|
تم استيراده من نسخة : عبد الحميد بن عبد الستار
نظرات لغوية
في بعض الترجمات الأردية لمعاني القرآن الكريم
إعداد
د. محمد أجمل أيوب الإصلاحي
الباحث في مركز البحوث والدراسات الإسلامية بالرياض
مقدّم لندوة
"ترجمة معاني القرآن الكريم : تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل"
التي يعقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
في المدة الواقعة من 21 حتى 24 /11 /1422هـ
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد، فهذا بحث بعنوان " نظرات لغوية في بعض الترجمات الأردية لمعاني القرآن الكريم " أعددته إجابة لطلب كريم من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، للمشاركة في الندوة التي يعقدها عن ترجمة معاني القرآن الكريم بعنوان: (ترجمة معاني القرآن الكريم : تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل).
وقد طلب إليّ أن أكتب في موضوع (أخطاء في ترجمات معاني القرآن الكريم مردها خطأ في فهم اللغة)، وهو الموضوع الأول من المحور الثالث من محاور الندوة "المحور اللغوي".
وقد اخترت لإجراء هذا البحث بعض الترجمات المشهورة المتداولة من الترجمات الأردية، ونظرت فيها نظرات فاحصة من الناحية اللغوية، من غير مراجعة مستوعبة لتلك الترجمات، فإن ذلك يحتاج إلى زمن طويل وتفرغ تام .
وقد رتب البحث على مدخل وفصلين . المدخل في طرف من تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية، مع الإشارة إلى أشهر المترجمين الذين لا يزال المسلمون يرجعون إلى ترجماتهم، وذكر الترجمات التي تعرض لها هذا البحث ومنهج الباحث فيه.
أما الفصلان فأفرد أحدهما للألفاظ القرآنية التي وقع الخطأ والسهو في تفسيرها، وهي سبعة ألفاظ، وفي الفصل الثاني ناقش الباحث عدداً من التراكيب النحوية والأساليب والتعبيرات التي لم يصب بعض المترجمين في ترجمة معناها .
(1/1)
وأرجو أن تكون هذه النظرات المعدودة كاشفة عن بعض جوانب الموضوع، نافعة للعاملين في مجال ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأخرى، خادمة لمن يريد أن يستفيد من الترجمات الأردية المتداولة التي تناولها هذا البحث، وبخاصة ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله .
{ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } (هود: 88).
مدخل
تحظى اللغة الأردية بثروة عظيمة من ترجمات معاني القرآن الكريم، وهي - على قصر عمرها - أغنى لغات العالم في هذا الجانب .
يرجح الباحثون أن أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية في شمالي الهند هو القاضي محمد معظم السنبهلي، وقد أكملها سنة 1131هـ وسماها " تفسير هندي " . وقد وقف الدكتور حامد رضوي على نسختها المكتوبة سنة 1133هـ في إحدى المكتبات الخاصة في مدينة ( بهوبال ) ووصفها في كتابه عن إسهام ( بهوبال ) في تطور الأدب الأردي(1).
ثم فسر الشاه مراد الله الأنصاري السنبهلي الجزء الثلاثين من القرآن، وأكمله سنة 1185هـ ويعرف بـ ( تفسير مراديه )، وطبع عدة مرات(2). ولعل جهوداً أخرى أيضاً قد بذلت في هذا المجال، ولكن خفيت أخبارها على الباحثين .
أما الترجمة الأولى الكاملة التي ظهرت، وتلقاها الناس بالقبول، ولم ينقطع الإقبال عليها حتى الآن، فهي ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله
( ت 1243هـ ) .
__________
(1) انظر مجلة " تحقيق " الباكستانية العدد المزدوج 12-13، ص 375 .
(2) صدرت طبعته الأولى في كلكتا سنة 1251هـ بعناية مولوي منصور أحمد بردواني الذي اعتمد في تصحيحه على أكثر من عشر نسخ من مخطوطات الكتاب . انظر المرجع السابق ص 102 .
(1/2)
والشاه عبد القادر –رحمه الله- أحد أبناء العلامة الشاه ولي الله الدهلوي ( ت 1176هـ ) الذي نفع الله المسلمين في الهند به وبأسرته المباركة نفعاً عظيماً، فوفقهم لنشر علوم القرآن، وعلوم الحديث، وإحياء روح الجهاد . ولولا تعلق الشاه ولي الله -رحمه الله- بسلسلة التصوف وفلسفته ورسومه لكانت نتائج مساعيه الجليلة أصلح وأنفع وأنقى .
وكان من جهود هذه الأسرة الكريمة في نشر علوم القرآن الكريم أن الشاه ولي الله -رحمه الله- ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفارسية التي كانت في عصره لغة العلم والأدب في شبه القارة الهندية، وكانت تلك خطوة جريئة تعرض من جرائها للطعن والمضايقة من قبل بعض الحكام والعلماء من معاصريه(1)، ولكنها فتحت باباً واسعاً من أبواب الخير لعامة المسلمين؛ إذ أمكنهم بواسطتها فهم كتاب الله عز وجل .
ثم تبعه من أبنائه الشاه رفيع الدين والشاه عبد القادر رحمهما الله، فترجم كل منهما معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية التي نمت وترعرعت في زمنهما، وكانت تلك خطوة موفقة أخرى لها ما بعدها، فقد نشطت حركة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأردية، وتتابعت الترجمات، حتى بلغ عدد الترجمات الكاملة فقط في خلال قرنين من الزمن 164 ترجمة حسب أحد الفهارس التي صدرت في باكستان عام 1987م(2).
ومن المترجمين الذين اشتهرت ترجماتهم بعد ترجمتي الشاه رفيع الدين والشاه عبد القادر رحمهما الله، ولا تزال متداولة في شبه القارة الهندية :
نذير أحمد الدهلوي ( ت 1330هـ ) .
وحيد الزمان الحيدرآبادي ( ت 1338هـ ) صاحب التفسير الوحيدي .
__________
(1) انظر مقالة الدكتور ظهير أحمد الصديقي عن ترجمات القرآن الكريم باللغة الأردية في مجلة "جامعة " عدد سبتمبر سنة 1975م ص 101 .
(2) أفادني بذلك أخي الدكتور الحافظ أبو سفيان الإصلاحي معتمداً على كتاب " " للدكتور أحمد خان، الذي نشر في إسلام آباد سنة 1987م، ولم أتمكن من الاطلاع عليه .
(1/3)
محمود الحسن الديوبندي ( ت 1339هـ ) .
أحمد رضا خان البريلوي ( ت 1340هـ ) .
أشرف علي التهانوي ( ت 1362هـ ) صاحب تفسير بيان القرآن .
ثناء الله الأمرتسري ( ت 1367هـ ) صاحب التفسير الثنائي .
فتح محمد الجالندهري ( ت ؟؟ ) .
أبو الكلام آزاد ( ت 1377هـ ) صاحب ترجمان القرآن .
الأستاذ أبو الأعلى المودودي ( ت 1399هـ ) صاحب تفهيم القرآن .
أمين أحسن الإصلاحي ( ت 1418هـ ) صاحب تدبر قرآن .
وقد رتبت أسماء المترجمين هنا على وفياتهم، ولو رتبت حسب تاريخ صدور ترجماتهم لتغير الترتيب وذكر الشيخ أشرف علي مثلاً قبل الشيخ محمود حسن، فإن ترجمة الأول صدرت سنة 1326هـ، أي قبل ست عشرة سنة من صدور ترجمة الشيخ محمود حسن سنة 1342هـ .
ويلاحظ أن أكثر المترجمين المذكورين أصحاب مؤلفات في تفسير
القرآن ونشرت ترجماتهم ضمن تفاسيرهم .
