نحو حضارة إسلامية مستقبلية...أساسها
الإيمان والعلم
الدكتور إبراهيم جميل بدران
الدكتور على على حبيش
1ـ مقدمة
إن العالم بأسره على مشارف عصر جديد لاحت بوادره فى الأفق, ويتأهب المجتمع الإنسانى لنقلة نوعية حادة نحو مجتمع جديد, مجتمع لم تتحدد معالمه بعد, لكنه بلا شك مجتمع دينامى سريع التغيير, مغاير بشدة لواقعنا الحاضر فى أشكاله وتنظيماته, وأنماط أعماله, وأدوات أفراده ومؤسساته, والعلاقة التى تربط بين عناصر المنظومة المجتمعية.
فأحد سمات عالمنا المعاصر هو السباق الحضارى, الذى يتمثل فى التفوق الذى تحكمه القوة وعناصرها, وهى تعتمد اليوم على ما تنتجه الشعوب من ثقافة وعلوم وتكنولوجيا, وما يرتبط بها ويقوم عليها من نمو اقتصادى عملاق وارتقاء اجتماعى عصرى. لذلك فإن انتصار الشعوب أصبح قضية اقتصادية بدايتها فى المدرسة والمعمل ثم مرافق الإنتاج والخدمات.
وليس من المغالاة فى شئ أن نقرر أن تحديات العصر . بعد تجري دها وارجاعها إلى جذورها . هى فى واقع الأمر تحديات علمية/تكنولوجية. فالعصر الذى نعيشه الآن هو عصر لا قوة فيه ولا اقتدار, ولا تنافس فيه, ولا مشاركة عالمية, ولا نفاذ إلى الأسواق العالمية, إلا من خلال الإبداع. ولا يعرف سبلا للإبداع إلا من خلال التعليم المجود والتدريب المستمر اللذان يمثلان المدخل الطبيعى للبحث العلمى, المنتهى إلى ثورة الابتكار والاختراع والتطوير التكنولوجى. هذه الثورة تكون فى حقيقتها موردا يغذى مرافق الإنتاج والخدمات بالفكر, والقدرات الدافعة إلى التجويد, واستشعار توجهات العصر, والتقاط إشارات الأسواق العالمية والاستجابة لها, مما يؤدى إلى إثبات الوجود فى أسواق العالم, والسماح بالبقاء والتواجد فى قرية المتقدمين تحت مفهوم العولمة.(1/1)
وتمثل العولمة أخطر تحول تاريخى واجتماعى وسياسى واقتصادى ظهر قبل نهاية القرن العشرين. جاءت العولمة كمولود للنظام العالمى الجديد الذى ت شك ل تحت تأثير أربع ثورات أساسية خلال العقد الأخير من القرن العشرين. وهذه الثورات هى:
(1) الثورة الديمقراطية التى تقودها الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية العملاقة المالية والاقتصادية...تتبنى هذه الثورة اقتصاديات السوق وتحرير التجارة بعد تفتيت الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية.
(2) الثورة العلمية والتكنولوجية الجديدة (الموجة الثالثة) والتى تعتمد على المعلوماتية, والإلكترونيات الدقيقة, والفوتونات الضوئية, والطاقة النووية, والفضاء, والمواد الجديدة والهندسة الوراثية... إلخ.
(3) ثورة التكتلات الاقتصادية والسياسية العملاقة حيث التكامل والتعاون ودمج النماذج الإنتاجية بالنماذج التكنولوجية فيما بين الدول وكثير من الشركات الكبرى خصوصا الشركات متعددة الجنسية.
(4) ثورة تحرير التجارة والنجاح فى إنشاء منظمة التجارة العالمية لتحل محل الجات.
لقد جاءت العولمة كنتاج حتمى لسرعة المواصلات....والتطور الرهيب فى تكنولوجيا المعلومات... وسهولة الاتصالات .... والتجارة الدولية....والزيادة فى السياحة العالمية. إن الاستخدام الواسع والمطرد لوسائل الاتصالات الحديثة فى مختلف ميادين الحياة أزال الحواجز الزمنية والمكانية بين الأمم, وحول العالم إلى قرية واحدة لها تشريعاتها ومتطلباتها التى تقوم على الندية والمنافسة والمواكبة. الأمر الذى يتطلب دعم البحث العلمى على نحو يجعل التراكم الرأسمالى مرتبطا بالتراكم الإيمانى المعرفى وتحقيق تنمية بشرية مستمرة ...(1/2)
والحقيقة أن ما نشهده أو يوشك أن نشهده ليس نهاية قرن وبداية قرن جديد أو قدوم ألفية ثالثة فحسب, وإنما هو خاتمة لعصر وافتتاحية لعصر جديد فى مسيرة التاريخ. وإننا حقيقة أمام متغيرات وتحديات هائلة على المستويين الداخلى والخارجى فى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية.
والتحديات العلمية والتقنية القائمة والمتوقعة بالغة الكم والكيف والتوزيع والتوجيه, وهى أيضا بالغة الأثر على الأمة الإسلامية من حيث استمرار البقاء واحتلال موقع على الخريطة العالمية والحضارة المعاصرة وتجنب التخلف والتيه فى الدروب الخلفية للتاريخ.
وتشير البنود التالية إلى بعض القضايا الأساسية ذات العلاقة بحضارة إسلامية مستقبلية أساسها الدين والعلم.
2 ـ موقف الإسلام من العلم
اصطفى الله سبحانه وتعالى وأعد سيدنا محمدا لحمل رسالة الإسلام التى جعلها الله خاتم الشرائع السماوية, وخاطب بها البشرية فى مختلف العصور وسائر البقاع, وجعل أساسها وركيزتها الأولى العلم والخ لق. ولذا فقد اختص الله رسول الإسلام بقوله وإنك لعلى خلق عظيم , وكانت أول آية من آيات القرآن تحث على العلم والتعلم, يقول جل ش أنه اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذى علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم . ولإشعار الناس بتقدير العلم والتعلم أقسم بأداة الكتابة والتعلم فى قوله جل شأنه " ن والقلم وما يسطرون " وقوله: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " .
والعلم فى نظر القرآن ليس خاصا بعلم الشرائع والأحكام من الحلال والحرام وحدها, بل التفقه فى كل ما يدعم الدعوة وكل ما يوسع المدارك ويبصر الإنسان بأمور الحياة, ويفيده توفيقا وقدرة على الاستفادة بكل ما خلق الله لإسعاد البشرية.(1/3)
إن إدراك طبيعة الأرض وما يحيى مواتها ويضيف إلى عمارتها ويجعلها تنبت وتثمر وتعمر, علم مطلوب دراسته وتعلمه. وما يصلح الحيوان ويسخره لخدمة الإنسان واكتمال الانتفاع به, علم يدعو القرآن إلى تعرفه. وطرق الكسب المشروعة لتحصيل المال واستثماره على الوجه الذى ينظم موارده ومصادره ويمنع التحكم والاحتكار ويزيل الحقد والغل من النفوس, علم يجب التعرف عليه والتسلح به. والتعرف على الصناعات بأنواعها التى تيسر للإنسان سبل الحياة وتمكنه من الانتفاع بالقوى الكامنة فيما خلق الله, علم مطلوب منا الوقوف عليه. وما نحفظ به الأنفس من التهلكة بمقاومة الأمراض والعلل وطرق علاجها والوقاية منها علم يجب التزود به. وكل ما يمكن إعداده من قوى ندفع بها الأذى والعدوان ونرهب به من تحدثه نفسه بالعبث بالأمن والسلام, علم يجب التعرف عليه.
وبذلك كله كان العلم هو العنصر الأول من عناصر الحياة فى نظر الإسلام, وبه حارب الإسلام الجهل فى كل وكر من أوكاره وفى حديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أن من تعلم وعلم, علمه الله ما لم يعلم ", كذلك يقول الإمام الغزالى أحد كبار أئمة الصوفية 505 هـ " إن تعلم علوم الصناعات وكل ما ينهض بشئون الحياة يعتبر فرض كفاية حتى تكفى الأمة احتياجاتها من جميع ما تحتاج إليه ".
وقال الله تعالى " والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبرمن هنا وبالعلم وقوة العقيدة والعمل الصالح ظهر أجدادنا العرب المسلمون على مسرح التاريخ, وكان لهم بيان ووجود, وأصبحوا سادة العالم حينذاك, ذلك بالتحضر بالعلم والثقافة. ولقد جعل النبى - صلى الله عليه وسلم - (ووجه أصحابه من بعده أن تكون أهدافهم فى هذه الحياة الإيمان والعلم والمعرفة والثقافة, لا يؤثرون على ذلك شيئا. يتبادلون ذلك ويعملون على ذيوعه ونشره لعمارة الأرض التى استخلفوا فيها.(1/4)
لقد روت كتب السيرة أنه لما وقع فى أيدى المسلمين بعض الأسرى ممن يقرؤون ويكتبون, جعل الرسول فداء العاجز عن الفدية تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.
وروت كتب التاريخ أن هارون الرشيد إذا ما انتصرت جيوشه فى معركة يقصر طلبه عن تعويض خسائر الحرب على تسليمه نفائس الكتب حتى تترجم إلى العربية وينتفع بما فيها من معلومات. وقد سلك ابنه الخليفة المأمون هذا المسلك حتى قال إن الأسلحة العقلية التى يتسلح بها فى سبيل السلام وتدعيمه هى الكتب والمعلومات.
ولما أسر المسلمون الأولون عددا كبيرا من الصينيين وكانوا ذوى خبرة فى صناعة الورق خيرهم الحاكم بين الاسترقاق وبين تحريرهم بشرط تعليمهم العرب صناعة الورق. حتى تعلم المسلمون هذه الصناعة وأصبحوا فى عهد الخليفة المنصور المختصين بتلك الصناعة.
وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن العلم مطلوب من كل مسلم, فقد روى عنه أنه قال: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". وقال: " طلب العلم عبادة, وأنه الفريضة بعد الفريضة المكتوبة ". وروى عنه أنه قال: " فضل العلم خير من فضل العبادة ". ووجه المسلمين إلى طلب العلم طوال حياتهم من المهد إلى اللحد. وأن يهاجروا فى سبيل طلب العلم ويسعوا وراء الحصول عليه مهما بعدت الشقة.
لقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على العلم, وغرس فى نفوسهم حب العلم واحترام العلماء, وعلمهم أن دم الشهداء يوزن يوم القيام ة بمداد العلماء, وعلمهم كذلك أن العلماء ورثة الأنبياء. فالأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم.(1/5)
وقد جعل النبى - صلى الله عليه وسلم - (موضع الغبطة أن يضاف إلى العلم نشره بالتعل يم, وتوعد من يقصر فى نشر الثقافة والمعرفة إذ يقول: " ما بال أق وام لا يفق هون جيرانهم ولا يعل مونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم, وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظن. والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويأمرونهم ويفهمونهم, أو لي عجلن لهم الله العقوبة ".
ومن هذا يبين بوضوح مدى حرص الإسلام على العلم والتعلم, ومدى حرص سلفنا الصالح على التزود بالعلم والمعرفة ونشر العلم والثقافة.
وإذا كان الإسلام عقيدة خالصة تستقر فى القلوب فإنه مع ذلك أو قبل ذلك فيه مبادئ هادية لا تناقض العقول, إذ القلوب هى وعاء الإيمان, والعقول هى الوسيلة إلى الفهم والاقتناع, فإذا توفر الفهم واكتمل الاقتناع, أخذت المبادئ طريقها إلى القلب لتصبح عقيدة مستقرة.
ومن هنا كان خطاب الدين موجها إلى العقول أولا. يناقشها ويجادلها وينعى على أصحابها التقليد الأعمى والانقياد الموروث, أنظر قول الله سبحانه: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ومثل الذين كف روا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون .
فالآية هنا توضح ضرورة التحرر العقلى, والانفلات من أسر العقائد الموروثة دون تفكير, وترسم صورة منفردة لأولئك الذين يلغون عقولهم, ويكبلون تفكيرهم فيجعلهم كالدواب "الصم البكم العمى".
ولما كان العلم نورا يضئ للعقل طريقه, حث الإسلام عليه وأمرنا بالتزود به وجعله زاد العقول. فرغب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى الحرص على طلبه لعلو مكانته, فيقول فيما روى عنه "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رهنا بما يطلب, ولمداد جرت به أقلام العلماء خير من دماء بذلت فى سبيل الله".(1/6)
لقد مثل الإسلام العلم بنور يمشى به صاحبه فى الحياة قاطعا سبيله فيها على بينة وهدى, ومثل الجهل بالظلمة التى تجعل صاحبها متخبطا فى سيره مضطربا فى سلوكه غير مهتد إلى طريقه وقد تدركه هلكتة قبل الوصول إلى غايته, كذلك يقول الله سبحانه: " قل هل يستوالذين يعلمون والذين لا يعلمون " .
وعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أن دعوته تقوم على العلم والتبصير, وأنها تحث على التثقيف والتعقل فى كل أمر, وأنها تعتمد فى جملتها على مخاطبة العقل, وأنه لا حظ لجاهل فى الإسلام لأن الله جعل العلم حياة والجهل مواتا إذ يقول سبحانه: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به بين الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " .
ولعل الحكمة فى تنبيه العقول وإيقاظها للتعرف على الخالق واضحة فى أول آية نزلت من القرآن كله "اقرأ باسم ربك الذى خلق ", فهى دعوة إلى القراءة وتنبيه إلى أن الله سبحانه هو الخالق الذى علم بالقلم. ولم تكن القراءة المقصودة فى الآية قراءة حروف وكلمات وإنما كانت تفكرا فى كتاب الكون المنظور الواسع للاستدلال على قدرة الله حتى ندين له بالولاء والطاعة.
وحسب الإسلام دعوة إلى العلم أن يكون القرآن نفسه هو المعجزة العقلية الكبرى التى تحدت بلغاء العرب قديما بسحر بيانها. ومازالت تتحدى العلم حديثا بدقة شمولها.. "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " .(1/7)
فالإعجاز البيانى فى القرآن واضح فى فصاحة كلماته وبراعة نظمه وجزالة أسلوبه وبلاغته فى الدلالة على معانيه. وتحديه للعلم الحديث واضح فى اشتماله على أسمى التشريعات الروحية والأدبية والاجتماعية والسياسية والمالية التى كان ولازال بها أكبر الأثر فى إصلاح المجتمع الإنسانى واستقراره لبلوغها مرتبة الكمال التشريعى, ويتضح أيضا فى اشتماله على كثير من كوامن العلوم والمعارف التى كانت تجهلها الأمم ثم كشف عنها العلم فيما بعد ولازال يكشف عنها إلى اليوم, وسوف يظل يكشف عنها على مدى الدهر وإلى الأبد مازال الاجتهاد فى ما لا يمس النص سبيلا مقبولا .
3 ـ التعليم فى الإسلام
يمثل التعليم فى الإسلام أعظم تجربة رائدة عرفتها البشرية فى سبيل بناء حياة فاضلة, وأقوم طريق أمام أبناء العالم الإسلامى اليوم لمواكبة ركب التقدم العلمى واسترداد سالف رسالتهم فى خدمة الحضارة الإنسانية. ذلك أن هذا التعليم استطاع أن يقضى على القطيعة الموهومة بين الدين والعلم. تلك القطيعة التى سلبت الإنسانية قديما. كما تسلبها اليوم . أسباب الطمأنينة والسعادة.
جاءت تعاليم الإسلام تنادى أن مصدر الحقيقة الدينية والعلمية إنما هو الله الواحد الحق, ومن ثم فالحق واحد لا يتعدد, وإنما تتعدد الأهواء والنوازع التى لا تسترشد بهدى الدين أو بنور العلم. قال تعالى: " فذلكم الله ربكم الحق, فماذا بعد الحق إلا الضلال . ودعم القرآن الكريم تلك السمة الجليلة التى اتسم بها التعليم فى الإسلام حين أكد الله سبحانه وتعالى بعث محمد (معلما وهاديا للحق, فقال تعالى " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب والحكمة, ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ".(1/8)
وإذا كان الإسلام قد أنهى عملية القطيعة بين الدين والعلم, فإن الإيمان فى ظل الشعور الإسلامى إنما يربو ويرسخ بنشر التعليم بين البشر وإزاحة كابوس الجهل وظلماته عن آفاق بلاد مكبلة فى أغلاله. ويتضح الفرق بين التعليم فى الإسلام وغيره فى ظل الأديان الأخرى حين نرى ما بذله رجال الدين فى العصور القديمة والوسطى لاستبقاء الجماهير فى أغلال الجهل حين أحسوا أن سلطانهم إنما يزول بقدر ما تستنير الشعوب, وأن ظلهم إنما يتقلص بطلوع شمس العلم والمعرفة.
