نبي أرض الجنوب
دار هادف للنشر والتوزيع
المركز الرئيسي:
23 ش عبد العظيم البكري
المطرية- القاهرة
هاتف: 6554648 (02)
ع . م / جمال الدين شرقاوى
نبي أرض الجنوب
في الأسفار اليهودية والمسيحية
دار هادف
الإهداء
=============
... ...
إلى نجلىَّ وقرَّة عينى :
مُهندس / مُحَمَّد جمال والطبيبة / داليا جمال . أدعو الله سبحانه وتعالى أن يكونا لى عملا صالحا فى حياتى وبعد مماتى .
وإلى رفيقة حياتى وأم أولادى : دكتورة / وفاء . أفاض الله عليها الصحة والعافية .
وإلى أصدقاء الحق من المسيحيين ، وإخوان الصدق من المسلمين . وإلى كل المنصفين الواقفين بجانب الحق والصدق . المتطلعين إلى المعرفة العلمية والمنهج العلمى فى دراسة الأسفار والنصوص الدينية اليهودية والمسيحية .
أهدى كتابى هذا تبصرة للمستبصرين ، واضعا إياه تحت تصرف عيون الناقدين المستنيرين والمحللين المعتدلين . مستقبلا لكل رأى قويم عساه أن يصحح بعض المفاهيم فى أصول المِلَّةِ والدين . راجيا من مولانا عَزَّ وجَلَّ أن يجعله فى ميزان أعمالى المقبولة عنده يوم الدين . وأن يجعلنى ممن تكون آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
المؤلف
ع / م : جمال الدين شرقاوى
فاتحة هذا الكتاب
============
... ...
الحمد لله الذى جعل العلم سُلَّما إلى المعلوم منطوقا ومفهوما . والحمد لله الذى امتنَّ على عباده ببعثة الرسول الصادق الأمين ، فأخرجهم به من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والإيمان واليقين . أحمده سبحانه وتعالى حمد أوليائه المتقين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، المَلك الحق المُبين . وأشهد أنَّ مُحَمَّدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين . والصلاة والسلام على سيد العلماء والأتقياء .. النبىّ الأمِّىّ أحمد . المُؤيد من السماء . المُبَشَّرُ به على لسان الأنبياء . المُوحَى إليه بكتاب الهدى والشفاء .
أمَّا بعد :(1/1)
فهذا بَثٌ لما وقر فى صدرى ، وفاض به نيرى ، من بشارات عن نبيِّنا المُصْطفَى على العالمين ، نطق بها الأنبياء والمرسلين ، فى أسفار كتاب إخواننا فى المواطنة بعهديه الجديد والقديم . رأيت أن أذيعها على الملأ بعد أن رأيت الباحثين فى الملل والدين ، قد قنعوا بما لاكته ألسن القدماء وكتبته أيدى الفهماء . فأقبلوا على تكرار ما فات ، ولم يُلمَّوا بما أتت به الترجمات المعاصرة لنصوص الأصول الغابرة ..!!
وهدفى من هذا الكتاب هو تنبيه الغافلين ، الذين يخلطون أقوال الناس بنصوص الدين ، فلا يستطيعون التمييز بين الصحيح والسقيم . وأن يَحْيىَ بالعلم والإيمان من كان ميت القلب وَسْنان ، لا يعرف معروف الذين أنعم الله عليهم بالعلم والإيمان .
وليعلم الجميع أنَّ الكلام عن البشارات الواردة عن نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - يُقرِّبُ ولا يُفرِّق بين إخوان المواطنة سواء كانوا مسلمين أومسيحيين ، فليس فيه تعصُّبَ ولا استكراه . والكلام فى النور خير منه فى الظلام .
قال تعالى فى كتابه العزيز مُخاطبا رسُولِه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لمن يُنكرون نبوَّته ورسالته : { ويقول الذين كفروا لست مُرْسلا ، قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم ومَن عِندَهُ عِلمُ الكتاب } ( 43 / الرعد ) . فكفى بشهادة الله خالق الكافرين والمؤمنين . ولكن شهادة الله لن يعترف بها إلا المؤمنون بنصوص الكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل والقرآن . وتلك شهادة لن يُقرُّها العامة من أصحاب الديانات السابقة فذكر سبحانه وتعالى شهادة { مَن عِندهُ عِلمُ الكتاب } ولم يُحَدِّد اسم الكتاب ليشمل كل الكتب الإلهية .
فمَن عِنده .. عِلمُ القرآن يشهد بصحَّة الرسالة الإسلامية .
ومَن عِندهُ .. عِلمُ التوراة يشهد بصحَّة الرسالة الإسلامية .
ومَن عِندهُ .. عِلم الإنجيل يشهد بصحَّة الرسالة الإسلامية .(1/2)
... وكتابى هذا يبحث عن شهادة عِلمُ الكتاب الأول الذى بيد إخواننا المسيحيين وذلك من خلال إلقاء الضوء الساطع على النصوص الكتابية التى تعتبر بشارات مُسبقة عن رسالة نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . وقد كتبته فى ثلاثة أجزاء متوسطة الصفحات غزيرة البيانات ..!!
... ففى الجزء الأول : قدَّمْتُ للقارىء الباحث عن علم الكتاب النصوص مُوَثقة على مائدة الجغرافية التاريخية مُدَعَّمةٌ بأصول لغاتها الأولى ، حتى لا يجادلنى مَنْ يقرؤون الترجمات المعاصرة بعيدا عن لسانها الأصلى ومكانها الجغرافى .
... وفى الجزء الثانى : ذكرْتُ بعض النصوص التى جاء فيها اسم وصِفَة نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ومكان بعثته وعالمية دعوته ، وأهم الحوادث التى تحقق وقوعها فى أثناء فترة بعثته - صلى الله عليه وسلم - .
... وفى الجزء الثالث : ذكرْتُ بحثا خاصا حول أهم كلمة تتردد على ألسنة المسيحيين ، ويرددها خلفهم علماء المسلمين بدون أن يعلم الجميع أصل وفصل ومعنى هذه الكلمة فى لغتها الأولى ..!! إنها كلمة ( مِسِّيَّا ) .. التى يقولون عنها فى أكبر المراجع ودوائر المعارف الكتابية وقواميس الكتاب بأنها الكلمة الأساسية التى تدور عليها جميع بشارات الكتاب بعهديه . وقد جهل الجميع معناها الصحيح حيث قالوا بأنَّ معناها هو المَدْهُون بالزيت المقدَّس ..!!
... هذا ولم أشأ أن أفتح فى كتابى هذا باب الجدل العقائدى حتى لا تعمى الأعين ولا ترى النور الذى جاء من أرض الجنوب ، فاللغة والمنطق والجغرافية التاريخية بكل أدواتهم وأساليبهم فى الفحص والتمحيص ، أرَى أنَّهُ من العبث تجاوزهم أو غض الطرف عنهم .(1/3)
... وأنا أرجو مِن قارىء كتابى هذا أن يُمْسِكَ بقلم بين يديه ليكتب تعليقاته وخواطر نفسه عند الكشف عن النصوص الكتابية وبيان معناها فى لغتها الأصلية ومكانها الجغرافى ، ثم ليُراجع الأطالس الجغرافية ليتأكد من صِحَّةِ الأماكن وأماكن وقوع البشارات . ويُراجع نفسه أولا وآخرا عن كُل ما حفظه من شروح لتلك البشارات حتى يميز الحق من الباطل . ورحم الله من قرأ قولى وبحث فى أدلتى ثم أهدانى عيوبى وأخطائى . وعمل بمنهجى الذى لا أحيد عنه وهو " العودة إلى الأصل بفكر العصر " .
ع . م / جمال الدين شرقاوى
الجزء الأول
=======
القسم الأول
لغز أرض الجنوب
إثبات التواجد الإبراهيمى فى قلب
شبه جزيرة العرب
ثقافة التاريخ بين التجاهل والنسيان ..!!
=====================
إنَّ حقائق التاريخ وخاصة التى ينبنى عليها عقيدة دينية ، نجدها دائما فى منطقة الخلاف والجدال بين الناس من ذوى الأديان المختلفة . فإن كانت تهدم باطلا وتقيم حقا لم يألفه الناس ، فإنها ستكون فى منطقة التجاهل والنسيان لغير المعتقدين بها فيسكت عن دراستها أكثر المتخصصين . والمنطق العلمى يدعونا إلى التعرُّض لـ ثقافة التاريخ ، والإحاطة ببعض معالمها بالبحث والتحليل ، بنزاهة وأمانة علمية بُغية الوصول إلى نتيجة يُقِرُّها الباحثون عن الحق المجرد عن الهوى وأيضا طلبة العلم والمعرفة .
وأستهل بعون الله أولى معالمنا هنا ، ألا وهى البعثة الإسلامية وجذورها التاريخية ، فإنَّ لها لذكرا فى أسفار الأقدمين ، حيث كانوا يتغنون بقرب ظهورها فى الماضى من قبل ظهور الإسلام { .. وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا . فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .. } . ثم أضحت تراثا لا يأبه به الأحفاد .(1/4)
وإن حاول بعضهم أن يتعرَّض للنصوص التى تشير إلى ظهور وحى ودين خاتم من قلب شبه الجزيرة العربية حَدَثَ ما لا يُصَدَّق وما لا يُعْقل لمن كان له عقل أو ألقى السمع منهم وهو شهيد على ما يقرأ ويسمع ..!!
فإن وردت نصوص فى أسفار الكتاب بعهديه ـ القديم والجديد ـ تُنبىء عن ظهور رسالة دينية ورسول خاتم من قلب جزيرة العرب فإنَّ مصير هذه النصوص هو : التجاهل أولا .. ثم محاولة نقل أسماء الأماكن الجغرافية والأحداث التاريخية المشار إليها فى هذه النصوص إلى أماكن أخرى على خرائط مرتجلة مزعومة سرعان ما تتهاوى أمام النقد العلمى والاكتشافات العلمية الحديثة لطبقات الأرض والمسح الجيولوجى وباقى علوم الحفريات والآثار وما شابهها . ثم العمل ثانيا على اِتلاف المعنى اللغوى لكلمات النصوص .. مستفيدين فى ذلك من فقد اللغات الأصلية لهذه النصوص ومن ثم الاعتماد على الترجمات المتنوعة للغات تختلف عن لغات اللسان السامى العربى القديم . ومِنْ ثمَّ العمل على صرف المعانى المرادة من هذه النصوص بطريقة الشرح المستبد إلى معانى أخرى تؤيد وجة نظر إعتقاداتهم وتراثهم الدينى (1) . وسوف أتعرض هنا بإذن الله تعالى إلى هذه الأنواع التى دأب علماء المسيحية على القيام بها . والحق ضالة طالبه ، وللحق نور وبرهان مُبين يعرفه العقلاء من قبل الإيمان به .
وهذا البحث المتواضع الغائر فى أعماق جذور وفروع التراث الدينى وثقافته ليس فيه إكراه ولا تعسف واستكراه ولكنه من باب وذكِّر فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين . وأقل ما فيه هو الاعتراف بما تدل عليه النصوص من واقع ما أثبته التاريخ الواقعى وجغرافيته التاريخية ومجريات أمورهما .
... فدين الاسلام كحادثة تاريخية عالمية ، لا ينكره إلا أعمى متجاهل لا يسمع ولا يرى ما حوله من مجريات الأمور ..!!(1/5)
... ومكان ظهور هذا الدين الخاتم معلوم عند الجميع أنه من قلب شبه جزيرة العرب . ومُبلِّغُ هذا الدين هو النبىّ العربىّ الأمِّىّ مُحَمَّدُ بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - . وكتاب هذا الدين هو القرآن الكريم . المُنزَّلُ بلسان عربىّ مُبين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. مِن لغات اللسان العربى القديم : الأكادية ( الآشورية والكلدانية ) ثم الآرامية التى كتب لها أن تعيش بين
الناس قرابة الألف سنة ، حيث تعاملوا بها إلى زمن بعثة المسيح ابن مريم - عليه السلام - ، فكانت لغته ولغة قومه
من بنى إسرائيل إلى أن أجلاهم الرومان من فلسطين فى أواخر القرن الميلادى الأول . وتشتت بنوا إسرائيل
فى الأرض وتكلموا بلغات الأقوام الذين عاشوا بينهم . وضرب الزمان برداء نسيانه على اللغة الآرامية
كتابة فلم يعد أحد يكتبها أو يقرأها منذ مطلع القرن الثالث الميلادى . أما عن اللغة العبرية المربعة الحروف
والتى تم الانتهاء من تشكيل حروفها فى القرن العاشر الميلادى ، فهى لغة تختلف عن اللغة التى كان معمولا
بها بين بنى إسرائيل فيما قبل ، فتصويتها غير التصويت ، حيث دخلت فيها أصوات حروف أجنبية أوربية
مثل الخاء والثاء والذال والضاد والظاء والغين . وأخيرا الباء الثقيلة ( p ) والفاء الشديدة ( v ) وما شابه ذلك
مما ليس له وجود فى الآرامية والعربية القديمة .
... ولكن للأسف فهناك أقوام على تجاهل تام لهذه الحقائق المقروءة والمسموعة والمشاهدة بالعين المجردة ، حيث ينكرون ظهور رسالة دينية من جزيرة العرب مع أنَّ الواقع يكذبهم ، وأقوالهم فى كتابهم الذى زعموا بأنه قد حوى جميع حوادث الزمان الماضى والحاضر والمستقبل تُكذب مزاعمهم بأنه لم ترد فيه إشارات عن هذا الدين ونبيه المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم - .(1/6)
والقضية ليست فى الإيمان بذلك الدين الخاتم ، ولكنها الاعتراف على الأقل بما حدث ووقع منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ، ودلائل ذلك من بين نصوص أسفار كتابهم . فهم لا يعترفون بظهور نبىّ عربىّ من قلب شبه الجزيرة العربية ، مُرسل إلى الناس كافة من عند الله تعالى . ولا يعترفون بأنَّ القرآن الكريم هو كتاب الله المُنزل على رسول الله مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - . مع أنَّ القرآن يتحداهم بدراسته وفق أحدث ما توصلوا إليه من نظريات علمية نقدية ليثبتوا أنه من قول البشر . ولكنهم ركنوا إلى الافتراءات السخيفة والتجاهل البغيض ..!!
وللأمانة العلمية فإنَّ هناك فئة قليلة منهم عرفوا الحق ولم يُذعِنوا له . فقالوا بأنَّ نبىّ الإسلام جاء للعرب خاصة ، وتناسوا بأنَّ كثيرا من اليهود والنصارى كانوا عرب من قبل ظهور الإسلام ..!! فأثبتوا صحة وقوع حدث الوحى الإلهى فى شبه جزيرة العرب وهم لا يدركون حقيقة ما يُلزمهم به كلامهم هذا ..!!
وسوف أتعرض هنا للنصوص اليهودية والمسيحية التى تحدثت وتنبأت عن ترقب ظهور الوحى الإلهى من جزيرة العرب وبعثة نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . مُحَدِّدا للمستوى الفهمى للأحداث والوقائع المراد تحليل نصوصها وعناصرها بغية الخروج بنتيجة يصعب على العلماء تجاهلها أو إنكارها . ومُحاولا الاستفادة من الاسقاطات الجغرافية والتاريخية ـ الزمان والمكان ـ واللغوية لهذه النصوص . وسوف أكتفى بالنصوص اليهودية والمسيحية المسجلة فى كتاب المسيحيين . ولن أتشعب أو أبحث فى التراث اليهودى من ترجوم أو تلمود أو غيرهما . فهذا الكتاب مُوَجَّه أصلا إلى المسيحيين والمسلمين ، يستفيدون بما فيه حسب أغراضهم ودوافعهم .(1/7)
وأول شىء يصادفنا فى هذا الجزء الأول من الكتاب هو التواجد الإبراهيمى الإسماعيلى فى جزيرة العرب ، وبالتحديد فى منطقة مكة المكرمة . فمعظم علماء المسيحية ينظرون إلى مسألة اِنفراد المصادر الإسلامية بذكر تواجد أبى الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وابنه الأكبر إسماعيل فى جزيرة العرب وقيامهما برفع القواعد لبيت الله الحرام بمكة المكرمة ، بشىء من الدهشة والاستغراب المشوبين بالانكار والاستنكار . كأنَّ المصادر الإسلامية قد تطاولت على النصوص المسيحية وأتت إثما مُبينا ..!!
مع أنَّ أدلة كل ذلك مُسجلة فى أسفار كتابهم كما سنراها فى هذا الكتاب .
... فحَدَث رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لقواعد بيت الله بمكة تنطمس له العيون المسيحية ، وتنسد عنه آذانهم فلا يسمعون ولا يقرؤون . وبات الموضوع برمته لا يستحق أن يُذكر عندهم أو حتى يُبحث فيه ..!!
... فالبحث والكلام فى تلك القضية ليس له معنى عندهم إلا إثبات دين على حساب دين آخر والموضوع خلاف ذلك تماما . فدين الله واحد لا يتغير وأصوله ثابتة لا يمكن أن تتغير بأى حال من الأحوال . ولكن مناهج المرسلين وشرائعهم هى التى تتعدد وتتجدد طبقا لمتغيرات واقعهم وأحوال أقوامهم .
وثانى شىء يصادفنا فى هذا الجزء من الكتاب هو التعرُّض لبعض النبوءات والأحداث التى تحدَّثت عن مكان البعثة الإسلامية فى شبه الجزيرة العربية ، وبالتحديد فى منطقة مكة المكرمة والمدينة المُنوَّرة على ساكنها أفضل الصلاة وأذكى السلام .(1/8)
وثالث شىء يصادفنا فى هذا الجزء من الكتاب هو موضوع اِنتقال الرسالة الإلهية من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية . حيث يخاطب الله بنى إسرائيل بلسان آخر غير لسانهم ( أشعيا 28 : 11 ) ، ويُحوِّل الله لسان الشعوب المختلفة إلى شفة نقية ولغة عالمية ليعبدوه بلسان واحد ويقفوا صفا واحدا فى صلاتهم الكتف بالكتف كأنهم كتف واحدة ( صفنيا 3 : 9 ) . وهذا الأمر لم يحدث إلا فى القرآن الكريم وباللسان العربى المبين ، حيث خاطب الله تعالى فيه بنى إسرائيل بعبارة { يا بنى إسرائيل } و { يا أهل الكتاب } فى أكثر من موضع .
وقد حاولت قدر جهدى المتواضع أن أكتب فى ذلك الأمر الشىء الجديد المُفيد المبرهن عليه من لغات الأصول سواء كانت عبرية أم يونانية أم آرامية . مستخدما فى ذلك عمليات الاقتراب الآرامية للنصوص حتى يكون القارىء موصولا بالنصّ لا مفصولا عنه بواسطة الترجمات المغرضة .
وبعدما أغلقت الدفاتر والكتب ، انصرفت أقلام العلماء وأفهام الفهماء إلى إستحضار ما بقى من التراث اليونانى واللاتينى المسيحى ، تلوكه الألسن وتجرشه الدروس والندوات ، ونسى الجميع لغة الأصول ..!!
... فكتابى هذا يفتح الدفاتر والكتب أمام الجميع ، ويضع الحقائق التاريخية أمام الدارسين والباحثين ، يطالبهم بالبحث عن الحق والحقيقة والاستفادة من ثقافة التاريخ . ولا يستغربن المرء من كون هذه الدفاتر والكتب هى دفاتر وكتب مسيحية ليس فيها شىء من المصادر الإسلامية إلا القليل النادر الذى أذكره بغرض الاستشهاد وليس بغرض المحاجة وإقامة الدليل ، وإنما بغرض إثبات صحة النصوص الإسلامية .
فإثارة البحث وإثرائه عند إخوان المُوَاطنة مطلب هام ، والدفاع عما يعتقدون ويقولون مطلب ثانوى . وللأسف الشديد فإنَّ إخواننا فى المُوَاطنة حسب منهجهم المتكرر عبر العصور يتركز فى اختيار مسلك آخر أو أقنوم رابع وهو التجاهل المتعمد المستمر لكل ما يكتبه علماء الإسلام ..!!(1/9)
فيا لسوء الطالع والنازل فهما عندهما سواء ..!! وأنا لا أطالبهم بالإجتهاد الذى لا يطيقونه بقدر ما أطالبهم بفتح العقول وفهم المعقول بدلا من الخوض فى اللامعقول ..!!
أسأل المولى عزّ وجلّ أن يرزقنى الفهم السليم المعقول ، والقول الصحيح المفهوم ، وأن يسدد خطاى على الطريق .
آمين
صعود إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - إلى جزيرة العرب
======================
بادىء ذى بدء فإنَّ حدث صعود نبىّ الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إلى جزيرة العرب وقيامه برفع قواعد بيت الله الحرام بمكة مع ابنه إسماعيل - عليه السلام - ، يعتبر من الأمور التى يرفضها بشدة مسيحيو هذا الزمان . وهم فى ذلك سائرون وراء اليهود فى منهجهم الرافض لحقائق التاريخ الدينى القديم لجميع الأمم الغابرة باستثناء تاريخ اليهود الدينى فقط ، كأنَّ الله لم يرسل الأنبياء والمرسلين إلا إلى اليهود ..!!
وكتابى هذا لا يخاطب اليهود ولا يفتح معهم الحوار ، فهو كما سبق أن قلت يخص المسلمين والمسيحيين على السواء . وقضيتنا هنا عبارة عن حدث تاريخى تناقلته الأجيال وحفظته الذاكرة البشرية بطريقتين : ـ
.. التسجيل المكتوب فى أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد .
.. التسجيل المتوارث حفظا فى أشعار الأمَّة العربية فى جاهليتها ، وفى مناسك الحج والعمرة لبيت الله الحرام بمكة المكرمة قبل ظهور الإسلام .
... ثم جاء الوحى الإسلامى ليسجل الحادثة فى القرآن الكريم معطيا لها أبعادها الإيمانية والزمانية والمكانية واللغوية أيضا ، لتبقى عالقة بالأذهان ما دام القرآن بين الناس وما دامت الأرض والسماوات . ولن أتكلم هنا عن التسجيل القرآنى للحادثة لأنه يخص المسلمين أساسا بدرجة أولى كما يخص طالبى الحقائق العلمية المجردة من التعصب البغيض بالدرجة ثانيا .(1/10)
... وأبدأ الآن بعون الله سبحانه وتعالى بتتبع الحادثة : جاء فى سفر التكوين ( 13 : 1 ـ 4 ) أنَّه عندما خرج أبو الأنبياء إبراهيم من مصر وبرفقته زوجتيه سارة الآرامية و هاجر المصرية وعبيده وماشيته . إضافة إلى ابن أخيه لوط وأهل بيته . حيث خرجوا جميعا متجهين صوب أرض الجنوب . وسأذكر النصّ من النسخة المعتمدة ( فانديك ط 1977 ) :
" فصعد أبرام (1) من مصر هو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إلى الجنوب وكان أبرام غنيا جدا فى المواشى والفضة والذهب . وسار فى رحلاته من الجنوب إلى بيت إيل . إلى المكان الذى كانت خيمته فيه فى البداءة بين بيت ايل وعاى إلى مكان المذبح الذى عمله هناك أولا . ودعا هناك أبرام باسم الرب " .
ولنبدأ الآن فى كشف معانى بعض الكلمات الحاكمة فى النصّ السابق .
... .. وأول كلمة تصادفنا فى النصّ هى كلمة صعد ، وتكتب فى الأصل العبرى ( ??? ) من الجذر العبرى ( ع ل هـ ) وتنطق ( عالاه ) بمعنى عَلو وصَعَدَ وارتفع . ففيها دائما معنى العُلو . ولا تقال فى أصل استخدامها فى مجموعة لغات اللسان العربى القديم (2) إلا إذا كانت الحركة إلى الجنوب أو إلى أعلى كقولنا صعد إلى السماء . ومنها قولنا صعيد مصر أى جنوب مصر أو مصر العليا التى فى الجنوب ، ومعلوم أنَّ صعيد مصر أعلى من دلتا مصر بالنسبة إلى سطح البحر . فهى عكس كلمة نزل التى تقال إذا كانت الحركة إلى الشمال ، وفى أحيان أخرى تقال كلمة نزل بمعنى هبط إذا كانت الحركة من أرض قفر إلى أرض تتوافر فيها سبل المعيشة وكثرة الناس . كما نقول نزل إلى المدينة أى دخل إلى المدينة ، وصعد عن المدينة أى خرج منها . وفى التنزيل الحكيم { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } .(1/11)
... المهم أنَّ كلمة صَعَدَ من كلمات الأفعال ذات الاتجاه ، فنقول صعد إلى السماء ولا نقول صعد إلى الأرض . وفى الزمان القديم كان الناس ينظرون إلى الجنوب ثم يحددون الاتجاهات الأصلية فاليمين هو اتجاه الغرب واليسار هو اتجاه الشرق ، ثم يضعون دائما اتجاه الجنوب الجغرافى فى أعلى خرائطهم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. أبرام هنا هو إبراهيم ، فقد كان اسمه أبرام لمدة تسع وتسعون سنة ( 99 ) ثم تم تغيير اسمه إلى إبراهيم بقية
عمره ( تكوين 17 : 5 ) .
(2) .. ومنه العبرية القديمة الموصوفة بشفة كنعان حسب نص سفر أشعيا 19 : 18 ) .
واتجاه الشمال فى أسفلها .
وتلك الاتجاهات الأصلية هى التى كان معمولا بها فى مصر الفرعونية وصدَّق عليها القرآن الكريم (1) وعمل بها الجغرافيون المسلمون فى رسم خرائطهم حيث كانوا يضعون اتجاه الجنوب ـ القبلة ـ فى أعلى خرائطهم واتجاه الشمال الجغرافى فى أسفلها . إلى أن احتل المستعمر الغربى بلادنا وفرض علينا اتجاهاته الأصلية فوضعنا بلاده الشمالية فى أعلى خرائطنا ..!!
... فالصعود كان دائما إلى الجنوب الجغرافى حسب الخرائط القديمة . فاتجاه الحركة من سيناء إلى جنوبها يقال فيه صعد . واتجاه الحركة من سيناء مصر إلى وادى النيل يقال فيه هبط كما قال تعالى فى التنزيل لبنى إسرائيل { اهبطوا مصر } . فلنفهم جيدا هذا الاستخدام لكلمة صعد فى النصّ التوراتى . وأخص بالذكر هنا سيناء مصر تحديدا لأنَّ علماء المسيحية متفقون على أنَّ طريق خروج القافلة الإبراهيمية من مصر كان عبر سيناء .(1/12)
... ... .. والكلمة الثانية هى أبرام والتى تكتب فى العبرية ( ???? ) وتقرأ أبرام باظهار الألف بعد الراء نطقا فقط ، حيث أنَّ حرف الراء مكتوب فى الأصل العبرى وتحته علامة الفتحة الطويلة ( T ) التى تستوجب ظهور الألف فى النطق . وكلمة أبرام مكونة من شطرين ( أب ـ رام ) والشطر الأول هو أب بمعنى الأب المعروف فى العربية والشطر الثانى ( رام ) بمعنى طلب العلا أو طلب الشىء المرتفع ، فلا يقال رام فى طلب الأشياء الدون أو الصغرى . ومنه قول الشاعر
إذا ما علا المرء رام العلا .. ويقنع بالدون من كان دون
أو قول آخر :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه .. ولو رام أسباب السماء بسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تفصيل ذلك الأمر فى كتاباى " التوراة المصرية " و " ردم ذو القرنين ويأجوج ومأجوج " .
... فكلمة رام معناها طلب وأراد شيئا قيِّما أو عاليا .
فيكون معنى الاسم هو الأب العالى أو الأب طالب العلا أو الأب الأعلى فى القدوة لغيره .. إلى غير ذلك من معان جميلة . وقد جاء فى التنزيل عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أنه كان { أسوة حسنة } .
... وهذا الاسم وُصِف به إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى التوراة لمدة تسع وتسعون سنة ثم تغيَّر إلى إبراهيم بعد ذلك . ولكن القرآن الكريم يثبت ثبوت الاسم إبراهيم منذ أن كان فتى صغيرا حيث قال تعالى حكاية عن قومه : { إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } ( الأنبياء / 60 ) فلم يقولوا أبرام وإنما قالوا إبراهيم . فربما كان هذا الاسم أبرام وصفا لحال إبراهيم أتى به كاتب سفر التكوين والله أعلم بحقيقة الأمر .(1/13)
... ولعلم القارىء فإنَّ الاسم إبراهيم يكتب فى العبرية هكذا ( ????? ) وينطق أبراهام بإثبات الفتحة الطويلة ( T ) التى تستوجب ظهور حرف الألف نطقا تحت حرفى الراء والهاء على التوالى . وذلك التصويت وتلك الكتابة وردا من قبل علماء الأثر فى نسختهم الماصورتية التى انتهوا من كتابتها فى القرن العاشر الميلادى .
... قلت : وهذا الاسم أيضا مكون من شقين ( أب ـ رهم ) . والأب معروف والرهم هو المطر الضعيف الدائم ، وفى قولهم أرهمت السماء أى أتت به . والرهام هى الأمطار الخفيفة . قال الشاعر القديم :
ريح الجنوب مع الشمال وتارة .. رهم الربيع وصائب التَّهْتَان
ففى هذا الاسم المبارك معنى البركة الدائمة للمتمسكين بمنهجه وسنته ، فتصيبهم البركة الدائمة كمثل مطر الربيع الخفيف .
... وكون وجود حرف الألف بعد الهاء فى العبرية شىء عادى فى قوانين اللغة حيث يتبادل موقعه مع الياء فى العربية والآرامية بدون مشقة أو تغير فى المعنى . وهذا الأمر مطرد فى مجموعة لغات اللسان العربى ومنها العربية والآرامية والأكادية والعبرية القديمة فالاسم ابراهام هو ابراهيم دون خلاف بين اللغويين . وكلا الاسمين عربيان فى الأصل وليس فيهما شبهة العجمة .
... أمَّا عن كسر الألف فى أول الاسم العربى وفتحه فى العبرية ، فإنَّ ذلك مأخوذ عن الأرامية وهى الأقدم تاريخا واستخداما عن العبرية . والعربية أقرب فى النطق من الآرامية . والألف مكسورة فى الآرامية أى إبراهيم وليس أبراهيم العبرية والله تعالى أعلى وأعلم .
... .. والكلمة الثالثة والتى قام عليها هذا البحث وموضوع الكتاب الذى بين يديك هى كلمة جنوب التى تكتب فى العبرية هكذا ( ??? ) وتنطق نِجب بكسر كل من النون والجيم .(1/14)
... والجذر اللغوى العبرى لهذه الكلمة غير مستخدم وغير معروف فى العبرية (1) ، إلا أنهم يقولون فى قواميسهم أنَّ معناها هو الـ جنوب الجغرافى . فسيناء مصر نِجب فلسطين أى جنوب فلسطين . فالكلمة تشير إلى اتجاه الجنوب الجغرافى ونجدها فى هذا النصّ العبرى تكتب معرفة ( هـ نِجب ) أى الجنوب . وفى كثير من نسخ الكتاب المقدس المترجمة إلى سائر اللغات نجدهم يكتبون الكلمة العبرية ( هـ نِجب ) مترجمة فى الإنجليزية إلى كلمة الجنوب ( South ) ولكن الأمر سرعان ما بدا لهم غير ذلك كما سنرى بعد قليل ..!!
فكلمة الجنوب فى نصّ التكوين ( 13 : 1 ) تقلق فكر القارىء المسيحى المتدبر فى النصّ .. فخروج القافلة الإبراهيمية كان من مصر وبالتحديد عبر شبه جزيرة سيناء المصرية . وبرسم خريطة مبسطة لطريق الخروج عبر سيناء نجد أنَّ اتجاه الجنوب من سيناء يشير إلى إقليم الحجاز فى شبه جزيرة العرب .!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع معنى الكلمة العبرية رقم ( 5045 ) فى القاموس الكتابى :
Strong’s Exhaustive Concordance
... والنصّ هنا يتكلم عن الصعود من سيناء مصر ، أى السير إلى جهة الجنوب بالنسبة إلى سيناء ثم التأكيد على اتجاه السير بعبارة إلى الجنوب ..!!
... فالفقرة الأولى من النصّ تتكلم عن الاتجاهات الجغرافية لسير القافلة ولا تتكلم عن محطات الانتقال ولا مُسميات الأماكن . والمسيحيون لا يعترفون بأنَّ إبراهيم قد صعد إلى مكة المكرمة ، فماذا يفعلون حيال ذلك النصّ الخطير الذى ينسف رفضهم للتواجد الإبراهيمى بمكة المكرمة ..!؟؟
تأمل جيدا قارئى العزيز فى الجدول التالى ، وقارن بين الترجمات العربية المعاصرة للنصّ ( تكوين 13 : 1 ) :
النسخة العربية المعتمدة ( فانديك ) ... نسخة كتاب الحياة ( المصرية )(1/15)
فصعد أبرام من مصرهو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إلى الجنوب . ... وغادر أبرام مصر وتوجه هو وزوجته ولوط وكل ما كان له ، نحو منطقة النقب .
نسخة الكاثوليك ( ط 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 )
فصعد أبرام من مصر إلى صحراء النقب ، هو وامرأته ولوط وكل ما يملك . ... فصعد أبرام من مصر هو وامرأته وكل ما له . ولوط معه إلى النقب .
وقبل أن نحلل ردّ الفعل تجاه تعديل ترجمة النصّ لتوافق ما عليه أهواءهم . أذكِّرالقارىء بأنَّ النصّ يتكلم عن اتجاه مسير القافلة ولا يتكلم عن محطات الوصول . فالكلمتان صعد و الجنوب ليس فيهما أسماء أماكن وإنما اتجاه سير .
أولا : لم يفطن لمعنى كلمة صعد إلا المصريون الذين قاموا بترجمة نسخة كتاب الحياة . فغيروا الكلمة إلى كلمة غادر التى لا تفيد الحركة إلى اتجاه الجنوب ..!! وأثبت كلمة صعد مترجمو النسخ الثلاث الأخرى .
ثانيا : تم ابدال كلمة الجنوب بكلمات أخرى ليس فيها معنى الجنوب . فقالت النسخة المصرية البروتستانتية ( كتاب الحياة ) منطقة النقب . وقالت نسخة الكاثوليك صحراء النقب . وقالت نسخة الآباء اليسوعيين النقب .
فما هى هذه النقب التى أتوا بها ..!؟
الهدف واضح عندهم وهو نفى الصعود الإبراهيمى إلى إقليم الحجاز ومنه إلى مكة المكرمة . فحاروا وداروا ورجعوا إلى أصل الكلمة العبرية إنها هـ نِجِب . فتم استبدال أداة التعريف العبرية هـ بالعربية الـ ثم الإبقاء على الكلمة العبرية كما هى بدون ترجمة لتصبح الكلمة عبروعربية هكذا النِجِب ، ثم تم تحويل حرف الجيم إلى الجيم القاهرية فى منطوقها لتصبح الكلمة هكذا النِقِب . ولتسهيل النطق بها تم استبدال الكسر بالفتح لتكون الكلمة النَقَب . والنَقب هى منطقة الصحراء الواقعة شرقى سيناء مباشرة وليس فى جنوبها ..!!
وأصبح معنى اتجاه الجنوب هو منطقة جنوب فلسطين أى شرقى سيناء ..!! وانطلت الحيلة على أنصاف المثقفين وعامة الناس .(1/16)
... ففى قاموس الكتاب المقدس طبع دار الثقافة بمصر ( 1992 ) جاء فيه فى ص 10 ما نصه : " ... ثم من هناك ـ أى من مصر ـ عاد إلى أرض الجنوب فى فلسطين ( تكوين 13 : 1 ) " . فتحولت كلمة صعد إلى كلمة عاد وكلمة الجنوب إلى عبارة أرض الجنوب فى فلسطين . فلا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم .
... وفى كتاب المرشد الجغرافى التاريخى للعهد القديم نشر كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك الاسكندرية ( ط 1994 ) جاء فيه : " وطُرد إبراهيم ليغادر مصر ، فرحل منها متجها إلى كنعان ، لكنه عاد غنيا يحمل ذهبا وفضة ويملك قطيعا من الماشية وبدأ رحلته متجها شمالا يصحبه لوط وسارة ، وعاد مرة ثانية إلى النقب بالجنوب ، ثم استدار إلى بيت إيل " ( تكوين 13: 1 ـ 20 ) .
قلت جمال : ومؤلف ذلك المرشد الجغرافى أراه مُحتاجا إلى مُرشدٍ ليدله على الفرق بين الشمال والجنوب ..!! فلا يوجد شمال سيناء سوى البحر المتوسط ، وفى جنوبها شبه الجزيرة العربية . كما أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لم يُطرد من مصر . ولكن لله فى خلقه شئون ..!!
... وبمثل ذلك التخريف والتحريف نجده فى الترجمات الإنجليزية المتعددة القياسية منها والمعتمدة ، فمنها من تمسك بالنصّ وأثبت كلمة صعد بقولهم ( went up ) و ( goeth up ) ومنهم من استبلها فقال ( went to ) . ومنهم من احتفظ بكلمة نجب فقال ( negeb ) و ( negev ) ومنهم من جاء بمعناها فقال ( south ) ومنهم مَن قال ( southern desert ) فأضاف إليها كلمة صحراء . ولن أطيل على القارىء بذكر أسماء هذه النسخ الإنجليزية فيكفيه النسخ العربية الأربع المذكورة .
والخلاصة التى لا شك فيها أنَّ منطقة الخروج كانت من سيناء المصرية . والصعود كان منها كما يفهم من النصّ . والسير كان باتجاه الجنوب الجغرافى أى إلى جنوب سيناء ، ولا توجد أرض خارج مصر وتقع جنوب سيناء سوى أرض إقليم الحجاز فى شبه جزيرة العرب .(1/17)
تدبروا معى قرَّائى الأعزاء فى قول الحق سبحانه وتعالى : { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ، وتكتمون الحق ، وأنتم تعلمون } ( 71 / آل عمران ) . فهل شاهدتم مدى صدق هذه الآية الكريمة وانطباقها على المترجمين وشرَّاح تلك الفقرة من سفر التكوين ..!؟
ملحوظة هامة : المفروض أنَّ سفر التكوين ـ والتوراة بكاملها ـ تسلمها نبىّ الله موسى - عليه السلام - من ربه عند طور سيناء ، عقب خروجه من مصر مع بنى إسرائيل . والكلام هنا يدور حول ذكر مسير القافلة الإبراهيمية عقب خروجها من مصر . فيكون اتجاه الجنوب فى النصّ هو ذاته اتجاه الجنوب بالنسبة لموسى - عليه السلام - وقومه وهم فى سيناء . ولا يوجد جنوب مكانهم وخارج أرض مصر سوى إقليم الحجاز على الشاطىء الشرقى للبحر الأحمر ، ولا دخل هنا لفلسطين والصحراء الواقعة بجنوبها .
انظروا إلى الخريطة التالية :
إتجاه الخروج الإبراهيمى من مصر
" فصعد ابرام من مصر ... إلى أرض الجنوب "
( تك 13 : 1 ـ 4 )
ونستكمل الكلام حول اتجاه سير القافلة الإبراهيمية مرة أخرى ..
هل كانت القافلة تستكمل سيرها فى اتجاه الجنوب أيضا أم غيرت اتجاهها إلى الشمال الشرقى أقصد إلى النقب وجنوب فلسطين ..!!؟
وما هو بيت إيل هذا المذكور فى النصّ والذى دعا عنده إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - باسم الرب . وبماذا دعا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - هناك ..!؟
جاء فى النسخة العربية المعتمدة ( فانديك ) : " وسار ـ إبراهيم ـ فى رحلاته من الجنوب إلى بيت إيل . إلى المكان الذى كانت خيمته فيه فى البداءة بين بيت ايل و عاى . إلى مكان المذبح الذى عمله هناك أولا . ودعا هناك أبرام باسم الرب " .(1/18)
فالهدف من هذه الرحلة الجنوبية هو الوصول إلى بيت إيل . هكذا يُفهم من النصّ ، والغرض من الوصول هناك هو أن يقوم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء باسم الرب . فإذا كان الهدف هو الوصول إلى مكان بيت إيل ، والرحلة بدأت طريقها إليه متخذة اتجاه الجنوب ، فإنه بالتأكيد يوجد فى اتجاه الجنوب . وإلا فلا معنى لسير القافلة جنوبا وبيت إيل يوجد فى أقصى شمال شرق حدود مصر الشرقية . أى فى فلسطين كما زعم علماء المسيحية جميعا ..!!
وطريق الخروج من مصر عبر شبه جزيرة سيناء له اتجاهان :
إمَّا سلوك الطريق الشمالى الساحلى متجها فيه شرقا للوصول إلى فلسطين والشام . وإمَّا سلوك الطريق الجنوبى موازيا لخليج السويس ثم الالتفاف حول خليج العقبة أو عبوره للوصول إلى شبه الجزيرة العربية . وسار إبراهيم ومن معه عبر الطريق الجنوبى حسب النصّ التوراتى .
ومكان القافلة الآن خارج أرض مصر وبالتحديد فى المنطقة العربية الواقعة جنوب سيناء . أى جنوب خليج العقبة . ومن ذلك المكان سار إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من الجنوب إلى بيت إيل .
تقول معظم الترجمات الإنجليزية للنصّ أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - تابع المسير من الجنوب : ( Went on his journeys from the South ) . ونستكمل شرح الفقرة من كتاب (Jamieson , Fausset , and Brown ) لشرح الكتاب المقدس حيث جاء فيه بخصوص هذه الفقرة ما نصَّه :
3. went on his journeys--His progress would be by slow marches and frequent encampments as Abram had to regulate his movements by the prospect of water and pasturage . unto the place . . . between Beth-el and Hai--" a conspicuous hill--its topmost summit resting on the rocky slopes below , and distinguished by its olive groves--offering a natural base for the altar and a fitting shade for the tent of the patriarch " [STANLEY] .(1/19)
وتابعت القافلة الإبراهيمية رحلتها من الجنوب بحركتها البطيئة التى يتخللها أوقات للبحث عن الماء وأماكن للراحة بين منحدرات الصخور . صوب مكان ... يقع بين بيت إيل وعاى .
ونتوقف هنا قليلا قبل أن تصل القافلة إلى ذلك المكان الواقع بين بيت إيل وعاى ، نتوقف لنتعرَّف على بيت إيل هذا .
عبارة بيت إيل مُكونة من كلمتين : بيت ( ??? ) بمعنى البيت فى العربية وحيث أنَّ كمبيوترى لا يكتب تشكيل الكلمات العبرية فإنى أذكرها كتابة فالباء مفتوحة والياء ساكنة ، وفى هذه الحالة فإنهم ينطقون الكلمة فى العبرية المعاصرة بَيْث بتحويل التاء إلى ثاء فى النطق ، ولكن حرف الثاء لا يوجد أصلا فى العبرية القديمة ذات الإثنين والعشرون حرفا . فالأصل العبرى هو بيت كما فى العربية .
والكلمة الثانية هى إيل ( ?? ) والألف هنا مكسورة كسرة طويلة تستوجب ظهور حرف الياء بعدها فتنطق إيل . وكلمة إيل عبارة عن اسم قديم للإله الأسمى الذى كان يعبده إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . وهذا الاسم كان يعرفه العرب القدماء الأكاديون والأشوريون والأراميون ، وكانت الأسماء تنسب إليه فيقولون إسماعيل و إسرائيل وفى أسماء الملائكة نجد جبرائيل و ميكائيل ، ومن الكتب الإلهية إنجيل .
... وعلماء المسيحية عموما سواء المعاصرون أو القدماء لم يكونوا يعرفون شيئا عن معنى هذا الاسم إيل أو الأصل اللغوى له إن كانت له اشتقاقات لغوية تكشف عن معناه ، إلى أن تم اكتشاف آثار مدينة أوغاريت بالساحل السورى ومُكتشفات رأس الشمرا ، وبعد أن تم حلّ رموز اللغة الأوغاريتية ومعرفة تفاصيل الحضارة الكنعانية فعرف الجميع أنه الإله الأعلى ( الله ) فى الآرامية والذى يكتبونه فى النسخ الإنجليزية ( The Almighty ) (1) .(1/20)
والأمر الذى يهمنا هنا هو أنَّ مترجمى النسخ العربية للكتاب المقدس يكتبون لفظ الجلالة الله بدلا من كلمة إيل فى مواضع دون أخرى ، وهذا أمر يُثير الدهشة ويدعو إلى التساؤل ..!! وسأذكر هنا بعض الأمثلة الدالة على أنهم كتبوا اسم الجلالة الله فى نصوص النسخ العربية الحديثة :
... ... .. استبدلوا اسم الإله إيل الذى ترائى لإبراهيم فى نصّ ( تك 17 : 1 ) باسم الجلالة الله ، حيث قال له : " أنا هو الله القدير " وفى الأصل العبرى إيل . راجع نسخة كتاب الحياة ونسخة الكاثوليك ونسخة الآباء اليسوعيين .
... ... .. واستبدلو اسم الإله إيل الذى نادته السيدة هاجر فى نصّ ( تك 16 : 13 ) فقالوا على لسانها : " أنت الله الذى يرانى " وفى الأصل العبرى إيل . راجع النسخ الثلاث كتاب الحياة والكاثوليك والآباء .
... ... .. وفى وصية إسحاق إلى إبنه يعقوب عليهما السلام فى نصّ ( تك 28 : 3 ) قالوا على لسانه : " والله القدير يباركك " وفى الأصل العبرى إيل . راجع أيضا النسخ الثلاث السابق ذكرها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع مبحث اسم الله فى الكتاب المقدَّس وذلك فى كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية " .
... .. وقالوا عن الإله الذى ترائى ليعقوب عله السلام وباركه وغيَّر اسمه إلى إسرائيل فى نصّ ( تك 35 : 11 ) أنه قال : " أنا هو الله القدير " . وفى الأصل العبرى إيل . راجع أيضا النسخ العربية الثلاث المذكورة سابقا .(1/21)
... ... .. هذا هو الإله المذكور فى نصّ ( تك 28 : 13 ) الذى ترائى ليعقوب فى الحلم قائلا له : " أنا الله إله أبيك إبراهيم وإله إسحاق " وفى الأصل العبرى نجد الاسم إيل . وهنا نجد أنَّ المترجمين لم يكتبوا العباره هكذا " أنا الله ... " وإنما كتبوا " أنا الرب إله أبيك إبراهيم وإله إسحاق " فلم يلتزموا بالأصل العبرى أو بالترجمة العربية التى تبنوها لكلمة إيل . والغريب فى الأمر أنَّ النصّ مسبوق بعبارة " وكان الله واقفا على السلم يقول : ...... " . إنها ترجمة وترجمات معاصرة غير منضبطة وغير أمينة .
ربما ينجلى الأمر شيئا ما عندما نجدهم يكتبون اسم الإله الذى كانت تعبده السيدة هاجر أم إسماعيل وزوجة إبراهيم عليهم السلام فى نصّ ( تك 16 : 13 ) إيل كما هو فى الأصول العبرية بدون ترجمة . وذلك للتفريق حسب مزاعمهم بين إله هاجر إيل وإله السيدة سارة زوجة إبراهيم عليهم السلام حيث يكتبونه فى نصّ ( تك 21 : 2 ) الله ، ويتركون الأصل العبرى إيلوهيم ..!! وتفصيل ذلك الأمر المثير تجده فى كتابى " لا إله إلا الله فى الكتاب المقدس " .
... وهنا فالأمر متعلق بـ بيت الله فنجدهم يكتبونه على أصله العبرى بيت إيل ، مع أنَّ إيل عندهم هو الله . وحادوا عن الترجمة الصحيحة بيت الله حتى لا يثيروا الشبهات بين العامة وأنصاف المثقفين ..!!
... ونجدهم فى نصّ سفر القضاة ( 18 : 31 ) يترجمون عبارة ( بيت هـ إلوهيم ) العبرية والتى معناها بيت الآلهة إلى عبارة ( بيت الله ) ..!!
وفى نصّ سفر صموئيل الأول ( 3 : 15 ) ترجموا عبارة ( بيت يهوة ) إلى بيت الرب ..!!(1/22)
وتتكرر مثل هذه الترجمات المغرضة .. فإذا تعلق الأمر بـ إله العهد فإنهم يكتبون العبارة غير مترجمة على أصلها العبرى كما جاء فى نصّ القضاة ( 9 : 46 ) حين قالوا إيل بريت بدلا من إله العهد . ومثله فى نصّ القضاة ( 8 : 33 ؛ 9 : 4 ) حيث قالوا بعل بريت بدلا من رب العهد . فعلوا هذا حتى لا يظن القارىء أن إله العهد هو الله أو إيل ، أو أنَّ رب العهد هو بعل وليس المسيح ..!!
... رغم أنَّ كلمة بريت العبرية يترجمونها فى جميع أماكن ورودها فى الكتاب بكلمة عهد إلا هنا فى هذه المواضع الثلاث فقط حيث يتركونها كما هى بدون ترجمة ..!!
... من الأمثلة السابقة أعتقد أنه يسعنى ما وسعهم من ترجمتهم للإسم إيل بلفظ الجلالة الله ، ويصبح هدف سير القافلة الإبراهيمية هو الوصول إلى بيت الله فى أرض الجنوب وليس إلى بيت إيل بدون ترجمة .
... لماذا يحرفون الكلم عن مواضعه ومِن بعد مواضعه ..!؟ فلا يكتبون اسم الجلالة الله بدلا من كلمة إيل إذا كانت الترجمة صحيحة عندهم فيقولون بيت الله بدلا من بيت إيل ..!؟
... هل لأننا حسب اتجاه سير القافلة الإبراهيمية متوجهون جنوبا إلى إقليم الحجاز صوب بيت الله الحرام هناك ..!؟
والقارىء العربى لا يعرف بيتا لله فى إقليم الحجاز سوى بيت الله الحرام الذى ببكة مباركا .
إنها حيلة يهودية شيطانية وقع فى حبائلها المسيحيون ، حيلة بدأت بتحريف الكلمات صعد والجنوب و بيت الله إلى غادر والنقب و بيت إيل ليضيع خط سير القافلة الإبراهيمية على المتتبع . ولكن إنَّ ربك لبالمرصاد .
ومن المعلوم عندهم أنَّ بيت إيل أو بيت الله هذا ليس هو بيت المقدس حيث لم يقل به أحد من علماء المسيحية لا فى الشرق ولا فى الغرب . والله سبحانه وتعالى لم يكن له فى ذلك الزمان بيت آخر غير بيت الله الذى ببكة مباركا . قال تعالى { إنَّ أول بيت وُضِع للناس للذى ببكة مباركا } ( 96 / آل عمران ) .(1/23)
... وحيث أنَّ النصوص اليهودية والمسيحية تؤكد أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان كثير الترحال مداوم على بناء أماكن لعبادة إلهه فى كل مكان يصل إليه . فلماذا يستبعد المسيحيون ذهاب إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الجنوب ويقوم برفع قواعد بيت الله هنالك ..!؟
أمِنْ أجل مخالفة النصوص القرآنية والتراث العربى من قبل الإسلام . أم مِنْ أجل ماذا ..!!؟
وسوف ينكشف لنا بيت الله الذى ببكة جليا إن شاء الله فى أبحاث هذا الكتاب فصبرا . والشىء الذى يهمنا هنا هو إثبات التواجد الإبراهيمى فى أرض الجنوب العربية ، تصديقا لقول الله تعالى فى القرآن الكريم حين ربط بين إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وبين بيت الله الحرام الذى ببكة مباركا ، ولم يربط بينه وبين أرض فلسطين بأى وجه من الوجوه وموافقة لأسفار العهد القديم التى أشارت إلى أنَّ أرض فلسطين أرض غربة لإبراهيم وبنيه من بعده (1) ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. جاء فى الموسوعة البريطانية والموسوعة اليهودية عن ترجمة التوراة العربية المعروفة بترجمة سعادية
نسبة إلى مترجمها اليهودى المصرى الفيومى الموطن سعادية بن يوسف ( 892 ـ 942 م الموافقة لـ 269
ـ 331 هـ ) والتى كانت هى الترجمة القياسية لكل يهود الأقطار العربية . والتى تم طبعها لأول مرة فى
باريس سنة 1893 م ثم فى القدس سنة 1901 م . أنه قد جاء فيها أسماء الأماكن العربية بدلا من العبرية
مثل : مكَّة قبال مسَّا ؛ بلاد القبلة قبال أرض الجنوب ؛ والحجاز قبالة شور ... " وهذا مما تميزت به ترجمة
سعادية . ( Enc . Brit . mic . vol 11 pp 743 ) تحت عنوان (Saadia ben Joseph ) .
الاستيطان الأول للقافلة الإبراهيمية
فى أرض الجنوب
=======(1/24)
وبعد أن تعرَّفنا على اتجاه سير القافلة الإبراهيمية عقب خروجها من مصر حسب الذى جاء فى مقدمة الاصحاح 13 من سفر التكوين ، نستمر فى تتبع مسار القافلة من الاصحاح 13 وإلى الاصحاح 19 لنتعرَّف على أماكن استيطان القافلة ومحطات وقوفها .
فتخبرنا تكملة الاصحاح 13 بأنه قد حدثت مخاصمة بين رعاة مواشى أبرام ورعاة مواشى لوط ، وخشية أن تقع المخاصمة أيضا بين أبرام ولوط رأى أبرام أن يعتزل كل منهما عن مكان الآخر " فقال أبرام للوط لا تكن مخاصمة بينى وبينك وبين رعاتى ورعاتك ، لأننا نحن أخوان (1) . أليست كل الأرض أمامك . اعتزل عنى . إن ذهبت شِمالا فأنا يمينا ، وإن يمينا فأنا شِمالا " . فنظر لوط فى الأرض من حوله واختار أرضا " كجنة الرب كأرض مصر ... وارتحل لوط شرقا فاعتزل الواحد عن الآخر " ( تكوين 13 : 8 ـ 11 ) . وفى آخر الاصحاح نجد أنَّ أبرام قد استقر واستوطن فى مكان يُعرف بـ بلوط مَمْرا ( Oaks of Mamre ) .
... قلت جمال :
وبغض النظر عن أسماء المواقع المذكورة فى هذا الاصحاح والتى تم تجاوزها حتى لا نقع فى متاهات جغرافية ولغوية ، فإنَّ أهم شىء نحتاجه هنا هو بيان احداثيات المواقع الجغرافية أولا ، ثم فلتكن الأسماء كما يشاؤون ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تأملوا جيدا فى قول العم لابن أخيه ( نحن أخوان ..!! ) ، وهو بمثابة الوالد حيث كفله من بعد موت أبيه
هاران فأبرام هنا عم لوط حقيقة وأباه مجازا ، فكيف يقول لابن أخيه نحن أخوان ..!؟
إنَّ هذه العبارة هى بداية الخلط والتشويش بين أبرام الأرامى وأبرام العبرانى كما بينت ذلك فى بحث تال
لهذا الكتاب بإذن الله تعالى .(1/25)
مِن المتفق عليه هو أنَّ لوطا قد اختار الاستيطان شرقا ، وأنَّ أبرام استوطن غربا ، فى اتجاهين متقابلين . فسكن لوط فى مدينة سدوم فى منطقة مدن الدائرة كما تسميها التوراة العبرية أو فى منطقة مدن أبرح كما تسميها التوراة السامرية . وسكن أبرام فى بلوط مَمِرا قريبا من حبرون التى لا يعرف مكانها يقينا .
وحيث أنَّ الجميع يضعون موقع سدوم فى قاع الطرف الجنوبى للبحر الميت فإنَّ منطقة استيطان إبراهيم بلوط مَمْرا لا بد وأن تكون فى غربى الطرف الجنوبى للبحر الميت حسب ذلك القول المزعوم ..!!
ولكن القافلة الإبراهيمية الخارجة من مصر كان خط سيرها فى اتجاه الجنوب الجغرافى هـ نجب ، والبحر الميت شرقيه وغربيه وشماله وجنوبه لا يقع فى اتجاه أرض الجنوب ، وإنما يقع شمال شرق الحدود المصرية ..!!
كما أنَّ المنطقة التى سكنها لوط كانت أرضها تشبه جنة الرب ، كأنها أرض مصر كما تقول التوراة ..!!
ومنطقة جنوب البحر الميت ليس فيها ما يدل على مثل تلك الأرض المصرية . حيث لا وجود لآثار أنهار قديمة أو بقايا أشجار كثيفة ولكنها أرض قاحلة جرداء لا زرع فيها ولا ماء .
... وهذا الأمر يدلنا على أنَّ هناك نقلا فى احداثيات المواقع الجغرافية التوراتية عن أماكنها الحقيقية . فلا بد من تصحيح المفاهيم أولا حول موقع أرض الجنوب هـ نجب . والتى ستنطلق منها القافلة الإبراهيمية صوب العمق الجنوبى .
( انظر الخريطة فى الصفحة التالية ) :
موقع الاستيطان المزعوم لإبراهيم ولوط
قال أبرام للوط : إن ذهبت شِمالا فأنا يمينا ، وإن يمينا فأنا شِمالا
وارتحل لوط شرقا .. ( تك 13 : 8 ـ 11 )
تحقيق مكان قوم لوط - عليه السلام -
=============(1/26)
وفى هذا الفصل لن تفيدنا نصوص التوراة كثيرا ، بقدر ما تعطينا فوضى جغرافية حول مكان قوم لوط . ويزيد الطين بلة أقوال الباحثين التوراتيين ، الذين لم يصلوا بعد إلى تعيين موقع قوم لوط يقينا ، رغم التقدم المذهل فى علوم الحفريات والآثاريات واستخدام التقنيات العلمية الحديثة مثل الأقمار الصناعية والاستشعار عن بعد وخلافه .
وقد سبقت الاشارة إلى أنَّ كتبة أسفار التوراة وشرَّاحها قد قاموا بتغيير الإحداثيات الجغرافية وخطوط الطول ودوائر العرض . ومن ثمَّ فقد نُقِلت الأماكن من مواقعها فى أرض الجنوب ووُضِعت حول منطقة فلسطين . وبناء على ذلك النقل الجغرافى للمواقع ، فإنَّ علماء الآثار لم ولن يتوصلوا إلى الكثير من المواقع الجغرافية التوراتية التى يعود زمنها إلى عصر نبىّ الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .
ومن أشهر هذه المواقع موقع قوم لوط - عليه السلام - والمُعبَّر عنه توراتيا تحت مُسمى مُدن الدائرة فى التوراة العبرية ( تك 13 : 12 ) ومُسمى مُدن أبرح فى التوراة السامرية ( تك 13 : 12 ) ومن أهم هذه المدن مدينتى سدوم و عمورة .
وقد ظهرت عدة نظريات افتراضية توضح اختفاء مكان كل من سدوم وعمورة . وهذه النظريات ظهرت أساسا بعد القول بأنَّ جميع مدن قوم لوط تقع فى الجزء الجنوبى للبحر الميت . ورغم الأبحاث المضنية التى قام بها المستكشفون تحت مياه البحر الميت لم يجدوا شيئا .(1/27)
وقد اعترف مؤلفوا الموسوعات العلمية الكتابية الحديثة بعدم معرفة موقع كل من سدوم وعمورة يقينا . وإنما كل الأمر وما فيه عبارة عن تخمين وافتراض غير مُدعَّم بأدلة مقنعة لهم . ومن أراد التأكد من صحة كلامى فعليه بمراجعة كل من موسوعة ( BAKAR ) الكتابية الحديثة ( الجزء الثانى صفحة 1975 ) وأيضا موسوعة ( The Zordervan Pictorial Encyclopedia of the Bible ) الأمريكية الحديثة ( الجزء الثانى صفحة 775 ) . كما أنَّ هنالك على شبكة المعلومات الدولية ـ الانترنت ـ الكثير من المواقع التى حَوَت أبحاثا جَمَّة عن موقعى سدوم وعمورة دون طائل .
وخير ما نفعله هنا بهذا الشأن هو مُراجعة خط سير القافلة الإبراهيمية أثناء خروجها من سيناء مصر مُتجهة جنوبا فى سيرها . حيث تم الاستقرار الأول أو محطة الوصول الأولى لكل من إبراهيم ولوط عليهما السلام وأتباعهما فسكن لوط ومَن معه شرقا عند مدن الدائرة أو مدن أبرح حسب نسختى التوراة العبرية والسامرية . وسكن إبراهيم ومن معه غربا عند منطقة بلوط ممرا . وما علينا إلا أن نضع هاتين المنطقتين المتقابلتين على خريطة خط السير من سيناء مصر صوب الجنوب ، ثم نبدأ دراستنا بدون افتراضات مزعومة مسبقة .
... من الخريطة السابقة نجد أنَّ مكانى إقامة إبراهيم ولوط عليهما السلام فى المنطقة الشمالية الغربية لشبه الجزيرة العربية قريبا من الشريط الساحلى المتاخم للبحر الأحمر . فأقام إبراهيم ومن معه فى المنطقة الغربية القريبة من البحر الأحمر وأقام لوط ومن معه فى المنطقة الواقعة شرقى مكان إقامة إبراهيم تبعا لنصّ التوراة ( تك 13 : 10 ـ 11 ) .
... وحيث أنَّ إحداثيات الموقعين المتكلم عنهما توجد فى شمال غرب شبه الجزيرة العربية ، فسوف نتوقف لنرى ونبحث ونتحرى فى أقوال العرب عن هذين الموقعين .(1/28)
... وأفضل سجل عربى لمثل هذه الأمور هو القرآن الكريم ، حيث سُجِّلت فيه معارف وعادات وتقاليد وعقائد القبائل العربية ، وفيه ما تناقلوه من بقايا قصص العذاب الإلهى الذى وقع على أجدادهم الغابرين . والخطاب القرآنى بشأن قوم لوط مُوَجَّه أساسا إلى عرب مكة مسلمهم وكافرهم أبَّان فترة نزول القرآن الكريم .
فحين يقول القرآن عن مكان مدن قوم لوط { وما هى من الظالمين ببعيد } ( 83 / هود ) . نفهم بداهة أنها على مسافة ليست ببعيدة عن مكان مشركى مكة . وتلك معلومة قرآنية أولى عن الموقع .
وإذا قال القرآن عنها { وإنها لبسبيل مقيم } ( 76 / الحجر ) . نفهم بداهة أيضا أنها تقع على طريق مأهول يرتاده العابرون . وتلك معلومة قرآنية ثانية عن الموقع .
وإذا قال القرآن عنها { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل . أفلا تعقلون } ( 137 ـ 138 / الصافات ) . نفهم أنَّ أهل مكة كانوا يمرون على موقع قوم لوط صباحا ومساءً أثناء رحلتهم التجارية الصيفية إلى الشام .
... وبجمع العلامات القرآنية الثلاث السابقة ، نجد أنَّ مكان مدن قوم لوط ليس بعيدا عن مكة ، وأنه يقع على الطريق التجارى المعروف لدى أهل مكة والذى يسيرون فيه أثناء رحلة الصيف التجارية .
... ومن أراد البحث والتنقيب لمعرفة الموقع فإنَّ القرآن الكريم لا يبخل عليه ببعض المعلومات الهامة التى يحتاجها الباحث المتفرس فى آيات الله مثل تعيين المسافة والزمن من مكة المكرمة إلى مكان قوم لوط وذلك فى مثل قوله تعالى { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ، وبالليل ... } .(1/29)
... فإن كانت القوافل التجارية تخرج من مكة صيفا بعد اِنكسار حرارة شمس النهار الشديدة فإنها تصل إلى موقع قوم لوط فى الصباح . وإن أسرعت الإبل ليلا فسوف تصل القوافل إلى الموقع ليلا . والسرعة المتوسطة لسير الإبل معروفة ، فمن أراد معرفة المسافة المقطوعة فما عليه إلا أن يجرى عملية ضرب حسابى عادى بين متوسط سرعة الإبل والزمن المقطوع حوالى اثنى عشر ساعة . إنه أمر يسير للمتفرسين ..!!
... ومن أراد أن يستزيد فى البحث والتقصى فإنَّ القرآن الكريم يمده أيضا بعلامات ظاهرة باقية عند الموقع ، علامات لم يعف عليها الزمان ولم تمح من على وجه الأرض مثل تبيان نوعية العذاب الذى أصاب قوم لوط ، وما أعقب ذلك من آثار الدمار الذى لا تزال آثاره باقية . مثل قول القرآن الكريم { إنَّ فى ذلك لآيات للمتوسمين } ( 75 / الحجر ؛ 9 / الحاقة ) .
... ولم يتعرض القرآن الكريم لتبيان أسماء مدن قوم لوط التى وقع عليها العذاب مثل سدوم وعمورة و ... الخ . ولكنه أشار إلى الاسم الجامع لهذه المدن وهو المؤتفكات ( 71 / الأنبياء ) أى المنقلبات . وللأسف الشديد كنت أود أن أذهب إلى تلك الأماكن للاستطلاع والكشف تحقيقا لقول الله سبحانه وتعالى . ولكن السلطات الحاكمة هناك لاتسمح لعربى مصرى مثلى بدخول البلاد إلا إذا كنت أحمل عقد عمل . وأمَّا الزيارة السياحية أو العلمية فهى قاصرة على الأجانب فقط من إنجليز وأمريكان وغيرهما ..!! ربما تقع معلوماتى هذه بيد أجنبى يمكنه دخول البلاد والبحث هناك عن الموقع المفقود فى التوراة .
... وبعد تلك الجولة نستكمل بعون الله تعالى الرحلة الإبراهيمية من ذلك المكان القريب من موقع قوم لوط ، إلى مكان آخر أشار إليه القرآن الكريم بقوله { ونجيناه ولوطا إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين } ( 71 / الأنبياء ) .
الصعود الإبراهيمى الثانى إلى عمق أرض الجنوب
( الأرض التى باركنا فيها للعالمين )
==================
... ...(1/30)
جاء فى سفر التكوين ( 20 : 1 ) من النسخة المعتمدة فانديك : " وانتقل إبراهيم من هناك ... ؟؟ إلى أرض الجنوب ( ???? ???? ) وسكن بين قادش وشور وتغرَّب فى جرار " . من هذا النصّ ننطلق بعون الله تعالى فى دراسة تفاصيل هذا الانتقال الإبراهيمى من أين بدأ وإلى أين انتهى ..؟ ثم تعيين أماكن المواقع الجغرافية المذكورة فى النصّ التكوينى السابق ..
بداية الانتقال كانت مِن هناك ... ؟؟
هل يعلم القارىء أين توجد هذه المنطقة المشار إليها بعبارة مِن هناك ..!؟
إنها المنطقة الواقعة غربى منطقة مدن قوم لوط التى استقر فيها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قرابة أربعة عشر سنة .
... تأمل قارئى العزيز فى اسم إبراهيم هنا ، لقد تم تغييره من أبرام إلى إبراهيم وكان تغيير الاسم عندما بلغ إبراهيم من العمر تسعة وتسعون سنة . وكان عمر إسماعيل حين ذاك 13 سنة ولم يكن إسحاق قد وُلد بعد . ولم تكن هاجر وابنها إسماعيل بصحبة إبراهيم حين ذاك , حيث تم إيداعهم فى برية فاران .
من هناك .. من المنطقة ( أ ) غربى مدن قوم لوط ( تك 13 : 11 ) . تلك المنطقة المتاخمة لساحل البحر الأحمر شمال غرب الأرض التى بارك الله فيها للعالمين .
ويعتبر توقيت هذه الحركة وتتبع اتجاه مسارها الجغرافى ودراسة مواقع الأماكن والمسميات المذكورة فى النصّ التوراتى تؤيد وجهة نظر هذا البحث . إنها أرض الجنوب أيضا ، وإلى عمق أرض الجنوب .
ووجهة النظر هذه تتعارض تماما مع فهم علماء المسيحية وباحثيهم الذين قدَّموا رفضهم للصعود جنوبا إلى الأرض العربية على معطيات نصوص التوراة . فزعموا أنَّ هذه الانطلاقة كانت من أرض كنعان فى شمال فلسطين . مع أنهم قد زعموا قبلا بأنَّ موقع إقامة إبراهيم كان غربى مدن قوم لوط ، وأنَّ مكان هذه المدن التى وقع عليها عذاب الله توجد فى قاع المنطقة الجنوبية للبحر الميت ..!!(1/31)
... فوضعوا الطرف الجنوبى للبحر الميت فى شمال فلسطين ، وغيَّروا اتجاه سير الرحلة الإبراهيمية الخارجة من مصر إلى اتجاه الشمال الشرقى بدلا من اتجاه الجنوب المنصوص عليه فى التوراة ..!!
... وكل ذلك يدعونا إلى زيادة الفحص والتحرى للزمان والمكان والاتجاه بناء على ظاهر نصوص التوراة وبعيدا عن أقوال الذين لا يميزون بين الشمال والجنوب ..!!
وقبل الدخول فى عمق الجنوب بحثا عن الأماكن الجغرافية المذكورة فى النصّ التوراتى أذكر للقارىء شيئا عن رد فعل المترجمين للنسخ العربية الحديثة للنصّ التوراتى ( تك 20 : 1 ) ونرى ماذا فعلوا فى ترجمة عبارة إلى أرض الجنوب أو كما تذكرها أكثر التراجم الإنجليزية شيوعا بعبارة إلى بلاد الجنوب ( The South Country to ) .
( انظر الجدول التالى ) :
النسخة العربية المعتمدة ( فانديك ) ... نسخة كتاب الحياة ( المصرية )
وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرَّب فى جرار . ... وارتحل إبراهيم من هناك إلى أرض النقب وأقام بين قادش وشور وتغرَّب فى جرار .
نسخة الكاثوليك ( ط 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 )
وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض النقب فأقام بين قادش وشور ، ونزل بمدينة جرار . ... ورحل إبراهيم من هناك إلى أرض النقب وأقام بين قادش وشور ونزل بجرار .
أعتقد أنَّ القارىء قد لاحظ مِن الجدول السابق أنَّ النسخ الثلاث حديثة الطبع قد حولت كلمة الجنوب العبرية ( هـ نِجِب ) إلى الكلمة العبروعربية ( النقب ) لمحو آثار اتجاه الجنوب عند القارىء . تماما كما فعلوا فى نصّ ( تك 13 : 1 ) . وعبارة أرض الجنوب فى الأصل العبرى مكونة من كلمة وأداة تعريف هما ( هـ نِجِب ) وقد سبق شرح معناها والتعليق عليها .(1/32)
وكلمة أرض فى العبرية هى أدمة ( ???? ) ولكن الكلمة الموجودة فى ذلك النصّ هى أرص ( ???? ) بالصاد التى تعادل كلمة أرض فى العربية . وهى أرص أيضا بالآرامية حيث أنَّ حرف الضاد لا يوجد فى الآرامية أو العبرية القديمة فاستبدلوه فى العبرية الماصورتية بحرف جديد يُنطق بين صوت الضاد والظاء . فقالوا إرتز بكسر الهمزة والراء كسرة طويلة التى تستوجب ظهور حرف الياء بعدهما هكذا : ( إى ـ رى ـ تز ) وبالإنجليزية ( erets ) . ويلاحظ هنا فى ذلك النصّ أنَّ الكلمة العبرية يوجد بآخرها حرف الهاء ( ? ) وهو ليس من أصل الكلمة ( ??? ) وهذا الرسم العبرى للكلمة ( ???? ) يشبه تماما الوارد فى تك ( 33 : 3 ؛ 37 : 10 ) " وسجد إلى الأرض " و " لنسجد لك إلى الأرض " . وهم يقولون فى القواميس العبرية والكلدانية عن جذر هذه الكلمة ( ??? ) أنه غير مستخدم فى العبرية .
ومعنى الكلمة هو مطلق الأرض مثل قولنا " خلق الله السماء والأرض " ومثل " ضاقت عليهم الأرض " ومثل " سجد إلى الأرض " . فترجمتها بعبارة أرض النقب غير صحيح وصحيحها مطلق الأرض التى فى جهة الجنوب الجغرافى .
ونبدأ الآن فى دراسة المواقع الجغرافية المشار إليها فى النصّ التوراتى فإن ثبت لنا أنَّ هذه المواقع داخل شبه الجزيرة العربية ، علمنا أننا نسير فى الاتجاه الصحيح . وأنَّ هذا البحث التاريخى الجغرافى اللغوى له أقدام راسخة فوق رمال الصحراء العربية فى الجنوب . كما يلاحظ أنَّ أقوال علماء المسيحية عن موقع نقطة انطلاق إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ معه إلى أرض الجنوب لا تقف كحجر عثرة أمام ذلك البحث لأنَّ أرض كنعان بكاملها ، وشمال وجنوب فلسطين والبحر الميت بشماله وجنوبه وصحراء سيناء بكاملها ، وصحراء النقب . كل تلك المناطق تقع شمال أرض الجنوب التى يتكلم البحث عنها بدون نزاع بينى وبينهم فى ذلك .(1/33)
بمعنى أنَّ أقوالهم ومزاعمهم لا تغير شيئا فى نتائج هذا البحث . وقد وجدت بعض علماء المسيحية المتخصصين فى دراسة الجغرافية التاريخية التوراتية قد حدد نقطة الانطلاق ومكان التغرب وكل مراحل الرحلة الإبراهيمية الثانية فى داخل شبه الجزيرة العربية وعلى الساحل الغربى منها (1) .
... توقيت هذه الرحلة الإبراهيمية : بدأت هذه الرحلة إلى عمق أرض الجنوب من بعد ثلاثة عشر سنة من ولادة إسماعيل . عندما جاوز عمر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - التسعة والتسعون عاما ، ومن بعد إعلان العهد بين الإله وبين إبراهيم كما تقول التوراة . والذى كانت علامته هو الختان للذكور . ولم يكن الابن الثانى اسحاق قد وُلد بعد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. منهم على سبيل المثال الدكتور كمال الصليبى فى كتابيه : خفايا التوراة والتوراة جاءت من جزيرة العرب .
فى ذلك التوقيت تمت زيارة ملائكة الله لإبراهيم (1) حيث بشَّرُوه باسحاق . وأخبروه عن قيامهم بإيقاع العذاب الإلهى على قوم لوط . كما تم تغيير كل من اسمى أبرام وزوجته ساراى إلى إبراهيم وسارة . وبعد كل ذلك وبعد تدمير قرى قوم لوط قام إبراهيم بالصعود جنوبا إلى عمق أرض الجنوب . واستقر فى المنطقة ( ب ) المبينة على الخريطة .
ويشير النصّ التوراتى أنَّ هذه المنطقة تقع بين قادش وشور من جهة الغرب ، وتسمى بمنطقة جرار حسب التوراة العبرية أو الخلوص حسب التوراة السامرية .(1/34)
... خريطة أرض الجنوب : موقع أرض الجنوب هنا ( تك 20 : 1 ) غير موقعها فى نصّ ( تك 13 : 1 ) حيث أنَّ النصوص التوراتية تفيدنا بأنَّ إبراهيم كان كثير الترحال ووصفته بأنه كان يرتحل إرتحالا متواليا نحو الجنوب ( تك 12 : 9 ) والاتجاه المتتالى نحو الجنوب يؤدى بنا إلى العمق لشبه الجزيرة العربية إى إلى مشارف اليمن ( إقليم مصر الأقصى كما سنعلم بعد قليل ) . فهل ذهب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إلى مشارف اليمن ..!؟
... من الطريف أنَّ كلمة يمن فى اللغتين العربية والعبرية تعنيان كلمة الجنوب . فكان علماؤنا القدماء يستخدمون فى تحديدهم للأماكن الجغرافية كلمتى يمن و جدى للدلالة على اتجاهى الجنوب والشمال على التوالى . والركن اليمانى للكعبة المشرفة يعنى الركن الجنوبى وهناك أحاديث كثيرة تشير إلى أنَّ الإيمان يمانى وما شابه ذلك من أحاديث .
... والبحث عن أرض الجنوب هذه ممتع ، فهو بحث أثرى لغوى قرآنى توراتى تاريخى وجغرافى كذلك . أختصر الكلام عنه هنا ومحيلا القارىء إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تنص التوراة على أن هذه الزيارة قام بها آلهة ثلاث ، وقف أحدهم يجادل إبراهيم فى قوم لوط ، وذهب
الآخران لإيقاع العذاب على قوم لوط ..!!
كتاب ( المفصل فى تاريخ العرب ) المجلد الثانى للتعرف على تاريخ اليمن القديم . وإلى كتاب ( النبىّ إبراهيم والتاريخ المجهول ) ولكن بحذر شديد من العقيدة العلمانية لمؤلف الكتاب الثانى ، وبعيدا عن الابتكارات الكلامية الخارجة على أصول الدين والتدين .
وانتقل إبراهيم من هناك ( أ ) إلى أرض الجنوب
وسكن بين قادش وشور وتغرب فى جرار ( ب )
( تك 20 : 1 )
العمالقة ساكنون فى أرض الجنوب
... ... ... ... ... ( عدد 13 : 29 )(1/35)
وأستعرض بعون الله تعالى المواقع الجغرافية الواردة فى الفقرة ( تك 20 : 1 ) لعلنا نهتدى لتحديد مكان أرض الجنوب هذه . وحيث أنَّ أحداث هذه الرحلة كانت خارج حدود مصر الشمالية الشرقية ، أى خارج شبه جزيرة سيناء تحديدا . وحدود مصر الدولية على أقل تقدير تمتد على طول الخط الواصل بين أعلى نقطة فى خليج العقبة وبين رفح جنوب غزة ، وقد يتغير هذا الخط الحدودى إلى جهتى الشرق والشمال طبقا لاتساع حدود الامبراطورية المصرية القديمة .
... وهذا معناه أنَّ البحث الجغرافى عن المواقع المذكورة فى النصّ لا بد وأن يكون خارج حدود مصر الدولية . وفى أضيق الحدود خارج حدود شبه جزيرة سيناء المصرية . وبدون ذلك التعيين المنطقى الجغرافى لن يكون هناك فهم سليم فى دراسة النصّ .
... وحتى لا تختلط الأمور على الباحث التوراتى أقول ذلك لألفت نظر القارىء إلى أنَّ علماء المسيحية قد اختلطت عليهم الأمور والمسائل حيث وضعوا هذه المواقع داخل حدود مصر ، ورسموا الخرائط وكتبوا الأطالس والمعاجم الكتابية وفيها نجد هذه المواقع فى شبه جزيرة سيناء المصرية ..!!
فعلوا ذلك بدون برهان عقلانى أو نصّ توراتى أو تنقيب أثرى .. فأين ذلك من كلمة الجنوب وعبارة أرض الجنوب و الإرتحال المتتالى نحو الجنوب ..!!؟؟
لقد تجاهلوا كل ذلك حتى لا يصعد إبراهيم فى زعمهم إلى مكة المكرمة ..!!
...(1/36)
أولا : موقع قادش ..
قادش العبرية ( ق د ش ??? ) وتنطق أحيانا قادوش ، وهى تعادل فى العربية مشتقات الجذر( ق د س ) مثل قادس وقدس ومقدس وما شابه ذلك من مشتقات لغوية . وفى الإنجليزية ( be holy ) . وهى كلمة تطلق غالبا على الأماكن الدينية المقدسة ، وما أكثرها عند أهل الكتاب ..!!
... جاء فى قاموس سميث للكتاب المقدس أنَّ كلمة قادش العبرية تعادل الكلمة العربية المستخدمة كاسم لمدينة القدس (1) . وتترجم موسوعة زندرفان الكتابية كلمة قادش إلى عبارة المدينة المقدسة ( The holy city ) (2) . فإن ذهبنا نبحث ونستعلم عن مكان هذه المدينة المقدسة فى أسفار الكتاب ، لوجدنا عدة مُدُن يطلق على كل منها اسم قادش وليس من بينهن مدينة واحدة يقدسها اليهود أوالمسيحيون (3) . فإن بحثنا فى الفترة الزمانية القريبة من الفترة التى كان فيها خليل الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لن نجد سوى مدينتين فقط تحملان الاسم قادش وهما :
الأولى : وهى قادش المذكورة فى سفر صموئيل الثانى ( 24 : 6 ) . وهى التى ذكرها فراعنة مصر فى سجلاتهم حيث انتصر فيها رمسيس الثانى على الحيتيين فى سنة 1288 ق . م ، وتقع هذه المدينة على بعد خمسين ميلا شمال دمشق وأربعين ميلا جنوب حماة (4) . وقد ذكرت هذه المدينة فى صموئيل الثانى على أنها تقع ضمن أملاك إسرائيل أيام حكم داود . وهذا كلام غير صحيح باعتراف علماء التوراة ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Smith Bible Dictionary Page 320
(2) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 Page 775
(3) .. من المدن التى وردت تحت اسم قادش : مدينة نفتالى ( يشوع 12 : 22 ) ؛ مدينة فى جنوب يهودا
( يشوع 15 : 23 ) ؛ مدينة فى الجليل ( يشوع 20 : 7 ) ؛ مدينة فى الأخبار الأول ( 6 : 72 ) وهذا النص
غير موجود فى نسخة الكاثوليك العربية حيث ينتهى الإصحاح عند الفقرة ( 6 : 66 ) بينما نجده عند(1/1)
البروتستانت حيث ينتهى برقم ( 6 : 81 ) ..!!
(4) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 Page 777
... قلت جمال : وهذه المدينة السورية لا يمكن بأى حال مِن الأحوال أن تكون هى المذكورة فى نصّ التكوين ( 20 : 1 ) . وقد أقر بتلك الحقيقة مؤلف قاموس زندرفان الكتابى المصور (1) .
الثانية : وهى المذكورة فى تكوين ( 20 : 1 ) والتى نبحث عن مكانها بين ركام المدن العديدة التى ظهرت فى تاريخ بنى إسرائيل فيما بعد عصر موسى - عليه السلام - . جاء فى تكوين ( 14 : 7 ) أنَّ عين مشفاط (2) هى قادش . وذلك أثناء ذكر حملة الملوك الأربعة العسكرية ضد مدن الدائرة التى أقام بها نبىّ لوط - عليه السلام - .
... وبتتبع خط سير هذه الحملة العسكرية ومواقع المعارك الحربية التى وقعت . وعلى الأخص المعركة الكبرى التى دارت فى وادى السديم أو فى مرج الثديين كما جاء فى التوراة السامرية . سوف نجد أنَّ قادش هذه تقع فى أرض الجنوب وليس كما يزعمون من أنها تقع بصحراء سيناء المصرية أو فى اِحدى الواحات المصرية الواقعة فى المنطقة الشمالية الشرقية من سيناء ( عين مشفاط ، عين الجديرات ؛ القسيمة ؛ المويلحا ) . أو كما يزعم المعاصرون أنها قادش بارنيا ( kadesh-barnea ) شمال شرقى سيناء . أو كما زعم بعضهم بأنها مدينة البتراء شمال مدينة العقبة الأردنية (3) مع أنَّ هذه المدينة تدعى بمدينة الرقيم كما هو مسجل على أحجارها باللغة العربية النبطية القديمة (4) .
... وكل هذه المزاعم المرتجلة لا تفيدنا كثيرا فى بحثنا عن موقع المدينة المقدسة حيث أننا نبحث عن قادش إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - خارج حدود مصر وداخل أرض الجنوب طبقا للنصّ التوراتى . ولن نبحث عن قادش بنى إسرائيل وموسى داخل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Pictorial Bible Dictionary page 461
(2) .. وجاء فى نسخة الآباء العربية عين القضاء بدلا من عين مشفاط ..!!
((1/2)
3) .. Smith Bible Dictionary page 321
(4) .. راجع كتابى " أصحاب الكهف والرقيم " لتتعرف على مدينة الرقيم وتاريخها .
حدود مصر . فلا تهمنا كثيرا قادش التى ماتت بها مريم أخت هارون وموسى أو قادش التى تفجرت المياه من بين صخورها ، أو قادش فلسطين التى كانت من نصيب سبط يهوذا ... إلى آخر هذه المسميات .
وإذا توقفنا أمام قادش المذكورة فى نصّ التكوين ( 14 : 7 ) المعاصرة لفترة التواجد الإبراهيمى بأرض الجنوب ، نجد أنها مرتبطة بمكان يُعرف أهله بأنهم هزَّازو التمر أو حزَّازو التمر . وتلك صفة لأهم عمل يقوم به سكان ذلك المكان . وهو جمع التمر ـ البلح الرطب ـ من فوق أشجار النخيل . وقد ورد اسم ذلك المكان فى التوراة السامرية بـ أخصاص النخل أى عزبة النخل وهو معنى قريب من الترجمة الصحيحة .
وقد حافظت الترجمات الإنجليزية على نقل العبارة بقدر المستطاع حسب اللسان العربى ( Hazazon-tamar ) (1) و ( Hazezon-tamar ) (2) . خلاف الترجمات العربية للنصّ حيث ابتعدت كثيرا عن الاسم العربى حيث تُرجمت العبارة إلى حصُّن تامار (3) أو حصَّاصون تامار (4) مع أنَّ موسوعة زندرفان الأمريكية المصورة صحَّحت العبارة إلى هزَّازون النخيل فوردت فيها العبارة ( Hazazon of the palm trees ) (5) أى هزَّازون شجر النخيل .
فتأمل رحمك الله بين تلك الترجمة وبين أقوال أصحاب قاموس الكتاب المقدس العربى : حصُّون تامار : اسم عبرى معناه تقطيع النخيل (6) ..!! مع أنَّ الانسان يقطف التمر بالهز أو بالحز ولا يقطع النخل ليجمع التمر ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. كما ورد فى النسخ : GNB , NIV, RSV
(2) .. كما ورد فى النسخ : KJV
(3) .. كما ورد فى نسخة كتاب الحياة والنسخة المعتمدة ؛ ونسخة الكاثوليك .
(4) .. كما ورد فى نسخة الآباء العربية .
(5) ..Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 50
((1/3)
6) .. قاموس الكتاب المقدس ص 310 .
... والباحث فى جغرافية الطرف الجنوبى الغربى للبحر الميت قريبا من المكان المزعوم لسكنى قوم لوط - عليه السلام - ، يعلم جيدا خلو تلك المنطقة من أشجار النخيل الكثيفة لدرجة أن يطلق عليها اسم أخصاص النخيل ، ويوصف سكان هذه المنطقة بأنهم حزَّازون التمر .
يقول مؤلفو دائرة معارف زندرفان الكتابية عن موقع أخصاص النخل : " ومكانها غيرمعلوم غير أنها على ما يبدو قريبة من سدوم وعمورة " (1) مكان سكنى قوم لوط . ويقول أصحاب قاموس الكتاب المقدس عنها " موقعها فى الطرف الجنوبى الغربى للبحر الميت على الطريق من حبرون إلى إيلات " (2) .
... قلت جمال : فموقع قادش غير معلوم لهم ، وأيضا موقع أخصاص النخل غير معلوم لهم مع اعترافهم بأنَّ تلك المواقع قريبة من مكان قوم لوط . وتقع فى الاتجاه الغربى منها . وكذلك فإنَّ موقع قوم لوط غير معلوم لهم يقينا إلى الآن . وقد تبين لنا فى الفصل السابق أنَّ موقع قوم لوط فى أرض الجنوب . وبين القرآن الكريم أنها ليست ببعيدة عن أهل مكة بقوله تعالى { وما هى من الظالمين ببعيد } (38 / هود ) . وهم يقولون بأنَّ موقع المدينة المقدسة قادش ليس بعيدا عن مدن قوم لوط .
... ومعلوم عند أصحاب الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام أنه لا توجد سوى مدينتين مقدستين . اِحداهما بأرض الجنوب والأخرى فى فلسطين ولكن فى عصر إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - لم تكن المدينة التى بفلسطين قد تقدست بعد بشهادة التوراة . ونصوص القرآن الكريم والتراث الجاهلى ينصان على وجود مدينة مقدسة فى أرض الجنوب ، قد رفع إبراهيم فيها القواعد من البيت وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 50
(2) .. قاموس الكتاب المقدس ص 310 .
فهل قادش إبراهيم هى مكة المكرمة ..!؟(1/4)
ربما نعم .. ولكن لن نستعجل النتائج ونقطف الثمار قبل أوانها . وإنَّ أهم شىء نحفظه جيدا أنَّ هناك مدينة مقدسة فى أرض الجنوب منذ عهد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بشهادة التوراة . وأنَّ أرض الجنوب هى أرض شبه الجزيرة العربية .
ونرجىء البحث عن موقع تلك المدينة المقدسة قادش لحين الانتهاء من بحث كل من موقع شور و موقع إقامة إسماعيل وذريته من بعده .
(مثلث رفح ـ العريش ـ القسيمة )
حيث مكان قادش المزعوم
... ... ثانيا : موقع شور ..
كلمة شور العبرية ( ??? ) تعادل كلمة سور العربية بالمعنى المعروف أى حائط . وبهذا المعنى جاءت ترجمة الكلمة فى النسخة السبعينية للتوراة والتى يرمز إليها بالرمز ( LXX ) .
... وقبل الحديث عن موقع شور الجغرافى ، أذَّكِر القارىء بأننا نتحدث الآن عن مواقع جغرافية خارج حدود مصر الدولية ، حيث نتابع خط سير أبو الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بعد خروجه من مصر متجها إلى الجنوب . فإذا تذكرنا تلك البديهية فلن نحتار مع الذين احتاروا فى تعيين موقع شور على الخرائط ..!!
والمحتارون هنا هم أكابر علماء المسيحية المتخصصون فى الجغرافية التاريخية للكتاب المقدس ، فنجدهم يضعون شور داخل حدود مصر ، فتارة يضعونها شمال سيناء المصرية ، وتارة ثانية يضعونها فى الجزء الشرقى من سيناء ، وتارة ثالثة يضعونها فى الجزء الجنوبى من سيناء ، وتارة رابعة يضعونها فى الجزء الأوسط من سيناء ابتداء من الشاطىء الشرقى لقناة السويس وحتى حدود العريش المصرية . ومنهم من يكتب كلمة شور على الخريطة بطريقة مبتكرة لتشمل كل مساحة شبه جزيرة سيناء المصرية (1) .!!
وكل تلك المناطق تعتبر منطق مصرية مائة فى المائة ( 100 ? ) حيث أنَّ حدود مصر الدولية فى جميع أزمنة التاريخ القديم والحديث كانت تضم جميع مناطق شبه جزيرة سيناء بدون خلاف بين العلماء المتخصصون .(1/5)
... فكما نقلوا موقع قادش من خارج مصر إلى داخلها فى سيناء ، كذلك فعلوا مع شور حيث نقلوها من مكانها من خارج مصر أيضا إلى داخل حدودها فى سيناء . مع العلم بأنَّ النصّ التوراتى يشير إلى أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - خرج من مصر واتجه إلى أرض الجنوب ( هـ نجب ) ثم انتقل من هناك إلى عمق أرض الجنوب ( هـ نجب ) .
والحركة الابراهيمية هنا كانت رأسية أى من الشمال إلى الجنوب وليست عرضية من الغرب إلى الشرق كما زعموا ..!!
... فـ قادش و شور تقع احداهما شمال الأخرى يقينا ، ويكون مكان سكنى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى المنطقة الواقعة غربى الخط الواصل بين قادش وشور . فالمسافة بين قادش وشور طولية أى بين الشمال والجنوب ، خلاف المسافة بين سدوم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال :
New Bible Dictionary page 1110 , The Pictorial Bible Dictionary page 791
Zondervan Encyclopedia of the Bible v5 page 423,424
B.A.K.E.R Encyclopedia of the Bible v2 paage 1959
وبلوط ممرا حيث كانت عرضية أى بين الشرق والغرب . وبدون التقيد بمثل هذه الاتجاهات الأصلية فلن نتعرف على مواقع البلدان . فلن تكون أبدا أرض فلسطين جنوب أرض مصر ، حتى يخرج نبىّ الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من مصر متجها إلى الجنوب ليدخل إلى فلسطين .
فهل من فهم سليم يا أولى الألباب ..!!؟
موقع قادش أو شور
موقع جرار سكنى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -
موقع شور أو قادش
خريطة كتابية تبين المواقع المزعومة فى سيناء المصرية(1/6)
... يقول كاتبو قاموس الكتاب المقدس العربى عن شور " وهو موضع فى البرية جنوب فلسطين أو على الأخص جنوب بئر لحى رئى (1) ( تك 16 : 7 ؛ 25 : 18 ) وشرقى مصر ( 1 صم 15 : 7 ؛ 27 : 8 ) . سار فيها بنوإسرائيل ثلاثة أيام حال عبورهم البحر الأحمر ( خر 15 : 22 ) وهذه كانت تسمى أحيانا برية إيتام ( عد 33 : 8 ) . وقد جاء ذكر شور فى قصة هرب هاجر ( تك 16 : 7 ) ثم صارت بعدئذ مسكنا للإسماعيليين ( تك 25 : 18 ) " (2) .
قلت جمال : من أقوال هؤلاء السادة القسس العرب نجد أنَّ موقع شور جنوب فلسطين وشرقى مصر . وهو وصف غير دقيق ، فكان يجب عليهم حسب مزاعمهم أن يقولوا جنوب فلسطين وشرقى سيناء ، لأنَّ أرض مصر تمتد جنوبا على شاطىء البحر الأحمر الغربى ، فيكون شرقى مصر يدخل فيه بداهة أرض إقليم الحجاز بما فيه مكة والمدينة المنورة ..!!
... وهم قطعا لا يقصدون ذلك المعنى الدقيق ، كما أنهم يريدون أن يضعوا قادش بالقوة فى شبه جزيرة سيناء . فكان كلامهم غير محدد وغير دقيق لذلك السبب . ويزداد عجبى منهم عندما يقولون بأنَّ شور تقع جنوب البئر التى تفجرت لإسماعيل وأمِّه أى زمزم وإن أطلقوا عليها ما يشاؤون من أسماء ..!!
... وهناك من علماء المسيحية من يجعل من شور عدة أماكن تشكل مع بعضها خطا دفاعيا مصريا يقع على حدود مصر الشرقية ، وهذا المعنى قال به مؤلفو موسوعة زندرفان الأمريكية الكتابية حيث قالوا بأنَّ شور عبارة عن حائط من التحصينات أو منطقة محصنة على امتداد حدود مصر الشرقية . وأنَّ أول إشارة إليها وردت فى قصة البحار المصرى الفرعونى سنوحى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وفى بعض الترجمات تكتب بئر الحى الناظر ، وهى البئر التى تفجرت لإسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام
والتى يعرفها العرب من قبل الاسلام ومن بعده باسم زمزم .
(2) .. قاموس الكتاب المقدس ص 528 .(1/7)
“ Where Si-nuhe says he came up to the wall-of-the-Ruler , made to oppose the Asiatics and to crush the sand crossers this net of forts , set up to keep out the Bedowin tribes is prob . “ (1)
بمعنى أنَّ هذا الحائط من التحصينات ـ النقاط الحصينة ـ كان مقاما من جانب المصريين ليحمى حدود مصر الشرقية من غارات الأسيويين ومن البدو المتسللين عبر الصحراء . وهذا معناه أنَّ شور لم تكن منطقة معينة ولكنها كانت كحزام من النقاط القوية الحصينة لتحمى حدود مصر الشرقية . كما أنه يُعرف بداهة أنَّ هذا الحزام الحصين لم يكن داخل الأراضى المصرية وإنما على حدودها الشرقية من الشمال إلى الجنوب بطول حدود مصر فى ذلك العصر .
ولكن قصة البحار المصرى سنوحى كانت خارج مصر ولم تكن فى شرق صحراء سيناء ..!!
... ... وسوف أذكر هنا بعد قليل شيئا عن حدود مصر الدولية فى ذلك الزمان القديم المشار إليه فى النصّ التوراتى ولكن بعد استكمال الكلام عن موقع شور فى أقوال القوم .
... ... ومن علماء المسيحية من يضع موقع شور فى المنطقة الممتدة ما بين قناة السويس غربا وإلى وادى العريش شرقا (2) . وبهذا المنطق المعكوس يكون نبىّ الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قد رجع إلى مصر بعد خروجه منها ، ولا دليل على تلك العودة فى النصوص التوراتية . وسوف نتعرف بإذن الله تعالى على موقع شور الحقيقى بعد دراسة حدود مصر الدولية فى الزمان القديم وبعد دراسة المنطقة التى سكنها إسماعيل - عليه السلام - وذريته من بعده . ومن بعد استخدام الاسقاطات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v 5 page 423 , 424
... (2) .. New Bible Dictionary page 1110(1/8)
... التاريخية والجغرافية والآثارية التوراتية للنصوص . وقد اعترف بعض علماء المسيحية بتلك الحقيقة وإن لم يعيروها أدنى إهتمام منهم بالدراسة والتمحيص لموقع إقامة ذرية إسماعيل . فنجد مثلا مؤلفو الموسوعتين الكتابيتين :
( The New Ungers Bible Dictionary ) و ( Smith Bible Dictionary ) قد قالوا بما نصه :
“ The frist clear indication of its position occures in the account of Ismael’s posterity “ (1)
بمعنى أنَّ أول إشارة واضحة عن موقع شور جاءت عند بيان مكان إقامة ذرية إسماعيل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... (1) .. New Ungers Bible Dictionary p1191 ؛ Smith Bible Dictionary p 645
... ... ثالثا : حدود مصر الدولية فى قديم الزمان ..
وقبل الحديث عن الموقع التوراتى جرار الذى أقام فيه خليل الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - نحتاج هنا إلى التعرف على حدود مصر الدولية فى ذلك الزمان الغابر حتى نفهم جيدا أين تسير بنا النصوص التوراتية ، وحتى نتبين مواقع أقدامنا على رمال الصحراء العربية .
... ... يقول المؤرخ المسيحى القديم أورسيوس ( القرن الرابع الميلادى ) المعروف عند المؤرخين المسلمين تحت اسم هيروشيوش . قال فى كتابه المعروف بـ تاريخ العالم القديم ص 61 وص 62 من الترجمة العربية بتحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوى : أنَّ مصر كانت مقسمة إلى ثلاثة أقاليم بيانها كالتالى :
1 .. إقليم مصر الأدنى : شرقه سوريا وفلسطين ، وغربه أرض ليبيا ، وشماله البحر المتوسط ، وجنوبه مصر العليا ونهر النيل .
2 .. إقليم مصر الأعلى : وهو صعيد مصر بامتداده جنوبا إلى الحبشة مرورا بأرض السودان . وحده الشرقى بحر القلزم ـ البحر الأحمر ـ وحده الغربى الصحراء الليبية .(1/9)
3 .. إقليم مصر الأقصى : وهو بلد ممتد إلى ناحية الشرق ، وحده فى الشمال خليج العرب ، وفى الجنوب البحر المحيط ، وفى الغرب مبتدأ من مصر الأدنى وفى الشرق ـ والصحيح الغرب ـ بحر القلزم أى البحر الأحمر .
قلت جمال : والذى يهمنا هنا هو إقليم مصر الأقصى كما سماه أورسيوس . حيث أنَّ ذلك الإقليم يقع فى أقصى جنوب الجزيرة العربية ، أى أنه كان يشمل أراضى كل من اليمن وعدن وحضرموت وعمان .
وهذه المعلومة الهامة جدا والجديدة علينا سوف نجد دلائل صدقها فى النصوص التوراتية وفى الآثار الفرعونية . فنجد فى الوثائق المصرية القديمة إشارات إلى الإقليم المصرى الثالث تحت مسمى أرض الإله . فعلى سبيل المثال نجد فى الكتابات والنقوش المسجلة على جدران معبد الدير البحرى والتى تصف أهم الأحداث التى تخللت فترة حكم الملكة حتشبسوت . نجد فيها مجموعة تسمى مجموعة بونت ، حيث جاء فيها وصف رحلة بحرية إلى أرض بونت أى الأرض المقدسة أو بمعنى أرض الإله كما سنعرف ذلك بعد قليل .
وأنقل للقارىء العربى أقوال الكاتب اليهودى إيمانويل فلايكوفسكى عن وصف ما هو مكتوب على جدران الدير البحرى عن هذه الرحلة المصرية البحرية إلى بلاد بونت حيث قال : " ... حيث تبدو السفن مجهزة بالأشرعة والمجاديف ومن خلفها تبدو تلك الأراضى وكأنها بلاد أسطورية ذات حقول رائعة ، وتلال جميلة . ويقطنها رجال بيض البشرة كأنهم من أصل سامى أو قوقازى ، وتبدو عليهم مخايل النبل والزهو ويكونون غالبية السكان . ثم تظهر الصور أنَّ هناك بعض السكان يختلفون كلية عن الأغلبية وذوى بشرة سوداء . والحيوانات مغلولة من أعناقها بالحبال ، وبسهولة يمكن التكهن بأصلها الإفريقى فهى مجموعة من القرود والنمور . أمَّا النباتات فقد كانت شبيهة بنباتات الساحل الجنوبى لشبه الجزيرة العربية ... " (1) .(1/10)
... ويستطرد الباحث اليهودى إيمانويل فلايكوفسكى قائلا : " إنَّ اسم بلاد بونت أو الأرض المقدسة ـ أرض الإله ـ على جدران المعبد غير مصحوبة بالعلامة الهيروغليفية التى تميز البلاد الأجنبية بالنسبة للمصريين . كما أظهرت طريقة كتابة الاسم أنَّ المصريين كانوا يعتبرون بلاد بونت مرتبطة بشكل ما مع مصر . وفى عدد من النقوش المصرية القديمة ذكرت بلاد بونت على أنها تقع إلى الشرق من مصر . ففى كلمات عن الإله آمون يعود تاريخها إلى عصر امنحوتب الثالث فى أواخر الأسرة الثامنة عشرة جاء ما يلى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. عوالم فى فوضى للكاتب اليهودى إيمانويل فلايكوفسكى ص 134 .
" حينما أولى وجهى إلى مشرق الشمس فإنى أولى وجهى إلى بلاد بونت " (1) .
قلت جمال : ورغم أنَّ المؤلف اليهودى قد ذكر هذه النصوص المصرية وهو يريد بها شيئا آخرا إلا أنَّ فيها ما نريد فى بحثنا وأزيد . فعاصمة مصر ومقر الحكم والمُلك لم تكن فى دلتا مصر حينذاك ، وإنما كانت فى إقليم مصر العليا . ربما كانت طيبة فى ذلك الزمان . فإن نظرت منها إلى جهة الشرق فإنك بإزاء الأرض المباركة فى شبه الجزيرة العربية . وإن تعرفت على عدم وجود العلامة الهيروغليفية الدالة على أجنبية بلاد بونت دَلَّ ذلك على أنها أراضى يسكنها مصريون وتابعة لمصر .
... وهذه البلاد ـ بلاد بونت أو أرض الإله ـ كانت تتبع مصر فى قديم الزمان من قبل عصر حتشبسوت وأمنوحتب الثالث فلما تقلصت حدود الامبراطورية المصرية فى أقصى الجنوب ، انقطعت الصلات بين البلد الأم مصر وبين الفرع وهو إقليم مصر الأقصى . وفى عهد الملكة حتشبسوت تم الاتصال بين مصر الأم ومصر الفرع ولذلك لم توضع علامة الأرض الأجنبية عن المصريين على اسم بلاد بونت .(1/11)
... وقلت أيضا : وهؤلاء المصريون سكان إقليم مصر الأقصى سوف نجد ذكرهم فى النصوص التوراتية تحت مسمى العماليق . وهم المذكورين أيضا فى كتب التاريخ العربى القديم تحت مسميات العماليق و عبد ضخم و جرهم . وهم بناة الكعبة بعد عصر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . وآثارهم فى جنوب الجزيرة العربية تشهد عليهم ولا تخفى على خبير . فها هى السدود على مجارى السيول ، وبناء المعابد الضخمة ذات الأعمدة شاهدة عليهم . وبعد هجرتهم إلى الشمال حيث إسماعيل وأمه بأرض فاران قاموا بتجديد بناء الكعبة الحجرىّ . هؤلاء هم أصهار إسماعيل - عليه السلام - حيث تزوج منهم وأمِّه هاجر كانت منهم أيضا كما سنرى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. عوالم فى فوضى للكاتب اليهودى إيمانويل فلايكوفسكى ص 134 ، ص 135 .
الأدلة على كل ذلك فيما يأتى بإذن الله تعالى .
حدود مصر الدولية فى عهد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -
كما ذكرها المؤرخ المسيحى الرومانى القديم أورسيوس
... ... رابعا : مكان جرار ..
كلمة جرار ( ??? ) عبارة عن اسم عربى فى صيغة الجمع لكلمة جَرَّة . وهى الآنية الفخارية المعروفة . كما أنَّ النصوص التوراتية تؤكد لنا أنَّ حاكم جرار يدعى أبا مالك وهو اسم عربى صميم . فعروبة البلدة شىء مؤكد .
والبحث عن مكان جرار التوراتية لا بد وأن يكون بداهة فى أرض الجنوب التى صعد إليها نبىّ الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . ولكن علماء المسيحية يغمضون الطرف عن هذه الحقيقة أيضا ويضعون جرار فى أرض فلسطين أو فى أرض مصر ..!!
... يقول الدكتور كمال الصليبى فى بحثه القيم عن مكان جرار ما نصه :(1/12)
" وهناك أربع مقاطع فى التوراة تتحدث عن جرار . ففى الكلام عن أرض الكنعانيين التوراتيين ( هـ كنعنى ) يذكر سفر التكوين ( 10 : 19 ) جرار هذه بالترافق مع صيدن ( التى أخذت على أنها صيدا الفينيقية ) ومع عزة ( التى أخذت على أنها غزة الفلسطينية ) . ويقول النصّ هنا إنَّ حدود الكنعانيين تمتد من جهة من صيدن إلى عزة مضيفا أنَّ هذا المكان الأخير يقع باتجاه جرار . دون أن يوضح ما هو هذا الاتجاه : شمالا أم جنوبا شرقا أم غربا . ولا يحدد النصّ ما إذا كانت جرار تقع بين صيدن وعزة أو إذا كانت تقع بعد عزة من صيدن . ولا هو يُحدد المسافة بين جرار وعزة أو بين جرار وصيدن . ويصف النصّ ذاته حدود أرض كنعان من الجهة الأخرى ، كذلك ابتداءً من صيدن ودون أى تحديد للاتجاه .
... وفى سفر التكوين ( 20 : 1 ) وما يلى يرد ذكر جرار بالترافق مع ( أرص هـ نجب ) . وهى فى الترجمة إمَّا ( أرض النجب ) التى تؤخذ على أنها تعنى صحراء النقب الفلسطينية ، أو أرض الجنوب ـ بالعبرية نجب بقلب الأحرف الصحيحة ـ التى تفهم على كل حال على أنها تعنى جنوب فلسطين حيث تقع صحراء النقب (1) . ويضيف النصّ هنا بأنَّ جرار تقع بين قادش و شور وأنَّ ملكها كان يسمى ( أبا ملك ) دون أن يأتى على أى ذكر لـ عزة . وفى سفر التكوين 26 يعرّف أبيمالك بأنه ملك الفلسطينيين ( بالعبرية ملك فلشتيم ) . ولا يرد شىء من هذا القبيل فى سفر التكوين 20 . ويرد فى سفر التكوين 26 أيضا ذكر وادى جرار ( نحل جرر ) بالترافق مع أسماء أربعة آبار هى عسق و سطنة و رحبوت و شبعة أو بئر سبع ( شبعة ، بء ر شبع ) . وهنا أيضا لا يأتى النصّ على ذكر عزة .
... وفى سفر أخبار الأيام الثانى ( 14 : 8 ) وما يلى ( 9 وما يلى فى السبعينية وفى الترجمة العربية وغيرها من الترجمات الحديثة ) تظهر جرار بشكل بارز فى قصة الحرب التى جرت بين زارح الكوشى أو زارح الحبشى ( زرح هـ كوشى ) و آسا ملك يهوذا ...(1/13)
... وفى هذه الحرب غزا الكوشيون أو الحبشيون ( هـ كوشيم ) يهوذا ووصلوا إلى مريشة ( مرشه ) وهناك ألحق الملك آسا بهم الهزيمة قرب وادى صفاته ( جىء صفته ) ثم انبرى يلاحق فلولهم حتى جرار حيث نهب البلدة وما حولها من زراعة ورعى . ويفهم من ذلك أنَّ جرار وجوارها كانت تشكل فى ذلك الوقت جزءاً من الأراضى الكوشية ولذلك اقتص الملك آسا منهم . وفى بحثهم عن جرار لم يكن أمام الباحثين التوراتيين وعلماء الآثار ما يسترشدون به غير الاشارات الواردة أعلاه ....... " (2) انتهى النقل .
... قلت جمال : ولقد ذهب أكثر الباحثين التوراتيين إلى القول بأنَّ جرار تقع بين غزة وبئر سبع آخذين فى الاعتبار الأول تقارب الأسماء بين عزة التوراتية بالعين وغزة الفلسطينية بالغين ، وبين بئر شبع أو بئر شبعة التوراتية وبين بئر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. قلت جمال : والصحيح أنها أرض الجنوب كما سبق بيانه ولا يصح القول بصحراء النقب .
... (2) .. التوراة جاءت من جزيرة العرب من ص 85 إلى ص 87 .
سبع الفلسطينية . وتناسوا جميعا أمورا أخرى كثيرة .
... جاء فى قاموس الكتاب المقدس ( ص 254 ) ما نصَّه : " جرار اسم عبرى (1) معناه جرة ، وهى آنية خزفية . وهى مدينة قديمة شهيرة فى جنوب فلسطين ، على بعد ثمانية أميال من جنوب شرقى غزة ( تكوين 10 ، 19 ؛ 2 أخبار 14 : 13 ) . وقديما احتلها الفلسطينيون ( تكوين 26 : 1 ) وربما كانت هى المكان المعروف الآن بخربة أم جرار ... والمعروف عنها أيضا أنَّ آسا ساق الكوشيين المتقهقرين إليها ( 2 أخبار 14 : 13 ) . ويعين بعض العلماء موقعها الآن على بعد 19 ميلا من الجنوب الغربى لبيت جبرين ".
وجاء فى موسوعة زندرفان الكتابية أنَّ مكان مدينة جرار إن صح تعريفها بموقع تل أبى هريرة الحالى ، فإنها تكون واقعة جنوب شرقى غزة وعلى بعد تسعة أميال منها (2) .(1/14)
قلت جمال : وهذه الأماكن المقترحة منهم تقع كلها شرقى مصر وليس فى جنوبها أو جنوب جنوبها . فهل من فهم سليم للنصوص ومعرفة صحيحة للاتجاهات الأصلية الجغرافية ..!!؟
... ... لقد سبق ذكر موقع قادش المزعوم عندهم من أنه يقع فى المثلث المكون من رفح و العريش و القسيمة أو عين قديس . وأنَّ موضع شور المزعوم هنا يوجد فى الأراضى المصرية شرقى سيناء . ولكن النصّ هنا ( تك 20 : 1 ) يضع جرار بين قادش و شور لجهة الغرب ( تغرَّب ) وهو يتعارض كلية مع قولهم أنَّ جرار تقع جنوب غزة سواء غربيها أو شرقيها . ومعظم خرائطهم الجغرافية تضع جرار بين بئر سبع وغزة وهو أمر لا يستقيم أبدا مع نصّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. كيف يكون الاسم عبرى ، ولم يكن العبرانيون قد وُجدوا بعد ..!؟ ألم يقولوا بأنَّ إبراهيم استقر بها مغتربا أى
غريبا عن أهلها وبعيدا عن أهله ..!! كما أن قواعد اللغة العبرية تؤدى بنا إلى أن صيغة الجمع لكلمة جرة هى
جرتيم أو جراريم وليست جرار العربية ..!!
(2) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 698
التكوين ( 20 : 1 ) الذى يضعها بين قادش و شور . ولا يمكن التوفيق بين الرأيين ..!!
... كما أنَّ هناك ملاحظة قيمة ذكرتها موسوعة باكير الكتابية (1) من أنَّ اسم جرار لم يرد فى أسماء المدن والأراضى التى لم يتم فتحها من قِبل يشوع بن نون والمذكورة فى سفر يشوع ( 13 : 2 ، 3 ) ، كما أنه لم يرد أيضا فى أسماء المدن والأراضى التى تم فتحها فى جنوب فلسطين ( يشوع 15 : 21 ، 22 ) .
قلت جمال : وهذا يدل على أنَّ جرار ليست فى فلسطين كما زعموا وإنما هى فى أرض الجنوب طبقا لخط سير القافلة الإبراهيمية الخارجة من مصر ومتجهة جنوبا .(1/15)
وقلت أيضا : أنَّ هناك دليل توراتى قوى يشير إلى أنَّ موقع جرار يوجد فى أرض الجنوب أى فى شبه الجزيرة العربية ، وعلى الأخص فى جزئها الجنوبى أى فى عمق أرض الجنوب . نجد ذلك فى قصة الحرب التى وقعت بين زارح الحبشى وبين آسا ملك يهوذا الإسرائيلى ( سفر أخبار الأيام الثانى 14 : 8 ) . فلم يثبت فى أى مرجع تاريخى أنَّ جيش الحبشة قد وصل إلى منطقة فلسطين ودارت بينه وبين الإسرائيليون معارك حربية ..!!
كيف يحدث مثل ذلك الأمر العظيم وتسكت عنه سجلات فراعنة مصر ..!!
... ولكنه قد ثبت يقينا التواجد الحبشى فى عمق جنوب جزيرة العرب وبالتحديد فى منطقة اليمن وشيئا قليلا إلى الشمال الساحلى للبحر الأحمر . وغزوة أبرهة بن الأشرم التى كانت تهدف إلى هدم الكعبة المشرفة التى كان يحج إليها عرب الجاهلية معروفة ومشهورة عند الجميع ، وذكرها القرآن الكريم فى سورة الفيل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. BAKER Encyclopedia of the Bible v1 page 857
... وهناك دليل توراتى آخر فى سفر أخبار الأيام الأول ( 4 : 39 ) يفيد أنَّ أبناء حام ـ الكوشيون أو المصريون ـ قد عاشوا بالقرب من قبيلة شمعون الإسرائيلية عند جدور أو وادى جدور فى العمق الجنوبى لجزيرة العرب . مع ملاحظة أنَّ جدور هنا هى جرار . حيث اعترف بذلك كثير من العلماء المتخصصون .
... وأنَّ هناك خطأ قد وقع فى الكتابة العبرية بين حرفى الدال والراء فى ذلك النصّ (1) . حيث أنَّ جذر الكلمة جرر كتب خطأ جدر فى النصّ ..!!
... وأيضا نجد أنَّ مؤلفوا موسوعة زندرفان الكتابية الأمريكية يقولون بأنَّ النسخة السبعينية للتوراة ( LXX ) أى الترجمة اليونانية القديمة للتوراة ، قد كُتِب فيها كلمة جرار بدلا من جدور فى نصّ الأخبار الأول ( 4 : 39 ) وأنَّ ذلك هو الإحتمال الأصح (2) .(1/16)
... وبذلك تصبح جرار هى المكان الذى سكن فيه أبناء حام قديما كما جاء فى سفر التكوين ( تك 10 : 19 ـ 20 ) . وهذا النصّ أخبار أول ( 4 : 39 ) يؤدى بنا إلى خريطة مصر القديمة التى ذكرها المؤرخ المسيحى القديم أورسيوس حيث قال بأنَّ إقليم مصر الأقصى فى جنوب شبه الجزيرة العربية .