أما الترجمات التي عنيت بفحصها لإعداد هذا البحث فأولها وأهمها ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله ( ت 1243هـ ) وذلك لمكانتها المرموقة بين الترجمات الأردية، ولكونها مرجعاً للعلماء والمترجمين إلى وقتنا هذا . وقد أكملت هذه الترجمة سنة 1205هـ ونشرت في دهلي سنة 1245هـ بعد وفاة المؤلف بسنتين . وميزتها أنها جمعت بين خصلتين يصعب اجتماعهما في الترجمة . وذلك أن تكون الترجمة أدبية بليغة، مع كونها قريبة شديدة القرب من النص المترجم . ومما يشهد ببراعة المترجم -رحمه الله- أنه قد مضى على ترجمته أكثر من قرنين، وقد تطورت اللغة الأردية في هذه الحقبة الطويلة تطوراً كبيراً، فكم من ألفاظ وأساليب وتعبيرات هجرت ونسيت وتغيرت، ولكن ترجمة الشاه عبد القادر -رحمه الله- لم تفقد روعتها ووهجها
كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد
(1/4)
... ورجعت للمقارنة إلى ترجمة أخيه الأكبر الشاه رفيع الدين رحمه الله (ت 1249هـ) وهي ترجمة حرفية مبينة، ولها منزلتها بين الترجمات الأردية. وقد أكملت هذه الترجمة سنة 1190هـ قبل ترجمة الشاه عبد القادر، ولكنها نشرت بعدها في كلكتا سنة 1256هـ. وكذلك رجعت للمقارنة إلى الترجمة الفارسية لوالدهما الشاه ولي الله الدهلوي رحمه الله (ت 1176هـ)، وذلك لأن هذه الترجمات الثلاث التي صدرت من بيت واحد كانت مصدراً للمترجمين الذين جاؤوا من بعدهم .
وللمقارنة أيضاً رجعت إلى ترجمة الشيخ محمود حسن الديوبندي (ت 1339هـ)، فإنها نسخة مُيَسِّرة لترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله، وقد صرح المترجم بذلك في مقدمته، مشيراً إلى أن ترجمة الشاه عبد القادر
-رحمه الله- لما في أسلوبها من الإيجاز الشديد في بعض المواضع، ولما فيها من ألفاظ قديمة وتعبيرات غير مألوفة يخشى أن ينصرف عنها عامة الناس إلى ترجمات جديدة لا تبلغ مبلغها في الصحة والدقة، فرأى أن يستبدل بالألفاظ القديمة ألفاظاً معروفة، ويوضح العبارات الموجزة التي تشكل على القارئ المعاصر .(1)
ونظرت في ترجمة الشيخ محمد الجوناكري رحمه الله ( ت 1360هـ ) ووسمتها بترجمة المجمع، لأن طبعتها التي بين يدي أصدرها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة، بعد تصحيحها ومراجعتها، فتحفظت في عزو ما أنقله منها إلى الشيخ محمد، فقد يكون بعضها بقلم المصححين والمراجعين، وإنما عنيت بها لسعة انتشارها بعد ما طبعها المجمع، ويتمُّ توزيعها مجاناً على الناطقين بالأردية .
ونظرت -أيضاً- في ترجمة الشيخ أشرف علي التهانوي -رحمه الله- (ت1362هـ)؛ لأنها من أشهر الترجمات المتداولة في شبه القارة الهندية .
__________
(1) انظر مقدمة المترجم في آخر الترجمة ص 3-4.
(1/5)
أما ترجمة الأستاذ أبي الأعلى المودودي رحمه الله، فهي ترجمة تفسيرية أدبية تمتاز بأسلوبها السلس القوي العالي، ويشعر قارئها بأنه يقرأ كلاماً متصلاً متناسقاً فلا يجد صعوبة في استيعاب معناه. ومن ثم لقيت ترجمته قبولاً كبيراً بين المثقفين وانتفع بها خلق كثير . وقد حدثني الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي -رحمه الله- ذات مرة أنه يرجع في ترجمة معاني الآيات الكريمة التي ترد في مؤلفاته إلى ترجمتين : ترجمة الأستاذ المودودي وترجمة الشيخ فتح محمد الجالندهري .
وقد وددت عند إعداد هذا البحث لو كانت ترجمة الشيخ فتح محمد أيضاً في يدي، فإنها من الترجمات المتداولة المعروفة بأسلوبها السهل، ولكن لم أتمكن من الرجوع إليها وإلى ترجمة الشيخ نذير أحمد الدهلوي (ت 1330هـ)
إلا في موضع واحد .
وبالجملة فهذه تسع ترجمات لمعاني القرآن الكريم رجع إليها الباحث، ولكن جل عنايته كانت مصروفة إلى ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله.
(1/6)
وقد كان أكثر أصحاب الترجمات الأردية التي أشرت إليها آنفاً من العلماء المشهورين، ولهم قدم راسخة في العلوم الدينية المتداولة من التفسير والحديث والفقه، بالإضافة إلى إتقانهم اللغة العربية. ثم اعتمدوا عند قيامهم بالترجمة على كتب التفسير والترجمات السابقة، فمن الجائز أن يكون بعضهم اختار قولاً مرجوحاً من أقوال المفسرين، أولم يوفق في اختيار كلمة مناسبة أو أسلوب مناسب للتعبير عن معنى النص المترجم، ولكن من الصعب أن تجد في ترجماتهم أخطاء فاحشة مردها الجهل باللغة العربية. وإن وجد فسيكون شيئاً يسيراً، ومن السهو والذهول الذي لا يخلو منه العمل البشري. وهذا هو الذي قصدت إلى التنبيه عليه في هذا البحث، فالتزمت أن تكون كلمة الترجمة التي أناقشها خطأ ظاهراً أو شبيهاً به من الناحية اللغوية. أما إذا وافقت قولاً من الأقوال المنقولة في كتب التفسير والغريب، وله شواهد - ولو كانت ضعيفة في نظر الكاتب - فهذا البحث عنها بمعزل .
الفصل الأول
في ترجمة الألفاظ
الألفاظ التي سيتناولها هذا الفصل أنواع : منها ما وقع الخطأ في تفسير أصل معناها، نحو كلمة (الشوى) في سورة المعارج، فسرها بعض المترجمين بمعنى الكبد، وكلمة (سجّرت) في سورة التكوير التي ترجمت بمعنى "رُدِمَتْ وسُوِّيَتْ". ومنها كلمة اختار المترجم من وجوه معناها وجهاً غير مناسب لسياق الآية نحو كلمة (الظن) التي جاءت في غير ما آية بمعنى اليقين، فترجمت فيها بمعنى الشك، وكلمة (الروح) التي فسرت بمعنى الملَك في الآية التي جاءت فيها للوحي. ومنها ما تأثر المترجم في تفسيره باستعمال الكلمة عند المتأخرين أو في لغته، نحو كلمتي (التنازع) و (المجادلة) اللتين غلب استعمالهما بمعنى الخلاف والخصام .
وختم الفصل بكلمة تعرض معناها لتحريف متعمَّد، وهي كلمة (الشجرة) المذكورة في قصة آدم وإبليس، فترجمها زعيم طائفة منكري السنة بمعنى ( المشاجرة ) ! وإليكم التفصيل:
(1) الشوى
(1/7)
وردت كلمة الشوى في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى : { كلا إنها لظى * نزاعة للشوى } ( المعارج : 15 - 16 ) .
