ثانياً: يجمع بين المذهب الثانى القائل بعزة وجود الحديث المتواتر، ومذهب الجمهور القائل بكثرة وجوده، بأن القائلين بعزته إنما أرادوا الأحاديث المتواترة تواتراً لفظياً، وأن القائلين بكثرته إنما أرادوا الأحاديث المتواترة تواتراً معنوياً، وهذا حق؛ لأن المتواتر لفظاً قليل، وأهل الحديث لا يكادون يتفقون إلا على القليل منه، والمتواتر معنى كثير" (1) أ. هـ.
__________
(1) وبذلك قال شارح مسلم الثبوت 1/120 وما بعدها، وانظر: مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/19 - 22، ودراسات أصولية فى السنة ص 161، وانظر: أمثلة على الأحاديث المتواترة فى الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة للسيوطى، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتانى، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادة فى نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة للسيد عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغمارى، ضمن مجموعة الحديث الصديقية.(1/663)
ثالثاً: ما يفيد المتواتر من العلم:
... قام الإجماع على أن الخبر المتواتر يفيد العلم، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، لا لاعتقاد المعتقد، وشذ عن الإجماع بعض الفرق؛ مثل البراهمة (1) والسُمَنية (2) ، والنظام من المعتزلة على ما حكاه عنه البغدادى فى أصول الدين (3) .
... فزعموا أن الأخبار ليست طريقاً لإفادة العلم، وإنما العلم سبيله؛ إما الحس، وإما أن يكون من الضروريات، وهو زعم باطل، ورأى فاسد لا يعتد به، قام الدليل على خلافة.
وقد تعرض للرد عليهم الإمام الآمدى فى كتابه "الإحكام فى أصول الأحكام" فقال: "اتفق الكل على أن الخبر المتواتر يفيد العلم خلافاً للسُمَينة والبراهمة، فى قولهم لا علم فى غير الضروريات إلا بالحواس دون الأخبار وغيرها. ودليل ذلك ما يجده كل عاقل من نفسه من العلم الضرورى بالبلاد النائية، والأمم السالفة، والقرون الخالية، والملوك، والأنبياء، والأئمة، والفضلاء المشهورين والوقائع الجارية بين السلف الماضين، بما يرد علينا من الأخبار حسب وجداننا كالعلم بالمحسوسات عند إدراكنا لها بالحواس. ومن أنكر ذلك فقد سقطت مكالمته وظهر جنونه أو مجاحدته" (4) .
__________
(1) البراهمة: قوم ينكرون الرسالة، ويعبدون الله عبادة مطلقة، لا من حيث إرسال نبى، ولا رسول معين، وينكرون الأنبياء والمرسلين مطلقاً، ويزعمون أنهم أولاد إبراهيم عليه السلام، ومنهم جماعة فى الهند يعبدون الأوثان. انظر: كشاف اصطلاحات الفنون1/215، وفواتح الرحموت 2/113.
(2) السُمُينة: بضم السين وفتح الميم، نسبة إلى "سومان" وهم قوم من عبدة الأصنام، يقولون بالتناسخ، وبأنه لا طريق للعلم سوى الحس. انظر:كشاف اصطلاحات الفنون 4/52، وكشف الأسرار 2/262، وفواتح الرحموت 2/113. وانظر: فى الرد على شبهاتهم فواتح الرحموت 1/113، وتوجيه النظر ص 57، 64، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/24-28.
(3) أصول الدين ص 20.
(4) الإحكام للآمدى 2/15، وانظر: مقاصد الحديث للدكتور مصطفى التازى 2/22.(1/664)
ويقول الإمام الشوكانى: "واعلم أنه لم يخالف أحد من أهل الإسلام، ولا من العقلاء فى أن خبر التواتر يفيد العلم الضرورى، وما روى من الخلاف فى ذلك عن السُمَنية، والبراهمة فهو خلاف باطل، لا يستحق قائله الجواب عليه" (1) .
وهذا ما نقوله لأهل الزيغ والإلحاد المنكرين للمتواتر القولى من السنة النبوية (2) وجوداً، وحجية، قاصرين دعواهم كذباً ونفاقاً على الإيمان بالسنة العملية المتواترة (3) .
نقول لهم: سقطت مكالمتكم وظهر جنونكم ومجاحدتكم ولا تستحقون الجواب عليكم.
__________
(1) إرشاد الفحول 1/202.
(2) انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/520.
(3) انظر: "مقال الإسلام هو القرآن وحده" للدكتور توفيق صدقى فى مجلة المنار المجلد 9/517، 912، 924، ومقال النسخ فى الشرائع الإلهية المجلد 9/687، 688، وأضواء على السنة لمحمود أبو رية ص 39، 42، والأصلان العظيمان ص 303 وما بعدها، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 137 كلاهما لجمال البنا. وتبصير الأمة بحقيقة السنة لإسماعيل منصور ص 18، وعذاب القبر والثعبان الأقرع لأحمد صبحى ص 9، 16، 17، والإمام الشافعى لنصر أبو زيد ص 107، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 210، 238 وغيرهم.(1/665)
رابعاً: حكم العمل بالحديث المتواتر:
... الخبر المتواتر عن النبى صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً أو تقريراً يفيد علم اليقين والقطع (1) ، ويجب العمل به بلا خلاف؛ لأنه يفيد القطع بثبوت نسبة الحديث إلى النبى صلى الله عليه وسلم من غير حاجة إلى البحث عن أحوال الرواة …، ولذلك لم يذكره من المحدثين، فى أبحاث علم الحديث دراية إلا القليل كالحاكم، والخطيب فى أوائل الكفاية (2) ،وابن عبر البر (3) ، وابن حزم (4) .
وقال ابن الصلاح: إن أهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الخطيب قد ذكره ففى كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث، ولعل ذلك كونه لا تشمله صناعتهم (5) .
...
__________
(1) لأن درجة علم المتواتر ضرورية على ما رجحه الحافظ ابن حجر، ورد على من قال بأن درجة العلم نظرية. انظر: نزهة النظر ص 17، 18.
(2) الكفاية، باب الكلام فى الأخبار وتقسيمها ص 50.
(3) جامع بيان العلم 2/33.
(4) الإحكام فى أصول الأحكام تقسيم الأخبار عن الله تعالى 1/102.
(5) علوم الحديث ص 162، وانظر: فتح المغيث للسخاوى 3/37.(1/666)
يقول فضيلة الدكتور مصطفى التازى: "ووجهتهم فى ذلك أن هذا العلم إنما يبحث عن أحوال الراوى والمروى ليعرف المقبول من الحديث فيعمل به، والمردود منه فلا يعمل به، والحديث المتواتر مقبول قطعاً مفيد للعلم يجب الأخذ به بدون توقف (1) ، وأجاب من ذكره فى أبحاث علم الحديث دراية بأنه ليس مقصوداً بالذات، وإنما ذكر لبيان الحكم عليه بالقبول، ووجوب العمل به (2) ، ولا شك أن من أهداف هذا العلم الحكم على الحديث بالقبول أو الرد، ولأن معرفة الحديث الآحاد إنما تكمل بذكر ما يقابله من الحديث المتواتر؛ فيتميز كل منهما عن الآخر، ويعرف حكمه.
خامساً: حكم منكر المتواتر:
واعلم أن من أنكر حديثاً متواتراً انعقد الإجماع على تواتره يخرج عن جماعة المسلمين (3) ،وإن لم ينعقد الإجماع على تواتره بل وقع الخلاف فيه يكون منكره من الفاسقين" (4) .
__________
(1) مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/24، وانظر: نزهة النظر ص15،والمكانة العلمية لعبد الرازق فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار 1/28-33، وانظر: شذوذ الدكتور أحمد حجازى السقا فى كتابه "دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى"، وزعمه أنه ليس من إجماع على العمل بالخبر المتواتر، دفع الشبهات ص 113.
(2) انظر: نزهة النظر ص 15، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/24.
(3) انظر: البحر المحيط للزركشى 4/247، وأصول السرخسى 1/283، والمنهج الإسلامى فى الجرح والتعديل للدكتور فاروق حمادة ص362،وخبر الواحد فى السنة للدكتورة سهير رشاد ص15.
(4) مقاصد الحديث فى القديم والحديث للدكتور مصطفى التازى 2/23، 24.(1/667)
.. يقول الحافظ ابن عبد البر: "وأما أصول العلم فالكتاب، والسنة، وتنقسم السنة قسمين: أحدهما: إجماع تنقله الكافة عن الكافة فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم فقد رد نصاً من نصوص الله، يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب، لخروجه عما أجمع عليه المسلمون، وسلوكه غير سبيل جميعهم (1) أ. هـ.
المبحث الثانى التعريف بالآحاد وبيان درجة ما يفيده من العلم، وحجيته ووجوب العمل به
أولاً: التعريف بالآحاد لغة واصطلاحاً:
... الآحاد لغة: جمع أحد بمعنى الواحد (2) ، وينطبق المعنى اللغوى لخبر الواحد على حقيقة اسمه فهو ما رواه فرد واحد.
... واصطلاحاً: هو ما لم يجمع شروط المتواتر (3) ، أو هو ما كان من الأخبار غير منته إلى حد التواتر (4) . والتعريفان بمعنى واحد، ومثلهما أيضاً تعريف فضيلة الدكتور مصطفى التازى قال: "هو ما رواه واحد أو أكثر، ولم يصل فى الكثرة إلى حد التواتر، أو وصل ولكن فقد شرطاً من شروطه" (5) .
... وينقسم الحديث الآحاد باعتبار عدد الرواة فى كل طبقة من طبقات إسناده إلى ثلاثة أقسام: (1) مشهور (2) عزيز (3) غريب (6) .
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله 2/33، 34.
(2) انظر: القاموس المحيط 1/340، ومختار الصحاح ص 711.
(3) نزهة النظر لابن حجر ص 22.
(4) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/31.
(5) مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/37.
(6) انظر: فى التعريف بهذه الأقسام الثلاثة عند جمهور المحدثين المصدر السابق ص 38 -50، وانظر: نزهة النظر لابن حجر ص 19 - 24، ودراسات أصولية فى السنة النبوية للدكتور محمد الحفناوى ص 165 - 168.(1/668)
.. وعلى هذا التقسيم الجمهور من المحدثين والفقهاء والأصوليين، إلا الحنفية فقد جعلوا المشهور قسيماً للآحاد (1) وليس قسماً منه كما يرى الجمهور.
... وعليه فالسنة عند الأحناف من حيث السند تنقسم إلى ثلاثة أقسام: (1) متواتر (2) مشهور (2) (3) آحاد (3) .
... والمشهور عند الأحناف يفيد علم الطمأنينة لا علم اليقين (4) ، وهذه المرتبة دون المتواتر (5) ، وفوق الآحاد.
وهو عندهم فى درجة المتواتر من حيث صلاحيته لبيان القرآن الكريم بكل أنواع البيان السابقة، بما فى ذلك الزيادة على القرآن فهى مقبولة عندهم بالاتفاق، ولكن الأحناف يعتبرون الزيادة نسخاً للنص القرآنى (6) وهم لا يرفعون الآحاد إلى هذه الدرجة فى علاقته بالقرآن الكريم.
__________
(1) انظر: مقارنة بين المشهور الحنفى، وخبر الآحاد عند الجمهور فى كتاب "هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا خبر الآحاد" للأستاذ مصطفى محمد سلامة ص 25 - 33.
(2) انظر: فى التعريف به والأمثلة له عند الأحناف، فى المصدر السابق ص25 - 33، 35.
(3) انظر: مقارنة بينة عند الأحناف، وعند الجمهور فى المصدر نفسه ص 48.
(4) انظر: هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا خبر الآحاد ص29 وقال الأستاذ مصطفى محمد سلامة وهذا قول عامة الحنفية، ولهذا قالوا إن جاحده فقط يضلل (المصدر السابق ص33،40) ، وانظر: أصول السرخسى 1/293، أما الجصاص فىجماعة من الحنفية فقالوا، إنه يفيد العلم اليقينى وجاحده كافر، المصدر السابق ص32،40.ورغم إجماع الحنفية علىحجية المشهور، إلا أن عيسىبن أبان، أبى إلا أن يشذ، فقال، هو حجة بشرط عدم مخالفته للقياس.انظر هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا ص32.
(5) انظر: الفرق بين المتواتر، والمشهور عند الأحناف، فى هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا ص 34.
(6) انظر: أصول السرخسى 2/82، والمعتمد فى أصول الفقه 2/426، والإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 3/155.(1/669)
ما يفيده خبر الآحاد من العلم عند الجمهور
... عرفنا فيما سبق أن الخبر المتواتر يفيد اليقين والقطع، فهو مقطوع بصحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فى نفس الوقت يوجد فى النفس العلم الضرورى بمضمون الخبر، فلا يحتاج بعد ذلك إلى نظر واستدلال.
... وهذا الرأى هو ما اتفق عليه العلماء جميعاً إلا من لا يعتد بخلافه. ولكن الخلاف جرى بين العلماء فى الحديث المقبول من الآحاد بأقسامه الثلاثة المشهور، والعزيز، والغريب، ومحل الخلاف بين العلماء هو: هل حديث الآحاد يفيد العلم أو الظن؟ وإذا كان يفيد العلم، فما هى الدرجة التى يفيدها؟ هل يفيد العلم القطعى أو النظرى؟
... للعلماء فى ذلك مذاهب شتى، نوجزها فيما يلى:
ذهب أكثر أهل العلم، وجمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والمالكية، والمعتزلة، والخوارج إلى أنه لا يفيد العلم مطلقاً أى سواء بقرينة، أو بغير قرينة (1) واختاره الإمام النووى حيث قال معقباً على ما قاله ابن الصلاح، ومن شايعه، بأنه يفيد العلم إذا احتفت به قرينة قال: "وخالفه المحققون والأكثرون" فقالوا: يفيد الظن (2) مالم يتواتر (3) .
ويتعقب الحافظ ابن حجر الإمام النووى، فيما ذهب إليه، فيقول: "ما ذكره النووى، مسلم من جهة الأكثرين، أما المحققون فلا، فقد وافق ابن الصلاح أيضاً محققون (4) ، وهم من أصحاب القول الثالث.
__________
(1) انظر: المستصفى 1/145، ودراسات أصولية فى السنة النبوية ص 169، وخبر الواحد فى السنة وأثره فى الفقه الإسلامى للدكتورة سهير رشاد مهنا ص23.
(2) سيأتى بيان مراد أئمة المسلمين بالظن، وكيف أساء فهمه أعداء السنة ليطعنوا به فى حجية خبر الواحد انظر ص 563 –566.
(3) تدريب الراوى 1/132.
(4) المصدر السابق 1/133.(1/670)
2- ذهب قوم من أهل الحديث إلى أنه يفيد العلم النظرى بنفسه سواء بقرينة، أو بغير قرينة، متى توافرت فيه شروط الصحة والقبول - من اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، وحكى هذا الرأى ابن الصباغ عن قوم من أهل الحديث (1) ، وبه قال الإمام ابن حزم فى الإحكام وقال: "وهو قول الحارث بن أسد المحاسبى، والحسين بن على الكرابيسى، وأبو الوليد سليمان بن خلف المالكى المعروف بالباجى. وعزاه لأحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه (2) ، وذكره ابن خويز منداد عن مالك بن أنس (3) ، وإن نازعه فيه المازرى بعدم وجود نص له فيه، وحكاه ابن حزم عن داود الظاهرى (4) ، وحكاه ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة عن الإمام الشافعى -رحمه الله- (5) .
3- وذهب بعض أهل الحديث، ومعهم بعض أهل الأصول والفقه، إلى أن خبر الآحاد إذا احتفت به قرينة خارجية تدل على مزيد من صحة ثبوت الخبر إلى من أخبر به، يفيد العلم النظرى اليقينى (6) .
__________
(1) تدريب الراوى 1/75.
(2) المصدر السابق 1/75، وانظر: الإحكام للآمدى 2/32، والبحر المحيط 4/262، وصحح الإمام ابن قيم الجوزية الرواية عن أحمد بأنه يفيد العلم، وضعف ما رواه الأثرم عن أحمد بخلاف ذلك. انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/533.
(3) الإحكام لابن حزم 1/106.
(4) تدريب الراوى 1/75.
(5) مختصر الصواعق المرسلة 2/528، 530.
(6) انظر: المحصول 2/141، والإحكام للآمدى 2/32، والبحر المحيط 4/265، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث للدكتور مصطفى التازى 2/52، ودراسات أصولية فى السنة ص 186.(1/671)
.. وبهذا الرأى قال ابن الصلاح ودافع عنه دفاعاً شديداً فى مقدمته، وبه قال جماعات من أئمة الأصول والفقه، منهم الآمدى (1) ، والسبكى (2) ، وابن الحاجب (3) ، واختاره المحققون من أهل الحديث منهم ابن حجر (4) ، وابن قيم الجوزية (5) ، وابن كثير وقال: "وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه، والله أعلم، ثم وقفت بعد هذا على كلام لشيخنا العلامة ابن تيمية، مضمونة: أنه نقل القطع بالحديث الذى تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة: منهم القاضى عبد الوهاب المالكى، والشيخ أبو حامد الإسفرائينى، والقاضى أبو الطيب الطبرى، والشيخ أبو إسحاق الشيرازى من الشافعية، وابن حامد، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب، وابن الزاغونى، وأمثالهم من الحنابلة، وشمس الأئمة السرخسى من الحنفية: قال:"وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم: كأبى إسحاق الإسفرائينى، وابن فورك.
__________
(1) الإحكام 2/32 وعزاه إلى النظام من المعتزلة، وكذا عزاه ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق 2/535، والسرخسى فى أصوله 1/330.
(2) الإبهاج فى شرح المنهاج 2/299.
(3) شرح عضد الملة والدين على مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/55.
(4) نزهة النظر ص 22.
(5) مختصر الصواعق المرسلة 2/523 - 563.(1/672)
قال وهو مذهب أهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة" (1) وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباطاً. فوافق فيه هؤلاء الأئمة" (2) .
... وانتصر لابن الصلاح أيضاً البلقينى فقال: "ما قاله النووى وابن عبد السلام، ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح" (3) ثم ذكر ما نقله ابن كثير عن شيخه ابن تيمية.
... ويمكن الجمع بين تلك المذاهب الثلاثة بما قاله الحافظ ابن حجر فى نزهة النظر قال: "والخلاف فى التحقيق لفظى، لأن من جوز إطلاق العلم قيده بكونه نظرياً، وهو الحاصل على الاستدلال بواسطة القرائن، ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر، وما عداه عنده كله ظنى بمعنى العلم أيضاً، كما فى قوله تعالى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (4) .أى ظننتموهن، فالعلم قد يطلق ويراد به الظن (5) وهم لا ينفون أن ما احتفت به القرائن أرجح مما خلا عنها" (6) .
وإليك بعض هذه القرائن التى تجعل خبر الآحاد مفيداً للعلم النظرى عند من يقول به:
__________
(1) ونص على ذلك أيضاً الإمام ابن دحية على ما سيأتى فى حجية خبر الواحد ووجوب العمل به، وانظر: الباعث الحثيث للشيخ أحمد محمد شاكر ص29، 30، والحديث حجة بنفسه فى العقائد والأحكام للألبانى ص57-60.
(2) وقال بذلك أيضاً أبو الحسن البصرى المعتزلى فى "المعتمد فى أصول الفقه" 2/84، ويشذ الشاذ عبد الجواد ياسين ويصف هذا بأنه مذهب فاسد". وانظر: السلطة فى الإسلام ص 258، وانظر: ما قاله حسن السقاف فى مقدمة كتاب ابن الجوزى دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ص55 وما بعدها.
(3) تدريب الراوى 1/132.
(4) جزء من الآية 10 من سورة الممتحنة.
(5) الإحكام للآمدى 2/32.
(6) نزهة النظر ص 22 بتصرف، وانظر: البحر المحيط 4/264، 266، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/53.(1/673)
1- إخراج الشيخين البخارى ومسلم للحديث فى صحيحهما، أو إخراج أحدهما له مما قام الإجماع على تسليم صحته بأن لم يعترض عليه أحد من الحفاظ. وذلك لجلالة قدر الشيخين، وثبوت أقدامهما فى هذا الشأن، وتقدمهما على غيرهما فى معرفة الخبر الصحيح وتمييزه عن غيره.
... ولتلقى الأمة لكتابيهما بالقبول اعتقاداً وعملاً، وهذا التلقى وحده أقوى فى إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، وممن صرح بأن هذه القرينة تجعل خبر الآحاد مفيداً للعلم النظرى، من سبق ذكرهم من الأئمة الأعلام الذين ذكرهم ابن كثير نقلاً عن شيخه ابن تيمية (1) ، وبهذه القرينة قال أيضاً الحافظ ابن حجر فى نزهة النظر (2) ، وزاد من القرائن على ما ذهب إليه ابن الصلاح ومن نقل عنهم.
2- شهرة الحديث عند علماء الحديث لمجيئه من طرق متعددة متباينة مع سلامتها من ضعف الرواة وخلوها من العلل القادحة، وممن صرح بأن هذه القرينة تجعل خبر الآحاد يفيد العلم النظرى أبو بكر بن فورك، وأبو منصور البغدادى وغيرهما.
3- تسلسل الخبر بالأئمة المتقنين، والحفاظ الضابطين، كالحديث الذى يرويه الإمام أحمد وغيره عن الإمام الشافعى، ويرويه الإمام الشافعى، وغيره عن الإمام مالك … إلخ.
__________
(1) مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/53، 54.
(2) نزهة النظر ص 22، وقال بذلك الأستاذ محمد رشيد رضا -رحمه الله -فى مجلة المنار وأيد ما قاله الحافظ ابن حجر، انظر: مجلة المنار المجلد 19/348، 349.(1/674)
.. فإن هذه القرينة تجعل خبر الآحاد مفيداً للعلم النظرى عند سامعه، وذلك لجلالة قدر هؤلاء الرواة للحديث من الأئمة الأعلام، والفقهاء العظام، إذ فى كل واحد منهم من الصفات اللائقة الموجبة لقبول خبره ما لا يوجد فى غيره، مما تجعل الواحد منهم أمة وحده، يقوم مقام العدد الكثير والجم الغفير (1) .
... والذى أرجحه من ذلك كله هو ما ذهب إليه ابن حزم، وابن الصلاح، وابن حجر، وغيرهم - من أن ما رواه الشيخان أو أحدهما أو ما احتفت به قرائن أخرى - كما ذكر ابن حجر أو ما استوفى شروط الصحة الخمسة، المتفق عليها بين علماء الأمة، مقطوع بصحته، ويفيد العلم النظرى.
وإلى ذلك ذهب الشيخ أحمد محمد شاكر-رحمه الله تعالى –: حيث يقول بعد أن استعرض آراء العلماء فى ذلك: "والحق الذى ترجحه الأدلة الصحيحة، ما ذهب إليه ابن حزم، ومن قال بقوله من أن الحديث الصحيح، مقطوع بصحته، ويفيد العلم اليقينى النظرى، سواء كان فى أحد الصحيحين أم فى غيرهما، وهذا العلم اليقينى نظرى برهانى، لا يحصل إلا للعالم المتبحر فى الحديث، العارف بأحوال الرواة والعلل (2) ، المميز بين صحيحه وسقيمه، وغثه وثمينة، وأصيله ودخيله، أما من ليس من أهل هذا الشأن، فإن هذه القرائن ولو كثرت، لا تفيدهم علماً، فمثلهم لا يعتد به فى هذا المقام، ولا تبنى عليه هنا الأحكام (3) .
__________
(1) مقاصد الحديث فى القديم والحديث2/54،55،وانظر: نزهة النظر ص 23، وعلم الحديث لابن تيمية ص155، وإرشاد الفحول1/212، 213، ودراسات أصولية فى السنة ص 177-181، وانظر: قرائن الشيعة فى إفادة خبر الواحد للعلم فى كتاب أصول الحديث للدكتور عبد الهادى الفضلى ص83-87.
(2) الباعث الحثيث ص 30، وانظر: المكانة العلمية لعبد الرزاق فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار 1/33 -42، مبحث: "إفادة خبر الواحد العلم".
(3) مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/55.(1/675)
.. يقول الشيخ أحمد محمد شاكر: "وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البلقينى ممن سبق ذكرهم من الأئمة الأعلام، وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك، وإلا فالأمة قد تلقت غيرهما من كتب السنة من السنن، والمسانيد والمصنفات، بالقبول، مع تصريح كل من الإمامين البخارى ومسلم بأنهما لم يستوعبا كل الصحيح فى صحيحهما.
... وهذا العلم اليقينى النظرى يبدو ظاهراً لكل من تبحر فى علم من العلوم وتيقنت نفسه بنظريته، واطمئن قلبه إليها، ودع عنك تفريق المتكلمين فى اصطلاحاتهم بين العلم والظن، فإنما يريدون بهما معنى غير ما نريد" (1) .
وبعد
إن الكلمة الفصل والأخيرة، فى كل مسألة علمية على أهلها، إذ لا ينبئك مثل خبير. وفى المثل: الخيل أعلم بفرسانها.
فالقول الفصل لأهل اللغة إذا كان المتعلق لغوياً، وللفقهاء إذا كانت المسألة فقهية، وللمحدثين إذا كان الكلام يتعلق بصحة الحديث، وهذه مسلمات لا يختلف فيها اثنان.
لهذا فإن معرفة كون الدليل قطعياً أو ظنياً من أحكام أهل الحديث، لمعرفتهم طرقه وتشعبها، ولا تعويل على غيرهم من المتكلمين والأصوليين، كما قال ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة (2) والله أعلم.
__________
(1) الباعث الحثيث ص 30، 31 بتصرف.
(2) انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/537، 561.(1/676)
ثانياً: حجية خبر الواحد ووجوب العمل به:
... اهتم علماء الإسلام فى القديم والحديث بالبحث فى مسألة وجوب العمل بخبر الواحد وصحة الاحتجاج به، فأطالوا فى شأنها، واعتنوا بتحقيقها، وما قيل فيها، وكل ما يتعلق بها - وما مر وما سيأتى -إلا نذر يسير من ذلك، فقد ألف فى هذه المسألة كثير من أهل الحديث، وأئمة الفقه، وأصحاب الأصول، فكتبوا فيها أبواباً مطولة، وفصولاً مطنبة، وكان أقدم من ألف فى ذلك فيما بلغنا أمامنا الشافعى - رحمه الله تعالى - حيث وضع باباً طويلاً فى كتابيه الأم (1) والرسالة (2) أجاد القول فيه وأحسن الرد على سائل يسأله الدليل على طلب العمل بخبر الواحد، كما كتب فى هذه المسألة أيضاً الإمام النووى فى شرحه على صحيح مسلم (3) ، والحافظ ابن حجر العسقلانى فى شرحه فتح البارى على صحيح البخارى (4) كما كتب غيرهما لا سيما أهل الأصول (5) فى كتبهم.
__________
(1) انظر: الأم 7/288.
(2) انظر: الرسالة، باب خبر الواحد ص 369 - 471 فقرات رقم 998 - 1308.
(3) انظر: صحيح مسلم (بشرح النووى) المقدمة، باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن 1/170
(4) انظر: فتح البارى، كتاب أخبار الأحاد 13/244 - 258.
(5) انظر: الإحكام للآمدى 2/30 - 70، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/299 – 348، والإحكام لابن حزم 1/95 – 143، والبحر المحيط 4/255 – 267، والمعتمد فى أصول الفقه 2/92-140، وأصول السرخسى 1/321، والمستصفى للغزالى 1/145 - 155، وفواتح الرحموت 2/121 وما بعدها، والبرهان للجوينى 1/222 وما بعدها، والمحصول للرازى 2/170 - 193، وإعلام الموقعين 1/31 وما بعدها، وإرشاد الفحول 1/207 - 232.(1/677)
.. وسر كل هذا الاهتمام بهذه المسألة وحكمته، أن هذه المسألة من أهم قواعد الدين وأشدها عند علماء المسلمين إذ ينبنى عليها معظم أحكام الشرع، ويتوقف على إثباتها كثير من معرفة الحلال والحرام، كما يترتب على إثباتها طلب العمل بالأوامر والنواهى النبوية التى لم يثبت أغلبها إلا عن طريق خبر الواحد" (1) .
... وإذا كان هناك خلاف بين العلماء فى الدرجة التى يفيدها خبر الواحد من علم أو ظن، فإن هذا الخلاف لم يوجد بين من يعتد بهم - فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، حتى من قال منهم بأن درجة خبر الآحاد الظن.
... فالذى عليه السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، وأصحاب الحديث، والفقه والأصول، أن خبر الواحد حجة من حجج الشرع يحتج به، ويلزم من بلغه العمل به، ولو لم يحتف بقرائن خارجية، تدل على تأكيد طلب العمل به، إذا كان هذا الخبر عند أهل الحديث مقبولاً، بأن تحققت فيه الشروط الخمسة المتفق عليها لصحة الحديث،من اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة (2) .
... وهاك بعض أقوال أهل العلم فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، متى صح.
قال شمس الأئمة السرخسى: "خبر الواحد حجة باعتبار أنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله حجة موجبة للعمل، ولكن امتنع بثبوت العلم به لشبهة فى النقل" (3) .
وقال أيضاً: "قال فقهاء الأمصار - رحمهم الله -، خبر الواحد حجة للعمل به فى أمر الدين، ولا يثبت به علم اليقين، وقال بعض من لا يعتد بقوله: خبر الواحد لا يكون حجة فى الدين أصلاً (4) .
__________
(1) مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/55، 56، وانظر: المدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدى مبحث (الآحاد هو المعول عليه فى الإسلام) ص 273.
(2) مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/56.
(3) أصول السرخسى 1/298.
(4) المصدر السابق 1/321.(1/678)
.. وقل ابن حزم: "القسم الثانى من الأخبار ما نقله الواحد عن الواحد، فهذا إذا اتصل برواية العدول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب العمل به، ووجب العلم بصحته أيضاً (1) .
... وقال أبو الحسين محمد بن على الطيب المعتزلى: "ذهب جل القائلين بأخبار الآحاد إلى قبول الخبر، وإن رواه واحد" (2) .
... وقال الإمام النووى: "الذى عليه جماهير المسلمين، من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء، وأصحاب الأصول: أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع، يلزم العمل بها، ويفيد الظن، ولا يفيد العلم، وأن وجوب العمل به، عرفناه بالشرع لا بالعقل" (3) .
... وقال الإمام ابن دحية (4) : "وعلى قبول خبر الواحد الصحابة والتابعون وفقهاء المسلمين، وجماعة أهل السنة يؤمنون بخبر الواحد، ويدينون به فى الاعتقادات" (5) أ. هـ.
__________
(1) الإحكام لابن حزم 1/106، 135.
(2) المعتمد فى أصول الفقه 2/138.
(3) انظر: المنهاج شرح مسلم، المقدمة، باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن 1/170.
(4) ابن دحية: هو أبو الخطاب، عمر بن الحسن أبو الخطاب بن دحية الأندلسى المحدث، يلقب بذى النسبين، نسبة إلى دحية الكلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى الحسين بن على رضي الله عنه. كان بصيراً بالحديث معتنياً به معروفاً بالضبط، له حظ وافر من اللغة. من مصنفاته: الابتهاج فى أحاديث المعراج، والعلم المشهور فى فضائل الأيام والشهور. وغير ذلك مات سنة 633هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 4/1420 رقم 1136، وطبقات الحفاظ للسيوطىص 501 رقم 1102، ولسان الميزان 5/163، رقم 6086، ووفيات الأعيان 3/448 رقم 497، وطبقات علماء الحديث لابن عبد الهادى 4/202 رقم 115.
(5) انظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج ص 78.(1/679)
.. وقال الحافظ ابن عبد البر: "والضرب الثانى من السنة خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد؛ فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة، ومنهم من يقول: إنه يوجب العلم والعمل جميعاً" (1) .
... ويقول الشيخ محمد الخضرى (2) :"إنه تواتر عن الصحابة فى وقائع لا تحصى، العمل بخبر الواحد، ومجموع هذه الوقائع تفيد إجماعهم على إيجاب العمل بأخبار الآحاد، وكثيراً ما كانوا يتركون آراءهم التى ظنوها باجتهادهم، إذا روى لهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" (3) .
وبعد
... فهذه بعض أقوال علماء المسلمين قديماً وحديثاً، وغيرها كثير، فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، أما الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة فهى متوافرة، وسنذكر بعضها بمشيئة الله تعالى، فى ردنا على شبهات من أنكروا حجية خبر الواحد.
... وإذا كان إجماع من يعتد به منعقد على كفر من رد حديثاً متواتراً انعقد الإجماع على تواتره، ولا يقولون بكفر من رد حديث آحاد لشك فى ثبوته، "فمما لا شك فيه أن من شك وطعن فى جميع أحاديث الآحاد ولم يأخذ بها يكون منكراً للسنة ويكفر" (4) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله 2/34.
(2) الخضرى: هو محمد بن عفيفى الباجورى، المعروف بالشيخ الخضرى، من علماء الشريعة، والأدب، وتاريخ الإسلام، مصرى، تخرج بمدرسة دار العلوم، من مصنفاته، أصول الفقه، وتاريخ التشريع الإسلامى. مات سنة 1345هـ. له ترجمة فى: الأعلام 7/151.
(3) أصول الفقه ص 280، وانظر: اختلافات المحدثين والفقهاء فى الحكم على الحديث للدكتور عبد الله شعبان على ص224-225.
(4) السنة المفترى عليها للمستشار سالم البهنساوى ص 161، وانظر: من نفس المصدر، مبحث "استحالة العمل بغير اعتقاد".(1/680)
المبحث الثالث: منكروا حجية خبر الواحد قديماً وحديثاً
استعراض شبههم والرد عليها
تمهيد:
... إذا كان علماء الأمة من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، اصطلحوا على تقسيم السنة باعتبار عدد الرواة فى كل طبقة إلى متواتر وآحاد، أو إلى متواتر ومشهور وآحاد كما قسم الأحناف، فإن هذه التقسيمات لم تكن فى عصر الصحابة أو التابعين، وإنما دعت الحاجة إلى هذا التقسيم بعد شيوع الفتن وبدء تمحيص السنة وتحديد مراتبها، وكان لهذا التقسيم آثاره بين جمهور الفقهاء فى تخصيصهم لعموم الكتاب، وتقييدهم لمطلقه، وتوضيحهم لمشكله بخبر الآحاد، خلافاً للأحناف الذين اشترطوا فى أنواع البيان السابقة، أن يكون الخبر فيها مشهوراً، على ما سبق تفصيله عند التعريف بالآحاد.
... وأهم أثر لتقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحاد هو فى أمر من رد الحديث، فمن أخذ باصطلاح المتواتر والآحاد - وهم أغلبية الفقهاء - لا يقولون بكفر من رد الأحاديث؛ لأنها ظنية الثبوت بينما يرون كفر من رد الأحاديث المتواترة.
... ومن قال: "إن التواتر والآحاد قطعى الثبوت يقولون بكفر من رد شيئاً من الأحاديث سواء كانت بطريق التواتر أو الآحاد" (1) .
... وقبل أن يصطلح علماء الأمة على التقسيم السابق، كان جميع أهل الإسلام على قبول خبر الواحد الثقة عن النبى صلى الله عليه وسلم، يجرى على ذلك كل فرقة فى علمها، كأهل السنة، والخوارج والشيعة، والقدرية (2) ، حتى بدأت فتنة التشكيك فى خبر الآحاد على أيدى متكلمى المعتزلة بعد القرن الثانى الهجرى، فعرفوا خبر الآحاد بأنه: ما لا يعلم كونه صدقاً ولا كذباً (3)
__________
(1) السنة المفترى عليها للمستشار سالم البهنساوى ص 139، 140، وانظر: البحر المحيط 4/266، ودراسات أصولية فى السنة ص 181.
(2) ورغم هذه الحقيقة يضلل أحمد حجازى، القارئ فى كتابه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى "بزعمه أن الصدر الأول للإسلام، وفيه كان الخوارج والشيعة … ولم تكن فيه سنة بأخبار آحاد!! " انظر: دفع الشبهات ص 64.
(3) شرح الأصول الخمسة ص 769.(1/681)
واشترطوا العدد فى الرواية كما فى الشهادة، فخالفوا الإجماع فى ذلك.
"وكان قصدهم من ذلك رد الأخبار وتعطيل الأحكام، وتلقف ما قالوه بعضُ الفقهاء الذين لم يكن لهم فى العلم قدمٌ ثابتة، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول" وبذلك صرح ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة (1) .
... ويدل على كل ما سبق ما قاله ابن حزم فى الإحكام، قال: "فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ويجرى على ذلك كل فرقة فى علمها، كأهل السنة، والخوارج، والشيعة، والقدرية، حتى حدَّث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع فى ذلك، ولقد كان عمرو بن عبيد (ت سنة 144هـ) يتدين بما يروى عن الحسن ويفتى به، هذا أمر لا يجهله من له أقل علم (2) .
... ويقول الحافظ أبو بكر الحازمى: "ولا أعلم أحداً من فرق الإسلام القائلين بقبول خبر الواحد اعتبر العدد سوى متأخرى المعتزلة، فإنهم قاسوا الرواية على الشهادة، واعتبروا فى الرواية ما اعتبروا فى الشهادة، وما مغزى هؤلاء إلا تعطيل الإحكام كما قال أبو حاتم ابن حبان" (3) .
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة 1/558، وما قاله ابن قيم الجوزية قاله شيخه ابن تيمية فى كتابه الفتاوى بمعناه قال: "كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له أو عملاً به، أنه يوجب العلم، وهذا الذى ذكره المصنفون فى أصول الفقه من أصحاب أبى حنيفة، ومالك، والشافعى، وأحمد، إلا فرقه قليلة من المتأخرين، اتبعوا فى ذلك طائفة من أهل الكلام"، انظر: مجموع الفتاوى13/351،وانظر: السنة المفترى عليها ص 166.
(2) الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 1/110، وحكاه الشاطبى عنهم فى الاعتصام 1/187.
(3) شروط الأئمة الخمسة ص 47. وراجع موقف المعتزلة من السنة ص 114-117.(1/682)
.. وطعن أيضاً فى خبر الواحد طوائف من الشيعة فذهبوا إلى أن خبر الواحد لا يكون حجة أصلاً فى الدين، فلا يوجب العلم ولا العمل، وينسب هذا الرأى إلى الشريف المرتضى (ت 436هـ) من الشيعة، فهو يقول: "لابد فى الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى العلم … ولذلك أبطلنا العمل بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علماً ولا عملاً، وأوجبنا أن يكون العمل تابعاً للعلم، لأن راوى خبر الواحد إذا كان عدلاً فغاية ما يقتضيه الظن بصدقه، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذباً (1) .