وأما الإسلام فيرى أن الاستزادة من العلم إنما تؤدى إلى تقوى الله وخشيته, وهى جوهر الإيمان وروحه, ذلك يتأكد من قول المولى:" إنما يخشى الله من عباده العلماء ". وأن الراسخين فى العلم إنما هم من الشهود على وحدانية الله سبحانه وتعالى وتفرده بالألوهية الحقة.
وبدأت مع هذا المفهوم السامى للتعليم فى الإسلام صفحة جديدة مشرقة فى تاريخ البشرية, استرد فيها الإنسان كرامته وشخصيته, وأدرك بها حقيقة رسالته ومهمته فى الوجود. فهو خليفة الله على الأرض, كما جاء فى قوله تعالى:" وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ". ثم تأكدت خلافة الإنسان فى الأرض فى تعليم آدم, فقال تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها, ثم عرضهم على الملائكة, فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ", قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض, وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " .(1/9)
وأوضحت تلك الآية الكريمة الإطار الشامل الذى اتجه إليه التعليم فى الإسلام. فالله سبحانه وتعالى خلق الكون أولا, ثم الإنسان ليكون خليفة الله على هذا الكون, ثم علم الإنسان الأسماء وعرفه على هذا الكون, ظاهره وباطنه. فخلافة الإنسان على هذا الكون هى مظهر كمال الكون, وأن الإنسان مأمور من الله سبحانه وتعالى بهذه الخلافة لعمارة الأرض ذلك بقدرته على أن يتعلم كل ما يدفع حياة التطور إلى الأمام. فالتعليم هو السبيل الموصل نظريا وعمليا إلى الكشف الدقيق عن أطوار الإنسان وأوضاعه فى الكون. قال تعالى: " قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ". فجعلت هذه الآية الكريمة من دراسة الكون طريقا إلى الإيمان, وجعلت الإيمان فى الوقت نفسه طريقا لفهم الكون وأسراره, بل جعلت أحدهما دليلا على الأخرى ومكملا , وشرطا لصحته.
وتتابعت الآيات الكريمة التى رسمت للتعليم فى الإسلام أمثل السبل لينهض الإنسان بخلافته على الأرض, واستثمار ما سخره له الله فيها. قال تعالى: " هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا , ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات, وهو بكل شئ عليم" . وقال تعالى:"الله الذى خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم, وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار, وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار, وآتاكم من كل ما سألتموه, وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " .(1/10)
واتجه التعليم فى الإسلام فى ضوء تلك الآيات الكريمة إلى إعادة بناء قوى الإنسان وصياغتها بما يحقق له "مجتمع خلافة الله فى الأرض " فأشار الإسلام إلى أن فى طبيعة الإنسان كل الاستعدادات اللازمة لحياة خلق من أجلها وتستمر مع حياة الإنسان وعلى امتداد مراحل نموه. ففى طبيعة الإنسان استعداد روحى من عطاء الله ومادى من مصدر خلقه, وذلك جاء فى قوله تعالى:" وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه . ومن ثم جاء التعليم فى الإسلام روحيا وماديا . جاء تعليما متكاملا يدعو إلى مراعاة متطلبات الروح, ويحث أيضا على الاهتمام بالتكوين البيولوجى للإنسان وصلته بالكون الذى يعيش فيه. فهو تعليم يوفر للإنسان السعادة فى الحياة الدنيا, ويكفل له الزاد للحياة الآخرة, الحياة الباقية.
وكفل التعليم فى الإسلام بذلك سبيلا أتاح للإنسان أن يعيش فى واقع مجتمع حى, ينتصر فيه البرهان الحسى على كل الخرافات والأوهام التى فرضتها عليه جهالات العصور القديمة والأديان الوثنية. فاليقينية العلمية صارت المحور الذى دار عليه ذلك التعليم الإسلامى فى شتى مراحله, إذ هى السبيل الذى تحررت به البشرية من سجون الوثنية ومن أغلال رجال الديانات السابقة على الإسلام. فانتهى بشروق شمس الإسلام عقم التعليم التجريدى القديم فى مجالات الكشف عن الحقائق والقوانين. وبدأ المفهوم الجديد للتعليم فى الإسلام يهدى الناس إلى مصدر كل علم, والقادر على ذلك هو الله سبحانه وتعالى, مع الإيمان والتصديق فى قدرته على ذلك إذ يقول سبحانه وتعالى "ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء . وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " .
4 ـ التربية فى الإسلام(1/11)
هناك مفهومان متداخلان يجب تحديدهما وهما التعليم والتربية. فالتعليم يستهدف غاية عقلية تتحقق بإكساب طالب العلم مجموعة من المعارف فى شتى المجالات فى الحياة. وهذه الغاية هى التى يمكن أن نطلق عليها " المعرفة من أجل المعرفة " وإذا تحققت فقد أدت المهمة التعليمية دورها الذى ينحصر فى تنوير المدارك وتثقيف العقول.
وتبقى بعد ذلك مهمة أخرى هى المهمة الحياتية التطبيقية أى توظيف هذه المعارف واستخدام هذه العقول فيما يعود على الإنسان المتعلم بالنفع فيسعد بحياته حين يسخر طاقاتها لخدمته, ويسيطر على كل مجالاتها بعقله واكتشافه.
وحين يصل الإنسان إلى هذه الغاية فإنه يشعر بنفسه وقد حقق ذاته وانتصر على ما حوله من مظاهر الطبيعة وسخر العلم الذى تعلمه فى تحقيق النفع الذى ينشده, وتلك هى الغاية التى يمكن أن نطلق عليها " المعرفة من أجل المنفعة ".
ولقد كانت الإحاطة التامة بالمعرفة هى الهدف الأسمى لدى فلاسفة التربية, ومما شجع على تأكيد هذا الهدف نشر الحركة العلمية والنفعية. ويمكن ترتيب أهداف التربية من حيث قيمتها للفرد والمجتمع على النحو التالى:
أولا: يجب أن تهدف التربية أولا وقبل كل شئ إلى تعليم الأفراد فى المحافظة على الذات والاستزادة من المعارف واستعمال العقل فى استيعابها والاستفادة منها.
ثانيا: يجب أن تمكن الفرد من كسب القوت.
ثالثا: يجب أن تعمل على بقاء الجنس والنوع, وذلك عن طريق تعليم الفرد القدرة على رعاية الأسرة والمجتمع.
رابعا: يجب أن تهيئ الفرد القيام بمهام الحياة الاجتماعية والسياسية
خامسا: يجب أن تزود الفرد بما يمكنه من التمتع بالتراث الثقافى للجنس البشرى من فن وعلم وأدب.(1/12)
وواضح من هذه الأحداث التربوية الخمسة: أن الفرد هو محور التربية, وأن غاية هذه التربية فى مفهوما الأسمى أن تسعد هذا الفرد فى حياته, وأن تهيئ له كل الوسائل لتحقيق هذه السعادة بالتفاهم مع المجتمع واستغلال كل طاقات الحياة لخدمة الإنسان ومتعته ورفاهيته. وحين تتجرد هذه التربية وتصبح فلسفة مثالية فى نظر رجالها, فإن ذلك يعنى على أحسن الفروض أن نتابع السعادة فى الحياة لكل البشر على السواء. والسعادة فى أن يأكل ويشرب ويلبس ويتمتع بكل جوانب الحياة الرغدة المفيدة.
لقد أصبح من المسلم به فى هذا العصر الذى يموج بتياراته الفكرية المختلفة ومذاهبه الفلسفية المتباينة أن الإس لام دين تربوى . إن صح التعبير . وأنه جاء يخاطب الإنسان ويجرى معه حوارا طويلا يبدأ بتفاهمه على أصول العقيدة, ثم يحدد مسئوليته نحو نفسه ونحو مجتمعه, ثم يربط وجوده فى الحياة ومصيره فى الآخرة بخالقه. ولعل ذلك يتضح إذا تمثلنا الغاية من التربية الإسلامية للفرد المسلم فتصورنا أنها فى إطار من التوجه لتقوى الله تتحقق من خلال أهداف ثلاثة:
أولا: تنظيم علاقة العبد المخلوق بالله الخالق.
ثانيا: تنظيم علاقة الفرد الصغير بالمجتمع الكبير.
ثالثا: تحقيق توازن الإنسان توازنا نفسيا داخليا على ركيزة ثابتة من الإيمان.
وهذه الأحداث الثلاثة يجمعها القرآن الكريم فى مثل قول الله عز وجل فى آية واحدة.
1ـ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة.. .
2ـ ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك .
3ـ ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين .
لقد جاء الإسلام دينا له رسالة بين الناس ركزها القرآن فى جزء من آية واضحة هو قوله تعالى: " كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ". ويقصد بالنور هنا معنى واسع لكل لون من ألوان الاستقامة والخير وتحقيق الجانب المضئ فى نفس الإنسان.(1/13)
فانطلاق الإنسان فى الحياة بغير غاية.... ظلام, فى حين أن إنصاف الضعفاء من الأقوياء..... نور. بل إن الارتباط بالدين والالتزام به من وجهة نظر الإسلام هى الحياة نفسها. فإذا كان قد شبه اعتدال أمور الإنسان فى ظل الدين بالنور, فقد شبه الدين نفسه بالحياة, وشبه الحياة من غير دين بالموت, فقال فى القرآن الكريم" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ". وقال " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " .
وإذا سار الإنسان على الطريق القويم للحياة, فإنه يجد الدين يشجعه على المضى بنجاح, ويثبت قدميه على طريق الحق, لا يصيبه وهن أو ضعف, ولا يثنيه عن المضى شئ . أى شئ . لأن له من دينه عاصما ودافعا .
أما إذا زلت قدمه فسقط فإنه سيجد الدين يأخذ بيده برفق, ويحيى نفسه بالأمل لأن الله سبحانه وتعالى كما وصف نفسه: " إن ربك واسع المغفرة. هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم ".
وباختصار شديد فإن رسالة الإسلام هى تدريب النفس على تنمية المعنى الإنسانى فى الإنسان. "والدين بناء على ذلك هو الدافع إلى الحياة". وفى إطار تلك النظرة تتحدد علاقة الإسلام بالعلم والتربية على النحو السابق.
5ـ تصنيف أهل الأرض
خلق الله الإنسان, وميزه بالعقل والقدرة على الفكر والبحث والاختراع والإبداع والابتكار, فهو خليفة الله فى الأرض...... سخرله الكون وجعله مستودعا (خزانا ) لا نهائيا للمعرفة... وبقدر ما يكتشف الإنسان وينتج ويولد المعرفة من هذا الخزان ويستخدمها فى الإنتاج وتوليد السلع والخدمات بقدر ما تكون له الهيمنة والسيطرة.(1/14)
وتمشيا مع سنة الوجود.....فقد نجحت مجتمعات فى إحداث نهضة اقتصادية من خلال إنتاج المعرفة وإتقان تطبيقها فى المجالات الصناعية والزراعية والخدمية. بينما فشلت مجتمعات أخرى فى تحقيق ذلك. ومن هنا تحولت المجتمعات البشرية إلى مجتمعات غنية اقتصادياتها قوية وتمتلك القدرة على التحكم فى مواردها, ومجتمعات فقيرة اقتصادياتها ضعيفة وتتحكم فيها عوامل خارجية وتفتقر السيادة على مقدراتها.
إن الثروة أساسها ألا تكون ولكنها تتكون. فالبيئة تزخر بأشياء كثيرة ومتنوعة تقع فى أبواب التكاوين البيولوجية (النبات وأجزائه) أوالجيولوجية (كالصخور والبترول) أو الكيميائية (كأخلاط الغازات التى يتكون منها الهواء الجوى) أو الفيزيقية (كطاقة الشمس والرياح وجريان الماء). لا تمثل هذه التكاوين جميعها بذاتها ثروة, إنما هى عناصر بيئية تتحول إلى ثروة باستكمال ثلاث مراحل من العمل البشرى:
1ـ أن يكتشف الإنسان أن لهذا العنصر البيئى فائدة مقابل واحدة من احتياجاته.
2ـ أن يبتكر الإنسان الأساليب والأدوات التى تمكنه من أن يحصل بها على هذا الشئ, والتى يعالجه بها حتى يتحول إلى الصورة التى تقابل حاجته.
3ـ أن ينهض الإنسان بالعمل مستخدما الوسائل والأدوات التى يبتكرها للحصول على العنصر البيئى الخام, ولمعالجته وتحويله إلى سلعة نافعة أو خدمة مطلوبة.
هذه قاعدة تنطبق على كل شئ ..... فاكتشاف الجدوى هو دورالعلم, وابتكار الوسائل هو التكنولوجيا, والتطبيق للإنتاج هو التنمية....بمعنى إنتاج المعرفة وإتقان تطبيقها لمواجهة كافة الاحتياجات التى ينعم بها الإنسان...وهذا ما برعت فيه وأخذت بناصيته المجتمعات الغنية والمتقدمة.(1/15)
تقع غالبية المجتمعات الغنية فى الجزء الشمالى من الكرة الأرضية ولذلك عرفت بدول أهل الشمال... بينما تقع غالبية المجتمعات الفقيرة فى الجزء الجنوبى من الكرة الأرضية ولذلك عرفت بدول أهل الجنوب....تنتمى الدول الإسلامية لأهل الجنوب. يمثل سكان أهل الجنوب ما يزيد عن ثلاثة أرباع البشر فى العالم وتحتل دول الجنوب ما يزيد عن ثلثى مساحة اليابسة.
يعانى سكان أهل الشمال من مشكلتين أساسيتين, أولهما الذعرالنووى, وثانيهما البطالة. بينما يعانى سكان دول الجنوب من مشكلات مزمنة مثل نقص الاحتياجات الأساسية كالغذاء, والمسكن, والكساء, والسلامة الصحية, والتعليم, بجانب مشاكل البطالة والازدحام وانعدام الأمن, وانخفاض أسعار المواد الأولية, والعمالة, مع زيادة أسعار السلع الصناعية التى يستوردونها.
ولكن يوجد عدد قليل من القضايا المشتركة بين أهل الشمال (الدول المتقدمة) وأهل الجنوب (الدول النامية) تتمثل فى النظام البيئى, حيث توجد وتتوحد فاعلية رئات ومتنفسات كوكب الأرض والمتمثلة فى الغابات فى الدول النامية. كذلك مخاطر بعض الأمراض المشتركة مثل الإيدز وما تنقله الحيوانات والحشرات وكذلك التجارة وعالمية تأثيرها. وإن كانت حصة الدول النامية مجتمعة فى التجارة العالمية لا تبلغ سوى 15 ـ 20%. إضافة إلى كل ذلك فإنه توجد منظمة الأمم المتحدة التى تضم دول أهل الشمال ودول أهل الجنوب بكل ما لها وما عليها من تفاوتات.
ولقد تم تصنيف العالم بعد الحرب العالمية الثانية, وفى خلال فترة الحرب الباردة التى استمرت 45 سنة, إلى ثلاث درجات: دول العالم الأول وتضم أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية, ودول العالم الثانى وتضم الاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية ثم دول العالم الثالث وتضم الدول النامية. وخلال هذه الفترة قاد العالم القوتان الأعظم ممثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى الذى تأثر دوره بعد انقسامه.(1/16)
ثم جاءت جات 1994 لتقسيم أهل الأرض إلى ثلاث مجموعات على أساس الدخل السنوى للفرد: الدول المتقدمة, والدول النامية, والدول الأقل نموا . حيث يقل هذا الدخل عن ألف دولار أمريكى بالنسبة لمجموعة الدول الأقل نموا . إضافة إلى كل ذلك فإنه توجد شريحة من الفقراء تقع تحت خط الفقر (Extreme Poverty) وهى الفئة التى تعيش على دخل, لا يسمح لها بالحصول على غذاء يكفيها القيام بعمل لمدة ثمان ساعات يوميا , ولا يغطى ثمن احتياجها من السعرات الحرارية (Calories) المطلوبة للعمل.