ترجم الشاه عبد القادر كلمة الشوى في الآية بمعنى ( كليجه ) التي تعني "الكبد"، فقال في ترجمة معنى الآية :
... ... ... (1)
لم ينقل عن أحد من اللغويين أو المفسرين - على اختلاف أقوالهم - أنه فسّر كلمة "الشوى" بمعنى الكبد، ومن الغريب أن الشيخ محمود الحسن لم يغيّر هذه الترجمة، فاضطرّ الشيخ شبير أحمد العثماني إلى التعليق عليها بما معناه : "يعني أن تلك النار لن تترك المجرم أبداً، بل إنها ستنزع جلده ثم تخرج الكبد من داخل جسمه" (2) .
وتبيّن من تعليق الشيخ شبير أنه حاول فيه تسويغ ترجمة الشيخ عبد القادر وتصويبها فأضاف في حاشيته معنى " نزع الجلد " الذي فسرت به الآية في بعض أقوال أهل العلم، حتى يفضي ذلك إلى نزع " الكبد " .
أما الشاه ولي الله الدهلوي - والد الشاه عبد القادر - ففسّر "الشوى" في ترجمته الفارسية بجلد الرأس ( )(3)، وفسرها أخوه الشاه رفيع الدين بجلد الوجه(4)، والترجمات الأردية الأخرى -أيضاً- لم تتابع الشيخ عبدالقادر، فجمعت ترجمة المجمع بين تفسيري الشاه ولي الله والشاه رفيع الدين، ففسرت بمعنى جلد الوجه والرأس (5). وفي ترجمة الشيخ أشرف علي بمعنى الجلد(6)، وفي ترجمة الأستاذ المودودي أنها تأكل اللحم والجلد(7)، وهذه الترجمات كلها موافقة لأقوال من أقوال المفسرين .
وقد نبه على خطأ الشيخ عبد القادر في تفسير كلمة "الشوى" العلامة عبد الحميد الفراهي، فقال : " وقد أخطأ العلامة عبد القادر الدهلوي في ترجمة قوله تعالى { نزاعة للشوى } فظنّ أنه الكبد، والموقع ذكر دنو العذاب،
__________
(1) الشاه عبد القادر : 688.
(2) محمود الحسن : 755.
(3) الشاه ولي الله : 688.
(4) الشاه رفيع الدين : 689.
(5) المجمع : 1627.
(6) أشرف علي : 686.
(7) المودودي : 1473.
(1/8)
لا دخول المنكرين في النار، فإن سياق الكلام هكذا : … ( ونقل الآيات 1-18 من سورة المعارج ثم قال : ) فهذا بيان الموقف، يوم أزلفت الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين، فليس لهم حميم . فحينئذ تدعو الجحيم الكفار وتخرج لظاها فتذهب بلحم سوقهم . وأما أنها تخرج أكبادهم فليس هذا مما جاء في شيء من القرآن حتى إنهم حين يدخلونها لا تخرج أكبادهم ولا قلوبهم " (1).
وقد يكون الشيخ عبد القادر قد أراد أن يبين شدة ما تفعله النار فاختار تعبيراً رائجاً في كلام الناس في زمنه دون النظر إلى ألفاظ الآية . ولكن ترجمته على ذلك ستبقى مرجوحة بلا شك ويشهد بذلك أنه لم يتابع عليها .
(2) مسوّمين
قال تعالى في سورة آل عمران : { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين }
( آل عمران :125) ترجم الشاه عبد القادر معنى الجزء الأخير من الآية هكذا :
... ... ... ... (2)
يعني " بخمسة آلاف من الملائكة، على خيول رُبِّيَتْ " .
وقد وردت كلمة ( المسوّمة ) نعتاً للخيل في أول هذه السورة في قوله تعالى : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب } ( آل عمران : 14 ) ...
وترجم الشاه عبد القادر (الخيل المسومة) بالخيل التي ربّيت( )(3)
__________
(1) رسائل الفراهي في علوم القرآن 272، وانظر مفردات القرآن له : 46.
(2) الشاه عبد القادر : 81.
(3) المرجع السابق : 63.
(1/9)
قد فسّرت كلمة ( المسوّمة ) في هذه الآية بالمرعيّة في المروج والمسارح، أو المعلَمة (1). وترجمة الشاه عبد القادر لهذه الآية لا غبار عليها . ولكن إذا فرضنا أن كلمة ( مسوّمين ) في الآية الأولى من سوّم الماشية في المرعى أي رعاها، فيكون معناها في الآية " بخمسة آلاف من الملائكة مرسلين (خيولهم) في المراعي، ولا يصح أن يترجم (مسوّمين) بمعنى "راكبين على خيول مرعيّة".
وتنبه لهذا الخطأ الشيخ محمود الحسن، فأصلح ترجمة الشاه عبد القادر هكذا:
(2)
يعني " بخمسة آلاف من الملائكة، على خيول معلَمةٍ " ولكن الراجح ما ذهب إليه معظم المترجمين ومنهم والد الشاه عبد القادر وأخوه أن (مسوّمين) بمعنى معلِمين ( أنفسهم بعلامات )(3)، وهو الأقرب إلى لفظ الآية، وهو الذي تؤيده القراءة السبعية الأخرى ( مسوَّمين ) بفتح الواو(4) أي "معلَمين" .
(3) سُجِّرَتْ
قال تعالى : { وإذا البحار سُجِّرَتْ } ( التكوير : 6 )
عامة المترجمين فسّروا ( سجرت ) في الآية بمعنى أضرمت أو أوقدت(5). ولكن الشيخ نذير أحمد فسرها بمعنى " ردمت وطمرت "، فترجم معنى الآية الكريمة بهذا اللفظ :
(6)
__________
(1) انظر تفسير الطبري ( شاكر ) 6 : 251-257 .
(2) محمود الحسن : 84.
(3) انظر الشاه ولي الله: 81 والشاه رفيع الدين: 80 وأشرف علي: 81 والمجمع : 171 و المودودي: 183.
(4) وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي . انظر كتاب الكشف لمكي 1 : 355.
(5) انظر الشاه ولي الله : 710 والشاه رفيع الدين : 700 والشاه عبد القادر : 710 ومحمود الحسن : 779 وأشرف علي : 710 والمودودي : 1525 والمجمع :1679.
(6) نذير أحمد : 935.
(1/10)
ولعله نظر إلى ما روي عن قتادة وغيره أنه قال في تفسير الآية : غار ماؤها فذهب(1). ولكن الكلمة الأردية التي فسّر بها الشيخ نذير أحمد هذه الآية تعني أن تلك البحار سوِّيت فذهب عمقها وصار سطحاً مساوياً لسطح الأرض، وذلك لم يقل به أحد .
هذا واختار الطبري في تأويل الآية قول من قال إن " معنى ذلك : ملئت حتى فاضت، وانفجرت وسالت "، كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: { وإذا البحار فجِّرَتْ } (الانفطار:3) …" (2) . وهو الأقرب إلى استعمال (سجر) في كلام العرب، وهو الذي اختاره التفسير الميسّر الذي أصدره المجمع(3).
(4) الظنّ
كلمة ( الظنّ ) في العربية تستعمل أحياناً بمعنى اليقين، قال ابن قتيبة : "… لأن في الظن طرفاً من اليقين " (4). وقد أحسن الفراهي في كتابه مفردات القرآن في بيان السرّ في ذلك فقال : " الظن ما يرى المرء من غير مشاهدة. ولكون غير المشهود ربما لا يوقن به تضمن الظنّ معنى الشك. وبهذا المعنى كثر في كلام العرب والقرآن … ولكن الرأي في غير المشهود ربما يكون يقيناً، ويطلق الظن عليه بالمعنى الأعم من غير تضمنه الشك " (5).
وقد جاء ( الظن ) بمعنى اليقين في آيات كثيرة منها :
قوله تعالى: { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } ( التوبة : 118 ) .