__________
(1) أصول الفقه للمظفر 1/70، نقلاً عن توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى للدكتور رفعت فوزى ص 90، وحكاه الرازى أيضاً عن المرتضى اختصاراً فى المحصول 2/188.(1/683)
وحكى هذا الرأى أيضاً الإمام الغزالى فى المستصفى عن جماهير القدرية، ومن تابعهم من أهل الظاهر كالقاسانى حيث ذهبوا إلى تحريم العمل بخبر الواحد سمعاً (1) ، وحكاه أيضاً الآمدى (2) ، عن القاسانى (3) والرافضة وابن داود (4) .
وبالجملة من مآخذ أهل البدع بالاستدلال نفى أخبار الآحاد جملة. والاقتصار على ما استحسنته عقولهم فى فهم القرآن (5) .
... وتابع هذه الفرق الضالة فى الطعن فى حجية خبر الآحاد من على شاكلتهم من أهل الزيغ والهوى فى عصرنا.
__________
(1) المستصفى من علم الأصول 1/148.
(2) الإحكام فى أصول الأحكام 1/48. وانظر البرهان فى أصول الفقه للجوينى 1/228، والتقرير والتحبير 2/272-275.
(3) القاسانى هو: أبو بكر محمد بن إسحاق القاسانى: نسبة إلى "قاسان" بلدة قريبة من "أصبهان" غالب أهلها من الروافض، وعامة العلماء يقولون "القاشانى" بالشين بالمعجمة، والصواب ما أثبتناه كما ضبطه ابن حجر فى "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" وكان القاسانى أحد أعلام أهل الظاهر، تتلمذ علىداود الظاهرى، وخالفه فى كثير من المسائل الأصولية من مؤلفاته "كتاب الرد على الداود الظاهرى فى إبطال القياس" توفى بعد الثلاثمائة للهجرة. له ترجمة فى: طبقات الفقهاء للشيرازى ص 176، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه 3/1147، والفهرست ص 357.
(4) ابن داود هو: محمد بن داود على بن خلف الظاهرى، كان فقيهاً، أديباً. مناظراً، شاعراً. له تصانيف كثيرة منها "الوصول إلى معرفة الأصول" واختلاف مسائل الصحابة و "الإنذار" و"الإعذار"توفى سنة 297هـ. له ترجمة فى: تاريخ بغداد 5/256 رقم 2750، والنجوم الزاهرة 3/171،وطبقات الفقهاء للشيرازى ص175،وشذرات الذهب2/226،والفهرست ص364.
(5) الاعتصام للشاطبى 1/187، وحكى ذلك أيضاً عنهم ابن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث ص 84 وما بعدها.(1/684)
فوجدنا منهم من يقول: "وجوب عدم الاعتداد بحديث الآحاد بالكلية إذ الأصل فيها الكذب والاستثناء هو الصدق (1) .
... ووجدنا من يقول: "الضرب الثانى من أفعاله وأقواله صلى الله عليه وسلم مما لم يصل إلى الناس بطريق التواتر المستفيض، فلا يستطيع عاقل أن يدخله فى دائرة الوحى الثابت ثبوتاً لا شك فيه، ومن ثم فهو ليس ضرورياً لقيام الدين (2) .
... ووجدنا من يقول: "فما يؤمنكم أن خبر الواحد ليس من يهودى مثل ابن سبأ؟ ورواية الواحد أوجدت فى الدين أموراً سيئة منها:
أولاً: التعارض فى المعنى والتعارض يحير الناس فى معرفة الحق.
ثانياً: أوجدت أحاديث الآحاد تفرقة واختلافاً فى صفوف المسلمين. إذ هى التى فرقتهم إلى سنيين، وشيعة، يضرب بعضهم رقاب بعض.وهى التىفرقتهم إلى السلف والخلف…فياأيها السلفيون: هذه نتائج أحاديث الآحاد فى المجتمعات الإسلامية وقد أمرنا الله تعالى بأن نحتاط للدين، وبأن نكون أمة واحدة، وبأن نسمع ونعقل.فابتعدوا عن أحاديث الآحاد" (3) .
استعراض شبه منكرى حجية خبر الواحد قديماً وحديثاً والرد عليها
__________
(1) قاله إسماعيل منصور فى كتابه تبصير الأمة بحقيقة السنة ص360، 652.
(2) قاله عبد الجواد ياسين فى كتابه السلطة فى الإسلام ص 246، 247.
(3) قاله أحمد حجازى السقا فى كتابه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 38-41، وانظر: ما قاله محمود أبو رية فى أضواء على السنة ص 41، 42، 279، 280، 363 وما بعدها. وما قاله جمال البنا فى كتابيه الأصلان ص 299، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 110 وغيرهم ممن سبق ذكرهم.(1/685)
.. أقوى ما شغب به من أنكر قبول خبر الواحد أن نزغ بقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1) وقالوا العمل بخبر الواحد اقتفاء لما ليس لنا به علم، وشهادة وقول بما لا نعلم. لأن العمل به موقوف على الظن قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (2) .
... وقالوا قد ذم الله من اتبع الظن، وبين أنه لا غناء له فى الحق. فكان على عمومه (3)
وبهذه الآيات وما فى معناها استدل أهل الزيغ والبدع قديماً (4) ، وتابعهم حديثاً أهل الزيغ والإلحاد ممن أنكروا حجية السنة كلها، واتخذوا الطعن فى خبر الواحد، وسيلة من وسائلهم؛ للتشكيك فى حجية السنة النبوية المطهرة (5) .
ومما استدل به المعتزلة فى رد خبر الواحد من الأحاديث والآثار:
__________
(1) الآية 36 من سورة الإسراء.
(2) الآية 28 من سورة النجم.
(3) المعتمد فى أصول الفقه 2/124، وانظر: المحصول للرازى 2/186، 192، 205، والإحكام للآمدى 2/35، وأصول السرخسى 1/321.
(4) حكاه عنهم أهل الأصول السابق ذكرهم فى الأماكن السابقة، وحكاه الإمام الشاطبى قائلاً: "وربما احتج طائفة من نابتة المبتدعة على رد الأحاديث بأنها إنما تفيد الظن، انظر: الاعتصام1/189.
(5) انظر: مجلة المنار المجلد 9/912 - 913 مقال "الإسلام هو القرآن وحده" للدكتور توفيق صدقى، وقرآن أم حديث ص 32، 55، والقرآن والحديث والإسلام ص 7 كلاهما لرشاد= =خليفة، وحد الردة ص92، وعذاب القبر ص 10، 16، 17، والصلاة فى القرآن ص 43 ثلاثهم لأحمد صبحى منصور، والأصلان العظيمان ص 297، 309، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 111 كلاهما لجمال البنا، ونقد الحديث فى علم الرواية والدراية للدكتور حسين الحاج حسين 1/522، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 285، وغيرهم ممن سبق ذكرهم فيمن أنكروا حجية السنة كلها.(1/686)
قصة ذى اليدين (1) ، وتوقف النبى صلى الله عليه وسلم فى خبره، حتى تابعه عليه غيره.
روى عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشيى. إما الظهر وإما العصر. فسلم فى ركعتين. ثم أتى جْذِعاً فى قِبْلَة المسجد فاستند إليه مُغْضَباً، وفى القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سَرَعَانُ النَّاسِ0 قُصِرَتِ الصلاةُ، فَقَامَ ذُو اليَدَيْنِ فقال: يا رسول الله! أَقْصِرَتِ الصلاةُ أم نَسِيتَ؟ فنظر النبى صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً. فقال: "ما يقول ذُو اليَدَيْنِ؟ " قالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين. فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع وسلم" (2) .
2- وقصة أبى بكر حين توقف فى خبر المغيرة بن شعبة، فى ميراث الجدة حتى تابعه محمد ابن سلمة.
__________
(1) ذُو اليَدَيْن: هو الخِرْبَاقُ بن عمرو السلمى، يقال له ذو اليدين، لأنه كان فى يديه طول، وقيل أنه كان قصير اليدين.وهو صحابى جليل: له ترجمة فى الإصابة: 1/489 رقم 2243، وتاريخ الصحابة لابن حبان ص91رقم389،والاستيعاب2/457رقم688،واسد الغابة2/162رقم1433.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء فى إجازة خبر الواحد الصدوق فى الأذان، والصلاة، والصوم، والفرائض، والأحكام 13/245 رقم 7250، ومسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد، باب السهو فى الصلاة والسجود له 3/66 رقم 573 واللفظ له.(1/687)
روى عن قُبيصة بن ذؤيب (1) رضي الله عنه قال: "جاءت الجدة إلى أبى بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال: مالك فى كتاب الله عز وجل من شئ، وما علمت لك فى سنة نبى الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فارجعى حتى اسأل الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن سلمة (2) فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تسأله ميراثها، فقال: مالك فى كتاب الله تعالى شئ، وما كان القضاء الذى قضى به إلا لغيرك، وما أنا بزائد فى الفرائض، ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها" (3) .
3- وقصة عمر رضي الله عنه وتوقفه فى خبر أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه فى الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه:
__________
(1) قُبيصة هو: قُبيصة بن ذؤيب الخزاعى الكعبى، أبو سعيد، من فقهاء أهل المدينة وعبادهم، من أولاد الصحابة، كان مولده يوم الفتح، وله رؤية مات سنة 86هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/26 رقم 5529، وتذكرة الحفاظ 1/60 رقم 47، والثقات للعجلى ص 388 رقم 1377، وطبقات الحفاظ ص 28 رقم 45، والثقات لابن حبان 5/317، والعبر 1/101.
(2) محمد بن مسلمة: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3/383 رقم 7822، وتاريخ الصحابة ص 226 رقم 1213، والاستيعاب 3/1377 رقم 2344، ومشاهير علماء الأمصار ص30 رقم 93، واسد الغابة 5/106 رقم 4768.
(3) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الفرائض، باب فى الجدة 3/121،122 رقم 2894 واللفظ له، والترمذى فى سننه كتاب الفرائض، باب ما جاء فى ميراث الجدة4/366رقم2101 قال أبوعيسى: وفى الباب عن بُرَيْدَةَ وهذا أحسن وهو أصح من حديث ابن عيينة.(1/688)
روى عن أبى سعيد قال: كنا فى مجلس عند أبى بن كعب (1) ، فأتى أبو موسى الأشعرى مُغْضَباً حتى وَقَفَ. فقال: أَنْشُدُكُمُ الله هل سمع أَحدٌ منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الاستئذانُ ثلاثٌ. فإن أذن لك وإلا فارجع" قال أُبىُّ بن كعب. وما ذاك؟ قال: أستأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاثَ مراتٍ. فلم يؤذن لى فرجعت. ثم جئْتُهُ اليوم فدخلت عليه، فأخبرته أنى جئت أمس فسلمت ثلاثاً ثم انصرفت، قال: قد سمعناك ونحن حينئذ على شُغْلٍ فَلَوْمَا استأذنتَ حتى يُؤْذَنَ لك؟ قال: استأذَنْتُ كما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فوالله لأوجعنَّ ظهرَكَ وبطنَكَ أو لَتَأْتِينَّ بمن يشهد لك على هذا. فقال أُبى بن كعب: فوالله! لا يقوم معك إلا أحدثنا سناً. قم. يا أبا سعيد فقمتُ حتى أتيتُ عُمرَ فقلتُ: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ هَذَا (2) .
__________
(1) أبى بن كعب: صحابى جليل له ترجمة فى اسد الغابة 1/168 رقم 34، والإصابة 1/19 رقم32، وتذكرة الحفاظ 1/17 رقم 6، ومشاهير علماء الأمصار ص 19 رقم 31، وتاريخ الصحابة ص 29 رقم 21. والاستيعاب 1/65 رقم 6.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاستئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثاً 11/28 رقم 6245، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الآداب، باب الاستئذان 7/387 رقم 2153.(1/689)
.. قالوا ففيما سبق بيان أن الصحابة كانوا لا يقبلون خبر الواحد، وكانوا يعتبرون لطمأنينة القلب عدد الشهادة كما كانوا يعتبرون لذلك صفة العدالة، ومن بالغ فى الاحتياط فقد اعتبر فى قبول الخبر أقصى عدد الشهادة أربع لأن ما دون ذلك محتمل للعلم (1) .
كما استشهد بعض خصوم السنة برد عمر خبر فاطمة بنت قيس فى المطلقة ثلاثاً، بأنه لا سكنى لها ولا نفقة لمخالفته لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2) .
... ورد عائشة - رضى الله عنها - لخبر عمر وابنه عبد الله - رضى الله عنهما - فى "تعذيب الميت ببعض بكاء أهله عليه" لمخالفته فى رأيها لقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3) . وغير ذلك مما استشهد به خصوم السنة، وسيأتى تخريجه والرد عليه فى الجواب عما اشترطوه لصحة قبول خبر الواحد.
الرد على شبه منكرى حجية خبر الآحاد
إن ما ذكره أهل الزيغ والابتداع قديماً من أدلة على عدم حجية خبر الواحد، وتبعهم فيها أهل الزيغ والهوى فى عصرنا، ما ذكروه من أدلة لا حجة لهم فيها، بل هو حجة لنا عليهم
__________
(1) انظر: المعتمد فى أصول الفقه 2/115، وأصول السرخسى 1/331، والمحصول للرازى 2/186، والإحكام للآمدى 2/35، 60، وتدريب الراوى 1/73.واستشهد بذلك حديثاً محمود أبو رية فى أضواء على السنة ص 57، 58، وأحمد أمين فى فجر الإسلام ص 210،= =وأحمد حجازى السقا فى دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 113، وجمال البنا فى كتابيه الأصلان العظيمان ص 299، 300، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 112، 113، وإسماعيل منصور فى تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 367 وغيرهم، وانظر: ما كتبه حسن السقاف فى تقديمه لكتاب ابن الجوزى دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ص 27-45.
(2) الآية 1 من سورة الطلاق.
(3) الآية 38 من سورة النجم.(1/690)
.. فما زعموه من أن العمل بخبر الواحد اقتفاء ما ليس لنا به علم استناداً إلى قول رب العزة {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1) .
فهذه الآية حجة لنا عليهم فى هذه المسألة، لأنا لم نقف ما ليس لنا به علم، بل قد صح لنا به العلم من انعقاد إجماع من يعتد به على حجية خبر الواحد ووجوب العمل به، والإجماع قاطع فاتباعه لا يكون اتباعاً لما ليس لنا به علم، ولا اتباعاً للظن (2) .
قال الشوكانى: "ولا نزاع فى أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم، لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه، وهكذا خبر الواحد إذ تلقته الأمة بالقبول … ومن هذا القسم أحاديث صحيحى البخارى ومسلم - رحمهما الله تعالى (3) - فسقط اعتراضهم بهذه الآية.
... أما ما ضلل به أهل الزيغ والهوى من ربط ظنية خبر الآحاد، بالظن الوارد فى قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} (4) وقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (5) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" (6) .
__________
(1) الآية 36 من سورة الإسراء.
(2) انظر: الإحكام للآمدى 1/35، 46، والإحكام لابن حزم 1/111.
(3) إرشاد الفحول للشوكانى 1/212، 213.
(4) الآية 23 من سورة النجم.
(5) الآية 28 من سورة النجم.
(6) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأدب، باب "يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" 10/499 رقم 6066، ومسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن، والتجسس، والتنافس، والتناجش وغيرها 8/361 رقم 2563 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.(1/691)
هذا الإطلاق والربط من أفرى، الفرى لأن الظن الوارد فى الآيات السابقة، والحديث الشريف وارد فى معرض ترك الحق الثابت باليقين، واتباع للهوى الذى لا دليل عليه، وليس كذلك الظن المنسوب إلى أحاديث الآحاد.
فإطلاق كلمة "الظن" على أحاديث الآحاد وهى فى حقيقتها أكثر السنة النبوية، وربطها بالمعنى الوارد فى الآيات السابقة، والحديث النبوى، وقول بعض الأئمة إن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن، ثم نتيجة هذا الربط بأن خبر الآحاد من أكذب الحديث ولا يغنى من الحق شيئاً هذا الربط ونتيجته ضلال مبين.
... يقول المستشار سالم البهنساوى: "وأعظم من ذلك تلقين أكثر مدرسى الفقه الإسلامى بالجامعات الإسلامية هذه الظنية فى نفوس الطلاب دون بيان حقيقة المراد بهذه الكلمة، مما يسر اقتناع الطلاب بالتيارات الإلحادية المنحرفة التى تشكك فى حجية السنة، أو ترد بعض الأحاديث الصحيحة فى العقائد أو المعاملات أو غير ذلك بحجة أن الحديث آحاد، والآحاد يفيد الظن، والظن لا يغنى من الحق شيئاً، ومن ثم تصبح هذه الأقوال جناية ضد السنة النبوية، لأنها خلت من بيان المقصود من هذه الظنية، وأنه لا أثر لها على حجية السنة، ووجوب العمل بها، فى العبادات والمعاملات والحدود … إلخ (1) .
... إن الظن الوارد فى هذه الآيات غير الظن الذى يتحدث عنه أهل الكلام، غير الظن الذى وصف به خبر الآحاد على لسان أئمة المسلمين من الفقهاء، والمحدثين، والأصوليين. وبالتالى من الخطأ البين حصر معنى الظن فيما استدلوا به.
__________
(1) السنة المفترى عليها للمستشار البهنساوى ص 148، 149، 155، 160 بتصرف.(1/692)
وإليك المراد بحقيقة هذه الكلمة عند علماء الأمة.
التعريف بالظن لغة واصطلاحاً:
... قال الفيروزابادى: "الظن التردد الراجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم (1) ، قال الأستاذ محمد رشيد رضا: وهو تعريف مأخوذ من اصطلاح علماء المعقول كالمناطقة والفلاسفة (2) ، ومثله قول الجرجانى: الظن الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، وقيل الظن أحد طرفى الشك بصفة الرجحان، ويستعمل فى اليقين والشك (3) ، وعلى هذا صار أهل الأصول فى تعريفهم للظن (4) .
... فمن استعمالاته فى اليقين قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} (5) وقال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} (6) . ويطلق اليقين على الظن كما فى قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (7) أى ظننتموهن.
"وليس معنى ذلك أن كل يقين ظن، وإنما المراد أن الظن على مراتب، منها ما يرادف اليقين، ومنها ما هو دونه فبينهما العموم والخصوص بإطلاق" (8) .
... فخبر الآحاد وإن كان ظنياً "بمعنى احتمال الخطا والوهم والكذب على الراوى" فإن هذا الاحتمال بعد التثبت والتأكد من عدالة الراوى، ومقابلة روايته بروايات أقرانه من المحدثين، يصبح الاحتمال بخطأه ووهمه - ضعيفاً - فيفيد الخبر العلم اليقينى، ولا سيما إذا احتفت به قرينة من القرائن السابق تفصيلها.
وحتى مع القول بأن خبر الواحد يفيد الظن الراجح بصدق الخبر، فإن هذا الظن يستند إلى أصل قطعى وهو القرآن الكريم.
__________
(1) القاموس المحيط 4/241، وانظر: مختار الصحاح ص 406.
(2) انظر: مجلة المنار المجلد 19/343.
(3) التعريفات ص 187 رقم 934، وانظر: كشاف اصطلاحات الفنون 4/939، 940.
(4) انظر: الإحكام للآمدى 1/31، والبحر المحيط للزركشى 1/74.
(5) جزء من الآية 249 من سورة البقرة.
(6) جزء من الآية 24 من سورة ص.
(7) جزء من الآية 10 من سورة الممتحنة.
(8) انظر: مجلة المنار المجلد 19/344.(1/693)
يقول الشاطبى: "وهذه هى الظنون المعمول بها فى الشريعة أينما وقعت، لأنها استندت إلى أصل معلوم، فهى من قبيل المعلوم جنسه ... فعلى كل تقدير: خبر واحد صح سنده فلابد من استناده إلى أصل فى الشريعة قطعى، فيجب قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقاً، كما أن ظنون الكفار غير مستندة إلى شئ فلابد من ردها (1) .
... يقول الدكتور السباعى: ثم إن الشرع الحنيف قد جاء بتخصيص القطعى بظنى، كما فى الشهادة على القتل والمال باثنين، مع أن حرمة المال والدم مقطوع بهما، وقد قبلت فيهما شهادة الاثنين وهى ظنية (2) .
أما قياسهم الرواية على الشهادة فى اعتبار العدد بحجة أن الرواية شرع عام والشهادة شرع خاص ولم يقبل فيها رواية الواحد، فلأن لا تقبل فى حق كل الأمة من باب أولى.
هذا الكلام منقوض بسائر الأمور التى هى معتبرة فى الشهادة لا فى الرواية كالحرية، والذكورية والبصر، وعدم القرابة" (3) ، وقد حرر الحافظ السيوطى فى التدريب الفرق بين الرواية والشهادة فيما يقرب من إحدى وعشرين فرقاً، فانظرها؛ فإنها مهمة (4) .
... ثم إن القول بظنية سنة الآحاد لا تنطبق على جميع السنة، بل على ما كان منها ضعيفاً أو الأحاديث التى حدث كلام فى صحتها، لاسيما وقد ذهب المحققون من أهل الحديث والأصول، والفقه، إلى إفادة الخبر العلم فيما تلقته الأمة بالقبول كأحاديث الصحيحين أو ما احتفت به قرينة من القرائن الخارجية السابق ذكرها.
__________
(1) الاعتصام 1/190، وانظر: الموافقات 3/14 وما بعدها.
(2) السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 152، وانظر: الإحكام للآمدى 2/62، والمحصول للرازى 2/193، والمدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص 313، 318، 320.
(3) المحصول للرازى 2/206، وانظر: الإحكام لابن حزم 1/111، 127.
(4) تدريب الراوى 1/331 - 334.(1/694)
.. وكذلك فإن الحكم على كون الدليل قطعياً أو ظنياً من الأمور النسبية: يقول ابن قيم الجوزية: "كون الدليل من الأمور الظنية أو القطعية أمر نسبى يختلف باختلاف المدرك المستدل، ليس هو صفة للدليل فى نفسه، فهذا أمر لا ينازعه فيه عاقل، فقد يكون قطعياً عند زيد، ما هو ظنى عند عمرو، فقولهم إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المتلقاة بين الأمة بالقبول لا تفيد العلم، بل هى ظنية هو إخبار عما عندهم، إذ لم يحصل لهم من الطرق التى استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم (1) . ولمعرفتهم بذلك فالكلمة الفصل والأخيرة فى المسألة لهم ولا تعويل على غيرهم كالمتكلمين.
ويقول الدكتور صالح أحمد رضا:"وأين الدليل على أن الله عز وجل منعنا بالعمل بالظن، وأمرنا دائماً وأبداً باليقين؟
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/576.(1/695)
إن الله تعالى لم يطالبنا إلا بالظن الذى يغلب صدقه، أما الوصول إلى اليقين القاطع الذى ليس معه أى احتمال، فهذا لا يطلب من الإنسان المسلم، إذ ليس فى مقدوره أن يصل إلى اليقين، ولهذا عندما تكلم العلماء عن القرآن الكريم قالوا: إن بعضه قطعى الثبوت قطعى الدلالة، وبعضه قطعى الثبوت ظنى الدلالة، وقد قال تعالى فى محكم كتابه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) فالراسخون فى العلم هم الذين يعودون بالمتشابه إلى المحكم، ويفهمون بذلك الجميع، ومن يطلع على علم أصول الفقه يتبين الفروق بين العموم والخصوص، ودلالات الألفاظ على المعانى ودرجة تلك الدلالة مما جرى فيه اختلاف العلماء فى كل زمان، وفهمهم من كتاب الله تعالى، مما يدل على أننا لسنا متعبدين باليقين ….
فقد أوجب الله تعالى علينا قبول قول شاهدين والعمل بمقتضى شهادتها فى إثبات الحقوق، والدماء، ولا شك أن خبر الشاهدين هو خبر آحاد ومع ذلك فخبرهما معتبر شرعاً (2) .
... أما ما استدلوا به من الأخبار والآثار المرفوعة والموقوفة على عدم حجية خبر الواحد فهو أيضاً حجة عليهم لا لهم.
لأن الأخبار والآثار السابقة قبلها من توقف فيها، بموافقة راوى آخر، ولم تبلغ بذلك رتبة التواتر، ولا خرجت عن رتبة الآحاد.
... فانضمام أبى بكر وعمر وغيرهما، مع خبر ذى اليدين عمل بخبر آحاد.
__________
(1) الآية 7 من سورة آل عمران.
(2) ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها للدكتور صالح أحمد رضا ص 58-60.(1/696)
وكذلك الحال فى قصة أبى بكر وعمر، فانضمام محمد بن مسلمة إلى المغيرة بن شعبة لم يجعل حديث الجدة ينتقل من خبر آحاد إلى خبر متواتر.
وكذلك انضمام أبى سعيد الخدرى إلى أبى موسى الأشعرى رضي الله عنهم لم ينقل الحديث إلى رتبة التواتر.
... قال الإمام الآمدى: "فعلم من ذلك أن ما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه لم يكن لعدم حجية خبر الآحاد عندهم، وإنما كان لأمور اقتضت ذلك من وجود معارض، أو فوات شرط؛ لا لعدم الاحتجاج بها فى جنسها، مع كونهم متفقين على العمل بها، ولهذا أجمعنا على أن ظواهر الكتاب والسنة حجة، وإن جاز تركها والتوقف فيها لأمور خارجة عنها (1) .
1- فتوقف النبى صلى الله عليه وسلم فى خبر ذى اليدين لتوهم غلطه لانفراده بذلك السؤال دون من صلى معه صلى الله عليه وسلم، مع كثرتهم، فاستبعد الرسول صلى الله عليه وسلم حفظه دونهم، فحيث وافقه الباقون على ذلك، ارتفع توهم غلط ذى اليدين، وعمل بموجب خبره، فلم يلزم من ذلك رد خبر الواحد مطلقاً" (2) .
... وهذه كتب الآثار طافحة بأمثلة عديدة تؤيد اعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم لخبر الواحد حجة فقد "بعث رسله واحداً واحداً إلى الملوك، ووفد عليه الآحاد من القبائل فأرسلهم إلى قبائلهم، وكانت الحجة قائمة بإخبارهم عنه صلى الله عليه وسلم مع عدم اشتراط التعدد (3) .
وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع" (4) .
وقل مثل ذلك فى قصة أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - فتوقف أبى بكر فى خبر المغيرة بن شعبة فى ميراث الجدة. هذا ليس منه مطرداً، فهو يريد مزيداً من التثبت والتحوط لا اتهاماً للمغيرة باعتباره راوياً فرداً، ولا طعناً فى حجية خبر الواحد.
__________
(1) الإحكام للآمدى 2/61.
(2) الإحكام للآمدى 1/62، وانظر: فتح البارى 13/250 رقم 7254 - 7260.
(3) تدريب الراوى 1/73.
(4) سبق تخريجه ص 34، 273.(1/697)
بدليل أنه قبل خبر عائشة وحدها فى أن النبى صلى الله عليه وسلم مات يوم الاثنين وقبل أيضاً خبرها وحدها فى قدر كفن النبى صلى الله عليه وسلم فعن عائشة - رضى الله عنها - قالت: "دخلت على أبى بكر رضي الله عنه فقال: فى كم كفنتم النبى صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فى ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص، ولا عمامة، وقال لها فى أى يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت يوم الاثنين. قال: فأى يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين. قال: أرجوا فيما بينى وبين الليل … الحديث" (1) .
3- وأما قصة عمر رضي الله عنه وتوقفه فى خبر أبى موسى فى الاستئذان، فإن أبا موسى أخبره بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه بعد الثلاث، وتوعده، فأراد التثبت خشية أن يكون دافع بذلك عن نفسه (2) . يدل على ذلك ما جاء فى إحدى طرق الحديث أن أبى ابن كعب قال لعمر:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك يا ابن الخطاب! فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمقال سبحان الله! إنما سمعت شيئاً. فأحببت أن أتثبت" (3) .
... وفى رواية:"والله إن كنت لأمينا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أحببت أن أتثبت (4) ،وفى رواية:"أما إنى لم أتهمك.ولكن خشيت أن يتقوَّل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)
وقد قبل عمر رضي الله عنه أخبار آحاد كثيرة دون توقف.
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجنائز، باب موت يوم الاثنين 3/297 رقم 1387
(2) انظر: تدريب الراوى 1/73، والرسالة للشافعى ص 433 فقرات رقم 1189، 1196.
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الآداب، باب الاستئذان 7/387 رقم 7254.
(4) انظر: فتح البارى 11/32 رقم 6245.
(5) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الاستئذان، باب الاستئذان 2/734 رقم 30، وانظر: شرح الزرقانى 4/425 - 427، والرسالة للشافعى ص 435، 436 فقرات رقم 1195 - 1200.(1/698)
فقد قبل خبر عبد الرحمن بن عوف وحده فى أخذ الجزية من المجوس. فيما روى عنه رضي الله عنه أنه ذكر المجوس، فقال: ما أدرى كيف أصنع فى أمرهم. فقال: عبد الرحمن ابن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" (1) .
2- ومر قبوله خبر الضحك بن سفيان فى توريث امرأة أشيم من دية زوجها (2) .
ومر حديث تناوبه هو وجار له من الأنصار فى سماع الوحى (3) . أ. هـ. والله أعلم.
أدلة حجية خبر الآحاد
... سبق وأن ذكرنا أن علماء المسلمين من أهل الحديث، وأئمة الفقه، وأصحاب الأصول - فى القديم والحديث - اهتموا بهذه المسألة وكتبوا فيها أبواباً مطولة وفصولاً مطنبة، وفصلوا فيها الأدلة المستمدة من القرآن، والسنة، وعمل الصحابة، والتابعين، على حجية خبر الآحاد ووجوب العمل به.
وخلاصة القول فى هذه الأدلة مسلكين على ما اختاره القاضى البيضاوى وعصبته كإمام الحرمين، والغزالى، والسبكى وولده، وفخر الدين الرازى، وغيرهم.
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب 6/297 رقمى 3156، 3157، وأخرجه مالك فى الموطأ كتاب الجزية، باب جزية أهل الكتاب والمجوس 1/233 رقم 42 واللفظ له، وانظر: الرسالة للشافعى ص431 رقم 1185.
(2) راجع: ص 316.
(3) راجع: ص 336.(1/699)
1- المسلك الأول: يستند إلى أمر متواتر، لا يتمارى فيه إلا جاحد، ولا يدرؤه إلا معاند، وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسل، ويحملهم تبليغ الأحكام، وتفاصيل الحلال والحرام، وربما كان يصحبهم الكتب، وكان نقلهم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الآحاد، ولم تكن العصمة لازمة لهم، فكان خبرهم فى مظنة الظنون، وجرى هذا مقطوعاً به، متواتراً لا اندفاع له، إلا بدفع التواتر، ولا يدفع المتواتر إلا مباهت (1) .
... إلا أن المعترضين على قبول خبر الواحد قد أثاروا شبهة حول هذا المسلك وذلك بقولهم: "إن إرسالهم "أى الرسل والمبعوثون" إنما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك" (2) .
... وقد تولى الإجابة عن هذه الشبهة الحافظ ابن حجر فبين أن هذا الاعتراض "مكابرة" لأن العلم حاصل بأن إرسال الأمراء كان لأعم من قبض الزكاة، وإبلاغ الأحكام، وغير ذلك، ولو لم يشتهر من ذلك إلا تأمير معاذ بن جبل رضي الله عنه وقوله له: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب. فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات فىيومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أَطَاعُوا بها، فخذ منهم وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ (3) . لو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه الغناء.
__________
(1) انظر: البرهان للجوينى 1/228، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/307، 308، والمستصفى 1/151، 152، والمحصول للرازى 2/180.
(2) القائل ذلك أبو الحسين البصرى المعتزلى فى المعتمد 2/121، 122.
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب بعث أبى موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع 7/661 رقم 4347، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/228 رقم 19.(1/700)
مع العلم أن "الأخبار طافحة بأن أهل كل بلد منهم، كانوا يتحاكمون إلى الذى أمر عليهم، ويقبلون خبره، ويعتمدون عليه من غير التفات إلى قرينة" (1) .
... وقديماً استدل الإمام الشافعى بهذا المسلك فى الرسالة فقال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه وعلى كل سرية واحد، وبعث رسله إلى الملوك إلى كل ملك واحداً، ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهى فلم يكن أحد من ولاته يترك إنفاذ أمره، وكذا كان الخلفاء من بعده (2) . وبهذا المسلك أيضاً استدل الإمام البخارى فى صحيحه فى كتاب إخبار الآحاد باب ما كان يبعث النبى صلى الله عليه وسلم من الأمراء والرسل واحداً بعد واحد (3) . وقال ابن عباس: بعث النبى صلى الله عليه وسلم دحية الكلبى (4) بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر (5) .
... والأمثلة على أمراء السرايا والبعوث، وأمراء البلاد، ورسله إلى الملوك، كتب السير والتاريخ، ودواوين السنة زاخرة بها (6) .
__________
(1) انظر: فتح البارى 13/247، 248 رقم 7258 - 7260.
(2) الرسالة ص 412 - 419 فقرات رقم 1228، 1145 - 1147، 1151، وانظر: فتح البارى 13/254 رقمى 7264 - 7265.
(3) انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) 13/254.
(4) دحية الكلبى صحابى جليل له ترجمة فى: الاستيعاب 2/461 رقم 701، واسد الغابة 2/197 رقم 1507، والإصابة 1/473 رقم 2395، ومشاهير علماء الأمصار 72 رقم 380، وتاريخ الصحابة 94 رقم 404.
(5) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى 1/42، 43 رقم 7.
(6) انظر: فتح البارى 13/254، 255 رقمى 7264-7265، وطبقات ابن سعد1/16 وما بعدها، وزاد المعاد 3/595 - 697، وسيرة ابن هشام 4/600، 606، 607 - 650.(1/701)
2- المسلك الثانى: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد، وذلك فى وقائع شتى لا تنحصر، وآحادها إن لم تتواتر فالمجموع منها متواتر، ولو أردنا استيعابها لطالت الأنفاس وانتهى القرطاس، فلا وجه لتعدادها إذ نحن على قطع بالقدر المشترك منها وهو رجوع الصحابة إلى خبر الواحد إذا نزلت بهم المعضلات، واستكشافهم عن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم عند وقوع الحادثات، وإذا روى لهم تسرعوا إلى العمل به (1) ، فهذا ما لا سبيل إلى جحده ولا إلى حصر الأمر فيه (2) .
... وعلى ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم "أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت حجية خبر الواحد، والانتهاء إليه فى وجوب العمل به" (3) .
__________
(1) راجع: ص316 وما بعدها، وانظر: الرسالة للشافعى ص422-431فقرات رقم1161-1183.
(2) الإبهاج فى شرح المنهاج 2/306، وانظر: البرهان للجوينى1/229،والمستصفى1/148–150، والمحصول 2/180، والرسالة ص 420 فقرة رقم 1157، والتقرير والتحبير 2/272-275.
(3) انظر: الرسالة ص 457 رقم 1248.(1/702)
.. وفى كتاب الله عز وجل، أدلة لا حصر لها تدل على: صحة المسلكين السابقين. ففى القرآن الكريم قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} (1) . وقال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (2) . وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (3) . وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إنا إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} (4) . وقال عز وجل {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (5) . فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر إبلاغ الشريعة إلى الكل ضرورة، لتعذر خطاب جميع الناس شفاها، وكذا تعذر إرسال عدد التواتر إليهم، وهو مسلك جيد (6) ، ينضم إلى المسلكين السابقين وبه قال الإمام الشافعى فى الرسالة (7) .
وقال الإمام الشافعى بعد ذكره قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} (8) . قال: فظاهر الحجج عليهم باثنين ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة فى التأكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد إذ أعطاه الله ما يُباين به الخلق غير النبيين" (9) .
__________
(1) الآية الأولى من سورة نوح.
(2) الآية 65من سورة الأعراف.
(3) الآية 72 من سورة الأعراف.
(4) الآية 163 من سورة النساء.
(5) الآية 20 من سورة يس.
(6) انظر: فتح البارى 13/248 رقم 7258 - 7260.
(7) الرسالة ص 435 فقرة رقم 1201.
(8) الآيتان 13، 14 من سورة يس
(9) الرسالة ص 437 فقرة رقم 1213.(1/703)
وبالجملة فكل خبر واحد فى القرآن الكريم، وفى السنة المطهرة، يشهد بحجية خبر الواحد ووجوب العمل به (1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) انظر: ما استدل به ابن قيم الجوزية على ذلك فى مختصر الصواعق المرسلة 2/550-558، وانظر: الإحكام لابن حزم 1/115، والمدخل إلى السنة لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدى ص284، 286.(1/704)
المبحث الرابع شروط حجية خبر الواحد ووجوب العمل به عند المحدثين والرد على شروط المعتزلة ومن قال بقولهم قديماً وحديثاً
شروط حجية خبر الواحد عند المحدثين:
... اتفق أهل الحديث أجمع على: أنه يشترط لصحة الحديث، وحجيته، ووجوب العمل به خمسة شروط: (1) اتصال السند (2) عدالة الراوى (3) ضبط الراوى (4) عدم الشذوذ (5) عدم العلة.
... يقول ابن الصلاح: "أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل اسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً" (1) أهـ.
والشرطان الآخران (عدم الشذوذ، وعدم العلة) من الشروط المعتبرة فى صحة المتن عند المحدثين، ولم يصرح بهما أئمة الفقه والأصول، لأن أكثر العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء، فنراهم يأخذون بالحديث. وإن كان فيه بعض كلام للمحدثين بناء على أصولهم التى أصلوها وقواعدهم التى ارتضوها (2) .
__________
(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص15، 16.
(2) والتى منها أن الفقيه قد يعلم صحة الحديث إذا لم يكن فى سنده كذاب بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به- كما يذهبون إلى صحة الحديث إذا تلقاه الناس بالقبول، وإن لم يكن له إسناد صحيح، كما قال ابن عبد البر فى حديث البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتتة) انظر: تدريب الراوى1/67، 68، والأجوبة الفاضلة 228- 237، وانظر: ما قيل فى حديث البحر من علل والجواب عنها فى نيل الأوطار 1/14، وانظر: اختلافات المحدثين والفقهاء فى الحكم على الحديث للدكتور عبد الله شعبان على ص 218-221.(1/705)
.. قال الحافظ السيوطى فى التدريب: "قال العراقى (1) : وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد فى الإقتراح: إن أصحاب الحديث زادوا ذلك فى حد الصحيح قال: وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإن كثيراً من العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء.