... تقول التوراة " لأنَّ بنى حام سكنوا هناك قديما " ( أخبار أول 4 : 40 ) ثم جاء من بعدهم الأحباش الذين عاصروا آسا الإسرائيلى ملك يهوذا . وسيطروا على جرار شمالى اليمن على الشريط الساحلى . وسوف يتأيد هذا الرأى بالنصوص القاطعة بعد دراسة أماكن سكنى إسماعيل - عليه السلام - وذريته من بعده .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. أثبت ذلك الخطأ وتصحيحه الدكتور كمال الصليبى فى كتابه التوراة جاءت من جزيرة العرب ص 92 .
وأيضا أثبته كاتب موسوعة باكير الكتابية الأمريكية فى المجلد الأول ص 857 .
(2) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 698
مكان إقامة إسماعيل - عليه السلام - وذريته
====================
بادىء ذى بدء أذكر القارىء الكريم بالوعد الإلهى إلى خليل الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كما ورد فى سفر التكوين ( 17 : 4 ـ 5 ) " .. تكون أبا لجمهور من الأمم . وأثمرك كثيرا جدا ، وأجعلك أمما ، والأرض لنسلك إلى الأبد " . وجاء فى ( 17 : 20 ) : " .. وأمَّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا ، اثنى عشر رئيسا يلد ، وأجعله أمَّة كبيرة " .
وجاء بعد حادثة ذبح ابن إبراهيم البكر الوحيد " ... بما أنك فعلت هذا وما بخلت بأبنك وحيدك ، فأباركك وأكثر نسلك كنجوم السماء والرمل الذى على شاطىء البحر . ويرث نسلك مدن أعدائه . ويتبارك فى نسلك (1) جميع أمم الأرض لأنك سمعت لى " ( 16 : 18 ) .(1/17)
فإذا تدبرنا فى هذا الوعد الإلهى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام . بدون انفعال واستغلاق فكر ، نجده لم يتحقق بكامله إلا فى الفرع الإسماعيلى . فقد ظل الفرع الإسحاقى أمَّة واحدة منغلقة على نفسها ، كما أنه لم يحوز بنوا إسرائيل الأرض الموعودة ـ من النيل إلى الفرات ـ إلى الأبد أبدا . خلاف الفرع الإسماعيلى حيث لا يزال بنوا إسماعيل موجودون إلى اليوم وبحوزتهم الأرض الموعودة إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى . هذه واحدة .
وأمَّا الأمر الثانى فهو ضياع وفقدان النسل الإسحاقى اليعقوبى من الوجود ومنذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة مضت . فلا يعلم أحدا إلا الله تعالى أين ذرية الأسباط الإثنى عشر ، الذين كان يطلق عليهم اسم بنوا إسرائيل سابقا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وقد ورد هذا النصّ فى رسالة غلاطية لبولس ولكن بعد حذف عبارة ( فى نسلك ) لأنَّ معظم مسيحيو العالم
أتباع بولس ليسوا من نسل إبراهيم .
... وقد دلنا التاريخ التوراتى على أنَّ عشرة أسباط قد تشردوا فى الأرض ولم يعودوا إلى منطقة فلسطين عقب الأسر الأشورى لهم . ولم يتبق من الأسباط الإثنى عشر إلا سبطين هما اللذان تم أسرهما إلى بابل ثم رجعت بقاياهم إلى فلسطين على يد قورش الفارسى (1) . وفى بقايا هذين السبطين بُعث المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - . ثم تم تشريدهم بين الأمم بعد تدمير أورشليم على يد الرومان فى سنة 70 مـ .
ولم يعرف لهم إلا بقايا وفلولا فى شبه الجزيرة العربية وباقى البلدان إلى أن ظهر الإسلام ، ثم فقدت هذه الفلول وذابت بين الأمم مكونين يهودا أمميين لا ينتمون إلى الأسباط فى شىء . ويهود اليوم أصلهم قوقازى اعتنقوا الديانة اليهودية ، فهم ليسوا من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام يقينا كما بين ذلك العلماء اليهود المتخصصون .(1/18)
وبفضل من الله تعالى تم الحفاظ على النسل الإسماعيلى بين العرب . فمنهم اليوم المسلم والمسيحى واليهودى . وهذا تحقيق الوعد الإلهى لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى ذريته من بعده .
... ... جاء فى الأسفار اليهودية أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قد ترك زوجه هاجر المصرية العملاقة مع إسماعيل ابنه منها فى برية فاران . ولا يزال الخلاف قائما بين المسلمين والمسيحيين حول تعيين موقع برية فاران أو جبال فاران (2) . حيث يتمسك المسلمون بأنَّ مكانهما فى داخل شبه الجزيرة العربية وبالتحديد فى ... منطقة مكة المكرمة ـ بواد غير ذى زرع عند البيت المُحَرَّم ـ ولهم أدلتهم على ذلك منذ العصر الجاهلى وما توارثه الأحفاد عن الآباء والأجداد من قبل البعثة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وفى سنة 587 أو 586 ق م غزا نبوخذنصّر أرض يهوذا . حيث حطم عاصمتها أورشليم ـ القدس ـ وأخذ
السبطين المتبقيان وهما يهوذا وبنيامين إلى المنفى بأرض بابل العراق . ثم رجعت بقاياهم من بابل إلى
فلسطين فى عهد قورش الفارسى .
... (2) .. جاء فى ترجمة التوراه السامرية التى صدرت فى 1851 م أنَّ " إسماعيل قد سكن برية فاران بالحجاز .
وأخذت له أمُّه امرأة من أرض مصر " عن كتاب دراسات تاريخية من القرآن الكريم ج1 ص 147 .
الاسلامية . وللمسيحيين رأى آخر , فهم يرفضون البعثة الاسلامية ولا يؤمنون بصحة ثبوتها لذا نجدهم يضعون برية فاران وجبالها فى شرقى صحراء سيناء المصرية .
ولن أخوض فى هذه المجادلات المحسومة النتائج من الطرفين .وسوف أستعرض بعون الله تعالى نصوص العهد القديم وأقوال علماء المسيحية حول مكان إقامة إسماعيل ونسله من بعده ، ثم أعرض تلك الأقوال على الخرائط الجغرافية ليتبين للقارىء الخطأ من الصواب .
نصّ سفر التكوين ( 25 : 18 )
وبيان مكان إقامة إسماعيل - عليه السلام - وذريته :
نسخة فانديك المعتمدة ... نسخة كتاب الحياة(1/19)
وسكنوا من حويلة إلى شور التى أمام مصر حينما تجىء نحو شور أمام جميع إخوته نزل . ... أما ذريته فقد انتشرت من حويلة إلى شور المتاخمة لمصر فى اتجاه شور . وكانت على عداء مع بقية إخوته .
نسخة الكاثوليك ... نسخة الآباء اليسوعيين
وكانت مساكن بنى إسماعيل من حويلة إلى شور شرقى مصر فى الطريق إلى شور . وهكذا نزل إسماعيل بمواليده قبالة إخوته . ... وأقاموا من حويلة إلى شور التى تجاه مصر وأنت آت نحو شور . وكان قد نزل قبالة جميع إخوته .
نسخة التوراة السامرية
وسكنوا من زويلة إلى شور التى على ظاهر مصر إلى مدخل الموصل ، حول كل إخوته نزل .
.. ملاحظات على النص السابق :
.. تشير الترجمات العربية السابقة ـ باستثناء نسخة الكاثوليك ـ إلى أنَّ شور تقع ( أمام ـ تجاه ـ متاخمة ـ على ظاهر ) مصر . ونجد مثله فى النسخ الإنجليزية ( NASB , KJV , RSV ) . أمَّا نسخة الكاثوليك فقد وضعت المنطقة الواقعة بين حويلة وشور شرقى مصر ، وبمثله فى النسخ (NIV , GNB ) .
.. تشير الترجمات السابقة إلى أنَّ إسماعيل قد نزل ( أمام ـ قبالة ـ حول ) إخوته ( قبالتهم ـ جميعهم ـ كلهم ) .
.. انفراد الترجمة العربية لنسخة كتاب الحياة المصرية بذكر عداء ذرية إسماعيل لذرية إخوة إسماعيل الآخرين . وبمثله نجده فى النسخ الإنجليزية ( RSV , NIV , NASB , GNB , KJV ) .
.. دراسة جغرافية النصّ : سبق الكلام عن موقع شور واختلافهم فى تعيين المكان ، ولا يزال البحث عنه مستمرا ولن يكتمل إلا بعد دراسة المواقع الجغرافية لجميع الأماكن الواردة فى النصوص . ونستمر بحول الله تعالى وعلمه فى التعرف على حويلة أو زويلة كما تسميها التوراة السامرية .(1/20)
كلمة حويلة العبرية ( ????? ) تعنى أرض الرمال ( sand-land ) وهى مأخوذة من كلمة حول ( ??? ) العبرية بمعنى رمل . وقد تنطق حَوَلى أو حولا بمعنى دائرة أو شىء مُحَدَّد . كما نقول فى العربية مرّ عليه حَوْلٌ أى دارت عليه سنة كاملة . وإذا نظرنا إلى النصوص التوراتية نجد أنَّ كلمة حويلة تأتى بمعنيين : إمَّا إشارة إلى اسم علم لشخص ، وإمَّا اسم مكان .
فمن المعنى الأول : وردت الكلمة فى نصّ ( تك 10 : 7 ) اسما لرجل من بنى كوش من نسل حام بن نوح - عليه السلام - ، أى اسم رجل إفريقى ( حبشى أو مصرى ) حيث أجمعوا على أنَّ نسل حام هم الأفارقة عموما . ووردت الكلمة أيضا فى ( تك 10 : 29 ) اسما لرجل من بنى يقطان (1) من نسل سام بن نوح - عليه السلام - أى اسما لرجل عربى سامى من نسل يقطان أو قحطان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ويقطان فى العربية تنطق قحطان ، ومنه العرب القحطانيون سكان المنطقة العربية اليمنية فى جنوب شبه
جزيرة العرب .
... ومن خلال دراسة هذين الاسمين وأماكن تواجد سكنى ذرية حام وسام قال مؤلفو موسوعة ( New Bible Dictionary ) (1) بأنَّ ذلك الأمر يؤدى إلى احتمال تعيين موقع حويلة فى جنوب شبه الجزيرة العربية حيث المعبر العربى الافريقى خلال مضيق باب المندب . وحويلة بن يقطان هذا ، له أخ يُدعى حضرموت ( تك 10 : 26 ) لا يزال اسمه إلى يومنا هذا يطلق على أرض حضرموت فى جنوب شبه الجزيرة العربية وشرقى اليمن .(1/21)
ومن المعنى الثانى : نجد أنَّ كلمة حويلة قد وردت اسما لمكان . فهى تذكر مع شور كأحد نهايات حدود بلاد العماليق (2) ( تك 25 : 18 ) . وفى هذه المنطقة حارب الملك الاسرائيلى شاول بن قيس بن أبى إيل العماليق كما ورد ذلك فى سفر صموئيل الأول ( 15 : 7 ـ 8 ) . وتخبرنا التوراة العبرانية ( عدد 13 : 29 ) عن موقع بلاد العماليق بقولها " العمالقة ساكنون فى أرض الجنوب " . وتخبرنا التوراة السامرية عن الموقع قائلة : " العملاق ساكن فى أرض الجنوب " ( عدد 13 : 29 ) .
وعلماء التاريخ القديم لا يعرفون قوما سكنوا فى منطقة صحراء النقب شرقى سيناء المصرية كان اسمهم العماليق أو يُعرفون بتلك الصفة . وهذا الأمر يؤدى بنا إلى محاولة التعرف على جنسية هؤلاء القوم العماليق المذكورين فى التوراة وأيضا فى كتب التراث العربى القديم .
... هناك بحث قوى وطريف قام به الدكتور سيد القمنى حيث أثبت فيه أنَّ هؤلاء العماليق هم المعروفين بـ عبد ضخم و جرهم عند علمائنا القدماء ، وهم الذين أتوا من جنوب الجزيرة العربية من اليمن ، واستوطنوا المنطقة المحيطة ببيت الله الحرام بمكة المكرمة أبَّان فترة إقامة هاجر وإبنها إسماعيل عليهم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع قاموس : New Bible Dictionary page 455
(2) .. نقلا عن موسوعة : Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 48
السلام وهم الذين تزوج منهم إسماعيل - عليه السلام - ، كما أنَّ النصوص التوراتية تفيد أنَّ هاجر كانت من العماليق . وخلص الدكتور القمنى فى بحثه إلى أنَّ هؤلاء العماليق هم المصريون القدماء الذين استوطنوا فى جنوب الجزيرة العربية فى قديم الزمان (1) .(1/22)
قلت جمال : وهو بحث قوى تشهد له نصوص كثيرة من التراث العربى ومن الأسفار اليهودية . فقدماء مؤرخى المسيحية يُصرحون بأنَّ هاجر عليها السلام كانت من العماليق وأنَّ ابنها إسماعيل - عليه السلام - تزوج من عملاقة (2) . وكتَّاب السِّيَر والتاريخ العربى الإسلامى يشهدون أيضا أنَّ إسماعيل - عليه السلام - تزوج من عملاقة ومن جرهمية . وأنَّ العماليق والجراهمة قد قاموا ببناء الكعبة المشرفة قديما . وكلاهما أنسباء إسماعيل - عليه السلام - (3) .
... وجميع المؤرخين مسلمين ومسيحيين يعترفون أيضا بأنَّ هاجر عليها السلام كانت مصرية ، وأنَّ ابنها إسماعيل قد تزوج مصرية . وهذا معناه أنَّ العماليق ـ سواء كان اسمهم جرهم أو عبد ضخم أو بنى عناق ـ هم المصريون العرب الذين استوطنوا جنوب الجزيرة العربية وكونوا جالية ـ قبيلة ـ عربية كبيرة فى جزيرة العرب ( اقليم مصر الأقصى ) . وآثارهم فى جزيرة العرب تشهد بوجودهم وخاصة فى أقصى الجنوب العربى من بناء السدود وخزانات المياه والمعابد الحجرية الضخمة ذات الأوتاد أى الأعمدة .
... جاء فىكثير من كتب التاريخ العربى أنَّ إسماعيل - عليه السلام - قد بُعِث إلى العماليق وقبائل اليمن . راجع على سبيل المثال كتاب تاريخ الأمم والملوك للطبرى ( ج 1 ص314 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتاب " النبى إبراهيم والتاريخ المجهول " ص ( 117 ـ 132 ) ولكن بحذر شديد من عقيدة المؤلف .
ولأمانة العلم فإنَّ ذلك الكتاب هو الذى فتح لى الباب للولوج إلى أرض الجنوب .
(2) .. راجع تاريخ العالم القديم للمؤرخ المسيحى القديم أورسيوس ص 92 من الترجمة العربية .
(3) .. راجع كل من : مروج الذهب للمسعودى ( ج2 ص 46 ـ 47 ؛ 135 ) ؛ عيون الأثر ( ج2 ص 66 )
و السيرة الحلبية ج1 ( ص 96 ) .(1/23)
تلك نبذة تاريخية مختصرة سريعة لمن أراد أن يتعرف على العماليق ومكان تواجدهم بأرض الجنوب كما نوَّهَت بذلك نصوص التوراة . فلنحفظ هذا جيدا مُضافا إليه معلوماتنا عن إقليم مصر الأقصى فى عصر إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره المؤرخ المسيحى القديم أورسيوس .
ونشرع الآن فى التعرُّف على موقع كل من شور و حويلة من خلال نصّ سفر صموئيل الأول ( 15 : 7 ـ 8 ) . جاء فى نسخة كتاب الحياة :
" وهجم شاول على العمالقة على طول الطريق من حويلة حتى مشارف شور مقابل مصر وأسَرَ أجاج ملك العماليق حيا " . وحيث أننى رجل عسكرى ، فأنا لا أفهم هذا النصّ إلا إذا عرفت اتجاه ذلك الهجوم الذى قام به شاول ..!! فاتجاه الهجوم يُبين لنا أى الموقعين أقرب لمكان شاول وجنده .
وجميع علماء المسيحية بلا استثناء ، يناصرهم جميع طوائف علماء اليهود يُقرون بأنَّ مكان شاول كان فى فلسطين . ولكن نصوص التوراة يناصرها أقوال المؤرخين العرب المسلمين تقول بأنَّ موضع بلاد العماليق يوجد بأقصى أرض الجنوب العربى .
وبناء على ذلك فإنَّ اتجاه الهجوم الذى قام به شاول كان من الشمال إلى الجنوب بغض النظر عن نقطة الانطلاق ، وبالتالى فإنَّ أقرب المواقع إليه طبقا للنصّ التوراتى هو موقع حويلة . واستمر القتال متجها نحو الجنوب حتى مشارف شور . وتم أسر ملك العماليق حجَّاج أو عجَّاج (1) . فموقع حويلة يقع شمال موقع شور وليس العكس كما يعتقد علماء الكتاب ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. هذا هو الاسم الصحيح حيث أن أصحاب اللسان المعوج يكتبونه أجَّاج مجاراة للأجانب الذين لا يستطيعون
نطق حرف العين والحاء العربيان ..!!
تأملوا رحمكم الله فى اسم ملك العماليق حَجَّاج ، إنه يشير إلى فريضة الحج فتأكدوا من ذلك بالكشف عن
الكلمتين حجَّ وثجَّ فى المعاجم العربية . وقارنوا ذلك بقول المؤرخين أنَّ جرهم هم بناة الكعبة ..!!(1/24)
جاء فى دائرة معارف زندرفان الأمريكية للكتاب المقدس أنَّ معظم المخطوطات القديمة تضع موقع حويلة فى الجزء الغربى من شبه الجزيرة العربية شمالى اليمن (1) .
ويفيدنا كتبة قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة عن موقع حويلة بقولهم " مقاطعة فى بلاد العرب ، يسكن بعضها الكوشيون ـ أى الأحباش ـ ويسكن البعض الآخر اليقطانيون ـ أى القحطانيون ـ وهم شعب سامى ... والصلة بين حويلة وحضرموت وأماكن أخرى تشير إلى موقع فى وسط البلاد العربية أو جنوبها ... ويفضل البعض أن يحققها بمنطقة خولان فى القسم الغربى من بلاد العرب شمالى اليمن ، ولا يُعرف إلى أى حد كانت تمتد حويلة شمالا . ومن قصة محاربة شاول مع العمالقة قد نستنتج أنَّ قسما من الصحراء العربية يمتد عدة مئات الأميال شمالى اليمامة ويحمل اسم حويلة .." (2) .
قلت جمال : لعل القارىء قد شاهد الآن أنَّ هذا البحث الذى بين يديه له آثار أقدام فوق رمال أرض الجنوب العربى . وها قد ثبت لدينا الموقع التقريبى لمكان حويلة ، إنها منطقة ممتدة توجد فى إقليم الحجاز ، وهو القسم الغربى لجزيرة العرب شمالى اليمن . ولا نعلم يقينا موقع حويلة كمدينة أو نقطة جغرافية توضع على الخريطة . وإنما يكفينا معرفتها كمنطقة تمتد من شمالى اليمن وإلى عدة مئات من الأميال شمالا على الجزء الغربى لجزيرة العرب . وهذه المنطقة هى بعينها المنطقة المعروفة باسم الحجاز ، ومن أشهر مدنها مكة المكرمة و المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام . وبقى علينا الآن أن نُعيِّن موقع شور من خلال اتجاه هجوم شاول على المنطقة التى كان يقيم فيها العماليق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع موسوعة : Pictorial Encyclopedia of the Bible v 3 page 48
(2) .. قاموس الكتاب المقدس ص 329 ـ 330 .(1/25)
يذكر النصّ أنَّ شور تقابل حدود مصر وبدون ذكر الاتجاه . ونحن الآن وفى ذلك التوقيت أمام مِصْريْن لا مِصْر واحدة ..!!
فهناك مصر الأم فى شمال شرقى قارة أفريقيا مضافا إليها شبه جزيرة سيناء . وهناك مصر الفرع فى أقصى جنوب الجزيرة العربية ، إقليم مصر الأقصى . وعلماء المسيحية يزعمون أنَّ شور فى شرقى سيناء بدون دليل يعتد به غير الظن والتخمين . وباعثهم على ذلك هو رفض حدث صعود إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنوب العربى .
فهل هناك شور أخرى أمام حدود إقليم مصر الأقصى غير التى يقولون بها فى سيناء ..!؟؟ مع ملاحظة أنَّ شور قد تعنى اسم مدينة وقد تعنى خطا دفاعيا من التحصينات إذا نظرنا لمعنى الاسم العبرى شور ومرادفه العربى سور .
... ... قلت جمال : نستبعد أولا موقع شور الوهمى الذى وضعوه فى شرقى سيناء لأنه لا يمكن أن يكون المعنى فى نصّ صموئيل الأول بناء على اتجاه الهجوم الذى قام به شاول وبقى علينا أن نبحث عن شور فى إقليم مصر الأقصى أى فى اليمن (1) فى أقصى الجنوب العربى .
... ... ذكر الدكتور جواد على فى موسوعته الضخمة " المفصل فى تاريخ العرب " أنه قد تم العثور على مدينة شور فى أقصى الجنوب العربى ، بعد الاستعانة بالاكتشافات الآثارية الحديثة ، حيث كانت مدينة شور من أشهر مدن الدولة القتبانية القديمة شرقى اليمن (2) . إنها إذا ينطبق عليها الوصف التوراتى : شرقى مصر أو أمام مصر أو قبالة مصر أو المتاخمة لمصر حسب النسخ والترجمات المتعددة . أخذا فى الاعتبار أنَّ مصر هنا هى مصر الصغرى أو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. سبق بيان أنَّ كلمة يمن فى اللغتين العبرية والعربية تفيد معنى الجنوب ..!!
(2) .. المفصل فى تاريخ العرب ج2 ص 323 .(1/26)
إقليم مصر الأقصى . كما أنه ينطبق عليها وصف سير حملة شاول الحربية إلى بلاد العماليق . وعلينا الآن أن نضع على خريطة لشبه الجزيرة العربية أماكن كل من منطقة حويلة و مدينة شور لنشاهد بأعيننا إمتداد المنطقة التى سكنها إسماعيل - عليه السلام - وذريته من بعده " من حويلة إلى شور فى إتجاه آشور " وآشور هذه هى العراق بدون خلاف بين الجميع ، وهى التى عبَّرت عنها التوراة السامرية تحت اسم الموصل المعروفة حاليا بالعراق .
مكان إقامة ذرية إسماعيل - عليه السلام -
من حويلة إلى شور تجاه آشور ( الموصل )
من الخريطة السابقة نلاحظ أنَّ المنطقة التى سكنتها ذرية إسماعيل - عليه السلام - تكاد أن تكون معظم أراضى شبه الجزيرة العربية ، وخاصة فى جهة الغرب حيث إقليم الحجاز ( حويلة ) . فى هذه المنطقة الحجازية وللداخل قليلا لجهة الشرق حيث الجبال الداكنة والوادى البلقع الأجرد ، ترك إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - زوجته هاجر وابنه الصغير إسماعيل بواد غير ذى زرع ، والذى تطلق عليه التوراة اسم برية فاران ( تكوين 21 : 21 ) .
ولا تزال علامة ذلك التواجد بئر زمزم شاهدة إلى يومنا هذا ، وإن كانت التوراة السامرية تطلق عليها اسم بئر الحى الناظر ، وفى التوراة العبرية نجدها تحت مسمى بئر لحى رُئى أو إيل رئى ( تكوين 25 : 11 ) . إنها البئر التى تفجرت تحت قدمى إسماعيل . بئر لم ولن تنضب أبدا بإذن الله تعالى ، ولا يزال البشر يشربون منها منذ ذلك الزمان السحيق وإلى يومنا هذا بفضل من الله تعالى ، وسيأتى الكلام عن زمزم والزمزميون بإذن الله تعالى . إنه التعصب الأعمى البغيض الذى يضع فاران وبئرها فى سيناء مصر ، وهو الرأى الذى يرفض كليا حَدَث الصعود الإبراهيمى إلى أرض الجنوب العربى .
ونستكمل بعون من الله تعالى الحوادث التاريخية والمواقع الجغرافية ..(1/27)
من أقصى الجنوب العربى ، من شور حيث كان يقيم عماليق مصر ـ جرهم أو عبد ضخم ـ نزل هؤلاء المصريون القدماء إلى الشمال طبقا للرواية العربية القديمة بعد حادثة سيل العرم إلى حيث يقيم إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام فى برية فاران حول بئر زمزم . وتزوج منهم إسماعيل - عليه السلام - . فكانوا له أصهارا وأنصارا إلى جانب كونهم أخواله من جهة أمِّهِ هاجر المصرية .
ورد فى الروايات العربية القديمة وفى جميع كتب التراث التاريخية أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم بين الحين والحين بزيارة ابنه إسماعيل فى مكان إقامته . وفى بعض هذه الزيارات كان إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - يرجع مباشرة عندما كان لا يجد ابنه إسماعيل فى خيمته ( مسكنه ) وتارة أخرى كان يسأل زوجة إسماعيل عن ابنه ويقرؤه السلام ثم ينصرف مباشرة دون أن ينزل من على ظهر دابته . فهل نستطيع أن نتعرف على مكان سكنى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى تلك الفترة التاريخية ..!؟
فمن غير المعقول أن يكون إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مقيما فى فلسطين ثم يأتى ليسأل عن ابنه وينصرف دون أن ينزل من فوق دابته عائدا إلى فلسطين وتلك المسافة تستغرق وقتا لا يقل عن شهرين سفرا بالجمال ذهابا وايابا ..!! إنَّ تلك الأخبار تفيدنا أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم على مسيرة يوم أو نصف يوم أو أقل من ذلك .
تفيدنا التوراة العبرية أنَّ " إبراهيم تغرَّب فى جرار " ( تك 20 : 1 ) . و جرار هذه هى التى تطلق عليها التوراة السامرية اسم الخلوص . وقد سبق الكلام عن جرار وموقعها فى الفصل السابق ، ورأينا كيف زعم علماء المسيحية أنَّ موطنها بين بئر سبع وغزة فى فلسطين بدود دليل يعتد به غير الظن والتخمين . ومخالفة لظاهر نصوص التوراة التى تضعها فى أرض الجنوب العربى وليست شرقى سيناء مصر . ونستكمل هنا البحث عن جرار بعد أن تعرَّفنا على موطن إقامة إسماعيل وذريته .(1/28)
يفهم من سفر التكوين ( 25 : 6 ) أنَّ مكان إقامة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان غربى مكان إقامة إسماعيل - عليه السلام - حيث أعطى إبراهيم العطايا لأبنائه من سراريه ـ ومنهم إسماعيل ـ ثم صرفهم للسكنى شرقا بعيدا عن مكان إقامة ابنه إسحاق .
وإسماعيل - عليه السلام - كان مقيما حول بئر زمزم مع أخواله وأصهاره ، فإن اتجهنا غربا لوجدنا مكان إقامة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى جرار . لاحظ التعبير التوراتى تغرَّبَ أى اتخذ جهة الغرب ، وهى كلمة تُعبر تماما عن جهة مكان جرار بالنسبة لمكانى شور وحويلة . إنها على الشريط الساحلى للبحر الأحمر وعلى مسافة يوم أو نصف يوم من مكان زمزم .
ولكن لفظ التوراة السامرية الخلوص ، يبعدنا قليلا لجهة الجنوب على الشريط الساحلى للبحر الأحمر ، فربما كانت جرار تقع فى المنطقة المتواجد فيها المعبد الضخم لمعبود العرب القديم ذى الخلصة والذى بقيت منه بقايا آثار تم تدميرها فى النصف الأول من القرن العشرين الميلادى . جاء فى التعليق على كتاب أخبار مكة للأزرقى ( ج 1 ص 382 ) أنه فى سراة الحجاز بالقرب من جبال دوس كان يوجد معبد قديم ضخم جدا يُعرف بكعبة ذى الخلصة . أو الكعبة اليمانية فيه صنم كبير يُعرف بذى الخلصة . أمر النبىّ - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه أن يقوم بهدم ذلك المعبد وتكسير صنمه الشهير . وتم ذلك كما رواه البخارى فى صحيحه فى غزوة ذى الخلصة . إلا أنَّ بقايا من ذلك المعبد الحجرى الضخم بقيت لم تأتِ عليها عوامل الطبيعة . وحين استولى الملك عبد العزيز آل سعود على الحجاز سنة 1343 هـ أمر بأن تهدم قواعد وجدران ذلك المعبد فتم ذلك فى عام 1344 هـ ويقول أحد الذين رافقوا الحملة : " إنَّ بنيان ذى الخلصة كان ضخما بحيث لا يقوى على زحزحة الحجر الواحد منه أقل من أربعين شخصا ، وإن متانته تدل على مهارة وحذق فى البناء " .(1/29)
قلت جمال : وهذا البنيان الضخم يستبعد جدا أن يكون من فعل العرب القدماء ساكنى الخيام ولكنه من فعل المصريون القدماء العماليق الذين استوطنوا فى الجنوب العربى والمعروفين فى المصادر الإسلامية بالعماليق وجرهم ( راجع أخبار ذلك المعبد الضخم فى موسوعة تاج العروس ج 2 ص 271 ) .
وهناك دليل توراتى آخر يفيد بقرب سكنى إبراهيم من سكنى إسماعيل عليهما السلام ، وهو ما جاء فى سفر التكوين ( 25 : 9 ) من أنَّ إسماعيل وإسحاق قد دفنا أباهما إبراهيم بعد موته فى مغارة المكفيلة . وهذا الأمر لا يمكن أبدا أن يقع إذا كان إسماعيل بمكة وإسحاق بفلسطين ، فالمسافة بين المكانين يضرب لها أكباد الإبل مسيرة شهر . ولن يترك إسحاق جثمان أبيه لمدة تزيد عن شهرين حتى يأتى إليه إسماعيل ليشتركا فى دفن جثمان أبيهما ..!!
والغريب فى الأمر أنَّ التوراة تخبرنا فى تكوين ( 25 : 11 ) أنَّ إسحاق بعد موت أبيه إبراهيم أقام عند بئر لحى رئى التى هى زمزم ، أى أقام فى جوار أخيه الأكبر إسماعيل ، ثم ارتحل بعد ذلك غربا إلى جرار ( تك 26 : 1 ، 6 ) لقحط أصاب المكان الذى كان يقيم فيه بجوار أخيه إسماعيل .
وسكن إسحاق فى جرار أو الخلوص كما تسميها التوراة السامرية . وهنا نجد أنَّ سكنى إسماعيل حول إخوته وخاصة إسحاق المذكورة فى تكوين ( 25 : 18 ) قد تحققت أيضا بدون اشكال . وبذلك التوزيع الجغرافى يلتئم الموروث العربى القديم ثم الاسلامى مع الموروث الإسرائيلى ثم المسيحى من بعد . وكان مفتاح ذلك البحث هو كلمة الجنوب العبرية ، وموقع حويلة ، والمعركة التى دارت بين شاول مع العماليق عند حويلة وتعقبه لهم حتى شور .(1/30)
وعلماء المسيحية يدركون جيدا أنَّ هناك إمتدادا لمفهومهم التوراتى يوجد فى أرض الجنوب العربى ، فحاولوا أن يمحوا ذلك الامتداد سواء فى المفهوم أو فى جغرافية المواقع ، فنقلوا الجنوب بكامله إلى صحراء النقب شرقى سيناء مصر وحجبوا الأضواء عن مكان حويلة ، بل صرَّحَ بعضهم مثل مؤلف الموسوعة الكتابية ( BAKER ) عن موقع حويلة قائلا : " إنَّ تعيين موقع حويلة ينبنى على جدال كبير ... وأنَّ أى محاولة لوضع مكان حويلة فى جنوب الجزيرة العربية أو الصومال أو الهند يعتبر خطأ كبير " (1) قلت وبمثل ذلك الكلام يتم صرف الباحثين عن البحث عن موقع حويلة فى أرض الجنوب وهو خطأ كبير من صاحب الموسوعة الدينية .
وأمَّا عن دائرة معارف زندرفان الكتابية الأمريكية الضخمة ، فإنَّ كاتبوها يعترفون بأنَّ البحث عن حويلة لم يستحوذ على اهتمام العلماء ولم يتم عمل شىء فى هذا الموضوع (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ..BAKER Encyclopedia of the Bible v1 page 932
(2) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 48(1/31)
إسماعيل وهاجر عليهما السلام
فى برية فاران
=======
والآن وبعد أن عرفنا جيدا المكان الذى عاش فيه إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام منذ أن تركهما إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى البرية ، فلنحاول أن نسقط الأحداث على مواقعها الجغرافية ونعيد قراءة النصوص التوراتية لنتعرَّف على موقع برية فاران وجبال فاران .
جاء فى تكوين ( 21 : 14 ـ 24 ) : " فبكَّرَ إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا إيَّاهما على كتفها والولد ـ إسماعيل ـ وصرفها . فمضت وتاهت فى برية بئر سبع . ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت اِحدى الأشجار ومضت وجلست مقابلة بعيدا نحو رمية قوس لأنها قالت لا أنظر موت الولد فجلست مُقابلة ورفعت صوتها وبكت . فسمع الله صوت الغلام . ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر . لا تخافى لأنَّ الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو . قومى احملى الغلام وشدى يدك به ، لأنِّى سأجعله أمَّة عظيمة . وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام . وكان الله مع الغلام فكبر ، وسكن فى البرية ، وكان ينموا رامى قوس ، وسكن فى برية فاران . وأخذت له أمُّه زوجة من أرض مصر " .
فإن أسقطنا أماكن كل من حويلة و شور و جرار على أماكنهم الجغرافية حسب خطوط الطول ودوائر العرض ، وحدَّدنا الشمال من الجنوب . وعلمنا الشرق من الغرب . وفرَّقنا بين أرض الجنوب وبين المنطقة الصحراوية الواقعة شرقى سيناء المصرية . علمنا يقينا أين تقع برية فاران التى نشأ فيها الولد أو الغلام إسماعيل وكبر حتى تزوج فيها من مصرية ، ومن ثم سكنتها ذريته من بعده . إنها بدون شك فى أرض الجنوب . بجانب البئر التى لم ينضب ماؤها حتى الآن . ولم تكن أبدا فى يوم من الأيام موجودة فى سيناء مصر .(1/1)
وفى برية فاران هذه توجد جبال فاران التى ورد ذكرها على لسان كليم الله موسى - عليه السلام - قبل موته وذلك فى نصّ سفر التثنية ( 33 : 1 ) : " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران " . وجاء ذكرها أيضا فى نصّ سفر حبقوق ( 3 : 3 ) " الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران " . إنها جبال مكة المكرَّمَة التى تلألأت منها شريعة الإسلام . وجاء منها نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وأعلنت الشريعة الإسلامية من تيمان المدينة المنورة .
فهل من مُدَّكر يا مَن تخشون الله ..!؟
وقبل الكلام عن معنى كلمة فاران ( ???? ) وتحقيق أصولها اللغوية . نتكلم قليلا حول مصداقية النصّ السابق ذكره ( تكوين 21 : 14 ـ 24 ) . وإلى القارىء الكريم ملخصا للفقرات التى تناولت قصة إقصاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لزوجه هاجر وابنه منها إسماعيل عليهم السلام إلى برية فاران كما وردت فى التوراة :
.. كان عُمْر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - عندما وُلد إسماعيل 86 سنة ( تك 14 : 16 ) .
.. ولما بلغ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - 99 سنة كان العهد بين الله وبين إبراهيم " أقيم عهدى بينى وبينك وبين نسلك من بعدك فى أجيالهم عهدا أبديا . لأكون إلها لك ولـ نسلك من بعدك . وأعطى لك ولـ نسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلههم " ( تك 17 : 7 ـ 8 ) " وقال الله لإبراهيم وأمَّا أنت فتحفظ عهدى . أنت ونسلك من بعدك فى أجيالهم . هذا هو عهدى الذى تحفظونه بينى وبينكم وبين نسلك من بعدك . يختن منكم كل ذكر . فتختنون فى لحم غرلتكم . فيكون علامة عهد بينى وبينكم " ( تك 17 : 9 ـ 11 ) . فهذا العهد الأبدى بالأرض كان لـ نسل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن فى ذلك الحين نسل لإبراهيم سوى إسماعيل البالغ من العمر ثلاثة عشر سنة ، ولم يكن إسحاق قد وُلد بعد .(1/2)
وفى نصّ تكوين ( 21 : 13 ) قال الله لإبراهيم فى شأن إسماعيل " أنه نسلك " . والعرب من قبل ظهور الاسلام كانوا يقيمون علامة ذلك العهد بختانهم لذكورهم ، ومن بعد ظهور الاسلام لا يزال المسلمون جميعا يقيمون علامة ذلك العهد الأبدى الذى فرَّط فيه المسيحيون ..!!
فكما يرى القارىء هنا أنَّ إسماعيل هو نسل إبراهيم ولم يُلغ هذا الوصف بعد مولد إسحاق ( تك 21 : 13 ) . فالأرض الموعودة لنسل إبراهيم ( تك 15 : 18 ـ 19 ) " ... لنسلك أعطى هذه الأرض : من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات . الفينيقيين و القتريين و القدمونيين و الحيثيين و الفرزيين و الرفائيين و الأموريين و الكنعانيين و الجرجاثيين و اليبوسيين " . هذه الأرض لم يمتلكها بنو إسرائيل من نسل إسحاق فى أى يوم من الأيام . وإنما امتلكها العرب من نسل إسماعيل .
.. وعندما بلغ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مائة سنة جاءته البشرى بإسحاق " وكان إبراهيم ابن مئة سنة حين وُلد له إسحاق " ( 21 : 5 ) . وكان عمر إسماعيل حين ذاك أربعة عشر سنة . " فكبر الولد وفُطِمَ ، وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحاق " ( تك 21 : 8 ) . ولكى يكبر إسحاق ويفطم لا بد له من بلوغ عمر السنتين على الأقل ويكون عمر إسماعيل ستة عشر سنة على الأقل ، أى شاب يافع بالغ . وإلى هنا لم يكن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ هاجر وإسماعيل إلى برية فاران حسب قول كاتب التوراة .
.. " ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذى ولدته لإبراهيم يمزح ـ أى يسخر من أبنها إسحاق كما جاء فى نسخة كتاب الحياة ـ فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها . لأنَّ ابن هذه الجارية لا يرث مع ابنى اسحاق " ( تك 21 : 9 ـ 10 ) . وقبل استكمال الكلام عقب النصّ السابق نتذكر جيدا أنَّ عمر إسماعيل كان فى حدود السادسة أو السابعة عشر سنة ، أى كان شابا بالغا يُعَدُّ من الرجال .
..(1/3)
فإن قرأنا ثانية نصّ التكوين ( 21 : 14 ـ 24 ) : " فبكَّرَ إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا إيَّاهما على كتفها والولد ـ إسماعيل ـ وصرفها . فمضت وتاهت فى برية بئر سبع . ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار . ومضت وجلست مقابلة بعيدا نحو رمية قوس لأنها قالت لا أنظر موت الولد ، فجلست مُقابلة ورفعت صوتها وبكت . فسمع الله صوت الغلام . ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر . لا تخافى لأنَّ الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو . قومى احملى الغلام وشدى يدك به ، لأنِّى سأجعله أمّة عظيمة . وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام . وكان الله مع الغلام فكبر وسكن فى البرية ، وكان ينموا رامى قوس ، وسكن فى برية فاران ، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " .
قلت جمال : لعل القارىء الفطن قد لاحظ أنَّ توقيت القصة تم التلاعب فيه من قِبَل النساخ اليهود . فكما تم تغيير الأماكن الجغرافية للأحداث من كونها فى أرض الجنوب العربى إلى وضعها فى سيناء المصرية ، تم هنا أيضا تغيير مكان حدوث القصة وتغيير توقيت أحداثها . فالقصة قد وقعت أحداثها أصلا فى برية فاران بأرض الجنوب وكان توقيتها قبل ولادة إسحاق عندما كان إسماعيل طفل صغير تحمله أمُّه فوق كتفها وتضمّه بين حنايا صدرها . وهذا الأمر كان بوحى من الله إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وليس بأمر من سارة غيرة منها على إسحاق وعقابا منها لإسماعيل وأمِّه . والدليل على ذلك نجده فى داخل النصّ ذاته :
1 .. فقول النصّ بأنَّ إبراهيم أخذ الخبز وقربة الماء ووضعهما مع الولد إسماعيل على كتف هاجر وصرفها ، يدل صراحة على أنَّ إسماعيل كان طفلا صغيرا يُحمل فوق الأكتاف وليس شابا يافعا يبلغ عمره سبعة عشر عاما ..!!(1/4)
2 .. وقول النصّ أنه لما فرغ الماء من القربة طرحت هاجر الولد تحت احدى الأشجار . ومضت وجلست مقابلة بعيدا نحو رمية قوس . لأنها قالت لا أنظر موت الولد ، يدل بداهة على أنَّ هذا الولد طفل صغير لم يبلغ سن المشى بعد .
3 .. وقول النصّ " فسمع الله صوت الغلام . ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر . لا تخافى لأنَّ الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو . قومى احملى الغلام وشدى يدك به ، لأنى سأجعله أمَّة عظيمة " . يدل على أنَّ الطفل الصغير كان يتلوى من شدة الجوع والعطش وأمُّه حيرى أمامه وهما فى ذلك المكان القفر الذى لا يوجد به زرع ولا ماء ، وسمع الله بكاء الطفل فأرسل من رحمته عليهما ملاكا من السماء يبشرها بأنَّ هذا الطفل سوف يعيش وتكون منه أمَّة عظيمة . وهذا الطفل لم يكن يقينا شابا بالغا عنفوان رجولته .
4 .. وقول النصّ أنَّ الله قد فتح عين هاجر فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام . يدل أيضا على أنَّ الأم هى التى كان باستطاعتها فعل كل تلك الأمور لطفلها الصغير وليس لرجل بالغ من العمر سبعة عشر سنة .
5 .. وقول النصّ وكان الله مع الغلام فكبر ، ... ، وكان ينموا رامى قوس وسكن فى برية فاران . يدل أيضا على أنَّ إسماعيل كان طفلا صغيرا كبُرَ ونما فى رعاية الله حتى صار رامى قوس متمكنا من تدبير مأكله ومأمنه ومسكنه . وهنا جاءت رفقة الجرهميين عماليق مصر الذين أتوا من أقصى الجنوب العربى وعاشوا بجانبهم فى برية فاران ، فتزوج إسماعيل منهم .
وقلت أيضا : أنَّ هذه القصة فى إجمالها تشبه القصة الإسلامية القرآنية والقصة العربية القديمة المأخوذة عن أهل الكتاب من قبل الاسلام . وتختلف فى تفاصيلها . والتى سوف أذكرها بإذن الله تعالى بعد قليل .
معنى كلمة فاران وأصولها اللغوية ..!!(1/5)
وردت كلمة فاران اثنى عشر مرة فى أسفار العهد القديم من نسخة فانديك العربية المعتمدة لدى الكنائس العربية . أماكنها كالآتى : تك ( 14 : 6 ؛ 21 : 21 ) ؛ عدد ( 10 : 12 ؛ 12 : 16 ؛ 13 : 3 ، 26 ) ؛ تثنية ( 1 : 1 ؛ 33 : 2 ) ؛ 1 صموئيل ( 25 : 1 ) ؛ 1 ملوك ( 11 : 18 ، 18 ) ؛ حبقوق ( 3 : 3 ) . ونجد الكلمة تأتى مسبوقة بالحرفين ( هـ ر ) أى هار فاران ( ?? ???? ) فى كل من ( تك 14 : 6 ؛ تثنية 33 : 2 ؛ حبقوق 3 : 3 ) .
وكلمة هار يقول عنها علماء اللغة العبرية أنها صيغة مختصرة من الجذر هرر ( ??? ) ، وهو جذر غير مستخدم فى العبرية (1) . وتجدهم يترجمون معنى هار إلى جبل فيقولون جبل فاران كما جاء فى ( تثنية 33 : 2 ؛ حبقوق 3 : 3 ) . وتجدهم يترجمون معناها أحيانا إلى كلمة بطمة فيقولون بطمة فاران كما جاء فى ( تك 14 : 6 ) وشتان ما بين الجبل و البطمة فى المعنى . فهذا حجر وذاك زرع نباتى ..!!
وفى الإنجليزية يترجمونها إلى إيل فاران ( El-Paran ) وقد سبق ذكر معنى كلمة إيل التى يترجمونها فى النسخ العربية إلى اسم الجلالة الله . فيكون منطوق العبارة فى نصّ تك ( 14 : 6 ) هو فاران الله . أى أنَّ اسم ذلك المكان ينسب إلى اسم الله سبحانه وتعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كلمة هر تحت رقم ( 2022 ) وكلمة هرر تحت رقم ( 2042 ) وذلك فى القاموسين الكتابيين
المتخصصين :
( Strong Exhaustive concordance ) و ( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon )
كما نجد أنَّ كلمة فاران فى النصوص ( تك 21 : 20؛ عدد 10 : 12 ؛ 12 : 16 ؛ 13 : 26 ؛ تثنية 1 : 1 ؛ 1 صموئيل 25 : 1 ) تأتى مسبوقة بالكلمة العبرية مدبار ( ????? ) بمعنى برية . وسكن إسماعيل وأمه هاجر فى مدبار فاران ( ????? ???? ) أى برية فاران ، وليس على هار فاران ( ?? ???? ) أى جبل فاران .(1/6)
وبالمناسبة فإنهم لا يقولون هار سين أى جبل سيناء كما قالوا هار فاران أى جبل فاران . وإنما يقولون مدبار سين أى برية سيناء و مدبار فاران أى برية فاران . فهناك إذًا فى العبرية جبل فاران و برية فاران ولا يوجد فيها جبل سيناء وإنما الموجود برية سيناء و سيناء فقط ويعنون بها الجبل ، وفى العبرية الحديثة يطلقون كلمة سين على كل شبه جزيرة سيناء .
ونجد الكلمة فاران تأتى علما على اسم مكان بدون إضافة إليها كما جاء فى نص ( 1 ملوك 11 : 18 مكرر ) " أنَّ هدد هرب هو ورجال أدوميون من عبيد أبيه معه ليأتوا مصر ، وكان هدد غلاما صغيرا . وقاموا من مديان وأتوا إلى فاران وأخذوا معهم رجالا من فاران وأتوا إلى مصر " .
... أمَّا عن معنى كلمة فاران ومكانها فإنَّ معظم القواميس والموسوعات الكتابية لا تذكر شيئا عن معناها . وكل أقوالهم تنحصر فى بيان موقعها الجغرافى المُضَلل المزعوم فى سيناء المصرية . ولكن بالرجوع إلى القواميس اللغوية المتخصصة للكتاب المقدس نجد أنَّ الكلمة فاران والتى تحمل الرقم ( 6290 ) يقولون عنها هى صحراء العربية . ويقصدون بطرف خفى أنها صحراء وادى عربة الواقعة شرقى سيناء كما ورد فى كثير مِن القواميس الكتابية ..!!
... إلا أنهم يرمون للقارىء المسلم ببعض المعانى والكلمات أمام كلمة فاران مثل قولهم ( glorify-self ) أى المكان المُعَظم فى ذاته أو المكان المُمَجَّد فى ذاته (1) .
قلت جمال : وحسبنا هذا المعنى . فذلك المكان مُعَظم فى ذاته ومُمَجد أيضا . ويوجد فى أرض الجنوب العربى ، فى المكان الذى سكن فيه إسماعيل وهاجر عليهما السلام .(1/7)
... وقلت أيضا : يبدوا أنَّ ذلك المكان القفر لم يكن له اسم قبل هجرة هاجر وإسماعيل إليه وإنما أخذ اسمه من واقع الحدث الذى وقع به . وحيث أنَّ المعنى العام للكلمة فاران بدون الدخول فى معانى الجذور اللغوية يشير إلى منطقة مُعَظمة أو مُمَجدة . فأعتقد أنَّ لى الحق فى مُحاولة تبيان معنى تلك العبارة كما هى فى اللسان العربى القديم ، والذى يعتبر المعين الأصلى للغة العبرية وأخواتها .
تعتبر فاران صيغة تثنية من فار أو فارّ ، بمعنى الفارَّان من مكان إلى مكان آخر أو المهاجران مع ملاحظة أنَّ الفرار هنا كان لله تعالى { ففروا إلى الله } . وهناك فرق : فالفارّ يخرج من مكان إلى مكان آخر بفعل فاعل وبغض النظر عن صفة هذا الفاعل ، والمهاجر هو الخارج من مكان إلى آخر طواعية ليس بفعل فاعل . وهاتان الصفتان نجدهما فى حالة هاجر وإبنها إسماعيل عليهما السلام .
ففى ذلك المكان المُعظم لجأ المهاجران هاجر وإسماعيل بعد أن صحبهما إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إليه فأقاما فيه . وعلى مقربة منهما وقف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ينادى ربه بصوت مرتفع { ربنا إنِّى أسكنت من ذريتى بوادٍ غير ذى زرع عند بيتك المُحرَّم ، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } ( 37 / سورة إبراهيم ) . وقال أيضا : { ربنا وابعث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الجذر رقم ( 6286 ) فى القاموسين الكتابيين المتخصصين :
( Strong Exhaustive concordance ) و ( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon )
فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم . إنك أنت العزيز الحكيم } ( 129 / البقرة ) .(1/8)
وفى تلك البرية ( ????? ???? ) الذى أطلق عليها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - اسم وادى غير ذى زرع ، يوجد جبل فاران ( ?? ???? ) الذى يحيط بذلك الوادى والذى وقف عليه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - يؤذن للناس بالحج ليأتوا إليه من كل فج عميق ( 27 / سورة الحج ) ثم دعا بدعوتيه السابقتين .
وأَسمع الله دعوة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - تلك للناس فى كل مكان وكل زمان ولبوا النداء ولا يزالون . ثم بعث الله تعالى فى ذريتهم رسولا منهم معه الكتاب والحكمة . وتقول التوراة فى ذلك الأمر " ودعا هناك إبراهيم باسم الرب " ( تك 13 : 4 ) . وكلمة هناك تشير إلى مكان بيت الله الذى يكتبونه بيت إيل ( ??? ?? ) وقد سبق الكلام عنه فى أول الكتاب .
والكلمات هار ويهور وهرر وهرير وجميع مشتقات ذلك الجذر اللغوى تحمل فى طيات معناها خروج الصوت بطريقة مرتفعة ، كأن يقف إنسان يدعو الله بصوت مرتفع مثلا أو ينادى بصوت مرتفع على أناس بعيدين عنه لا يراهم وما شابه ذلك من معان على سبيل المثال . فتلك الكلمات فيها معنى المرتفع الجبلى وفيها أيضا معنى الصوت المرتفع . فـ هار فاران هو المكان الذى ارتفع فيه صوت إبراهيم بالنداء للناس بالحج . ولا يزال صوت الحجيج والمعتمرين يُسمع هناك بالتكبير والتلبية .
المهم أنَّ فى منطقة فاران هذه وبجانب بيت الله تعالى دعا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ربه بقوله { ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم . ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم . وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } . وأذَّنَ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى منطقة فاران للناس أن يأتوا إليها حاجين ومعتمرين واستجاب الله لنداء إبراهيم ودعائه .(1/9)
فأتى إلى منطقة فاران مُبلغ التوراة كليم الله موسى - عليه السلام - ( عدد 10 : 12 ؛ 12 : 16 ؛ 13 : 3 ، 26 ) . جاء فى الحديث الشريف عن نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ... كأنى أنظر إلى موسى بن عمران فى هذا الوادى مُحْرما بين قطوانيتين " .
وأتى إلى منطقة فاران مبلغ الزبور نبىّ الله داود - عليه السلام - ( 1 صموئيل 25 : 1 ) وهاهى أفئدة المسلمين تهفوا إلى ذلك المكان المقدس فيأتون إليه من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم . وتحققت دعوة إبراهيم .
وفى القصة العربية القديمة التى رواها ابن عباس رضى الله عنهما أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ترك هاجر وإسماعيل فى ذلك المكان " قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس به إنس ولا شىء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له الله أمرك بهذا قال نعم . قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت .
فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال : { ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم . ربنا ليقيموا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم . وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } . فواضح من النصوص السابقة أنَّ ذلك المكان لم يكن له اسم معروف وإنما أخذ اسمه من الأحداث التى جرت فيه .
وإليك بيان القصة العربية كما رواها الصحابى الجليل ابن عباس رضى الله عنه آخذا إياها من أهل الكتاب العرب الأقدمين ، وسجلها لنا الإمام البخارى فى صحيحه أذكرها نقلا عن موسوعة البداية والنهاية للحافظ ابن كثير :(1/10)
... " ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه اسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران وهى أرض مكة وبنائه البيت العتيق : قال البخارى قال عبدالله بن محمد هو أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن أيوب السختيانى وكثير بن كثير بن المطلب بن أبى وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفى أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهى ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس به أنس ولا شىء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له الله أمرك بهذا ..!؟ قال : نعم . قالت : إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .(1/11)
وجعلت أم إسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما فى السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يلتوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصَّفا أقرب جبل فى الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادى تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصَّفا حتى إذا بلغت الوادى رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادى ثم أتت المَرْوَة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس : قال النبىّ صلى الله عليه وسلم " فلذلك سعى الناس بينهما " فلما أشرفت على المَرْوَة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هى بـ المَلك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء . فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء فى سقائها وهى تفور بعد ما تغرف . قال ابن عباس قال النبىّ - صلى الله عليه وسلم - : " يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم " أو قال : " لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا " . فشربت وأرضعت ولدها فقال لها المَلك لا تخافى الضيعة فإنَّ ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإنَّ الله لا يضيع أهله . وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إنَّ هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادى وما فيه ماء . فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا . قال وأم اسمعيل عند الماء فقالوا : تأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم .(1/12)
قال عبد الله بن عباس قال النبىّ - صلى الله عليه وسلم - : " فألقى ذلك أم اسمعيل وهى تحب الانس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم ، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم . وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم " .
وماتت أم اسمعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته فقالت خرج يبتغى لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر فى ضيق وشدة وشكت إليه قال فإذا جاء زوجك أقرئى عليه السلام وقولى له يغير عتبة بابه . فلما جاء اسمعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد فقالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألنى كيف عيشنا فأخبرته أنا فى جهد وشدة قال فهل أوصاك بشىء قالت نعم أمرنى أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك أبى وأمرنى أن أفارقك فالحقى بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى .(1/13)
ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغى لنا . قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله . فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء . قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء . قال النبىّ - صلى الله عليه وسلم - " ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مكة الا لم يوافقاه " قال فإذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء اسمعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألنى عنك فأخبرته فسألنى كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشىء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أمسكك . ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسمعيل يبرى نبلا لة تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال : يا اسمعيل إنَّ الله أمرنى بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال وتعيننى قال وأعينك . قال : فإنَّ الله أمرنى أن أبنى ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسمعيل يأتى بالحجارة وإبراهيم يبنى ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبنى واسمعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم . قال وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم . ثم قال حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أبو عامر عبدالله بن عمرو حدثنا إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما كان من إبراهيم وأهله ما كان خرج باسمعيل وأم اسمعيل ومعهم شنة فيها ماء وذكر تمامه بنحو ما تقدم " .(1/14)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى تعليقا على الرواية : " وهذا الحديث من كلام ابن عباس وموشح برفع بعضه وفى بعضه غرابة وكأنه مما تلقاه ابن عباس عن الإسرائيليات " انتهى النقل من تاريخ ابن كثير البداية والنهاية .
قلت جمال : تلك هى القصة المتوارثة بين نسل إسماعيل - عليه السلام - والتى تتوافق فى إجمالها مع القصة التوراتية وتختلف فى التفاصيل ، من حيث المكان والزمان وطبيعة الأحداث . وأذكر الآن بعض الايضاحات بشأن النصوص التوراتية وخاصة الواردة بشأن إسماعيل وأمه عليهما السلام وكذلك بعض ما قيل من إفتراءات علماء أهل الكتاب على إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام .
.. عندما تذكر النصوص التوراتية أنَّ عُمْر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان كذا سنة وعُمْر إسماعيل كان كذا وما شابه ذلك من ذكر أرقام حسابية . فليعلم القارىء بأنَّ الأعداد الحسابية لم تكن قد عُرِفت بعد ، وإنما كان الكتبة يكتبون كلمات تدل على العدد المعنى بذكره ، مثل قولهم رِبِّة يعنون بها عشرة آلاف ، ومثل قولهم دُورَة ويعنون بها الرقم أربعة ، ومثل قولنا دَسْتة ونعنى بها الرقم اثنى عشر . وهكذا كان الأمر عند كتابة نصوص التوراة . ثم جاء بعد ذلك المصححون من النساخ فكتبوا الأرقام ومن هنا ظهرت الأخطاء الحسابية فى نصوص التوراة .
.. ذهب علماء أهل الكتاب إلى القول باستبعاد إسماعيل ونسله من العهد الإلهى لنسل إبراهيم . وجعلوه فى نسل إسحاق ويعقوب من بعده . فقاموا بعمل التصحيحات اللازمة لذلك فى نصوص العهد القديم . مع أننا نقرأ فى بعض النصوص أنَّ العهد الأصلى كان لنسل إبراهيم دون تخصيص . وكلهم يقولون بأنَّ العهد قد تم كاملا مع نسل إسحاق من خلال يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وعيسى . ولكن أين إتمام العهد والوعد بالنسبة لنسل إسماعيل ..!؟ سكوت تام فى النصوص كأنَّ الله سبحانه وتعالى قد نسى ـ استغفر الله من ذلك ـ عهده بشأن إسماعيل ونسله .(1/15)
أقول بأنَّ العهد كان شاملا لنسل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى كل من إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، ولا يوجد نصّ صريح فى نصوص العهد القديم يفيد بإتمام ذلك العهد بين نسلى إسماعيل وإسحاق ، لأنَّ المسيح ومُحَمَّدا عليهما الصلاة والسلام لم يكونا قد بُعِثا بعد . وبعدما بُعِث المسيح - عليه السلام - تم العهد فى نسل إسحاق ومن ثم أغلق المسيحيون ملف العهد الإلهى وتناسوا اتمامه فى نسل إسماعيل ..!! ولكن بمجىء مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - تم ختم العهد الإبراهيمى مع إسماعيل وإسحاق .
.. ومن مزاعم بعضهم أنهم يعترفون بأنَّ إسماعيل كان نسل ( seed ) إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ولكن إسحاق ابنا شرعيا له ( son ) إضافة إلى كونه ( seed ) أى نسلا لإبراهيم أيضا . ولكن نصوص التوراة تقول بأنَّ إسماعيل كان أيضا ابنا شرعيا لإبراهيم ( تك 17 : 23 ) . وليس ذلك النصّ فقط ولكن النصوص قالت بأنَّ إسماعيل كان ابنا شرعيا لإبراهيم حتى وفاة أبيه إبراهيم ودفنه ( تك 25 : 8 ـ 9 ) .
.. وزعم بعضهم أنَّ إسماعيل كان ( lesser son ) أى الابن الأقل شأنا فهو لن يتساوى بإسحاق ، لأنَّ سارة أم إسحاق كانت زوجة شرعية لإبراهيم خلاف هاجر أم إسماعيل التى لم تكن سوى أمَة لإبراهيم . ولكن التوراة قالت بأنَّ هاجر كانت زوجة شرعية لإبراهيم ( تك 116 : 3 ) .
..(1/16)
فإن اتفق المسلمون والمسيحيون على شرعية زيجة سارة وهاجر من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، ظهرت لهم أقوال أخرى مثل قولهم أنَّ إسحاق هو الإبن الحقيقى والأفضل لأنه ابن الحرة خلاف إسماعيل ابن الأمَة . ولكن ذلك الزعم لا يجد له تأييدا من داخل نصوص التوراة التى تنصّ على أنَّ الابن البكر له نصيب الاثنين بغض النظر عن حال أمه . جاء فى سفر التثنية ( 21 : 15 ـ 17 ) " إذا كان لرجل امرأتان احداهما محبوبة والأخرى مكروهة ، فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة . فإن كان الابن البكر للمكروهة ، فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكرا على ابن المكروهة البكر . بل يعرف ابن المكروهة بكرا ليعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده لأنه هو أول قدرته له حق البكورية " .
وانظروا إلى قصة راعوث الأمَة المؤابية التى تزوجها بوعز والتى جاء منها النسل الملكى فى إسرائيل ( راعوث 3 ، 4 وأيضا متى 1 : 5 ـ 16 ) . فإذا كان هذا الأمر قد تم لأمَة مؤابية ليست من بنى إسرائيل ، وجاء منها أشهر ملوك وأنبياء إسرائيل فلماذا يستبعدون إسماعيل ونسله ..!!؟ هل لأنَّ أمه كانت مصرية ..!؟ لقد استبعدوا إسماعبل وهو الابن البكر لإبراهيم ، واعترفوا بـ عوبد بن بوعز من راعوث وهو الحفيد العاشر لإبراهيم . فأين العقل والمنطق والأمانة فى القول ..!؟
.. وبعد كل ذلك نجدهم يقولون بأنَّ إسحاق هو ابن الوعد والعهد ..!!
ولكن النصوص التوراتية تقول بغير ما يزعمون . فالوعد والعهد كان لنسل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من قبل مولد إسماعيل ، ومن بعد مولد إسماعيل ، ومن قبل مولد إسحاق ( تك 17 : 4 ؛ 21 : 13 ) . كما أنَّ هناك وعدا باصطفاء نسل إسماعيل وهناك أيضا وعدا باصطفاء نسل إسحاق سواء بسواء . وعلامة الوعد الإلهى مع إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - التى هى الختان قد تحققت أولا مع إسماعيل قبل أن يولد إسحاق .(1/17)
ورغم كل ذلك نجدهم قد قاموا بعمل تعديلات كثيرة فى النصوص لاستبعاد إسماعيل ونسله من الوعد الإلهى ، ولكن لا تزال بحمد الله هناك بقية من النصوص لا تستبعد إسماعيل ونسله . فمثلا نجدهم قد تلاعبوا فى نصّ ( تك 22 : 2 ) الذى يقول " خذ ابنك وحيدك الذى تحبه إسحاق و ... " وهم يريدون أن يكون الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل ، ولم يكن إسحاق فى يوم من الأيام هو الابن الوحيد لإبراهيم . فأضافوا كلمة إسحاق إلى النصّ ، وبقى النصّ شاهدا على تحريفهم للكتاب وذلك بمراجعة النصوص ( تك 16 : 15 ؛ 17 : 23 ، 25 ، 26 ؛ 25 : 9 ؛ ..... الخ ) فكلها تشير إلى أنَّ الابن الشرعى البكر لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - هو إسماعيل . والذى ظل ثلاثة عشر عاما وهو الابن الوحيد لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يولد إسحاق . إنه التعصب المسيحى الأعمى للعصبية الإسرائيلية البغيضة ، التى تستبعد إسماعيل والعرب من الذرية الإبراهيمية لتنحصر المواعيد كلها فيهم وليكون الأنبياء والمرسلون منهم ولهم فقط . بل تطرفوا فقالوا بأنَّ الإله خاص بهم فقط وباقى الناس هملا مهملا لا يعبأ بهم .
ولا يفوتنى هنا أن أذكِّر القرَّاء الأعزَّاء المؤمنين بأنَّ علاقة إسماعيل - عليه السلام - بأخوته كانت حسنة ، وعلى الأخص علاقته بأخيه الأصغر إسحاق - عليه السلام - . فقد ورد فى تكوين ( 36 : 3 ) أنَّ بسمة بنت إسماعيل قد تزوجها عيسو ابن إسحاق وأنجب منها عدة أبناء ( تك 36 : 17 ) . أليس ذلك دليل على العلاقة الطيبة بين الإخوة وأولاد وبنات العم ..!؟ فإنَّ للقوم كلام شنيع فى إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام ، أكتفى هنا بذكر نصّ واحد من سفر التكوين ( 16 : 13 ) لنرى كيف كانت ترجمات القوم العرب المسيحيون عن جدِّهم إسماعيل ، أقول جدِّهم أو أبيهم الأكبر لأنهم ليسوا من نسل إسحاق ـ إسرائيل ـ يقينا .
نسخة فانديك المعتمدة ... نسخة كتاب الحياة(1/18)
يكون ـ إسماعيل ـ إنسانا وحشيا يده على كل واحد ، ويد كل واحد عليه . ... ويكون إنسانا وحشيا يعادى الجميع والجميع يعادونه ، ويعيش مستوحشا متحديا كل إخوته .
نسخة الكاثوليك ... نسخة الآباء اليسوعيين
ويكون رجلا كحمار الوحش . ... ويكون حمارا وحشيا بشريا .
وقائمة الشتائم والحقد تتسع إذا نظرنا إلى التراجم الأجنبية حيث نجد وصفه - عليه السلام - بـ الحمار والبغل والمتوحش وغيرها من الصفات الغير لائقة (1) . كما نجدهم يصفون السيدة هاجر عليها السلام بأنها وضيعة الأصل (2) خيبهم الله .
أمَّا عن العرب والنسل الإسماعيلى فلهم الحقد الدفين ، فهم المتوحشون أبناء المستوحشة ، إنهم أمَّة الأغبياء وأمَّة الحمقى وأمَّة الجهل و ... الخ . وسوف نجد مثل تلك الشتائم ظاهرة جلية على لسان دعاة المسيحية الأوائل والأواخر . فاللهم غفرانك . ولا أقول لهم إلا بما قال المسيح - عليه السلام - فى شأنهم { إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ( 118 / المائدة ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال النسخ الإنجليزية : NTV , RSV , KJV ,.. , .. ,..
(2) .. حياة إبراهيم للقس ماير ص 84 .
زمزم والزمزميون
=========
سبق أن عرف القارىء أنَّ القصة التوراتية قد ذكرت أنَّ هناك بئرا قد تفجرت لإسماعيل وأمِّه فى برية فاران . وعرف القارىء أيضا أنَّ كتبة التوراة قد ذكروا أنَّ اسم هذه البئر هو ( بئر لحَىْ رُئىِ أو إيل رئى ) حسب التوراة العبرية و ( بئر الحىّ الناظر ) حسب التوراة السامرية ( راجع تك 16 : 14؛ 21 : 19 ) .
ومَحَى النسَّاخ اسم البئر الحقيقى المتوارث بين نسل إسماعيل وهو زمزم والذى لا يزال إلى الآن شاهدا على تلك القصة التوراتية والقرآنية . بئر تشهد على المعجزة الربَّانية ، بئر ليس لها مثيل فى التاريخ البشرى ، فى عمرها وفى بركة مائها ( طعام طعم وشفاء سقم ) .(1/19)
وشاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يترك لنا هؤلاء النسَّاخ المغرضون اسم الذين سكنوا حول بئر زمزم وحملوا اسم البئر فى اسمهم . إنهم الـ زمزميون أو الـ زمزميين . راجع سفر التثنية ( 2 : 20 ) .
وكلمة زمزم مكتوبة بالعبرية هكذا ( ???? ) والنسبة إليها زَمْزُمى فى صيغة الافراد ، وزَمْزُميون فى صيغة الجمع . وفى العربية نجدهما زَمْزَمىّ و زَمْزَميون .
ومن المتفق عليه عند اللغويين أنَّ تشكيل حروف اللغة العبرية بدأ من القرن السابع وانتهى فى القرن العاشر الميلادى ، من بعد أن انتهى المسلمون من تشكيل كلمات القرآن الكريم . وفى القرن العاشر الميلادى صدرت النسخة المازورتية العبرية المُشكَّلة لأول مرة فى التاريخ . ومعلوم أيضا أنَّ هذه العبرية المُشكَّلة تميل إلى الضَّمّ خلاف العربية التى تميل إلى الفتح فى معظم كلماتها . فكلمة زَمْزَمْ فى العربية تُقرأ فى العبرية زُمْزُمْ بضم الميم الأولى والثانية . وأحيانا يقولون زَمْزُمْ بفتح الميم الأولى وضم الثانية . وهذا التشكيل مُغرض يهدف إلى إبعاد الباحث عن المعنى الصحيح للكلمة الغير عبرية .
وفى نصّ تك ( 14 : 5 ) نجد كلمة أخرى تتبادل فى قراءاتها العبرية مع كلمة زمزميين المذكورة فى تثنية ( 2 :20 ) ، وهذه الكلمة هى زوزيم ( ????? ) والتى تكتب فى النسخ العربية زوزيين ، ويقولون لك أنَّ هذه الكلمة مشتقة من جذر غير معروف (1) . وكلمة زَمْزَمْ عربية فصيحة معناها يشرب بتضلع أى على جرعات كأنها كبيرة فتفيض من على فيه . ومعناها أيضا ماء غزير أو فيض من الماء .
وعن الزمزميين هؤلاء يقولون لك فى قواميسهم الكتابية وموسوعاته : أنهم قوم أولى بأس شديد ، وهم من بنى حام . وهذا القول يعود بنا إلى عماليق مصر الذين أقاموا بجوار إسماعيل وهاجر حول ماء زمزم ، وتزوج منهم إسماعيل ..!!(1/20)
وباعتراف الجميع فإنَّ المصريين من بنى حام كما يقولون . وهكذا تؤدى بنا كل الطرق والمسالك إلى فاران مكة وبئرها زمزم والمصريون القدماء الذين استوطنوا جنوب الجزيرة العربية ثم نزحوا إلى فاران مكة وبنوا الكعبة بعد أن هدمها السيل الشديد .
والعلماء المتخصصون فى جغرافية وتاريخية الكتاب ولغاته القديمة يعرفون جيدا العلاقة بين الزمزميين و بئر زمزم ، ولذلك تجدهم يذكرون لك أن تستبعد المعنى العربى لكلمة زمزم والزمزميين ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمات أرقام ( 2157 ) و ( 2104 ) فى كل من :
( Strong Exhaustive concordance ) و ( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon )
مكان تغرب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى جرار
( تك 20 : 1 )
بَكَّة و مَكَّة
==========
وكما سبق وشاهدنا كيف تم حذف اسم زمزم من النصوص ونسى النُسَّاخ أن يحذفوا اسم الزمزميين المقيمين حول بئر زمزم . تلاعبوا هنا أيضا فى الاسم القديم لمَكَّة وهو بَكَّة . فقد جاء اسمها فى مزمور ( 84 : 1 ـ 7 ) حسب الأصول العبرية والترجمات الإنجليزية تحت اسم بكا أو بكة ( Baca ) . ولكن الترجمات العربية كانت لها رأيا آخرا كالمعتاد ..!!
فقد جاء النصّ حسب نسخة فانديك المعتمدة هكذا : " ... تشتاق نفسى بل تتوق نفسى إلى ديار الرب . قلبى ولحمى يهتفان بالإله الحىّ ... طوبى للساكنين فى بيتك أبدا يسبحونك . سلاه . طوبى لأناس عِزَّهم بك . طُرُق بيتك فى قلوبهم عابرين فى وادى البكاء يُصيِّرونه ينبوعا . أيضا ببركات يُغطُّون مُورة . يذهبون من قوة إلى قوة ... " .(1/21)
ونجد هذا النصّ حسب النسخة الكاثوليكية العربية هكذا : " ... تذوب نفسى شوقا إلى ديار الرب . قلبى وجسمى يُرنِّمان للإله الحىّ ... هنيئا للمقيمين فى بيتك . هم على الدوام يُهللون لك . هنيئا للذين عِزَّتهم بك . وبقلوبهم يتوجهون إليك يعبرون فى وادى الجفاف فيجعلونه عيون ماء ، بل بركا يغمرها المطر . ينطلقون من جبل إلى جبل ... " .
قلت جمال : يلاحظ هنا أنَّ العبارات ديار الرب ، بيتك ، مورة ، من جبل إلى جبل .. إذا سمعها المسلمون علموا أنَّ الحديث يشير إلى مكة المكرمة وبيت الله الحرام . وكلمة مورة تذكرهم بجبل الـ مروة ، ومن جبل إلى جبل تذكرهم بالسعى بين جبلى الصفا والـ مروة .
ولكن عبارة وادى البكاء أو وادى الجفاف تعكر صفو الحديث ، فهل البكاء والجفاف موجودان فى الأصل العبرى ..!؟
الموجود فى الأصل العبرى بَكَّة ( ??? ) (1) . من الجذر اللغوى ( ب ك أ ) وليس من الجذر ( ب ك ى ) وهناك فرق .. فقولنا بكأ الضرع أى قل إدراره أى قل لبنه وبكأت العين معناه قل دمعها . ففيه معنى الجفاف وقلة الماء . ووادى مكة كانت هكذا صفته حين هاجر إليه إسماعيل وهاجر وقبل أن تنفجر عين زمزم بالماء ، ولذلك وصفه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كما جاء فى القرآن بأنه وادٍ غير ذى زرع . أمَّا الجذر بكى فهو من البكاء المعروف . وللعلم فإنَّ هناك جبلا بمكة يُسمى جبل بَكاء وهو على طريق التنعيم عن يمين من يخرج معتمرا (2) .
والكلمة المبحوث عنها هنا عبارة عن اسم مكان ، وأسماء الأماكن لا تتغير بين اللغات ، فاسم ذلك الوادى هو بَكة أو بَكا . والغريب فى الأمر أنَّ الترجمات الإنجليزية للنصّ تكتب اسمه بكا ( Baca ) ولم يترجمون معناه إلى بكاء وجفاف كما فعلت الترجمات العربية للنصّ ..!!(1/22)
كما أنَّ هناك ملحوظة هامة جدا وهى أنَّ اسم ذلك الإله الحَىّ المذكور فى النصّ ليس يهوه إله اليهود الخاص وإنما هو إيل (3) إله هاجر وإسماعيل وقد سبق ذكر ذلك فى أول الكتاب . كما أنَّ بيت الله هنا هو المذكور فى الأصول العبرية وكذا فى الترجمات العربية تحت اسم بيت إيل . وهو البيت الذى صعد إليه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أثناء رحلته إلى أرض الجنوب عقب خروجه من مصر ، فدعا الله هناك بالدعاء الذى ذكره القرآن الكريم ثم أذَّنَ للناس فيه بالحج . ولتأكيد القول بأنَّ بكا ( ??? ) هو بَكَّة الاسم القديم لمَكَّة ، وأنها هى المقصودة فى نصّ المزمور ، أذكر للقارىء فقرات من سفر أشعيا ( 60 : 1 ـ 9 ) ليتأمل القارىء فيها ويتعرَّف على البلدة التى تهفوا إليها أفئدة الناس من كل مكان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة العبرية رقم ( 1056 ) فى كل من :
( Strong Exhaustive concordance ) و ( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon )
(2) .. راجع تاج العروس بشرح القاموس ج 10 ص 43 .
(3) .. راجع النص فى نسخة ( NASB Key study Bible ) والكلمة رقم ( 410 ) التى تشير إلى الإله إيل .
وتجتمع فيها ثروات الأمم وثمراتها ، وتنحر فيها كِباش وأغنام نسل إسماعيل - عليه السلام - :(1/23)
... " قومى استنيرى لأنه قد جاء نورك ، ومجد الرب أشرق عليك . لأنه هاهى الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم . أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يُرَى . فتسير الأمم فى نورك والملوك فى ضياء إشراقك . ارفعى عَينيك حواليك وانظرى . قد اجتمعوا كلهم . جاؤا إليك . يأتى بنوك من بعيد وتحمل بناتك على الأيدى . حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتى إليك غنى الأمم . تغطيك كثرة الجِمَال بُكران مِديان و عيفة كلها تأتى من شبا . تحمل ذهبا ولُبانا وتُبشِّر بتسابيح الرب . كل غنم قيدار تجتمع إليك . كباش نبايوت تخدمك . تصعد مقبولة على مذبحى وأزيِّنُ بيت جمالى . من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها . إن الجزائر تنتظرنى وسفن ترشيش فى الأول لتأتى ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لاسم الرب ... " .
لاحظ قارئى العزيز أنَّ الكلام هنا عبارة عن نبوءة مستقبلية كما أفاد بذلك كل علماء المسيحية فى جميع أنحاء العالم . والكلام هنا ينصرف إلى مدينة بعينها لا نستعجل البت فيها قبل أن نتعرف على معانى الكلمات المتناثرة فى النصّ .
إنها مدينة يأتى إليها الناس من كل دول العالم ، بَراً وبَحراً وجَوَّا . وتُنحرُ فيها الأضاحى من جِمال مديان و عيفة و شبا ، وغنم قيدار وكِباش نبايوت . وكل تلك المسميات من مواقع جغرافية وأسماء قبائل ، كلها تقع فى أرض الجنوب فى شبه الجزيرة العربية ولا علاقة لها بفلسطين أو أورشليم . فمناطق مديان وعيفة وشبا تشمل الجزء الغربى لشبه الجزيرة العربية من خليج العقبة شمالا وحتى أقصى الجنوب فى اليمن العربى بمحاذاة ساحل البحر الأحمر أى تشمل إقليم الحجاز كاملا .(1/24)
أمَّا قيدار ونبايوت فهما من أبناء إسماعيل - عليه السلام - ( تك 25 : 13 ) . فنبايوت هو الابن البكر لإسماعيل . وقيدار هو الابن الثانى لإسماعيل . والمقصود هنا هو القبائل العربية التى من نسل قيدار ونبايوت المقيمون بوادى بَكَّة وبرية فاران . ومن ذرية قيدار ابن إسماعيل جاء النبىّ العربىّ الأمّىّ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - . ولا دخل للمسيحيين بهذا النصّ لأنهم لا يقدمون الأضاحى لله تعالى كما يفعل المسلمون ، حيث اكتفوا بأضحيتهم الكبرى وهى مسيحهم وإلههم . كما أنه لا دخل أيضا لليهود بهذا النصّ فمدينتهم المقدسة ليست بأرض الجنوب . وليست لهم علاقة بهذه المسميات العربية من أماكن وقبائل وأشخاص : مديان وعيفة وشبا وترشيش وقيدار ونبايوت و بيت الله . وسوف نتعرَّف على أسماء أخرى لمواقع جغرافية عربية وأحداث هامة فى تاريخ البشرية أثناء أبحاث هذا الكتاب بإذن الله تعالى .
وحَتَّى عرفات..!!
========
قرَّائى الأعزاء افتحوا معى الكتاب على نصّ المزمور 68 الفقرة رقم 4 واقرؤا معى حسب النسخ العربية الأربع المعاصرة :
نسخة فانديك المعتمدة ... نسخة كتاب الحياة
غنُّوا للهِ رنِّموا لاسمهِ . أعِدُّوا طريقا للراكب فى القفار باسمه ياه واهتفوا أمامه . ... رنِّموا للهِ . اشدوا لاسمهِ . مهِّدوا طريقا للراكب فى القفار ظافرا .
نسخة الكاثوليك ... نسخة الآباء اليسوعيين
أنشدوا للهِ ورتِّلوا لاسمه . مهِّدوا للراكب فى البرارى (1) . ... أنشدوا للهِ واعزفوا لاسمه . مهِّدوا للراكب على الغمام .
(1) .. مهِّدوا أو عظِّموا أو سبِّحوا . فى البرارى أو فى الغيوم .(1/25)
ثمَّ افتحوا معى أى قاموس لغوى كتابى وابحثوا عن تلك الكلمة التى كتبتها بخط مميز ثقيل . وترجمها مسيحيو العرب إلى قفار و برارى و غمام . وترجمها غيرهم مِن الإنجليز إلى سماء ( heavens ) موافقة منهم لليهود كما جاء فى نسخة الملك جيمس المعتمدة . إنها الكلمة التى تحمل الرقم ( 6160 ) والتى تكتب فى العبرية بالحروف هكذا ( ع ر ف ت ???? ) . مع ملاحظة أنَّ حرف الفاء توجد تحته علامة الفتحة الطويلة ( T ) التى تستوجب ظهور حرف الألف بعده .. إنها عرفات ..!!
... عرفات هذه يقولون عنها : تعنى صحراء ووضعوها بالتحديد فى شرقى سيناء المصرية بمنطقة وادى عربة والممتدة حتى ساحل خليج العقبة .
ثم تحولت الفاء نُطقا عندهم فى العبرية المعاصرة إلى باء ثقيلة ( p ) فقالوا عربات التى اختصرت إلى عربة الواردة فى الترجمات العربية المعاصرة ، فقالوا وادى عربة بدلا من وادى عرفة . وهكذا انتقل مكان عرفات الجغرافى بذلك التحريف اللغوى مِن قلب أرض الجنوب إلى شرقى سيناء ..!!
... وأحيانا أخرى تتحول الفاء الخفيفة إلى الفاء الثقيلة ( v ) فى العبرية المعاصرة . ولكن الباء الثقيلة والفاء الثقيلة ليس لهما وجود فى العبرية القديمة أو الآرامية أو العربية .
وكانوا قديما ـ فى أسفار التوراة ـ يُطلقون على البحر الأحمر اسم بحر عرفات أى البحر الذى يركب عليه الذاهبون إلى عرفات ، هذا البحر قد تحول اسمه عندهم الآن إلى بحر عربة ـ بعد التحريف اللغوى للكلمة ـ ويعنون به حاليا فرع البحر الأحمر المطل على وادى عربة عند العقبة أى خليج العقبة ..!!(1/26)
... اقرؤا معى مطلع سفر التثنية ( 1 : 1 ) " هذا هو الكلام الذى كلَّم به موسى جميع إسرائيل فى عبر الأردن فى البرية فى العربة ، قبالة سوف بين فاران وتوفل ولابان وحضيروت وذى ذهب " . مِنَ المتفق عليه عند الجميع أنَّ موسى - عليه السلام - لم يذهب إلى عبر الأردن فقد مات بسيناء ولم يدخل الأرض المقدسة . المهم أنَّ تلك المنطقة قبالة سوف أى بحر سوف أى البحر الأحمر . وبالتحديد التوراتى بين فاران وتوفل ولابان وحضيروت وذى ذهب .. إنها أسماء مواقع جغرافية قديمة لا يعرفون أماكنها تحديدا لأنها بأرض الجنوب وهم دائما يبحثون فى شرقى سيناء ، إنها مواقع لا نعرف منها إلا فاران أى جبال مكة المكرمة والتى وضعوها فى سيناء ..!!
المهم أنَّ تلك الكلمة التى هى عند اليهود اسم علم لمكان جغرافى له علاقة بالسماء ، حتى أطلقوا اسم عرفات على السماء السابعة . هذه الكلمة نجدها قد تحولت فى بعض الترجمات المسيحية المعاصرة إلى برية وقفر وصحراء ( أماكن على الأرض ) . وتحوَّلت فى ترجمات أخرى إلى سماء وسماوات موافقة لليهود الذين جعلوا كلمة عرفات اسما للسماء السابعة . وتحوَّلت الكلمة فى ترجمات نسخ أخرى إلى غمام وسحاب لتكون عرفات بين السماء والأرض ..!! وإن نظرنا إلى باقى كلمات النصّ سنجد الأمر فيه واضح حيث يحث المسؤلين بتمهيد وإعداد طريق المسافرين إلى عرفات . وكذا إعلام المسافرون أثناء توجههم إلى عرفات بالجهر والترنيم والشدو باسم الله . إنه حقا واقع ما يفعله الحُجَّاج والمعتمرون المسلمون المتجهون إلى عرفات ( التلبية والتكبير والتهليل والتسبيح ) . إنه واقع لا وجود له فى اليهودية أو المسيحية . وإليكم مثالا آخرا ( أشعياء 40 : 3 ـ 5 ) وإن كانت الأمثلة كثيرة :
نسخة فانديك المعتمدة ... نسخة كتاب الحياة(1/27)
صوت صارخ فى البرية أعِدُّ طريق الرب . قوِّموا فى القفر ( ???? ) سبيلا لإلهنا . كل وطَّاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض ويصير المعوجّ مستقيما والعراقيب سهلا . فيُعلن مجد الرب ويراه كل بشر جميعا لأنَّ فم الرب تكلم . ... صوت يصرخ ويقول : أعِدُّوا فى البرية ( ???? ) طريق الرب . وأقيموا طريقا مستقيما لإلهنا . كل واد يرتفع وكل تل ينخفض وتُمهد كل أرض مُعوجَّة وتُعبَّد كل بقعة وعرة ويتجلى مجد الله ، فيشاهده كل ذى جسد لأنَّ فم الرب تكلم .
نسخة الكاثوليك ... نسخة الآباء اليسوعيين
صوت صارخ فى البرية : هيئوا طريق الرب مهِّدوا فى البادية ( ???? ) دربا قويما لإلهنا كل واد يرتفع ، كل جبل وتل ينخفض . يصير المعوج قويما ، ووعر الأرض سهلا . فيظهر مجد الرب ويراه جميع البشر معا لأنَّ الرب تكلم . ... صوت مُناد فى البرية : أعِدُّوا طريق الرب ، واجعلوا سُبُل إلهنا فى الصحراء ( ???? ) قويمة . كل واد يرتفع وكل جبل وتل ينخفض والمنعرج يُقوَّم ووعر الطريق يصير سهلا . ويتجلى مجد الرب ويعاينه كل بشر لأنَّ فم الرب قد تكلم .
فهذه الكلمة ( القفر والبرية والبادية والصحراء ) هى فى الأصل عرفات ( ???? ) والتى تحمل الرقم ( 6160 ) فى جميع القواميس الكتابية . فهَلا ترك المترجمون الكلمة كما هى بدون ترجمة حتى يفهم الناس معنى الكلام على أصله ..!؟
ملاحظة هامة بخصوص أرض الجنوب(1/28)
وبعد أن تم بحمد الله تعالى الكشف عن لغز أرض الجنوب التوراتية وتعرفنا على أسماء مواقع معالمها الجغرافية ، وبعد أن تم بذل الجهد الجهيد فى تتبع أصول كلمات النصوص حسب لغتها الأصلية . ولم أحاول أن أستخدم النسخ العربية القديمة حتى لا ينفر منى القارىء العادى الذى لا يعرف غير النسخ الحديثة التى بين يديه . أذكر هنا لمن أراد البحث والتنقيب ورائى أنَّ هناك نسخا عربية قديمة قد جاءت فيها الكلمات العربية صريحة ، منها على سبيل المثال نسخة سعادية وهى التى قام بترجمتها إلى العربية الحبر اليهودى المصرى الفيومى سعادية بن يوسف ( 892 ـ 942 م ) الموافق ( 269 ـ 331 هـ ) والتى كانت الترجمة القياسية لكل يهود الأقطار العربية كما قالت دائرة المعارف البريطانية . هذه النسخة طبعت لأول مرة بحروف عبرية فى باريس سنة 1893 م ثم فى القدس فى سنة 1901 م .
تقول كلا الموسوعتين اليهودية والبريطانية أنَّ هذه النسخة العربية سعادية قد جاءت فيها الأسماء العربية بدلا من العبرية مثل : مَكة قبال مسَّا . وبلاد القِبلة قبال أرض الجنوب ( هـ نجب ) . والحجاز قبالة شور و ... الخ .
وهذا مما تميزت به ترجمة سعادية دون سواها من الترجمات اللاحقة (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن الموسوعة البريطانية :
“Enc . Brit . mic .vol v11 pp 743 ( saadia ben josef ) “
والآن وبعد أن عرفنا مواقع أقدامنا فى هذا البحث على أرض الجنوب وشاهدنا بصمات البشارة المتقدمة بالرسالة الإسلامية بعد أن شقت لها أخاديد فوق رمال الصحراء العربية .(1/29)
بيت الله الحرام ومكة وبكة وبرية فاران وجبالها . وعرفات وبئر زمزم والزمزميون . وعماليق مصر بناة الكعبة فى عصر إسماعيل . واشارات جغرافية لغوية كثيرة تحتاج لنفس أطول وصبر على المجاهدة فى البحث . وسوف أكتفى فى هذا الجزء الأول بذلك القدر كمفتاح يفتح لنا الطريق أمام أبحاث الجزء الثانى والثالث مِن هذا الكتاب . أسأل الله تعالى التوفيق والسداد .(1/30)
القسم الثانى
=======
نبوءات مِن أرض الجنوب
العرب وجزيرة العرب
===========
وبعد أن طالعنا النصوص التوراتية بشأن صعود إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الجنوب العربى ، واستيطان إسماعيل وهاجر عليهما السلام فى برية فاران ووادى بَكَّة . ذلك الأمر الذى يتغافل عنه الباحثون التوراتيون من يهود ومسيحيين . لإعتقادهم الزائف بأنَّ الإحداثيات الجغرافية لتلك النصوص تقع بمنطقة فلسطين وسيناء مصر مع أنه لم تثبت لهم أى أدلة يقينية تبرهن على إعتقادهم المزعوم ، رغم الجهود المضنية والمكثفة التى بذلوها فى مجال علوم الآثار والحفريات .
لقد استبد الباطل بخطوط الطول ودوائر العرض ، وتم نقل الأماكن الجغرافية إلى أخرى مزعومة . فجبال مكة أصبحت فى سيناء مصر ، وبئر زمزم وضعوها فى شرقى سيناء ، حتى أتوا بالحبشة إلى حدود فلسطين كما سبق بيان ذلك ..!!
فمََن جَهل هذه الأمور وغابت عنه هذه الحقائق ، أو تجاهلها ولم يجهلها وتغابى عنها ولم تغب عنه فعليه إن أراد الفلاح لنفسه ولأهله أن يولى وجهه شطر الحق الأبلج أولا ثم يبين ذلك للناس ولا يكتمه .
هناك ثلاث كلمات هامة يجب معرفة معناها قبل الحديث والبحث عن العرب وجزيرة العرب فى الكتاب المقدس المسيحى . نجدها كثيرا فى المراجع الكتابية الأجنبية الإنجليزية وهذه الكلمات الثلاث هى :
((1/1)
Arabia ـ Arabiansـ Arabs ) . فكلمة ( Arabs ) تعنى عندهم العرب كجنس بشرى ، الذين يتكلمون باللسان العربى بغض النظر عن موطن الاقامة تحديدا . وكلمة ( Arabians ) تعنى السكان العرب المقيمون بشبه الجزيرة العربية تعيينا . أمَّا كلمة ( Arabia ) فهى تعنى عندهم أرض شبه الجزيرة العربية وليس سكانها . وهذه الكلمات الثلاث لها شأن كبير فى نصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد . مما يوحى إلى القارىء بأنَّ هناك امتدادا تاريخيا وجغرافيا وعقديا لنصوص التوراة والإنجيل فى شبه الجزيرة العربية . امتداد قديم الجذور تشير سيقانه وفروعه إلى الدين الخاتم ورسوله النبىّ العربىّ الأُمِّىّ - صلى الله عليه وسلم - . مما حدى بمترجمى النسخ المعاصرة للكتاب المقدس إلى أن يستبدلوا هذه الكلمات التى تشير إلى الأمَّة العربية وإلى الجزيرة العربية بكلمات أخرى . مُحاولة منهم لطمس الحقائق ومحو صحيح معناها كما سنرى بعد قليل .
فعلى سبيل المثال نجد أنَّ المترجمين للنسخة الإنجليزية القياسية المحققة الجديدة ( NRSV ) قد استبدلوا فى مواضع كثيرة كلمة ( Arabia ) التى تشير إلى أرض شبه الجزيرة العربية بعبارة مُسَطَّح صحراوى ( Desert plain ) واستبدلوا كلمة ( Arab ) أى عَرَبىّ وكتبوها ( Nomad ) أى بدوىّ مع أنَّ العبرية القديمة والآرامية والعربية فيها اشتقاقات كثيرة تفرق بين هذه المصطلحات وتحدد معانيها بدقة شديدة . فكلمة ( Arab ) نجدها فى الأصول العبرية تكتب ( ???? ع ر ب ى ) التى تنطق عَرَبىّ وليس بدوى ( Nomad ) كما يريدون ، ليخرجوا النصوص من جزيرة العرب ومن الجنس العربىّ ..!! إنهم يلبسون الحق بالباطل كما بين القرآن الكريم { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } ( 71 / آل عمران ) .(1/2)
كما أنَّ هناك أسماء لأماكن فى الجزيرة العربية نطالعها كثيرا فى فقرات الكتاب يرجع معظمها إلى أسماء أبناء إسماعيل - عليه السلام - الاثنى عشر المذكورين فى نصّ ( تك 25 : 14 ـ 16 ) مثل قيدار ودومة ومسَّا وتيما . أطلقت أسماءهم على أسماء الأماكن التى عاشوا فيها ، فقيدار وذريته من بعده عاشوا فى منطقة مكة المكرمة وجاءت منهم قريش . ودومة وذريته من بعده عاشوا فى الشمال الغربى للجزيرة العربية الجوف حاليا والمعروفة فى كتب السيرة والتاريخ بدومة الجندل . وتيما وذريته من بعده عاشوا فى منطقة يثرب أى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأذكى السلام . أمَّا عن مسَّا وذريته فقد انتشروا فى كل إقليم الحجاز وأقصى الجنوب العربىّ حتى شملتهم كل حدود الجزيرة العربية ، فكل عربىّ يقطن الجزيرة العربية يصح أن يقال عنه أنه من قوم مسَّا أو مسَّاوى . وكل هذه الأسماء والمسميات تشير بصراحة شديدة إلى أنَّ هناك أمرا هاما ودورا بارزا ادَّخره الله تعالى للعرب ولجزيرة العرب . ونصوص الكتاب خير دليل على ذلك .
ترقب ظهور رسالة إلهية من جزيرة العرب
وبقايا نصوص تنبأت عن حادث الهجرة وغزوة بدر الكبرى
=============================
أولا : مع فقرة سفر أشعياء ( 21 : 11 ـ 17 )(1/3)
وعنوان هذه الفقرة كما هو مكتوب فى نسخة ( NASB ) الإنجليزية هو : ( Oracles about Edom and Arabia ) وكلمة ( Oracle ) معناها العربى هو وَحْىّ . وكلمة ( Arabia ) تعنى الجزيرة العربية ، أمَّا كلمة ( Edom ) فهى تكتب فى الأصل العبرى ( دومة ???? ) وهى المنطقة التى سكنها دومة ابن إسماعيل وذريته من بعده . وتعْرف فى الموسوعات الكتابية باسم الجوف ( el-Jof ) والتى يعرفها العرب قديما وحديثا تحت اسم دومة الجندل ( Dumat el-Jendel ) (1) المذكورة فى كتب السيرة النبوية العطرة . وهى تقع فى الشمال الغربى لشبه الجزيرة العربية . ومعنى الفقرة فى العربية هو : " وَحْىّ من جهة دومة الجندل ، ومن جهة الجزيرة العربية " .
وفى بعض النسخ الإنجليزية تم فصل الفقرة السابقة إلى فقرتين . فمثلا نجدها فى نسخة ( GNB ) قد كتبت هكذا ( A Message about Edom ) بمعنى رسالة عن ايدوم و ( A Message about Arabia ) بمعنى رسالة عن الجزيرة العربية .
... ونجدها قد كتبت بطريقة أوضح فى نسخة ( NIV ) فالفقرة الأولى جاءت بمعنى نبوءة تجاه ايدوم ( A prophecy Against Edom ) والفقرة الثانية جاءت هكذا ( A prophecy Against Arabia ) بمعنى نبوءة تجاه الجزيرة العربية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال موسوعة باكار ( BAKAR ) الأمريكية الكتابية ج 1 ص 643 .
وإلى القارىء الكريم نصّ الفقرة كما ورد فى الترجمات العربية المتداولة بأيدى الناس حاليا وذلك فى الصفحات التالية :
نسخة فانديك المعتمدة ( 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( 1988 )
11.. وحى من جهة دومة : صرخ إلى صارخ من سعير : يا حارس ما من الليل يا حارس ما من الليل ؟ ... 11 .. نبوءة بشأن أدوم : هتف صارخ من سعير : يا رقيب ماذا بقى من الليل ؟ أما آن له أن ينتهى ؟(1/4)
12.. قال الحارس : أتى صباح وأيضا ليل . إن كنتم تطلبون فاطلبوا ، ارجعوا تعالوا . ... 12.. فأجاب الرقيب : أشرق الصبح ولكن الليل أقبل معه ، فإن رغبتم فى السؤال فاسألوا ثم تعالوا وارجعوا إلى الله .
13.. نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية :
13.. وحى من جهة بلاد العرب : ... ستبيتين فى صحارى بلاد العرب يا قوافل الدادانيين .
فى الوعر فى بلاد العرب تبيتين يا قوافل الدادانيين . ... 14 .. فاحملوا يا أهل تيمان الماء للعطشان . واستقبلوا الهاربين بالخبز .
14.. هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان تيمان . وافوا الهارب بخبزه . ... 15.. لأنهم قد فروا من السيف المسلول والقوس المتوتر ، ومن وطيس المعركة .
15.. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا . من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب .
16.. فإنه هكذا قال لى السيد : فى مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار . ... 16.. لأنه هذا ما قاله لى الرب : فى غضون سنة مماثلة لسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار .
17.. وبقية عدد قسى أبطال بنى قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم . ... 17.. وتكون بقية الرماة ، الأبطال من أبناء قيدار قلة ، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
11 .. وحى على دومة : ... 11 .. قول على دومة :
صوت صارخ من سعير : يا حارس ماذا بقى من الليل ؟ يا حارس ماذا بقى من الليل ؟ ... يُصْرخ إلىَّ من سعير : يا حارس ما الوقت من الليل ؟ يا حارس ما الوقت من الليل ؟
12 .. فيجيب الحارس : يجىء الصبح ، والليل يعود . إن أردتم اطلبوا ، وتعالوا ارجعوا واطلبوا . ... 12.. فقال الحارس : الصباح آت والليل أيضا إن سألتم فاسألوا ، ارجعوا تعالوا .
13 .. وحى على العرب :
بيتوا فى صحراء العرب يا قوافل الدادانيين . ... 13 .. قول على العَرَبة :(1/5)
14 .. هاتوا ماءً للعطشان يا سكان تيمان استقبلوا الهارب الجائع بالخبز . ... فى الغابة فى العربة تبيتون يا قوافل الدادانيين
15.. هم هاربون من أمام السيوف ، من أمام السيف المسلول والقوس المشدودة وويلات الحرب ... 14 .. هاتوا الماء للقاء العطشان . يا سكان أرض تيمان استقبلوا الهارب بالخبز .
16.. وهذا ما قاله لى الرب : بعد سنة بلا زيادة ولا نقصان يفنى كل مجد قيدار . ... 15.. فإنهم قد هربوا من أمام السيوف .. من أمام السيف المسلول والقوس المشدود وشدة القتال .
17.. ولا يبقى من أصحاب القسى من جبابرة بنى قيدار غير القليل . أنا الرب إله بنى إسرائيل تكلمت . ... 16.. لأنه هكذا قال لى السيد : بعد سنة كسِنّى الأجير يفنى كل مجد قيدار .
17.. وباقى عدد أصحاب القسى من أبطال بنى قيدار يصبح شيئا قليلا ، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم .
أولا : معانى بعض الكلمات واحداثياتها الجغرافية .
وردت فى النصّ السابق بعض الكلمات ذات الدلالات الجغرافية التى تشير صراحة بعد كشف دلالاتها إلى رسالة الاسلام ونبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - مثل :ـ
.. دومة ( ????? ) وهى بمعنى هدوء كما يزعمون ، وقد وردت فى الأسفار اليهودية كاسم علم لأحد أبناء نبىّ الله إسماعيل - عليه السلام - ( تك 25 : 14 ـ 16 ) . وأيضا وردت اشارة إلى أحد القبائل الاثنى عشر الإسماعيلية المتواجدة فى جزيرة العرب . كما وردت الكلمة كاسم مكان فى الجزيرة العربية ، يزعم بعضهم أنه مكان غير معلوم ويقول البعض الآخر من علماء الكتاب المسيحى أنها واحة دومة الجندل الواقعة فى المنطقة الشمالية بمنطقة الجوف الحالية . وهى الواردة فى كتب السيرة النبوية على الطريق بين المدينة والشام .(1/6)
وواحة دومة تقع خارج حدود أرض أدوم أو إيدوم كما هو مُبين فى الخرائط الجغرافية للكتاب المقدس ، ولكنهم يحبون أن تكون احداثياتها قريبة من فلسطين فزعموا أنها بمنطقة أدوم خارج الجزيرة العربية ونطقت بذلك الزعم ترجماتهم لنصّ أشعياء كما هو ظاهر للعيان مع أنَّ الأصل العبرى مكتوب فيه دومة وليس أدوم ..!!
.. قيدار ( ??? ) ومعناها الداكن اللون أو أسمر البشرة .
وقيدار اسم علم لأحد أبناء نبىّ الله إسماعيل - عليه السلام - المذكورين فى نصّ التكوين ( 25 : 13 ـ 14 ) وهم : " نبايوت بكر إسماعيل ، وقيدار ، وأدبئيل ، ومِبْسام ومِشماع . ودومة ، ومِسَّا ، وحداد ، وتيما ، ويطور ، ونافيش ، وقِدْمِة " . وكل منهم زعيم لقبيلة من قبائل العرب القاطنة فى المنطقة الواقعة بين حويلة وشور فى اتجاه آشور كما سبق بيانه .
وتطلق أيضا كلمة قيدار على العرب القاطنين بمنطقة فاران بَكَّة . وتشير إليهم الموسوعات الكتابية بأنهم عرب الشمال تمييزا لهم عن عرب الجنوب اليمنىّ فيقال عنهم القيداريون . ومنهم جاءت قبيلة قريش الشهيرة .
وهناك اعتراف صريح فى الموسوعات الكتابية المسيحية بدين العرب القدماء الذى ورثوه عن آبائهم إبراهيم وإسماعيل وقيدار ، وهذا الدين يُطلق عليه الباحثون المسيحيون الغربيون اسم ( Pre-Islamic ) أى الإسلام الأوّلى والذى يُسميه القرآن بدين الإسلام بدون أول أو آخر ..!!
وهم يعترفون بأنَّ هذا الدين الإسلامى الأولى كان له وجود بين عرب الشمال القيداريون فى الفترة الواقعة بين سنة 1200 ق م وإلى توقيت ظهور رسالة الإسلام من مكة المكرمة .(1/7)
... وقد وردت اشارات تاريخية عن بنى قيدار ـ القيداريون ـ فى التراث الأشورى المكتشف حديثا ، تثبت أنه كان للقيداريين قوة ورهبة يعمل لها المناوئون على تفاديها ( وثائق أشور بانيبال 632 ـ 668 ق م ) . وهناك أيضا بعض الوثائق المصرية المكتوبة بالآرامية فى القرن الخامس قبل الميلاد تشير إلى الملك العربى جشيم ( Geshem ) والذى تقول عنه موسوعة زندرفان الكتابية (1) أنه هو المذكور فى سفر نحميا ( 2 : 19 ؛ 6 : 1 ـ 6 ) وهو ملك بنى قيدار . قلت جمال : وجشيم هذا يرد اسمه فى الترجمات العربية تحت مسمى جاشم والأصح أن يكون جاسم أو قاسم .
.. سعير ( ???? ) .
ويطلقون عليها مرتفعات الأدوميين والصحيح مرتفعات الدوميين ، نسبة إلى دومة ابن إسماعيل ، ومعلوم أنَّ دومة ونسله من بعده سكنوا المناطق الغربية المطلة على البحر الأحمر ، وهى التى تعرف بين عرب الجزيرة باسم مرتفعات عسير وليس سعير ، أى بتقديم العين على السين ..!! ويضعها الباحثون المسيحيون كعادتهم فى المنطقة الواقعة جنوبى البحر الميت وإلى رأس خليج العقبة على جانبى وادى عربة ( عرفة كما سبق بيانه ) . مع أنَّ النصوص وسير مجريات الأمور والحوادث التوراتية تشير إلى مكان آخر بأرض الجنوب ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 779 ...
... ومما يلفت النظر أنَّ معظم المسميات الجغرافية العربية يضعها المسيحيون الغربيون فى تلك المنطقة الصغيرة الواقعة شرقى مصر وجنوب الأردن ، كأنَّ حدود بلاد العرب الشمالية هى بداية ونهاية شبه الجزيرة العربية كلها ..!! وهذا الأمر يفهم منه أنَّ كتبة الأسفار اليهودية والمسيحية لم يكونوا يعلمون شيئا عن جغرافية بلاد العرب اللهم سوى بعض المسميات هذا إذا أحسنا الظن بهم .(1/8)
والمتأمل فى كلمة سعير بعد إعمال نظريات القلب اللغوية والتى يستخدمونها كثيرا هذه الأيام ، سوف يجد أنَّ هذه الكلمة تعادل تماما كلمة عسير بعد تغيير مكان حرف واحد فقط فى الكلمة
ع س ى ر
س ع ى ر
... ولا تزال مرتفعات عسير موجودة إلى زماننا هذا فى مكانها بإقليم الحجاز قريبة من الساحل الشرقى للبحر الأحمر ، خلاف مرتفعات سعير التى لا وجود لها فى الخرائط الجغرافية العربية سواء القديمة أو الحديثة .
... وفى تلك المنطقة ـ عسير ـ دارت المعركة بين العماليق ـ جرهم أو عبد ضخم أو المصريين القدماء ـ وبين بنى إسرائيل ( أخبار الأول 4 : 42 ) . والعجيب فى الأمر أنَّ جغرافية مكان تلك المعركة تنطبق تماما على منطقة عسير بجزيرة العرب ولا تتطابق مع جغرافية سعير المزعومة كما سبق بيان ذلك ..!!
.. تيماء ( ???? ) .
اسم أحد أبناء إسماعيل الاثنى عشر ، وهو أيضا اسم للمنطقة الشمالية الغربية لجزيرة العرب حيث استوطن فيها نسل تيما ابن إسماعيل - عليه السلام - . وهذا المكان هو نفسه المكان المسمى بأرض تيماء أو صحراء تيماء الواقعة فى النصف الشمالى الغربى للجزيرة العربية (Teima ) ، ومن المعلوم بداهة عند الجغرافيين أنَّ المدينة المنورة تقع فى أرض تيماء .
وقد جاء ذكر تيماء فى الوثائق الأكادية والبابلية ، وقد وصفتها الوثائق البابلية القديمة بأنها أرض النخيل ( Grant of specified palm land ) . ونجد مثل ذلك الوصف فى قصة إسلام الصحابى الجليل سلمان الفارسى على لسان راهب نصرانى حين أشار لسلمان عن مكان مبعث النبىّ المترقب ظهوره فقال له : " أرض بين حرتين ذات نخل ... " . فجاء سلمان إلى موطن بعثة النبىّ المترقب ظهوره بيثرب . كما أنه من المعروف فى المراجع العربية القديمة أنَّ تيماء هى وادى القرى من أعمال المدينة المنورة .
.. الديدانيون ( ????? ) .(1/9)
وهى صيغة جمع لكلمة ديدان ( ??? ) وتنطق فى العبرية ديدانيم . والديدانيون هم سكان منطقة ديدان ، وهم العرب القدماء المنحدرين من نسل نبىّ الله نوح - عليه السلام - كما ورد فى سفر التكوين ( 10 : 6 ـ 7 ) ، وأنهم ينتمون أيضا إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من خلال زوجته قطورا ( تك 25 : 3 ) . وقد ورد ذكر هؤلاء العرب الديدانيون فى الوثائق الكلدانية والأشورية .
وتقع منطقة ديدان العربية طبقا للخرائط المسيحية الواردة فى الأطالس الكتابية فى جوار منطقة المدينة المنورة ..!! وإن ذهب البعض إلى تحريك مكانها إلى الشمال كما يفعلون دائما وقالوا بأن ديدان أو دادان هى مدينة العلا فى السعودية حاليا .
( انظر الخريطة التالية ) :
ثانيا : شرح موجز للنبوءتين .
إنَّ المسميات الجغرافية السابق ذكرها فى نصّ النبوءتين ، والخريطة السابقة يضعان الشرح والتفسير فى إطار جغرافية الجزيرة العربية وفى اقليم الحجاز تحديدا رغم أنف الشرَّاح . ولن يكون الشرح صحيحا أو مقبولا عند الباحثين بدون التطبيق الفعلى لاحداثيات الواقع الجغرافى .
وحيث أنه لم يثبت فى الأسفار اليهودية والمسيحية شيئا يذكر عن حدوث ظاهرة الوحى الإلهى داخل جزيرة العرب منذ عصر أشعياء وإلى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - فإنَّ توقيت حدوث هاتين النبوءتين سيقع حتما بعد عصر المسيح - عليه السلام - . وقطعا هناك فرق بين الزمن الذى قيلت فيه هاتين النبوءتين وبين زمن تحقق النبوءتين .
وأستعين بالحىّ الذى لايموت وأقول :
يسمع أشعياء النبىّ صوت صارخ فى البرية من جهة سعير ـ عسير ـ يقول يا حارس .. يا رقيب .. أمَا آن لليل الكفر هذا أن ينجلى ..!؟ فيرد عليه الحارس الرقيب : لقد أشرق صباح الإيمان ولكن ليل الكفر سرعان ما جاء معه . فيا أيها السائلين المترقبين إن أردتم الإيمان فاطلبوه حيث تجدوه فأسألوا وتعالوا وارجعوا إلى الله .(1/10)
ومن المعلوم جيدا أنَّ دومة الجندل تعتبر من المناطق التى انتشرت فيها النصرانية قبل ظهور الاسلام ، وحوادث غزوها من قبل جند الاسلام مُسَجَّلة فى السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام .
ففى قول النبوءة " يأتى صباح ومعه ليل " اشارة إلى رسالة المسيح - عليه السلام - والتى أطفأ نورها سريعا بولس الطرسوسى وتابعيه من اليونان والرومان . فلم تستمر الديانة النصرانية الحقة فى تلك المناطق العربية مثل دومة الجندل لمدة كبيرة ، إذ سرعان ما جاء الليل مع الصباح . ودليلنا على ذلك هو قول المسيح - عليه السلام - " النور باق معكم وقتا قصيرا " ( يوحنا 12 : 35 ) يقصد عليه السلام نور بعثتة وإنجيله . والواقع التاريخى يشهد على صحة وقوع تلك النبوءة وما جاء فى آخرها من أقوال تشابه أقوال المسيح - عليه السلام - مثل : " إن سألتم فاسألوا ثم تعالوا وارجعوا إلى الله " . والرجوع والعودة إلى الله لا يكون إلا بعد ابتعاد عنه بكفر أو معصية .
وورود كلمة سعير ـ عسير ـ هنا فيها اشارة إلى موطن النور الخاتم والرسالة التالية لرسالة المسيح - عليه السلام - . وتحققت النبوءة حين ظهر الإسلام من منطقة الحجاز الواقع فيها مرتفعات عسير وأسلم نصارى دومة الجندل وأسلم ملكها . ولا علاقة بظهور المسيحية من تلك المناطق العربية حتى نصرف شرح النبوءة إلى رسالة المسيح - عليه السلام - .
أمَّا عن النبوءة الثانية ففيها ايضاحا أكثر للاحداثيات الجغرافية والمكانية . ففى ترجمة فانديك المعتمدة لدى الكنائس العربية ( ط 1977 ) جاءت الفقرة هكذا : " وحى من جهة بلاد العرب " وهو معنى صريح وواضح لا يحتاج إلى تفسير . وإن حاول المترجمون العرب لنسخة الآباء اليسوعيين طمس معالم هذه الفقرة بقولهم : " قول على العربة " ..!!(1/11)
... فأية عربة وأية سيارة التى يأتى القول عليها ..!؟ هل يقصدون أرض وادى عربة شرقى سيناء مصر أم ماذا ..!؟ مع أنَّ الترجمات الإنجليزية تقول ( Arabia ) أى أرض جزيرة العرب . وأيضا فى قولهم " فى الغابة " بدلا من " صحراء العرب " فأية غابة يقصدون فى صحراء جزيرة العرب ..!؟
ومن المعلوم أنَّ بلاد العرب لا يوجد فيها غابات حتى تترجم الفقرة هكذا ولكن الحق يظهر خافتا أحيانا من بين ثنايا الحروف والكلمات ، فأرض المدينة المنورة يكثر فيها النخيل ، بل فيها منطقة تُسَمَّى بـ " الغابة " . سُمِّيت بها احدى غزوات النبىّ - صلى الله عليه وسلم - . حيث جاء فى كتب السيرة اسم " غزوة الغابة " وهى التى أطلق فيها النبىّ - صلى الله عليه وسلم - لقب خيل الله على جنود الاسلام حين نادى عليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يا خيل الله اركبى " .
أمَّا عن الديدانيون فهم العرب المنحدرون من نسل نوح - عليه السلام - . يقول علماء الكتاب المقدس أنهم يقطنون فى المناطق الشمالية الغربية لجزيرة العرب ومنها منطقة تيماء الحجاز الواقعة بين المدينة المنورة وخيبر . فبيات قوافل الديدانيون فى صحراء العرب ـ تيماء ـ فيها اشارة إلى مكثهم فى ظلام الكفر وليله إلى أن يأتى إليهم النور المبين وفجر الإيمان .
أمَّا عن الجُمَل التالية ففيها حذف كثير ، ولكن ما بقى منها يظهر الحق الدفين فمن هو ذلك الشخص الذى سيستقبله سكان تيماء والذى أطلق عليه المترجمون لقب الهارب والعطشان ..!؟(1/12)
الإجابة غير واضحة والصمت مطبق حول تلك الشخصية فى شروحهم للكتاب . والكلمة العبرية التى ترجموها إلى الهارب هى ( ??? ) والتى تنطق نادَد من الجذر اللغوى ( ندد ) وهذا الجذر يوجد بمعناه فى العبرية والعربية . ومعلوم أنَّ تكرار الحرف هو بمثابة تشديده ، فالكلمة ندَّ هى فى الأصل ندد . فـ نَدَّ بفتح النون فيه معنى التحرك والانتقال ومنه يوم التناد وقولهم ذهبوا أناديد أى تفرقوا بعيدا . و نِدَّ بكسر النون فيه معنى النظير والمثيل ومنه قوله تعالى " فلا تجعلوا لله أندادا " .
والكلمة المبحوث عنها هنا فى الأصل العبرى مكتوبة بفتح النون فتحة طويلة تستدعى ظهور حرف الألف بعد النون ، ثم فتح الدال الأولى فتحة عادية ثم الدال الثانية مهملة التشكيل هكذا نادَد (1) ، فهى على وزن فاعَل وليست على وزن اسم الفاعل فاعِل . وهذا الوزن فاعَل فيه معنى المفاعلة . فكلمة نادَد فيها معنى الانتقال من مكان إلى آخر مثل كلمة هاجَر التى فيها معنى المهاجرة وليست مثل هارب أو لاجىء بكسر الحرف قبل الأخير . فقولهم فى الترجمات العربية هارِب ولاجىِء تعتبر ترجمات خاطئة لم يراعى فيها الوزن اللغوى للكلمة أو المعنى المقصود . والأغرب فى أمر ترجمة كتاب الحياة المصرية والتى هى بمثابة ترجمة تفسيرية للنصوص ، أن تأتى فيها الكلمة بصيغة جمع فقالت " الهاربين " حتى تشتت فكر القارىء ..!!