(ظنّوا) أي استيقنوا (6)، قال أبو جعفر -رحمه الله- في تفسيره: " وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجؤون إليه مما نزل بهم من أمر الله من البلاء " (7)
وقد أخطأ الشاه عبد القادر في ترجمة معنى الآية إذ قال :
(8)
__________
(1) تفسير الطبري 30 : 68.
(2) المصدر السابق 30 : 68 – 69.
(3) التفسير الميسّر : 586.
(4) تأويل مشكل القرآن : 187 وانظر الأضداد : 9، 14.
(5) مفردات القرآن : 55.
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : 193.
(7) تفسير الطبري (شاكر ) 14 : 543.
(8) الشاه عبد القادر : 248.
(1/11)
ومنها قوله تعالى: { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً } ( الكهف : 53 ) .
وترجم معناها الشاه عبد القادر بمعنى الظن والتخمين :
(1)
ومثله في ترجمة الشاه رفيع الدين (2).
وكذلك قوله تعالى : { وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا مالهم من محيص } ( فصلت : 48 ) . ترجم معناه الشاه عبد القادر :
(3)
وقد أصلح الشيخ محمود الحسن ترجمة (ظنوا) في الآية الأخيرة فقط بما معناه : " وعلموا " ( )(4)، وهو الصواب فيها جميعاً .
وبذلك ترجمت الكلمة في الترجمات التي بين يديّ (5) .
(5) أصبح
" أصبح " من أخوات كان، وتفيد اتصاف المسند إليه بالمسند في وقت الصباح . وقد تكون بمعنى صار نحو قوله تعالى : { فأصبحتم بنعمته إخواناً } ( آل عمران : 103 ) وقوله تعالى: { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } ( المائدة : 30 )، وقوله تعالى في الآية التالية : { فأصبح من النادمين } (المائدة : 31 ) ، وقوله تعالى : { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } ( المائدة : 102 ) .
فسر الشاه عبد القادر رحمه الله ( أصبح ) في الآيات الثلاث الأولى بمعنى صار، ولكنه قيدها في ترجمة معنى الآية الرابعة بمعنى الصباح، إذ قال (6):
وهو خطأ، وأصلحه الشيخ محمود الحسن بحذف الكلمة الأردية التي تعني الصباح الباكر(7).
وهناك آيات تحتمل أن تكون أصبح فيها مقيدة بمعنى الصباح، ويظهر من مراجعة هذه المواضع في ترجمة الشاه عبد القادر -رحمه الله- أنه آثر تقييدها بالصباح بدلاً من تفسيرها بمعنى الصيرورة. ومنها قوله تعالى :
__________
(1) الشاه عبد القادر : 361
(2) الشاه رفيع الدين : 360
(3) الشاه عبد القادر : 580
(4) محمود الحسن : 641
(5) أشرف علي : 580، والمجمع : 1357، والمودودي : 1213
(6) الشاه عبد القادر : 151.
(7) محمود الحسن : 146.
(1/12)
{ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } ( المائدة : 52 ) .
قال أبو حيان : " أي يصيروا نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أن أمر النبي لا يتم ولا تكون الدولة لهم … " (1) . ولكن الشاه عبد القادر -رحمه الله- قيد المعنى بوقت الفجر :
(2)
وحذف الشيخ محمود الحسن في ترجمته كلمة الفجر(3).
ومنها قوله تعالى : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير } ( الحج : 63 ) .
ترجمها الشاه عبد القادر :
(4)
وهنا -أيضاً- حذف الشيخ محمود الحسن كلمة الصبح(5).
ومنها قوله تعالى : { قال عما قليل ليصبحن نادمين } ( المؤمنون : 40 )
وترجم الشاه عبد القادر هكذا :
(6)
ولم يحذف الشيخ محمود الحسن هنا كلمة الفجر(7) . والجدير بالذكر أن الشاه ولي الله والشاه رفيع الدين فسرا المواضع المذكورة كلها بمعنى صار، ومن ثم لم تتابع فيها الترجمات الأردية التي بين يديّ ترجمة الشيخ عبد القادر رحمه الله .
(6) الروح
جاءت كلمة الروح في القرآن الكريم على عدة أوجه(8)، منها الوحي نحو قوله تعالى: { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده }
( النحل : 2 ) . وقوله سبحانه : { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق } ( غافر : 15 ) .
وفسر الشاه عبد القادر -رحمه الله- كلمة الروح في الموضعين بمعنى السر فقال في الموضع الأول :
(9)
وقال في الموضع الآخر :
(10)
__________
(1) البحر المحيط 4 : 293.
(2) الشاه عبد القادر : 142.
(3) محمود الحسن : 154.
(4) الشاه عبد القادر : 409.
(5) محمود الحسن : 452.
(6) الشاه عبد القادر : 415.
(7) محمود الحسن : 459.
(8) انظر فيها كتب الوجوه والنظائر نحو كتاب نزهة الأعين النواظر : 322 .
(9) الشاه عبد القادر : 322
(10) المرجع السابق : 564
(1/13)
أما والده الشاه ولي الله، ففسر ( الروح ) في سورة النحل بالوحي :
" " (1)
وأبقى في سورة غافر كلمة الروح نفسها في الترجمة :
" " (2)
وحافظ الشاه رفيع الدين على كلمة الروح في الموضعين (3) .
أما الآية التي أغرب الشاه عبد القادر -رحمه الله- في ترجمة معناها فهي قوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ( الشورى : 52 ) . إذ فسّر (الروح) فيها بمعنى الملك و (أوحينا) بمعنى " أرسلنا " :
(4)
وذكر الشيخ شبير أحمد العثماني في حاشيته على ترجمة الشيخ محمود الحسن أن ذلك من قول بعض المفسرين(5)، ولكن لم أجد هذا القول في كتب التفسير التي رجعت إليها(6). لا شك أن كلمة الروح فسرت بمعنى الملك في أكثر من آية كقوله تعالى : { نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } ( الشعراء : 193-194 ) وقوله تعالى : { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا } ( مريم : 17 ) ولكن لا يستقيم أن يراد بها الملك في سورة الشورى، فإن كلمة (أوحينا) لم ترد بمعنى إرسال ملك أو رجل . ولم يتابع أحد من مترجمي الأردية الشاه عبد القادر -رحمه الله- على هذه الترجمة، بل فسر بعضهم بالوحي(7)، وحافظ آخرون على كلمة الروح نفسها، ولعلهم تابعوا في ذلك ترجمة الشاه رفيع الدين رحمه الله (8)، ثم بينوا في الحاشية أنها أطلقت على القرآن (9).
أما الشاه ولي الله -رحمه الله- ففسر كلمة الروح في ترجمته الفارسية بالقرآن(10) .
(7) التنازع
__________
(1) الشاه ولي الله : 322
(2) المرجع السابق : 564
(3) الشاه رفيع الدين : 321، 560
(4) الشاه عبد القادر : 588.
(5) محمود الحسن : 650.
(6) نحو تفسير ابن جرير، والكشاف، والبحر المحيط، ومفاتيح الغيب، وتفسير ابن كثير .
(7) انظر مثلاً ترجمة أشرف علي : 588.
(8) الشاه رفيع الدين : 583.
(9) انظر مثلاً ترجمة المودودي : 1231 وترجمة المجمع : 1376.
(10) الشاه ولي الله : 588.
(1/14)
كلمة التنازع معروفة بمعنى الخلاف والخصام، ولكنها إذا استعملت للكأس فإنها تعني تعاطي الكأس وتناولها، ولكنها لما انتقلت إلى الفارسية ثم الأردية انحصرت في معنى الخلاف والتخاصم .