... قال الحافظ العراقى: والجواب أن من يصنف فى علم الحديث؛ إنما يذكر الحديث عند أهله لا عند غيرهم من أهل علم آخر، وكون الفقهاء، والأصوليين، لا يشترطون فى الصحيح هذين الشرطين (2) ؛ لا يغير الحد عند من يشترطهما (3) .
ولذلك قال ابن الصلاح بعد أن حد تعريف الحديث الصحيح فى الشروط الخمسة السابقة قال: "فهذا هو الحديث الذى يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث" (4) .
وهذه الشروط كافية ومطمئنة للتأكد من ثبوت نسبة الحديث إلى قائله، سواء كان الحديث مرفوعاً أو موقوفاً أو مقطوعاً.
__________
(1) العراقى هو: الحافظ الإمام الكبير، أبو الفضل، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقى، من أئمة المسلمين، وحفاظ الحديث، له مؤلفات كثيرة منها "الألفية" فى علوم الحديث و"نكت ابن الصلاح" و"المراسيل" وغير ذلك مات سنة 806هـ له ترجمة فى طبقات الحفاظ للسيوطى ص543 رقم 1175، وحسن المحاضرة 1/360 وإنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر 2/275، وشذرات الذهب 7/55.
(2) تعرض أئمة الأصول لهذين الشرطين بمصطلحهم فى مباحث (ضبط المتن) كما فى أصول السرخسى1/355،وفى المحصول للرازى2/210بعنوان (البحث فى الأمور العائدة إلى المخبر عنه)
(3) تدريب الراوى 1/64، 65.
(4) علوم الحديث لابن الصلاح ص16.(1/706)
يقول فضيلة الدكتور محمد أبو شهبة –رحمه الله تعالى-: على أنه لا ينبغى أن يغيب عن ذهن القارئ الفطن أن الرواية فى الإسلام بشروطها من اتصال الأسانيد، ونقل العدول الضابطين، عن مثلهم إلى آخر السند، والحفظ واليقظة وعدم الغفلة، ضمانات كافية لترجيح الصدق والصواب، ترجيحاً قوياً على الكذب والخطأ، وترجيح الحفظ والضبط على جانب الغفلة والسهو (1) .
... هذا وهناك شروطاً أخرى مختلف فيها، بعضها أجاب عنها العلماء بأنها داخلة فى نفس الشروط الخمسة السابقة، من ذلك اشتراط أن يكون الراوى مشهوراً بطلب الحديث، واشتراط أن يكون الراوى معروفاً بالفهم والمعرفة والمذاكرة، وكثرة السماع.
وأجاب عن ذلك الحافظ ابن حجر: بأن اشتراط شهرة الطلب يغنى عنها شرط ضبط الراوى، واشتراط أن يكون معروفاً بالفهم والمعرفة يغنى عن ذلك شرط عدم العلة؛ لأن العلة لا تعرف إلا بما ذكر من الفهم والمعرفة والمذاكرة وغيرهما (2) .
... وهناك شروطاً أخرى اشترطها بعض الأئمة، ولم يتفق عليها جمهور الفقهاء، والمحدثين، وأصحاب الأصول. من ذلك اشتراط فقه الراوى.
وأجاب عن ذلك الرازى فى المحصول بقوله: "لا يشترط كون الراوى فقهياً سواء كانت روايته موافقة للقياس، أو مخالفة له: خلافاً لأبى حنيفة – رحمه الله – فيما يخالف القياس، ولنا الحجة فى ذلك من الكتاب، والسنة، والعقل.
... أما الكتاب: فقوله تعالى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} (3) . فوجب أن لا يجب التبين فى غير الفاسق، سواء كان عالماً أو جاهلاً.
...
__________
(1) الإسراء والمعراج لفضيلة الدكتور أبو شهبة ص 21، وانظر: المدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الدكتور عبد المهدى ص 300، مبحث (شروط المحدثين مطمئنة)
(2) تدريب الراوى 1/70.
(3) جزء من الآية 6 من سورة الحجرات.(1/707)
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً، فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه" (1) .
... وأما العقل: فهو أن خبر العدل يفيد ظن الصدق؛ فوجب العمل به، لما تقدم من أن العمل بالظن واجب" (2) .
وهناك شروطاً أخرى اشترطها بعض فقهاء الأحناف والمالكية لحجية خبر الواحد ووجوب العمل به.
ويهمنا هنا من هذه الشروط، الشروط المشتركة بين المعتزلة والأحناف، والتى قال بها بعضهم متأثراً بالمعتزلة.
وكانت تلك الشروط وسيلة من وسائل أهل الزيغ والهوى فى الطعن فى حجية السنة عامة، وفى حجية خبر الآحاد خاصة.
ومن هنا وجب التنويه على ذلك، وبيان أشهر تلك الشروط المختلف فيها، والتى خالف فيها المعتزلة ومن تأثر بهم، جمهور علماء الأمة من المحدثين والفقهاء والأصوليين، بل وناقضوا أنفسهم بالعمل بخلاف ما اشترطوا!!
شروط المعتزلة لصحة خبر الواحد:
من هذه الشروط ما اشترطه متأخروا المعتزلة من العدد فى الرواية كما فى الشهادة، وكانوا أول من اشترطوا ذلك مخالفين كل فرقة فى علمها من السنة والخوارج والشيعة والقدرية كما قال ابن حزم، وأبو بكر الحازمى وغيرهما، وكان غرضهم من ذلك، رد الأخبار وتعطيل العمل بخبر الآحاد كما جزم بذلك الأئمة الحازمى، وابن قيم، وعبد القادر البغدادى، وقلدهم فى ذلك الشرط بعض الفقهاء (3) ، ولم يقفوا على مقصودهم من ذلك كما سبق من قول الإمام ابن قيم الجوزية.
واشترطوا أيضاً لصحة قبول خبر الواحد ألا يخالف ظاهر كتاب الله عز وجل فإذا ورد مخالفاً له؛ كان دليلاً على عدم صحته، وعلى الزيافة فيه كما يعبر السرخسى (4) .
__________
(1) سبق تخريجه ص 34، 273.
(2) المحصول 2/208.
(3) انظر: شرح الأصول ص769، وأصول السرخسى 1/313.
(4) أصول السرخسى 1/365، وراجع: موقف المعتزلة من السنة ص(1/708)
واشترطوا ألا يكون خبر الواحد زائداً عن النص القرآنى، وإلا كان نسخاً، ولا يثبت نسخ ما يوجب علم اليقين إلا بمثل ما يوجب علم اليقين من متواتر أو مشهور، أما آحاد فلا (1)
واشترطوا ألا يكون فى الحدود؛ لأنها تسقط بالشبهة، وخبر الواحد يحتمل أن راويه كذب أوسها أو أخطأ، فكان ذلك شبهه فى درء الحد. وهو قول الكَرْخِى (2) من الحنفية، وأبى عبد الله البصرى المعتزلى (3) فى أحد قوليه (4) .
__________
(1) أصول السرخسى 1/292، وانظر: أعلام الموقعين 2/289، والاعتصام 2/558 وما بعدها.
(2) الكَرْخِى هو: عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم، أبو الحسن الكرخى الحنفى، كان شيخ الحنفية بالعراق. من مؤلفاته "المختصر" و"شرح الجامع الكبير" و"شرح الجامع الصغير". توفى سنة340هـ له ترجمة فى شذرات الذهب2/358،وتاج التراجم فى طبقات الحنفية لابن قطلوبغا ص39، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 130، وتاريخ بغداد 10/353 رقم 5507، ولسان الميزان 4/528 رقم 5442.
(3) البصرى هو: الحسين بن على، أبو عبد الله البصرى الحنفى، شيخ المتكلمين، وأحد شيوخ المعتزلة توفى سنة 369. له ترجمة فى تاريخ بغداد 8/73 رقم 4153، والفوائد البهية فى تراجم الحنفية للكنوىص67،وطبقات المفسرين للداودى1/159 رقم151،وطبقات المعتزلة لابن لمرتضى ص105، ولسان الميزان 2/559 رقم 2797.
(4) المعتمد فى أصول الفقه 2/96، 98، وفواتح الرحموت 2/136، والبحر المحيط 4/348، وإرشاد الفحول 1/231، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/578.(1/709)
واشترطوا ألا يكون فى العقائد. لأن خبر الواحد ظنى، والعقيدة قطعية. وهو قول السرخسى الحنفى، وأبى الحسين البصرى المعتزلى، وطوائف من أهل الكلام (1) .
واشترطوا ألا يثبت به حكم شرعى (فخبر الواحد لا يثبت به فرض ولا تحريم) ، وهو قول السرخسى من الحنفية، وأبى الحسين البصرى من المعتزلة (2) .
... تلك هى أشهر الشروط التى اشترطها المعتزلة، وقال بها بعض فقهاء الأحناف متأثرين بهم، والسرفى هذا التأثر يبدو طبيعياً فى نشأتهم فى بغداد، بيئة المعتزلة، وغيرهم من الفرق التى كانت مصدراً للفتن والحركات الثورية فى العالم الإسلامى.
__________
(1) أصول السرخسى 1/322، والمعتمد فى أصول الفقه 2/102، 549 ومختصر الصواعق المرسلة 2/586، وشرح الأصول الخمسة ص 769، والمختصر فى أصول الدين للقاضى عبد الجبار= =ضمن رسائل العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة 1/268، والنص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص 335، وراجع إن شئت موقف المعتزلة من السنة ص 120، 121، هذا وتأثر فضيلة الشيخ شلتوت –رحمه الله – بهذا الشرط وبالغ بحكايته الإجماع إذ يقول: "إن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة، ولا يصح الإعتماد عليها فى شأن المغيبات، قول مجمع عليه، وثابت بحكم الضرورة العقلية التى لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء!! " انظر: الإسلام عقيدة وشريعة ص61. وهو مما حكاه أيضاً محمود أبو رية قائلاً: "ومما اتفق عليه جميع النظار أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها فى العقائد مهما قويت أسانيدها وتعددت طرقها"، انظر: أضواء على السنة ص24.
(2) أصول السرخسى 1/334، 335، والمعتمد فى أصول الفقه 2/97، 98 وأصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص116. وقال بهذا الشرط فضيلة الشيخ محمد الغزالى –رحمه الله- فى قوله: "إن خبر الواحد لا ينهض على إثبات حرمة أو إثبات فريضة) ، أنظر: مائة سؤال عن الإسلام 1/249.(1/710)
.. ويفصح لنا الإمام الزركشى (1) عن سر اشتراط الأحناف للشروط السابقة وغيرها بقوله: "قال الأستاذ أبو منصور عبد القادر البغدادى: وهذه أصول مهدوها من أجل أخبار احتج بها أصحابنا عليهم فى مواضع عجزوا عن دفعها فردوها من هذه الوجوه التى ذكرنا. وقالوا بأمثالها فى الضعف مع مخالفتها للقرآن الكريم" (2) .
... قلت: وهذا هو السر أيضاً فى اشتراط الشروط السابقة من المعتزلة، فقد أرادوا بها محاجة خصومهم من أهل السنة. وإلا (فلو أنصف أهل الفرق من الأمة لأقروا بحجية خبر الواحد ووجوب العمل به. فإنك تراهم مع اختلافهم فى طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بخبر الواحد.
ترى أصحاب القدر يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوَّدانِهِ، ويُنَصِّرَانِهِ، ويُشَرِّكَانِهِ" (3) .
__________
(1) الزركشى هو: محمد بن بهادر بن عبد الله، أبو عبد الله الزركشى، الشافعى، الفقيه الأصولى المحدث، من مؤلفاته "البحر المحيط" و"شرح جمع الجوامع" توفى سنة794هـ له ترجمة فى شذرات الذهب 6/335، والفتح المبين فى طبقات الأصوليين لعبد الله مصطفى المراغى 2/209.
(2) البحر المحيط 4/349.
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبى فمات هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبى الإسلام 3/260 رقمى 1358، 1359، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار، وأطفال المسلمين 8/458 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.(1/711)
.. وبقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث القدسى: "… وإنى خلقت عبادى حنفاء. كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين؛ فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطاناً" (1) .
... وترى أهل الإرجاء يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك؛ إلا دخل الجنة- قيل: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق" (2) .
وترى الرافضة يحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليردن على الحوض رجال ممن صاحبنى. حتى إذا رأتيهم ورفعوا إلى، اختلجوا دونى. فلأقولن: أى رب أصيحابى. أصيحابى. فليقالن لى: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك" (3) .
__________
(1) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار 9/214 رقم 2865 من حديث عِيَاضِ بن حَمارَ المُجَاشِعِىِّ رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجنائز، باب فى الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله 3/132 رقم 1237، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار 1/370 رقم 94 من حديث أبى هريرةرضي الله عنه.
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب إثبات حوض النبى صلى الله عليه وسلم وصفاته 8/66 رقم 2304 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.(1/712)
وترى الخوارج يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم، فسوق، وقتاله، كفر" (1) . وبقوله: "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن" (2) . إلى غير ذلك من الأحاديث التى يستدل بها أهل الفرق، وهى كلها خبر آحاد (3) .
... إن الشروط التى اشترطها بعض فقهاء الأحناف والمالكية لقبول خبر الآحاد، وبالأخص الشروط التى اشترطها المعتزلة، وتأثر بها بعض الأحناف والتى سبق ذكرها؛ اتخذها أهل الزيغ والهوى وسيلة للتشكيك فى حجية السنة المطهرة عامة، وخبر الآحاد خاصة (4) .
ووجدنا بعضهم فى عصرنا يردد الشروط السابقة بأشد التعبيرات وأوسعها فى المعنى.
فوجدنا من يقطع بأن: أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها فى العقائد مهما قويت أسانيدها وتعددت طرقها (5) .
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر 1/135 رقم 48، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان قول النبىصلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر 1/330 رقم 64 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المظالم، باب النهى بغير إذن صاحبة5/143رقم2475، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الايمان، باب بيان نقصان الايمان بالمعاصى، ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفى كماله 1/317 رقم 57 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(3) مختصر الصواعق المرسلة 2/558، 559.
(4) انظر: أصول الفقه المحمدى لشاخت الفصل الرابع (الأحاديث فى مدارس الفقه القديمة – ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة الإسلامية بليبيا العدد 11 ص671- 687. وانظر: أضواء على السنة محمود أبو رية ص365، 369-398، والأصلان العظيمان ص297، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص96، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص363 وغيرهم.
(5) انظر: أضواء على السنة لمحمود أبو رية ص24.(1/713)
ووجدنا من يقول: إن كل مسلم يبنى عقيدته على دليل ظنى؛ يكون قد ارتكب جرماً وإثماً
ووجدنا من يقول: إن أحاديث الآحاد لا تصلح فى العقوبات لخطورتها.
ووجدنا من يقول: إن خبر الآحاد لا يصلح فى الأمور الدستورية والسياسية لأهميتها (1)
ووجدنا من يقول: إن أحاديث سنة (الآحاد) لا يعمل به فى الأمور الاعتقادية، فلا يعتبر ما ورد فيه فرضاً دينياً، أو واجباً دينياً، بل يؤخذ به فى أمور الحياة على سبيل الاستئناس والإسترشاد (2) .
... ومما هو جدير بالذكر: أن الإمام الشافعى قد أفاض فى مناقشة شروط الأحناف والمالكية، وفندها فى كتابيه (الأم) و (الرسالة) .
ومن مهارة الإمام فى دفاعه وتفنيده حجج الأحناف والمالكية فيما اشترطوه من شروط زائدة على ما اشترطه أهل الحديث- لصحة خبر الواحد طعن اعداء الإسلام فى دفاع الإمام الشافعى وعابوه.
__________
(1) كالدكتور عبد الحميد متولى فى كتابه مبادئ نظام الحكم فى الإسلام، والدكتور محمد سعاد، وغيرهم. انظر: مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية للمستشار الدكتور على جريشة، وانظر: السنة المفترى عليها للمستشار البهنساوى ص154، 341، 358، 359.
(2) حقيقة الحجاب وحجية الحديث ص95، 105، والربا والفائدة فى الإسلام ص8 كلاهما لسعيد العشماوى، وانظر: أضواء على السنة لمحمود أبو ريه ص378 والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص150، وتبصير الأمة بحقيقة السنة لإسماعيل منصور ص369 وغيرهم.(1/714)
وممن سلك هذا المسلك جوزيف شاخت فى الثلاثة فصول الأولى من كتابه (أصول الفقه المحمدى) (1) وتابعه نصر أبو زيد فى كتابه (الإمام الشافعى وتأسيس الايديلوجية الوسطية) (2) ، وجمال البنا فى كتابيه الأصلان (3) ، والسنة ودورها فى الفقه الجديد (4) ، وإسماعيل منصور فى تبصير الأمة بحقيقة السنة (5) ، ومحمد شحرور فى الدولة والمجتمع (6) وغيرهم
__________
(1) انظر: الفصل الأول منه بعنوان (النظرة التقليدية للفقه الإسلامى) والفصل الثانى بعنوان (مدارس الفقه القديمة وموقف الشافعى منها) ، والفصل الثالث بعنوان "الشافعى والأحاديث الفقهية" وغير ذلك فى أماكن متفرقة من كتابه. ترجمه الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 11 ص648 – 667.
(2) انظر: الإمام الشافعى وتأسيس الإيديلوجية الوسطية ص 5-146.
(3) انظر: الأصلان العظيمان ص298-299.
(4) انظر: السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 15، 61، 96.
(5) انظر: تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 375.
(6) انظر: الدولة والمجتمع ص 235.(1/715)
.. والحق: أن الإمام الشافعى لم يكن وحده فى الميدان يدافع عن رأى جمهور علماء الأمة ضد شروط الأحناف والمالكية، وإنما كان هناك غيره على ما حكاه الإمام ابن أبى حاتم الرازى فى كتابه آداب الشافعى (1) ، إلا أنه -رحمه الله- أفاض فى الدفاع أكثر من غيره، وارتضى علماء الأمة من بعده دفاعه وصوبوه ودافعوا عنه (2) .
... يقول الاستاذ عبد الحليم الجندى دفاعاً ضد أعداء الإسلام فيما اتهموا به الإمام الشافعى من وضعه أصول خالف فيها بزعمهم من سبقه، قال: "وإنك لترى- بادئ الرأى- أن الأصول التى عرضتها "الرسالة" أصول مسلمة لاشبهة فيها، تسليم الكشوف العلمية، وأنها قواعد عملية قبل أن تكون فلسفية أو نظرية، ولهذا عبرت العصور عصراً، بعد عصر، عماداً
__________
(1) انظر: آداب الشافعى لابن أبى حاتم ص 169.
(2) ومن هؤلاء الأئمة الأعلام الذين أفاضوا فى ذلك بعد الإمام الشافعى الإمام ابن قيم الجوزية فى كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين 2/271 وما بعدها. هذا فضلاً عن تحقيقات أئمة أصول الفقه فىمباحثهم فى خبر الآحاد. أما ما ينسب من تلك الشروط السالفة إلى الأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة المقبولين عند الأئمة قبولاً عاماً. فقد دافع عن ذلك ابن تيمية فى كتابيه رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وصحة أصول مذهب أهل المدينة، انظر: أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 2/229، والإنصاف فى بيان سبب الإختلاف فى الأحكام الفقهية للعلامة أحمد الدهلوى ص16- 43، والسنة المطهرة بين أصول الأئمة وشبهات صاحب فجر الإسلام وضحاه، والسنة مع القرآن كلاهما لفضيلة الأستاذ الدكتور سيد أحمد المسير، وكيف نتعامل مع السنة النبوية للدكتور يوسف القرضاوى مبحث (جميع الفقهاء يحتكمون إلى السنة) ص54، 55.(1/716)
للعلماء فى حقول الفكر، وأنها ولدت كاملة، إذ كانت وليدة الاستقراء الشامل، فغدت، منذ وجدت، من المسلمات يتتابع عليها الفقهاء فى شتى المذاهب. بما فيهم رافضوا القياس الذين يعتمدون على النصوص وحدها (1) .
الجواب: عن الشروط السابقة ومن قال بها قديماً وحديثاً
أولاً: ما اشترطوه من العدد لصحة قبول خبر الآحاد:
... فقد مر قريباً الرد على ما احتجوا به فى اشتراط العدد من قصة توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم: فى خبر ذى اليدين، وتوقف عمر فى خبر أبى موسى الأشعرى. وغير ذلك.
__________
(1) الإمام الشافعى ناصر السنة وواضع الأصول ص215، والانصاف فى بيان سبب الاختلاف للدهلوى ص16، 36، وانظر للاستزادة: نقض كتاب نصر أبو زيد، ودحض شبهاته للدكتور رفعت فوزى، ونقض مطاعن نصر أبو زيد فى القرآن والسنة والصحابة وأئمة المسلمين للدكتور إسماعيل سالم، ومناقب الشافعى للرازى، وآداب الشافعى ومناقبه لابن أبى حاتم، ومناقب الشافعى للبيهقى، والمدخل لدراسة القرآن والسنة والعلوم الإسلامية للدكتور شعبان محمد إسماعيل 2/410-417، وأصول الفقه الإسلامى للدكتور طه جابر العلونى ص 15-25.(1/717)
والحق أن اشتراط العدد لصحة قبول خبر الآحاد [بدعة ضالة منكرة يأباها واقع الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم، ويرفضها العقل والمنطق السليمان المجردان من الهوى والزيغ، فيستحيل فى الواقع أن يسير الرسولصلى الله عليه وسلم، فى كل أحيانه مع كوكبة من أصحابه تبلغ حد التواتر، لا يتركونه فى حله، أو فى ترحاله، أو فى يقظته، أو فى فراش نومه حتى يتم التصديق بما جاء عنه من آحاد الصحابة، ويستحيل فى عرف العقل والمنطق أن يتقاعس المسلمون عن الدعوة، وينفضوا أيديهم عن مقومات حياتهم ووجودهم من تجارة وزراعة ونحوها، فلا يبرحون المدينة، ولا يتجاوزون رسولهم صلى الله عليه وسلم، إلى غيره، ليتفرغوا جميعاً. لنقل ما يصدر عنه حتى يتم تصديق الأصحاب فيما يبلغونه عنه، فالواقع، والعقل، والمنطق كلهم يرفض ذلك ويزدريه، ويرثى على المتمسكين بشرط العدد، مجافاتهم للعقل والمنطق، وعدم إدراكهم لواقع الأشياء، فقد كان بعض الصحابة يشغلهم الصفق فى الأسواق، وكان بعضهم يشغله الجهاد فى سبيل الله عز وجل، وكان منهم من يلازم الرسولصلى الله عليه وسلم، على ملء بطنه، يحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون، من أجل ذلك كان يروى عنه الواحد، والإثنان، والثلاثة، والأكثر، ومن أجل ذلك أيضاً كانت إحدى نسائه تروى عنه بعض ما يحدث منه فى البيت مما تفرد عنه أصحابه، وما يحدث بين المرأة وزوجها من أمور تشريعية (1) .
ويقول الحافظ ابن حجر: "وأما من شرط العدد، فهو قول شاز مخالف لما عليه الجمهور، بل تقبل رواية الواحد إذا جمع أوصاف القبول" (2) .
__________
(1) السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الموجود عبد اللطيف ص119، 120.
(2) انظر: لسان الميزان 1/26، 27.(1/718)
.. ويقول فضيلة الدكتور أبو شهبة: "ثم ما هذه البدعة السيئة، بدعة أن الخبر ما دام لم يتواتر لا يقبل ولا يؤخذ به ولو أن كل مسألة من مسائل العلم والمعرفة لم نكتف فيها إلا بالتواتر لما سلم لنا من المعارف إلا القليل، بل لو أننا طبقنا هذه القاعدة على علم التاريخ والآداب لما سلم لنا منها إلا شئ أقل من القليل" (1) .
... ومع كل هذا فإن المحدثين لم يهملوا العدد، وإنما اعتبروه فى تقسيمهم لخبر الآحاد إلى غريب، وعزيز، ومشهور.
والترجيح بكثرة العدد عند التعارض، وها أنت قد سمعت آنفاً ما ذكره أئمة الحديث وجهابذته من أن الحديث المتواتر يوجد بكثرة فى كتب الحديث المشهورة مثل الكتب الستة والمسانيد وغيرها (2) .
ثانياً: ما اشترطوه لصحة قبول خبر الواحد:
بألا يخالف ظاهر كتاب الله عز وجل فقد استدلوا لذلك بأدلة منها ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، "تكثر الأحاديث لكم بعدى، فإذا روى لكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فما وافقه فاقبلوه، واعلموا أنه منى، وما خالفه فردوه، وأعلموا أنى منه برئ" (3) .
__________
(1) الإسراء والمعراج لفضيلة الدكتور محمد أبو شهبه ص 21.
(2) راجع: إن شئت ص 539-541.
(3) الأم 7/307- 308، وأصول السرخسى 1/365، والمعتمد فى أصول الفقه 2/80.(1/719)
واستدلوا أيضاً بما روى عن أبى بكر وعمر وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم فى ردهم خبر فاطمة بنت قيس (1) –رضى الله عنها-، فيما روى عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم، فى المطلقة ثلاثا قال:"ليس لها سكنى ولا نفقة" فرد ذلك عمر رضي الله عنه، بقوله:"لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لقول إمرأة لا ندرى لعلها حفظت أو نسيت.لها السكنى والنفقة قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2) .
واستدلوا أيضاً برد عائشة (رضى الله عنها) حديث عمر وابنه عبد الله -رضى الله عنهما- فى تعذيب الميت ببعض بكاء أهله عليه، فردت ذلك عائشة بقولها "يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد" ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" حسبكم القرآن: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3) .
__________
(1) فاطمة بنت قيس: صحابية جليلة لها ترجمة فى: الإصابة4/384رقم11608 والإستيعاب 4/1901 رقم4062، وتاريخ الصحابة ص209 رقم1114، واسد الغابة 7/224 رقم 7193.
(2) الآية الأولى من سورة الطلاق، والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها 5/356 رقم 1480، وانظر: رقم 1481.
(3) الآية 38 من سورة النجم، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجنائز، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إن كان النوح من سنته3/181رقمى 1287، 1288، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 3/502، 503 رقمى 927، 929.(1/720)
واستدلوا برد على بن أبى طالب رضي الله عنه لخبر معقل بن سفيان رضي الله عنه فيما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه سئل عن رجل تزوج امراة ولم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها. لاوكس ولا شطط. وعليها العدة ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعى (1) ، فقال: قضى رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فى بروع بنت واشق، إمرأة منا. مثل الذى قضيت. ففرح بها ابن مسعود" (2) فرد ذلك على بن أبى طالب رضي الله عنه بقوله: "لا ندع كتاب ربنا لقول أعرابى بوال على عقبيه" (3) .
__________
(1) معقل بن سنان الأشجعى: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3/446 رقم 815، واسد الغابة 5/221 رقم 5033، والاستيعاب 3/1431 رقم 2460، وتاريخ الصحابة 239 رقم1311، ومشاهير علماء الأمصار ص57 رقم 281.
(2) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات 2/237 رقم 2114، والترمذى فى سننه كتاب النكاح، باب ما جاء فى الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها 3/450 رقم 1145، وقال: وفى الباب عن الجراح. وحديث ابن مسعود حسن صحيح. واللفظ للترمذى.
(3) هذه الزيادة أخرجها سعيد بن منصور فى سننه1/232رقم931، وأخرجها عبد الرازق فى مصنفه 6/293. قال الشوكانى فى هذه الزيادة (لم يثبت عنه من وجه صحيح ولو سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور بل روى من طريق آخر غيره، بل معه الجراح كما وقع عند أبى داود، والترمذى وناس من اشجع، انظر: نيل الأوطار 6/173. وقال الصنعانى فى سبل السلام "وأما الرواية عن على رضي الله عنه- فقال فى البدر المنير لم يصح عنه، انظر: سبل السلام 3/1045(1/721)
.. واستدل بالأحاديث السابقة أو بعضها كل من محمود أبو رية فى (أضواء على السنة) (1) ، وأحمد أمين فى (فجر الإسلام) (2) ، وأحمد حجازى السقا فى كتابة (دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى) (3) ، وجمال البنا فى (السنة ودورها فى الفقه الجديد) (4) ، وإسماعيل منصور فى (تبصير الأمة بحقيقة السنة) (5) ، ونيازى عز الدين فى (دين السلطان) (6) وغيرهم.
... وتأثر بهذا الشرط والمنهج، فضيلة الشيخ محمد الغزالى – غفر الله له وزاد فى إحسانه وتجاوز عن سيئاته- فى كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) إذ يقول معقباً على قول عائشة -رضى الله عنها- (حسبكم القرآن) يقول الشيخ: "وعندى أن ذلك المسلك الذى سلكته أم المؤمنين أساس لمحاكمة الصحاح إلى نصوص الكتاب الكريم" (7) .
... والجواب: إن ما استدل به على رد خبر الآحاد إذا كان زائداً على النص القرآنى لا حجة لهم فيه فحديث (عرض السنة على القرآن) سبق تخريجه وبيان وضعه (8) .
وبقية الأخبار التى جاء فيها رد بعض الصحابة لبعض الأخبار لمجرد تعارضها الظاهرى مع القرآن لا حجة لهم فيها أيضاً. والحق مع الخبر وهو موافق لكتاب الله عز وجل.
وقد أفاض فى الدفاع عن خبر فاطمة ابن قيم الجوزية فى زاد المعاد (9) .
وقال الشوكانى ما قيل فى الخبر من أنه مخالف للقرآن فوهم (10) .
__________
(1) انظر: أضواء على السنة ص 73، 74.
(2) انظر: فجر الإسلام ص 216، 217.
(3) انظر: دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 104، 105، 156، 193.
(4) انظر: السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 113.
(5) انظر: تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 305، 398، 399، 409، 419.
(6) انظر: دين السلطان ص941.
(7) انظر: السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 23.
(8) راجع: ص 218-221.
(9) انظر: زاد المعاد 5/522 – 542.
(10) نيل الأوطار 6/303.(1/722)
ومما هو جدير بالذكر أن أبا حنيفة النعمان –رحمه الله- قال بخبر فاطمة (1) .
وكذلك الحال فى خبر تعذيب الميت ببعض بكاء أهله عليه، الحق مع الخبر، ولا مخالفة فيه لكتاب الله عز وجل، كما هو واضح من ترجمة الإمام البخارى لباب الحديث (يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إن كان النوح من سنته) (2) .
... أما ما قاله على بن أبى طالب رضي الله عنه رداً على خبر معقل بن سنان رضي الله عنه؛ فقد سبق من قول الشوكانى وغيره أن هذا لم يصح عنه، ولو سلمت صحته فلم ينفرد به معقل، والجمهور مع الخبر فهو أيضاً صحيح موافق لكتاب الله عز وجل (3) .
... ومع أن الجمهور مع الأخبار التى توقف فيها بعض الصحابة لتعارضها الظاهرى مع القرآن الكريم فقد حملوا هذا التوقف من الصحابة على التثبت والإحتياط، ولم يكن ذلك منهم مسلكاً مطرداً بدليل ما سبق ذكره من حالهم فى احتجاجهم بخبر الواحد والعمل به.
ومما هو جدير بالذكر أن من اشترطوا هذا الشرط من الأحناف، خالفوه، وقبلوا أخباراً بأسانيد ضعيفة مع مخالفتها للقرآن الكريم، وقد أكثر من تفصيل ذلك ابن قيم الجوزية (4) .
__________
(1) المنهاج شرح مسلم للنووى 5/359، وانظر: نيل الأوطار 6/303، وسبل السلام 3/1126
(2) انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) 3/181، وانظر: نيل الأوطار 4/102، 106، والإجابة لايراد ما استدركته عائشة على الصحابة للإمام الزركشى ص102، 103.
(3) انظر: نيل الأوطار6/173،وسبل السلام3/1045،وأحكام القرآن لابن العربى 1/219،والجامع لأحكام القرآن للقرطبى3/197،ومنهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوى للدكتور الأدلبى ص135
(4) أعلام الموقعين 2/288 وما بعدها.(1/723)
ثالثاً: ما زعموه أن زيادة خبر الواحد على النص القرآنى تعد نسخاً:
فقد أفاض فى الرد على ذلك الامام ابن قيم الجوزية، مبيناً المراد بالنسخ فى السنة الزائدة على القرآن الكريم، قائلاً: "ما تعنون بالنسخ الذى تضمنته الزيادة بزعمكم؟ أتعنون أن حكم المزيد على القرآن من الإيجاب، والتحريم، والإباحة بطل بالكلية، أم تعنون به تغير وصفه بزيادة شئ عليه من شرط أو قيد أو مانع أو تخصيص أو ما هو أعم من ذلك؟
... فإن عنيتم الأول فلا ريب أن زيادة خبر الواحد لا تتضمن ذلك، فلا تكون ناسخة. وإن عنيتم الثانى، فهو حق، ولكن لا يلزم منها بطلان حكم المزيد عليه، ولا رفعه، ولا معارضته، بل غاية الزيادة بخبر الواحد كالشروط، والموانع، والقيود، والمخصصات، وشئ من ذلك لا يكون نسخاً يوجب إبطال الأول ورفعه رأساً.
وإن كان نسخاً بالمعنى العام الذى يسميه السلف نسخاً، وهو رفع الحكم الظاهر فى القرآن بتخصيص أو تقييد أو توضيح … إلخ، فهذا كثير من السلف يسميه نسخاً. حتى سمى الاستثناء نسخاً، فإن أردتم هذا المعنى، فلا مشاحة فى الاسم، ولكن ذلك لا يسوغ رد السنن الناسخة للقرآن بهذا المعنى، ولا ينكر أحد ممن يعتد به نسخ القرآن بالسنة بهذا المعنى بل هو متفق عليه بين الناس، وإنما تنازعوا فى جواز نسخ القرآن بالسنة، النسخ الخاص الذى هو رفع أصل الحكم وجملته بحيث يبقى بمنزلة ما لم يشرع البتة (1) .
__________
(1) أعلام الموقعين 2/297 بتصرف، وانظر: البحر المحيط 4/348، والإحكام لابن حزم 1/113، والسنة مع القرآن لفضيلة الدكتور سيد أحمد المسير ص 52 - 64.(1/724)
.. ومما هو جدير بالذكر هنا أن الأحناف مع قولهم بعدم قبول خبر الواحد إذا كان زائد على القرآن، فقد قبلوا أحكاماً كثيرة زائدة على ما فى القرآن بعضها من السنة المشهورة كحد الرجم، وتحريم الجمع بين المرأة، وعمتها والمرأة وخالتها، وغير ذلك من الأحكام الزائدة على ما فى القرآن وقبلوها لأنها ثبتت بسنة مشهورة تفيد عندهم علم طمأنينة القلب (1) .
هذا فى حين أن أهل الزيغ والهوى عندما يستدلون بمذهب الأحناف وبشرطهم يتجاهلون هذا إما عن عمدٍ للتضليل، وإما عن جهل بشرطهم، وهو جعلهم المشهور قسيماً للمتواتر فى إفادة العلم، وقبول ما أثبته زائداً على النص القرآنى.
وهو ما رفضه أعداء السنة فى خبر الرجم، والجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها … وغير ذلك بالرغم من استشهادهم بشرط الأحناف بعدم قبولهم خبر الواحد إذا كان زائد على القرآن الكريم.
... فتأمل كيف استغلوا ذلك الشرط للتشكيك فى حجية خبر الواحد، والطعن فى الأحكام التى استقلت السنة بتشريعها!!
واعلم: أن من اشترط ذلك الشرط؛ فقد اشترطه على هوى فى نفسه، حيث طبقه حيث اشتهى، ورفضه أيضاً حيث اشتهى، وقد أكد ذلك غير واحد من الأئمة بعد ذكرهم أمثلة كثيرة على مخالفتهم لما اشترطوه، وقبولهم أحكاماً زائدة على ما فى القرآن.
يقول ابن حزم: "فمن أين جوزتم أخذ الزائد على ما فى القرآن كما ذكرنا حيث اشتهيتم، ومنعتم منه حيث اشتهيتم، وهذا ضلال لا خفاء به، وكل ما وجب العمل به فى الشريعة فهو واجب أبداً فى كل حال (2) .
__________
(1) انظر: الأم للشافعى 7/11 وما بعدها.
(2) الإحكام لابن حزم 1/114، وانظر: الأم 7/15، وأعلام الموقعين 2/289، 293 وما بعدها.(1/725)
رابعاً: أما ما اشترطوه فى صحة خبر الواحد بألا يكون فى الحدود:
فقد رد ذلك أئمة الأصول يقول الإمام الآمدى: "اتفقت الشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف (1) ، وأبو بكر الرازى (2) من أصحاب أبى حينفة، وأكثر الناس على قبول خبر الواحد فيما يوجب الحد، وفى كل ما يسقط بالشبهة، خلافاً لأبى عبد الله البصرى، والكرخى.
ودليل ذلك أنه يغلب على الظن، فوجب قبوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلىَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض. فأقضى له على نحو مما أسمع منه. فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً؛ فإنما أقطع له به قطعة من النار" (3) .
ولأنه حكم يجوز إثباته بالظن، بدليل ثبوته بالشهادة، وبظاهر الكتاب، فجاز إثباته بخبر الواحد كسائر الأحكام ظنية، والمسألة الظنية، فكان الظن كافياً فيها.
وسقوطه بالشبهة لو كان، لكان مانعاً من الأعمال، والأصل عدم ذلك، وعلى من يدعيه بيانه.
__________
(1) أبو يوسف هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أبو يوسف، صاحب أبى حنيفة، تولى القضاء لثلاثة من الخلفاء، المهدى، والهادى، والرشيد، وهو أول من وضع الكتب على مذهب أبى حنيفة مات سنة 182هـ. له ترجمة فى: وفيات الأعيان لابن خلكان 5/421، وتاج التراجم فى طبقات الحنفية لابن قطلوبغا ص 81.
(2) أبو بكر الرازى هو: أحمد بن على الرازى، أبو بكر الجصاص، الفقيه الحنفى، من أهل الرأى، سكن بغداد، وانتهت إليه رئاسة الحنفية. توفى سنة 370هـ. له ترجمة فى الفتح المبين فى طبقات الأصوليين للمراغى1/214، والجواهر المضية فى طبقات الحنفية لعبد القادر محمد القرشى1/84.