ولنا أن نحدد موقفنا فى العالم الإسلامى بالنسبة لهذا التصنيف.
6ـ المتغيرات الدولية والتوجهات العالمية والعلمية
يواجه عالمنا المعاصر تغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية وتكنولوجية وعلمية على المستوى الدولى والإقليمى والوطنى. وفى ظل تلك المتغيرات وما صاحبها من تحديات ومنافسة خطيرة فى التجارة والأسواق, تتجسد توجهات التطورات الدولية والعالمية المعاصرة فيما يلى:
1ـ فى بداية العقد الأخير من القرن العشرين انتهى صراع القوتين العظمتين, وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد كبير بالساحة الدولية سياسيا وعسكريا , وساعد ذلك على التأثير المباشر فى شكل وموضوع النظام الاقتصادى الدولى المعاصر.
2ـ هناك اتجاه متزايد نحو التكتل الاقتصادى للاستفادة من التطورات التكنولوجية الهائلة. حيث أن الاقتصاديات الصغيرة تحد كثيرا من نتائج الاستفادة بهذه التكنولوجيا. بل وقد تعجز أصلا عن الحصول على الكم والنوع المناسبين منها نتيجة لنقص الإمكانات التمويلية.
3ـ تنامى دورالشركات عبر القومية, التى تضخمت أرباحها, واتسعت أسواقها, وتعاظم نفوذها فى التجارة الدولية. حيث تسيطر على 80% من تجارة السلع الأولية, وعلى جانب هام من السلع الصناعية, وتحتكر السلع ذات التطوير التكنولوجى, وتقود عملية الاستثمار المباشر على المستوى الدولى. بل وتهيمن عليه إلى أكبر حد.(1/17)
4ـ تزايد دور مؤسسات التمويل المالية الدولية بشكل مباشر فى تصميم برامج الإصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى فى الدول النامية (بتحرير آليات السوق وإطلاق حرية المنافسة الاقتصادية).
5ـ تدويل بعض المشكلات الاقتصادية والتوجه العالمى لتنسيق معالجتها مثل مواجهة الفقر وتزايد السكان والتنمية البشرية وتلوث البيئة.....إلخ.
6ـ تعاظم دور الثورة التكنولوجية الثالثة وتأثيرها فى التحكم فى الاقتصاد العالمى من خلال سيادة علمية وتكنولوجية محتكرة, وأسواق ذاتية منطلقة النمو, وتغيرات سريعة فى أسلوب الإنتاج وأدواته.
7ـ ظهور ظاهرة القرية العالمية, وانكماش المسافات, وزيادة الاحتكاك بين الشعوب وتطور الخصائص والنمط السكانى فى العالم النامى والعالم المتقدم.
8ـ تطور وسائل الإعلام وتأثيرها على طبيعة البشر وتطلعاته وسلوكه واختلاط الحضارات والثقافات وشحوب الهوية القومية.
9ـ التوجه نحو التكتلات والتجمعات الاقتصادية لمن يعملون لمستقبل أفضل, وتعاظم دور المعلومات, والإدارة, والمراقبة فى إدارة نظم ومنظومات هذا النظام العالمى المتطور وكفاءة تشغيله.
10ـ تعايش المجتمعات المعاصرة مع ثورة المعلومات وثورة الاتصالات وثورة التكنولوجيا مما يسبب إحداث تغييرات ثقافية فى مجالين: المادى بما يتضمنه من علوم ومعارف وابتكارات واختراعات وتكنولوجيا وغيرها. والمعنوى بما يتضمن من سلوكيات وأخلاقيات وقيم.(1/18)
11ـ التوافق مع العولمة أصبح قضية مصيرية لأنها تمثل النتاج الفعلى للنظام العالمى الجديد الذى تتبناه وتحرص عليه القوى الدولية المتحكمة فى مقدرات دول العالم أجمع. تقود هذه القوى الدولية تيارا عالميا شرسا نحو التحرر والإصلاح . الموجه الغالبة فيه تمثل نوعا من الإصلاح المزدوج فى الاقتصاد والسياسة, يقوم على التعددية السياسية ومزيد من الاقتصاد الحر المعتمد على آليات السوق. كما تعمل هذه القوى الدولية على أن يصبح الاقتصاد والإنتاج الصناعى والإدارة عالميا .
12ـ مع زيادة كثافة المعرفة الخاصة بالإنتاج باستخدام التكنولوجيا القائمة على العلم. أوجبت التكنولوجيا النظر إليها كاستثمار للمنافسة لا كتكلفة للتحديث. ومن ثم أصبحت التكنولوجيا فقط هى الرباط الحيوى الذى يربط بين التجارة والتنمية, حيث ينظر إلى الأخيرة على أنها طريقة مستمرة للتحويل والتطويع والتحكم.
13ـ كما أن سياسة التنمية هى التى تحدد مسبقا دور كل من العلم والتكنولوجيا والإنتاج ونطاق مشاركته فى جهود التنمية الشاملة, وأن التنمية الشاملة تقتضى التطوير التكنولوجى المستمر الذى يعجل بمعدلاتها بينما يتدعم هو بمنجزاتها.
14ـ زد على ذلك أن سياسة التنمية . التى تمثل الإجراءات العلمية لتنفيذ استراتيجيتها . يجب أن تأخذ فى اعتبارها عنصرى التكامل الرأسى والأفقى لهيكل الإنتاج, بمعنى أن تستطيع القطاعات الإنتاجية توفير احتياجاتها . على مراحل . ذاتيا أو داخليا . وفى غيبة مثل هذه السياسة يصبح الاقتصاد القومى طرفا لاحقا (أو تابعا ) للتطور التكنولوجى فى الاقتصاد الخارجى.
15ـ ولا يمكن أن يتم نقل التكنولوجيا بصورة تحمى الاقتصاد والموارد الوطنية, إلا من خلال سياسات ومؤسسات قومية, تضبط مساره, مع تخطيط شامل متزامن لبناء القدرات الذاتية, بدءا من القدرة على اختيار التكنولوجيا, والقدرة التفاوضية لحيازتها, والقدرة على استيعابها...إلخ.(1/19)
16ـ يفرض التقدم التكنولوجى فى البلاد المتقدمة كما تفرض التطورات الاقتصادية والسياسية فى الأعوام القادمة التى حدثت مؤخرا على نطاق دولى, تأثيرات متباينة على قدرة صادرات الدول النامية على المنافسة ونقل وتطوير التكنولوجيا. يمثل انتشار الابتكارات فى التكنولوجيا الحيوية واستخدام مواد جديدة, واستخدام الحاسبات الإلكترونية تحديات وفرصا على السواء للدول النامية.
17ـ وهناك احتمال قوى لحدوث استقطاب صناعى وتكنولوجى بين كل من الدول المتقدمة والنامية وكذلك فيما بين الدول النامية ذاتها نتيجة لاختلاف فى القدرة على جذب تدفقات الاس تثمار والتكنولوجيا الأجنبية.
18ـ وفى مواجهة تزايد تكلفة البحث والتطوير وكثافة المنافسة التكنولوجية الدولية. قامت الشركات فى الدول المتقدمة بحماية ابتكاراتها التكنولوجية من خلال وضع تدابير مؤسسية دولية وحكومية أكبر لحماية الملكية الفكرية . كما أرست هذه الشركات نظما لتحالفات استراتيجية مع المتنافسين والعملاء والموردين خاصة فى الدول المتقدمة بغية التكامل فى ميدان البحث والتطوير, ومن المتوقع أن تنعكس هذه الاتجاهات على تكلفة التكنولوجيا وفرص الوصول إليها بالنسبة للدول النامية خصوصا فى صناعات معينة مثل المواد الصيدلانية والكيميائية وأشباه الموصلات, أما التكنولوجيا فى معظم الصناعات الأخرى فستظل متاحة بيسر لغالبية الدول النامية من مصادر بديلة.
19ـ ومن المنتظر أن يواجه المجتمع الدولى فى التسعينات وما بعدها تحد رئيسى يتمثل فى كيفية وضع وتنفيذ استراتيجية للتنمية المطردة والمستدامة. ويستلزم هذا الأمر:
* تطبيق التكنولوجيات السليمة بيئيا مما يسهم إسهاما ملموسا فى رفع الإنتاجية واستمرارية الموارد فى مجالات الإنتاج الزراعى وإنتاج الطاقة المتجددة ومكافحة التلوث لقبولها فى الأسواق.(1/20)
* سرعة العمل على نقل التكنولوجيا وتطويرها من أجل زيادة قاعدة المهارات والمعارف التى تمثل الركيزة الأساسية للإنتاج السليم بيئيا .
20ـ إن الترابط القوى بين نمو الصادرات والتغير التكنولوجى والتنمية الاقتصادية يعرض الدول النامية لخطر كبير نتيجة ما يجرى من محاولات لتحرير التجارة ودعم القواعد المنظمة للعلاقات التجارية الدولية. وهنا يجب التركيز بصفة خاصة على ثلاث قضايا متعلقة بالتكنولوجيا وهى:
* الأخذ الموحد بمعاييرصارمة لتنفيذ حقوق الملكية الفكرية خصوصا بعدما نجحت الدول المتقدمة فى تضمين اتفاقية خاصة بتلك الحقوق فى الاتفاقية العامة للتجارة (الجات).
* تقييد شروط الأداء فيما يتصل بالاستثمار.
* احتمال فتح المجال أمام قطاعات الخدمات فى الدول النامية للمنافسة قبل أن تصبح على قدم المساواة مع غيرها.
وستؤدى هذه القضايا الثلاث مجتمعة بالضرورة إلى تقلص إمكانات التطوير التكنولوجى والتنمية الاقتصادية فى الدول النامية حيث سيكون أمام هذه الدول اختيارات أساسية محدودة لتدعيم وتنمية القطاعات الصناعية وقطاعات الخدمات بها.
21ـ لقد أثر استكمال السوق الأوروبية الموحدة عام 1992 على نقل التكنولوجيا والاستثمار فى الدول النامية, عن طريق تحويل الاستثمار وسائر تدفقات التكنولوجيا من الدول النامية المصدرة للسلع المصنعة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية, وذلك للاستفادة من ميزة متطلبات الأسواق, وتوفير الكفاءة الناجمة عن العمل داخل سوق هذه المجموعة, ولمواجهة الحواجز التجارية التى قد تؤثر على مستقبل الصادرات إلى السوق.
22ـ كما أثرت التغيرات التجارية فى أوروبا الشرقية على تدفق التكنولوجيا على الدول النامية خلال التسعينات, بسبب ما سوف يترتب على تحويل مجرى تدفق المعونات من أثر اقتصادى على الدول النامية والزيادة المحتملة (وإن كانت ضئيلة) فى أسعار الفائدة العالمية.(1/21)
23ـ يتوقف مدى التصنيع والتنمية التكنولوجية والأداء الاقتصادى للدول النامية فى التسعينات على مدى تفاعل السياسات الوطنية لهذه الدول مع القوى الاقتصادية, آخذين فى الاعتبار مواقف البدء لكل دولة وكذلك مختلف العوامل الخارجية المؤثرة على التنمية, بجانب الاختلاف الكبير فى الفعالية التى نفذت بها عملية التصنيع فى كل بلد خلال الأربعين سنة الماضية.
24ـ كذلك فهناك عنصر أساسى فى التصنيع هو الدينامية التكنولوجية التى تعرف بأنها القدرة على استيعاب تكنولوجيات جديدة, ونشرها بكفاءة وتطويعها للظروف المحلية, وتحسينها, وتطويرها, وفى النهاية خلق معارف جديدة. وتمثل الدينامية التكنولوجية على الصعيد الوطنى نتاج تآزر بين قدرات الشركات وبين الحوافز والمؤسسات. إن امتلاك المهارات شرط لازم وإن لم يكن كافيا للنجاح الصناعى, وقد تبين ذلك من تجربة أوروبا الشرقية التى توفر لها منذ وقت طويل قدر وافر من رأس المال البشرى والمهارات التقنية, ومع ذلك كان هناك تدن فى الأداء الصناعى بسبب نقص الحوافز المستندة إلى السوق وما اقترن به من جوانب ضعف مؤسسى وعزلة عن قفزات التكنولوجيا العالمية.(1/22)
25ـ وعند استعراض مختلف مؤشرات الأداء الصناعى والتكنولوجى فى 39 دولة نامية خلال الفترة 1970 ـ 1988 ظهرت الدينامية التكنولوجية كأساس للتقدم الصناعى والنمو الاقتصادى الذى تتمتع به بعض دول شرق آسيا (هونج كونج . كوريا الجنوبية . سنغافورة وتايوان) كما تتمتع به . ولكن بقدرة أقل . بعض الدول حديثة التصنيع مثل إندونيسيا وماليزيا وتايلاند. ويشير هذا الاستعراض إلى أن الأخذ بسياسة التوجه للتصدير لا يشكل مجموعة موحدة للسياسات, فهناك عنصران أساسيان يشكلان جزءا متكاملا من مجموعة السياسات العامة التى يطبقها المصدرون الناجحون, العنصر الأول هو هيكل الحوافز فى أسواق المنتجات, والعنصر الثانى هو التدخل فى أسواق عوامل الإنتاج, وبالرغم من اتباع نطاق واسع من الاستراتيجيات فقد أطلق عليها جميعا استراتيجيات التوجه للتصدير. فمثلا اقتربت هونج كونج إلى أقصى حد من نهج الاقتصاد الحر فى حين لجأت كوريا الجنوبية إلى نوع من أشد التدابير تمثيلا لأسلوب استبدال الواردات, وإن جاء ذلك بشكل انتقائى للغاية ولفترة محدودة من الزمن (أى فترة الصناعة الناشئة) وبالرغم من أن اقتصاد كل من هاتين الدولتين تميز بالنجاح والقدرة التنافسية, إلا أن الهياكل الصناعية تختلف اختلافا جذريا فيهما.
26ـ لذلك لابد وأن تستند أى بيئة دولية اقتصادية وسياسية إلى عدد من العناصر التى تدعم نقل التكنولوجيا والدينامية التكنولوجية فى الدول النامية. وهذه العناصرهى:
* تخفيف الآثار الضارة الناجمة عن القيود المالية وقيود ميزان المدفوعات التى تفرض من الدول المتقدمة على الدول النامية.
* حل قضايا السياسات التجارية الدولية البارزة خاصة فى مجال الملكية الفكرية وتدابير الاستثمار على نحو يساعد الأهداف الإنمائية والتجارية والتكنولوجية للدول النامية.(1/23)
* إعادة توجيه برامج التكيف الهيكلى للدول النامية من خلال توجيه التحول التكنولوجى لاقتصاده وذلك بالعودة إلى الإنفاق على الهياكل الأساسية الرئيسية كالتدريب, والبحث والتطوير, وشبكات المعلومات والتوحيد القياسى, ومراقبة النوعية, والأنشطة الأخرى التى تعتبر جزءا من إطار الحوافز التى تدفع المؤسسات إلى الاستثمار فى التكنولوجيات الجديدة وترسى دعائم الدينامية التكنولوجية والقدرة التنافسية الدولية.
* تنشيط تدفق التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية بواسطة التعاون التكنولوجى منذ التسعينات بإعادة النظر فى الآليات المستخدمة فى نقل التكنولوجيا مثل الحوافز الضريبية (بمعنى زيادة إمكانية تعويض الخسائر الناجمة عن الاستثمار فى الدول النامية من خلال الالتزامات الضريبية فى بلد الأصل) وضمانات الاستثمار—إلخ. كما يمكن إقامة التعاون التكنولوجى بشكل غير تجارى فيما بين المؤسسات لتدريب المهندسين والفنيين والعاملين بالبحث والتطوير, كذلك يمكن إقامة التعاون العلمى والتقنى مع بعض التجمعات الاقتصادية.
27ـ هناك ممارسة جديدة تحت مسمى out . Sourcing لبعض الشركات الكبرى فى الدول المتقدمة فى بعض الصناعات التكنولوجية المتقدمة حيث يتم صناعة المكونات المختلفة لسلعة ما فى مناطق ودول مختلفة من العالم بأسس جودة معينة ومحددة ثم يتم تجميعها فى منطقة أخرى باسم الشركة الأم التى تحدد أساليب الإدارة والتسويق وتؤكد الجودة من مكتبها الرئيسى.(1/24)
من كل ذلك فقد بات واضحا أن ثمن التخلف التكنولوجى باهظ وسيكون أبهظ غدا إلى درجة يصعب تصور آثاره ومترتباته على اقتصاد وأمن وأمان المجتمع النامى. لذلك فإن توفير التكوينات الرأسمالية مهما بلغت, ونظم تشغيلها مهما تعددت, لن تؤدى بالضرورة إلى تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية إلا إذا احتواها وعاء نسجى يخطط له, ويحكم خيوطه العمل العلمى والتكنولوجى فى إطار منظومة متكاملة للعلم والتكنولوجيا والتنمية.