ومن ثم فسر بعض المترجمين كلمة التنازع في قوله تعالى : { يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم } ( الطور : 23 ) بما معناه الاختطاف والاستلاب، فقال الشاه رفيع الدين رحمه الله :
(1)
وقال الشاه عبد القادر رحمه الله : (2)
وفي ترجمة الشيخ أشرف علي :
(3)
ومثله في ترجمة المجمع .(4)
والكلمة الأردية التي فسرت بها ( يتنازعون ) في هذه الترجمات تعني
-كما قلنا- الهجوم على الشيء، والاندفاع إليه، واجتذابه واختطافه، وقد أضاف بعضهم بين قوسين ما معناه : " على سبيل المباسطة والمداعبة " كما في ترجمتي الشيخ أشرف علي والمجمع . ولكن المعروف في معنى تنازع الكأس هو تعاطيها وتداولها . وبه فسر الآية أبو عبيدة (يتعاطون أي يتداولون)(5) وابن قتيبة ( أي يتعاطون )(6) وابن جرير ( يتعاطون فيها كأس الشراب ويتداولونها بينهم )(7) وابن كثير ( أي يتعاطون ).(8)
وقد أصاب الشاه ولي الله -رحمه الله- في ترجمته الفارسية :
(9)
(8) المجادلة
فسر الراغب كلمة الجدال بأنه " المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله .. ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه " (10).
__________
(1) الشاه رفيع الدين : 626.
(2) الشاه عبد القادر : 631.
(3) أشرف علي : 630.
(4) المجمع : 1486.
(5) مجاز القرآن 2 : 232.
(6) تفسير غريب القرآن : 425.
(7) تفسير الطبري 27 : 28.
(8) تفسير ابن كثير 4 : 244.
(9) الشاه ولي الله : 631.
(10) مفردات ألفاظ القرآن : 189-190.
(1/15)
فالجدال بمعنى المحاورة والمراجعة والمناقشة . وكثيراً ما تتحول المناقشة إلى مشاجرة ومصارعة، فأصبح الجدال يستعمل بهذا المعنى أيضاً . ويبين ذلك القول الآخر الذي نقله الراغب بالتضعيف فقال : " وقيل : الأصل في الجدال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة ".
ووردت مشتقات الجدال في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط } ( هود : 74 ) وقوله: { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير } ( المجادلة : 1 )
ترجم الشاه عبد القادر -رحمه الله- كلمة الجدال في الآيتين بكلمة أردية تعني المخاصمة والمشاجرة، فقال في الموضع الأول :
" … " (1)
وفي الموضع الثاني :
" … … " (2)
ومثله ترجمة الشاه رفيع الدين -رحمه الله- (3). وتابعهما في هذه الترجمة في الموضعين الشيخ محمود الحسن(4) والشيخ أشرف علي(5)، وفي الموضع الأول الأستاذ المودودي (6). ولعل الكلمة الأردية التي فسر بها الشاه عبد القادر كلمة الجدال في الآيتين كانت تستعمل في زمنه بمعنى الحوار والنقاش أيضاً كما يظهر من مراجعة بعض المعاجم الأردية(7)، ولكنها اختصت فيما بعد بمعنى المشاجرة والمخاصمة، فكان ينبغي للمترجمين الذين جاؤوا بعده أن يجتنبوا تلك الكلمة .
(9) الشجرة
__________
(1) الشاه عبد القادر : 277.
(2) المرجع السابق : 652.
(3) الشاه رفيع الدين : 276، 647.
(4) محمود حسن : 304، 719.
(5) أشرف علي : 277، 652.
(6) المودودي : 595.
(7) معجم جون بلاتس : 405.
(1/16)
لا خلاف بين المفسرين والمترجمين في معنى كلمة ( الشجرة ) التي جاءت في قصة آدم وإبليس في قوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } ( البقرة : 35، والأعراف : 19 ) وقوله : { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } ( الأعراف : 20 ) وقوله: { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة } ( الأعراف : 22 ) ولكن ( غلام أحمد برويز ) زعيم طائفة منكري السنة فسرها بمعنى الخلاف والخصام، أخذاً من كلمة المشاجرة والتشاجر (1)، فجعل الأصل فرعاً والفرع أصلاً ! وليس ذلك لجهله بمعنى الكلمة، ولكنه تحريف متعمد، وكتابه مشحون بأمثاله، وقد نال تحريفه من الألفاظ الشرعية أيضاً نحو الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك، فغير معانيها تبعاً لهواه .
ولم تكن تحريفاته من مجال هذا البحث، وإنما قصدت بما أوردته هنا إلى الإطراف والإحماض .
الفصل الثاني
في ترجمة التراكيب النحوية والأساليب
في هذا الفصل نتناول بعض التراكيب النحوية التي وقع السهو في فهمها فصارت الترجمة خطأ ظاهراً، ومنها ما اضطرب المترجمون في ترجمتها. ونناقش أيضاً بعض الأساليب والتعبيرات التي اعتمد المترجم في تفسيرها على قول شاذ من أقوال أهل التفسير متنكباً عن القول المحكم والرأي المبرم.
(1) قائماً بالقسط
قال الله تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ( آل عمران : 18 )
( قائماً بالقسط ) في الآية حال من الضمير ( هو ) أو لفظ الجلالة (2)، ولكن الشيخ فتح محمد -رحمه الله- جعله في ترجمته حالاً من الملائكة وأولي العلم، إذ ترجم معنى الآية هكذا:
__________
(1) مفهوم القرآن 1 : 13.
(2) انظر التبيان في إعراب القرآن : 1 : 247.
(1/17)
" ... ... ... ... ... ... ... ... " (1).
وهو خطأ ظاهر .
(2) ويمح الله الباطل
قال تعالى في سورة الشورى :
{ فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته } (الشورى : 24) .
( يمح ) كذا رسمه في المصحف بدون واو، فتوهم الشاه عبد القادر -رحمه الله- أنه مجزوم ومعطوف على (يختم) وترجم معنى الآية هكذا :
(2)
وقد تنبه الشيخ محمود الحسن لهذا الخطأ في هذه الترجمة فأصلحه على هذا النحو:
(3).
وخوفاً من هذا الالتباس قد عنيت كتب التفسير والمعاني والإعراب ببيان إعراب ( يمح ) في الآية فقال الفراء: " وقوله: { يمح الله الباطل } ليس بمردود على ( يختم ) فيكون مجزوماً. هو مستأنف في موضع رفع وإن لم تكن فيه واو في الكتاب. ومثله مما حذفت منه الواو وهو في موضع رفع، قوله { ويدع الإنسان بالشر } (الإسراء:11) وقوله: { سندع الزبانية } (العلق:18) (4).
وقال الطبري رحمه الله : " قوله: { يمح الله الباطل } في موضع رفع بالابتداء، ولكنه حذفت منه الواو في المصحف، كما حذفت من قوله: { سندع الزبانية } ومن قوله: { ويدع الإنسان بالشر } وليس بجزم على العطف على ( يختم ) ".(5)
هذا، وقد حكى يعقوب الحضرمي قولاً بأن (يمح) معطوف على
(يختم)(6)، ولكن لا أظن الشيخ عبد القادر اطلع على القول المذكور وجنح إليه، فإن عامة المفسرين أغفلوه قديماً لشذوذه، ونِعِمّا فعلوا .
(3) وفتناك فتونا
قال تعالى في قصة موسى عليه السلام :
{ وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى } ( طه : 40 )
__________
(1) ترجمة فتح محمد : 51.
(2) الشاه عبد القادر : 584.
(3) محمود الحسن : 646.
(4) معاني القرآن 3 : 23.
(5) تفسير الطبري 25 : 27 وانظر البحر 9 : 336.