(3) أخرجه البخارى بشرح (فتح البارى) كتاب المظالم، باب إثم من خاصم فى باطل وهو يعلمه 5/128 رقم 2458، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة 6/245 رقم 1713. واللفظ له من حديث أم سلمة - رضى الله عنها -.(1/726)
فإن قيل: خبر الواحد مما يدخله احتمال الكذب، فكان ذلك شبهة فى درء الحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود بالشبهات) (1) فهو باطل بإثباته بالشهادة، فإنها محتملة للكذب، ومع ذلك يثبت بها" (2) .
خامساً: ما اشترطوه بألا يكون خبر الواحد فى العقيدة.
فقد سبق وأن ذكرنا أن أصول العقائد مذكورة فى القرآن الكريم، مثل التوحيد، والصفات الإلهية، والرسالة، والبعث، وجزاء الأعمال، ولا يوجد فى الحديث الصحيح إلا ما يؤيد هذه الأصول ويوضحها ويقررها، وكل ما يستشكل من الأحاديث الصحيحة فى العقائد تجد مثله فى القرآن، ويجرى فيه ما يجرى فى القرآن من التفويض أو التأويل، ولا يوجد فيها ما يكون مخالفاً لعقائد القرآن، أو زائداً عليها بحيث لا يكون له أصل فى القرآن (3) .
وحتى مع التسليم جدلاً بأن أحاديث العقائد زائدة عما فى القرآن الكريم. فالقول بأن خبر الواحد ظنى، والعقائد قطعية فلا تؤخذ إلا من الأدلة القطعية. هذا القول غير صحيح، لأنه مع فرض أن خبر الآحاد فى العقائد ظنى، فهو خبر ظنى راجع إلى أصل قطعى وهو القرآن الكريم، فيجب العمل به.
__________
(1) أخرجه الدارقطنى فى سننه كتاب الحدود والديات 3/84 رقم 9، وفيه المختار بن نافع، قال البخارى: وهو منكر الحديث قال: وأصح ما فيه حديث سفيان الثورى عن عاصم عن أبى وائل عن عبد الله بن مسعود "قال ادرءوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم" وروى عن عقبة بن عامر، ومعاذ، وغير واحد من الصحابة، موقوفاً عليهم، ورواه ابن حزم فىكتاب الاتصال عن عمر موقوفاً عليه. قال الحافظ: وإسناده صحيح. انظر: نيل الأوطار 7/105.
(2) الإحكام للآمدى 2/106، 107، وانظر: البحر المحيط 4/348، وفواتح الرحموت 2/136، والتقرير والتحبير 2/276، وارشاد الفحول 1/231.
(3) راجع: ص 497.(1/727)
.. يقول الإمام الشاطبى: "الظنى الراجع إلى أصل قطعى إعماله أيضاً ظاهر، وعليه عامة أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1) .
__________
(1) الآية 44 من سورة النحل، وانظر: الموافقات 3/14.(1/728)
ويقول الإمام ابن قيم الجوزية: "الذين قالوا لا يحتج بخبر الواحد فى العقائد من التوحيد، والصفات الإلهية، والبعث قالوا: الأخبار قسمان متواتر وآحاد، فالمتواتر وإن كان قطعى السند لكنه غير قطعى الدلالة، فإن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين، وبهذا قدحوا فى دلالة القرآن على الصفات وقالوا: الآحاد لا تفيد العلم، ولا يحتج بها من جهة طريقها، ولا من جهة متنها. فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته، وأفعاله من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية، وبراهين نقلية، وهى فى التحقيق كما قال الله تعالى: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (1) .
__________
(1) الآية 39 من سورة النور، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية 2/506، وقارن بشرح العقيدة الطحاوية 2/79، 80، وتأثر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت بهذا المنطق الفلسفى الذى يرى أن دليل العقل يفيد اليقين، أما الأدلة النقلية فلا، وينسب ذلك إلى كثير من العلماء فيقول: "وقد اتفق العلماء على أن الدليل العقلى الذى سلمت مقدماته، وانتهت فى أحكامها إلى الحس أو الضرورة يفيد ذلك اليقين ويحقق الإيمان المطلوب. أما الأدلة النقلية فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها لا تفيد اليقين، ولا تحصل الإيمان المطلوب، ولا تثبت بها وحدها عقيدة…والذين ذهبوا إلى أن الدليل النقلى يفيد اليقين، ويثبت العقيدة شرطوا فيه أن يكون قطعياً فى وروده، قطعياً فى دلالته، انظر: الإسلام عقيدة وشريعة ص 53.(1/729)
إن هذه التفرقة بين العقائد والأحكام فى العمل بخبر الآحاد، لا تعرف عن أحد من الصحابة، ولا عن أحد من التابعين، ولا من تابعهم، ولا عن أحد من أئمة الإسلام، وإنما يعرف عن رءوس أهل البدع ومن تبعهم" (1) .
... ومما هو جدير بالذكر هنا أن بعض الحنفية ممن قال بهذا الشرط نقضه بنفسه بقبوله الآثار المروية فى عذاب القبر ونحوها، لأن بعضها مشهور، وبعضها آحاد أيضاً كما يصرح السرخسى بقوله: "فأما الآثار المروية فى عذاب القبر ونحوها فبعضها مشهور، وبعضها آحاد وهى توجب عقد القلب عليه" (2) .
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/578، وقارن بالسنة المفترى عليها للبهنساوى ص168،172، وانظر: البحر المحيط فى أصول الفقه للزركشى 4/261، 262 مسألة (إثبات أسماء الله بأخبار الآحاد) ومسألة (إثبات العقيدة بخبر الآحاد) 0 وانظر: فتوى الشيخ محمد رشيد رضا (أحاديث الآحاد يحتج بها فى العقائد) فى مجلة المنار المجلد 19/342 وما بعدها. وانظر: الإبانة عن أصول الديانة للأشعرى ص27–29،ومذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطى ص105، وموقف المدرسة العقلية من السنة1/163، والابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص 78، وراجع قوله السابق ص 553، وانظر: المدخل إلى السنة النبوية للأستاذ الدكتور عبد المهدى ص291 مبحث (حجية الآحاد فى العقائد) ، والحديث حجة بنفسه فى العقائد والأحكام للأستاذ الألبانى ص45-65.
(2) أصول السرخسى 1/329.(1/730)
ونفس الشئ وقع فيه المعتزلة يقول القاضى عبد الجبار: "فإن قال: أفتجوزون ما ورد فى الأخبار من عذاب القبر، ومنكر ونكير، والمساءلة، والمحاسبة، والميزان، والصراط، وغير ذلك؟ قيل له نعم، نؤمن بجميع ذلك على الوجه الذى نجوز له لا على ما يظنه الحشو من أنه يعذبهم وهم موتى فى قبورهم، ولا كما تقوله المجبره من أنه لا أصل لعذاب القبر، وقد تظاهرت الأخبار بذلك، ولا يمتنع أن يتولى ذلك من يلقب من الملائكة بمنكر ونكير، ليكون أعظم فى التعذيب، وكذلك المسألة، والمحاسبة، وغير ذلك … فنحن نؤمن بما جاء فى ذلك من الأخبار، ولا خلاف بين الأمة فى ذلك" (1) .
فهلا آمن أهل الزيغ والهوى بما آمن به من استدلوا بشرطهم (2) ؟!
أم كفاهم شرطهم ليكون وسيلة لهم للتشكيك فى حجية خبر الآحاد فى العقائد؟!! 0
__________
(1) المختصر فى أصول الدين ضمن رسائل العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة 1/277، 278، وانظر: شرح الأصول الخمسة ص 730.
(2) انظر: تعميم أحمد صبحى منصور فى قوله:"أمور الغيبيات لا تؤخذ إلا من القرآن والحديث المتواتر هو قول علماء الأصول" وقد علمت أنه قول المعتزلة، ومن تأثر بهم من فقهاء الأحناف.انظر: عذاب القبر والثعبان الأقرع ص 16، وشفاء الصدر ينفى عذاب القبر لإسماعيل منصور.(1/731)
سادساً: أما شرطهم لصحة قبول خبر الواحد بألا يثبت به حكم شرعى من فرض أو تحريم. فيقول رداً على ذلك الإمام ابن قيم الجوزية بقوله: "إن خبر الواحد لو لم يفد العلم لم يثبت به الصحابة التحليل والتحريم، والإباحة، والفروض، ويجعل ذلك ديناً يدان به فى الأرض إلى آخر الدهر. فهذا الصديق رضي الله عنه زاد فى الفروض التى فى القرآن فرض الجدة، وجعله شريعة مستمرة إلى يوم القيامة، بخبر محمد ابن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط، وجعل حكم ذلك الخبر فى إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن فى إثبات فرض الأم، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته بخبر الواحد … وأثبت عمر بن الخطاب ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابى وحده، وصار ذلك شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة وأثبت شريعة عامة فى حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده (1) .
... وهذا أكثر من أن يذكر، بل هو إجماع معلوم منهم، ولا يقال على هذا إنما يدل على العمل بخبر الواحد فى الظنيات، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على حجيته والعمل بموجبه، ولو جاز أن يكون خبر الواحد كذباً أو غلطاً فى نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به وهذا قدح فى الدين والأمة (2) .
__________
(1) الآثار السابقة التى استشهد بها ابن قيم الجوزية سبق تخريجها ص316، 568.
(2) مختصر الصواعق المرسلة 2/556، 557 بتصرف.(1/732)
سابعاً: ما ذهب إليه البعض من إسقاط الشرعية من خبر الآحاد فى المجال الدستورى والسياسى:
فيقول رداً على ذلك المستشار الدكتور على جريشة: (أسقط البعض الشرعية) عن أحاديث الآحاد فى المجال الدستورى، فقال إنها لا تصلح مصدراً لهذا اللون من الأحكام (1) ،ومن قبل هذا رفض الخوارج والمعتزلة العمل بها، ولقد كانت حجة ذلك البعض القول بأهمية الأحكام الدستورية، وعلى الجانب الآخر عدم يقينية أحاديث الآحاد، وعدم شهرتها، الذى استدلوا منه على عدم صحتها، ثم مسلك بعض الصحابة منها إذ اشترطوا اليمين أو رواياً آخر.
وفى رد هادئ على هؤلاء نقول بعون الله: إن الأحكام الدستورية ليست إلا فرعاً من فروع القانون العام، إلى جواره فروع أخرى فى ذلك القسم من القانون، ثم قسم آخر بفروعه هو قسم القانون الخاص. ونحن لا نوهن من أهمية الأحكام الدستورية … ولكننا فى الوقت نفسه لا نرتفع بها فوق أحكام السنة فى جزءها الأكبر (أحاديث الآحاد)
وما نرى الأحكام الدستورية إلا جزءاً من الأحكام العملية التى اتفق الفقهاء فى المذاهب الأربعة على العمل بأحاديث الآحاد فيها.
ولئن كانت الأحكام الدستورية تقابل فى اصطلاحاتنا الفقهية مباحث الإمامة، فإن مباحث الإمامة عند الفقهاء من أهل السنة ليست سوى أحكام فروع لا ترتفع إلى مرتبة الأصول … ولم يفعل ذلك إلا الغلاة من الشيعة؟
أما اشتراط اليقينية … فلم يشترطها أحد من الفقهاء فى أحكام الفروع وإن اشترطتها الأكثرية فى مجال الاعتقاد باعتباره مبنياً على اليقين.
__________
(1) قال بذلك الدكتور عبد الحميد متولى فى كتابه (مبادئ نظام الحكم فى الإسلام) ص189،191، 196، 197.وفى كتابه ترديد لكثير مما قاله على عبد الرازق فى كتابه الإسلام وأصول الحكم.(1/733)
.. أما القول بأن عدم شهرة أحاديث الآحاد دليل عدم صحتها، فإنه لا ارتباط بين الشهرة والصحة، كما أنه لا ارتباط بين الحق والواقع، فقد يكون الحق واقعاً وقد يكون غير واقع، كما قد يكون الواقع حقاً، وقد يكون غير حق … كذلك قد يكون المشهور صحيحاً أو غير صحيح، وقد يكون الصحيح مشهوراً أو غير مشهور.
أما مسلك بعض الصحابة منها فقد قدمنا أن أحداً منهم لم يرفض حديث آحاد ما دام صحيحاً، أما ما اشترطوه من حلف أو راو آخر فقد قدمنا أنه لا يخرج الحديث عن مرتبة الآحاد (1) أ. هـ.
... ولم يقف خصوم السنة المطهرة فى عصرنا على ما اشترطه المعتزلة ومن تأثر بهم من بعض فقهاء الأحناف.
فلم يكتفوا فى شروطهم لقبول خبر الواحد بعرضه على القرآن الكريم، ولا إلى عرضه على العقل، ولا ما سبق من الشروط، وإنما اشترطوا أيضاً لقبول خبر الواحد عرضه على العلم التجريبى فما وافقه قبل وإلا فلا (2) .
__________
(1) راجع: إن شئت ما سبق فى الرد على شبه منكرى حجية خبر الآحاد ص 566، وانظر: مصادر الشرعية الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية للمستشار الدكتور على جريشة ص34،35
(2) انظر: دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف العلمية الحديثة للدكتور موريس بوكاى ص12-290-302، وفجر الإسلام لأحمد أمين ص 217، 218، وانظر: له أيضاً ضحى الإسلام 2/132، والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 264، ودين السلطان لنيازى عز الدين ص 460-467، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد ص 123.وسيأتى الجواب عن ذلك إجمالاً فى الباب الثالث مبحث (شبهة الطاعنين فى أحاديث الطب والرد عليها) ص868-874.(1/734)
واشترطوا عرضه على التوراة والإنجيل، والفلسفات الحديثة فما خالفهم قبل وإلا فلا، وزعموا أنه من الإسرائيليات (1) .
أما ما اشترطوه من عرض السنة النبوية على العهد القديم والجديد فما وافقهما كان دليلاً على أنه من الإسرائليات.
فيقول رداً على ذلك الدكتور محمد أبو شهبة -رحمه الله-: "ليس من الإنصاف فى شئ أن نقول: إن ما وجد فى الدين الإسلامى، ووجد فى اليهودية أو النصرانية أن يكون مأخوذاً منها، فقد توافق القرآن الكريم الذى لا شك فى تواتره، وصونه عن أى تحريف، والتوراة والأنجيل فى بعض التشريعات، والأخلاقيات والقصص، فهل معنى هذا أنه مأخوذ منها؟ أعتقد أن الجواب بالنفى.
__________
(1) انظر: العقيدة والشريعة فى الإسلام ص51، 148، 153، ومذاهب التفسير الإسلامى ص190، ودراسات محمدية ص520 ثلاثتهم لجولدتسيهر، وانظر: ضحى الإسلام 1/340، والبيان بالقرآن لمصطفى المهدوى 2/645، ودين السلطان لنيازى عز الدين ص166، وأضواء على السنة لمحمود أبو رية ص145 – 191.(1/735)
.. ومما ينبغى أن يعلم أن الشرائع السماوية مردها إلى الله سبحانه، وأن العقائد، والفضائل الثابتة، والضروريات التى لا تختلف باختلاف الأزمان، ولا باختلاف الرسالات أمور مقررة فى كل دين. وصدق الله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (1) لكن هذه الأصول، والفضائل، والأخلاقيات، والضروريات جاءت فى الدين الاسلامى أوفى ما تكون وأكمل ما تكون، وأصلح ما تكون، لكل زمان ومكان. ولما كان الأمر كذلك فليس فى العقل، ولا فى الشرع ما يمنع أن تتوافق فى بعض التشريعات، وفى بعض الأخلاقيات، وما حرف من: الكتب السماوية السابقة لم يحرف جميعه. وقد كان القرآن الكريم- بحكم أنه سلم من التحريف والتبديل، وتوافرت الدواعى والأسباب لوصوله إلى الأمة الإسلامية كما أنزله الله تبارك وتعالى. مهيمناً أى شاهداً على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه فهو باطل قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (2) أهـ.
... ومن الأحاديث التى زعم أعداء السنة المطهرة أنها من الإسرائيليات لموافقتها ما عند أهل الكتاب. حديث "النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة".
__________
(1) الآية 13 من سورة الشورى.
(2) الآية 48 من سورة المائدة، وانظر: دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 253، 254 والحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص185، والسنة النبوية فى مواجهة التحدى للدكتور أحمد عمر هاشم ص 39-41.(1/736)
قال محمود أبو ريه: "روى هذا الحديث أبو هريرة، وقد أخذه من كعب الأحبار، القائل: "أربعة أنهار الجنة، وصفها الله عز وجل فى الدنيا، النيل نهر العسل فى الجنة، والفرات نهر الخمر فى الجنة، وسيحان نهر الماء فى الجنة، وجيحان نهر اللبن فى الجنة" (1) .
__________
(1) نهاية الإرب للنويرى10/220 وانظر: أضواء على السنة، ص 208،وشيخ المضيرة ص103(1/737)
.. واستدل نيازى عز الدين بما استدل به محموداً أبو ريه: وقال نيازى: "لنسمع التوراة ماذا تقول فى "سفر التكوين"، الإصحاح الثانى الفقرات من 10 – 14 وكان نهر يخرج من عدن يسقى الجنة، ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس اسم الواحد (فيشون) وهو المحيط بأرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك الأرض جيد".
... يقول نيازى عز الدين عن حديث "النيل، وسيحان، وجيحان، والفرات، من أنهار الجنة"، وأسلوب الحديث كما تلاحظون تواترياً وهذا ما قصدت إليه، وهكذا فإن معرفة كتب أهل الكتاب ضرورية من أجل نقد الأحاديث كما رأيتم (1) .
والجواب:
__________
(1) دين السلطان لنيازى عز الدين ص 168، وانظر: قراءة فى صحيح الإمام البخارى لأحمد صبحى منصور ص 37.(1/738)
.. إن الحديث الذى رواه أبو هريرة: صحيح غاية الصحة، وهو فى صحيح مسلم بلفظ: "سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل كلها من أنهار الجنة" (1) . وفى الحديث الصحيح أيضاً؛ أنه صلى الله عليه وسلم "رأى ليلة المعراج عند سدرة المنتهى أربعة أنهار، يخرج من أصلها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل إما هذه الأنهار؟ قال أما النهران الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات" (2) .
... وفى رواية: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السماء الدنيا إذ بنهرين يطردان، فقال: "ما هذان يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما" (3) .
__________
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب ما فى الدنيا من أنهار الجنة 9/193 رقم 2839، وقال الإمام النووى فى شرحه على مسلم 9/193 "اعلم أن سيحان، وجيحان غير سيحون، وجيحون، فأما سيحان وجيحان المذكوران فى هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة فى بلاد الأرمن، فجيحان نهر المصيصة، وسيحان نهر إذنة، وهما نهران عظيمان جداً. وأما قول الأزهرى فى صحيحه جيحان نهر بالشام فغلط…واتفقوا كلهم على أن جيحون بالواو نهر وراء خرسان عين بلخ، واتفقوا على أنه غير جيحان، وكذا سيحون غير سيحان، ثم أنكر الإمام النووى على القاضى عياض تسويته بين سيجان وجيحان، وسيحون وجيحون.
(2) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة 6/348، 349 رقم 3207، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم 1/490، 491 رقم 164، واللفظ لمسلم.
(3) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب التوحيد، باب ما جاء فى قوله عز وجل "وكلم الله موسى تكليماً" 13/486 رقم 7517.(1/739)
والحديث ليس على حقيقته كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، وإنما الكلام على سبيل التشبيه، وأن هذه الأنهار تشبه أنهار الجنة فى صفتها وعذوبتها، وكثرة خيراتها ونفعها للناس، وهو تأويل مقبول ومستساغ لغة وشرعاً ومن تتبع كلام العرب فى الجاهلية، وصدر الإسلام يجد من أمثال ذلك الشئ الكثير (1) .
وقيل: إن فى الكلام حذفاً، والتقدير "من أنهار أهل الجنة" ففيه تبشير من النبى صلى الله عليه وسلم أن الله سينجز له وعده، وسينصره، وسيظهر له دينه على الأديان كلها حتى يبلغ مواطن هذه الأنهار الأربعة وغيرها – إذ ذكرها على سبيل التمثيل لا الحصر – وهذا ما كان فلم يمضى قرن من الزمان حتى امتد سلطان الإسلام من المحيط الأطلسى إلى بلاد الهند (2) .
...
وذهب بعض العلماء إلى أن الحديث على ظاهره وفى ذلك يقول الحافظ ابن دحية: "قرأت فى تفسير القرآن العظيم، عند قول الله الكريم {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} (3) أنهما النيل والفرات، أنزلا من الجنة من أسفل درجة منها على جناح جبريل، فأودعهما بطون الجبال، ثم إن الله سيرفعهما ويذهب بهما عند رفع القرآن، وذهاب الإيمان، فلا يبقى على الأرض خير، وذلك قوله جل من قائل: {فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} (4) . ذكره النحاس فى "معانى القرآن العزيز" له بأتم من هذا، وأسنده فاختصرته (5) .
__________
(1) انظر: الإسراء والمعراج ص 61، ودفاع عن السنة ص127 كلاهما للدكتور محمد أبو شهبة.
(2) دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 127، وانظر: السنة ومنهجها فى بناء المعرفة والحضارة 2/888.
(3) الآية 18 من سورة المؤمنون.
(4) جزء من الآية 18 من سورة المؤمنون.
(5) معانى القرآن للإمام أبى جعفر النحاس4/450،451،وانظر: الابتهاج فىأحاديث المعراج ص148(1/740)
.. وقال الحافظ ابن دحية: "فإن قيل كيف طريق الجمع بين رواية إن النيل والفرات عند سدرة المنتهى أصلهما فى السماء السابعة، ورواية أنهما فى السماء الدنيا لذكره عنصرهما، وهو أصلهما.
قلنا طريق الجمع بين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فى أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسأل عنهما جبريل فقال: "أما الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات".
... ثم فى حديث شريك عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم "فإذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان"، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات، عنصرهما.
ولنا فى التأويل وجهان سديدان:
... إحداهما: أن يكون محمولاً على ظاهره، ويكون معناه أنه لما رأى عند سدرة المنتهى هذين النهرين مع نهرى الجنة، وذلك فى السماء السابعة، ورأى فى السماء الدنيا هذين النهرين دون نهرى الجنة، كان لاختصاصهما بسماء الدنيا معنى، سمى ذلك الاختصاص عنصراً، ولا يمتنع أن يكون لجميع الأربعة الأنهر أصل واحد هو عند سدرة المنتهى، ثم يكون لاختصاص هذين النهرين بسماء الدنيا أصل من حيث الاختصاص وهو الامتياز لهما دون نهرى الجنة، سمى ذلك الامتياز والاختصاص عُنْصُراً، أى عنصر امتيازهما، واختصاصهما، فهذا وجه سديد.
... والوجه الثانى: أن يكون عنصرهما مبتدأ يتعلق به خبر سابق، لم يتقدم له ذكر من حيث اللفظ، لكن من حيث العهد، ويكون معناه: هذا النيل والفرات، فيتم الكلام، ثم يكون عنصرهما ما كنت رأيت عند سدرة المنتهى يا محمد، فاكتفى بالعهد السابق عن إعادة الكلام. وهذا وجه سديداً أيضاً.
وقد صح الجمع بين الحديثين، فلم يتعارضا، ولم يتنافيا، ولم يتناقضا.(1/741)
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فى صحيح مسلم "سيحان، وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة"، فأسنده الإمام أحمد فى مسنده عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فجرت أربع أنهار من الجنة: الفرات، والنيل، وسيحان وجيحان" (1) .
... قال الحافظ ابن دحية: "وسند أحمد كالشمس فى صحته" (2) ، وزيادة لفظ "فجرت" وهو مفيد.
... والكلام على معنى هذا الحديث يأخذ طرفاً مما تقدم، وهو أن هذه الأنهار لها مزية تشريف على سائر الأنهار التى بالأرض، وذلك التشريف هو كونها فى الجنة، على معنى أنها فجرت منها، كما نص عليه فى حديث أحمد ثم ينتقل الكلام إلى كونها بالأرض جارية، ولا بعد فى ذلك، فإن الأنهار المذكورة إذا كان تفجيرها من الجنة، والجنة فى السماء كما قال تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} (3) . وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (4) . على مذهب أهل الحق فى أن الجنة مخلوقة، وأنها لا تبيد من بين سائر المخلوقات.
... هذا قول جميع العلماء فى الجنة والنار، وأنهما لا تبيدان، ولم يخالف فى ذلك سوى طائفة من أهل البدع والأشرار.
فتكون الأنهار المذكورة من الجنة تفجرت، أى جرى أصلها؛ لأن التفجير يليق بهذا المعنى، ومنه سمى "الفجر" لأنبثاث النور الساطع. كذلك هذه الأنهار لما كان لها أنبثاث وجريان سمى تفجيراً، وإليه الإشارة بقوله:"من الجنة"أى كان هذا التفجير فى الأصل من الجنة، ثم انبثت فى الأرض فهذا ما يحمل عليه هذا المعنى ولا معارضة فيه، لما تقدم" (5) أ. هـ.
__________
(1) المسند 2/260، 261.
(2) الابتهاج فى أحاديث المعراج ص151.
(3) الآية 15 من سورة النجم.
(4) جزء من الآية 133 من سورة آل عمران.
(5) الابتهاج فى أحاديث المعراج ص 150 – 152.(1/742)
.. وأما ما ذكره محمود أبو رية عن كعب الأحبار؛ فقد عزاه إلى نهاية الأرب، وهو لا يعتمد عليه فى ثبوت الأحاديث، وكلامه وإن ثبت؛ فهو محمول أيضاً على التشبيه، وبقليل من التأمل يتبين لنا أن إدعاء تأثر أبى هريرة فيما رواه بكعب بعيد، ولا يعدو أن يكون تظناً وتخميناً، فالحديثان متغايران والأقرب أن يكون كلام كعب تفسيراً لحديث أبى هريرة على ضوء ما فهمه من قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (1) .
... وأما ما زعمه نيازى عز الدين من ورود ذلك الحديث فى التوراة فى "سفر التكوين"؛ فقد سبق وأن بينا أنه ليس فى العقل، ولا فى الشرع ما يمنع أن تتوافق فى بعض التشريعات، وما حرف ما الكتب السماوية السابقة لم يحرف جميعه، والقرآن الكريم بحكم أنه سلم من التحريف، والتبديل، هو المهيمن على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه منها؛ فهو حق، وما خالفه فهو باطل، وليس العكس كما يزعم أعداء السنة الشريفة.
... يقول فضيلة الدكتور أبو شهبة: "وأياً كان التأويل فالحديث مستساغ لغة وشرعاً، وقد كان الصحابة بذكائهم، وصفاء نفوسهم، وإحاطتهم بالظروف والملابسات التى قيل فيها هذا الحديث وأمثاله، يدركون ما يريده النبى صلى الله عليه وسلم من مثل هذا الحديث الذى قد يشكل ظاهره على البعض، ولذلك لم يؤثر عن أحد منهم - على ما كانوا عليه من حرية الرأى والصراحة فى القول - استشكال مثل هذا الحديث (2) أ. هـ.
__________
(1) الآية 15 من سورة محمد، وانظر: دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 127، 128.
(2) دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 127.(1/743)
وبعد
[فإن خبر الآحاد متى ثبت على شرط المحدثين، صار أصلاً من أصول الدين، ولا يحتاج عرضه إلى أصل آخر، لأنه إن وافقه فذاك، وإن خالفه لم يجز رد أحدهما، وليس سائر الأصول أولى بالقبول منه، ولا يجوز أن تتنافى أصول الدين، حاشا لله من هذا.] (1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) انظر الأحكام لابن حزم 1/114، وقواعد التحديث للقاسمى ص 98 وراجع إن شئت ما سبق تفصيله فى الجواب عن (شبهة عرض السنة على العقل) و (شبهة عرض السنة على القرآن) ص231-235، 241-249.(1/744)
الفصل الثالث: وسيلتهم فى الطعن فى رواة السنة المطهرة
... وتحته مبحثان:
1- المبحث الأول: طعنهم فى عدالة الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-.
2- المبحث الثانى: طعنهم فى عدالة أهل السنة من المحدثين والفقهاء الأصوليين وسائر أئمة المسلمين -رضوان الله عليهم أجمعين-.
المبحث الأول: طعنهم فى عدالة الصحابة - رضي الله عنهم -
وفيه تمهيد وستة مطالب:
التمهيد ويتضمن:
أ- هدف أعداء الإسلام من طعنهم فى الصحابة - رضي الله عنهم -.
ب- وحكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المطلب الأول: التعريف بالصحابة لغة واصطلاحاً.
المطلب الثانى: التعريف بالعدالة لغة واصطلاحاً.
المطلب الثالث: أدلة عدالة الصحابة.
المطلب الرابع: شبهات حول عدالة الصحابة والرد عليها.
المطلب الخامس: سنة الصحابة - رضي الله عنهم - حجة شرعية.
المطلب السادس: أبو هريرة رضي الله عنه راوية الإسلام رغم أنف الحاقدين.
تمهيد
وفيه هدف أعداء الإسلام من طعنهم فى الصحابة - رضي الله عنهم -، وحكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولاً: هدف أعداء الإسلام من طعنهم فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
... الطعن فى عدالة رواة السنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين فمن بعدهم إلى الأئمة أصحاب المصنفات الحديثية، من وسائل أعداء الإسلام- من غلاة المبتدعة الرافضة، والخوارج، والمعتزلة، والزنادقة (1) - فى الطعن فى السنة المطهرة.
... وغرضهم من ذلك تحطيم الوسيلة التى وصلت السنة النبوية بها، وإذا تحطمت الوسيلة يصبح الأصل معتمداً على لا شئ فيصبح لا شئ.
__________
(1) حكاه عنهم الشاطبى فى الاعتصام 1/186، والبغدادى فى أصول الدين ص 19، وابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث ص 28.(1/745)
وقديماً صرح بذلك أحد الزنادقة فيما رواه الخطيب البغدادى فى تاريخه عن أبى داود السجستانى قال: "لماء جاء الرشيد بشاكر - رأس الزنادقة ليضرب عنقه- قال: أخبرنى، لم تعلِّمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض - أى الطعن فى الصحابة-؟ قال: إنا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة أوشك أن نبطل المنقول" (1) .
... وبذلك صرح ذيل (شاكر) محمود أبو ريه فى كتابه أضواء على السنة قائلاً: "إن عدالة الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما يروون، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء" (2) .
ثانياً: حكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
... وما أصدق قول الإمام الحافظ أبى زُرْعة الرازى (3) -رحمه الله-: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن، والسنن، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة" (4) .
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد 4/308.
(2) أضواء على السنة ص 340.
(3) أبو زُرْعة الرازى هو: عُبَيدُ الله بِنُ عبد الكريم بن يزيد القرشى المخزومى، أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام، وفضائله أكثر من أن تعد، مات سنة 264هـ. له ترجمة فى تذكرة الحفاظ= =2/557 رقم 579، وطبقات الحفاظ للسيوطى 253 رقم 561، والعبر 1/379 رقم 264، وخلاصة تهذيب الكمال للخزرجى ص 213، والإرشاد للخليلى ص 226، وطبقات المفسرين للداودى 1/375 رقم 321، وأبو زرعة الرازى وجهوده فى السنة النبوية للدكتور سعدى الهاشمى 1/45-242.
(4) رواه الخطيب فى الكفاية ص 97، والحافظ ابن حجر فى الإصابة 1/10.(1/746)
.. وعن عبد الله بن مصعب (1) قال: قال المهدى: ما تقول فيمن ينتقص الصحابة؟ فقلت زنادقة، لأنهم ما استطاعوا أن يصرحوا بنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنقصوا أصحابه، فكأنهم قالوا: كان يصحب صحابة السوء) (2) .
__________
(1) هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، ولى للرشيد إمرة المدينة، وقال فيه الخطيب: كان محموداً فى ولايته، جميل السيرة مع جلالة قدرة، ووثقة ابن حبان مات سنة 184هـ. له ترجمة فى: تعجيل المنفعة ص271 رقم583، وتاريخ بغداد 10/173 رقم5313، والثقات لابن حبان 7/56، وميزان الاعتدال 2/505 رقم 4609، والتاريخ الكبير للبخارى 5/211 رقم 678.
(2) أخرجه الخطيب البغدادى فى تاريخه 10/175، ونقله الحافظ ابن حجر فى تعجيل المنفعة، ترجمة عبد الله بن مصعب ص 271 رقم 583.(1/747)
.. وصدق شمس الأئمة السرخسى: "الشريعة إنما بلغتنا بنقلهم فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب" (1) .
__________
(1) أصول السرخسى 2/132. وتكفير ساب الصحابة ذهب إليه فريق من أهل العلم من الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية. انظر الشرح والإبانة لابن بطة ص162، والنهى عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص 23، وفتاوى السبكى 2/580، والصارم المسلول على شاتم الرسول ص 570، والإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 1/149، وأصول السرخسى 2/132 وما بعدها. وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم، بل يفسق ويضلل، ولا يعاقب بالقتل، بل يكتفى بتأديبه، وتعزيره تعزيراً شديداً حتى يرجع. وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة. انظر: الشفا للقاضى عياض 2/54 وما بعدها. نقل من ذهب إلى هذا القول من أهل العلم. وإذا كان لكل فريق أدلته على ما ذهب إليه. فالقول الذى تطمئن إليه النفس ويرتاح إليه القلب أن من أبغضهم جميعاً أو أكثرهم أو سبهم سباً يقدح فى دينهم، وعدالتهم، فإنه يكفر بهذا، لأن هذا يؤدى إلى إبطال الشريعة بكاملها لأنهم هم الناقلون لها، "أما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق، ومبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد إنه مباح أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة أو اعتقد كفر الصحابة فإنه كافر بالإجماع" كذا قال الملا على القارئ انظر: مجموعة رسائل ابن عابدين كتاب تنبيه الولاة والحكام 1/367. وقال القاضى عياض - رحمه الله -: "وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير جميع الأمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم إذ لم تقدم علياً، وكفرت علياً إذ لم يتقدم، ويطلب حقه فى التقديم، فهؤلاء قد كفروا … لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها" الشفاء 2/286، ومزيد من حكم ساب الصحابة وعقوبته انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر على الشيخ2/856-870.(1/748)
نعم إن الصحابة رضي الله عنهم "هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالغض من شأنهم والتحقير لهم، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الاعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذى تبوءوه، ولا يوائم المهمة الكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها.
كما أن الطعن فيهم والتجريح لهم، يزلزل بناء الإسلام، ويقوض دعائم الشريعة، ويشكك فى صحة القرآن، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام! لذلك عنى علماء الإسلام قديماً وحديثاً بالدفاع عن عدالة الصحابة، لأنه -كما رأيت- دفاع عن الإسلام، ولم يكن ذلك الدفاع نزوة هوى، ولا عصبية بل كان نتيجة لدراسات تحليلية، وأبحاث تاريخية، وتحقيقات بارعة واسعة، أحصتهم عدداً، ونقدتهم فرداً فرداً، وعرضتهم على أدق موازين الرجال مما تباهى به الأمة الإسلامية كافة الأمم والأجيال.
... وبعد هذا التحقيق والتدقيق، خرج الصحابة رضي الله عنهم من بوتقة هذا البحث، وإذا هم خير أمة أخرجت للناس، وأسمى طائفة عرفها التاريخ، وأنبل أصحاب لنبى ظهر على وجه الأرض، وأوعى وأضبط جماعة لما استحفظوا عليه من كتاب الله، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطر أهل السنة والجماعة، أن يعلنوا رأيهم هذا كعقيدة، فقرروا أن الصحابة كلهم عدول. ولم يشذ عن هذا الرأى إلا المبتدعة والزنادقة قبحهم الله" (1) .
...
وطعون المبتدعة والزنادقة قديماً وحديثاً فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة سبق ذكر بعضها من الطعن فى اجتهادهم (2) ، والطعن فى صدقهم واتهامهم بالكذب (3) .
__________
(1) مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ محمد الزرقانى 1/334، 335.
(2) راجع: ص 307-318.
(3) راجع: ص 333-339.(1/749)
وسوف نتناول هنا بمشيئة الله تعالى نماذج من الطعون والشبهات التى طعنوا بها فى عدالة الصحابة، واتخذها أهل الزيغ والإلحاد قديماً وحديثاً، وسيلة للتشكيك فى حجية السنة، ومكانتها التشريعية.
على أن نفرد أيضاً ترجمة لراوية الإسلام الأول أبو هريرة رضي الله عنه لنتعرف على مكانته فى الإسلام، وإلى أى مدى انحط أعداء الإسلام بالطعن فيه وصولاً للطعن فى السنة المطهرة هذا بعد أن نُعرف بالصحابة والعدالة لغة واصطلاحاً، ونثبت عدالتهم من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة على ذلك. فإلى بيان ذلك.
المطلب الأول: التعريف بالصحابة لغة واصطلاحاً
... الصحابة فى اللغة: يقال استصحبه أى دعاه إلى الصحبة ولازمه، وكل شئ لازم شيئاً فقد استصحبه (1) .
... وقال أبو بكر الباقلانى: "لا خلاف بين أهل اللغة فى أن القول "صحابى" مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً … يقال صحبت فلاناً حولاً، ودهراً، وسنة، وشهراً، ويوماً، وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيرة.
وذلك يوجب فى حكم اللغة: إجراء هذا على من صحب النبىصلى الله عليه وسلمولو ساعة من نهار (2)
__________
(1) لسان العرب 1/519، والقاموس المحيط 1/91، والصحاح للجوهرى 1/162، ومختار الصحاح ص 356.
(2) انظر: الكفاية ص 100، واسد الغابة 1/119، 120.(1/750)
.. وقال الإمام ابن تيمية: "والأصحاب جمع صاحب، والصاحب اسم فاعل من صحبه يصحبه، وذلك يقع على قليل الصحبه وكثيرها" (1) . وعلى هذا التعريف اللغوى جرى أصحاب الحديث فى تعريفهم بالصحابى اصطلاحاً: فذهبوا إلى إطلاق (الصحابى) على كل من صحب النبى صلى الله عليه وسلم، ولو ساعة واحدة فما فوقها.
الصحابة فى الاصطلاح:
قال الإمام بدر الدين الزركشى-رحمه الله-: "ذهب الأكثرون إلى أن الصحابى من اجتمع - مؤمناً - بمحمدصلى الله عليه وسلم وصحبه ولو ساعة، روى عنه أو لا، لأن اللغة تقتضى ذلك، وإن كان العرف يقتضى طول الصحبة وكثرتها … وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليين، أما عند أصحاب الحديث فيتوسعون فى تعريفهم لشرف منزلة النبى صلى الله عليه وسلم (2) .