7 ـ الاقتصاد المعرفى (اقتصاد المعرفة)
المقصود بالاقتصاد المعرفى هوالاقتصاد المعتمد على المعرفة, حيث تحقق المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المضافة. ومفتاح المعرفة هو الإبداع والتكنولوجيا. بمعنى أن الاقتصاد يحتاج إلى المعرفة.. وكلما زادت كثافة المعرفة فى مكونات العملية الإنتاجية, زاد النمو الاقتصادى. فم ن المعلوم أن المعرفة تعمل على زيادة إنتاجية رأس المال من خلال:
* تعليم وتدريب القوى البشرية.
* التطوير التكنولوجى بواسطة البحث والتطوير.
* خلق نظم للإدارة والهيكلة.
أى أن المعرفة تعتبر المحرك الذى يدفع الاقتصاد القومى للرخاء فى المستقبل. ومن هناك يبرز الهدف من الاقتصاد المعرفى والذى يتمثل فى الارتقاء بجودة الحياة للإنسان.
ويذكر أن التطوير التكنولوجى كان المصدر الرئيسى للنمو الاقتصادى فى دول OECD. وهو الأمر الذى دفع كثيرا من الدول الصناعية إلى رسم أطر لسياسات تعمل على ترويج الابتكارات كسبيل أوحد لغرس عمليات مستمرة من التغيير الفنى فى اقتصادياتهم.
وفى تقرير البنك الدولى عن: المعرفة طريق التنمية (98/1999), نجد منظورا لنوعين من المعرفة:
1 ـ المعرفة التكنولوجية: بمعنى الدراية الفنية مثل هندسة النظم والبرامج والتغذية وتحديد النسل..إلخ.
2 ـ المعرفة بالجودة: ويقصد بها نوعية المنتج ودقة العامل والجدارة الائتمانية للشركة. وكلها أمور تتعلق بالمعلومات وشفافيتها وآلياتها.(1/25)
وقد وضعت مجموعات مختلفة من بيوت الخبرة الاستشارية مؤشرات للقياس المقارن للمستويات المعرفية لدول العالم يمكن إيجاز أهمها على النحو التالى:
(1) مدى توفر القوى البشرية المؤهلة للتكنولوجيات المستقدمة: وهو مقياس لنظم التعليم والتأهيل والتدريب. ويذكر أن ترتيب الدول بالنسبة لهذا المؤشر هو: الفلبين . استراليا . أمريكا . كندا.
(2) القدرة الابتكارية التكنولوجية للشركات: وهى مقياس لأنشطة البحوث والتطوير والابتكار والاختراع, ويقاس بنسبة الاستثمارات فى هذه الأنشطة منسوبة للدخل القومى, وترتيب الدول هو: اليابان 3.4% . أمريكا 2.5% . ألمانيا 2.3%.. ثم روسيا والصين.
(3) ... عولمة الاقتصاد وتفاعله وانفتاحه فى الاتجاهين مع الأسواق العالمية: ويحدد هذا المقياس بنسبة التصدير والاستيراد إلى الدخل القومى. وترتيب الدول على هذا المقياس هو: المملكة المتحدة . ألمانيا . إيطاليا . فرنسا . أمريكا . اليابان.
(4) توفر الأموال السائلة المستعدة للمخاطر التكنولوجية.
(5) ديناميكية المنافسة للشركات: وتحتل فنلندا . هولندا . تايوان المراكز الثلاثة الأولى على هذا المقياس.
(6) درجة انتشار الوسائل الإلكترونية الرقمية فى الاقتصاد وترتيب الدول على هذا المقياس هو: أمريكا ـ فنلندا ـ ايسلندا ـ كندا.
وتتجسد أهم معوقات التقدم فى اقتصاد المعرفة فى قضيتين أساسيتين أولهما عدم وجود القوى البشرية المؤهلة. وثانيهما عدم وجود أوعدم استعداد رأس المال للدخول فى مجال المخاطر حيث أن الاقتصاد المعرفى تعتبر فيه المخاطرة والانتقال أو التغيير المستمر هى القاعدة وليس الاستثناء.(1/26)
والدول الإسلامية . شأنها شأن الدول النامية الأخرى . تعانى من عظم التحدى أمامها للحقاق بالدول المتقدمة. فمن ناحية الاقتصاد المعرفى فإنه يزيد من النمو بمعدلات متسارعة, ومن ناحية أخرى على الدول الإسلامي ة تضييق الفجوة المعرفية بينها وبين الدول المتقدمة. وليس أمام الدول الإسلامية إلا أن تتبع استراتيجيات فعالة متكاملة لتضييق الفجوة المعرفية عن طري ق:
*الحصول على المعرفة وتطويعها واستنباط الجديد فيها محليا .
*الاستثمار فى رأس المال البشرى لزيادة القدرة على استيعاب المعرفة واستخدامها.
*إن التعليم وسلم مستوياته, والتدريب والتأهيل المستمرين طوال الحياة هما مجال الاستثمار الأهم فى حياة الشعوب. وقد أصبحت الشركات الكبرى أكثر وعيا فى تبنى التكنولوجيات الجديدة وتطويعها . نظرا لأن عوائدها تتناسب طرديا مع منحنى التعليم وعكسيا مع منحنى الخبرة ما لم يتطور ويرتقى.
8 ـ الاستثمار فى التكنولوجيا المتقدمة
إن اجتذاب المعرفة التكنولوجية المتقدمة من خلال الاستثمار الأجنبى المباشر لايتطلب إعفاءات ضريبية أو قوانين خاصة, وإنما يشجعه نظام تعليم قادر على إنتاج قوى بشرية مؤهلة لاستيعاب المعرفة التكنولوجية وأسواق مال تتمتع بالشفافية وضمانات حرية تدفق المعلومات.(1/27)
فالمزايا التى تعود على المجتمعات النامية للدول الإسلامية من الاستثمار الأجنبى المباشر تعتمد على قدرة هذه المجتمعات على التمييز بين المصالح الإيجابية المشتركة وعواقب الارتماء فى أحضان الاستثمار الأجنبى المستغل. وعلى سبيل المثال فإن المحتمل أن تجذب البلدان ذات الأسواق المحلية المحمية استثمارا أجنبيا مباشرا غرضه الوحيد هو القفز على الحواجز الجمركية. ومن هنا فإن التكنولوجيا التى تدخلها مثل هذه الاستثمارات هى تكنولوجيا لا تصل إلى أعلى درجات التطور والتقدم. أما البلدان ذات السياسات الأكثر انفتاحا وتنافسية والمتوجهة إلى الأسواق فتأتى لها الاستثمارات الأجنبية المباشرة حاملة معها أكثر التكنولوجيات تطورا وكفاءة.
إن التحدى الذى تمثله المعرفة كطريق للتنمية هو قدرة المجتمع على الجمع بين المعرفة المحلية وثروة الخبرة المتراكمة عبر أنحاء العالم, وخطورة الانفجار المعرفى الهائل فى العالم الآن وازدياد مخاطر انقسام العالم ليس بسبب الفوارق فى الموارد فحسب, وإنما بسبب التفاوت فى المعرفة, وستتدفق الموارد والأموال تدفقا متزايدا على البلدان التى لها قواعد معرفية قوية مما سيزيد من حالة عدم المساواة بين مجتمعات العالم.
إن على حكومات الدول الإسلامية أن تتبنى السياسات وسن القوانين التى تعمل على اجتذاب المعرفة التكنولوجية من خلال نظم التجارة المفتوحة والاستثمار الأجنبى المباشر الفعال, ومساندة التحالفات الاستراتيجية التكنولوجية, والمساعدات الفنية, والتبادل التجارى الإلكترونى, مع تحويل محددات قوانين حقوق الملكية الفكرية إلى نقاط قوة وارتكاز للتنمية المعرفية فى إطار من التشريعات الحمائية.(1/28)
كما وأن مؤسسات ومنظمات المجتمع المعرفى فى الدول الإسلامية عليها أن تعمل على تهيئة المناخ والارتقاء بالأعراف الاجتماعية ووضع المعايير لمجتمع ترتقى فيه قيمة المعرفة ليس فقط لتحقيق نمو اقتصادى وإنما لارتقاء حضارى محوره الإنسان بقيمته وحقوقه.
نريد معرفة راقية نستطيع بها بناء إنسان التنمية..... نريد معرفة ترقى بالإنسان المسلم إلى مستوى القرن الواحد والعشرين... نريد معرفة تزرع فى الإنسان المسلم قيم التفانى فى العمل والإخلاص فى أدائ ه والسعى إلى تطويره... نريد معرفة حديثة متفوقة من أجل التنمية لا معرفة مقطوع ة الصلة بالتنمية. إن العقبة الحقيقية التى تخنق التنمية وتوقف انطلاقها ليست أبدا فى ندرة الموارد....ولا نقص فى التمويل... إنما العقبة الوحيدة تكمن فى غيبة القدرة على إعداد إنسان التنمية... فهو العنصر الأهم والأخطر من بين عناصر البناء والارتقاء... ولننظر إلى اليابان التى لا تملك شيئا على الإطلاق من الموارد الطبيعية...ولكنها تملك ما هو أهم وأخطر من كل الثروات..تملك إنسان التنمية القادرعلى تفجير منابع الثراء وتحويل التراب إلى ذهب بإذن الله.
وفى عصر العولمة, نحتاج إلى معرفة تحفظ للأمة هويتها وتميزها وخبرتها. وفى عصر تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسارعها, نحتاج إلى معرفة تؤدى إلى تنوع البشر وتمايزهم وقدرتهم على تلقى المعلومات وتنظيمها وحسن استخدامها فى التفكير والتعبير والاتصال والإنتاج وبناء العلاقات.(1/29)
وفى عصر تناقص الموارد غير المتجددة من طاقات وخامات, نريد معرفة تنتقل بالأمة الإسلامية من الصناعات التقليدية إلى صناعات جديدة... وتعتمد على التكنولوجيا فى استنباط طاقات وخامات جديدة تنتقل بها من العمالة العضلية إلى العمالة الذهنية, ومن التخصص الضيق إلى المرونة والمعرفة الشاملة, ومن المركزية إلى اللامركزية, ومن التنظيم الهرمى إلى التنظيم الشبكى, ومن الاقتصاد المتأثر بعوامل داخلية فقط إلى الاقتصاد المتأثر بعوامل داخلية وخارجية, ومن النمطية إلى التميز, ومن الخيار الواحد إلى الخيارات المتعددة.
نريد معرفة تبنى . قبل كل شئ . الإيمان بالله والأخوة فى الله, والأخو ة فى الإنسانية, وترسخ قيم العلم, والعدل, والحرية, والوحدة, والإحسان فى العمل, وتقيم العدل والسلام والانتماء فى عقول البشر.
نريد معرفة تبنى مفاهيم التغيير الجديدة من التزامن المحكم إلى الزمن المرن, ومن التركيز الجغرافى إلى الانتشار, ومن الاعتماد على الحكومات إلى الاعتماد على الذات والمؤسسات, ومن ديمقراطية التمثيل الشمولى إلى ديمقراطية المشاركة الشعبية, ومن التخطيط الجزئى إلى التخطيط الكلى الذى يعمل حسابا لكل عناصر الموقف أو النظام.
نريد معرفة تبنى المواطن القابل للتطوير...واسع الأفق....صانع التقدم وصاحب الرؤية لتخطيط المستقبل... يتكيف مع الظروف ويكيف الظروف للصالح العام.
آفاق المعرفة الجديدة
إن التطور فى البحث العلمى, وفى إنتاج المعرفة, قد ينعكس على أساليب الحياة والإنتاج, وحتى على قيمة الموارد. والخوف فى بعض هذه الحالات أن هذه الوسائل التقنية قد تؤثر فى كفاءة الإنسان وقدراته, وتحل محلها بالتدريج الوسائل التقنية حتى تصبح المهارات الإنسانية قضية منسية إلا إذا تحولت إلى قدرات جديدة لآفاق جديدة.(1/30)
من هذا المنطلق يكون تطويرالتعليم, وتقسيم التخصصات, وتطوير الآفاق, وتعدد الفرص, وخلق وظائف جديدة ومتعددة وبرامج مختلفة مرتبطة بالوظائف الجديدة... قضية مطلوب التصدى لها, وإلا سينحسر الإنسان فى الاستهلاك, وتترك المهارات العادية لوسائل الإنتاج المبرمج التى تتمثل فى الإلكترونية أو الإنسان الآلى وخلافه من مستجدات باستعمال الذكاء الاصطناعى Artificial Intelligence أو الأنساق المتخصصة (النظم الخبيرة Expert Systems).
كذلك قد تحل المواد الجديدة التى مازالت تحت الاختبار مكان الموارد الطبيعية والموارد الأرضية غزيرة الاستهلاك والمهددة بالاندثار, ولذلك سوف تتحد البحوث لتغيير مواد البناء والمعادن المستعلمة حتى يحل محلها متراكبات ألياف الكربون مثلا. وسوف تحل البدائل الجديدة للطاقة محل الطاقة الحفرية غير المتجددة والأقل سعرا وتأثيرا على البيئة.
ويمكن تحديد الآفاق التى سوف تنطلق فى بداية القرن الواحد والعشرين على النحو التالى:
(1) الطاقة: التى سوف تستمراستعمالاتها فى إنتاج القوى الكهربائية ووسائل النقل من المصادر المتاحة سواء الحفرية, المائية, الشمسية, والذرية . لكن ينتظر أن يكتشف الباحثون مصادر جديدة بدلا من المصادر غير المتجددة, وأن تتحدد مواصفاتها: أن تكون حميدة بيئيا ومصادرها غزيرة . والتعامل فيها سهل وبدون مخاطر . ومتميزة فى خصائصها, واقتصادياتها مناسبة. لذلك بدأت البحوث فى استغلال الطاقة الفوتوفولتية المستمدة من تركيز الشمس, وكذلك المفاعلات الذرية الحميدة, إضافة إلى البحوث المؤدية إلى تخزين الطاقة واستغلال الموصلات فائقة التوصيل.
((1/31)
2) القدرة على تخليق المواد: وسوف تنطلق هذه البحوث بعد فك شفرة تكوين المواد ودراسة تحولاتها إلى ذرات يمكن التعامل معها مع توفر القدرة على تحديد تفاعلاتها وتوجيهها بعد ثورة الفيمتوثانية... ويرجى فى المواد الجديدة أن تكون لها خصائص محابية للاستعمال بخلاف المواد غير المتجددة إذ أنها سوف تكون أخف وزنا وسهلة التصنيع وقابلة للتدوير وإعادة الاستخدام وصديقة للبيئة, وخصائصها تسمح بسهولة التعامل معها.
(3) وسائل النقل: حيث ينتظر أن تتيسر وسائل جديدة يمكن الاعتماد عليها وتوجيهها ويرتجى أن تزداد السرعة توفيرا للوقت, وأن تكون أمينة وقليلة الحوادث وكفاءتها عالية, واستهلاكها أقل تكلفة, وتكون أكثر راحة للركاب وأقل تلويثا للبيئة.
(4) الانطلاق فى استعمالات الروبوت: الذكاء الصناعى والنظم الخبيرة Expert Systems فى برامج المعلومات وتشغيل الآلات, بل وتقييم المواقف والتصرف التلقائى, مما يقترب من وظائف الجهاز العصبى مع احتمال ربطها بالمعوضات العصبية Neural Prosthesis التى تماثل الوظائف البشرية مثل Recognition , Reasoning , Talk , Hear , Decide and act.
(5) الاتصالات: إذ ينتظر تيسير وسائل الاتصال فى العالم أرضا وبحرا وجوا....حيث من المتوقع أن يندمج الكومبيوتر والتليفزيون والتليفون والفاكس والأقمار الصناعية فى منظومة واحدة.