ثم ينقطع الحديث عن ذلك المُهَاجر الذى سيستقبله أهل تيمان ويتحول النَصّ إلى الكلام عن مهاجرين بصيغة الجمع من الجذر نَدَد ( ??? ) أيضا . وليس عن هاربين أو فارّين كما جاء فى الترجمات العربية أو الأجنبية . مهاجرون قد تركوا مكان سكناهم تحت وطأة السيوف المسلولة والأقواس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة رقم ( 5074 ) وتشكيلها فى القاموس العبرى الكلدانى لأسفار العهد القديم :
Gesenius Hebrew-Chaldee lexicon to Old Testament(1/13)
المشدودة . ثم ينقطع الحديث عن هؤلاء المهاجرين كما انقطع سابقا عن المهاجر ويتحول الكلام إلى نبوءة زمانية مقدارها " سنة كسنة الأجير " تقاس من بعد حدث الهجرة إلى أهل تيماء ، حيث تدور بعدها معركة يفنى فيها مجد بنوقيدار ..!!
... وقد سبق الكلام عن قيدار وبنوقيدار ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليها الصلاة والسلام . وتم بعون الله معرفة مكان سكناهم ببكة المكرمة . إنها معركة تدور بين المهاجرين الذين هاجروا إلى أهل تيماء وبين جبابرة بنوقيدار أهل مكة .
إنها الحقيقة التاريخية الواضحة الجلية التى تحققت احداثياتها الزمانية والمكانية فى غزوة بدر الكبرى بين المهاجرين وجبابرة قريش وفقدت فيها قريش مجدها الحربىّ وقتل فيها أبطالها . وقطعا هذه النبوءة كانت على بلاد العرب كما هو مُسَجل فى نصِّهَا ويمكن لأى إنسان عادى أن يتتبع أسماء الأماكن وأسماء الأشخاص وبالرجوع قليلا إلى القواميس الكتابية لمعرفة أصول الكلمات يمكنه أن يعرف الحق .
ولا دخل للديانة اليهودية أو المسيحية بهاتين النبوءتين ، فمكانهما وزمانهما يحددان الحق الأبلج . ثم تختم النبوءة الأشعيائية بالخاتم الإلهى حتى لا يشك فى تلك الأقوال شاك : " أنا الرب إله بنى إسرائيل تكلمت " .
ثانيا : مع فقرة سفر أشعياء ( 42 : 11 ـ 13 )(1/14)
يبدأ ذلك الاصحاح ببداية تنقلنا إلى قول الصحابى الجليل وحبر الكتاب المقدس عبد الله بن سلام فى الاشارة إلى النبىّ العربىّ - صلى الله عليه وسلم - كما وصفته التوراة : " هو ذا عبدى الذى أعضده ، مختارى الذى ابتهجت به نفسى ، وضعت روحى عليه ليسوس الأمم بالعدل . لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته فى الطريق لا يكسر قصبة مرضوضة ، وفتيلة مدخنة لا يطفىء . إنما بأمانة يجرى عدلا . لا يكل ولا تثبَّط له همَّة حتى يرسخ العدل فى الأرض ، وتنتظر الجزائر شريعته . هذا ما يقوله الله ، الرب خالق السماوات وباسطها ، وناشر الأرض وما يستخرج منها " . ( أشعياء مبتدأ الاصحاح رقم 42 نسخة كتاب الحياة ) .
إنها بعض صفات ذلك المُهَاجر الذى ذكر فى الاصحاح رقم 21 فقرة 14 السابق ذكره . إنه عبد الله صاحب الشريعة التى تنتظرها الأمم ، الشريعة التى ستنشر العدل بين الأمم . وإنى لأترك للقارىء الذكى المؤمن التقى المحب للعدل والحق أن يراجع نفسه طويلا قبل أن يتسرع ويسمى صاحب تلك الشخصية .
إنها شخصية إنسان عَبْدٌ ( ??? ) لله تعالى وليس بفتاه ، والكلمة العبرية هنا تكتب فى الأصول العبرية ( عِبد ??? ) بكسر العين والباء ، ولكن فى أصل أشتقاقها اللغوى نجدها مأخوذة من الكلمة عَابَد بفتح العين فتحة طويلة تستوجب ظهور الألف بعدها ثم فتح الباء فتحة عادية (1) . فأصل الكلمة ومعناها وطريقة نطقها ثابت فى كل مجموعة لغات اللسان العربى القديم التى يطلقون عليها اسم مجموعة اللغات السامية . مثل الكلدانية والآرامية والعربية والعبرية . لأنها كلمة تحوى العلاقة بين الخالق والمخلوق .
والأمر هنا يحتاج لبعض الإيضاح اللغوى للتفرقة بين كلمتى عبد و فتى فى اللسان العربى . فكلمة عبد لها احتمالان فى المعنى الاشتقاقى :(1/15)
فإن كان المعنى المراد منها وصف العلاقة بين الانسان وإلهه فهو عبد بمعنى عَابِد وهم عِبَاد . وتلك الصفة لا تأتى إلا وصفا للإنسان المطيع لربه حبا واختيارا .. فأولئك هم عباد الله المقربين . وتأتى أيضا وصفا للإنسان عامة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كلمة عِبِد تحت رقم ( 5650 ) وكلمة عَابَد تحت رقم ( 5647 ) من القاموس العبرى الكلدانى الكتابى
المتخصص : Gesenius Hebrew-Chaldee lexicon to Old Testament
الخاضع لله وحسابه سواء كان باختيار أو بعدم اختيار ، فهو عبد لله رغم أنفه وهم عبيد لله تعالى . وهؤلاء الناس طبقة أدنى كثيرا من طبقة عِبَاد الله .
وإن كان المعنى المراد غير متعلق بالله تعالى ، فتطلق كلمة عبد على كل إنسان غير حُرّ أى الذى يُباع ويُشترى ، فهو لسيده الانسان عبد ويُعَبَّر عنه فى الإنجليزية بكلمة ( slave ) . ويُعَبَّر عنه فى مجموعة لغات اللسان العربى بكلمة فتى للمذكر وفتاة للأنثى ، وهذا المعنى يذكرنا بقول النبىّ العربىّ - صلى الله عليه وسلم - " لا تقولوا عبدى وأمتى ولكن قولوا فتاى وفتاتى " أو كما قال .
ومن عجائب المترجمين الأوربيين لنصوص أسفار الكتاب المقدس أنهم عندما أرادوا ترجمة كلمة عبد العبرية التى بمعنى عَابد ، وقفوا أمام اختيارين إمَّا أن يقولوا ( slave ) بمعنى العبد نقيض الحُرّ وإمَّا أن يقولوا ( son ) بمعنى فتى . واختاروا كلمة ( son ) بمعنى فتى ، ولكنها تفيد معنى العبودية للبشر دون العبودية لله تعالى التى لا يوجد معناها فى كلمة فتى ..!!
وهكذا تُرجمت الكلمة فى النسخ العربية إلى كلمتى فتى وفتاى ، وما أسهل أن يمضى الزمان ويفهم الأحفاد الذين لا يعلمون لغة الأصل أنَّ كلمة فتى تفيد معنى كلمة إبن . ومن هنا بدأت المشكلة ، وتم الابتعاد عن المعنى الأصلى وتم تحويل معنى النص الأشعيائى ( 42 ) إلى نبوءة بشأن الابن دون عبد الله .(1/16)
وتتوالى النصوص التى تحدد الاحداثيات المكانية والزمانية ، لتعيين المكان الذى سيظهر منه ذلك الشخص المُسمى بـ عبد الله . والمفسرون المسيحيون لا يهمهم كثيرا النظر إلى الاحداثيات المكانية للنصوص . لأنَّ الفكرة مسيطرة عليهم تماما بأنَّ ذلك العبد هو الابن . فعَمُوا وصَمُّوا عن سماع الحق من فوق صفحات كتابهم .
وسوف أذكر بعون الله تعالى وعلمه بعضا من تلك النصوص التى تشير إلى مكان ظهور عبد الله من قلب أرض الجنوب فى جزيرة العرب ، وهذا الأمر لا يمكن أبدا أن يوصف به الابن الذى لم تطأ قدماه أرض جزيرة العرب حسب نصوص الكتاب .
نسخة فانديك المعتمدة ( 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( 1988 )
11.. لترفع البرية ومدنها صوتها ، الديار التى سكنها قيدار . لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا . ... 11.. لتهتف الصحراء ومدنها ، وديار قيدار المأهولة ، ليتغن بفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال .
12.. ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبحه فى الجزائر . ... 12.. وليمجدوا الرب ويذيعوا حَمْدَه فى الجزائر .
13.. الرب كالجبال يخرج . كرجل حروب ينهض غيرته . يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه . ... 13.. يبرز الرب كجبار ، يستثير حميته كما يستثيرها المحارب ، ويطلق صرخة حرب داوية يظهر جبروته أمام أعدائه .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
11.. لترفع القفار والمدن صوتها ، والديار التى يسكنها بنوقيدار . ليرنم سكان مدينة سالع وليهتفوا من رؤوس الجبال . ... 11.. لترفع البرية ومدنها صوتها ، والحظائر التى يسكنها قيدار ، وليهتف سكان الصخرة وليصيحوا من رؤوس الجبال .
12.. ليعطوا للرب مجدا ، ويهللوا له فى جزر البحر . ... 12.. ليؤدوا المجد لله ، ويخبروا بحمده فى الجزر .
13.. الرب يبرز للقتال وكمحارب جبار يثور . يهتف ويصرخ عاليا ، ويظهر جبروته على أعدائه . ... 13.. الرب كجبار يبرز ، وكرجل قتال يثير غيرته ويصرخ صرخة إنذار ويزعق ويتجبر على أعدائه .(1/17)
أولا : شرح جغرافى لغوى لكلمات النصّ .
.. ديار قيدار ( بنوقيدار ) : سبق الكلام عن مواطن سكنى بنو قيدار ذرية نبىّ الله إسماعيل - عليه السلام - . والكلام هنا يدور حول ديار بنوقيدار أى منطقة مكة المكرمة . والقريشيون من بنى قيدار بلا خلاف بين المؤرخين والنسَّابين العرب .
.. سِلَع ( ??? ) و أهل سِلَع : وتكتب فى الأصل العبرى ( ??? ) مِن ثلاث حروف هى ( س ل ع ) . ويلاحظ جيدا أنَّ حرف السين مكسور حيث كُتِبَ تحته ثلاث نقاط تفيد الكسر فى العبرية ، وحرف اللام مفتوح ثم العين مهملة التشكيل فالنطق الصحيح للكلمة هى سِلَع وليس سالع بفتح السين فتحة طويلة كما جاء فى النسخ العربية . وهذا الجذر اللغوى غير معروف فى العبرية وإنما هو عربى مائة فى المائة تجده فى المعاجم العربية وفى كتب السيرة والحديث والشعر العربىّ (1) .
إنَّ الاسقاط الجغرافى والتاريخى لمدينة سِلَع يشيران إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، حيث نطقت باسمها أشعار العرب القدماء فى جاهليتهم وتناقلته عامتهم . ولا يزال هناك جبلان بها يحملان ذات الاسم القديم . فهناك جبل سِلَع الذى ورد اسمه فى قصيدة للشاعر الجاهلى الشنفرى ابن أخت تأبط شرا حين قال فى رثاء لخاله تأبط شرا :
إنَّ بالشعب الذى دون سِلَع .. لقتيلا دمه ما بطل
وهو من قصيدة من خمسة وعشرون بيتا مذكورة فى ديوان الحماسة .
وهناك أيضا جبل آخر صغير بالمدينة يسمى سُلَيْع تصغير على وزن جُبَيْل (2) . وقد ذكر وبيَّنَ المؤرخون العرب والنسَّابون أنَّ سِلَع من أسماء المدينة المنورة قديما .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع جميع كتب الحديث وخاصة الصحيحين البخارى ومسلم ، وسيرة ابن هشام ، وغريب الحديث ، وكتب
الشعر الجاهلى ، ومعاجم اللغة وخاصة لسان العرب لابن منظور وغيرهما لتقرأ جميع اشتقاقات الكلمة سلع
ومعانيها المختلفة .
((1/18)
2) .. راجع تاج العروس بشرح القاموس للزبيدى ج 5 ص 383 .
وكان اليهود يعلمون جيدا مكان سِلَع وموطن ظهور عبد الله الذى سيسوس الأمم بالعدل وينشر شريعته بين الأمم ، المهاجر ( نادَد ??? ) إلى مدينة سِلَع ( ??? ) أرض النخيل والغابة . واستوطنت قبائل منهم قريبا من سِلَع مثل بنوقريظة وبنوقينقاع وبنوالنضير وغيرهم . وكانوا يستفتحون على الذين كفروا من أهل سِلَع بذلك النبىّ المنتظر ظهوره هناك ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .
... ثانيا : شرح موجز للنصّ .
لقد مَرّ علينا الكلام عن فاتحة ذلك الاصحاح الثانى والأربعين ، ووجدنا فيه الوصف الدقيق لرسول الله وعبده المختار من بين خلقه - صلى الله عليه وسلم - . وهنا يُكشف الستار عن مكان ظهور ذلك النبىّ العربىّ المختار - صلى الله عليه وسلم - من الديار التى يسكنها بنوقيدار أى مكة المكرمة ، وموطن هجرته إلى سِلَع أى المدينة المنورة . واستقبال أهلها له بالهتاف والأناشيد من فوق رؤوس الجبال .
إنه اسقاط للنبوءة الأشعيائية على أرض الواقع والتاريخ الصحيح دون تحريف أو تزييف . فلن تنتقل سِلَع من مكانها فى أرض الجنوب وتوضع فى جنوب الأردن كما فعلوا فى خرائطهم الكتابية ..!!
... ولم يوجد على ظهر الأرض حاليا من يقول سبحان الله أو الحمد لله غير المسلمين . وهاتان العبارتان مطلوب نشرهما فى كل بلاد العالم ـ الجزائر ـ كما ورد فى النصّ . ولم يقم أحد بنشرهما إلا المسلمون .
فهل بعد ذلك البيان بيان ..!؟
لقد ذهب غالبية علماء المسيحية إلى أنَّ مدينة سِلَع هى عاصمة دولة العرب الأنباط فى جنوب الأردن قريبا من مدينة العقبة . وهذه المدينة يطلق عليها اليونان اسم بَطرا ( Petra ) بمعنى الصخرة مؤنث بُطرُس ..!!
ولذلك تجد اسم المدينة سِلَع قد كُتِب فى الترجمات الإنجليزية صخرة ( Rock ) وكما فعلت النسخة العربية للآباء اليسوعيين مع أنَّ الكلمة عربية وليست بعبرية أو يونانية ..!!(1/19)
والحقيقة خلاف ذلك تماما ، حيث نطقت أحجار تلك المدينة التى كانت عاصمة لدولة العرب الأنباط باسمها العربىّ الحقيقىّ ، فعلى مسلتين من المسلات الحجرية فى مدخل تلك المدينة الغابرة نُقِش الاسم بالحرف النبطى . إنها مدينة الرقيم وليست مدينة سِلَع (1) . ونطقت بذلك الاسم السجلات اليهودية القديمة مثل كتابات المؤرخ اليهودى القديم يوسف ابن متى المتوفى فى بداية القرن الثانى الميلادى .
يقول المؤرخ العربى الأصل ، المسيحى الديانة فيليب حتى فى تأريخه لسوريا : " إن كلمة بتراء ( Petra ) هى اللفظ اليونانى لكلمة صخرة وفى العربية الفصحى الرقيم وهى ترجمة كلمة سِلَع ( Sela ) العبرية " (2) .
وقد مرّ علينا أنَّ كلمة سِلَع ليست بعبرية ولا يعرف لها استخدام فيها . والصحيح هو الذى قلته لك أيها القارىء بشهادة النقوش التى على الأحجار . فهناك مدينة سِلَع بأرض الجنوب العربى ، وهناك مدينة الرقيم فى جنوب الأردن . ونصوص سفر أشعياء لا تنطبق على مدينة الرقيم ولم يهاجر إليها أحد ولم تحدث حرب بين أهلها وبين جبابرة بنى قيدار بعد سنة واحدة كسنين الأجير من حادث الهجرة . ونستكمل شرح النصّ بعون من الله تعالى :
... أمَّا عن الرب الذى يصرخ ويزعق ويقاتل بجسمه كالمحارب الجبار . فهو من هوس الترجمات الخاطئة . فكلمة الرب هنا نجدها فى الأصول العبرية كُتِبت من أربعة حروف صوامت أى لا تنطق فى كلمة واحدة وهى ( ى هـ و هـ ???? ) . وهذه الحروف الأربعه يشير بها اليهود إلى اسم إلههم القومى ولا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى أصحاب الكهف والرقيم لتتعرف على تفاصيل مدينة الرقيم وتاريخها العربى القديم .
(2).. تاريخ سوريا ج 1 ص 418 .
ينطقونها أبدا ولا تجرى على ألسنتهم . ومن نطق بها من اليهود يعتبر مُجَدِّفا على الله وعقابه الموت . ولذلك فهم يقولون بدلا منها أدوناى أى سيدى (1) .(1/20)
وحقيقة النصّ هنا تفيد بأنَّ هناك إنسان عظيم القدر عند الله ، إنسان مقاتل يحارب ويصرخ فى وجه أعدائه ليخيفهم وينتصر عليهم . إنها صفات إنسان وليست بصفات إله ، فما بالكم برب العالمين ..!!؟
إنها صفات النبىّ العربىّ - صلى الله عليه وسلم - صاحب الحروب والغزوات المقدسة لنشر شريعة الله بين الناس . النبىّ العربىّ الذى كان يقول فى وسط أتون المعارك وبصوت مرتفع " أنا النبىّ لا كذب . أنا ابن عبد المطلب " أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - .
وأيا كانت النتائج والقرارات المستنبطة من تلك النصوص ، فإنه تبقى أمام الباحثين حقيقة واضحة لا تُدحض أبدا ، ألا وهى أنَّ تلك المناطق الجغرافية المذكورة فى النصوص والمتواجدة فى أرض الجنوب العربىّ لم يخرج منها نبىّ صاحب رسالة من بعد موسى وعيسى عليهما السلام سوى نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - . اللهم ألا إنِّى قد بذلت الوسع والجهد فى إبانة الحق وأوضحته للقرَّاء ، فمن اتبع الحق فقد فاز ومن عاند واستكبر فعليه عناده واستكباره .
ثالثا : مع نص أشعياء إصحاح رقم 60 ..
وفى هذا الاصحاح نجد الكلام فيه يدور حول بيت الله الحرام بمكة المكرمة . وبرهانى فى ذلك هو الاسقاط الجغرافى لأماكن الأحداث والمواقع المكانية فى النصوص ثم النظر إلى الواقع التاريخى المُشَاهَد للأحداث الجارية . ويعتبر شرح هذا الاصحاح وفق التصورات المسيحية من أعقد الأمور وأصعبها فمعظم أحداثه تدور فى قلب أرض الجنوب فى جزيرة العرب وإن جاء فيه كلام عن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راحع التفصيل والايضاح فى كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية " .
أورشليم الجديدة . وطوائف المسيحية قاطبة مختلفة فى تعيين مكان وزمان أورشليم الجديدة هذه .(1/21)
... فمنهم من يضعها فى السماء . ومنهم من يجعلها على الأرض . ومنهم من يضعها فى الزمان الماضى . ومنهم من يضعها فى آخر الزمان الآتى . ومنهم من يجعل حُرَّاسها من القديسين والرهبان . ومنهم من يجعل سكانها من المسيحيين المولودين حديثا . ومنهم ... ومنهم ... ومنهم ... الخ .
ولكن بنظرة عابرة على النصوص اليهودية والمسيحية نجد أنَّ الكلام يدور حول مدينة أورشليم قبل تدميرها على يد البابليين ، ومدينة أورشليم الجديدة بعد الرجوع من الأسر البابلى . وهذا الواقع التاريخى للمدينة ولمعبد اليهود الذى بها ليس فيه نبوءات إلا نبوءة المسيح - عليه السلام - بتدمير هيكل اليهود وبيتهم . وقد تم ذلك الأمر على يد الرومان سنة 70 م .
ولكن عندما نجد الكلام يأتى عن بيت الله الأول و بيت الله الأخير . فالأمر فيه مختلف . فبيت الله الأول وجودا على الأرض معلوم محفوظ مكانه بأرض الجنوب وقد سبق بيان القول فى رفع قواعده بواسطة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام من قبل أن يكون لله بيتا آخرا فى فلسطين ، والذى تقول التوراة أنَّ الذى بناه هو سليمان بن داود عليهما السلام .
وتناسى اليهود بيت الله العتيق بمكة ، وأكثروا القول حول بيت المقدس بفلسطين . وبظلمهم وعصيانهم لربهم وقتلهم أنبيائهم سَلَّطَ الله عليهم من يدمر قدسهم وحَرَمِهم وأن يجعلهم أسرى ببابل . وحين عادوا إلى ربهم قيض الله لهم من يرجعهم إلى فلسطين ويبنى لهم بيتهم فى أورشليم . فلما عادوا وعاندوا وقتلوا أنبيائهم وقالوا إنا قتلنا المسيح ابن مريم عاد الله عليهم بعباد أولى بأس شديد فدمروا لهم بيتهم وقدسهم وشرَّدوهم فى البلاد ولم تقم لهم قائمة إلى أن جاء بهم الغرب المسيحى إلى فلسطين ثانية .(1/22)
وفى خلال تلك الحقبة القديمة من تاريخهم ظهر فيهم أشعياء النبىّ المنسوب إليه السفر المبحوث فيه هنا ، ظهر فيهم وهو يصحح لهم المسار . فأشار إلى النبىّ العربى الخاتم الذى سيبعثه الله من أرض الجنوب ، وأشار إلى بيت الله العتيق بمكة الذى سيكون جديدا على البشرية جمعاء . ولكن علماء المسيحية يجعلون هذا البيت الجديد رمزا للكنيسة . ولكل طائفة منهم كنيسة وكنائس مختلفة ..!!
وتنفرد الكتب السبيلية ( Sibyllian Books ) الرؤوية اليهودية وأخص بالذكر منها كتاب إدريس ( أخنوخ ) الذى كُتِب بعد خراب مدينة القدس والهيكل على يد الرومان سنة 70 م وفى الفترة التى نُشِرت فيها رؤيا يوحنا اللاهوتى . حيث جاء فى سفر رؤيا إدريس تحول بيت الله فى أورشليم القدس إلى جهة أخرى صوب الجنوب . أى بأرض الجنوب عند بيت الله العتيق بمكة المكرمة (1) .
... وها نحن نجد أنفسنا مرة أخرى نتجه صوب أرض الجنوب إلى حيث اتجه أبو الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - سابقا إلى بيت الله ( بيت إيل ) ببكة . حيث وقف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - هناك يؤذن للناس بالحج ، ليأتوا إلى ذلك المكان المقدس من كل فج عميق ( 27 / الحج ) وأَسمع الله دعوة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - تلك للناس فى كل مكان وكل زمان ولبوا النداء . وتقول التوراة " ودعا هناك إبراهيم باسم الرب " ( تك 13 : 4 ) . ... وكلمة هناك كما سبق البيان تشير إلى مكان بيت الله الذى يكتبونه بيت إيل ( ??? ?? ) .
... وقبل الدخول إلى شرح المفردات الجغرافية للاصحاح الستون من سفر أشعياء . أذكر للقارىء اللبيب الباحث عن الحق والحقيقة نصَّا فى المسألة مأخوذ من آخر أسفار الكتاب المقدس تدوينا . من سفر حجى أوحجاى ( انظروا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن كتاب عبد الأحد داود أسقف أرمنيا ( محمد - صلى الله عليه وسلم - فى كتاب اليهود والنصارى ) ص 214 .(1/23)
جيدا إلى اسم السفر وعلاقته بـ الحج ..!! ) ( 2 : 7 ـ 9 ) :
انظر الجدول التالى :
نسخة فانديك المعتمدة ( 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( 1988 )
7.. وأزلزل كل الأمم ويأتى مُشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجدا . قال رب الجنود . ... 7.. وأزعزع أركان جميع الأمم فتجلب نفائسهم إلى هذا المكان وأملأ هذا الهيكل بالمجد .
8.. لى الفضة ولى الذهب يقول رب الجنود . ... 8.. فالذهب والفضة لى يقول الرب القدير .
9.. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود . وفى هذا المكان أعطى السلام يقول رب الجنود . ... 9.. ويكون مجد هذا الهيكل الأخير أعظم من مجد الهيكل السابق ، وأجعل السلام يسود هذا الموضع يقول الرب القدير .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
7.. وأزلزل جميع الأمم فتأتى كنوزها لتملأ هذا البيت مجدا . ... 7.. وأزلزل جميع الأمم وتأتى نفائس جميع الأمم فأملأ هذا البيت مجدا قال رب القوات .
8.. لى الفضة ولى الذهب يقول الرب القدير . ... 8.. لى الفضة ولى الذهب يقول رب القوات .
9.. وسيكون مجد هذا البيت الأخير أعظم من مجده الأول . وفى هذا الموضع أعطى السلام . يقول الرب القدير . ... 9..وسيكون مجد هذا البيت الأخير أعظم من الأول ، قال رب القوات . وفى هذا المكان أعطى السلام يقول رب القوات .(1/24)
وهناك إيضاح لبعض أصول الكلمات المترجمة فى النصّ لابد منه حيث تلاعب فيها المترجمون فى ترجماتهم المغرضة . فمثلا الكلمة العبرية التى تُرْجمت إلى ( مُشتهى وكنوز ونفائس ) نجدها فى الأصل العبرى تُكتب هكذا ( ????? ) وتنطق حِمِيدة وتحمل الرقم ( 2532 ) فى القواميس الكتابية المتخصصة ، ويقولون لك فى هذه القواميس أنَّ هذه الكلمة مشتقة من الجذر العبرى حِمِد ( ???? ) الذى يحمل الرقم ( 2531 ) وهو بالتالى مأخوذ عن الجذر الآرامى حَامِد وحامَد والذى يكتب بالحرف العبرى هكذا ( ???? ) ورقمه ( 2530 ) . ويلاحظ جيدا أنَّ حرف الحاء فى العبرية مكسور ( حِ ) وفى الآرامية نجد أنَّ الحاء مفتوحة بفتحة طويلة تستوجب ظهور حرف الألف بعدها ( حَا ) كما هو ظاهر فى الرسم الذى أمامك .
المهم أنَّ الكلمة مُشتقة من الجذر اللغوى ( ح م د ) وهو ثابت فى معناه فى اللغات الثلاث العربية والعبرية والآرامية ففيه معنى الاطراء والمديح والثناء .
... والكلمة فى هذا النصّ تشير إلى اسم شخص سيأتى إلى جميع الأمم وليس لبنى إسرائيل وحدهم . وأصل الفقرة رقم 7 فى الأصل العبرى هو ( فى يافوا حِمِيده كول هاجوييم ) ومعناها حرفيا ( وسوف يأتى حِمِيده لكل الأمم ) . وهذا الشخص حِمِيده سيملأ بيت الله مجدا وفخرا كما هو مذكور فى الترجمات العربية . والمجد والفخر شيئان معنويان كعلو الذكر والتقديس والتوجه بالعبادة لرب هذا المكان ، ومن غير المعقول أن تكون النفائس أو الكنوز هى التى ستملأ البيت مجدا وفخرا ..!!
والعالم أجمع يعرف جيدا أنَّ بيت الله بمكة كان قاصرا على العرب فقط قبل الإسلام ، يحجون إليه ويعبدون رب هذا البيت ، إلى أن ظهر مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ومعه رسالة الاسلام ، فقدَّس المسلمون فى كل بقاع الأرض وفى جميع الأمم هذا البيت وصارت أفئدتهم تهوى إليه بالحج والعمرة ويتوجهون إليه فى صلاتهم خمس مرات كل يوم .(1/25)
والله لو أنصف المترجمون وخافوا الله وكتبوا كلمة حِمِده أو حِمِيده أو حَمد أو جميع صيغها كما هى فى الأصل العبرى لفهم القارىء العربى المعنى المراد من النصّ . ولكنهم أرادوا صرف أنظار القارىء عن الحق فقالوا نفائس وكنوز .
تأملوا جيدا قُرَّائى الأعزاء فى استبدال كلمة بيت بكلمة هيكل فى نسخة كتاب الحياة المصرية ، إنهم مُصِرُّونَ على قلب الحقائق وصرف أنظار الناس عن الحق . ففى الأصل العبرى نجد كلمة بيت ( ??? ) ولا نجد كلمة هيكل فى النصّ فلماذا هذا التحريف المقصود ..!؟
المهم أنه فى هذا المكان أى بيت الله سوف يُعطى الله السلام للناس . وكلمة السلام فى أصلها العبرى ( ???? ) شالوم أو ( ??? ) شالم وكلاهما يحملان الرقم ( 7965 ) مع ملاحظة أنَّ حرف الشين العبرى هنا يعادل السين فى العربية والآرامية . وهما مأخوذتان من الجذر ( ??? ) شلم الذى يحمل الرقم ( 7999 ) . فالكلمة العبرية شالوم و شلام ليس لها فى العربية مرادف سوى سلام و إسلام . وهما بمعنى الأمان والإسلام (1) .
وفى بيت الله أعطى الله الإسلام للناس كافة ، وفى بيت الله أعطى الله الأمان للناس المتواجدين فيه فقال تعالى " ومن دخله كان آمنا " أى أمِّنوه يا مُسلمون . فتحقق المعنيان فى بيت الله بمكة ولم يشهد التاريخ أنه قد تحقق شىء من ذلك فى بيت المقدس . ولا يزال التاريخ والواقع يشهد على ذلك بعد أن وقع بيت المقدس أسيرا تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى .(1/26)
... وهناك مقارنة تاريخية ثانية بين بيت الله بمكة وبين بيت المقدس ، فقد حمى الله بيته بمكة من الغزاة ومن الدمار وحادثة أصحاب الفيل ماثلة أمام الأعين . ولم يحم بيت المقدس من الغزاة ومن الدمار فقد دَمَّره الآشوريون ثم الرومان ولم تقم له قائمة فى العصر المسيحى والاسلامى وإلى يومنا هذا لا يوجد منه حجران يشهدان عليه . وإنما هناك المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله . فأعطى الله فى بيته هناك السلام ولم يعطه فى بيت المقدس . فهل فهمنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمات أرقام ( 2532 ) و ( 2531 ) و ( 2530 ) التى تشير إلى نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - و الكلمتان أرقام
( 7965 ) و ( 7999 ) اللتان تشيران إلى الإسلام فى كل من القاموسين الكتابيين المتخصصين جدا :
( Strong Exhaustive concordance ) و ( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon ) .
الأمور على حقيقتها ونزعنا الخشبة من أعيننا لنرى جيدا كما قال المسيح - عليه السلام - " أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا " ( متى 7 : 5 ) .
وبعد تلك التطوافة السريعة فى سفر حجى ، نطوف سويا تطوافة سريعة أيضا حول فقرات الاصحاح الستون من سفر أشعياء لنقرأ تفاصيل أكثر عن بيت الله بمكة المكرمة . وايقاع الاسقاطات الجغرافية والتاريخية على فقرات الاصحاح ونظرا لطول الاصحاح فسوف أقتصر على فقرات من النسخة الكاثوليكية ( ط 1993 ) . مع لفت الأنظار إلى أنَّ مدينة أورشليم ـ القدس ـ لم تكن مدينة تشد إليها الرحال إلا لبنى إسرائيل فقط ومن بعد عهد سليمان بن داود عليهما السلام . بمعنى أنه لم يكن لها ذكر فى التوراة على الاطلاق . خلاف بيت الله الذى بأرض الجنوب فهو من قبل زمن التوراة بقرون كثيرة وذهاب نبىّ الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إليه قد سبق ذكره وتفصيل الأمر فيه فى الجزء الأول من هذا الكتاب .(1/27)
يبدأ الاصحاح بخطاب مُوَجَّه إلى مدينة البيت الأخير أى أورشليم الجديدة فى زعمهم ، وتحت عنوان أورشليم تستعيد مجدها جاء ما نصَّه :
" قومى استنيرى يا أورشليم ، فنورك جاء ومجد الرب أشرق عليك . هاهو الظلام يغطى الأرض ، والسواد الكثيف يشمل الأمم . أمَّا عليك فيشرق الرب . وفوقك يترائى مجده فتسير الأمم فى نورك والملوك فى ضياء إشراقك . تطلعى وانظرى حولك ، جميعهم قادمون إليك . بنوك يسيرون من بعيد وبناتك يُحْملن فى الأحضان فتنظرين إليهم وتتهللين ، ويخفق قلبك ويكبر . ثروة البحار تنقل إليك ، وغنى الشعوب إليك يعود . وقوافل الجمال تملأ أرضك ، ومن مديان و عيفة بواكيرها . والذين من سبأ يجيؤن كلهم حاملين الذهب والبخور ومبشرين بأمجاد الرب ... وغنم قيدار كلها تجمع إليك . وكباش نبايوت توضع فى خدمتك فتصعد مقبولة على مذبح الرب ، وبها يزداد بهاء هيكله . مَن هم الطائرون كالسحاب ، كرفوف الحمام إلى بيوتها ..؟
جزر البحر تنتظر الرب ، وسفن ترشيش فى الطليعة لتحمل بنيك من بعيد ومعهم الفضة والذهب لاسم الرب إلهك ، لقدوس إسرائيل الذى مجَّدَك ... أبوابك تنفتح دائما ، لا تنغلق نهارا وليلا ، ليجىء إليك الأمم بكنوزها وتنقاد إليك ملوكهم ... كنت مهجورة مكروهة لا أحد يعبر فيك ، والآن أجعلك فخر الدهور وبهجة جيل فجيل ... وأجعل لك السلام ـ الإسلام (شالوم ???? ) أو ( شالم ??? ) ـ واليا . والعدل وكيلا عليك لن يُسْمَع بالظلم فى أرضك ولا بالدمار والخراب داخل حدودك ، بل يكون فى أسوارك الخلاص وفى أبوابك تهاليل النصر ... شمسك لا تغيب من بعد ... وجميع شعبك من الأبرار يرثون الأرض إلى الأبد . هم غرس أنا غرسته وصنع يدى لأتمجد به . القليل منهم يصير ألفا والصغير يصير أمَّة عظيمة . أنا الرب أعجل ذلك فى حينه " انتهى النصّ .(1/28)
قلت جمال : يعتقد المفسرون المسيحيون أنَّ هذا " البيت الأخير " هو كنيسة المسيح . رغم أنَّ أضاحى قيدار المذكورة فى النصّ لم تقدم مرة واحدة على مذبح أى كنيسة مسيحية . ولم تسير الأمم إلى كنيسة المسيح هذه المزعومة والتى لا تقدم بها الأضاحى من غنم قيدار وكباش نبايوت ، ولم تصل إليها سفن ترشيش المحملة بالحجاج المكبرين لمجد الله والمهللين له ، ولم يذهب إليها ركاب الطائرات ..!!
لا يوجد مكان على وجه الأرض تتحقق فيه هذه الصفات المذكورة فى النصّ إلا بيت الله الحرام بمكة المكرمة . الذى يأتيه الحجيج من كل فج عميق من كل بلاد العالم يوم حجهم وينحرون أضاحيهم هناك من الغنم والكباش وباقى النَّعَم . وفى كل لحظة من نهار أو ليل لا تزال أبواب البيت الحرام مفتحة لزواره من معتمرين ومصلين ، فيه الأمان وفيه السلام وحكم الاسلام فيه قائم .
واتفق المسلمون مع المسيحيون بجميع طوائفهم على أنَّ هذا البيت الأخير ليس هو معبد اليهود الذى بمدينة القدس ، حيث لم تتحقق فيه صفة واحدة من كل هذه الصفات . وقد عم الخراب به أكثر من مرة وتم تدميره وازالته من على وجه الأرض ولم تقم له قائمة إلى الآن .
ثم اختلفوا فى تعيينه .. فقال المسلمون أنه بيت الله الحرام الذى بمكة . وقال المسيحيون هو كنيسة المسيح ..!!
وللوصول إلى رأى لا يقبل التمويه والتزييف ، فسوف أستعرض مع القارىء بعض الكلمات المذكورة فى النصّ والتى لها طابع جغرافى مكانى لنضع أماكنها على خريطة ، ومن ثمَّ يشرح الشراح وجهة نظرهم من فوق هذه الخريطة التى لا يختلف عليها العقلاء .
..(1/29)
مديان ( ????? ) : هو أحد أبناء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من زوجته قطورا . وتشكل ذرية مديان خمس قبائل تنتمى إلى أبيهم الأكبر إبراهيم . وهم كما وردت أسماءهم فى سفر التكوين ( 25 : 4 ) : " عيفة ، وعفر ، وحنوك وأبيداع ، وألدعة " . ويصرح سفر التكوين بأنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قد أبعد مديان وذريته إلى الشرق ( 25 : 6 ) .
وبالبحث البسيط عن أماكن تواجد المديانيين نجدهم فى المنطقة الشمالية الغربية للجزيرة العربية ، جنوبى خليج العقبة وبامتداد شاطىء البحر الأحمر جنوبا ( راجع الخريطة ) . وهنا نقطة غفل عنها المتخصصون عمدا ، ألا وهى مكان سكنى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين أبعد ابنه مديان إلى جهة الشرق . بالطبع سيكون شرقى مكان تواجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أى شرقى المنطقة الساحلية للبحر الأحمر . أى بداخل الجزء الأوسط والشمالى للجزيرة العربية . وبالتالى فإنه لم يكن فى أرض النقب كما زعموا أو فى كنعان فلسطين ، فإنَّ غربى هذه المناطق توجد الأراضى المصرية وليس خليج العقبة أو الساحل الغربى للبحر الأحمر . وهذا دليل آخر فى سلسلة أدلة التواجد الإبراهيمى فى جزيرة العرب .
.. عيفة ( ???? ) : اسم أحد أبناء مديان الخمسة ، وقد سُمِّيت باسمه مدينة عيفة أو هيفة التى تحولت إلى هيفاء ثم إلى مدينة العُلا حاليا . وهى بالمنطقة الشمالية الغربية لجزيرة العرب . وهى تختلف عن حيفا الفلسطينية . ومدينة عيفة هذه هى التى ذكرها أشعياء فى سفره ( 60 : 6 ) حين تكلم عن جِمَال مديان وعيفة الصغيرة التى تنحر عند بيت الله العتيق بمكة .
.. سبأ ( ??? ) : وسبأ هذه معروف مكانها جيدا عند الجميع ، فهى بأرض اليمن فى أقصى الجنوب العربى ، وقصة ملكة سبأ مع نبىّ الله سليمان - عليه السلام - لا تخفى على إنسان .
..(1/30)
نبايوت ( ???? أو ????? ) : هو أول أبناء إسماعيل - عليه السلام - ( تك 25 : 13 ) . ونبايوت هذا كانت له أخت من أبيه إسماعيل تُدعى بسمة تزوجها عيسو ـ والصحيح عيصو ـ ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام . ويزعم علماء المسيحية أنَّ ذرية نبايوت هم العرب الأنباط والتى كانت عاصمة دولتهم مدينة الرقيم فى جنوب الأردن قريبا من مدينة العقبة . وقد ورد ذكر ذرية نبايوت وقومه العرب فى الوثائق الآشورية وخاصة عند ( Tiglathpileser III 745-727 b.c ) وأيضا عند آشور بانيبال ( 668-633 b.c ) وتحدد هذه الوثائق أماكن تواجد هؤلاء العرب أبناء نبايوت فى المنطقة الشمالية لجزيرة العرب .
.. ترشيش ( ????? ) : كثير من الباحثين يضعونها فى أسبانيا على ساحل الأطلنطى ..!! ولكن نصوص الأسفار اليهودية وخاصة التى تتحدث عن فترة عصر سليمان ابن داود عليهما السلام . تشير إلى أنَّ سفن ترشيش كانت تبحر فى خليج العقبة والبحر الأحمر . أى أنها تقع فى مكان ما على شاطىء البحر الأحمر ربما الإفريقى أو العربى . وإذا نظرنا إلى حمولة السفن عرفنا من أين تأتى , فقد كانت تجلب الذهب والفضة والعاج والقرود والطواويس ( 1 مل 10 : 22 ؛ 2 أخبار 9 : 21 ) . وهذه الأصناف لا توجد فى أسبانيا ولكنها من منتجات أفريقيا . فترشيش تقع على الساحل الإفريقى جنوبى البحر الأحمر وليست على البحر الأبيض ..!!
والخلاصة أنها بلد ساحلى أفريقى يبعد مسافة كبيرة عن ميناء عصيون جابر بخليج العقبة ( إيلات حاليا ) .
خريطة منقولة عن
القاموس الجديد للكتاب المقدس
( New Bible Dictionary page 774 )
لاحظ عدم استكمال الخريطة نحو الجنوب
... والآن وبعد تلك الجولة الجغرافية السريعة للأماكن المذكورة فى النصّ أضع للقارىء رسما توضيحيا لبيت الله وإتجاه الحركة القادمة إليه من تلك الجهات الأربع المذكورة فى النصّ ، والتى لا علاقة لها ببيت المقدس أو أورشليم فى فلسطين .(1/31)
بيت الله الحرام بمكة ومواقيت الحج الأربعة
قرَّائى الأعزَّاء : انظروا جيدا وبإمعان شديد إلى الخريطة السابقة وقارنوها بنصّ سفر أشعياء .. هناك اتجاه للقادمين لبيت الله من الجنوب . وهناك اتجاه ثان للقادمين إليه من الغرب . وهناك اتجاه ثالث للقادمين إليه من الشمال . وهناك اتجاه رابع للقدمين إليه من الشمال الشرقى .
فهلاَّ يذكركم ذلك الأمر بمواقيت الحج المكانية الأربع : للقادمين إليه من اليمن ، وللقادمين إليه من الشام ، وللقادمين إليه من الغرب أى مصر وإفريقيا ، وللقادمين إليه من الشرق أى العراق ونحوها ..!!
وهلاَّ تذكرنا الآية القرآنية بشأن البيت العتيق بمكة : { تجبى إليه ثمرات كل شىء } . وهلاَّ تذكرنا دعوة أبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين أسكن زوجته هاجر وابنه إسماعيل بوادى فاران عند البيت المحرم فقال { ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } ..؟؟
ومن تخاريف بعض الكنائس المسيحية بشأن هذا البيت قولهم : " هذا الكلام ـ أى كلام أشعياء الاصحاح الستون ـ هو عن الكنيسة فى مدة الملك ، أى أورشليم الجديدة النازلة من السماء ..!! " (1) . فتم تحويل الواقع الأرضى المحسوس إلى أمنية يحلمون بها لا أساس لها من الصحة ولا توجد لها إشارة واحدة فى كلام المسيح - عليه السلام - .
وتحولت المدينة الأرضية إلى مدينة سماوية ستهبط من السماء لأجل عيون الكنيسة ..!! وتحول زمن ازدهار البيت ونحر الأضاحى فيه والتهليل والتكبير فيه ليلا ونهارا إلى نهاية الزمان فقط عند نزول تلك المدينة المقدسة من السماء ..!!
وتم ترحيل جميع المعانى الزمانية والمكانية إلى أحلام وأمنيات وردية غير معلومة . أى تم تحويل المعلوم إلى المجهول ..!!(1/32)
وهناك إضافة رائعة سجلها الدكتور القس ـ سابقا ـ عبد الأحد داود فى كتابه القيم ( محمد - صلى الله عليه وسلم - فى كتاب اليهود والنصارى ) . وهو من أهل الاختصاص فى المسيحية ، وحِبْر قوى فى اللغات الأصلية للكتاب بعهديه . فقال جزاه الله خيرا : " أسس ابن الانسان (2) مملكة السلام كما أسس العاصمة الروحية لها التى لم تعد القدس القديمة بل القدس الجديدة ، وقد وَصَفت لنا الرؤى بشكل عجيب كيف سترفع القدس من أرضها وتزرع فى بلاد جنوبية . فما أروع تلك المنجزات التى تمت بواسطة خاتم الأنبياء . إنَّ القدس الجديدة لم تكن إلا مكة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتاب أشعياء مفصلا آية آية ج 2 ص 185 .
(2) .. هو نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - حيث أثبت ذلك فى كتابه الرائع .
التى تقع جنوبا والمرتفعان اللذان تضمهما وهما المروة و الصفا يحملان نفس الاسمين موريا و زيون للمرتفعين فى القدس ولهما نفس المعنى ، وهكذا صارت مكة القبلة التى يتجه إليها المسلمون فى صلاتهم وحجهم . كما أنه تحقيقا لرؤيا إدريس فقد أعاد الخليفة الثانى عمر بن الخطاب بناء المسجد الأقصى (1) على جبل موريا ـ المروة ـ مكان مسجد سليمان .
كل هذا يثبت بمنتهى الروعة أنَّ تلك الرؤيا ـ أى رؤيا أشعياء ـ كانت إلهاما إلهيا عن الأحداث الاسلامية التى سوف تتحقق فى المستقبل البعيد .
فهل استطاعت روما أو بيزنطة أن تدعى أنها هى القدس الجديدة ..!؟
وهل يستطيع البابا أو أى بطريك آخر أن يدعى بأنه هو الثور الأبيض ذوالقرنين الكبيرين الذى جاء وصفه فى الرؤى ..!؟
وهل تستطيع النصرانية أن تدعى بأنها مملكة السلام فى الوقت الذى تجعل فيه المسيح والروح القدس جوهرا واحدا متماثلا مع الإله الواحد الأحد ..!؟
قطعا لا .. لأنَّ الإسلام هو مملكة السلام ( شالوم ) . " (2) .(1/33)
وقبل أن أختم هذا الفصل فإننى أقدِّمُ للقارىء التخيل المسيحى لأورشليم الجديدة النازلة من السماء والموافق لما نصَّ عليه يوحنا اللاهوتى فى سفر الرؤيا وسجَّله الفنَّانون المسيحيون فى لوحاتهم . فقد وصف يوحنا اللاهوتى أنَّ أورشليم الجديدة مكعَّبة الشكل : " الطول والعرض والإرتفاع متساوية " ( رؤيا 21 : 16 ) . وقد سبق أن رأى القارىء من نصوص سفر أشعياء أنَّ أورشليم الجديدة هى مكة المكرمة وأنَّ البيت الأخير هو بيت الله الحرام أى الكعبة الشريفة . ( انظر صورة أورشليم الجديدة كما رسمها الفنانون المسيحيون فى الصفحة التالية ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وهذا سهو من العلامة ، فالمسجد الأقصى بناه الوليد بن عبد الملك سنة 62 هـ أما المسجد الذى بناه الفاروق
عمر رضى الله عنه هو مسجد عمر الذى يطلق عليه المسلمون مسجد الصخرة .
(2) .. محمد - صلى الله عليه وسلم - فى كتاب اليهود والنصارى ص 216 .
نماذج من صُّوَر أورشليم الجديدة التى تخيَّلها الفنانون المسيحيون
صورة بيت الله الحرام بمكة(1/34)
القسم الثالث
======
انتقال الرسالة الإلهية إلى الأمَّة العربية
========================
افتحوا الأبواب ..
ولتدخل الأمَّة الصِّدِّيقة الحافظة للحق
( أشعياء 26 : 2 )
Open the gates
that the righteaus nation which keeps the truth
may enter in
( NKJV )
إنتقال الرسالة من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية
==========================
قال سِمْعان ( بطرس ) كبير تلامذة المسيح - عليه السلام - فى رسالته الثانية المنسوبة إليه حسب النسخة العربية المعتمدة ( ط 1977 ) : " وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت ، التى تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها ، كما إلى سراج منير فى موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم " ( رسالة بطرس الثانية 1 : 19 ) . فما علينا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء إلا الانتباه لكلام الأنبياء الذى سوف أذكر منه هنا ثلاث شهادات لثلاثة أنبياء . بدون الاعتماد على التدخلات الكنسية . لأنَّ الكلمة النبوية أثبت وأحق أن تتبع كما قال سِمْعان . والأنبياء الثلاثة المستشهد بأقوالهم فى انتقال الرسالة الإلهية من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية هم : كليم الله موسى - عليه السلام - أول نبىّ إسرائيلى عَبدَ الله على شريعة التوراه . وأشعياء النبىّ - عليه السلام - الذى ظهر فى منتصف التاريخ الدينى الإسرائيلى والذى كان على شريعة التوراه . والمسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - آخر أنبياء بنى إسرائيل الكبار ، المولود تحت سلطان شريعة التوراه .(1/1)
... ولقد حاولت وسع جهدى المتواضع أن أسلك فى بحثى هذا طريقا موصلا للغاية المأمولة ومعى نصوص الأسفار المسيحية ، راجيا من الله أن تكون هذه الطريق هى التى أشار إليها أشعياء النبىّ ( أشعيا 35 : 8 ) فى قوله : " يكون هناك طريق سالكة يقال لها الطريق المقدسة ، لا يَعْبر فيها نجس ، ولا يضل إن سلكها جاهل " . ربما يقتنع بما أقول وأبرهن عليه قوم قد خفى عنهم الحق مع شدة ظهوره فهم " لا يرون النور الذى يلمع فى السماء " ( أيوب 37 : 21 ) .
... ولا تزال هذه الدراسة تسير مع سابقاتها حسب المنهج المفضل إلىّ : العودة إلى الأصل بفكر العصر . دعوة إلى الاتصال لا إلى الانفصال . دعوة جامعة لبنى وطنى العربى الحبيب مسلمين ومسيحيين ، تحت ظلال المجادلة بالتى هى أحسن فالدين لله ولرسوله وللمؤمنين ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى . ورحم الله من تتبع أخطائى ثم أهداها إلىّ . رب اجعل لى لسان صدق فى الآخرين .
أولا :
شهادة كليم الله موسى - عليه السلام -
...
وتلك الشهادة نجدها فى سفر التثنية ( 32 : 21 ) . ويعتبر الاصحاح 32 الوارد فيه تلك الشهادة خطبة كاملة ألقاها نبىّ الله موسى - عليه السلام - على مسامع بنى إسرائيل . استعرضَ فيها تاريخ بنى إسرائيل منذ خروجهم من مصر . كفرهم بآيات الله وجحدهم لنعم الله عليهم مع أنَّ الله كان قد فضلهم على العالمين حينذاك . ثم أنبأهم موسى - عليه السلام - بما سيكون عليه حالهم فيما سيأتى من الأزمنة من عبادتهم لآلهة مزعومة غير الله تعالى ، واتخاذهم للأوثان والذبح لها . وقتلهم الأنبياء بغير حق وما شابه ذلك من أفعال كفرية ينتج عنها أنَّ الله سبحانه وتعالى سوف ينقل اصطفائه لهم وأفضليتهم على العالمين إلى أمَّة أخرى جزاء بما قدمت أيديهم .(1/2)
... وهذه الأمَّة الجديدة حاملة الاصطفاء الإلهى الخالد والأفضلية الخاتمة تعتبر عند بنى إسرائيل أمَّة محتقرة وجاهلة حسب إعتقادهم . ولقد وفَّى الله تعالى بوعده الذى أخبر به موسى بن عمران - عليه السلام - فاصطفى سبحانه وتعالى الأمَّة العربية التى كانت فى ضلال مبين ، وتمت كلمته التى ألقاها إلى أبى الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى شأن البركة لإسماعيل ونسله ( تكوين 17 : 20 ؛ 21 : 13 , 18 ) . قال تعالى فى سورة الجمعة { هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين } .
وسوف أذكر بعون الله تعالى نصّ سفر التثنية طبقا للترجمات العربية الأربع المعاصرة . إضافة إلى نسخة التوراة السامرية . ثم أعرج على بعض الترجمات الإنجليزية للنصّ ليتبين لنا صدق النبوءة ونتعرف على مدى الحقد الدفين والاحتقار المزعوم للأمَّة العربية .
نسخة كتاب الحياة ( ط 1988 ) ... النسخة الوطنية ( ط 1977 )
هيجوا غيرتى بعبادة أوثانهم . وأسخطونى بأصنامهم الباطلة لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش . وأغيظهم بأمَّة حمقاء . ... هم أغارونى بما ليس إلها . أغاظونى بأباطيلهم فأنا أغيرهم بما ليس شعبا . بأمَّة غبية أغيظهم .
نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 ) ... نسخة الكاثوليك ( ط 1993 )
هم أغارونى بمن ليس إلها . وأغضبونى بأباطيلهم . وأنا أغيرهم بمن ليسوا شعبا وبأمَّة حمقاء أغضبهم . ... أثارونى بمن لا إله هو , وكدرونى بأصنامهم الباطلة ، وأنا سأثيرهم بشعب لا شعب هو . وأكدرهم بقوم جهلاء .
نسخة التوراه السامرية
هم أسخطونى بغير قادر . أكادونى بغبائهم . وأنا أغيرهم بغير قوم . بشعب ساقط أكيدهم .(1/3)
دراسة النصّ : المتكلم هنا هو إله بنى إسرائيل . الكلمات والأسلوب من وضع المترجمين وكتبة النصّ . ورغم اختلاف الكلمات والحذف والاضافة فى النصّ فلا يزال المعنى العام واحدا فى الجميع ، وهو تغيير إصطفاء بنى إسرائيل بأمَّة أخرى . ثلاث نسخ أثبتت التغيير صراحة بلفظ ( وأنا أغيرهم ) ونسختان أخفتا التغيير تحت ستار الإثارة والغيرة والتكدير لبنى إسرائيل ..!!
... والمتأمل فى الترجمات السابقة يجد أنَّ هذه الأمَّة وُصِفت بـ :
أولا : بأنها شعب متفرق لا يشكل كيان دولة واحدة ولذلك نجد ترجماتهم جاءت هكذا ( بما ليس شعبا ) و( بشعب لا شعب هو ) و( بمن ليسوا شعبا ) و( بغير قوم ) . وتلك صفات الأمَّة العربية فى جاهليتها حيث كانت مشكلة من عدة قبائل متفرقة لا تشكل شعبا كشعوب الأمم المعروفة . ونفهم من ذلك الوصف عدم انطباقه على الأمَّة اليونانية أو الأمَّة الرومانية كما يزعم علماء المسيحية .
ثانيا : وصفت هذه الأمَّة بأوصاف عدة . أفرغ فيها الكاتب والمترجم الحقد الدفين والاحتقار العميق للأمَّة العربية مثل ( أمَّة غبية ) و( أمَّة حمقاء ) و ( قوم جهلاء ) و ( شعب ساقط ) و ... الخ .
وإن ذهبنا إلى الترجمات الإنجليزية وجدنا المزيد من أشباه تلك الصفات مثل :
الترجمة العربية ... النصّ الإنجليزى ... اسم النسخة
أمَّة الحمقى ... A nation of foolish
أمَّة ليس لها فهم ... A nation of foolish
أمَّة حمقاء ... Foolish nation ... , RSV
أمَّة أمية وثنية ... Foolish heathen nation
أمَّة بغير دين ... A irreligious people
وهناك صفات أخرى أعرضت عن ذكرها خشية الاطالة .(1/4)
... والمتأمل فى تلك الصفات يجد أنها لا تنطبق على اليونان أو وارثى حضارتهم من الرومان ، فقد كان اليونان متفوقين جدا على العالم المتحضر فى زمانهم . فى كل العلوم حيث نبغ فيهم الفلاسفة والحكماء وأرباب الفنون المتنوعة . كما أنهم كانوا عالمين بما فى التوراة من قبل بعثة المسيح - عليه السلام - بحوالى ثلاث مائة سنة عن طريق الترجمة السبعينية اليونانية للتوراه . فلم تكن أمَّة اليونان أمِّية ولا جاهلة ليس لها فهم .
... ولكن الأمَّة العربية فى جاهليتها كانت أمَّة أمِّية جاهلة تعبد الأوثان تقربا إلى الله . أمَّا عن وصف المترجمين لها بأنها أمَّة الحمقى أوالحمقاء أو الغبية أو الساقطة فهذا من حقد اليهود الدفين على نسل إسماعيل وللبركة الموعودة له فى نسله . ثم انتقل ذلك الحقد إلى الطوائف المسيحية عن طريق اللقاح اليهودى الدائم للفكر المسيحى وارث الأسفار اليهودية . ولا يفوتنى هنا أن أذكر ترجمة نصّ سفر التثنية السابق كما ذكره رسول الأمم المسيحية اليهودى ( بولس الطرسوسى ) فى رسالته الرومية ( 10 : 19 ) لنرى كيف تم اللقاح اليهودى للفكر المسيحى :
النسخة الوطنية ( ط 1977 ) ... كتاب الحياة ( 1988 )
ألعل إسرائيل لم يعلم . أولا موسى يقول أنا أغيركم بما ليس أمَّة . بأمَّة غبية أغيظكم . ... أما فهم إسرائيل ؟ إن موسى أولا يقول : سأثير غيرتكم بمن ليسوا أمَّة . وبأمَّة بلا فهم سوف أغضبكم .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
إن بنى إسرائيل ما فهموا ؟ قال موسى من قبل : تحسدون شعبا لا يكون شعبى ، وأثير غيرتكم بشعب ما هو بشعب . ... أترى إسرائيل لم يفهم ؟ سبق أن قال موسى : سأثير غيرتكم ممن ليسوا بأمَّة وعلى أمَّة غبية أغضبكم .(1/5)
والكلمة اليونانية المستخدمة فى وصف الأمَّة ( الغبية ) هى كلمة ( ??????? ) والتى تنطق أسينيتف بمعنى الأمَّة التى ليس لها بعد نظر . أو التى بدون بصيرة أو رأى ثاقب . وليست غبية كما كتب المترجمون ..!!
يقول الدكتور وليم أدى فى شرحه لهذا النصّ ( رومية 10 : 19 ) : " وهذا مقتبس من ( تث 32 : 21 ) على ماهو فى ترجمة السبعين ، وهو إنباء موسى بمستقبل بنى إسرائيل وهو أنهم فى ما يأتى من الأزمنة ، يهيجون غيرة الله وغيظه برفضهم إياه وإتخاذهم الأوثان ( التى ليست بآلهة ) آلهة . فلذلك هو يغيرهم برفضه إياهم وإتخاذه من ليسوا شعبا شعبا " (1) .
... والخلاصة التى لا جدال فيها أنَّ نبوءة موسى - عليه السلام - فى شأن انتقال الرسالة وإصطفاء الله لأمَّة أخرى قد تحققت ، وشهد شاهد على صحة تلك النبوءة التى ينكرها علماء بنى إسرائيل ، وهذا الشاهد هو مؤسس الديانة المسيحية العالمية . والاختلاف الواقع بيننا نحن المسلمين وبين علماء المسيحية البوليسية هو فى تعيين هذه الأمَّة الأمِّية الجاهلة . فهم يقولون بأنها أمَّة اليونان . بل زعموا أنها الأمَّة العالمية أى جميع شعوب الأرض وأممها فكل معتنق للديانة المسيحية هو عندهم من تلك الأمَّة ..!!
وهذا التفسير يتعارض تماما مع الصفات المذكورة لهذه الأمَّة فى كل من سفرى التثنية والرسالة الرومية .
... ولقد أفاد مؤلفو موسوعة زندرفان الكتابية الأمريكية أنَّ خصائص هؤلاء القوم المشار إليهم فى نصّ ( تث 32 : 21 ) الدينية والأخلاقية تسوغ لهم بالكاد أن يطلق عليهم اسم ناس ..!! فالنصّ ينكر عليهم أن يلحقوا بأى مجموعة طبيعية من البشر . وإليك نصّ الموسوعة كما هو بالإنجليزية :
“ The unusual expression of Deut. ( 32:21 ) .. literally a non-people denies to a physical group of humans those moral and spiritual characteristics which justify the name of people “ (2).(1/6)
ونحن المسلمون نقول بأنَّ هذه الأمَّة الأمية الجاهلة هى الأمَّة العربية فى جاهليتها قبل عصر الاسلام ، حيث كانت لا تمثل شعبا واحدا بالمعنى الحرفى لكلمة الشعب فى كيان الدولة . ناهيك بأنها فعلا كانت أمَّة أمِّية لا تقرأ ولا تكتب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الكنز الجليل شرح رسالة رومية ص 163 .
(2) .. ( Encyclopedia of the Bible v4 page 376 Pictorial )
إلا ما ندر فيها . والنصوص التوراتية الكثيرة تشير إليها منذ البداية فى أثناء الحديث عن البركة الممنوحة لإسماعيل وذريته من بعده ، وأنهم سيكونون أمَّة كبيرة عظيمة .
... والاسقاط التاريخى لوقائع الأحداث يثبت صحة قول المسلمين ، حيث ظهر فيهم من قلب شبه الجزيرة العربية النبىّ الخاتم صلوات الله عليه شبيه موسى فكوَّنَ الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة ، وجمع القبائل العربية تحت راية الاسلام . فكانوا خير أمَّة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
ثانيا :
شهادة نبىّ الله أشعياء - عليه السلام -
...
وقد وردت هذه الشهادة فى سفر أشعياء ( 56 : 1 ) من خلال رؤيا لأشعياء ينسب فيها الكلام إلى إله بنى إسرائيل يحذرهم فيها من التمرد والعصيان لتعاليم الإله الواحد الحق . وأنه تعالى سيسلبهم امتيازاتهم الممنوحة لهم ويعطيها لأمَّة أخرى . وسوف أذكر هنا الفقرة الأولى فقط من ذلك الإصحاح ففيها المراد بإذن الله . ومحيلا القارىء لتصفح باقى فقرات الإصحاح ليطلع على المخالفات التى عملها بنو إسرائيل تجاه إلههم .
( اقرأ الجدول التالى ) :
النسخة الوطنية ( ط 1977 ) ... كتاب الحياة ( 1988 )
أصغيت إلى الذين لم يسألوا . وُجدْت من الذين لم يطلبونى . قلت هأنذا هأنذا لأمَّة لم تسمَّ باسمى . ... قد أعلنت ذاتى لمن لم يسألوا عنى , ووجدنى من لم يطلبنى , وقلت هأنذا لأمَّة لم تدْعَ باسمى .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )(1/7)
قلت ظهرت لمن لا يسألون عنى ووُجدت لمن لا يطلبوننى ، وقلت ها أنذا ، ها أنذا لأمَّة لا تدعو باسمى (1) . ... إنى اعتلنت لمن لم يسألوا عنى ، ووَجدنى الذين لم يطلبونى . قلت هاءنذا هاءنذا لأمَّة لم تدعُ باسمى .
وهنا نجد أنَّ الأمَّة الأمِّية السابق ذكرها فى سفر التثنية وُصِفت بأنها أمَّة ( لم تُسَمَّ ) باسم الإله المعبود و( لم تُدْعَ ) أيضا به . فبنوا إسرائيل نجد فى اسم أمتهم ( إسرائيل ) اسم إلههم ( إيل ) واليهود فى اسمهم اسم إلههم الخاص بهم ياهو . والأمَّة المسيحية ـ إن جاز لنا فرضا أن نطلق عليها اسم أمَّة ـ تحمل اسم إلهها ( المسيح ) فى اسمها .
والأمَّة العربية ليس فى طيات اسمها لقب أو اسم إلهها المعبود ولم تدْعَ به بين أمم العالم . ومن هنا نجد أنَّ الترجمات العربية الكاثوليكية الحديثة والآباء اليسوعيين قد غيرت هذه الكلمة ( تُسَمَّ ، تُدْعَ ) إلى معنى آخر مثل ( تدْعُو و تدْعُ ) من الدعاء والتوجه بالصلاة باسم الإله . والفرق كبير فى المعنى بين تُدْعَ و تَدْعُ وأيضا بين تُسَمَّ و تُسَمِّى . وهم يحاولون الخروج من معنى الاسم والتسمية إلى معنى الدعاء والعبادة ولكن الأمر خلاف ذلك فى الترجمات الأجنبية للنصّ . فنجد مثلا فى الترجمة الإنجليزية المعتمدة والمعروفة بالملك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ورد هذا التعليق فى الهامش : لا تدعو ( أو تتوجه بصلاتها ) باسمى . هكذا فى الترجمات . وفى العبرية
التقليدية : لم تدع ( أى لم تسم ) باسمى .
جيمس ( KJV ) النص هكذا :
( a nation that was not called by my name ) . ونجد النصّ مكتوبا فى النسخة القياسية المنقحة ( RSV ) ومثله فى النسخ ( NIV , NASB ) هكذا : ( a nation that did not call on my name ) .
هذا وقد ذكر بولس الطرسوسى هذا النصّ فى رسالته الرومية ( 10 : 20 ) قائلا :
النسخة الوطنية ( ط 1977 ) ... كتاب الحياة ( 1988 )(1/8)
ثم إشعياء يتجاسر ويقول : وُجِدتُ من الذين لم يطلبونى . وصِرْت ظاهرا للذين لم يسألوا عنى ... وأمَّا إشعياء فيتجرءُ على القول : وجَدَنى الذين لم يطلبونى وصِرْت مُعْلُناً للذين لم يبحثوا عنى
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
أمَّا إشعياء فيقول بجرأة : وَجَدَنى من كانوا لا يبحثون عنى ، وظهرت لمن كانوا لا يطلبونى ... أمَّا أشعيا فلا يخشى أن يقول : إن الذين لم يطلبونى وَجَدُونى ، والذين لم يسألونى عن شىء تراءيت لهم .
... وبمقارنة نصّ رومية بنصّ أشعيا نجد أنَّ هناك اختلافا جوهريا بينهما . إنها الأمَّة التى لم يبحث أفرادها عن الله ثم وجدوه تجاههم . وهذا تحريف مقصود . لأنَّ دعوة بولس كانت عالمية لجميع الأمم ، والنصّ المقتبس منه يتكلم عن أمَّة بعينها بصيغة الافراد ، فتعارض النصّ مع دعوة بولس فتم تعديله بحذف هذه الفقرة ..!!
علما بأنَّ نصّ أشعيا المستشهد به هنا مأخوذ من الترجمة السبعينية اليونانية التى تمت ترجمتها من قبل ميلاد بولس بثلاثة قرون . وقد بَيَّنَ المسيح - عليه السلام - أنَّ هذا الظهور الإلهى والإمتياز الربَّانى سيكون لأمَّة أخرى بصيغة الافراد . وليس إلى أمم بصيغة الجمع كما سيأتى بيانه فى حينه .
يقول الدكتور وليم إدى فى شرحه لرسالة بولس الرومية : قوله ( من الذين لم يطلبونى ) " أى الأمم الذين لم يطلبوه قبل أن دعاهم " . وقوله ( صرت ظاهرا للذين لم يسألوا عنى ) " أى أعلنت نفسى للأمم الذين لم يسألوا عنى قبل ذلك الإعلان " (1) .
قلت جمال : هكذا يكون التحريف والزيغ عن الحق ، النصّ يتكلم عن أمَّة واحدة بصيغة الإفراد ، وهم يجعلونه يتكلم عن أمم بصيغة الجمع ليتقرر لهم مبدأ عالمية الدعوة المسيحية ..!!(1/9)
جاء فى حاشية نسخة الآباء اليسوعيين على هذا النصّ ( رومية 10 : 20 ) ما نصَّه : " الاستشهاد بأشعيا يمهِّد لفكرة دخول الوثنيين إلى ميراث إسرائيل " (2) . قلت جمال : ودعوة بولس كانت أساسا موجهة إلى الوثنيين من اليونان والرومان وليست إلى يهود بنى إسرائيل كما كانت دعوة المسيح - عليه السلام - .
ثالثا :
شهادة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام -
...
وشهادة المسيح هنا مذكورة بشكل واضح وقاطع فى إنجيل متى ، وفى كل من إنجيلى مرقس ولوقا بشكل مستتر قليلا . وذلك من خلال مثل الكرامين القتلة الذى ضربه المسيح - عليه السلام - لقومه من بنى إسرائيل . وسوف أذكر المثل كاملا كما ورد فى إنجيل متى ( 21 : 33 ـ 44 ) من نسخة الآباء اليسوعيين العربية طبعة 1991.
قال المسيح - عليه السلام - مخاطبا أحبار اليهود : " اسمعوا مثلا آخر : غرس رب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الكنز الجليل / شرح رسالة رومية ص 163 .
(2) .. العهد الجديد / رسالة رومية ص 491 .(1/10)
بيت كرما ، وسيَّجَهُ وحفر فيه معصرة وبنى بُرْجا وآجره بعض الكرامين ثم سافر فلما حان وقت الثمر ، أرسل خدمه إلى الكرامين ليأخذوا ثمره . فأمسك الكرامون خدمه فضربوا أحدهم ، وقتلوا غيره ورجموا الآخر فأرسل أيضا خدما آخرين أكثر عددا من الأولين ففعلوا بهم مثل ذلك . فأرسل إليهم ابنه آخر الأمر وقال : سيهابون ابنى . فلما رأى الكرامون الابن ، قال بعضهم لبعض هو ذا الوارث ، هلمَّ نقتله ونأخذ ميراثه . فأمسكوه وألقوه فى خارج الكرم وقتلوه . فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عند عودته ..؟ قالوا له : يهلك هؤلاء الأشرار شر هلاك ، ويؤجر الكرم كرامين آخرين يؤدون إليه الثمر فى وقته . قال لهم يسوع : أمَا قرأتم قط فى الكتب " الحجر الذى رذله البناؤون هو الذى صار رأس الزاوية . من عند الرب كان ذلك وهو عَجَبٌ فى أعيننا . لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره . من وقع على هذا الحجر تهشم ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه . فلما سمع عظماء الكهنة والفريسيون أمثاله أدركوا أنه يُعَرِّضَ بهم فى كلامه فحاولوا أن يُمْسكوه ولكنهم خافوا الجموع لأنهم كانوا يعدونه نبيا " انتهى النصّ .
قلت جمال : نجد فى هذا المثل الرائع أنَّ صاحب هذا الكرم هو الله سبحانه وتعالى . وأنَّ ملكوت الله هنا هو دين الله ، قد شبه بهذا الكرم المجهز بكل ما يلزم للانتفاع به . وأنَّ هذا الكرم ـ الذى هو دين الله ـ قد أحيط بسياج من أحكام الشريعة وحدودها . والكرامون هنا هم بنوإسرائيل وعلى رأسهم الأحبار والرؤساء الذين استحفظوا على دين الله ووصاياه . وأنَّ عبيد صاحب الكرم هم الأنبياء والمرسلين . وأنَّ ابن صاحب الكرم كناية عن المسيح - عليه السلام - (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. يقول ديفد هل ( David Hill ) فى شرحه لإنجيل متى ما ترجمته : " أنَّ الكنيسة الأولى قد اعتبرت الابن(1/11)
فى هذا المثل هو المسيح لكن الرأى الاقتراحى الأصلى فى المثل أن الابن يمثل ببساطة آخر رسل الله إليهم "
( تفسير القرن العشرين ـ إنجيل متى ص 299 ) .
قلت جمال : وتلك شهادة نعتز بها نحن المسلمون ، فالمسيح - عليه السلام - كان حقا آخر رسل الله إليهم كما نؤمن به .
... لقد مكث بنوإسرائيل مدة طويلة متمتعين بنعم الله عليهم التى لا تحصى ولا تعد ومن أهمها إكرامهم بدين الله المنزل على موسى - عليه السلام - واختصاصهم بالأفضلية على العالمين ، ولكنهم انحرفوا عن الطريق القويم وقالوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه . ولكن الله سبحانه وتعالى أرسل إليهم الأنبياء تترى ليعيدهم إلى حظيرة الايمان الحق " فجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا " . وأشربت قلوبهم بالعصيان والجحود وظنوا أنهم الأوصياء على الدين بما استحفظوا . وكما قال بولس فى رسالته الرومية ( 3 : 2 ) : " واستؤمنوا على كلام الله ووصاياه " . فأرسل الله إليهم خاتمة أنبيائهم المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - فكفروا به وهموا به كما فعلوا بالأنبياء السابقين .
... وهنا فى ذلك المثل نجد أنَّ المسيح - عليه السلام - يقيم الحجة على أحبار اليهود حين ألزمهم بقوله " فماذا يفعل صاحب الكرم مع هؤلاء الكرامون ..!؟ فأجابوه قائلين : يهلكهم هلاكا ثم يعطى الكرم إلى كرامين آخرين . فألزمهم بقولهم الذى قالوه : لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمَّة تعمل أثماره " .
... فواجههم عليه السلام بحقيقة المثل المضروب فى حقهم . إنَّ كل الامتيازات التى أنعمها الله عليكم سوف تنزع منكم وتعطى لأمَّة أخرى . ورغم وضوح المعنى لقومه اليهود إلا أنَّ الأتباع المسيحيين لا يفهمون ذلك المثل لسيطرة التقاليد الكنسية على العقول والقلوب .(1/12)
" إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره " ، وهم يعلمون جيدا أنَّ هذه الأمَّة هى المشار إليها فى سفر التثنية ( 32 : 21 ) وفى سفر أشعيا ( 65 : 1 ) . ولكنهم هنا فى ذلك الموضع يفسرون الأمَّة بالأمم بصيغة الجمع ..!!
يقول متى هنرى فى شرحه لإنجيل متى عند هذه الفقرة : " ( ويعطى لأمَّة ) أى للعالم الأممى . ( تعمل أثماره ) أولئك الذين لم يكونوا شعبا ، وكانوا غير مرحومين . أصبحوا أعزاء السماء .." (1) . ولكن قوله أولئك الذين لم يكونوا شعبا يفضحه ويدل على أنه يتكلم عن الأمَّة الأمية الجاهلة ..!!
وهناك من يتقيد منهم بالمعنى الحرفى ولا يريد أن يفهم ، مثل الذى قال فى معنى قول المسيح - عليه السلام - لأمَّة تؤدى ثمرا " .. لا نقصد هنا الأمم أى الوثنيون بل مجموعة تشبه الأمَّة المقدسة التى ورد ذكرها فى خروج ( 19 : 6 ) . وسيسلم ملكوت الله بعد اليوم إلى أمَّة مقدسة جديدة هى الكنيسة " (2) ..!! ...
قلت جمال : ومنذ متى كانت الكنيسة أمَّة ..!؟ وإن كانت جدلا أمَّة فأى الكنائس يقصد ..!؟ وهل يعترفون بأنَّ الكنيسة هى أمَّة الحمقى عديمة الفهم المنزوعة البصيرة كما وردت صفاتها فى سفر التثنية ( 32 : 21 ) ..!؟
لقد استؤمن اليهود على أقوال الله فخانوا وغدروا ( رومية 3 : 2 ) . فانتهت وكالتهم وامتيازاتهم ، وانتقلت النبوة والرسالة إلى أمَّة العرب . لتكون هى حاملة لكلام الله وكتابه الكريم .
... جاء فى التفسير الحديث لمجموعة الدكاترة القسس الإنجيليين " أنَّ مجال عمل الله الخلاصى لم يعد فى نطاق أمَّة إسرائيل بل فى أمَّة أخرى " (3) . وقالوا أيضا " وليس المقصود هنا الأمم لأنَّ هذا يستلزم استخدام الجمع ( ethnesin ) وليس الفرد ( ethnei ) " (3) .
قلت جمال : وهكذا لن تجد اتفاقا بين أقوالهم لأنها كلها تلفيق وتكذيب . وكما نقول فى المثل الشعبى ( الكدب مالوش رجلين ) ..!!(1/13)
فإن عملنا الاسقاط التاريخى للواقع الملموس والمشاهَد ، وجمعنا بين الشهادات الثلاثة للأنبياء الثلاثة موسى وأشعيا وعيسى عليهم من ربى أفضل السلام . سوف نجد هذه الأمَّة واضحة جلية بدون تدخلات كنسية عفى عليها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. شرح إنجيل متى / ترجمة القمص مرقس داود ج2 ص 236 .
(2) .. دراسة فى الإنجيل كما رواه متى ص 63 للأب اسطفان شربنيية .
(3) .. التفسير الحديث / إنجيل متى ص 344 .
الزمان . إنها البركة الإلهية الممنوحة لاسماعيل وذريته ، والتى تحققت فى أجل صورها بالبعثة الاسلامية وظهور النبىّ الاسماعيلى - صلى الله عليه وسلم - .
جاء فى تكوين ( 17 : 20 ) قول الله لابراهيم - صلى الله عليه وسلم - : " وأمَّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره ، وأكثره كثيرا جدا ، اثنى عشر رئيسا يلد . وأجعله أمَّة كبيرة " . وفى تكوين ( 21 : 13 ) " وابن الجارية أيضا سأجعله أمَّة لأنه من نسلك " . وفى تكوين ( 21 : 18 ) : " سأجعله أمَّة عظيمة " .
وكثر نسل إسماعيل وكوَّنوا قبائل متفرقة سكنت فى أرض شبه الجزيرة العربية وكوَّنوا ما يشبه الشعب وما هو بشعب ، ولم يصيروا أمَّة واحدة أبدا إلا من بعد ظهور الاسلام . فكانوا الأمَّة التى استأجرها الله على كرمه وزرعه يؤدون ثمره يوم حصاده { ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار . وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } ( 29 / سورة الفتح ) .(1/14)
... وأمَّا عن قول المسيح - عليه السلام - للأحبار : " أمَا قرأتم قط فى الكتب : الحجر الذى رفضه البناؤن هو الذى صار رأس الزاوية . من عند الرب كان ذلك وهو عجب فى أعيننا " . فإنه يحيلنا إلى سفر المزامير ( 118 : 22 ـ 24 ) لنجد النصّ فيه والذى منه استمد المسيح - عليه السلام - قوله لهم : " إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره . مَن وقع على هذا الحجر تهشم ، ومَن وقع عليه هذا الحجر حطمه " .
... والمسيح - عليه السلام - يذكرهم هنا بما هو مكتوب عندهم ، فأنبياء بنى إسرائيل شبهوا بأحجار استخدمت فى بناء بيت . وأنَّ البناؤن اليهود قد رفضوا حجرا معينا لم يضعونه فى مكانه من البناء . ولكن ذلك الحجر هو الذى صار رأس الزاوية فى البنيان . وهذا الحجر المرفوض هو النبىّ المنتظر من نسل إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهم . شبيه موسى - عليه السلام - والذى هو من إخوتهم من العرب .
جاء فى سفر التثنية ( 18 : 18 ) من النسخة العبرانية : " أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " .
وجاء أيضا فى سفر التثنية ( 34 : 10 ) ما يفيد بأنَّ ذلك النبىّ لم يأت ولن يأت من بنى إسرائيل.
ومنعا لسوء الفهم أذكر هنا النصّ من النسختين العبرانية والسامرية :
التوراه العبرانية ... التوراه السامرية
ولم يقم بعد نبىّ فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه . ... ولا يقوم أيضا نبىّ فى إسرائيل كموسى الذى ناجاه إلهه شفاها .(1/15)
... ذلك هو النبىّ الذى رفضه بنو إسرائيل , إنه حجر الزاوية الذى تختم به النبوة وتتم به رسالات السماء . والغريب فى الأمر أنَّ علماء المسيحية يقولون بأنَّ المسيح هو ذلك النبىّ ، مع أنهم يرفضون نبوته عليه السلام ، كما أنَّ النصّ التوراتى يصرح بأنه لن يكون من بنى إسرائيل ، والمسيح يقول معلقا على ذلك بقوله : " وهو عجب فى أعيننا " لقد صار ذلك النبىّ المنتظر هو رأس الزاوية فمن الطبيعى جدا حينذاك أن يقول المسيح - عليه السلام - : " لذلك أقول لكم إن ملكوت الله سينزع منكم ، ويعطى لأمَّة تثمر ثمره . من وقع على هذا الحجر تهشم ، ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه " .
... وهذا الوصف لا ينطبق على المسيح - عليه السلام - بكل المقاييس . فلم يهشم أحدا ولم يحطم أحدا ، تصديقا لما جاء فى إنجيل يوحنا ( 12 : 47 ) : " وإن سمع أحد كلامى ولم يؤمن به (1) فأنا لا أدينه لأنى لم آت لأدين العالم بل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وقد تم تغيير كلمة ( يؤمن به ) فى نسخة الآباء إلى كلمة ( يحفظه ) ..!!
لأخلص العالم " .
ولكن النبىّ العربىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - حطم وهشم الامبراطوريتان الفارسية والرومانية لأنهما وقفتا أمام دعوته ولم يؤمنا به . قال نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه البخارى ومسلم فى صحيحيهما : " إنَّ مثلى ومثل الأنبياء من قبلى ، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية . فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ..!؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أنا دعوة أبى إبراهيم وبشارة عيسى " (1) .
فهل بعد ذلك البيان بيان ..!!؟(1/16)
قال تعالى ( آية رقم 105 / الأنبياء ) { ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرض يرثها عِبادِىَ الصالحون } . وورث نسل إسماعيل الأرض الموعودة ولم يرثها نسل إسحاق ويعقوب . والواقع يشهد ، والعالم يشهد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. حديث صحيح رواه كل من أحمد والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية . راجع تخريج أحاديث مشكاة
المصابيح للألبانى ج3 ص 127 .
وهكذا يصير الآخرون أولين ، والأولون آخرين
===============================
...
إنَّ المعنى العام للدين هو التسليم والطاعة لله سبحانه وتعالى فى كل ما يريده من عباده على لسان رسله . وأول أمر إلهى جاء إلى البشر بواسطة الأنبياء والمرسلين هو إفراد العبادة لله وحده { أمر أن لا تعبدوا إلا إياه } (40/ يوسف ) وعلى ذلك الأمر بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . قال تعالى مخاطبا آخر أنبيائه ورسله - صلى الله عليه وسلم - : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } ( 25 / الأنبياء ) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل ما قلت أنا والنبيين من قبلى لا إله إلا الله " . وبمثل ذلك المعنى قال المسيح - عليه السلام - : " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " ( إنجيل متى 4 : 10 ) . فتوحيد العبادة لله أمر لا جدال فيه . والاعتراف برسالة النبيين والمرسلين أمر ضلّ فيه الكثيرون ، فإذا لم يتم الاعتراف بالمرسلين فإنَّ توحيد العبادة لله يصبح أمرا عسيرا .
... يقول المسيح - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل يوحنا ( 17 : 3 ) :(1/17)
" وهذه هى الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك والمسيح عيسى ( ?????? ??????? ) الذى أرسلته " . فمن أراد الحياة الأبدية فى جنة الخلد فما عليه إلا أن يمتلك مفتاحها . ومفتاحها هو معرفة أن لا إله إلا الله وأنَّ المسيح عيسى رسول الله . وحيث أنهم لم يعرفوا المسيح عيسى كرسول لله فقد ضاع منهم مفتاح المعرفة الذى ذكره لوقا فى إنجيله وقد سبق الكلام عنه تفصيلا فى كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية " .
... وحيث أنَّ دين الله واحد لم يتغير فى يوم من الأيام ، وإنما شكل العبادة وتوقيتاتها وتشريعاتها من محرمات ومحللات كل ذلك كان خاضعا لعصر كل رسالة ومتطلباتها وظروف الأمَّة المعنية بالرسالة . فالدين الذى نادى به كليم الله موسى - عليه السلام - هو ذات الدين الذى نادى به الأنبياء من قبله والأنبياء من بعده .
فالمسيح - عليه السلام - لم يأت بدين جديد إلى بنى إسرائيل ، وإنما جاء على شريعة التوراة مضافا إليها ما آتاه الله من علم وحكمة والإنجيل ، وطوال فترة بعثته كان يصلى كما كان يصلى اليهود ويصوم مثل صيامهم ويحج مثلهم ولا يأكل إلا الطيب ويبتعد عن خبيث الطعام وكل ذلك موجود بالأناجيل الحالية .
وهذا الدين الذى جاء به المسيح ومن قبله من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه هو ذات الدين الذى جاء به خليل الرحمن محمدا - صلى الله عليه وسلم - . قال تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } ( 11 / الشورى ) . وقال تعالى { وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين } ( 46 / المائدة ) .(1/18)
وهذا القول القرآنى يتطابق مع أقوال المسيح - عليه السلام - التى صَحَّت وورد بعضها فى الأناجيل التى بين أيدينا الآن مثل قوله - عليه السلام - الوارد فى إنجيل متى ( 5 : 17 ) : " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل " . وهذا معناه أنَّ الدين الذى نادى به المسيح - عليه السلام - هو هو ذات الدين الذى نادى به الأنبياء من قبله . وما جاء إلا ليكمل المشوار ويصحح للناس أمور دينهم " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " . لا ليكمل التوراة وأحكامها بإلغاء حلالها وحرامها كما يزعمون . أليس هو القائل " الحق أقول لكم لن يزول حرف أو نقطة من الناموس حتى يكون الكل " ( متى 5 : 18 ) . ...
ولقد اختلفوا كثيرا فى معنى قوله - عليه السلام - " حتى يكون الكل " حتى صرَّح بعض مترجمى الأناجيل العربية بأنَّ " العبارة يصعب فهمها " (1) . مع أنَّ المعنى واضح جدا ولكن القوم لا يؤمنون بالشريعة الكل ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. هامش ص 48 من إنجيل متى نسخة الآباء اليسوعيين ط 1991 .
... وحيث أنَّ طريق الرسالات الإلهية واحد ، وركب البشرية سائر فيه يقودهم الأنبياء والمرسلون كلٌ على رأس أمَّته . ومحطات ذلك الطريق كثيرة بعدد الأنبياء والمرسلين . فى كل محطة ينضم إلى الركب نبىّ أورسول مع من آمن من أمَّته ، إلى أن نصل إلى المحطة الأخيرة حيث ينضم النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - ( الكل ) وأمَّته إلى الركب ليقود البشرية إلى الله .(1/19)
فإن أخذنا مثلا ركب موسى - عليه السلام - ومن معه من بنى إسرائيل ومن تبعه من أنبيائهم كأولون (1) ساروا على الطريق . ثم جاء ركب المسيح - عليه السلام - ومعه من آمن من قومه فانضموا إلى السائرين على الطريق من قبلهم . ثم جاء ركب النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - ( الكل ) ومن آمن معه من جميع شعوب الأرض كآخر ركب انضم إلى السائرين على الطريق فالمسلمون هنا هم الآخرون توقيتا .
قال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا } ( 3 / المائدة ) .
موكب المؤمنون السائرون إلى الله
اليهود
النصارى ... .....................
المسلمون ... ...................... ... .....................
المؤمنون بالتوراة ... المؤمنون بالتوراة والإنجيل ... المؤمنون بالتوراة والإنجيل والقرآن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. فى الواقع أن هناك أنبياء كثيرون سبقوا موسى - عليه السلام - ، ولكن القوم لا يعرفون إلا موسى كأول نبىّ ، وهم
معذورين فى ذلك لأنهم يسيرون خلف اليهود ، واليهود لا يعترفون بأنبياء قبل موسى . وإبراهيم وإسحاق
ويعقوب عليهم السلام يعتبرونهم آباء وليسوا بأنبياء ..!!
جاء فى الحديث الشريف عن النبى الخاتم - صلى الله عليه وسلم - قوله " نحن الآخرون .. السابقون يوم القيامة " (1) . ومعنى السابقون هنا الأولون كما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عدة أحاديث أذكر منها هنا الحديث الذى رواه الإمام البخارى فى صحيحه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال : من لى إلى نصف النهار على قيراط قيراط ..؟
فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط . ثم قال : من يعمل لى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ..؟
فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط .(1/20)
ثم قال : من يعمل لى من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ..؟ . ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، ألا لكم الأجر مرتين . فغضبت اليهود والنصارى فقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ..!! قال الله تعالى : فهل ظلمتكم من حقكم شيئا ..؟ قالوا : لا .. قال الله تعالى فإنه فضلى أعطيه من شئت " (2) .
قلت جمال : يفهم من ذلك الحديث الشريف أنَّ الثواب على الأعمال ليس على قدر التعب ولا على جهة الاستحقاق ولكنه فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده . والمراد باليهود والنصارى فى الحديث هم الذين ثبتوا على دين الحق . أى اليهود العاملون بأحكام التوراة حتى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - والنصارى العاملون بأحكام التوراة والإنجيل معاً حتى زمن بعثة النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - . هؤلاء هم الأجراء المؤمنون الذين يغبطون الآخرون على فضل الله . أمَّا عن اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح - عليه السلام - وبإنجيله فهم غير معنيين هنا ، وأيضا النصارى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. مشكاة المصابيح بتحقيق الألبانى ج1 ص 427 حديث رقم 1354 ؛ 1355 . والحديث بطرقه رواه الامام
مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه .
(2) .. مشكاة المصابيح بتحقيق الألبانى ج 3 ص 1769 حديث رقم 6274 ؛ وراجع أيضا كل من : تحفة الأحوذى
ج 8 ص 176 ؛ الفتح الربانى ج23 ص 204 .
الذين آمنوا بالمسيح - عليه السلام - ولم يؤمنوا بالنبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - . فهؤلاء كافرون بكتب الله ورسله .(1/21)
فالآخرون الأولون .. هم أتباع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومُحَمَّد وما أوتيه النبيون من ربهم . لا يفرقون بين أحد منهم . المؤمنون بصحف إبراهيم وتوراة موسى وبالإنجيل والقرآن { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } ( 54 / القصص ) . وقال تعالى : { للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } ( 172 / آل عمران ) . ويقول تعالى { نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين } ( 56 / يوسف ) . ويقول تعالى { إنَّ الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور . ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله . إنه غفور شكور } ( 29 ، 30 / فاطر ) .
وعن الذين يؤتون أجرهم مرتين .. فقد بين النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - أنهم ثلاثة أنواع منهم : " .. رجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .. " (1) . وذكر الرجال هنا للتغليب أى أنَّ النساء يسرى عليهن الحكم أيضا .
وقد بيَّن القرآن الكريم ذلك فى قوله تعالى { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما } (2) . فتضافرت الأخبار قرآنا وسنة بأنَّ المؤمنين والمؤمنات من هذه الأمَّة الإسلامية ( الآخرون توقيتا ) يؤتون أجرهم مرتين ليكونوا الأولين ثوابا عند الله . إنهم المقربون السابقون .
وبمثل تلك النصوص الإسلامية جاءت أقوال المسيح - عليه السلام - . فالمشكاة واحدة والأنبياء جميعا دعوتهم واحدة . لا يأخذ اللاحق منهم من أقوال السابق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. رواه الشيخان فى صحيحيهما ، وباقى أصحاب السنن والمسانيد عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه .
(2) .. آية رقم 31 / الأحزاب . ...
ولكنهم جميعا يأخذون من نبع واحد وأصل واحد ، فتشابهت أقوالهم وأمثلتهم لأقوامهم .(1/22)
جاء فى إنجيل متى ( 20 : 1 ـ 16 ) من نسخة الكاثوليك ط 1994 قول المسيح : " فملكوت السماوات كمثل صاحب كرم خرج مع الفجر ليستأجر عمالا لكرمه . فاتفق مع العمال على دينار فى اليوم وأرسلهم إلى كرمه . ثم خرج نحو الساعة التاسعة فرأى عمالا آخرين واقفين فى الساحة بطالين ، فقال لهم : إذهبوا أنتم أيضا إلى كرمى وسأعطيكم ما يحق لكم . فذهبوا . وخرج أيضا نحو الظهر ثم نحو الساعة الثالثة وعمل الشىء نفسه . وخرج نحو الخامسة مساءً ، فلقى عمالا آخرين واقفين هناك ، فقال لهم : مالكم واقفين هنا كل النهار بطالين ..؟ قالوا له : ما استأجرنا أحد . قال لهم : إذهبوا أنتم أيضا إلى كرمى . ولما جاء المساء قال صاحب الكرم لوكيله : ادع العمال كلهم وادفع لهم أجورهم مبتدئا بالآخرين حتى تصل إلى الأولين . فجاء الذين استأجرهم فى الخامسة مساءً وأخذ كل واحد منهم دينارا . فلما جاء الأولون ، ظنوا أنهم سيأخذون زيادة فأخذوا هم أيضا دينارا لكل واحد منهم ، وكانوا يأخذونه وهم يتذمرون على صاحب الكرم فيقولون : هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة فساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار وحرَّه ..!؟ فأجاب صاحب الكرم واحدا منهم : يا صديقى أنا ما ظلمتك أما اتفقت معك على دينار ..!؟ خذ حقك وانصرف . فهذا الذى جاء فى الآخر أريد أن أعطيه مثلك أما يجوز لى أن أتصرف بمالى كيفما أريد ..؟ أم أنت حسود لأنى أنا كريم ..؟
( وقال يسوع ) (1) : هكذا يصير الآخرون أولين ، والأولون آخرين " . انتهى .
قلت جمال : يعتبر هذا المثل الإنجيلى من بقايا الأقوال الصحيحة للمسيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. عبارة ( وقال يسوع ) غير موجودة فى جميع النسخ العربية والإنجليزية واليونانية , والكلام من بعدها من
قول صاحب الكرم أى الله سبحانه وتعالى .
التى تناثرت على صفحات الأناجيل مختلطة بأقوال الذين لا يعلمون .(1/23)
والمقصود باليوم هنا هو امتداد عمر الدنيا ، أى فترة أعمال العباد فى حقل ربهم . والمقصود من قول المسيح - عليه السلام - " ولما جاء المساء " كناية عن يوم الدين حيث يوفى العاملون أجورهم . وإن دققنا النظر فى المثل جيدا نجد أنَّ فئات الأجراء العاملون فى الحقل ثلاثة . كل فئة تشير إلى أمَّة من الأمم .
فالعمال الذين تم جمعهم فى الفترة الواقعة بين الفجر وقبيل الظهر يشيرون إلى أمَّة بعينها .
والعمال الذين تم جمعهم فى الفترة الواقعة بين الظهر وقبيل الساعة الخامسة ( عصرا ) يشيرون إلى أمَّة ثانية .
والعمال الذين تم جمعهم فى الفترة بين العصر ( الساعة الخامسة ) وقبيل المغرب ( المساء ) يشيرون إلى أمَّة ثالثة .
تلك مفاهيم عامة فى المثل لا يختلف عليها المتفكرون ، ولا ينكرها إلا كل غبى جاهل معاند للحق . ولا مانع بعد ذلك من أن نفهم مواقف خاصة وخاصة جدا من النصّ قد نختلف فيها وعليها . ولكن بعد الاعتراف بتلك المفاهيم العامة الجامعة والعكس غير صحيح .
... لقد خصص المفسرون الإنجيليون عمال الفترة الأولى والثانية ( من الفجر حتى الظهر ، ومن الظهر حتى العصر ) بالدعوة إلى يهود بنى إسرائيل . ثم خصوا عمال الفترة الثالثة ( من العصر حتى المغرب ) بالدعوة إلى الأمم . مع أنَّ دعوة المسيح - عليه السلام - لم تكن لغير يهود بنى إسرائيل كما سيأتى بيانه تفصيلا والبرهنة عليه . وسبب ذلك أنهم لا يعترفون بأنَّ هناك دعوة جديدة قد ظهرت للعالم منذ ألف وخمسمائة عام يدعى أصحابها بالمسلمين ..!!
فالعيب ليس فى النصّ الإنجيلى ولكن فى الذين ينظرون إليه وفى أعينهم خشبة المسيح - عليه السلام - التى أمرهم أن ينزعونها من أعينهم حتى يروا جيدا .
وإلى الآن لم يستطع الجهابذة من علماء المسيحية أن يتعرفوا على من رُمِز إليهم فى المثل بأنهم عمال محظوظون .(1/24)
يقول أصحاب التفسير الحديث لإنجيل متى نشر دار الثقافة بالقاهرة ما نصّه " والنقطة الجوهرية فى هذا المثل ، هى أنَّ هذه السجايا لا تتوافر إلا فى الله وحده ، وأنَّ كرمه يسموا على كرم كل فكر بشرى عن العدل . فلم يحصل أحد من العمال على أقل مما يستحقه ، بل إنَّ البعض أخذ أضعاف أجره ، ولكن هذا الكرم كان جزاؤه بالطبع تذمر أولئك الذين لم يحصلوا إلا على الأجر المستحق لهم فقط . فمن كان المقصود بهذا المثل ..!؟ هل نستطييع تعيين من هم الذين رمز إليهم أنهم عمال محظوظون استئجروا فى وقت متأخر ، وكذلك الذين رمز إليهم بالعمال المنتظمين الذين ملأتهم الغيرة منهم ..!؟ " (1) .
قلت جمال : قطعا الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة العويصة قد وصلت للقارىء ذى الفطرة السليمة من النصوص السابقة . فالمسلمون هم الأمَّة الأخيرة فعلة الساعة الأخيرة . وهاهم بشهادة المسيح نفسه الآخرون فى الظهور إلا أنهم الأولون فى الدخول إلى ملكوت الله أى جنة الله . جعل الله لهم الحسنة بعشر أمثالها بل بسبعمائة ضعف والسيئة بواحدة . وجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له . ومن كان آخر كلامه منهم لا إله إلا الله دخل الجنة . إضافة إلى الكثير مما لم يكن عند من سبقهم من الأمم .
ولقد ذكر متى فى إنجيله ( 8 : 11 ـ 13 ) قول المسيح : " إنَّ كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب فى ملكوت السماوات (2) . وأمَّا بنوا الملكوت (3) ( أى بنى إسرائيل الذين كفروا بالمسيح ومحمد وبين أيديهم التوراة والإنجيل ) فيطرحون إلى الظلمة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. التفسير الحديث ـ إنجيل متى من ص 320 إلى ص 321 .
(2) .. ملكوت هنا بمعنى الجنة , مأوى الأنبياء والمرسلين والصالحين .
(3) .. والملكوت هنا بمعنى الدين , وبنوا الملكوت أى أصحاب الدين .(1/25)
الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان . وأورد لوقا فى ( 13 : 28 ) من إنجيله نصوصا مماثلة . ولم تأت أمَّة من المشارق والمغارب تؤمن بكافة الأنبياء إلا أمَّة مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وهى آخر أمَّة أرسل إليها رسول . وهى الأمَّة المبشر بها فى التوراة والإنجيل كما سبق بيانه .
قلت جمال :
إنَّ المتدبر فى أقوال المسيح - عليه السلام - والتى اتفق النقاد المسيحيون على صحتها . سوف يجدها متفقة تماما مع أقوال النبىّ الخاتم ( الكل ) - صلى الله عليه وسلم - . لأنهما يأخذان من مشكاة واحدة هى مشكاة رب العالمين عز وجل . كما أنَّ أقوال المسيح - عليه السلام - المتفق على صحتها من قِبَل النقاد لن يجد فيها الباحث ما يتعارض مع نصوص الإسلام . والخلاف الوحيد بين نصوص الإسلام ( قرآن وسنة صحيحة ) وبين المسيحية لم يكن أبدا للمسيح - عليه السلام - وأقواله يد فيه . وإنما وقع هذا الخلاف الدينى بين نصوص الاسلام وبين أقوال ومعتقدات رجال الكنائس المختلفة فيما بينها . فليفهم هذا جيدا .
وليحاول إخواننا فى المواطنة أن ينزعوا عنهم غلالة الحقد الأسود تجاه الإسلام ونبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ليروا النور الذى جاء من أرض الجنوب .(1/26)
الجزء الثانى
======
البشارات بنبىِّ الإسلام
r
أخبرتكم جبال فاران عنه مثل ما أخبرتكمو سيناء
وأتاكم من المهيمن قديس وكم أخبرت به الأنبياء
وصفت أرضه نبوة شعيا فاسمعو ما يقوله شعياء
( من روائع الإمام البوصيرى )
استهلال
====
أحمدك اللهم حمدا كثيرا على ما أنعمت وأفضلت فيما مضى ، فأنعم وزد يا كريم فيما بقى ، وسدد وقارب يا مُطمئن القلوب ومعطى العقول رشدها .
لقد تناولت بعون الله تعالى وعلمه فى الجزء الأول من هذا الكتاب على الترتيب : أرض الجنوب ونزول إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - إليها ، وسكنى إسماعيل وهاجر عليهما السلام فى برية فاران . ثم مسحتُ ركام الأتربة عن ترجمات كل مِن فاران وبكة وعرفات وزمزم فى الأصول العبرية والآرامية . وتكلمت عن بيت الله بأرض الجنوب والبشارات عنه ووصول الحجيج إليه من كل فج عميق عبر مواقيت أربعة . ثم كان ختمت ذلك الجزء بالكلام عن انتقال الرسالة الإلهية إلى أرض الجنوب بشهادة أنبياء الله ورسله موسى وأشعياء وعيسى عليهم السلام .
وهنا فى الجزء الثانى من هذا الكتاب سوف أتناول بإذن الله تعالى الكلام عن البشارات بنبىّ أرض الجنوب - صلى الله عليه وسلم - . دراسة مُفصَّلة مُبَرهن عليها تسير مع سابقاتها حسب المنهج المفضل إلىّ : العودة إلى الأصل بفكر العصر . دعوة إلى الاتصال لا إلى الانفصال . دعوة جامعة لبنى وطنى العربى الحبيب مسلمين ومسيحيين ، تحت ظلال المجادلة بالتى هى أحسن . فالدين لله ولرسوله وللمؤمنين ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى .
والكلام عن البشارات معروف جيدا عند إخواننا المسيحيين فلهم فيه باع طويل حيث حَوَّلوا معظم نصوص العهد القديم إلى بشارات عن المسيح - عليه السلام - . فهذا الأمر يسعنا نحن المسلمون كما وسعهم ، إضافة إلى أنه يفتح بيننا قنوات الاتصال للمناقشة العلمية الهادئة الهادفة بعيدا عن التعصب الأعمى .(1/1)
مِن المعلوم أنَّ نصوص أسفار العهد القديم فيها عبارات وجمل كاملة تمثل إطار وأطُر لصورة شخص موعود بظهوره ، وهذا الشخص مذكور بصفات عامة وأحداث مختلفة ، حاول المسيحيون ولا يزالون يحاولون أن يشرحوا تلك النصوص بشكل يجعلها تنطبق على شخص المسيح - عليه السلام - . أى أنهم فصَّلوا صورة من يؤمنون به على الإطار المقروء فى النصوص . واليهود أصحاب هذه النصوص يرفضون ذلك التفسير المسيحى .
ولئن سألت المسيحيين عن اسم المسيح الشخصى فى هذه النصوص لصمتوا على الفور لأنه غير موجود باسمه فى نبوءات العهد القديم .
... وعندما نحاول نحن المسلمين أن نبحث عن نصوص تنبىء بظهور نبينا - صلى الله عليه وسلم - يعترض المسيحيون ويرفضون علينا ما رفضه اليهود عليهم ..!! مع أننا نجد صورته واسمه الشخصى ومكان ظهوره وتوقيت ذلك الظهور ، إضافة إلى أحداث كثيرة صاحبت بعثته - صلى الله عليه وسلم - . أى أنَّ صورة من نؤمن بدعوته نجدها فى نبوءات الكتاب بعهديه ومطابقة لإطار الصورة المقروءة فى النصوص .
فلماذا لا يسعنا بعض ما وسعهم ..!!؟
ولماذا يرفضون محاولاتنا فى ذلك المضمار ..!!؟
علما بأنَّ أدلتنا ظاهرة وأقوى مِن أدلتهم ولا تحتاج إلى تأويل ..!!
لقد حاول كل منا مسيحيون ومسلمون أن يضع صورة الشخص الذى يتبع دعوته فى ذلك الإطار الذى ترسمه النصوص . فالموضوع شيِّق يدعو إلى المنافسة والمناقشة العلمية البعيدة كل البعد عن الهوس والتعصب الدينى . فهل حان الأوان لنفعل ذلك الأمر بروح أخوية وطريقة علمية ..!؟
... لقد مرَّ علينا فى الجزء الأول أنَّ إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - قد دعا الله هناك فى برية فاران بجانب بيت الله بدعوات ذكرها القرآن الكريم تفصيلا ، وأجملتها التوراة فقالت " ودعا هناك إبراهيم باسم الرب " ( تك 13 : 4 ) . وكان من بين تلك الدعوات القرآنية المستجابة من الله لخليله إبراهيم قوله - صلى الله عليه وسلم - :
{(1/2)
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم } ( 129 / البقرة ) . وسوف أبحث جيدا فى هذا الجزء الثانى من الكتاب تحقق وقوع تلك الدعوة الإبراهيمية .
... وهناك ملاحظة هامة غفل عنها الباحثون الذين كتبوا عن البشارات بنبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وهى إعمال نصّ سفر أشعياء ( 28 : 11 ) القائل بأنَّ الله سيخاطب شعب بنى إسرائيل بشفة ولسان غريبين . وهذا الأمر لم يتحقق إلا فى خطاب الله تعالى لبنى إسرائيل فى القرآن الكريم بلسان عربى مبين . فقال لهم جل شأنه فى أكثر من موضع { يا بنى إسرائيل } و { يا أهل الكتاب } . ولا يوجد على ظهر الأرض خطاب إلهى موجه إلى بنى إسرائيل بغير لسانهم إلا فى القرآن الكريم . قال تعالى فى محكم آياته { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبَيِّن لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير . فقد جاءكم بشير ونذير ، والله على كل شىء قدير } ( 19 / المائدة ) .
وجاء أيضا فى سفر صفنيا ( 3 : 9 ) قول الرب " لأنِّى حينئذ أحوِّل الشعوب إلى شفة نقية ، ليدعو كلهم باسم الرب ، ليعبدوه بكتف واحدة " . ولا توجد شعوب متفرقة تقرأ كتابها بلغة واحدة وتؤدى عبادتها بشفة واحدة وكتف واحدة غير الشعوب الإسلامية . فالقرآن لا يقرأ إلا بالعربية ، والصلاة لا تؤدى جماعة إلا بكتف واحدة أى بتراص صفوف المصلين جنبا إلى جنب . ألا يكفى ذلك الأمر على صحة وثبوت الرسالة الإسلامية فى نظر أهل الكتاب ..!؟
وعند إعمال تلك النصوص سوف نجد مفارقات طفيفة فى بعض الكلمات القرآنية عن مثيلتها فى الأسفار اليهودية والمسيحية . يدركها من كان عنده علم بلغات اللسان العربى القديم ، والذى منه اللغة الآرامية والعبرانية القديمة .
ويظهر ذلك فى أوضح صُوَره فى أسماء الأشخاص . فالجذر اللغوى والمَعْنىَ المراد سوف نجدهما متطابقين ولكن خط الكتابة مختلف لأنه يخضع للتطور .(1/3)
وكذلك سنجد النطق بالأسماء متقارب ولكن بلهجة مختلفة قليلا مثل التى بين لهجات اللغة الواحدة . فمثلا نقول فى لساننا العربى محمد وأحمد ومحمود وحامد و ... الى آخر الأسماء المشتقة من الجذر ( ح م د ) ونجد نظير ذلك فى الآرامية والعبرية القديمة الأسماء حِمِد و حِميدة و حَمَد و مَحْمَد و ... إلى غير ذلك من أسماء مشتقة من الجذر اللغوى ( ح م د ) . ولتحديد تطابق الاسم المراد بين العربية والآرامية والعبرية القديمة يلجأ العلماء إلى استخدام قواعد كل لغة فى بيان المعنى المراد من كل اسم من بين هذه العائلة اللغوية المشتقة من ذات الجذر اللغوى . علما بأنَّ اللغة العبرانية القديمة كانت لغة غير مقروءة لأكثر مِن ألف وخمسمائة سنة حتى القرن العاشر الميلادى حين شُكِّلت الحروف العبرية لأول مرة فى النسخة الماصورتية وبدأ العمل بها . فمنذ حوالى خمسة قرون قبل الميلاد وإلى إنتهاء عشرة قرون أخرى بعد الميلاد لم يكن هناك أحد من اليهود يتكلم اللغة العبرية المعروفة .
خمسة عشر قرنا والاسرائيليون يتكلمون الآرامية بلهجاتها المختلفة . أى أنهم كانوا يتكلمون بلهجة من لهجات اللسان العربى القديم وإن كان يُطْلق عليها فى كتب التراث بالعبرانية وليست العبرية .
فعلامات التشكيل من فتحة وكسرة وضمة وشدة وسكون لم تُعْرف فى العبرية إلا من القرن العاشر الميلادى ، أى من بعد أن انتهى المسلمون من تشكيل حروف القرآن الكريم وترقيم آياته . ولهذا فلن تكون القراءة العبرية الماصورتية حُجَّةً على القراءة العربية المُشَكلة .(1/4)
وتكفينا فى هذا البحث المشابهة بين حروف الكلمات المبحوث عنها وجذرها اللغوى . فمثلا إن كانت الكلمة العربية عبارة عن اسم شخص ، تنطق وتكتب فى العربية هكذا مُحَمَّدٌ فإن مثيلها فى العبرية الغير مُشكلة نجدها مكونة من ذات الحروف ( مـ ح مـ د ) بتكرار الميم ومن الجذر اللغوى ( ح مـ د ) . وإن قرأها اليهود المُعاصرون هكذا : مُحَاماد أو مَحُوماد أو مِحُوميد أو مِحَامود أو بأشكال أخرى بعد إضافة التشكيل وحروف العلة من واو وألف وياء بين حروف الكلمة تمويها على القرَّاء والباحثين فى النصوص . ولكن باتفاق علماء اللغة من مسيحيين ويهود ومسلمين على أنَّ حروف العلة ( ا ، و ، ى ) ليست من أصل الكلمة . فالأصل هو ( مـ ح مـ د ) والجذر اللغوى هو ( ح مـ د ) . وسوف نجد أمثلة كثيرة على ذلك فى هذا البحث بإذن الله تعالى .
ومثل آخر وهو الاسم العربى أحمد والذى معناه مأخوذ من أفعل التفضيل فى العربية ومن الجذر اللغوى ( ح مـ د ) أيضا ، بمعنى أنه أكثر حمدا من آخر يَحْمِدُ . أقول بأنَّ علماء اللغة يعلمون جيدا أنَّ صيغة أفعل التفضيل نادرة الاستخدام فى كل من الآرامية والعبرية القديمة . فكان الآراميون يستخدمون طريقة أخرى للتعبير عن المراد فى مثل تلك الصيغة ، حيث كانوا يلجؤون إلى وصف الشخص ذو الإسم الذى على وزن أفعل التفضيل بإضافة كلمة بار قبله مُبالغة منهم فى الوصف . وكلمة بار فى الآرامية لها معنى مجازى شهير جدا يعرفه المسيحيون وهو أنها تعنى كلمة ابن . فإذا أرادوا المبالغة فى وصف إنسانية إنسان ما ، قالوا عنه بارناس أى ابن الناس أو ابن الإنسان . وفى العبرية بارناش حيث تستبدل السين بحرف الشين مفارقة من اليهود للسان العربى القديم الآرامى . وعبارة بارناس نجدها كثيرا ترد على لسان المسيح - عليه السلام - فى الأناجيل اليونانية وهو يصف بها نفسه منعا لسوء الفهم .(1/5)
وقالوا فى الآرامية عن الإنسان الوسيم الوجيه حَسُن الخُلُق قليط . وقالوا أيضا على كل زائد فى الأفعال والأخلاق والخَلْق على أقرانه قليط . وتلك الكلمة لا نزال نقولها فى صعيد مصر وإن تحولت فى اللسان القاهرى إلى أليط بإبدال الألف بدلا من القاف . وهذا معروف مشهور فى كلمات كثيرة ينطقها القاهريون بالألف بدلا من القاف . فإن كان هناك إنسانين يحملان نفس الصفات والأفعال الحميدة وكل منهما يُدْعى قليط وفاق أحدهما الآخر فى الصفات والأفعال الحميدة فهذا يقال عنه بارقليط أى الأكثر قلاطة من الآخر أو ابن القلاطة ..!! وتلك صيغة تشابه صيغة أفعل التفضيل فى العربية . سوف يتناولها هذا الكتاب بالبحث المتأنى فى إنجيل يوحنا بإذن الله تعالى .
ورحم الله من تتبع أخطائى ثم أهداها إلىّ . أسأل الله العظيم أن يجعل لى لسان صدق فى الآخرين . وأستفتح بالذى هو خير فأقول ومن الله العون والسداد فى الفهم :
وَكانُوا مِن قبل يَسْتَفتِحُونَ عَلى الذين كَفَرُوا
فلمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلعْنَة اللهِ عَلَى الكَافِرين
( 89 / البقرة )
مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -
=========
لقد كان يهود المدينة يتغنون بأوان ظهور نَبِىّ اسمه مُحَمَّد ، ويستفتحون به على العرب المشركين من قبيلتى الأوس والخزرج ، ويقولون لهم سوف نُؤمِنُ به ونُقَتِّلكم قتل إرَم وعَاد . فلما بَعَثه اللهُ تعالى سارع الأوس والخزرج إلى الإيمان به قبل اليهود . فما كان من اليهود إلا أن كفروا به وأنكروا نبوته - صلى الله عليه وسلم - . وسجَّل القرآن الكريم تلك الحادثة للأجيال القادمة وإلى يوم الدين . وبَيَّن سبحانه وتعالى بأنهم كانوا { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } ( 146/ البقرة ؛ 20/ الأنعام ) . وقال تعالى { يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل } ( 157 / الأعراف ) .(1/6)
وتناسى الناس ذلك الأمر ، وتغيرت نصوص التوراة والإنجيل وتعددت الترجمات ، ومُحِيَت الكلمات الدالة على الإسمين مُحَمَّد و أحْمَد . ولكن بفضل من الله تعالى ، ومعاونة الكثير من عباد الله المُخلصين المُثقفين ، تمَّ العثور على بقايا تلك النصوص بعد إزالة غبار تراكمات الترجمات الباطلة من فوقها ليقرأها الناس كما هى فى أصول لغتها . وما كان ذلك مُمْكنا فى الأزمنة الماضية قبل أن يكتشف العلماء لغات اللسان العربى القديم ، وخاصة الآرامية والعبرانية القديمة .
وأبدأ أولى البشارات بالقصيدة الشعرية التى كان يتغنى بها اليهود فى المدينة المنورة . قصيدة يظنها قرَّاء الكتاب المقدس بأنها قصيدة غزل بين حبيب وحبيبة بعدما جارت عليها الترجمات المتعددة وغيَّرت من معناها .
إنها قصيدة يتغنون فيها بأوصاف نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - ..
النبىّ المنتظر مبعثه من بين أبناء عمهم ويذكرون فيها إسمه صراحة مُحَمَّد بعد أن وصفوا صورته كأنك تراه فى المرآة . إنها قصيدة تشبه فى محتواها الكثير من المدائح النبوية التى ينشدها الصوفية تحت ستار العشق والغزل الدينى . ولن تكون مراجعى فى ذلك الأمر هى الكتب الإسلامية حتى لا يظن فى الأمر الظانون وتذهب بهم الظنون . ولكنى سوف أستخدم نصوص الكتاب المقدس المتداول بين الناس ولكن بعد الرجوع إلى الأصول العبرية وإعادة ترجمة الفقرات من داخل القواميس الكتابية المسيحية .