... يقول ابن حزم: "فأما الصحابة - رضي الله عنهم - فهم كل من جالس النبى صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه عليه السلام أمراً يعيه" (3) .
... والتعريفات التى وضعها العلماء للصحابة (اصطلاحاً) كثيرة، ولكن التعريف الصحيح المعتمد هو ما قرره الحافظ ابن حجر بقوله: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابى هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة على الأصح.
ثم شرح التعريف فقال: "فيدخل فيمن لقيه" من طالت مجالسته له، أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية، ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
__________
(1) الصارم المسلول ص 575، وانظر: الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى 1/57 - 60 قرر بتوسع واستدل أن تسمية يسير المخالطة (صحبة) ثابت بالكتاب والسنة، وعبارات الأئمة أ. هـ.
(2) البحر المحيط فى أصول الفقه 4/301.
(3) الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 5/86.(1/751)
ومن هنا كان التعبير باللقى أولى من قول بعضهم: "الصحابى من رأى النبى صلى الله عليه وسلم" لأنه يخرج حينئذ ابن أم مكتوم ونحوه من العميان وهم صحابة بلا تردد.
ويخرج "بقيد الإيمان" من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
وقولنا"به"يخرج من لقيه مؤمناً بغيره كمن لقيه مؤمناً من مؤمنى أهل الكتاب قبل البعثة.
ويدخل فى قولنا "مؤمناً به" كل مكلف من الجن والإنس …0
وخرج بقولنا "ومات على الإسلام" من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله - كعبيد الله بن جحش، وابن خطل، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا، كالأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتى به إلى أبى بكر الصديق أسيراً، فعاد إلى الإسلام فقبل منه، وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره فى الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه فى المسانيد وغيرها.
... وهذا هو الصحيح المعتمد، ووراء ذلك أقوال شاذة أخرى كقول من قال لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة:
من طالت مجالسته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه، أو استشهد بين يديه، وكذا من اشترط فى صحة الصحبة بلوغ الحلم، أو المجالسة ولو قصرت" (1) .
قال الحافظ السيوطى مؤيداً ابن حجر "وهو المعتبر" (2) .
وذهب إليه الجمهور من الأصوليين، منهم الآمدى فى الإحكام (3) ، وابن عبد الشكور فى فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت (4) ، والزركشى فى البحر المحيط (5) ، والشوكانى فى إرشاد الفحول (6) وغيرهم.
__________
(1) انظر: الإصابة 1/10 - 12، ونزهة النظر ص 51، 52.
(2) تدريب الراوى 2/216.
(3) انظر: الإحكام للآمدى 2/84، 85.
(4) انظر: فواتح الرحموت 2/158.
(5) انظر: البحر المحيط 4/302، 305.
(6) انظر: إرشاد الفحول 1/279، 280.(1/752)
.. ويقول الحافظ السخاوى مؤيداً رأى شيخه ابن حجر "والعمل عليه عند المحدثين والأصوليين" (1) .
السر فى التعميم فى تعريف الصحابى:
... التعميم فى تعريف الصحابى نظراً إلى أصل فضل الصحبة، ولشرف منزلة النبى صلى الله عليه وسلم، ولأن لرؤية نور النبوة قوة سريان فى قلب المؤمن، فتظهر آثارها على جوارح الرائى فى الطاعة والاستقامة مدى الحياة، ببركته صلى الله عليه وسلم ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن رآنى وآمن بى، وطوبى لمن رأى من رآنى، ولمن رأى من رأى من رآنى وآمن بى" (2) .
... وفى ذلك يقول الإمام السبكى: "والصحابى هو كل من رأى النبى صلى الله عليه وسلم مسلماً، وقيل: من طالت مجالسته، والصحيح الأول، وذلك لشرف الصحبة، وعظم رؤية النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك أن رؤية الصالحين لها أثر عظيم، فكيف رؤية سيد الصالحين؟! فإذا رآه مسلم ولو لحظة، انطبع قلبه على الاستقامة، لأنه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور العظيم، أشرق عليه وظهر أثره فى قلبه وعلى جوارحه" (3) .
__________
(1) انظر: فتح المغيث للسخاوى 3/85.
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر فضائل الأمة بعد الصحابة والتابعين4/96،من حديث عبد الله بن بسررضي الله عنه، وقال الحاكم هذا حديث قد روى بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه بما علونا فى أسانيد منها، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرناه، وقال الذهبى (جميع بن ثوب) واه. والقول ما قاله الحاكم، انظر: مجمع الزوائد 10/20.
(3) الإبهاج فى شرح المنهاج 1/15، وانظر: البحر المحيط للزركشى 4/301، وفتح البارى 7/9 رقم 3651 حديث (خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم - الحديث)(1/753)
يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله -: "فالتعميم فى تعريف (الصحابى) نظراً إلى أصل فضل الصحبة، وأما تفاوت من يشملهم هذا اللقب فى الفضل والدين وسائر خصال الخير … فهذا أمر وراء ذلك" (1) أ. هـ.
طريق معرفة الصحبة:
... تثبت الصحبة بأمور متعددة منها:
التواتر كأبى بكر الصديق المعنى بقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (2) وسائر العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم.
أو باشتهار قاصر عن التواتر وهو الاستفاضة كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة وغيرهما، أو بتواتر بها.
أو بقول صاحب آخر معلوم الصحبة، إما بتصريح بها كأن يجئ عنه أن فلاناً له صحبة مثلاً أو نحوه، كقوله: كنت أنا وفلان عند النبى صلى الله عليه وسلم أو دخلنا على النبى صلى الله عليه وسلم.
بشرط أن يعرف إسلام المذكور فى تلك الحالة.
4- وكذا تعرف بقول آحاد ثقات التابعين على الراجح من قبول التزكية من عدل واحد" (3) .
المطلب الثانى: التعريف بالعدالة لغة واصطلاحاً
... العدالة لغة: العدل ضد الجور، يقال عدل عليه فى القضية فهو عادل، وبسط الوالى عدله ومعدلته ومعدلته، وفلان من أهل المعدلة، أى: من أهل العدل، ورجل عدل، أى: رضا ومقنع فى الشهادة.
__________
(1) لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ص 51.
(2) جزء من الآية 40 من سورة التوبة.
(3) انظر: فتح المغيث للسخاوى3/87،88،وتدريب الراوى2/213،214،والكفاية ص98-101.(1/754)
والعدالة: وصف بالمصدر معناه ذو عدل، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (1) ويقال: رجل عدل ورجلان عدل، ورجال عدل، وامرأة عدل، ونسوة عدل، كل ذلك على معنى رجال ذوو عدل، ونسوة ذوات عدل، فهو لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، فإن رأيته مجموعاً، أو مثنى أو مؤنثاً، فعلى أنه قد أجرى مجرى الوصف الذى ليس بمصدر، وتعديل الشئ تقويمه، يقال عدلته فاعتدل، أى قومته فاستقام (2) أ. هـ.
... فمن هذه التعاريف اللغوية يتبين أن معنى العدالة فى اللغة الاستقامة فى الدين، والعدل هو المتوسط فى الأمور من غير إفراط فى طرفى الزيادة والنقصان، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (3) أى عدلاً فالوسط والعدل بمعنى واحد (4) .
والعدالة اصطلاحاً: تنوعت فيها عبارات العلماء من محدثين وأصوليين وفقهاء، إلا أنها ترجع إلى معنى واحد وهو أنها: ملكة أى صفة راسخة فى النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة.
... والتقوى ضابطها: امتثال المأمورات، واجتناب المنهيات من الكبائر ظاهراً، وباطناً من شرك أو فسق أو بدعة.
... والمروءة ضابطها: آداب نفسية تحمل صاحبها على التحلى بالفضائل والتخلى عن الرذائل، وترجع معرفتها إلى العرف.
وليس المراد بالعرف هنا سيرة مطلق الناس بل الذين نقتدى بهم، وقد سبق بيان ما يخل بها (5) ، ومجمله الاحتراز عما يذم به العدل عرفاً.
__________
(1) جزء من الآية 2 من سورة الطلاق.
(2) انظر: لسان العرب 11/430، والصحاح للجوهرى 5/1760 - 1761، ومختار الصحاح ص415، 416، والقاموس المحيط 4/13، والمصباح المنير 2/397.
(3) الآية 143 من سورة البقرة.
(4) الإحكام للآمدى 2/69، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث لفضيلة الدكتور التازى 2/64.
(5) راجع: ص 410.(1/755)
.. ولا تتحقق العدالة فى الراوى إلا إذا اتصف بصفات خمسة: الإسلام- والبلوغ والعقل والسلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة (1) .
وليس المقصود من العدل أن يكون بريئاً من كل ذنب، وإنما المراد أن يكون الغالب عليه التدين، والتحرى فى فعل الطاعات.
وفى ذلك يقول الإمام الشافعى: "لو كان العدل من لا ذنب له لم نجد عدلاً، ولو كان كل مذنب عدلاً لم نجد مجروحاً، ولكن العدل من اجتنب الكبائر وكانت محاسنه أكثر من مساويه" (2) .
ويعبر أبو يوسف عن هذا الاتجاه حين يقول: "من سلم أن تكون منه كبيرة من الكبائر التى أوعد الله تعالى عليها النار، وكانت محاسنه أكثر من مساوئه فهو عدل" (3) .
ونخلص مما سبق فيما يخص عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - "أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله - سترهم، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم، والمرتدين الذين ارتدوا فى حياة النبى وبعد وفاته، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام، وماتوا على ردتهم، هم بمعزل من شرف هذه الصحبة، وبالتالى بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول، وفى تعريف العلماء للصحبة ما ينفى عنها هؤلاء وأولئك.
ومعنى عدالة الصحابة: "أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة، وسموا الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور.
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصى أو من السهو أو الغلط فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم.
__________
(1) انظر: فتح المغيث للسخاوى 3/315 - 317، وتوضيح الأفكار للصنعانى 2/114 - 118، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث للدكتور التازى 2/65، 66.
(2) انظر: الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى 1/28.
(3) نقلاً عن توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى للدكتور رفعت فوزى ص 129.(1/756)
ومما ينبغى أن يعلم أن الذين قارفوا إثماً ثم حدوا - كان ذلك كفارة لهم، وتابوا وحسنت توبتهم، التى لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوستعهم، وهم فى نفس الوقت قلة نادرة جداً لا ينبغى أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المؤلفة من الصحابة الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم، وجانبوا المآثم، والمعاصى ما كبر منها وما صغر، وما ظهر منها وما بطن، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا (1) أ. هـ.
ويؤكد ما سبق الإمام الأبيارى (2) بقوله: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية عليهم، وإنما المراد: قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا أن يثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك، ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح" (3) انتهى.
__________
(1) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 92، 244 بتقديم وتأخير وانظر: الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهر ص 150 وما بعدها، وتدريب الراوى 2/216 هامش.
(2) الأبيارى هو: على بن إسماعيل بن على بن عطية الأبيارى، نسبه إلى "إبيار" بلدة بمديرية الغربية، وهى بفتح الهمزة وبعدها ياء مثناة من تحت وبعدها ألف، ثم راء مهملة، وبعضهم يصحفها بانبار بنون بعد الهمزة. وهو من العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام، فقيه مالكى محدث أصولى. من مؤلفاته "شرح البرهان" لإمام الحرمين فى الفقه مات سنة 618هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب 306 رقم 409، وحسن المحاضرة للسيوطى 1/454، ومعجم المؤلفين 7م37، وشجرة النور الزكية 1/166 رقم 520.
(3) انظر: فتح المغيث للسخاوى3/96،وفتح الباقى على الفية العراقى للإمام زكريا الأنصارى 3/14، والبحر المحيط للزركشى 4/300، وإرشاد الفحول 1/278، والشفا للقاضى عياض 2/52.(1/757)
المطلب الثالث أدلة عدالة الصحابة - رضي الله عنهم -
... إن العدالة التى نثبتها لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - لم نعطها هبة لهم من عند أنفسنا - فنحن أقل من ذلك فضلاً عن أننا لا نملك ذلك، وإنما العدالة ثابتة لهم جميعاً بنص الكتاب والسنة الشريفة - سواء منهم من تقدم إسلامه ومن تأخر، ومن هاجر ومن لم يهاجر، ومن اشترك فى الغزوات ومن لم يشترك، ومن لابس الفتنة ومن لم يلابسها (1) . فهذه العدالة لهم جميعاً تضافرت عليها الأدلة من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة.
أولاً: دلالة القرآن الكريم على عدالة الصحابة - رضي الله عنهم -:
لقد وصف رب العزة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدالة وأثنى عليهم فى آيات يطول ذكرها منها:
__________
(1) انظر: تيسير اللطيف الخبير فىعلوم حديث البشير النذير للدكتور مروان ص95بتقديم وتأخير.(1/758)
1- قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (1) ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم أن وسطاً بمعنى "عدولاً خياراً" (2) ، ولأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة (3) . وقد ذكر بعض أهل العلم أن اللفظ وإن كان عاماً إلا أن المراد به الخصوص، وقيل: "إنه وارد فى الصحابة دون غيرهم (4) .
2- وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (5) ووجه دلالة هذه الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم أنها أثبتت الخيرية المطلقة لهذه الأمة على سائر الأمم قبلها، وأول من يدخل فى هذه الخيرية المخاطبون بهذه الآية مباشرة عند النزول، وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وذلك يقتضى استقامتهم فى كل حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة، ومن البعيد أن يصفهم الله عز وجل بأنهم خير أمة ولا يكونوا أهل عدل واستقامة، وهل الخيرية إلا ذلك؟
__________
(1) الآية 143 من سورة البقرة.
(2) انظر: جامع البيان للطبرى 2/7، وتفسير الرازى 4/97، والجامع لأحكام القرآن 2/154، وتفسير القرآن العظيم 1/190.
(3) ويؤيد ذلك ما أخرجه الترمذى فى سنته عن بهز عن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى قوله: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" قال صلى الله عليه وسلم إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" أ. هـ. أخرجه الترمذى كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران 5/211 رقم 3001، وقال الترمذى: هذا حديث حسن.
(4) انظر: الكفاية ص 93.
(5) الآية 110 من سورة آل عمران.(1/759)
.. كما أنه لا يجوز أن يخبر الله تعالى بأنه جعلهم أمة وسطاً – أى عدولاً – وهم على غير ذلك، فيصح أن يطلق على الصحابة أنهم خير أمة بإطلاق، وأنهم وسط أى عدول بإطلاق" (1) .
وهكذا سائر الآيات التى جاءت بمدحهم قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) فالصادقون هم المهاجرون، والمفلحون هم الأنصار، بهذا فسر أبو بكر الصديق، هاتين الكلمتين، من الآيتين، حيث قال فى خطبته يوم السقيفة مخاطباً الأنصار:"إن الله سمانا (الصادقين) وسماكم (المفلحين) ،وقد أمركم أن تكونوا حيثما كنا، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (3) .
فهذه الصفات الحميدة فى هاتين الآيتين كلها حققها المهاجرون والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتصفوا بها، ولذلك ختم الله صفات المهاجرين بالحكم بأنهم صادقون، وختم صفات الذين آزروهم ونصروهم وآثروهم على أنفسهم بالحكم لهم بأنهم مفلحون.
__________
(1) الموافقات 4/450 - 452 بتصرف، وانظر: عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر على الشيخ 2/801، 802.
(2) الآيتان 8،9 من سورة الحشر.
(3) الآية 119 من سورة التوبة وانظر: العواصم من القواصم لابن العربى ص 62، والبداية والنهاية 5/217 وما بعدها.(1/760)
وهذه الصفات العالية لا يمكن أن يحققها قوم ليسوا بعدول" (1) .
وحتى الآيات التى جاء فيها عتاب لهم أو لبعضهم شاهدة بعدالتهم حيث غفر الله لهم ما عاتبهم فيه وتاب عليهم قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) وتأمل ختام العتاب "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" وهل بعد مغفرة الله عز وجل من شئ؟! 0
وقال تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وتأمل ختام الآية "إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (3) .
... وغير ذلك من الآيات الشاهدة بمغفرة الله عز وجل لهم لما ارتكبوا من بعض المعاصى - وسيأتى ذكر بعضها فى الرد على الشبهات حول عدالة الصحابة.
إن تلك الآيات التى جاء فيها عتاب للصحابة أو لبعضهم لارتكابهم بعض المعاصى لخير دليل شاهد على ما سبق ذكره، من أن المراد بعدالتهم جميعاً عصمتهم من الكذب فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنى عدالتهم عصمتهم من المعاصى أو من السهو أو الغلط، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم. وحتى مع ارتكاب بعضهم لبعض الذنوب، فقد امتن الله عز وجل عليهم بالتوبة والمغفرة لذنوبهم.
__________
(1) عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة 2/807.
(2) الآيات 67 - 69 من سورة الأنفال.
(3) الآية 118 من سورة التوبة.(1/761)
وما هذه المنة من ربهم عز وجل إلا بيان لعباده مؤمنهم وكافرهم إلى قيام الساعة. بعظم مكانة من اختارهم لصحبة سيد أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم، وأن التجريح والقدح فى تلك المكانة والعدالة إنما هو تجريح وقدح فيمن بوأهم تلك المكانة، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس!!! نعوذ بالله عز وجل من الخذلان.
ثانياً: دلالة السنة المطهرة على عدالة الصحابة - رضي الله عنهم -:
... لقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بالعدالة، وأثنى عليهم فى أحاديث يطول تعدادها منها:
1- قوله صلى الله عليه وسلم:"ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب" (1) "ففى هذا الحديث أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح، ولا ضعيف إذ لو كان فيهم أحد غير عدل، لاستثنى فى قوله صلى الله عليه وسلم وقال: "ألا ليبلغ فلان منكم الغائب" فلما أجملهم فى الذكر بالأمر بالتبليغ لمن بعدهم، دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً" (2) .
2- وقال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِيَنهُ ويَميِنُهُ شَهَادَتَهُ" (3) وهذه الشهادة بالخيرية مؤكدة لشهادة رب العزة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (4) .
__________
(1) سبق تخريجه ص 273.
(2) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/91.
(3) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، ومن صحب النبى صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه 7/5 رقم 3651، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم 8/324 رقم 2533 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه واللفظ للبخارى.
(4) الآية 110 من سورة آل عمران.(1/762)
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: "النجومُ أَمنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبتِ النجوُمِ، أَتى السماءَ ما تُوعدُ، وأَنا أَمَنةٌ لأَصْحَابى. فإذا ذهبتُ أَتَى أَصْحَابِى ما يُوعدونَ، وأَصْحَابى أَمنةٌ لأُمَّتِى، فإِذا ذهب أصحابى أتى أُمِتى ما يُوعَدُون" (1) .
4- وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختار أصحابى على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار لى من أصحابى أربعة أبا بكر، وعمر وعثمان، وعلياً رضي الله عنهم فجعلهم أصحابى قال فى أصحابى كلهم خير، وأختار أمتى على الأمم، وأختار من أمتى أربعة قرون، القرن الأول والثانى والثالث، والرابع" (2) .
وهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (3) .
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبىصلى الله عليه وسلم آمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة 8/322 رقم 2531 من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه.
(2) أخرجه البزار فى مسنده انظر: كشف الأستار كتاب المناقب، باب مناقب أصحاب النبىصلى الله عليه وسلم1/88، وقال الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 10/16رواه البزار ورجاله ثقات، وفى بعضهم خلاف.
(3) الآية 29 من سورة الفتح.(1/763)
ويؤكد ابن مسعود رضي الله عنه ما سبق من الآية والحديث قائلاً: "إن الله نظر فى قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون عن دينه" (1) .
يقول الإمام الآمدى: "واختيار الله لا يكون لمن ليس بعدل" (2) .
5- وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابى. لا تَسُبُّوا أصحابى: فوالذى نفسى بيده! لو أن أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مثلَ أُحُدٍ ذهباً، ما أَدركَ مُدَّ أَحَدِهِم، ولا نَصِيَفهُ" (3) .
__________
(1) أخرجه أحمد فى مسنده 1/379، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/178 رواه أحمد ورجاله موثقون. ورواه ابن عبد البر فى مقدمة الاستيعاب 1/12، 13.
(2) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/82.
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب قول صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذاً خليلاً" 7/25 رقم 3673، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة 8/332 رقم 2540 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه واللفظ لمسلم.(1/764)
يقول الصحابى الجليل سعيد بن زيد بن عمرو (1) ، أحد العشرة المبشرين بالجنة - رضي الله عنهم - لما سمع رجلاً من أهل الكوفة يسب رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "… والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل من عمل أحدكم، ولو عمر عمر نوح عليه السلام" (2) .
يقول فضيلة الشيخ محمد الزرقانى - رحمه الله - "فأنت ترى من هذه الشهادات العالية فى الكتاب والسنة، ما يرفع مقام الصحابة إلى الذروة، وما لا يترك لطاعن فيهم دليلاً، ولا شبهة دليل.
والواقع أن العقل المجرد من الهوى والتعصب، يحيل على الله فى حكمته ورحمته، أن يختار لحمل شريعته الختامية، أمة مغموزة، أو طائفة ملموزة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ومن هنا كان توثيق هذه الطبقة الكريمة طبقة الصحابة، يعتبر دفاعاً عن الكتاب، والسنة، وأصول الإسلام من ناحية، ويعتبر إنصافاً أدبياً لمن يستحقونه من ناحية ثانية، ويعتبر تقديراً لحكمة الله البالغة فى اختيارهم لهذه المهمة العظمى من ناحية ثالثة.
كما أن تَوْهِينهم والنيل منهم، يعد غمزاً فى هذا الاختيار الحكيم، ولمزاً فى ذلك الاصطفاء والتكريم، فوق ما فيه من هدم الكتاب، والسنة، والدين" (3) أ. هـ.
ثالثاً: دلالة إجماع الأمة على عدالة الصحابة - رضي الله عنهم -:
__________
(1) له ترجمة فى: الاستيعاب 2/614 رقم 982، واسد الغابة 2/476 رقم 2076، والإصابة 2/44 رقم 3271، وتاريخ الصحابة ص25 رقم 8، ومشاهير علماء الأمصار ص 13 رقم 11.
(2) أخرجه أبو داود فىسنته كتاب السنة، باب فى الخلفاء4/212 رقم4650،وأخرجه أحمد فىمسنده 1/187، واللفظ له، وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر فى تعليقه على المسند 3/108.
(3) مناهل العرفان فى علوم القرآن 1/336 - 337.(1/765)
.. أجمعت الأمة - إلا من شذ ممن لا يعتد بخلافهم (1) . على ما سبق من تعديل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة أجمع، والنقول فى هذا الإجماع كثيرة عن علماء الأمة، من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين.
... يقول الخطيب البغدادى: "إنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شئ مما ذكرناه، لأوجبت الحال التى كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة فى الدين، وقوة الإيمان واليقين: القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين، الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء" (2) .
... وقال ابن الصلاح: "للصحابة بأسرهم خصيصة، وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب، والسنة، وإجماع من يعتد به فى الإجماع من الأمة" (3) .
... وقال العراقى: "إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وأما من لابس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان رضي الله عنه فأجمع من يعتد به أيضاً فى الإجماع على تعديلهم إحساناً للظن بهم، وحملاً لهم فى ذلك على الاجتهاد" (4) .
__________
(1) راجع أقوالهم فى: تدريب الراوى 2/214، وفواتح الرحموت 2/155 - 156، والبحر المحيط 4/299، 300، وإرشاد الفحول 1/274 - 278.
(2) الكفاية ص 96.
(3) علوم الحديث ص 176.
(4) شرح الفية العراقى المسماة بالتبصرة والتذكرة للعراقى 3/13، 14.(1/766)
.. وقال الإمام الغزالى: "والذى عليه سلف الأمة، وجماهير الخلق، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم فى كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل – ثم ذكر بعض ما دل على عدالتهم من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال: فأى تعديل أصح من تعديل علام الغيوب –سبحانه- وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم فى الهجرة، والجهاد، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأهل، فى موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصرته، كفاية فى القطع بعدالتهم" (1) .
... فهذه النقول المباركة للإجماع من هؤلاء الأئمة وغيرها كثير. كلها فيها بيان واضح، ودليل قاطع على أن ثبوت عدالة الصحابة عموماً بلا استثناء، أمر مفروغ منه، ومسلم به.
فلا يبقى لأحد شك، ولا ارتياب بعد تعديل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على ذلك (2) .
... "وإذا تقرر لك عدالة جميع من ثبتت له الصحبة، علمت أنه إذا قال الراوى عن رجل من الصحابة، ولم يسمه كان ذلك حجة، ولا يضر الجهالة، لثبوت عدالتهم على العموم" (3) .
__________
(1) المستصفى 1/164، وانظر: الإحكام للآمدى 2/81، 82، والبحر المحيط للزركشى 4/299
(2) انظر: المكانة العلمية لعبد الرزاق الصنعانى فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار 1/291 مبحث (لا يستثنى فى ثبوت العدالة أحد من الصحابة) ، وانظر: توضيح الأفكار 2/470، 471، وعقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر الشيخ 2/814.
(3) إرشاد الفحول للشوكانى 1/278، وانظر: فتح المغيث للسخاوى 3/97.(1/767)
.. قال الإمام الجوينى: "ولعل السبب فى قبولهم من غير بحث عن أحوالهم، والسبب الذى أتاح الله الإجماع لأجله، أن الصحابة هم نقلة الشريعة، ولو ثبت توقف فى رواياتهم، لانحصرت الشريعة على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما استرسلت على سائر الأعصار" (1) .
أولئك آبائى فجئنى بمثلهم ... ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
غمرهم الله برحمته ورضوانه … آمين.
__________
(1) البرهان فى أصول الفقه 1/242، وانظر: إرشاد الفحول 1/275.(1/768)
المطلب الرابع شبهات حول عدالة الصحابة والرد عليها
... إن لأهل الزيغ والإلحاد قديماً وحديثاً شبهات كثيرة يطعنون بها فى عدالة الصحابة، وأساس تلك الشبهات الرافضة الذين فاقوا اليهود والنصارى فى خصلتين كما قال الشعبى -رحمه الله- فيما رواه عنه ابن الجوزى فى الموضوعات قال: "… فضلت الرافضة على اليهود والنصارى بخصلتين.سئلت اليهود من خير أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب موسى-عليه السلام- وسئلت النصارى فقالوا أصحاب عيسى-عليه السلام-، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا حوارى محمد، وأمروا بالاستغفار لهم فسبوهم" (1) .
... فمن مطاعنهم فى عدالة الصحابة: ما استدلوا به من:
1- قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (2) وقالوا نزلت فى أكثر الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التى جاءت من الشام، وتركوه وحده فى خطبة الجمعة، وتوجهوا إلى اللهو، واشتغلوا بالتجارة، وذلك دليل على عدم الديانة (3) .
__________
(1) الموضوعات 1/339.
(2) الآية 11 من سورة الجمعة.
(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 271 -272، وانظر الصافى فى تفسير القرآن للكاشانى 2/701، وتفسير القمى لعلى بن إبراهيم القمى 2/367، ومجمع البيان للطبرسى 5/287، 288، وتفسير فرات الكوفى لفرات بن إبراهيم ص 185، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين 1/114، وأضواء على السنة لمحمود أبو رية ص 359، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 223، والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب لمحمد بن النعمان العكبرى ص 37.(1/769)
2- واستدلوا أيضاً بما ورد فى القرآن الكريم من آيات تتحدث عن النفاق والمنافقين، وحملوها على أتقى خلق الله، وأطهرهم (رضوان الله عليهم أجمعين) كقوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (1) .
... وأيدوا ذلك بما جاء فى السنة المطهرة من أحاديث يطلق فيها لفظ الصحابة على المنافقين.
__________
(1) الآية 101 من سورة التوبة.(1/770)
مثل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "أتى رَجُلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالجِعْرَانَة مُنْصَرَفَهُ من حُنين. وفى ثوب بلال فِضَةٌ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها. يعطى الناس. فقال: يا محمدُ! اعْدِلْ0 قال "ويلك ومن يَعْدِلُ إذا لم أَكُنْ اَعْدِلُ؟ لقد خِبْتُ وَخَسِرْتُ إن لم أكن أعدِلُ" فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعنى يا رسول الله فأقُتل هذا المنافق. فقال: "مَعَاذ الله! أَنْ يتحدث الناس أَنى أَقْتُلُ أَصْحَاِبى. إِنَّ هذا وأصحابَهُ يقرأون القرآنّ لا يُجاوزُ حَنَاجِرَهُم. يَمرُقُونَ منه كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيِة" (1) .
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم 4/170، 171 رقم 1063، وانظر: الفصول المهمة فى تأليف الأمة لعبد الحسين الموسوى ص 203، والصحابة فى نظر الشيعة الإماميةلأسد حيدر ص 31 – 32، ومقدمة مرآة العقول فى شرح أخبار آل الرسول لمرتضى العسكرى 1/8، ومعالم المدرستين له أيضاً المجلد 1/130، وأضواء على السنة محمود أبو رية ص 354، 356، والحسبة ص 60 وما بعدها، ولماذا القرآن ص 82 – 84 كلاهما لأحمد صبحى منصور، وانظر: له أيضا مقاله (الصحابة بين القداسة والتكفير) مجلة روزاليوسف العدد 3564 ص 22–24، والنص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص335، 336، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 219 – 223، ومساحة للحوار لأحمد حسين يعقوب ص 131، 169، 171، ونظرية عدالة الصحابة له أيضاً ص 39،وأهل السنة شعب الله المختار لصالح الوردانى ص 37، 102، ومع الدكتور موسى الموسوى فى كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزوينى ص 151، 153، والإفصاح فى إمامة على للشيخ محمد العكبرى ص 37، 39، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى ص 45، 91، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص285.(1/771)
3- واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} (1) وقوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (2) وقالوا. الفرار من الزحف من أكبر الكبائر (3) .
__________
(1) الآية 155 من سورة آل عمران.
(2) الآية 25 من سورة التوبة.
(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273، وانظر: تفسير الصافى للكاشانى 1/691، وتفسير القمى لعلى إبراهيم القمى 1/287، والميزان فى تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائى 9/226، وركبت السفينة لمروان خليفات ص230،والإفصاح فى إمامة على بن أبىطالب لمحمد بن النعمان العكبرى ص 36، 41، ولقد شيعنى الحسين لإدريس الحسينى ص 350.(1/772)
4- واستدلوا من السنة المطهرة: بقوله صلى الله عليه وسلم: "… ألا وإنه سَيْجَاءُ برجالٍ من أمتى فيؤخذُ بِهمْ ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أُصيحَابى، فيقال: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (1) فيقال: إن هؤلاء لا يَزَالوا مُرْتَدِّينَ على أعقابِهِم منذ فَارَقْتَهُم" (2) .
__________
(1) جزء من الآية 117 من سورة المائدة.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب قوله تعالى: "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ " 8/135 رقم 4625، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة 9/210 رقم 2860 من حديث ابن عباس، واللفظ للبخارى وانظر: مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272، وشبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص 115، 116، ثم اهتديت لمحمد التيجانى ص 119، 120، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين 1/117، ومعالم المدرستين: لمرتضى العسكرى المجلد 1/132، والنص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص 337، وركبت السفينة 224 - 228، ونظرية عدالة الصحابة ص 53-54، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة 98، ومع الدكتور موسى الموسوى للدكتور علاء الدين القزوينى ص 152، 153 - 159، والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب ص 30، 31، والخلافة المغتصبة ص 193، ولقد شيعنى الحسين ص349، وأضواء على السنة ص354-356، وأهل السنة شعب الله المختار ص 37.(1/773)
5- واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" (1) وقالوا: تقاتل الصحابة فى صفين والجمل (2) .
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الفتن، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض 13/29 رقم 7080، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان معنى قول النبى صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض 1/332 رقم 65 من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
(2) أضواء على السنة ص 354، وانظر: نظرية عدالة الصحابة لأحمد حسين يعقوب ص 53، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى ص93، والفتنة الكبرى (عثمان) لطه حسين ص170-173، دين السلطان لنيازى عز الدين ص 34، 103، 110، 124، 795، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 241، 260، 267، والصلاة لمحمد نجيب 32 – 37، وحوار ومناقشة كتاب عائشة لهشام آل قطيط ص312 وغيرهم.(1/774)
.. واستدل آخرون بالطعن فى عدالة الصحابة بما تمليه عليهم عقولهم الضالة من فهم أعوج لسيرة الصحابة، وتاريخهم المجيد، كما فعل مفتى الماركسية خليل عبد الكريم (1) فى كتابه "مجتمع يثرب العلاقة بين الرجل والمرأة فى العهدين المحمدى والخليفى" فقد صور مجتمع المدينة المنورة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته الأطهار، تصويراً شائناً قبيحاً، وجعله أشبه بمجتمع الحيوانات التى لا هم لها إلا إشباع الغرائز الجنسية بأى شكل، وبغير ضابط من دين أو خلق، غير مكترثين بالنصوص الدينية التى تمنعهم من هذا الهبوط" (2) .
__________
(1) خليل عبد الكريم: كاتب مصرى معاصر، حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول - جامعة القاهرة حالياً. أطلق عليه "مفتى الماركسية" أونة، "والشيوعى الملتحى" آونة أخرى. انظر: السنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 163.
(2) انظر: مجلة الأزهر مقال "لا تسبوا أصحابى" لفضيلة الشيخ عبد المقصود عسكر عدد ربيع الأول 1418هـ - يوليه 1997 ص 384.(1/775)
.. كما أصدر كتاباً آخر بعنوان "شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة" وهو من ثلاثة أسفار، الأول بعنوان "محمد والصحابة" والثانى "الصحابة والصحابة" والثالث "الصحابة والمجتمع" تناول فيها المؤلف تاريخ الصحابة، وسيرتهم بأسلوب فج قبيح ينبئ عن سوء فهمه، وجهله، وحقده الدفين، ضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل سعيد العشماوى (1) وغيرهم (2) .
الجواب عن الشبهات السابقة حول عدالة الصحابة - رضي الله عنهم -
إن ما استدل به الرافضة ومن تابعهم طعناً فى عدالة الصحابة لا حجة لهم فيه لما يلى:
أولاً: قصة انفضاض أكثر الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير القادمة من الشام، وتركهم خطبة الجمعة، إنما وقع ذلك فى بدء زمن الهجرة، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الآداب الشرعية كما ينبغى، كما أن كبار الصحابة كأبى بكر وعمر كانوا قائمين عنده، كما ثبت ذلك فى الأحاديث الصحيحة.
__________
(1) انظر: له الخلافة الإسلامية، وأصول الشريعة، وحصاد العقل وغير ذلك.
(2) سبق ذكر من طعن فى الصحابة باتهامهم بالكذب. وانظر: فيمن طعن فى عدالة الصحابة بحجة أنهم بشر لا عصمة لهم. نقد الحديث فى علم الرواية والدراية لحسين الحاج 1/350، 351، وإنذار من السماء ص39، 69،127،154، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص396-426، والدولة والمجتمع محمد شحرور 160 وما بعدها، والإمام الشافعى لنصر أبو زيد ص55،56،76، والأصلان العظيمان ص 284 - 288 والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 24 - 28، 30، 65، 85، 261.(1/776)
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: بينما النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة، فابتدرها (1) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنى عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر ونزلت الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (2) ،
ولذا لم يشفع عليهم، ولم يوعدهم سبحانه وتعالى بعذاب ولم يعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً" (3) .
ورد آخر على هذه القصة وهو: أنه ورد فى بعض الأخبار أنها وقعت لما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة على الخطبة يوم الجمعة، وانفضاضهم وقع فى الخطبة، وليس فى الصلاة كما هو الظاهر من بعض الروايات، والتى ركز عليها بعض الرافضة، كمحمود أبو رية (4) ، ومروان خليفات (5) ، وغيرهم.
... ويدل على أن الانفضاض كان فى الخطبة ما جاء فى رواية مسلم السابقة: بينما النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً.
__________
(1) ابتدرها: أى أسرعوا إليها. لسان العرب 4/48.
(2) الآية 11 من سورة الجمعة، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب تفسير "وإذا رأوا تجارة أو لهواً 8/511 رقم 4899، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة،=
=باب فى قوله تعالى: "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا" 3/415 رقم863 واللفظ له.
(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272 بتصرف، وانظر: روح المعانى للألوسى 28/107.
(4) أضواء على السنة ص 359.
(5) وركبت السفينة ص 223.(1/777)
يقول الحافظ ابن حجر: "ترجيح كون الانفضاض وقع فى الخطبة لا فى الصلاة، هو اللائق بالصحابة تحسيناً للظن بهم، وعلى تقدير أن يكون فى الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهى كآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (1) وقبل النهى عن الفعل الكثير فى الصلاة ونزول قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) .
ويؤيد ذلك: ما رواه أبو داود فى المراسيل أن هذه القصة كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الجمعة قبل الخطبة، مثل العيدين، فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس فى ترك الجمعة شئ، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} فقدم النبى صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة (3) .
وهو ما رجحه أيضاً النووى فى شرحه على مسلم (4) .
وعلى كل تقدير أنه فى الصلاة، فلم يكن تقدم لهم نهى عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة، وفهموا منها ذم ذلك، اجتنبوه" (5) .
__________
(1) الآية 33 من سورة محمد.
(2) الآية 2 من سورة المؤمنون وانظر: فتح البارى 2/493 رقم 936 بتصرف يسير.
(3) المراسيل ص 50 رقم 61.
(4) المنهاج شرح مسلم 3/416، 417 رقم 863، وانظر: تفسير القرآن العظيم 4/367.
(5) انظر: فتح البارى 2/493 رقم 936.(1/778)
.. يقول الألوسى: "ورواية أن ذلك وقع منهم مراراً" إن أريد بها رواية البيهقى فى شعب الإيمان (1) عن مُقَاتِل بن حيان (2) أنه قال: بلغنى والله أعلم أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات، فمثل ذلك لا يلتفت إليه، ولا يعول عند المحدثين عليه، وإن أريد بها غيرها فليبين، ولتثبت صحته، وأنى بذلك؟
وبالجملة: الطعن فى الصحابة بهذه القصة التى كانت من بعضهم فى أوائل أمرهم، وقد أعقبها منهم عبادات لا تحصى، سفه ظاهر، وجهل وافر" (3) .