(6) تكنولوجيا الفضاء: وفيها يتكامل الترابط بين كل ما سبق ويوجه لاستكشاف الفضاء بكل ما فيه من كوامن . قضايا بدأت البحوث والتطوير فيها مما سوف يؤثر فى مستقبل البشرية سياسيا وعقائديا (حرب الكواكب أنهت الاتحاد السوفيتى) واقتصاديا واجتماعيا, مما سوف يغير نمط الحياة على الأرض إذا استعملت اقتصاديا فى إنتاج أو استكشاف المواد والغازات.
((1/32)
7) التكنولوجيات البيولوجية: وهدفها النهائى تفهم منظومة الحياة Understanding Living System على مستوى الخلايا والنواة ومحتواها من كروموسومات وجينات.... وبعد أن قارب الإنسان فك الشفرة الجينية بمشروع Human Jenome Project والمرتجى فى هذا المجال:
أ ـ نقل الجينات أو أجزاء منها.
ب ـ إصلاحها وتبطئتها أو زيادة سرعتها.
ج ـ شطر الجينات Splicing.
د ـ ضبط التفاعلات الإنزيمية فيها.
(8) كذلك سوف يكون ممكنا بعد ثورة الليزر واكتشاف أسرع كاميرا شهدتها البشرية حتى الآن والقدرة على تصوير المتغيرات. هذه البحوث قد تخدم مشاكل الزيادة السكانية. وتساعد فى زيادة الإنتاج النباتى والحيوانى وزراعة الأنسجة النباتية والزراعة المكثفة والمائية, كذلك فى زراعة الأنسجة والخلايا والأعضاء التعويضية, إضافة إلى التحكم فى الطاقة البيولوجية Biomass, والتحكم فى تطور الغازات فى الجو, خاصة زيادة ثانى أكسيد الكربون.
(9) التكنولوجيا الطبية: وهدفها التقليل من الاعتماد على الطبيب Home Self Care من خلال استعمال التقنيات الحديثة.
*إضافة إلى تطويرأساليب التعليم الطبى والنمط الخدمى فى المستشفيات من خلال الواقع الافتراضى Virtual Reality.
* كذلك تطور وسائل التشخيص بالانطلاق فى تطوير الموجات الصوتية, الليزر والألياف الصوتية, وإدخال الميكروروبوتس فى التشخيص والعلاج.
* فتح آفاق نقل الأعضاء والأنسجة من الحيوانات Biohybrids.
* حفظ الأعضاء والبويضات فى درجات حرارة منخفضة Cryogenic Preservatio.
* فك ش فرة الإشارات العصبية واستعمال أساليب التحكم فيها عن بعد Remote Control.
*العلاج بالجينات..وقد بدأ فعلا .
*استعمال المواد المؤنسنة Bionic Material.
* علاج العمى والصمم والش لل بواسطة الأعصاب التعويضية Neural Prostheses(1/33)
* استعمال الخلايا العصبية الحية لتغذية قدرة الكمبيوتر بدلا من الشرائح Micro Chips وتنمية قدراته إلى آفاق غير منظورة ولا متصورة.
* وينتظر أن تعمل البحوث لحل المشاكل المرضية خاصة أمراض الشيخوخة والعجز عن طريق المستحدثات من التكنولوجيات الحيوية والدوائر مما سوف يطيل عمر الإنسان إلى ما فوق المائة عام فى المتوسط.
9ـ القدرة التنافسية
لقد بات من المسلم به أن التنمية تعتمد بدرجة كبيرة على المعرفة والتكنولوجيا..وبدرجة أكبر على قدرة الدولة على اختيار المناسب منها لمواجهة احتياجاتها, آخذين فى الاعتبار عدد من القضايا نذكر منها:
أولا: أن المعلومات فى أغلب ميادين البحث العلمى أصبحت تتضاعف كل عشر سنوات أو أقل.
ثانيا: أن عدد العلماء يتزايد بمعدل مذهل... حيث يصل عددهم الآن 75% من مجموع العلماء الذين عاشوا على هذه الأرض منذ بدء التاريخ البشرى.
ثالثا: أن المسافة الزمنية التى تفصل بين ظهور نتائج البحوث النظرية وبين اكتشاف تطبيقاتها قد قلت إلى حد كبير..فقد مضى العهد الذى كانت فيه العلوم الأساسية تعنى بالأمور المجردة.... وتليها العلوم التطبيقية فى الأخذ منها قدر الحاجة, فالتطور العلمى يسير الآن يدا بيد مع التجريد والتطبيق معا , والأهم من ذلك أنه رغم تنامى التخصصات الدقيقة, فإن هناك قدرا كبيرا من التداخل بين مجالات العلوم المختلفة من خلال العلوم البينية.
رابعا:أن التقدم العلمى والتكنولوجى أصبح لا يتوقف على استيعاب ما تجمع من معرفة عبر الزمن أو لدى الآخرين...ولكنه يقوم فى المقام الأول على امتلاك ناصية أدوات المعرفة.(1/34)
خامسا: أن العالم يواجه اختراعا كل دقيقتين, وهناك أكثر من 30 مليون براءة اختراع مسجلة, وتتزايد سنويا بملي ون براءة...وإذا افترضنا أن 1% من هذه البراءات يجد طريقه للتطبيق, فإن هذا يعطى فكرة عن حجم التكنولوجيات المتاحة والتى من المحتم سوف تتزايد مع تضاعف الأبحاث العلمية والتكنولوجية كل عشر سنوات أو أقل.
سادسا: أن العولمة تدعو إلى الندية والمنافسة, والتعامل على أساس أن الجميع شركاء فى إحداث التقدم, وهو ما ينقل التعامل على أساس المعونة سعيا إلى سد المعرفة وتضييق الفجوة بين الجنوب وبين دول الشمال, إلى قاعدة الأخذ والعطاء...ومع نى هذا أن البرامج البحثية للجامعات والمؤسسات البحثية فى البلاد الإسلامية يجب أن تطرق أبوابا جديدة تتيح لها مساحة تتزايد عبر الزمن فى تحقيق قدر من الإضافة إلى الحصيلة المعرفية للبشر, ذلك يضعها موضع تقدير من المجتمع العلمى العالمى.
سابعا: أن تمتد مسئولية الجامعات والمؤسسات البحثية إلى تكوين وتخريج قادة التقدم والتطوير.. القادرين على صنع المستقبل.. بدلا من اللحاق به بعد أن يصبح ماض لاسبيل إلى اللحاق به.. هذا بجانب تخريج أفراد وفق الاحتياجات الحالية للسوق أو وفق الرؤى المبنية على تطورات محتملة.
ثامنا: من الواجب أن نعى جيدا أن قدرا أكبر من قوة العمل والإنتاج سوف يعمل فى مهن وقطاعات كثيفة الاستخدام للعلم.
تاسعا: أن الدول المتقدمة استطاعت تضمين مجالات الملكية الفكرية فى اتفاقية الجات وأصبحت اتفاقية الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة (تربس) تمثل إطارا شرعيا للعمل العلمى والتكنولوجى على المستوى الكونى.(1/35)
عاشرا: أن 2% من مصادر العالم المادية تخصص للبحث والتطوير, وأن المعرفة العلمية والتكنولوجية تمثل 80% من اقتصاديات العالم المتقدم وال 20% الأخرى تذهب إلى رأس المال والعمالة والموارد الطبيعية, والعكس صحيح بالنسبة للدول النامية, كذلك فإن الإنف اق على البحث العلمى فى الدول المتقدمة يتراوح ما بين 2 إلى 3.5% من الناتج القومى, كما أن نسبة ما ينفقه القطاع الإنتاجى فى تلك الدول من جملة ما ينفق على البحث العلمى يتراوح ما بين 60 إلى 80%, وتتحمل حكومات هذه ال دول ما بين 20 و 40% لكل دولة.
لكل تلك الاعتبارات أصبحت التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأى مجتمع تعتمد على ما يمكن لأعضائه أن يقدموه لمجتمعهم من نتاج فكرى وعقلى وعضلى, وكلما زاد نصيب النتاج الفكرى والعقلى عن النتاج العضلى, زاد المجتمع نموا بمعدلات أكثر, وحقق الرقى والرخاء.
مقومات القدرة التنافسية:
أولا: إن القدرة التنافسية تكتسب من خلال عوامل عدة: امتلاك التكنولوجيا المتقدمة, والإدارة المتطورة, والاستثمار فى البحث العلمى لإنتاج المعرفة, والاستثمار فى تحويلها إلى سلع أو خدمات, والنزول بها إلى الأسواق بطرق أكثر كفاءة. لقد جاء الاهتمام بالقدرة التنافسية للمنتجات, والتميز التنافسى للأفراد, نتيجة للتغيرات الدولية وما صاحبها من تحديات أثرت وتؤثر على الواقع الوطنى, وأصبحت جودة الإنتاج وكفاءة العمالة تواجه منافسة شرسة فى الداخل والخارج. كما يواجه الإنتاج ممارسات جديدة مثل التحول من التكنولوجيا الكثيفة العمالة إلى التكنولوجيا كثيفة رأس المال وبالتالى كثيفة المعرفة, وإدارة الج ودة الكلية, ونظ ام الأيزو, وتوريد المكونات فى زمن مح دد, والإنتاج المجود من أول مرة ... إلخ.
ثانيا: أن هناك اتفاق عام على أن الاقتصاد سيكون هو المكون الأساسى للقوة فى العقود القادمة...وستعتمد القوة الاقتصادية على ستة عناصر أساسية هى:
1ـ التعليم.(1/36)
2ـ العلم والتكنولوجيا.
3ـ السياسة الاقتصادية.
4ـ القدرة الإدارية.
5ـ التنظيم الاجتماعى.
6ـ الدبلوماسية على المستوى الكونى.
ثالثا: يمكن تصنيف أى بلد بوصفه بلدا ناميا أو متقدما بتطبيق المعاييرالأربعة الآتية:
(1) القدرة على الابتكار العلمى والتكنولوجى.
(2) ... القدرة على القضاء على الازدواجية الاقتصادية والاجتماعية.
(3) ... القدرة على الاندماج الفعال لقطاعاته الإنتاجية.
(4) ... دخل الفرد ومعدل الزيادة فى هذا الدخل.
رابعا: وفى محاولة لتعزيز القدرة التنافسية المحلية (القومية) فإن السياسة الاقتصادية الكلية فى معظم الدول الإسلامية ترتكز على مجموعة من العوامل الماكرواقتصادية لعل من أهمها:
(1) ... نسبة منخفضة من معدل التضخم.
(2) ... نسبة عالية من الادخار المحلى والاستثمار الوطنى.
(3) ... سد الفجوة فى الميزان التجارى.
(4) ... معدل منخفض من البطالة.
(5) ... تشجيع الاستثمار الأجنبى المرتبط بالتكنولوجيا والإدارة والتسويق.
خامسا: وليس هناك أى خلاف على الأهمية الكبيرة لهذه العوامل فى دفع القدرة التنافسية... ولكن لتحقيق معدلات عالية من الإنتاجية, فلابد أن تقترن هذه العوامل بأربعة عوامل أخرى أساسية أصبحت فى صلب القدرة التنافسية للأمم والمنشآت وهى:
(1) ... التكنولوجيا.
(2) ... الموارد البشرية.
(3) ... المعلومات.
(4) ... الإدارة.(1/37)
إنه من المعروف أن الطلب يزداد على كل ابتكار تكنولوجى جديد, ثم يثبت ليصل إلى مرحلة التشبع, وبعدها يبدأ الطلب فى الانخفاض, ولكن قبل أن يضمحل الطلب تكون تكنولوجيا جديدة فى طريقها للظهور, وعادة ما تكون التكنولوجيا الجديدة أحسن أداء وأرخص سعرا , أو أصغر حجما وأخف وزنا وأكثر تقدما من سابقتها. كما أن المعلومات الكامنة فى إنتاجها (التكنولوجيا) تكون أكثر كثافة, وتتطلب ارتفاعا متزايدا للقدرات البشرية, وخصوصاالعلماء والمطورين والمهندسين. كما يصاحب التكنولوجيا الجديدة مهن ومهارات عالية تختفى معها المهن ذات التكنولوجيا القديمة.
كذلك فإن التكنولوجيا تتسم بطبيعة اقتحامية...بمعنى أنها تفرض نفسها على المجتمعات سواء كانت هذه المجتمعات محتاجة إليها أو غير راغبة فيها, وذلك بما تقدمه من سلع وخدمات جديدة, أو بما تولده من حاجات إلى سلع جديدة. كما تتسم التكنولوجيا بسرعة التطور, وكذلك بتسارع الابتكارات, والتكنولوجيا الجديدة تكون عادة أكثر تعقيدا, وتحتاج إلى قدرات أعلى لخدمات الصيانة, مما يرفع ثمن هذه الخدمة, ويجعل التخلص من هذه السلع واستبدالها بالجديد أرخص وأجدى كفاءة.
وهكذا تفرض منتجات التكنولوجيا الجديدة المتقدمة نفسها على المجتمعات, ويزيد من هذا عزوف الشركات المنتجة عن إنتاج قطع الغيار, أو تبنى سياسة أن التغيير أرخص من الإصلاح.
وتظهر الطبيعة الاقتحامية للتكنولوجيا فى أدوات الحرب, فامتلاك العدو لأسلحة حديثة أرغم الكثير من الدول النامية على حيازة هذا النمط من الأسلحة ذات التكنولوجيا العالية, غم العبء الاقتصادى الذى يفرضه ذلك على مجتمعاتها.
التكنولوجيا والعمالة :
وحينما نتناول علاقة التكنولوجيا بالقوى العاملة, فإن الواقع يشير إلى أن أى تقدم تكنولوجى مهما كان متواضعا , فإنه ينتج عنه اختفاء الحاجة إلى كثير من المهن والحرف, وظهور الحاجة إلى مهن وحرف جديدة أكثر رقيا وتتطلب غزارة معلوماتية.(1/38)
ونقابل هذه الظاهرة بوضوح فى قطاع الزراعة, حيث تقل الحاجة للعامل اليدوى حيثما يزداد الاعتماد على الميكنة. ونجد أن أكثر من عشر دول من الدول المتقدمة تقل فيها نسبة القوى العاملة فى الزراعة عن 15% من مجموع القوى العاملة, وتقل النسبة عن 5 % فى الولايات المتح دة الأمريكية, وتصل هذه النسبة فى مصر إلى 40%. كذلك تتكرر هذه الظاهرة فى الصناعة كلما تغيرت التكنولوجيا. فتقل الحاجة للعمالة حتى الماهرة منها كلما تزايد الاعتماد على الروبوت. وينتظر أن تصل نسبة العمالة فى الصناعات التى تعتمد على الأوتمة والروبوت إلى 10% من مجموعة القوى العاملة. وهذا النوع من العمالة يتطلب تعليما راقيا ويقترب مستوى الف نى إلى المستوى الجامعى المتقدم.
إن دينامية العمالة وتغير مستوياتها يجعل الإنسان عرضة لتقادم معلوماته ومهاراته, ويغير الإنسان عمله مرات عدة خلال حياته مما يتطلب تعليما وتدريبا مستمرا.
إن التسارع المذهل فى الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية يحدث هزات عنيفة, تفرض تعديلا مستمرا وكثيفا على منظومات التعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا فى أى مكان على سطح الأرض, ويستوى فى ذلك أهل الشمال وأهل الجنوب حيث أصبح من الاستحالة عزلة المكان والزمان.
وخلاصة لكل ما تقدم: فإن الأمر يستلزم توجهات فى العالم الإسلامى:
1ـ استشراف آفاق المستقبل... بمعنى أن تكون العين على المستقبل دائما بأن يصبح التغيير والتطوير والابتكار والتسويق مكونات أساسية فى الصناعة.
2ـ ضرورة توافر تصور مستقبلى لموقع كل دولة إسلامية فى محيطها الإقليمى وفى المحيط الدولى ومفهوم محدد لأمنها. وتوقع لمدى انفتاح سوقها إقليميا وعالميا وما يرتبط بذلك من قضايا الحماية والدعم والمنافسة والحرية الاقتصادية. وأن تكون استراتيجية بناء القدرة التنافسية جزءا لا يتجزأ من استراتيجية عليا للتنمية فى تلك الدولة.(1/39)
3ـ الارتقاء بالقدرات البشرية فى مجال التفاوض.. إلى جانب القدرات البشرية من الزاوية العلمية والتكنولوجية.. فلم تعد القدرة التنافسية مرتبطة فقط بجودة المنتج وارتفاع الإنتاجية, بل هى أيضا مرتبطة بالقدرة على اكتساب مزايا معينة أو تقليل تكاليف معينة مرتبطة بالدخول فى اتفاقات دولية أو الانضمام لمؤسسات عالمية أو التعاقد مع الشركات متعددة الجنسية.