وسوف أذكر ما بقى من تلك القصيدة المذكورة فى سفر نشيد الأناشيد ( 5 : 10 ـ 16 ) من الترجمات العربية الأربع المتداولة حاليا بين الناس . ليقرأها القارىء أولا قبل الرجوع إلى أصولها العبرية القديمة ، وليشاهد كيف مَحَت الترجمات معانى أصول القصيدة . ثم ليقرأها ثانية بعد الاطلاع على معانى مفرداتها اللغوية من أصولها اللغوية . ليستيقن الذين آمنوا ، ويزدادوا إيمانا بكتابهم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
((1/7)
انظر الجدول فى الصفحة التالية ) :
النسخة الوطنية ( ط 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( ط 1988 )
10 حبيبى أبيض وأحمر . مُعَلَّمٌ بين رِبْوَةٍ . ... 10 حبيبى مُتَألقِّ وأحمر ، عَلَمٌ بين عشرة آلاف .
11 رأسُهُ ذهَبٌ خالصٌ وغدائره مُتمَوِّجة حالكة السواد كلون الغراب .
11 رأسه ذهب إبريز ، قُصَصُهُ مُسترسلة حالكة كالغراب . ... 12 عيناه حَمَامَتان عِند مَجارى المياه . مَغسُلتان مُسْتقِرتان فى موضِعِهما .
12 عيناه كالحَمَام على مَجارى المياه مغسولتان باللبن جالستان فى وَقْبَيْهِما . ... 13 خدَّاهُ كخمِيلة طِيبٍ تفوحَان عِطرا ، وشفتاه كالسَوْسَن تقطُران مُرَّا شذِيَّا .
13 خدَّاه كخميلة الطِيب وأتلامِ رياحين ذكية . شفتاه سَوسَنٌ تقطُران مُرَّا مائعا . ... 14 يَداه حَلقتان مِن ذهب مُدَوَّرتان ومُرَصَّعتان بالزبرجد ، وجسمه عاج مَصقول مُغشَّى بالياقوت الأزرق .
14 يداه حَلقتان مِن ذهَبٍ مُرَصَّعَتان بالزبرجد بطنه عاج أبيض مُغلَّف بالياقوت الأزرق . ... 15 ساقاه عمودا رُخَام قائمتان على قاعدتيْن من ذهب نقى ، طلعته كلُبْنان ، كأبهى أشجار الأرز .
16 فمُهُ عَذب ، وَكلُّهُ مُشتهَيات . هذا حبيبى وهذا هو خليلى يا بنات أورشليم .
15 ساقاه عمودا رُخام مُؤسَّسَتان على قاعدتين من إبريز . طلعته كَلُبْنَانَ . فتى كالأرزه .
16 حَلقُهُ حَلاوَةٌ وَكُلُّهُ مُشتَهَيَات . هذا حبيبى وهذا خليلى يا بنات أورشليم .
نسخة الكاثوليك ( ط 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 )
10 حبيبى سليم وأسمر لا عَيْب فيه ، عَلَمٌ بين عَشرة آلاف . ... 10 حبيبى أبيض أصْهَب عَلمٌ بين ألوف .
11 رأسُهُ ذهب إبريز ، وغدائره أغصان نخيل حالكة بلون الغراب .
12 عيناه حمامتان على مَجارى المياه . مَغسولتان باللبن وهما فى مِحْجريهما . ... 11 رأسُه ذهب خالص وإبريز ، خصائله كسَعَف النخل حالكة كالغراب .(1/8)
13 خدَّاه روضة أطياب وخميلة رياحين . شفتاه سَوْسَنتان تقطران عَبير المُرّ . ... 12 عيناه كحمامتين على أنهار المياه تغتسلان باللبن الحليب وهما جاثمتان على الحَوْض .
14 يداه مُجَللتان بالذهب مَليئَتان بالزبرجد . جَسَدُهُ مُغشَّى بالعاج ومُغلَّف بالياقوت . ... 13 خدَّاه كروضة أطياب وزهْراء رياحين وشفتاه سَوْسَنٌ تقطران مُرَّا سائلا .
15 ساقاه عَمُودا رُخام على قاعِدَتين مِن إبريز طلعته مِثل لبنانَ وهو مَهيب كأرزهِ . ... 14 يداه حَلقتان مِن ذهب مُرصَّعتان بالزبرجد وبطنه كتلة عاج يَغشِّيه السَّفير .
15 ساقاه عمودا رخام موضوعان على قاعدتين مِن إبريز ، وطلعته كلبْنان ، هو مُختار كالأرز .
16 ريقهُ أعْذبُ ما يكون وهو شهِىُّ كُلُّهُ . هذا حبيبى ، هذا رفيقى يا بنات أورشليم . ... 16 حَلقه كلُّهُ عُذوبة بل هو شهِىٌّ بجملته . هذا حَبيبى وهذا خليلى يا بنات أورشليم .
قرَّائى الأعزَّاء : هل شاهدتم شيئا فى الفقرات المذكورة فى الجدول السابق تتكلم عن نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ..!؟ قطعا ستكون الإجابة بالنفى والقرَّاء معذورون فى ذلك . فالأمر كله يدور حول إنسان محبوب تلك هى صفاته . ومن هنا نجد دائما قول علماء المسيحية بأنَّ الكتاب المقدس لم يذكر شيئا عن نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - .
ويكفينا هنا أنَّ الفقرات من رقم 10 حتى رقم 15 تتكلم عن الصفات الجسدية لذلك الإنسان من لون بشرته ووجنتيه وشعره وعينيه وصدره ورجليه . وتلك صفات ربما يشترك فيها كثير من الناس ، ولكن عند قول النصّ فى أوله حبيبى والتى تكتب فى الأصل العبرى دودِ ( ??? ) وأحيانا تكتب الكلمة مختصرة هكذا ( ?? ) ينصرف معنى النصّ كله إلى دودِ هذا مِن دون الناس جميعا . وهذه الكلمة العبرية التى تحمل الرقم ( 1730 ) إن بحثنا عنها فى نصوص الكتاب المقدس وبعيدا عن ترجمات المترجمين المغرضين سوف نجدها تشير إلى ابن العم وأحيانا العم .(1/9)
ففى سفر اللاويين ( 10 : 4 ؛ 20 : 20مكرر ؛ 25 : 49 مكرر ) وفى سفر العدد ( 36 : 11 ) نجدها تأتى دائما وهى تشير إلى ابن العم و العم . فليس معناها حبيبى كما جاء فى ترجمات النصّ . وهذه الكلمة دودِ من جذر غير معروف أو مستخدم فى العبرية كما تقول القواميس . قلت ولا يزال رنين تلك الكلمة مسموعا بين أبنائنا حين يقولون دَادِ و دَدْ و دُودُ و دِيدِ . إلى غير ذلك من صيغ مستحدثة تشير إلى درجة قرابة معروفة ، وإن كانت هذه الصيغ قديمة جدا فى اللغة . المهم أنَّ النصّ موجه إلى ابن العم صراحة فى أوَّل كلمة منه وفى آخر فقرة منه ( هذا ابن عَمِّى ) .
فإن وقفنا أمام عبارة " عَلَمٌ بين عَشرة آلاف " علمنا أمرا آخرا لا يشترك فيه كثير من الناس . وأرجىء الكلام عن مطابقة تلك الصفات على نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وبيان كيف أنه - صلى الله عليه وسلم - ابن العم وأنه عَلَمٌ بين عَشرة آلاف إلى حين الانتهاء من إزالة الغبار وركام الترجمات الخاطئة من فوق كلمات الفقرة رقم 16 . وذلك بالنظر إلى أصل الكلمات العبرية المُثبتة فى هذه الفقرة ونَدَع الكتاب المقدَّس يفك تلك الطلاسم ويُبَيِّن لنا المراد من معانى هذه الكلمات .
النسخة الوطنية ( ط 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( ط 1988 )
حَلقُهُ حَلاوَةٌ وَكُلُّهُ مُشتَهَيَات . هذا حبيبى وهذا خليلى يا بنات أورشليم . ... فمُهُ عَذب ، وَكلُّهُ مُشتهَيات . هذا حبيبى وهذا هو خليلى يا بنات أورشليم .
نسخة الكاثوليك ( ط 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 )
ريقهُ أعْذبُ ما يكون وهو شهِىُّ كُلُّهُ . هذا حبيبى ، هذا رفيقى يا بنات أورشليم . ... حَلقه كلُّهُ عُذوبة بل هو شهِىٌّ بجملته . هذا حَبيبى وهذا خليلى يا بنات أورشليم .
وسوف أفك طلاسم هذه الفقرة على خطوات :(1/10)
أولا : حَلقُهُ حَلاوَةٌ أو فمُهُ عَذب أو ريقهُ أعْذبُ ما يكون أو حَلقه كلُّهُ عُذوبة . كلها صفات ، وإن اختلف المترجمون فيها . فإنها تفيد جمال وعذوبة الفم وكل ما يخرج منه .
ثانيا : عبارة وَكُلُّهُ مُشتَهَيَات أو وهو شهِىُّ كُلُّهُ أو بل هو شهِىٌّ بجملته . فيها تحريف مقصود وخطير قام به المترجمون . فالكلمة العبرية المُعَبَّر عنها بالـ مُشتَهَيَات و شهِىُّ تكتب هكذا فى العبرية ( ???? ) أى ( مـ ح مـ د ) من أربعة حروف ، هى ميم حيت ميم دالت .
أمَّا عن كلمة ( كُلُّهُ ) أو عبارة ( بل ... بجملته ) فهى مضافة إلى النصّ وليست منه أصلا وإنما جاءت بديلة عن هُوَ و إنَّهُ .
وهذه الكلمة التى يكتبونها فى الترجمات العربية شهِىٌّ ومُشتَهَيَات وفى الإنجليزية يكتبونها ( Lovely ) والتى تحمل الرقم ( 4261 ) نجدها فى العبرية تكتب من أربعة حروف هى على الترتيب ( مـ ح مـ د ) ويقولون لك فى القواميس أنها مشتقة من الجذر اللغوى ( ح مـ د ??? ) والذى يحمل الرقم ( 2530 ) . وهذا الجذر متساو فى معناه بين العربية والعبرية دون اشكال . ولن أخوض فى تصويت الكلمة فى العبرية حيث أنَّ علامات التشكيل والتصويت وُضِعت لأول مرة فى النسخة الماصورتية والتى انتهى العمل منها فى القرن العاشر الميلادى . وأترك للقارىء العربى أن ينطق الكلمة المكونة مِن هذه الحروف الأربعة ( مـ حـ مـ د ) .
وإن نظرت إلى شكل الكلمة فى العبرية الحاليه تجدهم يكتبونها مشكلة هكذا ( ?????? ) بإضافة الحرف المتحرك الواو ( ? ) بعد الميم الأولى والثانية ووضع علامة الفتحة تحت الميم الأولى ( ــ ) وعلامة السكون المتحرك ( : ) تحت حرف الحاء ثم علامة الفتح الطويل ( T ) تحت الميم الثانية ، وينطقون الكلمة هكذا مَحُمَاد و مَخمَاد و مَخمُود بالخاء بدلا من الحاء ، مع أنَّ حرف الخاء لا يوجد فى العبرية التوراتية ذات الإثنين والعشرون حرفا ..!!(1/11)
ومعلوم عند الجميع أنَّ حرفى الواو المضافين إلى شكل الكلمة ليسا من حروف الكلمة الأساسية الأربعة ( مـ ح مـ د ) .
قارئى العزيز سَلْ من شئت ممن يعلمون اللغة العبرية بأن يكتبوا الإسم العربى محمد فى العبرية بدون تشكيل ، إنهم سوف يكتبونه هكذا ( ???? ) من أربعة حروف أيضا هى ( ميم ـ حيت ـ ميم ـ دالت ) أى ( مـ ح مـ د ) . إنها ذات الكلمة الموجودة فى النصّ . إنَّهُ مُحَمَّد .
وصيغة الجمع منها محمديم ويكتبونها هكذا ( ?????? ) بإضافة علامة الجمع العبرية يم ( ?? ) فى آخر الكلمة . وهذه الكلمة التى تعادل فى العربية الصيغة مُحَمَّدُون نجدها تذكر فى سفر مراثى إرميا ( 1 : 7 ) بدون إضافة حرف العلة ( ? ) بعد حرفى الميم أى هكذا ( ?????? ) . ويلاحظ أيضا هنا أنَّ حرف الميم الثانى نجد تحته علامة الشدَّه ، أى أنَّ الكلمة تقرأ فى صيغة الجمع العبرية مُحَمَّدِيم . وبهذا يظهر لنا أنَّ الميم الثانية فى أصلها مُشَدَّدَه مثل العربية تماما . إنه مُحَمَّد .
ثالثا : عبارة هذا حبيبى . وقد سبقت الاشارة إلى كلمة حبيبى فى أول النصّ والتى تكتب فى الأصل العبرى دودِ ( ??? ) وأحيانا تكتب الكلمة مختصرة دد هكذا ( ?? ) وهى بمعنى ابن العم كما جاءت فى سفر اللاوين وسفر العدد . فالترجمة الصحيحة هى هذا ابن عَمِّى .
رابعا : عبارة هذا رفيقى أو هذا خليلى . وهذه الكلمة تكتب فى العبرية هكذا ( ?? ) وأحيانا تكتب ( ??? ) وهى برقم ( 7453 ) وتنطق رِعَا وريعا ومعناها فى أماكن كثيرة من أسفار العهد القديم الجار ذوى القربى من بعيد أو من قريب . فالترجمة الصحيحة هى هذا جارى قريبى .
خامسا : عبارة يا بنات أورشليم . وهذه أيضا ترجمة غير صحيحة ففى الأصل العبرى نجد كلمة ابن أو بن ( ?? ) برقم ( 1121 ) والجمع منها بنى وبنو وهذه الكلمة تقال للذكور من الأولاد ، مثلها مثل العربية تماما .
فمن أين جاءت كلمة البنات ..!!؟(1/12)
والآن بعد تصحيح ترجمة معانى كلمات الفقرة ( 5 : 16 ) حسب الأصل العبرانى القديم الغير مُشكَّل تكون الترجمة الصحيحة للفقرة هكذا :
فمه عذب ، نعم إنه مُحَمَّد
هذا هو ابن عَمِّى
هذا هو جارى وقريبى يا بنى أورشليم
فـ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - ابن العم حقيقة ، فهو من ذرية إسماعيل أخو إسحاق ابنى إبراهيم عليهم الصلاة والسلام . فالعرب والإسرائيليون أبناء عمومة على التحقيق . والعرب جيران بنى إسرائيل على التحقيق منذ القدم وإلى الآن .
قرِّائى الأعزَّاء هذا ليس شرحا منى للنصّ بل هو ترجمة واقعية للنصّ من الأصل العبرانى ويستطيع أى إنسان أن يبحث ورائى ويتأكد من صدق كلامى . وأرقام الكلمات ماثلة أمام القارىء تسهيلا عليه فى البحث وتقصى الحق .
وأبدأ الآن فى الكلام عن الأنشودة التى كان يتغنى بها اليهود قديما أمام عرب يثرب : " ابن عَمِّى .. أبيض أصْهَب عَلمٌ بين عشرة آلاف . رأسه ... غدائره ... عيناه ... خدَّاه ... شفتاه ... يداه ... جسمه ... ساقاه ... طلعته ... فمه عذب . نعم إنه مُحَمَّد . هذا هو ابن عَمِّى ، هذا هو جارى وقريبى يا بنى أورشليم " .
إنها أنشودة تشابه المدائح النبوية التى برع فى إنشادها صوفية المسلمين ..!!
إنها ليست قصيدة غزل جنسى سافر كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء .
وليعلم القرَّاء أيضا أنَّ مكان النقاط الثلاث الماثلة فى النصّ والتى تصف ابن العم مُحَمَّد ، توجد أحاديث صحيحة كثيرة تشابه المُدَوَّن فى النصّ يجدها القارىء فى كتب الأحاديث وشمائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . لم أذكرها حتى لا يطول البحث على القارىء . ولأشوِّقَ القارىء للبحث ورائى ليستعلم الأمر .
وبقى أمامى الآن أن أبَيِّنَ للقارىء معنى العبارة عَلمٌ بين عشرة آلاف :(1/13)
وكلمة عَلَمٌ أصلها العبرى دَاجَل ( ??? ) وهى تحمل الرقم ( 1713 ) وهى بمعنى الرئيس الأكبر أو العلم المميز وجذر هذه الكلمة يفيد معنى التميز والعرض متباهيا أمام الآخرين ( flaunt ) كرفع العلم مرفرفا أمام الناس . والتاريخ البشرى لم يتعَرَّفَ على صفة إنسان وقف كالعَلَمِ الخفَّاق ورئيسا لعشرة آلاف تحديدا إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وهو بين أصحابه .
ونجد النصّ الصريح على إتيان النبىّ مثيل موسى والمُبَشّرُ به فى سفر التثنية ( 33 : 1 ـ 2 ) بين عشرة آلاف قِدِّيس .. أى عشرة آلاف من الرجال الأطهار ، وهذا الأمر قد تحقق يوم فتح مكة ، فأتى إليها النبىّ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - قائدا لجيش مكون من عشرة آلاف صحابى أطهار . وإلى القارىء النصّ من النسخة الإنجليزية المعتمدة والمعروفة بنسخة الملك جيمس :
“ ... and He came with ten thounds of saints : from His right hand went a fiery law for them “ .
والمعنى : وجاء ـ ذلك النبىّ المُبَشَّرُ به ـ مع عشرة آلاف من الرجال الأطهار . وبيمينه شريعة لهم . مع ملاحظة أنَّ كلمة الشريعة فى عرف الكتاب المقدس توصف غالبا بصفة النارية ( fiery ) لما فيها من أحكام وحدود .
والأعداد لم تكن معروفة زمن كتابة أسفار العهد القديم ، فكانوا يستخدمون كلمات تدل على العدد . ومثلنا هنا هو الرقم عشرة آلاف ، فهو يُعَبَّرُ عنه بالكلمة العربية القديمة رِبَّة وفى العبرية ( ???? ) بنفس المنطوق العربى . والترجمات العربية استخدمت هذه الكلمة حتى لا يرى القارىء الرقم عشرة آلاف الذى يتكلم عنه المسلمون عند استشهادهم بهذا النصّ . وقد سبق الكلام عن نصّ سفر حجى ( 2 : 7 ) فى الجزء الأول وأذكره هنا ثانيا للحاجة إليه :
نسخة فانديك المعتمدة ( 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( 1988 )(1/14)
وأزلزل كل الأمم ويأتى مُشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجدا . ... وأزعزع أركان جميع الأمم فتجلب نفائسهم إلى هذا المكان وأملأ هذا الهيكل بالمجد .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
وأزلزل جميع الأمم فتأتى كنوزها لتملأ هذا البيت مجدا . ... وأزلزل جميع الأمم وتأتى نفائس جميع الأمم فأملأ هذا البيت مجدا .
فالكلمة العبرية التى تُرْجمت إلى ( مُشتهى وكنوز ونفائس ) نجدها فى الأصل العبرى تُكتب هكذا ( ????? ) وتنطق حِمِيدة وتحمل الرقم ( 2532 ) فى القواميس الكتابية المتخصصة ، ويقولون لك فى هذه القواميس أنَّ هذه الكلمة مشتقة من الجذر العبرى حِمِد ( ???? ) الذى يحمل الرقم ( 2531 ) ، وهو بالتالى مأخوذ عن الجذر الآرامى حَامِد والذى يكتب بالحرف العبرى هكذا (???? ) ويحمل الرقم ( 2530 ) . ويلاحظ جيدا أنَّ حرف الحاء فى العبرية مكسور ( حِ ) وفى الآرامية نجد أنَّ الحاء مفتوحة بفتحة طويلة تستوجب ظهور حرف الألف بعدها ( حَا ) كما هو ظاهر فى الرسم الذى أمامك .
المهم أنَّ الكلمة مُشتقة من الجذر اللغوى ( ح م د ) وهو ثابت فى معناه فى اللغات الثلاث العربية والعبرية والآرامية ففيه معنى الاطراء والمديح والثناء . والكلمة فى هذا النصّ تشير إلى اسم شخص سيأتى إلى جميع الأمم . وليس لبنى إسرائيل وحدهم . وأصل الفقرة رقم 7 فى الأصل العبرى هو ( فى يافوا حِمِيده كول هاجوييم ) ومعناها حرفيا ( وسوف يأتى حِمِيده لكل الأمم ) .(1/15)
فإن كتبنا هذه الكلمة بدون حركات التصويت المستحدثة فى النسخة الماصورتية ( القرن العاشر الميلادى ) وحذفنا حرف الياء المضاف إلى أصل الكلمة فهى حِمْدَه وليست حِمِيدَه . وهذا الشخص حِمْدَه سيملأ بيت الله مجدا وفخرا كما هو مذكور فى الترجمات العربية . والمجد والفخر شيئان معنويان كعلو الذكر والتقديس والتوجه بالعبادة لرب هذا المكان ، ومن غير المعقول أن تكون النفائس أو الكنوز هى التى ستملأ البيت مجدا وفخرا ..!!
وتلك صيغة أخرى مُشتقة من الجذر اللغوى ( ح م د ) لاسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى الأصول العبرية والآرامية ، و حِمْدَه معناه الذى حَمَدَ وبالغ فى حَمْدِهِ وهذا المعنى مأخوذ من كسر الحاء الذى يفيد معنى المعاناه والمغالاه فى الحمد ، مثل قولنا حَبَّ و حِبَّ فالأولى للذى يحب إجمالا كأن يُحِبَّ والديه وأقاربه وأصحابه . وأمَّا الثانية بكسر الحاء فهى للذى حَصَرَ حُبَّهُ لشخص واحد مُعَيَّن ، ففيه المعاناه حيث جمع كل الحُبّ ووضعه فى شخص واحد . ومن هنا فإنَّ كلمة حِمْدَه إمَّا أنها تعادل فى معناها العربى كلمة أحمد التى تفيد زيادة الحمد لله عن الآخرين . أو أنها تعادل كلمة مُحَمَّد بمعنى الذى حوى الحمد لله فى شخصه على وزن المُعَلِّم الذى حوى العلم فى شخصه ثمَّ عَلَّمَهُ للآخرين .
قال نَبِىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - فى حديث صحيح رواه البخارى وغيره : " لى خَمْسَة أسماء : أنا مُحَمَّد وأنا أحْمَد وأنا المَاحِى الذى يَمْحو الله بىَ الكفر وأنا الحَاشِر الذى يُحْشرُ الناسُ على قدَمِى وأنا العَاقِب الذى لا نَبِىَّ بَعْدِى " .
وقال الشاعر الصحابى الجليل حَسَّان بن ثابت رضى الله عنه مادحا النبىّ - صلى الله عليه وسلم - :
وضمّ الإله اسم النَبِىّ إلى اسمه ... إذ قال فى الخمس المؤذن أشهدُ
وشقَّ له مِن إسمه ليحلّه ... فذو العرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحَمَّدُ(1/16)
والعالم أجمع يعرف جيدا أنَّ بيت الله بمكة كان قاصرا على العرب فقط قبل الإسلام . يحجون إليه ويعبدون رب هذا البيت ، إلى أن ظهر أحْمَد - صلى الله عليه وسلم - ومعه رسالة الاسلام . فقدَّس المسلمون فى كل بقاع الأرض وفى جميع الأمم هذا البيت وصارت أفئدتهم تهوى إليه بالحج والعمرة ، ويتوجهون إليه فى صلاتهم خمس مرات كل يوم .
والله لو أنصف المترجمون وخافوا الله وكتبوا كلمة محمد أو حِمِده أو حِمِيده أو حَمد أو جميع صيغها كما هى فى الأصل العبرى لفهم القارىء العربى المعنى المراد من النصّ ، ولكنهم أرادوا صرف أنظار القارىء عن الحق فقالوا نفائس وكنوز .
الذينَ يَتبعُونَ الرَسُولَ النَبِىَّ الأمِّىَّ
الذِى يَجِدُونَهُ مَكتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَوْراةِ والإنْجِيل
( 157 / الأعراف )
المُختار - صلى الله عليه وسلم - وصيغة الصلاة عليه
================
...
هناك نبوءة فى سفر حبقوق ( 3 : 3 ) يعتبرها علماء المسيحية من النبوءات المِسِّيَّانية ، يُذكر فيها موقعين جغرافيين يتواجدان فى قلب الجزيرة العربية إنهما : تيمان وفاران ( حسب الترجمات الإنجليزية ) . وتذكر الكلمة الأولى فى الترجمات العربية للكتاب المقدس بصيغتين هما : تيما وتيماء ومعلوم أنَّ تيمان و تيما و تيماء صُوَر مختلفة لكلمة واحدة .(1/17)
فإن بحثنا عن هذه الكلمة فى القواميس والأطالس الكتابية سوف تجدها واردة كاسم علم لابن نبىّ الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام . وهى أيضا تشير إلى قبيلة تيما العربية نسبة إلى تيما بن إسماعيل - عليه السلام - ( راجع تك 25 : 15 ؛ 1 أخبار 1 : 30 ) . وتسمى المنطقة التى تسكن فيها قبيلة تيما بأرض تيماء ( 1 ش 21 : 14 ) . وتيماء حسب أقوال علماء المسيحية تقع بالجزيرة العربية وإن حاولوا أن يحركوا موقعها لجهة الشمال حتى تقترب من فلسطين كعادتهم .. !! فزعم بعضهم أنَّ " تيماء فى بلاد العرب فى منتصف الطريق بين دمشق ومكة " (1) ..!! .
وإن بحثنا فى المعاجم العربية سواء كانت لغوية أو جغرافية فسوف نجد أنَّ تيماء توجد بمنطقة وادى القرى من أعمال المدينة المنورة ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. قاموس الكتاب المقدس ص228 نشر دار الثقافة بالقاهرة .
... والمعنى اللغوى العام للجذر ( ى م ن ) الذى اشتقت منه الكلمات : تيمان و تيما و تيماء . يشير إلى الجنوب فى كل من العربية والعبرية . ومنه كلمة تيامن أى أخذ اتجاه الجنوب . والركن اليمانى من الكعبة المشرفة أى الجنوبى .
... وبناء على ذلك الأصل اللغوى للكلمة فى كل من العربية والعبرية فإنَّ موقع أرض تيمان بالجنوب . ولا يوجد غير شبه الجزيرة العربية جنوب فلسطين . ومعلوم عند كل عربى أنَّ تيماء من وادى القرى بأعمال المدينة المنورة . والمدينة المنورة تقع بين مكة ودمشق ولكن ليست فى منتصف الطريق ..!!
... ولكن المسيحيين ينقلونها إلى الشمال فيضعونها شرقى سيناء مصر حتى تكون قريبة من فلسطين ويقولون بأنها تقع جنوب فلسطين والأردن ..!! ... وأمَّا عن منطقة فاران وجبالها فهى عند العرب القدماء مكة المكرمة وما حولها . سكنى إسماعيل وأمّه هاجر ( تك21 / 21 ) وقد سبق الكلام بالتفصيل عنها فى الجزء الأول .(1/18)
قلت جمال : وبدون خلاف بين الجميع وبعد التغاضى عن دقة الاحداثيات الجغرافية نجد أنَّ تيمان و فاران تقعان جنوبى فلسطين والأردن عموما . سواء نزلنا إلى قلب جزيرة العرب أم وقفنا على أطرافها الشمالية . وهذا التعيين الجغرافى لن يجادلنا فيه إلا غبى جاهل بأصول الجغرافية ..!!
وبعد ذلك التمهيد المبسط الجغرافى واللغوى والذى قد توسعت فيه فى الجزء الأول من هذا الكتاب . أبدأ الآن فى ذكر النصّ الكتابى من سفر ( حبقوق 3 : 3 ) ومناقشته ( انظر الجدول التالى ) :
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
الله جاء من تيمان ، والقدوس من جبل فاران سلاه . جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه . ... قد أقبل الله من أدوم ، وجاء القدوس من جبل فاران . غمر جلاله السماوات وامتلأت الأرض من تسبيحه .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
الله يجئ من تيمان ، القدوس من جبل فاران غطَّى جلاله السماوات ، وامتلأت الأرض من التهلل له . ... الله يأتى من تيمان ، والقدوس من جبل فاران سلاه ، غطى جلاله السماوات وامتلأت الأرض من تسبحته .
ملاحظات على الترجمات العربية :
... 1 ـ اتفقت نسختى البروتستانت فانديك وكتاب الحياة على التعبير عن مجيئ الله بصيغة الفعل الماضى ( جاء ، أقبل ) .
2 ـ اتفقت نسختى الكاثوليك والآباء اليسوعين على التعبير عن مجيئ الله بصيغة الفعل المضارع ( يجئ ، يأتى ) ، اشارة إلى وقوع الحدث فى المستقبل .
3 ـ اتفقت ثلاث نسخ على افادة أنَّ المجيئ من تيمان خلاف نسخة البروتستانت المصرية كتاب الحياة حيث نسبت الإقبال من أدوم .
4 ـ اتفقت نسختا البروتستانت فانديك والآباء اليسوعيين على إثبات كلمة سلاه فى النصّ بينما حُذِفت الكلمة من نسختى البروتستانت المصرية والكاثوليك ..!!(1/19)
5 ـ أُثبِتَ حرف العطف ( الواو ) فى كل من النسخ الثلاث : فانديك وكتاب الحياة والآباء بين الجملتين الأولى والثانية دلالة على المغايرة بين المتعاطفين الله و القدوس بينما حُذِفَ حرف ( الواو ) فى نسخة الكاثوليك .
... تلك أهم الملاحظات على الترجمات العربية . وسوف أتكلم عنها بعد الاطلاع على بعض الترجمات الإنجليزية فى الجدول الآتى :
God came from Teman, and the holy one from Mount paran. His glory covered the heavens , and the earth was full of his praise . selah . ... R.S.V
God came from Teman, and the holy one from Mount paran . selah . His glory covered the heavens , and the earth was full of his praise . ... K.J.V
God came from Teman, the holy one from Mount paran . selah . His glory covered the heavens , and his praise filled the earth . ... N.I.V
God come from Teman , And the holy one from Mount paran . selah . His splendor covers the heavens and the earth is full of His praise . ... N.A.S.B
God coming again from Edom ; the holy God is coming from the hills of paran . His splendor covers the heavens ; and the earth is full of his praise . ... G.N.B
أهم الملاحظات :
1 ـ جاء التعبير عن مجيئ الله بالفعل الماضى فى كل من النسخ ( KJV, RSV, NIV ) بينما عبر عنه بالفعل المضارع فى نسخة ( NASB ) . وانفردت نسخة ( GNB ) بالتعبير بصيغة المضارع المستمر وكما حدث فى الماضى ( is coming again ) .
2 ـ تم إثبات أداة العطف بين الجملتين الأولى والثانية ( and ) فى النسخ الثلاث القياسية ( KJV , RSV , NASB ) بينما حُذِفت فى كل من ( NIV , GNB ) وقد تم حذف أداة العطف ( and ) من النسخة الجديدة ( NRSV ) كما تم تغيير موضع كلمة ( سلاه selah ) لتتطابق مع باقى النسخ الإنجليزية ( KJV , NIV , NASB ) .(1/20)
3 ـ هناك استبدال قد حدث فى نسخة ( GNB ) بـ ( ايدوم ) بدلاً من تيمان ..!!
4 ـ أثبتت الكلمة ( سلاه selah ) فى النسخ ( JV , RSV , NIV , NASB , NRSV ) وتم حَذفها فى نسخة ( GNB ) .. !!
نقد ودراسة النصّ
أولا : إنَّ كلمة (God ) الإنجليزية لا تترجم أبدا إلى اسم الجلالة الله . فشتان بين معنى الكلمتين . فكلمة ( God ) اسم جنس ولك أن تقول بأنها عنوان . ومن معانيها الرب و الإله و السيد على العموم . ولها صيغ جمع ( Gods ) بمعنى أرباب وآلهه وسادة ، .... الخ . فهى إذا تشمل الرب الحق والرب الزائف ، الإله الحق والإله الزائف . ولذلك نجدهم يفرقون فى اللغة الإنجليزية بين الرب الحق والرب الباطل بقولهم ( god , God ) خلاف الترجمات العربية ..!!
أمَّا كلمة الله فهى اسم جامع لمعانى الكمال والجمال ، يشير إلى الذات الإلهية وليس له صيغة جمع مثل إله وآلهة ورب وأرباب . والكلمة المترجمة هنا إلى اسم الجلالة الله هى كلمة إلوهيم ( ????? ) العبرية الدالة على الإله بصيغة الجمع . فيكون المعنى العام بعد إحسان الظن بكاتب هذا النصّ هو : جاء أو يجيئ إلهنا أو ربنا من تيماء (1) .
... وهناك معنيان للنصّ طبقا للأفعال المستخدمة فيه :
فإن كان التعبير بالفعل الماضى جاء فهذا يفيد بأنَّ إلهنا قد جاء إلينا بشريعته أو بكتابه أو بتوراته كما حدث مع موسى - عليه السلام - . ولكن تعيين مكان المجيئ بتيماء . لم يُعْرَف فى عهد بنى إسرائيل سابقا أو لاحقا لأنَّ المجيئ السابق كان من طور سيناء . فيكون التعبير بالفعل الماضى خطأ يجب تصحيحه لأنَّ المتكلم هنا بشر وليس بإله ولا يصح هنا إلا التعبير بالفعل المضارع المستمر الدال على ترقب هذا المجيئ مستقبلا من ناحية تيماء العربية ..!!
كما أنه لا دخل لبعثة المسيح - عليه السلام - أو الديانة المسيحية بتيماء العربية .(1/21)
ثانيا : إنَّ حرف العطف الواو فى اللغة العربية وأداة العطف ( and ) فى اللغة الإنجليزية تفيدان أنَّ هناك تغايرا بين المتعاطفين . خصوصا إذا اختلفت حالة المتعاطفين أو صفتهما أو مكانهما .
فعندما نقول جاء أحمد من الإسكندرية وعلىّ من القاهرة . يعنى بالضرورة أنَّ أحمد غير على ، وسواء كان التعبير بالصفات أو بالأسماء مثل قولنا جاء الكريم من الإسكندرية والرحيم من القاهرة . نعلم بداهة أيضا أنَّ الكريم القادم من الإسكندرية غير الرحيم القادم من القاهرة ، فهما لن يكونا صفة لشخص واحد إلا بعد الاتفاق على مكان واحد للمجيئ إمَّا الإسكندرية وإمَّا القاهرة . فلا يصح أن يأتى شخص واحد من مكانين متباعدين جدا فى وقت واحد ..!!
ومن هنا نفهم أنَّ كلمة إلهنا أو ربنا المترجمة خطأ إلى الله تختلف تماما وتغاير المُعَبَّرُ عنه بـ القدوس القادم من جبل فاران .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. إلوهيم تعادل كلمة آلهة فكلاهما صيغة جمع لمفرد إله أو إلوه ولكن الفعل المصاحب للكلمة مفرد ( ( جاء )
أو ( يجيئ ) .. فأحسنت الظن بالقوم واستبدلت ذلك المعنى بالمعنى المذكور أعلاه ليكون الجمع هنا عائدا
على المخاطبين أو المتكلمين بدل من الإله .
وكلمة القدوس فى أصلها العبرى قادوش ( ???? و ??? ) والتى تفيد معنى الطهارة والنقاوة والانتقاء أى المختار ( selected ) . وتطلق الكلمة فى العبرية على أسماء الأماكن المقدسة وعلى الأشخاص المقربين إلى الله تعالى أى المنتقين أو المختارين .
فالمعبر عنه هنا بـ القدوس ( ???? ) شخص مختار طاهر من رجال الله المقربين ، سيأتى من منطقة جبل فاران . وتكون الترجمة الصحيحة للنصّ هكذا :
يجيئ إلهنا ـ ربنا ـ من تيماء والمختار من جبل فاران .
هذا ما يفيده حرف العطف ( الواو ) أو اللفظة الإنجليزية ( and ) حسب علمى فى اللغات . وإن كان غير ذلك فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .(1/22)
ثالثا : ورود الكلمة العبرية ( ??? ) سلاه عقب ذكر قدوم المختار المترجم إلى القدوس فى العربية ، وفى الإنجليزية ( Holy One ) .
وكلمة سِلاه أو سَلاه لا يعرفون معناها أو المراد منها . فيكتبونها فى كثير من نسخ الكتاب المقدس ويحذفونها من بعض النسخ .
جاء فى القاموس الكتابى ( Pictorial Bible Dictionary ) عن معنى كلمة سلاه : " أنَّ معنى الكلمة غير معروف " (1) . وقريبا من ذلك المعنى جاء فى القاموس الكتابى (The New Bible Dictionary ) (2) . إلا أنَّ أصحاب ذلك القاموس الأخير قد بذلوا جهدا فى ابراز بعض المحاولات التى تمت لمعرفة معنى الكلمة .
واعتبرت الموسوعتان الكتابيتان ( BAKAR ؛ PEOB ) أنَّ كلمة سلاه من كلمات الفواصل والقوافى الموسيقية ، عندما تقال يصمت المغنى . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Page 767 Pictorial Bible Dictionary
(2) .. New Bible Dictionary Page 1084
إيذانا بانطلاق أصوات الآلات الموسيقية المصاحبة له (1) ..!!
وربما يريد القارئ أن يعرف معنى كلمة سلاه عند علماء المسيحية العرب فلن أبخل عليه بتلك المعلومة :
جاء فى قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة ص 479 ما نصه :
" سلاه : تعبير موسيقى ورد احدى وسبعين مرة فى تسعة وثلاثين مزمورا . كما ورد ثلاث مرات فى سفر حبقوق . ويظن البعض أنَّ الكلمة تعنى تقوية اللحن وتوقيعه بشدة ، وفى هذا المعنى يتوقف المرنمون لتسمع الآلة الموسيقية وحدها . ويظن آخرون أنَّ معناها وقفة موسيقية ، فتتوقف الآلات الموسيقية ويصمت المرنمون . ويقول يعقوب الذى من الرها إنها تشبه آمين التى يرددها المرنمون المسيحيون بعد سماع البركة . فكأن سلاه تعنى أعط بركتك . ولكن المعنى الأساسى المقصود من هذه الكلمة غير معروف " .(1/23)
قلت جمال : وعلى ذلك الرأى الموسيقى يكاد يكون عليه معظم علمائهم رغم جهلهم بدلالة الكلمة . فهل لنا أن نحاول فهم الكلمة من خلال أصولها اللغوية وبعد إسقاط معناها على النصّ والواقع التاريخى ..؟؟
ربما أستطيع كشف المستور الذى لا يحبه الكثيرون ويندهش له الصحاب المؤمنون ..!!
... بادئ ذى بدء يجب علينا أن نفرق بين حرفى السين والصاد العربيان . فهما موجودان فى جميع اللغات السامية ( لهجات اللسان العربى ) مثل الأكادية والآرامية والكنعانية ... الخ .
... فكلمة سلاه الواردة عندهم بفتح السين وكسرها تحتمل النطق بالصاد فى لغتنا مثل صِلاه أو صَلاه وهذا أنسب وأعرف فى لغتنا العربية . ويشهد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible v4 Page 324
وأيضا فى B.A.K.E.R Encyclopedia of the Bible v2 page 1507
لذلك التخريج الصوتى للكلمة الأصل الأكادى صَلُّوا ( sullu ) بنفس المعنى العربى صيغة أمر للجماعة أن يُصَلُّوا . وهذه الكلمة الأكادية تفيد معنى الصَّلاة وقد تكون الصَّلاة هنا قولا بالشفاه أو حركة بالعين أو إشارة باليد ، يبديها سامعوا أو قارئوا ذلك النصّ التعبدى من سفر حبقوق ( 3 : 3 ) . وربما تكون الكلمة مأخوذة أيضا من جذر الكلمة الآرامية ( ص ل ) بمعنى الصَّلاة أيضا وإن كان الأصل الأكادى أوضح فى المعنى .
... وتكون الترجمة الصحيحة للكلمة هى صَلاه بدلا من سَلاه التى لا يعرفون لها معنى . ويكون معناها اشارة من كاتب النصّ إلى القارئين والمستمعين للنصّ أن يُصَلُّوا عند ذلك الموضع من النصّ ..!!
... والعجيب فى الأمر هنا أن تأتى هذه الكلمة بعد ذكر مجيئ المختار من ناحية جبل فاران ( مكة المكرمة ) . والمسلمون إذا ذُكِرَ أمامهم المختار نبىّ مكة عَقَّبوُا على ذكره بصيغة الصَّلاة عليه فى قولهم صلى الله عليه وسلم ..!!
فالصلاة هنا هى قول صلى الله عليه وسلَّم ..!!(1/24)
وهناك محاولة قديمة قام بها القس يعقوب الرهاوى ( 640 ـ 708 م ) بمقارنة تلك الكلمة ( selah ) بكلمة آمين التى تقال عقب الأدعية الدينية وبيَّن أن بينهما مشابهة (1) .
... وهذه الكلمة التى لم يفهموا معناها أو مغزاها منذ ألفى سنة , والتى بدت لهم كطلسم يكتبونه فى أسفارهم ولا يعرفون معناه ، تعتبر دليلا قويا لم يقع عليه التحريف اللغوى ببعثه نبينا المختار - صلى الله عليه وسلم - من منطقة جبال فاران فلم يحدث فى تاريخهم الطويل قدوم رسالة سماوية أو بعثة نبوية من منطقتى تيمان وفاران العربيتان . ولا علاقة لهذا النصّ بالديانة اليهودية أو المسيحية ومن قال بغير ذلك فعليه الدليل بدلا من الاعتراض وملازمة السكوت ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) .. Pictorial Bible Dictionary page 767
رابعا : ومن الأمور الجميلة فى ذلك النص النبوى هو اقتران ذكر مجيئ ربنا وإلهنا جل وعلا بذكر المختار حبيبنا ورسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - فى نصّ واحد فرسالة الإسلام انتشرت من تيماء والمدينة المنورة من تيماء حسب خرائطهم الجغرافية . والمختار - صلى الله عليه وسلم - من فاران مكة . وهما أمران متلازمان لن ينفكا عن بعضهما البعض مثل كلمة التوحيد الخالدة : لا إله إلا الله مُحَمَّدٌ رسول الله . ويشهد لنا النصّ على ذلك المعنى حيث عَمَّ الإسلام معظم دول العالم وما من لحظة تمر إلا وتسمع صوت الأذان وكلمات سبحان الله والحمد لله . وما من بقعة على ظهر الأرض إلا وعليها مُصَلٍ لله يسجد ويركع . وهذا الأمر لم يحدث فى الديانات السابقة اليهودية المحدودة أو المسيحية العالمية .
أوليست شريعة المختار هى الشريعة المُشِعَّة التى تنبأ بها نبىّ الله موسى - عليه السلام - والقادمة من جبال فاران ( تثنية 33 : 2 ) والتى سبقت الإشارة إليها وسيأتى شرح مفرداتها فى ما يلى بإذن الله تعالى ..؟(1/25)
أوَ ليس المختار صلوات الله وسلامه عليه هو المنصوص عليه فى سفر التثنية ( 18 : 18 ) من النسخة القياسية المنقحة ( RSV ) " سوف أقيم لهم نبيا مثلك ، من وسط إخوتهم ، وأجعل كلامى فى فمه " . ذلك النصّ الذى تم تحريف معناه . والتاريخ يشهد بأنه لم يقم نبىّ مثل موسى حتى الآن ، معه شريعة وكتاب من الله غير النبىّ العربىّ الإسماعيلى - صلى الله عليه وسلم - . وتشهد بذلك نصوص التوراة أيضا فى سفر التثنية ( 34 : 10 ) حيث جاء فى النسخة العبرية للتوراة " ولم يقم بعد نبىّ فى إسرائيل كموسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " . وجاء فى النسخة السامرية للتوراة " ولا يقوم أيضا فى بنى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " .
وهم يشهدون بأنَّ المسيح - عليه السلام - لم يكن نبيا ولا رسولا . ولم يأت بشريعة ولا بكتابا من الله ، لأنه حسب اعتقادهم وظنهم كان إلها ..!! ولكنا نشهد بأنه رسول الله ونبىّ من أنبياء بنى إسرائيل الكبار جاء بالإنجيل ومؤيدا لأحكام التوراة ، ولكنه ليس من وسط إخوتهم . أى ليس من خارج بنى إسرائيل فكيف يشرحون لعامتهم أنَّ ذلك النبىّ المشار إليه فى تثنيه ( 18 : 18 ) هو يسوع المسيح ..!؟ وكيف يقولون ذلك مع قولهم أنه هو الرب يسوع الابن وهو أيضا الاقنوم الثانى ..!؟ اللهم غفرانك .(1/26)
... وفى أثناء بعثة المَسيح عيسى - عليه السلام - ، عندما رأى العامة من قومه المعجزات التى أجراها الله على يديه قالوا " هذا هو النبىّ الآتى إلى العالم " ( إنجيل يوحنا 6 : 14 ) . فكانوا يعرفون أنَّ هناك نبيا سيأتى إلى العالم أجمع وليس إلى بنى إسرائيل فقط كما كان أنبياؤهم من قبل . ولكن المسيح - عليه السلام - قال لهم : " لم آت إِلاَّ لخراف بنى إسرائيل الضالة " . فنفى - عليه السلام - الزعم القائل بأنه النبىّ الآتى إلى العالم أجمع ، وقد أكدَّ علماء المسيحية فيما بعد على أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يكن هو ذلك النبىّ حيث أنهم قالوا بأنه إله وابن إله ..!!(1/27)
إنَّا أرْسَلنَا إليْكُمْ رَسُولا شاَهِدًا عَليْكُمْ
كَمَا أرْسَلنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولا
( 15 / المزمل )
النبىّ شبيه موسى - عليه السلام -
===========
هناك نصّ صريح فى إتيان نبىّ عظيم مثل موسى - عليه السلام - ورد فى سفر التثنية ( 18 : 18 ـ 19 ) ، تكلم عنه الكثير من علماء المسلمين والمسيحيين على السواء . ويُحاول المسيحيون جاهدين بشتى الطرق أن يجعلوه نبوءة خاصة بالمسيح ابن مريم - عليه السلام - . ووقف المسلمون فى وجههم يفندون الأقوال المسيحية وبيدهم نصوص الكتاب المقدس ووقائع التاريخ ومجريات الأمور ، ولكن المسيحيون تشبثوا برأيهم دون طائل . وكنت أوَدُّ ألاَّ أكتب عن هذه النبوءة فقد كفانى العلماء الكتابة عنها ولكن قلبى وقلمى لم يطاوعانى على ذلك الأمر . فأنا لا أحِبُّ الكتابة إلاّ فى الجديد البكر الذى لم تفُضُّهُ أقلام الناس فليَعْذرَنِى القرَّاء هنا ..!!
ولنقرأ الآن نصّ النبوءة فى الجدول التالى :
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
أقيمُ لهُمْ نَبِيَّا مِن وَسَطِ إخْوَتِهِمْ مِثلَكَ . وأجعلُ كلامى فى فمه فيُكلِّمِهُم بكل ما أوصيه . ويكون أن الإنسان الذى لا يسمعُ لكلامى الذى يتكلَّمُ به باسمى أنا أطالبهُ . ... لهذا أقيم لهُمْ نَبِيَّا مِن بين إخوَتِهِم مِثلَكَ وأضع كلامِى فى فمه ، فيخاطبهم بكل ما آمُرُهُ به . فيكونُ أنَّ كل من يعْصِى كلامِى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى ، فأنا أحَاسِبَهُ .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
سأقيمُ لهُمْ نبِيَّا مِن بين إخوَتِهِم مِثلَكَ وألقِى كلامى فى فمه . وكل مَن لا يسمعُ كلامى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى أحاسِبُهُ عليهِ . ... سأقيم لهم نبِيَّا مِن وَسْطِ إخوَتِهِم مِثلكَ ، وأجعلُ كلامى فى فمه ، فيخاطبهم بكل ما آمُرُه به . وأى رَجُلٍ لم يَسْمَعْ كلامى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى ، فإنِّى أحاسِبُه عَليه .(1/1)
ذلك هو النصّ التوراتى المتنازع عليه بين المسلمين والمسيحيين . وقد رفض اليهود أصحاب النصّ تفسير المسلمين والمسيحيين معاً . لأنهم لا يؤمنون بمُحَمَّدٍ ولا بالمسيح ابن مريم صلوات الله وسلامه عليهم . فهل لنا بعض الحق فى أن نتناقش قليلا حول ذلك النصّ ، ولنجعل نصوص الكتاب المقدس بعهديه تتكلم وتشير إلى الحق ..!؟
أولا : توقيت ظهور ذلك النبىَ .
اتفق اليهود والمسيحيون والمسلمون على أنَّ هذا النبىّ لم يَبْعثَهُ الله من بعد موسى - عليه السلام - وإلى زمن بعثة المسيح ابن مريم - عليه السلام - . فهناك نصوص كثيرة تُبَيِّنُ ذلك الأمر وتبَرْهِنُ عليه ، فى العهدين القديم والجديد . فعلى سبيل المثال نجد فى سفر التثنية ( 34 : 10 ) من النسخة العبرية للتوراة " ولم يقم بعد نَبِىّ فى إسرائيل كموسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " . ونجد فى النسخة السامرية للتوراة : " ولا يقوم أيضا نَبِىّ فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " . فلم ولن يقم نَبِىٍّ مثل موسى - عليه السلام - فى بنى إسرائيل . ورغم ذلك الوضوح فإنَّ اليهود لا يزالون ينتظرون ظهور ذلك النَبِىّ تحت مُسمَّى هـ موشيخ أى المسيح بن داود .
وإن بحثنا فى العهد الجديد نجد أنَّ ذلك النَبِىّ لم يظهر فى بنى إسرائيل حتى زمن المسيح - عليه السلام - . جاء فى ( أعمال 3 : 22 ـ 23 ) قول سِمْعَان كبير تلاميذ المسيح - عليه السلام - : " فإن مُوسَى قال للآباء إنَّ نَبِيَّا مِثلى سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم . له تسمعون فى كل ما يكلمكم به ويكون أنَّ كلَّ نفس لا تسمعُ لذلك النَبِىّ تباد من الشعب " وهذا النصّ كان عقب إنتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - .(1/2)
فإلى ذلك التوقيت يتفق اليهود والمسيحيون والمسلمون على أنَّ ذلك النَبِىّ لم يُبْعَث بعد . ثم اختلف اليهود والمسيحيون والمسلمون فى ذلك الأمر عقب إنتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - . فقال اليهود والمسلمون بأنَّ ذلك النبىّ لم يكن المسيح - عليه السلام - لإنعدام المثلية المشار إليها فى النصّ ، ولكن المسيحيون أصَرُّوا ولا يزالون يقولون بأنَّ ذلك النبىّ هو المسيح - عليه السلام - رغم أنهم لا يؤمنون بأنَّ المسيح نبِىُّ مثل موسى - عليه السلام - وإنما هو الرَّب الذى بَعَث موسى وجميع أنبياء إسرائيل ..!!
ثمَّ افترق اليهود والمسيحيون والمسلمون عقب بعثة نَبِىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . فتبرأ منه اليهود عن جُحُودٍ وقالوا بأنه ليس ذلك النَبِىّ المكتوب عندهم باسمه مُحَمَّد وأحْمَد . وضَلَّ فيه المسيحيون عن جهل وقالوا بأنه ليس البارقليط الآتى بعد المسيح كما هو منصوص عليه فى إنجيل يوحنا .
ثانيا : النَبِىّ المنتظر لن يكون من بنى إسرائيل .
هناك نصّ أشعياء ( 28 : 11 ) قد سبق ذكره وهو الذى يقول بأنَّ " الرَّبَّ سيخاطب هذا الشعب ـ أى بنى إسرائيل ـ بلسان غريب أعْجَمِىّ " ( نقلا عن نسخة كتاب الحياة ) . ويعلم الجميع أنَّ تلك المخاطبة الربَّانية لم تتم إلا فى القرآن الكريم فقال لهم الله فيه { يابنى إسرائيل } و { يا أهل الكتاب } فى مواطن كثيرة من آياته الكريمة . أمَّا عن المسيح - صلى الله عليه وسلم - فقد كان من بنى إسرائيل يتكلم بلسانهم ولغتهم خلاف مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - .(1/3)
وهناك أيضا فى سفر صفنيا ( 3 : 9 ) يقول الرب " لأنى حينئذ أحَوِّل الشعوب إلى شفة نقية . ليدعو كلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة " . والمسلمون فى جميع أنحاء العالم تتحول شفاههم إلى شفة نقية ( أى إلى اللسان العربى ) عندما يقرؤون القرآن العظيم . وهم الوحيدون أيضا الذين يدعون الله باسمه ويعرفونه بأسمائه الحسنى وليس بلقبه أو بعنوانه ..!! وهم الذين يقفون فى صلاتهم متراصين كأنهم حسب تعبير النصّ " ليعبدوه بكتف واحدة " .
إضافة إلى أنَّ أنبياء إسرائيل منذ موسى وإلى زمن المسيح عليهم السلام قالوا لبنى إسرائيل فى مواطن كثيرة من الكتاب بأنَّ الرسالة الإلهية سوف تنزع من بنى إسرائيل وتُعْطى لأمَّة أخرى . وقد سبق بيان ذلك الأمر . والاسقاط التاريخى لوقائع الأحداث يثبت صحة قول المسلمين . حيث ظهر فيهم من قلب شبه الجزيرة العربية النبىّ الخاتم صلوات الله عليه شبيه موسى مِن تيمان وفاران ، وأنشأ الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة ، وجمع القبائل العربية تحت راية الاسلام . فكانوا خير أمَّة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
ونعود الآن إلى نصّ تثنية ( 32 : 18 ـ 19 ) لندرسه سويا وننظر فى معناه المراد تاركين خلفنا اللَّتَّ والعَجْنَ .
( انظر الجدول التالى ) :
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
أقيمُ لهُمْ نَبِيَّا مِن وَسَطِ إخْوَتِهِمْ مِثلَكَ . وأجعلُ كلامى فى فمه فيُكلِّمِهُم بكل ما أوصيه . ويكون أن الإنسان الذى لا يسمعُ لكلامى الذى يتكلَّمُ به باسمى أنا أطالبهُ . ... لهذا أقيم لهُمْ نَبِيَّا مِن بين إخوَتِهِم مِثلَكَ وأضع كلامِى فى فمه ، فيخاطبهم بكل ما آمُرُهُ به . فيكونُ أنَّ كل من يعْصِى كلامِى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى ، فأنا أحَاسِبَهُ .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991(1/4)
سأقيمُ لهُمْ نبِيَّا مِن بين إخوَتِهِم مِثلَكَ وألقِى كلامى فى فمه . وكل مَن لا يسمعُ كلامى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى أحاسِبُهُ عليهِ . ... سأقيم لهم نبِيَّا مِن وَسْطِ إخوَتِهِم مِثلكَ ، وأجعلُ كلامى فى فمه ، فيخاطبهم بكل ما آمُرُه به . وأى رَجُلٍ لم يَسْمَعْ كلامى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى ، فإنِّى أحاسِبُه عَليه .
بنظرة فاحصة للنصّ نجد أنه يصف ذلك النَّبِىّ المُنْتظر بصفات أربع هى :
1 .. أن يكون من بين إخوة بنى إسرائيل ( إخوَتِهِم ) وليس من بينهم .
2 .. أن يكون مِثل موسى - عليه السلام - فى كل شىء .
3 .. أن يتكلم من فمه بكلام الله .
4 .. أن يتكلم باسم الله .
وسوف أتكلم عن تلك الصفات بعون من الله واحدة تِلوَ أخرى :
أولا : قول النصّ " من بين إخوتهم " . وكلمة أخ ( ?? ) المستخدمة هنا لها معانى كثيرة مثل العربية تماما ، فغالبا نجدها تأتى للتعبير عن الأخوة غير الأشقاء لأب واحد وأم مختلفة أو إخوة من الأم فقط أوأخوة أشقاء ، أوأخوة فى الدين . إلى آخر المعانى المجازية لكلمة أخ . المهم أنَّ الخطاب هنا موجه إلى بنى إسرائيل من خلال نبىّ الله موسى . بمعنى أنَّ الله قال لموسى أن يقول لبنى إسرائيل بأنَّ الله سوف يقيم لهم نبيا من بين إخوتهم ، ولم يقل من بينهم أو منهم . فعلمنا أنَّ إخوتهم هؤلاء ليسوا من بنى إسرائيل ومعنى الأخوة هنا هى أخوة من أب واحد وأم ثانية . وهذا الوصف ينطبق على أبناء هاجر من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أى العرب الإسماعيليون .(1/5)
ثانيا : أنَّ هذا النبِىّ شبيه موسى ( ??? ) . والغريب فى الأمر أنَّ هذه الكلمة العبرية مُكونة من ثلاثة حروف ( ك مـ و ) وفى تشكيل حروفها نجد أنَّ الكاف عليها فتحة وتارة يضعون تحتها كسرة وتنطق كِمُو و كامُو بالتبادل . ومعلوم عند علماء اللغة أنَّ الواو والألف يتبادلان مواقعهما فى الكلمة بين العربية والآرامية وبين العبرية فأصل الكلمة فى الآرامية والعربية هو ( كما ) بالألف .
وهذا الأمر معروف وشائع بين العربية والآرامية والعبرية . فالفتحة غالبا تتحول إلى ضمة فى العبرية مثل إلاه العربية وإلوه العبرية . وقد جاء فى شرح هذه الكلمة رقم ( 3644 ) فى القاموس الكتابى المتخصص جدا :
(Gesenius Hebrew-Chaldee lexicon to the Old Testament ) أنها تعادل فى العربية كلمة كمَا . وهناك فرق كبير فى المعنى يعرفه اللغويون بين كَمَا و مِثل عند ترجمة الكلمة ترجمة صحيحة . فـ كما هنا تفيد التشبيه ولا تفيد المثلية . تشبيه فى طريقة بعث ذلك النبِىّ ورد فعل قومه والأحداث التى وقعت له عقب بعثته . وليس المعنى أنَّ ذلك النبِىّ مِثل موسى فى شخصيته وهيأته وسلوكه ، فلكل نَبِىّ شخصيتة مستقلة ينفرد بها عن الآخرون .
... فموسى - عليه السلام - بعثه الله تعالى مؤيدا بكتاب إلهى وشريعة جديدة ومعجزات أجراها الله على يديه ، وهاجَرَ إلى مدين ، وحارب أعداءه وانتصر عليهم . وتلك المشابهة لم تحدث لأحد من أنبياء بنى إسرائيل بما فيهم المسيح ابن مريم - عليه السلام - . الذى جاء مؤيدا لشريعة التوراة ، ولم تحدث له هجرة بعيدا عن موطنه ، ولم يحارب أحدا من أعدائه .
... ومن الأمور العجيبة أنَّ مدة هجرة موسى - عليه السلام - إلى مدين كانت عشر حِجَج أى عشر سنوات قمرية ، وكانت مدة هجرة نَبِىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة قد بلغت عشر سنوات قمرية أيضا .(1/6)
... فهلا رجع المترجمون إلى أصول كتابهم والتزموا بما فيه من كلمات تنير لهم الطريق . وفرَّقوا بين أدوات التشبيه كما و مثل ..!؟
... وصدق الله العظيم حين قال لأهل مكة والناس أجمعين { إنَّا أرْسَلنَا إليْكُمْ رَسُولا شاَهِدًا عَليْكُمْ كَمَا أرْسَلنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولا } ( 15 / المزمل ) .
وجزى الله خيرا العلماء الذين عقدوا المقارنات بين صفات الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أثناء شرحهم لنصّ التوراة ( تثنية 18 : 118 ) وهم يحسبون أنَّ المثلية فى الصفات الشخصية وانفعالاتها ونتائجها الظاهرة بين الناس .
ثالثا : أن ذلك النبىّ يخرج من فمه كلام الله .
وتلك صفة لم تتحقق فى أحد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ويكفى الإنسان العادى أن ينظر إلى نصوص الأسفار الخمسة الأولى المعروفة بالتوراة بعين متبصرة لا بعين متحجرة ثم يقرأ . فسرعان ما يكتشف أنه أمام كتاب أشبه ما يكون بكتاب سيرة لا بكتاب إلهى منزل من رب العالمين . فتقع عيناه على فقرات مثل : لما كَبُرَ موسى و خاف موسى و هرب موسى و نهض موسى و أخذ موسى زوجته وبنيه و كان موسى ابن ثمانين سنة و مات موسى ولم يعرف أحد قبره إلى الآن ... الخ . وهذا كلام لا يخرج أبدا من فم موسى وينسب إلى الله تعالى . وإن أحسنا الظن بهذه الأسفار فإن بعضها كتب بيد موسى - عليه السلام - والبعض الآخر بيد كتبة جاؤا من بعده . بمعنى أنَّ هذه الأسفار فيها تدخل بشرى فى اسلوب الكتابة سواء كان من موسى - عليه السلام - أو من الكتبة .
... كما أنَّ هذا الكلام يشابه تماما الفقرات الواردة فى الأناجيل عن يسوع مثل تهلل يسوع بالروح واكتأب يسوع وانطلق يسوع ونام يسوع وصلب يسوع ومات يسوع ... الخ . والمسيحيون جميعا عالمهم وجاهلهم يعترفون بأنَّ هذه الأناجيل لم يكتبها يسوع وإنما كتبها متَّى ومرقس ولوقا ويوحنا ، وكتبت من بعد إنتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - .(1/7)
... ومثل ذلك الكلام لن نجده فى القرآن الكريم عن مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن الكريم ليس كتابا تدور نصوصه حول شخصية مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - وإنما عن الله رب العالمين وتوجيهاته إلى عباده . وليس لمُحَمَّدٍ فى القرآن الكريم كلمة واحدة كتبها بيده الشريفة أو أملاها من عند نفسه إلى كتبة الوحى ليكتبوها فى القرآن . يقول الله عزَّ وجلَّ فى هذا الشأن { ولو تقوَّلَ علينا بعض الأقاويل . لأخذنا مِنهُ باليمين . ثمَّ لقطعنا مِنهُ الوَتِين . فما منكم مِن أحَدٍ عَنهُ حاجزين . وإنه لتذكرةٌ للمُتقين } ( 44 ـ 46 / سورة الحاقة ) . وقال تعالى عن مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - { ما ضلَّ صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى } ( 2 ـ 4 / النجم ) .
... أمَّا عن كلام مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأقواله الشريفة فقد نقلها أصحابه الأطهار فيما يُعْرف بالأحاديث . وهى تختلف عن القرآن ونصوصه . وحتى هذه الأحاديث كانت بوحى من الله إلا أنَّ الشرح والتفسير كان من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فصدقت فيه هذه النبوءة " وأجعلُ كلامى فى فَمِهِ " .
فيا من تؤمن برب العالمين وإله الناس أجمعين انظر إلى ما ذكرته لك من النصوص بعين النقد أولا قبل التسليم بالمحتوى ليتبين لك أنَّ أقوال القساوسة فى ذلك الشأن كلها زور وأنَّ باطلها كشمس الضحى فى الظهور .
... رابعا : أن يكون كلامه معنونا باسم الله .
وهنا أجدُ معناً جديدا للقارىْ المتفهم الباحث عن الحق ، فقول النصّ " كلامِى الذى يَتَكلَّمُ بهِ بِاسمى " فيه شيئين :
الأول : أن يكون الكلام الذى يقوله مُعَنونا باسم الله . وهذا الأمر نجده قد تحقق فى القرآن الكريم ولم يتحقق فى الكتاب المقدس بعهديه . فالعنوان { بسم الله الرحمن الرحيم } نجده فى بداية سور القرآن الكريم .(1/8)
الثانى : أن يكون فى كلامه إعلان عن إسم الله تعالى . وهذا الأمر لم يتحقق أيضا إلا فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة . فلن تجد فى أسفار الكتاب المقدس بعهديه إسمٌ للهِ تعالى . فقد حذفه اليهود من أسفارهم واستبدلوه بأربع حروف صوامت لا تُقرأ وإنما تشير إلى أنَّ الاسم المقدس كان مكانه هنا ( هـ شِمّ ) . وهذه الحروف الأربع التى لا ينطقها اليهود أبدا هى ( ى هـ و هـ ) فإن وقعت عيناهم عليها قالوا أدوناى أى سيدى . وقال حاخاماتهم إنَّ من ينطق الاسم المقدس يُعتبر مٌُجَدِّفا ويُقتل . ويستكثرون حاليا على الله أن يشيروا إليه بالعنوان الإنجليزى ( God ) فيختصرونه إلى الرمز ( G-d ) ..!!
... وعندما جاء المسيح - عليه السلام - كان من أولى أعماله أن أظهر هذا الاسم المبارك وأعلنه للناس . فقال - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل يوحنا ( 17 : 6 ,26 ) على التوالى : " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " " وقد عَرَّفتهم اسمك وسأعرِّفهم أيضا " . وللأسف الشديد فقد خلت الأناجيل تماما من ذكر ذلك الاسم المقدَّس الشريف الذى أظهره المسيح وعرَّفهُ للناس . فمن يا ترى الذى حذف الاسم المقدَّس من الأناجيل الحالية ..!؟
وجميع المسيحيُّون فى جميع أرجاء العالم يرتلون فى صلاتهم الربانية التى علَّمَهُم إيَّاها المسيح - عليه السلام - : " أبانا الذى فى السموات , ليتقدَّس اسمك .. " . فأى اسم هذا الذى يريدون تقديسه ..!؟ إنه سؤال صعب لا أحد يعرف له جواباً . فالأصول اليونانية للأناجيل الحالية لا يوجد فيها اسم إله السموات والأرض ..!! ذلك الاسم الآرامى الذى أظهره المسيح - عليه السلام - من بعد إخفاء اليهود له وحذفهم له من أسفارهم الدينية وإن رمزوا إليه بالأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) .(1/9)
لقد بيَّنتُ بالتفصيل المدعم بالنصوص الإسم الذى أظهره المسيح - عليه السلام - وذلك فى كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية " فراجعه هناك فهو بحث جديد ومثير . وسيأتى ذكر بعض ذلك الأمر بإذن الله تعالى فى البشارة التالية .
الذين آتيناهم الكتاب يَعْرفونَهُ كما يَعْرفون أبناءَهم
وإنَّ فريقاً منهم ليَكتمون الحقَّ وهم يَعْلمون
( 146 / سورة البقرة )
القادم بـ اسم الله
==========
وهذه البشارة مأخوذة من أقوال المسيح عيسى - عليه السلام - والواردة فى كل من إنجيلى متى ( 23 : 39 ) ولوقا ( 13 : 35 ) من النسخ العربية الحالية والموجودة بين أيدى الناس كما هو مُبيَّن فى الجدول التالى :
إنجيل متى ( 23 : 39 ) ... إنجيل لوقا ( 13 : 35 )
النسخة الوطنية ( فانديك ) ... النسخة الوطنية ( فانديك )
أقول لكم إنكم لا تروننى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب . ... الحق أقول لكم إنكم لا تروننى حتى يأتى وقت تقولون فيه مبارك الآتى باسم الرب .
نسخة كتاب الحياة ( المصرية ) ... نسخة كتاب الحياة ( المصرية )
أقول لكم إنكم لن ترونى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم : إنكم لن ترونى أبدا حتى يأتى وقت تقولون فيه مبارك الآتى باسم الرب .
نسخة الكاثوليك ... نسخة الكاثوليك
أقول لكم لن ترونى إلا يوم تهتفون تبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم : لا ترونى حتى يجىء يوم تهتفون فيه تبارك الآتى باسم الرب .
نسخة الآباء اليسوعيين ... نسخة الآباء اليسوعيين
أقول لكم لا تروننى بعد اليوم حتى تقولوا تبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم : لا تروننى حتى يأتى يوم تقولون فيه تبارك الآتى باسم الرب .
قال المسيح - عليه السلام - هذا النصّ لقومه أمام تلاميذه عقب مغادرته للعاصمة الدينية أورشليم فى آخر زيارة له فيها . وللعلم فلم يقل أحد من اليهود والنصارى منذ تلك اللحظة وإلى الآن " مبارك الآتى باسم الرب " أو حتى " تبارك الآتى باسم الرب " ..!!(1/10)
وفى ذلك النصّ عدة مسائل هامة منها :
1 ـ أنهم لن يروا المسيح - عليه السلام - منذ تلك اللحظة حتى يأتى وقت يقولون فيه " مبارك الآتى باسم الرب " أو " تبارك الآتى باسم الرب " .
2 ـ وهل قال اليهود والنصارى هذه العبارة " مبارك الآتى باسم الرب " عقب قول المسيح - عليه السلام - لذلك النصّ فى ذلك اليوم ..!؟ أم لم يقولوها حتى الآن ..!؟
3 ـ وهل اسم الرب لا يعلمونه حتى يأتيهم ذلك الآتى به ..!؟
4 ـ وهل جاءهم المسيح - عليه السلام - باسم الرب ..!؟ وما هو ذلك الاسم ..!؟
5 ـ وهل للرب اسم واحد أم عدة أسماء ..!؟
6 ـ من هو ذلك الآتى باسم الرب ..!؟ هل هو المسيح نفسه أم أحد غيره ..!؟
7 ـ وما معنى كلمة مُبَارَك فى الأصول اليونانية ومقابلها العربىّ ..!؟
إنها سبعة مسائل أجد فى الاجابة عنها رفع الغشاوة عن العيون التى لا ترى المكتوب فى الأناجيل ، وتوَصِّلُ السَّمْعَ إلى أذان الذين لا يسمعون أقوال المسيح - عليه السلام - . وتزيد إيمان المؤمنين إيمانا وتسليما .
بالنسبة للمسألة الأولى والثانية فإنَّ فى قول المسيح - عليه السلام - لقومه وتلامذته : " إنكم لن ترونى أبدا حتى يأتى وقت تقولون فيه مبارك الآتى باسم الرب " . فيه أنهم لم يروه منذ تلك اللحظة ، لا فى مساء ذلك اليوم ولا فى اليوم التالى ولا بعده ولا بعد بعده . حيث أنَّ جميع علماء المسيحيه شرقيها وغربيها مجمعون على أنَّ قومه لم يقولوا حتى الآن " مبارك الآتى باسم الرب " وإنما سيقولونها فى آخر الزمان عند عودة المسيح - عليه السلام - . ومن ثمَّ فإنَّ ذلك الوقت سيأتى من بعد إنتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - وبالتالى فإنَّ أحداث القبض عليه وصلبه ودفنه وقيامته لا يصِحُّ منها شىء . وتلك مسألة عويصة لن أتكلم عنها هنا لعدم الحاجة إليها .(1/11)
بالنسبة للمسألة الثالثة والرابعة فإنَّ بنى إسرائيل فى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - كانوا قد فقدوا اسم الرب على التحقيق كما بيَّنت ذلك فى كتابى معالم أساسية فى الديانة المسيحية . وسينحصر هنا البحث على أتباع الديانة المسيحية وإن تكلمت باختصار عن الأصول اليهودية وإليك البيان :
إنه شىء يدعو إلى الدهشة والتعجب أن ترى مئات الملايين من أتباع الكنائس المسيحية المنتشرة فى العالم لا يعرفون اسم الإله الذى يعبدونه ..!! وعلماءهم يجدون صعوبة بالغة فى إيجاد إجابة مقبولة ومعقولة عن خلو الأناجيل المتداولة من اسم الإله المعبود . أقصد الإله المشار إليه بعبارة " أبانا " لقد اختفى الاسم تماما عن قرَّاء الأناجيل ..!! كيف هذا واعتقاد المسيحيُّون عميق حول صحة نصوص كتابهم المقدس ، وأنه هو الحق وحده . أليس هو كلمة الله ..!؟
كيف يفتتح المسيحى صلاته الربَّانية بقوله : " أبانا الذى فى السموات . ليتقدس اسمك .. " وهو لا يعرف شيئا عن ذلك الاسم المقدس ..!؟
وكيف يبتهل إلى مولاه قائلا " يتكل عليك الذين يعرفون اسمك . لأنك يا رب لم تخذل طالبيك " ( مزمور 9 : 10 من نسخة كتاب الحياة ) . وهو من الذين لا يعرفون اسمه ..!؟
وكيف يكرر القول لإلهه ( مزمور 22 : 22 ) " أعْلِنُ اسمك لإخوتى واسبحك فى وسط الجماعة " . وهو لا يدرى أنه لا يعلمُ الاسم المقدس ..!!؟
إنها حقاً كارثة إيمانية أصولية حلَّت بالمسيحيين ..!!(1/12)
ولكن ربكم رحيم بعباده ، أقصد العامة من العرب المسيحيين . حيث أدرج مترجمو الكتاب ـ المقدس ـ اسم الجلالة الله فى النسخ العربية مجاراة لبنى قومهم المسلمين ، مع الوضع فى الاعتبار أنَّ لفظ الجلالة الله ليس هو على التأكيد عندهم اسم الآب المذكور فى الأناجيل حسب اعتقادهم . فحَلَّ الضباب على مفهوم اسم الجلالة . ولذلك نجد رؤسائهم يقولون فى مناسباتهم العامة أمام المسلمين : " بسم الرب الواحد الذى نعبده جميعا " أو " بسم الإله الواحد الذى نعبده جميعا " . ولا يقولون " بسم الله الإله الواحد الذى نعبده جميعا " .
فيستبدلون لفظ الجلالة الله بكلمتى ( الرب والإله ) . ولئن سألتهم عن اسم الله أو اسم الآب فى الكتاب المقدس لقالوا لك على الفور : يهوة ، جيهوفا . ايلوهيم ، إيل شداى ، ثيوس ، كيريوس ، ... الخ . وتهَرَّبُوا سريعا من اسم الجلالة الله ..!!
لقد سبق بيان ضياع اسم الله تعالى من على أفواه اليهود ومن فوق صفحات أسفارهم المقدسة بالأدلة القوية ، وذلك فى كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية " فراجعه هناك فإنه هام جدا ومفيد للغاية . فعندما جاء المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - كان من أول مهام بعثته أن يُبيِّن لقومه اسم الله تعالى حتى يتمكنوا من عبادة الله حق العبادة .(1/13)
ربما يعتقد الكثيرون أنَّ الاسم هو يهوه . فأقول لهم مهلا مهلا .. اسألوا أهل الذكر من علماء العبرية وعلماء أسفار العهد القديم . إنَّ هذه الكلمة تكتب فى العبرية بأربعة حروف صوامت هى ( ى هـ و هـ ) ولا يعرف أحَدٌ من العلماء كيفية نطقها إلى يومنا هذا سواء كان يهوديا أو مسيحياً المهم أنها أربعة حروف مقطعة تشير إلى اسم الإله وليست بكلمة واحدة يمكن قراءتها . وعندما تقع أعْيُن اليهودى عليها لا يقرأها وإنما يقول على الفور أدوناى أى سيدى . فإن كانت هذه الأحرف الأربعة هى الاسم المقدس لظلت ألسن العُبَّاد تذكره إلى الأبد ولما ضاع منهم نطقه والتلفظ به ..!!
وهناك محاولات كثيرة يبذلها العلماء فى كيفية نطق الاسم المشار إليه بهذه الأحرف الأربعة ، من أشهر تلك المحاولات هو أن تخْرِجَ من فمك صوتا يشابه صوت خوار العِجْل بأن تقول جيهوووووفا كأنك تحاكى خوار العجل الذهبى الذى عبدوه أثناء ذهاب موسى - عليه السلام - لميقات ربه ..!!
ومن تلك المحاولات الشهيرة أيضا محاولة آباء كنيسة الاسكندرية القدماء حين نطقوها باللاتينية قائلين أيُّوووووه . إنها الكلمة التى لا يزال أهل الاسكندرية يُرَدِّدُونَها وهم لا يعلمون معناها ..!!
قلت جمال : ولى محاولة ربما أصَّح من محاولاتهم لأن دليلها أقوى وبرهانها لايزال قائما منذ القدم وإلى الآن .. انظروا إلى أى مِصْرىّ تعتراه الدهشة الشديدة أو النسيان المفاجىء ماذا يفعل ..؟؟ سوف يضع يده على جبهته ويقول بأعلى صوته : يـ هوووووه ..!!
إنها نفس الكلمة . صدرت ولا تزال تصدر من أحفاد الذين آووا بنى إسرائيل . وبلسانهم كان يتكلم موسى - عليه السلام - منذ صغره وإلى أن أوحى إليه الله بالتوراه وإلى حين وفاته بأرض سيناء المصرية على مشارف الأرض المقدسة .(1/14)
فالكلمة مصرية متوارثة عن الأجداد منذ آلاف السنين من قبل عهد الأسرات الفرعونية المعروفة فى التاريخ المصرى القديم . تكلمت عن أصلها ومعناها وكيفية إدراجها فى نصوص العهد القديم اليهودى وذلك فى كتابَاى " تابوت يهوة " و " التوراة مصرية " . ومن زعم بغير ذلك ـ وكثير ما هم ـ فعليه بالدليل والبرهان .
المهم أنَّ تلك الأحرف الأربعة تشير إلى إله الكون رب العالمين . ولكنها ليست باسم علم له على التأكيد . وفِعْل اليهود أكبر دليل على ذلك ، فهم لا ينطقون الحروف الأربعة على هيئة كلمة واحدة وإنما ينطقون بكلمة أخرى هى أدوناى أى سيدى . فتلك الأحرف وضعها علماء اليهود أخذا من التراث المصرى اشارة إلى الإله الذى كان يعبده المصريون القدماء حينذاك . وطمسا للإسم المقدس حتى لا يشاركهم فى معرفته مشارك . ومع تقادم الزمن ومِحَنِهِ عليهم نسوا ما ذكِّرُوا به . فحين حَرَّمُوا التلفظ به على أنفسهم وتناسوه أنساهم الله ذكر اسمه المقدس .
ثم بعث الله إليهم الأنبياء تترا ، كُلٌ يُذَكِّر باسم إله العالمين . خذ مثلا سفر أشعيا ( 12 : 4 , 5 ) حيث قال لهم نبيهم " احمدوا الرب , نادوا باسمه . عَرِّفوا بأفعاله بين الشعوب ، وأذيعوا أنَّ اسمه قد تعالى " . فهذا نصّ صريح يدعوا إلى إظهار الاسم وإعلانه بين العالمين ، ولكن القوم لم يمتثلوا للأمر فحذفوا هنا أيضا الاسم وجاؤا بدلا منه بالأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) حسب ما هو مُدَوَّن فى النسخ العبرية ، ثم جاء من بعدهم المترجمون المسيحيُّون فحذفوا الأحرف الأربعة وجاؤا بدلا منها بكلمة الرب الماثلة فى النصّ السابق وهى ليست باسم للإله ..!!(1/15)
ومثل آخر نجده فى سفر أشعياء ( 42 : 8 ) فى قول إله العالمين " أنا الرب هذا اسمى " . فالموجود فى الترجمة العبرية بدلا من كلمة الرب هى الحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) فحذف اليهود هنا اسم الله وأشاروا إليه بتلك الحروف . ثم جاء المسيحيون من بعدهم فحذفوا الأحرف الأربعة وكتبوا بدلا منها كلمة الرب ..!!
فإن أتينا إلى سفر ميخا ( 4 : 5 ) نجد نصّا يقول " فإنَّ جميع الأمم تسْلُكُ باسم إلَهِهَا . أما نحن فنسلك باسم الرب إلهنا إلى أبد الآبدين " . وفى هذا النصّ نجد أنَّ اليهود قد حذفوا أيضا الاسم وكتبوا مكانه هنا الأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) التى تشير إليه . ثم جاء المترجمون المسيحيُّون فحذفوا هذه الأحرف الأربعة من النصّ وأتوا بدلا منها بكلمة الرب ..!!
فاجتمع اليهود والمسيحيُّون على طمس معالم الاسم من النصّ . بل من الكتاب كله . ربما هناك داع أو سِرٍ كان وراء السبب فى إخفاء اليهود للاسم حتى لا يعرفه غيرهم . أمَّا فى حالة المسيحيّون أتباع الكنائس اليونانية وأصحاب الدعوة العالمية فأمرهم مختلف تماما ، فهم لا يعرفون الاسم أصلا حتى يحذفونه وإنما ساروا على نهج اليهود بحسن ظن منهم فيهم فضلوا عن الاسم ومعرفته .
واستمر الحال هكذا مع اليهود ، عِصْيَان ظاهر لأوامر ربهم رب العالمين وإخفاء بيِّنٌ لاسمه المقدس . فاتبعوا ما تتلوه الشياطين على لسان أدعياء النبوة الكاذبة منهم ، الذين يُنسون قومهم اسم الله . جاء فى سفر أرميا ( 23 : 27 ) من نسخة كتاب الحياة قول إله إسرائيل عن الأنبياء الكذبة " فينسون شعبى اسمى بما يقصه كل واحد منهم على صاحبه من أحلامه ، كما نسى آباؤهم اسمى لأجل وثن البعل " .(1/16)
إلى أن جاء النور ببعثة المسيح - عليه السلام - . فقام فيهم ناصِحاً أمينا على وصايا ربه بقوله - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل متى ( 15 : 6 ) " أنتم بهذا تُلغُونَ ما أوصى به الله محافظة على تقاليدكم " و" اتباعا للأنبياء الكذبة " . وإخفاء اسم الله وعدم النطق به من أشهر تقاليدهم ومن أهم أعمال الأنبياء الكذبة ..!! ونطق عليه السلام بالإسم المقدس بلسان آرامى وبَيَّنَه لهم .
... فعندما بُعِث المسيح - عليه السلام - إلى قومه من بنى إسرائيل ، كانوا قد تمادوا فى غَيِّهِمْ وتفشت فيهم تقاليد الأحْبَار حتى عَلَتْ على وصايا التوراة . وتخبرنا نصوص الأناجيل الحالية بأنَّ المسيح - عليه السلام - قد تصَدَّى لهم مُبَيِّنا لهم أهمية نصوص التوراة وزيف تقاليد الأحْبَار إلى أن واجههم بقولته الشهيرة ( متى 23 : 24 ) " أيها القادة العميان . إنكم تُصَفُّونَ الماء من البعوضة ، ولكنكم تبلعون الجمل " ..!! حيث اهتموا بصغائر الأمور وتركوا وصايا رب العالمين وأولها معرفة اسمه المقدس والثناء عليه ، والعمل بموجبات العدل والرحمة والأمانة وسائر متطلبات الشريعة .
ومعلوم أنَّ مَحَبَّة الله هى المحافظة على وصاياه كما جاء فى ( 1 يوحنا 5 : 3 ) . وإعلان الاسم ونشره بين العالمين من أهم الوصايا . ألم يقل الله لموسى - عليه السلام - أنَّ بعثته إلى فرعون وخروج بنى إسرائيل من مصر كانت من أجل رؤية المعجزات الإلهية " ولكى يذاع اسم الله فى جميع الأرض " ( خروج 9 : 16 ) .
... وهناك نصوص كثيرة تُبَيِّنُ مدى أهمية الاسم ونشره بين الامم . أذكر منها هنا على سبيل المثال قول الله فى آخر أسفار العهد القديم وهو سفر ملاخى والصحيح ملاكى بالكاف ( 1 : 11 , 14 ) الفقرتين الآتيتين : " من مشرق الشمس إلى مغربها اسمى عظيم بين الأمم " و " أنِّى ملك عظيم واسمى مهوب بين الأمم " .(1/17)
فالاسم عظيم ومهول بين الأمم جميعا وليس بين بنى إسرائيل فقط . ولن يكون عظيما ومهيبا بين الأمم إلا من بعد نشره وإذاعته بينهم عملا بالوصية الربانية المذكورة أعلاه من سفر الخروج .
فهل أذاع بنو إسرائيل اسم إلههم ونشروه بين الأمم ..!؟ لا لم يفعلوا شيئا من ذلك ، بل حذفوه من أسفارهم ووضعوا بدلا منه أربعة أحرف تشير إليه وحرَّموا النطق به على أتباعهم . ومنعوا كتابته وحمله إلى بلاد الكفَّار . كل ذلك حتى لا يذاع الاسم بين الناس من غير اليهود . فالعالم غير مستعد كفاية لإذاعة الاسم والنطق به كاملا حسب الذى جاء فى مدراشهم .
... وهناك قانون وضعه الكهنة اللاويون ينصّ على قتل كل من ينطق باسم الله . ويطلقون على تلك الحادثة مسمى التجديف ( blasphemes ) . وسوف نشاهد فى الأناجيل كيف استفاد أحبار اليهود من ذلك القانون للحكم على المسيح - عليه السلام - بالموت رجما بالحجارة . قال أحد أحبارهم المدعو يوشع بن قورة فى المشنا أنهم كانوا لا يقبلون شهادة الشهود إذا نطقوا بالاسم المبارك ويساق المُجَدِّفُ إلى القتل رجما . ولكنهم يقبلون شهادة الشهود إذا نطقوا بأى اسم آخر . أو كنية ، أو أى لقب يشير إلى الله بدون ذكر الاسم الجليل (1) .
... ونجد تصديق ذلك فى الأناجيل عند محاكمة المسيح - عليه السلام - أمام مجلس السنهدريم حيث قال الكاهن الأكبر لأعضاء المجلس : لا نحتاج الآن لشهادة الشهود . وخلع ملابسه وقال : يقتل ابن مريم . وقطعا لن يحتاجوا لشهادة الشهود لأنَّ المسيح - عليه السلام - نطق بالاسم المقدس أمامهم .
وبُعِث المسيح - عليه السلام - إلى قومه وهم تحت طائلة ذلك القانون الذى يحظر التفوه بالاسم المقدس وينصّ على عقاب المجدف بالاسم الجليل بالقتل رجما . وما أن بُعِث - عليه السلام - إليهم حتى قام بإعلان الاسم وإظهاره لهم وأمر أتباعه أن يحذوا حذوه .(1/18)
يخبرنا كاتب إنجيل لوقا ( 4 : 16 ـ 21 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - قرأ عليهم فى المجمع النصّ التالى " روح السيد الرب علىَّ ... " ( أشعيا 61 : 1 ـ 2 ) . وفى ذلك النص كلام حول دقة الترجمة ..!!
فكلمة السيد فى الترجمة العبرية الماصورتية نجدها الكلمة أدوناى أى سيدى ، أمَّا عن الكلمة الثانية الرب التى جاء بها المترجمون المسيحيون فى النصّ من عندهم فأصلها فى العبرية ( ى هـ و هـ ) أى الأحرف إيّاها ..!!
فإن إلتزمنا بالتقليد العبرى فى قراءة النصّ فسوف نقرأ النصّ هكذا : روح أدوناى أدوناى عَلىَّ . وهذا ليس بشىء . فإنَّ كان النصّ اليهودى فيه اشارة إلى الاسم عن طريق تلك الأحرف الأربعة ، فقد تم حذف هذه الاشارة فى النصّ المسيحى ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن كتاب ( 156 The Sacred Name v1 page ) .
فإن نظرنا إلى النصّ فى أصل إنجيل لوقا اليونانى وجدناه كالآتى روح ( كيريو ?????? ) عَلىَّ " . فهنا نجد كلمة يونانية واحدة تشير إلى الاسم المقدس وليست كلمتان كما وردت فى الترجمة العربية ..!!
فهل تكلم المسيح - عليه السلام - أمام اليهود فى مَجْمَعِهم باللغة اليونانية ..!؟
لا يستطيع أحد أن يقول بذلك الرأى ويبرهن عليه . فالمشهور عند الجميع أنَّ اللغة التى كانت سائدة فى فلسطين فى ذلك العصر كانت الآرامية ذات اللسان العربى والتى بها تكلم المسيح - عليه السلام - . فماذا قال المسيح بدلا من تلك الكلمة اليونانية ( ?????? ) التى جاء بها لوقا فى إنجيله ؟ . الله وحده يعلم .
المهم أنها كلمة تشير إلى اسم الله نطقها المسيح ولم يكتمها عن الناس ويقول أدوناى حسب التقليد . وقد تمَّ الكشف عنها فى كتابى " معالم أساسية " من داخل نصوص سفر دانيال حيث نجدها مكتوبة باللغة الآرامية فراجعها هناك ..!!(1/19)
والدليل البَيِّن على أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أعلن لقومه من بنى إسرائيل الاسم هو قوله - عليه السلام - فى إنجيل يوحنا ( 17 : 6 ، 26 ) " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " وقد عَرَّفتهُم اسمك ، وسأعرفهم إيَّاه " .
والاظهار لا يتم إلا من بعد الاخفاء والفقدان ، واليهود قد أخفوه ثم فقدوه . والتعريف بالشىء لا يكون إلا من بعد الجهل وعدم المعرفة ، واليهود قد جهلوه ولم يعرفوه . نعم لقد أظهر وعرَّفَ المسيح - عليه السلام - اسم الله لقومه من بعد اخفائهم له وضياعه من على ألسنتهم .
... انظروا معى وتمعنوا جيدا فى قول المسيح - عليه السلام - حسب ما جاء فى إنجيل يوحنا ( 17 : 11 ، 12 ) وهو يبرىء نفسه أمام الله من تبعة اخفاء اسمه تعالى " أيها الآب القدوس احفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى " وقوله عليه السلام " حين كنت معهم فى العالم كنت أحفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى " . وقال لقومه كما جاء فى إنجيل يوحنا ( 5 : 43 ) : " أنا جئت باسم إلهى ـ وفى الترجمات العربية نجد كلمة أبى بدلا من إلهى ـ ولم تقبلونى " . فهناك إذا اسم لله تعالى قد أعطى للمسيح ليبلغه لقومه ويظهره لهم .
... ذلك الاسم الذى فقده الأتباع اليونان . ويُصِرُّ الأتباع الحاليين على إخفائه ومحوه من النصوص بقصد أو بدون قصد . انظروا معى أيها القراء الأعزاء إلى نصّ يوحنا ( 17 : 11 ، 12 ) وركزوا على عبارة ( اسمك الذى أعطيتنى ) التى تم حذفها من الترجمات العربية المعاصرة مثل نسخة كتاب الحياة المصرية ونسخة التفسير التطبيقى للعهد الجديد ..!!(1/20)
... لقد اختفت عبارة ( الذى أعطيتنى ) من النصّ وهى لا تزال فى الأصل اليونانى للإنجيل مكتوبة هكذا ( ??? ??????? ??? ) ومكررة مرتين . وهذه العبارة نجدها مكتوبة فى نسخة الملك جيمس المعتمدة ( KJV ) ، ثم حذفت من النسخة المعتمدة الجديدة للملك جيمس ( NKJV ) ..!! وهى لا تزال موجودة فى النسخة القياسية القديمة ( RSV ) والجديدة ( NRSV ) وأيضا فى النسخة القياسية العالمية المعتمدة الأمريكية ( NASB ) . وهناك أيضا نسخ متداولة تم فيها استبدال عبارة ( اسمك الذى أعطيتنى ) إلى معان أخرى ليست فى النصّ . مثل قولهم ( عنايتك التى أعطيتنى ) أو ( قدرتك التى أعطيتنى ) كما جاء فى النسخ ( Living Bible , New English Bible ) .
... المهم أنَّ هناك اتفاقا بين كثير من النسخ المعتمدة وبين الأصول اليونانية على الاعتراف بأنَّ المسيح - عليه السلام - كان معه اسم الله الذى بلغه وبينه للناس أثناء فترة بعثته . وقد وفَّى - عليه السلام - بما قال وعرَّف قومه اسم الله . فأدى الأمانة وبلغ الرسالة وتبرأ إلى الله من التبعية بقوله - عليه السلام - : " أنا قد أعطيتهم كلامك " ( يوحنا 17 : 14 ) وقوله : " الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم " ( يوحنا 17 : 8 ) .
فجاء - عليه السلام - ومعه اسم إلهه " أنا جئت باسم إلهى " ولذلك قال الناس عند دخوله لمدينة القدس " مبارك الآتى باسم الرب " ( متى 21 : 9 ) . ولكن يا حسرتاه من الأتباع حيث اتفقوا قديما وحديثا على إضاعة الاسم من أقوال المسيح - عليه السلام - المذكورة فى أناجيلهم اليونانية ..!!
ألا يخشون الله وهم يبتهلون إليه حسب المزمور ( 74 : 10 ) بقولهم : " حتى متى يا الله يُعَيِّرُ المقاوم ويهين العدو اسمك إلى الغاية " ..!!؟(1/21)
وكأنَّ المسيح - عليه السلام - قد عَلِمَ أنَّ الأتباع سوف يحذون حذو الذين سبقوهم من بنى إسرائيل بمنع إعلان الاسم ونشره بين الناس فعلمهم كيف تبدأ الصلاة بالثناء على الله وتقديس اسمه المعظم فقال لهم قولوا : " أبانا الذى فى السموات ليتقدس اسمك ... " وامتثل الأتباع فقالوا بمثل ما قال - عليه السلام - فى صلاتهم , إلا أنهم لم يسألوا أنفسهم إلى الآن ما هو الاسم الذى يثنون عليه فى صلاتهم بقولهم ليتقدس اسمك .. !؟
وضاع الاسم من بعد إعلان المسيح له وإظهاره بين الناس ..
إذا فتح القرَّاء الكرام أى شرح لإنجيل يوحنا وقرأ أقوال الشرَّاح للفقرتين السابق ذكرهما ( 17 : 6 ، 26 ) فسوف يجد أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أعلم تلاميذه بالاسم المقدس . والشراح هنا يلمزون إلى أنَّ معرفة الاسم كانت سرية بين المسيح وتلاميذه وذلك هروبا من الاعتراف بجهل المسيحيين للاسم الجليل . فكون التلاميذ يعلمون الاسم لا خلاف فيه عندهم طالما هو سِرُّ أسَرّ به المسيح - عليه السلام - إلى تلاميذه .
... ولكن عند قراءة نصّ إنجيل لوقا ( 19 : 37 ـ 38 ) : " ولما قرُبَ عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التى نظروا . قائلين مبارك الملك الآتى باسم الرب . سلام فى السماء ومجد فى الأعالى . وأمَّا بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له : يا مُعلم انتهر تلاميذك . فأجاب وقال لهم أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ " . نجد الآتى :
.. أنَّ التلاميذ قد سبحوا الله بصوت عظيم ، أى قالوا سبحان الله . فذكروا الاسم المبارك الجليل .
..(1/22)
الدليل على أنهم قد نطقوا بالاسم المقدس يكمن فى قول الفريسيين للمسيح - عليه السلام - يا معلم انتهر تلاميذك ، ولن يقولوا له ذلك إلا إذا فعل التلاميذ شيئا مُحرما أو ممنوعا ، وهذا الشىء الممنوع هو النطق باسم الله . ولو أنَّ التلاميذ قالوا سبحان الرب أو سبحان الإله لما غضب الفريسيون وطالبوا المسيح - عليه السلام - أن يمنع تلاميذه من التلفظ باسم الرب .
.. وقول المسيح - عليه السلام - " إن سكت هؤلاء ـ التلاميذ ـ فالحجارة تصرخ " فيه بيان بأنَّ التلاميذ قد نطقوا بشىء عظيم واجب النطق به فى الشريعة ولكن تقاليد الشيوخ حرَّمته على الناس . فإن لم ينطق التلاميذ المؤمنون بالاسم الذى جاء به المسيح - عليه السلام - فإنَّ الحجارة سوف تنطق وتظهر الحقيقة بذكر اسم الله للناس .
.. فإن نظرنا إلى الأصل اليونانى وبحثنا عن الكلمتين ( الله ، الرب ) المذكورتين فى النصّ لوجدناهما على الترتيب ( ثيوس ???? ) و ( كيريون ?????? ) وهما ليسا بأسماء علم للإله المعبود . ولكنهما أسماء جنس بمعنى إله وسيد على الترتيب ، وهما لا يستوجبان الانكار والنهى عند الفريسيين . فالترجمة اليونانية غير صحيحة لعدم ذكرها للاسم العلم المقدس الذى نطق به التلاميذ .
.. وفى قول التلاميذ ثانيا : " مبارك الملك الآتى باسم السيد ( كيريون ?????? ) " يفيد بأنَّ ذلك الآتى ـ كيريون ـ وجيه أو سيد أو رب بمعنى رئيس وليس بمعنى إله يُعْبدُ مثل قولنا رب البيت ورب الأسرة . فالمطلوب البركة له فى قول التلاميذ مبارك ، فهو شخصية إنسانية وجيهة . وحسب المعنى المراد من كلمة الآتى يكون للفقرة معنيان :
ــ إن كان كاتب الإنجيل يقصد الحدث الماضى والحاضر من كلمة مبارك . فإنَّ النصّ يتكلم عن المسيح - عليه السلام - .
ــ وإن كان كاتب الإنجيل يقصد الحدث المستقبلى من كلمة مبارك . فإنَّ النصّ يتكلم عن شخصية انسانية وجيهة ستأتى فى المستقبل مطلوب لها البركة .(1/23)
فالتلاميذ قد علموا اسم الله المقدس ، ونطقوا به عند دخولهم القدس وبصوت مرتفع قائلين : سبحان الله . تماما كما يفعل المسلمون . وكما يجب أن يفعله المسيحيون أسوة بتلاميذ المسيح - عليه السلام - واتباعا لنصّ الرسالة إلى العبرانيين ( 2 : 12 ) " أخبر باسمك إخوتى وفى وسط الكنيسة أسبحك " .
ومن بعد بعثة المسيح - عليه السلام - تبَنَّى فريق من أتباع المسيح - عليه السلام - لغة اليونان بديلا عن لغة المسيح الآرامية فى تسجيل القصص الدينية عن حياة المسيح وأحداث بعثته - عليه السلام - أخذا عن شهود العيان المجهولين كما قال لوقا فى بداية إنجيله ( 1 : 1ـ 2 ) . وهؤلاء الأتباع ذوى اللسان اليونانى هم الذين أطلقوا على أنفسهم فى أنطاكية ولأول مرة اسم المسيحيين ( سفر الأعمال 11 : 26 ) .. تفرقة بينهم وبين أتباع المسيح - عليه السلام - من بنى إسرائيل المتكلمين باللسان الآرامى والذين كانوا يقيمون أحكام التوراة والإنجيل . والمعروفين باسم النصارى كما ورد ذلك فى المصادر المسيحية ( راجع أعمال 24 : 5 ) .
قلت جمال : المهم هو أنَّ طائفة النصارى هذه قد انقرضت ولا وجود لها الآن من بعد أن تغلبت عليها طائفة المسيحيين اليونان . ومن نصوص القرآن الكريم علمنا بوجود بقايا من طائفة النصارى بين العرب إبَّان فترة ظهور الاسلام . وإن ظل اسم النصارى يطلق على معتنقى الديانة المسيحية من العرب حتى تنصَّلوا من هذا الاسم من بعد أن احتل المستعمرون المسيحيون البلاد العربية ..!!(1/24)
... ومن النبذة التاريخية السابقة نجد أنَّ المسيحيين اليونان هم الذين نشروا المسيحية بين الأمم المختلفة وباللسان اليونانى . فجميع أصول ووثائق العهد الجديد كلها مكتوبة باليونانية . ولا يوجد كتاب واحد أو حتى ورقة واحدة مسيحية مكتوبة بلغة المسيح - عليه السلام - الآرامية الغربية التى كانت منتشرة فى عصره فى فلسطين . وللأسف الشديد أنَّ كتبة الأناجيل اليونانية وباقى كتب العهد الجديد لم يتقيدوا بالحِفَاظِ على الأسماء الآرامية كما هى بعد نقلها إلى اليونانية وخاصة اسم الله كما نطقه المسيح - عليه السلام - بلسانه المبارك . ولم يلتزموا بالنقل من الترجمة الآرامية لأسفار العهد القديم التى كانت متداولة بين يهود بنى إسرائيل إباَّن فترة بعثة المسيح - عليه السلام - والمعروفة عند العلماء باسم الترجوم الفلسطينى أى الترجمة الفلسطينية . ولكنهم التزموا بالنقل من الترجمة اليونانية للعهد القديم والتى قام بترجمتها يهود الاسكندرية فى حوالى سنة 250 قبل الميلاد والمعروفة عند العلماء باسم الترجمة السبعينية .
وقد علمنا فيما سبق أنَّ اليهود قد حذفوا اسم الله من كتابهم ووضعوا بدلا منه الحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) , وحَرَّموا على أنفسهم التلفظ بالاسم . فما بالك بترجمة وضعوها بأمر الامبراطور اليونانى الوثنى ولغير اليهود ..!!
... قطعا لن يذكروا فيها اسم الله وهذا هو الذى حدث ولا تزال تلك الترجمة بين أيدى علماء المسيحية وتُبَاعَ فى الأسواق وليس فيها ذكر لاسم الله . هذه الترجمة هى التى اعتمد عليها مؤسس الديانة المسيحية العالمية ـ بولس الطرسوسى ـ وباقى كتبة الأناجيل والرسائل ولذا خلت الأناجيل من ذكر اسم الله فيها واستعيض عنه بالكلمتين اليونانيتين كيريوس و ثيوس الواردتان فى الترجمة السبعينية .(1/25)
... ومن اليونانية وُضِعَتْ الترجمات اللاتينية والقبطية والسريانية ثم سائر الترجمات الأوروبية المعروفة وكلها قد خلت من ذكر اسم الله فيها . وقد حاولت بعض الترجمات الأوروبية من بعد عصر النهضة أن تنهل من نصوص النسخة العبرية الماصورتية التى تم الإنتهاء منها فى القرن العاشر الميلادى ظنا منهم أنها أصَحَّ وأدَقَّ من الترجمة السبعينية . فظهرت فى بعض هذه الترجمات القياسية الجديدة الكلمة يهوه التى تشير إلى اسم الاله المعبود ومرادفها الإنجليزى جيهوفا . ولكن بعدد محدود وفى أماكن مُعَيَّنَة خلاف النسخ العبرية الحديثة ..!!
بالنسبة للمسألة الخامسة هل للرب اسم واحد أم عدة أسماء ..!؟
فأقول ومن الله التوفيق والسداد : فى الحقيقة أنَّ الأسماء لها أنواع تعرف بها . فمنها أسماء الأعلام والتى يطلقون عليها فى الإنجليزية عبارة ( Personal names ) أى أسماء الأشخاص ومنها الأسماء الدالة على الجنس والنوع ( Generic names ) مثل رجل وغلام وفتاة وأسد وحصان وسفينة وطائرة وسيارة ، وإله ونبىّ وكتاب . ومنها الأسماء الدالة على الصفات مثل غنى وفقير وصحيح وسقيم ، وكريم وحليم وقوى وضعيف ، وعَلىّ وأعلى . ومنها أسماء العناوين ( Titles ) مثل مسيح ومسِّيَّا ورسول وسفير ، وعائلة وقبيلة وعشيرة . ...
... والخلط بين هذه الأنواع يُحبط القدرة على الفهم والتمييز ويوجب سوء الفهم والانحراف عن القول السليم . فإن سألك سائل عن إسم ( إله ) فهو قطعا يسألك عن الاسم العلم ( Personal names ) لأنَّ كلمة ( إله ) تدل فى أصلها على اسم جنس ( Generic names ) فهو يسألك عن اسم إله معيَّن من بين عدة آلهة .(1/26)
فالاسم العلم أكثر تحديدا وتمييزا عن اسم الجنس والنوع . وقد يشير اسم الجنس إلى الاسم العلم إذا دخلت عليه بعض الكلمات التوضيحية ، مثل قولنا إله العالمين أو إله السماوات والأرض . وقد تضاف علامة التعريف الـ إلى اسم الجنس لتدل على الاسم العلم ولكن بالاشارة وليس بالتصريح مثل قولنا الإله فنحن نعنى شخص الإله الذى نعرفه ونشير إليه بدون ذكر اسمه . وقس على ذلك قولنا الرب والنبىّ بمعنى الرب المعبود ونبيه المعروف ، وليس فيهما ذكر لاسم الإله أو اسم النبىّ .
... فقول المسيح - عليه السلام - " أنا جئت باسم إلهى " معناه أنَّه قد جاء به مكتوبا فى الإنجيل يقرأه الناس . أو مسموعا من فمه الشريف حتى يتمكن العباد من نطقه على الوجه الصحيح . وهذان شرطان أساسيان فى الاسم العلم .
فإن قلت لصديق لك تعرفه جيدا : يا رجل أو يا سيدى أو يا حضرة . فقد تجاهلت اسمه وربما أشعرته بأنك لا تعرف اسمه . وهذا خلاف مناداتك له باسمه كأن تقول له يا محمد أو يا جرجس . وهذ هو بالضبط الذى حدث مع اسم الله . فكيف يقولون أنَّ اسمه الرب والإله ..!؟ مع أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول فى سفر أشعيا ( 52 : 6 ) : " عبادى يعرفون اسمى " .
والمتتبع لنصوص الأسفار اليهودية والمسيحية باحثا عن اسم الإله المعبود سوف يلفت انتباهه الخلط الكبير بين أسماء الجنس والنوع وبين أسماء العناويين دون ذكر الاسم العلم للإله المعبود . ويجد أيضا إضفاء أداة التعريف على أسماء الجنس مثل كلمة الرب وأحيانا استخدام عبارات التميز مثل رب الجنود . يقصدون جنود بنى إسرائيل فقط ..!! وأحيانا نجد عبارة الرب الإله . وكل ذلك ليس فيه ذكر للاسم العلم للإله المعبود .
وقد دأب أحبار اليهود على رفع شأن أسماء الجنس والنوع والصفات لإلههم المعبود ، والخلط بينها حتى يتوهم القارىء أنَّ لإله إسرائيل عدة أسماء حتى يحافظوا على سِرِّية إسم إلههم وعدم نشره بين العالمين .(1/27)
... وحيث أنَّ المسيحيون قد ورثوا الكتاب من اليهود وإن لم يعملوا بكل ما فيه فتبنوا القول بأنَّ إله العهد القديم له عدة أسماء هى فى الحقيقة ليست بأسماء . وإنما هى صفات وعناوين وإشارات ترمز للإله . ففى العبرية إيل وإلوهيم وأدون والكلمة المكونة من الأربعة حروف ( ى هـ و هـ ) ، ورب الجنود ورب إسرائيل والإله العلى وبعل بريت ( رب العهد ) وإيل بريت ( إله العهد ) . وفى اليونانية ثيوس بمعنى إله وكيريوس بمعنى رب .
... وضاع الاسم العلم من الترجمات اليونانية للعهد الجديد بما فيها الكلمة ذات الأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) . ومنها أخذت سائر الترجمات اللاتينية والسريانية والقبطية وباقى لغات العالم المسيحى . كلُّ يكتب على هواه وما تمليه عليه قواعد لغته من أسماء عدة للإله المعبود ليس من بينها الاسم الموحى به إلى كليم الله موسى - عليه السلام - أو الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه وتلاميذه .
من هنا كان السؤال عن اسم الإله المعبود صدمة لكل المتدينين المسيحيين فهم لا يعرفون له اسما معينا ولكنهم يعرفون له عناوين وعبارات تدل عليه . مثل قولهم أبانا الذى فى السماء ، والرب الإله ، والرب .
وأسفار العهد الجديد كلها خالية تماما من اسم الإله المعبود كأنه ليس له اسم معروف ..!! وقد ذهب كثير من علمائهم الذين فرَّقوا بيين أسماء الجنس والنوع والصفات إلى القول بأنَّ إله السماوات والأرض ليس له إسم ..!!
... والمدقق فى أسفار الكتاب بعهديه القديم والجديد سوف يلاحظ شيئا هاما ربما لم ينتبه إليه أحد ، ألا وهو خلو الكتاب بأكمله من صيغة الجمع لكلمة أسماء منسوبة إلى الإله المعبود ..!! فجميع الفقرات تتكلم عن اسم الإله بصيغة الإفراد فقط ( اسمى وردت 97 مرة ، اسمك وردت 109 مرة ، اسمه وردت 108 مرة ) من هنا أقول بأنَّ إله العهدين القديم والجديد ليس له إلا إسما واحدا هو الذى يرمز إليه اليهود بالحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) .(1/28)
... فموسى - عليه السلام - قال للإله الذى أرسله : " حينما أقبل على بنى إسرائيل وأقول لهم إنَّ إله آبائكم قد بعثنى إليكم وسألونى : ما اسمه ؟ فماذا أقول لهم ؟ فأجابه الإله : أهْيَة الذى أهْيَة . وأضاف قائلا : هكذا تقول لبنى إسرائيل أهْيَة هو الذى أرسلنى إليكم " ( خروج 3 : 13 ، 14 ) .
والمسيح - عليه السلام - قال " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " قد عرَّفتهم اسمك وسأعرفهم أيضا " ( إنجيل يوحنا 17 : 6 , 26 ) . فلم يقولا عليهما السلام أسمائك . ولا يوجد فى العهدين القديم والجديد فقرة تتكلم عن أسماء للإله بصيغة الجمع . ولا وجود ولا أثر للأسماء الحسنى أو ما يعادلها .
من هنا كانت الدواعى مُلحَّة فى ذكر بشارة المسيح - عليه السلام - بالآتى من بعده باسم الله فقال - عليه السلام - فى إنجيل متى ( 23 : 39 ) " لن تروننى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب " . وجاء المُبَشَّرُ به - صلى الله عليه وسلم - ومعه أسماء الله الحسنى كلها , تسع وتسعون إسما ليس من بينها الكلمة ذات الحروف الأربعة ..!!
... ولأهمية اسم الله فى أسفار العهد الجديد أذكر لقارئى الكريم البحث التالى : قد لا يُعيرُ بعض الناس اهتماما بمدى خطورة حذف الاسم المقدس وإثبات كلمة الرب مكانه فى النصوص ، ظنا منهم بأنَّ المعنى لن يتغير ، ولكن الأمر أخطر مما يظنون فكلمة الرب تعتبر من الكلمات العامة التى تحتاج إلى تحديدٍ لمعناها يَصْرفُها إلى الخالق سبحانه وتعالى وحده . كأن تقول : رب العالمين أو رب الناس أو رب الفلق أو حتى رب الجُنودِ ورب صهيون إلى غير ذلك من عبارات مُحَدِّدَة للمعنى المراد .(1/29)
كما أن هناك أرباب كثيرون ، وصيغ الجمع من كلمة رب معروفة معترف بها فى جميع اللغات ، بل هناك التأنيث والتذكير منها ، وهناك رب حق ورب باطل . ورب عابد ورب معبود . ومع تداخل العقيدة المسيحية بالفلسفة اليونانية ابتعدت المعانى السهلة الواضحة وحوَّمَتْ العقولُ حول اللامعقول . وحَلَّ الضباب الكثيف حول النصوص واختلفت المفاهيم ، كُلٌ يفهَمُ بما يعتقد وبما حفظه من صِغرهِ لا بما يقرأ بعينيه من النصوص ..!!
... إنَّ حذف اسم الاله من الترجمات اليونانية ، يؤدى إلى عدم فهم المقصود من النصوص ، بل يثير اضطرابا وفوضى بين المسيح - عليه السلام - وبين الله عزّ و جلّ . ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى : قال بطرس ـ سِمعان ـ ( أع 2 : 21 ) : " كل من يدعو باسم الرب ( ?????? ) يخلص " . وقال بولس ( رومية 10 : 13 ) : " كل من يدعو باسم الرب ( ?????? ) يخلص " .
فمن هو المقصود بكلمة الرب ( كيريون ?????? ) هنا ..!؟
يظن كثير من المسيحيين أنَّ الرب هنا هو المسيح - عليه السلام - . وهذا خطأ جسيم وخلل فى فهم النصّ نتج عن حذف اسم الاله المعبود . ولكن بعد قراءة النص بتأنِّى سوف نجد أنَّ بولس وسِمْعَان كانا يتحدثان عن الله وليس عن المسيح - عليه السلام - حيث استشهد كل منهما بنصّ يوئيل ( 2 : 32 ) القائل : " كل من يدعو باسم الرب ( ى هـ و هـ ) يخلص " .(1/30)
وقطعا فإنَّ كلمة كيريو اليونانية غير الأحرف العبرية الأربعة ( ى هـ و هـ ) ولا سيَّمَا أنَّ مفهوم النصّ وصريحه يشيران إلى أنَّ الكلمة المبحوث عنها هنا عبارة عن اسم للإله المعبود ، والاسماء لا تترجم وإنما تنقل كما هى على أصل منطوقها فى لغتها الأصلية . ولو كان المقصود منها هو المسيح - عليه السلام - لكانت العبارة هكذا " كل من يدعو باسم المسيح يخلص " . وكلمة المسيح فى اليونانية هى كرستو أو خرستو حسب صحة التصويت اللغوى وهذا لم يحدث فى النصّ فعلمنا يقينا أنَّ المقصود ليس هو المسيح - عليه السلام - بمعنى أنَّ الكلمة تشير هنا إلى اسم رب العالمين الذى تم حذفه من النصوص وليس إلى المسيح - عليه السلام - .
وبمناسبة ذكر الخلاص والمُخلِّص ، فإنَّ المُخلِّص من الذنوب والآثام هو الله رب العالمين وليس المسيح - عليه السلام - كما يعتقدون . اقرؤا معى وتمَعَّنُوا فى قول السيدة مريم عليها السلام كما ورد فى إنجيل لوقا ( 1 : 47 ) : " الله ( ??? ) مُخلِّصِى " . وقول بولس ( 1 تيماوس 2 : 3 ) " الله ( ???? ( مُخلِّصُنا " . فجاءت الترجمة العربية بلفظ الجلالة الله بدلا من ثيون ، وهى كلمة أخرى غير كيريو التى يوصف بها المسيح - عليه السلام - وكلّ الوُجَهَاءِ من الناس ورؤسائهم فى اليونانية .
ومن الأمثلة التى تدل على أنَّ حذف الاسم من النصّ يُؤدِى إلى جعله غير وافى بالمعنى أو لا معنى له ، نصّ إنجيل متى ( 22 :44 ) " قال الرب لربى .. " وتلك عبارة غامضة ينجلى معناها بعد الرجوع إلى الترجمة العبرية لنصّ المزمور ( 110 : 1 ) بدلا من اليونانية التى لم تفرق بين الكلمتين ..!!
فكلمة الرب الأولى هى اسم رب العالمين الذى تم حذفه من النصّ حتى لا ينطقه القرَّاء ، ثم أشير إليه بالأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) . أمَّا كلمة رب الثانية فهى الكلمة العبرية أدوناى أى سيدى .(1/31)
فعندما تقرأ نصّ المزمور ( 110 ) فى الترجمات الإنجليزية سوف تجد فرقا بين الكلمتين ، فعلى سبيل المثال اقرأ فى نسخة ( Living Bible ) تجد النصّ هكذا : ( The God said to my Lord ) ففرقت الترجمة الإنجليزية بين الكلمتين . فكلمة ( God ) تشير إلى إله اليهود القومى ( ى هـ و هـ ) . وكلمة ( Lord ) تشير إلى كلمة أدون العبرية (1) . ولكن للأسف الشديد نجد أنَّ جميع الترجمات المسيحية لذات الفقرة تترجَمُ خطأ عند ورودها فى متى ( 22 : 44 ) وذلك بسبب الخطأ الواقع فى النُسَخ اليونانية ..!!
وكل ذلك مرجعه إلى حذف الاسم المقدس من النصّ عن طريق اليهود أوَّلاً فى ترجماتهم العبرية واليونانية السبعينية ، ثم عن طريق أتباع المسيحية البوليسية ثانيا حيث أخذوا عن النسخة اليونانية السبعينية فوقعوا فى ذلك الخطأ الشنيع وفقدوا اسم إله العالمين من النصّ ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الشرح المستفيض لهذه الفقرة فى كتابى " المسيح الهارونى والمسيح الداودى " .