ثانياً: أما نسبة النفاق إلى خيار هذه الأمة بدعوى أنه كان فى المدينة منافقين، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أطلق لفظ الصحابة عليهم: "معاذ الله! أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى".
هذه الشبهة أوهى من بيت العنكبوت، وهى فرية واضحة لا تثبت لها قدم.
__________
(1) الرواية أوردها السيوطى فى الدر المنثور: 8/166، ولم يعزها لغيره.
(2) هو: مقاتل بن حَيَّان النَّبَطىُّ، أبو بسطام البَلْخِىُّ، صدوق فاضل، اخطأ الأزدى فى زعمه أن وكيعاً كذبه، إنما كذب مقاتل بن سليمان. مات قبيل الخمسين بأرض الهند. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/210 رقم6891، وتذكرة الحفاظ 1/174 رقم 168، وطبقات المفسرين للداودى 2/329، وخلاصة تهذيب الكمال ص 330، ولسان الميزان 9/198 رقم 14548.
(3) روح المعانى للألوسى 28/107.(1/779)
أولاً: لأن إطلاق لفظ الصحابة على المنافق كما جاء فى الحديث هذا الإطلاق لغوى، وليس اصطلاحى نظير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} (1) وقوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (2) فإضافة صحبة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المشركين والكافرين إنما هى صحبة الزمان والمكان لا صحبة الإيمان، وذلك كقوله تعالى فى حق سيدنا يوسف - عليه السلام -: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (3) .
فالصحبة فى الحديث الشريف، بمعناها اللغوى كما فى الآيات السابقة، وليست الصحبة الاصطلاحية، فتعريفها السابق يخرج المنافقين والمرتدين.
__________
(1) الآية 184 من سورة الأعراف.
(2) الآية 2 من سورة النجم، وفى هذه الآية وما فى معناها بطلان لسؤال الرافضى مروان خليفات ومن قال بقوله. قال: قال تعالى "وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ" الآية 101 من سورة التوبة، قال: فنصت الآية على أن هناك منافقين لا يعلمهم إلا الله فمن هم حتى نتجنب أخذ الأحاديث عنهم" أ. هـ. انظر: وركبت السفينة ص 230، 231، ونسى خليفات على فرض التسليم بزعمه، ما أفاض فيه رب العزة من ذكر أوصافهم فى سورة التوبة، وغيرها من سائر سور القرآن، كما تناسى وعد الله المذكور فى ختام الآية، وهو فضحهم فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم: "نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ" وإلا فالخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم كان فى بدء الأمر ثم أعلمه رب العزة بأسمائهم، فضلاً عما= =ذكر فى القرآن من صفاتهم، ويؤكد هذا أخبار النبى صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم بأسمائهم، وسيأتى قريباً ذكر الحديث.
(3) الآية 39 من سورة يوسف.(1/780)
ثم كيف يكون المنافقون من الصحابة بالمعنى الاصطلاحى وقد نفاه عنهم رب العزة بقوله: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} (1) .
ثم إن المنافقين لم يكونوا مجهولين فى مجتمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم يكونوا هم السواد الأعظم، والجمهور الغالب فيهم، وإنما كانوا فئة معلومة آل أمرهم إلى الخزى والفضيحة، حيث علم بعضهم بعينه، والبعض الآخر منهم علم بأوصافه، فقد ذكر الله فى كتابه العزيز من أوصافهم، وخصوصاً فى سورة التوبة، ما جعل منهم طائفة متميزة منبوذة، لا يخفى أمرها على أحد، كما لا يخفى على أحد حالهم فى زماننا.
فأين هذه الفئة المنافقة ممن أثبت الله لهم فى كتابه نقيض صفات المنافقين، حيث أخبر عن رضاه عنهم، من فوق سبع سماوات، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس" (2) .
ويدل على ما سبق من قلة المنافقين فى المجتمع الإسلامى، وأنهم فئة معلومة تكفل رب العزة بفضحهم فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم.
ما رواه حذيفة بن اليمان (3) رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنافقين. قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم فى أمتى - وفى رواية - فى أصحابى إثنا عشر منافقاً فيهم ثمانيةٌ لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها حتى يَلِجَ الجَمَلُ فى سم الخياط. ثَمانيةٌ منهم تَكْفِيكُهُمُ الدُّبِيْلَةُ، سِرَاجٌ من النارِ، يظهرُ فى أكتافِهِم حتى يَنْجُمَ من صُدَورِهِم" (4) .
__________
(1) الآية 56 من سورة التوبة.
(2) انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر الشيخ 3/963.
(3) له ترجمة فى: الإستيعاب1/334 رقم 492، واسد الغابة 1/706 رقم 1113، والإصابة 1/317 رقم 1652، وتاريخ الصحابة 73 رقم 267، ومشاهير علماء الأمصار ص55 رقم 267.
(4) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب صفات المنافقين 9/136، 137 رقم 2779.(1/781)
وعن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظل حجرةٍ من حجره، وعنده نفرٌ من المسلمين قد كان يقلصُ عنها الظل، قال: سيأتيكم رجل ينظر إليكم بعين شيطان فلا تكلموه، فدخل رجل أزرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تسبُنى أنت وفلانٌ وفلان، لقوم دعا بأسمائهم، فانطلق إليهم فدعاهم فحلفوا واعتذروا فأنزل الله عز وجل {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (1) .
... أما ما استدل به محمود أبو رية من قول "أُسَيْدُ بن حُضَيْر، لسعدُ بنُ عبادةُ إنك منافق تجادل عن المنافقين" وقوله فهؤلاء البدريون منهم من قال لآخر منهم: "إنك منافق ولم يكفر النبى لا هذا ولا ذاك" (2) .
هذا الذى يزعمه الرافضى محمود أبو ريه من فرط جهله، وتضليله وبتره لسبب ذلك القول.
__________
(1) الآية 18 من سورة المجادلة، والحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب التفسير، باب تفسير سورة المجادلة 2/524 رقم 3795، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبى، وأخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 5/282، 283 واللفظ له.
(2) أضواء على السنة ص 359.(1/782)
وهو كما جاء فى الصحيحين فى قصة الإفك لما قال صلى الله عليه وسلم وهوعلى المنبر: "يا معشر المسلمين من يعذرنى من رجل قد بلغ أذاه فى أهل بيتى فوالله ما علمت على أهلى إلا خيراً. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً. وما كان يدخل على أهلى إلا معى" فقام سعد بن معاذ الأنصارى فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت عائشة - رضى الله عنها - فقام سعد بن عبادة (1) ، وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً. ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله! لا تقتله، ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير (2) ، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله! لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين …" (3) .
فكما هو واضح من قصة الحديث أن قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة "فإنك منافق" وقع منه على جهة المبالغة، فى زجره عن القول الذى قاله حمية للخزرج، ومجادلته عن ابن أُبى، وغيره.
__________
(1) سعد بن عبادة صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2/30 رقم 3173، والاستيعاب 2/594 رقم 944، وأسد الغابة 2/441 رقم 2012، ومشاهير علماء الأمصار 15 رقم 20.
(2) أسٍيد بن حضير صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 1/49 رقم 185، وتاريخ الصحابة ص30 رقم 25، ومشاهير علماء الأمصار ص20 رقم 36، والاستيعاب 1/92 رقم 54، واسد الغابة 1/240 رقم 170.
(3) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب "لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً … إلى قوله هم الكاذبون" 8/306-308= =رقم 4750 ومسلم (بشرح النووى) كتاب التوبة، باب فى حديث الإفك وقبول توبة القاذف 9/115، 118 رقم 2770.(1/783)
ولم يرد أُسيدُ بإطلاقه "فإنك منافق" لم يرد به نفاق الكفر، وإنما أراد أنه كان يظهر المودة للأوس، ثم ظهر منه فى هذه القصة، ضد ذلك فأشبه حال المنافق، لأن حقيقته إظهار شئ وإخفاء غيره.
ولعل هذا هو السبب فى ترك إنكار النبى صلى الله عليه وسلم (1) وهو أقوى دليل على الخصم.
... ومع كل هذا فقد تقرر أن العدالة لا تعنى العصمة من الذنوب، أو السهو، أو الخطأ، ومن فضل الله عليهم - رضي الله عنهم - أن وعدهم بالمغفرة، ولا سيما أهل بدر، وهم من أهلها فعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب حاطب بن أبى بلتعه إلى أهل مكة فأطلع الله تعالى عليه نبيه صلى الله عليه وسلم فبعث علياً والزبير فى أثر الكتاب فأدركا امراة على بعير فاستخرجاه من قرن من قرونها، فأتيا به نبى الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه، فأرسل إلى حاطب فقال "يا حاطب إنك كتبت هذا الكتاب؟ " قال نعم: يا رسول الله قال: "فما حملك على ذلك"؟ قال: يا رسول الله، إنى والله لنا صح لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنى كنت غريباً فى أهل مكة وكان أهلى بين ظهرانيهم، فخشيت عليهم، فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً، وعسى أن يكون فيه منفعة لأهلى. قال عمر: فاخترطت سيفى وقلت: يا رسول الله أمكنى منه فإنه قد كفر فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل هذه العصابة من أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإنى قد غفرت لكم" (2) أ. هـ.
__________
(1) فتح البارى 8/330 رقم 4750 بتصرف، وانظر: منهاج السنة لابن تيمية 3/192.
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أهل بدر 4/87 رقم 6966، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.(1/784)
ثالثاً: أما ما استدلوا به من فرار بعض الصحابة يوم الزحف فى غزوتى أحد وحنين، ما استدلوا به حجة عليهم.
ففى عتاب الفرار يوم أحد قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} ثم ختم العتاب بقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (1) .
ولا تعيير بعد عفو الله تعالى عن الجميع (2) ".
وفى عتاب الفرار يوم حنين قال عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ثم يمتن رب العزة عليهم بقوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (3) .
وهل تنزل السكينة إلا على قوم مؤمنين؟!
نعم تنزل السكينة على قوم مؤمنين ليزدادوا بها إيماناً مع إيمانهم، وصدق رب العزة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (4) ويقول عز وجل: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (5) .
وهل بعد تلك الشهادات العلا لهم بالإيمان والتقوى من تعيير؟!!
__________
(1) الآية 155 من سورة آل عمران.
(2) روح المعانى للألوسى 4/99، وانظر: مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273.
(3) الآية 26 من سورة التوبة.
(4) الآية 4 من سورة الفتح.
(5) الآية 26 من سورة الفتح.(1/785)
رابعاً: أما استدلالهم بحديث الحوض، وما جاء فيه من وصف الصحابة بالردة. فهذا من زندقة الرافضة، ومن تلبيسهم، وتضليلهم.
فإن المراد بالأصحاب هنا ليس المعنى الاصطلاحى عند علماء المسلمين، بل المراد بهم مطلق المؤمنين بالنبى صلى الله عليه وسلم المتبعين لشريعته، وهذا كما يقال لمقلدى أبى حنيفة أصحاب أبى حنيفة، ولمقلدى الشافعى أصحاب الشافعى وهكذا، وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له فى المذهب: "أصحابنا" مع أن بينه وبينهم عدة من السنين، ومعرفته صلى الله عليه وسلم لهم مع عدم رؤيتهم فى الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم يعرفها النبى صلى الله عليه وسلم.
فعن حذيفة قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:"إن حوضى لأبعد من أَيَلَةَ مِن عَدَنٍ (1) ،والذى نفسى بيده! إنى لأزودُ عنه الرجال كما يَزُودُ الرجلُ الإبلَ الغريبةَ عن حوضه"، قالوا: يا رسول الله! أو تعرفنا؟ قال: "نعم تَرِدُون علىَّ غُرًّا مُحَجَّلينَ من آثار الوضوء. ليست لأَحدٍ غَيْرِكُم" (2) .
...
ولو افترضنا أن المراد بالأصحاب فى الحديث، الأصحاب فى زمنه صلى الله عليه وسلم.
فالمراد بهم: الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم، كما سبق من قوله تعالى: {ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (3) .
وعلى هذا فالمراد بالمرتدين من أصحابه فى الحديث هم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق رضي الله عنه.
__________
(1) أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر حالياً) مما يلى الشام. معجم البلدان 1/347، وعدن: مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن. معجم البلدان 4/100، وبحر الهند يسمى الآن المحيط الهندى.
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء 2/137 رقم 248. وانظر: مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 272.
(3) الآية 2 من سورة النجم.(1/786)
وقد علمت أن التعريف الاصطلاحى للصحابة يخرج من ارتد ومات على ردته - والعياذ بالله -.
وفى الحديث ما يؤيد المعانى السابقة، كقوله صلى الله عليه وسلم "أصيحابى" بالتصغير، كما جاء فى بعض الروايات، قال الخطابى: "فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع لبعض جفاة الأعراب، ولم يقع من أحد من الصحابة المشهورين" (1) . وفى قوله صلى الله عليه وسلم: "فيقال": هل شعرت ما عملوا بعدك" "فيه إشارة إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بأعيانها، وإن كان قد عرف إنهم من هذه الأمة" (2) .
أما حمل الحديث على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى الاصطلاحى-فهذا ما لا يقوله مسلم!! وهو ما يدحضه ما سبق ذكره من تعديل الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة على ذلك أ. هـ.
خامساً: أما ما احتجوا به من حديث "لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" والزعم بأن الصحابة استحل بعضهم دماء بعض فى صفين والجمل.
... فالحق أن هذه الشبهة من أخطر الشبه التى احتج بها الرافضة الزنادقة، وأذيالهم من دعاة العلمانية، الذين اتخذوا من تلك الفتن مادة دسمة، طعنوا بها فى عدالة الصحابة، وفتنوا بذلك عوام المسلمين، وممن لا علم له، بضربهم على (الوتر الحساس) وهو: دعوى ظلم الصحابة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الفتن".
__________
(1) انظر: فتح البارى 8/135،136 رقم 4625، وانظر: تأويل مختلف الحديث ص 213-215.
(2) فتح البارى 11/484 رقم 6593، ومختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273.(1/787)
وهذا ما فعله طه حسين فى كتابه "الفتنة الكبرى - عثمان بن عفان رضي الله عنه" (1) . وقال بقوله محمود أبو رية (2) ، وغير واحد من دعاة الرافضة واللادينية (3) .
حتى وجدنا من يجهر من الرافضة قائلاً: "معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه" - كافر ابن كافر - ولعنة الله على معاوية، فقد بغى على الحق، وخرج على طاعة الإمام على، وشتت شمل المسلمين، وفرق كلمتهم، فأساس فرقة المسلمين إلى الآن هو معاوية الذى خرج عن طاعة الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه" (4) .
... والجواب عن هذا الإفك يطول (5) ، وهو بحاجة إلى تحقيق دقيق (6) . نكتفى هنا بخلاصة القول.
وهو أنه لا حجة لهم فى الحديث، ولا فى الفتن التى وقعت بين سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم أجمعين-، والتى أشعلها سلفهم من الخوارج، والرافضة، والزنادقة.
فقوله: "لا ترجعوا بعدى". بصيغة النهى والتحذير من قتال المؤمن.
... وإطلاق الكفر على قتال المؤمن مبالغة فى التحذير من ذلك، لينزجر السامع عن الإقدام عليه وليس ظاهر اللفظ مراداً، أو أنه على سبيل التشبيه لأن ذلك فعل الكافر" (7) .
والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم فى حالة قتل بعضهم بعضاً (8) .
__________
(1) انظر: الفتنة الكبرى ص 170 - 173.
(2) انظر: أضواء على السنة ص 360 - 362.
(3) انظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص 34، 103، 110، 124، 795، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 260 وما بعدها.
(4) قال ذلك الرافضى حسن شحاته (قبحه الله تعالى) انظر: مجلة روز اليوسف العدد3562 ص35.
(5) راجع إن شئت ما سبق من الجواب فى الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاويةرضي الله عنه ص420-425.
(6) ممن حقق فى تلك الفتن الإمام ابن العربى فى العواصم من القواصم، وابن تيمية فى منهاج السنة. وغيرهما والأمر فى حاجة إلى مزيد من التحقق. والله أعلم.
(7) انظر: فتح البارى 13/30 أرقام 7076 - 7080.
(8) انظر: المصدر السابق 1/262 رقم 121.(1/788)
.. وقيل: المعنى كفاراً بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين، وقيل: كفاراً بنعمة الله، وقيل المراد ستر الحق، والكفر لغة الستر، لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه، وقيل: إن الفعل المذكور يفضى إلىالكفر، لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصى جره شؤم ذلك إلى أشد منها فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإسلام، وقيل: اللفظ على ظاهره للمستحل قتال أخيه المسلم.وقيل غير ذلك (1) .
... وما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من قتال لم يكن عن استحلال له حتى يحمل الحديث على ظاهره وأن قتالهم كفر، كما استدل الخوارج ومن شايعهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (2) .
كيف والقرآن الكريم يكذبهم فى هذا الفهم السطحى قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3) .
فسماهم أخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، مع وجود الاقتتال بينهم، والبغى من بعضهم على بعض.
__________
(1) المصدر نفسه 12/201، 202 رقم 6868، 13/30 أرقام 7076 - 7080.
(2) سبق تخريجه ص577.
(3) الآيتان 9، 10 من سورة الحجرات.(1/789)
.. يقول الحافظ ابن كثير: "وبهذا استدل البخارى (1) وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم، وهكذا ثبت فى صحيح البخارى من حديث الحسن (2) ، عن أبى بكرة (3) رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر-والحسن بن على إلى جنبه-وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (4)
__________
(1) صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان، باب المعاصى من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بإرتكابها إلا بالشرك لقوله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية" وقول الله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وباب "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" فسماهم مؤمنين 1/106 رقمى 30، 31.
(2) الحسن هو: ابن على بن أبى طالب - رضى الله عنهما - صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 1/328 رقم 1719، والاستيعاب 1/383 رقم 555، وأسد الغابة 2/13 رقم 1165، ومشاهير علماء الأمصار 12 رقم 6.
(3) أبو بكرة هو: نفيع بن مسروح بن كلده، صحابى جليل، له ترجمة: فى الإصابة 3/571 رقم8793، واسد الغابة 5/334 رقم 5289، وتاريخ الصحابة ص249 رقم 1373، ومشاهير علماء الأمصار ص48 رقم 220 والاستيعاب 4/1614 رقم 2877.
(4) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب قول النبىصلى الله عليه وسلم للحسن بن على رضي الله عنه"إن ابنى هذا سيد … الحديث" وقوله جل ذكره "فأصلحوا بينهما" 5/361 رقم 2704.(1/790)
فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام، وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة، والواقعات المهولة" (1) .
... يقول الإمام ابن تيمية:"والذين قاتلوا الإمام على رضي الله عنه لا يخلوا: إما أن يكونوا عصاة، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح فى إيمانهم، ولا فى عدالتهم، ولا يمنعهم الجنة، بما سبق من تصريح القرآن الكريم، من تسميتهم إخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، وتأكيد النبى صلى الله عليه وسلم ذلك بما سبق من رواية الحسن بن على عن أبى بكرة رضي الله عنه.
ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا فى إحداهما أنهم كانوا بغاة (2) والبغى إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهداً، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق وإن تعمد البغى فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاء المؤمنين، وغير ذلك (3) .
وعلى هذا القول إجماع الأمة من علمائها.
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/211.
(2) ويعنون بهذه الطائفة التى بغت طائفة معاوية رضي الله عنه ودليلهم فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمار "تقتلك الفئة الباغية" أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه 9/266 رقم 2916، من حديث أم سلمة –رضى الله عنها- وكان عمار رضي الله عنه يقاتل مع الإمام على رضي الله عنه والوصف بالبغى هنا لا ينفى عنهم العدالة كما تشهد بذلك آية الحجرات فى قوله تعالى: "فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ".
(3) منهاج السنة 2/205 بتصرف وانظر: أصول الدين للبغدادى ص 289 وما بعدها.(1/791)
يقول الإمام الآمدى: "فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، وإن كان ذلك إنما لما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين.
وإلا فجمهور الصحابة وسادتهم تأخروا عن تلك الفتن والخوض فيها كما قال محمد بن سيرين: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما حضر منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" وإسناد هذه الرواية كما قال ابن تيمية أصح إسناد على وجه الأرض (1) .
وعلى هذا فالذى خاض فى تلك الفتن من الصحابة إما أن يكون كل مجتهد مصيباً، أو أن المصيب واحد، والآخر مخطئ فى اجتهاده مأجور عليه.
وعلى كلا التقديرين، فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة، إما بتقدير الإصابة فظاهر، وإما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد فبالإجماع" (2) .
يقول الإمام الجوينى: "أما التوقف فى تعديل كل نفر من الذين لابسوا الفتن، وخاضوا المحن، ومتضمن هذا، الانكفاف عن الرواية عنهم، فهذا باطل من دين الأمة، وإجماع العلماء على تحسين الظن بهم، وردهم إلى ما تمهد لهم من المآثر بالسبيل السابقة، وهذا من نفائس الكلام" (3) أ. هـ.
...
__________
(1) منهاج السنة 3/186.
(2) الإحكام للآمدى 2/82 بتصرف وانظر: فواتح الرحموت 2/155، 156، والبحر المحيط 4/299، وإرشاد الفحول 1/275، والباعث الحثيث ص 154، وعقيدة أهل السنة فى الصحابة الكرام للدكتور ناصر الشيخ مبحث (الحرب التى دارت بين على بن أبى طالب، وبعض الصحابة - رضى الله عنهم- وموقف أهل السنة منها 2/700 – 748، وانظر: الرد القويم على المجرم الأثيم للشيخ التويجرى ص 182-184.
(3) البرهان فى أصول الفقه 1/241، 242.(1/792)
وأخيراً: دع عنك - أخى المسلم - ترهات المبتدعة الذين يجادلون فى عدالة الصحابة جميعاً - وينفون العدالة عن بعضهم - اتباعاً للهوى أو انقياداً للشيطان. وأشد سخفاً من ذلك، ما يتجرأ به البعض فى زماننا هذا حينما يتحدثون عن الصحابة بأسلوب غير لائق، وينصب نفسه حكماً فيما شجر بينهم من خلاف، ويقبل رواية هذا، ويرفض رواية ذلك، وهو لا يملك سبباً واحداً من أسباب ذلك كله" (1) .
واعلم أن أمثال هؤلاء لهم خبيئة سوء، ومتهمين فى دينهم، يدل على ذلك ما روى عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تنقص معاوية، وعمرو بن العاص أيقال له رافضى؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحدٌ أحداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء". وفى رواية أخرى قال: "إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام" (2) .
ويسئل الإمام النسائى عن معاوية بن أبى سفيان - رضى الله عنهما - فيقول: "إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب - أى نقبه - إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة (3) .
وصدق عمر بن عبد العزيز "تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا تخضب بها السنتنا" (4) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى أعلم
__________
(1) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير لفضيلة الدكتور مروان شاهين ص 95.
(2) البداية والنهاية 8/142.
(3) تهذيب الكمال للحافظ للمزى 1/339 ترجمة الإمام النسائى.
(4) انظر: فتح المغيث للسخاوى 3/96.(1/793)
المطلب الخامس: سنة الصحابة - رضي الله عنهم - حجة شرعية
... إذا كان أعداء الإسلام يشككون فى عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - فهم أيضاً يشككون فى سنتهم، وسنة الخلفاء الراشدين.
يقول محمد شحرور: "فإذا سألنى سائل الآن ألا يسعك ما وسع الصحابة فى فهم القرآن؟ فجوابى بكل جرأة ويقين هو: كلا لا يسعنى ما وسعهم، لأن أرضيتى العلمية تختلف عن أرضيتهم، ومناهج البحث العلمى عندى تختلف عنهم، وأعيش فى عصر مختلف تماماً عن عصرهم والتحديات التى أواجهها تختلف عن تحدياتهم" (1) .
... والحق أن هذا كلام من يرى الشريعة الإسلامية قرأناً وسنة غير صالحة لكل زمان ومكان، فكلامه هو وغيره من أعداء السنة المطهرة فى سنة الصحابة لا قيمة له.
لأن سنة الصحابة وهى ما جاء عنهم من قول أو فعل أو تقرير إذا كان مما لا يقال من قبل الرأى، ومما لا مجال للاجتهاد فيه، فله حكم المرفوع المسند تحسيناً للظن بهم، وجزم بذلك الرازى فى المحصول، وغير واحد من أئمة الأصول والحديث (2) .
وإذا كانت سنتهم فى غير ذلك، فقد اختلف العلماء فى ذلك.
__________
(1) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص567،وانظر: منع تدوين الحديث لعلى الشهرستانى133،142، 166، 249، 334-340، 503، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 280، ونظرية عدالة الصحابة لأحمد حسين يعقوب 56-58، والإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب لمحمد العكبرى ص140، 141، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى، وغيرهم ممن طعنوا فى عدالة الصحابة.
(2) انظر: المحصول 2/221، والإحكام للآمدى 2/87، وأعلام الموقعين 4/123، وفتح المغيث للسخاوى 1/144، وتدريب الراوى 1/190، 191، وتوضيح الأفكار 1/280.(1/794)
والراجح من هذا الخلاف (1) أن سنتهم كسنة الرسول يعمل بها، ويرجع إليها، وانتصر لهذا الرأى غير واحد من أئمة الأصول، منهم الشاطبى - رحمه الله - فبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الدالة على عدالتهم قال: "فيصح أن يطلق على الصحابة أنهم خير أمة بإطلاق، وأنهم وسط أى عدول بإطلاق، وإذا كان كذلك فقولهم معتبر، وعملهم مقتدى به.
... ثم استدل الشاطبى لما رجح بأدلة منها:
1- ما جاء فى الحديث من الأمر باتباعهم، وأن سنتهم فى طلب الاتباع كسنة النبى صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" (2)
2- أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل، فقد جعل طائفة قول أبى بكر وعمر حجة ودليلاً، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلاً، وبعضهم يعد قول الصحابى على الإطلاق حجة ودليلاً، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة وهذه الآراء - وإن ترجح عند العلماء خلافها - ففيها تقوية تضاف إلى أمر كلى هو المعتمد فى المسألة، وذلك أن السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم، يهابون مخالفة الصحابة، ويتكثرون بموافقتهم، وأكثر ما تجد هذا المعنى فى علوم الخلاف الدائرة بين الأئمة المعتبرين، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قوَّوها بذكر من ذهب إليها من الصحابة، وما ذاك إلا لما اعتقدوا فى أنفسهم وفى مخالفيهم من تعظيمهم، وقوة مآخذهم دون غيرهم، وكبر شأنهم فى الشريعة، وأنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلاً عن النظر معهم فيما نظروا فيه.
... ويؤيد هذا ما جاء عن السلف الصالح، من تزكيتهم والحث على متابعتهم.
__________
(1) انظر: الأدلة المختلف فيها وأثرها فى الفقه الإسلامى للدكتور عبد الحميد أبو المكارم ص 303، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادى، باب ما جاء فى قول الواحد من الصحابة 1/437.
(2) سبق تخريجه ص 38.(1/795)
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من كان مستناً فليستن (1) بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم فى آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" (2) .
... وقال عمر بن عبد العزيز: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، من عمل بها مهتدٍ، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم، وساءت مصيراً.
... وفى رواية بعد قوله -وقوة على دين الله - ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر فى رأى خالفها، من اهتدى بها مهتد … الحديث" (3) . فقال مالك فأعجبنى عزم عمر على ذلك" (4) والآثار فى هذا المعنى يكثر إيرادها، وقد استوعب كثيراً منها الإمام ابن قيم الجوزية فى كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين (5) .
__________
(1) ذهب الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة إلى أن هذا هو الأصح فى بداية الأثر، وأن ابن قيم الجوزية، وابن عبد البر، تأولاه (من كان متأسياً) انظر: لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ص 38.
(2) أخرجه البغوى فى شرح السنة كتاب الإيمان، باب رد البدع والأهواء 1/214، وأخرجه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/97، وذكره ابن قيم الجوزية فى أعلام الموقعين 4/139.
(3) سبق تخريجه ص39.
(4) الموافقات 4/452 - 455، وانظر: الاعتصام 2/519.
(5) أعلام الموقعين 4/118 - 156، وانظر: الرسالة للشافعى ص 596 فقرات رقم 1682، 1805 – 1811.(1/796)
.. ويقول الإمام الشاطبى فى موضع آخر من كتابه مبيناً أن بيان الصحابى حجة، قال: "وأما بيان الصحابة، فإن أجمعوا على ما بينوه، فلا إشكال فى صحته أيضاً، كما أجمعوا على الغسل من التقاء الختانين المبين لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1) وهذا الإجماع حجة موجبة للعلم، ولا يعتد بخلاف من خالفهم، كما حكاه السرخسى (2) ،عن أبى حازم القاضى (3)
وإن لم يجمعوا عليه فهل يكون بيانهم حجة أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل. ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم فى البيان، من وجهين:
أحدهما: معرفتهم باللسان العربى، فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم، فهم أعرف فى فهم الكتاب والسنة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده من هذه الجهة.
ثانيهما: مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحى بالكتاب والسنة، فهم أقعد فى فهم القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات، فالعمل عليه صواب، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف فى المسألة، فإن خالف بعضهم فالمسالة اجتهادية" (4) .
__________
(1) جزء من الآية 6 من سورة المائدة.
(2) أصول السرخسى 1/317، وانظر: علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى للشيخ أحمد إبراهيم ص 24، 25.
(3) أبو حازم هو: سلمة بن دينار المخزومى، عالم المدينة، وقاضيها، وشيخها، قال فيه ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث مات سنة 140هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/376 رقم 2496، وتذكرة الحفاظ 1/133 رقم 119، وشذرات الذهب 1/208، والعبر 1/189، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص60 رقم 117.
(4) الموافقات 3/300، 301.(1/797)
.. ويقول فى كتابه الاعتصام: "الصحابة هم المتقلدون لكلام النبوة، المهتدون للشريعة، الذين فهموا أمر دين الله بالتلقى من نبيه مشافهة على علم، وبصيرة بمواطن التشريع، وقرائن الأحوال، بخلاف غيرهم: فإذا كل ما سنوه، فهو سنة، من غير نظير فيه، بخلاف غيرهم، فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالاً للنظر رداً وقبولاً" (1) .
سنة الصحابة مصدراً للأحكام الدستورية:
يقول المستشار الدكتور على حريشة بعد أن رد اعتراضات المنكرين لحجية مذهب الصحابى (2) ، قال: وسنة الصحابة يمكن أن تكون مصدراً للأحكام الدستورية: ولقد كان نظام الخلافة وليد اجتهاد الصحابة فضرورة البيعة – وهى مظهر رضا المسلمين – كانت عليها سنة الصحابة، فلم يل أحدهم دون بيعة، ولم يكن الاستخلاف بالنسبة لمن استخلفوا إلا ترشيحاً، واستمرار الخلافة مدى حياة الخليفة … كان سنة للصحابة، تحقق بها ميزات عجز عنها كل من النظام الجمهورى، والنظام الملكى على السواء، فقد وفرت الثبات الذى ينقص الأنظمة الجمهورية، ونفت التوارث الذى يعيب الأنظمة الملكية.
... وهكذا يتبين أن سنة الخلفاء كانت مصدراً لكثير من الأحكام الدستورية على غير ما يذهب إليه بعض "المجتهدين" "المحدثين" (3) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) الاعتصام 2/519.
(2) مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية ص 42 – 48.
(3) كالأستاذ الدكتور عبد الحميد متولى فى كتابه مبادئ نظام الحكم فى الإسلام ص 263، وفى كتابه ترديد لكثير مما قاله على عبد الرازق فى كتابه (الإسلام وأصول الحكم) ، انظر: مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية ص 49.(1/798)
المطلب السادس: أبو هريرة رضي الله عنه راوية الإسلام رغم أنف الحاقدين
... لهج أعداء السنة، أعداء الإسلام، قديماً وحديثاً، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة وتشكيك الناس فى إسلامه، وفى صدقه وروايته، وما إلى ذلك أرادوا! وإنما أرادوا أن يصلوا إلى التشكيك فى راوية السنة الأول، وأحفظ من رواها فى دهره، فأبو هريرة رضي الله عنه على رأس السبعة المكثرين من الرواية الذين عناهم من أنشد:
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا *** ... من الحديث عن المختار خير مضر
أبو هريرة، سعد، جابر، أنس ... *** صديقة، وابن عباس، كذا ابن عمر
فأبو هريرة هو أكثرهم حديثاً فقد روى (5374) حديثاً، ثم عبد الله بن عمر روى (2630) حديثاً، ثم أنس بن مالك روى (2286) حديثاً، ثم عائشة أم المؤمنين روت (2210) حديثاً، ثم ابن عباس روى (1660) حديثاً، ثم جابر بن عبد الله روى (1540) حديثاً، ثم أبو سعيد الخدرى (سعد بن مالك) روى (1170) حديثاً (1) .
وما اتهم به أبو هريرة رضي الله عنه، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء قديماً وحديثاً، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها، بل تأولوها تأويلاً باطلاً يتفق وأهواءهم.
__________
(1) انظر: تدريب الراوى2/216-218،وفتح المغيث للسخاوى3/97،وشذرات الذهب1/63.(1/799)
وقد تصدى للرد على تلك الطعون رهط من علماء الإسلام. على رأسهم أبى هريرة نفسه، وصدق على دفاعه - على ما سيأتى - كبار الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين، منهم الحاكم فى المستدرك، وابن عساكر فى تاريخه، وابن كثير فى البداية والنهاية، وابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث، وعبد المنعم صالح العلى فى كتابه دفاع عن أبى هريرة، والدكتور محمد السماحى فى كتابيه "أبو هريرة فى الميزان"، والمنهج الحديث فى علوم الحديث، والدكتور السباعى فى كتابه "السنة ومكانتها فى التشريع، والدكتور عجاج الخطيب فى كتابيه السنة قبل التدوين، وأبو هريرة راوية الإسلام، والشيخ عبد الرحمن المعلمى فى كتابه (الأنوار الكاشفة) ، والدكتور أبو زهو فى الحديث والمحدثون، والدكتور أبو شهبة فى دفاع عن السنة، والدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف فى كتابه "المختصر فى علم رجال الأثر" وفى مقدمة كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمى وغيرهم.
ونكتفى هنا بترجمة للصحابى الجليل نتعرف بها على مكانته فى الإسلام، وبراءته مما نسب إليه من أكاذيب. وذلك بعد أن نتعرف على أصناف الطاعنين فيه، والذين ذكرهم الإمام ابن خزيمة (1) بقوله: "إنما يتكلم فى أبى هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معانى الأخبار.
__________
(1) ابن خزيمة هو: الحافظ الكبير، أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة النيسابورى، انتهت إليه الإمامة، والحفظ فى عصره بخرسان، قال فيه ابن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن، ويحفظ ألفاظها الصحاح وزيادتها حتى كأن السنن نصب عينيه إلا ابن خزيمة قط.ومصنفاته: تزيد على مائة وأربعين كتاباً، منها صحيحة فى السنن، مات سنة 311هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 2/720 رقم 734، والبداية والنهاية 11/149، والوافى بالوفيات للصفدى2/196،وشذرات الذهب2/262،وطبقات الشافعية للسبكى2/109.(1/800)
1- إما معطل جهمى يسمع أخباره التى يرونها خلاف مذهبهم الذى هو كفر، فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه، تمويهاً على الرعاء، والسفل أن أخباره لا تثبت بها الحجة.
2- وإما خارجى يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام، إذا سمع أخبار أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم خلاف مذهبهم الذى هو ضلال لم يجد حيلة فى دفع أخباره بحجة وبرهان، كان مفزعة الوقيعة فى أبى هريرة.
3- أو قدرى اعتزل الإسلام وأهله، وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التى قدرها الله تعالى، وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبى هريرة التى قد رواها عن النبى صلى الله عليه وسلم فى إثبات القدر لم يجد حجة يؤيد صحة مقالته التى هى كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبى هريرة، لا يجوز الاحتجاج بها.
4- أو جاهل يتعاطى الفقه، ويطلبه من غير مظانة، إذا سمع أخبار أبى هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه، وأخباره تقليداً بلا حجة ولا برهان، تكلم فى أبى هريرة، ودفع أخباره التى تخالف مذهبه، ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبى هريرة أخباراً لم يفهموا معناها" (1) .
قلت: والله إن من يتكلم فى أبى هريرة فى عصرنا لا يخرج فى عقيدته، ومذهبه عما ذكرهم الإمام ابن خزيمة - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) مستدرك الحاكم 3/587.(1/801)
أبو هريرة رضي الله عنه إسلامه وصحبته:
قدم أبو هريرة مهاجراً من اليمن إلى المدينة ليالى فتح خيبر فى المحرم سنة سبع من الهجرة، وكان قد أسلم على يد الطفيل بن عمرو (1) فى اليمن، وشهد هذه الغزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولازمه إلى آخر حياته يخدمه، ويتلقى العلم عنه صلى الله عليه وسلم، ويتحدث هو عن ذلك لما سأله مروان بن الحكم قائلاً له: "إن الناس قد قالوا إنك أكثرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وإنما قدمت قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بيسير، فقال أبو هريرة: نعم! قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفى، أدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه، وأنا والله يومئذ مقل (أى فقير) ، وأصلى خلفه، وأحج، وأغزو معه، فكنت والله أعلم الناس بحديثه، قد والله سبقنى قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار، وكانوا يعرفون لزومى له فيسألونى عن حديثه، منهم عمر، وعثمان، وعلى، وطلحة والزبير، فلا والله ما يخفى على كل حديث كان بالمدينة.
قال: فوالله ما زال مروان يقصر عن أبى هريرة، ويتقيه بعد ذلك، ويخافه، ويخاف جوابه (2)
__________
(1) الطفيل بن عمرو: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2/225 رقم 4254، وتاريخ الصحابة ص145 رقم 705، والاستيعاب 2/757 رقم 1274، واسد الغابة 3/77 رقم 2613.