4 ـ أن تطور الرأسمالية الوطنية فى كل دولة إسلامية سلوكها من خلال تبنيها لمفهوم الثقافة الاقتصادية الوط نية, وكذلك تخليها عن عادة السعى للحصول على أقصى ربح فى أقصر وقت ممكن. ومن ثم فإن بلورة الدور التنموى للقطاع الخاص, يستلزم توجهه نحو زيادة اهتمامه بالإنفاق على البحوث والتطوير, ويستوجب دخوله شريكا للدولة فى مجال التطوير العلمى والتكنولوجى. وهنا يتعين على الدولة ربط الحوافز التى تقدمها لمشروعات القطاع الخاص بتحقيق تقدم ملموس فى مجالات محددة مثل التطوير التكنولوجى, وتشغيل الأيدى العاملة, والتصدير.
5ـ إن الارتقاء بالقدرة التنافسية الوطنية فى كل دولة إسلامية يستلزم أن يكون للدولة دور رئيسى فى قيادة المسيرة التنموية وفى دفعها بطرق مباشرة فى بعض المجالات, وفى خلق المزايا النسبية, وهنا يبرز على وجه الخصوص:
أ ـ دور الدولة فى تحديد الأولويات على المدى البعيد...أى وضع استراتيجية التنمية فى ضوء رؤية مستقبلية بعيدة المدى. وكذا دور الدولة فى صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية الكلية, وفى توفير الحماية والدعم للصناعة المحلية وللصادرات, وفى الدخول فى ترتيبات إقليمية ودولية مواتية للتنمية.(1/40)
ب ـ دور الدولة فى توفير البنية الأساسية البشرية بالاستثمار فى التعليم والبحث العلمى والتطوير التكنولوجى, وتنمية الظروف المواتية للابتكار, ومراقبة التكنولوجيا المستوردة, وذلك فضلا عن توفير البنية الأساسية المادية, وكذا دفع التصنيع فى مجالات محددة بطرق مباشرة وغير مباشرة.
ج ـ دور الدولة فى النهوض بالتأكيد على جودة المنتجات من خلال إنشاء مراكز تنمية الإنتاجية, ومراكز التصميمات, وبث مفهوم إدارة الجودة الشاملة فى أرجاء الاقتصاد الوطنى.
وفى ضوء ما تقدم يصبح الاستثمار فى البحث العلمى والتطوير التكنولوجى لإنتاج المعرفة الجديدة والاستثمار فى تطبيقها من الخيارات الحتمية لمواجهة التحديات التنافسية المصاحبة للعولمة, حيث يؤدى ذلك إلى:
1ـ منتجات جديدة.
2ـ تحسين وتحديث المنتجات القائمة.
3ـ تنوع المنتجات واستمرار تواجدها.
4ـ خفض تكلفة الإنتاج.
5ـ المحافظة على البيئة.
وهذه كلها أمور تكفل الاحتفاظ بالأسواق التقليدية وإتاحة الفرص لفتح أسواق جديدة.
10ـ التكنولوجيا المطلوبة للتنمية القومية فى العالم الإسلامى
أسس ومفاهيم حاكمة:
تعرف التكنولوجيا بأنها المعرفة الجديدة التى أمكن تحويلها إلى منتجات, أو طرق إنتاج, أو خدمات, أو هياكل تنظيمية...وتعرف التكنولوجيا أيضا بأنها مجموعة المعارف والمهارات والخبرات المستعملة لإنتاج السلع والخدمات وتسويقها وتوزيعها..كما أنها ذلك النسق المعرفى الذى يتوسط فيما بين العلم من ناحية, والصناعة من ناحية أخرى..يربط بينهما, ويرتبط بكليهما.
وتتجسد مكونات التكنولوجيا فى مجموعتين... تتمثل المجموعة الأولى فى العمليات والإجراءات المادية وغيرها, بمعنى امتلاك ناصية معرفة كيفية أداء هذه العمليات والتحكم فيها, ويعرف هذا بالمكون الفنى. فى حين تتمثل المجموعة الثانية فى بنيات الاستيعاب, بمعنى التمكن من فهم علة أداء وتطبيق تلك العمليات, ويعرف هذا بالمكون المنطقى.(1/41)
ويقصد بنقل التكنولوجيا نقل المعرفة العملية (الفنية) والنظرية (العلمية) اللازمة لتصنيع أو تطوير منتج, أو لتطبيق وسيلة أو طريقة, أو لتقديم خدمة.
ولا يعتبر نقلا للتكنولوجيا مجرد بيع أو شراء أو تأجير أو استئجار السلع.
ولتحقيق خططها القومية فإن كل البلاد . متقدمة ونامية . تحتاج إلى خمس مجموعات من التكنولوجيات القائمة على العلم, وهذه المجموعات هى:
ـ تكنولوجيات من أجل الاحتياجات الأساسية.
ـ تكنولوجيات من أجل تحسين جودة الحياة.
ـ تكنولوجيات من أجل خلق الثروة.
ـ تكنولوجيات من أجل تنمية الإنتاج العلمى وتوليد المعرفة.
ـ تكنولوجيات من أجل الإدارة السليمة (الراقية).
ومن هذا المنطلق فإن استراتيجية العلم والتكنولوجيا يجب أن تكون شاملة, وأن تخاطب دور واحتياجات أربعة أطراف أساسية وهم:
ـ الحكومة.
ـ الصناعة.
ـ مجتمع العلم والتكنولوجيا.
ـ المجتمع ككل.
ويمكن تحديد دور كل من الأطراف الأربعة على النحو التالى:
1ـ على الحكومة أن تدعم العلم والتكنولوجيا وتتيح الوسائل لتطويرهما, وتستخدم التكنولوجيا بكفاءة.
2ـ يجب على الصناعة أن تستخدم التكنولوجيا من أجل خلق الثروة وبالتالى تسرع من النمو الاقتصادي...وعلى الصناعة أيضا دعم تطوير العلم والتكنولوجيا, وأن تكون هى المسئولة الأولى عن التطوير التكنولوجى, كما يجب على الصناعة دعم توليد المعرفة.
3ـ يجب على المجتمع العلمى بذل أقصى ما فى وسعه نحو الإسهام فى خلق المعرفة العلمية والابتكار واستخداماتها.
4ـ يجب على المجتمع ككل أن يقوم بدعم البنية التحتية للعلم والتكنولوجيا ويعتنى بالثقافة العلمية وتحفيز العلماء.
5ـ يجب الإعداد للتنمية القومية المستقبلية بكل عناية آخذين فى الاعتبار الرؤية القومية...من خلال خطط طويلة المدى وأخرى خمسية.
6ـ وهناك ثلاثة أساسيات للتنمية العلمية والتكنولوجية:
* الاستراتيجية.
* السياسة.
* الخطة التنفيذية.(1/42)
... وهذه الأساسيات الثلاثة يجب إعدادها وتنفيذها بكل دقة.
إن ضرورة تحديد دور التكنولوجيا فى التنمية تخرج من حقيقة أن التكنولوجيا هى العامل الرئيسى فى كل النظم الإنتاجية القائمة على المعرفة. فالتكنولوجيا يمكن أن تتغلب بها على عوامل مثل ندرة العمالة أو الموارد. وفى هذا الصدد يأتى عامل جديد فى الإنتاج وهو تكنولوجيا المعلومات, الذى يمثل أداة استراتيجية تعلو بالقيمة المضافة, وبالمهارات والمعرفة والأنشطة كثيفة التكنولوجيا... كما تسرع التكنولوجيا الم عامل الكلى للإنتاجية.
11ـ الفجوة بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة
يعتمد النمو الاقتصادي اليوم والمحافظة على استدامته على العلم والتكنولوجيا. ولايوجد سبيل لتخطى الفجوة بين دول الشمال ودول الجنوب ومن بينها الدول الإسلامية وتحقيق التقدم والرفاهية لشعوب الأمة الإسلامية إلا من خلال الاستخدام المكثف للعلم والتكنولوجيا فى برامج التنمية الاقتصادية.
وتحظى الدول المتقدمة فى الوقت الراهن بنمو اقتصادى غير مسبوق, وتتسع الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية أو بين الدول السريعة وال دول البطيئة. ويعزى كل من النمو والفجوة إلى فرق كبير فى إتقان إنتاج واستخدام العلم والتكنولوجيا. بمعنى أن المنجزات العلمية والتكنولوجية للدول المتقدمة تحركت بسرعة وبمهارة فائقة وتحولت إلى سلع وخدمات, بعكس الدول النامية التى لم تستطع إتقان إنتاج واستخدام العلم والتكنولوجيا.
وليس بغائب عن أحد أن الدول المتقدمة تبنت لزمن طويل إنشاء قاعدة عريضة ومكثفة للعلم والتكنولوجيا, وركزت على تعليم الخريجين وطلبة الدراسات العليا, واهتمت بالتدريب, وتبادل الأساتذة الزائرين القادرين على تكوين وتنمية الموارد البشرية. وهذا التركيز على البشر والبنية التحتية كانت وراء إنشاء الجهاز القومى للابتكار, والذى يرتبط ويتكامل مع برامج التنمية القومية فى كل بلد من بلدان العالم المتقدم.(1/43)
وكأمثلة لتوضيح الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية....نذكر:
1ـ فى عام 1992 بلغ اجمالى الإنتاج المحلى لـ 21 دولة عربية تعدادها 234 مليون نسمة حوالى 380 بليون دولار أمريكى, وهذا المبلغ يساوى 21% من إجمالى الإنتاج المحلى لألمانيا, و31% من إجمالى الإنتاج المحلى لإيطاليا.
2ـ يبلغ اجمالى الناتج المحلى فى الوقت الحالى لـ 55 دولة إسلامية أعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامى 1150 بليون دولار, مقارن ة ب 1500 بليون دولار لفرنسا و2400 بليون دولار لألمانيا و5100 بليون دولار لليابان.
3ـ على المستوى القطاعى...يعمل فى قطاع الصناعات النسجية فى الولايات المتحدة الأمريكية 320 ألف فرد, يساهمون بحوالى 61 بليون دولار فى إجمالى الناتج المحلى للولايات المتحدة الأمريكية...فى حين يعمل فى نفس القطاع بمصر حوالى نفس العدد تبلغ مساهمتهم فى إجمالى الناتج المحلى المصرى حوالى 2.6 بليون دولار.
كذلك فإن دول البترول مثل السعودية والكويت وإيران والإمارات العربية المتحدة, الذين ينظر إليهم كدول " غنية ", وكذلك الدول التى تسمى " بالنمور الآسيوية " لما حققته من نجاحات اقتصادية ملموسة, فإنها لا يمكن أن تقارن بالأداء الاقتصادى لدول الغرب المتقدمة تكنولوجيا . وهذا يوضح جليا أن الثروة الحقيقية لبلد ما لا تقبع فى مواردها الطبيعية, ولكن فى جودة العلم والقدرة على استخدام المعرفة الناتجة عنه خصوصا من خلال تطبيق العلم والتكنولوجيا فى عمليات التنمية القومية.
فمثلا لا تملك اليابان أى موارد طبيعية, ولكنها أنشأت ما يزيد عن 120 جامعة فى مدينة طوكيو وحدها, وعندها ما يزيد على الألف جامعة منتشرة فى أنحاء اليابان. ونتيجة لهذا . ومن خلال التقدم التكنولوجى . تحولت اليابان إلى عملاق اقتصادى, ومما يدل على ذلك أن عدد البراءات الممنوحة لليابان اليوم تزيد عن خمسة أضعاف الممنوحة للولايات المتحدة الأمريكية.(1/44)
يذكر أيضا أن اليابان تنفق وحدها 18ـ66 بليون دولار أمريكى على البحث والتطوير أى بما يعادل 3% من إجمالى الناتج القومى فى اليابان. هذا مقابل 4.5 بليون دولار أمريكى تنفقها جميع الدول الإسلامية (57 دولة) على البحث والتطوير.
كذلك فإن إنفاق الدول الإسلامية لا يتعدى 1% من الإنفاق العالمى على البحث العلمى والتطوير التكنولوجى, فى حين تتحمل الدول المتقدمة حوالى 97% من الإنفاق العالمى.
مما يذكر فى مسح قام به فريق فى معهد فيلادليفيا للمعلومات العلمية لـ 25 دولة يمثلون قمم فى البحوث الأصيلة والدراسات المتميزة وفيه تبين أن الولايات المتحدة احتلت المركز الأول وجاءت الهند فى المركز الثامن وإسرائيل فى المركز الخامس عشر ولم تحظ أى من الدول الإسلامية بأى مركز من المراكز الـ 25.
يؤدي ذلك أن مائة ألف كتاب علمى واثنين مليون بحث يتم نشرهم سنويا... فى حين أن مساهمة العالم الإسلامى فى ذلك لا تتعدى الألف.
أما التعليم فإن متوسط الإنفاق عليه فى العالم الإسلامى يصل إلى حوالى 4%. ويذكر أن 77% من الأفراد البالغ عمرهم 25 سنة أو أكثر لم يلتحقوا بمدرسة, هذا مقابل 3 أفراد لكل 100 فرد فى البلاد الصناعية.
تبلغ كثافة التلاميذ فى الفصل 88 تلميذا لكل مدرس فى عالمنا.
كذلك فإن التسجيل لدخول الجامعة فى العالم الإسلامى لا يزيد فى المتوسط عن 8 طلاب من كل 100 طالب فى شريحة السن بين 20 ـ 24 سنة.
12ـ عناصر التخلف ومقومات النهضة فى الدول الإسلامية
إن التحدى الحضارى الذى يواجه الحكومات فى الدول الإسلامية يكمن فى الأوضاع الحالية لهذه المجتمعات والتى وإن كانت تعزى إلى مسببات مختلفة لكل مجتمع إلا أنها تتفق كليا أو جزئيا فى الظواهر الآتية:
* تعداد سكانى متنامى بما يمثل عبئا على اقتصاديات هذه الدول.
* ثقافات معوقة وعادات اجتماعية قديمة.(1/45)
* انتشار الأمية التعليمية والثقافية...كما أن نسبة التعليم المهنى والفنى والجامعى متدنية.
* عدم ملاءمة نظم التعليم المتبعة لمتطلبات العصر.
* سوء توزيع الثروة وتواجد فجوة طبقية واجتماعية واسعة.. وفروق واسعة بين الريف والمدينة.
معدل دخل قومى متدنى.
* أنشطة صناعية وخدمية متخلفة تفتقر إلى الجودة والدقة والالتزام الزمنى..كما أن هناك نسبة عالية من العمالة فى القطاع الزراعى متدنى العوائد...التركيز على التعدين غير المتجدد...الصناعة التحويلية ضعيفة..معدل إنتاج الفرد قليل عامة.
* نظم إدارية تتسم بالقدم والبيروقراطية وعدم التطور.
* تقاليد فى العمل تتسم بالبطء ونقص الكفاءة.
* لوائح وقوانين تتسم بالبيروقراطية والتخلف.
*غياب الاستراتيجيات والرؤى البعيدة المدى لخطط التقدم والتنمية.
*بنية أساسية ليست على المستوى الملائم للأنشطة التكنولوجية المطلوبة.
*أزمات اقتصادية ناشئة عن ضعف الإنتاج والعجز عن اجتذاب استثمارات حديثة.
*نسبة عالية من الصادرات مواد خام رخيصة ونسبة عالية من الواردات سلع مصنعة غالية.
*هيمنة القطاع العام والحكومة على المقدرات الاقتصادية..نسبة عالية من العمالة تعمل فى القطاع العام...قصور فى التكامل الرأسى والأفقى لهيكل الإنتاج.
أما على الجانب الآخر, فتتوافر لهذه المجتمعات بعض العناصر الأخرى التى يمكن استخدامها كبذور للتنمية التكنولوجية والتقدم إذا أحسن توجيهها وتأهيلها واستغلالها وهى تكمن فيما يلى:
1ـ نسبة لا يستهان بها من المتعلمين القادرين على العمل فى التكنولوجيات الحديثة بعد مجهود يسير من إعادة التأهيل.