إنَّ إعلان اسم الاله المعبود يعنى معرفة العابدين له ومن ثَمَّ تكون عبادتهم له وحده دون سواه . ولا أعلم كيف خرج مؤسسى الديانة المسيحية العالمية ينشرون دعوتهم بين أقوام يعبدون آلهة أخرى (1) . دون أن يُبَيِّنُوا لهؤلاء الناس اسم الاله الجديد الذى يدعون إليه ..!!؟
فنرى بولس يقدم دينه إلى أهل كورنتوس ( 1 كو 8 : 6 ) قائلا : " فليس عندنا نحن إلا إله واحد هو الآب ( ????? ) الذى منه كل شىء ونحن له ، ورب واحد هو يسوع مسيح (?????? ?????? ??????? ) الذى به كل شىء .. " . فقدَّم لهم إلها واحدا هو الآب الآرامى ولكن بصفته وليس باسمه فقال الكلمة اليونانية باتر التى أخِذتْ عنها فيما بعد الكلمة الإنجليزية ( فاذر father ) أى أب . كما قدَّمَ إليهم سَيِّدًا واحدا هو السيد عيسى مسيح ..!!(1/32)
وظن اليونان أنَّ كلمة آب الآرامية ومقابلها باتر فى اليونانية تؤديان معنى اسم ذلك الإله الواحد ..!!
مع أنَّ من مستلزمات معرفة الإله شيئان أساسيان هما : الغرض أو الهدف من تلك المعرفة . وهو التفرقة والفصل بين ذلك الإله وبين الآخرين من آلهة مزعومة . ثم تبعات تلك المعرفة من تقديم العبادة له وحده . وفى الحالتين لابُدَّ من توافر معرفة الاسم العلم على وجهه الصحيح مكتوبا ومنطوقا . وبالتالى فإنَّ نطق الاسم على الوجه الصحيح بدون لحن فى القول هو المُتعَيَّنُ حيث أنَّ اللحن إن لم يتعذر فهو الأساس فتغيير الاسم أو ترجمة معناه يعتبر إهانة للخالق سبحانه وتعالى . جاء فى المزمور ( 91 : 14 ) " من عَرَفَ اسم الإله الحق فالله منجيه من المهالك ويرفع ذكره " . فعليك قارئى لعزيز بقراءة كتابى معالم أساسية فى الديانة المسيحية لتتعرَّف على اسم الإله الحق كما ورد على لسان المسيح - عليه السلام - الآرامى اللغة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. يقول بولس ( 1 كورنتوس 8 : 5 ) : " وما أكثر تلك الآلهة والأرباب " .
وأظهر المسيح - عليه السلام - اسم الله لقومه ولم يقبلوه منه ثم أضاعه أتباعه من بعده ، وكأنه - عليه السلام - قد علم بما سيحدث من بعده فقال لقومه مُوَضِّحا ومُبشرا كما ورد فى كل من إنجيلى متى ( 23 : 39 ) ومرقس ( 11 : 9 ) : " لن ترونى حتى يأتى القادم باسم الله " .(1/33)
وجاء القادم بـ ( اسم الله ) - صلى الله عليه وسلم - ونشر الاسم الجليل فى الآفاق وكان أول ما نزل عليه من القرآن قوله تعالى { اقرأ بسم ربك الذى خلق } فقرأ بـ اسم رَبِّهِ ما أنزل إليه . وبعدد سور القرآن الكريم الأربعة عشر ومائة نجد قوله تعالى { بسم الله الرحمن الرحيم } وفى كثير من آياته الشريفة نجد اسم مُنَزِّل ذلك الكتاب المبين أقصد البصمة الإلهية على ذلك الكتاب الكريم . ولم يأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باسم واحد لله ولكنه جاء للعالمين ومعه تسعة وتسعون اسما . ولأول مرة تعرف البشرية المصطلح القرآنى الأسماء الحسنى . لقد استكثروا على الله أن يُذكر له اسم واحد فى أسفار كتابهم . فجاءهم القادم باسم الله ومعه الأسماء الحسنى كلها ..!!
... فيا من تؤمن بـ ( اسم الله ) . هل بحثت عن الاسم الذى تثنى به على ربك فى صلاتك بقولك " أبانا الذى فى السموات ليتقدس اسمك .. " ..!؟
إنَّ من أعظم الثناء على الله هو أن تدعوه باسمه الذى أظهره المسيح - عليه السلام - وعرَّفه لأتباعه المؤمنين . ولا يضيق صدرك لأنَّ المسلمين يعرفونه وبه يُعْرَفُون بين الأمم ألم تقرأ ما قاله يعقوب فى مجمع القدس ( أعمال 15 : 14 ) " استمعوا لى أيها الأخوة أخبركم سِمْعَان كيف تفقَّد الله منذ البداية غير اليهود ليتخذ من بينهم شعبا يحمل اسمه " ..!؟ فالمسلمون هم الذين يحملون اسم الله . وهكذا ترون أنَّ المسيح - عليه السلام - قد بشَّر بالقادم باسم الله ، وأنَّ حوارى المسيح وتلميذه الأكبر سِمْعَان قد بشَّر بالشعب الذى يحمل اسم الله .
فأين يا عباد الله " الذين يتقون الله , والمتفكرون فى اسمه المقدس . الذين يكتبهم الله فى سِفر التذكرة ..!؟ " ( ملاخى 3 : 16 ) . وأين يا عباد الله الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم .. !؟ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . و " مَجِّدُوا الله معى , ولنعظم اسمه معا .. " ( مزمور 34 : 3 ) .(1/34)
وبالنسبة للمسألة السادسة بخصوص كشف الستار عن ذلك الآتى باسم الرب ..!؟ هل هو المسيح نفسه أم أحد غيره ..!؟ أقول ومن الله التوفيق :
لقد سبقت الاشارة إلى القادم باسم الله ، وذلك أمر يدعو إلى الدهشة والتساؤل لدى المسيحيين ، فلن تعثر على شرح لتلك الفقرة فى شروحهم للأناجيل . كأنَّ الأمر غير وارد أساسا ، أو أنهم لا يرون ذلك النصّ بعيونهم جيدا ..!!
... وسوف أذكر للقارىء هنا النصّ ثانية من إنجيل لوقا كما ورد فى الترجمات العربية المعاصرة , حتى نتبين طريقنا الصحيح أثناء شرح النصّ .
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
الحق أقول لكم إنكم لا تروننى حتى يأتى وقت تقولون فيه : مبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم إنكم لن ترونى أبدا حتى يأتى وقت تقولون فيه : مبارك الآتى باسم الرب .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
أقول لكم لا ترونى حتى يجىء يوم تهتفون فيه : تبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم لا تروننى حتى يأتى يوم تقولون فيه : تبارك الآتى باسم الرب .
... لقد قيل هذا النصّ عقب خروج المسيح - عليه السلام - من أورشليم القدس ومن بعد أن استقبلته الجموع أثناء دخوله للمدينة بهتاف " مبارك الآتى باسم الرب " ( متى 21 : 9 ) ومن بعد أن تساءل أهل المدينة المقدسة عنه بقولهم " من هو هذا ..؟ فأجابت الجموع : هذا هو عيسى ( ?????? ) النبىّ الذى من الناصرة بالجليل " . فالجموع السائرة فى موكب المسيح أثناء دخوله للمدينة هم الذين قالوا : " مبارك الآتى باسم الرب " . وهم الذين قدَّمُوه إلى أهل أورشليم بقولهم " هذا هو عيسى النبىّ ... " . فيفهم من هذا النصّ معنيان هما :(1/35)
... 1 .. أنَّ عيسى النبىّ - عليه السلام - قد جاءهم باسم الله من قبل أن يدخل إلى القدس . وأنه سوف يأتيهم مرة ثانية باسم الله حين يأتى ذلك الوقت أو اليوم . هذا إذا كان القادم باسم الله المذكور فى النصّ هو المسيح - عليه السلام - . ولكن النصّ قال بأنهم لن يرونه منذ تلك اللحظة حتى يقولوا مبارك الآت باسم الله ، أى أنهم سيقولن عبارة " مبارك الآت باسم الرب " أولا عند إتيان ذلك الوقت أو اليوم ثم من بعد ذلك سيرون المسيح ثانية . ولا توجد فى أسفار العهد الجديد كله فقرة واحدة تثبت أنهم قالوها من بعد أن خرج المسيح - عليه السلام - من القدس وإلى الآن .
... 2 .. أنَّ هناك آت آخر باسم الرب غير عيسى النبىّ ، سيأتى من بعده . وأنَّ ذريتهم من بعدهم سوف يقولون مبارك الآتى باسم الله . وبعدها سيرون المسيح - عليه السلام - أثناء مجيئه الثانى فى آخر الزمان . وهذا المعنى الثانى أكثر احتمالا وترجيحا وموافقة لصحيح المعقول وصريح المنقول ومنعا لتشتت الذهن والفكر .
فقد أتاهم عيسى النبىّ - عليه السلام - باسم الله وأظهره وبينه لهم كما سبق إثباته . وبعد أن خرج المسيح - عليه السلام - من المدينة نظر إليها وإلى أهلها وقال : " يا أورشليم .. يا أورشليم .. يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها ، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، فلم تريدوا . ها إن بيتكم يترك لكم خرابا . فإنى أقول لكم إنكم لن ترونى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب " . وهذا النصّ يتكلم عن المستقبل سواء كان قريبا أو بعيدا . فقوله - عليه السلام - لن ترونى من الآن يفيد بأنهم لن يرونه من بعد خروجه من المدينة لا فى هذا اليوم ولا فى الأيام التالية . وإتيانه بـ لن يفيد بمنع الرؤية على التأبيد .(1/36)
لن يرونه أبدا كما جاء فى نصّ لوقا من نسخة كتاب الحياة . وهذا النصّ الخطير جدا يهدم كل ما قيل عن رؤيته والقبض عليه فى مساء ذلك اليوم أو الأيام التالية . ولذلك لم يتناوله غالبية الشراح فى شروحهم للأناجيل ، ومن حاول منهم الكلام عنه أحاله إلى آخر الزمان وقال بأنَّ النصّ نبوءة مسِّيَّانية بالمجيىء الثانى للمسيح ..!!
... ومرجع ذلك كله هو الاعتقاد بأنَّ ذلك الآتى باسم الله هو المسيح - عليه السلام - . فحاروا وداروا ولم يعترفوا بأنَّ هناك آت آخر باسم الله من بعد المسيح - عليه السلام - . مع أنَّ هناك نصوص كثيرة تتكلم عن وجود قادم آخر. فهاهم تلاميذ نبىّ الله يحيى بن زكريا عليهما السلام يذهبون إلى المسيح - عليه السلام - ويقولون له " أأنت هو الآت .!؟ " ( لوقا 7 : 19 ) فلم يقل لهم المسيح - عليه السلام - أنه هو ، وإنما أشار إلى المعجزات التى أجراها الله على يديه ليعلموا أنه هو المسيح وليس ذلك الآتى باسم الله . ...
فقوله عليه السلام لن ترونى ( أبدا ، من الآن ، بعد اليوم ) حتى ( يوم ، وقت ) تقولون فيه مبارك الآتى باسم الله . كلام صدق وحق ومن قال بغير ذلك هو الكاذب والمفترى على المسيح - عليه السلام - . وهم يشهدون بأنَّ المخاطبين بكلام المسيح - عليه السلام - لم يقولوا من بعد ذلك اليوم " تبارك الآتى باسم الرب " للمسيح حيث لم يأتهم ذلك الوقت أو اليوم إلى الآن ليقولوا تلك العبارة ..!!
فهم منتظرون لذلك الوقت أو اليوم حتى يقولوها ..!! ولقد جاءهم المسيح - عليه السلام - من قبل باسم الله فضيَّعوه وحذفوه من أناجيلهم .(1/37)
... وبالنسبة للمسألة السابعة بخصوص معنى كلمة كلمة مُبَارَك فى الأصول اليونانية ومقابلها العربىّ فأقول وبالله التوفيق : إنَّ كلمة تبارك لا تقال فى العربية إلا لله عز وجل . فتقول " تبارك الله " ولا تقول تبارك فلان مهما كان . لأنَّ معناها تقدس وتنزه وذلك لا يكون إلا لله عز وجل . وأمَّا فى حق غيره سبحانه وتعالى فنقول مبارك ، مثل كتاب مبارك وبيت مبارك وشجرة مباركة .. وهكذا . والكلمة اليونانية الواردة فى فقرة إنجيلى متى ( 23 : 39 ) ولوقا ( 13 : 35 ) هى ( ??????????? ) وتنطق ( يولوجينوس ) حسب ما جاء فى القاموس اليونانى الكتابى للعهد الجديد ( Thayers Greek English Lexicon ) الصفحات ( 259 ، 260 ) وهذه الكلمة تحمل الرقم ( 2172 ) . ومعناها فى القواميس اليونانية باللغة الإنجليزية كما جاء فى القاموس السابق ذكره هو : يسأل ـ يطلب ـ النعمة عليه ( to invoke blessing ) . أو بمعنى يسأل الله أن يسبغ عليه نعمته (to ask God,s blessing on a thing ) .
وهى بالمعنى الإسلامى طلب الصلاة عليه من الله عز وجل . والصلاة من الله على عبد من عباده معناها أن يسبغ الله عليه نعمته . مثل قولنا صلى الله عليه وسلم أو عليه السلام . فالكلمة الإنجليزية ( blessed ) معناها المُنعَمُ عليه بفتح العين وليس بكسرها . فمن الخطأ الشنيع أن يكتب المترجمون هذه الكلمة بالعربية تبارك ، ويا ليتهم كتبوها مبارك حتى لا يتوقف عندها الناطقون بالعربية ..!!
ألم تكن فى الترجمات العربية المعتمدة مثل النسخة الوطنية فانديك وكتاب الحياة مكتوبة مبارك كما هو ماثل أمامك فى الجدول السابق . فلم غيرها المترجمون فى النسخ الأحدث عهدا إلى تبارك ..!!؟(1/38)
... ونستكمل الشرح فأقول : انظروا معى أيها القراء إلى العبارة ( مبارك الآتى باسم الرب ) ثم اسألوا العقلاء من كل ملة ودين . هل الآتى هنا فى هذه الفقرة هو الرب أم غيره ..!؟ فهناك شخصان مذكوران فى العبارة : الآتى و الرب وليس شخصا واحدا كما يقول المسيحيون جميعا عالمهم وجاهلهم ..!!
فإن كان الرب عندهم هو المسيح ، فالآتى شخص غيره وإلا اختل معنى وتكوين العبارة لتصبح هكذا : ( مبارك الآتى باسم الآتى ) أو ( مبارك الرب باسم الرب ) ..!! فهناك إذا شخص آتٍ من بعد المسيح . والجموع ونسلهم من بعدهم لن يروا المسيح منذ خروجه من المدينة المقدسة إلا بعد أن يقولوا مبارك الآتى باسم الله .
ولقد جاءهم المسيح - عليه السلام - أثناء بعثته باسم الله كما سبق بيانه . ولذلك قال الناس عند دخوله لمدينة القدس " مبارك الآتى باسم الله " . وقال لهم عليه السلام عند خروجه من مدينة القدس " لن ترونى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الله " .
فهناك إذا فقرتان تتكلمان عن الآتى باسم الله :
أولاهما قالها الناس للمسيح عند دخوله للقدس .
والثانية سوف يقولها أحفادهم وذرياتهم من بعدهم للقادم الآخر باسم الله من قبل أن يروا المسيح على الأرض للمرة الثانية فى آخر الزمان ..!!
... وجاء ذلك الآتى باسم الله ومعه تسعة وتسعون اسما لله عز وجل ، وقال ويقول الناس عند ذكر اسمه ( ??????????? ) أى صلى الله عليه وسلم فهو المُنعَمُ عليه .
وفى آخر الزمان وفى عهد خليفته سينزل المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ليراه الناس للمرة الثانية بعد أن قالوا صلى الله عليه وسلم ( ??????????? ) لمن جاء لهم باسم الله . فهل من مؤمن مصدق بما جاء به المسيح - عليه السلام - ..!!؟
اللهم ألا إنى قد بلَّغت اللهم فاشهد
وصلى الله وسلم على مُحَمَّدٍ خاتم الأنبياء والمرسلين(1/39)
البارإناس ( ?? ??? )
===========
بارإناس أو بارناس ( ?? ??? ) .. بحذف الألف المكسورة نطقا للتخفيف . عبارة آرامية قديمة مأخوذة عن الكلدانية وكلاهما من لغات اللسان العربى القديم . وتنطق فى العبرية بارإنوش بإبدال الألف والسين بواو وشين على الترتيب كما هو مشهور . و بارإناس عبارة مكونة من مقطعين بار ( رقم 1247 ) و إناس ( رقم 606 ) . وسوف يأتى الكلام تفصيلا عن المقطع الأول فى بحث البارقليط ، إلا أننى أنوِّهُ هنا بأنَّ هذه الكلمة بار تأتى قبل الاسم فى معظم استخداماتها لإفادة المبالغة فى المعنى وهى هنا بمعنى النقىّ البارّ من الجذر العربى والعبرى بَرَرَ ( ??? ) .
أمَّا عن المقطع الثانى إناس فهو عربى صميم ، لا نزال نستخدمه فى لغتنا الفصحى والعامية . والألف التى بين النون والسين لا وجود لها فى الكتابة فأصل الكلمة هى إنس ، وإن تم تعريفها فى الآرامية فهى إنسا بألف ممدودة فى آخرها أى الإنس بالعربية . وكلمة إنس من كلمات اللسان العربى المبين وقد وردت فى القرآن الكريم .
وعبارة بارإناس أو بارناس أو بارإنس حسب صُوَر نطقها وردت فى أسفار العهد القديم مرة واحدة فقط فى سفر دانيال ( 7 : 13 ) ، إلا أنها قد اختلطت مع عبارة ابن آدم فى الأسفار المسيحية اليونانية الأصل .
ففى النسخ العربية ترجمت إلى عبارة ابن الإنسان وصفا للمسيح - عليه السلام - . وفى النسخ الإنجليزية ترجمت إلى ( Son of man ) أى ابن رجل . ولم يكن المسيح - عليه السلام - ابن رجل فى يوم مِن الأيام وإنما هو ابن مريم ..!!(1/1)
وفى الأصل اليونانى ترجمت إلى ( ???? ??? ???????? ) بمعنى ابن آدم المولود عن طريق المباشرة الجنسية . فالعبارة هنا فى اليونانية مكونة من شطرين هما كلمة ( ???????? ) التى تحمل الرقم ( 444 ) وتنطق انثروبو بمعنى الكائن الإنسانى ( human being ) . وكلمة ( ???? ) ورقمها ( 5207 ) وتنطق هويوس بمعنى ابن سواء كان للانسان أو للحيوان . وأحيانا يقولون لك أنَّ العبارة معناها الأصلى فى اليونانية هو ابن الإنسانية ..!!
... المهم أنَّ عبارة بارإناس الآرامية تُطلق على شخص مُعيَّن هو إنسان بارّ طاهر نقىّ أى أنها تشير إلى صفات أخلاقية وليست مادية ، وإذا تواجد إنسان آخر بنفس الصفات لا يقال عنه بارإناس آخر كما قيل فى بارقليط آخر وإنما يقال عنه شبيه بارإناس حسب الذى جاء فى سفر دانيال .
... وهناك تعبيران فى الأسفار اليهودية قريبان من بعضهما هما : ابن آدم وصيغة الجمع بنى آدم ، ويراعى فى هذه الصيغة معنى الذرية الآدمية والنسبة إلى آدم الأب الأول للبشرية . وهناك بارإناس أو بارناس ولا جمع له . ويراعى فى هذه الصيغة المعنى الأخلاقى من الإنسانية . فمعنى البارناس خاص من المعنى العام ابن آدم والعكس غير صحيح ، فليس كل ابن آدم يقال عنه بارناس وإنما كل بارناس هو من أبناء آدم . فتعبير ابن الإنسان الموجود فى الترجمات العربية يعود فى أصله إمَّا إلى ابن آدم وإمَّا إلى بارإناس ، والمعنيان مختلفان ولا يتبادلان مواقعهما .
وكلمة إناس الآرامية تكتب وتقرأ فى العبرية إنوش ، فـ الألف تتحول إلى واو والسين إلى شين فى معظم الأحيان . ويُراعى فيها المعنى الآدمى فلا يوجد فى الأسفار العبرية عبارة بارإنوش وإنما الموجود فيها بن إنوش و بن آدم . بمعنى ابن الإنس و ابن آدم على التوالى .(1/2)
فتعبير ابن الإنسان فى العبرية يطلق على كل إنسان فهو بمعنى ابن آدم ويلاحظ أنَّ هذا التعبير ابن الإنسان غير سامىّ ، أى لا أصل له حقيقى فى مجموعة لغات اللسان العربى من أكَّادية وآرامية وعبرية قديمة وعربية ، وإنما هو ترجمة حرفية جاءت مِن قِبَل الكتابات اليونانية . فهو تعبير دخيل على لغة المسيح - عليه السلام - وقومه . إضافة إلى أنَّ فيه إساءة كبيرة إلى المسيح - عليه السلام - . والصحيح أن يقال عليه بارإناس أو ابن آدم وليس ابن الإنسان .
وقد ورد هذا التعبير بارإناس فى سفر دانيال ( 7 : 13 ) مُشيرا إلى شخصية مُعيَّنة فريدة مِن نوعها من بين سائر بنى آدم . ومع أهمية ذلك التعبير وتفرده فى معناه إلا أنَّ أسفار العهد الجديد قد استبدلته بعبارة ابن الإنسان . مُبتعدة بذلك عن اللغة التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - . ومن هنا فإنَّ البحث حول ذلك التعبير الآرامى لن يمتد إلى أسفار العهد الجديد إلاَّ إذا كانت هناك أدلة قوية تفيد بأنَّ عبارة ابن الإنسان هى ترجمة حرفية للتعبير الآرامى بارإناس . فـ ابن الإنسان هو ابن آدم على عمومه ما لم يرد دليل يثبت أنه بمعنى بارإناس . والوصف بـ ابن آدم يطلق على كل إنسان مهما كان وضعه عند الله وعند الناس خلاف الـ بارإناس .
ومِن العجيب فى الأمر أنَّ تعبير ابن الإنسان ورد فى الأناجيل الأربعة حوالى ثمانين مرَّة ، كلها واردة على لسان المسيح - عليه السلام - ، ولم تُطلق عليه من الآخرين إلا مرَّة أو مرتين (1) ..!! وذلك تأكيدا منه - عليه السلام - على بشريته العادية كسائر الآدميين فلم يصف نفسه - عليه السلام - بأنه بارإناس ، وإنما وصف من سيأتى بعده بذلك التعبير الآرامى كما سيأتى بيانه .(1/3)
... وهناك مواضع نادرة جاء فيها التعبير ابن الإنسان على لسان الآخرين يسألون المسيح - عليه السلام - أن يُبيِّن لهم " من هو ابن الإنسان هذا ..!؟ " ( يوحنا 12 : 34 ؛ متى 16 : 13 ـ 17 ) . سأل المسيح تلاميذه قائلا " من هو ابن الإنسان فى رأى الناس ..؟ فأجابوه : بعضهم يقول يوحنا المعمدان ، وبعضهم يقول إيليا وغيرهم يقول إرميا أو أحد الأنبياء . فقال لهم : ومن أنا فى رأيكم ..!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. قالها استفانوس ( أعمال 7 : 56 ) .
فأجاب سِمعان بطرس : أنت المسيح ] ابن الله الحىّ [ (1) . فقال له يسوع : هنيئا لك يا سمعان بن يونا . ما كشف لك هذه الحقيقة أحد من البشر ، بل أبى الذى فى السماوات " ( نقلا عن نسخة الكاثوليك العربية ط 1993 ) .
فهنا لا يمكن أن يكون التعبير ابن الإنسان وصفا خاصاً بالمسيح - عليه السلام - بشهادة النصّ الإنجيلى وتصديق المسيح عليه : من هو ابن الإنسان فى رأى الناس ..!؟ ومن أنا فى رأيكم ..!؟ فسأل عن نفسه وعن ابن الإنسان . وكانت الإجابة : إنه المسيح فقط وليس ابن الإنسان . وبالتالى أستطيع أن أقول بأنَّ التعبير ابن الإنسان هنا فى هذين الموضعين كان باللفظ الآرامى بارإناس الذى لا يُطلق إلاَّ على الشخص الذى كان يُبشِّرُ به المسيح - عليه السلام - وكان يتوقع الناس ظهوره . فالنصّ هنا يتكلم عن الـ بارإناس خاصة وليس عن المسيح .(1/4)
... جاء فى معجم اللاهوت الكاثوليكى ( ص 2 ) عن الـ بارإناس ما نصَّه : " إنَّ أصل هذه الشخصية ومعناها الصحيح لا يزالان غامضين " . وجاء فى معجم اللاهوت الكتابى ( ص 31 ) ما نصَّه : " وهذا اللقب عبارة غامضة توحى بجانب من السمو العالق بشخصيتة وتحجبه فى الوقت نفسه ، وحتى ندرك مفهومها لا بد من أن نرجع إلى استعمالها فى العهد القديم وفى فترة اليهودية " . وفى موضع آخر يستطرد المؤلف قوله بعد شرحه لما جاء عن الـ بارإناس طبقا لسفر دانيال ( 7 : 13 ـ 14 ) ما نصَّه " على كل حال تفوق اختصاصات ابن الإنسان ـ يقصد الـ بارإناس ـ اختصاصات المسَّيَّا بن داود ـ يقصد المسيح - عليه السلام - ـ " . أمَّا عن عبارة ابن الإنسان الواردة فى الأناجيل فيقول صاحب المعجم عنها ( ص 31 ) " هى صورة يونانية للفظة آرامية كان ينبغى ترجمتها بعبارة ابن بشر " ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تعبير ] ابن الله الحىّ [ جاء من بعد بعثة المسيح ، وخاصة بعد يوم الخمسين حين اعترف الأتباع وآمنوا
بأنه ابن الله ..!! فعلماء المسيحية قاطبة يُقرُّون بأن التلاميذ لم يؤمنوا به ابنا للإله أثناء البعثة . فما بين
القوسين مُدرج وليس من الأصل فى شىء .(1/5)
وعن معنى الـ بارإناس يقول العالم الفرنسى الكاثوليكى البروفيسور شارل جنيبير فى كتابه القيم ( المسيحية ، نشأتها وتطورها ص 40 ) : " ولقد اختلط الأمر فى فترة من الفترات على بعض المؤمنين الذين لم يكونوا على معرفة كبيرة باللغة الآرامية . إذ أنَّ تعبير ابن الإنسان فى هذه اللغة يعنى فقط إنسان أو رجل ، ..... وقد ربطوا بينه وبين النصّ المماثل من كتاب دانيال ـ وهو النصّ الذى لم يفهموه أيضا ـ فقرروا أنَّ ابن الإنسان مرادف مسيحى خاص لكلمة مسيح . وتحليل النصوص يؤكد خطأ الذين ذهبوا هذا المذهب فى تأويل التعبير المذكور . بل أغلب الفقرات التى يظهر فيها من الأناجيل يبدوا أنها صدرت عن محررى هذه الأناجيل لا عن المسيح " .
... وقال أيضا ( ص 40 ـ 41 ) : " أمَّا تلك التى يُرجح أنها مبنية على حديث صحيح له ـ أى المسيح ـ فلا يعدو الأربع أو الخمس ، ولا يمكن أن نصفها بأقل من أنها خاطئة أساسا فى ترجمتها للنصّ الأصلى . ويجب ابدال تعبير ابن الانسان فيها بكلمة انسان ، مثال ذلك الفقرتين : " ابن آوى يلجأ إلى جحره ... الانسان لا يجد موضعا يريح فيه رأسه " و " وإذا ذكر أحد الانسان بسوء فسوف يغفر له ، أما من تحدث بسوء عن الروح القدس فلن يغفر له فى هذه الدنيا ولا فى الآخرة " .
... والآن فلنبدأ بعون من الله وعلمه فى دراسة نصّ رؤيا دانيال من خلال عرض النصّ أولا من الترجمات العربية المعاصرة ومُحيلا القارىء لإستكمال بداية وتكملة الرؤيا كاملة من الاصحاح السابع من سفر دانيال .
( انظر الجدول التالى ) :
نص سفر دانيال ( 7 : 13 ـ 14 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988(1/6)
كنت أرى فى رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدَّامه . فأعطى سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض . ... وشاهدت أيضا فى رؤى الليل وإذا بمثل ابن الإنسان مقبلا على سحاب حتى بلغ الأزلى فقرَّبوه منه . فأنعم عليه بسلطان ومجد وملكوت لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم من كل لسان . سلطانه سلطان أبدى لا يفنى وملكه لا ينقرض .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
ورأيت فى منامى ذلك الليل ، فإذا بمثل ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء ، فأسرع إلى الشيخ الطاعن فى السن . فقُرِّب إلى أمامه . وأعطى سلطانا ومجدا وملكا حتى تعبده الشعوب من كل أمَّة ولسان ويكون سلطانه سلطانا أبديا لا يزول ، وملكه لا يتعدَّاه الزمن . ... وكنت أنظر فى رؤياى ليلا فإذا بمثل ابن الإنسان آت على غمام السماء فبلغ إلى قديم الأيَّام وقُرِّب إلى أمامه . وأوتى سلطانا ومجدا وملكا ، فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه وسلطانه سلطان أبدى لا يزول وملكه لا ينقرض .
النصّ عبارة عن رؤية منامية وصف فيها دانيال الذى شاهده فيها . فنحن بصدد تفسير رؤيا نبوية . فهناك شخص إنسىّ يشبه البارإناس يقوم برحلة سماوية فيقابل فيها شيخ طاعن فى السن قديم الأيَّام . ثمَّ يُعْطَى ذلك الإنسىّ البار سلطانا ومجدا وملكا أبديا لا يزول وتطيعه جميع الشعوب والأمم . ذلك هو المعنى الاجمالى للنصّ السابق بدون اختلاف بين العلماء .
وقد وقع الاختلاف الكبير بينهم فى تفاصيل النصّ ومعنى مفردات كلماته . فمن هو ذلك الإنسىّ البار ( مثل البارإنس ) ..!؟
ومن هو ذلك الشيخ الطاعن فى السِّنِّ قديم الأيام ..!؟
وماهى حقيقة ذلك السلطان والمجد والملك الأبدى الذى لا يزول الذى أعطيه ذلك الإنسىّ البار ..!؟
وكيف ستطيعه جميع الشعوب والأمم ..!؟(1/7)
إنها أسئلة لا تجد لها إجابات اتفق عليها عالمان من علماء المسيحية العالمية ..!!
... وأبدأ التعريف بذلك الإنسىّ البارّ :
من المتفق عليه عند علماء المسيحية أنَّ من ألقاب المسيح - عليه السلام - الشهيرة لقب ابن الإنسان المأخوذ خطأ عن اليونانية ( ???? ??? ???????? ) بمعنى ابن آدم ولكن هذا اللقب لا يخص المسيح - عليه السلام - بمفرده ، وإنما يشاركه فيه آخرون كثيرون . ولكن هناك شخص آخر كان يشير إليه المسيح - عليه السلام - بهذا اللقب الذى تحوَّر إلى ابن آدم فى اليونانية . فقوله - عليه السلام - الوارد فى إنجيل لوقا ( 12 : 8 ) : " كل من اعترف بى قُدَّام الناس يعترف به ابن الإنسان ( ???? ??? ???????? ) قدام ملائكة الله " . فـ ابن الناس هنا ليس هو المسيح يقينا . وإنما هو ذلك الإنسىّ النقىَ البارّ المذكور فى رؤيا دانيال الـ بارإناس ( ?? ??? ) . فالنصّ هنا فيه مقابلة بين المسيح وبين ذلك الإنسىّ ( ?? ??? ) .
وأيضا قوله - عليه السلام - فى ( مرقس 8 : 38 ) : " من استحى بى وبكلامى فى هذا الجيل الفاسق الخاطىء ، فإنَّ ابن الإنسان ( ???? ??? ???????? ) يستحى به متى جاء .. " . فـ ابن الإنسان هنا هو ذلك الإنسىّ النقىّ البارّ المذكور فى رؤيا دانيال ، إنه الـ بارإناس ( ?? ??? ) وليس ابن الإنسان اليونانى .
وأنا لا استكثر على المسيح - عليه السلام - أن يكون بارإناس ( ?? ??? ) ، فهو فعلا إنسان بارُّ نقىّ طاهر تقىّ ، وقد وصف نفسه - عليه السلام - فى مواضع كثيرة فى الإناجيل بأنه ابن الإنسان بمعنى ابن آدم ( ???? ??? ???????? ) . ولكن هناك إنسىّ بارُّ طاهر نقىّ تقىّ مثل الـ بارإناس ( ?? ??? ) سيأتى من بعده . فهلاَّ عقلنا معانى المفردات طبقا لأصولها اللغوية وقلنا بما عقلنا وعرفنا ..!؟(1/8)
المهم أنَّ علماء المسيحية قالوا بأنَّ ذلك الإنسىّ النقىّ البارّ ( ?? ??? ) المذكور فى رؤيا دانيال هو المسيح - عليه السلام - ( ???? ??? ???????? ) ..!!
هذا ولم يرد شىء يثبت أنَّ المسيح - عليه السلام - قد قام برحلة إلى السماء ونزل منها ومعه سلطان ومجد وملك أبدى لا يزول . وتطيعه جميع الشعوب والأمم . فغاية الأمر أنَّ المسيح - عليه السلام - قد صعد إلى السماء من بعد إنتهاء بعثته ولم ينزل منها بعد ..!!
ولكن نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه قيامه برحلة المعراج إلى السماوات العلا ونزل منها ومعه تعاليم الدين الجديد ومن أشرفها الصلوات المكتوبة . وعمل بذلك الدين أتباعه فى عهده - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أتباع الأتباع وخلق كثيرون دخلوا فى دين الله أفواجا من كل شعوب الأرض وأممها . إنه ذلك الإنسىّ البارّ النقىّ الذى بشَّرَ به المسيح - عليه السلام - وأطلق عليه بالآرامية لقب بارإناس الذى تحوَّر خطاً إلى ابن الإنسان .
ومنذ كتابة سفر دانيال اليهودى ، كان اليهود يرون أنَّ هذا الإنسىّ الملقب بـ البارإناس هو المِسِّيَّا المُبشَّرُ به فى سفر دانيال أيضا . ولكن عندما بُعث المسيح - عليه السلام - واختلطت الأمور بضياع لغة المسيح الآرامية ، وبقول المسيحيين اليونان أنَّ المسيح هو المِسِّيَّا ، مَحَى اليهود ذلك اللقب المِسِّيَّا من كتبهم الدينية وكتبوا مكانه كلمة موشيخا العبرية التى معناها مسيح بالآرامية . وسوف يأتى القارىء بحث مستفيض عن ذلك الأمر فى كتابى هذا .
... ثمَّ أثنِىَ بالتعريف بذلك الشيخ الطاعن فى السِّنِّ قديم الأيام :
لقد قالوا افتراء وظلما وعدوانا بأنَّ ذلك الشيخ الطاعن فى السِّنِّ قديم الأيام هو الله . تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا . ورسموا له صورا وضعوها فى مراجعهم الدينية المسيحية وفى متاحفهم العالمية ولم ينسو أن يزينوا بها جدران كاتدرائياتهم وكنائسهم الشهيرة ..!!(1/9)
وإلى القارىء إحدى صُوَر ذلك الشيخ الطاعن فى السن الذى أطلقوا عليه اللقب الإنجليزى ( The Ancient of Days ) :
الصورة التى رسمها الفنان الشهير وليم بلاك ( 1757 ـ 1827)
وهى موجودة بالمتحف الإنجليزى
قلت جمال : إنَّ ذلك الشيخ الطاعن فى السِّنِّ قديم الأيام المُشار إليه فى النصّ هو أبونا آدم - عليه السلام - على ما يبدو لى وليس غيره . وقد قابله نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - فى السماء الدنيا أثناء رحلة المعراج . قال - صلى الله عليه وسلم - كما جاء فى صحيح البخارى ( جـ 7 كتاب المناقب / باب المعراج ) : " فَانْطَلَقَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ . فَقِيلَ مَنْ هَذَا ..؟ قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ ..؟ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ..؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِىءُ جَاءَ فَفَتَحَ . فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ . فَقَالَ : هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ .. " .
فالله سبحانه وتعالى ليس إنسانا ولا بابن إنسان ( عدد 13 : 19 ) . فهذا من هوس من لا يقدرون الله حق قدره . وتارة تختلط على علماء المسيحية الأمور فيقولون بأنَّ ذلك الشيخ الطاعن فى السِّنِّ قديم الأيام هو الآب فى صورة ابن الإنسان المسيح ، وأنَّ شبيه ابن الإنسان البارإناس هو الروح القدس . وأحيانا يزعمون أنه يُشير إلى قدِّيسى المسيح ..!! ولهم آراء كثيرة فى ذلك الأمر أعرضت عن ذكرها حتى لا أكدِّر صفو ذهن القارىء .(1/10)
جاء فى إنجيل يوحنا ( 12 : 34 ـ 36 ) أنَّ القوم قد سألوا المسيح - عليه السلام - عن ابن الإنسان من يكون ..!؟ فكانت الاجابة كما سجلها يوحنا غير واضحة وغير مباشرة . إلا أنَّ فيها قول المسيح - عليه السلام - " سيبقى النور معكم وقتا قليلا . فامشوا ما دام لكم النور لئلا يباغتكم الظلام . والذى يمشى فى الظلام لا يعرف إلى أين يتجه . آمنوا بالنور ما دام لكم النور ، فتكونوا أبناء النور " . إنَّ هذه الإجابة المدهشة تذكرنا بنصّ أشعيا فى نبوءته على دومة الجندل حين قال المترقب " يجىء الصبح والليل يعود " ( 21 : 22 ) . وعلمنا أنَّ الصبح هو نور بعثة المسيح - عليه السلام - ، والذى لم يدم طويلا ، فجاء الليل سريعا وباغتهم الليل على يد بولس الطرسوسى .
فالمسيح - عليه السلام - فى نصّ يوحنا يتكلم عن نورين :
نور سيبقى مع أتباعه قليلا . وطالبهم بأن يمشوا فيه قبل أن يباغتهم الظلام . وبيَّن لهم أنَّ الذى يمشى فى الظلام لا يعرف إلى أين يتجه .
ونور طالبهم بأن يؤمنوا به ولم يطالبهم بأن يمشوا فيه قبل أن يباغتهم الظلام كما فعل ذلك فى حال النور الأول لأنه لم يأت بعد ولن يدركوه . ثمَّ بيَّن لهم أنَّ الذى يؤمن بذلك النور الثانى يكون من أبناء النور .
ووقائع التاريخ وصدق مجريات الأمور تشير إلى أنَّ النور الأول هو نور بعثة المسيح - عليه السلام - . وأنَّ النور الثانى هو نور بعثة نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . قال تعالى فى الذكر الحكيم ( 14 ـ 15 / سورة المائدة ) : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّن لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير . قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام . ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم } .
فهلا آمنوا بالنور ليكونوا من أبناء النور كما قال المسيح - عليه السلام - ..!!؟
اللهم ألا إنى قد بلَّغت ، اللهم فاشهد .(1/11)
الشَّيَّالوه ( ???? )
===========
وهذه النبوءة وردت فى وصية نبىّ الله يعقوب - عليه السلام - لبنيه حين حضرته الوفاة سجلها كاتبوا سفر التكوين فى الفقرة ( 49 : 10 ) . وتُعَدُّ تلك الفقرة من أصعب الفقرات تفسيرا عند علماء المسيحية قاطبة ، فلم يتمكنوا مجتمعين أو منفردين أن يجدوا لها تفسيرا مقبولا يرتضونه لأنفسهم خالى من التعسف وأوجه القصور .
وقبل أن أذكر نصّ تلك النبوءة أسجل عجز علماء المسيحية وجهابزتهم عن تفسير محتواها وفحواها لغويا وتاريخيا من خلال أقوالهم وإعترافاتهم (1) بل والاعتراف الصريح بأنَّ قراءة نصّ النبوءة من الأصل العبرانى القديم متعذر لفقدان قواعد قراءة هذه اللغة القديمة ومفرداتها من قبل زمن بعثة المسيح - عليه السلام - بحوالى خمسة قرون كاملة . وهذه اللغة العبرانية القديمة تختلف عن اللغة العبرية الماصورتية المشكلة المعروفة حاليا . والتى انتهوا من وضع قواعد قراءتها وتشكيلها فى القرن العاشر الميلادى ، أى من بعد أن انتهى المسلمون من تشكيل القرآن الكريم .
وبدون تعسف فى الرأى وتحجر فى الفكر فإنى أطرح النصّ كما أثبتوه من خلال ترجماتهم المختلفة ، ومحاولاتهم المتعددة فى تفسيره وفق ما يظنون هم ويعتقدون . ثم أقوم بعد ذلك بحول من الله وعلمه بعمل عملية الإسقاط ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع قاموس الكتاب المقدس العربى نشر دار الثقافة ص 536 ، ثم راجع التفصيل المثير فى كل من
المراجع الإنجليزية الكتابية المتخصصة الآتية أسماءها :
-The interpreter’s One volum commentry on the Bible page 31 .
- B.A.K.E.R Encyclopedia of the Bible volum 2 page 1953 .
- The Zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible volum 5 page 404 .
- IVP New Bible Dictionary page 1105 .
- Smith’s Bible Dictionary page 639 .
- The Zondervan Pictorial Bible Dictionary page 785 .(1/12)
اللغوى على الواقع التاريخى بغية الحصول على التفسير السهل الواضح المؤيد بالبراهين الداخلية والخارجية للنصوص اليهودية والمسيحية .
وأبدأ بذكر هذا النصّ ( تكوين 49 : 10 ) كما ورد فى الترجمات العربية الأربع المعاصرة وذلك فى الجدول التالى :
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب . ... لا يزول صولجان الملك من يهوذا ولا مشترع من صلبه حتى يأتى شيلوه ( ومعناه : من له الأمر ) فتطيعه الشعوب .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا السلطان من صلبه إلى أن يتبوأ فى شيلوه (1) من له طاعة الشعوب . ... لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا القيادة من بين قدميه إلى أن يأتى صاحبها (1) وتطيعه الشعوب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ... ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. إلى أن يتبوأ فى شيلوه ( مدينة بين بيت إيل وشكيم ) ... (2) .. النصّ ومعناه موضوعا جدل . على كل حال يدور
أو: إلى أن يأتى من له الصولجان . ... الكلام على مجىء شخص تكتنفه الأسرار وتطيعه
الشعوب . فالنبوءة تنتظر ملكا مشيحا مثاليا ، وإن كان
المستهدف أولا داود وأسرته الملكية .
ومشكلة المشاكل فى هذا النصّ هو الكلمة العبرية شيلوه ( ???? ) التى ظلت باقية بدون ترجمة فى النصّ وذلك بسبب الجهل بمعناها .
ومن واقع الترجمات العربية نجد أنَّ كلمة شيلوه تشير إلى معنيين :
إمَّا إلى اسم أو لقب لشخص سيكون على يديه إنتهاء القيادة والملك من سبط يهوذا . وإمَّا اسم مكان يدعى شيلوه كما هو واضح فى نسخة الكاثوليك .(1/13)
... وقبل دراسة معنى النصّ وفك طلاسمه ، فلنحاول أولا أن نتعرف على معناه السهل البسيط بدون التعرض لكلمة شيلوه بتفسير أو شرح . إنَّ موضوع النصّ المشار إليه ذو شقين : مُلك ورئاسة دنيوية ، وسلطة تشريعية دينية . وكلاهما سيظلان فى سبط يهوذا وذريته ما لم يأت شيلوه .
... وبالاسقاط التاريخى نعلم أنَّ السلطان الدنيوى قد زال عن سبط يهوذا عدة مرات كان آخرها وإلى الأبد بعد حادثة تدمير معبدهم على يد الرومان سنة 70 م . ولكن التشريع أو الشريعة ظلت موجودة إلى أن تم القضاء على بقايا سبط يهوذا فى جزيرة العرب أبَّان البعثة الإسلامية . وهذا معناه أنَّ شيلوه قد جاء فى الفترة الواقعة بعد سنة 70 م وإلى ظهور الإسلام ، أو نتوسع قليلا حتى ندخل التفسيرات المسيحية فى تلك الفترة فنرجع فى الزمان إلى الوراء إلى عصر المسيح - عليه السلام - . ربما كان هو ذلك الشيلوه كما يقولون .
... واضح من النصّ وخاصة فى ترجمة الآباء اليسوعيين ( المطابقة للترجمة السريانية المعروفة بـ البشيطة ) أنَّ شيلوه هو الشخص الذى يخصه الصولجان والتشريع معاً أى صاحبهما ..!! وهذا معناه أنَّ الصولجان والتشريع سوف يزولان من سبط يهوذا عند إتيان شيلوه . فمن البديهى أن لا يكون شيلوه من ذرية يهوذا . وأنه صاحب السلطتين الدينية والدنيوية ، أو لك أن تقول أنه صاحب دين ودولة .
ومعلوم عند الجميع مسلمين ومسيحيين ويهودا أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يترك تشريعا جديدا ولم يتقلد سلطة دنيوية . فقد أعلن أنه جاء على شريعة التوراة ولم يبطلها وإنما جاء ليكملها ، والمسيحيون يقولون بأنَّ المسيح قد عاش تحت سلطان الناموس . كما أنَّ النصّ يشير إلى أنَّ شيلوه لن يكون من سبط يهوذا حتى يتحقق زوال الصولجان والتشريع من سبط يهوذا عند ظهور الشيلوه . وهذ الأمر يخالف ما عليه المسيحيون ، فهم يعتقدون أنَّ المسيح - عليه السلام - من ذرية يهوذا (1) .(1/14)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تفنيد ذلك الاعتقاد فى كتابى " المسيح هارونى أم داودىّ ..!؟ " .
... ويعتقد اليهود بأنَّ شيلوه لم يظهر بعد ، ولكن إنقراض سبط يهوذا من الوجود ومعهم الحكم والنبوة وضع اليهود فى موضع حرج ، فإمَّا أن يعترفوا بناء على هذا النصّ أنَّ شيلوه قد ظهر ولم يتعرفوا عليه ، وإمَّا أن يعترفوا بأنَّ هذا النصّ غير صحيح وأنه مكذوب كتبه المُحَرِّفون .
ولكن المسلمون بحمد الله تعالى لهم رأى آخر تبدوا مقدماته مقبولة عقليا عند المسيحيين واليهود . فعلى افتراض صحة ذلك النصّ التكوينى يكون شيلوه قد بعث حقا فى أرض الجنوب من ذرية إسماعيل ، وهو صاحب الحكم والنبوة وفى أثناء بعثته تم القضاء تماما على فلول سبط يهوذا الذين لم يؤمنوا به فى خيبر وما جاورها من أوكار اليهود بأرض الجنوب . وتتحقق فيه جميع الصفات والاسقاطات اللغوية والتاريخية الواردة فى وصية نبىّ الله يعقوب - عليه السلام - .
شرح وبيان معنى كلمة شيلوه ( ???? )
أولا : شيلوه اسم علم للمسِّيَّا المنتظر .
وتم إثبات هذه الترجمة فى بعض النسخ العربية كما سبق بيانه . والإنجليزية مثل نسخة الملك جيمس المعتمدة ( KJV ) والنسخة القياسية ( ASV ) وغيرهم . وفى هذه الحالة يقول مؤلفو موسوعة زندرفان الكتابية الأمريكية : " بأنه على ما يبدوا من المستحيل إعطاء تفسير صحيح للنصّ " (1) . ولم يقم أحد بتفسير كلمة شيلوه فى هذا النصّ على إعتبار أنها اسم علم لشخص إلا من القرن السادس عشر الميلادى ، حين تم التعرف على الكلمة فى التلمود اليهودى مستخدمة كاسم علم . وقد ظهرت الكلمة شيلوه مستخدمة كاسم علم شخصى للمسِّيَّا المنتظر فى نسخة الكتاب المقدس الإنجليزية ط 1539 م المعروفة باسم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v 5 page 404
((1/15)
The Great Bible ) . وقد ظهرت محاولة تفسيرية قام بها مؤسسا الطائفة البروتستانتية ، مارتن لوثر وكلفن ، حين ترجما كلمة شيلوه إلى كلمة ابن ( Son ) تعسفا وقسرا ، ولكن العلماء بعدهما رفضوا هذه الترجمة لأنَّ الكلمة العبرية التى استخدمها لوثر وكلفن تفيد معنى جنين وليس ابن (1) .
... ويلاحظ أنَّ الإشتقاق اللغوى العبرى للكلمة هو من الكلمة شلهَ ( ??? ) أو شلوَ ( ??? ) وهما يحملان الرقم ( 7951 ) ، وهما بمعنى مسالم أو الذى يكون فى هدوء ( to be at rest ) . وفى هذه الحالة يكون معنى كلمة شيلوه عندما تنصرف كاسم علم لشخص هو معطى السلام أو معطى الإسلام ( The Peace giver ) ولا فرق بين كلمتى سلام وإسلام فجذرهما اللغوى واحد فى اللغتين العربية والعبرية بدون خلاف بين المتخصصين فى علوم اللغتين . فالشيلوه هو مُعطى الإسلام ..!!
... ثانيا : شيلوه كلقب للمسِّيَّا المنتظر .
ويؤيد هذا المعنى ما عثر عليه بين لفائف قمران ـ البحر الميت ـ المكتشفة حديثا حيث أطلق اليهود الأسينيون كلمة شيلوه كلقب مميز على مِسِّيَّا الحق المنتظر صاحب الحكم والشرع ( The rightful Messiah ) الذى كانوا ينتظرون ظهوره ليقيم العدل ويرسى قواعد الشرع . ويؤيد هذا المعنى نصّ حزقيال ( 21 : 27 ) " حتى يأتى الذى له الحكم فأعطيه إياه " . وهذا معناه أنَّ نصّ وصية نبىّ الله يعقوب - عليه السلام - لبنيه ( تك 49 : 10 ) كان يفسر على أنه نبوءة بظهور شيلوه الذى سيكون له الحكم والشرع عوضا عن ذرية سبط يهوذا .
يقول الدكتور عبد الأحد داود ( وهو من كبار القسس الذين اهتدوا إلى الإسلام ) : " ويحتمل أنَّ كلمة شيلوه ( شايلوه ) مشتقة من الفعل شله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. BAKAR Encyclopedia of the Bible v 2 page 1953
((1/16)
shalah ) وفى هذه الحالة فهى تعنى المسالم الهادى الموثوق ، كما أنَّ هذا الفعل يعنى أيضا أرسل وفوَّض من اسم المصدر شلوه ( shaluh ) أى المُرسَل أو الرسول . وفى هذه الحالة فإنَّ الكلمة سوف تأخذ معنى شيلواح ( shiluah ) وتكون حينئذ مرادفة تماما لـ رسول ياه ( Apostle of Yah ) وهو نفس اللقب المعطى لـ مُحَمَّد رسول الله . والمعروف أيضا أنَّ كلمة شيلواح هى أيضا تعبير فنى لكلمة الطلاق ، ذلك لأنَّ الزوجة المطلقة تُرْسَل بعيدا " (1) .
ثالثا : شيلوه كاسم مكان فى فلسطين .
وفى هذه الحالة يكون النصّ هكذا : "... حتى يأتى إلى شيلوه ..." وقد ضعَّف العلماء المتخصصون هذا الرأى ، وقالوا بأنَّ الواقع التاريخى لبنى إسرائيل يدحض وجود أهمية كبرى لمثل بلدة شيلوه هذه . وقالوا أيضا بخطأ تلك الترجمة وشككوا فى صحتها (2) .
رابعا : شيلوه كاسم مرادف للسلام أو الإسلام .
وتكون ترجمة النصّ : " لا يزول الصولجان من يهوذا أو التشريع ـ النبوَّة ـ من بين قدميه حتى يأتى شيلوه ـ الإسلام ـ فتتبعه جميع الشعوب " .
... وهناك محاولة مماثلة قام بها علماء الغرب المسيحى فى ترجمة هذا النصّ حين وضعوا كلمة الراحة ( Rest ) بدلا من كلمة الإسلام الذى نجد فيه أكمل أنواع الراحة الدنيوية والروحية (3) . وهذا التفسير يعتبر من أوضح التفاسير مطابقة للواقع والتاريخ فقد زال صولجان وشريعة سبط يهوذا من الوجود بعدما ظهر الإسلام . وكل الذى فعلته هنا هو استبدال كلمة مجهولة المعنى عندهم ـ شيلوه ـ بكلمة أخرى ـ الإسلام ـ تؤدى المطابقة التامة لمعنى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فى كتاب اليهود والنصارى ص 52 .
(2) .. راجع كل من : قاموس الكتاب المقدس طبع دار الثقافة بالقاهرة ص 536 ، تفسير السنن القويم ص 276
وراجع أيضا القاموس ( New Bible Dictionary page 1105 ) .(1/17)
... (3) .. Smith Bible Dictionary page 639
النصّ اللغوى والتاريخى ، بل والعقدى أيضا .
خامسا : شيلوه كاسم لخصم عدو لبنى إسرائيل .
فإذا اعتبرنا كلمة شيلوه تمثل خصم وعدو لدود لمركز السيادة اليهودية ، أى لسبط يهوذا ، يجب التنبه له والعمل على قهره وهزيمته . فإنَّ المعنى الصحيح الواقعى للنصّ فى هذه الحالة نجده قد تحقق فى ظهور العرب بدينهم الإسلام . ذلك الدين الذى ينادى بوحدانية الإله المعبود وعموم عبادته من جميع البشر بدلا من احتكار عبادته على بنى إسرائيل فقط ..!!
... ونصوص العهد القديم لا تفتأ عن وصف العرب بالخصومة والعداوة لبنى إسرائيل . فياله من تحقيق واقعى للنصّ حين ظهر الإسلام كدين ودولة من قلب شبه الجزيرة العربية أى من قلب أرض الجنوب التوراتية . وحول ذلك المعنى لكلمة شيلوه حام مؤلفوا موسوعة زندرفان الكتابية بدون استكمال الشرح والايضاح التاريخى (1) .
... سادسا : شيلوه بمعنى ( الشخص الذى يخصه ) .
أى الشخص الذى يخصه الصولجان والتشريع . وفى هذه الحالة يمكن قراءة كلمة شيلوه هكذا شيللو التى تفيد المعنى الإنجليزى ( To whom أو That which is ) وهو الذى فهمه مترجمى النسخة اليونانية السبعينية ( LXX ) حين نقلوا الكلمة من العبرانية إلى اليونانية القديمة .
... وقد عملت بذلك المعنى أيضا الترجمة السريانية المعروفة بـ البشيطتا حين كتب فيها ترجمة كلمة شيلوه هكذا ( الشخص الذى يخصه ) . وتبنت ذلك الفهم والتفسير عدة ترجمات حديثة مثل ترجمة الآباء اليسوعيين العربية والترجمات الإنجليزية القياسية ( RSV , NIV ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible v 5 page 404(1/18)
ويؤيد ذلك المعنى نصّ حزقيال ( 21 : 27 ) طبقا لنسخة كتاب الحياة المصرية " إلى أن يأتى صاحب الحكم فأعطيه إياه " . وبناءً على ذلك المعنى اللغوى ، مضافا إليه الواقع التاريخىّ نجد الإجابة الصريحة الواضحة السهلة على السؤال الآتى :
من هو ذلك الشخص صاحب السلطان والتشريع الإلهى الذى زالت على يديه سلطة بنى إسرائيل الدينية والنيوية ممثلة فى سبط يهوذا ..!؟
هل هو المسيح عيسى بن مريم كما يزعمون أم غيره ..!؟
لم يكن المسيح - عليه السلام - فى أى يوم من الأيام رجل سياسة وحكم ، ولم يكن بصاحب شرع جديد باعتراف الجميع . وبفرض جدلا أنه هو ( صاحب السلطان والتشريع ) ، ألم يزعم المسيحيون بأنه - عليه السلام - من سبط يهوذا ..!!
فإن كان المسيح - عليه السلام - من سبط يهوذا فإنَّ الصولجان والتشريع لم يزولا بعد من سبط يهوذا ، والواقع الأليم يكذب ذلك البهتان وعلماء المسيحية يعلمون ذلك جيدا . فلا يوجد غير النبىّ العربىّ - صلى الله عليه وسلم - الذى جاء بالسلطة الدنيوية ( الصولجان ) وبالتشريع ( القرآن والسنة ) . وأعلن الحق ، ووحَّدَ بالإسلام أمما كثيرة ، حتى صارت تحبه وتطيع أوامره فى كل ما قال - صلى الله عليه وسلم - ولم تعبده أو تقدسه من دون الله الواحد الأحد .
... سابعا : شيلوه بمعنى أمير أو رئيس .
وهذا المعنى مستقى من الكلمة الأكادية شيلو التى تفيد معنى أمير ( prince ) أو حاكم ( ruler ) ، والتى يماثلها فى اللغة العبرية كلمة شيَّالو (1) . ويكون معنى النصّ : " لا يزول الصولجان من يهوذا أو التشريع من بين قدميه حتى يأتى الأمير ويكون له خضوع الأمم " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. The Zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible v 5 page 404(1/19)
ومن حقائق التاريخ نجد أنَّ النبىّ العربىّ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - هو إمام المرسلين وأميرهم . وقد صلى بهم جميعا فى بيت المقدس أثناء حادثة الإسراء الشهيرة . ولا يعرف التاريخ شخصية أمير آخر صاحب شرع ودين سماوى خضعت له الأمم غير ذلك النبىّ العربىّ صاحب دعوة الإسلام . فجميع أنبياء بنى إسرائيل بما فيهم المسيح - عليه السلام - كانت رسالتهم محدودة وحسب تعبير المسيح " ما جئت إلا لخراف بنى إسرائيل الضالة " . فكانت دعوتهم جميعا إلى أمَّة واحدة هى أمَّة بنى إسرائيل ، فلم تخضع لهم الأمم ولم تتبع شريعتهم الشعوب المختلفة .
ثامنا : تصحيح قراءة شيلوه إلى شيَّالوه .
وقد صحح هذه القراءة الدكتور عبد الأحد داود لما له من باع فى معرفة اللغة الأشورية . وقال بها أيضا مؤلفو قاموس ( New Bible Dictionary ) الكتابى . وطُبِّقت فى ترجمة نسخة ( NEB ) .
... ... وقد جاء فى موسوعة ( BAKAR ) الكتابية (1) القول : أنَّ بعض المفسرين والمترجمين قسَّموا الكلمة إلى جزئين . ثم ترجموها إلى :
( as long as tribute comes to him )
و ( until tribute comes to him )
بمعنى " طالما أنَّ الجزية تأتى إليه " أو " إلى أن تأتى الجزية إليه " . وقد روعى ذلك المعنى فى النسخ ( GNB , NEB , NAB ) .
فمن هو صاحب الجزية المؤيدة بشرع الله ..!؟
لم تعرف البشرية سوى نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - الذى جاءت إليه الجزية .
والآن .. وبعد تلك الجولة الضافية حول القراءات المختلفة لكلمة شيلوه وتفسيرها ، لم أجد تفسيرا واحدا أو قراءة واحدة زعموها تنطبق على المسيح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. BAKAR Encyclopedia of the Bible page 1953(1/20)
ابن مريم - عليه السلام - وهم شهود على ذلك . ولكن غمض الحق والتعصب الأعمى كان لهما الجانب الأكبر فى دراستهم لمعانى تلك الكلمة شيلوه . فاحتاروا ثم عكفوا وصموا واستمسكوا بما يعتقدون ، وعقدوا العزم قسرا على أنَّ تفسير هذه الكلمة بات من المستحيلات .
جاء فى قاموس سميث للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية بعد التعرض للقراءات المختلفة لكلمة شيلوه فى ص 1105 ما نصه :
“ But the fact there were different reading , in former times , of this very difficult passage necessarily tends to suggest the possibility that the correct reading may have been lost . whatever interpretation of the present reading be pronounced entitled to the least consideration is that which suppose the prophecy relates to the birth of christ as occuring in the regin of Herod just befor Judace because a roman province “ .
فرغم الاعتراف بفقدان القراءة الصحيحة لكلمة شيلوه إلا أنهم يُصِرُّون على أنها تشير إلى المسيح ابن مريم - عليه السلام - ..!!
والغريب فى الأمر أنَّ كلمة شيَّالوه العبرية التى تعادل الصيغة العربية رسول الله ، نجدها طبقا لحساب الجُمَّل المعروف بحساب أبى جاد المعمول به عند اليهود . نجد أنَّ مجموع أرقام حروفها يساوى 362 وهو هو مجموع أرقام الصيغة العربية رسول الله 362 ..!!
فياله من توافق عجيب لم يخطر لى على بال ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو النبىّ الوحيد الذى دفعت إليه الجزية ، وهو الوحيد الذى كانت دعوته عالمية لجميع الأمم والشعوب . وببعثته - صلى الله عليه وسلم - انقرضت ذرية سبط يهوذا ولم يعد لهم سلطان أو حتى سلطة تشريعية .
... وإلى القارى أرقام حروف العبارتين حسب حساب الجمَّل المعروف بحساب أبى جاد :
شيَّالوه ( ش ى ى ا ل و هـ ) :
300 + 10 + 10 + 1 + 30 + 6 + 5 = 362
رسول الله ( ر س و ل ا ل ل هـ ) :(1/21)
200 + 60 + 6 + 30 + 1 + 30 + 30 + 5 = 362
وسأذكر للقارىء شيئا عن حساب أبى جاد فى البشارة التالية بإذن الله تعالى .
... أمَّا عن وصية نبىّ الله يعقوب - عليه السلام - الحقيقية إلى بنيه فقد جاءت فى القرآن الكريم فى الآية رقم 133 من سورة البقرة : { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى . قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون } . تلك هى الوصية الحقة والاعتراف الصريح باتباع دين الإسلام . دين الإله الأحد الذى لم يتغير فى يوم من الأيام ليكون ثلاثة أديان مختلفة .
إيليا ( الياهو ????? )
============
إيليا اسم مُشفَّر يشير إلى رسول الله أحْمَد المنتظر . وفى الحقيقة أنَّ هناك أكثر من شخص مذكور فى نصوص الكتاب المقدس تحت هذا الاسم إيليا مما حدا ببعض علماء المسيحية أن يقولوا بأنه اسم رمزى ليس له وجود فى الحقيقة ..!!
فهناك النبىّ الإسرائيلى إيليا المذكور فى كل من سفرى الملوك الأول والثانى ( 1 ملوك 17 : 1 ، 5 ، 19 ؛ 2 ملوك 1 : 8 ) وهو الذى كانت العُربَان تطعمه وليست الغِرْبَان ـ بالغين ـ كما جاء فى الترجمات العربية لسفر الملوك الأول ( 17 : 4 ) وهذا النبىّ الإسرائيلى كان فى مملكة إسرائيل الشمالية فى حوالى القرن التاسع قبل الميلاد . وقد رُوِىَ فى بعض الكتب أنه هو إلياس المذكور فى القرآن الكريم والله تعالى أعلم .
وهناك النبىّ إيليا المبشر بظهوره قبل يوم القيامة حسب ما جاء فى آخر أسفار العهد القديم ترتيبا ( ملاخى 4 : 5 ) وهو الذى بَشَّر به نبىّ الله يحيى بن زكريا عليهما السلام حين قال حسب رواية إنجيل متى ( 2 : 11 ) : " لكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست أهلا أن أحمل حذاءه " . ولم يأت من بعده سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنَّ المسيح عيسى كان معاصرا له ولم يأت من بعده .(1/22)
وقال المسيح عيسى - عليه السلام - ( يوحنا 16 : 2 ) " وأمَّا متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية " . وقال " ولكنى أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم البارقليط ( ???????? ) " ( يوحنا 16 : 7 ) . وسوف نعرف بعد قليل أنه نبىّ الحق كما فسَّره يوحنا الإنجيلى . وليس معناه الروح القدس كما يزعمون دائما .
وهناك النبىّ إيليا الإنجيلى المزعوم ، الذى اختلفت نصوص الأناجيل بشأنه ( متى 11 : 14 ، 17 : 10 ومرقس 9 : 11 – 13 ويوحنا 1 : 20 - 25 ) . فذكر مرقس فى إنجيله ( 9 : 13 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - قال لتلاميذه : " إنَّ إيليا قد أتى " . وقال متى فى إنجيله ( 17 : 12 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - قال لتلاميذه " إنَّ إيليا قد جاء ولم يعرفوه " . وذكر متى أيضا فى إنجيله ( 11 : 14 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - قال لتلاميذه " وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتى من له أذنان للسمع فليسمع " .
فهناك إذا إيليا قد جاء قبل المسيح - عليه السلام - وهناك إيليا سيأتى من بعد المسيح . والحادثة المذكور فيها النصَّان واحدة ..!!
وزعم علماء المسيحية أنَّ إيليا هذا الذى أشار إليه المسيح - عليه السلام - هو المعمدان أى يحيى بن زكريا - عليه السلام - حتى يتلاشى التناقض بين النصيين ..!!
... ولكن المعمدان رفض ذلك التفسير المختلق حسب ما جاء فى إنجيل يوحنا ( 1 : 19 ـ 21 ) حين سأله علماء اليهود بقولهم : أأنت إيليا .. ؟ فقال لهم : لست أنا .(1/23)
وخروجا من هذا التناقض الإنجيلى أجد أنَّ المسيح - عليه السلام - قد صَدَقَ فى قوله أنَّ إيليا سيأتى ، وأنَّ المعمدان قد صَدَقَ فى قوله أنه ليس إيليا . وأنَّ القائل بغير ذلك هو الكاذب فى دعواه . وهذه النتيجة تتوافق تماما مع آخر نصّ مذكور فى العهد القديم فى سفر ملاخى ( 4 : 5 ) القائل " ها أنذا أرسل إليكم إيليا النبىّ قبل مجيئ يوم الرب اليوم العظيم والمخوف . فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتى واضرب الأرض بلعن " .
وهذا النبىّ إيليا المبشر بظهوره لم يظهر حتى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - بدليل ورود إشارات عنه فى الأناجيل وفى عصر بعثة المسيح - عليه السلام - ولا يمكن أن يكون المسيح - عليه السلام - هو ذلك النبىّ المبشر به تحت الاسم إيليا لورود نصّ فى الأناجيل يشير إلى اجتماع الأنبياء الثلاثة موسى والمسيح وإيليا ( مرقس 9 : 2 - 13 ؛ متى 17 : 1 ـ 13 ؛ لوقا 9 : 28 ـ 36 ) ، حيث شاهدهم تلاميذ المسيح - عليه السلام - معاً ..!!
وبمراجعة الأصول العبرية للعهد القديم واليونانية للعهد الجديد ، نجد أنَّ لهذا الاسم صورتان فى الكتابة :
ففى الأسفار العبرية يكتب الاسم ( ????? ) وينطق إلياهو ( الكلمة رقم 452 ) وأحيانا يُكتب مختصرا بدون الواو ( ???? ) . وتفرق الترجمات الإنجليزية بين الصيغتين أو بين الشخصين فتقول ( Elijah أو Eliyah ) وتريد به النبىّ إيليا التشيبى . وتقول ( Eliah ) وتريد به نبىّ آخر الزمان المبشر به فى سفر ملاخى ( 4 : 5 ) .
وفى الأسفار اليونانية يوجد الاسم اليونانى ( ????? ) وينطق إيليا بعد حذف لاحقة النحو اليونانية ( ? ) من آخر الاسم ( الكلمة رقم 2243 ) ، وأحيانا يكتب هكذا ( ?????? ) . وهذا النبىّ هو المبشر به فى أقوال المسيح - عليه السلام - .(1/24)
وبالنظر بعين الفحص إلى الاسم المشفر إيليا نجده مُكَوَّناً من فقرتين ( إيلى ـ يا ) والكلمة الأولى معناها إلهى نسبة إلى إله السماوات والأرض المذكور فى التراث العربى القديم الآرامى إيل والذى كان يضاف إلى الأسماء مثل إسماعيل وإسرائيل وجبرائيل وإسرافيل . والكلمة الثانية يا هى الاسم المختصر للإله كما سيأتى بيانه فى بحث المِسِّيَّا من هذا الكتاب . فالمعنى العام هو إلهى يا أو إلهى هو أو إلهى الله أو الله إلهى . فإذا أعدنا النظر إلى ذلك الاسم إيليا فى أصله العبرى القديم إلياهو نجده مُكوَّنا من الفقرات ( إيلى ـ يا ـ هو ) بمعنى إلهى هُوَ يا أو إلهى هُوَ الله أو الله هُوَ إلهى .
مع ملاحظة أنَّ كلمة هُوَ ليست باسم علم للإله المعبود كما ذهب إلى ذلك علماء المسيحية ..!!
فإن استخدمنا حساب أبى جاد اليهودى سوف نجد أمرا عجبا . فمجموع أرقام الاسم العبرى إلياهو ( ????? ) يساوى ( 53 ) وهو الرقم الذى يعادل مجموع أرقام الاسم أحمد ( 53 ) فيا له من توافق عجيب وشفرة غريبة ..!!
فـ رسول الله هو الشيَّالوه حسب المعنى اللغوى مضافا إليه حساب أبى جاد الذى بَيَّنَ أنَّ الرقم الجمعى لهما واحد يساوى ( 362 ) ، و إلياهو ( إيليا ) هو أحمد حسب شهادة النصوص وباستخدام حساب أبى جاد الذى بَيَّنَ أيضا أن الرقم الجمعى لهما واحد يساوى وهو ( 53 ) . فهذا النبىّ المنتظر - صلى الله عليه وسلم - من ألقابه المشفرة الشيَّالوه بمعنى رسول الله ، ومن أسمائه المشفرة أيضا إيليا بمعنى أحمد - صلى الله عليه وسلم - .(1/25)
وإلى القارىء طريقة حساب أبى جاد : حيث يتم استبدال حروف الكلمة المراد فك شفرتها بما يعادلها من الأرقام المبينة فى الجدول الآتى بعد . مع ملاحظة أنَّ هناك حروفا اختلف فى أرقامها يهود المشرق ويهود المغرب . فذكرت الرقم المعترف به عند يهود المشرق أولا ثم عن يساره الرقم المعمول به عند يهود المغرب ، مع إعتبار أنَّ اللغة العبرية القديمة لا تحتوى على الستة أحرف الأخيرة ( ثخذ ضظع ) :
أ ... ب ... ج ... د ... هـ ... و ... ز
1 ... 2 ... 3 ... 4 ... 5 ... 6 ... 7
ح ... ط ... ى ... ك ... ل ... م ... ن
8 ... 9 ... 10 ... 20 ... 30 ... 40 ... 50
س ... ع ... ف ... ص ... ق ... ر ... ش
90-60 ... 70 ... 80 ... 800-90 ... 100 ... 200 ... 300
ت ... ث ... خ ... ذ ... ض ... ظ ... ع
400 ... 500 ... 600 ... 700 ... 900-800 ... 1000-900 ... 300-1000(1/26)
وإذ أخذ الله مِثاق النَّبيِّين لَمَا آتيتُكم مِن كتابٍ وحِكمةٍ
ثُمَّ جَاءَكم رسُولٌ مُصَدِّقٌ لمَا مَعَكم لتُؤمِنُنَّ بِهِ ولتَنصُرُنَّه
قال ءأقررتُم وأخذتُم عَلى ذَلكم إصْرى قالوا أقررنَا
قال فاشهَدُوا وأنَا مَعَكم مِنَ الشَاهِدِين
( 81 / آل عِمْران )
رسول المِيثاق الإلهى
=========
وردت النبوءة به فى سفر ملاخى آخر الأسفار اليهودية فى الكتاب المقدَّس المسيحى . وكلمة ملاخى فى العبرية التوراتية تكتب ملاكى ( ?????? ) بالكاف وليس بالخاء ، مع العلم بأنَّ الخاء لا توجد فى العبرية القديمة ذات الاثنين والعشرون حرفا . وملاكى معناها رسولى أو نَبِىِّ . ويعتبر سفر ملاكى هذا خطاب مُوَجَّه من إله بنى إسرائيل إلى " يهود القدس الذين كانوا يُقدِّمون على المذابح أحقر أنواع الأضاحى والقرابين من الغنم والماشية . العمياء منها والعرجاء والهزيلة ويهملون دفع الأعشار ، وإن اختاروا دفعها فهى من أسوأ الأصناف . ولم يكن الكهنة يكرسون وقتهم لأداء واجبهم لأنه يستحيل عليهم الأكل من شرائح لحم البقر وقطع الضأن المشوية المأخوذة من الأضاحى العجفاء كبيرة السن ، المشلولة القوائم . ولم تكن تكفيهم الأعشار الضئيلة على أية حال " (1) .
وهذا السفر يرجع تاريخ كتابته إلى زمن ما بعد الأسر البابلى فى حدود ( 480 ـ 460 ق . م ) . وقد كتِبَ بأسلوب عبرانى جيد ، إلاَّ أنَّ اللغة الآرامية كانت قد سيطرت على لسان اليهود العائدين من الأسر ، فكان القليل النادر من ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. من كتاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فى كتاب اليهود والنصارى ص 83 .(1/1)
رجال الدين يتكلمون العبرانية القديمة حينذاك ، وغالبية رجال الدين وجمهور العامة كانوا يتكلمون الآرامية التى تفشت فيهم إلى أن قضت تماما على اللسان العبرانى القديم . وتمت كتابة " الترجوم الفلسطينى " حينذاك وهو ترجمة آرامية للأسفار العبرانية فكان هو المعمول به حتى زمان بعثة المسيح - عليه السلام - وإلى ما بعد ظهور الإسلام .
وما يهمنا هنا فى بحثنا هذا هو كيفية فهم النصّ العبرانى الآرامى القديم المَعْنِىُّ بالدراسة . وذلك بالاستعانة بمفردات اللغة العربية حيث أنَّ أصول الإشتقاقات اللغوية واحدة ، ثم الإستعانة بالترجمات الإنجليزية ـ المتيسرة لدى ـ المختلفة للنصّ . مع التركيز على بيان الضمائر المستخدمة فى النصّ . وتلك نقطة هامة جدا غفل عنها معظم مفسرى المسيحية كما سنرى الدليل على ذلك .
وقبل البدء فى ذكر النصّ وشرحه ، أقَدِّمُ للقارىء خلاصة ما عليه علماء المسيحية ومترجميهم الذين قاموا بترجمة الأسفار اليهودية من أصولها العبرانية واليونانية إلى الترجمات الإنجليزية حيث فَرَّقوا بين معانى كثير من المصطلحات الدينية المتشابكة المعانى ، مثل الكلمات : الرب ، الإله ، السيد ، المعبود ، ...الخ . بطريقة جَيِّدَة كنت أوَدُّ أن أراها أو أرى مثلها فى الترجمات العربية .(1/2)
... فعندما يكون الكلام عن إله إسرائيل الخاص بهم ، يكتبون فى الترجمات الإنجليزية كلمة ( LORD ) بالحروف الكبيرة المتساوية فى الخط . وعندما يكون الكلام عن شخص ذو مكانة عالية يأتى التعبير الإنجليزى ( Lord ) وهو يعادل كلمة السيد والرب وما يشابهها من ألقاب . وعندما يكون الكلام عن ربّ المسيحيين أى يسوع المسيح فهم يكتبون الكلمة هكذا ( LORD ) لاحظ كِبَر حرف ( L ) عن باقى الحروف . وهناك كلمة ( GOD ) بالحروف الكبيرة التى تفيد معنى الرَّب الإله الحق وهناك كلمة ( god ) بالحروف الصغيرة بمعنى الرَّب أيضا ولكنه الإله الباطل الزائف ، وهذه الكلمة لها صيغة جمع ( gods ) بمعنى أرباب آلهة . وأكتفى بهذا القدر من التعريفات الهامة والضرورية لفهم النصوص . ثم أحيل القارىء إلى التفصيل لباقى المصطلحات فى كتابى عن كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " فى الكتاب المقدس .
... وأبدأ الآن بعون من الله تعالى فى ذكر فقرة سفر ملاكى ( 3 : 1 ) كما وردت فى النسخة الإنجليزية القياسية المنقحة ( RSV ) لنتعرَّف على المسميات الواردة فى النصّ قبل ايراد الترجمات العربية حتى لا يحدث التشويش على النصّ ومعانى مفرداته . يقول النصّ :
“ Behold , I send my messenger to prepare the way before me , and the Lord whome you seek will suddenly come to his temple . the messenger of the covenant in home you delight behold , he is coming , sayes the LORD of hosts “ .
وترجمة هذا النصّ إلى العربية هو : " هاأنذا أبعث برسولى ، ليمهد السبيل أمامى ، وسوف يأتى فجأة إلى معبده السيد الذى تلتمسون مجيئه . رسول الميثاق الذى ترغبون ، هو ذا يأتى . هكذا قال رب الجموع " .(1/3)
يعتبر هذا النصّ من أشهر النبوءات المِسِّيَّانية عن مجيىء المُخلص المنتظر عند جميع الكنائس المسيحية بلا خلاف . وقد فهموا النصّ أو أفهموه لعامتهم بطريقة خاطئة بعد تحريف معانى أصول الكلمات المشار إليها بالخط الأسود الثقيل . فكلمة ( messenger ) الإنجليزية تعنى رسول بالعربية . والمعنى مأخوذ من الأصل العبرانى القديم ملاك ( ????? ) وتنطق مَلاك و مُلاك . وللهِ رسلا من الملائكة ومن البشر . والرسول هنا فى النصّ رسول بشرى أى إنسان سوف يُرْسِلهُ الله إلى الناس ليمهد السبيل ـ الطريق ـ لعبادة الله الحقة ، وهو سبيل الله أى الصراط المستقيم .
وقد وردت هذه الكلمة رسول ( ????? ) مرة ثانية فى النصّ وهى مُقترنة بكلمة ميثاق ( ???? ) التى تنطق فى العبرية القديمة بريت . وكلمة ميثاق يترجمونها فى العربية إلى عهد مع وجود فارق لغوى كبير فى المعنى بين الكلمتين ميثاق وعهد . وهذا التكرار لكلمة رسول ( messenger ) يشاهده القارىء العادى فى الترجمة الإنجليزية القياسية . أقول ذلك لأنَّ هناك من غابت عنهم الأمانة العلمية ولم يكتبوا الكلمتان فى النصّ العربى كما هو فى الأصل . فترجم بعضهم كلمة ملاكى الأولى إلى رسول ولم يترجمها فى الموضع الثانى وكتبها ملاكى على أصلها تمويها وتضليلا للقرَّاء ..!!
ثمَّ نأتى إلى الكلمة الثانية( Lord ) إنها تعنى تماما كلمة السيد العربية أو الشريف أو الأمير أو رب الأسرة . شخص بشرى ذو مكانة محترمة وشخصية مرموقة . وأصل هذه الكلمة فى العبرية أدون ( ???? ) وتارة تكتب مختصرة أدن ( ??? ) وهى بمعنى السيد .
أمَّا عن الكلمة الأخيرة ( LORD ) فهى تشير إلى إله اليهود الخاص بهم والذى يرمزون إليه بالحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ???? ) وهذه الحروف الأربعة لا تشكل كلمة واحدة تنطق كما سبق بيان ذلك ، ولذا يقول اليهود عند وقوع نظرهم عليها أدوناى أى سيدى وحديثا يقولون ( هـ شِمّ ) أى الاسم .(1/4)
فمعنا الآن ثلاث كلمات هامة فى النصّ من التزم بها فهم النصّ ومن حاد عنها فقد حرَّفَ فى النصّ عن عمد . وهذه الكلمات هى :
رسول ( ????? ) وقد تكررت فى النصّ مرتين .
والسيد ( ???? ) .
ثم الأربعة أحرف ( ى هـ و هـ ???? ) الدالة على إله اليهود الخاص . وهناك أيضا ملاحظة هامة على النصّ وهى التركيز على الضمائر المستخدمة فى النصّ ، فالخطاب موجه مِن الإله إلى عباده من يهود القدس بمعنى أنَّ المُخَاطبين بهذا النصّ جمع من البشر وليس فرد مُعَيَّن . أذكر ذلك لأنَّ الترجمات العربية قد حَوَّلت الخطاب إلى فرد مُعَيَّن بدلا من جموع اليهود .
وإلى القارىء النصّ من خلال الترجمات العربية الأربع المعاصرة :
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
هأنذا أرسل ملاكى فيهىء الطريق أمامى . ويأتى بغتة إلى هيكله السيد الذى تطلبونه وملاك العهد الذى تسِرُّون به . هُوَ ذا يأتى قال رب الجنود . ... ها أنا أرسل رسولى فيمهد الطريق أمامى ويأتى الرب الذى تطلبونه فجأة إلى هيكله ويُقبِلُ أيضا ملاك العهد الذى تُسرُّون به . يقول الرب القدير .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
وقال الرب القدير : ها أنا أرسل رسولى فيهىء الطريق أمامى ، وسرعان ما يأتى إلى هيكله الرب الذى تطلبونه ورسول العهد الذى به تُسِرُّن . ها هو آت . ... هاءنذا مُرسل رسولى فيُعِدُّ الطريق أمامى . ويأتى فجأة إلى هيكله السيد الذى تلتمسونه . وملاك العهد الذى ترتضون به . ها إنه آت قال رب القوات .
لعل القارىء قد أدرك سبب نقلى للنصّ أولا من النسخة القياسية . والكلام عن الكلمات الثلاثة فى الأصول العبرية . فكما هو واضح من الجدول السابق نجد عدم الدقة فى نقل معانى الكلمات إلى العربية . فالملاك فى العربية يعنى مَلَك مِن الملائكة . والسيد غير الرَّب فى المفهوم الدينى .(1/5)
فمَن الذى سيأتى فجأة أو بغتة ( ???? ) إلى معبد الرب وهيكله . أهو السيد أم الرب ..!؟ فهناك نسختان قالتا الرب ونسختان قالتا السيد ..!!
وهل هناك رسولان أم ملاكان أم رسول وملاك ..!!؟ فنسخة قالت ملاكان . ونسخة قالت رسولان . ونسختان قالتا رسول وملاك ..!!
ومن هو قائل ذلك النصّ ، أهو إله اليهود الخاص ( ى هـ و هـ ???? ) أم رب القوات أم رب الجنود أم الرب القدير ..!؟
قارئى العزيز : رغم قِصَر كلمات النصّ إلا أنَّ الترجمات العربية اختلفت مع بعضها ولم تتفق نسختان فى ترجمة النصّ إلى العربية . هل تعلم لماذا ..؟ إنهم يترجمون ما فى رؤوسهم وليس ما هو ماثل أمام عيونهم . فهم يوظفون النصّ على يوحنا المعمدان والمسيح عليهما السلام . فقالوا رسول ورب . ثم قالوا ملاك حتى لا يكون هناك رسولا واحداً أو رسولين ..!!
إنهم يُوحُون بقوة التضليل والترجمة المُضللة إلى القُرَّاء بأنَّ هناك شخصين لا شخص واحد ، فقالوا عن الكلمة الواحدة رسول فى موضع وقالوا عنها فى الموضع الثانى ملاك ..!!
فهل يحق لنا أن نتفهم النصّ حسب أصله ووفق نصّ ترجمة النسخة القياسية المنقحة الإنجليزية ..!؟ سوف أحاول والله وحده نِعْمَ المُعِين ونِعْمَ المُرشد .
لفهم النصّ جيدا نستطيع أن نكتبه على ثلاث فقرات مُستقلة فى معناها ثم نحاول أن نفهم فقرة تلو أخرى هكذا :(1/6)
أولا : " ها أنذا أبعث برسولى ، ليمهد السبيل أمامى " . نبوءة بإرسال رسول من الله ، رسول يُمَهِّد الطريق أو السبيل إلى الله . وهذا الرسول لم يكن قد بعثه الله تعالى فى الفترة السابقة لبعثة المسيح - عليه السلام - بدليل استشهاد كتبة الأناجيل بذلك النصّ ومحاولتهم تطبيقه على يوحنا المعمدان والمسيح - عليه السلام - . وسوف يأتى الكلام على ذلك التفسير الإنجيلى بعد حين . فيحيى بن زكريا والمسيح عليهما السلام كانا متزامنين فى التوقيت . وقد قام المعمدان بتعميد المسيح فى مياه نهر الأردن . وكلاهما كانا يمهدان السبيل إلى الله . فنادى كل منهما بالتوبة والرجوع إلى الله والاستعداد لقدوم ملكوت الله .
ولم يُمَهِّد المعمدان الطريق أمام المسيح وإنما مَهَّد الطريق لبنى إسرائيل إلى الله . فأنذر وبشَّر ونادى بالتوبة " فقد وُضِعت الفأس على الشجرة لقطعها " وفعل المسيح - عليه السلام - بالمثل . فأنذر وبشَّر ونادى بالتوبة والإيمان بالإنجيل الذى معه حيث قال " اقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " .
فكلمة الرسول هنا تنطبق على أحد الإثنين : إمَّا على يحيى بن زكريا - عليه السلام - وإمَّا على المسيح ابن مريم - عليه السلام - . وهنا نجد أننا أمام اختيار سهل أمام الذين يعرفون الفرق بين النبوَّة والرسالة ، أو الفرق بين النَبِىّ والرسُول . فكل رسول نبىّ والعكس غير صحيح . فمن شروط الرسول أن يكون معه كتاب من الله يدعو إلى الإيمان به مثل موسى - عليه السلام - مثلا . وهذا الأمر لم يتوفر ليحيى بن زكريا - عليه السلام - وإنما توفر للمسيح - عليه السلام - حيث نادى بين قومه من بنى إسرائيل بالتوبة والإيمان بالإنجيل كما هو مذكور فى إنجيل مرقس ( 1 : 14 ) . فرسول الله هنا الذى مَهَّد الطريق إلى الله هو المسيح - عليه السلام - .(1/7)
ثانيا : وسوف يأتى فجأة إلى معبده السيد الذى تلتمسون مجيئه ، رسول الميثاق الذى ترغبون . وهنا نجد أنَّ الكلام يدور حول السيد ، رسول الميثاق الذى كانوا يريدون ظهوره .
إنه شخص واحد ، صفته أنه سيد ورسول الميثاق . وعلامة مجيئه إلى بيت المقدس ـ الذى هو معبد يهود بنى إسرائيل ـ أن يأتى بغتة ( ???? ) سريعا فى لحظة من الزمان . والكلمة العبرية المعبرة عن ذلك نجدها قد وردت أيضا فى سفر يشوع ( 10 : 9 ) للدلالة على المفاجأة وقصر الزمن المقطوع للوصول .
والمسيح - عليه السلام - لم يأت إلى بيت المقدس على تلك الصفة أبدا ، وإنما جاء إليه راكبا على حِمَارة وجحش فى آن واحد كما قال متى فى إنجيله ( 21 : 7 ) .
ولكن سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - أتى فجأة إلى بيت المقدس فى لا زمن ، راكبا البراق فى رحلة الإسراء الشهيرة . وشتان ما بين راكب البراق ذى الأجنحة الذى يضع حافره حيث انتهى بصره ، وبين راكب الجحش والأتان ..!!
ومن صفات سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - أنه يُدعى برسول الميثاق حيث أخذ الله تعالى الميثاق من النبيين فى شأنه فقال تعالى فى ( 81 / آل عِمْران ) : { وإذ أخذ الله مِثاق النَّبيِّين لَمَا آتيتُكم مِن كتابٍ وحِكمةٍ ثُمَّ جَاءَكم رسُولٌ مُصَدِّقٌ لمَا مَعَكم لتُؤمِنُنَّ بِهِ ولتَنصُرُنَّه . قال ءأقررتُم وأخذتم عَلى ذَلكم إصْرى ، قالوا أقررنَا . قال فاشهَدُوا وأنَا مَعَكم مِنَ الشَاهِدِين } .
ولا يُعرف أنَّ المسيح - عليه السلام - قد وصفه تلاميذه بأنه رسول الميثاق فى أى موضع من الأناجيل ، حتى ينصرف الفكر إليه وانطباق تلك الصفة عليه .
... ... ثالثا : هو ذا يأتى ، هكذا قال رب الجموع . وهذا تقرير بصحة النبوءة الإلهية بأنَّ هذا السيد رسول الميثاق سيأتى إلى بيت المقدس فجأة فى لا زمن يذكر . وذلك هو التوقيع الإلهى من ( ى هـ و هـ ???? ) إله بنى إسرائيل .(1/8)
وصدق الله العظيم القائل فى كتابه الكريم ( 1 / الإسراء ) : { سبحان الذى أسرى بعبده ليلا ، مِن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا . إنه هو السميع البصير } .
... لقد جاء رسول الميثاق وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - ولا فخر كما قال . وقام بإقصاء الأحبار والرهبان والكهنة عن طريق الله بعد أن تمكنوا من أن يكونوا حواجز صلبة بين الله وبين الناس . لقد جاء رسول الميثاق وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - وأطاح بعبادة الأوثان والأصنام وأعلن عن عبادة الإله الواحد القهَّار . لقد جاء - صلى الله عليه وسلم - إلى العالمين وليس إلى فئة قليلة وأمَّة ذليلة تدعى بنى إسرائيل .
... إنه سيدنا وسيد ولد آدم ولا فخر . النبىّ الأمِّىّ الذى كشف الطريق عن الصراط المستقيم أمام الثقلين . إنه النبىّ العربىّ الذى أمره رب العزَّة تبارك وتعالى فى قرآنه بأن يقول { قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى . وسبحان الله وما أنا من المشركين } ( 108 / يوسف ) .
نص النبوءة فى الأناجيل اليونانية
لقد أخذ كتبة الأناجيل اليونانية نصّ سفر ملاكى السابق شرحه ووظفوه لصالح المسيح - عليه السلام - . وكان من لوازم ذلك التوظيف تغيير بعض الكلمات وفحوى الخطاب بالتلاعب بالضمائر الموجودة فى النصّ . كما تم حذف الفقرة التى تتكلم عن اتيان السيد فجأة إلى بيت المقدس .
وحتى لا يتحامل القارىء المسيحى عَلىَّ فإنى سأذكر النصّ العربى المترجم عن الأناجيل اليونانية أولا ، ثم أتكلم قليلا عن الملاحظات الموجودة به تاركا للقارىء العزيز أن يقول قولته فى مدى صدق وأمانة الكتبة .
أولا : إنجيل مرقس اليونانى
( 1 : 2 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988(1/9)
كما هو مكتوب فى الأنبياء : ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيىء طريقك قدامك . ... كما كتب فى كتاب أشعياء لك ها أنا أرسل قدامك رسولى الذى يُعِد لك الطريق .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
بدأت كما كتب النبىّ أشعياء : ها أنا أرسل رسولى قدامك ليهيىء طريقك . ... كتب فى سفر النبى أشعياء : ها ءنذا أرسل رسولى قدامك ليعد طريقك .
يلاحظ من الجدول أنَّ كاتب الإنجيل أو مترجمه إلى اليونانية لا يعرف مكان النصّ فى الكتاب المقدس ، كما ورد ذلك فى بعض الأصول اليونانية للإنجيل والتى اعتمد عليها مترجمو الثلاث نسخ العربية التى قالت بأنَّ النصّ موجود فى سفر النبىّ أشعياء ( ?? ????? ?? ??????? ) ، بينما التزم مترجم نسخة فانديك بأصل يونانى آخر فقال بوجود النصّ فى سفر الأنبياء ( ?? ???? ????????? ) ..!!
الملاحظة الثانية هى تحَوُّل الخطاب إلى شخص مُعَيَّن بدلا من توَجُّهِهِ إلى يهود بنى إسرائيل . ومِن ثّمَّ فقد حُذِفت كلمة رسولى العبرية ( ????? ) واستبدلت بكلمة يونانية لا تؤدى معنى الرسول بالمفهوم العبرى أو العربى . وهى كلمة إنجليون ( ??????? ) التى تعنى مَلك من الملائكة فى المفهوم اليونانى .
فالمفهوم العام للنصّ المرقسى اليونانى أنه كما هو مكتوب فى سفر أشعياء فإنَّ الآب سوف يرسل ملاكا أمام وجه يسوع ليمهد له الطريق ..!!
وأصبح ذلك الملاك فى عُرْف المسيحيين هو يوحنا المعمدان الذى سيمَهِّد الطريق أمام وجه يسوع ..!!
وكل ذلك كذب لا أصل له فى أصل نبوءة سفر ملاكى . إضافة إلى حذف الفقرة الكاملة التى تكلمت عن السيد رسول الميثاق وإتيانه لبيت المقدس بغتة فى لا زمن .(1/10)
... هذا مع العلم بأنَّ نصوص الأناجيل اليونانية تنفى الزعم القائل بأنَّ هذا الملاك القادم أمام وجه يسوع هو يوحنا المعمدان . فلم يُمَهِّد المعمدان الطريق أمام يسوع (1) ولم يأت بجديد فى الشريعة . ومات المعمدان دون أن يتبع يسوع أو يؤمن به حسب رواية الأناجيل . فكيف يمهِّد له الطريق ..!!؟
... فعندما سُجِنَ يوحنا بعد اعتراضه على زواج هيرودس من زوجة أخيه . أرسل يوحنا إلى المسيح - عليه السلام - من سجنه يسأله " هل أنت الرسول الموعود الذى سيأتى ، أم علينا أن ننتظر سواك ..!؟ " ( متى 11 : 3 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع التفصيل فى كتابى يَحْيَى أمْ يوحَنَّا ..!!؟
فالرسول الموعود لم يأت بعد ولم يتعرَّف عليه يوحنا فى شخص المسيح ، ولكن هناك أناس لا يتفكرون ولا يأبهون لمثل هذه التراهات فى نظرهم . فالرسول هو يوحنا رغم أنف الأناجيل ورغم أنف سفر ملاكى . وملاك العهد عندهم هو يهوه سبؤث الذى هو يسوع عندهم . ولا يهم معرفة مَن القائل ومن المقول له أو مَن المُخاطِب ومَن المُخاطَب ..!!
ربما يكون الحال فى إنجيل متى أدق وأصدق فى نقله لنصّ نبوءة سفر ملاكى . فلنقرأ سويا ماذا قال كاتب إنجيل متَّى ..!؟
ثانيا : نصّ إنجيل متى اليونانى
( 11 : 10 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
فإنَّ هذا هو الذى كتب عنه " ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيىء طريقك قدامك " . ... فهذا هو الذى كتب عنه " ها إنى مرسل قدامك رسولى الذى يمهد لك طريقك " .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
فهو الذى يقول فيه الكتاب : أنا أرسل رسولى قدامك ليهيىء الطريق أمامك . ... فهذا الذى كتب فى شأنه : ها ءنذا أرسل رسولى قدامك ليعد الطريق أمامك .(1/11)
يُقرر لنا كاتب الإنجيل أنَّ يسوع هو الذى جاءت هذه النبوءة فى شأنه . وباقى النصّ بنفس معنى نصّ مرقس السابق . إلا أنَّ الجميع لا يعرفون شيئا عن ذلك الملاك ( ??????? ) الذى جاء أمام وجه يسوع ليمهد له الطريق ..!!
وكما تم حذف الفقرة التى تتكلم عن السيد رسول الميثاق - صلى الله عليه وسلم - من إنجيل مرقس تم حذفها هنا أيضا لعدم انطباقها على المسيح - عليه السلام - .
ولا يفوتنى هنا أن أذَكر القارىء بأنَّ أول حضور للمسيح - عليه السلام - إلى بيت المقدس كان وهو محمول على صدر أمّه مريم عليها السلام . وثانى مرة جاء إلى بيت المقدس فى موسم الحج وهو صَبىّ فى رفقة أمه مريم ويوسف النجار كما تقول الأناجيل . وثالث مرة أثناء بعثته . فلم يرد عنه - عليه السلام - أنه جاء إلى بيت المقدس بغتة فى لا زمن . كما ثبت عن السيد رسول الميثاق - صلى الله عليه وسلم - فى رحلة الإسراء من بيت الله الحرام بمكة المكرمة إلى بيت المقدس فى لا زمن .
وأصبحت نبوءة سفر ملاكى بعد ذلك التحوير والتحريف ، من أشهر النبوءات على ظهور المسيح - عليه السلام - ، يحفظها القسس والرهبان وعامة الناس من المسيحيين دون أن يتحقق أحدهم من صدق محتواها المذكور فى الأناجيل . فلا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم .(1/12)
وإذ قال عيسىَ ابنُ مَرْيمَ يا بَنى إسرائيل إنى رَسُولُ اللهِ إليكم
مُصَدِّقا لِمَا بَين يَدَىَّ مِن التوراة
ومُبَشِّرا برَسُولٍ يأتى مِن بعدى اسْمُهُ أحْمَدُ
( 5 / سورة الصَّف )
البارقليط
=======
مِن أصعب الأمور التى تحيِّرُ الباحث عن الحق المجرد ، هو الوقوف أمام مُصطلح لغوى لا أصل له فى اللغة المنسوب إليها . فالمصطلح بارقليط المشهور والذى يُنطق فى اليونانية باركليت ( ???????? ) . لا وجود له فى الحقيقة بين مفردات اللغة اليونانية . وإن حاول الكثيرون أن يوجدوا له نسبا شرعيا منسوبا إلى اليونانية . فأوجدوا له عدة كلمات يونانية قريبة فى الشكل والمنطوق منه وقالوا بأنه منها ولكن الحق غير ذلك كما سنرى .
ربما يتعارض رأيى هذا مع آراء العلماء الذين كتبوا عن هذا المصطلح فى الشرق والغرب ، سواء كانوا مسلمين أومسيحيين . كما يتصادم قولى هذا مع الموروث الدينى اليونانى المسيحى . ولكن العبرة بالبرهان وإقامة الدليل لا بكثرة القيل والقال بغير دليل أو برهان . ألم أقل فى إفتتاحية كتابى أنَّ منهجى هو العودة إلى الأصل بفكر العصر ..!؟
فإن كان هناك كلاما منسوبا إلى المسيح - عليه السلام - فلا بد مِن إرجاع ذلك الكلام إلى اللغة التى تكلم بها المسيح . وتلك بديهية لا يختلف فى قبولها اثنان . ولغة المسيح - عليه السلام - ثرية فى ألفاظها وكلماتها ومعانيها لا تحتاج إلى استعارة كلمات من لغة أجنبية وخاصة إن كانت هذه الكلمات فى مجال الدين والتدين أى من صُلب وترائب لسانها وعقلها ..!!(1/1)
فمِنَ المعلوم المشهور الآن أنَّ اللغة الأم التى كانت سائدة فى فلسطين إبَّان فترة بعثة المسيح - عليه السلام - هى اللغة الآرامية ذات اللسان العربى القديم . بها نطق المسيح - عليه السلام - وهو فى مَهْدِهِ ، وعليها درج فى صِبَاه ، وبها تكلم أحلى وأجمل الكلام فى سنين رجولته وفى أثناء بعثته . ولم يَعْوَجَّ لسانه باليونانية ولم يَتكدَّر عقله وفكره بالفلسفة اليونانية وهرطقاتها . فكان - عليه السلام - يتكلم بلسان آرامى عربى من المنبع الصافى أى من نبع النبوَّة والوَحْى الإلهى . وليس من مستنقع ثيوس وكيريوس ..!!
فالمصطلح بارقليط وصورته اليونانية باركليت ( ???????? ) لا يوجد إلا فى كتابات يوحنَّا المنسوب إليه الإنجيل الرابع ورسالتين معروفتين باسمه . ولم يتعرَّف على ذلك المصطلح أحد من كتبة باقى الأناجيل اليونانية وسائر كتبة أسفار العهد الجديد سواء المعروف منها أو المكتشفة حديثا فى نجع حمَّادى وغيرها . ومن هنا كانت حيرة العلماء لِمّا لهذا المصطلح من معنى هام فى قوانين الإيمان المسيحية . فهو عندهم يُمثل الإقنوم الثالث من الثالوث المقدَّس عندهم ..!!
فلِمَ لمْ يذكره بولس فى رسائله ..!؟
ولِمَ لمْ يذكره أصحاب الأناجيل الثلاثة وباقى كتبة رسائل العهد الجديد وهم جميعا أسبق فى التدوين من يوحنا ..!!؟
لأنهم جميعا لم يأخذوا علمهم عن الذين شاهدوا المسيح - عليه السلام - وتكلموا لغته الآرامية الفلسطينية .
ولا معنى حينئذ لمن يقول بأنَّ هذا المصطلح من كلمات اللغة اليونانية القديمة التى اندثرت ..!!؟
هذا وقد ورد ذلك المصطلح اليوحنَّاوى خمس مرات فقط فى كل كتب العهد الجديد . وها هى أماكنها : إنجيل يوحنا ( 14 : 16 ، 26 ؛ 15 : 26 ؛ 16 : 7 ) ورسالة يوحنا الأولى ( 2 : 1 ) .(1/2)
يقول الراهب الصيدلى متَّى المسكين عن ذلك المصطلح " أمَّا لفظ الباراكليت فيأتى كـ إسم عَلَم شخص مُذكَّر . لذلك يعتبر إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذى أعطى للروح القدس ـ لغويا من جهة النحو ـ صفته الشخصية إذ نقله من دائرة المُجرَّدات كقوة إلى ذات مُشخَّصَة . وبهذا يكون إنجيل يوحنا قد مهَّد بهذا اللقب لمفهوم الثالوث المقدس " (1) .
قلت : ورغم عدم صِحَّة كل ما قاله المسكين مِن قراءة وكتابة المصطلح بطريقة خاطئة ، إلا أنَّ جميع المسيحيين لا يوافقونه على قوله بأنَّ يوحنا هو الذى قد مهَّد بهذا اللقب لمفهوم الثالوث المقدس . فهذا الكلام معناه أنهم قد فهموا الآن كنه الثالوث وهذا لم يحدث ، وأنَّ تلاميذ المسيح وكتبة باقى الأناجيل مُضافا إليهم بولس لم يفهموا ذلك الثالوث ولم يعرفوا عنه شيئا ولذا لم يكتبوا كلمة البارقليط ولم يشيروا إليها فى كتاباتهم ..!!؟
وقال المسكين أيضا " ولكن بحسب الأبحاث اللغوية فإنَّ العلماء لم يستقروا على ترجمة لهذا الاسم الباراكليت ، وقد اتفقوا جميعا على ترك الاسم كما هو بألفاظه المنقولة عن اللفظ اليونانى الباراكليت " (1) .
... قلت جمال : وهذا كلام فيه حق وباطل ، فالحق فيه أنَّ العلماء لم يستقروا على ترجمة لهذا الإسم الباراكليت لأنَّ الأسماء لا تترجم كما هو معروف مشهور . والباطل قوله : وقد اتفقوا جميعا على ترك الاسم كما هو بألفاظه المنقولة عن اللفظ اليونانى الباراكليت . فهذا إدعاء وزعم يكذبه الواقع فجميع ترجمات إنجيل يوحنا فى سائر اللغات قد تم حذف ذلك الاسم منها وكتبت بدلا منه كلمات أخرى . ففى النسخ العربية حديثة الطبع نجد فيها بدلا من الاسم بارقليط الكلمات ( المعزى والمعين والمؤيد والشفيع و ... إلى غير ذلك من ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. المدخل لشرح إنجيل يوحنا ص 247 .(1/3)
كلمات تدل على جهلهم بأصل ذلك الاسم ومعناه ) . ومثله نجده فى الترجمات الإنجليزية فقالوا : ( ... Counsellor , Advocate , Intercessor , Helper , Comforter , ) . وكل تلك المحاولات نشأت عن عدم فهم المعنى السامى الأصلى للمصطلح وجنوح عن لغة المسيح - عليه السلام - . ألم يقولوا ويعترفوا بأنه اسم عَلم مُذكر ، فلماذا يريدون أن يترجموه رغم أنَّ أسماء الأعلام لا تترجم بين اللغات وإنما تنقل كما هى تصويتا وتكتب بأى شكل من أشكال حروف اللغات المختلفة .
... وقد قام الكثير من الباحثين اللغويين المسيحيين بالبحث عن أصل لغوى يونانى لذلك المصطلح اليوحناوى بين مفردات اللغة اليونانية القديمة والحديثة . أصل يونانى يؤدى لهم المعنى العَقدِى الذى يريدونه ..!!
وسوف نطوف تطوافة سريعة حول النصوص التى ورد فيها ذلك المصطلح ونشاهد ترجمات القوم العربية والإنجليزية له مع بيان الأصل اليونانى المزعوم للمصطلح اليوحناوى . وهذا الأمر هام لكل من يريد المعرفة وتوثيق الأمور ، وأنا شخصيا أعتبره مقدمة ضرورية قبل التأصيل اللغوى لهذا المصطلح إلى لغته الأم .
البارقليط فى اليونانية
...
هناك موضعان متباينان جدا ورد فيهما المصطلح اليوحناوى بارقليط . أبدأ هنا بالموضع الأول كما ورد فى رسالة يوحنا الأولى ( 2 : 1 ) والذى يكاد أن تكون الترجمات شبه متفقة عليه ، ثم أثنى بعد ذلك بالموضع الثانى فى إنجيل يوحنا ( 14 : 16 ، 26 ؛ 15 : 26 ؛ 16 : 7 ) والذى اختلفوا فيه كثيرا عند ترجماتهم لذلك المصطلح .
أولا : البارقليط فى رسالة يوحنا الأولى ( 2 : 1 ) ..
اتفقت الترجمات العربية المعاصرة على ترجمة المصطلح بارقليط فى ذلك الموضع إلى كلمة شفيع كما هو واضح من الجدول الآتى :
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988(1/4)
يا أولادى أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا . وإن أخطأ أحَدٌ فلنا شفيع ( ?????????? ) عند الآب يسوع المسيح البار . ... يا أولادى الصغار أكتب إليكم هذه الأمور لكى لا تخطئوا . ولكن إن أخطأ أحدكم فلنا عند الآب شفيع ( ?????????? ) هو يسوع المسيح البار .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
يا أبنائى أكتب إليكم بهذه الأمور لئلا تخطأوا . وإن خَطِىء أحد منا فلنا يسوع المسيح البار شفيع ( ?????????? ) عند الآب . ... يا بنىّ أكتب إليكم بهذا لئلا تخطأوا . وإن خَطِىء أحد فهناك شفيع ( ?????????? ) لنا عند الآب وهو يسوع المسيح البار .
نلاحظ من الجدول السابق أنَّ الترجمات العربية اتفقت على ترجمة كلمة بارقليط إلى شفيع ( وموقعها فى الجملة اليونانية هنا فى وضع المفعول به وتنطق بارقليطون مع ملاحظة أنَّ الحرفين الآخرين ( ?? ) هما علامة الإعراب اليونانية هنا وليسا من أصل الكلمة وأنَّ حرفى القاف والطاء قد تحولا إلى الكاف والتاء ) .
والشفاعة والشفيع فى اللغة اليونانية تكون غالبا داخل قاعات المحاكم وصالات الحكم ، فالشفيع هنا هو الذى يتوسط لشخص عند آخر ، مثل عمل المحامى القانونى الذى يدافع عن موكله فى ساحة القضاء . ومن هنا ذهب علماء المسيحية إلى القول بأنَّ أصل المصطلح بارقليط هو الكلمة اليونانية التى تنطق باراكاليو ( ????????? ) . وهذه الكلمة باراكاليو معناها يستغيث بـ أو يستنجد بـ . وأنَّ الاسم المشتق منها هو براكليسس ( ????????? ) .
والشفاعة المقصودة هنا فى رسالة يوحنا معناها الوساطة التى يقوم بها المسيح - عليه السلام - بين أتباعه وبين الآب الأقنوم الأول عندهم .
والكلمة اليونانية المُعَبِّرة عن تلك الوساطة هى ( ????????? ) وكما يلاحظ القارىء أنها كلمة أخرى تختلف عن الكلمة التى استخدمها يوحنا وهى بارقليط ( ?????????? ) .(1/5)
وهناك كلمات أخرى تؤدى معنى كل من الشفاعة والوساطة والمُحَاماه أعرضت عن ذكرها خشية الاطالة وتصعيب الأمر على القارىء . المهم أنَّ كل تلك الكلمات اليونانية تختلف فى رسم حروفها وطريقة نطقها عن الكلمة التى استخدمها يوحنا . مما يدل على أنَّ المصطلح اليوحناوى ليس يونانيا فى أصل لغته .
... كما أنَّ هذه الشفاعة والوساطة التى يقوم بها المسيح - عليه السلام - ليست شفاعة قضائية تتم فى قاعات المحاكم ، وإنما هى شفاعة ووساطة مكانها ليس على ظاهر الكرة الأرضية ، وإنما هى فى السماء بين الملأ الأعلى .
... وإذا ذهبنا إلى التراجم الإنجليزية ، الأقرب إلى اليونانية من العربية نجد أنَّ المصطلح اليوحناوى قد تمت ترجمته فى ذلك الموضع إلى عدة كلمات إنجليزية ولم يتفقوا على كلمة واحدة أو كلمتين كما اتفقت الترجمات العربية . وأنهم لم يحاولوا أن يكتبوه كما هو فى أصله رغم أنهم يعلمون أنه اسم عَلم مُذكر ..!!
فقالوا ( Advocate ) وذلك فى النسخ ( KJV , PME , RSV , JB , NASB ) بمعنى محام يدافع عنهم أمام الآب .
وقالوا ( Someone to plead for you ) أى أنَّ هناك من يدافع أو يترافع عنهم أمام الآب ، وقد وردت هذه الترجمة فى نسخة ( LB ) وقريبا منها فى نسخة ( NEB ) . وقالوا ( One who speaks to the Father ) أى الذى يكلم الآب وذلك فى نسخة ( NIV ) .
... وجميع الكلمات الإنجليزية التى أتوا بها هنا أوجدوا لها أصولا لغوية يونانية عدة . وأقرب جذر لغوى اعتمدوه هو كلمة باراكاليو ( ????????? ) فمن ذهب يبحث عن معنى كلمة بارقليط فى القواميس اليونانية فقد أضاع وقته وحاد عن الحق ولم يظفر بشىء . فلا وجود لها فى القواميس اليونانية . كما أنَّه لم يثبت بطريق صحيح أو ضعيف أنَّ المسيح - عليه السلام - قد تكلم اليونانية .(1/6)
... وخلاصة القول أنه لا مانع لغويا ودينيا يحول بين انطباق معنى كلمة الشفيع على المسيح - عليه السلام - ، فكل الأنبياء والرسل شفعاء لأممهم أمام الله تعالى . بل تمتد الشفاعة لتشمل صالح المؤمنين بالله إبَّان فترة حياتهم الأرضية . ولكن كلمة بارقليط لا يوجد دليل له برهان لغوى يثبت أنَّ معناها الشفيع .
ولننظر الآن مرة ثانية إلى نصّ يوحنا السابق : " يا أولادى أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا . وإن أخطأ أحَدٌ فلنا بارقليط عند الآب يسوع المسيح البار " فإن حذفنا كلمة بارقليط وأتينا بكلمات بديلة تفيد معنى الوساطة بين الناس والآب فلن يتغير معنى العبارة كثيرا . فالشفيع والمحامى والمعزى والمعين والمؤيد وما إلى ذلك من كلمات قالوا بها ، كلها تؤدى المعنى المراد ولكن بعيدا عن مجال الدين والتدين . فإن وضعنا كلمة نَبِىّ أو رسول فالمعنى العام لن يتغير أيضا إلا أنه سيأخذ عمقا دينيا رأسيا . فكل الأنبياء والرسل شفعاء لأممهم . والأنبياء والرسل جميعا ما هم إلا واسطة بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه من الناس ، فمعنى الوساطة موجود فى أصل هاتين الكلمتين . فلنحفظ ذلك المعنى جيدا لحين التعرض لتأصيل المصطلح اليوحناوى بارقليط إلى لغته الأم .
... كما يلاحظ أيضا أنَّ الكلمات اليونانية التى تفيد معنى الوساطة والدفاع والمحاماة كلها ألفاظ قضائية يأخذ عليها أصحابها أجرا مقابل قيامهم بأعمال الوساطة والدفاع عن موكليهم أمام القضاء . فى حين أنَّ عمل الشفيع بالمفهوم العربى الدينى لا يتقاضى عليه صاحبه أجرا ممن يشفع فيهم ، وعلى قمة الشفعاء عند الله عن الناس هم الأنبياء والمرسلون وهم لا يتقاضون أجرا على شفاعتهم من أممهم بل أجرهم على الله تعالى . وهذا المعنى غير وارد فى القواميس اليونانية ولا يخطر لهم على البال ..!!(1/7)
... هذا وقد أثبت القرآن الكريم الشفاعة والوساطة للمسيح - عليه السلام - حين قال لربه عزّ وجلّ بشأن أمَّته وما أحدثوه من بعده { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ( 118 / المائدة ) .
ثانيا : البارقليط فى إنجيل يوحنا .
رغم أنَّ علماء المسيحية قد اتفقوا على أنَّ الكلمة بارقليط ( ???????? ) مُشتقة مِن الفعل اليونانى باراكاليو ( ????????? ) الذى يفيد معنى الوساطة بين طرفين فى ساحة القضاء وأنَّ اسم الفاعل المشتق منه هو براكليسس ( ?????????? ) أى الوسيط أو الشفيع أو المحامى أو المدافع عن موكله أو المعزى أو الواعظ ... إلى آخر المعانى والكلمات التى تم اشتقاقها من تلك الكلمة اليونانية . رغم كل ذلك فإنه من العجيب حقا ألاَّ يستخدم يوحنا هذه الكلمة اليونانية باراكاليو أو مشتقاتها المختلفة فى إنجيله ورسائله ..!!
وهذا إن دلَّ على شىء فإنما يدل على عدم صحة الاشتقاق اللغوى المزعوم عن الأصل اليونانى ، فالاسم براكليس ( ?????????? ) يختلف تماما عن الاسم بارقليط ( ???????? ) بعد حذف لاحقة النحو اليونانية . وأنَّ يوحنا عندما ذكر الاسم بارقليط لم يدر فى ذهنه أنه كلمة يونانية ، وإنما نقل الاسم إلى اليونانية كما سمعه فى الآرامية . أى أنه كتب الاسم فى اليونانية كما سمعه فى الآرامية ولكن بحروف يونانية ، وتلك العملية يُطلق عليها اللغويون مُسمَّى ( Transliteration ) وهى تختلف عن الترجمة ( Translation ) .
وقد استخدم كل من لوقا ( فى إنجيله وفى الأعمال ) وبولس فى رسائله الاسم اليونانى براكليس ( ?????????? ) تعبيرا عن معنى الوساطة والوعظ والتعزية (1) . ولم يستخدما قط الاسم بارقليط ( ???????? ) . بل لم يتعرفا عليه رغم تضلعهما فى اليونانية ، وسبقهما تاريخيا لأعمال يوحنا وكتاباته .(1/8)
وقد ورد هذا الاسم براكليس ( ?????????? ) بمعنى الواعظ أو المعزى فى صفة الحوارى برنابا حيث جاء فى سفر الأعمال ( 4 : 36 ) أنه كان يُدعَى ابن براكليسس أى ابن الواعظ أو ابن المعزى ، وقد ترجموه فى العربية إلى ابن الوعظ حتى لا تختلط الأمور بينه وبين المعزى ..!!