(2) البداية والنهاية 8/111، 112، وانظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/1771 رقم 3208.(1/802)
وفيما سبق رد على دعوى الرافضة ومن قال بقولهم: "إن أبا هريرة لم يصاحب النبى صلى الله عليه وسلم إلا سنة وتسعة أشهر (1) ، فالمعروف أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، وخيبر كانت فى جمادى الأولى سنة سبع (2) . وبين خيبر ووفاة النبى صلى الله عليه وسلم أربع سنوات، إلا شهرين تقريباً فإن الوفاة كانت فى ربيع الأول سنة 11هـ (3) .
خلقه وتقواه:
كان رضي الله عنه، صادق اللهجة، خفيف الروح محبباً إلى الصحابة، وكان رضي الله عنه تقياً ورعاً كثير التعبد، شديد الخشية لله تعالى، وكان يقول:"وأيم الله لولا آية فى كتاب الله ما حدثتكم بشئ أبداً، ثم يتلو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (4) .
وكان صواماً قواماً يتناوب قيام الليل، هو وزوجته، وخادمه، فيما رواه عنه أبو عثمان النهدى (5) رضي الله عنه قال: "تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته، وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً: يصلى هذا، ثم يوقظ الآخر فيصلى، ثم يوقظ الثالث" (6) .
__________
(1) انظر: شبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص 141، وشيخ المضيرة ص 135، وأضواء على السنة ص 200 كلاهما لمحمود أبو ريه، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 241، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى السماوى ص220.
(2) انظر: طبقات ابن سعد 2/81.
(3) انظر: سير أعلام النبلاء 2/589 - 590.
(4) الآية 159 من سورة البقرة.
(5) أبو عثمان النهدى هو: عبد الرحمن بن مل، مخضرم، ثقة ثبت عابد، مات سنة 95هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/592 رقم 4031، وتذكرة الحفاظ 1/65 رقم 56، وشذرات الذهب 1/118، وطبقات ابن سعد 7/61.
(6) انظر: البداية والنهاية 8/113، وتذكرة الحافظ 1/36.(1/803)
وقد أرسله النبى صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمى (1) إلى البحرين لينشر الإسلام، ويفقه المسلمين فى الدين (2) .
كما استعمله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين فترة ثم عزله، وبعد ذلك دعاه عمر ليوليه فلم يقبل أبو هريرة وقال: "أخشى أن أقول بغير علم، وأقضى بغير حلم، وأن يضرب ظهرى وينزع مالى، ويشتم عرضى" (3) .
يقول الإمام الجوينى: "وهذا مما يتمسك به فى أبى هريرة رضي الله عنه فعمر مع تنزهه عن المداراة والمداجاة والمداهنة، اعتمده وولاه فى زمانه أعمالاً جسيمة، وخطوباً عظيمة، وكان يتولى زماناً على الكوفة وكان يبلغه روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن من أهل الرواية، لما كان يقرره عمر رضي الله عنه مع العلم بإكثاره (4) .
... ولم يشترك أبو هريرة فى الفتن التى حدثت بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بل اعتزلها. ولم يفارق الحجاز منذ استعمله عمر على البحرين ثم عزله. ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته.
__________
(1) العلاء بن الحضرمى: صحابى جليل له ترجمة فى: الاستيعاب 3/1085 رقم 1841، واسد الغابة 4/71 رقم3745، وتاريخ الصحابة ص184 رقم 954، ومشاهير علماء الأمصار ص75 رقم 400، والإصابة 2/497 رقم 5642.
(2) البداية والنهاية 8/116، وانظر: زاد المعاد 3/692، 693.
(3) البداية والنهاية 8/114، 115.
(4) البرهان فى أصول الفقه 1/240.(1/804)
.. وفى هذا رد على الرافضة الزنادقة ومن قال بقولهم. من اشتراك أبى هريرة فى الفتنة بين على ومعاوية-رضى الله عنهما-"فكان يأكل مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علىرضي الله عنه، فإذا قيل له فى ذلك قال: مضيرة (1) معاوية أدسم، والصلاة خلف علىّ أفضل" (2)
... فهذه القصة التى بنى عليها الرافضى محمود أبو رية تسمية كتابه "شيخ المضيرة أبو هريرة" هذه القصة لا يصدقها عاقل، والأحداث التاريخية تكذبها.
يقول الدكتور محمد أبو شهبة: "كيف يصح هذا فى العقول، وعلىّ كان بالعراق، ومعاوية كان بالشام، وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين فى عهد عمر رضي الله عنه لم يفارق الحجاز (3) .
وقال الإمام ابن عبد البر: استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل، فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة وبها كانت وفاته (4) .
وبهذا يتبين لنا كذب ادعاءاتهم، ويظهر لنا مدى حقدهم، اللهم إلا إذا كانت الشيعة ترى أن أبا هريرة أعطى بساط سليمان أو كانت الأرض تطوى له طياً!!! (5) .
__________
(1) شيخ المضيرة لمحمود أبو رية ص 61 وانظر له أيضاً: أضواء على السنة ص 197-199، وشبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص 144.
(2) المضيرة: مريقة تطبخ بلبن وأشياء، وهى عند العرب أن تطبخ اللحم باللبن البحت الصريح الذى قد حذى اللسان حتى ينضج اللحم. لسان العرب 5/178.
(3) دفاع عن السنة ص 99.
(4) الاستيعاب 4/1771.
(5) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 99، وانظر: الشيعة والصحابة للدكتور عمر الفرماوى ص 97، 98.(1/805)
.. وعودة إلى خلقه وتقواه رضي الله عنه: فقد اشتهر رضي الله عنه بالتواضع، والمرح، فكان يداعب الأطفال، ويمازح الناس ويلاطفهم، ومن ذلك أنه كان يمر فى السوق، يحمل الحزمة من الحطب على ظهره-وهو يومئذ أمير مروان على المدينة فيقول: أوسعوا الطريق للأمير (1) .
فمعاوية رضي الله عنه استعمله فى عهده على المدينة ثم عزله وولى عليها مروان، ثم استخلفه مروان عليها حين توجه إلى الحج" (2) .
قوة ذاكرته وروايته:
لقد لازم أبو هريرة رسول الله منذ قدم عليه مهاجراً، ينهل من عمله، ويتلقى عنه أحاديثه ويحفظها، واجتهد فى ذلك حتى صار أحفظ أصحابه، وأكثرهم رواية للحديث، فقد روى (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً نبوياً - كما فى مسند بقى ابن مخلد- اتفق الشيخان البخارى ومسلم على (325) ثلاثمائة وخمسة وعشرين حديثاً منها، وانفرد البخارى بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعة وثمانين (3) ،وقيل غير ذلك.
... وهذه الروايات التى زادت على خمسة آلاف هى بالمكرر.
وذكر الدكتور الأعظمى فى كتابه: أبو هريرة فى ضوء مروياته (4) أن أحاديثه فى المسند والكتب والسنة هى 1336 حديثاً فقط، وذلك بعد حذف الأسانيد المكررة. وهذا القدر يستطيع طالب عادى أن يحفظه فى أقل من عام، فما بالك بمن كان حفظه من معجزات النبوة" (5) .
__________
(1) انظر: ما قاله الدكتور السباعى دفاعاً ضد من طعن فى مزاح أبى هريرة رضي الله عنه فى السنة ومكانتها فى التشريع ص 337-341، وانظر: دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 106-108.
(2) البداية والنهاية 8/116، 117.
(3) تدريب الراوى 2/216، 217، وانظر: سير أعلام النبلاء 2/632.
(4) أبو هريرة فى ضوء مروياته ص 76، نقلاً عن (مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع) للدكتور على السالوس 3/77.
(5) مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع 3/77.(1/806)
ويقول الدكتور أبو شهبة: "وأحب ألا يعزب عن بالنا أن هذه الخمسة آلاف والثلاثمائة والأربعة والسبعون حديثاً، الكثير منها لا يبلغ السطرين أو الثلاثة، ولو جمعتها كلها لما زادت عن جزء فأى غرابة فى كثرة مروياته مع حداثة صحبته، مع أن السنين الأربع ليست بالزمن القصير فى عمر الصحبة (1) ، ولا سيما ما توافر له دون غيره من الصحابة من أمور كانت سبباً فى تفوقه فى الرواية وكثرة مروياته منها:
__________
(1) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 103، 104.(1/807)
أسباب كثرة مروياته:
أولاً: شدة ملازمته للنبى صلى الله عليه وسلم منذ قدم مهاجراً إليه سنة سبع من الهجرة يدور معه فى بيوت نسائه يخدمه، ويصلى خلفه، ويحج، ويغزو معه كما حدث عن نفسه، ومما أعانه على التفرغ لذلك أنه كان فقيراً، ولم تكن له زوجه، ولا أولاد حينئذ - ونحو ذلك مما يشغل، مع شدة حرصه على تلقى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، وشهد له النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الحرص ومن الآثار الدالة على ذلك: ما جاء فى الصحيح عنه رضي الله عنه قال: "يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد. ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إن إخوانى من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم. وإن إخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملئ بطنى فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: "أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لن ينس شيئاً سمعه، فبسطت بردة على حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدرى، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثنى به. ولولا آيتان أنزلهما الله فى كتابه ما حدثت شيئاً أبداً: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (1) .
__________
(1) الآيتان 159، 160 من سورة البقرة، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب حفظ العلم 1/258 رقم 118، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من أبى هريرة 8/290، 292 رقم 2492 واللفظ له.(1/808)
ثانياً: دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالحفظ وعدم النسيان، ومما يدل على ذلك الرواية السابقة، وما رواه الحاكم فى المستدرك عن زيد بن ثابت، أن رجلاً جاء إليه فسأله عن شئ فقال له زيد: عليك بأبى هريرة، فإنه بينما أنا وأبو هريرة فى المسجد وفلان فى المسجد ذات يوم ندعوا الله تعالى، ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا قال: فجلس وسكتنا. فقال عودوا للذى كنتم فيه، قال زيد فدعوت أنا وصاحبى قبل أبى هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا قال: ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إنى أسألك مثل الذى سألك صاحباى هذان وأسألك علماً لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين"فقلنا يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً لا ينسى فقال:"سبقكما بها الدوسى" (1) .
ثالثاً: إن أبا هريرة تميز بقوة ذاكرته وحفظه وحسن ضبطه، خاصة بعد أن دعا له الرسول بالحفظ وعدم النسيان - كما سبق - فكان حافظاً متقناً ضابطاً لما يرويه.
__________
(1) أخرجه النسائى فى سننه الكبرى كتاب العلم، باب مسألة علم لا ينسى 3/440 رقم 5870، والحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة الدوسىرضي الله عنه3/582 رقم6158 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبى فى التلخيص بقوله فيه حماد = =ابن شعيب ضعيف، وكذا قال فى سير أعلام النبلاء 2/600، وفى موضع آخر من السير 2/616 ذكر الخبر بإسناد آخر فيه الفضل بن العلاء بدلاً من حماد، ثم قال: تفرد به الفضل ابن العلاء وهو صدوق، وقال: ابن حجر فى الإصابة 4/208 سند النسائى جيد. وانظر: تهذيب التهذيب 12/266(1/809)
.. ويدل على ذلك قصة امتحان مروان له فيما رواه الحاكم عن أبى الزُّعَيْزِعَة (1) كاتب مروان بن الحكم، أن مروان بن الحكم دعا أبا هريرة فأقعدنى خلف السرير، وجعل يسأله وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول، دعا به فأقعده وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا آخر" (2) وقد نقل هذه القصة الذهبى فى سير أعلام النبلاء، ثم عقب بقوله: "قلت هكذا فليكن الحفظ" (3) .
... وهذه القصة نقلها أيضاً ابن حجر فى الإصابة (4) ، وابن كثير فى البداية (5) ، وهى تدل على قوة حفظه وإتقانه، كما شهد له بذلك الصحابة، والتابعون فمن بعدهم من أئمة المسلمين إلى يومنا هذا على ما سيأتى بعد قليل.
... وكان رضي الله عنه يراجع ما يسمعه من النبى صلى الله عليه وسلم تأكيداً لحفظه، فقد روى عنه أنه قال: "جزأت الليل ثلاثة أجزاء: ثلثاً أصلى، وثلثاً أنام، وثلثاً أذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) .
رابعاً: أدرك أبو هريرة كبار الصحابة، وروى عنهم كثيراً من الأحاديث فتكامل علمه بها واتسع أفقه فيها.
__________
(1) ابن الزعيزعة: ذكره الدولابى فى الكنى فقال: "أبو زعيرة كاتب مروان" ص 183، ثم ذكره باسم أبى الزعيزعة، وذكر له خبراً عن مروان الكنى انظر ص 184، روى عن مكحول، وعمرو بن عبيد الأنصارى، والنضر بن محرز. قال أبو حاتم: مجهول، وقال الذهبى: أبو الزعيزعة عن مكحول لا يكاد يعرف. عداده فى الشاميين انظر: الجرح والتعديل 9/375 رقم 1734، وميزان الاعتدال 4/525 رقم 10200، ولسان الميزان 7/655 رقم 9985.
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/583 رقم 6164، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
(3) سير أعلام النبلاء 2/598.
(4) الإصابة 4/205.
(5) البداية والنهاية 8/106.
(6) المصدر السابق 8/113.(1/810)
خامساً: امتداد عمره رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث عاش بعده نحو سبعة وأربعين عاماً، واحتياج الناس إليه فكان يحدثهم ويبث بينهم ما يحفظه من أحاديث، وأعانه على ذلك: ابتعاده عن الفتن وغيرها من المشاغل ووجوده فى المدينة، والناس يفدون إليها، وكانت له حلقة فى مسجد الرسول يحدث الناس فيها بالأحاديث النبوية، فساعد ذلك على انتشار مروياته وتداولها، وكثرة أتباعه وتلامذته، حتى بلغوا نحو ثمانمائة من الصحابة والتابعين كلهم يجلونه ويثقون به ويثنون عليه على ما سيأتى بعد قليل.
... قال الإمام البخارى - رحمه الله -: "روى عنه نحواً من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم، من الصحابة والتابعين وغيره" (1) . ومن أشهر من روى عنه من الصحابة: زيد ابن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة، وأبو أيوب الأنصارى. ومن أشهر من روى عنه من التابعين: مروان بن الحكم، والحسن البصرى، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبى، وعروة ابن الزبير، وهمام بن منبه - وقد كتب عنه الصحيفة المشهورة (2) . وغيرهم كثير.
__________
(1) انظر: تهذيب التهذيب 12/265، والبداية والنهاية 8/107، وتذكرة الحفاظ 1/33.
(2) الإصابة 7/201، 202،وتهذيب التهذيب 12/263 - 265، وتذكرة الحفاظ 1/32، 33، وسير أعلام النبلاء 2/418 - 436، وانظر: من كتب عنه فى دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1/97 - 99.(1/811)
شهادة الرسول والصحابة ومن بعدهم من أهل العلم بقوة حفظه
وإتقانه وكثرة سماعه وحرصه على الحديث
1- روى عنه رضي الله عنه أنه قال ذات يوم: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألنى عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه (1) .
2- وعن ابن عمر-رضى الله عنهما- أنه مر بأبى هريرة رضي الله عنه، وهو يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم: من تبع جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان أعظم من أحد. فقال ابن عمر: يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق إلى عائشة -رضى الله عنها- فقال لها: يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، وإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت: اللهم نعم، فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس ولا صفق بالأسواق، إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها.
... فقال ابن عمر: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه (2) .
وكان ابن عمر يترحم عليه فى جنازته ويقول: "كان يحفظ على المسلمين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .
...
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب الحرص على الحديث1/233 رقم 99.
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/584 رقم 6167 وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.
(3) طبقات ابن سعد 4/340، وسير أعلام النبلاء 2/604، والبداية والنهاية 8/111، وفتح البارى 1/258 رقم 118.(1/812)
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر: أعيذك بالله أن تكون فى شك مما يجئ به، ولكنه اجترأ وجبنا" (1) ومعنى "اجترأ" هنا أى على سؤال النبى صلى الله عليه وسلم والتعلم منه، فى حين كانوا يهابون سؤال النبى صلى الله عليه وسلم.
يدل على ذلك ما رواه الحاكم عن أبى بن كعب رضي الله عنه قال: كان أبو هريرة جريئاً على النبى صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها (2) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل. فيسأله ونحن نسمع … الحديث" (3) .
__________
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة الدوسى رضي الله عنه 3/83 رقم 6165، وسكت عنه الحاكم والذهبى.
(2) أخرجه الحاكم فى الأماكن السابقة 3/584 رقم 6166، وسكت عنه الحاكم، والذهبى.
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام 1/201 رقم 12(1/813)
3- وعن مالك بن أبى عامر قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله فدخل عليه رجل فقال: يا أبا محمد والله ما ندرى هذا اليمانى أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنتم، تقول على رسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - يعنى أبا هريرة - فقال طلحة: والله ما يشك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوت وأهلون كنا نأتى نبى الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهارى ثم نرجع، وكان أبو هريرة رضي الله عنه مسكيناً لا مال له، ولا أهل ولا ولد وإنما كانت يده مع يد النبى صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيثما دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم، وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا، أنه تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل" (1) .
وهذا الخبر ذكره ابن حجر فى الإصابة وزاد فى قوله طلحة: "قد سمعنا كما سمع، ولكنه حفظ ونسينا" (2) .
4- وقال ابن خزيمة: وقد روى عن أبى هريرة أبو أيوب الأنصارى مع جلالة قدره، ونزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ولما يقبل له: تحدث عن أبى هريرة وأنت صاحب منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع، وإنى إن أحدث عنه أحب إلىَّ من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ما لم أسمعه منه (3) .
__________
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/585 رقم 6172، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبى على شرط مسلم.
(2) الإصابة 4/209.
(3) انظر: المستدرك للحاكم كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/586 رقم 6175، وانظر: البداية والنهاية 8/109.(1/814)
5- وعن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى (1) أنه قعد فى مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبى صلى الله عليه وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه. حتى فعل ذلك مراراً. قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .
6- ولم يكن أبو هريرة رضي الله عنه من أهل الحفظ فقط وإنما كان من أهل الفقه وشهد له بذلك الصحابى الجليل ابن عباس رضي الله عنه.
يقول الحافظ السخاوى:"ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه، وتعليلهم بأنه ليس فقيهاً، فقد عملوا برأيه فى الغسل ثلاثاً من ولوغ الكلب وغيره، وولاه عمر رضي الله عنه الولايات الجسيمة.
وقال ابن عباس له كما فى مسند الشافعى (3) ، وقد سئل عن مسألة "افته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فأفتى، ووافقه على فتياه" (4) .
__________
(1) هو: محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى، أبو مالك المدنى، له رؤية وليس له سماع إلا من الصحابة قتل يوم الحرة سنة 63هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/118 رقم 6202، والكاشف 2/206 رقم 5081، وطبقات ابن سعد 5/71.
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/585 رقم 6171، وسكت عنه هو والذهبى. وانظر: سير أعلام النبلاء 2/617، وفتح البارى 1/259 رقم 118
(3) انظر: مسند الشافعى ص 450 رقم 1292، وأخرجه أيضاً الإمام مالك فى الموطأ كتاب الطلاق، باب طلاق البكر 2/447 رقم39،والبيهقى فى السنن كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء فى إمضاء الطلاق الثلاث وإن كن مجموعات 7/335.
(4) فتح المغيث للسخاوى 3/96.(1/815)
7- وعن أبى صالح السمان (1) قال: "كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم" (2) .
وفى هذا رد على من يحاول الربط بين المنزلة فى الدين وكثرة الرواية، فالربط بينهما ليس من التحقيق العلمى فى شئ (3) .
... وقال الإمام الشافعى: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره" (4) .
وقال الإمام الذهبى: "أبو هريرة إليه المنتهى فى حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأدائه بحروفه" (5) .
وقال أيضاً: "وكان من أوعية العلم، ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة، والعبادة، والتواضع (6)
10- وقال شمس الأئمة السرخسى: "إن أبا هريرة ممن لا يشك أحد فى عدالته، وطول صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن كل هذه النقول وغيرها كثير تبين لنا مدى افتراء الرافضة، والمستشرقين، وضعفاء الإيمان الذين اتهموا أبا هريرة بالكذب، والخيانة، فى رواية الحديث، بسبب كثرة أحاديثه مع قلة صحبته.
وأعتقد أنه ليس هناك ما يدعوا إلى اتهام أبى هريرة بتلك الافتراءات، وقد تهيأت له الأسباب السابقة التى أعانته على هذا التفوق فى الرواية، وشهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة، ومن بعدهم من أئمة المسلمين السابق ذكرهم (7) .
__________
(1) أبو صالح السمان هو: ذكوان أبو صالح السمان الزيات، المدنى، روى عن سعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة، وأبى الدرداء، وغيرهم، وعنه منصور، والأعمش، وسهيل ابنه، متفق على توثيقه، مات سنة 101هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/287 رقم 1846، والكاشف 1/386 رقم 1489، والثقات للعجلى 150 رقم 404.
(2) البداية والنهاية 8/109، 110.
(3) دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 105.
(4) الرسالة للشافعى ص 281 رقم 772، والبداية والنهاية 8/110.
(5) سير أعلام النبلاء 2/619.
(6) تذكرة الحفاظ 1/33.
(7) أصول السرخسى 1/340.(1/816)
.. وأى غرابة فى حفظ أبى هريرة أحاديث لم تبلغ خمسة آلاف وخمسمائة ومعلوم أن العرب قد اشتهروا وامتازوا بقوة حفظهم، ووجد فى الصحابة والتابعين من كان آية عجباً فى قوة الذاكرة، وسرعة الحفظ؛ فالإمام أحمد بن حنبل، والبخارى، وأبو زرعة، وأشباههم، كان كل واحد منهم يحفظ عشرات الألوف من الأحاديث بأسانيدها" (1) .
... يقول الدكتور السباعى دفاعاً عن أبى هريرة: "إن صحابياً يظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على مسمع من كبار الصحابة، وأقرب الناس إليه من زوجته وأصحابه، ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاماً، يرجع إليه فى معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب … ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم … وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به … وتمر هذه القرون وكلها شهادات صدق فى أحاديثه وأخباره … ويأتى اليوم من يزعم أن المسلمين جميعاً … لم يعرفوه على حقيقته، وأنه فى الواقع كان يكذب ويفترى، إن موقفاً كهذا يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابى العظيم، لجدير بأن يجلب لأهله والقائلين به الاستخفاف، والازدراء بعلومهم، وعقولهم جميعاً (2) .
... إن حب هذا الصحابى الجليل لعلامة على الإيمان وبغضه لعلامة على النفاق وهذا تصديقاً لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو هريرة بأن يدعو الله له بأن يحببه هو وأمه إلى عباده المؤمنين. ويحببهم إليهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب عبيدك هذا -يعنى أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين" يقول أبو هريرة فما خلق الله مؤمناً يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى (3) .
__________
(1) السنة ومناهج المحدثين للدكتور رجب صقر ص 66 بتصرف.
(2) السنة ومكانتها فى التشريع ص 319 بتصرف يسير.
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبى هريرة الدوسى رضي الله عنه 8/290 رقم 2491.(1/817)
.. يقول الحافظ ابن كثير:"وهذا الحديث من دلائل النبوة، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس، وقد شهر الله ذكره بما قدره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر عنه على رؤوس الناس فى الجوامع المتعددة فى سائر الأقاليم فى الإنصات يوم الجمعة بين يدى الخطبة، والإمام على المنبر، وهذا من تقدير الله العزيز العليم، ومحبة الناس له رضي الله عنه (1) أ. هـ.
... يقول فضيلة الأستاذ الدكتور على أحمد السالوس: [هذا أبو هريرة وعاء العلم، فكيف نجد فى عصرنا من ينسب نفسه للإسلام ويعرض عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، والأئمة الأعلام الهداة المهديين، ويأخذ بقول الضالين المضلين؟! (2) .
هذا المسلك يفسره العلامة المرحوم الشيخ أحمد شاكر فيقول: "وقد لهج أعداء السنة، أعداء الإسلام، فى عصرنا، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة، وتشكيك الناس فى صدقه وفى روايته. وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا -زعموا- إلى تشكيك الناس فى الإسلام، تبعاً لسادتهم المبشرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن، أو الأخذ بما صح من الحديث فى رأيهم، وما صح من الحديث فى رأيهم إلا ما وافق أهواءهم، وما يتبعون من شعائر أوروبا وشرائعها. ولن يتورع أحدهم عن تأويل القرآن، إلى ما يخرج الكلام عن معنى اللفظ فى اللغة التى نزل بها القرآن، ليوافق تأويلهم هواهم وما إليه يقصدون!!
... وما كانوا بأول من حارب الإسلام من هذا الباب، ولهم فى ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً. والإسلام يسير فى طريقه قدماً، وهم يصيحون ما شاءوا، لا يكاد الإسلام يسمعهم، بل هو إما يتخطاهم لا يشعر بهم، وإما يدمرهم تدميراً.
__________
(1) البداية والنهاية 8/108.
(2) قصة الهجوم على السنة للدكتور على السالوس ص 88.(1/818)
ومن عجب أن تجد ما يقول هؤلاء المعاصرون، يكاد يرجع فى أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون! بفرق واحد فقط: أن أولئك الأقدمين، زائغين كانوا أم ملحدين، كانوا علماء مطلعين أكثرهم ممن أضله الله على علم!! أما هؤلاء المعاصرون، فليس إلا الجهل والجرأة، وامتضاغ ألفاظ لا يحسنوها، يقلدون فى الكفر، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم!! " (1) .
وبعد
فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة هم خير جيل عرفته البشرية، وهم أبرز وجوه حضارتنا، وأكثرها إشراقاً، وأخلدها ذكراً، وأنبلها أخلاقاً، وهم بشر، ولكنهم فى القمة ديناً وخلقاً رغم أنف الحاقدين.
رضى الله عن صحابة رسول الله، وعلى الحافظ علينا شرائع الدين أبى هريرة رضي الله عنه وجعلنا الله عز وجل من محبيه، وجمعنا معه فى واسع جنته (2) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) انظر: مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر 12/84-85 هامش.
(2) انظر ترجمته فى: الإصابة 7/425 - 445 رقم 10674، وتذكرة الحفاظ 1/32 رقم 16، واسد الغابة 6/313 رقم 6326، والاستيعاب 4/1768 رقم 3208، وتجريد أسماء الصحابة 2/209، وتاريخ الصحابة ص 181 رقم 940، ومشاهير علماء الأمصار ص 21 رقم 46، وغير ذلك من المراجع السابقة.(1/819)
المبحث الثانى طعنهم فى عدالة أهل السنة
وفيه تمهيد وأربعة مطالب:
التمهيد ويتضمن:
موقف أهل الزيغ والهوى قديماً وحديثاً من أهل السنة، وأئمة المسلمين، وأساليبهم فى الطعن فى أهل السنة.
المطلب الأول: بيان المراد بأهل السنة.
المطلب الثانى: سلامة طريقة أهل السنة فى فهم الشريعة الإسلامية وبيان تحقيق النجاة لهم.
المطلب الثالث: شرف أصحاب الحديث.
المطلب الرابع: الجواب عن دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن.
التمهيد
ويتضمن موقف أهل الزيغ والهوى قديماً وحديثاً من أهل السنة، وأئمة المسلمين وأساليبهم فى الطعن فى أهل السنة.
... ليس فى الدنيا مبتدع، ولا من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع، إلا وهو يطعن فى أهل السنة من المحدثين، والفقهاء، والمفسرين…إلخ وينظر إليهم بعين الحقارة ويسمونهم بأسماء هم أولى بها منهم، فالجهمية يسمونهم مشبهة ونابته، والقدرية يسمونهم مجبرة، والزنادقة يسمونهم الحشوية، والمعتزلة يسمونهم زوامل أسفار، والرافضة يسمونهم نواصب … إلخ. وكل ذلك عصبية، وغياظ لأهل السنة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد وهو "أصحاب السنة".
ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع كما لم يلتصق بالنبى صلى الله عليه وسلم تسمية كفار مكة ساحراً، وشاعراً، ومجنوناً، ولم يكن اسمه عند الله، وعند ملائكته، وعند انسه، وجنه، وسائر خلقه، إلا رسولاً نبياً برياً من العاهات كلها قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} (1) .
فالوقيعة فى أهل السنة من علامات أهل البدع والزيغ قديماً وحديثاً.
__________
(1) الآية 48 من سورة الإسراء، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 58.(1/820)
فالشيعة الرافضة، والخوارج كفرو أهل السنة لأنهم ضبطوا آثار الصحابة، وقاسوا فروعهم على فتاوى الصحابة" (1) . فمن وثق الصحابة الذين كفروهم وأخذ بسنتهم فهو مثلهم فى الكفر.
... والمعتزلة ردوا فتاوى أهل السنة وقبحوها فى أسماع العامة، لينفروا الأمة من اتباع السنة وأهلها (2) .
ويروى فى ذلك ابن قتيبة عن عمرو بن النضر. قال: مررت بعمرو بن عبيد فجلست إليه، فذكر شيئاً، فقلت: ما هكذا يقول أصحابنا. قال: ومن أصحابك لا أبا لك؟
... قلت: أيوب، وابن عون، ويونس، والتيمى. فقال: أولئك أرجاس أنجاس أموات غير أحياء (3) . يقول ابن قتيبة معلقاً على ما قاله عمرو بن عبيد: "وهؤلاء الأربعة الذين طعنهم، غرة أهل زمانهم فى العلم، والفقه، والاجتهاد فى العبادة، وطيب المطعم، وقد درجوا على ما كان عليه مَنْ قبلهم من الصحابة والتابعين.
وهذا يدل على أن أولئك أيضاً عنده أرجاس أنجاس (4) .
وذكر الشاطبى عن عمرو بن عبيد أنه قال: "ما كلام الحسن البصرى، وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيضة ملقاة" (5) .
__________
(1) الفرق بين الفرق ص 282، وانظر: أهل السنة شعب الله المختار لصالح الوردانى ص 54، 55، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص159-163.
(2) الاعتصام 1/186.
(3) تأويل مختلف الحديث ص 82، ورواه ابن حبان فى المجروحين 1/83، وذكره الشاطبى فى الاعتصام 1/187.
(4) تأويل مختلف الحديث ص 82 بتصرف يسير، وانظر: ما حكاه ابن حبان عن أبى حاتم فى المجروحين 1/84.
(5) الاعتصام 1/187.(1/821)
وحكى الذهبى وابن كثير عن عمرو بن عبيد أنه روى له حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إن أحدكم يُجمع خلقُهُ فى بطنِ أُمه أربعين يوماً. ثم يكون فى ذلك علقةً مثلَ ذلكَ ثم يكون فى ذلك مُضغةً مثلَ ذلك. ثم يُرسلُ المَلَكُ فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعِ كلماتٍ: بكتب رزقِهِ، وأجلِهِ، وعملِهِ، وشقىٌّ أو سعيدٌ … الحديث" (1) .
فقال: "لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت ليس على هذا أخذت ميثاقنا" (2) .
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب القدر، باب 11/486 رقم 6594، ومسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمى، فى بطن أمه، وكتابه رزقه وعمله وشقاوته وسعادته 8/440 رقم 2643.
(2) ميزان الاعتدال 3/278، وانظر: البداية والنهاية 10/81، 82، يقول ابن كثير بعد حكايته ذلك عنه قال: "وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا، وإن كان مكذوباً عليه فعلى من كذبه عليه ما يستحقه" أ. هـ. البداية والنهاية 10/82. هذا وقد كذب بهذا الحديث وزعم أنه من وضع جنود السلطان من الفقهاء والمحدثين - نيازى عز الدين فى كتابه دين السلطان ص 650، 651. مؤيداً فى ذلك فكر عمرو بن عبيد المعتزلى، فى أنه لا قدر والأمر أنف أ. هـ.(1/822)
ويروى الحاكم عن الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- أن أحمد بن الحسن (1) قال له يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبى فتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه، فقال: زنديق! زنديق! زنديق! ودخل البيت (2) .
وقال أحمد بن سنان القطان (3) : "ليس فى الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه" (4) .
... يقول أبو عبد الله الحاكم: "وعلى هذا عهدنا فى أسفارنا، وأوطاننا، كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع، لا ينظر إلى الطائفة المنصورة، إلا بعين الحقارة، ويسميها الحشوية" (5)
قلت: وما قاله الإمام الحاكم وغيره، هو ما عهدناه فى زماننا ممن ينتسب إلى نوع من الإلحاد والبدع.صاروا علىدرب أسلافهم يبغضون أهل الحديث، وينظرون إليهم بعين الحقارة، ويسمونهم كما سماهم أهل الزيغ قديماً، حشوية، وزوامل أسفار…إلخ، ويطعنون فى عدالتهم.
__________
(1) أحمد بن الحسن: هو أحمد بن الحسن بن جُنَيدب، أبو الحسن الترمذى، ثقة حافظ، سمع أحمد بن حنبل، وعنه البخارى، والترمذى، وخلق، مات سنة 242هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/32 رقم 25، والكاشف 1/192 رقم 20، والجمع بين رجال الصحيحين 1/9 رقم 13، والثقات لابن حبان 8/27، والجرح والتعديل 2/47 رقم 33.
(2) معرفة علوم الحديث ص 4.
(3) أحمد بن سنان هو: أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، أبو جعفر، القطان الواسطى، متفق على توثيقه مات سنة 259هـ وقيل قبلها. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/35 رقم 44، وتذكرة الحفاظ 1/521 رقم 538، وطبقات الحفاظ ص231 رقم 516، وشذرات الذهب 2/137، والعبر 2/16، والجمع بين رجال الصحيحين 1/7 رقم 5.
(4) معرفة علوم الحديث ص 4.
(5) المصدر السابق ص 4.(1/823)
فما قاله قديماً ابن أبى فتيلة فى أصحاب الحديث بأنهم قوم سوء، قاله فى زماننا نيازى عز الدين فى كتابيه "دين السلطان" (1) ، و"إنذار من السماء" إذ يقول: "فإما أن نختار طريق آبائنا، وأجدادنا، ومشايخنا السالف، الذى قد عرفنا قبل قليل بالبرهان القاطع أننا ضللنا به، حين تركنا منهج القرآن، وتركناه حتى نسج عليه العنكبوت خيوطه" (2) .
... ويقول: "أهل الحديث ورواته، كانت مهنتهم رواية الأحاديث وكتابتها، فهم يرتزقون مما يرددون ويكتبون. وقالوا: إن ما كتبوه بأيديهم (وحى آخر) من عند الله مثل القرآن، وقالوا: إن كتاب الله هو القرآن، وما معهم من الروايات والأقاويل كتاب الحكمة، ظناً وظلماً، فهم قالوا عن أكاذبيهم إنها من عند الله، تماماً كما فعل أهل الكتاب من قبلهم فى تحريفاتهم. وهم أيضاً يظنون أن الله سبحانه وتعالى لا يقصدهم فى هذه الآية {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (3) بينما هى تنطبق عليهم الانطباق التام (4) .
... ويقول أيضاً طاعناً فى عدالة وجهاد من أيد الله به الدين يوم المحنة، قال: "لذلك نجد الإمام أحمد بن حنبل الذى كان صديقاً حميماً لرؤساء المحفل السرى الخفى، لم يرض أن يقول بخلق القرآن فجلده المأمون، لأنه وجد جلده أرحم من قتله على يد أصدقائه إن قال بعكس تعليماتهم كلها" (5) .
__________
(1) دين السلطان ص 11، وانظر من نفس المصدر ص 114، 117، 119، 153، 154.
(2) إنذار من السماء ص 134، وانظر من نفس المصدر: ص 124، 129، 130، 665.
(3) الآية 11 من سورة الطور.
(4) إنذار من السماء ص 705.
(5) دين السلطان ص 153.(1/824)
ونفس هذا الهراء نسبه إلى أبى حنيفة النعمان قائلاً: "أبو حنيفة النعمان كان صديقاً لأحبار اليهود الذين ادعوا أنهم أحبار الإسلام بإعلانهم إسلامهم، أمثال: يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضى، الذى كان من أكبر أصحاب أبى حنيفة" (1) .
... وانظر إلى ما يقوله إسماعيل منصور متفوقاً على سلفه ابن أبى فتيلة فى طعنه فى رموز الإسلام القائلين بحجية السنة.
يقول: "ونحن نشفق على قائليه وهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعى، وأحمد، وكذلك البخارى ومسلم - رحمهم الله جميعاً - لأنهم "عفا الله عنهم" يستحقون الشفقة والدعاء لهم بالعفو، فإن الله تعالى لو أخذهم بما قالوا (يعنى حجية السنة) لكان أخذه تعالى لهم أليماً شديد لمخالفتهم لكلامه تعالى (مخالفة صريحة) … فإنهم قد استدرجوا إلى مكيدة إبليس اللعين (بحسن نية منهم) فأخذوا بمنهج التبديل ذى الروايات والحكايات، وتركوا كتاب الله تعالى وهم لا يشعرون، حتى أصلوا ظاهرة التحول عن كلام الله، إلى كلام غيره من البشر، وعلموا الناس أن يتركوا ظاهر القرآن الكريم، إلى قول زيد، وعبيد، من الرواة، وهى خطة إبليس اللعين "عليه اللعنة إلى يوم الدين" وهذا واضح تمام الوضوح (2) .
__________
(1) دين السلطان ص 154، ونفس هذه الطعون قال بها أحمد صبحى منصور، وطعن بها المحدثين، والفقهاء، وخص بطعونه من المحدثين الإمام البخارى - رحمه الله - انظر: كتبه التالية: حد الردة، والحسبة، ولا ناسخ ولا منسوخ، ولماذا القرآن، والصلاة فى القرآن، وعذاب القبر والثعبان الأقرع، وقراءة فى صحيح البخارى.
(2) بلوغ اليقين بتصحيح مفهوم ملك اليمين ص 475، 476.(1/825)
.. ويقول أيضاً واصفاً أهل السنة بالخرافة و … و …، وأن فى اتباعهم خسران الدنيا والآخرة قال: "يا أفراد عش الوطاويط (الخفافيش) أخرجوا إلى النور (نور القرآن الكريم) ولا تظلوا حبيسى الظلام "ظلام الأقوال البشرية، والروايات القصصية" … يا أتباع مملكة الوهم، وضحايا التأليف فى الدين، وصرعى الروايات والقصص والظنون والأوهام، أفيقوا من سباتكم الغطيط وانهضوا من رقادكم الطويل، وطهروا أنفسكم وعقيدتكم بألا تساووا كلام البشر بكلام الله رب العالمين (1) .