(6) كشف المشكلات 2 : 1198 حاشية المحقق.
(1/18)
ترجم الشاه عبد القادر -رحمه الله- معنى قوله تعالى : { وفتناك فتونا } بما معناه: "وامتحناك امتحانا يسيراً" ولفظه:
(1).
وفي هذه الترجمة نظر، فإن ( فتونا ) مصدر فتن يفتن، ووقع في الآية مفعولاً مطلقاً، فلا يستفاد منه بيان نوع الفعل، وإنما يفيد توكيده . فمعنى { وفتناك فتونا } : واختبرناك اختباراً، كما في رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أو أخلصناك إخلاصاً كما روي عن مجاهد.(2)
وقيل إنه يجوز أن تكون كلمة ( فتون ) جمعاً لفَتْنٍ أو فتِنةٍ، ويكون المعنى: وفتناك ضروباً من الفتن .(3) وعلى هذا القول أيضاً - إن صح - لا تستقيم ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله .
أما ترجمة أخيه الشاه رفيع الدين -رحمه الله- والترجمات الأردية الأخرى التي بين يدي فإنها جميعاً فسرت (فتونا) بمعنى التوكيد (4).
(4) إنْ المخففة من إنّ
__________
(1) الشاه عبد القادر : 378.
(2) انظر تفسير الطبري 16 : 164، 167 وانظر كشف المشكلات 2 : 825.
(3) انظر الكشاف 3 : 64 والبحر 7 : 333.
(4) انظر الشاه رفيع الدين : 377، وأشرف علي : 378، والمجمع : 859 . ومما يجب التنبيه عليه أنه في حاشية ترجمة المجمع ذكر القولان في كلمة ( الفتون )، ونظّر في كونها جمع الفتنة بالحجور جمع الحجرة (بالراء المهملة )، ولعله نقل من فتح القدير للشوكاني 3 : 454، وصوابه : الحجوز والحجزة بالزاي المعجمة، انظر الكشاف 3 : 64 والبحر 7 : 333 والتاج ( حجز ) .
(1/19)
من الأخطاء الشائعة في الترجمات الإنجليزية وغيرها أن كثيراً من أصحابها فسروا (وإنْ) في قوله تعالى: { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } (الجمعة:2) بمعنى (ولو)! فتوهموها إن الشرطية، ولم يلتفتوا إلى اللام الفارقة الداخلة على (في) التي تدل على أن (إنْ) مخففة من (إنّ) (1). وقد وقع الأستاذ المودودي
-أيضاً- في هذا الوهم فترجم معنى الآية الكريمة هكذا :
(2).
أما المواضع الأخرى التي وردت فيها ( إن المخففة ) في القرآن الكريم فأصاب الأستاذ المودودي في ترجمتها، إلا أنه هو وغيره من المترجمين لم يلتزموا مراعاة معنى التوكيد الذي يحدثه في الكلام إن المخففة مع اللام الفارقة. فالشاه عبد القادر -رحمه الله- ترجم معنى الآية السابقة :
(3).
كأنها لا توكيد فيها، ولكنه في ترجمة قوله تعالى : { وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين } ( الحجر : 78 ) راعى معنى التوكيد فقال :
(4).
وقد أغرب الشيخ أشرف علي وصاحب ترجمة المجمع في هذا الموضع، فنقلا معنى التوكيد من الإسناد إلى كلمة ( ظالمين ) لما نظرا - فيما يبدو- إلى اللام الفارقة الداخلة عليها ( لظالمين )، فترجم الأول :
(5)
وترجم الآخر :
(6).
وهذه الترجمة تصح إذا كان النص على هذا الوجه : " وكان أصحاب الأيكة ظلاّمين ".
(5) أسلوب القصر
__________
(1) انظر مثلاً ترجمة عبد الله يوسف علي : 1745 وقد نبه على هذا الغلط الدكتور ف . عبد الرحيم في ورقة قدمها إلى ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم بجامعة مالك بن سعدي في تطوان .
(2) المودودي : 1421 وتبعه في الخطأ عبد الرحمن الكيلاني انظر تيسير القرآن : 564.
(3) الشاه عبد القادر : 667
(4) المرجع السابق : 321.
(5) أشرف علي : 321.
(6) المجمع : 722.
(1/20)
لا يراعي بعض المترجمين أحياناً أسلوب القصر في الآية، فتخلو ترجمته من معنى التوكيد الذي يستفاد من هذا الأسلوب . وللقصر طرق عدة في اللغة العربية، منها استعمال ضمير الفصل، فقوله تعالى: { ذلك هو الفوز العظيم } آكد من قوله: { ذلك الفوز العظيم } . ولكن المترجمين لا يفرقون بعض الأحيان بين الجملتين، بل قد يترجمون الجملة الثانية بأسلوب أقوى من ترجمة الجملة الأولى . وإليكم أمثلة من هذا الاضطراب في ترجمة الجملتين من ترجمة المجمع وحدها :
(1) ذلك هو الفوز العظيم :
_ ... ( التوبة : 72 ) :
_ ... ( التوبة : 111 ) :
_ ... ( المؤمن : 9 ) :
_ ... ( الدخان : 57 ) :
_ ... ( الحديد : 12 ) :
(2) ذلك الفوز العظيم:
_ ... ( النساء : 13 ) :
_ ... ( التوبة : 89 ) :
_ ... ( التوبة : 100 ) :
_ ... ( الصف : 12 ) :
_ ... ( التغابن : 9 ) :
الناظر في هذه الأمثلة يلحظ أن ترجمة قوله تعالى : { ذلك هو الفوز العظيم } في سورة التوبة : 111 مثل ترجمة قوله : { ذلك الفوز العظيم } في سورة التوبة : 100، وهي بمعنى الآية الثانية أليق .
وكذلك ترجمة { ذلك الفوز العظيم } في سورة التوبة : 89 وسورة التغابن : 9 مثل ترجمة { ذلك هو الفوز العظيم } في سورة التوبة : 72، والمؤمن : 9 والدخان : 57 . وهي بمعنى الآية الأولى ألبق .
(6) أولى لك
" أولى لك " هذا التعبير جاء في القرآن الكريم في موضعين : في سورة محمد، وفي سورة القيامة . الأول قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم } ( سورة محمد : 20 ) .
والآخر قوله تعالى : { ثم ذهب إلى أهله يتمطى * أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى } ( القيامة : 33 - 35 ) .
فسر الشاه عبد القادر هذا التعبير في الآيتين على أنه توعد وتهديد بمعنى "ويل لك"، فترجمه هكذا :
(1/21)
. (1)
" . . (2)
وترجمه والده الشاه ولي الله في الفارسية على أنه تحسر :
" . (3)
" . (4)
وكذلك أخوه الشاه رفيع الدين (5). وقد تبع الأستاذ المودودي في تفسير سورة محمد ترجمة الشاه ولي الله على أنه للتحسر :
... ... " " . (6)
ولكنه ذهب في تفسير سورة القيامة مذهباً آخر، فترجم هكذا :
... ... " . (7)
أي " إنما يليق هذا السلوك بك "، ففسر ( أولى لك ) بمعنى " أولى بك " وذكر في تفسيره ( تفهيم القرآن ) أنه قول ابن كثير . (8)
أما ترجمة المجمع فجاءت فيها ترجمة معنى الآيتين مضادة لترجمة الأستاذ المودودي، إذ ترجم معنى قوله تعالى في سورة القيامة هكذا :
" " . (9)
ويلاحظ أن هذه الترجمة جمعت بين معنى التهديد ومعنى التحسر، وهما قولان في تفسير " أولى لك " (10)، ويجوز أن تفسر الآية على هذا أو ذاك، أما أن يقصد به المتكلم المعنيين كليهما معا - كما يفهم من الترجمة المذكورة - فلا يستقيم ذلك . وكان ينبغي للمترجم أن يختار أحدهما في الترجمة، ويشير إلى احتمال المعنى الآخر في الحاشية .