2ـ أعداد محدودة من الشركات ذات التجارب فى المجالات التكنولوجية.
3ـ وجود بعض الأنشطة والصناعات ذات الجذور العميقة فى هذه المجتمعات بما يمثل قواعد صناعية وخدمية يمكن استخدامها كقواعد انطلاق فى برامج التطوير والتحديث.(1/46)
4ـ كم لا يستهان به من الخبراء المهاجرين إلى دول العالم الأول الذين يمكن الاستعانة بهم والاستفادة بخبراتهم وعلاقاتهم العالمية وأيضا مدخراتهم.
5ـ وجود أنشطة اقتصادية متأصلة فى هذه المجتمعات يمكن دفعها لتوفير العوائد الاقتصادية اللازم ة لتحقيق الاتصال التكنولوجى للمجتمع لحين نمو الصناعات التكنولوجية المحلية.
6ـ توافر أسواق شاسعة للتعاون التكنولوجى بين الدول الإسلامية بما يمثل حض انة ضخمة للأنشطة الصاعدة.
7ـ توافر الرغبة لدى القيادات العليا فى تطوير مجتمعاتهم.
8ـ وجود الغالبية العظمى من السكان فى مراحل الطفولة والشباب مما يسهل تربية نشء قادر على التعامل مع العلوم الجديدة وفيهم تتم عمليات توطين التكنولوجيا بسهولة.
9ـ تواجد فئة لا يستهان بها ذات مدخرات معطلة فى خارج المنطقة رغم أنها ملائمة للاستثمار فى الأنشطة التكنولوجية والتى لا تحتاج لرؤوس أموال ضخمة وينقصها بعض التشجيع والتوجيه.
10ـ وجود العديد من الخلفيات الدينية والاجتماعية والثقافية المشتركة والمتقاربة بين أعضاء دول الأمة الإسلامية مما يسهل عمليات التعاون والاندماج.
11ـ قرب العديد من الدول الإسلامية من أسواق ذات احتياجات تكنولوجية متقدمة بما يمكن من تقديم خدمات ونقل التكنولوجيا من هذه المجتمعات.
12ـ وجود العديد من المشاكل المحلية وذات الخصوصية لمجتمعات الدول الإسلامية بما يوحى بإمكانية ابتكار حلول محلية لهذه المشاكل ومن ثم إيجاد أسواق خارج المنافسة من منتجات الدول المتقدمة.
ومن هذا العرض يظهر لنا أن الدول الإسلامية بقدر ما تعانى من مشاكل إلا أنها تمتلك من المقومات ما يجعل توطين وتنمية التكنولوجيا أمرا ممكنا إذا وضحت الرؤية وصحت العزيمة.
13ـ رؤية لحضارة إسلامية علمية حديثة(1/47)
يرجع الفارق الحضارى بين الدول المتقدمة والدول الإسلامية إلى التقدم الهائل الذى أحرزته المجتمعات المتقدمة فى التكنولوجيات الجديدة والمستحدثة وعلوم الصدارة خصوصا فى علوم الحاسبات والاتصالات والنظم الإلكترونية وتطبيقاتها التى شملت كافة نواحى الأنشطة الحياتية, وتداخلت بعمق شديد فى كافة الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية والثقافية والترفيهية والاجتماعية وغيرها, كما أصبحت تشكل حضارة جديدة ذات أسس ومفاهيم مستحدثة تغاير وتختلف تماما عما عهدته البشرية فى ماضيها البعيد والقريب.
ومن المسلم به أن هذه المفاهيم والأسس الجديدة أصبحت وستظل هى الحاكمة فى تقدم المجتمعات وتطورها الاقتصادى والأيديولوجى والاجتماعى لعقود قادمة, مما ينذر بنشوء عادات وتقاليد وأصوليات مستحدثة تحكم الأنشطة المختلفة فى كافة نواحى الحياة. يضاف إلى ذلك ما أضافته هذه التكنولوجيات من اتصال وشفافية معلوماتية بين أرجاء العالم بما يدعونا إلى توقع أن ينقسم العالم إلى ثلاثة أنواع من المجتمعات نوردها تحت فئات ثلاث:
الفئة الأولى: وتضم المجتمعات التى استطاعت إنتاج وإتقان واكتساب التكنولوجيا الحديثة فى علاقة ديناميكية فريدة لم تشهدها الإنسانية من قبل, تنتهى إلى ديناميكية اكتشاف التكنولوجيا الحديثة وتطويرها والتقدم بها, وتوفير قاعدة متينة لها تعمل ضمن معادلة متكاملة بين البحث العلمى والتكنولوجيا والتنمية, وتنصهر تماما وبكامل أبعادها ومقوماتها وعلاقاتها لتعمل على تكوين مجتمع جديد يختلف كل الاختلاف عن المجتمع الراهن.(1/48)
الفئة الثانية: وتضم المجتمعات التى تعمل على امتلاك التكنولوجيا الحديثة فى إطار سياسة معينة تتفق مع احتياجات الدولة التى تملك القدرة على تحديد الأولويات والانتقاء والتفاوض والحصول على التكنولوجيا المناسبة. كذلك تملك هذه المجتمعات القدرة على تطوير وتطويع التكنولوجيا ضمن شروط تنموية معينة ترمى إلى تعميم فوائدها ومكتسباتها على جميع أنشطة المجتمع.
الفئة الثالثة: وتضم المجتمعات التى تكتفى بأن تستورد المنتجات والأدوات المختلفة للتكنولوجيا الحديثة دون الأخذ فى الاعتبار مدى مطابقتها وملاءمتها بيئيا , ودون العمل على توطينها أو الابتكار فيها واستغلال طاقاتها بالكامل. إنها مجتمعات منعزلة غير قادرة على المساهمة فى تطوير التكنولوجيا واستخدامها بكفاءة كبيرة.
ويقع عدد غير قليل من الدول الإسلامية فى الفئة الثالثة, وعدد ليس كبير فى الفئة الثانية. أما العالم المتقدم فتنتمى مجتمعاته بلا شك إلى الفئة الأولى.
وبناء على هذا التصنيف, فسوف تستمتع كلا من مجتمعات الفئة الأولى ومجتمعات الفئة الثانية بثمار النمو التكنولوجى العالمى بينما تزداد غربة مجتمعات الفئة الثالثة إلى الدرجة التى تنذر باضمحلالها واندثارها مع الوقت تحت ضغط الفقر والجهل إلى الحد الذى ينتهى إلى التلاشى فى المستقبل القريب إذا لم تلاحق ما يحدث فى العالم.
ومن هذا المنظور, فإن الصراع الحضارى القائم حاليا , والذى سيتعاظم مع المستقبل يصبح صراعا حقيقيا وليس صراعا ترفيا للحصول على مميزات أكثر أو مستوى أفضل للحياة, بل إنه فى حقيقة الأمر صراع بأن تكون هذه المجتمعات أو لا تكون.(1/49)
وبناء على ذلك فلن يتبقى فى العالم سوى مجتمعات الفئة الأولى وبعض مجتمعات الفئة الثانية, ويكمن دور مجتمعات الفئة الأولى فى المشاركة الفاعلة فى التقدم التكنولوجى العالمى وذلك بالمساهمة فى الإنتاج التكنولوجى المتطور والمتلاحق والاستمتاع بما يدره ذلك من عوائد اقتصادية ومادية وما يؤدى إليه من ارتفاع فى مستوى حياة البشر وما يتيحه ذلك من سهولة ويسر فى أسلوب ومستوى الحياة. وسوف تتمكن مجتمعات الفئة الثانية من الاستفادة بالعديد من المميزات التى يتيحها لها اتصالها بمجتمعات الفئة الأولى عن طريق شرائها لهذه التكنولوجيات لاستخدامها وتسخيرها للحصول على حياة أيسر وأفضل, ولكن يبقى لها تحدى اقتصادى فى إيجاد مصادر دخل تؤمن لها التواجد على اتصال مستمر بالتكنولوجيا العالمية, كما يجب عليها أيضا مواجهة التزايد المستمر فى تكلفة الحصول على هذه التكنولوجيات والتى ينتظر أن تتعاظم منتجاتها وتتغلغل إلى أعماق أخرى فى كافة نواحى الحياة.
ولتحديد الرؤية اللازمة لوضع الاستراتيجيات ومن ثم السياسات اللازمة وبالتالى وضع الخطط وتحديد الأهداف ثم توزيع الأدوار التنفيذية ومتابعة الأداء فإنه يصبح لزاما على الأمة الإسلامية أن تعمل على تقليل عوامل الانعزال والتخلف فى المجتمع مع دفعه إلى إنشاء قنوات للاتصال بالتكنولوجيات المتقدمة بهدف توطينها وزيادة استخدامها مع التدبر. ذلك لدفع بعض طبقات المجتمع القادرة على إنتاج تكنولوجيات حديثة للتميز والمشاركة فى بعض المجالات الحديثة التى يمكن أن تكون ذات جذور فى المجتمع. كذلك يمكنها من استخدامه بما يلائم الإمكانيات المتاحة, واستغلال هذه الأنشطة كرأس حربة تدفع المجتمع للأمام على المدى الطويل إضافة إلى مساهمتها فى التطور الاقتصادى للمجتم ع ولو بصورة جزئية.(1/50)
ونخلص من هذا إلى أن دور الحكومات فى المجتمعات الإسلامية والواعدة هو صياغة استراتيجية للتطور الحضارى الإسلامى وذلك من خلال العمل على ثمانية محاور أساسية:
المحور الأول: دفع أبنائنا منذ الطفولة إلى طلب العلم والدأب فى تحصيله على أن نركز فى أعماق أعماقهم أن الهدف الأخير من ذلك كله إنما هو إدراك حكمة الله وسننه فى الخلق والعلم بتجليات صفاته فى مخلوقاته.
المحور الثانى: التركيز على دراسة الحقائق والنظريات فى العلم التى يتخذها الملحدون وأعداء الإسلام سندا للهجوم عليه وقدحهم فى عقائده. وبذلك تعرض هذه الحقائ ق من وجهة نظر إسلامية مقنعة لأجيال المتعلمين من شباب الإسلام.
المحور الثالث: العمل على تقليل عوامل انعزال المجتمع عن التقدم التكنولوجى العالمى.
المحور الرابع: إعادة المجد القديم للمسجد لا باعتباره مكانا تمارس فيه شعائر الإسلام فحسب بل باعتباره معهدا ومدرسة وجامعة يتلقى فيه رواده ما يشبع ظمأهم إلى المعرفة, وذلك فى جو مشبع بالدين وفى إطار إسلامى تتحقق فيه على نحو عملى فكرة التلازم والتكامل بين الدين والعلم.
المحور الخامس: محاولة الوصول فى مناهج التعليم إلى نظرية إسلامية لاستيعاب العلوم والفنون حتى تجرى ممارسة كافة أوجه النشاط الفنى بين التلاميذ فى ظل تصور إسلامى خالص, تنتفى فيه كذلك قطيعة أخرى مزعومة بين الدين والفن.
المحور السادس: إصدار سلاسل ثقافية مبسطة تتناول شتى فروع المعرفة فى التاريخ والفلسفة والاجتماع والجيولوجيا والفلك والطبيعة والكيمياء والبيولوجيا بحيث تتخلل هذه الكتيبات التى تتناول فروع العلوم المختلفة كتيبات أخرى فى الإسلام ورجاله وعقائده. من هنا تصبح دراسة الإسلام وفهمه على وجهه الصادق مكونا أساسيا من مكونات المعرفة العامة للإنسان المسلم, بجانب المكونات الأخرى التى نلتمسها فى شتى ألوان المعرفة الأخرى.(1/51)
المحور السابع: العمل على إنشاء ودعم وسائل اتصال المجتمع بالتكنولوجيا العالمية وخلق المناخ الواجب لهذا التواصل عن طريق إدخال وتشجيع المجتمع على استعمال التكنولوجيات الحديثة فى كل ما يمكن استخدامه وتدبير مصادر التمويل اللازمة لذلك.
المحور الثامن: دفع وتشجيع وتحفيز القطاع القادر على الإنتاج التكنولوجى والمؤهل للمشاركة العالمية ومعاونة هذا القطاع فى حل مشاكله ودعم تطويره وتسهيل إيجاد الآليات التى يحتاجها للقيام بنشاطه بعيدا عن العوائق والتعقيدات.
وبهذا ومثله يمكننا أن نصوغ استراتيجية التطور الحضارى للأمة الإسلامية فى قالب إسلامى تحظى التنمية الناتجة عنها بالصدق والشفافية والإتقان لأن صانعها هو الإنسان المسلم خليفة الله فى الأرض والذى يتقي الله فى كل أعماله وينفذ بإمكاناته العقلية إلى ظواهر الكون المادية والروحية, ويتصل بالله مصدر الحقائق جميعا, وتصدر أعماله فى ذلك كله عن الإسلام دين الله الخالد, الذى أتم الله به النعمة على الدنيا.
فلا شك أن للإسلام منهجا وإطارا نظريا وعمليا متميزا ومنفردا , يستوعب شتى مجالات الحياة الاقتصادية ويعالج مشاكلها ويطرح حلولا نظرية وعملية, متخذا من الدين الإسلامى وفلسفته وقيمه ومنطقه وفكره إطارا ومنهجا . والأكثر من ذلك أن الإسلام دين يدعو إلى استعمال العقل والمعرفة, كما أنه دين القيم. وهو لا يمكن أن يكون غير ذلك نظرا لأن الذى فرضه هو الله العلى القدير, وبعث به النبى محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله الصادق الأمين, وأنزل عليه القرآن الكريم كتابا مقدسا مقروءا ليكون معجزة قائمة دائمة تتحدى المعارف جميعا عبر الأزمان المختلفة حيث بدأ بقوله تعالى (اقرأ باسم ربك (وانتهى بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس (التى تأكدت بازدهار العلوم والفنون وظهور الأفذاذ من علماء المسلمين منذ القرن الثامن الميلادى.(1/52)
وفكرة تكامل الإسلام والعلم ليست بالقطع جديدة على المسلمين, حيث ورد التأكيد عليها متواصلا فى تعاليم الذكر الحكيم. كما أن النبى محمدا - صلى الله عليه وسلم - (أبدى أيضا الكثير من قيمة تحصيل المعرفة, وهو ما حض عليه أصحابه وأتباعه من بعده على النحو الذى جاء بنوع من التفصيل فى البنود السابقة. أملا فى تعويض مرحلة التخلف التى نتجت عن الخوف من الانسياق وراء البدع عند بعض الفقهاء وعلماء الدين والمعتزلة ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادى, هؤلاء كانت لهم نظرة معادية للعلوم الطبيعية والفلسفية لاعتبارها من " البدع ", مخالفين لرأى الرسول الكريم الذى قال عامدا وواعيا تماما لرفض بعض الآراء دون تعمق فى بعض المسائل, بعد أن قال الله تعالى (وأعدوا له ما استطعتم من قوة...الآية (. ولم يرفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبدا رأيا جديدا بل كان يقول الله أعلم خاصة بعد نزول الآيات التى وجه فيها القرآن إلى التفكر والتعقل مما انتهى إلى التوجيه الإلهى بقوله تعالى (وقل ربى زدنى علما...الآية (. وهو الدين الوحيد الذى شرع الاجتهاد.
من هنا يتأكد أن العلم الحديث وربيبته التكنولوجيا المتقدمة يعتبران ضرورة لازمة لوضع الأمة الإسلامية فى مكانها الصحيح الذى تستحقه من أجل تنمية المجتمع الإسلامى, وعندها يمكن بناء حضارة إسلامية مستقبلية أساسها الدين والعلم.
والحمد لله رب العالمين,,
14ـ ملخص الدراسة(1/53)
تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأى مجتمع على ما يمكن لأعضائه أن يقدموه لمجتمعهم من نتاج فكرى وعقلى وعضلى. وكلما ازداد نصيب النتاج الفكرى والعقلى عن النتاج العضلى, زاد المجتمع نموا بمعدلات أكثر وحقق الرقى والرخاء. فالثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة التى أدت إلى العولمة, والتى يقودها العال م المتقدم وتعرف بالموجة الثالثة, ما هى إلا مزيج من التقدم التكنولوجى المذهل والثورة المعلوماتية الفائقة نتيجة تآزر وتكامل مكونات ثلاث: التعليم المجود والمستمر . والبحث العلمى المتميز والمبتكر . والصناعة دائمة التغير فائقة التطور. لذلك فتحديات الألفية الثالثة هى فى واقع الأمر تحديات علمية وتكنولوجية....فلا قوة ولا اقتدار, ولا تنافس, ولا مشاركة عالمية إلا من خلال الإبداع, ولا سبيل للإبداع إلا من خلال تلك المكونات الثلاث بإذن الله.