وهناك نصّ آخر ورد فى سفر الأعمال أستخدم فيه الاسم براكليس ( ?????????? ) بمعنى التعزية منسوبة إلى الروح القدس ( 9 : 31 ) حيث جاء فى الترجمة العربية المعتمدة فانديك ( ط 1977 ) " أمَّا الكنائس فى جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام ، وكانت تُبْنىَ وتسير فى خوف الرب وبتعزية ( براكليسى ?????????? ) الروح القدس كانت تتكاثر " .
وقد تم تعديل هذه الفقرة فى النسخة المعتمدة الجديدة ( ط 1996 ) لتكون هكذا " وفى أثناء ذلك كانت الكنيسة فى مناطق اليهودية والجليل والسامرة تتمتع بالسلام ، وكانت تنمو وتسير فى تقوى الرب بمساندة ( براكليسى ?????????? ) الروح القدس " . فلم يستخدم كاتب سفر الأعمال هنا المصطلح بارقليط ( ???????? ) تعبيرا عن معنى التعزية أو المساندة وهذا يدل دلالة صريحة على أنَّ استبدال المترجمين الاسم بارقليط بالاسم المعزى فى نصوص إنجيل يوحنا غير صحيح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال : إنجيل لوقا ( 3 : 18 ) وأعمال ( 9 : 31 ؛ 13 : 15 ؛ 15 : 31 ) ورومية
( 15 : 4 ) وفيليبى ( 2 : 1 ) وكورنتس الثانية ( 8 : 4 ، 17 ) و ... الخ .
... قارئى العزيز : لقد ذكرت لك كل ذلك تمهيدا للكلام عن معنى المصطلح اليوحناوى بارقليط ، حتى لا تختلط عليك الأمور ويضيع الحق بين المزايدات الكلامية . فهناك مشكلة كبيرة فى صحة ايقاع الاسم بارقليط على الروح القدس الأقنوم الثالث .(1/9)
... فإن كان الاسم بارقليط ينطبق على المسيح - عليه السلام - وبه يوصف كما جاء فى رسالة يوحنا الأولى ، فإنه لا يمكن أن ينطبق على الروح القدس ( الأقنوم الثالث ) حيث أنَّ أعمال الروح القدس كما وردت فى نصوص إنجيل يوحنا ليست بأعمال قضائية ، وقد شهد بتلك الحقيقة جهابذة علماء المسيحية كما سيأتى بيانه بعد قليل .
... ونطوف الآن تطوافة قصيرة حول ترجمات المصطلح اليوحناوى فى نصوص إنجيل يوحنا وذلك فى النسخ العربية والإنجليزية لعلها تساعدنا فى كشف الغموض عن ذلك المصطلح السامى فى معناه ، الآرامى فى أساسه ومبناه .
النصّ الأول : يوحنا ( 14 : 15 ـ 16 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
إن كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى . وأنا أطلب من الآب فيعطيكم مُعَزِّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد . ... إن كنتم تحبوننى فاعملوا بوصاياى . وسوف أطلب من الآب أن يُعطيكم مُعِيناً آخر يبقى معكم إلى الأبد .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
إذا كنتم تحبونى عملتم بوصاياى. وسأطلب من الآب أن يعطيكم مُعَزيا (1) آخر يبقى معكم إلى الأبد . ... إذا كنتم تحبونى حفظتم وصاياى . وأنا سأسأل الآب فيهب لكم مُؤيدا (2) آخر يكون معكم للأبد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ... ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. جاء فى الهامش الملاحظة التالية : مُعزيا أو البارقليط : ... (2) .. جاء فى الهامش الملاحظة التالية : فى الأصل اليونانى
هو من يقف قرب المتهم ليدافع عنه . ... الباراقليط ، وهو لفظ مُقتبس من لغة القانون ، ويدل
على من يُستدعى لدى المتهم للدفاع عنه : فالمعنى
الأول هو المحامى والمساعد والمدافع . وبناء على هذا
المعنى ظهرت معان أخرى كالمعزى والشفيع والعبارة
لا ترد فى العهد الجديد إلا فى مؤلفات يوحنا وهى تدل
على الروح القدس ( 14 : 16 ، 26 ؛ 15 : 26 ؛ 16
: 7 ) وتارة على المسيح ( 1 يوحنا 2 : 1 ) .(1/10)
لقد سبقت الاشارة إلى أنَّ المصطلح بارقليط عبارة عن اسم علم مُذكر كما أفادنا الأب متىَّ المسكين . وعلمنا أيضا أنَّ أسماء الأعلام لا تترجم بين اللغات حتى لا تفقد . وهنا نجد النسخ العربية الأربع قد مَحَت تماما الاسم العَلم وجاءت بدلا منه بكلمات اختلفوا حولها فقال بعضهم مُعزى وقال آخرون مُعين وقال آخرون مؤيد ... الخ . وقبل أن أنتقل إلى النصّ اليوحناوى الثانى أشير هنا إلى القارىء أن ينظر إلى العبارة مُعزيا آخر أو مُعينا آخر أو مُؤيدا آخر ، أى بارقليطا آخر . وكلمة آخر هنا فى أصلها اليونانى ( ????? ) بمعنى آخر من نفس الجنس والنوع أى يشابه المسيح تماما .
النصّ الثانى : يوحنا ( 14 : 26 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
وأمَّا المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم . ... وأمَّا الروح القدس ، المعين الذى سيرسله الآب باسمى ، فإنه يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
ولكن المعزى ، وهو الروح القدس الذى يرسله الآب باسمى ، سيعلمكم كل شىء ويجعلكم تذكرون كل ما قلته لكم . ... ولكن المؤيد ، الروح القدس الذى يرسله الآب باسمى هو يعلمكم جميع الأشياء ويُذكركم جميع ما قلته لكم .
النصّ الثالث : يوحنا ( 15 : 26 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى مِن عند الآب ينبثق فهو يشهد لى . ... وعندما يأتى المُعين ، الذى سأرسله لكم من عند الآب ، روح الحق الذى ينبثق من الآب . فهو يؤدى لى الشهادة .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
ومتى جاء المعزى الذى أرسله إليكم من الآب روح الحق المنبثق من الآب ، فهو يشهد لى . ... ومتى جاء المؤيد الذى أرسله إليكم من لدن الآب ، روح الحق المنبثق من الآب فهو يشهد لى .(1/11)
النصّ الرابع : يوحنا ( 16 : 7 ـ 8 )
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
إنه خير لكم أن أنطلق . لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله إليكم . ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة . ... من الأفضل لكم أن أذهب ، لأنى إن كنت لا أذهب لا يأتيكم المُعين . ولكنى إذا ذهبت أرسله ‘ليكم . وعندما يجىء يُبكت العالم على الخطيئة وعلى البر وعلى الدينونة .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
من الخير لكم أن أذهب ، فإن كنت لا أذهب لا يجيئكم المعزى . أما إذا ذهبت فأرسله إليكم . ومتى جاء وبَّخ العالم على الخطيئة والبر والدينونة . ... إنه خير لكم أن أذهب ، فإن لم أذهب لا يأتيكم المؤيد . أما إذا ذهبت فأرسله إليكم . وهو متى جاء أخزى العالم على الخطيئة والدينونة .
والآن وبعد الاطلاع على ترجمة المصطلح اليوحناوى بارقليط فى النسخ العربية المعاصرة إلى شفيع و مُعَزِّى و مُعِين و مُؤيد . لا بد وأن يتوقف القارىء هنا قليلا ويتساءل لماذا غيَّروا الاسم بارقليط إلى هذه المسميات ..!؟
... وما هو الهدف من ذلك التغيير ..!؟ أليست الكلمة بارقليط تشير إلى اسم علم مذكر كما قال متىَّ المسكين ..!؟
مع أنَّ معانى هذه الكلمات تختلف عن بعضها البعض . فهل معنى الشفيع يعادل معنى المُعَزِّى ..!؟ وكيف يُعَزِّى هذا المُعَزِّى ..!؟ وما هو المعنى المشترك الذى يجمع بين الشفاعة والتعزية ..!؟ وأين مكان التعزية ..!؟ أفى فى سرادق أمام الكنيسة أم فى داخل الكنيسة ..!؟
وفى أى كنيسة من كنائس العالم ..!؟ وما هو شكل ذلك المُعَزِّى . أهو فى هيئة آدمى أم فى هيئة شبح ( Ghost ) ..!؟ أم فى شكل حمامة ..!؟
وهل نستطيع أن نراه ونسمع صوته كما رأى وسمع الناس المسيح - عليه السلام - ..!؟ ومَن هو المُعَزِّى الأول حتى نستطيع أن نتعرَّف على المُعَزِّى الآخر ..!؟(1/12)
... وإلى غير ذلك مِن عشرات الأسئلة والاستفسارات عن ذلك المُعَزِّى الآخر الذى سيأتى من بعد المسيح - عليه السلام - . لا أجد لها إجابات فى المراجع المسيحية سوى قولهم إنه الروح القدس أو الـ ( Holy Ghost ) أى الشبح المقدس ..!!
... ورغم تباين المفاهيم واختلاف الترجمات وتعدد الأصول اللغوية اليونانية للمصطلح اليوحناوى الغريب على اللسان اليونانى إلاَّ أن القوم يُصِرُّون على يونانية ذلك المصطلح . وقد كانوا قديما يكتبونه بارقليط وتارة فارقليط (1) من بعد أن كانوا يكتبونه المُنحَمَنَّا .
تلك هى نماذج من الترجمات العربية المأخوذة عن الأصول اليونانية . مع ملاحظة البون الشاسع بين اللسانين العربى واليونانى .
... فإذا ذهبنا نبحث فى الترجمات الإنجليزية للمصطلح سوف نجد أنَّ الخرق أوسع مما نتصور رغم تقارب الانتماء اللغوى بين الإنجليزية واليونانية عبر اللاتينية . فنجد أنَّ النسخ الإنجليزية ( KJV , LB ) قد استخدمت كلمة ( Comforter ) التى تعنى المُعَزِّى ، كما استخدمها أيضا لوثر رائد حركة الإصلاح المسيحى . بينما احتفظت نسخة ( ASV ) بكلمة ( Comforter ) فى النصّ ثم ذكرت الكلمتان ( Advocate ) و ( Helper ) فى الهامش وهما بمعنى الناصح أو الواعظ ، والمساعد على التوالى . واستخدمت النسختان ( RSV , NIV ) كلمة ( Counselor ) التى تعنى المحامى أو المستشار . و استخدمت النسختان ( NEB , JB ) كلمة ( Advocate ) التى تعنى المؤيد أو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال طبعة روما 1591م ؛ طبعة البروباغندا 1671م ؛ طبعة دير يوحنا الصايغ
1776م وغيرهم .(1/13)
المحامى المدافع أمام القضاء . والنسخ ( NASB , TEV ) استخدمت كلمة ( Helper ) التى تعنى المساعد مع استخدامها للعبارة ( with the margin Intercessor ) الدالة على الوساطة . ونسخة ( PME ) استخدمت عبارة ( Someone else to stand by you ) بمعنى شخص آخر يقف معكم .
... قلت جمال : وكل هذه الترجمات للمصطلح بارقليط اليوحناوى التى أتوا بها من كلمات يونانية متعددة مثل : ( ?????????? ) أو ( ????????? ) أو ( ????????? ) أو ( ????????? ) أو ( ?????????? ) أو ..... الخ .
وكلها كلمات يونانية تؤدى معنى الوساطة والشفاعة والمدافعة والتأييد والنصح والإرشاد . وكل ذلك ناشىء عن استحالة ترجمة المصطلح بارقليط إلى اللغة اليونانية فيا ليتهم تركوه كما هو كما فعل يوحنا إلى أن يأذن الله بفك شفرته وعجمته لهم .
ولقد اعترف مؤلفو دائرة معارف زندرفان الكتابية الأمريكية باستحالة ايجاد كلمة إنجليزية تؤدى المعنى المراد من المصطلح السامى بارقليط ، وقالوا عن ذلك المصطلح : ( strange sounding word ) (1) أى كلمة ذات صوت غريب .
ومن يقرأ فى كتب القوم المتخصصة سيجد أقوالا جَمَّة لا داعى لذكرها خشية الملل والإطالة . وحسب معلوماتى المتواضعة جدا فى ذلك المجال فإنى لم أعثر خلال تنقيبى فى الكتب المتخصصة على بحث نزيه يحاول تأصيل المصطلح بارقليط إلى لغة الوَحْى المسيحى ، أقصد لغة المسيح - عليه السلام - الآرامية وبالتالى إلى العربية حيث أنهما فرعى شجرة واحدة هى شجرة اللسان العربى .
فهناك كلمات آرامية كثيرة نفذت إلى التراث اليونانى بذات منطوقها العربى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible v 4 page 598(1/14)
الآرامى ولكنها كتبت بحروف يونانية واكتشافها صعب جدا على غير العرب . وقد سبقت الاشارة إلى أنَّ تلك الظاهرة تسمى ( Transliteration ) ولا تُسمَّى ( Translation ) . والغريب فى الأمر أنَّ رجال الكنائس العربية لم يتعرفوا على تلك الكلمات وهم ينطقونها صباح مساء فى حياتهم المعيشية ..!!
تأصيل المصطلح بارقليط
فى اللسان الآرامى
الموضوع هنا ببساطة شديدة هو البحث والتعرُّف على الكلمة التى نطق بها المسيح - عليه السلام - بلسانه الآرامى ونقلها يوحنا إلى اليونانية باللفظة بارقليط . ولمعرفة ذلك فإنَّ هناك احتمالان لذلك البحث الأصولى :
الاحتمال الأول : أن يكون يوحنا قد أخطأ فى التعبير وفى تهجئته للكلمة الآرامية فنقلها إلى اليونانية بطريقة خاطئة . وحيث أنَّ تلك الكلمة لم يتم التعرُّف عليها بين مفردات اللغة اليونانية فقد قام العلماء باقتراح وتقديم عدة كلمات يونانية بديلة تؤدى المعنى العقدى الذى يعتقدونه ، ومن تلك الكلمات جاءت ترجماتهم للكلمة بارقليط . وعلى ذلك الرأى والاحتمال قال معظم علماء المسيحية وإن لم يصرحوا بخطأ يوحنا .
الاحتمال الثانى : أن يكون يوحنا قد كتب تلك الكلمة بالحرف اليونانى كما سمعها من أفواه الناس باللغة الآرامية ( Transliterate ) . وهذا الأمر هو الذى سبَّبَّ ذلك الاشكال اللغوى . وأنا شخصيا أميل إليه وأقول به لأنِّى وجدت كلمات آرامية كثيرة كتبت بالحرف اليونانى ومنطوقها آرامى مثل ( قومِى ، مِسِّيَّا ، قربان ، سيطان ، افتيح ... وغير ذلك كثير ذكرته فى كتابى " اللغة التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - " .
وسوف أحاول بعون من الله تعالى أن أبرهن على تواجد الكلمة بارقليط فى التراث الآرامى وأن أكشف عن معناها فى الآرامية بدون اقتراحات دخيلة يونانية فأقول ومن الله التوفيق والسداد فى الأمر :(1/15)
من المعلوم أنَّ فى لهجتنا المصرية العامية الصعيدية الكثير من الكلمات الآرامية ، وقد قمت بتتبع عشرات الكلمات بل المئات بدون مبالغة من مفردات لساننا العامى وخاصة فى صعيد مصر وعلى الأخص فى بلدتى محافظة منية بن خصيب ( المنيا ) ، فوجدتها كلها آرامية وموجودة فى الكتابات والوثائق التى تم اكتشافها فى أوغاريت وأبيلا فى سوريا وأيضا فى لفائف قمران المعروفة بمخطوطات البحر الميت وأيضا فى وثائق تل العمارنة بالمنيا فى صعيد مصر . والأهم من ذلك أنِّى قد وجدت كثير منها فى نصوص أسفار الكتاب المقدس العبرية واليونانية ..!!
... المهم وبدون الخوض فى التفاصيل ، أقول بأننا نحن المصريين نستطيع أن نفهم مفردات اللغة الآرامية إذا سمعناها تتلى علينا بطريقة صحيحة بنسبة عالية حوالى 75 ? ولكننا نجهل قراءة حروفها . وتلك بديهية لأنَّ اللغة الآرامية تعتبر لهجة من لهجات اللسان العربى العام بغض النظر عن طريقة تدوينها فى الكتابة والخط .
فنحن نقول فى أسماء القرابة : آبا وبابا وماما وعمّ و ... إلى آخر ما جاء فى أسماء القرابة وهى هى فى العربية والآرامية . ونقول فى الأعداد واحد وتنين وتلاتة ـ بالتاء ـ وهى أيضا آرامية بدلا من اثنين وثلاثة بالثاء فى العربية ونقول فى الكلمات الدينية : الله ونبىّ وصلاة وزكاة وركع وسجد وإلى غير ذلك من كلمات وهى أيضا آرامية .(1/16)
... ونقول فى عاميتنا : بَطَحَه أى ضربه حتى أسال دمه ، ونقول فى شأن الطفل الذى يصدر أصواتا تثير الغضب ده بينق أو بيزن ، ونقول عن جثة الميت جيفة . ونقول لمن تعدى الحد فى البيع والشراء جَزَرَهُ من فعل جزر المأخوذ منه كلمة جزَّار . ونقول دبحه بالدال بدلا من ذبحه ، ونقول للمعدن الثمين المعروف دهب بدلا من ذهب ونقول سوَّف فى الأمر ، ونقول حنش للثعبان ، ونقول للماء مَيَّا ، ولا تزال كلمة ألفا تتردد بين جنبات الفصول الدراسية فى مدارسنا وهى بمعنى الرئيس فى الآرامية . وهناك الكثير والكثير جدا من كلماتنا العامية وهى آرامية بالمفهوم العلمى الحديث .
... وهناك بعض الحروف ننطقها فى عاميتنا بصورة آرامية ، فحرف الظاء ننطقه ضاد مثل نَضَرَ و نَضَرتَهُ بدلا من نظر ونظرت إليه . وحرف الدال ننطقه بدلا من الذال مثل دَكَرَ بدلا عن ذكر العربية ، و دهب بدلا من ذهب . وننطق أيضا فى عاميتنا حرف السين بدلا من الشين أحيانا مثل قولنا سجر وسمس بدلا من شجر وشمس .
... ومعظم الحروف التى يقع فيها التغيير هى الحروف الستة الغير موجودة فى اللغة الآرامية وهى حروف الجملة " ثخذ ضظغ " . وننطق فى صعيد مصر حرف القاف بصوت يقع بين حرفى الجيم والكاف مثل قولنا قوم وقومى باللهجة الصعيدية ( وفى اللهجة القاهرية يتحول الحرف إلى ألف : أوم وأومى ..!! ) وقد وردت هذه الكلمة تحديدا فى إنجيل مرقس اليونانى ( 5 : 41 ) على لسان المسيح - عليه السلام - فقال للفتاة " طاليتا قومى " فكتبت الكلمة كما هى فى اليونانية والإنجليزية كأنها طلسما نطق به المسيح ( cumi , cum , koum , kum ) . ومنها جاءت الترجمة العربية المُعْوَجَّة للإنجيل " طليثا قوم " ( ط الكاثوليك 1993 ) مع أنَّ طاليتا فتاة ..!!(1/17)
وحتى فى الصلاة الربانية نجد فيها أنَّ صحيح قولهم " أعطنا خبزنا " هو " أعطنا لقمة " بالآرامية ، فحَوَّلَ المترجمون كلمة لقمة إلى كلمة خبز . وقطعا نحن نفهم معنى اللقمة حيث نستخدمها فى عاميتنا إلى الآن ..!!
ولن أطيل فى ذلك حيث أسهبت كثيرا فى كتابى عن اللغة التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - وما بقى منها فى الأناجيل اليونانية . والخلاصة أنَّ اللغة الآرامية ما هى إلا لغة من لغات اللسان العربى العامى ولك أن تقول أيضا هى لهجة من لهجات اللسان العربى ولكن شكل كتابتها يختلف عن شكل كتابة اللغة العربية وذلك أمر طبيعى ، فخط الكتابة خاضع للتطور وللشكل الجمالى المراعى فيه السهولة واليسر . ومن خلال ذلك المنظور العملى المشاهد فى لغتنا العامية نستطيع أن ننظر إلى الكلمة بارقليط لنفهم معناها ومغزاها وأنها عربية وليست يونانية .
إنَّ ذلك المصطلح اليوحناوى ليس كلمة واحدة كما يظن العلماء ، ولكنه مكون من كلمتين كلاهما معروفة مشهورة فى الآرامية والعبرية القديمة والعربية . ونستطيع أن نقرأه هكذا ( بار ـ قليط ) ( ??? ???? ) وبذلك ينفك الاشتباك ويبدأ الفهم .
والكلام عن معنى كلمة بار واستخدامها فى الآرامية والعبرانية القديمة يحتاج إلى إيضاح حان وقته :
فاللغة العبرانية القديمة ( الآرامية ) نجد أنَّ استخدامات الصفة فيها ليست قوية فى تكوين الجمل ، فنجد مثلا كلمة ابن تأتى متبوعة باسم للدلالة على الصفة . فعلى سبيل المثال الشخص الذى يُحِبُ السلام على سجيته وبه يُوصَف ويُسَمَّى يقال له ابن السلام ( إنجيل لوقا 10 : 6 ) ، وهو يعادل فى العربية الاسم سالم وسلاَّم وهى سلمى أى بنت السلام وهم أبناء السلام ( متى 5 : 9 ) أى المسالمين أو المسلمين .
ونلاحظ هنا أنَّ استخدام كلمة ابن بمعنى ( son of ) فى الإنجليزية . وهى تستخدم فى صفة المبالغة فى وصف الشىء ، فالرجل المسالم يطلق عليه ابن السلام .(1/18)
وهناك كلمة بار التى من معانيها المجازية كلمة ابن وهى تأتى غالبا فى وصف المبالغة فى الشىء المراد وصفه به ، فهى أبلغ من كلمة ابن عند الوصف . ولك أن تقول أنها تشابه صيغة أفعل التفضيل فى العربية . فمثلا الرجل المهذب الذى يتصرف بطريقة حسنة بين الناس يوصف بأنه ابن الناس .
وإن بالغت فى وصف إنسانيته فتقول عنه بارناس . وقد وصف المسيح - عليه السلام - نفسه فى مواضع كثيرة بأنه بارناس . وتلك الأمثلة أضربها للقارىء من داخل نصوص الأناجيل . فالمتصفح لأسفار العهد الجديد يجد فيها أسماء لشخصيات يبدأ اسم كل منهم بكلمة بار .
فهناك بارأباس ( متى 27 : 16 ـ 26 ) .
وهناك بارتيماس ( مرقس 10 : 46 ) .
وهناك بارسابا ( أع 15 : 22 ) .
وهناك باريشوع ( أع 13 : 6 ، 8 ) و ..., ... الخ .
وهذه الأسماء ليس معناها ابن أبا أو ابن بارتيما أو ابن سابا إلى غير ذلك . فمثلا الاسم الأول بعد حذف لاحقة الإعراب اليونانية ( أى السين هنا ) نجده بارأبا أو بارآبا وهذا ليس معناه ابن الله لأنَّ آبا هنا هو الله فى الآرامية ..!!
وإنما المعنى مُختار الله أو صفى الله .
وبالمثل فإنَّ بارقليط ليس معناه ابن قليط ..!! وهكذا يكون الأمر وبداية الفهم .
من الأمثلة السابقة نجد أنَّ كلمة بار عندما تأتى مسبوقة باسم فهى صفة مبالغة على شاكلة صيغة أفعل التفضيل فى العربية . فلنحفظ ذلك جيدا إلى أن نتعرف على معنى كلمة قليط .
... كلمة قليط ( ???? ) مشتقة من الجذر قلط ( ??? ) ، وهذا الجذر اللغوى نجده فى القواميس العربية والآرامية والعبرية بنفس المعنى إلا أنَّ استخدامه فى العبرية نادر جدا وهو يحمل الرقم ( 7038 ) فى القواميس الكلدانية والعبرية . ومن خصائص هذا الجذر قلط أنَّ له معنيين متضادين ، فهو يفيد الزيادة فى بعض استخداماته ويفيد أيضا معنى النقصان فى استخدامات له أخرى .
وفى الزيادة والنقصان نجد له أيضا معنيان متضادان :(1/19)
فهناك زيادة مستحسنة وهناك زيادة مستبشعة . أى زيادة فى الكمال مرغوب فيها وزيادة فى النقائص مكروهة . وهناك نقصان حسن مرغوب فيه ، ونقصان مكروه يُبتعد عنه . وكل من الزيادة والنقصان تقع على الناحتين المادية أو الشكلية وعلى الناحية النفسية والسلوكية .
ولقد اقتصر مؤلفو المعاجم العربية على المعنى الحسِّى المادى فقط وحصروه فى معنى الزيادة فى الشىء المكروه أوالنقصان المَعِيب فقالوا فى منتفخ الخصيتين قليط ـ زيادة ـ ووصفوا الخصيتين المنتفختين بالـ قلطة بفتح كل من القاف واللام والطاء . وقالوا عن القصير جدا أى القزم قلطى بفتح القاف وتسكين اللام وكسر الطاء . وقالوا القلط بفتح القاف وسكون اللام هو الدمامة فى الشكل . وكل تلك المعانى تدور فى دائرة الزيادة المكروهة .
واقتصر مؤلفو المعاجم العبرية على المعنى الحِسِّى المعيب ، فقالوا عن الثور أو الكبش الذى به زيادة عضو معيبة أو نقصان عضو معيبة بأنه قليط ولا يجوز تقديمه كقربان لله كفارة عن نذر رجع صاحبه عنه ( لاويين 22 : 23 ) .
ولكن لغتنا العامية احتفظت لنا بالكثير من المعانى المستنبطة من ذلك الجذر اللغوى الآرامى قلط . سواء كان المعنى الشكلى فى الهيئة الخارجية أو فى الهيئة التكوينية أى فى الخَلق أو فى الخُلُق بضم الخاء واللام . فالانسان المهندم الجميل المنظر يقال له قليط ( وفى اللسان القاهرى أليط ) ، ونقول على من يحاول التجمل الزائد على الحد تقالط أى افتعل القلاطة ..!!
فالوجيه والنبيل من الناس يُدْعَى قليط والجمع قلطاء . فالقلاطة هنا شىء مرغوب فيه وهى تشمل كل ما هو حسن من منظر وهيئة ومعاملة الناس بحسن الخلق وفى طلبها والتحلى بها يتنافس المتنافسون ..!! ومن هذا المعنى الجميل جاءت الكلمة وصفا للمسيح - عليه السلام - فى أقوال يوحنا فى رسالته الأولى .(1/20)
هذا ولم ترد كلمة قليط فى القرآن الكريم مع أنها عربية اللسان ، لأنها ليست من كلمات اللسان العربى المبين ، ولكن جاء مرادفها العربى المبين وهو كلمة وَجيه حيث وُصِف بها أنبياء الله موسى وعيسى عليهما السلام . قال تعالى فى حق المسيح - عليه السلام - { إذ قالت الملائكة يا مريمُ إنَّ الله يُبشُّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومِن المقرَّبين } ( 45 / آل عمران ) . وقال تعالى فى حق موسى - عليه السلام - { وكان عند الله وجيها } ( 69 / الأحزاب ) . والوجيه هنا هو من كانت له منزلة عالية عند الله وشرف وكرامة ( مِن الوَجَاهة ) . والوجيه أيضا هو المُوَجِّه لقومه عموما ، فياله مِن توجيه إن كان عن طريق الوحى الإلهى والرسالة ..!!
... وكما احتفظت عاميتنا بالمعنى الحِسِّى والأخلاقى الجميل من الجذر اللغوى قلط احتفظت لنا أيضا بما هو عكسه تماما كما فى المعاجم العربية وزيادة عليها . فمنتفخ الخصيتين نطلق عليه قليط أو الذى جاءته قلطة ، والقلطة هنا بفتح القاف واللام والطاء داء مكروه يصيب الانسان ، من مظاهره انتفاخ الخصيتين وتدليهما بشكل مُعيب كريه المنظر . ونقول على ما يخرج من الانسان قلُّوط ..!! ونقول على الانسان المتكبر على خلق الله " ده بـ يتقالط على الناس " ..!! فاحتفظت لنا عاميتنا بالصفات الحسنة والذميمة معا ، سواء كانت صفات خِلقية بكسر الخاء وتسكين اللام أم خُلُقية بضم الخاء واللام .
... ونرجع الآن إلى كلمتنا قليط فى القواميس الكتابية المتخصصة جدا : جاء فى ( Gesenius Hebrew-Chaldee lexicon to the O.T ) القاموس الكلدانى العبرى عن الكلمة قليط ( ???? ) تحت الرقم (7038 ) أنَّ حرف الطاء هنا ( ? ) يتبادل موقعه مع حرف العين ( ? ) بدون تغيير فى معنى الكلمة . بمعنى أنَّ كلمة قلط تتبادل فى معناها مع كلمة قلع العربية .(1/21)
وهذا الأمر يعطينا إضافة جديدة لمعانى الكلمة . فقد جاء فى صِفَةِ نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - أنه " إذا مشى تَقَلَّعَ " أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا ، لا كمن يمشى اختيالا ويقارب خطاه . وقد أثبت ذلك ابن أبى هالة فى وصفه للنبىّ - صلى الله عليه وسلم - " إذا زال زال قَلْعاً " . يروى بالفتح والضم ، فبالفتح : هو مصدر بمعنى الفاعل أى يزول قالعا لرجله من الأرض ، وهو بالضم إمَّا مصدر أو اسم وهو بمعنى الفتح .
قلت جمال : وتلك مشية القليط على سجيته كما نعرفها فى عاميتنا .
قُرَّائى الأعزَّاء : أعتقد الآن أنه من العيب علينا أن نقول بأنَّ كلمة بارقليط يونانية وننطقها كالأجانب بلكنة مُعْوَجَّة باركليت ..!!
فهذا لساننا العربى ولغاته المتعددة من آرامية وعبرية قديمة وحتى عاميتنا المعاصرة نجد فيهم الكلمة قليط وعائلاتها اللغوية من قلط والقلاط والقلطى والقلوط وقلطة وتقالط وقلاطة و قليط والجمع منها قلطاء و .. و ... الخ .
... وكلمة قليط الآرامية تحتوى على حرفين لا يستطيع اليونان أن ينطقوهما نطقا صحيحا : هما القاف والطاء ، حيث يتحولان عندهم إلى الكاف والتاء فيقولون كليت بدلا من قليط ..!! وهذا الأمر هو الذى سبب مشكلة المصطلح اليوحناوى بارقليط عندما كتب بالحرف اليونانى ( باركليت ???????? ) وتعذر على جهابذة علماء المسيحية أن يوجدوا له معنى يتفقون عليه . فلا هو المعزِّى ولا هو المساند ولا هو المؤيد ولا هو الشفيع ولا هو المحامى ولا هو المستشار .
... إنه صِفَةٌ حسنة لإنسان كريم عند الله ، لا أكثر ولا أقل . صِفَة تدل على اسم نوع أو جنس ( Generic name ) . وأمَّا عن أعماله وأفعاله فيمكن التعرُّف عليها من خلال نصوص إنجيل يوحنا كما سأبين ذلك بعد حين .(1/22)
... صِفَةٌ وصف بها المسيح - عليه السلام - ذلك الشخص القادم من بعده ، ولم يقل عنه قليط ولكن قال بارقليط فهو أقلط من القليط . وحيث أنَّ كلمة قليط صيغة من صيغ المبالغة فإنَّ البارقليط أفضل من القليط . ولك أن تقول هى على شاكلة أفعل التفضيل فى العربية . وإلى هنا أكتفى بذلك التأصيل اللغوى وإرجاع ذلك المصطلح اليوحناوى إلى أحضان لغته الأم بعد غربة دامت ألفى سنة تقريبا ..!!
فـ لله الحمد على ما أنعم وأفاض . إنها محاولة ربما لم أبتعد بها كثيرا عن الهدف المنشود والقول الصحيح . ربما لا يتقبلها المتزمتون الذين لا يقبلون الجديد وإن كان هو الصحيح ، ولكن الأمر أبسط من ذلك بكثير وهو قولى لهم : هاتوا برهانكم على بطلانها من لغة المسيح - عليه السلام - إن كنتم صادقين . وأمامكم النسخة السريانية ( الترجمة الآرامية للنسخة اليونانية ) لإنجيل يوحنا فسوف تجدون فيها المصطلح مكتوبا بارقليطا أى البارقليط حيث أنَّ الألف الممدودة فى آخر الكلمة هى أداة التعريف المعادلة لـ ( ال ) فى العربية .
مَن هو البارقليط فى أقوال المسيح - عليه السلام - ..!؟
وأبدأ البيان بأقوال المسيح - عليه السلام - لنتعرَّف على شخصية ووظيفة البارقليط والمعنى الدقيق المُحَدَّد لذلك المصطلح .
جاء فى النسخة القياسية المنقحة ( RSV ) ( يوحنا 14 : 15 ـ 16 ) ما نصه :
“ if you love me , you will keep my commandment . and I will pray ( ??????? ) the Father and He will give you another (????? ) counselor (???????? ) , to be with you for ever . “ .
وترجمته : " إن كنتم تحبونى حافظوا على وصاياى . وسوف أتوَسَّل ( ??????? ) للآب وهو سوف يعطيكم بارقليطا آخرا ( ????? ) يبقى معكم إلى الأبد " .
وسوف أبدأ الشرح فقرة تلو فقرة ومن الله التيسير والسداد :(1/23)
الفقرة الأولى : بدأ فيها المسيح - عليه السلام - بقوله " إن كنتم تحبونى حافظوا على وصاياى " وهذا يدل على شيئين : أولهما الترغيب فى تنفيذ وصاياه والعمل بها . وثانيهما الاعلام بأنَّ هناك من سيمتنع عن المحافظة على وصايا المسيح - عليه السلام - . فحين جعل المحبة فى أول كلامه يفهم القارىء بداهة أنَّ هناك احتمالا لعدم قبول البعض للبارقليط الذى سيأتى من بعده والذى بشر به . لذا حاول المسيح تحريك العواطف حتى يدفع ذلك البعض إلى القبول . وهذا أسلوب نبوى لتهيئة النفوس بذلك الشكل العاطفى من أجل البارقليط القادم ولإزالة الشكوك والإنكارات المتوقعة عن طريق البيان لكسب القلوب والأرواح .
وبناء على هذه الملاحظة فإنَّ قسما منصفا سيتقرب وينجذب إلى البارقليط القادم والقسم الآخر سيبتعد عنه.
الفقرة الثانية : قوله - عليه السلام - " وسوف أتوَسَّل ( ??????? ) للآب " وهنا أتوقف قليلا أمام الكلمة اليونانية ( ??????? ) التى تم ترجمتها فى النسخ العربية إلى كلمة أطلب وأسأل . وهى فى الحقيقة بمعنى التضرع والتوسل عن طريق توجيه الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى . وهذا المعنى لا يكون أبدا بين طرفين متساويين وإنما بين عبد وإله ، بين خالق ومخلوق .
جاء فى قواميسهم المتخصصة (1) أنَّ الكلمة اليونانية ( ??????? ) المذكورة فى ذلك النصّ تستخدم دائما بين المخلوقين الأقل شأنا ومنزلة ( inferior ) ، وبين الخالق سبحانه وتعالى الأعلى شأنا ومنزلة ( superior ) ولكنهم تجاهلوا ذلك المعنى هنا . لأنَّ الطالب هو يسوع والمطلوب منه هو الآب وهما فى إعتقادهم بدرجة واحدة . ولذلك تجدهم يقولون هنا بأنَّ الآب المذكور فى النصّ ليس هو الإله الواحد الكلى ، ولكنه الآب الأقنوم الأول ..!!(1/24)
الفقرة الثالثة : " وهو سوف يعطيكم بارقليطا (?????????? ) آخرا ( ????? ) يبقى معكم إلى الأبد " . فذا يحتاج إلى القليل من سعة الصدر والفكر ونبذ التقاليد البالية التى حملناها من آبائنا وأجدادنا دون تثبت ، أو حتى عرضها على صحيح المنقول وصريح المعقول ..!! ولننزع الخشبة اللعينة من أعيننا حتى نبصر جيدا كما قال المسيح - عليه السلام - فى إنجيل متى ( 7 : 5 ) .
... لقد علمنا مما سبق أنَّ كلمة بارقليط تدل على اسم جنس أو نوع . واسم الجنس مثل قولنا رجل من الرجال ، وعالم من العلماء ، ووجيه من الوجهاء . ونبيل من النبلاء ونبىّ من الأنبياء و ... إلى غير ذلك من مسميات . فالكلمات رجل وعالم ووجيه ونبيل ونبىّ هى أسماء جنس ، وليست بأسماء أعلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة رقم ( 2065 ) فى قاموس ( Lexical aids to the N.T ) المرفق بكتاب :
( NASB the Hebrew/Greek key study Bible ) .
فقول المسيح - عليه السلام - " بارقليطا آخرا " معناه أنَّ هناك بارقليط أول وثان وثالث أى سلسلة من البارقليطات حسب صحة صيغة الجمع من هذه الكلمة . ويعتبر المسيح - عليه السلام - هنا أحدهم كما قال يوحنا فى رسالته الأولى " لنا بارقليط عند الآب يسوع المسيح البار " ( 2 : 1 ) .
وأمَّا إتيانه - عليه السلام - بكلمة آخر والتى عَبَّرَ عنها يوحنا بكلمة ( ????? ) فإنها تفيد المثل والمشابه من نفس النوع والجنس . ولم يذكر كلمة هتروس ( ?????? ) التى تفيد المثل ولكن من نوع وجنس مختلف (1) .(1/25)
... فعلمنا من ذلك أنَّ البارقليط الآخر الآتى من بعد المسيح - عليه السلام - يشابه تماما جنس ونوع المسيح - عليه السلام - . فهو رجل ذو لحم وعظم ، يراه الناس بأعينهم ويكلمهم ويكلموه . وله دعوة دينية ينشرها بين الناس . فإن كان المسيح البارقليط - عليه السلام - نبيَّا ورسولا فإنَّ البارقليط الآخر سيكون نبيَّا ورسولا أيضا مثله سبقه أنبياء ورُسُل كثيرون . وإن كان المسيح البارقليط إلها فإنَّ البارقليط الآخر سيكون إلها أيضا قد سبقته آلهة أخرى كثيرة .
فالبارقليط الأول يشابه البارقليط الثانى والثالث والرابع و .. و .. إلى البارقليط الآخر أو الأخير . إنها سلسلة من البارقليطات أرسلها الله تعالى إلى البشر . هذا هو الذى تدل عليه معانى الكلمات اليونانية ولم أتدخل فى لىّ أعناق معانيها ، فهل عقلناها تماما ..!!؟
وهكذا تطابق النصّ الإنجيلى مع التأصيل اللغوى لكلمة بارقليط الذى سبق بيانه من أنها تدل على اسم جنس أو نوع وليست باسم علم شخصى كما يزعمون . فـ لله الحمد والشكر على ما أنعم وأفاض .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع ذلك المعنى اللغوى الدقيق فى كتاب :
( Expository Dictionary of the Bible words page 578 ) .
وأمَّا قوله - عليه السلام - " يبقى معكم إلى الأبد " ففيه دليل قوى على أنَّ هذا البارقليط الآخر سيكون آخر سلسلة البارقليطات . أى سيكون خاتم البارقليطات ولكن كيف سيبقى إلى الأبد مع أن كل نفس ذائقة الموت ..!؟ الإجابة ستكون بعد حين بإذن الله تعالى . ...
... والآن وبعد أن انتهينا من شرح الخطوط الرئيسية فى نصّ يوحنا ( 14 : 15 ـ 16 ) فلنحاول أن نستكمل مَعًا صفات هذا البارقليط الأخير الآتى مِن بعد المسيح - عليه السلام - وذلك فى الصفحات التالية :
أولا : الصفات الشخصيَّة
جاء فى يوحنا ( 16 : 12 ـ 14 ) قول المسيح - عليه السلام - عن البارقليط الآتى بعده :(1/26)
نسخة فانديك المعتمدة ط 1977 ... نسخة كتاب الحياة ط 1988
إنَّ لى أمورا أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن . وأمَّا متى جاء ذاك روح الحق فهو يُرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويُخبركم بأمور آتية . ذاك يُمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم . ... ما زال عندى أمورا كثيرة أقولها لكم ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها . ولكن عندما يأتيكم روح الحق يُرشدكم إلى الحق كله ، لأنه لا يقول شيئا من عنده ، بل يُخبركم بما يسمعه ويُطلعكم على ما سوف يحدث . وهو سيمجدنى لأن كلَّ ما سيحدثكم به صادر عَنِّى .
نسخة الكاثوليك ط 1993 ... نسخة الآباء اليسوعين ط 1991
عندى كلام كثير أقوله لكم بعد ، ولكنكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه . فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كله ، لأنه لا يتكلم بشىء من عِنده ، بل يتكلم بما يسمع ويُخبركم بما سيحدث ، سيُمجدنى لأنه يأخذ كلامى ويقوله لكم . ... لا يزال عندى أشياء كثيرة أقولها لكم ولكنكم لا تطيقون الآن حملها . فمتى جاء هُوَ أى روح الحق أرشدكم إلى الحق كله لأنه لن يتكلم من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث ، سيمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم به .
وهنا نجد أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أطلق عليه لقب الروح الحق وفى الأصل اليونانى ( ?? ?????? ??? ???????? ) . وقد تكرر هذا التعبير الروح الحق على لسان المسيح - عليه السلام - ثلاث مرات صِفة منه للبارقليط الآتى بعده وذلك فى المواضع الآتية من إنجيل يوحنا ( 14 : 17 ؛ 15 : 26 ؛ 16 : 13 ) ولم يرد ذكر التعبيرين الروح الحق و البارقليط فى الأناجيل الثلاثة الأخرى . فهذا مما انفرد بتسجيله يوحنا فقط .(1/27)
وبالتالى فإنه لم يوصف أى شخص آخر بذلك الوصف الفريد فى كل كتب العهد الجديد . والغريب فى الأمر أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يُوصَف بأنه روح الله أو حتى روح من الله فى الأناجيل . ولكنه وُصِفَ بذلك الوصف فى القرآن الكريم والسُّنة المطهرة . ليكون شبيها بنبىّ الإسلام الروح الحق - صلى الله عليه وسلم - .
... وأمَّا عن قوله - عليه السلام - " لا يتكلم بشىء من عِنده ، بل يتكلم بما يسمع " فيه مُشابهة تامة بالنبىّ المُبشَّرُ به فى سفر التثنية ( 18 : 18 ) القائل " سوف أضع كلامى فى فمه فينقل إليهم جميع ما أكلمه به " وبالذى قاله القرآن الكريم عن نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - { وما ينطق عن الهوى } ( 3 / النجم ) .
... وبالرجوع إلى الأصول اليونانية للنصّ نجد أنَّ الكلمتان المعبرتان عن صفتى السمع والكلام هما على التوالى ( أكوس ?????? ) و( لاليسى ??????? ) ومعناهما فى اليونانية : يستقبل الصوت ويرسل الصوت على التوالى . وهاتان الصفتان استخدمتا كثيرا فى الأناجيل ، ووُصِف بهما المسيح - عليه السلام - يستقبل الصوت ويصدر الصوت بمعنى يسمع ويتكلم .
... فالبارقليط الآتى يشابه المسيح ، فهما مُستقبلان لأوامر الله وكلامه ، ثم هما أيضا مُبلغان للناس بما سمعا من الله سبحانه وتعالى . قال المسيح - عليه السلام - مناجيا ربَّه حسب إنجيل يوحنا ( 17 : 8 , 14 ) : " الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم " و " أنا قد أعطيتهم كلامك " .(1/28)
... فالبارقليط عيسى ابن مريم - عليه السلام - مُبَلغٌ عن الله ، فيسمع أولا ثم يكلم الناس بما سَمِعَ ثانيا . والبارقليط الآخر المبشر به مُبَلغٌ أيضا عن الله ، لا يقول كلاما من عِند نفسه وما ينطق عن الهوى وإنما يُبلغهم بما سَمِع وأمِرَ بإبلاغه إلى الناس . وتلك هى صفات النبىّ - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى فى القرآن الكريم { يأيها النبىّ بَلِّغ ما أنزل إليك من ربك } . فوسيلة اتصال البارقليط بالناس مادية بحتة سمع وكلام ، وهما وسيلتان معرفيتان ماديتان خلاف الإلهام الذى ينسب إلى الروح القدس .
... وهنا عرفنا شيئا من معنى المصطلح بارقليط ، إنه يشابه معنى النبىّ المُبَلغ عن الله . ولك أن تقول مُطمئنا إنه بمعنى رسول بين الله وخلقه .
... ونرجع ثانية إلى عبارة ( الروح الحق ) لنتعرف على المعنى المقصود من كلمة روح من أقوال يوحنا صاحب هذه العبارة . قال يوحنا فى رسالته الأولى ( 4 : 1 ) : " أيها الأحِبَّاء لا تصَدِّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله ، لأنَّ أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم " .
نلاحظ هنا أنَّ يوحنا قد فسَّر كلمة روح ( ?????? ) بأنها تعنى بالضبط كلمة نبىّ . وأنَّ صيغة الجمع منها ( ???????? ) الواردة فى النصّ تعادل كلمة الأنبياء .
فعبارة يوحنا الروح الحق معناها النبىّ الحق . حسب أقوال يوحنا وبدون تدخل خارجى منى أو من غيرى لقسر المعنى العقدى المراد . ويكون معنى المصطلح اليوحناوى بارقليط حسب أقوال قائله هو النبىّ الحق أو الرسول الحق .
ولا يزال هذا البحث يستقرىء النصوص لإزالة الغموض المقصود وغير المقصود من على ذلك المصطلح اليوحناوى الذى زعموا أنه كلمة يونانية ثم اختلفوا فى معناها .(1/29)
وقبل أن ننتقل إلى الصفات الفعلية أحِبُّ أن أذكِّرَ القرَّاء الكرام بأنَّ هذا البارقليط الآتى سيكون رجلا مثل المسيح تماما وهذا المعنى مستقى من كلمة آخر اليونانية ( ????? ) ومن سياق النصوص التى تكلمت عن البارقليط . حيث نجد فيها الضمائر تشير إليه فى جميع الترجمات الإنجليزية بالضمير هُوَ ( He ) الذى يقال للعاقل المُذكَّر خلاف الضمير الذى يشار به إلى الروح بالضمير ( it ) الذى يقال لغير العاقل ..!!
إضافة إلى أنَّ الروح القدس عندهم متعادل الجنس ( neutral ) أى ليس بذكر ولا أنثى وبذلك تنتفى المشابهة بين الروح القدس والمسيح - عليه السلام - .
ثانيا : الصفات الفِعْليَّة
وهى أهم الأشياء التى يقوم البارقليط الآتى من بعد المسيح - عليه السلام - بتنفيذها وهى تنحصر فى الآتى : ...
1 .. يُعَلِّمَ كل شىء يتصل بالله والدين ( يوحنا 14 : 26 ) .
2 .. يُذَكِّرَ الناس بكل الذى قاله المسيح - عليه السلام - فى أثناء بعثته ( يوحنا 14 : 26 ) .
3 .. يشهد للمسيح - عليه السلام - ( يوحنا 15 : 26 ) .
4 .. يُبَكِّت العالم على الخطيئة وعلى البر وعلى الدينونة ( يوحنا 16 : 8 ) .
5 .. يُرشد الناس إلى الحق كله ( يوحنا 16 : 13 ) .
6 .. يُخبرُ عن أمور غيبية سوف تحدث فى المستقبل ( يوحنا 16 : 13 ) .
7 .. سيُمَجِّد المسيح - عليه السلام - بالقول الصادق ( يوحنا 16 : 14 ) .
8 .. يبقى مع الناس إلى الأبد ( يوحنا 14 : 16 ) .
... وسوف أتكلم عن هذه النقاط الثمانية كما وردت فى الأصول اليونانية ومقابلها فى النصوص الإسلامية ليميز القرَّاء بين الحق والباطل .
... 1 .. يُعَلِّمَ كل شىء يتصل بالله والدين :(1/30)
يفيدنا نصّ يوحنا ( 16 : 12 ) أنَّ هناك أشياء أخرى كثيرة جدا كان المسيح يريد أن يقولها لتلاميذه ولكنه لم يفعل ، لأنهم لم يكونوا مؤهلين فى ذلك الوقت لتقبلها أو احتمالها . وهذه الأمور الدينية التى لم يُخبر بها المسيح سيقولها النبىّ الحق عند قدومه وقد عبَّرت النسخ (LB , TEV , NIV , PME ) عن تلك الأشياء بقولها : ( I have much more to tell you ) . وقالت النسخة الأمريكية القياسية ( I have many more things to say to you ) .
وهذه الأشياء الكثيرة جدا التى لم يُخبر بها المسيح - عليه السلام - فيها دلالة صريحة على عدم إكتمال رسالة المسيح - عليه السلام - . وفيها أيضا اشارة إلى أنَّ رسالة النبىّ الحق سوف تكون المتممة ، بإذاعته وإعلانه للحق الكامل .
جاء فى نسخة البيبل الأورشليمى ما نصّه :
“ But when the Spirit of truth comes , he will lead you to the complete truth “ .
وترجمته : ولكن عندما يأتى الروح الحق فهو يُرشدكم إلى الحق الكامل .
... والآن وبعد مرور أكثر من ألفى سنة على رسالة المسيح ، مَن الذى جاء بالحق كله وأذاعه بين الناس ..!؟ لا يعرف التاريخ أحدا قد جاء بالحق الإلهى الكامل من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - غير نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - .
أمَّا عن قولهم أنَّ روح الحق هذا هو الروح القدس الاقنوم الثالث فهو كلام لا يستقيم مع المنطق والواقع . فبأى لغة أخبر الروح القدس الناس بالأشياء التى لم يُخبر بها المسيح ..!؟
ومتى كان ذلك ..!!؟
وما هى هذه الأمور التى أخبر بها ..!!؟
لا شىء يُعرف عن ذلك الأمر . فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام وعبادة الأوثان والعرافة أو الكهانة وأحكام الطلاق وأمور أخرى كثيرة لم يُخبر بها المسيح ولم يسمع التاريخ عن إخبار الروح القدس بها إلى الآن .(1/31)
ولكن روح الحق نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - عندما جاء منذ أكثر من أربعة عشر قرنا أعلن أحكام الله فى هذه القضايا وأمور أخرى كثيرة بيَّنها وفصَّلها وعَمِلَ بها المسلمون . وتم إكمال دين الله وإتمام نعمه على البشر جميعا ببعثته - صلى الله عليه وسلم - . قال تعالى فى قرآنه الكريم { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا } .
... 2 .. يُذَكِّرَ الناس بكل ما قاله المسيح - عليه السلام - ( يوحنا 14 : 26 ) :
من أسماء القرآن الكريم الذكر ( 9 / الحجر ؛ 51 ، 52 / القلم ) . وقد أوحى ذلك الذكر الحكيم على قلب الروح الحق نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ليكون للعالمين هاديا ونورا مبينا . ونجد فى القرآن الكريم نصوصا كثيرة منسوبة إلى المسيح - عليه السلام - وإلى الصِّدِّيقة مريم وإلى الحواريين ، ونصوص أخرى تُذكر فيها أدق تفاصيل بعثة المسيح - عليه السلام - وما قاله قومه له وما فعله الله به فى أواخر بعثته ، وتبرئته وأمّه العفيفة الشريفة من أقوال الناس فيهما .
ونصّ إنجيل يوحنا هنا يقول بأنَّ الروح الحق سوف يجعلهم يتذكرون كل ما قاله المسيح - عليه السلام - . وهذا معناه أنَّ أتباعه سوف ينسون كثيرا من أقوال المسيح وتعاليمه فيذكرهم بها الروح الحق عند مجيئه .
وسأضرب مثالين اثنين من داخل نصوص الذكر الحكيم من بين عشرات النصوص التى كشف عنها القرآن وذكَّرَ بها الناس :
ففى المثال الأول ذكرَ القرآن الحوار الذى دار بين المسيح - عليه السلام - وحوارييه بشأن طلب نزول مائدة مِن السماء ، تلك الحادثة التى نسيها الأتباع ولم يبق منها إلا الذى يُطلقون عليه بالعشاء الأخير الذى أصبح سَرَّا من أسرار المسيحية الكبرى .(1/32)
قال تعالى فى الذكر الحكيم ( سورة المائدة / الآيات من 112 ـ 115 ) : { إذ قال الحواريوُّن يا عيسى ابنَ مريمَ هل يستطيع ربُّك أن يُنزِّل علينا مائدة مِن السماء ، قال اتقوا اللهَ إن كنتم مؤمنين . قالوا نُريدُ أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلمَ أن قد صَدَقتنا ونكونَ عَليها مِن الشاهدين . قال عيسىَ ابنُ مريمَ اللهُمَّ ربَّنا أنزل علينا مائدة مِنَ السماء تكونُ لنا عِيدا لأوَّلنا وآخرنا وآية مِنك وارزقنا وأنت خير الرَّازقين . قال الله إنِّى مُنزلها عليكم ، فمن يكفر بعدُ منكم فإنى أعذبهُ عذاباً لا أعذبهُ أحداً مِن العالمين } .
وفى المثال الثانى يُخبرُ الذكر الحكيم بما قاله المسيح - عليه السلام - لقومه مِن بنى إسرائيل بشأن النبىّ الآتى بعده والذى هو موضوع بحثنا هذا .
فقال تعالى فى سورة الصًّف الآية الخامسة : { وإذ قال عيسىَ ابنُ مَرْيمَ يا بَنى إسرائيل إنى رَسُولُ اللهِ إليكم مُصَدِّقا لِمَا بَين يَدَىَّ مِن التوراة ومُبَشِّرا برَسُولٍ يأتى مِن بعدى اسْمُهُ أحْمَدُ } .
هذا النصّ الذى يتناساه المسيحيون ويحاولون طمس معالمه ومَحْو آثاره من ترجمات إنجيل يوحنا . بقولهم إنَّ البارقليط هو الروح القدس ، يقولون ذلك وهم لا يعلمون معنى كلمة بارقليط الآرامية ..!!
كما يُحاول أيضا علماء الإسلام أن يثبتوا أنَّ كلمة بارقليط يونانية وأنها تحريف لكلمة يونانية أخرى هى بيركلوت بمعنى الأكثر حمدا وليست باركليت التى تعنى المعزَّى أو المؤيد أو الشفيع أو المساند أو المدافع أو المستشار إلى آخر ما قالوه ، وهم يبنون أقوالهم واستنتاجاتهم على أساسات بالية متداعية غير صحيحة ، فلم يتكلم المسيح - عليه السلام - اليونانية ، ولم يكتب يوحنا إنجيله بالآرامية ..!!(1/33)
ويبقى قول المسيح عن البارقليط الآتى من بعده شوكة فى ضمائر المسيحيين المؤمنين تؤرقهم إذا ما وقعت أعينهم على نصّ يوحنا ( 14 : 26 ) " يُعَلمَكُمْ كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم " . ويبقى النصّ القرآنى المُنزَّلُ على النبىّ الحق - صلى الله عليه وسلم - مُذكّرًا وشاهدا عليهم إلى يوم الدين .
والأمثلة كثيرة فى الذكر الحكيم أكتفى بهذين المثالين لعل الشفاء يكون فيهما وفى باقى أبحاث ذلك الكتاب . وصدق الله العظيم حين قال فى الذكر الحكيم : { ومِنَ الذين قالوا إنَّا نصَارَى أخذنا مِيثاقهُم فنسُوا حَظاً مِمَّا ذكِّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة . وسوف يُنبِّئهمُ الله بما كانوا يصنعون . يا أهل الكتاب قد جَاءَكم رسُولنا يُبيِّنُ لكم كثيرا مما كنتم تخفون مِن الكتاب ويَعفو عن كثير قد جَاءَكم مِن الله نور وكِتاب مُبين . يَهْدِى بِهِ الله مَنِ اتبعَ رضوانه سُبُلَ السلام . ويُخرجهم مِن الظلمات إلى النور بإذنِهِ ، ويَهْديهم إلى صِراط مُسْتقيم . لقد كفر الذين قالوا إنَّ اللهَ هُوَ المسيح ابن مَريمَ ، قل فمَن يَمْلِكُ مِن اللهِ شيئاً إن أرادَ أن يُهْلِكَ المسيحَ ابنَ مريمَ وأمَّهُ ومَن فى الأرض جميعا . وللهِ مُلكُ السمَاواتِ والأرضِ وما بينهما يَخلق ما يَشاءُ ، واللهُ على كل شىء قدِير . وقالت اليهود والنصارى نحنُ أبناؤُا اللهِ وأحِبَّاؤهُ . قل فلمَ يُعذبكم بذنوبكم . بل أنتم بَشرٌ مِمَّن خلقَ ، يَغفِرُ لمن يَشاءُ ويُعذب مَن يَشاءُ ، وللهِ مُلك السماوات والأرضِ وما بينهما وإليهِ المصير . يا أهل الكتاب قد جاءكم رسُولنا يُبيِّنُ لكم على فترةٍ مِنَ الرُّسُل أن تقولوا ما جاءنا مِن بشير ولا نذير . فقد جاءكم بشير ونذير . واللهُ على كل شىء قدير } ( المائدة / الآيات من 14 ـ 19 ) .
... 3 .. يشهد للمسيح - عليه السلام - ( يوحنا 15 : 26 ) :(1/34)
وكلمة يشهد فى الأصل اليونانى هى ( ?????????? ) والتى تنطق مارتوريسى وتحمل الرقم ( 3140 ) ، وأصل معناها هو " إعطاء تقرير صادق أمين عَنْ " إمَّا مكتوبا أو مسموعا .
ولذا قالت نسخة ( LB ) ( will tell you all about me ) بمعنى سيخبركم عن كل شىء عنِّى ، وابتعدت عن معنى الكتابة التى لا تتطابق مع القول بأنَّ البارقليط هو الروح القدس ..!!
وقالت نسخة ( TEV ) : ( He will speak about me ) بمعنى سوف يتكلم عنِّى فذكرت كلمة يتكلم ( speak ) التى لا تتفق مع الروح القدس ..!!
وجاء البارقليط الرسول الحق - صلى الله عليه وسلم - ومعه القرآن الكريم فيه تقرير صادق أمين كامل عن المسيح - عليه السلام - منذ الحمل به وولادته وبعثته ومعجزاته لن تجد أكثرها فى الأناجيل المتداولة الآن بين الناس .(1/35)
تقرير مكتوب بين دفتى المصحف الشريف ومسموع من أفواه المُقرئين لكتاب الله . قال تعالى ( آل عمران / 45 ـ 59 ) : { إذ قالت الملائكة يا مريمُ إنَّ اللهَ يُبشُّركِ بكلمة مِنهُ اسمهُ المسيحُ عيسىَ ابنُ مريمَ وجيها فى الدنيا والآخرةِ ومِنَ المُقربين . ويُكلِّمُ الناسَ فى المَهْدِ وكهلا ومِنَ الصالحين . قالت رَبِّ أنَّى يكونُ لى وَلدٌ ولم يَمْسَسْنِى بَشرٌ ، قال كذلكِ اللهُ يُخلق ما يشاءُ ، إذا قضى أمْراً فإنما يقول لهُ كُن فيكونُ . ويُعَلمَهُ الكتاب والحِكمةَ والتوراةَ والإنجيل . ورسولا إلى بنى إسرائيلَ أنِّى قد جئتكم بآيةٍ مِن ربِّكم أنِّى أخلق لكم مِن الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وأبرىء الأكمه والأبرصَ وأحْيىِ الموتى بإذن اللهِ ، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم . إنَّ فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين . ومُصدَّقا لما بين يدىَّ مِن التوراة ولأحل لكم بعض الذى حُرِّمَ عليكم ، وجئتكم بآية مِن ربِّكم . فاتقوا الله وأطيعون . إنَّ اللهَ ربِّى وربُّكم فاعبدوه هذا صراط مُستقيم . فلمَّا أحَسَّ عِيسى مِنهم الكفر قال مَن أنصارى إلى الله . قال الحواريون نحنُ أنصارُ اللهِ آمَنَّا باللهِ واشهد بأنَّا مُسلمون . ربَّنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسولَ فاكتبنا مع الشاهدين . ومَكروا ومكرَ اللهُ ، واللهُ خيرُ الماكرين . إذ قال اللهُ يا عيسى إنِّى مُتوفيك ورافعك إلىَّ ومُطهِّرُك مِن الذين كفروا وجاعلُ الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة . ثمَّ إلىَّ مَرجعكم فأحكمُ بينكم فيما كنتم فيه تختلفون . فأمَّا الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً فى الدنيا والآخرة . وما لهم مِن ناصرين . وأمَّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفِّيهم أجورهم واللهُ لا يُحب الظالمين . ذلك نتلوهُ عليكَ مِنَ الآيات والذكر الحكيم .(1/36)
إنَّ مَثلَ عِيسىَ عند اللهِ كمثلِ آدمَ ، خلقهُ مِن تراب ثمَّ قال له كُن فيكونُ } .
... قارئى العزيز .. أليس ذلك بتقرير كامل صادق عن المسيح - عليه السلام - ..!؟؟
ومِن أين جاء به ذلك النبىّ الأمِّىّ - صلى الله عليه وسلم - ومعظم ما فيه غير مُسجل فى الأناجيل المعروفة المتداولة بين الناس ..!؟؟ وهل عند إخواننا المسيحيون تقريرا آخرا عن المسيح جاء به الروح القدس ..!!؟؟
أعتقد أنَّ العقلاء مِن المسيحيين سيلزمون الصمت أمام ذلك التقرير الشاهد .
4 .. يُبَكِّت العالم على الخطيئة وعلى البر وعلى الدينونة ( 16 : 8 ) :
وكلمة يُبَكِّت فى الأصل اليونانى هى ( ??????? ) ومِن معانيها : يُدِن ويُجَرِّم ويُفحِم ويُدْحِض ويُبيِّن الخطأ من الصواب ويستنكر ويُوَبِّخ . وكلها أفعال لا يقوم بها إلا مَنْ أوتى القوة والمنطق ليُدينَ ويُجَرِّمَ ويُفحِمَ ويُبيِّن الخطأ من الصواب ويدعو إلى الابتعاد عن الخطأ ، بمعنى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
ومِن أشهر المبادىء الأساسية التى جاء بها البارقليط الرسول الحق - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
قال تعالى فى قرآنه : { الذين يتبعُون الرَّسُول النبىَّ الأمِّىَّ الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحِلُّ لهم الطيِّبات ويُحَرِّمُ عليهم الخبائث ويَضعُ عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه واتبعوا النورَ الذى أنزل معَهُ أولائك هم المفلحون } ( 157 / الأعراف ) .
وأظهر صلوات الله وسلامه عليه الحق ودَحَضَ الله به الباطل ، ووقف تُجاه الفرس والروم ، فأزال الله به الشرك مِن معظم الأرض المعمورة حينذاك وحَلَّ دين الله وعبادة الإله الواحد بين العالمين . وبَيَّنَ وأظهرَ أنَّ هناك مَعَادٌ وحساب فى يوم القيامة ـ الدينونة ـ وأنَّ هناك جنَّةٌ أو نار .(1/37)
قال تعالى لخاتم رسله مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - : { قل يا أيها الناس إنِّى رسول اللهِ إليكم جميعا الذى له مُلك السماوات والأرض . لا إله إلا هو يُحْىِ ويُميت . فآمنوا باللهِ ورسوله النبىِّ الأمِّىِّ الذى يؤمن بالله وكلمتِهِ واتبعوه لعَلكُم تهتدون } ( 158 / الأعراف ) .
... 5 .. يُرشد الناس إلى الحق كله ( يوحنا 16 : 13 ) :
وهذا الأمر له تعلُّق بما جاء فى الفقرة الأولى ، إلا أنَّ المسيح - عليه السلام - هنا يفيدنا بأنَّ البارقليط النبىّ الحق - صلى الله عليه وسلم - سيكون آخر الأنبياء فلا نبىّ بعده . فهذا النبىّ - صلى الله عليه وسلم - سيرشدُ الناس إلى الحق كله ، فليس هناك حق آخر يحتاج لنبىّ آخر ليُرشدَ إليه . فجميع الأنبياء السابقين قد بيَّنوا لأممهم الحق الذى يحتاجونه وليس الحق كله لأنهم لا يُطيقونه فى زمانهم كما قال المسيح - عليه السلام - لتلاميذه " لا يزال عندى أشياء كثيرة أقولها لكم ولكنكم لا تطيقون الآن حملها . فمتى جاء هُوَ أى الروح الحق أرشدكم إلى الحق كله " .
فلم يقل المسيح - عليه السلام - كل ما يعرفه من الحق لتلاميذه ، اشعارا منه - عليه السلام - بأنَّ القادم من بعده سيكمل اظهار الحق كله ، إضافة إلى أنَّ هذا النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - سيُبيِّنُ الحق كله للناس أجمعين خلاف المسيح - عليه السلام - الذى بيَّن ما عنده مِن حق لقومه فقط من بنى إسرائيل .(1/38)
... قال تعالى فى الذكر الحكيم { يا أيها الناس قد جاءكم الرَّسُولُ بالحق مِن ربِّكم فآمنوا خيرا لكم ، وإن تكفروا فإنَّ للهِ ما فى السماوات والأرض ، وكان الله عليما حكيما } ( 170 / النساء ) . وقالت الجِنُّ عندما سمعوا للقرآن يُتلى عليهم { يا قومنا إنَّا سَمِعْنا كتابا أنزل مِن بعد موسى مُصَدِّقا لما بين يَديه يَهدى إلى الحَقّ وإلى طريق مُستقيم يا قومنا أجيبوا داعىَ اللهِ وآمنوا بهِ يَغفر لكم مِن ذنوبكم ويُجرْكُم مِن عذابٍ أليم } ( 30 ـ 31 / الأحقاف ) .
... 6 .. يُخبرُ عن أمور غيبية سوف تحدث فى المستقبل ( 16 : 13 ) :
هناك أمورا غيبية كثيرة أخبرعنها الرسول الحق نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - سجلها العلماء فى كتب دلائل النبوَّة ، فمن أراد الاطلاع عليها فليطالعها فى أماكنها من كتب السيرة ودلائل النبوَّة ولكنى سأختار هنا مثلا واحدا فقط ، أراه يتحقق فى عصرنا ولم يكن له وجود قبل ذلك وهو تواجد دولة إسرائيل فى فلسطين منذ عام 1948م .
فقد وردت أحاديث كثيرة عن نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - تتحدث عن قتال المسلمين لليهود فى منطقة بيت المقدس ولم يكن هناك يهود فى فلسطين فى ذلك العصر وإلى منتصف القرن العشرين الميلادى . ودخل الإسلام فلسطين ولم يكن فيها يهودى واحد منذ أن تم تدمير معبدهم على يد الرومان سنة 70 م ، وحافظ المسيحيون من بعدهم على خلو منطقة فلسطين من اليهود .
وكان علماء المسلمين القدماء ينظرون إلى هذه الأحاديث ولا يفهمون مغزاها فأحالوها إلى آخر الزمان . والآن فى عصرنا هذا أصبحت هذه الأحاديث هى مدار الشرح والتفسير حيث تواجد اليهود فى فلسطين وقاتلوا المسلمين ولا يزالون يقاتلونهم .(1/39)
وحول ذلك القتال الدائر بين اليهود والمسلمين فى فلسطين بأكناف بيت المقدس يُلخص القرآن الكريم القضية من أولها لآخرها : فقال عن جلوتهم الكبرى من فلسطين على يد الرومان { وقطَّعناهم فى الأرض أسباطا أمما } ( 168 / الأعراف ) فتشتتوا فى البلاد . وقال عن تجمعهم فى فلسطين مرة أخرى { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا } ( 104 / الإسراء ) .
وقامت دولة اليهود بمساعدة الغرب المسيحى . وبدأ الصراع الذى نعيشه الآن بين المسلمين واليهود . ويخبرنا القرآن الكريم عن جولتين حاسمتين بتفصيل مذهل نرى بوادره بأعيننا فقال تعالى فى سورة الإسراء ( 4 ـ 8 ) :
{ وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتُفسِدُنَّ فى الأرض مَرَّتين ولتعْلنَّ عُلواً كبيرا . فإذا جاء وَعْدُ أولاهما بعثنا عليكم عِبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا . ثمَّ رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، وإن أسأتم فلها ، فإذا جاء وَعْدُ الآخرة ليسوئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليُتبِّروا ما عَلوا تتبيرا . عسى ربُّكم أن يرحمكم وإن عُدتُّم عُدْنا . وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } .
لقد كُنَّا نحن المسلمين ننظر إلى هذه الآيات فى الماضى على أنَّ أحداثها قد وقعت فى الماضى ، ولكن التاريخ لا يشهد بذلك ..
فلم تكن لبنى إسرائيل كرة على محاربيهم من الآشوريين أتباع بختنصّر ولم يهزموا الرومان . وكلا الطائفتين لم تكونا مِن عباد الله المؤمنين حتى يصفهم القرآن بأنهم { عبادا لنا } . كما لم يكن هناك فى فلسطين قبل ظهور الإسلام مسجدا ، وإنما كان هناك بيت المقدس أو المعبد . فتأملوا جيدا فى قول الله تعالى { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة } . فالانتصار على بنى إسرائيل فى فلسطين سيكون على يد المسلمين بإذن الله أصحاب المسجد .(1/40)
... 7 .. سيُمَجِّد المسيح - عليه السلام - بالقول الصادق ( يوحنا 16 : 14 ) :
وكلمة يُمَجِّد فى الأصل اليونانى هى ( ??????? ) وأحيانا ( ?????? ) والتى تحمل الرقم ( 1392 ) وهى من الفعل ( ???? ) الذى يُنطق دوكسا بمعنى يُمَجِّد أو يُعلى شأن أو يُوَقِّر أو يُجِلّ أو يُكرِّم .
قلت جمال : ولا يوجد شخص فى التاريخ البشرى أعْلى شأن المسيح - عليه السلام - وكَرَّمَهُ ودافعَ عنه مما لصق به مِن شبهات باطلة وأقوال زائفة إلاَّ نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . فكم مِن آيات قرآنية يتعبَّدَ بتلاوتها المسلمون فى صلواتهم كل وقت وحين . تكلمت عن المسيح - عليه السلام - منذ حمله وولادته ونشأته وبعثته ..؟؟ وهناك ثلاث آيات قرآنية بيَّنت أنَّ الله تعالى قد أيَّد المسيح بـ روح القدس أى نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت لى مِن بحثى عن المؤيِّد القرآنى (1) . ولم نسمع أنَّ الروح القدس قد دافع عن المسيح - عليه السلام - أمام هرطقات آباء الكنائس الأولى والأخيرة . ولا يوجد شخص معروف قد جاء بتمجيد المسيح وإعلاء شأنه وتكريمه فى الديانة المسيحية أطلقوا عليه لقب بارقليط أو روح الحق أو حتى نبىّ ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الآيات أرقام ( 87 ، 253 / سورة البقرة ؛ 110 / سورة آل عمران ) .
راجع التفصيل فى كتابى المؤيِّد القرآنىّ والبارقليط الإنجيلى . وكتابى قضايا فى الإسلام والمسيحية .
... 8 .. " يبقى معكم إلى الأبد " ( يوحنا 14 : 16 ) :
فيه دليل قوى على أنَّ هذا البارقليط الآخر سيكون آخر سلسلة البارقليطات أى سيكون خاتم البارقليطات . كما أنَّ فيه اشارة إلى أنَّ المسيح - عليه السلام - لن يبقى معهم إلى الأبد . فرسالته محدودة فى زمانها خلاف رسالة البارقليط الآتى .
ولكن كيف سيبقى ذلك البارقليط إلى الأبد مع أنَّ كل نفس ذائقة الموت ..!؟(1/41)
لقد بقى فينا كليم الله موسى - عليه السلام - بأقواله وتوراته ، وبقى فينا المسيح - عليه السلام - بأقواله وإنجيله . وهكذا سيبقى بيننا البارقليط الآخر بأقواله وكتابه . ولن يبقى بجسمه المادىّ فكل نفس ذائقة الموت . فها هو القرآن الكريم نقرأه بين أيدينا نتلوه ونحفظه عن ظهر قلب . وها هى السنة المُطَهَّرة نتدارسها ، كأنه صلى الله عليه وسلم بيننا .
ويعتبر الإسلام هو الرسالة الوحيدة التى أعلنت ختم النبوَّة وخلود الرسالة . وهذا لم يحدث فى اليهودية أو فى المسيحية . ونِعْمَ قول حسَّان بن ثابت رضىَ الله عنه وهو يَمدح نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
وضمَّ الإله اسم النبىّ إلى اسمه .. إذا قال فى الخمس المؤذن أشهدُ
وشقَّ له من إسمه ليحلّه .. فذو العرْش محمودٌ وهذا مُحَمَّدُ
والخلاصة : أنَّ هذه الصِّفات الشخصية والفعلية لا تنطبق على أمر معنوى فى قلوب بعض الناس . أمر معنوى لا يُرَى بالأعين ولا يُسْمعُ بالأذن . وإنما تنطبق على شخص يراه الناس ويسمعون كلامه . فيشهد للمسيح ، ويُعلمهم كل شىء . ويُذكرهم بكل ما قاله المسيح لهم . يُرشد الناس إلى الحق كله . ولا ينطق مِن عند نفسه بل يتكلم بما يسمع مِن الوَحْى . ويُخبرهم بكل ما يأتى مِن أحداث دينية هامة . ويُعرِّفهم جميع ما لرب العالمين .
وتكون رسالته خالدة فلا نبىّ بعده . وهذا لا يكون مَلَكاً لا يراه أحد ولا يكون هُدىً وعِلماً فى قلوب بعض الناس ، بل يكون مثل المسيح - عليه السلام - تماما فى خِلقته ( ????? ) رجلا كاملا ، ولكنه أعظم منه فى الصفات والأفعال حسب قول المسيح - عليه السلام - فى شأنه . فهو يُخبر بما لم يقدر المسيح أن يُخبر به . ويُعَلِّمُ بما لم يعلمه المسيح ، ويُخيرُ بكل ما سيأتى وبما يستحقه الرَّب المعبود . إنَّهُ رسول الله إلى العالمين .. أحمد - صلى الله عليه وسلم - .
هَمْسَة عِتاب للعلماء المسلمين والمسيحيين ..!!(1/42)
لقد وقع جميع العلماء مِن الطرفين فى خطأ جسيم ، ألا وهو القول بأنَّ كلمة بارقليط يونانية الأصل ، مع أنها لا توجد فى اليونانية . والموجود فقط هو منطوق الكلمة ملحونا باللسان اليونانى هكذا باركليت ( ???????? ) فالقاف والطاء لا يُعْرفان فى اليونانية والبديل لهما فى الصوت هما الكاف والتاء .
وحتى هذه الكلمة باركليت ليس لها معنى فى اليونانية لأنها ليست من مفرداتها . ولذا لجأ علماء المسيحية إلى أقرب الكلمات اليونانية شكلا ومخرجا . فاختاروا كلمة باراكاليو ( ????????? ) التى بمعنى المُعَزى وقالوا بأنَّ أصل الكلمة هو باراكاليو . ولكن يوحنا لم يقل باراكليو وإنما قال باركليت .
وقد سبق الكلام على كل الترجمات للمصطلح بارقليط اليوحناوى التى أتوا بها من كلمات يونانية متعددة مثل ( ?????????? ) أو ( ????????? ) أو ( ????????? ) أو ( ????????? ) أو ( ?????????? ) أو ..... الخ . وكلها كلمات يونانية لا علاقة لها بالبارقليط فى أصل لغته .
ولجأ علماء المسلمين إلى القول بأنَّ أصل الكلمة اليونانية هى بيروكليت وليست باركليت ، وأنَّ النُسَّاخ قد أخطؤا فى كتابة الكلمة اليونانية ، وكلّ ذلك حتى يجعلوا معنى المصطلح اليوحناوى باركليت معناه أحمد فى العربية ..!!
ولكن للأسف الشديد لا توجد نسخة معروفة لإنجيل يوحنا مكتوبا فيها كلمة بيروكليت ..!!
... والأمر أيسر مِن ذلك كثيرا .. لماذا لا تقولون بأنَّ الكلمة أصلها آرامى لغة المسيح - عليه السلام - التى تكلم بها ، ثم تبحثون عنها فى نصوص الأسفار اليهودية والمسيحية المكتوبة بالآرامية أو العبرية القديمة ذات اللسان الآرامى أيضا ..!!؟
إنه مَطْلب بديهى عند المتفكرين الذين يبحثون عمَّا يجهلون ، وليس عند الذين يبحثون عن شىء يؤمنون به ..!!(1/43)
فهذا المصطلح اليوحناوى عندما تُرجم فى القرن الثالث مِن اليونانية إلى السُرْيانية كتبوه فى النسخة البشيطة السريانية بارقليطا بالألف الممدودة فى آخر الكلمة والتى هى أداة التعريف العربية أى البارقليط . وهو مُكون مِن كلمتين آراميتين هما بار وقليط . فهذا المنطوق بارقليط أقرب إلى لغة المسيح مِن اليونانى باركليت .
ثمَّ إذا بحثنا فى الأسفار اليهودية سوف نجد كلمة قليط فى سفر اللاويين كما سبق بيانه . فالأمر سهل وممتع فى أن تتعقب معنى المصطلح الآن فى لغته الأم بدون رَجْم فى اختيار المعانى اليونانية التى لم تخطر على بال يوحنا ..!!
وليس بشرط عند المسلمين أن يكون معنى المصطلح بارقليط هو الإسم أحمد فهناك بشارات كثيرة واردة عن المسيح - عليه السلام - بشأن خاتم الأنبياء والمرسلين النبىّ الأمِّىّ - صلى الله عليه وسلم - ربما نجد فيها معنى الإسم أحمد .
هذا وقد سبق مِنِّى الكلام على أنَّ اللغة الآرامية يندر فيها استخدام صيغة أفعل التفضيل ، فإن كان ولا بد فيأتون بكلمة أخرى مصاحبة للإسم للدلالة على أفعل التفضيل . فليكون البحث عن الإسم أحمد مِن تلك الناحية .
فالمصطلح بارقليط معناه رسول . ويكون معنى قول المسيح - عليه السلام - :
" بارقليط آخر " هو " رسول آخر " تصديقا لقول المسيح فى القرآن الكريم { ومُبَشِّرا برسول يأتى من بعدى } . فالكلمتان رسول وبارقليط من أسماء الجنس وليسا من أسماء الأعلام حتى نقول بأنَّ بارقليط هو الاسم أحمد .
لغز روح القدس فى نصّ يوحنا ( 14 : 26 ) ..!!
إنَّ مِن أكبر الأخطاء التى وقع فيها الأوائل هى قيامهم بترجمة معانى الأسماء إلى اللغة اليونانية وعدم ذكر الأسماء الآرامية كما هى . وبالتالى فقد فقدَ الأحفاد من بعدهم حقيقة الأسماء فى اللغة الأم الأصلية ألا وهى الآرامية . فالأسماء تظل كما هى بين اللغات حتى يعرف الناس عمن يتكلمون ويكتبون .(1/44)
وأكبر مثال على ذلك اسم الله . فقد نقلوه إلى اليونانية ثيوس ، ومِن ثمَّ فلن يجد القارىء الآن اسم الله فى الأناجيل اليونانية أو ترجماتها إلى سائر اللغات . مع أنَّ تلاميذ المسيح - عليه السلام - لا يعرفون ثيوس هذا ولا يتعبَّدون له . وقل مثله أيضا حول اسم المسيح - عليه السلام - حيث كتب فى اليونانية بثلاث صيغ حسب موقعه الإعرابى فى الجملة ( إيسوس ، إيسون ، إيسو ) ، ومن اليونانية ترجم إلى سائر اللغات بأشكال مختلفة ليس مِن بينها الاسم الآرامى الصحيح للمسيح - عليه السلام - ألا وهو عيسى الآرامى (1) ..!!
وهناك أمر آخر وهو تدَخُّل النسَّاخ للأناجيل اليونانية بشرح معانى بعض الأسماء والكلمات الآرامية بين سطور الأناجيل وليس فى الهامش مما أوقع القرَّاء فى خطأ الاعتقاد أنَّ ذلك الشرح مِن أصل النصوص . وسأضرب بعض الأمثلة على ذلك الأمر :
... ففى إنجيل يوحنا ( 1 : 42 ) نجد قول أندراوس لأخيه : " قد وجدنا مِسِّيِّا ( ??????? ) . الذى تفسيره كرستوس ( ??????? ) " .
فالقارىء هنا لا بد وأن يعلم أنَّ كلمة مِسِّيِّا ليست يونانية بدليل ترجمة معناها للقارىء اليونانى إلى كرستوس ، وبالتالى فإنَّ كرستوس ليست آرامية . فإن أردنا أن نُرجعَ النصّ إلى أصله الآرامى أو العربى فسيكون هكذا " قد وجدنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى معالم أساسية لتتعرف بالتفصيل على اسم الله والمسيح فى الأناجيل اليونانية وأصلهما الآرامى .
مِسِّيِّا . الذى تفسيره مسيح " .(1/45)
وهنا نلاحظ أنَّ لدينا كلمتين آراميتين مُختلفتين مِسِّيِّا و مسيح ، وهما قطعا ليستا سواء . فلكل منهما جذر لغوى مختلف (1) . ولكن ذلك التفسير الذى وقع فى متن النصّ أوقع علماء المسيحية فى الشرق والغرب فى الخطأ الفادح القائل بأنَّ الكلمتان معناهما واحدا . والسبب هو جهل الناسخ اليونانى للإنجيل بمعنى كلمة مِسِّيِّا فى الآرامية . ثم بخطئه حين ترجم الاسم الآرامى مسيح إلى أسم آخر يونانى هو كرستوس .
المثال الثانى هو ما جاء فى إنجيل متى ( 1 : 23 ) " ويدعون اسمه عِمَّانوئيل ( ????????? ) الذى تفسيره ثيوس ( ???? ) معنا " وهنا أيضا نلاحظ أنَّ الاسم الأول عِمَّانوئيل قد كتب فى اليونانية بمنطوقه الآرامى ولكن عندما شرح الناسخ معنى الاسم فى اليونانية غيَّر الاسم الآرامى إيل إلى ثيوس اليونانى وهما ليسا شيئا واحدا . فإن أرجعنا النصّ إلى الآرامية أو العربية فسيكون هكذا : " ويدعون اسمه عِمَّانوئيل الذى تفسيره إيل معنا " .
ومِن ثمَّ فقد وقع أيضا العلماء فى خطأ فادح هو القول بأنَّ ثيوس هو الله حين كتبوا اسم الجلالة الله بدلا عن اسم الاله اليونانى ثيوس فى النصّ العربى . والسبب هو جهل الناسخ اليونانى للإنجيل حين ترجم الاسم الآرامى إيل إلى الاسم اليونانى ثيوس .
... وهنا فى بحثنا حول البارقليط سنجد إنجيل يوحنا ( 14 : 26 ) يقول :
البارقليط ( ?????????? ) وهو الروح القدس ( ?? ?????? ?? ????? )
فعبارة وهو الروح القدس تدَخُّل تفسيرى مِن الناسخ للنصّ كما حدث فى المثالين السابقين تماما وإلى القارىء البيان والتوضيح :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. سوف يأتى الشرح التفصيلى لذلك الأمر فى مبحث المِسِّيَّا .(1/46)
كلمة بينوما ( ?????? ) اليونانية معناها نفس بفتح الفاء وليس بتسكينها . ويكتبونها روح تسهيلا على القرَّاء العرب ، وكلمة أجون ( ????? ) معناها طاهر أو صَفِىّ أو تقِىّ ، وهم يترجمونها فى العربية قدُس ، وأداة التعريف هى تو ( ?? ) .
... هناك فرق بين العبارتين ( روح القدس ) و ( الروح القدس ) . فالعبارة الأولى تكتب فى الأصل اليونانى ( ??? ????? ????????? ) بتعريف كلمة قدس وتنكير كلمة روح ، كما ورد فى نصّ متى ( 28 : 19 ) " وعَمِّدُوهم باسم الآب والابن و روح القدس ( ??? ????? ????????? ) " . وللأسف الشديد فإنَّ الترجمات العربية قالت الروح القدس خلافا للأصل اليونانى ..!!
فالأقنوم الثالث يقال له روح القدس وليس الروح القدس إن ابتغينا الدِّقة فى الترجمة وصِحَّتها . و روح القدس هنا ليس بشرا سويا .
... وهناك روح قدس ( ?????? ????? ) بتنكير الكلمتين . وهذا التعبير ورد فى إنجيل متى ( 1 : 18 ) " أمَّا ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا : لمَّا كانت مريم أمُّهُ مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا ، وُجِدَت حُبْلى من روح قدس ( ?????? ????? ) " .
... وورد فى لوقا ( 1 : 35 ) " فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا . فأجاب الملاك وقال لها روح قدس ( ?????? ????? ) يُحِلُّ عليك وقوَّة العلىّ تظللك ... " .
... وفى إنجيل يوحنا ( 20 : 22 ) " ولمَّا قال ـ المسيح ـ هذا نفخ وقال لهم اقبلوا روح قدس ( ?????? ????? ) " .
ويلاحظ أنَّ المُشار إليه بـ روح قدس هنا ليس بشرا سويا أيضا . وللأسف الشديد فإنَّ الترجمات العربية قالت الروح القدس فى الأماكن الثلاثة خلافا للأصل اليونانى ..!!(1/47)
ويلاحظ أيضا أنَّ هذا الـ روح قدس شىء غير مادىّ خرج بالنفخ مِن فم المسيح - عليه السلام - . وقد عَبَّرَ القرآن الكريم عن حمل المسيح فى بطن أمّه مريم عليهما السلام بأنه قد تمَّ بواسطة النفخ أيضا ، ولكن عن طريق جبريل - عليه السلام - الذى يُطلق عليه القرآن لقب روح القدس ..!!
... وهناك تعبير الروح القدس (?? ?????? ?? ????? ) موضوع بحثنا . وهذا التعبير يحتاج إلى شرح . فمن المعترف به أنَّ أداة التعريف فى اليونانية والإنجليزية لا توضع قبل الاسم والصفة على التوالى ، وإنما يُكتفى بأداة تعريف واحدة .
فنقول مثلا ( the holy land ) ولا نقول ( the holy the land ) أى الأرض المقدسة . ونقول ( the beautiful girl ) ولا نقول ( the beautiful the girl ) أى الفتاة الجميلة . ونقول ( the holy spirit ) ولا نقول ( the holy the spirit ) أى الروح الطاهرة أو المقدَّسة .
ولكن نصّ يوحنا فى أصله اليونانى مكتوب فيه أداة التعريف مرتين خلاف المتفق عليه بين العلماء . وهذا الشكل الكتابى يمكن أن يأخذ أحد الاحتمالين ليستقيم فى معناه :
فالاحتمال الأول إمَّا أن تكون هناك نقطة أو فاصلة بعد كلمة روح هكذا (?? ?????? , ?? ????? ) أى يقرأ نصّ يوحنا فى العربية هكذا " البارقليط الروح ، القدس " وتصبح كلمة القدس معطوفة على البارقليط الروح . مع ملاحظة أنَّ كلمة قدُس ( ????? ) معناها الطاهر أو الصَّفِىّ أو النقِىّ أو التقِىّ أو الذى نذر نفسه لخدمة الله والدين . وقد سبق أن عرفنا من كلام يوحنا أنَّ الروح هنا معناها النبىّ . فيكون معنى النصّ هو البارقليط النبىّ ، الطاهر . وحيث أنَّ المصطلح بارقليط معناه كما سبق هو رسول فتكون الترجمة الأصَحّ للنصّ هى " الرسول النبىّ ، الطاهر " .(1/48)
... والاحتمال الثانى هو إضافة كلمة القدُس ( ?? ????? ) إلى النصّ من أحد النسَّاخ . ويشهد على ذلك الاحتمال النسخة السينائية ( MSS ) للعهد الجديد التى تم العثور عليها فى دير سانت كاترين سنة ( 1812مـ ) . حيث وُجِدَ النصّ فيها بدون ذكر كلمة القدس " البارقليط الروح " أى " الرسول النبىّ " . ونجد مثل ذلك فى النسخة السريانية ( the palimpsest version ) بدون ذكر كلمة القدس . والروح هنا هو الروح الحق المذكور فى نصّ ( 15 : 26 ) . أى بدون تدخل تفسيرى من ناسخ الإنجيل .
كما يلاحظ أنَّ " روح الحق " و " روح الضلال " المذكوران فى رسالة يوحنا الأولى ( 4 : 6 ) هما على التوالى نبىّ الحق و نبىّ الضلال . فالبارقليط إنسان وليس شبحا ( Ghost ) كما ورد فى نسخة الملك جيمس المعتمدة ..!! وقد سبق ذكر صفاته الشخصية والفعلية التى لا تنطبق بأى حال من الأحوال على الأشباح والأرواح التى لا تُسمع ولا تُرَى ..!!
وعموما فإنَّ المقصود مِن كلمة الروح فى كتابات العهد الجديد ينحصر فى عدة أشكال منها :
.. روح يُقصد بها شخص إنسانى مُذكر ، وتأتى صفة للأنبياء وهى على نوعين إمَّا روح حق وإمَّا روح ضلال ( 1 يوحنا 4 : 6 ) . ومنها البارقليط الذى وُصِف بأنه الروح الحق ( يوحنا 14 : 17 ) .
.. روح يُقصد بها شخص ملك مِن الملائكة ، وتأتى صفة لبعض ملائكة الله مثل جبريل - عليه السلام - ( متى 1 : 18 ؛ لوقا 1 : 35 ) . ويشار إليه فى الأناجيل والقرآن بأنه روح قدس و روح القدس على التوالى .
..(1/49)
روح لا يقصد منها شخصا بعينه ، وإنما هى إلهام وتأييد قلبى يُبَثّ عن طريق نفخة مِن فم المسيح - عليه السلام - . كما جاء فى يوحنا ( 20 : 21 ـ 22 ) : " فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم . كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا . ولمَّا قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس ( روح قدس ?????? ????? ) " . فالروح هنا هو ما حواه نَفَسُ المسيح المُباشر الخارج مِن فمه ، وليس بشخص على الاطلاق .
.. روح قالوا عنه هو الأقنوم الثالث وهو أيضا ليس بشخص لا بشرىّ ولا ملائكىّ ، لا مُذكَّر ولا مؤنث ولكنه متعادل الجنس ( neutral ) . قالوا عنه بأنه قوَّة الآب وفعله العامل . جاء فى إنجيل متى ( 28 : 19 ) " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعُمِّدُوهم باسم الآب والابن والروح القدس ( وفى الأصل روح القدس ??? ????? ????????? ) " .
ولن أخوض أكثر من ذلك فى تتبع الصيغ المختلفة المكونة مِن الكلمتين روح وقدس مثل ( روح قدس ، الروح قدس ، روح القدس ، الروح القدس ) ومراعاة التذكير والتأنيث والعاقل وغير العاقل ومِن ثمَّ معرفة معانيها المختلفة فكلها واردة فى نصوص أصول الأناجيل اليونانية ولها معان مُختلفة . وهذا الأمر لا يتطابق مع الترجمات العربية المعاصرة ويتباين مع نصوصها حيث قالت الروح القدس على جميع الصِّوَر ..!!
هل البارقليط هو الأقنوم الثالث ..!!؟
إنَّ الخلاف الرئيسى بين المسلمين والمسيحيين يعود فى أصله إلى عدم إعتراف المسيحيين بنبوَّة خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم - . والاعتراف وعدم الاعتراف به - صلى الله عليه وسلم - لا يرجع إلى نصوص صحيحة أو غير صحيحة بقدر ما يرجع إلى التقليد المحض لتراث الآباء والأجداد وهذا للأسف عيب شديد وخلل معيب فى حرية الفكر وحرية الانسان .(1/50)
كما أنَّ أكثر علماء المسلمين يقولون بأنَّ البارقليط هو أحمد اسم نبىّ الإسلام تفسيرا منهم لقول القرآن فى سورة الصَّف " وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مُصدِّقا لما بين يدىَّ من التوراة ومُبَشِّرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد " . ولم يذكر القرآن كلمة بارقليط حتى نزعم أنها تعنى أحمد .
والمسيحيون ينكرون بشدة أن تكون كلمة بارقليط معناها أحمد ، وهم لا يعلمون أصل هذه الكلمة ومعناها فى لغة المسيح - عليه السلام - . وزعموا - رغم جهلهم بمعناها - أنها الأقنوم الثالث من الثالوث المعبود .
فدخل الطرفان معترك الحوار وعقولهم مشحونة بتقاليد الآباء والأجداد . وبالتالى فإنهم لن يتقبلوا أى رأى آخر وإن كان صحيحا من الطرف الآخر يخالف ما هم عليه من تقاليد بالية . فهل نستطيع أن ندرس القضية بموضوعية وحيادية علمية ..!!؟
لقد علمنا مما سبق أصل وفصل المصطلح بارقليط الآرامى . وعلمنا أنه اسم جنس وليس باسم علم لشخص مُعَيَّن . وأنه بمعنى رسول من رسل الله . وعلمنا من نصوص إنجيل يوحنا أنه يشير إلى شخص يشابه المسيح - عليه السلام - فى الجنس والنوع أى رجلا من البشر ، وليس بروح ليس لها جسم يُرَى . وبشىء من الفكر الحُرّ نبحث سويا عن الإجابة المُدَعَّمة بالدليل للسؤال الأزلى : هل البارقليط هو الروح القدس الأقنوم الثالث ..!!؟
المُحاولة الأولى :
قال المسيح - عليه السلام - فى نصّ يوحنا ( 16 : 7 ) " لكنى أقول لكم الحق : إنه خيرٌ لكم أن أنطلق ، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم البارقليط " . واضح جدا من النصّ أنَّ البارقليط لن يأتى ما لم يذهب المسيح من هذه الدنيا . ولندع تفسير كلمة البارقليط جانبا حتى لا تختلط علينا الأمور .
... فالبارقليط والمسيح شخصان لن يجتمعا فى وقت واحد أو عصر واحد . ثم نتناقش الآن مع القائلين بأنَّ البارقليط هو الروح القدس الأقنوم الثالث :(1/51)
هناك نصوص إنجيلية كثيرة تشير إلى تواجد الروح القدس بين الناس قبل ولادة المسيح ، وبعد ولادة المسيح ، وأثناء بعثة المسيح ، وفى الفترة الواقعة بين حادثة الصلب وقبل الصعود إلى السماء . وسأذكر بعض هذه النصوص مباشرة من النسخة العربية المعتمدة ، وبدون الرجوع إلى الأصل اليونانى لتصحيح ترجمة العبارة " الروح القدس " .
ـ فقبل ولادة المسيح - عليه السلام - :
كان الروح القدس مع يوحنا بن زكريا وهو فى بطن أمه ( لوقا 1 : 15 ) . وكان أيضا مع زكريا ( لوقا 1 : 67 ) . وكان مع الياصابات ( لوقا 1 : 41 ) . وكان مع مريم ( متى 1 : 18، 20 ؛ لوقا 1 : 35 ) .
ـ وبعد ولادة المسيح - عليه السلام - : كان الروح القدس مع سِمْعان ( لوقا 2 : 26 ) .
ـ وأثناء بعثة المسيح - عليه السلام - : كان أيضا مع المسيح ( لوقا 3 : 22 ؛ 4 : 1 ) .
ـ وفى الفترة الواقعة بين حادثة الصلب وقبل الصعود إلى السماء : كان مع المسيح والتلاميذ ( يوحنا 20 : 22 ) .
هذا هو حال الروح القدس ، كان متواجدا مع المسيح والناس . وبغض النظر أيضا عن معنى عبارة روح القدس . ولم يكن شخصا ذو لحم ودم يراه الناس ويكلمهم ويكلمونه ، ولا ينطبق عليه قول المسيح - عليه السلام - : " لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به " ، ولم يسمعه أحد يتكلم ..!! فهذا " الروح القدس " لا يمكن أن يكون البارقليط . إنه شىء آخر . ومن قال بغير ذلك فليراجع نفسه مائة مرة وليكشف عن حالة عقله .
المُحاولة الثانية :(1/52)
جاء فى نصّ يوحنا ( 20 : 22 ) " فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم ، كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا . ولمَّا قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس " . وهنا نجد أنَّ الروح القدس عبارة عن الهواء المنفوخ خارج فم المسيح - عليه السلام - ، إنه البركة المُهداة مِن المسيح لتلاميذه وتأييده لهم . وليس بشخص آخر مُشابه للمسيح . إنه هنا شىء غير ملموس . فهذا " الروح القدس " ليس هو البارقليط الآتى من بعد المسيح . والقائل بغير ذلك فيجب عليه أن يسارع بنزع الخشبة الملعونة مِن على عينه حتى يرى الحق جيدا كما قال المسيح - عليه السلام - .
المُحاولة الثالثة :
إنَّ قول المسيح فى نصّ إنجيل لوقا ( 11 : 13 ) " فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جَيَّدة ، فكم بالحرى الآب الذى مِن السماء يُعطى الروح القدس للذين يسألونه " يُشير إلى أنَّ الروح القدس هنا عبارة عن هِبَة الله للناس . والمقابلة بين عطايا الوالدين لأولادهم وعطية الله للناس تنفى تماما القول بأنَّ الروح القدس عبارة عن شخص مُعيَّن .
... وأعتقد يقينا بأنَّ قول المسيح السابق ليس معناه أنَّ الإله الآب سوف يُعطى الناس إلها هو الروح القدس ..!! وهل يعى المسيحيون ذلك المعنى جيدا . أنَّ عطية الإله العلىّ الآب للناس هى الإله العلىّ نفسه ( الروح القدس ) لأنَّ الثلاثة واحد ..!!
ولى هنا ملاحظة على الهامش وهى أنَّ الروح القدس هنا قد كتبها لوقا نكرة أى روح قدس (?????? ????? ) ، فهى ليست بإله أو حتى شخص طاهر . وإنما هى روح طاهرة مجهولة ربما تشير إلى الإلهام والتأييد الإلهى للمؤمنين . وهذه الروح متعادلة الجنس ( neutral ) فلا هى مذكر ولا هى مؤنث . وبالتالى لا يمكن أن تكون هى البارقليط المذكَّر الجنس .
المُحاولة الرابعة :(1/53)
المُعَزِّى ( ??? ) فى العهد القديم : إنَّ أشهر الأسماء العربية للبارقليط اليوحناوى هو المُعَزِّى ، فبه جاءت الترجمة العربية فانديك المعتمدة . فكان مِن الواجب علىَّ أن أبيِّن للقرَّاء أصل كلمة المُعَزِّى فى العبرية واليونانية حسب ورودها فى نصوص العهد القديم .
... لقد وردت كلمة مُعَزِّى فى جميع الترجمات العربية للعهد القديم فى سفر المراثى ( 1 : 2 ، 9 ، 16 ، 17 ، 21 ، .... الخ ) . وأصلها العبرى هو كلمة ناحيم ( ??? ) التى تحمل الرقم ( 5162 ) وهى بمعنى القائم بالتعزية أى المُعَزِّى .
... وهى فى النسخة السبعينية اليونانية مكتوبة باراكاليو ( ????????? ) أى نفس الكلمة اليونانية التى أتوا بها مِن عندياتهم ثم ترجموها فى نصّ يوحنا إلى المُعَزِّى والمُؤيد والمساعد والشفيع . ولم تكتب باركليت ( ???????? ) المنطوق اليونانى للبارقليط .
وهذا دليل آخر على أنَّ كلمة بارقليط ليست يونانية ..!!
... ووردت فى معظم أسفار العهد القديم ولكنهم كتبوها بصيغ فعلية مثل عَزَّى ويُعَزِّى وساعد ويُساعد و ... الخ . فلا داعى للخوض فيها ويكفينا الاسم المُعَزِّى رغم أنَّ الكلمة واحدة ..!!
... وهذا معناه أنَّ المُعَزِّى كان موجودا بين الناس مِن قبل ميلاد المسيح - عليه السلام - بشهادة أسفار العهد القديم ، ولم يتعرَّف علية اليهود وكتبة الأسفار اليهودية وليس هو بـ الروح القدس الذى زعموه فى أسفار العهد الجديد . وبالتالى فإنَّ المُعَزِّى ليس هو البارقليط الآتى من بعد المسيح - عليه السلام - .
بدايات للفهم ..!!
هناك بدايات للفهم بدأت تلوح فى كتابات علماء المسيحية عن البارقليط والروح القدس الأقنوم الثالث . وظهرت اشارات اعتراضية نقدية تقول بأنَّ البارقليط شخصية مُحدَّدَة تختلف عن الروح القدس . ولكنها كتابات قليلة كليلة يمنعها إعراضها عن الاعتراف بنبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - من السير قُدُما فى الاتجاه الصحيح .(1/54)
فعلى سبيل المثال نجد الدكتور القس فهيم عزيز يقول عن البارقليط :
" وهذه الكلمة تختلف عن كلمة الروح القدس فى أنَّ هذه الأخيرة تأتى فى صيغة المحايد اليونانى ، أى الذى لا هو مُذكر ولا هو مؤنث ( neuter ) . أمَّا اللفظ بارقليط فإنه يأتى فى المُذكر ، وهذا يعنى أنه شخصية مُحدَّدة " (1) .
قلت جمال : وتلك بداية جيدة فى طريق الفهم الصحيح ، ولكن للأسف الشديد يتوقف الكلام عن المُضىّ فى معرفة النتيجة المتوقعة من تلك البداية .
كما صَرَّحَ مؤلفو دائرة معارف زندرفان الكتابية الأمريكية بأنَّ هناك لغز حقيقى فى مجال عمل البارقليط كما ورد فى إنجيل يوحنا ، حيث لا يتطابق مع فكرة المُعزِّى أو المُحامى . وإليك النصّ الإنجليزى :
“ The puzzling fact is that the describtion of paraclete’s work as delineated in John’s gospel does not fit well with the idiea of the Advocate “ (2)
وتلك أيضا بداية ولكن لا تكتمل . لأنَّ تكملتها تقتضى الكشف عن شخصية البارقليط الآتى من بعد المسيح ، الرجل النبىّ الذى يسمع عن الله ثم يُخبر الناس بما سمع ، يقول الحق كله ، ويكشف عن الأمور التى لم يتمكن المسيح من الكشف عنها .
ولا وجود فى التاريخ المدوَّن عن مثل تلك الشخصية سوى شخصية نبىّ الإسلام أحمد - صلى الله عليه وسلم - .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الروح القدس للدكتور القس فهيم عزيز ص 87 .
(2) .. The zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible v 4 p 597(1/55)
الجزء الثالث
=======
إنَّ كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس
سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين
إنجيل متَّى ( 12 : 36 )
هذا هُوَ بالحَقِيقة النَّبِىّ الآتى إلى العَالم
إنجيل يوحنا ( 6 : 14 )
دراسة جديدة جديدة جديدة
حول أصل وفصل كلمة
مِسِّيَّا
البداية
==========
...
الحمد لله الذى جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسببا للمزيد من فضله ودليلا على آلائه ونعمه . والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله ، رسول الله إلى العالمين .
أمَّا بعد : لقد بَدَأَتْ هذه الدراسة بوقفة قصيرة أمام كلمتين فى الموروث المسيحى ، تبعها سؤال بديهى بسيط : ما هو الفرق بين الكلمتين ..!؟ وهنا تفجرت الدراسة وبدأ البحث والتنقيب . والأمر الغريب والعجيب أنَّ علماء المسيحية جميعا لم يحاولوا أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال ولم يجدوا لحظة واحدة يقفون فيها أمام هاتين الكلمتين الكتابيتين يتفحصون الفرق فى المعنى بينهما ..!! فكانوا كما كان الذين مِن قبلهم ، حيث ردَّدُوا قول أحد كتبة الأناجيل أو قول أحد النُسَّاخ من أنَّ الكلمتين معناهما واحد . وقال الذين لا يعلمون مثل قولهم . تشابهت قلوبهم ..!!
والكلمتان هما المَسيحُ و المِسِّيَّا . فالمتسرعون الذين لا يعلمون سيقولون على الفور إنهما بمعنى واحد وهو المَمْسُوح أو المَدْهُون بالزيت المقدس . ولكن لغة النصوص لا تُقِرُّ لهم بذلك القول .
والقارئ المسيحى العامى البسيط معذور ، لأنه لا يعرف أكثر مما يلقيه إليه قساوسته ورهبانه ..!! أمَّا المسيحى المثقف المتعلم سواء كان قسيسا أو راهبا أو غير ذلك فهو غير معذور لأنه لم يستفد بثقافته وعلمه فى تدبُّر نصوص كتابه ، وما أسهل عليه أن يقول بقول الذين لا يعلمون ويكون بين جموع الذين لا يتفكرون ..!!(1/1)
وقد سبق أن ذكرت فى أبحاث كتابى " معالم أساسية " أصل وفصل كلمة مَسيح وعلمنا هناك أنَّ أصلها فى اللسان العربى القديم ، وأنها عندما تطلق على ابن مريم - عليه السلام - فإنَّ معناها لا يكون بمعنى مَمْسُوح كما يقول علماء المسيحية قاطبة . وإنما هى على وزن فعيل الدال على الفاعل ـ الماسح ـ وأنها صيغة مبالغة يفيض معناها وحقيقتها على كل من مَسَحَهُ المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - بغية إزالة الأوجاع والأمراض وحتى آفة الموت ، وهى اسم علم شخصى لابن مريم - عليه السلام - . فهو بحق المَسيح الأول والأخير فى كل أسفار الكتاب القديم والجديد ، أَمَّا الآخرون فهم مُسحَاء مَمْسُوحين بالزيت أو بالدهن .
... وعلمنا أيضا من أنه لم ترد نبوءات فى العهد القديم تشير صراحة إلى شخصية تظهر فى مستقبل الأيام يُدْعى اسم صاحبها المَسيح . وأنَّ كلمة مَسيح كانت دائما تشير إلى شخصيات إمَّا فى الزمن الماضى أو فى الزمن الحاضر فقط . وترد كلمة مسيح فى الأسفار اليهودية كصفة لصاحبها بعد مسحه بالزيت المقدس وليست باسم علم له . والبيِّنَة على من يَدَّعىِ غير ذلك .
... ولذلك نجد علماء المسيحية يقولون عن نبوءات العهد القديم إنها نبوءات مِسِّيَّانية ولا يقولون مسيحانية ، ويعنون بها بشارات مَسِيحَانية اشارة إلى المَسيح - عليه السلام - وسبب ذلك أنه لا توجد أصلا نبوءات مَسِيحَانية باللفظ الظاهر فحاروا وداروا وراء النبوءات المِسِّيَّانية فوظفوها لصالح المَسيح - عليه السلام - لتنطبق عليه . فخلطوا بذلك بين الأوراق وضاعت منهم حقيقة المِسِّيَّا .
والإنسان العاقل يمكنه أن يتفهم ويتدبر فى نصوص هذه النبوءات بدون إنكارها أو الخلط بين أوراقها . والحقّ مُيَسَّر لِمَن يريده ، ولن يضل طريقه من طلبه بحسن نِيَّة .(1/2)
إنها نصوص تشير إلى أحداث وشخصيات سوف تتحقق أو تظهر فى مستقبل الأيام ، مثل " النبىّ شبيه موسى - عليه السلام - " المذكور فى سفر التثنية ( 18 : 18 ؛ 34 : 10 ) الذى سوف يتكلمُ باسم الله . أو مثل شخصية كل من : البارإناس والشيَّالوه والبارقليط والمِسِّيَّا وإيليا والتاحب ... الخ . وكلها رموز لشخص أولأشخاص سوف يظهرون فى مستقبل الأيام وقد تكلمنت عن معظمها فيما مضى من الكتاب .
... ومعظم الشخصيات المتنبأ بظهورها فى الموروث اليهودى تُذْكَرُ فى النصوص بطريقة مُشَفَّرَة أى مستتر معناها . لا يعلمه إلا كبار الأحْبَار والعلماء اليهود حتى يكون لهم الخيرة فى الاعتراف بأصحابها أو إنكارهم عند توقيت ظهورهم ..!! واستخدموا كثيرا علم الشفرة ـ الترميز ـ فى ذلك . فنجدهم قد يذكرون كلمة تشير إلى الشخصية المتنبأ بها لا يَفهَمُ معناها ومغزاها القارئ العادى من قبل أن تُحَلّ شفرتها له .
ومن الحقائق التى يكاد يجمع عليها علماء المسيحية أنَّ لغة نصوص العهد القديم أقرب ما تكون إلى العمومية والترميز ، وهذا أمر يتيح للمجتهدين آفاقا واسعة رحبة تختلف فيها مشاربهم ومواردهم التفسيرية وتباين شروحهم . مع ملاحظة أنَّ الشرح والتفسير يعتبران مما يطلق عليه بعملية توظيف النصّ . أمَّا عن عِلم فك الشفرة فهو أمر آخر صعب المرتقى ، لم يُذَلَّلُ بعد ولم يُوجَدْ له رجاله بالعدد الكافى .
... ولقد حاول علماء المسيحية ولا يزالون يقومون بسياسة خلط الأوراق والنصوص حتى تنطبق هذه النبوءات المشفَّرة على المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - . أى يقومون بتوظيف النصوص من قبل فك شفرتها ورموزها . وهم يعلمون ـ أو لا يعلمون ـ أنهم بهذه السياسة يُضَيِّعُونَ الحقائق ويطرحون الوثائق ويقولون بما هو ليس بلائق . وهذه الدراسة دليل على ذلك .(1/3)
والشفرة اليهودية القديمة كانت إمَّا عن طريق استخدام ما يعرف بحساب أبى جاد ، وإمَّا عن طريق استخدام قرائن دالة مثل الجنس البشرى الذى تنتمى إليه أو المكان أو الزمان أو أهم الصفات المميزة . وسوف أذكر بعض هذه الحالات فى دراستى هذه .
ولعلم القارىء فإنَّ المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ليس فى حاجة لإثبات شخصه وعلاقته برب العالمين إلى هذه النبوءات المشفَّرة التى قد يختلف حول معناها العلماء ـ وقد اختلفوا ـ فيكفيه - عليه السلام - فى ذلك ولادته العجيبة بغير زرع بشرى ومعجزاته الظاهرة البيِّنَة أمام كل معاصريه . فكل ذلك أقوى بكثير من دلالة النبوءات .
فوجود شخصه المبارك بدون زرع بشرى وظهور المعجزات التى أجراها الله سبحانه وتعالى على يديه يعتبران تقرير حال وشاهد بيان وعبرة لمن اعتبر . ولكن قومه من بنى إسرائيل قَوْمٌ بُهْتٌ كفروا به وبرسالته إلا قليلا منهم . وحتى هؤلاء القليل لم يثبت على إيمانه منهم إلاَّ قليل القليل من بعد انتهاء نور بعثته - عليه السلام - .
وحَلَّ الضباب الكثيف بل الظلام التام من بعد زوال النور حول شخص المَسيح - عليه السلام - وعلى رسالته وإنجيله وعلى أشياء كثيرة كانت مِن ركائز أصول دعوته الشريفة . وقد حاولت بعون الله تعالى وقدرته أن أُجَلِّىَ حسب مقدرتى بعضا من هذا الضباب من حول شخص المَسيح - عليه السلام - فى كتبى السابقة . وهنا فى هذه الدراسة سوف نشاهد أمرا عجبا ..!!(1/4)
كلمة مِن كلمات اللسان العربى القديم ذُكِرَت أربع مرات فقط فى كل أسفارالكتاب بعهديه القديم والجديد . مرتين فى سفر دانيال اليهودى ، ومرتين فى إنجيل يوحنا المسيحى . كلمة من الكلمات المشفَّرة التى تشير إلى شخصية نبوية سوف تظهر فى المستقبل . أخذها علماء المسيحية كما هى مُشفَّرة وجعلوها تشير إلى شخص المَسيح - عليه السلام - بدون أن يفهموا معناها كما ينبغى . ومِن قبل أن يحلُّوا شفرتها . فجعلوها تشير إلى كلمة المَسيح وتنوب عنها . مع أنَّ الكلمة المشفَّرة مكتوبة عندهم فى الأصول اليونانية وفى الترجمات اللاتينية والإنجليزية بالتصويت الفونولوجى للسان العربى القديم .
إنها كلمة مِسِّيَّا والتى تكتب فى اليونانية هكذا ( (??????) .
قارئى العزيز لاحظ وتأمل جيدا فى تكرار حرف سجما اليونانى ( (( ) فى الكلمة ، إنه يعادل حرف ( س ) العربى . ويُعَبَّرُ عن هذا التكرار فى لغتنا العربية بوضع شَدَّة على الحرف ( سّ ) (1) . وبقدرة قادر تحوَّلت شدَّة السين إلى سكون وإلى كسرة وتغيَّرت الكلمة من مِسِّيَّا إلى مِسْيا ومَسِيا ..!!
ومن ثَمَّ فقد تحولت النبوءات عن ظهور شخصية المِسِّيَّا إلى نبوءات عن شخصية المِسْيا والمَسِيا . وصارت الكلمة عَلَماً على المَسيح عيسى - عليه السلام - ولم أجد حسب علمى أحدا من علماء المسيحية حاول أن يتعرف على هذه الكلمات حسب اللسان اللغوى الذى تنتمى إليه .
... ويكفى القارئ فى أى موسوعة كتابية مسيحية أو قاموس كتابى أن يبحث عن كلمة مِسْيَا ليجد أنَّ الكلام عنها هو كلام عن المَسيح عيسى - عليه السلام - . بل هناك الآلاف من الكتب التى ظهرت فى الماضى القريب وفى الوقت الحاضر يذكر فى عناوينها عبارة يسوع المَسِيَّا أو ما شابه ذلك ..!!(1/5)
ولقد قال علماء الكتاب المقدس المتخصصون أنَّ كلمة مِسَّيَّا اسم علم لشخص ( personal name ) ولذا نجدها فى فهارس القواميس ترد تحت باب أسماء الأعلام خلاف كلمة مسيح (2) .
... وصحيح القول أنَّ الكلمة مِسِّيَّا تدل على اسم جنس ( generic name ) مثل الأسماء : نبىّ من الأنبياء أو رسول من الرسل أو ملك من الملوك أو رئيس من بين الرؤساء أو حتى رجل من بين الرجال ... الخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وللأسف الشديد فإنَّ الترجمات العربية للكتاب المقدس جاء فيها تشديد حرف الياء بدلا من السين وتحولت
الكلمة إلى كلمة أخرى ، مع أنَّ الترجمات الإنجليزية أثبتت هذه الشدة على حرف السين بتكرار الحرف
الإنجليزى ( SS ) فى الترجمة الإنجليزية ( Messiah ) . ومعلوم أنَّ المسيح عيسى - عليه السلام - لم يناده قومه
بذلك الاسم مِسِّيَّا أبدا.