أما في سورة محمد فلم يفسر صاحب ترجمة المجمع قوله تعالى { فأولى لهم } بمعنى التحسر أو التهديد، بل فسره بمعنى " خير لهم " وجعله مع قوله تعالى في الآية التالية: { طاعة وقول معروف } جملة واحدة، وترجم هكذا:
" " (11) .
وهذا ما فسر به الآية ابن كثير -رحمه الله- . وقد فسر ( أولى ) في الموضعين بمعنى أحق وأجدر، فتقاسم تفسيره الأستاذ المودودي وصاحب ترجمة المجمع، فتبعه الأول في سورة القيامة، والآخر في سورة محمد .
__________
(1) الشاه عبد القادر : 612.
(2) المرجع السابق : 700.
(3) الشاه ولي الله : 612.
(4) المرجع السابق : 700.
(5) الشاه رفيع الدين : 607، 690.
(6) المودودي : 1283
(7) المرجع السابق : 1501.
(8) تفهيم القرآن: 6 : 176.
(9) المجمع : 1660.
(10) تهذيب اللغة 15 : 448.
(11) المجمع : 1436.
(1/22)
وتفسير ابن كثير -رحمه الله- للآيتين فيه نظر : أما قوله في تفسير سورة القيامة إن { أولى لك فأولى } "تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيته. أي: يحق لك أن تمشي هكذا، وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله تعالى: { ذق إنك أنت العزيز الكريم } (الدخان:49) "فهو تفسير غريب، لم أره فيما رجعت إليه من كتب التفسير، ولعل ابن كثير تفرد به. والتفرد نفسه ليس قادحاً في قول إن كان مؤيداً بالدلائل والحجج، ولكن ما ذهب إليه -رحمه الله- مبني على قول نقل في تفسير { فأولى لهم } في سورة محمد إنه بمعنى " أولى بهم "، وهو قول من أضعف الأقوال وأشبه ما يكون بالوهم والغلط، فلنقف وقفة قصيرة عند الآية المذكورة . قال تعالى :
{ ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم * طاعة وقول معروف * فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم } ( سورة محمد : 20 - 21 ) .
(1/23)
جمهور المفسرين على أن قوله في الآية الأولى: { فأولى لهم } وعيد وتهديد، وقوله في الآية الثانية: { طاعة وقول معروف } كلام مستقل، حذف منه أحد الجزأين إما الخبر وتقديره:"أمثل"، وإما المبتدأ وتقديره: "أمرنا"، أو نحوه. وكلا القولين جائز حسن عند الخليل وسيبويه والمبرد وغيرهم(1). ووصفهما مكي بن أبي طالب بأنهما أبين وأشهر (2). فلما فسر قتادة الآية بقوله: "طاعة الله وقول بالمعروف عند حقائق الأمور خير لهم"(3)، فسرها على حذف الخبر، لا على أن ( أولى لهم ) في الآية السابقة بمعنى "خير لهم".
ولكن يظهر أن بعض المفسرين أراد أن يؤوّل الكلام هذا التأويل من غير أن يلجأ إلى حذف وتقدير، ورأى أن معنى كلمة (أولى) قريب من معنى خير وأمثل، مما قدروه خبراً لكلمة (طاعة)، ففسّر (أولى لهم) بمعنى خير لهم، وذهب إلى أن الكلام لم ينقطع على (أولى لهم) بل متصل بما بعده في الآية الثانية، وأن { أولى لهم طاعة وقول معروف } جملة واحدة. وفاته أن الذي بمعنى "أحقّ وأجدر "لا يقال فيه" أولى له "كما في الآية الكريمة، وإنما يقال فيه "أولى به".
ولا يبعد أن يكون أحد المفسرين الذي بنى كتابه على الاختصار، وقصد فيه إلى تفسير ما أشكل من معاني الآيات، دون بيان الإعراب، لم يفسر قوله تعالى ( فأولى لهم ) في الآية الأولى، وتجاوزه لاشتهار معناه، ثم فسّر قوله تعالى في الآية الثانية ( طاعة وقول معروف ) بأن طاعة الله كانت أمثل وأولى بهم، فتوهم بعضهم أن قوله " أولى بهم " تفسير ( أولى لهم ) في الآية الأولى، فبنى على ذلك قوله بأن الكلام متصل واللام بمعنى الباء .
__________
(1) انظر الكتاب 1 : 142 ، 2 : 136 ومعاني الزجاج 5 : 13، والكامل 2 : 573، وانظر تأويل مشكل القرآن:420، وغريب القرآن: 411 والطبري 26: 55، والقرطبي 16: 161، والبحر 9: 470 - 471.
(2) مشكل إعراب القرآن 2 : 674 .
(3) تفسير الطبري 26 : 56.
(1/24)
وقد نقل هذا القول أبو حيان في البحر المحيط فقال : " وقيل : ( أولى ) مبتدأ، و(لهم) من صلته، و(طاعة) خبر، كأنّ اللام بمعنى الباء، كأنه قيل : فأولى بهم طاعة " (1).
ثم نقل قولاً آخر في إعراب ( طاعة ) وهو أن ( طاعة ) في الآية الثانية صفة لـ ( سورة ) في الآية الأولى، وعقّب عليه بأنه " ليس بشيء، لحيلولة الفصل الكثير بين الصفة والموصوف " (2) .
وما كان أحقّه أن يعقب على القول السابق أيضاً بمثل هذا التعقيب ! وذلك لوجوه منها :
1- ( أولى ) بمعنى " أحقّ " لا يقال فيه - كما سبق - " أولى له " باللام، وإنما يقال بالباء، وعليه التنزيل أينما جاء فيه . فقال تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا } (آل عمران:68).
وقال تعالى : { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } ( النساء : 135 ) .
وقال تعالى: { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (الأنفال:75).
وقال تعالى : { ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً } ( مريم : 70 ) .
وقال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين }
(الأحزاب :6 ) .
ولم تقرأ ( أولى ) في آية من هذه الآيات كلها - ولو في قراءة شاذة - باللام مكان الباء .
و كذلك لم تنقل كتب اللغة والغريبين والتفسير من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو كلام غيره من العرب ما جاء فيه " أولى له " بمعنى " أولى به ".
__________
(1) البحر المحيط 9 : 470.
(2) وهو مما أجازه الزجّاج احتمالاً في كتابه معاني القرآن وإعرابه 5 : 13 ولعله استفاد من كلام الفراء على هذه الآية في تفسير سورة النساء . انظر معاني القرآن له 1 : 279.
(1/25)
2- قوله تعالى ( طاعة وقول معروف ) جاء مثله في القرآن الكريم في موضعين آخرين أيضاً، والسياق واحد، فإنها جميعاً في المنافقين . قال تعالى في سورة النساء : { ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول } ( النساء : 81 ) . وقال تعالى في سورة النور : { قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون } ( النور : 53 ) .
ويدل ذلك على أن قوله ( طاعة ) من التعبيرات الدائرة في كلام العرب على وجه الحذف والاختصار، فيكون القول في تفسيرها واحداً في المواضع الثلاثة، ويقدر المحذوف حسب السياق في كل موضع .