والتحديات العلمية والتقنية القائمة والمتوقعة بالغة الكم والكيف والتوزيع والتوجيه, وهى أيضا بالغة الأثر على الأمة الإسلامية من حيث استمرار البقاء واحتلال موقع على الخريطة العالمية والحضارة المعاصرة وتجنب التخلف والتيه فى الدروب الخلفية للتاريخ.
فى إطار تلك الخلفية تتناول الدارسة الحالية بعض القضايا الأساسية ذات العلاقة بحضارة إسلامية مستقبلية أساسها الدين والعلم.
وبداية ناقشت الدراسة موقف الإسلام من العلم وأوضحت أن رسالة الإسلام ترتكز على العلم والخلق, وأن العلم فى نظر القرآن هو كل ما يوسع المدارك ويبصر الإنسان بأمور الحياة ويفيده توفيقا وقدرة على الاستفادة بكل ما خلق الله لإسعاد البشرية. فبالعلم وقوة العقيدة والعمل الصالح ظ هر أجدادنا العرب المسلمون على مسرح التاريخ, وكان لهم بيان ووجود معتبر, وأصبحوا سادة العالم حينذاك, وأصل التحضر والثقافة.(1/54)
وقد صرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن العلم مطلوب من كل مسلم, وحث المسلمين على العلم, وغرس فى نفوسهم حب العلم واحترام العلماء, وعلمهم أن دم الشهداء يوزن يوم القيامة بمداد العلماء, وعلمهم كذلك أن العلماء ورثة الأنبياء, ووجههم إلى طلب العلم طوال حياتهم من المهد إلى اللحد. ويتضح تحدى القرآن الكريم للعلم الحديث فى اشتماله على أسمى التشريعات الروحية والأدبية والاجتماعية والسياسية والمالية التى كان ولازال بها أكبر الأثر فى إصلاح المجتمع الإنسانى واستقراره لبلوغها مرتبة الكمال التشريعى. ويتضح أيضا فى اشتماله على كثير من العلوم والمعارف التى كانت تجهلها الأمم ثم كشف عنها العلم فيما بعد ولازال يكشف عنها إلى اليوم, وسوف يظل يكشف عنها مدى الدهر إلى الأبد.
ويمثل التعليم فى الإسلام أعظم تجربة رائدة عرفتها البشرية فى سبيل بناء حياة فاضلة. فقد استطاع هذا التعليم أن يقضى على القطيعة الموهومة بين الدين والعلم. وجاءت تعاليم الإسلام تنادى أن مصدر الحقيقة الدينية والعلمية إنما هو أن الله الحق. ودعم القرآن الكريم تلك السمة الجليلة التى اتسم بها التعليم فى الإسلام حين أكد الله سبحانه وتعالى بعث محمد (معلما وهاديا للحق. وأن الراسخين فى العلم هم الشهود على وحدانية الله سبحانه وتعالى وتفرده بالألوهية الحقة. ومع هذا المفهوم السامى للتعليم فى الإسلام أدرك الإنسان حقيقة رسالته ومهمته فى الوجود....فالله سبحانه وتعالى خلق الكون أولا ثم الإنسان ليكون خليفة الله على هذا الكون, ثم علم الإنسان الأسماء وعرفه على هذا الكون فى ظاهره وباطنه ... وأمره أن يتعلم كل ما يدفع حياة التطور إلى الأمام. فالتعليم هو السبيل الموصل نظريا وعمليا إلى الكشف عن أطوارالإنسان وأوضاعه فى الكون فهو تعليم يوفر للإنسان السعادة فى الحياة الدنيا ويكفل له الزاد للحياة الآخرة.(1/55)
لقد أصبح من المسلم به أن الإسلام دين تربوى, وأنه جاء لينظم علاقة العبد المخلوق بالله الخالق, وينظم علاقة الفرد الصغير بالمجتمع الكبير, ويعمل على تحقيق توازن الإنسان توازنا نفسيا داخليا على ركيزة ثابتة من الإيمان. جاء الإسلام دينا له رسالة بين الناس ركزها القرآن فى جزء من آية واضحة هو قوله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور (ويقصد بالنور هنا معنى واسعا لكل لون من ألوان الاستقامة والخير وتحقيق الجانب المضئ فى نفس الإنسان. وباختصار شديد فإن رسالة الإسلام هى تنمية المعنى الإنسانى فى الإنسان . والدين بناء على ذلك هو اكسير الحياة والعلم هو الحافظ عليها.
تتناول الدراسة بعد ذلك تصنيف أهل الأرض, ثم المتغيرات الدولية والتوجهات العالمية خصوصا والعالم كله يعيش تحت تأثير أربع ثورات أساسية تؤثر فى حياة الناس جميعا . وهذه الثورات هى: الثورة الديمقراطية, والثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة, وثورة التكتلات الاقتصادية والسياسية فيما بين الدول وكذلك فيما بين الشركات العملاقة, وثورة تحرير التجارة والنجاح فى إنشاء منظمة التجارة العالمية لتحل محل الجات ...وبزوغ النظام العالمى الجديد ومولودته العولمة كنتاج أساسى لهذه الثورات.(1/56)
كما تتناول الدراسة الاقتصاد المعتمد على المعرفة أو ما يعرف بالاقتصاد المعرفى حيث تحقق المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المضافة. وهناك فجوة معرفية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة وليس أمام الدول الإسلامية إلا أن تتبع استراتيجيات فعالة متكاملة لتضييق تلك الفجوة وذلك عن طريق: الحصول على المعارف وتطويعها واستنباط الجديد فيها محليا , التعليم والارتقاء فى سلم مستوياته والتدريب والتأهيل المستمرين طوال الحياة. إن اجتذاب المعرفة التكنولوجية المتقدمة من خلال الاستثمار الأجنبى المباشر لا يتطلب إعفاءات ضريبية أو قوانين خاصة, وإنما يشجعه نظام تعليم قادر على إنتاج قوى بشرية مؤهلة لاستيعاب المعرفة التكنولوجية وأسواق مال تتمتع بالشفافية وضمانات حرية تدفق المعلومات. ومن ثم فعلى حكومات الدول الإسلامية أن تتبنى السياسات وسن القوانين التى تعمل على تحقيق ذلك.
وتكتسب القدرة التنافسية من خلال امتلاك التكنولوجيا المتقدمة والإدارة المتطورة والارتقاء بالقدرات البشرية فى مجال التفاوض والاستثمار فى البحث العلمى لإنتاج المعرفة والاستثمار فى تحويلها إلى سلع وخدمات والنزول بها إلى الأسواق بطرق سريعة. وعلى كل دولة إسلامية أن تتبنى استراتيجية لبناء القدرة التنافسية فى إطار استراتيجية عليا للتنمية. كذلك يجب بلورة دفع وتطوير الدور التنموى للقطاع الخاص والمجتمع المدنى وأهمية قيامه فى الإنفاق على البحوث والتطوير ودخوله شريكا للدولة فى مجال التطوير التكنولوجى.(1/57)
وتحتاج الدول الإسلامية . شأنها فى ذلك شأن الدول الأخرى . إلى خمس مجموعات من التكنولوجيات القائمة على العلم لتحقيق برامجها وخططها القومية, وهذه المجموعات هى: تكنولوجيات من أجل الاحتياجات الأساسية, تكنولوجيات من أجل تحسين جودة الحياة, تكنولوجيات من أجل خلق الثروة, تكنولوجيات من أجل الإنتاج العلمى وتوليد المعرفة, وتكنولوجيات من أجل الإدارة السليمة (الراقية).
ومن المعلوم أن الدول المتقدمة تحظى فى الوقت الحالى بنمو اقتصادى غير مسبوق .... تتسع الفجوة بين الدول المتقدمة والدول الإسلامية .... ويعزى كل من النمو والفجوة إلى فرق كبير فى إتقان إنتاج واستخدام العلم والتكنولوجيا. بمعنى أن المنجزات العلمية والتكنولوجية للدول المتقدمة تحركت بسرعة وبمهارة فائقة وتحولت إلى سلع وخدمات بعكس الدول الإسلامية التى لم تستطع حتى الآن إتقان إنتاج واستخدام العلم والتكنولوجيا فى برامجها الاقتصادية. الأمر الذى يدعو كل دولة إسلامية منفردة ومجتمعة إلى إنشاء جهاز قومى للابتكار.
كما عددت الدراسة عناصر التخلف فى الدول الإسلامية وكذلك مقومات النهضة التى يمكن استخدامها كبذور للتنمية التكنولوجية والتقدم الحضارى حيث تبين أن الدول الإسلامية بقدر ما تعانى من مشاكل إلا أنها تمتلك من المقومات ما يجعل توطين وتنمية التكنولوجيا أمرا ممكنا إذا وضحت الرؤية وصحت العزيمة.
وتخلص الدراسة إلى رؤية لحضارة إسلامية تقوم على ثمانية محاور:
(1) دفع أبنائنا منذ الطفولة إلى طلب العلم والدأب فى تحصيله.
(2) التركيز على دراسة الحقائق والنظريات فى العلم لعرض الحقائق من وجهة نظر إسلامية مقنعة لأجيال المتعلمين من شباب الإسلام.
(3) اعتبار المسجد معهدا ومدرسة وجامعة يتلقى فيه رواده ما يش بع ظمأهم من المعرفة بجانب ممارسة شعائر الإسلام.
(4) محاولة الوصول فى مناهج التعليم إلى نظرية إسلامية للفن.
((1/58)
5) تقليل العوامل التى تعمل على انعزال المجتمع عن التقدم التكنولوجى.
(6) ... دعم وإنشاء وسائل اتصال المجتمع بالتكنولوجيا العالمية.
(7) ... دفع وتشجيع وتحفيز القطاع القادر على إنتاج التكنولوجيا.
(8) ... إصدار سلاسل ثقافية مبسطة تتناول شتى فروع المعرفة تتخللها كتيبات أخرى فى الإسلام ورجاله وعقائده سبيل لتبسيط المعارف وتوفيرها للطاقة.
والأمل معقود على حكومات الدول الإسلامية فى صياغة استراتيجية التطور الحضارى للأمة الإسلامية فى قالب إسلامى تحظى التنمية الناتجة عنها بالصدق والشفافية والإتقان لأن صانعها هو الإنسان المؤمن بدينه ووطنه وقدرته.
الهوامش
(1) سورة البقرة: الآية 170, 171
(2) سورة الزمر: الآية 9
(3) سورة الأنعام: الآية 122
(4) سورة االنساء: الآية 82
(5) سورة يونس: الآية 32
(6) سورة البقرة: الآية 150
(7) سورة قاطر: الآيه 27.
(8) سورة البقرة: الآية 29.
(9) سورة البقرة: الآية 30
(10) سورة العنكبوت: الآية 20.
(11) سورة البقرة: الآية 28
(12) سورة إبراهيم: 33: 35
(13) سورة السجدة: الآية 7:9.
(14) سورة البقرة: 254
(15) سورة الأنعام: 59
(16) سورة القصص: الآية 77
(17) سورة إبراهيم: الآية 1
(18) سورة الأنفال: الآية 23
(19) سورة الأنعام: الآية 122
(20) سورة النجم: الآية 32
المراجع
(1) الدكتور محمد سلام مدكور.التعليم فى الإسلام (ماضيه وحاضره) المركز العالمى للتعليم الإسلامى ـ مكه المكرمة ـ 1993
(2) ... الدكتور إبراهيم أحمد العدوى . التعليم الإسلامى فى الماضى وميراثه الحاضر . المركز العالمى للتعليم الإسلامى ـ مكه المكرمة ـ 1983
(3) ... السفير مراد هوفمان . الإسلام كبديل ـ دار نشر النور ـ الكويت ـ 1993
(4) ... دكتور على على حبيش . استيعاب التكنولوجيا وتحديات العصر . أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا . 1993
((1/59)
5) دكتور على أحمد مدكور . التحديات التربوية المعاصرة للأمة . ندوة التحديات المستقبلية التى تواجه الأمة الإسلامية فى القرن المقبل . جامعة الإمارات العربية . 20: 23 ديسمبر 1997
(6) دكتور إبراهيم جميل بدران... و...دكتور على على حبيش . التحديات العلمية والتكنولوجية التى تواجه العالم الإسلامى وسبل مواجهتها . ندوة رابطة الجامعات الإسلامية ـ عمان / الأردن ـ 14: 18 سبتمبر 1999
(7) ... دكتور إبراهيم جميل بدران . تطلعات لمصر المستقبل . دار نهضة مصر . 1999
(8) ... دكتور على على حبيش . مبارك مصر والنهضة التكنولوجية . مؤسسة الطوبجى للتجارة والطباعة والنشر . لاظوغلى / القاهرة . مصر 2000
(9) ... دكتور أسامه عبد الوهاب . الاقتصاد المعرفى والدولة الحديثة (رؤية مستقبلية لمجتمع الإدارة) . المؤتمر السادس والثلاثون ـ جماعة الإدارة العليا ـ الإسكندرية / مصر ـ 25: 29 أكتوبر 2000
(10) ... مهندس عادل أديب . تقليل الفجوة التكنولوجية بين دول مجموعة الخمسة عشر ودول العالم الأول . ورقة عمل قدمت للجنة تنمية تكنولوجيا التصنيع . اتحاد غرف التجارة والصناعة والخدمات . مجموعة الخمسة عشر ـ القاهرة ـ نوفمبر 2000(1/60)
كلمة رئيس الجلسة الشيخ نصر فريد واصل: شكرا للأخ الفاضل الكريم الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران والأستاذ الدكتور على حبيش لهذا التقديم لهذا البحث القيم بعنوان " نحو حضارة إسلامية مستقبلية أساسها الإيمان والعلم", وأعتقد أن التقديم الذي تقدم به الدكتور إبراهيم بدران والأستاذ الدكتور على حبيش جمع بين العلم والإيمان وبين العلوم الدينية والدنيوية من خلال العرض الذى تقدم به الدكتور إبراهيم بدران فى تحقيق قيمة الفرد والأسرة وربط الإعلام من الناحية الإسلامية, ووضع سياسة إعلامية وعلمية حديثة لتحقيق الثروة العلمية والتكنولوجية مع تواصل الخبرات العلمية والالتزام بالعلم الديني والتجارب المادية الحديثه والرد على الشبهات التى تثار ضد الإسلام بالوسائل العلمية الحديثه والإنترنت, والدكتور على حبيش مشكورا عرض المنهج العلمي فى المستقبل وكيف نصل بالحضارة الإسلامية ونتواصل مع الحضارة الإسلامية فى أول عهدها ومهدها عندما كانت الأساس الرئيس لانتشار الحضارة الأوربية ووصولها الآن إلى عنان السماء وتوقف المسلمين نحو التراث الديني فقط, وقوفا مع فصل الدين عن الدنيا انطلاقا من الغزاوت الثقافية التى تلقاها المسلمون فى ظل الاستعمار الذى فرض عليهم ذلك من خلال الخطوات التى تقدم بها مشكورا الدكتور على حبيش لتحقيق هذا الهدف, وهو كيفية إحداث حضارة علمية إسلامية وبين أن ذلك لابد أن يقوم على أسس علمية مدروسة من خلال البحوث العلمية المتقدمة وتوجيه الشباب وكل المؤسسات العلمية والجهات الإنتاجية الاقتصادية للانطلاق من عقيدة المسلمين ومن العقيدة الإيمانية لتحقيق الترابط بين الدين والدنيا وبين الإيمان والعلم بكل أشكاله, نحن نشكر لهما هذا التقديم الجيد, الآن الأمر متاح للمناقشة, ونأخذ البحث الثاني فليتفضل الدكتور عجيل النشمي بعرض موضوع البحث وهو بعنوان " نحو حضارة إسلامية مستقبلية أساسها الدين والعلم " يعني نفس العنوان(1/61)
السابق وفضيلة الأستاذ الدكتور عجيل النشمي نعرفه جيدا من خلال علمه وبحوثه والمؤتمرات السابقة, ولكن كما يقال من باب التذكير فإن الذكري تنفع المؤمنين فليتفضل.(1/62)