقتل ملك بن زهير***ترجو النساء عواقب الأطهار
من كان مسرورا بمقتل ملك***فليات نسوتنا بوجه نهارِ(1/49)
و قوله:
حنت نوار و لات هنَّا حنتِ***و بدا الذي كانت نوار أجنَّتِ
(وَ خَفَّ مَا يُعْرَفُ بِالتَّجْمِيعِ) و هو أسهل العيوب، [قال] ابن رشيق: هو تمهيد المصراع الأول للتصريع بقافية ما، فيبقى البيت بخلافها كقوله:
سل الربع أني يممت أم سالم***و هل عادة للربع أن يتكلما
[قال] ابن الحاج: هذا مقتض للحكم بالعيب على كل قافية بيت غير مصرع في أول شعر.
[قال] أبو الفتح: ما اتفق فيه العروض و الضرب و لم يجيء في العروض ما من شأنه أن يجوز له التصريع غير واجب التصريع بل يجوز أن يكون مصرعا و أن يكون غير مصرع.
[قال] ابن الحاج:و مع هذا كله فإنه قد هوّن أمره و هو أسهل العيوب.
و هو بالجيم من جمعت الشيء بالتشديد بمعنى جمعته فكأن الشاعر جمع بين قافيتين أحديهما ما أذن به المصراع الأول و الأخرى ما عقد الشاعر عليها. و بالخاء من خمعت الشيء بمعنى أعرجته لأنه لما أوهم استعمال البيت على قافيتين ثم استعمله على واحد صار كأنه أعرجه.
أَقْسَامُ القَافِيَةِ
باعتبار صورها و حدودها.
مِنْهَا مُقَيَّدٌ وَ مِنْهَا مُطْلَقُ ... مَا اللَّيْنُ كَالهَاءِ بِهِ يُعَلَّقُ
وَ غَيْرُهُ مَقَيَّدٌ وَ أَرْدِفِ ... وَ أَسِّسَنْ وَ جَرِّدَنْ كُلاًّ تَفِ
فَتِلْكَ تِسْعٌ وَ يَصِيرُ المُطْلَقُ ... تِسْعاً بِمَا بِهِ الخُرُوجُ يَلْحَقُ
وَ السَّاكِنَيْنِ صِلْ أَوِ افْصِلْ بِأَقَلْ ... مِنْ خَمْسَةٍ تَحَرَّكَتْ خَمْساً تَنَلْ
(مِنْهَا مُقَيَّدٌ وَ مِنْهَا مُطْلَقُ، مَا اللَّيْنُ كَالهَاءِ بِهِ يُعَلَّقُ)
(وَ غَيْرُهُ مَقَيَّدٌ) نحو البالي و مقامها و الزوال (وَ أَرْدِفِ، وَ أَسِّسَنْ) كناصب و قوله:
في ليلة لا يرى بها أحد***يحكي علينا إلا كواكبها
(وَ جَرِّدَنْ) كمنزل و حومل و قوله:
إلا فتى نال العلى بهمته
وافر(كُلاًّ تَفِ) من المطلق بقسميه الموصول باللين و الموصول بالهاء و المقيد.
((1/50)
فَتِلْكَ تِسْعٌ) صور ست في المطلق و ثلاث في المقيد (وَ يَصِيرُ المُطْلَقُ، تِسْعاً) صور (بِـ) اعتبار (مَا) مطلق (بِهِ الخُرُوجُ يَلْحَقُ) و هو حرف اللين التابع لهاء الوصل كما تقدم و إنما صار تسعة بالنظر إليه لأن المطلق حينئذ يصير ثلاثة أقسام: قسم موصول باللين و قسم موصول بالهاء الساكنة و قسم موصول بالمتحركة وكل منها إما مردف أو مؤسس أو مجرد.
(وَ السَّاكِنَيْنِ) المتقدمين في تعريف القافية (صِلْ أَوِ افْصِلْ بِأَقَلْ، مِنْ خَمْسَةٍ) أحرف (تَحَرَّكَتْ خَمْساً) من الحروف للقافية ليس لها غيرها (تَنَلْ).
رَادِفْ وَ وَاتِرْ دَارِكَنْ وَ رَاكِبَا ... وَ كَاوِسَنْ وَ ذَا الأَخِيرَ جَانِبَا
أَتْمَمْتُ مَا رُمْتُ بِحَمْدِ اللهِ ... مُصَلِّياً عَلَى النَبِيِّ النَّاهِي
خَاتِمِ الاَنْبِيَاءِ أَفْضَلِ الوَرَى ... مَنْ قَدْ سَمَا إِلَى السَّمَا مِنَ البَرَى
وَ آلِهِ وَ صَحْبِهِ مَا وَقَفَا ... عِنْدَ حُدُودِ اللهِ بَرٌّ وَ وَفَى
(رَادِفْ) القافية إشارة إلى المترادف و هو كل قافية آخرها ساكنان كالزوال (وَ وَاتِرْ)ها إشارة إلى المتواتر و هو كل قافية فصل بين ساكنيها حرف واحد كالبالي (دَارِكَنْـ)ـها إشارة إلى المتدارك و هو كل قافية فصل بين ساكنيها حرفان كحومل (وَ رَاكِبَا)ها إشارة إلى المتراكب و هو كل قافية فصل بين ساكنيها ثلاثة أحرف نحو و لا ملك (وَ كَاوِسَنْـ)ـها إشارة إلى المتكاوس و هو كل قافية فصل بين ساكنيها أربعة أحرف كقوله:
قد جبر الدين الإله فجبر
و هو الفاصلة الكبرى عند من يراها و هو ثقيل و الفراء لا يعده لأنه عنده من المتدارك لأن فعلتن هو مستفعلن مخبون.
(أَتْمَمْتُ مَا رُمْتُ بِحَمْدِ اللهِ، مُصَلِّياً عَلَى النَبِيِّ النَّاهِي) عن المنكر الآمر بالمعروف.
((1/51)
خَاتِمِ الاَنْبِيَاءِ أَفْضَلِ الوَرَى، مَنْ قَدْ سَمَا إِلَى السَّمَا مِنَ البَرَى)، (وَ آلِهِ وَ صَحْبِهِ مَا وَقَفَا، عِنْدَ حُدُودِ اللهِ بَرٌّ وَ وَفَى).
تم -أي نسخ المخطوطة- على يد كاتبه عبدالله بن داداه لعبدالله بن محمد بن سيد المختار في الخامس من الرابع من الثالث من الثاني من الأول من السادس من السابع من الرابع عشر.
و آخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين، و صلي اللهم و بارك على سيد الخلق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - و على آله و صحبه و سلم.(1/52)