(2) .. انظر على سبيل المثال موقع الكلمة فى فهرس الكتاب المقدس ـ الترجمة العربية ـ للدكتور جورج بوست .
حيث وردت الكلمة فى باب الأعلام من حرف الميم ص 676 ولم تذكر هناك كلمة مسيح لأنها ليست اسم
علم عندهم .
هذا ولم يقل أحد من تلاميذ المسيح - عليه السلام - الذين آمنوا بدعوته أنَّ اسمه كان مِسَّيَّا . وأظن أنَّ هذا الخطأ الفاحش الذى وقع فيه المسيحيون من الخلط بين الكلمتين مَسيح و مِسِّيَّا قد نشأ بينهم من بعد تحولهم عن اللغتين اليونانية واللاتينية وتبنيهم لغات وطنية نشأت فيما بعد . لأنَّ ذلك الخلط بين الكلمتين لم يحدث فى العصور المسيحية الأولى فلن تجده بين كتابات الآباء الذين كانت لغتهم الأولى هى اليونانية أو اللاتينية حيث كانوا يُفَرِّقُونَ بين كلمة خرستو ـ التى تعنى مسيح ـ وبين كلمة مِسِّيَّا .(1/6)
وهكذا طُمِسَت الحقائق ومُحِيَت الوثائق . وباض الشيطان وَفَّرخَ فى عقول أوليائه ففكروا بفكره ونظروا بعينه ونطقوا بلسانه . فكل ما قالوه عن المسِّيَّا باطل باطل من ألفه إلى يائه لا يثبت أمام التحقيق والنظر الدقيق . والمنصف سيقول قوله بعد الانتهاء من هذه الدراسة . فهيا معى أيها القارئ الباحث عن الحق فى أصول دينه نبحث وندرس ونتحقق .
الباب الأول
دعائم الدراسة
==========
الدعامة الأولى :
خطأ علماء المسيحية فى تفسيرهم لكلمة مِسِّيَّا
...
وأول شئ يصادف القارئ العربى للترجمات العربية للكتاب المقدس وفى جميع الكتب والمؤلفات المسيحية العربية هو كتابة المصطلح مِسِّيَّا بطريقة خاطئة حيث يكتب هكذا مَسِيَّا أو مِسْيَا بتخفيف حرف السين بدلا من تشديدها خلافا للأصول اليونانية واللاتينية والإنجليزية . وما نتج عن ذلك من عبارات ومصطلحات خاطئة مثل قولهم النبوءات المِسْيَانيه والعصر المِسْيانىِ وإلى غير ذلك من مصطلحات .
ومعلوم من معاجم اللغة العربية والتراث العربى القديم أنَّ المَسْى بتخفيف السين يختلف تماما عن المَسّ بتشديد السين كما سنعرف ذلك عند شرح المعنى اللغوى للكلمة مِسِّيَّا . وبناء على ذلك الخطأ المسيحى الشائع فى الترجمات العربية فقد قمت بتصحيح النقل الصوتى (1) للكلمة حسب الأصل اليونانى لها وذلك أثناء نقلى لبعض الأقوال والنصوص العربية فليتذكر القارئ ذلك جيدا .
... ولنستعرض فى الصفحات التالية أقوال بعض علماء المسيحية العرب وغير العرب فى شرح ذلك المصطلح مِسِّيَّا بعد تصحيح كتابته :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. قلت النقل الصوتى للكلمة لأنها اسم علم كما يقول معظم علماء المسيحية الشرقية والغربية ولم أقل الترجمة
العربية للكلمة حيث أن الأسماء لا تترجم .
... 1 ـ قال أصحاب قاموس الكتاب المقدس فى ص 890 :(1/7)
" مِسِّيَّا : ( يو 1 : 41 ، 4 : 25 ) هى الصيغة العربية للكلمة اليونانية مِسِّيَّاس المأخوذة من الكلمة الآرامية مشيحا التى تعنى مسيح " .
لاحظ عزيزى القارئ أنَّ الكلمة اليونانية هى مِسِّيَّا بعد حذف لاحقة الإعراب اليونانية ( ( ) المعبر عنها بحرف السين فى آخر الكلمة . وهذا الحرف اليونانى يوضع فى آخر الأسماء إذا كان موقع الاسم فى الجملة فاعلا أى فى حالة الرفع . بمعنى أنَّ كلام السادة العرب أصحاب القاموس ليس له معنى حين قالوا أنَّ كلمة مِسِّيَّا صيغة عربية للكلمة اليونانية مِسِّيَّا ..!!
كما أنَّ قولهم إنها مأخوذة عن الكلمة الآرامية مشيحا غير صحيح أيضا فالكلمة التى يقصدونها هى كلمة مسيحا الآرامية بالسين وليس بالشين . فإن كانوا يقصدون الكلمة العبرية التى معناها فى العربية مَسيح فهى ماشيخا أو ماشاخ العبريتان بحرفى الشين والخاء ..!!
وللعلم فإنَّ الكلمتين مِسِّيَّا و مَسيح موجودتان فى مفردات اللغة الآرامية ومعناهما مختلف .
... 2 ـ وقال القِسّ إبراهيم سعيد فى شرحه لإنجيل يوحنا ص 73 :
" الكلمة مِسِّيَّا هى الصيغة اليونانية للكلمة الآرامية مشيحا والعبرية مشيح والعربية مسيح أى الملك العظيم الممسوح من الله والمنتظر من الشعب اليهودى " .
قلت : ويتكرر الخطأ حيث أنَّ القوم ينقلون عن بعضهم البعضُ بدون فهم أو تدبر ، إلاَّ أنَّ هذا القس قد جعل الكلمة مِسِّيَّا صيغة يونانية وليست عربية . وزاد عليهم فى عدد الأخطاء بقوله والعبرية مشيح والعربية مسيح وأنَّ معناها هو الملك العظيم الممسوح من الله ..!!
... 3 ـ وقال الأب مَتَّى المسكين فى شرحه لإنجيل يوحنا ص 89 :
" إنَّ كلمة مِسِّيَّا هى الترجمة اليونانية للكلمة العبرانية كما جاءت فى كتب اليهود " ..!!(1/8)
... قلت : وهذا الراهب الصيدلى المسكين حاول أن يراوغ حتى لا يقع فيما وقع فيه علماء قومه فجاء إلينا بعبارته المبهمة السابقة . مع علمه بأنَّ الترجمة اليونانية الوارد فيها كلمة مِسِّيَّا هى الترجمة السبعينية . والتى تمت كتابتها حوالى سنة ( 250 ق . م ) وهى مترجمة عن اللغة الآرامية التى كان يتكلم بها اليهود فى ذلك التوقيت ، لأنَّ لغتهم العبرية القديمة كانت قد دُرسَتْ ولا يعلمها أحد . وإلى الآن لا يزال فى هذه اللغة المكتوبة ثغرات كبيرة لم يستطع جهابذة العلماء أن يقرؤوها على وجهها الصحيح .
... وعبارته " هى الترجمة اليونانية للكلمة العبرانية " غير صحيحه بشهادة التاريخ وعلماء المسيحية قاطبة . وأيضا حين قال " كما جاءت فى كتب اليهود " غير صحيح أيضا حيث أنَّ اليهود قد حذفوا كلمة مِسِّيَّا من كتبهم من بعد ظهور الإسلام واستبدلوها بكلمة ماشيخ وكلمة ممشاخ .
... 4 ـ وجاء فى كتاب ( يسوع المسيح ربنا ) تأليف ( جون ف والفورد ) بتعريب حزقيال بسطورس فى ص 93 : " وكلمة مِسِّيَّا مشتقة من الكلمة اليونانية مِسِّيَّاس وهى بدورها نقل الصيغة الآرامية للكلمة العبرية ماشاخا ( Mashach ) ومعناها يدهن أو يمسح . وتقابلها فى العهد الجديد الكلمة كرستوس أى المَسيح ومعناها المَمْسُوح " .
قلت : يلاحظ هنا أنَّ المؤلف يتكلم عن الكلمة مِسِّيَّا كما وردت فى لغته الأوروبية ، المشتقة أساسا من اللغة اليونانية . فكلامه صواب حسب لسانه الأوروبى . ولكنه خطأ فى اللسان العربى أو فى اللغة الآرامية حيث أنَّ كلمة مَسيح ليست بمعنى مَمْسُوح أو مَدْهُون فى جميع الأحوال كما بينت ذلك فى كتبى السابقة .
5 ـ جاء فى شرح إنجيل متى لوليم باركلى ص 312 :
" المَسيح كلمة عبرية والمِسِّيَّا كلمة يونانية " . وجاء فى شرح إنجيل مرقص للمؤلف أيضا ص576 : " أنَّ كلمة المِسِّيَّا هى نفسها المَسيح : الأولى عبرية والثانية يونانية " .(1/9)
قلت : وهذا تناقض من الشارح وليم باركلى وشاركه فى ذلك المترجمان دكتور قس فايز فارس مترجم متى ودكتور قس فهيم عزيز مترجم مرقس .
... 6 ـ وجاء فى دائرة المعارف القياسية العالمية الإنجليزية للكتاب المقدس المجلد الثالث ص 330 :
أنَّ كلمة مِسِّيَّا هى الكلمة الإنجليزية المتداولة والمكافئة للكلمة اللاتينية مِسِّيَّاس المستخرجة من اليونانية مِسِّيَّاس . وإلى القارىء النصّ الإنجليزى :
" Messiah is the current English equivalent of lat . messias , derived from GK . messias .”
... 7 ـ وجاء فى قاموس سميث الكتابى ص 40 :
أنَّ كلمة مِسِّيَّا التى تطابق كلمة مَسيح فى كتب العهد الجديد معناها المَدْهُون وهى ـ أى مِسِّيَّا ـ تطلق فى معناها الأول على أى مدهون بالزيت المقدس . والنصّ الإنجليزى هوَ :
“ This word ( مِسِّيَّا ) which answers to the word Christ in the N.T. means anointed , and is applicable in its frist sense to any one anointed with the holy oil .”
قلت : وهذا كلام باطل لا دليل عليه ، فَمَنْ من البشر قد أطلق عليه لقب مِسِّيَّا بعد أن تم دهنه بالزيت المقدس ..!؟ لا أحد . وهذه نصوص الكتاب المقدس بعهديه بين يدى القارئ يستخرج لنا نصّا واحدا يفيد ذلك ..!؟ .
... فكلمة المِسِّيَّا ليس معناها المَدْهُون أو المَمْسُوح بالزيت المقدس . وكذلك كلمة المَسيح ليس معناها المَدْهُون أو المَمْسُوح فى جميع الأحوال كما سبق إثبات ذلك فى كتابى معالم أساسية .
وأكتفى بذلك القدر منعا للإطالة ليستبين للقارئ ما هو آت :
إنَّ أصل كلمة مِسِّيَّا ليس يونانيا ، حيث أنَّ يوحنا يذكرها مرتين فى إنجيله اليونانى ( 1 : 41 ؛ 4 : 25 ) وبعدها تعقيب يقول بأنَّ معناها فى اليونانية هو خرستوس أى مَسيح . فهى ليست بصيغة يونانية كما قال بعضهم .(1/10)
... وإن كانت هى الصيغة اليونانية للكلمة الآرامية مَسيحا أو ماشيخا العبرية فلماذا لا يكتبونها كما هى حيث أنها اسم علم كما يقولون ..!؟ فالأسماء لا تترجم بين اللغات وإنما تنقل صوتيا فقط .
... وإن كانت هى الصيغة العربية حسب قول بعضهم فَلِمَ لم يكتبونها فى ترجماتهم العربية لسفر دانيال فحذفوها وكتبوا بدلا منها الكلمات : مسيح ومختار وممسوح ، ... الخ ..!؟
والأهم من كل ما سبق لم أجد عالما واحداً من علماء المسيحية ـ حسب علمى المتواضع ـ حاول أن يذكر الجذر اللغوى الذى تنتمى إليه الكلمة مِسِّيَّا حتى نتعرف بيقين على الانتماء اللغوى للكلمة ..!!
فعلماء المسيحية لا يعلمون أصل كلمة مِسِّيَّا وإلى أى لسان لغوى تنتمى . ناهيك بتسجيلها بطريقة خاطئة فى الترجمات العربية للكتاب المقدس هكذا مَسِيَّا بتخفيف حرف السين مع كسره . مع أنها مذكورة بالتصويت اللغوى الصحيح فى كل من اليونانية واللاتينية وحتى فى الإنجليزية ..!!
والغريب فى الأمر أنَّ جميع علماء المسيحية يقولون بأنَّ كلمة مِسِّيَّا تعادل فى معناها كلمة مَسيح مع أنَّ الجذر اللغوى للكلمتين مختلف تماما ولا يوجد دليل لغوى واحد يؤكد ذلك القول . فكلمة مسيح لها اشتقاقات لغوية كثيرة وَصِيَغ إفراد وجمع وصيغ اسمية وصيغ فعلية حيث نجد منها الفعل والاسم والمصدر والصفة و .. و.. الخ . وكل تلك الصيغ مستخرجة من الجذر اللغوى ( م س ح ) .
... بينما لا نجد لكلمة مِسِّيَّا أى اشتقاقات لغوية تشابه اشتقاقات كلمة مسيح فى نصوص الكتاب المقدس . فالاسم مِسَّا والاسم مِسِّيَّا فقط هما اللذان نجدهما فى أسفار الكتاب المقدس بعهديه . ومعناهما يعتبر مجهولا عند علماء المسيحية على التحقيق .
ونخرج من هذه الدعامة الأولى بأنَّ أقوال علماء المسيحية عن معنى كلمة مِسِّيَّا لا يُعْتَدُ بها ، فهم لا يعلمون ومن لا يَعْلَمْ لا يمكنه أن يُعْلِمَ .
الدعامة الثانية :(1/11)
كلمة مِسِّيَّا تدل فى أصلها على اسم جنس
...
يتفق الجميع على أنَّ الكلمة مِسِّيَّا مصطلح سامى . أى أنه ينتمى لمجموعة اللغات السامية القديمة التى لا يريدون الاعتراف بحقيقتها ويزعمون أنها سامية أى منسوبة إلى سام ابن نوح - عليه السلام - ..!!
وهذه اللغات السامية عندهم عبارة عن اللغات الأكدية والآرامية بجميع لهجاتها من كنعانية وفينيقية وأوجريتيه ونبطية و ... الخ . واللغة العبرية القديمة ثم اللغة العربية المعروفة مضافا إليها اللغات العربية القديمة التى انتشرت فى أقصى الجنوب العربى . مع أنَّ كل هذه اللغات عبارة عن لسان عربى قديم فيه المبين وغير المبين ، ولكن حروف الكتابة تختلف ، وهذا طبيعى مع التطور البشرى واكتشاف سُبُل الكتابة .
المهم أنَّ جميع هذه اللغات تتشابه فيها الأصوات ومخارج الحروف وطريقة الكتابة من اليمين إلى اليسار ( باستثناء الخط الأوجريتى ) ، ثم فى طريقة الاشتقاق من الأفعال المجردة والأزمنة الثلاث الماضى والمضارع والمستقبل . ولن أتكلم كثيرا عن ذلك اللسان العربى القديم ولغاته ولهجاته فقد توسعت فى ذلك فى كتابى عن اللغة التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - .
وسوف تنحصر دراستنا هنا حول هذه الكلمة نبحث عنها وفيها لنرى إلى أى لسان لغوى تنتمى وفى أى منطقة جغرافية انتشرت ، وإلى أى جنس بشرى ينتمى المُتَسَمُّونَ بها . كل ذلك سوف نحصل عليه بإذن الله من داخل نصوص الكتاب الذى يتعبَّدُون بما فيه وبالنبوءات المِسِّيَّانية الواردة فيه وفيها يعتقدون .(1/12)
بادئ ذى بدء لابد من الاتفاق أولا على أولى البديهيات اللغوية التى لا ينكرها إلا من ليس فى قلبه ذرة من عقل أو فكر . وهذه البديهية تقول : إن كانت الكلمة التى نبحث عنها بين عدة لغات عبارة عن اسم خاص أو لقبا لشخص فإننا سوف نعثر عليها بسهولة لأنها سوف تنقل بنفس تصويتها اللغوى إلى سائر اللغات ولن يترجم معناها إلاَّ فى الشرح والتفسير فقط . ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى :
... فإن كانت كلمة أمين أو كلمة الأمين العربيتان تشيران إلى اسم شخص أو لقب لشخص فإنهما سوف تنقلان كما هما إلى سائر اللغات . فمثلا سنجدهما فى الإنجليزية يكتبان هكذا ( Amen ) أو( Al Amen ) ، حيث تشير كل منهما إلى اسم الشخص أو لقبه بنفس التصويت اللغوى . والاختلاف الوحيد هو طريقة كتابتهما بأشكال مختلفة فى سائر اللغات وهذا بديهى .
ولكننا سوف نجد صعوبة كبرى فى العثور على الكلمة بين اللغات إن ترجمت إلى المعنى اللغوى الذى تدل عليه مثل قولنا أونست ( honest ) بمعنى أمين أو ذى أونست ( the honest ) بمعنى الأمين . وهذا لا يكون إلا فى غير الأسماء والألقاب .
... وسوف نجد بإذن الله تعالى أنَّ كلمة مِسِّيَّا ، المبحوث عنها ترد فى سائر اللغات التى ترجمت إليها بنفس التصويت اللغوى وتنطق بلغتها الأم الأصلية ، ولكن فيها شئ من العجمة أو لكنة من اللسان . وهو شئ طبيعى فى ألسنة البشر .(1/13)
... وأول ترجمة معروفة أجريت على الكلمة كانت فى الترجمة السبعينية ( 250 ق م ) لأسفار العهد القديم ، حيث نقل المترجمون الكلمة كما هى إلى اللغة اليونانية هكذا ( ((((((( ) وتنطق مِسِّيَّا بعد حذف لاحقة الإعراب اليونانية من آخر الكلمة ( ? ) . ثم ترجموا كلمة مسيح فى حوالى أربعين موضعا إلى الكلمة اليونانية ( ((((((( ) التى تنطق كريستو أو خريستو بعد حذف لاحقة الإعراب اليونانية من آخر الكلمة . ففرقوا بين الكلمتين مما يدل على أنهم قد اعتبروا كلمة مِسِّيَّا الواردة فى النصّ الأصلى اسم علم لشخص أو لقبا له .
وعندما ظهرت الكتابات المسيحية الأولى من بعد عصر المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - وجدنا رُوَّاد المسيحية الأولى وكتبة الأناجيل والرسائل قد حافظوا على كلمة مِسِّيَّا كما هى فى ترجماتهم اليونانية . مع أنهم قد ترجموا كلمة مَسيح إلى كلمة كرستو أو خرستو اليونانية حسب دقة التصويت .
... وعندما ظهرت اللغات الأوروبية المشتقة من اللاتينية فيما بعد ، وجدنا فيها أنَّ الكلمة لا تزال أيضا كما هى مِسِّيَّا . وإلى وقتنا الحاضر لا تزال الكلمة موجودة كما هى ففى النسخ الإنجليزية القديمة والحديثة سوف نجد الكلمة ( Messiah ) مكتوبة هكذا بتكرار حرف السين ( ss ) ، والتى تنطق مِسِّيَّا أيضا بذات التصويت اللغوى الأصلى ، وإن تحول معناها فى زعمهم إلى المَسيح ..!!
ألا يدل ذلك على أنَّ الكلمة تشير إلى اسم معين أو لقب خاص سواء كان ذلك الاسم أو اللقب لشخص أو لمكان أو حتى لأمَّة من الأمم أولجنس معين من أجناس البشر ..!؟ كل ذلك جائز ومعقول جدا .(1/14)
وهناك علماء مسيحيون متخصصون فى اللغات الشرقية القديمة قد قَرَّرُوا أنَّ كلمة مِسِّيَّا المذكورة فى العهدين القديم والجديد تدل فى الأصل على اسم جنس تم تحويلها فى نصوص نبوءات آخر الزمان إلى اسم خاص أو لقب لشخص . إضافة إلى أنَّ فهارس الكتاب المقدس المسيحى تورد الكلمة مِسِّيَّا فى الجزء الخاص بأسماء الأعلام كما جاء مثلا فى فهرس الكتاب المقدس المترجم إلى العربية للدكتور جورج بوست والموجود حاليا بالأسواق .
... مما سبق لعل القارئ يكون قد اقتنع بأنَّ كلمة مِسِّيَّا تدل على اسم أو لقب ووافق على قول علماء المسيحية المتخصصين فى علوم اللغات وأسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال دائرة المعارف القياسية العالمية للكتاب المقدس المجلد الثالث ص 332 حيث جاء
فيها بالإنجليزية ما نصه :
" the term ( messiah ) originally a generic noun , is in the esch - atological context transformed into a proper name or personal title .”
الدعامة الثالثة :
دلالة الأسماء ومناطق انتشارها
...
ومِن قراءة التاريخ العام للبشرية قديما وحديثا وفى سائر اللغات سوف نجد أنَّ للأسماء دلالات جغرافية تدل على المنتسبين إليها وخاصة فى العالم القديم . فالأسماء المصرية الفرعونية إن سمعتها اتجه فكرك إلى موقع مصر الجغرافى . والأسماء اليونانية القديمة إن سمعتها أيضا اتجه فكرك صوب اليونان وموقعها الجغرافى . وكذلك الأسماء العربية القديمة إن سمعتها سيتجه فكرك صوب بلاد العرب . وهكذا الأمر فى أسماء أجناس البشر والأمم وشعوب العالم بلا خلاف .(1/15)
فعندما تتتبع اسم شخص فى سائر لغات العالم فسوف تعثر عليه بسهولة مع احتمال وجود حذف أو إضافة أو تغيير لبعض حروفه بناءً على لكنة اللسان وعجمته فى سائر اللغات . وربما يقتصر التغيير على حركات الفتح والكسر والضم لبعض حروف الاسم . فمثلا عند تتبع اسم شخص مثل ميكائيل فإنك سوف تجده فى اللغات المعاصرة قد تغيَّرَ قليلا فى مخارج صوت بعض حروفه ففى الإنجليزية مثلا ينطق مَيْكِل وفى الفرنسية مِيشِيل وفى الروسية ميخائيل وفى اللسان العربى نجده مِيكَائيل و ميكال ..!!
وعندما نتتبع اسم عيسى فسوف تجده إيسى و ييسى أو إيسو أو عيسو وهكذا . ولكن عندما تسمعه ينطق أمامك هكذا عيسى ، فإنَّ الناطق هنا لابد وأن يكون عربىّ الجنسية حيث أنَّ الأوروبى لن يستطيع أن ينطق حرف العين العربى حيث يستبدله بحروف قريبة منه فى مخارج الصوت مثل ( e أو i ) وهكذا .
إضافة أيضا إلى أنَّ هناك أسماء معينة تنتشر فى أماكن معينة وهذه الظاهرة واضحة جدا فى العالم القديم . وإن كانت بعض آثارها لا تزال باقية إلى الآن فى مناطق صغيرة من العالم ، بل وفى داخل البلد الواحد نجد مثل ذلك .
ففى مصر مثلا إن سمعت اسم مِحَمَّدِين أو حَسنين أو عَوَضين سينصرف فكرك إلى صعيد مصر وريفها . بل وفى العالم العربى إن سمعت اسم بَيُّومِى أو بُرَعِى فسوف ينصرف فكرك إلى مصر دون سواها لأنَّ هذين الاسمين على الخصوص أسماء مصرية فرعونية ..!!
وهناك أسماء تدل على ديانة صاحبها . فالاسم حَنَّا مثلا يشير إلى أنَّ صاحبه مسيحى ، والاسم كوهين يشير إلى أنَّ صاحبه يهودى ، والاسم محمد أو أحمد يشيران إلى أنَّ صاحبهما مسلم . والأمر مثير والدراسة فى ذلك لها أصحابها المتخصصون .(1/16)
وما يهمنا هنا هو تتبع الاسم مِسِّيَّا بعد حَلّ شفرته فى أسفار العهد القديم ومعرفة الذين تسمُّوا بهذا الاسم فى العالم القديم وأين كانت مواقع إقامتهم الجغرافية حتى نتعرف على الانتماء الجغرافى لذلك الاسم . بمعنى آخر سوف نتعرف على الجنس البشرى الذى ينسب إليه ذلك الاسم مِسِّيَّا . إضافة إلى معرفة المكان والزمان اللذين ظهر فيهما ذلك الاسم لأول مرة .
... الخلاصة : نخرج من الدعائم الثلاث السابقة بأنَّ الكلمة مِسِّيَّا تدل فى أصلها على اسم إمَّا لشخص وإمَّا لأمَّة من الأمم وإمَّا لموقع جغرافى . وأنه لفهم معنى الكلمة لابد أولا من استبعاد أقوال علماء المسيحية حيث ثبت أنهم لا يعلمون عن معناها شيئا يعتد به . ثم محاولة فك الشفرة التى كُتِبَتْ بها تلك الكلمة حتى نتعرَّفَ على القوم الذين ينتمى إليهم ذلك الاسم . وكذلك المناطق الجغرافية التى ظهرت فيها الكلمة مِسِّيَّا . ثم الاجتهاد بعد ذلك فى التعرُّف على المعنى اللغوى الذى تشير إليه كلمة مِسِّيَّا .
الباب الثانى
فكّ الشفرة
=============
" ما من مستور إلا سينكشف ولا من مكتوم إلا سيعلم "
( من أقوال المسيح - عليه السلام - إنجيل متى 10 : 26 )
أولا : التركيب اللغوى للمصطلح مِسِّيَّا .
من المتفق عليه عند علماء الميثولوجيا والآثار العربية القديمة أنَّ شعوب المنطقة العربية الكبرى القدماء كانوا يعرفون إله السماوات والأرض الله . وكانوا يشيرون إليه فى أحيان كثيرة برموز وأسماء مختصرة تدل عليه يلحقونها بأسمائهم تارة ويذكرونها مستقلة تارة أخرى . مثل الاسم إيل الذى يكتب يل فى آخر الأسماء كما جاء فى إسماعيل و هابيل و قابيل و جبرائيل و ميكائيل وإلى آخر ما ذكرته فى كتابى " الإنجيل كتاب أمْ بشارة ..!؟ " .
... وهناك أيضا الاسم ياه الذى يكتب يا فى آخر الأسماء كما جاء فى زكريا و زنوبيا و أرميا و صفنيا و أشعيا ... الخ .(1/17)
فى سوريا القديمة كان الآراميون يعرفون الاسم الجليل الله (1) وكذا الاسم المختصر له ( يا ) حيث عثر عليه مكتوبا فى أحد ألواح أوغاريت (2) . وفى منطقة أبيلا بسوريا القديمة عُثِرَ عليه فى آثارها تحت الاسم المختصر ( ياو ) و ( يا ) (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. التفصيل والإيضاح فى كتابى ( لا إله إلا الله فى الكتاب المقدس ) يَسَّر الله له طريق الخروج إلى النور .
وقد سبق الكشف عن هذا الاسم المقدس فى البحث الأول من كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية .
(2) .. راجع المجلد الثانى من ص 506 إلى ص 507 من دائرة المعارف :
( The International Standard Bible Encyclopedia )
وفى شمال غرب شبه الجزيرة العربية كان المديانيون يعبدونه تحت اسم ياهو الذى يشار إليه أيضا بالرمز المختصر يا . وفى هذه المنطقة تحديدا تقول التوراة الموجودة حاليا إنَّ موسى - عليه السلام - قد تعرَّف على ذلك الإله أثناء فترة تغربه من مصر وقبل بعثته - عليه السلام - . ثم عرفه الإسرائيليون فيما بعد حين خروجهم من مصر بصحبة موسى - عليه السلام - واشتهر ذلك الاسم وأصبح هو الإله القومى لبنى إسرائيل فقط ..!!
وعُرِفَ بينهم بأسمائه المختصرة مثل : يا و ياه و ياو و ياهو وسوف يكون تركيز دراستنا هنا على الاسم المختصر ( يا ) لمسيس الحاجة إليه .
جاء ذكر ذلك الاسم المختصر يا فى المزمور رقم ( 68 : 4 ) " غنوا لله ورنموا لاسمه . أعِدُّوا طريقا للراكب فى القفار (1) باسمه ياه واهتفوا أمامه " وجاء أيضا فى سفر أشعياء ( 26 : 4 ) " افتحوا الأبواب لتدخل الأمَّة البارة الحافظة الأمانة ذو الرأى المُمَكَّنِ تحفظُهُ سَالِماً سَالِماً لأنه عليك متوكل . توكلوا على الرب إلى الأبد لأنَّ فى ياه الرب صخر الدهور " .(1/18)
وهذا الاسم عندما يلحق بآخر الأسماء يحذف منه فى معظم الأحيان حرف الهاء الأخير . والملكة العربية السورية المعروفة بـ زنوبيا (2) يعتبر اسمها خير دليل على ذلك .
وهذا الاسم المختصر ياه يترجمونه فى الإنجليزية الحالية إلى كلمة ( JAH ) حيث تم تصويت حرف الياء إلى الحرف ( J ) الإنجليزى منذ نهاية القرن السابع عشر الميلادى من بعد أن كان يكتب بحرف ( I ) فى الإنجليزية القديمة . مثل الاسم يعقوب يكتبونه حاليا جاكوب ( Jacob ) ويوسف يكتبونه جوزيف ( Joseph ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. سبق الكلام عن هذه الكلمة ( القفار ) فى الأصول العبرية لهذا النصّ .. إنها ( عرفات ) ..!!
(2) .. وهذا الاسم مكون من شطرين ( زنوب ـ يا ) فالاسم الأول مشتق من الزينب ، ذلك النبات ذو الرائحة الجميلة
ومنه جاء الاسم ( زينب ) ، والاسم الثانى ( يا ) إشارة إلى الله .
وهناك محاولة قديمة قام بها آباء الإسكندرية اليونانيون حين ترجموا اسم الإله يا إلى كلمة أَيُّوه الإسكندرانية الشهيرة ..!! ولا يزال الإسكندريون ينطقونه حتى يومنا هذا مع جهلهم بمعناه ..!!
... وسوف أذكر للقارئ عشرة أسماء فقط اخترتها من بين عشرات الأسماء الإسرائيلية الواردة فى نصوص الكتاب المقدس لتكون نموذجا أستعين به فى هذه الدراسة . مع ملاحظة أنَّ شرح معنى كل اسم منقول عن قاموس الكتاب المقدس العربى طبعة دار الثقافة بالقاهرة :
إرميا ... إرم يا ... ومعناه الرب يؤسس أو يثبت .
أشعيا ... أشع يا ... ومعناه الرب يخلص .
إيليَّا ... إيلى يا ... ومعناه يا إلهى أو إلهى يا .
حزقِيَّا ... حزقى يا ... ومعناه الرب يقوى أو الرب قوى .
زكريَّا ... زكرى يا ... ومعناه الرب قد ذكر .
صدقيَّا ... صدقى يا ... ومعناه الرب عدل .
طوبيَّا ... طوبى يا ... ومعناه الرب طيب .
عوبديا ... عوبد يا ... ومعناه عبد يا .
نحميا ... نحم يا ... ومعناه الرب تحنن .
يحيى ... يحى يا ... قياسا على ما سبق يكون معناه الرب يحيا .(1/19)
قلت جمال : وفى الأسماء العشرة السابقة والمستخرجة من أسفار الكتاب المقدس نجد أنَّ علماء المسيحية قد شرحوا المقطع الأخير ( يا ) بأنه الرب أو الإله المعبود . وهذا الأمر يسعنى كما وسعهم فى أن أقول بمثل ما قالوه ..!!
ولمزيد الإفادة فهناك عبارة مشهورة يعرفها ويحفظها جميع المسيحيين واليهود فى جميع أنحاء العالم وبلغاتهم المختلفة ، إنها عبارة ( هلِّلُو يَا ) التى لم تترجم إلى لغات العالم المختلفة حتى الآن ، والواردة حوالى ( 21 ) مرة فى سفر المزامير وأربع مرات فى سفر الرؤيا . ولم يترجم معناها الحقيقى حتى الآن إلى العربية ..!!
والقوم لا يحبون الأصول العربية لكلمات الكتاب المقدس بعهديه ..!!
هذه العبارة التى يقول عنها علماء المسيحية الغربيون إنَّ معناها مجدوا الرب ( glorify the God ) أو بمعنى ( praise the God ) أى اشكروا الرب أو احمدوه . هذه العبارة نجدها ترد فى سفر دانيال ( 2 : 23 ) حسب اللسان العربى ذو اللغة الآرامية المكتوب بها ذلك الجزء من السفر . وهى مشتقة من الفعل الآرامى سَبَّحَ . بمعنى أنَّ عبارة هلِّلُويا معناها سَبِّحُويا . وهى صيغة تنزيه وتقديس مثل قول المسلمين سبِّحوه مع ملاحظة أنَّ الهاء تشير إلى الله سبحانه وتعالى .
وفى لغتنا العربية نستطيع أن نستخرج معنى هلِّلُو يا من داخل المعاجم العربية بسهولة . فقولنا هلَّلَ الرجل معناه قال بصوت مرتفع لا إله إلا الله . بمعنى أنَّ العبارة فيها توحيد وتنزيه للإله ، أى وَحِّدُوا يا أو وحِّدُوا الله أو وَحِّدُوه . ولكن العبارة لا تزال كما هى فى الترجمات العربية للكتاب المقدس بدون ترجمة أو تفسير لأنها تتعارض مع عقيدة التثليث ..!!
... والآن وبعد التَعَرُّف على الاسم المختصر يا فى آخر الأسماء المركبة من مقطعين ، نستطيع أن نقرأ كلمة مِسِّيَّا وفق قراءاتهم للأسماء العشرة السابق ذكرها بدون حرج أو ادعاء كاذب .(1/20)
... إنها مركبة من المقطعين ( مِسَّا ) و ( يا ) (1) . ولك أن تقول من الاسمين ( مِسَّا ) و ( يا ) . وسوف نواصل البحث بإذن الله تعالى عن الاسم ( مِسَّا ) وصُوَرِه المختلفة فى نصوص الكتاب المقدس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. لاحظ أنَّ السين مُشدَّدة فى كلمة ( مِسِّيَّا ) وأيضا ( الياء ) ، وعند فك الكلمة إلى مقطعين ، تتحول الياء
الأولى إلى ألف ، وتلك قاعدة متفق عليها عند علماء العربية ( قاعدة تبادل الهمزة مع الياء ) فتكتب هكذا
( مِسَّا يا ) .
ثانيا : قراءات الاسم مسََّا .
يلاحظ فى ترجمات الكتاب المقدس العربية أنَّ كلمة مِسِّيَّا تأتى فيها بفتح حرف الميم تارة وكسرها تارة أخرى ، ولهذا لن أقتصر فى هذه الدراسة على تتبع حالات كسر الميم ( مِ ) فقط وإنما سوف أذكر حالات فتحها أيضا ( مَ ) فكل ذلك وارد فى نصوص العهد القديم .
والجذر اللغوى الذى نبحث عنه هو الجذر ( مـ س س ) للمقطع الأول من المصطلح مِسِّيَّا وهو الموجود فى أصل الكلمة (1) حسب الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية ( L X X ) .
حالة فتح الميم مع تشديد حرف السين
ابحث معى أيها القارئ الباحث عن الحق والحقيقة فى أى قاموس إنجليزى أو يونانى لكلمات الكتاب المقدس وابتعد عن القواميس العربية أو المترجمة إلى العربية .
... ثم ابحث معى عن الكلمة مَسَّا بفتح الميم والتى تكتب فى الإنجليزية هكذا ( Massa ) فسوف تجدها فى سفر التكوين ( 25 : 14 ) وفى سفر الأخبار الأول ( 1 : 30 ) .
هذه الكلمة وردت فى هذين الموضعين كاسم علم للابن السابع لإسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ..!!(1/21)
فإن قرأت فى الموسوعات والأطالس الجغرافية الكتابية عن مكان إقامة مَسَّا وذريته ، سوف تجده فى الشمال الغربى لشبه الجزيرة العربية . مع ملاحظة أنَّ خطوط الطول والعرض للمواقع الجغرافية الواقعة داخل شبه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وهناك قراءة أخرى بتخفيف حرف السين، بمعنى أن الكلمة قد تغير جذرها اللغوى من ( مـ س س ) إلى
( مـ س ى ) ، و تلك كلمة أخرى تستخدم كصيغة لبعض الأسماء الإسرائيلية .. وحيث أن هذه القراءة تخالف
فى معناها ومبناها للكلمة التى نبحث عنها وفق كتابتها فى الأصول اليونانية واللاتينية والآرامية فلن
أذكرها هنا لعدم الحاجة إليها . ...
الجزيرة العربية سوف تتحرك عن أماكنها صوب الشمال دائما فى الكتابات المسيحية (1) ..!!
جاء فى دائرة المعارف الكتابية المصورة الأمريكية أنَّ مَسَّا هو الابن السابع لإسماعيل بن إبراهيم - عليه السلام - (2) . وقد ورد اسم قبيلة مَسَّا و اسم قبيلة تيما أخوه فى وثائق الملك الآشورى تجلاث فيلاسر الثالث ( 745 ـ 727 ق . م ) . حيث كانت هاتان القبيلتان القاطنتان فى الشمال الغربى لجزيرة العرب تدفعان الجزية إلى الملك الآشورى العربى فى ذلك الوقت (3) .
... وعُثِرَ فى منطقة جبل كنعان على وثيقة من القرن السادس قبل الميلاد تبين تواجد قبيلة مَسَّا فى المنطقة الواقعة بين الجوف و تيما . وقد بَيَّنَ الموقع أكثر دِقَّة علماء آخرون فقالوا بأنها كانت تقيم فى منطقة العلا حاليا (3) بالدولة السعودية . هذا وقد أشار إلى قبيلة مَسَّا الجغرافى اليونانى القديم بطليموس تحت اسم مَسَنُوى ( Masanoi ) كإسم لمنطقة فى الصحراء العربية .(1/22)
وإن تابعت قارئى العزيز بحثك معى عن الكلمة مَسَّا فسوف تجدها أيضا فى سفر الأمثال ( 30 : 1 ؛ 31 : 1 ) . اقرأ معى مثلا نصّ سفر الأمثال ( 30 : 1 ) من نسخة كتاب الحياة المصرية : " هذه أقوال أجور بن متقية من قوم مَسَّا " . وجاء النصّ فى نسخة الآباء العربية ط 1991هكذا : " أقوال آجور بن باقة المَسَّاوى " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وقد سبق تفصيل هذه الملاحظة فى أول كتابى هذا عن أرض الجنوب .. وسأذكر هنا للقارئ مثالا واحدا
لأحد علماء المسيحية العرب المعاصرون وهو الخورى بولس الفغالى حين تكلم عن موقع مملكة سبأ اليمنية
فقال فى شرحه لإنجيل لوقا ( حـ 2 صـ 175 ) : " مملكة الجنوب ، ملكة التيمن .... هى ملكة شعب سامى
عاش فى شمال غرب عرابية بالقرب من تيماء ".. !! .
قلت : فهل بعد ذلك الجهل جهل .. !؟ فبدلا من أن يقول شعب عربى قال شعب سامى ، وبدلا من قوله جزيرة
العرب قال عرابية تبعا للغربيين ، ثم نقل إحداثيات اليمن من أقصى الجنوب الغربى إلى شمال غرب جزيرة
العرب فوضع المسكين اليمن عند خليج العقبة قريبا من حدود مصر .. !!
(2) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible V4 page 117
(3) .. The International Standard Bible Encyclopedia V3 page 277
... فـ أجور بن متقية أو آجور بن باقة قالت عنه النسخة المصرية أنه من قوم مَسَّا . ونسبته النسخة اللبنانية لـ مَسَّا فقالت عنه المَسَّاوى . فالمَسَّاوى نسبة إلى مَسَّا سواء كان مَسَّا اسم بلد أو اسم قبيلة أو اسم الجدّ الأعلى .(1/23)
... وعلماء المسيحية فى الشرق والغرب يعلمون جيدا أنَّ أجور هذا عربىّ ابن عربىّ (1) موطنه جزيرة العرب ، ومن المستهجن عندهم أن تسجل أقوال رجل مثل أجور العربىّ فى سفر يهودى يتعبد به اليهود والمسيحيون . فما كان منهم إلا أن تلاعبوا فى ترجمة كلمة مَسَّا المنسوب إليها ذلك العربىّ فحاروا قديما وداروا حديثا حول ترجمة الكلمة مَسَّا .
... فظهرت لنا الكلمة تحت ثوب كلمة وَحْىّ ( oracle ) فى الترجمات اليونانية والإنجليزية المعروفة ( LXX ; NASB ) كما وردت أيضا الكلمة تحت ستار نبوءة ( prophecy ) فى ( نسخة الملك جيمس المعتمدة AV ) ثم تغيرت هذه الكلمة إلى نُطْق أو تَلَفُّظ ( utterance ) فى نسخة الملك جيمس ولكن الجديدة ( NKJV ) ..!!
... والكلمة لا تزال كما هى فى بعض النسخ مثل ( NEB ; RSV ) الإنجليزية والعربية حيث نجدها تشير إلى اسم بلد أو اسم قبيلة فى جزيرة العرب ..!!
وفى نصّ سفر الأمثال ( 31 : 1 ) نجد عبارة ملك مَسَّا وبنفس الطريقة تم التشويش على كلمة مَسَّا لتختفى من النصّ فى بعض نسخ الكتاب المقدس حديثة الترجمة .
وكل هؤلاء الأشخاص المذكورين تحت كلمة مَسَّا ما هم إلا بشر من ذرية مَسَّا ابن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ، ولكن القوم يقولون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ربما كان الاسم العربى الصحيح هو عجور أو عقور بدلا من أجور الأوروبى .
عنهم بأنهم جميعا أبناء هاجر ( Sons of Hagar ) ..!! أى العرب الإسماعيلية المنسوبين إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - عن طريق زوجته المصرية هاجر ..!!
وهناك المزيد من هذه الأسماء المذكورة بفتح الميم وتشديد السين نجدها فى الأسفار الأبوكريفية ، يشار إليها تحت كلمة ( Massias ) لن أستشهد بها حتى لا يعارضنى القوم فيما أذهب إليه ..!!
حالة كسر الميم مع المحافظة على تشديد السين(1/24)
فى سفر التكوين ( 10 : 30 ) نجد الكلمة العبرية مِيشَا مكتوبة فى الترجمات العربية للكتاب المقدس بدون التصويت العربى أو العبرى القديم . المعروف بشفة كنعان . وهذا الأمر يدعو الباحث عن الحقيقة أن ينظر فى النسخة اليونانية السبعينية المكتوبة من قبل النسخة العبرية الجديدة بحوالى 1300 سنة (1) حيث نجد أنَّ الكلمة مِيشَا مكتوبة فيها هكذا ( ????? ) والتى تنطق مَسِّى أى بفتح حرف الميم وتشديد حرف السين . ومعلوم أنَّ حرف الشين فى العبرية الجديدة يعادل حرف السين فى العربية فيكون النطق اللغوى العربى الصحيح للكلمة هو مَسِّى مطابقا للقراءة اليونانية وليس مِيشَا كما هو مسجل فى الترجمات العربية ..!!
جاء فى موسوعة (The New Bible Dictionary ) عن هذه الكلمة ما معناه " اسم مكان يشير إلى نهاية حدود المناطق التى كان يقيم فيها ذرية يقطين ( تك 10 : 30 ) . والنهاية الحدودية الثانية هى ظِفَار (sephar ) . وهناك بعض الوثائق القديمة ترد فيها الكلمة مَسَّا بدلا من مِيشَا وهى تقع جغرافيا فى جنوب الجزيرة العربية " (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. النسخة العبرية المتداولة حاليا ، انتهى العمل من تصويت حروفها وضبط حركاتها ورسمها فى القرن العاشر
الميلادى . ولغة هذه النسخة هى العبرية الجديدة ، وهى نسخة لا يعتمد عليها كثير من علماء المسيحية
المعاصرون لكثرة الأخطاء بها ومخالفتها السبعينية فى مواضع عدة .
(2) ..... Bible Dictionary Page 763 The New
وجاء فى قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة عن يقطين ( يقطان ) : " هو شخص أو بالأحرى قبيلة من نسل سام ، تفرعت منها ثلاث عشرة قبيلة عربية ( تك 10 : 25 ـ 30 ؛ 1 أخبار 1 : 19 ـ 23 ) " (1) .(1/25)
قلت جمال : فالاسم عربى أصيل وقديم جدا منذ عصر أبناء نوح - عليه السلام - لأنَّ يقطين هذا هو أحد أحفاد نوح - عليه السلام - . حسب ما جاء فى التوراة .
انظر الخريطة الجغرافية التالية :
المنطقة العربية الكبرى
المنطقة العربية الكبرى ومناطق إنتشار مَِسَّا و يا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة ص 1080 .
تعليق على ما سبق :
... فى حالات بحثنا عن الكلمات الواردة فى أسفار العهد القديم والمشتقة من الجذر ( مـ س س ) وجدناها كلها أسماء لأشخاص عرب أقحاح يسكنون شمال وجنوب جزيرة العرب . فـ مِسَّا و مَسَّا نجدهما فى أقصى الجنوب العربى لشبه الجزيرة العربية وحتى أقصى الشمال الغربى منها . وتتبادل المعانى والترجمات ما بين أسماء أشخاص أو أسماء مواقع جغرافية أو نبوءة أو وَحْىّ . وجميعها تنحصر جغرافيا فى شبه الجزيرة العربية كما أنه لا يوجد بين هذه الأسماء اسم إسرائيلي واحد ..!!
مع التنبيه بأنه قد يقع بعض المتسرعين من علماء المسيحية على أسماء يهودية تتشابه مع المصطلح الذى بحثنا عنه ولا نزال نبحث عنه .
فالأسماء اليهودية الواردة فى نصوص الكتاب المقدس والقريبة من الجذر ( م س س ) مشتقة من الجذر اللغوى ( م س ى ) وليس ( م س س ) والمعنيان مختلفان تماما . فـ مَِسّ أو مَِسّا بتشديد السين غير مَِسى أو مَِسا بتخفيف السين . فهناك على سبيل المثال كاهن يهودى اسمه ماسِيَّا ( Maaseiah ) مذكور فى عزرا ( 10 : 22 ) لاحظ عدم تكرار حرف ( S ) ، وهذا الاسم يترجمونه فى النسخ العربية إلى ( مَعْسِيا ) ..!! ومثل ذلك من أسماء لم أذكرها هنا لبعدها عن مجال هذه الدراسة .
ثالثا : جنسية المِسِّيَّا .
وهنا سوف نحاول بإذن الله تعالى أن نستخرج شهادة جنسية لهذا المصطلح اللغوى مِسِّيَّا أو بما يسمى عند البعض بشهادة الأصل والمنشأ ..!!(1/26)
سبق أن عرفنا فى أول الدراسة أنَّ أسماء الأشخاص فى معظم أحوالها تدل على جنسية أصحابها وموقع بلادهم ، فما بالك أيها القارئ الباحث عن الحق والحقيقة فى اسم يدل على نوع معين من البشر ( generic noun ) ..!؟
إنه الاسم مَِسَّا بفتح الميم وكسرها وتشديد السين . إنه اسم لم يتَسمَّ به إلاَّ العرب خاصة . ولم تُعْرَفْ بقعة من الأرض تسمى مَِسَّا إلاَّ المنطقة العربية التى سكنتها ذرية مِسَّا بن إسماعيل بن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وكل مَن ينتسب إلى هؤلاء القوم العرب أحفاد مِسَّا يطلق عليه اسم المِسِّى . فكلمة المِسِّى أو المَسِّى تشير إلى جنسية صاحبها . فإن أضفت إليها اسم إله العرب القدماء ( يا ) تصبح الكلمة مِسِّيَّا وهى التى قامت عليها هذه الدراسة وحولها . فكل من تسَمَّى بهذا الاسم المبارك مِسِّيَّا لابد وأن يكون عربياً إسماعيلياً وأن يكون متصلا بالإله يا .
والتاريخ المًدوَّن لم يعرف إلاَّ شخصية عربية إسماعيلية واحدة كانت على صلة بإله السماوات والأرض .
فالملك عجور ـ أجور ـ المذكور فى سفر الأمثال ( 30 : 1 ؛ 31 : 1 ) كان عربيا من قوم مِسِّا كما جاء فى نسخة كتاب الحياة ، وكان مِسَّاويا كما جاء فى نسخة الآباء العربية . أى أنَّ جنسيته مَسِّى نسبة إلى جَدِّه الأكبر مَسَّا تماما كما ينسب الإسرائيلى إلى جَدِّه الأكبر إسرائيل . ولكن عجور لم يكن متصلا بالإله يا . فاكتفوا بنسبته إلى جَدِّه الأكبر فقالوا عنه مَسَّاوى أو مَسِّى أى عربى إسماعيلى .(1/27)
أمَّا عن تلك الشخصية العربية الإسماعيلية والتى على صلة بالإله فهى مِسِّيَّا . ويكون المعنى المبدئى لكلمة ( المسِّى ـ يا ) هو ( نبىّ يا ) العربىّ الإسماعيلىّ بدون تعسف فى الاستنباط والتخريج . وسبق أن علمنا أنَّ الاسم يا هو الاسم المختصر لرب السماوات والأرض عند العرب القدماء وهو الله . فيكون المعنى الحرفى للمصطلح مِسِّيَّا هو نبىّ الله مثل قولهم عن أنبياء بنى إسرائيل أرميا وأشعيا وزكريا ... الخ .
وسوف أبحث بعون الله تعالى بعد قليل عن المعنى اللغوى لكلمة مِسَّا أو مَسِّى لنضبط المعنى الدقيق لكلمة نبىّ التى ذكرتها سابقا . وقبل البحث عن المعنى اللغوى للمصطلح لابد أن نبحث أولا فى التأصيل اللغوى للاسم مِسَّا .
لم يقم أحد من علماء المسيحية ـ حسب علمى ـ بترجمة الاسم مِسَّا بن إسماعيل - عليه السلام - إلى اللغات الأوروبية المختلفة وإنما نقلوه كما هو مُصَوَّتاً بلغته الأصلية إلى اللغات المختلفة . وهذا خلاف فعلهم مع معظم الأسماء الواردة فى نصوص الكتاب المقدس . فعلى سبيل المثال نجدهم يترجمون اسم عيسى - عليه السلام - إلى جيسس فى الإنجليزية وإلى يسوع فى العربية وإلى غير ذلك من أشكال سبق ذكرها فى كتابى معالم أساسية . ولكن الاسم مسَّا ظل كما هو فى جميع اللغات إلى الآن . ومرجع ذلك أنَّ القوم لا يعرفون له جذرا لغويا يشتق منه الاسم سواء كان ذلك فى اللغة العبرية الجديدة أم اليونانية . فالجذر ( مـ س س ) الذى يأتى منه الاسم مسَّا لا يوجد إلا فى اللسان العربى .
وجميع الكلمات الواردة فى الكتاب المقدس والتى ترجع معانيها إلى معانى كلمة ( مـ س س ) العربية ومشتقاتها ، نجد أنَّ أصولها فى اللغتين العبرية والآرامية تتوافق تماما فى النطق الفينولوجى مع احتمال احتفاظها بالمعنى العام كما سنرى قريبا بإذن الله .(1/28)
والمترجمون لم يقوموا بترجمة الأسماء مِسَّا و مسِّيَّا حسب المعنى وإنما نقلوها كما هى بذات التصويت اللغوى العربى . وهذا معناه الوحيد أنَّ الأصل اللغوى عربىّ صميم ، ولكن الله سبحانه وتعالى قد صرفهم عن البحث عن معناه فى اللسان العربى القديم حتى يصل إلى عصر التدوين والنور ..!!
وفى القواميس اللغوية الكتابية نجدهم يشرحون معنى الأسماء مِسَّا و مسِّيَّا بدون ذكر الجذر اللغوى المشتقة منه هذه الأسماء خلافا لما يفعلونه فى سائر كلمات الأسفار اليهودية والمسيحية . فقالوا عن المِسَّا أنَّ معناه حِمْلُ أو ثِقَل بدون إثبات الدليل أو الإشارة إلى اللغة التى أخذوا عنها هذا المعنى . وقالوا عن المسِّيَّا أنَّ معناه هو المَدْهُون أو المَمْسُوح ولم يذكروا الجذر اللغوى الذى اشتقت منه هذه الكلمة . وإنما ذكروا جذرا لغويا آخر لا علاقة له بهذه الكلمة وهو الجذر ( مـ س ح ) وهذا كلام لا يستقيم أبداً حيث أنَّ أصله أَعوج .
فأين حرف الحاء فى كلمة مسِّيَّا حتى نتأكد إنها مشتقة من الجذر العربى أو العبرى ( مسح ) ..!؟ وأى إنسان على إلمام بسيط باللغة يعلم جيدا أنَّ كلمة مسِّيَّا لا يمكن أن تختصر لتصبح مَسَحَ فكيف بأكابر علماء القوم ..!؟ ونصوص الكتاب المقدس تقف فى وجههم وتشير إلى جنسية أصحاب هذه الأسماء المشتقة الأسماء المشتقة من الجذر ( مـ س س ) ، وإلى الأماكن الجغرافية التى سكنها هؤلاء القوم . إنهم العرب سكان شبه الجزيرة العربية .
ولذلك نجد أصحاب دائرة المعارف القياسية العالمية للكتاب المقدس يقولون عن هذه الأسماء المشتقة من الفعل ( مـ س س ) مثل مِسَّا و مَسَّا :
" أنَّ التفسير الظاهرى للكلمة هو الأكثر احتمالا حيث أنَّ أسماء الأشخاص غير عبرانية . وهى تظهر فى الأسماء المعينية (1) وأيضا نجدها تظهر فى الوثائق والحفريات العربية القديمة بجنوب جزيرة العرب " (2) .(1/29)
فالأسماء عربية والاشتقاق اللغوى عربى صميم مائة فى المائة وجنسية المِسِّيَّا عربية مائة فى المائة . ويتبقى علينا دراسة هذا الاسم فى اللغة العربية والتعرف على معناه كما جاء فى لغته الأم العربية .
فالجذر ( مـ س س ) الذى يأتى منه الاسم مسَّا لا يوجد إلا فى اللسان العربى . وإن وجده القارىء لأسفار العهد القديم بالحرف العبرى ( ??? ) إلا أنَّ استخداماته فى العبرية قليلة جدا كما سنرى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نسبة إلى الدولة المعينية العربية القديمة بجنوب الجزيرة العربية .
(2) .. The international standard Bible Encyclopedia V3 page 244
رابعا : معنى المصطلح مِسِّيَّا
أعتقد أنَّ أمر دراسة معنى المصطلح مِسِّيَّا أصبح ميسورا بعد أن تمكنا بعون الله وقدرته من حَلّ الشفرة الإسرائيلية التى كتب بها ذلك المصطلح السامى الأصل . وهذا خلاف أقوال علماء المسيحية قاطبة الذين لم يفطنوا إلى أنَّ هذا المصطلح مكتوب بالشفرة الإسرائيلية . فقالوا ما قالوه عن معناه من قبل فك شفرته . فكانت أقوالهم بعيدة كل البعد عن الحق والحقيقة . وإليك نماذج أخرى من أقوالهم قبل بيان الحق وشرح المعنى الصحيح .
... تذكر جميع القواميس والموسوعات الكتابية أنَّ الاسم مِسِّيَّا يعادل فى معناه الاسم المَسِيح ، وكلا الاسمين مشتق من مادة ( مـ س ح ) العبرية . والمعنى هو مَسَحَ بلطف ( touch lightly ) أو دهن بالزيت ( rub with oil ) . وبالتالى فالمعنى الجامع لهما هو المَمْسُوح ( the anoint ) (1) .(1/30)
وقد سبق إثبات أنَّ ذلك المعنى غير صحيح فى حق شخص المَسيح - عليه السلام - فلم يكن أبدا فى يوم من الأيام مَمْسُوحا لا بزيت ولا بدهن ولكنه كان مَسِيحًا يَمْسَحُ بيده الشريفة على المرضى والموتى فيقومون مُعَافَى الأبدان بإذن الله . كما أنَّ الجذر ( مـ س ح ) يختلف تماما عن الجذر ( مـ س س ) فى اللغة الآرامية والعبرية القديمة لغة الأسفار اليهودية .
... وأمَّا عن الشق الأول من المصطلح مِسِّيَّا وهو الاسم مِسَّا فقد قال عنه المتخصصون الغربيون أنَّ معناه حِمْل ( load ) أو ثِقَل ( burden ) وقالوا أيضا وَحْىّ ( oracle ) أو نبوءة ( prophecy ) (2) . وفى الترجمة الجديدة لنسخة الملك جيمس فقد وردت الكلمة بمعنى تَفَوُّه أو تَلَفُّظ ( utterance ) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع موسوعة : ( The international standard Bible encyclopedia V3 page 330 )
(2) .. المصدر السابق : (The international Standard Bible Encyclopedia V3 page 244 )
كل ذلك وبدون الإفصاح عن الجذر اللغوى الذى جاءت منه تلك المعانى الغريبة التى لا تجتمع على جذر لغوى واحد ..!!
ولقد فهم أحد الرهبان المصريين المولعين بالتأليف بأنَّ معنى كلمة المِسِّيَّا عند اطلاقها على المسيح - عليه السلام - تعنى حَمَل بفتح الحاء والميم بمعنى خروف ، فقال إنَّ المسِّيَّا هو حَمَلُ الله حتى ينطبق ذلك المعنى على النصّ المنسوب إلى المعمدان والوارد فى إنجيل يوحنا ( 1 : 29 ) على المسيح - عليه السلام - . ولم يفطن هذا الراهب متى المسكين إلى الفرق فى معنى الكلمة عند اختلاف تشكيلها فـ حِمْل غير حَمَل . فالأولى بمعنى ثِقْل يُحْمَل ( load ) ..!! والثانية بمعنى خروف يؤكل ( lamb ) ..!!
ولم يكن المِسِّيَّا يشكل ثقلا لأحد ينوء بحمله كما لم يكن خروفا حتى يأكله أتباعه وكل ذلك تخاريف من لا يعلمون ..!!(1/31)
وبما أنَّ المترجمين للعربية قد حَوَّلُوا الاسم مِسِّيَّا إلى الاسم مَسِيَّا أو مِسْيا (1) بتخفيف السين إمَّا بكسرها وإمَّا بتسكينها ، ومِن ثمَّ فقد تغير المعنى وأيضا الجذر اللغوى . فبدلا من ( مـ س س ) أصبح ( مـ س ى ) ولقد قال علماء العربية فى المعاجم اللغوية أنَّ المَسْىَ ليس من المسّ فى شئ . قال الأزهرى : " إنما الماسى هو الذى يدخل يده فى حياء الأنثى لاستخراج الجنين إذا نشب ، يقال مسيتها مسيا . روى ذلك أبو عبيدة عن الأصمعى . وليس المَسْى من المسّ فى شئ (2) وقال الراغب " المسّ كاللمس ولكن المسّ يقال لطلب الشئ وإن لم يوجد . واللمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس " (2) .
قلت جمال : فكلمة الماسى أو المَسِيَّا المستخدمة فى الترجمات العربية للكتاب المقدس عَلماً على المسيح - عليه السلام - تعنى بحسب هذا التخريج : الشخص ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تأمل جيدا فى تشكيل الاسم ( مَسِيَّا ) بفتح الميم وكسر السين مع تخفيفها ثم تشديد الياء . أى أنَّ الكلمة يمكن
كتابتها هكذا ( مَسِىَ ـ يا ) فجذر الشق الأول من الكلمة هو( م س ى ) وليس ( م س س ) .. !!
(2) .. تاج العروس لشرح القاموس المجلد الرابع ص 248 .
الذى يستخرج المولود من حياء أمه بيده أى الداية كما نقول فى عاميتنا أو الطبيب الموِّلد فى لغتنا الراقية ..!!
... فهلاَّ تراجع علماء المسيحية العرب عن استخدام ذلك المصطلح العربى المضحك ورجعوا إلى أصول كتابهم اليونانى والآرامى وقالوا مِسِّيَّا بدلا من مَسِيَّا .. !!؟
... وهَلاَّ تراجع علماء المسيحية الأوروبيون والأمريكيون عن شرح الاسم مِسِّيَّا والذى يكتبونه بالإنجليزية ( Messiah ) بأنَّ معناه هو ( Jesus ) أى عيسى (1) ..!!؟ مع أنَّ الكلمة ليست إنجليزية أو يونانية أو لاتينية حتى يقولوا ذلك وإنما هى عربية مائة فى المائة ..!؟(1/32)
أمَّا عن المسّ ( مِن الجذر مـ س س ) فى اللسان العربى فهو مشهور معروف . وفى كتاب الله تعالى مذكور ، وقد آن الأوان لشرح المعنى وإظهار الحقيقة .
... يقال مَسَّ الشئ مَسَّا : لمسه بيده . وفى اللسان المبين { لا يمسّه إلا المطهرون } . ويقال : ماسََّ الشئ مماسَّة و مساسا : لقيه بذاته . و تماسَّ الجرمان : مسّ أحدهما الآخر . وفى اللسان المبين { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا } .
... وتقول العرب عن الوصال الجنسى مَسَّها و ماسَّها . وقوله تعالى : { من قبل أن تمسُّوهن } فيه قراءة ( تماسُّوهن ) والمعنى واحد . وجاء فى اللسان المبين عن مريم عليها السلام { قالت أنَّى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر } .
وجاء أيضا قوله تعالى { إذا مَسَّهُ الشر جذوعا وإذا مَسَّهُ الخير منوعا } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. انظر القاموس الأمريكى المشهورwebster’s والقاموس الإنجليزى المعروف cassell .
ومادة ( مـ س س ) كثيرة الورود فى القرآن الكريم وفى التراث العربى القديم والحديث ، فلن أطيل فى ذكر الشواهد .
فـ الماسُّ : وصف من مسَّ ، وهى ماسَّة و مُسَّة . والاسم العربى القديم مَِسَّا للمُذكر مذكور فى أسفار العهد القديم . والاسم مُسَّة للمؤنث لم يستخدمه أيضا إلاَّ عرب الجزيرة العربية ففى التراث العربى الإسلامى نجد هذه الصيغة المؤنثة مُسَّة . فعلى سبيل المثال هناك مُسَّة الأزدية التابعية التى روى عنها الثقات عدة أحاديث . وهناك أيضا الاسم مَسَّة المذكور فى العهد القديم للكتاب المقدس علماً على بقعة من الأرض العربية سواء كانت فى داخل شبه الجزيرة العربية أو بالمنطقة الشرقية من سيناء مصر كما ورد فى ( خروج 17 : 7 ؛ تثنية 6 : 16 ؛ 9 : 22 ؛ 33 : 8 ؛ مزمور 95 : 8 ) . والمسَّة أيضا لعبة للعرب وهى الضبطية ، وهى التى نطلق عليها حاليا عسكر وحرامية .. !!(1/33)
فمعنى الاسم مسَّا و ماسَّا هو الواصل للشئ حتى يمسُهُ أو يلامسه والوصول أو الاتصال هنا بين شيئين أو طرفين .
والأمر كما هو مبين فى الشكل التوضيحى التالى :
الطرف الأول ( ( مسَّا أو ماسَّا ) ( الطرف الثانى
( هو الموصل بين الطرفين )
والواصل أو الموصل بين الشيئين ( مسَّا أو ماسَّا ) يمكننا اعتباره رَسُول أو مُرْسَل من أحد الطرفين إلى الآخر . فإن كان أحد الطرفين هو الإله يا والطرف الآخر هو البشر . فالمعنى حينئذ يكون واضحا جدا وخاصة إذا كان هذا الرسول يشار إليه بالعبارة مِسِّا يا .
فـ المِسِّيَّا هو ذلك الإنسان العربى الإسماعيلى الذى اتصل بالإله فكان رسول الإله إلى البشر . إنه رسول يا . فإن كان الاسم المختصر ( يا ) هو الله تعالى كما يقولون فإنَّ المعنى العربى اللغوى لكلمة المِسِّيَّا هو ( رسول الله ) ولا معنى لها غير ذلك .
... وهذا الاسم العربى القديم المِسِّيَّا لم يوصف به فى الكتاب المقدس كله إلا شخص واحد ذُكِرَ اسمه فى سفر دانيال مرتين وفى إنجيل يوحنا مرتين . فهل اقتنع القارئ ..!؟
... إنها محاولة يعلم الله أنِّى لم أجد مَن طَرق بابها قبلى فإن كانت صوابا فهى من عند الله ، وإن كانت الأخرى فهى من عند نفسى . ولمزيد من الاطمئنان أذكر ملخصاً لما سبق وروده مع اضافة جديدة لنشاهد مدى انطباق ذلك المعنى على رسول الله النبىّ العربىّ الإسماعيلىّ - صلى الله عليه وسلم - :
... 1 ـ الاسم مِسِّيَّا مكون من اسمين مِسِّا و يا . والاسم الأول عربى صميم بشهادة أسفار العهد القديم . والاسم الثانى هو الاسم المختصر لإله السماوات والأرض عند العرب القدماء وعند بنى إسرائيل بشهادة الآثار العربية ونصوص العهد القديم .
... 2 ـ أنَّ جنسية أو شهادة المنشأ للـ المِسِّا تشير إلى أنه عربىّ إسماعيلىّ من أهل الجزيرة العربية حسب نصوص الكتاب المقدس .(1/34)
... 3 ـ أنَّ المِسِّا أو الماسَّا هو الذى يقفل الدائرة الكهربائية فى مفهومنا العلمى الحديث ، أى يتَمِّمَ عمل من قبله ولن يكون هناك ماسَّا من بعده لأنَّ طرفى الدائرة قد اتصلا ببعضهما . بمعنى أنه خاتم رسل الله فلن يكون هناك رسلا من بعده . وهذا المعنى مذكور فى القرآن والحديث ، كما أنه مذكور أيضا وبوضوح فى سفر دانيال ( 9 : 24 ) فعند قدوم المِسِّيَّا تختم النبوة ويؤتى بشريعة البر الأبدى . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسماعيلىّ العربىّ قد تحققت فيه هذه الأوصاف .
هذا وقد سبق أن شرَحَ المَسِيحُ عيسى - عليه السلام - معنى ذلك المصطلح المِسِّيَّا منذ ألفى سنة لأتباعه وقال لهم إنه رسول الله الآتى من بعدى . ولكن القوم أضاعوا أقوال المسيح - عليه السلام - ولم يلتفتوا إليها ويأخذوا بها .
... فالحمد لله أولا وآخرا أن وفقنى لحل شفرة ذلك المصطلح الإسرائيلى بفك الاشتباك بين الاسمين مِسِّا و يا . ويمكن لأى عالم مسيحى يعرف شيئا من اللسان العربى القديم وجغرافية المنطقة العربية ، وبمساعدة نصوص الكتاب المقدس يمكنه أن يقول بمثل ما قلت وأوضحت بدون تردد . وإن كنت شاكا فى كلامى أيها القارئ فليس أمامك إلا إدخال هذه البيانات المذكورة فى نصوص كتابك المقدس إلى أى جهاز متخصص فى حل الشفرة فسوف تحصل على نتائج مشابهة .
الصيغة الفعلية للجذر ( مـ س س )
======================
... وبعد أن تم بحمد الله فك شفرة الكلمة مِسِّيَّا فى صيغتها الإسمية ومعرفة معناها . أذكر هنا الكلمة فى صيغتها الفعلية كما وردت فى أسفار العهد القديم . وذلك زيادة تأكيد للقارىء الباحث عن الحق والحقيقة .
... وقد سبق أن قرأنا تخبط علماء المسيحية فى بيان معنى كلمة مِسِّيَّا بدون إفصاحهم عن الجذر اللغوى الذى به يُعرف معنى الكلمة . وسبب ذلك أنهم يتناقلون أقوال مَن سبقوهم بدون فهم أو بحث وراء أقوالهم أو التأنى فى مراجعة أصول كتابهم المقدس .(1/35)
وها أنا أبيّن للقرَّاء أنَّ الكلمة مَسَّ ( مِن الجذر مـ س س ) قد وردت فى أسفار العهد القديم بالخط العبرى ( ??? مـ ثم س ثم س ) أى أنها الجذر الذى نبحث عنه مَسَّ . وهذه الكلمة نجدها فى القواميس الكتابية العبرية تحمل الرقم ( 4959 ) . وفيها تحول حرف السين العربى إلى الشين العبرية كما هو معروف . ووردت أيضا فى النسخة اليونانية السبعينية هكذا ( ????? ) وتنطق مَسُّ بفتح الميم ثم بتشديد السين مع رفعها .
واستخدامات هذه الكلمة فى اللغة العبرية قليلة جدا لأنَّ أصلها آرامى عربى كما سبق الكلام على صيغتها الإسمية . فقد وردت الكلمة برسمها العبرى واليونانى السابق فى سفر التكوين ثلاث مرات . وفى سفر التثنية مرة واحدة . وفى سفر أيُّوب مرتين .
واختلف المترجمون فى ترجمة معناها فى المواقع السابقة .
فاستخدم المترجمون إلى العربية كلمة جَسَّ ( ج س س ) بدلا مِن الأصل مَسَّ وذلك فى فقرة ( تك 27 : 12 ) ، والجَسّ غير المَسّ وإن اشتركا فى المعنى العام . مع أنَّ الفقرة تتكلم عن وضع يد اسحاق على بشرة ابنه يعقوب يتحسسه . فيا ليتهم قالو حَسَّه بالحاء بدلا مِن جَسَّه بالجيم . فالتجسس بالجيم هو أن يطلب الشىء لغيره ، والتحسس بالحاء هو أن يطلبه لنفسه . ومَسّ اسحاق لبشرة ابنه يعقوب كان طلبا لنفسه فيقال تحسسه بالحاء .
... واستخدموا أيضا الكلمة جَسَّ بدلا مِن الأصل مَسَّ فى الفقرتين ( تك 31 : 34 ، 37 ) وهى هنا بمعنى تلمَّسَ الشىء أى يبحث عنه ويطلبه . والمعنى فى الفقرتين كان يدور حول تلمُّس لابان للأصنام التى خبأتها راحيل أى يطلب مَسَّها وصولا إليها .
... واستخدموا كلمة تلمَّسَ فى الفقرات ( تثنية 28 : 29 ؛ أيوب 5 : 14 ، 12 : 25 ) وهى هنا بمعنى تلمَّس طريقه أى يتحسَّسَهُ أى يطلب مَسَّه وصولا إلى مراده .(1/36)
... أمَّا فى الترجمات الإنجليزية فقد ترجمت الكلمة مَسَّ إلى الكلمات الإنجليزية ( touch , feel , search , grope ) فضاع منهم الأصل الذى به يعرفون معنى وجذر المصطلح مِسِّيَّا .
قلت جمال : هذه هى كل أماكن ورود الكلمة مَسَّ فى أسفار العهد القديم العبرى . ليس فيها معنى حِمْل ( load ) أو حَمَل أى خروف ، وليس فيها معنى ثِقَل ( burden ) أو وَحْى ( oracle ) أو نبوءة ( prophecy ) أو تفوَّه ( utterance ) أو مدهون أو ممسوح إلى غير ذلك مِن معان لا تجتمع على جذر لغوى واحد . وفى كل أماكن ورود الكلمة مَسَّ نجدها مُشتقة مِن الجذر مَسَّ ومعانيه المختلفة .
إنهم فى الحقيقة لم يقرؤا كتابهم جيدا فى لغته القديمة . فلا الصيغة الاسمية عرفوا معناها ولا الصيغة الفعلية حاموا حولها . فهل اقتنع قرَّائى الآن بصحَّة بحثى اللغوى عن الكلمة التى تاه فى معناها علماء المسيحية فى الشرق والغرب ..!؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
نصوص عيسوية بشأن المِسِّيَّا
===============
...
وهذه النصوص الواردة عن المسيح عيسى - عليه السلام - بشأن المِسِّيَّا أذكرها هنا بغرض الاستئناس لا بغرض المحاجَّة والإلزام لأصحاب الديانة المسيحية . فذلك الفصل لا أهمية له فى بحثى إلا لزيادة الاطمئنان عند المؤمنين . فالقوم لا يريدون أن نحيلهم إلى إنجيل برنابا فى حواراتنا معهم . والحقيقة دائما ضالةُ ناشِدها . وقد تم والحمد لله فك شفرة المصطلح ومعرفة معناه من داخل نصوص الكتاب المقدس ، وبمعونة ما تم الكشف عنه من آثار كتابية للشعوب العربية القديمة . وهذه النصوص المذكورة هنا مأخوذة من إنجيل برنابا المترجم عن الإنجليزية بواسطة الدكتور خليل سعادة حيث يبين فيه المسيح - عليه السلام - أنَّ معنى كلمة مِسِّيَّا هو رسول الله .
..(1/37)
جاء فى إنجيل برنابا الفصل 42 ص 64 ، 65 أنَّ المسيح - عليه السلام - قال لرؤساء الكهنة عندما سألوه من أنت ؟ فقال : " الحق أنى لست مِسِّيا . فقالوا : أأنت إيليا أو أرميا أو أحد الأنبياء القدماء ؟ . أجاب عيسى : كلا . حينئذ قالوا : من أنت . قل لنشهد للذين أرسلونا ..؟ فقال حينئذ عيسى : أنا صوت صارخ فى اليهودية كلها . يصرخ أعدوا طريق رسول الرب كما هو مكتوب فى أشعيا . قالوا : إذا لم تكن المسيح ولا إيليا أو نبيا ما فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مِسِّيَّا .. ؟ .
أجاب عيسى : إنَّ الآيات التى يفعلها الله على يدى تظهر إنى أتكلم بما يريد الله . ولست أحسب نفسى نظير الذى تقولون عنه . لأنى لست أهلا أن أحلّ رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذى تسمونه مِسِّيَّا (1) . الذى خُلِقَ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وجملة ( الذى تسمونه مِسِّيَّا ) وردت على لسان المرأة السامرية حين قالت للمسيح - عليه السلام - : ( أنا أعلم أن
التاحب سيأتى و الذى تدعونه المِسِّيا ) . راجع إنجيل يوحنا ( 4 : 25 ) وشرح هذا النصّ فى دراستى هذه .
قبلى وسيأتى بعدى ، وسيأتى بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية " انتهى .
..(1/38)
وجاء فى إنجيل برنابا الفصل 82 ص 82 ، ص 83 حديث المسيح - عليه السلام - مع السامرية : أجابت المرأة : إننا ننتظر مِسِّيَّا فمتى جاء يعلمنا . أجاب عيسى : أتعلمين أيتها المرأة أنَّ مِسِّيَّا لابد أن يأتى ؟ . أجابت : نعم يا سيدى . حينئذ تهلل عيسى وقال : يلوح لى أيتها المرأة أنك مؤمنة ، فاعلمى إذا أنه بالإيمان بمسِّيَّا سيخلص كل مختارى الله . إذا وجب أن تعرفى مجئ مِسِّيَّا . قالت المرأة : لعلك أنت مِسِّيَّا أيها السيد . أجاب عيسى : إنى حقا أرسلت إلى بيت إسرائيل نبىّ خلاص . ولكن سيأتى بعدى مِسِّيَّا المرسل من الله لكل العالم الذى لأجله خلق الله العالم . وحينئذ يسجد لله فى كل العالم وتنال الرحمة ... " .
..(1/39)
جاء فى إنجيل برنابا الفصل ( 96 ) الحوار الذى دار بين الكاهن وبين المسيح - عليه السلام - أمام الجماهير " قال الكاهن : انه مكتوب فى كتاب موسى أنَّ إلهنا سيرسل لنا مِسِّيَّا الذى سيأتى ليخبرنا بما يريد الله وسيأتى للعالم برحمة الله لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق : هل أنت مِسِّيَّا الله الذى ننتظره ..؟ أجاب عيسى : حقا أنَّ الله وعد هكذا ولكنى لست هو لأنه خلق قبلى وسيأتى بعدى ( راجع يوحنا 1 : 15 ) . أجاب الكاهن : إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبىّ وقدوس الله لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حبا فى الله بأية كيفية سيأتى مِسِّيَّا ..؟ أجاب عيسى : لعمر الله الذى تقف بحضرته نفسى إنى لست مِسِّيَّا الذى تنتظره كل قبائل الأرض . كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلا : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض . ولكن عندما يأخذنى الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأنى الله وابن الله فيتنجس بسبب هذا كلامى وتعليمى حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنا . حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذى خلق كل الأشياء لأجله . الذى سيأتى من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر ، وسيأتى برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا " .
.. وجاء فى إنجيل برنابا الفصل ( 97 ) ص 149 عن اسم المِسِّيَّا :
" أنَّ اسم مِسِّيَّا عجيب " وذكر أنَّ اسمه محمد . ولكن القرآن الكريم ذكر أنه أحمد - صلى الله عليه وسلم - .
.. وجاء أيضا فى الفصل 208 ص 208 : قال عيسى : " الحق أقول أنَّ ابن إبراهيم هو إسماعيل الذى يجب أن يأتى من سلالته مِسِّيَّا الموعود به إبراهيم إنَّ به تتبارك كل قبائل الأرض " .(1/40)
الباب الثالث
المِسِّيَّا فى أسفار العهد القديم
====================
أولاً
متى ظهرت فكرة المِسِّيَّا المنتظر ..؟
إنَّ المتتبع لتاريخ الدولة اليهودية يعلم جيدا أنَّ أول ظهور لكلمة المِسِّيَّا فى أسفار العهد القديم كان فى أثناء فترة سبى بابل ، أى بعد أن انهارت الدولة اليهودية . وتم إجلاء رعاياها بالكامل من أرض فلسطين . وهناك فى بابل ـ العراق القديم ـ ظهر فيهم نبىّ اسمه دانيال هو أول من أشار إلى ظهور شخصية منتظرة تحت اسم المِسَّا . ناسبا هذا الاسم إلى الإله ياه أى مِسِّيَّا .
... ومعلوم جيدا عند ذوى العلم والاختصاص أنَّ اللغة المتداولة فى ذلك الوقت هى اللغة الآرامية ، التى أصبحت هى اللغة الحكومية فى كل أرجاء الإمبراطورية الفارسية حينذاك . واليهود دائما وأبدا عبر تاريخهم الطويل عندما تحل بهم الكوارث وتصيبهم نوائب الزمان ، نجدهم يتطلعون إلى شخصية مستقبلية تجمع شملهم وتوحِّدُ صفوفهم . شخصية نبىّ ذو صولة وجولة حربية وسياسية يتمكن من إقامة الدولة اليهودية كسابق عهدها أبَّان فترة حكم داود وسليمان عليهما السلام .
... ففى أثناء سبى بابل وضياع دولتهم ، ترقبوا ظهور المِسِّيَّا ولم يظهر المسِّيَّا لأنَّ زمانه لم يكن قد حان . ولكن الإمبراطور الوثنى الفارسى قورش قام بمساعدتهم إلى العودة إلى فلسطين فأطلقوا عليه لقب مسيح الرب . ومِن بعد عودتهم إلى فلسطين وقيام دولتهم مرة ثانية اجتاحتهم جيوش الإسكندر الأكبر . فوقعوا تحت طائلة الاحتلال اليونانى ومن بعده الاحتلال الرومانى فترقبوا ظهور المسيح الملك بن داود الذى يخلصهم من مهانة الاحتلال ويقيم الدولة اليهودية . وعندما ظهر فيهم المَسيح الهارونى ابن مريم - عليه السلام - كفروا به ولم يؤمنوا برسالته لأنه لم يكن المسيح الذى يريدون (1) ..!!(1/1)
ومن بعد ضياع دولتهم على يد الرومان وإجلائهم الجلوة الكبرى عن فلسطين سنة ( 70 م ) وتشتتهم فى بقاع الأرض المختلفة تحقيقا لقول الحق سبحانه وتعالى { وقطعناهم فى الأرض أمما } فنزلت قبائل منهم إلى أرض الجنوب بجزيرة العرب موطن المِسِّيَّا الذى أخبرهم عنه دانيال وتَغَنَّى بظهوره أجدادهم من قبل . نزلوا إلى جزيرة العرب فى خيبر وما حولها يترقبون ظهوره ويستفتحون به على الذين كفروا من العرب . فلما بعثه الله كفروا به وبرسالته لأنه لم يكن الذى يريدون ..!!
ومنذ أن أجلاهم جنود الإسلام من أرض الجنوب وإلى أن تحققت أحلامهم فى العودة إلى فلسطين وقيام دولتهم سنة 1948م بمساعدة الغرب المسيحى تحقيقا لقوله تعالى { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا } . كانوا ولا يزالون ينتظرون المسيح الملك بن داود . المسيح الدجَّال الذى يُمَكنهم ـ حسب إعتقادهم ـ من قطع رقاب المسلمين والمسيحيين معًا (2) ..!!
مع أنَّ نصوص الأسفار اليهودية لا يوجد فيها نصّ صريح لشخصية تلقب بالمسيح سوف تظهر فى المستقبل ، وإنما ذلك الهوس مذكور فى تلمودهم وأقوال علمائهم خلافا لشخصية المِسِّيَّا الوارد ذكره علانية فى سفر دانيال مرتين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى داودى أم هارونى ففيه التفصيل والايضاح .
(2) .. من تعاليم الدين اليهودى التى كتبها الرِّبِّى موسى بن ميمون فى القرن الثالث عشر الميلادى نجد فيها الإشارة
إلى إنتظارهم للمسيح الملك ابن داود : " أنا أعتقد وبقلب سليم أن المسيح ـ ابن داود ـ سوف يأتى ، وبالرغم
من تأخر مجيئه فأنا لا أزال منتظرا بصبر ظهوره السريع . " نقلا عن :
BAKER Encylopedia of the Bible V2 page 1446(1/2)
ففى أثناء فترة السبى ببابل وانقراض دولتهم وزوال قدسهم رجعوا إلى الله وشرحوا النصوص التوراتية على وجهها الصحيح بقدر ما . فالنبىّ المبشر به فى ( سفر التثنية 18 : 18 ) معلوم عندهم أنه من نسل إسماعيل أى عربىّ الجنسية . ولإسماعيل - عليه السلام - ابن يدعى مِسَّا انتشرت ذريته داخل أرض شبه الجزيرة العربية وكانت قبيلة مِسَّا أو بلاد مِسَّا معروفة ومشهورة فى وقت سبى بابل ، فليكن هذا النبىّ المنتظر هو المِسِّيَّا .
إنه اجتهاد مُشَفَّر وقول صحيح مُقَنَّع فلن يعرف العامة معنى كلمة مِسِّيَّا وإلى مَن تشير ، ومفتاح الشفرة بيد علماء اليهود وأحْبَارهم . إنه مصطلح مكون من اسمين على شاكلة الأسماء الإسرائيلية أشعيا و أرميا و إيليا و صفنيا و زكريا و ..... الخ .
ولكن الاسم الأول ( مِسَّا ) لا يشير إلاَّ إلى العرب خاصة وإلى نسل إسماعيل تحديدا ، والاسم الثانى ( يا ) هو مختصر اسم الإله الأعظم عند العرب والإسرائيليين معاً . والجمع بين الاسمين يشير إلى أنه رسول ياه إلى الناس إسرائيليين وعرب . وتلك الشفرة لم يحلها علماء المسيحية منذ ألفى سنة رغم أننا فى عصر الكمبيوتر وآليات فك الشفرة ..!!
... وقد سبق أن بيَّنتُ أنَّ المسيح - عليه السلام - قد فك لهم قديما هذه الشفرة بأنَّ معناها رسول الله الإسماعيلى النسب ، ولكن هذه الحقيقة مسجلة فى الأسفار الغير قانونية والتى لا تعترف بها الكنائس .
... وفى نصوص الكتاب المقدس المتداول حاليا بين الناس سوف يلاحظ الباحث فى سفر أشعياء أنَّ هذه الشخصية المبشر بظهورها من قلب شبه الجزيرة العربية والتى تسمَّى بـ ( عبد الله ) يجدها دائما وأبدا تظهر فى النصوص الكتابية وحولها أسماء لمواقع جغرافية وقبائل بشرية توجد فى الجزيرة العربية مثل قيدار وسالع والبيت الأخير ومديان وعيفة وسبأ و ... الخ .(1/3)
... ولأول وآخر مرة نجد اليهود فى سفر أشعياء يترقبون ظهور شخصية ( عبد الله ) الذى يهتدى العالم أجمع بنورها وليس بنى إسرائيل فقط كما كانوا مِن قبل ومِن بعد سبى بابل .
وعندما كتبت النسخة العبرية للعهد القديم ـ الماصورتية ـ فى القرن العاشر الميلادى تم استبدال الكلمة مِسِّيَّا المذكورة فى سفر دانيال بكلمة مسيح وذلك بعد ظهور المِسِّيَّا فى مكة والمدينة . ولكن النسخة السبعينية اليونانية التى كتبت فى الإسكندرية فى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد ، لا تزال بحمد الله بيد علماء المسيحية وفيها كلمة المِسِّيَّا . إلا أننا للأسف الشديد نجد أنَّ مسيحيى العالم يسيرون فى ركاب اليهود دائما لأنهم أصحاب الكتاب الأول الذى بين أيديهم . فتابعوا اليهود فى تحريفهم لمعنى كلمة مِسِّيَّا وقالوا مثل قولهم بأنَّ الـ مِسِّيَّا هو الـ مَسيح ، ثم اختلفوا فيما بينهم حول المسيح ابن مريم - عليه السلام - .
وظهرت الترجمات الحديثة للكتاب المقدس فى العربية وفى الإنجليزية محذوفا منها كلمة مِسِّيَّا فى سفر دانيال ومكتوبا بدلا منها مَسيح أو مَمْسُوح أو مَدْهُون أو مُختار أو ....... الخ . وضاعت الحقيقة من بين أيدى قُرَّاء الكتاب المقدس الحديث الترجمة وخصوصا عند العرب المسيحيين حيث تم حذف كلمة مِسِّيَّا من سفر دانيال فى جميع الترجمات العربية المتداولة حاليا فى الأسواق خلافا لما هو مذكور فى الأصول اليونانية فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ثانيا ..
توقيت بعثة المِسِّيَّا
شرح نص دانيال ( 9 : 20 ـ 27 )(1/4)
... لقد سبق بعون من الله تعالى فَكّ شفرة المصطلح مِسِّيَّا وبيان معناه والمراد منه من داخل نصوص العهد القديم . كما تم إلقاء الضوء على بعض النصوص الكتابية التى تتحدث عن مجئ صاحب تلك الشخصية النبوية المِسِّيَّا أى رسول الله أحمد - صلى الله عليه وسلم - من داخل أرض الجنوب . وبدون أى محاولة ـ على الأقل ـ فى التفكير فيما قرأته هنا والتبصُّر فيما أُلْقِىَ إليك من علم هناك لن تجدى المحاولة فى الاستفادة من هذه الدراسة .
... فأرجو من الباحثين المسيحيين والمثقفين منهم خصوصا أن ينصتوا لكلامى ويتدبروا فى أقوالى ويصغوا لفهم مرامى ، والأمر إليهم عدلوا أو عزروا فإنى أتحرَّى الحق ولا أذكر إن شاء الله إلا الصِدْق . فقد آن الأوان لنتعرف على توقيت ظهور المسِّيَّا . وأن نتعرف أيضا على بعض المعالم البارزة والأحداث الهامة المصاحبة لظهوره .
من المُسَلّم به عند علماء المسيحية أنَّ كلمة المسِّيَّا تعتبر هى " العنوان المركزى الرئيسى الذى تدور حوله جميع نبوءات الكتاب المقدس " (1) . فنجدهم يقولون النبوءات المسِّيَّانية ( Messianic expectation ) ولا يقولون النبوءات المَسِيحَانية . ويقولون العصر المسِّيَّانى ( Messianic era ) ولا يقولون العصر المسيحانى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال نصّ القاموس الكتابى الإنجليزى المعروف بـ
( New Bible Dictionary page 763 )
... والنبوءة المسِّيَّانية الوحيدة المذكور فيها كلمة مِسِّيَّا فى العهد القديم هى تلك المذكورة فى سفر دانيال ( 9 : 20 - 27 ) والتى يتناولها هذا الفصل بالدراسة . ولتفادى الخلط واللبس ـ المقصود وغير المقصود ـ الواقع فى الترجمات العربية والإنجليزية المعاصرة فسوف انطلق فى الشرح من واقع معالم أساسية أرى ضرورة التمسك بها لكل من يتصدى لشرح النبوءة .(1/5)
تعتبر النسخة العربية الوطنية ( فانديك ) التى تصدرها جمعية الكتاب المقدس فى الشرق الأدنى والمعترف بها لدى الكنائس العربية المختلفة ، هى التى يعتمد عليها فى الشرح ما لم أذكر النسخ والترجمات الأخرى .
وقائل هذه النبوءة هو دانيال ، أحد أنبياء بنى إسرائيل أثناء فترة سبى بابل . وفحواها أنَّ دانيال تقرب إلى الله تعالى بالصيام والصلاة . ثم دعاه معترفا بخطأ قومه وعصيانهم لإلههم ، مما تسبب عنه إذلالهم وإجلاؤهم عن فلسطين واستعبادهم بالسبى فى العراق . طالبا من مولاه العفو عن بنى إسرائيل .
وبعد أن أتم دانيال صلاته ودعاءه جاءه جبريل - عليه السلام - وقال له :
" يا دانيال .. إنى خرجت الآن لأعلمك الفهم . فى ابتداء تضرعاتك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب . فتأمل الكلام وأفهم الرؤيا :
سبعون أسبوعا قُضِيَت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدى ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين .
فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح (1) الرئيس ـ المِسِّيَّا الرئيس ـ سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج فى ضيق الأزمنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الموجود بالأصول اليونانية ومعظم النسخ الإنجليزية المعتمدة هو كلمة ( المِسِّيَّا ) وبشهادة جميع دوائر
المعلومات والقواميس الكتابية . وقد سبقت الاشارة بأنَّ الترجمات العربية اتفقت على حذف كلمة المِسِّيَّا
وإثبات كلمة المسيح بدلا منها .
وبعد اثنين وستون أسبوعا يقطع المسيح (1) ـ المِسِّيَّا ـ وليس له ....... (2) .(1/6)
... وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بِغَمَارَةٍ وإلى النهاية حرب وَخِرَب قُضِىَ بها . ويثبت عهدا مع كثيرين فى أسبوع واحد . وفى وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة . وعلى جناح الأرجاس مُخرّب حتى يَتِمَّ ويُصَبّ المقضى على المخرب " . انتهى النصّ من النسخة العربية المعتمدة لدى جميع الكنائس العربية .
معالم أساسية لفهم النبوءة ثم شرحها :
إنَّ الذى يقتحم هذه النبوءة بغية شرحها أو تأويلها بدون التمسك بهذه المعالم التى سأذكرها لك أيها القارئ الباحث عن الحق ، يعتبر كما يقولون كالمتخبط فى البيداء بطريقة عشواء فى ليلة ظلماء على ناقة عمياء ..!!
فمن أراد النصيحة فلا يرتكب الفضيحة ..!!
أولاً : النبوءة مِسِّيَّانية وليست مسيحانية .
وذلك لورود الاسم مِسِّيَّا فيها مرتين طبقا للأصول اليونانية واللاتينية وبشهادة جميع القواميس ودوائر المعارف الكتابية إضافة إلى كل الموسوعات التى تحمل عنوان : ( key study Bible ) . ومِن النسخ الإنجليزية القياسية المعتمدة التى أوردت كلمة المسِّيَّا فى نصّ هذه النبوءة نسخة ( NKJV ) ط 1996 وكذا نسخة ( NASB ) ط 1990 .
... وقد سبق لنا معرفة الفرق الجلىّ فى المعنى بين الكلمتين المِسِّيَّا والمَسيح فى كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية " ، فهُمَا من جذرين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الموجود بالأصول اليونانية ومعظم النسخ الإنجليزية المعتمدة هو كلمة ( المِسِّيَّا ) وبشهادة جميع دوائر
المعلومات والقواميس الكتابية . وقد سبقت الاشارة بأن الترجمات العربية اتفقت على حذف الكلمة وإثبات
كلمة المسيح بدلا منها .
(2) .. هنا انقطاع للفقرة حسب الأصول طبقا لما جاء فى هامش النسخة العربية اللبنانية للآباء اليسوعيين ويقترح
بعض علماء المسيحية أن هناك كلمة ( سلف ) تكمل النص . ولكن فى الترجمات العربية القديمة التى احتج(1/7)
بها علماء المسلمين نجد أن النقص هو ( سلف ذكر ) أى ذرية من الذكور .
مختلفين تماما ليس لهما نفس المعنى سواء بحثنا عنهما فى اللسان العربى القديم والمبين أو فى اللغة العبرية القديمة والحديثة أو فى اليونانية أو اللاتينية . وبناء على ذلك فلن يكون الشرح موظفا على المَسيح قسرا كما ذهبوا إليه ولكن سيكون عن المِسِّيَّا تبعا لظاهر النصّ وما اتفق عليه الراسخون فى العلم . فالنبوءة إذا مِسِّيَّانية وليست مسيحانية كما يزعمون .
ثانياً : تحقيق المعنى المراد من المِسِّيَّا والمِسِّيَّا الرئيس .
سبق أن عرفنا أنَّ كلمة المِسِّيَّا تعنى رسول الله . وعرفنا أيضا أنَّ هذه الكلمة عربية مائة فى المائة وأنها من كلمات اللسان العربى القديم . وأنها كانت منتشرة فى أقصى الجنوب لشبه الجزيرة العربية ، وأيضا فى أقصى شمالها الغربى إضافة إلى وسط ومركز شبه جزيرة العرب حيث سكن مِسَّا بن اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام . وهنا قد يتبادر إلى الذهن السؤال الآتى : هل كان هناك أكثر من مِسِّيَّا عربى ..!؟
قلت : وهذا سؤال جيد لابد من التعرض للإجابة عنه وخاصة أنَّ المِسِّيَّا فى نبوءة دانيال يلقب بـ المِسِّيَّا الرئيس حسب الترجمات القياسية المعتمدة (1) . فهناك إذا أكثر من مِسِّيَّا .
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى فى الذكر الحكيم أنَّ هناك رُسُلٌ للهِ عرب كثيرون ، قَصَّ علينا نبأ بعضهم وسكت عن بعض . فهناك فى أقصى الجنوب العربى بالأحقاف كان رسول الله هود - عليه السلام - . وهناك فى أقصى الشمال الغربى كان رسول الله صالح - عليه السلام - ، كما كان هناك أيضا فى الشمال الغربى رسول الله شعيب - عليه السلام - . وهؤلاء ثلاثة من رسل الله العرب بُعِثُوا إلى قومهم وبلسانهم العربى القديم لم يتعرف عليهم كتبة أسفار العهد القديم ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/8)
1) .. تذكره النسخ الإنجليزية ( NASB , NKJV) تحت عنوان : ( Messiah the prince ) .
وتذكره نسخة GNB تحت عنوان : ( God’s chosen leader ) .
وحيث أنه قد ثبت لنا أنَّ كلمة مِسِّيَّا تعنى بالضبط عبارة رسول الله فى اللسان العربى القديم . فَلِمَ لا يكون هؤلاء الأنبياء العرب عليهم السلام يحملون اللقب مِسِّيَّا ..!؟ وحيث أنَّ نصّ نبوءة دانيال مذكور فيه المِسِّيَّا الرئيس أو المِسِّيَّا الأمير . بمعنى المِسِّيَّا الإمام حسب اللسان العربى أى إمام المرسلين . فالترجمة العربية الصحيحة لعبارة المِسِّيَّا الرئيس هى إمام المرسلين .
والعجيب فى الأمر أنَّ جميع العرب مسلمهم ومسيحهم يعرفون جيدا من هو الملقب بـ إمام المرسلين - صلى الله عليه وسلم - فهذا لقبه وبذلك اللقب كُتِبَتْ القصائد والمدائح النبوية . فهناك إذا أكثر من مِسِّيَّا فهُم كثيرون . ولكن هناك مِسِّيَّا إمام واحد مِن ذرية إسماعيل (1) .
فانظر وتحقق يا أخى القارئ ويا أختى القارئة إلى أقوال أحد تلاميذ المسيح - عليه السلام - عندما شاهد المسيح لأول مرة : لقد وجدنا مِسِّيَّا (2) أى رسول لله ولم يُبَيِّن إن كان هذا الـ مِسِّيَّا هو الرئيس أم لا . والمسيح - عليه السلام - كان رسول لله حقا ولكنه لم يكن من العرب حتى يطلق عليه هذا اللقب العربى ولكنه الخلط بين المِسِّيَّا و المسيح .
والأمر الثابت أنَّ جميع المؤمنين بما جاء به المسيح - عليه السلام - قد أطلقوا عليه لقب المَسيح ، ولا يوجد فى القرون المسيحية الأولى أنَّ هناك من أطلق على المسيح - عليه السلام - لقب مِسِّيَّا . ولا عبرة بالترجمات المغرضة التى قالت عنه المَسيح الرئيس فى نصّ نبوءة دانيال .
فالصحيح هو المِسِّيَّا الرئيس أى إمام المرسلين وخاتم النبيين ، كما هو منصوص عليه فى نصّ النبوءة حسب النسخ المعتمده والأصول اليونانية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/9)
1) .. يقول الشيخ محمد القاضى أثناء لقائى معه : " أرى أنَّ وصف ( المِسِّيَّا ) بأنه الرئيس أو الإمام لا يعنى
بالضرورة الإشارة إلى وجود غيره ، فهو إمام مطلقاً للأنبياء " .
(2) .. إنجيل يوحنا ( 1 : 41 ) وسوف يأتى الشرح تفصيلا فيما بعد .
ثالثا : النبوءة تخص بنى إسرائيل والعرب .
فتوقيت انتهاء شريعتهم مقيد بظهور شريعة المِسِّيَّا الرئيس العربى الإسماعيلى خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - . والمسيح - عليه السلام - لم يأت بشريعة جديدة تخالف شريعة التوراة وإنما جاء على شريعة التوراة ومتمما لها ، كما ورد معنى ذلك على لسانه الشريف حسب أقوال الأناجيل المتداولة حاليا بين الناس .
ولذا نجد أنَّ يهود بنى إسرائيل عندما دُمِّرَت مدينتهم ومعبدهم فى ـ القدس ـ على يد تيطس الرومانى سنة (70 م ) وملاحقة الرومان لهم فى كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية وخاصة بعد ثورتهم الشاملة سنة (120 م ) نزح كثير منهم إلى جزيرة العرب ، إلى خيبر وما حولها ينتظرون ظهور المِسِّيَّا الرئيس .
كما أنَّ هذه النبوءة تخص أيضا قوم المِسِّيَّا الرئيس الذين سيبعث فيهم ومن موطنهم ، ولا أعلم كيف جاز لمسيحيى العالم أن يوظفوا هذه النبوءة لصالحهم ولمسيحهم مع أنهم قطعا ويقينا ليسوا من بنى إسرائيل ولا من قوم المِسِّيَّا الرئيس ولا علاقة لهم بالقدس فلا هيكل ولا قِبلة ولا حتى كنيسة جامعة يتجهون إليها فى صلاتهم ..!؟
رابعا : مُلْقِى النبوءة إلى دانيال هو الملاك جبريل - عليه السلام - .(1/10)
وجبريل - عليه السلام - هو الذى ظل يترد على المِسِّيَّا الرئيس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمدة ثلاثة وعشرين عاما هى فترة نزول القرآن إلى أن توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يترك من بعده ذرية ذكوراً . ولا يوجد نصّ واحد فى الأناجيل الأربعة يثبت أنَّ هناك لقاءً واحدا قد حدث بين جبريل وبين المسيح عليهما السلام . هناك لقاء تم عندهم لمريم أثناء تبشيرها بحمل المسيح ( إنجيل لوقا 1 : 26 ، 31 ) . وهناك لقاء ثان كان مع زكريا أثناء تبشيره بحمل يحيى ( لوقا 1 : 11 ، 19 ) . ولا يوجد ذكر لجبريل - عليه السلام - خلاف هذين الموضعين فى العهد الجديد بكامله .
كما أنه لم يُذكر جبريل - عليه السلام - فى العهد القديم كله إلاَّ فى موضعين اثنين فقط أيضا وهما فى سفر دانيال ( 8 : 16 ، 9 : 21 ) . فالقوم الذين يعرفون جبريل جيدا هم العرب الذين عاصروا البعثة الإسلامية حيث شاهدوه وعاينوه . تارة بأعينهم وتارة ببصيرتهم وهو يتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن الكريم وتعليم الدين القويم .
خامسا : الاستفادة من أقوال المسيح - عليه السلام - عن هذه النبوءة .
وذلك بهدف معرفة بداية التوقيت الذى سيتم حساب عدد السنين المتوقعة لبعثة المِسِّيَّا الرئيس . من مفهوم نصّ نبوءة دانيال نجد أنَّ هناك دمار سيحل على المدينة المقدسة أورشليم ثم سيصدر بعد ذلك الأمر بتجديدها . والمدة المذكورة فى النصّ ـ سبعون أسبوعا ـ سوف تبدأ منذ صدور الأمر بتجديد وبناء أورشليم ولا يوجد فى النصّ اشارة ظاهرة عن اعادة بناء معبد اليهود .
وإذا بحثنا فى الأناجيل سوف نجد أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أشار إلى حلول الدمار على أورشليم وعلى معبد اليهود المقدس المنوه عنه فى رؤيا دانيال . والذى أطلق عليه المسيح - عليه السلام - اسم رجسة الخراب .
قال المسيح - عليه السلام - لتلاميذه كما جاء فى إنجيل مرقس ( 13 : 14 ) :(1/11)
" فمتى نظرتم رجسة الخراب التى قال عنها دانيال النبىّ قائمة حيث لا ينبغى ...... " . وقال - عليه السلام - أيضا كما جاء فى إنجيل متى ( 24 : 15 ) : " فمتى رأيتم رجسة الخراب التى قال عنها دانيال النبىّ قائمة فى المكان المقدس ..... " .
وهذا معناه أنَّ رجسة الخراب التى أشار إليها دانيال سوف تحدث من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - وفى عصر تلاميذه من بعده . بدليل قوله - عليه السلام - لهم ( فمتى نظرتم و متى رأيتم ) وهاتان العبارتان تشيران إلى المستقبل لا إلى الماضى .
فى حين ذهب جميع علماء المسيحية أثناء قيامهم بشرح نبوءة دانيال إلى أنَّ رجسة الخراب هذه قد حدثت قبل بعثة المسيح - عليه السلام - ..!! وهذا تكذيب صريح لقول المسيح - عليه السلام - ولن يتم إيمان المرء إلا مع التصديق بما قال به المسيح - عليه السلام - لا بما قاله الآخرون .
ويشهد التاريخ والواقع أنَّ كلام المسيح - عليه السلام - قد تحقق فى سنة (70 م ) حينما دخل الرومان إلى أورشليم ودمروها تدميرا وأجلوا منها اليهود فلم تقم لهم قائمة فى فلسطين والمدينة المقدسة . وقد عَبَّر إنجيل لوقا ( 21 : 20 ) عن هذه الواقعة على لسان المسيح - عليه السلام - حيث جاء فيه قوله " ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها " . وهذا النصّ يوضح تماما ايقاع أقوال المسيح - عليه السلام - على الواقع التاريخى الذى سجله كاتب إنجيل لوقا .
... وقد أنذر أيضا برجسة الخراب هذه نبىّ الله يحيى بن زكريا عليهما السلام فى قوله لقومه كما جاء فى إنجيل متى ( 3 : 7 - 11 ) " يا أولاد الأفاعى اصنعوا ثمارا تليق بالتوبة ... وإلا فقد وضع الفأس على أصل الشجرة وكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى فى النار " . ولكن مُؤرِّخِى المسيحية جميعا يزعمون أنَّ رجسة الخراب هذه قد حدثت سنة ( 167 ق . م ) حين بنى أبيفانس مذبحا للإله زيوس وسط الهيكل بأورشليم " (1) .(1/12)
أمَّا عن بداية صدور الأمر ببناء وتجديد أورشليم فلم تتكلم عنه الأناجيل لأنه حدث من بعد زمن تدوينها ، كما أنَّ مصادر التاريخ المسيحية قد سكتت أيضا عن ذكره . ولكن الأمر الغالب والمؤكد أنَّ بناء وتجديد أورشليم قد حدث تدريجيا من بعد القضاء على ثورة اليهود فى كل من الشام ومصر وآسيا الصغرى أى من بعد سنة ( 120م ) ربما تم ذلك بعد عقد أو عقدين أو ثلاثة من الزمان لحين هدوء رد الفعل الرومانى تجاه اليهود ومدينتهم المقدسة . مع ملاحظة أنَّ عودة الحياة إلى مدينة أورشليم كان تدريجيا ولغير اليهود حيث لم يسمح لهم بالعودة والإقامة بها كما هو ثابت فى كتب التاريخ المختلفة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تاريخ الكنيسة ـ جون لويمر ج 1 ص 25 .
سادسا : التقويم الإسرائيلى للسنين .
وهنا لن أخوض فيما خاض فيه علماء المسيحية من اختراع نوعية جديدة من السنين لم يعرفها بنو إسرائيل ولا الشعوب العربية المتاخمة لهم فى تلك العصور الماضية . حيث تبنَّى علماء المسيحية وخاصة شُرَّاح نبوءة دانيال سنة عدد أيامها 360 ، وأطلقوا عليها اسم السنة النبوية ( Prophetic year ) بغرض ايقاع التوقيت المذكور فى النبوءة على عصر المسيح - عليه السلام - (1) .
وهنا لابد للقارئ أن يعرف شيئا ولو قليلا عن التوقيت الإسرائيلى ونوعية السنين التى يعمل بها اليهود لضبط أعيادهم وشعائرهم الدينية . وأفضل من كتب عن ذلك هو العلامة البيرونى فى كتابه القيِّم المسمى بـ الآثار الباقية وهو من علماء القرن الرابع الهجرى وسوف اختصر من أقواله المسجلة فى الصفحات من ( ص 52 إلى ص 58 ) طبعة ليدن بهولندا . وأذكر ما أراه ضروريا للقارئ وبدون ذكر التفاصيل الحسابية المعقدة . فقال رحمه الله بما معناه :(1/13)
عدد الشهور عند يهود بنى إسرائيل اثنى عشر شهرا وعدد أيام السنة 354 يوما وهى أيام سنة القمر كما هو معلوم . ولو كانوا يستخدمونها على حالها لكانت أيام سنتهم وعدد شهورهم شيئا واحدا . حيث عندهم الآن ـ فى عصر البيرونى ـ سنين عدد شهورها ( 13 ) وسنين عدد شهورها ( 12 ) ..!!
وإليك البيان : توقيت خروجهم من مصر مع نبىّ الله موسى - عليه السلام - كان فى ليلة اليوم الخامس عشر من شهر نيسان ( تث 16 : 1) وهو شهر أبيب المذكور فى الرزنامة القديمة ـ أى التقويم القديم ـ وكان القمر تام الضوء والزمان ربيعا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. أول من أخترع لهم هذه السنة هو روبرت اندرسون من علماء القرن التاسع عشر الميلادى وذلك فى كتابه
مجئ الأمير .. !! . نقلا عن كتاب : ( P135 Christ chronological Aspects of the life of )
قلت جمال : جاء فى موسوعة ( Pictorial Bible Dictionary Page140) أنهم اخترعوا دورة مكونة
من 19 سنة ثابتة ( Metonic Cycle ) يضاف الشهر الزائد سبع مرات فى داخل هذه الدورة على
السنوات ذات الترتيب ( 3 ، 6 ، 9 ، 11 ، 14 ، 17، 19 ) .
وقد أمِروُا بحفظ ذلك حسب ما جاء فى سفر الخروج ( 12 : 2 ) وسفر التثنية ( 16 : 1 ) . فاضطروا إلى استعمال سنة الشمس ليقع اليوم الرابع عشر من شهر نيسان فى أوان الربيع . وإلى استعمال شهور القمر ليكون فيه جرمه بدرا تام الضوء . فأحوجهم ذلك إلى إلحاق الأيام التى يتقدم بها عن الوقت المطلوب بالشهور إذا استوفت أيام شهر واحد . وأطلقوا عليه اسم آذار الأول وسمى آذار الأصلى آذار الثانى . وأطلقوا على هذه السنة الكبيسة اسم عِبُّورا . ثم احتاجوا بعد ذلك إلى أن يكون لـ السنين العبُّور ترتيب تسهيلا للعمل .(1/14)
ثم يقول البيرونى : أمَّا عن سنة الشمس عندهم فعدد أيامها 365 يوما وأجزاء ثم أنهم تواطئوا فيما بينهم على أنَّ رأس السنة لا يجوز أن يقع فى يوم الأحد ولا الأربعاء ولا الجمعة . وأنَّ الفصح الذى هو مثل أول نيسان لا يجوز أن يكون فى مثل هذه الأيام ( الأحد ـ الأربعاء ـ الجمعة ) . فمن أجل ذلك تنوعت السنة عندهم إلى ثلاثة أنواع :
1 ـ سنة الحسَّارين ( أى الناقصة ) : وهى التى يكون فيها شهرى مرحشون وكسليو تسعة وعشرين يوما .
2 ـ سنة السدران ( أى المعتدلة ) : وهى التى يكون فيها شهر مرحشون تسعة وعشرين يوما ، وشهر كسليو ثلاثين يوما .
3 ـ سنة الشلاميم ( أى التامة ) : وهى السنة التى يكون فيها شهرى مرحشون وكسليو ثلاثين يوما .
وكل هذه الأنواع الثلاثة يكون منها البسيط ويكون منها العِبُّور . فيكون عدد أنواع السنين عندهم على سبيل الاقتران ستة حسب الرسم المبين :
السنة
إمَّا بسيطة تشتمل على 12 شهرا ... وإمَّا عِبُّورا تشتمل على 13 شهرا
ناقصة معتدلة تامة ناقصة معتدلة تامة
قلت جمال : وتلك معلومة يسيرة عن أنواع السنين وعدد شهورها عند يهود بنى إسرائيل ، غابت عن جهابذة علماء المسيحية الذين أخذوا يشرحون نبوءة دانيال بغير علم وسجلها عالم مسلم منذ ألف سنة مضت ..!!
فأين هذه السنة النبوية التى يعادل عدد أيامها 360 يوما والتى حاولوا بها حساب توقيت بعثة المسيح - عليه السلام - من نبوءة دانيال ..!؟
مع أنَّ النبوءة تتكلم عن بعثة المِسِّيَّا لا عن بعثة المسيح ..!! وأنَّ النبوءة تخص بنى إسرائيل ومستقبل مدينتهم السابقة أورشليم وتخص أيضا قوم المِسِّيَّا وأتباعه من بعده ..!؟
إنَّ عدم العلم علاجه العلم . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيل الغشاوة عن الأبصار والرين عن البصائر . وإليك بيان الشهور اليهودية وما يعادلها فى التقويم الميلادى المعمول به حاليا :
الشهور اليهودية وما يعادلها فى التقويم الميلادى(1/15)
مسلسل ... الشهور العبرية ... المعادل الميلادى ... الشهور العبرية قبل سبى بابل
من بعد سبى بابل ... ( الجوليانى )
1 ... تشرى ... سبتمبر ـ أكتوبر ... أيثانيم
2 ... حشفان ... أكتوبر ـ نوفمبر ... بول
3 ... كسليو ... نوفمبر ـ ديسمبر
4 ... طيبيت ... ديسمبر ـ يناير
5 ... شباط ... يناير ـ فبراير
6 ... آذار ... فبراير ـ مارس
7 ... آذار الثانى ... ــــــــ ... هذا شهر النسيئ الثالث عشر ..!!
( فيادار )
7 ... نيسان ... مارس ـ إبريل ... أبيب
8 ... أيَّار ... إبريل ـ مايو ... زيو
9 ... سيوان ... مايو ـ يونيو
10 ... تموز ... يونيو ـ يوليو
11 ... آب ... يوليو ـ أغسطس
12 ... أيلول ... أغسطس ـ سبتمبر
يلاحظ من الجدول السابق أنَّ الشهور العبرية الحديثة هى شهور آرامية وقد استخدمها الإسرائيليون من بعد رجوعهم من السبى من بابل . أمَّا عن الشهور التى كان يستخدمها بنو إسرائيل من قبل السبى فالمعروف منها أربعة فقط وهى المذكورة فى العهد القديم تحت الأسماء :
( أيثانيم ـ بول ـ أبيب ـ زيو ) (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كل من : خروج ( 13 : 4 ؛ 23 : 15 ؛ 34 : 18 ) وتثنية ( 16 : 1 ) و الملوك الأول ( 6 : 1 ،
37 ؛ 6 : 38 ؛ 8 : 2 ) .
سابعا : ماذا يحدث عقب ظهور المِسِّيَّا .. ؟؟
تنصّ النبوءة على أنه سوف يؤتى بالبر الأبدى ، وتختم النبوة ورؤيا المتألهين ويتم تطهير البقعة المباركة ( to anoint the Most Holy Place ) ثم إبطال الذبيحة والقربان إلى الهيكل وإلى سائر ما جاء فى النبوءة .
... قلت جمال : وعلماء المسيحية يعلمون جيدا أنَّ كل ذلك لم يحدث عقب بعثة المسيح - عليه السلام - ويقولون بأنَّ كل ذلك سوف يتحقق عند مجئ المسيح الثانى فى آخر الزمان ..!!
ولنضرب لذلك أمثلة لعلهم يتفكرون فيهتدون :(1/16)
... 1 .. ختم النبوة : من المعلوم عند جميع المسيحيين أنَّ باب النبوة لا يزال مفتوحا عندهم يقول بولس فى رسالته الأولى إلى كورنثس ( 13 : 8 ) : " إنَّ النبوات تزول ذات يوم " . بمعنى أنها لم تنته فى عصره ولم تختم ببعثة المسيح - عليه السلام - ويعقب مؤلف معجم اللاهوت الكتابى ( ص 803 ) على قول بولس قائلا : " إلا أنَّ ذلك لن يكون إلا فى آخر الأزمنة . وأمَّا مجئ المسيح على الأرض فهو أبعد من أن يبطل موهبة النبوة ... والنبىّ فى العهد الجديد لا يختلف عنه فى العهد القديم " .
ومن لم يقتنع من عامة المسيحيين فليراجع النصوص الآتية :
.. فى يوم الخمسين تنبأ 120 شخص بحلول الروح القدس عليهم ( أعمال 1 : 15 ، 2 : 17 وما بعدها ، أفسس 2 : 20 ) .
.. النَّبيَّات الأربع بنات فيليبس ( أعمال 21 : 9 ) .
.. الأنبياء يهوذا وسيلا وأجابوس ( أعمال 15 : 32 ) .
.. الأنبياء المتواجدون فى أنطاكيا ( أعمال 11 : 27 ، 13 : 1 ، 21 : 10 ) .