3- " أولى لك " أيضاً من التعبيرات القديمة المشهورة في كلام العرب، ويلقى النحاة عناء كبيراً من مثل هذه التعبيرات لقدمها ولما بنيت عليه من الحذف والاختصار، فتشتجر آراؤهم في تحليل أجزائها وبيان دلالتها، لكن مواقع استعمالها تكون معلومة للعامة والخاصة لكثرة جريانها في كلامهم. فمن التعسف البالغ أن يصرف مثل هذا التعبير عن ظاهره إلى معنى لم تثبت دلالته عليه، ثم يزعم بأن اللام بمعنى الباء !
... وبالجملة فإن القول الذي اختاره ابن كثير -رحمه الله- في تفسير سورة القتال، وسورة القيامة -وهو أن "أولى له" بمعنى "أولى به" - لا أصل له في كلام العرب، وهو مخالف لأسلوب القرآن الذي التزم الباء في كل موضع جاء فيه " أولى " بمعنى " أحقّ "، وتفسيره لقوله: { طاعة وقول معروف } مخالف لنظائره في القرآن أيضاً. فهو قول إلى الضعف أقرب، فكان أولى بالمترجمين -رحمهما الله- أن لا يركنا إليه، بل يعتمدان على ما قال به الأكثرون من علماء التفسير والعربية.
فهرس المراجع
أشرف علي = ترجمة الشيخ أشرف علي التهانوي، سليم بكدبو دلهي، دون تاريخ .
الأضداد لابن الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت، 1960م .
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
(1/26)
تاج العروس للزبيدي، طبعة المطبعة الخيرية بمصر، 1307هـ.
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، ط2، دار التراث، القاهرة 1393هـ .
التبيان في إعراب القرآن للعكبري، تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1976م .
ترجمة عبد الله يوسف علي لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية.
تفسير ابن كثير، دار الحديث، القاهرة، 1413هـ .
تفسير الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة.
تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت 1408هـ ( ما عدا أجزاء الطبعة المحققة ) .
التفسير الميسّر، لجماعة من العلماء، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة 1418هـ .
تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت 1398هـ .
تفهيم القرآن لأبي الأعلى المودودي، إدارة ترجمان القرآن، لاهور، ط15، 1994م .
تهذيب اللغة للأزهري، الجزء 15، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكاتب العربي، القاهرة 1967م .
تيسير القرآن ( ترجمة عبد الرحمن الكيلاني ) إسلامك بريس، لاهور، دون تاريخ .
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ .
رسائل الفراهي في علوم القرآن، لعبد الحميد الفراهي، الدائرة الحميدية، سراي مير، أعظم كره - الهند 1411هـ .
الشاه رفيع الدين، ترجمته الأردية، شيخ محمد أشرف، لاهور، دون تاريخ .
الشاه عبد القادر، ترجمته لمعاني القرآن الكريم، تاج كمبني، لاهور دون تاريخ .
الشاه ولي الله الدهلوي، ترجمته الفارسية لمعاني القرآن، دار الكتاب والسنة، كراتشي، دون تاريخ .
فتح القدير للشوكاني، المكتبة العصرية، بيروت، 1420هـ .
الكامل للمبرد، تحقيق محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406هـ .
كتاب سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة.
(1/27)
كشف المشكلات وإيضاح المعضلات لجامع العلوم الأصبهاني الباقولي، تحقيق محمد أحمد الدالي، مجمع اللغة العربية بدمشق 1415هـ .
الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق الدكتور محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404هـ .
مجاز القرآن لأبي عبيدة، تحقيق محمد فؤاد سزكين، مؤسسة الرسالة بيروت 1401هـ .
مجلة " تحقيق " الأردية الصادرة من جامعة السند في باكستان العدد المزدوج 12-13، حيدرآباد، باكستان 1998-1999م.
مجلة "جامعة " الصادرة من الجامعة الملية الإسلامية بدلهي، عدد سبتمبر سنة 1975م .
المجمع = ترجمة الشيخ محمد الجوناكري، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، 1417هـ .
محمود الحسن = ترجمة الشيخ محمود الحسن الملقب بشيخ الهند، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، 1409هـ .
مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ .
معاني القرآن للفراء، تحقيق محمد علي النجار ونجاتي وشلبي، تصوير عالم الكتب، بيروت 1403هـ .
معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت، 1408هـ .
معجم جون بلاتس A Dictionary of Urdu , classical Hindi & English, by Gohn T. Platts , Oxford university press 1884
مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داودي، دار القلم بدمشق 1418هـ .
مفردات القرآن، لعبد الحميد الفراهي، مطبعة إصلاح، سراي مير، أعظم كره - الهند 1358هـ .
مفهوم القرآن لغلام أحمد برويز، إدارة طلوع إسلام، لاهور.
المودودي = ترجمة الأستاذ أبي الأعلى المودودي، إدارة ترجمان القرآن، لاهور، الطبعة السادسة عشرة، 1416هـ .
نذير أحمد = ترجمة الشيخ نذير أحمد الدهلوي، نولكشور بريس، لكهنو،1340هـ .
(1/28)
نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي، تحقيق محمد عبد الكريم كاظم الراضي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404هـ .
فهرس الموضوعات
مقدمة ... 1
مدخل ... 3
الفصل الأول في ترجمة الألفاظ ... 9
(1) الشوى ... 9
(2) مسوّمين ... 11
(3) سُجِّرَتْ ... 13
(4) الظنّ ... 14
(5) أصبح ... 15
(6) الروح ... 17
(7) التنازع ... 20
(8) المجادلة ... 21
(9) الشجرة ... 22
الفصل الثاني في ترجمة التراكيب النحوية والأساليب ... 24
(1) قائماً بالقسط ... 24
(2) ويمح الله الباطل ... 24
(3) وفتناك فتونا ... 26
(4) إنْ المخففة من إنّ ... 27
(5) أسلوب القصر ... 28
(6) أولى لك ... 30
فهرس المراجع ... 37
فهرس الموضوعات ... 41
نظرات لغوية في بعض الترجمات الأردية لمعاني القرآن الكريم
يتكون هذا البحث من مدخل وفصلين. في المدخل تناول الباحث طرفاً من تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية في شبه القارة الهندية، ونوه بجهود أسرة العلامة الشاه ولي الله الدهلوي رحمه الله بصورة خاصة، إذ صدرت منها وحدها ثلاث ترجمات : ترجمة فارسية للشاه ولي الله، وترجمتان أرديتان لابنيه الشاه رفيع الدين والشاه عبد القادر. وكانت هذه الترجمات رائدة ورافدة للترجمات الأردية التي ظهرت بعدها متتابعة، حتى بلغ عدد الكاملة منها فقط في خلال قرنين 164 ترجمة .
ثم تطرق الذ كر إلى الترجمات المتداولة التي تصفحها الباحث لإعداد هذا البحث، مشيراً إلى أن أصحابها كانوا من العلماء ، ومن ثم لا نجد فيها من العثرات التي مردها خطأ في فهم اللغة إلا شيئا يسيراً أدى إليه سهو أو وهم أو تقليد. وقد رصد الباحث مثل هذه الأخطاء ورتبها في فصلين: الفصل الأول في الأخطاء التي وقعت في ترجمة الألفاظ، وتكلم على تسعة ألفاظ منها: الشوى، وسجرت، والظن، والروح، والتنازع.
(1/29)
وفي الفصل الثاني ناقش عدداً من التراكيب النحوية والأساليب والتعبيرات التي لم يصب بعض المترجمين في ترجمة معناها إلى اللغة الأردية ومنها: إن المخففة من إن، وإعراب ( يمح ) في سورة الشورى : 24، وأسلوب القصر، وقولهم أولى لك. والتزم الباحث أن لا يورد في هذا البحث إلا ما كان خطأ ظاهراً أو شبيهاً به من الناحية اللغوية .
(1/30)