إضافة إلى برنابا وبولس وأغابيوس فكلهم أنبياء ورسل على زعمهم ولا تزال النبوة مفتوحة عندهم وأدعياؤها لا نهاية لهم ..!!
فهذا راهب مصرى معاصر يدعى المسكين ذكر أنَّ هناك نبيا هنديا من طائفة السِّيخ قد بُعِث فى زماننا ، حيث ظهر له المسيح وخاطبه قائلا ( إلى متى تضطهدنى ) بعد أن تمادى هذا القديس الهندى فى معاداة الإنجيل بكل قوة . كأنه يحاكى حادثة طريق دمشق لبولس الطرسوسى (1) ..!!
أمَّا عن رؤيا المتألهين فهى لم تنته ببعثة المسيح - عليه السلام - ويكفيك ما هو موجود فى العهد الجديد من سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى ..!!(1/17)
... 2 .. إبطال الذبيحة والقربان : وهذه العلامة لم تتحقق أيضا فى أثناء بعثة المسيح - عليه السلام - ولا أمر بها حيث كان - عليه السلام - يأمر بعض الذين شفاهم وتمت فيهم معجزاته بالتوجه إلى المعبد وتقديم القربان ( متى 8 : 4 ) . ناهيك به - عليه السلام - شخصيا حيث قُدِّمَ عنه بعد ولادته يمامتين إلى المعبد ( لوقا 2 : 24 ) .
وأكتفى بهاتين العلامتين كدليل على عدم صحة ايقاع هذه النبوءة على شخص المسيح - عليه السلام - وإنما هى فى شأن المِسِّيَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحفظ ذلك ولا تنسى فإنها تذكرة لمن اهتدى .
ثامنا : المعنى المراد من كلمة أسبوع فى نصوص العهد القديم :
إنَّ القارئ فى أسفار العهد القديم سوف يجد للرقم سبعة شأنا كبيرا فى تعيين التواريخ الإسرائيلية . فهناك اليوم السابع والأسبوع السابع والشهر السابع والسنة السابعة . وقياساً على وحدة التاريخ التى كان يتعامل بها قدماء البابليين سبوعا وهى الأسبوع . فقد استخدمها الإسرائيليون وقالوا شابوعا وشِبوعا . فنجد فى نصوص العهد القديم أنَّ كلمة الأسبوع ( شَابوعا و شِبوعا ) لها مَعَان عدة حسب سياق النصّ .
فهناك الأسبوع المكون من سبعة أيام ( كما جاء مثلا فى حزقيال 45 : 21 ) وهناك الأسبوع المكون من سبعة أسابيع ( كما جاء مثلا فى تثنية 16 : 9 ) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع أقواله فى هامش ص 438 من كتابه شرح سفر أعمال الرسل .
وهناك الأسبوع المكون من سبع سنين ( كما جاء فى لاوين 25 : 3 - 4 ) . وهناك أيضا السبعون أسبوعا أى ( 70 فى 7 ) سنين ( كما جاء فى دانيال 9 : 24 ) .(1/18)
فالأسبوع عندهم قد يعنى سبعة أيام وقد يعنى سنة وقد يعنى مرادفات الرقم 7 مضروبا فى سبع سنين ... الخ . ويتوقف تعيين المراد من كلمة أسبوع على سياق الجملة مع فهم المعنى الإجمالى بعد المضاهاة والقياس على نصوص أخرى مشابهة وهذا ما سوف نراه أثناء شرح نبوءة دانيال ( 9 : 24 ـ 27 ) .
ونصّ نبوءة دانيال المعنى بالذكر هنا نجد فيه أنَّ الأسبوع يأتى بمعنيين إثنين إمَّا سبع سنين وإمَّا سنة . وقد سبق أن عرفنا أنَّ السنين عندهم أنواعها ستة وبالتالى فإنَّ كلمة السنة لا تعنى عند الإسرائيليين فترة ثابتة من الزمن ( شهورا وأياما ) . على التحقيق ، حيث أنها متغيرة على ستة أشكال .
شرح نبوءة دانيال ( 9 : 24 ـ 27 )
... إنَّ القيام بشرح نبوءة دانيال ( 9 : 24 ـ 27 ) كاملة يصفه أحد الشراح المسيحيين المعاصرين والمتضلعين فى هذا الشأن بأنه من أكبر المشكلات فى شرح نصوص العهد القديم كلها (1) . حيث لم يتمكن جهابذة علماء المسيحية من الجزم بمعنى نصّ النبوءة كاملا ، وإنما هى مهاترات وتشويش فكر وتوظيف للنصّ بعيدا عن معناه لصالح المسيح وليس لـ المِسِّيَّا ، وهذا خروج عن الالتزام بالنصّ وظاهر معناه . وفى الحقيقة نجد أنَّ أكثر الناس حديثا عن هذه النبوءة والمتصدين لشرحها هم أقل الناس معرفة بالنصوص ولغاتها ، وأقل الناس وعيا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن دائرة معارف باكر الأمريكية حـ 2 ص 1930 .
قلت : وهذه الصعوبة ناتجة عن الحذف والتغيير فى الكلمات من اليهود وأيضا من المترجمين المسيحيين فمن
الصعب جدا أن تجد نسختين متشابهين فى تفاصيل النص . ربما هناك تشابه فى الشكل العام الإجمالى للنبوءة
ولكن المشكلات تظهر أثناء عملية الشرح والتحليل .(1/19)
وقدرة على الفهم والتحليل ، كما أنهم أكثر الناس بعدا عن المنهج العلمى المطلوب لدراسة النصوص . وأكبر دليل على كلامى السابق أنَّ الجميع قد أخذوا فى شرح النبوءة على أساس أنها نبوءة مسيحانية وليست مِسِّيَّانية . وهم لا يدركون الفرق فى المعنى لأنهم لم يتوقفوا قليلا لدراسة الاسم مِسِّيَّا ومعناه فى لغته الأم . أى لم يتوقفوا لِيَحُلُّوا شفرة ذلك المصطلح السامى القديم جدا بل أنهم لم يعلموا أنَّ هذا المصطلح مُشفَّرا ..!!
ولكن بعون من الله وتوفيقه قد تم حَلّ شفرة هذا المصطلح وعلمنا معناه فى لغته الأم . وهذا ما لم يتيسر لإنسان مسلم أو مسيحى من قبلى حسب علمى . فـ لله الحمد والشكر على ما أنعم وأفاض ، ومِن ثم فقد توافرت القدرة والعزيمة والمثابرة لإزاحة الستار عن وجه الحقيقة وكشف الجهل والجهلاء .
هناك عناصر ثلاثة يكتمل بها البحث عن المِسِّيَّا المنتظر :
الزمان الذى يبعث فيه المِسِّيَّا ..
المكان الجغرافى الذى يبعث منه المِسِّيَّا ..
القوم الذين يخرج من بينهم المِسِّيَّا ..
وقد سبق الكلام عن مكان البعثة وعن قوم المِسِّيَّا وذلك حسب شهادة النصوص والاستعانة بالموروث اللغوى وحقائق التاريخ . وها أنذا أهدى إلى القارئ زمان بعثة المِسِّيَّا وما يصاحبه من حوادث وعلامات . إضافة إلى معلومات شخصية عنه مثل عمره منذ ولادته وحتى وفاته ثم مجريات الأمور من بعده على يد أحد أمرائه وخلفائه .
فأقول ومن الله التوفيق والسداد : يقول جبريل - عليه السلام - لدانيال النبىّ الإسرائيلى " سبعون أسبوعا حُدِّدت على شعبك ومدينتك يعملوا فيها المعاصى والخطايا . إلى أن يؤتى بالبر الأبدى ـ أى شريعة البر الأبدى ـ حيث تختم النبوءة ورؤيا المتألهين ويُطَهَّر المكان المقدس " .(1/20)
وهنا نجد ثلاث علامات تدل على انقضاء تلك المدة المضروبة على بنى إسرائيل ومدينتهم المقدسة : مجئ شريعة البر الأبدى . ختم النبوة ورؤيا المتألهين . تطهير المكان المقدس . ولا خلاف فى العلامتين الأولى والثانية حيث تحققتا بظهور رسالة الإسلام ونبىّ البر وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - .
أمَّا عن العلامة الثالثة فقد وقع فيها التحريف اللغوى حيث تحول النصّ إلى شخص بدلا من مكان ..!! فجاء فى الترجمات العربية مسح قدوس القديسين والصحيح هو ما جاء فى الأصل القديم للترجمات اليونانية واللاتينية . ولا يزال هذا المعنى الأصلى موجودا فى بعض الترجمات الإنجليزية القياسية المعتمدة حيث جاءت الفقرة هكذا ( to anoint the Most Holy place ) فى كل من النسخ الإنجليزية ( NA , NRSV , SB, RSV ) . أو الإشارة إلى المكان المقدس كما فى نسخة ( GNB ) بلفظ ( The Holy Temple ) والترجمة الحرفية هى المكان المقدس . وقطعا فإنَّ هذا المكان المقدَّس ليس هو الموجود بمدينة اليهود المقدسة حينذاك كما سنعرف فى التفاصيل بعد قليل .
أمَّا عن الترجمات العربية فأمرها عجب ..!!
مسح قدوس القديسين هى العبارة الواردة فى الترجمات العربية ( فانديك ؛ الآباء اليسوعين الكاثوليك ؛ الطبعة المصرية كتاب الحياة ؛ وجاءت العبارة فى النسخة العربية للكاثوليك ( ط 1993 م ) هكذا اِعادة تكريس قدس الأقداس ) .
... قلت جمال : لاحظ هنا كلمة إعادة حيث لا وجود لها فى الأصل . والتاريخ يشهد بأنه لم يتم إعادة تكريس قدس الأقداس هذا لا فى عصر المسيح ولا من بعده حتى عصرنا الراهن ..!! كما أنَّ قدس الأقداس عبارة عن مكان وقدوس القديسين عبارة عن شخص فما هذا التخبيط من المترجمين ..!؟(1/21)
ولا يوجد مكان تم تطهيره وإعادة تقديسه بعد ظهور خاتم النبين - صلى الله عليه وسلم - إلا مكانين هما : بيت الله الحرام بمكة على يد المِسِّيَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والثانى هو منطقة القمامة والنجاسات ببيت المقدس على يد أمير المِسِّيَّا الرئيس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث تم بناء مسجد عمر هناك ثم مسجد الصخرة فيما بعد . وكلا المعنيين جائز ومقبول عند المحققين . فهناك إذا مكان مقدس وليس شخصا بمسمى قدوس القديسين ..!!
فهل من أمانة علمية فى الترجمة وفهم سليم للنصوص ..!؟
ثم يتابع جبريل - عليه السلام - الشرح مفصلا لدانيال قائلا :
" فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المِسِّيَّا الرئيس ( Messiah The Prince ) سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا ... " أى أنَّ هناك مدة 69 أسبوعا لظهور المِسِّيَّا الرئيس .
... ذهب جميع علماء المسيحية إلى أنَّ بداية حساب هذه المدة كانت من قبل بعثة المسيح - عليه السلام - إثر عودة بنى إسرائيل من السبى البابلى وذلك حتى يوظفوا هذه النبوءة على المسيح لا على المِسِّيَّا كما سبق بيان ذلك . وحتى أثناء توظيفهم للنصّ قسرا أخطئوا فى طريقة الحساب فى جميع الأحوال نظرا لاختلاف المعنى المراد من كلمة أسبوع هنا ، ثم الاختلاف فى حساب عدد السنين حيث مرَّ بك أنَّ هناك ستة أنواع من السنين عند يهود بنى إسرائيل فبأى نوع تحسب المدة ..!؟
لم يحاول أى عالم مسيحى أن يحسب المدة باستخدام أحد أنواع السنين الإسرائيلية وإنما أخذوا جميعا سنة افتراضية من عند أنفسهم أطلقوا عليها اسم السنة النبوية وأنَّ عدد أيامها 360 ..!!
ولكن العقل والفكر يؤديان إلى كيفية أخرى فى الحساب :
فإمَّا أن تحسب المدة من بداية تعمير المدينة من بعد خرابها على يد الرومان سنة (70 م ) . وإمَّا أن تحسب المدة من نهاية بعثة المِسِّيَّا الرئيس لنتعرف على توقيت بداية البناء .(1/22)
ففى الحالة الأولى لا نعرف بداية تعمير المدينة بعد خرابها حيث سكت التاريخ عن ذكر ذلك . ولم يحاول المؤرخون الرومان ذكر ذلك نظرا لحساسية الموضوع . حيث قام اليهود بثورتهم العارمة فى معظم أرجاء الإمبراطورية الرومانية سنة (120م ) مما أدى إلى التصدى لهم وقتلهم وبيع كثير منهم فى سوق النخاسة . فكان هناك غضب عالمى عليهم ، وبالتالى فلن يتكلم أحد عن مدينتهم السابقة التى دمرت سنة (70 م ) وطردوا منها . فبداية تعمير المدينة أورشليم وعودتها للحياة مرة أخرى غير معروف على التحديد وإنما نعرفه على الإجمال فقد كان من بعد سنة 120م يقينا ربما بعقد أو عقدين من السنين .
وفى الحالة الثانية لحساب المدة ، يعتبر ذلك توظيفا مباشرا للنصّ فى صالح المِسِّيَّا الرئيس فلنسكت عنه وإن كان هو الأدق منهجا فى الحساب .
فأقول ومن الله التوفيق والسداد :
من المتفق عليه أنَّ السنة الشمسية = 365.24 يوم .
وأنَّ السنة القمرية = 354.37 يوم .
و نحن الآن فى سنة ( 1418هـ ، 1997م ) .
1418 سنة قمرية = 502496.66 يوم .
1997 سنة شمسية = 729348.28 يوم .
والفرق بينهما = 1997م - 1418هـ .
= 729348.28 - 502496.66
= 226851.62 يوم
= 621.1 سنة شمسية تقريبا .
بمعنى أنَّ سنة صفر هجرية = 621 م .
وهذا معناه أنَّ السنة الأولى فى التقويم الهجرى تكون تقريبا فى حدود سنة ( 621 م ) إمَّا بزيادة سنة ( أى 622 م ) أو نقص سنة ( أى 620 م ) وذلك لتداخل السنين الهجرية فى السنين الشمسية ( overlap ) وعدم اتفاق أوائل السنين الهجرية مع أوائل السنين الميلادية (1) .
وحيث أنَّ الفترة المقررة لظهور شريعة البر الأبدى والمِسِّيَّا الرئيس وختم النبوة هى 69 أسبوع من بداية تعمير أورشليم وعودة الحياة إليها .
فإن الـ 69 أسبوع = 69 مضروبة فى 7 = 483 سنة قمرية .(1/23)
وبافتراض أنَّ بداية تعمير المدينة ببناء سوق وخليج فى ضيق تلك الأزمنة من السيطرة الرومانية كان فى حدود سنة (150م ) . فيكون ظهور شريعة البر الأبدى والمِسِّيَّا الرئيس فى حدود ( 150 سنة شمسية + 483 سنة قمرية ) . وبيانها كالآتى :
= 54786 يوم + 171160.71 يوم .
= 225946.71 يوم .
( 637.6 سنة قمرية .
( 618.6 سنة شمسية .
وهذا التوقيت هو تقريبا توقيت هجرة إمَامَ المُرْسَلين المِسِّيَّا الرئيس - صلى الله عليه وسلم - مِن مكة إلى المدينة واستعلان شريعة الإسلام وبداية تكوين الدولة الإسلامية . فهل من مصدق لهذه النتيجة الحسابية التى تتوافق مع حوادث التاريخ ومجريات الأمور . إضافة إلى العقل والمنطق ..!؟
أمَّا عن الأسبوع السبعين ..
فإنه حسب نصّ النبوءة يخص أتباع خليفة المِسِّيَّا الرئيس حسب الترجمات الإنجليزية ( the people of the prince ) أو شعب رئيس حسب الترجمة العربية الوطنية والترجمة المصرية ( كتاب الحياة ) ، أو يأتى رئيس بجيشه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الفرق سنة أو سنتين يجبر نظرا لوجود النسيئ فى الشهور العربية حتى السنة العاشرة للهجرة أثناء حجة
الوداع حيث ( استدار الزمان وعاد كما كان يوم أن خلق الله السماوات والأرض ) طبقا لقول المعصوم - صلى الله عليه وسلم - .
حسب ترجمة الكاثوليك العربية . وهذا الرئيس أو الأمير هو الذى فى عهده يتم دخول أورشليم حيث يثبت عهدا مع كثيرين ويبطل الذبيحة والتقدمة . ويقضى على جناح الأرجاس أى البقعة النجسة فى المدينة المقدسة . وهذا كله يتم فى الأسبوع السبعين .(1/24)
وقد تم ذلك بحمد الله تعالى حين حاصرت جيوش الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب مدينة القدس ولم تدخلها إلا بعد أن جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ووقع عهدا مع أهلها فى السنة الخامسة عشر ( 15 هجرية ) ثم قام بإزالة القمامة والنجاسة من البقعة الطاهرة فى المدينة وأقيم مسجد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم من بعده مسجد الصخرة الشريفة .
ثم تأتى قصة الـ 62 أسبوع منفصلة بدليل ما جاء فى النسخ العربية :
" وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المِسِّيَّا وليس له ... " . فهذا نصّ قائم بذاته يخصّ المِسِّيَّا فقط . نصّ يتكلم عن عُمْر المِسِّيَّا - صلى الله عليه وسلم - . والأسبوع هنا يؤخذ معناه بمقدار سنة واحدة كما سبق بيان ذلك حيث يؤخذ معناه من السياق . والسياق هنا يتكلم عن عمر إنسان والعمر يقاس بالسنة الواحدة ، تماما كما فهموا معنى الأسبوع فى سفر أرميا ( 25 : 11 ، 12 ) بمعنى سنة واحدة فقالوا بأنَّ فترة السبى البابلى كانت سبعون سنة فالاثنين والستون أسبوعا = 62 سنة قمرية .
ومن المعروف والمتفق عليه عند الجميع ـ مسلمين ومسيحيين ويهود ـ أنَّ نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - توفى عن عمر بلغ 62 عاما ، كما يتفق الجميع على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك من خلفه ذرية من الذكور . وهذا تماما هو المذكور فى نصّ النبوءة وإن تدخلت يد التحريف بحذف عبارة سلف من الذكور حسب شهادة محققيهم . حيث جاء فى هامش نسخة الآباء الكاثوليكية اللبنانية ( ط 1991 ) تعليقا على هذه الفقرة من وجود انقطاع فى الكلام وترك مسافة بيضاء تدل على الحذف بما نصّه " هكذا فى النصّ الأصلى . وتضيف بعض الترجمات القديمة خطيئة واقترح بعضهم سلف . " انتهى .(1/25)
قلت جمال : ولكن النسخ التى كانت بيد علماء المسلمين القدماء الذين كتبوا عن المسيحية وعن هذا النصّ قالوا بأنَّ الموجود فى العبارة هو " سلف من الذكور " وهذا هو الحق والذى يشهد له واقع التاريخ .
... وقد حاولت يد التحريف أيضا أن تطمس معالم الكلمة التى تشير إلى الموت بتغييرها إلى كلمة تشير إلى القتل لا إلى الموت الطبيعى فقالوا يفصل وقالوا يقطع وقالوا يقتل هذا فى الترجمات العربية . وفى الترجمات الإنجليزية قالوا ( cut off ) وقالوا ( killed ) لتناسب طريقة الموت نهاية حياة المسيح عندهم ..!!
والكلمة العبرية المستخدمة هنا لا تفيد المعنى الذى ذهبوا إليه والكلمة هى ( ??? ) والتى تنطق كاورات أو كارات ـ حسب دقة التصويت اللغوى ـ ربما هى نفس الكلمة المستخدمة فى العربية ولكن بزيادة حرف السين حيث نقول سكرات الموت . ولكن من معانيها فى العبرية قطع العلائق بين الأشياء . مثل المواثيق والمعاهدات أو بمنع سريان الضوء عبر الأشياء وما شابه ذلك من معانى وليس بالضرورة أن تكون بالقتل وإسالة الدماء (1) . وإنما الموت العادى بخروج الروح من البدن .
... وإلى هنا تم بحمد الله تعالى شرح النبوءة كاملة . حيث تحققت فى الشرح جميع الفقرات والمعطيات ولم نحتج إلى إحالة بعضها إلى آخر الزمان كما فعل شراح هذه النبوءة من علماء المسيحية ، حيث لم يتفقوا على وقائع السبعين أسبوعا ومنهم من أدخل الـ ( 62 ) أسبوع التى تشير إلى عمر المِسِّيَّا فى السبعين أسبوعا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع معانى الكلمة تحت رقم 3772 فى كتاب :
Hebrew and Chaldee Dictionary page 57
والمرفق بكتاب Strong’s exhaustive concordance
وهذا الشرح بحمد الله تعالى يعتبر هو القول المعقول عن النصّ المنقول والذى يخفونه عن ضعفة العقول ..!!
تفكروا أيها القُرَّاء فى قول المسيح - عليه السلام - فى إنجيل يوحنا ( 16 : 8 ) :(1/26)
" ومتى جاء ذلك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة " ثم اسألوا أنفسكم : من هو المشار إليه بـ ذلك والذى سيأتى من بعد المسيح - عليه السلام - ..!؟
قطعا ليس هو بالروح القدس ، لأنَّ هذا لا يُرَى ولم يقل أحد من علماء المسيحية أنَّ الروح القدس قد قام بهذه المهام .
اللهم ألا إنى قد بلغت وأوضحت ، اللهم فاشهد(1/27)
الباب الرابع
المِسِّيَّا فى أسفار العهد الجديد
==================
بين المِسِّيَّا و المسيح
...
عندما بُعِثَ المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - فى فلسطين كان قومه بنو إسرائيل يترقبون ظهور شخصية نبوية تجمع شمل دولتهم وتزيح عن كاهلهم ذل الاحتلال الرومانى لبلادهم ، وتأخذ بيدهم إلى الإله الواحد الذى يعبدونه . وكان اليهود منقسمون شيعا وأحزابا دينية ودنيوية . فهناك الفريسيون القرائون والأسينيون والصدوقيون و....الخ . وهناك اليهود العبرانيون وهناك اليهود السامريون . ولكل طائفة من طوائف اليهود تفسير وتحديد لملامح هذه الشخصية النبوية المتوقع ظهورها وربما تعددت الشخصيات لتصبح اثنتين أو ثلاثة .
فتوقعت طائفة ظهور النبىّ الذى أخبر عنه موسى - عليه السلام - فى التوراة (1) . وتوقعت طائفة ثانية ظهور المِسِّيَّا المذكور فى سفر دانيال (2) .
وتوقعت طائفة ثالثة ظهور مسيحين أحدهما رِبِّىّ هارونى الأصل والآخر داودى ملكى الأصل (3) .
وتوقعت طائفة رابعة ظهور النبىّ المنتظر تحت اسم إيليا (4) .
... وهناك توقعات أخرى نجد صداها فى نصوص العهد الجديد . وكل ذلك يرجع إلى ثلاث شخصيات كان منتظر ظهورها فى الفترة التى بُعِث فيها المسيح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تثنية ( 18 : 18 ، 34 : 10 ) .
(2) .. دانيال ( 9 : 25 ، 26 ) ، إنجيل يوحنا ( 1 : 41 ، 4 : 25 ) .
(3) .. وثائق البحر الميت .. راجع كتابى ( المسيح الربِّى والمسيح الملكى ) .
(4) .. راجع كل من : ملاخى ( 4 : 5 ـ 6 ) وأيضا إنجيل متى ( 11 : 14) وإنجيل يوحنا ( 1 : 9 ـ 21 ) .
- عليه السلام - كما ثبت فى وثائق البحر الميت المكتشفة حديثا ( 1947 ـ 1972 م ) . وصدى تلك الشخصيات الثلاث لا يزال فى نصوص الأناجيل المتداولة حاليا بين الناس . وهذه الشخصيات هى :(1/1)
1 .. النبىّ الآتى إلى العالم أجمع حسب إنجيل يوحنا ( 6 : 14 ) أو نبىّ آخر الزمان المبعوث إلى العالم أجمع حسب ما جاء فى حفريات البحر الميت والمذكور تحت العنوان الإنجليزى : (the end day prophet ) .
2 .. المسيح الرِّبِّى الهارونى الأصل (1) .
3 .. المسيح الملكى الداودى الأصل (1) .
وبعث الله سبحانه وتعالى المسيح الرِّبِّى الهارونى عيسى ابن مريم - عليه السلام - وكفر ببعثته قومه إلا قليلا منهم ، لأنه لم يكن الذى يريدون ..!!
ولا يزال اليهود ينتظرون ظهورالمسيح الداودى الملك . وهو الذى يُذكر فى نصوص العهد الجديد تحت اسم المسيح الدجَّال ( Anti Christ) .
وقد ثبت من هذا البحث أنَّ نبىّ آخر الزمان هو المِسِّيَّا الرئيس ولا يوجد هناك دليل واحد يُعتد به يثبت أنَّ المسيح - عليه السلام - كان هو ذلك النبىّ المشار إليه فى الأناجيل . وجميع المسيحيين عالمهم وجاهلهم لا يعترفون بأنَّ المسيح - عليه السلام - كان نبيا رسولا من رب العالمين إلى بنى إسرائيل . ولكنهم جميعا قالوا وبدون علم يعتد به أنَّ المسيح هو المِسِّيَّا . هكذا بدون برهان أو شهادة شهود ..!!
... وإن سألتهم كيف يكون ذلك ..!؟ . لقالوا لك على الفور لقد تحقق معنى المِسِّيَّا فى العهد الجديد (2) . فما هو معنى المسِّيَّا الذى تحقق لديهم ..!؟ لا توجد إجابة علمية مقنعة ، وإنما هى مهاترات كلامية يجيدونها . فإن لم يعترفوا بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة التى احتوى عليها هذا الكتاب الذى بين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلام عن المسيح الرِّبِّى والمسيح الملكى فى كتابى الثالث من هذه السلسلة وقد تم طبعة والحمد لله .
(2) .. راجع على سبيل المثال موسوعة : The New Bible Dictionary, page 763(1/2)
يديك فليس لهم إلا طريق آخر نأخذه من داخل الأناجيل . فالحق لا يقام إلا بشهادة شهود العيان ، وأقل عدد من الشهود هو الاثنين كما قال المسيح - عليه السلام - : " أنَّ شهادة رجلين حق " ( يوحنا 8 : 17 ) . وقال - عليه السلام - فى موضع آخر : " وإن لم يسمع ـ الناس ـ فخذ معك أيضا واحدا أو اثنين لكى تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة " ( متى 18 : 16 ) .
وبالبحث عن شهادة شهود العيان لم أجد سوى رجل واحد وامرأة واحدة فالرجل قال ظنا وتخمينا منه لأول وهلة أنه وَجَدَ مِسِّيَّا . يشير إلى المَسيح - عليه السلام - ثم تراجع عن ظنه هذا بعد أن تعرّف على المسيح وصاحَبَه . وأمَّا عن المرأة فإنها لم تشهد ولكنها قالت بأنَّ المِسِّيَّا عندما يأتى سيخبرهم بكل شئ . ولا شئ غير ذلك فى داخل نصوص العهد الجديد عن المِسِّيَّا .
... وأسباب هذا البحث عن شهادة الشهود هو عدم وجود نصّ عن المسيح - عليه السلام - يذكر فيه تصريحا أو تلميحا أنه هو المِسِّيَّا . فالوارد عنه - عليه السلام - نصوص صريحة واضحة تدل على أنه المَسيح اسما ولقبا . وحيث أنَّ كلمة المِسِّيَّا كما قال علماء المسيحية المتخصصون أنها تدل على اسم . إمَّا اسم شخص أو لقب شخص أو اسم أمَّة من الأمم . ولكن معناها العام يدل على اسم جنس .(1/3)
ولم يثبت أنَّ أحدا قد أطلق على المسيح اسم أو لقب مِسِّيَّا من قومه ومن المعاصرين لبعثته سواء كان من المؤمنين به أم من الكافرين . وقد سبق أن عرفنا أنَّ كلمة المِسِّيَّا لا تطلق إلا على رسول الله النبىّ العربىّ الاسماعيلى خاصة . مع ملاحظة أنَّ أصحاب الأناجيل الثلاثة متى ومرقس ولوقا لم يتعرفوا على هذا الاسم مِسِّيَّا ولم يذكروه فى أناجيلهم . كذلك كان بولس من قبلهم لم يتعرف على هذا الاسم ولم يذكره فى رسائله . وعلى ذلك كان باقى كتبه أسفار العهد الجديد ومؤرخوا المسيحية وآباؤها القدماء . وسوف أفرد النصين الوارد فيهما كلمة مِسِّيَّا من إنجيل يوحنا بالشرح والتفصيل .
أولا ..
نص إنجيل يوحنا ( 1: 41 )
فى البداية : تلميذ من تلاميذ نبىّ الله يحيى بن زكريا - عليه السلام - عندما ذهب إلى المسيح ابن مريم - عليه السلام - وتعرَّف عليه وشاهد فيه علامات النبوة أراد أن يأتى بأخيه سِمعَان ليشاهد المسيح ويتعرَّف عليه . وعندما وجد أخاه قال له " قد وجدنا المِسِّيَّا ( ((((((((((( ) ـ الذى تفسيره المسيح ـ ... " .
هذا هو الموقع الأول من إنجيل يوحنا الذى ذكرت فيه كلمة المِسِّيَّا وما بين الشرطتين هو تعقيب من كاتب الإنجيل أو ناسخ الإنجيل ، فهو ليس من كلام التلميذ اندراوس . وعلى ذلك الرأى كل علماء المسيحية بلا خلاف . وهذا التفسير يبين لنا بداهة أنَّ كلمة المِسِّيَّا ليست كلمة يونانية أو صيغة يونانية كما يقولون بدليل تفسير معناها لقرَّاء الإنجيل من اليونانيين بأنها تعادل خريستو اليونانية أى مسيح بالعربية . وذلك التعقيب على النصّ هو الذى أوقع علماء المسيحية فى ذلك الخطأ الشائع القاتل بأنَّ المِسِّيَّا هو المسيح .(1/4)
ويلاحظ أنَّ المكان الذى قيل فيه هذا النصّ هو اليهودية . الجزء الجنوبى من فلسطين قريبا من القدس حاليا . ويلاحظ أيضا أنَّ اندراوس قائل هذا النصّ كان من المتوقعين ظهور شخصية المِسِّيَّا بدليل نطقه بكلمة المِسِّيَّا فى أول لقاء له مع المسيح ابن مريم - عليه السلام - ، ثم تغير ذلك المفهوم عقب ذلك كما سنرى بعد قليل .
... ... وفى اليوم التالى لهذا اللقاء بين المَسيح - عليه السلام - واندراوس ذهب المسيح - عليه السلام - بصحبة فليبس ـ صديق اندراوس ـ إلى الجليل بشمال فلسطين ( يوحنا 1 : 44 ) . ومن بعد صحبة فيليبس هذا للمسيح - عليه السلام - أثناء تلك الرحلة ، قال فيليبس لصديق له يدعى نثنائيل عندما رآه " وجدنا الذى كتب عنه موسى فى الناموس والأنبياء عيسى بن يوسف الذى من الناصرة " يوحنا ( 1 : 45 ) . ويلاحظ هنا أيضا أنَّ فيليبس ونثنائيل (1) كانا من الطائفة المتوقعة لظهور النبىّ المذكور فى التوراة ( تثنية 18 : 18 ؛ 34 : 10 ) .
وسوف نقرأ بعد حين أنَّ ذلك القول قد تغير بعد ملازمة المسيح - عليه السلام - واتخاذه لهم تلاميذ . وبعد أن شاهدا المعجزات التى أجراها الله على يديه الشريفة . فالانطباع الأول يدل غالبا ودائما على دخيلة النفس البشرية وما تتمناه ولكن بعد المصاحبة والتروِّى يأتى القول الصحيح المعَبِّر عن المُشَاهَد لا عن المُشَاهِد .
فقول اندراوس : وجدنا المِسِّيَّا .. انطباع أول .
وقول فيليبس : وجدنا الذى كتب عنه موسى .. انطباع أول .(1/5)
وفى النهاية : وبعد أن اختار المسيح ابن مريم - عليه السلام - اثنى عشر تلميذا ليكونوا له تلاميذ وصحابة . وبعد أن صَحِبَ التلاميذ الاثنى عشر معلمهم - عليه السلام - مدة ليست بالقليلة وشاهدوا منه المعجزات التى أجراها الله على يديه . سألهم المسيح ذات يوم عن نفسه : ماذا يقول الناس عنه .. ؟ ومن هو فى قول تلاميذه ..؟ فأجابوا قائلين : يوحنا المعمدان . وآخرون : إيليا . وآخرون : واحد من الأنبياء .
فنقلوا آراء العامة فيه حينذاك ، حيث ظن بعض الناس أنَّ يوحنا المعمدان قد بُعِثَ من الموت فقالوا بأنه هو . وقال آخرون أنه إيليا ذلك النبىّ المشار إليه فى آخر فقرة وردت فى نصوص العهد القديم من سفر ملاخى ( 4 : 5 ـ 6 ) أى نبىّ آخر الزمان . وقال آخرون أنه نبىّ من الأنبياء ـ أى من أنبياء بنى إسرائيل ـ دون تحديد ولم يذكر أحد منهم أنه المِسِّيَّا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نثنائيل هذا يقولون بأنه تلميذ من تلاميذ المسيح الاثنى عشر ، مع أنَّ أصحاب الأناجيل الثلاثة متى و مرقس
ولوقا لم يتعرفوا عليه ولم يذكروه فى أناجيلهم ..!!
ولكن المسيح - عليه السلام - أراد أن يتعرف على قول تلاميذه ومعتقدهم فيه . فوَجَّه إليهم سؤاله التالى : ومن أنا فى قولكم ..؟
فأجاب سِمْعَان ـ بطرس ـ نيابة عنهم جميعا : أنت المَسِيحُ (1) .
... ... تلك هى شهادة التلاميذ ممثلة فى قول كبيرهم ورئيسهم سِمْعَان الذى قال له أخوه اندراوس من قبل : قد وجدنا المِسِّيَّا . فكان الانطباع الشخصى الأول أنه المِسِّيَّا . ثم بعد الملازمة والمصاحبة وطلب الشهادة بعد المعاينة قال سِمْعان نيابة عن نفسه وعن سائر التلاميذ : أنت المَسيح .
فلم يقل أنت المِسِّيَّا أو أنت النبىّ . وإنما قال أنت المَسيح .(1/6)
ويلاحظ هنا أنَّ كلمة المسيح نجدها معرفة بالألف واللام فى الأصول اليونانية . وتلك شهادة يعتز بها كل المؤمنون بالمَسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - .
ومن هنا قلت إنَّ الانطباع الأول لشخصية المَسيح - عليه السلام - فى ذهن اندراوس قد تلاشى تماما فلم يكن ابن مريم - عليه السلام - هو المِسِّيَّا وإنما اتضح أنه المَسيح .
ولم يثبت عن أحد من التلاميذ أو شهود العيان أن قال بأنَّ المَسيح ابن مريم - عليه السلام - هو المِسِّيَّا ، لا فى عصر بعثة المَسيح - عليه السلام - ولا من بعده بل ولا فى القرون الثلاثة الأولى حيث لم يثبت أنَّ هناك من قال بأنَّ المسيح عيسى ابن مريم هو المِسِّيَّا . والبيِّنة على من يدعى خلاف ذلك .
وإلى هنا لم تثبت لنا شهادة اندراوس بشأن مِسِّيَّانية المسيح - عليه السلام - .
... وهناك أمر آخر . فبعد القبض على المسيح - عليه السلام - ـ كما زعموا ـ وأثناء محاكمته أمام مجلس اليهود ، وجه رئيس الكهنة سؤاله للمسيح قائلا : " أأنت المسيح ... ؟ فقال عيسى : أنا هو ... " (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. النصّ مذكور فى إنجيل مرقس ( 8 : 29 ) ، لوقا ( 9 : 20 ) ومذكور أيضا فى إنجيل متى ( 16 : 15 ) ولكن بعد إضافة فقرة عُرِفَت من بعد انتهاء فترة بعثة المسيح لم يكن التلاميذ يعرفون شيئا عنها أبَّان فترة البعثة وقبل حادثة الصلب الشهيرة وهى ( أنت المسيح ابن الله ) .
(2) .. النصّ موجود فى إنجيل مرقس ( 14 : 61 ، 62 ) حيث ظهرت فيه الإجابة بصراحة أكثر مما ورد فى كل
من إنجيل متى ( 26 : 64 ) وإنجيل لوقا ( 22 : 67 ) حيث كانت إجابة المسيح - عليه السلام - فيها شئ من التحفظ
حيث رد السائل إلى سؤاله .
وهنا نجد السؤال صريحا والإجابة صريحة لا لبس فيهما ولا تخمين .
إنه المَسيح معرفا بالألف واللام .(1/7)
وقطعا لن يقول رئيس الأحْبَار له أأنت المِسِّيَّا ..!؟ لأنَّ جميع أعضاء المجلس من الأحبار والكهنة يعلمون جيدا أنَّ المِسِّيَّا ليس من بنى إسرائيل فهو من جنس آخر . وابن مريم - عليه السلام - من جنسهم الإسرائيلى فى ذلك الوقت أى كان إسرائيليا ومن وسطهم .
وللأسف الشديد لم يعرف المسيحيون الفرق بين المِسِّيَّا والمَسيح حتى الآن ، ومن بعد مرور ألفى سنة على بعثة المسيح - عليه السلام - وهم يتلون الكتاب ..!!
ولأول مرة أجد اتفاقا بين النسخ العربية الحديثة حول ذلك النصّ من إنجيل مرقس " أأنت المسيح .. ؟ " .
ولكن النسخ الإنجليزية حدث فيها ارتباك شديد فى صيغة السؤال . حيث جاءت كلمة المِسِّيَّا (the Messiah ) بدلا من المسيح (the Christ ) فى النسخ ( LB ; TEV ; NEB ; NRSV ) وجاءت كلمة المسيح (the Christ ) فى النسخ (KJV ; NIV ; JB ; PME ; RSV ; NKJV ) .
والأمر الغريب حقا أنَّ القوم يجدِّدُون فى نسخهم وترجماتهم لنصوصهم الدينية فنجد مثلا فى النسخة القياسية المنقحة ( RSV ) أنَّ السؤال كان :
هل أنت المسيح ؟ ........... ( Are you the Christ .. ? )
وفى النسخة القياسية المنقحة الجديدة ( NRSV ) تغير السؤال ليكون :
هل أنت المِسِّيَّا ؟ ........... ( Are you the Messiah .. ? )
ربما اكتشفوا أصولا يونانية أخرى للأناجيل غير الموجودة بحوزتهم حاليا ولكنهم لم يبينوا ذلك .
ألم أقل للقارئ من قبل لقد اختلطت الأوراق وضاعت الحقيقة بين المِسِّيَّا و المسيح ..!؟
... وفى الحقيقة أنَّ أمر علماء المسيحية مُحَيِّرٌ جدا . كيف يقولون بأنَّ المسيح - عليه السلام - هو المِسِّيَّا والأصول اليونانية وكتابات الآباء القدماء وحتى القرن الرابع والخامس الميلادى ليس فيها شئ عن ذلك القول المزعوم ..!؟(1/8)
... فجميع القدماء قد اختاروا لقب خرستو اليونانى علما على المسيح - عليه السلام - ولم يذكروا فى حقه - عليه السلام - لقب المِسِّيَّا . انظروا على سبيل المثال كتاب تاريخ الكنيسة لأوسابيوس القيصرى لن تجدوا فيه كلمة المِسِّيَّا ولو لمرة واحدة .
ألا يكفيهم أنَّ بولس لم يذكر هذا الاسم فى رسائله ..!؟
ألا يكفيهم أنَّ متى ومرقس ولوقا لم يوردانه فى أناجيلهم ..!؟
ألا يكفيهم أنَّ كتبة العهد الجديد باستثناء يوحنا لم يُسَجِّلوه فى رسائلهم ..!؟
هل يظنون أنهم بزعمهم ذلك قد قطعوا الطريق أمام الرسول الخاتم - صلى الله عليه وسلم - ..!؟
يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون .
ثانيا ..
نصّ إنجيل يوحنا ( 4 : 25 )
قالت المرأة السامرية للمسيح - عليه السلام - : أنا أعلم أنَّ التاحب الذى تدعونه المسِّيَّا سيأتى فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شىء
--------------
ببذل بعض الجهد البسيط فى التراث اليونانى المسيحى ومضاهاته بما تم الكشف عنه من وثائق البحر الميت المكتوبة باللغة الآرامية استطاع بعض علماء الغرب المسيحى التعَرُّف على بعض الأصول الآرامية لبعض كلمات الأناجيل اليونانية المسيحية . وهذا الموضوع يطلقون عليه مسمى (Aramic approach ) أى الاقتراب الآرامى لنصوص العهد الجديد .
وطبقا لهذا المنهج البحثى الاقتراب الآرامى توصل العلماء المسيحيون المتخصصون إلى أنَّ مرادف كلمة مِسِّيَّا فى اللهجة الآرامية التى كان يتكلمها السامريون أثناء بعثة المسيح - عليه السلام - هى كلمة (Taheb ) والتى تنطق تاحب . وما علينا إلاَّ أن نعيد تصحيح نطق هذه الكلمة (Taheb ) إلى اللسان العربى العام والذى هو فى الحقيقة اللسان الآرامى .(1/9)
وقد سبق أن ذكرت للقارئ الكريم أنَّ كلمة مِسِّيَّا وردت أربع مرات فقط فى كل أسفار الكتاب المقدس بعهديه . مرتين فى العهد القديم فى سفر دانيال ( 9 : 25 ، 26 ) ومرتين فى العهد الجديد فى إنجيل يوحنا ( 1 : 41 ؛ 4 : 25 ) . ونظرا لتعدد الترجمات للنصوص ، واختلاف المشارب والموارد للقائمين على الترجمات فقد اختلطت كلمة مِسِّيَّا بكلمة مسيح وعجز القوم عن التفريق بينهما فى الترجمة الواحدة بل وفى النصّ الواحد . مع أنَّ كلمة مِسِّيَّا فى اللغة اليونانية هى ( (((((( ) وتنطق مِسِّيَّا كما هى . وكلمة مسيح فى اليونانية هى ( (((((( ) وتنطق كريستو أو خرستو فهما كلمتان مختلفتان تماما عن بعضهما البعض فى اللغة اليونانية .
وللبرهان على ذلك الخلط المقصود بين الكلمتين ننظر فى الترجمات العربية المعاصرة حيث نجد أنَّ كلمة مِسِّيَّا الواردة فى دانيال ( 9 : 25 ، 26 ) قد ترجمت إلى الكلمات المسيح و مسيح فى كل من النسخ العربية ( فانديك ط 1977 وكتاب الحياة ط 1988 والآباء اليسوعية ط 1991) ، وتنفرد النسخة الكاثوليكية ( ط 1993) بالجديد حيث تم فيها إِدراج عبارة الذى مسحته بدلا من كلمة المِسِّيَّا فى دانيال ( 9 : 25 ) وترجمت نفس الكلمة فى دانيال ( 9 : 26 ) إلى كلمة المختار ..!!(1/10)
... ونلاحظ أنَّ الترجمات العربية المعاصرة قد اتفقت جميعا على حذف كلمة مِسِّيَّا من سفر دانيال (1) . والسبب واضح جدا للباحثين المسلمين وأيضا للعرب المسيحيين الذين يعيشون مع المسلمين لأنَّ نصّ دانيال يتكلم عن المِسِّيَّا الرئيس نبىّ الإسلام وإمام المرسلين - صلى الله عليه وسلم - . بينما نجد الترجمات العربية قد احتفظت بكلمة المِسِّيَّا فى نصّ إنجيل يوحنا ( 1 : 41 ؛ 4 : 25 ) باستثناء نسخة الآباء اليسوعيين حيث استبدل مترجموها الكلمة بكلمة أخرى هى المشيخ العِبرُعربية ..!! وهذا أمر عُجَاب لأنَّ الكلمة المترجمة واحدة وهى اسم جنس ، إمَّا لشخص وإمَّا لشعب كما قال المتخصصون الغربيون (2) . وهذا معناه أنَّ الاسم يظل كما هو فى جميع اللغات ولكن لله فى خلقه شئون ..!!
... وهأنذا أتناول بإذن الله تعالى وتوفيق منه الشرح والتعليق المختصر على نصّ إنجيل يوحنا ( 4 : 25 ) حيث سبق الكلام فى الفصل السابق عن النصّ الأول فى إنجيل يوحنا ( 1 : 41 ) أسأل الله سبحانه وتعالى السداد فى الأمر والمعونة فى الفهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وقد أُثبتت الكلمة ( مِسِّيَّا ) فى كثير من النسخ الإنجليزية مثل النسخ : ( NASB , KJV ) إضافة إلى
ورودها فى النسخة اليونانية السبعينية ( LXX ) .
(2) .. انظر دائرة المعارف القياسية العالمية للكتاب المقدس جـ 3 ص 332 .(1/11)
سبق أن ذكرت فى كتابى ( المسيح داودى أم هارونىّ ) الإشارة إلى النبىّ المنتظر المبشر به على لسان كليم الله موسى - عليه السلام - فى سفر التثنية ( 18 : 18 ؛ 34 : 10 ) والذى كان اليهود الأسينيون يقولون عنه بأنه نبىّ آخر الزمان كما فى وثائق البحر الميت (the prophet is to arise at the end of days ) (1) . والذى نجد صدى ذكره - صلى الله عليه وسلم - فى نصوص الأناجيل المتداولة بين أيدينا الآن مثل ما جاء فى متى ( 17 : 10 ) ومرقس ( 9 : 11 ) ويوحنا ( 6 : 14 ) . وسبق أن ذكرت أيضا بالتفصيل أنَّ اليهود فى الفترة التى سبقت عصر المسيح مباشرة كانوا ينتظرون مسيحَين أحدهما رِبِّىّ من نسل هارون وهو الأهم والآخر مَلكِىّ من نسل داود ، ونبيا يبعثه الله . وبعث الله سبحانه وتعالى المَسيح الرِّبِّى الهارونى عيسى ابن مريم - عليه السلام - فآمن برسالته قليلون من قومه ثم آمن به وبرسالته المسلمون من بعده .
وأوضح نصّ يتكلم عن نبىّ آخر الزمان هو الذى جاء فى إنجيل يوحنا على هيئة حوار دار بين المسيح - عليه السلام - وبين امرأة سامريه كانت تؤمن بمبعث النبىّ المنتظر الذى كان اليهود السامريون يطلقون عليه لقب ( Taheb ) أى تاحب حسب التصويت الإنجليزى للكلمة المأخوذه عن اللهجة الآرامية .
ويهود السامرة اقتصر كتابهم المقدس على الأسفار الخمسة الأولى من أسفار العهد القديم خلاف سائر الطوائف اليهودية . بمعنى أنَّ اليهود السامريين لم يعترفوا ولم يؤمنوا بالأسفار التى كتبت من بعد عهد الأسفار الخمسة الأولى أى التوراة .
وكانت لليهود السامريين قبلة بجبل جرزِّيم يتجهون إليها فى صلاتهم وفق تعاليم توراتهم ، خلاف سائر اليهود الذين كانت قبلتهم تجاه جبل عيبال بأورشليم القدس حيث بنى لهم نبىّ الله سليمان - عليه السلام - الهيكل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتاب ( the Dead sea scriptures page 15 ) .(1/12)
ويذكر لنا كاتب إنجيل يوحنا البشارة بذلك النبىّ من خلال عرضه لحوار جرى بين المسيح - عليه السلام - وبين امرأة يهودية سامرية فى أرض السامرة بفلسطين .
وسوف أقتصر هنا على ذكر جزء من ذلك الحوار الطويل ، مع بيان الشرح والتحليل النقدى للنصّ ، ثم القيام بإجراء عملية الإسقاط التاريخى الواقعى للنصّ حتى يستبين لنا الرأى الصحيح من السقيم . والنصّ المذكور هنا مأخوذ عن النسخة العربية فانديك ( ط 1977 ) مع تصحيح ترجمة كل من اسم المسيح - عليه السلام - بـ عيسى حسب الأصول اليونانية للإنجيل وكلمة مِسِّيَّا بدلا من مَسِيَّا .
" قالت له المرأة : يا سيد .. أرى أنَّك نبىّ .. آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل وأنتم تقولون إنَّ فى أورشليم الموضع الذى ينبغى أن يسجد فيه . قال لها عيسى : يا امرأة .. صدقينى أنه تأتى ساعة لا فى هذا الجبل ولا فى أورشليم تسجدون للآب . أنتم تسجدون لما لستم تعلمون . أمَّا نحن فنسجد لما نعلم لأنَّ الخلاص هو من اليهود .
ولكن تأتى ساعة ] وهى الآن [ (1) حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق . لأنَّ الآب طَالِبُ مثل هؤلاء الساجدين له . الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا .
قالت له المرأة : أنا أعلم أنَّ مسِّيَّا ـ الذى يقال له المسيح ـ يأتى فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ . قال لها عيسى ] أنا الذى أكلمك هو [ (1) " ( يوحنا 4 : 19 - 26 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ما بين القوسين وتحته خط كلام زائد على النصّ الأصلى غير صحيح كما سيظهر ذلك أثناء شرح النصّ .
الشرح والبيان :(1/13)
عندما قابلت المرأة السامرية المسيح - عليه السلام - وتكلم معها وكلمته عن أمور . أخبرها من خلال كلامه لها بأشياء خاصة جدا بها لا يعلمها الناس . أحسَّت المرأة أنها أمام شخصية غير عادية ، ربما كان الواقف أمامها نبيا إسرائيليا فى ظنها فقالت له " يا سيد .. أرى أنك نبىّ " . وفى نسخة الكاثوليك العربية ( ط 1993 ) قالت له " أرى أنك نبىّ يا سيدى " . وفى نسخة الآباء اليسوعيين العربية ( ط 1991 ) جاءت ترجمة مضحكة للنصّ حيث قالت المرأة له " يا رب .. أرى أنك نبىّ " ..!!
... ثم أخذت المرأة بعد ذلك فى الاستفسار من المسيح عن مكان قبلة السجود الحقة ، وموضع العبادة المقبولة عند الله . لقد وَجَّه آباؤها وأجدادها سجودهم لله تعالى تجاه جبل جرزِّيم وليس إلى جبل عيبال كما يفعل اليهود غير السامريين . فأى القبلتين أصح ..!؟ وإلى أى الموضعين يُعَدّ السجود مقبولا عند الله .. !؟
وقبل أن أستطرد فى شرح إجابة المسيح - عليه السلام - على ذلك الاستفسار أتوقف قليلا عند كلمة السجود . لقد تم استبدال الألفاظ المعبرة عن السجود فى ذلك النصّ إلى كلمات أخرى تؤدى معنى العبادة فى جميع نسخ الترجمات العربية الحديثة . مثل الكلمات : عبدوا وتعبدون وعبادة .
قارئى العزيز انظر ثانية للنصّ وشاهد عدد الكلمات المعبرة عن فعل السجود الذى لا بد له مِن اتجاه وقبلة يؤدى إليه فعل السجود .
وشتان بين معنى السجود ومعنى العبادة . فالسجود عبادة ولكن العبادة ليست بشرط أن تكون سجودا . فالسجود فعل له اتجاه بمعنى أنَّ موضع رأس الساجد يكون فى اتجاه القبلة المُعَيَّنة من قبل الإله ، سواء كان مكان القبلة قريبا أم بعيدا . وواضح من الحوار الذى دار بين المسيح - عليه السلام - والمرأة السامرية أنه كانت هناك قبلتان للصلاة . قبلة صوب جبل جرزيم ، وأخرى صوب جبل عيبال .(1/14)
وكانت قبلة المسيح - عليه السلام - وأتباعه وحوارييه صوب بيت المقدس حيث مكان الهيكل الذى بناه نبىّ الله سليمان على جبل عيبال . واستمر على تلك القبلة أتباع المسيح - عليه السلام - من بعده الذين يذكرون فى المراجع المسيحية المعاصرة تحت اسم النصارى . كما استمر اليهود فى اتخاذها قبلة لهم فى الصلاة .
ثم أصبحت هذه القبلة فيما بعد عند المسيحيين تجاه الشرق دائما ، ولكن بدون أداء الصلاة إليها بفعل السجود المعروف ..!!
فما من كنيسة كاثوليكية أو أرثوذكسية إلا وقبلتها تجاه الشرق ..!!
ثم ألغى تماما اتجاه الشرق كقبلة للصلاة عند الطوائف البروتستانتية والإنجيلية ، مع الحفاظ على إلغاء السجود أيضا ..!!
فلكل كنيسة قبلة كأنهم يقولون فأينما تولوا فثم وجه الرب ..!!
... وتحوَّلَ السجود عند جميع الطوائف المسيحية كما يزعمون إلى سجود بالروح وليس بالجوارح ، مع أنَّ الروح والمروح إليه ليس لهما اتجاه ..!!
فلا معنى إذا لكلمة السجود فى النصوص الإنجيلية ، لذلك تم استبدالها بكلمة عبادة وما شابه ذلك . والعبادة لها معان عدة وأنواع مختلفة . فهى تارة باللسان وتارة بالجنان وأحيانا بالعينين أو اليدين وفى أحيان أخرى قد تكون بإنفاق الأموال كالصدقات أو ببر الوالدين والإحسان إلى الفقراء ... الخ .
فالعبادة معنى عام . والسجود معنى خاص جدا من أنواع العبادة فهو لا يكون إلا فى عبادة الصلاة ، ولا يكون إلا لله تعالى عند المؤمنين به . ولا بد له من اتجاه وقبلة يتوجه إليها الساجدون لله تعالى .
ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى :
قد يقوم بعض الناس بالسجود لملوكهم وعظمائهم تبجيلا لهم وإشعارا منهم بذلهم وخضوعهم لهم وزيادة فى تعظيمهم . فهب أنَّ أحدهم سجد بصورة معكوسة أى وضع عجزه باتجاه من يسجد له فماذا يكون معنى ذلك ..!؟(1/15)
لقد تغير المعنى المراد من السجود هنا بتغير اتجاه قبلة الساجد . ومن هنا كان قولى بأنَّ فعل السجود يعد من الأفعال ذات الاتجاه ، واجبة الأداء إلى رب السماوات والأرض . والتى فرَّط فيها المسيحيون بل أضاعوها .
ونعود إلى حديث المسيح - عليه السلام - ..
قال - عليه السلام - للمرأة " صدقين " .. وقد جاءت الكلمة فى الأصل اليونانى بتعبير فريد هكذا ( برستون مُوَا ???????? ??? ) لم يتكرر فى كل أسفار العهد الجديد . وهو يشابه فى معناه عبارة آمنى بحق .
فالترجمة العربية صدقينى لا تعطى ذلك المعنى المراد .
سوف تأتى الساعة التى لن يقبل الله فيها السجود لكلا القبلتين جرزيم وعيبال وقد اتفقت الترجمات الإنجليزية على وضع أداة التعريف لكلمة الساعة خلاف الترجمات العربية التى نكرتها إلى ساعة (1) والفرق فى المعنى ظاهر بَيِّن لقراء العربية والإنجليزية .
... عند إتيان تلك الساعة أو ذلك الوقت لن يكون هناك سجود صحيح لله الآب لا إلى قبلة السامريين أو قبلة اليهود . والآب المشار إليه فى كلام المسيح - عليه السلام - يعنى الله الإله الواحد . إنه تعبير آرامى للإله الواحد خالق السموات والأرض أسيئ استخدامه من قبل رجال الكنائس .
... ولقد تم تدمير معبد جبل جرزيم ـ قبلة السامريين ـ فى سنة 128 ق م على يد يوحنا هركانوس أحد المكابيين ، ولكن السامريين مكثوا يسجدون لله فى ذات المكان ويتجهون نحوه فى صلاتهم إذا كانوا بعيدين عنه . وأخبر المسيح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. باستثناء طبعة البروتستانت المصرية الحديثة ( كتاب الحياة ) ط 1988 . ونجد فى نسخة ( ETV )
الإنجليزية The time will come ) ) بمعنى أن الوقت سيأتى .(1/16)
- عليه السلام - بتدمير هيكل سليمان قبلة اليهود بجبل عباريم بأورشليم . وتمت النبوءة بتدميره على أيدى الرومان سنة 70 م ، ولكن اليهود استمروا فى سجودهم لله متجهين فى صلاتهم إلى مكانه . وهذا الواقع التاريخى يثبت أنَّ الساعة لم تأتِ بعد خلاف قول المسيحيين ..!!
مع أنَّ الواقع التاريخى يثبت أيضا أنَّ المسيح - عليه السلام - كانت قبلته إلى آخر لحظة من بعثته تجاه قبلة اليهود بأورشليم القدس ، ولم يأمر أحدا من حوارييه وأتباعه بتغيير قبلة الصلاة من بعده أو إلغاء السجود فى الصلاة .
وهناك نصوص كثيرة فى الأناجيل تثبت أنَّ المسيح - عليه السلام - كان يسجد فى صلاته إلى إلهه مثل ما جاء فى إنجيل متى ( 26 : 39 ) ومرقس ( 14 : 35 ) " وخَرَّ على وجهه وكان يصلى قائلا ... " وتلك هيئة سجود بوضع الوجه على الأرض . ورغم ذلك الوضوح فإنَّ القوم قد ضيعوا ركن السجود فى صلاتهم .
فإن بحثنا عن السجود فى أسفار العهد القديم لوجدنا أنَّ أبا الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - سجد لله فى صلاته ( تكوين 17 : 3 ) ، وأيضا موسى وهارون عليهما السلام سجدا فى صلاتهما ( عدد 20 : 6 ) ، ومن بعدهما سجد فى صلاته أيضا خليفة موسى وفتاه يشوع ( يشوع 5 : 14 ) ، والنبىّ الإسرائيلى إيليا سجد فى صلاته ( الملوك الأول 18 : 42 ) .
فإن قرأنا نصّ المزمور ( 95 : 6 ) نجد الآتى " هلمّ نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا " . وتلك صفة أتباع الأنبياء والمرسلين ، يسجدون فى صلاتهم ويركعون ويجثون أمام خالقهم . وللأسف فإنَّ المسيحيون لا يسجدون فى صلاتهم ..!!(1/17)
... ويثبت الواقع التاريخى أيضا أنَّ حوارى المسيح وأتباعه المقربين ظلوا على قبلة اليهود من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - وهم الذين يشار إليهم فى كتب القوم تحت اسم النصارى . ولم تُلغَ القبلة والسجود تجاهها إلاَّ من بعد عصر الحواريين ومن بعد بناء الكنائس واستقلال المسيحيين فى عبادتهم وصلاتهم عن اليهود . تلك وقائع التاريخ المدونة فى كتب القوم ، ولكن الواقع شئ وكلام المتكلمين منهم شئ آخر ..!!
... يقول الأب مَتَّى المسكين فى شرحه لإنجيل يوحنا ( جـ 1 ص 292 ـ 294 ) مُبيِّنا المقصود بالساعة والوقت المشار إليه هو فى زمن بعثة المسيح :
" ترتفع العبادة فوق مستوى الأماكن والبلاد والجبال لتصير بالروح . والروح ليس لها وطن على الأرض بل موطنها فى السماء " .
... ثم يشير المسكين إلى أنَّ السجود قد تحول إلى " سجود الروح صوب هيكل يسوع الابن" (1) بدلا من سجود الروح والجوارح معاً إلى إله الكل رب العالمين ، رب السموات والأرضين .
سوف يأتى على الساجدين لله وقت تتحول فيه قبلتهم إلى مكان آخر غير جرزيم أو عيبال . وهذا ليس معناه أنَّ سجود الساجدين لله تجاه قبلتهم لن يقبله الله من الصادقين منهم فى إيمانهم منذ زمن المسيح - عليه السلام - وإلى الوقت الذى تأتى فيه تلك الساعة . فإنَّ الله تعالى لن يضيع إيمان المؤمنين . ولكن كاتب إنجيل يوحنا يفيدنا بتوقف سجود الساجدين للآب الإله الواحد الكلى للجميع عند مجئ تلك الساعة .
... ويفيدنا أكثر عن شكل ذلك السجود وصفته بالروح والحق . أى أنه سجود شامل بالروح والجوارح . والجوارح لا تنضبط إلا بالحق أى بالشرع ونصوص الشريعة إنها هيئة صلاة جديدة فيها سجود بالجوارح والجنان وفق تعاليم إلهية ربانية . ونسى كاتب إنجيل يوحنا أن يخبرنا بمكان قبلة السجود الجديدة ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. شرح إنجيل يوحنا لمتى المسكين ( جـ 1 ص 292 ـ 294 ) .(1/18)
وهنا يطالعنا إنجيل قديم رفضه آباء الكنيسة الأوائل ، تم اكتشافه ونشره على العالمين بيد علماء المسيحية منذ قرنين من الزمان ، إنه إنجيل برنابا الحوارى الذى يزعمون أنه إنجيل مزور . وهذا أمر لا يخصنا ولن ندافع عنه فهو أيضا كما تتعارض نصوصه مع عقائد المسيحية ، فهى تتعارض أيضا مع عقيدة الإسلام فى أشياء كثيرة . المهم هو التعرف على الحق والحقيقة فإنَّ للعقل والفكر ميزانا يوزن به كل معقول ومنقول والحقيقة ضالة ناشدها .
... جاء فى الفصل الثانى والثمانين ( 7 ـ 8 ) من الترجمة العربية لإنجيل برنابا قول المسيح - عليه السلام - للمرأة السامرية " .. لأنَّ عهد الله إنما أخذ فى أورشليم فى هيكل سليمان لا فى موضع آخر . ولكن صدقينى أنه يأتى وقت يعطى الله فيه رحمته فى مدينة أخرى ويمكن السجود له فى كل مكان بالحق ويقبل الله الصلاة الحقيقية فى كل مكان برحمته " .
... فَبيَّنَ - عليه السلام - بطلان قبلة السامريين فى جبل جرزِّيم وأثبت أنَّ القبلة كانت واحدة دائما حيث هيكل سليمان ببيت المقدس . فلم يكن هناك قبلتين لله تعالى فى وقت واحد أبدا .
ثم بَيَّن - عليه السلام - بتحول قبلة اليهود ببيت المقدس إلى مدينة أخرى عندما تأتى تلك الساعة حيث تكون صلاة الساجدين بالحق ، أى وفق تعاليم الشرع المعمول به فى تلك الساعة .
وتلك هى الإجابة التى حُذِفَت من إنجيل يوحنا . فإنه ليس من المعقول شرعا أن يخبر المسيح بتوقف سجود المصلين إلى قبلة اليهود عند مجئ تلك الساعة ولا يخبر عن تحول القبلة إلى مكان آخر ويُبيِّنه للناس ..!!(1/19)
وقطعا وجزما فإننا نجد خبرا صادقا عند اعمال الإسقاط التاريخى لتلك الحادثة على أرض الواقع . لقد تحولت القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام بمكة حين جاءت الساعة عقب هجرة المِسِّيَّا الرئيس نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . وتحول سجود المصلين إلى القبلة الجديدة لرب العالمين بالروح والحق . فالمسلمون هم الوحيدون الذين صَدَّقُوا بأقوال المسيح - عليه السلام - ولم يتوقف عندهم السجود فى صلاتهم لله تعالى كما فعل المسيحيون .
اللهم ألا إنى قد بلغت . اللهم فاشهد .
ولا مانع من ذكر نبذة مختصرة من أقوال القوم عن هذه الساعة التى أشار إليها المسيح - عليه السلام - والتى لم يفهموا منها إلا توقف فعل السجود تجاه قبلتى جرزِّيم وعيبال . إنهم يعتقدون أنَّ تلك الساعة قد جاءت منذ بعثة المسيح - عليه السلام - ولكنها لم تتحقق كاملة إلا من بعد أن تَمَجَّد المسيح (1) .
يقول الأب متَّى المسكين عن هذه الساعة " .. ولكن يلاحظ أنَّ المسيح لم يتمجَّد بعد ولم يَحِلّ الروح القدس بعد . لذلك فالعبادة بالروح والحق التى قال عنها المسيح آنئذ هى عبادة المستقبل - بينما العبادة فى الهيكل لا تزال قائمة - ولكن لأنه قد تم التجسد والمسيح حاضر ( الآن ) إذا فالساعة موجودة ولكن لم يتم استعلانها الكلى بعد " (2) .
قلت جمال : لعل القارئ قد لاحظ كيف استبدل هذا المسكين كلمة السجود وجاء بكلمة العبادة بدلا منها حتى لا يضع نفسه فى موقف حرج أمام أتباعه من عامة المسيحيين ..!!
... فالمسيح تكلم عن السجود بالروح والحق . والمسكين يقول أنَّ المسيح تكلم عن العبادة بالروح والحق . وشتان فى المعنى بين السجود والعبادة كما تم بيانه . وللقارئ أن يختار أيُّنا أصدق قيلا ، وأينا التزم بأقوال المسيح ..!!(1/20)
وحيث أنَّ للحق سلطانا على الباطل فإنَّ المسكين قد شهد بأنَّ المسيح - عليه السلام - كان يتكلم عن عبادة المستقبل أو عن سجود المستقبل ، بعد إصلاح ما ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تمجد المسيح عندهم تم بعد صلبه وموته ودفنه ثم نزوله إلى جهنم ثم صعوده إلى السماء إلى أن نزل الروح
القدس على التلاميذ بعد خمسين يوما من موت المسيح ..!!
(2) .. شرح إنجيل يوحنا ج 1 ص 294 .
أفسده المسكين ..!!
والمسيحيون عموما يؤمنون بأنَّ هذه الساعة قد تم استعلانها بعد خمسين يوما من حادثة صلب المسيح . ولكن لا يوجد عندهم دليل واحد على ما يقولون . وأنا أتحداهم جميعا بأن يأتوا بنصّ واحد عن المسيح يثبت فيه إلغاء فعل السجود فى الصلاة .
فوقائع التاريخ تقف أمامهم ، وأفعال تلاميذ المسيح فى صلاتهم تشهد بعكس ما يؤمنون . فهؤلاء التلاميذ ومن شايعهم ممن يطلقون عليهم لقب النصارى ظلوا مرتبطين طيلة حياتهم بالصلاة داخل المعابد اليهودية . يسجدون للإله الواحد تجاه قبلة اليهود ببيت المقدس ، واستمرت صلاة أتباعهم مِن بعدهم إلى زمن نزول القرآن الكريم حيث أخبر عنهم المولى عز وجل قائلا { ليسوا سواء . من أهل الكتاب أمَّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } ( 113 / آل عمران ) .
وبقايا أهل الكتاب هؤلاء الذين كانوا يسجدون بالتأكيد لم يكونوا من هؤلاء المسيحيين اليونانيين أتباع بولس ، والقارئ المسيحى العادى يعلم جيدا أنَّ المسيح - عليه السلام - قد قال وقوله حق " ما جئت لأنقض الناموس ولكن لأكمل .. " ( متى 5 : 17 ) . والسجود ركن عبادى أساسى فى الصلاة الواردة فى الناموس فأين يا قوم النصّ الدال على إلغاء السجود فى الصلاة ..!؟
ربما يجدونه عند بولس الذى أبطل لهم كل عبادات وأحكام التوراة ..!!(1/21)
وبناء على كل ما سبق من الإسقاطات التاريخية وأفعال المسيح وتلامذته من بعده ، نعلم جيدا أنَّ عبارة ] وهى الآن [ المشار إليها فى النصّ الإنجيلى عبارة كاذبة وضعها أحد نُسَّاخ الإنجيل .
ومن بعد ذلك البيان الرائع الذى بَيَّنَه المسيح - عليه السلام - عن القبلة الأولى وسجود الساجدين إليها ثم الاشارة إلى انتقال القبلة إلى مدينة أخرى بأرض الجنوب عندما تأتى الساعة التى يتم فيها تحويل القبلة أدركت المرأة السامرية أنها أمام النبوءة الخاصة بنبىّ آخر الزمان صاحب القبلتين - صلى الله عليه وسلم - فما كان عليها إلا أن قالت للمسيح :
" أنا أعلم أنَّ الـ ( Taheb ) سيأتى والذى تدعونه المِسِّيَّا .
فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ " .
ربما يستوقفنى القارئ المتمكن هنا معترضا على صياغة هذه الفقرة الإنجيلية هكذا !؟ وليسألنى مَن أدراك بخطأ صياغتها فى الإنجيل ..!؟
فأقول ومن الله التوفيق : لست أول ولا آخر من توقف أمام هذه الفقرة وأعاد صياغتها لأسباب كثيرة منها أنَّ هذا الحوار كان باللغة الآرامية العامية . واسم ذلك النبىّ المبشر به كان فى لغه السامرية الآرامية هو الـ ( Taheb ) وأنَّ لقبه المرموز إليه فى كتب اليهود العبرية هو المِسِّيَّا وليس المَسيح كما يقول النصّ الإنجيلى المترجم .
... يقول العلامة المفسر ( بارناباس لندارس ) فى شرحه لإنجيل يوحنا عن هذه الفقرة باللغة الإنجليزية ما نصه :
) Her words are not quite accurate, because the Samaritans did not use the title Messiah . She should have said : I know that the Taheb comes , whom you call the Messiah . ( (1)
ومعناه أنَّ الكلمات المستخدمة هنا فى هذا النصّ ليست دقيقة . فالمرأة السامرية لم تستخدم كلمة المِسِّيَّا كعنوان لهذا المبَشَّرُ به ، ولكنها بالتأكيد قالت أنا أعرف أنَّ الـ (Taheb ) سيأتى والذى تدعونه مِسِّيَّا .(1/22)
ويجب ملاحظة أنَّ ذلك العلاَّمة قد استخدم كثيرا من المعلومات الواردة فى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. The New Century Bible Commentary , the Gospel of John written by ;
Barnabas Lindars page 190 – 191.
وثائق البحر الميت المكتوبة باللغة الآرامية وفى عصر المسيح ، وهذا هو الأمر الذى سهَّل عليه القول بما قال .
ومن القائلين أيضا بأنَّ ذلك المبشر به كان يدعى بالـ ( Taheb ) العلامة شناكنبرج فى بحثه عن عقيدة السامريين كما ذكر ذلك الأب متى المسكين (1) .
وسبب عدم الدقة فى النصّ يرجع إلى كاتب أو كتبة أو نسَّاخ إنجيل يوحنا الذين استخدموا الاسم التوراتى المكافئ للكلمة الآرامية التى قالتها المرأة السامرية ثم شرحوا ذلك الاسم لمسيحى اليونان قائلين لهم أنَّ معناه مسيح . وقطعا هذا كلام خطأ يحتاج إلى تصويب على لغة الحوار والحديث الذى دار بين المسيح - عليه السلام - والمرأة السامرية فى منطقة فلسطين .
وبعد تصحيح تلك الفقرة الإنجيلية نستكمل كلام السامرية : " فمتى جاء ذلك يخبرنا بكل شئ " ، وفى بعض النسخ " يقول لنا كل شئ " .
اتفق علماء المسيحية بأنَّ ذلك النبىّ المنتظر هو المشار إليه على لسان نبىّ الله موسى - عليه السلام - فى سفر التثنية ( 18 : 18 ) " أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " . وهو أيضا المشار إليه فى وثائق البحر الميت تحت رقم : (1 QS ix - 11 - ) .
... قلت جمال : وهذه الكلمات التى تشير إلى أنه عندما يأتى سيخبر الناس بكل شئ أو يكلمهم بكل ما يوصيه به الله . تؤدى بنا هذه الكلمات إلى شخصية البارقليط الذى سيأتى من بعد المسيح - عليه السلام - ، حيث يقول عنه المسيح - عليه السلام - " فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم " ( يوحنا 14 / 26 ) وقد تم البحث باستفاضة عن البارقليط فارجع إليه فى مكانه .(1/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الأب متى المسكين فى شرحه يوحنا جـ 1 لإنجيل ص 298 .
وهذا النبىّ المنتظر يضعونه من جملة الأنبياء العظام اللامعين فى تاريخ بنى إسرائيل (Illustrious prophet ) مثل موسى بالتحديد . فيكون صاحب شريعة وقتال يعلن الحق ويدافع عنه . يشهد للمسيح - عليه السلام - ويبين للناس كل ما قاله لبنىّ إسرائيل . نبىّ عظيم سوف تأتى فى أثناء فترة بعثته الساعة التى تتحول فيها قبلة الساجدين من بيت المقدس إلى مدينة أخرى كما قال المسيح - عليه السلام - . عندما يأتى ذلك النبىّ سوف يُسجَد لله تعالى كل من فى السماوات ومن فى الأرض كما ينبغى أن يكون السجود .
ويبين لنا برنابا فى إنجيله أنَّ ذلك النبىّ المنتظر سوف يأتى من أرض " الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر . وسيأتى برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به . وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا " (1) .
وهذا النبىّ المنتظر لن يكون من بنى إسرائيل بشهادة التوراة السامرية حيث جاء فيها " ولا يقوم أيضا نبىّ فى إسرائيل كموسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " وطبقا للتوراة العبرانية " ولم يقم بعد نبىّ فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " (2) .
فلم يقم ولا يقوم هذا النبىّ من بين بنى إسرائيل وإنما يقوم من بين إخوتهم العرب الإسماعيلية . إنه نبىّ أرض الجنوب (3) ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبعوث رحمة للعالمين . أول الساجدين وصاحب القبلة الثانية التى أخبر عنها أخوه المسيح عيسى ابن مريم رسول الله - عليه السلام - . إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى مكث خمسة عشر عاما متوجها فى صلاته إلى القبلة الأولى . قبلة أنبياء بنى إسرائيل ببيت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. إنجيل برنابا فصل ( 96 : 12 ـ 15 ) ص 147 .
(2) .. سفر التثنية ( 34 : 10 ) . ... ...
((1/24)
3) .. راجع التفصيل والإيضاح حسب المواقع والخرائط الجغرافية ، والإسقاطات اللغوية والتاريخية للنصوص
فى أول كتابى هذا .
المقدس تأكيدا على صحة كلام المسيح - عليه السلام - . وإلى أن جاءت الساعة الذى نزل فيها الوحى بتغيير اتجاه القبلة إلى بيت الله الحرام بمكة فتحققت نبوءة المسيح - عليه السلام - من " أنه تأتى ساعة لا فى هذا الجبل ولا فى أورشليم تسجدون للآب " .
ونستكمل دراسة قول المرأة السامرية ..
" أنا أعلم أن الـ (Taheb ) سيأتى والذى تدعونه المِسِّيَّا . فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ . قال لها عيسى : أنا الذى أكلمك هو " . والجملة الأخيرة غير صحيحة على الإطلاق بدلالة أقوال المسيح نفسها المسجلة فى الأناجيل .
وإليك مقارنة سريعة بين صفات كل من المِسِّيَّا ( Taheb ) والمسيح لتتعرف على الفرق بينهما وأنَّ هذه الفقرة مدسوسة على النصّ :
... 1 ـ المِسِّيَّا سوف يخبر الناس بكل شئ ( يوحنا 4 : 25 ) .
المسيح أشار إلى أنَّ البارقليط الآتى بعده هو الذى سيخبر الناس بكل شئ ( يوحنا 14 : 26 ) . وهذا معناه أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يخبرهم بكل شئ .
... 2 ـ المِسِّيَّا سيبطل صلاحية الناموس عند مجيئه . المسيح لم يأت لينقض الناموس أو الأنبياء ( متى 5 : 17 ) .
... 3 ـ المِسِّيَّا يموت وعمره اثنان وستون سنة ( 62 ) وبدون عقب ذكر من صلبه ( دانيال 9 : 26 ) . المسيح يحيا إلى آخر الزمان ( يوحنا 12 : 34 )
... 4 ـ المِسِّيَّا يكون نبيَّا عظيما شبيه موسى ، أى صاحب كتاب وشرع وصاحب حروب وغزوات وهجرة ( التثنية 18 : 18 ) . ولن يكون من بنى إسرائيل ( تثنية 34 : 10 ) من التوراة السامرية . المسيح غير ذلك تماما وهو فى اعتقاد القوم إله وابن إله فهو ليس شبيها لموسى .(1/25)
... 5 ـ وقد سبق حل شفرة المصطلح مِسِّيَّا لغويا وجغرافيا بمساعدة نصوص الكتاب وأقوال علمائه المتخصصون من أنَّ المِسِّيَّا اسم علم لجنس بشرى بينته نصوص الكتاب المقدس بأنه الجنس العربى الإسماعيلى وأنَّ المشار إليه بكلمة المِسِّيَّا هو رسول الله . وأنَّ مكان بعثته من قلب شبه الجزيرة العربية أرض الجنوب . وكل تلك الأوصاف تخرج المسيح - عليه السلام - أن يكون هو المِسِّيَّا .
واكتفى بهذا القدر من الفروق ففيها الشفاء لمن أراد الشفاء فالمنصف يكتفى بشاهدين والمعاند لا يرضى بالثقلين ..!!
معنى كلمة تاحب
وحان الآن أن نتعرف على كلمة الـ ( Taheb ) بعد تصحيح نطقها وفق قواعد اللسان العربى الآرامى نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد فى الأمر .
... إنَّ حرف ( T ) الإنجليزى ينطق فى اللسان العربى والآرامى ت أو ط فيكون نطق الكلمة هكذا : تاحب أو طاحب . والكلمة الأولى تاحب لها معنى فى الآرامية والعربية العامية فهى من جذر الكلمة ( حَ بَّ ) ربما كانت تفيد معنى الحبيب أو المحبوب أو المحب . وهى على وزن فاعِل ونحن نستخدم أسماء مشابهة فى لغتنا العامية مثل تامِر وسامِر وسامِح ... الخ . ومن صفاته - صلى الله عليه وسلم - أنه : حبيب الله ومحبوب الناس ، ومُحِبّ الله أى أكثر الناس حبا لله . فصفته هنا هو أنَّه حابب بكسر الباء الأولى وتسكين الأخيرة ، أى فى حالة حب دائم لله تعالى .
... وحرف ( H ) الإنجليزى يحتمل أن ينطق به فى اللسان العربى والآرامى همزة أو ياء فتكون الكلمة إمَّا تائب أو تايب وهما بمعنى واحد . ومعروف أنَّ من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - نبىّ التوبة كما جاء فى مسند الإمام أحمد .(1/26)
وقد صحح العلامة ( شناكنبرج ) التصويت إلى تا إب ولكن الأب متى المسكين أخطأ فى شرح المعنى مع أنه قس عربى يعرف اللسان العربى . حيث قال بأنها بمعنى الآيب أى الآتى أو الراجع لينطبق الوصف على المسيح - عليه السلام - عند مجيئه فى آخر الزمان (1) ..!!
ورغم ابتعاد المعنى الذى قاله وزعمه عن الكلمة إلا أننا نجد فى أدعية نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - الكلمات : آيبون ، تائبون ، عابدون ساجدون لربنا حامدون .
... فإن كان حرف ( T ) ينطق ط وحرف ( H ) ينطق ى فإن الكلمة سوف تنطق هكذا طايب أو طيب . وفى اللسان الآرامى نجد كلمة طايب و طائب بمعنى الطيب وهى صفة حسنة فى أخلاق الإنسان . فما أحلاها من صفة للنبىّ الطيب ساكن مدينة طيبة - صلى الله عليه وسلم - .
ومن التوافق العجيب والأمر المدهش أن تكون الكلمات المستخرجة من ذلك التصويت اللغوى الآرامى لكلمة ( Taheb ) وهما كلمتى الحبيب و الطائب تتعادلان فى حساب الجُمَّل اليهودى مع كل من الأسماء إيليا و أحمد . حيث يكون مجموع أرقام حروف كل منهما هو 53 ..!!
فياله من توافق لم يخطر على البال ، ولم نلتفت إليه أثناء إجراء عملية التصويت فالأسماء الأربعة هذه مبشر بها تحت مسمى المِسِّيَّا المنتظر الآتى أو نبىّ آخر الزمان ولكن بطريقة مُشَفَّرة ـ مُرَمَّزة ـ وفق حساب أبى جاد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع شرح إنجيل يوحنا ج 1 ص 298 .
خاتمة هذا الكتاب
=======
...
إنَّ الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمدا عبده وخاتم رسله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/27)
... قال رب العزة سبحانه وتعالى { والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين . لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ، ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون . فما يكذبك بعد بالدين . أليس الله بأحكم الحاكمين } .
... فأقسم سبحانه وتعالى بالرسالات الثلاث مشيرا إليها بأماكنها الجغرافية التى بدأت منها تلك الرسالات الثلاث . حيث هبط فيها الوحى الإلهى على رسله الثلاث موسى وعيسى ومُحَمَّد صلوات الله وسلامه عليهم . وانطلقت من هذه الأماكن الثلاثة رسالاتهم .
... ونلاحظ هنا أنَّ الله سبحانه وتعالى بدأ قسَمَهُ بـ { التين والزيتون } أى فلسطين موطن رسالة المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - . ثمَّ ثنَّى بـ { طور سينين } أى مصر موطن رسالة موسى بن عمران - عليه السلام - . وختم قسَمَهُ بـ { البلد الأمين } أى مكة المكرمة موطن رسالة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - .
... ولم يُرَاعَى هنا الترتيب التاريخى موافقة لما فى التوراة " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران " . فنص التوراة إخبار عمَّا حدث فى الماضى وما سيحدث فى المستقبل ، فجاء النصّ التوراتى مُراعى فيه الترتيب الزمنى التاريخى للرسالات الثلاث .
أمَّا النصّ القرآنى فقد كان قسَما من المولى عَزَّ وجَلَّ إلى المؤمنين المسلمين بما هو كائن فى مستقبل أيَّامهم .
... ففى فلسطين بأكناف بيت المقدس ( المسجد الأقصى ) ستكون كبرى ملاحمهم الدينية . وبداية انتصار الإسلام ليَعُمَّ أقطار الأرض كافة { ليظهره على الدين كلِّه } .
... ومِن مصر ( طور سينين ) سوف يخرج جنود الإسلام ( الطائفة المنصورة التى لا تزال على الحق تقاتل فى سبيل الله ) ليواجهوا أعداء الله فى فلسطين من اليهود ومن شايعهم .
... وإلى مكة المكرَّمة ( البلد الأمين ) ستعود الرِّيادة ، وستهفوا إليها أفئدة الناس أجمعين (1) .(1/28)
ومِن هنا أرى أنه من الواجب على المنتسبين لهذا الدين الحنيف ، بل وعلى كلّ المتديِّنين عموما أن يُلمُّوا بالجغرافية التاريخية لهذه الأماكن الثلاث القرآنية التوراتية . وليطالعوا نصوص الدين الحنيف عنها ، وليعلموا بما كان فى الماضى وما هو كائن فى الحاضر ، وما سيكون فى المستقبل .
ولقد طوَّفتُ بقارىء كتابى هذا على تلك الأماكن منذ عصر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . فمِن مصر إبراهيم بدأت أبحاث ذلك الكتاب ، وإلى مَكة المكرَّمَة ونبيها محمد - صلى الله عليه وسلم - انتهت أبحاث ذلك الكتاب .
... فتتبعت البشارات عن نبيِّنا نبىّ أرض الجنوب - صلى الله عليه وسلم - . واضعا إيَّاها فى موضعها الجغرافى وزمانها التاريخى مع التقيُّد بأصلها اللغوى ولسانها الأول .
فعلمنا أين ورد إسمه مُحَمَّد بالحرف العبرى ( ميم ـ حيت ـ ميم ـ دالت ) . وعرفنا لقبه وصفته - صلى الله عليه وسلم - بعد فكّ الشفرة اليهودية المُشار بها إليه - صلى الله عليه وسلم - .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع أخبار هذه الطائفة المنصورة ومكان خروجها كما ورد فى صحيح السنة وذلك فى كتابى عن بيت
المقدس وزوال دولة اليهود فى فلسطين . وقد نصَّ الإمام مسلم فى صحيحه على أنها بالمغرب ، أى غربىّ
خط الطول المار بمنبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة المنوَّرة ، ولا يتحقق ذلك إلا فى مصر وما غربها .(1/29)
وقرأنا عن أهم الأحداث التى وقعت وتحققت فى أثناء بعثته - صلى الله عليه وسلم - مثل حادثتى الإسراء إلى بيت المقدس فجأة فى لا زمن والمعراج إلى السماء العلا ، والهجرة إلى المدينة وغزوة بدر الكبرى وتحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام بأرض الجنوب . والحج إلى بيت الله الحرام ومواقيته المكانية . وعدد جيشه - صلى الله عليه وسلم - الذى فتح به مَكَّة المُكرَّمة . وتوقيت بعثته - صلى الله عليه وسلم - ومُدَّتها ، وأنه سيعيش اثنين وستين عاما ويموت بدون ذرية من الذكور . وعن فتح بيت المقدس على يد خليفته عُمر الفاروق وبناء مسجده - رضي الله عنه - . فتطابقت صفاته - صلى الله عليه وسلم - مع صفات النبىّ المُبَشَّرُ به على لسان أنبياء بنى إسرائيل .
ولقد بذلتُ وسع جهدى أن آتى بالجديد المفيد ، وأفتحُ أبوابا للباحثين المجتهدين ليكملوا المشوار . فكم ترك الأولون للآخرين من أشياء لا تعَدُّ ولا تحصى تحتاج إلى البحث والتنقيب عنها وفيها .
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثيبنى على هذا الكتاب خير الجزاء وأن يجعله فى ميزان حسناتى يوم الجزاء . وأن يجعل آخر كلامى فى هذه الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله . وأن يحشرنى فى الآخرة مع الذين تكون آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
آمين
تم بحمد الله(1/30)
فهارس الكتاب
======
فهرس الكلمات العبرية الواردة فى أبحاث هذا الكتاب .
فهرس الكلمات اليونانية الواردة فى أبحاث هذا الكتاب .
فهرس لمعانى المختصرات الأجنبية .
فهرس المراجع الأجنبية المستخدمة فى أبحاث هذا الكتاب .
فهرس المراجع العربية المستخدمة فى أبحاث هذا الكتاب .
فهرس للخرائط الجغرافية .
فهرس بموضوعات هذا الكتاب .
فهرس بالكلمات العبرية المستخدمة ... رقم الكلمة
=====================
صعد ( ??? ) .................................................... ... 5927
ابرام ( ???? ) .................................................. ... 87
إبراهيم ( ????? ) .............................................. ... 85
جنوب ( ??? ) .................................................... ... 5045
أرض الجنوب (???? ???? ) ................................. ... 5045,778
إيل ( ?? ) ......................................................... ... 410
بيت ( ??? ) ...................................................... ... 1008
بيت إيل ( ??? ?? ) ............................................. ... 1008,410
إيلوهيم ( ????? ) ............................................... ... 430
أدمة ( ???? ) ....................................................
أرض ( ??? ) .................................................... ... 778
قادش (??? ) ..................................................... ... 6946
شور ( ??? ) ..................................................... ... 7793
جرار ( ??? ) ..................................................... ... 1642
حويلة ( ????? ) .................................................. ... 2341
حول ( ??? ) ...................................................... ... 2342
فاران ( ???? ) ................................................... ... 6290(1/1)
جبل ( ?? ) ........................................................ ... 2042
هر ( ?? ) ......................................................... ... 2022
هرر ( ??? ) ..................................................... ... 2042
برية ( ????? ) ................................................... ... 4057
جبل فاران ( ?? ???? ) ........................................ ... 2042,6290
برية فاران ( ????? ???? ) ................................... ... 4057,6290
زمزم ( ???? ) ................................................... ... 2157
زمزميين ( ????? ) .............................................. ... 2104
بكة ( ??? ) ...................................................... ... 1056
عربى ( ???? ) .................................................. ... 6155
عرفات ( ???? ) ................................................ ... 6160
دوما ( ????? ) ................................................... ... 1746
قيدار ( ??? ) .................................................... ... 6938
سعير ( ???? ) .................................................. ... 8165
تيماء ( ???? ) ................................................... ... 8487
تيما ................................................................. ... 8485
ديدان ( ??? ) ..................................................... ... 1719
الديدانيون ( ????? ) ............................................. ... 1720
هارب ( ??? ) .................................................... ... 5074
عبد ( ??? ) ....................................................... ... 5650
عابد ( ??? ) ...................................................... ... 5647
سِلع ( ??? ) ...................................................... ... 5553(1/2)
يهوه ( ???? ) ..................................................... ... 3068
حميدة ( ????? ) ................................................. ... 2532
حِمِد ( ???? ) ..................................................... ... 2531
حامِد و حامَد ( ???? ) .......................................... ... 2530
سلام ( ???? ) .................................................... ... 6965
إسلام ( ???? ) ................................................... ... 7965
سالم ( ??? ) ..................................................... ... 7965
سلم ( ??? ) ...................................................... ... 7999
مديان ( ????? ) ................................................... ... 4080
عيفة ( ???? ) .................................................... ... 5891
سبأ ( ??? ) ...................................................... ... 7614
نبايوت ( ???? أو ????? ) ...................................... ... 5032
ترشيش ( ????? ) ............................................. ... 8659
ابن العم ( ??? ) أو (?? ) ....................................... ... 1730
مُحَمَّد ( ???? ) .................................................. ... 4261
حمد ( ??? ) ...................................................... ... 2530
مُحَمَّدون ( ?????? ) ............................................ ... 4262
الجار ذى القربى البعيدة ( ?? ) أو ( ??? ) .................. ... 7453
ابن ( ?? ) .......................................................... ... 1121
الرئيس الأكبر ( ??? ) .......................................... ... 1713
عشرة آلاف ( ربَّة ) ( ???? ) ................................ ... 7233
المختار أو القديس ( ???? و ??? ) ......................... ... 6918(1/3)
سلاه أو صلاه ( ??? ) .......................................... ... 5542
كما ، شبيه ( ??? ) ............................................... ... 3644
ابن ( ?? ) ......................................................... ... 1247
انس (??? ) ...................................................... ... 606
ابن الإنسان ( ?? ??? ) ........................................ ... 606,1247
شلهَ ( ??? ) أو شلوَ ( ??? ) .................................. ... 7951
شيَّالوه ( ???? ) .................................................. ... 7886
إيليا ( ???? ) ...................................................... ... 452
رسول ( ?????? ) ................................................ ... 4397
ملاك ( ????? ) .................................................. ... 4397
ميثاق ( ???? ) ................................................... ... 1285
سيد ( ???? ) و ( ??? ) ......................................... ... 113
يهوه ( رب الجنود ) ............................................. ... 3068
فجأة أو بغتة ( ???? ) .......................................... ... 6597
قلط (??? ) ........................................................ ... 7038
قليط ( ???? ) ..................................................... ... 7038
( بار قليط ) ( ??? ???? ) ..................................... ... 1247,7038
المُعَزَّى ( ناحيم ??? ) ........................................... ... 5162
مِسَّا ................................................................. ... 4864
مَسَّا ................................................................. ... 4854
يا ( اسم الإله ) .................................................... ... 3050(1/4)
مِسَّا ـ يا ............................................................ ... 4864,3050
مِسِّيَّا ............................................................... ... 4899
فهرس بالكلمات اليونانية المستخدمة ... رقم الكلمة
=====================
إله اليونان ( ثيوس ???? ) .................................... ... 2316
الرب بمعنى سيد ( كيريو ?????? ) ......................... ... 2962
الآب ( باتر ????? ) .......................................... ... 3962
الله ( إيل ?? ) .................................................... ... 2241
إلهى ( إيلى ??? ) ................................................ ... 2241
الله معنا ( عِمَّانوئيل ????????? ) ........................ ... 1694
أمَّة ( أثينوس ?ا??? ) .......................................... ... 1484
بُعْد نظر ، بصيرة ( اسينتس ??????? ) .................. ... 801
مُبارك ( يولوجينوس ??????????? ).................... ... 2172
إنسان ( ???????? ) ......................................... ... 444
ابن ( ???? ) ...................................................... ... 5207
ابن الإنسان ( ???? ??? ???????? ) .................... ... 444,5207
ملاك ( ??????? ) .............................................. ... 32
رسول ( ??????? ) ............................................ ... 32
بارقليط ( ???????? ) ........................................ ... 3875
الأصل المزعوم المُعَزَّى ( باراكاليو ????????? ) .... ... 3870
أصل ثانى مزعوم ( براكليسس ????????? ) ............ ... 3874
أصل ثالث مزعوم ( ????????? ) ..........................
أصل رابع مزعوم ( ????????? ) .........................
أصل خامس مزعوم ( ????????? ) .......................
شفاعة ( ????????? ) ........................................(1/5)
تعزية أو مساندة ( براكليسى ?????????? ) ............. ... 3874
آخر من نفس النوع والجنس ( ????? ) ..................... ... 243
آخر ولكن ليس من نفس النوع والجنس ( ?????? ) ....... ... 2087
توسَّل ( ??????? ) ........................................... ... 2065
الروح الحق ( ?? ?????? ??? ???????? ) ............ ... 225,4151
يسمع ( أكوس ?????? ) ...................................... ... 191
يتكلم ( لاليسى ??????? ) ..................................... ... 2980
روح ( بينوما ?????? ) ...................................... ... 4151
الحق ( ??????? ) .............................................. ... 225
يشهد ( ?????????? ) ........................................ ... 3140
يُبَكِّت ( ??????? ) ............................................... ... 1651
يُمَجِّد ( ??????? ) وأحيانا ( ?????? ) ................... ... 1392
مِسِّيِّا ( ??????? ) ............................................ ... 3323
مسيح ( كرستوس ??????? ) ................................ ... 5547
قدُس ( أجون ????? ) ........................................... ... 40
معانى الاختصارات الأجنبية
==============
Interlinear Greek - English New Testament ... IGENT
Revised Standard Version ... RSV
New Revised Standard Ve ... NRSV
King James Version ... KJV
New King James Version ... NKJV
New English Bible ... NEB
Phillips Modern English ... PME
New International Version ... NIV
Jerusalem Bible ... JB
Todayْs English Version ... TEV
New American Standard Bible ... NASB
فهرس بالمراجع الأجنبية المستخدمة
========================
Eight Translation New Testament . ... 1-
- King James version .
- Phillips Modern English .
- Rivesed standard version .
- The Jerusalem Bible .
- The living Bible .
- New international version .(1/6)
- Todayْs English version .
- The New English Bible .
USA Tyndale House publishers Inc. (1985).
The Hebrew - Greek . Key study Bible . ... 2-
New American standerd Bible .
AMG publishers .(1990) USA
The New King James Version . ... 3-
USA ( 1997)
New Revirsed Standard Version . ... 4-
Zondervan publishers USA ( 1996 )
Interlinear Greek - English . New Testament . ... 5-
By George Richer Berry - Baker House - USA (1994)
Strongْs Exhaustive Concordance . ... 6-
James H. strong - BAKER House . USA ( 1992)
Thayerْs Greek - English Lexicon of the New Testament ... 7-
Joseph H. thayer - Baker House . USA (1994)
Gesenius Hebrew - Chaldee Lexicon to the old Testament . ... 8-
H.W.F. Gesenius - Baker House . USA ( 1994 )
B.A.K.E.R. Encyclopaedia of the Bible . ... 9-
BAKER book house . USA (1989)
The International Standard Bible Encyclopaedia . ... 10-
Grand Rapids , Michigon . USA (1992)
New Bible Dictionary . ... 11-
Inter - varsity , Leicester , England . (1985)
Pictorial Bible dictionary . ... 12-
Merrill C. Tenney .
The Zondervan publishing house . USA (1994) .
Smithْs Bible Dictionary . ... 13-
William Smith , LL.D. - Tove Book . USA ( 1982 )
The New Century Bible Commentary , USA ( 1987 ) ... 14-
- The Gospel of Matthew ( David Hill )
- The Gospel of Mark ( Hugh Anderson )
- The Gospel of Luke ( E. Earle Ellis )
The Dead Sea Scrolls and the Bible . ... 15-
Charlies F. Pfeiffer - Baker House USA ( 1994 )
The Dead Sea Scrolls today . ... 16-
James C. Vanderkam - SPCK . USA ( 1996 )
The Dead Sea Scriptures . ... 17-
Theodor H. Gaster . Anchor Books . USA ( 1976 )
The Sacred Name . ... 18-
R.Clover .Qadesh La Yahweh Press .USA ( 1995 )(1/7)
فهرس بالمراجع العربية المستخدمة
=======================
1 ـ ... الكتاب المقدس :
النسخة الوطنية المعتمدة ( AV ) .
جمعية الكتاب المقدس فى الشرق الأدنى . ط 1977م .
النسخة المصرية البروتستانتية ( كتاب الحياة ) .
جى.سى.سنتر ـ مصر الجديدة ـ القاهرة . ط 1992م .
نسخة الكاثوليك .
دار الكتاب المقدس فى الشرق الأوسط ـ لبنان . ط 1993م .
طبعة الآباء اللبنانية .
دار المشرق ش م م ـ بيروت ط 1991م .
نسخة التفسير التطبيقى للعهد الجديد ( NAV ) .
طبع بريطانيا 1986م .
2 ـ ... قاموس الكتاب المقدس .
مجموعة من العلماء ـ دار الثقافة بالقاهرة .
3 ـ ... فهرس الكتاب المقدس .
دكتور / جورج بوست .
4 ـ ... معجم اللاهوت الكتابى .
الأب كنزافيه ليون دوفر اليسوعى ـ دار المشرق ـ بيروت ط 1986 م .
5 ـ ... شرح إنجيل لوقا ( 1 ، 2 ، 3 ) .
الخورى بولس فغالى ـ الرابطة الكتابية ـ بيروت ـ 1996 م .
6 ـ ... شرح إنجيل يوحنا .
دكتور قس / إبراهيم سعيد ـ دار الثقافة ـ القاهرة .
7 ـ ... شرح إنجيل يوحنا .
الأب / متى المسكين . مطبعة دير الأنبا مقار .
8 ـ ... القديس بولس .
الأب / متى المسكين . مطبعة دير الأنبا مقار .
9 ـ ... يسوع المسيح ربنا .
جون ف . والفورد ـ ترجمة حزقيال بسطورس ـ دار الثقافة ـ القاهرة .
10 ـ ... يسوع المسيح فى تقليد الكنيسة .
فاضل سيدراوس ـ دار المشرق ش.م.م. ـ بيروت ( ط 1992م ) .
11 ـ ... من هو يسوع المسيح .
دكتور قس / صموئيل مشرقى ـ الكنيسة المركزية لمجمع الله الخمسينى بشبرا
12 ـ ... أديان العرب قبل الإسلام .
الأب جرجس داود ـ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت ط 1988
13 ـ ... المسيح .
المستشار / زكى شنودة ـ مكتبة المحبة ـ القاهرة .
14 ـ ... رسالة فى اللاهوت والسياسة .
سبينوزا ـ ترجمة د/ حسن حفنى ـ دار الطليعة ـ بيروت .
15 ـ ... إنجيل برنابا .
ترجمة الدكتور خليل سعادة ـ مكتبة و مطبعة محمد على صبيح ـ القاهرة ط 1958 م .(1/8)
16 ـ ... محمد - صلى الله عليه وسلم - كما ورد فى كتاب اليهود والنصارى .
دكتور/ عبد الأحد داود ـ دار أبو القاسم للنشر والتوزيع ـ جدة ط 1414هـ
17 ـ ... تاج العروس من جواهر القاموس .
محمد مرتضى الزبيدى . دار مكتبة الحياة . بيروت .
18 ـ ... التوراة جاءت من جزيرة العرب .
دكتور / كمال الصليبى ـ مؤسسة الأبحاث العربية ـ بيروت .
19 ـ ... النبىّ إبراهيم .
دكتور / سيد القمنى ـ دار سينا للنشر ـ القاهرة .
20 ـ ... المفصَّل فى تاريخ العرب .
دكتور / جواد على ـ دار العلم للملايين ـ بيروت .
21 ـ ... الآثار الباقية عن القرون الخالية .
أبوالريحان محمد بن أحمد البيرونى ـ ليدن ـ هولندا .
فهرس الخرائط الجغرافية المستخدمة
====================
مسلسل ... موضوع الخريطة ... الصفحة
1 ـ ... إتجاه الخروج الإبراهيمى من مصر .......................... ... 26
2 ـ ... الاستيطان المزعوم لقوم لوط - عليه السلام - ............................ ... 35
3 ـ ... مكان إقامة إبراهيم ولوط عليهما السلام ...................... ... 37
4 ـ ... مكان إقامة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بأرض الجنوب ........................ ... 46
5 ـ ... مكان قادش المزعوم ............................................ ... 52
6 ـ ... المواقع المزعومة فى سيناء .................................... ... 54
7 ـ ... حدود مصر الدولية فى عصر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .................... ... 61
8 ـ ... مكان إقامة ذرية إسماعيل - عليه السلام - ................................. ... 76
9 ـ ... مكان تغرب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى جرار .............................. ... 101
10 ـ ... الأماكن الجغرافية الواردة فى أشعياء (21: 11 ـ 17) .... ... 122
11 ـ ... لاحظ عدم استكمال الخريطة نحو الجنوب ..!! ............. ... 143
12 ـ ... بيت الله الحرام ومواقيت الحج الأربعة ..!! .................. ... 144
13 ـ ... مناطق انتشار مَِسَّا و يا ........................................ ... 365(1/9)
فهرس بموضوعات الكتاب
=============
أهم الموضوعات ... الصفحة
الإهداء ........................................................................ ... 5
فاتحة هذا الكتاب ............................................................ ... 6
الجزء الأول
========
القسم الأول
( لغز أرض الجنوب )
ثقافة التاريخ بين التجاهل والنسيان ..!! ................................. ... 12
صعود إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الجنوب بالجزيرة العربية ..... ... 18
الاستيطان الأول للقافلة الإبراهيمية فى أرض الجنوب ............... ... 33
تحقيق مكان قوم لوط ....................................................... ... 36
الصعود الثانى إلى عمق أرض الجنوب ................................. ... 41
أولا : موقع قادش ...................................................... ... 48
ثانيا : موقع شور ....................................................... ... 52
ثالثا : حدود مصر الدولية فى قديم الزمان ......................... ... 58
رابعا : موقع جرار .................................................... ... 62
مكان إقامة إسماعيل - عليه السلام - وذريته ......................................... ... 67
موقع حويلة ( تك 25 : 18 ) ........................................ ... 70
استئناف البحث عن موقع شور ....................................... ... 73
عودة إلى موقع جرار ................................................... ... 78
إسماعيل وهاجر عليهما السلام فى فاران .............................. ... 81
تحقيق معنى كلمة فاران وأصولها اللغوية .......................... ... 86
بين القصة التوراتية والقصة القرآنية والتراث العربى ........... ... 90
بين إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ................................ ... 94
زمزم والزمزميين ...................................................... ... 99(1/10)
بكة و مكة ................................................................ ... 102
وحَتَّى عرفات..!! ........................................................... ... 106
ملاحظة هامة بخصوص أرض الجنوب ................................ ... 109
القسم الثانى
( نبوءات وأحداث من داخل أرض الجنوب )
العرب وجزيرة العرب ..................................................... ... 112
رسالة إلهية من جزيرة العرب وحدثىّ الهجرة وغزوة بدر الكبرى . ... 115
أولا : مع سفر أشعياء ( 21 : 11 ـ 17 ) ........................ ... 115
ثانيا : مع سفر أشعياء ( 42 : 11 ـ 13 ) ......................... ... 126
ثالثا : مع سفر أشعياء ( إصحاح رقم 60 ) ........................ ... 133
القسم الثالث
( إنتقال الرسالة الإلهية إلى الأمَّة العربية )
إنتقال الرسالة من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية ...................... ... 150
أولا : شهادة كليم الله موسى - عليه السلام - .................................... ... 151
ثانيا : شهادة نبىّ الله أشعياء - عليه السلام - .................................... ... 156
ثالثا : شهادة المسيح عيسى - عليه السلام - ..................................... ... 159
وهكذا يصير الآخرون أولين والأولون آخرين ......................... ... 166
الجزء الثانى
========
البشارات بنبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم -
استهلال الكلام عن ذلك الجزء الثانى .................................... ... 178
مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - ...................................................................... ... 185
مع نص نشيد الأناشيد ( 5 : 10 ـ 16 ) ........................... ... 187
تحريف الاسم محمد إلى كلمة مشتهيات ..!! ....................... ... 189
صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة بين عشرة آلاف صحابى ..!! ...... ... 193(1/11)
المختار - صلى الله عليه وسلم - وصيغة الصلاة عليه ......................................... ... 196
مع نص سفر حبقوق ( 3 : 3 ) ...................................... ... 199
نقد ودراسة النص ...................................................... ... 200
المعنى الجديد لكلمة سلاه ( صلاة ) ................................. ... 202
النبىّ شبيه موسى - عليه السلام - ................................................... ... 207
مع نص سفر التثنية ( 18 : 18 ـ 19 ) ........................... ... 208
أولا : توقيت ظهور ذلك النبىّ .................................. ... 208
ثانيا : لن يكون ذلك النبىّ من بنى إسرائيل ................... ... 209
صفات ذلك النبىّ ....................................................... ... 211
أولا : أن يكون من بين إخوتهم ................................. ... 211
ثانيا : أن يكون شبيه ( كما ) موسى - عليه السلام - ..................... ... 212
ثالثا : أن يخرج من فمه كلام الله ............................... ... 213
رابعا : أن يكون كلامه معنونا باسم الله ....................... ... 214
القادم باسم الله .............................................................. ... 217
المسألة الأولى والثانية ................................................ ... 218
المسألة الثالثة والرابعة ................................................ ... 219
حذف اليهود والمسيحيون اسم الله من أسفارهم المقدَّسة ..... ... 220
قيام المسيح - عليه السلام - بإظهار اسم الله للناس وتعريفهم به ......... ... 226
اسم واحد أم أسماء حُسنى ..!؟ .................................. ... 232
أهمية اسم الله فى كتب العهد الجديد ............................ ... 235
القادم باسم الله من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - ....................... ... 240(1/12)
عبارة صلى الله عليه وسلم فى اليونانية ..!! .................. ... 242
البارإناس ..................................................................... ... 245
تأصيل عبارة بارناس إلى أصلها العربىّ .......................... ... 245
مع نص دانيال ( 7 : 13 ـ 14 ) .................................... ... 250
التعريف بذلك الإنسىّ البار ........................................... ... 251
رحلة المعراج إلى السماء وفرض الصلاة ......................... ... 252
التعريف بشخصية الشيخ قديم الأيام الطاعن فى السِّنّ ............ ... 252
الشيَّالوه ...................................................................... ... 256
عجز علماء المسيحية فى معرفة أصل ومعنى الكلمة شيَّالوه ... ... 256
مع نص سفر التكوين ( 49 : 10 ) ................................. ... 257
شرح وبيان معنى كلمة شيلوه ( شيَّالوه ) .......................... ... 259
أولا : شيلوه اسم علم للمسِّيَّا المنتظر ...................... ... 261
ثانيا : شيلوه كلقب للمسِّيَّا المنتظر ......................... ... 260
ثالثا : شيلوه كاسم مكان فى فلسطين ........................ ... 261
رابعا : شيلوه كاسم مرادف للسلام أو الإسلام .............. ... 261
خامسا : شيلوه كاسم لخصم عدو لبنى إسرائيل ............... ... 262
سادسا : شيلوه بمعنى ( الشخص الذى يخصه ) .............. ... 262
سابعا : شيلوه بمعنى أمير أو رئيس ........................... ... 263
ثامنا : تصحيح قراءة شيلوه إلى شيَّالوه ...................... ... 264
والآن ..................................................................... ... 264
إيليا .......................................................................... ... 267
اختلاف النصوص حول شخصية النبىّ إيليا ...................... ... 267(1/13)
إيليا المُبَشَّرُ به على لسان المسيح - عليه السلام - .............................. ... 268
إيليا هو أحمد حسب حساب أبى جاد اليهودى ...................... ... 279
رسول الميثاق ............................................................... ... 271
مع نص سفر سفر ملاكى العبرى ( 3 : 1 ) ..................... ... 273
الإشارة إلى حادثة الإسراء إلى بيت المقدس فجأة ................ ... 277
مع النص الإنجيلى اليونانى المُحرَّف ............................... ... 279
أولا : إنجيل مرقس اليونانى .................................... ... 279
ثانيا : نصّ إنجيل متى اليونانى ................................ ... 281
البارقليط ...................................................................... ... 283
استهلال البحث عن البارقليط ........................................ ... 283
البارقليط فى اليونانية .................................................. ... 286
أولا : البارقليط فى رسالة يوحنا الأولى ( 2 : 1 ) .......... ... 287
ثانيا : البارقليط فى إنجيل يوحنا ................................ ... 290
تأصيل المصطلح بارقليط فى اللسان الآرامى ................. ... 298
مَن هو البارقليط فى أقوال المسيح - عليه السلام - ..!؟ ....................... ... 307
أولا : الصفات الشخصيَّة للبارقليط ............................. ... 311
ثانيا : الصفات الفِعْليَّة للبارقليط ................................. ... 314
هَمْسَة عِتاب للعلماء المسلمين والمسيحيين ..!! ................... ... 325
لغز روح القدس فى نص يوحنا ( 14 : 26 ) ..!! ............... ... 327
هل البارقليط هو الأقنوم الثالث ..!!؟ ............................... ... 334
بدايات للفهم ..!! ....................................................... ... 336
الجزء الثالث
=========
هذا هو بالحقيقة النبىّ الآتى إلى العالم ( المِسِّيَّا )(1/14)
البداية .................................................................... ... 341
الباب الأول : دعائم الدراسة .............................................. ... 347
الدعامة الأولى : خطأ علماء المسيحية فى تفسيرهم لكلمة مِسِّيَّا ... 347
الدعامة الثانية : كلمة مِسِّيَّا تدل فى أصلها على اسم جنس ..... ... 352
الدعامة الثالثة : دلالة الأسماء ومناطق انتشارها .................. ... 356
الباب الثانى : فكّ الشفرة ................................................... ... 358
أولا : التركيب اللغوى للمصطلح مِسِّيَّا ............................ ... 358
ثانيا : قراءات الاسم مِسِّا ............................................ ... 362
ثالثا : جنسية المِسِّيَّا ................................................ ... 367
رابعا : معنى المصطلح مِسِّيَّا ....................................... ... 371
الصيغة الفعلية للجذر ( مـ س س ) ...................................... ... 377
نصوص عيسوية بشأن المِسِّيَّا ........................................... ... 379
الباب الثالث : المِسِّيَّا فى أسفار العهد القديم ........................... ... 382
أولا : متى ظهرت فكرة المِسِّيَّا المنتظر ..؟ ...................... ... 382
ثانيا : توقيت بعثة المِسِّيَّا ............................................. ... 386
شرح نص دانيال ( 9 : 20 ـ 27 ) ...................................... ... 386
معالم أساسية لفهم النبوءة وشرحها .................................. ... 388
أولا : النبوءة مِسِّيَّانية وليست مسيحانية ........................ ... 388
ثانيا : تحقيق المعنى المراد من المِسِّيَّا و المِسِّيَّا الرئيس .... ... 389
ثالثا : النبوءة تخص بنى إسرائيل فى مستقبل الأيام ........... ... 391
رابعا : مُلقى النبوءة إلى دانيال هو الملاك جبريل - عليه السلام - .......... ... 391(1/15)
خامسا : الاستفادة من أقوال المسيح - عليه السلام - عن هذه النبوءة ........ ... 392
سادسا : التقويم الإسرائيلى للسنين ................................... ... 394
سابعا : ماذا يحدث عقب ظهور المِسِّيَّا ..؟ ........................ ... 398
ثامنا : معنى كلمة اسبوع فى العهد القديم ........................... ... 399
شرح النبوءة كاملة .......................................................... ... 400
الباب الرابع : المِسِّيَّا فى أسفار العهد الجديد .......................... ... 409
بين المِسِّيَّا و المسيح ....................................................... ... 409
أولا : نص إنجيل يوحنا ( 1 : 41 ) ................................ ... 412
فى البداية ........................................................... ... 412
وفى النهاية ......................................................... ... 413
ثانيا : نص إنجيل يوحنا ( 4 : 25 ) ................................ ... 417
الشرح والبيان : ........................................................ ... 421
السجود فى الصلاة ................................................ ... 422
تحويل القبلة لبيت الله الحرام بمكة المكرمة .................. ... 425
معنى كلمة التاحب ................................................. ... 433
التاحب هو الحبيب وهو الطائب وهو أحمد - صلى الله عليه وسلم - ................ ... 434
خاتمة هذا الكتاب ............................................................ ... 435
فهارس الكتاب ............................................................... ... 439
فهرس الكلمات العبرية المستخدمة ................................. ... 440
فهرس الكلمات اليونانية المستخدمة ................................. ... 444
فهرس معانى المختصرات الأجنبية ................................. ... 446(1/16)
فهرس بالمراجع الأجنبية المستخدمة ................................ ... 447
فهرس بالمراجع العربية المستخدمة ................................ ... 450
فهرس الخرائط الجغرافية المستخدمة ............................... ... 453
فهرس موضوعات الكتاب ........................................... ... 454
قائمة بأسماء كتب المؤلف
==============
أولا : دراسات فى المسيحية
1 ـ ... الإنجيل كتاب أم بشارة ..!؟
2 ـ ... عيسى أم يسوع ..؟
3 ـ ... المسيح هارونى أم داودى ..!؟
4 ـ ... المسيح والمِسِّيَّا .
5 ـ ... المسيح إله أم نبىّ ..!؟
6 ـ ... التوراه مصرية .
7 ـ ... تابوت البعبع ( يهوه ) .
8 ـ ... يسوع النصرانى مسيح بولس .
9 ـ ... نبىّ أرض الجنوب .
10 ـ ... كلمة التوحيد فى الأصول المسيحية .
11 ـ ... سنوات الصمت ( موسوعة سيرة المسيح - عليه السلام - ) .
12 ـ ... معالم أساسية فى الديانة المسيحية .
13 ـ ... قضايا فى الإسلام والمسيحية ( فى جزئين ) ..!!
14 ـ ... يَحْيَى أم يوحَنَّا ..!!؟
15 ـ ... الرَّدّ الوجيز على القس فريز .
16 ـ ... المؤيِّد القرآنى والبارقليط الإنجيلى .
17 ـ ... اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - .
18 ـ ... مَن قتل يسوع ..!!؟
19 ـ ... أسرار الكنيسة السبعة .
20 ـ ... زواج يسوع .
21 ـ ... ولكن شبِّه لهم ..!!
ثانيا : دراسات فى الإسلام
22 ـ ... هذا عطاؤنا فى الرضاع .
23 ـ ... العشرة المبشرون بالجنة .
24 ـ ... أهل الصُّفَّة .
25 ـ ... أصحاب الكهف والرقيم ( فى جزئين ) .
26 ـ ... ذو القرنين ويأجوج ومأجوج ( فى جزئين ) .
27 ـ ... يا ليت قومى يعلمون ( سبعة أجزاء ) ..!؟
28 ـ ... كشف النقاب عن مزاعم عبد الوهاب .
29 ـ ... الخطاب الدينى والتيَّارات الثقافية المعاصرة .
تم بحمد الله(1/17)