ماذا تقولون لنا يا أهل الخرافة من الروايات والحكايات والقصص والخزعبلات؟؟ ماذا تقولون؟؟
إن من يتبعكم سيخسر الدنيا والآخرة لا محالة؟؟ سيخسر الدنيا؛ لأنه يعيش فى غير نصرة الله تعالى: "كما يعيش أكثر المسلمين الآن"، ويخسر الآخرة لأنه سيموت على هذا الضلال المبين "يعنى الإيمان بحجية السنة" فلا يكون له فى الآخرة من خلاق (2) أ. هـ.
... إن هذا الهراء ما كنت لاستحل حكايته إلا لبيان أن من أساليب الطعن فى حجية السنة من الزنادقة قديماً وحديثاً بغض أهل السنة، والطعن فى عدالتهم، وفى علومهم، لتنفير الأمة من إتباع السنة وأهلها.
ولنتأمل كيف فاق زنادقة يومنا، زنادقة الأمس بالطعن فى أهل السنة.
إن طعون الحاقدين من المستشرقين، وأهل الزيغ فى أهل السنة كثيرة، وقد سبق ذكر بعضها والجواب عنها كزعمهم أن المحدثين، والفقهاء، كانوا وضاعين ذهبوا إلى تأييد كل ذرأى يرونه صالحاً ومرغوباً فيه بحديث يرفعونه إلى النبى صلى الله عليه وسلم (3) .
__________
(1) المصدر السابق ص18.
(2) المصدر نفسه ص477، وانظر: له تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 135 - 140.
(3) راجع إن شئت ص 417-431.(1/826)
.. وكزعمهم أن المحدثين والفقهاء فى العصر الأموى، والعباسى، كانوا فقهاء سلطة (1) ونكتفى هنا بالرد على دعواهم تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن، وذلك بعد بيان عدالة أهل السنة، وأنهم الجماعة، والجمهور، والسواد الأعظم، لهذه الأمة الإسلامية لسيرهم على طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار -رضوان الله عليهم أجمعين- ولا عبرة بمن خالفهم من أهل الزيغ والهوى قديماً وحديثاً. لخروجهم على طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم أصحابه، والطعن فى عدالة من قال بعدالتهم (2) وبيان ذلك فى الأربعة مطالب الآتية:
المطلب الأول: بيان المراد بأهل السنة
... عندما نتحدث عن عدالة أهل السنة فإننا لا نعنى بهم أهل الحديث فقط، وإنما مرادنا بهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الإمام عبد القادر البغدادى فى كتابه الفرق بين الفرق من: (1) علماء التوحيد (2) علماء الفقه (3) علماء الحديث (4) علماء النحو ... (5) علماء القراءات والتفسير (6) الزهاد الصوفية.
... الذين لم يخلط كل صنف منهم علمه بشئ من بدع أهل الأهواء الضالة، ومن مال منهم إلى شئ من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة، ولا كان لقوله حجية فى عمله.
7- والصنف السابع: المجاهدون فى سبيل الله، يحمون حمى المسلمين، ويذبون عن حريمهم وديارهم، ويظهرون فى ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة.
__________
(1) راجع إن شئت ص 425-441.
(2) انظر: فيمن طعن فى أهل السنة.أضواء على السنة62،وشيخ المضيرة ص33، وإعادة تقييم الحديث ص 116، والبيان بالقرآن 2/514، 805، وحد الردة ص 67، 74، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 13،14،16،95،262، 269 وأهل السنة شعب الله المختار 31 وما بعدها، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص32،والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص29،111 وما بعدها. وغير ذلك من المراجع السابق ذكرها فيمن طعن فى حجية السنة أو عدالة الصحابة.(1/827)
8- والصنف الثامن منهم: عامة البلدان الذين اعتقدوا تصويب علماء السنة، ورجعوا إليهم فى معالم دينهم، وقلدوهم فى فروع الحلال والحرام، ولم يعتقدوا شيئاً من بدع أهل الأهواء الضالة.
... قال الإمام عبد القادر البغدادى: فهؤلاء أصناف أهل السنة والجماعة، ومجموعهم أصحاب الدين القويم، والصراط المستقيم" (1) أ. هـ.
... ويقول الدكتور ناصر الشيخ معرفاً بهم فى نص جامع قال: أهل السنة هم المتمسكون بما جاء فى الكتاب والسنة، والتزموا بما فيهما قولاً وعملاً، وكان معتقدهم موافقاً لما جاء فيهما، وموافقاً لما كان عليه السلف الصالح من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، والتابعين لهم بإحسان، وأتباعهم من أئمة الدين ممن شهد لهم بالإمامة، وعرف عظم شأنهم فى الدين، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف.
... دون من رمى ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضى، كالخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، والجبرية، والمعتزلة، والكرامية، ونحو هؤلاء (2) أ. هـ.
المطلب الثانى: سلامة طريقة أهل السنة فى فهم الشريعة الإسلامية
وبيان تحقيق النجاة لهم
... عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة".
__________
(1) الفرق بين الفرق ص 276 - 279 بتصرف واختصار.
(2) عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة 1/29.(1/828)
هذا الحديث أخرجه جماعة من الأئمة منهم أبو داود (1) ، والترمذى وصححه (2) ، وابن ماجة (3) ، والحاكم وصححه (4) ، وله شواهد عن جماعة من الصحابة كأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبى بن كعب، وأبى الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبى سفيان وغيرهم (5) .
... وجاء فى هذه الشواهد تفسير للفرقة الناجية بأسانيد تقام بها الحجة فى تصحيح هذا الحديث (6) . كما قال الحاكم فى المستدرك ووافقه الذهبى (7) .
__________
(1) سنن أبى داود كتاب السنة، باب شرح السنة 4/197، 198 رقم 4596.
(2) سنن الترمذى كتاب الإيمان، باب ما جاء فى افتراق الأمة 5/25 رقم 2640 وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) سنن ابن ماجة كتاب الفتن، باب افتراق الأمم 2/492 رقم 3991.
(4) المستدرك كتاب العلم، باب تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة كلها فى النار إلا واحدة 1/217 رقم 441 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
(5) قال بتواتر الحديث الكتانى، وعبد الله الغمارى، وعبد العزيز الغمارى، انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 45 رقم 18، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادة فى نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 185.
(6) خلافاً لمن ذهب إلى عدم صحة الحديث. انظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة ص 129 وما بعدها.
(7) المستدرك 1/218.(1/829)
من هذه الشواهد حديث معاوية وأنس - رضى الله عنهما - مرفوعاً: "إن أهل الكتاب تفرقوا فى دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها فى النار إلا واحدة، وهى الجماعة (1) .
... وفى حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: "إنى بنى إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين كلهم فى النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هى يا رسول الله قال: "ما أنا عليه وأصحابى" (2) .
... يقول الإمام الشاطبى: "إن الجماعة - فى الحديث الشريف - هى الصحابة على الخصوص فإنهم الذين أقاموا عماد الدين، وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلاً، وقد يمكن فيمن سواهم ذلك، … ولفظ الجماعة وتفسيره هنا مطابق للرواية الأخرى فى قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنا عليه وأصحابى" (3) .
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب شرح السنة 4/198 رقم 4597، والحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة كلها فى النار إلا واحدة 1/218 رقم 443، كلاهما من حديث معاوية رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الفتن،= =باب افتراق الأمم 2/492 رقم 3991 من حديث أنس رضي الله عنه، وقال البوصيرى فى مصباح الزجاجة 3/239 "هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات".
(2) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الإيمان، باب ما جاء فى افتراق الأمة 5/26 رقم 2641، وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب تفترق هذه الأمة … 1/218 رقم 444.
(3) الاعتصام 2/518، 519 بتصرف.(1/830)
.. يقول الإمام عبد القادر البغدادى مبيناً صحة طريقة أهل السنة فى فهم الشريعة الإسلامية وتحقيق النجاة لهم بنص الحديث السابق. قال: "إن النبى صلى الله عليه وسلم لما ذكر افتراق أمته بعده ثلاثاً وسبعين فرقة، وأخبر أن فرقة واحدة منها ناجية، سئل عن الفرقة الناجية، وعن صفتها، فأشار إلى الذين هم، على ما عليه هو وأصحابه.
ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غير أهل السنة والجماعة، من مجتهدى الأمة وعلمائها أهل الشريعة العاملين بها، دون الرافضة، والمعتزلة، والخوارج، والجهمية، وجميع أهل البدع والأهواء، فهم غير داخلين فى لفظ الجماعة قطعاً، لخروجهم على طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه رضي الله عنهم.
... ثم كيف يكون الرافضة، والخوارج، والقدرية، وسائر أهل البدع موافقين للصحابة؟ وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئاً مما روى عن الصحابة فى أحكام الشريعة، لامتناعهم من قبول روايات الحديث، والسير، والمغازى، من أجل تكفيرهم للصحابة، ولأصحاب الحديث الذين هم نقلة الأخبار والآثار، ورواة التواريخ والسير، ومن أجل تكفيرهم فقهاء الأمة الذين ضبطوا آثار الصحابة، وقاسوا فروعهم على فتاوى الصحابة.
ولم يكن بحمد الله ومَنِّهِ فى الخوارج، ولا فى الروافض، ولا فى القدرية، ولا فى سائر أهل الأهواء الضالة إمام فى الفقه، ولا إمام فى رواية الحديث، ولا إمام فى اللغة والنحو، ولا موثوق به فى نقل المغازى والسير والتواريخ، ولا إمام فى الوعظ والتذكير، ولا إمام فى التأويل والتفسير، وإنما كان أئمة هذه العلوم، على الخصوص والعموم، من أهل السنة والجماعة (1) .
__________
(1) راجع: بيان فضائل أهل السنة، وأنواع علومهم وأئمتهم، وبيان آثارهم فى الدين والدنيا، فى: الفرق بين الفرق ص 321 - 325، وانظر: الاعتصام للشاطبى 2/509 وما بعدها.(1/831)
وأهل الأهواء الضالة إذا ردوا الروايات الواردة عن الصحابة فى أحكامهم وسيرهم لم يصح اقتداؤهم بهم.
وبان من هذا أن المقتدين بالصحابة من يعمل بما قد صح بالرواية الصحيحة فى أحكامهم وسيرهم، وذلك سنة أهل السنة دون ذوى البدعة، وصحح بصحة ما ذكرناه، صحة وسلامة طريقتهم فى فهم الشريعة الإسلامية، وتحقيق نجاتهم لحكم النبى صلى الله عليه وسلم بنجاة المقتدين بأصحابه (1) . والحمد لله على ذلك (2) أ. هـ.
... يقول الإمام الشاطبى – رحمه الله -: "فعلى هذا القول فمن خرج عن جماعة أهل السنة، فهم الذين شذوا، وهم نهبة الشيطان، ويدخل فى هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لما عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فمن خرج عن جماعة أئمة العلماء المجتهدين من أهل السنة مات ميتة جاهلية، لأن جماعة الله العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لن يجمع أمتى على ضلالة" (3) .
فهم جماعة أهل الإسلام والسواد الأعظم، إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم. ومن شذ شذ إلى النار" (4) فإن قيل: "فإن أهل المقالات المختلفة، يرى كل فريق منهم أن الحق فيما اعتقده، وأن مخالفه على ضلال وهوى، وكذلك أصحاب الحديث، فيما انتحلوا، فمن أين علموا علماً يقيناً، أنهم على حق؟
__________
(1) راجع: الفرق بين الفرق فصل عصمة الله أهل السنة من تكفير بعضهم بعضاً أو تكفير سلفهم والطعن فيهم ص 320 – 321.
(2) الفرق بين الفرق ص 279 - 283 بتصرف، وانظر: الاعتصام للشاطبى 2/515 - 523.
(3) سبق تخريجه ص 481.
(4) الاعتصام 2/517 - 519 بتصرف.(1/832)
.. قيل لهم: إن أهل المقالات، وإن اختلفوا، ورأى كل صنف منهم أن الحق فيما دعا إليه، فإنهم مجمعون لا يختلفون.على أن من اعتصم بكتاب الله عز وجل، وتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد استضاء بالنور، واستفتح باب الرشد، وطلب الحق من مظانه. وليس يدفع أهل السنة عن ذلك إلا ظالم لأنهم لا يردون شيئاً من أمر الدين، إلى استحسان، ولا إلى قياس ونظر، ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدمين، ولا إلى أصحاب الكلام المتأخرين (1) أ. هـ.
... فإن قالوا: فإنه يلزمكم أن تقولوا إن نقلة الأخبار الشرعية التى قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم معصومون فى نقلها، وأن كل واحد منهم معصوم فى نقله من تعمد الكذب. قلنا لهم نعم. هكذا نقول، وبهذا نقطع ونبت. وكل عدل روى خبراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله فى الدين أو فعله صلى الله عليه وسلم، فذلك الراوى العدل معصوم من تعمد الكذب - مقطوع بذلك عند الله تعالى - لما تقدم من تعهد رب العزة بحفظ جميع الشريعة من كتاب وسنة" (2) .
وفى هذا رد على الدجالين الزاعمين، بأنهم فى ردهم للسنة المطهرة، والأحاديث الصحيحة لا يردون قول النبى صلى الله عليه وسلم وإنما يردون قول رواة السنة من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم إلى أصحاب المصنفات الحديثية!!!
المطلب الثالث شرف أصحاب الحديث
إذا كان الحديث بعد القرآن هو عمدة كل صنف من الأصناف السابقة من أهل السنة، وإذا كانت دواوين أصحاب الحديث، بعد القرآن دعائم الإسلام التى قامت عليها صروحه.
__________
(1) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 83 بتصرف يسير.وانظر: ما قاله ابن قيم فى مختصر الصواعق المرسلة إجابة على هذا السؤال، وبيان الفرق بين أهل السنة وأهل الأهواء2/571-576.
(2) الإحكام لابن حزم 1/126.(1/833)
فإن ذلك يدلنا على عظم مكانة المحدثين بين علماء أهل السنة جميعاً فهم بحق يصدق فيهم قول سفيان الثورى- رحمه الله -: "الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض" (1) .
ويقول يزيد بن زُريع (2) : "لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد" (3) .
ويقول أبو حاتم الرازى - رحمه الله -: "لم يكن فى أمة من الأمم منذ خلق الله آدم، أمناء يحفظون آثار الرسل إلا فى هذه الأمة. فقال له رجل: يا أبا حاتم ربما رووا حديثاً لا أصل له، ولا يصح؟ فقال: علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك للمعرفة، ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها" (4) .
... وإذا تقرر أنه لا قيام للإسلام بدون سنة صدق فيهم ما قاله الإمام أبو داود الطيالسى (5) : "لولا هذه العصابة لا ندرس الإسلام"يعنى أصحاب الحديث الذين يكتبون الآثار" (6) .
__________
(1) أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث ص 91 رقم 80.
(2) يزيد بن زُريع هو: يزيد بن زريع، بتقديم الزاى، مصغراً، البصرى، أبو معاوية، متفق على توثيقه. مات سنة 182هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/324 رقم 7741، والكاشف 2/382 رقم 6301، والثقات للعجلى 478 رقم 1841، والجمع بين رجال الصحيحين 2/573، 574 رقم 2237، ورجال صحيح البخارى للكلاباذى 2/807 رقم 1355.
(3) أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث ص 91 رقم 81.
(4) المصدر السابق ص 89 رقم 77.
(5) أبو داود الطيالسى هو: سليمان بن داود بن الجارود البصرى، أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام مات سنة 203هـ. له ترجمة فى تذكرة الحفاظ 1/351 رقم 340، وتقريب التهذيب 1/384 رقم 2558، وطبقات الحفاظ السيوطى ص153رقم327،والثقات للعجلى201،202 رقم 609، وشذرات الذهب 2/12، والتقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد لابن نقطة ص277 رقم 343، وتهذيب الكمال للمزى 11/401 رقم 2507.
(6) أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث ص 101 رقم 101.(1/834)
ويقول الإمام الخطيب البغدادى: "وقد جعل الله تعالى أهله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبى صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون فى حفظ ملته، … قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها.
وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول، إذا اختلف فى حديث، كان إليهم الرجوع، فما حكموا به، فهو المقبول المسموع.
ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد فى قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذلهم الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير" (1) .
ورحم الله هارون الرشيد القائل: "طلبت أربعة فوجدتها فى أربعة: طلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث وطلبت الكفر فوجدته فى الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته مع المعتزلة" (2) أ. هـ.
... رضى الله عن تلك الأنفس التى نهضت لحفظ الدين، ورضى الله عمن أحيا آثارهم من اللاحقين "آمين".
__________
(1) شرف أصحاب الحديث ص 28 - 31 بتصرف وتقديم وتأخير، وانظر: ما قاله الحاكم فى معرفة علوم الحديث ص2-4، وجمال الدين القاسمى فى قواعد التحديث ص60، والسنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الموجود ص 11.
(2) شرف أصحاب الحديث ص 108 رقم 104.(1/835)
المطلب الرابع: الجواب عن دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن
... إن دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن واعتمادهم على السند، أطلقها بعض المستشرقين (1) الحاقدين للنيل من ديننا، ومن هذا العلم الشريف الذى خص الله به هذه الأمة على سائر الأمم، وهى دعوى باطلة تبناها من سار على هديهم من دعاة اللادينية (2) ، وتأثر بها بعض المسلمين (3) .
__________
(1) انظر: العقيدة والشريعة ص 50، ودراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد10 ص508، وانظر: دائرة المعارف الإسلامية 7/335-337.
(2) أضواء على السنة ص 288 وما بعدها، وإعادة تقييم الحديث ص 118 وما بعدها، والسلطة فى الإٍسلام ص 259، وحقيقة الحجاب وحجية الحديث ص 91، ودليل المسلم الحزين ص 59، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص 173، 180، 352، 384، 655، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 117، والإسلام والعقلانية لجمال البنا ص 37 وما بعدها، وأهل السنة شعب الله المختار ص 24، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص 13، 33، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص 81 وما بعدها وغير ذلك.
(3) انظر: فجر الإسلام 217، 218، وضحى الإسلام 2/130، 132 وظهر الإسلام 2/48، وانظر: حياة محمد للدكتور محمد هيكل ص 55، ومصادر التاريخ الإسلامى ومناهج البحث فيه للدكتورة سيدة إسماعيل كاشف ص 21 وغيرهم.(1/836)
.. يقول الأستاذ الصديق بشير: "وسبب فساد هذا الزعم لو أحسنا الظن بقائليه من المستشرقين؛ أن المنهج النقدى للأخبار عند الغربيين منصب على المتن وحده، ولم ينل السند عندهم كبير نصيب لأنهم لا يعولون عليه، وإن تكلموا عن السند فلا يتعدى بعض المفاهيم النظرية التى ليس لها رصيد فى واقعهم النقدى وذلك مخالف للمنهج النقدى عند المسلمين فقد طبق عملياً بشكل واسع ومنقطع النظير، وهى قفزة عريضة لم يصلها الأوربيون حتى اليوم، وأنى لهم ذلك وأخبارهم القديمة منقطعة الأسانيد قد يئسوا أن يصلوها (1) .
ورحم الله ابن حزم إذ يقول: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال، والطرق المشتملة على كذاب أو مجهول الحال، فكثير فى نقل اليهود والنصارى (2) ، وغيرهم من أهل الملل الأخرى وأهل البدع والأهواء.
... ويبدو تهافت دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن بما اشترطه أصحاب الحديث لصحة الخبر، وبما وضعوه من علامات يعرف بها وضع الخبر.
وكيف يهملون ضبط المتن وما قام علم الحديث دراية إلا لخدمة علم الحديث رواية!! وبتعبير آخر ما كانت علوم الحديث بأسرها إلا لضمان ضبط المتن، والتأكد من صحة نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
... ولا نبالغ إذا قلنا أن الشروط الخمسة التى وضعها علماء الحديث لصحة الخبر كلها شروط لضبط المتن، وما يبدو من ظاهر الشروط لضبط السند هو فى حقيقة الأمر يتعلق بالمتن ظاهراً وباطناً.
فالشروط الثلاثة الأولى لصحة الخبر وهى اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبط الراوى هى فى الظاهر شروط خاصة بضبط السند. وفى الحقيقة أن فقدان أى شرط منهم يخل بضبط المتن.
__________
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 39، 40.
(2) الفصل فى الملل والنحل 2/81 – 84 بتصرف، وانظر: تدريب الراوى 2/159.(1/837)
لأن عدم اتصال السند ينتج عنه أنواع من الحديث الضعيف: المنقطع، والمعضل، والمعلق، والمدلس، والمرسل، وكلها تخل بصحة المتن.
وفقدان عدالة الراوى ينتج عنها من الحديث الضعيف المخل بضبط المتن. الموضوع، والمتروك، والمنكر.
وفقدان ضبط الراوى ينتج عنه من أنواع الضعيف المخل بضبط المتن: المدرج، والمقلوب، والمضطرب، والمصحف، والمحرف، وغير ذلك.
فماذا بقى من شروط صحة الخبر سوى شرطى عدم الشذوذ، وعدم العلة، وفقدهما ينتج عنهما الحديث الشاذ، والمعلل، وهما يخلان بضبط المتن.
فأين من كل هذا ما يفترى كذباً على المحدثين من عدم اهتمامهم بنقد المتن عشر معشار السند؟!!
... إن علماءنا لم يفرقوا هذا التفريق الظاهر بين نقدهم لسند الحديث، ونقدهم للمتن وليس أدل على ذلك ما قرروه من أنه لا تلازم بين صحة السند وصحة المتن.
فصحة السند لا يلزم منها صحة المتن، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً أو موضوعاً معناه باطلاً، كما أنه لا يلزم من ضعف السند، ضعف المتن إذ يجئ بسند آخر صحيح.
ومن هنا قيدوا فى حكمهم على الحديث بالصحة أو بالحسن أو بالضعف بالإسناد دون متن الحديث فيقولون: إسناد صحيح دون حديث صحيح، وإسناد حسن، أو إسناد ضعيف، دون حديث حسن، أو حديث ضعيف.
... "والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن، إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما، ولا يصح المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند، ويصح المتن، من طرق أخرى" (1) .
__________
(1) توضيح الأفكار للصنعانى 1/234.(1/838)
يقول الدكتور صبحى الصالح مؤكداً عدم تفرقة المحدثين بين السند والمتن فى حكمهم على الحديث: "على أننا لن نرتكب الحماقة التى لا يزال المستشرقون، وتلامذتهم المخدوعون بعلمهم "الغزير" يرتكبونها كلما عرضوا للحديث النبوى، إذ يفصلون بين السند والمتن مثلما يفصل بين خصمين لا يلتقيان أو ضرتين لا تجتمعان، فمقاييس المحدثين فى السند لا تفصل عن مقاييسهم فى المتن إلا على سبيل التوضيح والتبويب والتقسيم.
وإلا فالغالب على السند الصحيح أن ينتهى بالمتن الصحيح، والغالب على المتن المعقول المنطقى الذى لا يخالف الحس أن يرد عن طريق سند صحيح (1) .
... ولبيان أن المحدثين لم يفرقوا بين السند والمتن التفريق الظاهر فى مباحثهم، وأن كلامهم على السند هو كلام عن المتن ومن أجله، نذكر بعض الأمثلة على ذلك:
منها زيادة الثقات فهى كما لا يخفى ترتبط بالمتن لأنها زيادة تطرأ عليه من راوٍ ثقة. قال ابن حجر: "وزيادة راويهما – أى الصحيح والحسن – مقبولة ما لم تقع منافيه لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافى بينها، وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقاً، لأنها فى حكم الحديث المستقل الذى ينفرد به الثقة، ولا يرويه عن شيخه غيره.
__________
(1) علوم الحديث ومصطلحه ص 283.(1/839)
.. وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها، رد الرواية الأخرى فهذه التى يقع الترجيح بينها، وبين معارضها، فيقبل الراجح، ويرد المرجوح" (1) . ومثل لذلك بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل؟ قال الصلاة لوقتها" (2) زاد الحسن ابن مكرم، وبندار بن بشار فى روايتهما: فى أول وقتها، وصححها الحاكم (3) وغيره. وهى مقبولة فهل الكلام على السند هنا إلا لضبط المتن وأجله.
__________
(1) نزهة النظر ص 30.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها 2/12 رقم 527 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال 1/350، 351 رقم 137.
(3) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب الصلاة، باب فى مواقيت الصلاة 1/300 رقمى 674، 675 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى، وانظر: تدريب الراوى1/248(1/840)
ومنه "المصحف" وهو الذى وقع فيه تصحيف، ويكون فى الإسناد والمتن. ومن الثانى حديث: "احتجر النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد (1) . أى اتخذ حجرة، صحفة بعضهم بقوله: "احتجم" وهذا القسم من تصحيف اللفظ، وقد يكون فى المعنى كمن سمع خطيباً يروى حديث: "لا يدخل الجنة قتات" (2) ، فبكى وقال: ما الذى أصنع، وليست لى حرفة سوى بيع القت؟ يعنى الذى يعلف الدواب" (3) .
... يقول الأستاذ الصديق بشير: "ولعل من أوسع المباحث المتعلقة بنقد المتن والتى تفوق فيها علم الحديث، على منهج النقد الغربى للمضمون والمتن مبحث "تحرى النص، والمجئ باللفظ". وهذه كما يقول أسد رستم: "مأثرة أخرى من مآثر علماء الحديث فإنهم قالوا بالأمانة فى نقل الحديث، وفرضوا وجوب تحرى النص لأجل الوقوف على اللفظ الأصلى، ومنهم من أبى أن يقوم اللحن أو أن يصلح الخطأ واكتفى بإبداء رأيه على الهامش (4) .
وأسد رستم يشير بذلك إلى ما اشترطه أرباب هذا الفن فى عدم جواز الرواية بالمعنى "إن لم يكن الراوى عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها، بصيراً بمقادير التفاوت بينها.
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأذان، باب صلاة الليل 3/251 رقم 731، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة فى بيته 3/325، 326 رقم 781 من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأدب، باب النميمة من الكبائر 10/487 رقم6056، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم النميمة 1/389 رقم 169 من حديث حذيفة رضي الله عنه
(3) فتح المغيث للسخاوى 3/69، وانظر: علوم الحديث للدكتور صبحى الصالح ص 254-262.
(4) مصطلح التاريخ ص 33، وانظر: ضوابط الرواية عند المحدثين ص 46.(1/841)
ففى هذه الحالة يتعين على الراوى الرواية باللفظ الذى سمعه، ولا تجوز له الرواية بالمعنى بلا خلاف" (1) .
وهل كل ذلك إلا حفاظاً من المحدثين على سلامة المتن؟
... وليس أدل على عناية المحدثين بنقد المتون من جعلهم من أمارة الحديث الموضوع، مخالفته للعقل، أو المشاهدة والحس، مع عدم إمكان تأويله تأويلاً قريباً محتملاً، وأنهم كثيراً ما يردون الحديث لمخالفته للقرآن، أو السنة المشهورة الصحيحة، أو التاريخ المعروف مع تعذر التوفيق" (2) .
... ومن نماذج سبر المحدثين المتن فى نقدهم للحديث خبر وضع الجزية عن يهود خيبر، وهو ما حكاه غير واحد من العلماء؛ كالحافظ السبكى (3) ، وابن كثير (4) ، والسخاوى (5) "أن بعض اليهود أظهروا كتاباً، وادعوا أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة بعض الصحابة رضي الله عنهم وذكروا أن خط على رضي الله عنه عليه. وحمل الكتاب فى سنة سبع وأربعين وأربعمائة إلى رئيس الرؤساء أبى القاسم على بن الحسن وزير القائم بأمر الله الخليفة العباسى، فعرضه رئيس الرؤساء، على الحافظ الخطيب البغدادى، فتأمله ثم قال: هذا مزور.
__________
(1) تدريب الراوى 2/98، وراجع: إن شئت ما سبق فى الجواب على شبهة رواية الحديث بالمعنى ص368-369.
(2) دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 31، ولمزيد فى الرد على هذه الشبهة انظر: منهج النقد عند علماء الحديث، والسنة المطهرة والتحديات كلاهما للدكتور نور الدين عتر، ومنهج نقد المتن عند علماء الحديث للدكتور صلاح الدين الأدلبى، واهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً، ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم للدكتور محمد لقمان السلفى.
(3) طبقات الشافعية الكبرى 4/35.
(4) البداية والنهاية 12/108 – 109.
(5) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص24، 25.(1/842)
.. فقيل له: من أين لك هذا؟ قال: فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح سنة ثمان من الهجرة، وفتح خيبر كان فى سنة سبع، ولم يكن معاوية مسلماً فى ذلك الوقت، ولا حضر ما جرى فى خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ، وهو قد مات فى سنة خمس، فى يوم بنى قريظة، قبل فتح خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه رئيس الرؤساء، واعتمده وأمضاه، ولم يجز اليهود على ما فى الكتاب لظهور تزويره وبطلانه.
... وقد سبق الحافظ الخطيب البغدادى إلى كشف كذب هذا الكتاب وتزويره: الإمام ابن جرير الطبرى، كما حكاه الحافظ ابن كثير فى البداية والنهاية" (1) .
وتعرض الحافظ ابن قيم الجوزية لهذا الكتاب المزور بأيدى اليهود فى كتابيه "أحكام أهل الذمة" (2) ، و"المنار المنيف فى الصحيح والضعيف" (3) ، وبين كذبه وتزويره من عشرة وجوه، ثم قال وأحضر هذا الكتاب بين يدى شيخ الإسلام ابن تيمية، وحوله اليهود يزفونه ويجلُّونه، وقد غشى بالحرير والديباج، فلما فتحه وتأمله بزق عليه وقال: هذا كذب من عدة أوجه. وذكرها، فقاموا من عنده بالذل والصغار" (4) .
بكل ما سبق تسقط دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) البداية والنهاية 12/109.
(2) أحكام أهل الذمة 1/7-9.
(3) المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ص 102 – 105، وانظر: لمحات من تاريخ السنة للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة ص 170 – 172.
(4) المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ص 105.(1/843)
الفصل الرابع: وسيلتهم فى الطعن فى الإسناد وعلوم الحديث
... وتحته تمهيد ومبحثان:
التمهيد ويتضمن:
بيان أن الإسناد دليلنا على صحة الكتاب والسنة.
وهدف أعداء الإسلام من الطعن فى الإسناد.
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى الإسناد والرد عليها.
المبحث الثانى: أهمية الإسناد فى الدين، واختصاص الأمة الإسلامية به عن سائر الأمم
التمهيد
ويتضمن بيان أن الإسناد دليلنا على صحة الكتاب والسنة، وهدف أعداء الإسلام من الطعن فى الإسناد.
... الطعن والتشكيك فى الإسناد كان ولا يزال، هدفاً من أهداف أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، للتشكيك فى الوحى الإلهى -قرآناً وسنة-.
فالإسناد دليلنا على صحة كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فمن المعلوم أن لصحة أى قراءة من القرآن وقبولها؛ لابد أن يتوافر فيها ثلاثة شروط:
صحة إسنادها.
موافقتها للغة العربية ولو بوجه.
موافقتها للرسم العثمانى ولو احتمالاً.
... وإذا اختل أى ركن من هذه الأركان كانت القراءة شاذة، ولا تعد قرآناً حتى ولو كانت من القراءات السبع وفى ذلك أنشد صاحب الطيبة فقال:
وكل ما وافق وجه النحو ... وكان للرسم احتمالاً يحوى
وصح إسناداً، هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت ... شذوذه لو أنه فى السبعة (1)
أليس فى هذا دليل على أن القرآن الكريم منقول بالإسناد أيضاً؛ كالحديث؟
نعم هناك فرق بين القرآن وبين الحديث فى عدد الرواة النقلة؛ فالقرآن منقول بالتواتر، والحديث منقول برواية رجال معدودين، ولكنهم ليسوا مجاهيل بل هم رجال مشهورون، أحوالهم معلومة، وأسانيدهم محفوظة.
وهذا الفرق يقتضى التفاوت فى درجات اليقين والوثوق، لا فى نفس القبول والاعتبار (2) ".
__________
(1) مناهل العرفان فى علوم القرآن 1/416، وانظر: فتح البارى 9/649 رقم 4991.
(2) تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للسيد سليمان الندوى ص 10، 11.(1/844)
.. وإذا كان القرآن منقولاً بالرواية، فالطعن فى الإسناد طعن فى الدين، وإبطال للكتاب والسنة وهو ما صرح به (شاكر) -رأس الزنادقة فى عصره- عندما سئل عن سر تعليمهم المتعلم فيهم أول ما يعلمونه الطعن فى الصحابة، وهم أول رجال السند قال: "إنا نريد الطعن على الناقلة فإذا بطلت الناقلة أوشك أن نبطل المنقول".
وصدق الإمام أبو زرعة الرازى -رحمه الله-: " ... هؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة (1) ".
... ومن هنا كان أهل الإلحاد قديماً وحديثاً يحرصون على الطعن والتشكيك فى الإسناد الذى هو خصيصة فاضلة لهذه الأمة ولم يكن هناك شئ أثقل عليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد.
يدل على ما سبق ما رواه الحاكم فى معرفة علوم الحديث قال: "سمعت الشيخ أبا بكر أحمد ابن إسحاق الفقيه (2) وهو يناظر رجلاً، فقال الشيخ: حدثنا فلان. فقال له الرجل: دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا. فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحل لك أن تدخل دارى بعد هذا، ثم التفت إلينا فقال: ما قلت قط لأحد لا تدخل دارى إلا لهذا" (3) .
وروى الحاكم أيضاً عن أحمد بن سلام الفقيه قال: "ليس شئ أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد (4) ".
__________
(1) راجع: ص 600، 601.
(2) أحمد بن إسحاق: هو أبو بكر، أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغى الفقيه، كان عالماً بالحديث والرجال، والجرح والتعديل، وفى الفقه كان المشار إليه فى وقته، ثقة مأمون. سمع منه كبار الحفاظ، منهم أبو عبد الله الحاكم، وكلما روى عنه وجمع بينه وبين جماعة يقول: أبو بكر هو الإمام المقدم.له ترجمة فى: الإرشاد فى معرفة علماء الحديث للحافظ الخليل القزوينى ص318،319.
(3) معرفة علوم الحديث ص 4.
(4) المصدر السابق ص 4.(1/845)
.. وتابع هؤلاء السلف خلفهم من المستشرقين ودعاة اللادينية، فذموا الإسناد، وذموا المحدثين لاهتمامهم به، وطعنوا فى بداية استعمال الأسانيد فى الأحاديث النبوية، وزعموا أن الأسانيد مختلقة من قبل المحدثين، إلى غير ذلك من طعونهم التى نستعرضها ونجيب عليها فى المبحث التالى:
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى الإسناد والرد عليها
... ذهب بعض أعداء الإسلام من المستشرقين إلى التشكيك فى بداية استعمال الأسانيد فى الأحاديث النبوية.
فذهب "شاخت" إلى أن الفتنة المذكورة فى قول محمد بن سيرين "لم يكونوا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة ... " (1) هى فتنة الخليفة الأموى الوليد بن يزيد سنة 126هـ.
يقول شاخت: "ويروى عن التابعى ابن سيرين أن الناس لم يكونوا يسألون عن الإسناد حتى كانت الفتنة، وسوف نرى فيما بعد أن الفتنة التى اندلعت بمقتل الخليفة الأموى الوليد بن يزيد سنة 126هـ، قبيل نهاية الحكم الأموى تتفق فى الزمن مع نهاية خير القرون التى سادت فى أثنائها السنة النبوية، وحيث أن ابن سيرين توفى سنة (110هـ) فلنا أن نستنتج من ذلك أن هذه العبارة موضوعة عليه. وعلى أية حال ليس هنالك ما يدعوا إلى افتراض أن استعمال الإسناد بشكل منتظم قد حدث قبل بداية القرن الثانى للهجرة (2) .
... ويذهب مستشرق آخر وهو "روبسون" إلى أن الفتنة المقصودة فى كلام ابن سيرين هى فتنة عبد الله بن الزبير سنة (72هـ) عندما أعلن نفسه خليفة، بحجة أن تاريخ هذه الفتنة يتوافق مع مولد ابن سيرين، ووجود كلمة الفتنة فى موطأ الإمام مالك التى تشير إلى فتنة ابن الزبير" (3) .
__________
(1) سبق تخريجه ص 128.
(2) أصول الفقه المحمدى ترجمة الأستاذ الصديق البشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 11 ص689، 699.
(3) نقلاً عن دارسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 2/395، وضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير ص 64.(1/846)
.. وهدفهم من ذلك كما صرح شاخت، التشكيك فى الجزء الأعظم من الأسانيد الموجودة فى كتب السنة المطهرة، وأنه قد اختلقها المحدثون فى القرن الثانى الهجرى، بل وفى القرن الثالث أيضاً.
والنتيجة أن متون تلك الأسانيد مختلقة أيضاً، وتلك هى غايتهم من الطعن فى بداية استعمال الأسانيد فى الأحاديث النبوية.
ويذهب جولدتسيهر إلى أن أسانيد الأحاديث مخترعة من قبل المحدثين فيقول: "هناك بعض الناس لا يشعرون بأى تردد فى اختراع أسماء جديدة يخدعون بها المستمعين السذج، وفى القرن الذى ألف فيه ابن عدى كتابه "الكامل فى معرفة الرجال" كان هنالك أبو عمرو لاحق بن الحسين، يخترع أسماء يضعها فى أسانيده مثل: طغرال، وطربال، وكركدن، ويعزو إليهم أحاديث (1) .
وهذا الذى قاله جولدتسيهر قاله غير واحد من المستشرقين (2) ودعاة اللادينية.
يقول عبد الجواد ياسين: "ولم يكن من العسير على من اختلق "المتن" أن يختلق "الإسناد" فكم من أحاديث مختلقة -باعتراف علماء الحديث- تم تركيبها على أسانيد مقبولة عندما أصبحت الأسانيد المقبولة جواز مرور رسمى للحديث" (3) .
ويقول أحمد حجازى السقا: "فالسلسلة الذهبية للحديث، وهى أعلى سلسلة فى السند قد عمل الضعفاء والمتروكون مثلها، والأسانيد الصحيحة، قد عملوا مثلها" (4) .
وتتابع دعاة اللادينية فى ذم الإسناد، وذم المحدثين لاهتمامهم به.
__________
(1) دراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 10 ص505، 506، والعقيدة والشريعة فى الإسلام ص 54 وما بعدها.
(2) كالمستشرق (روبسون) زعم أن الأسانيد العائلية اخترعت لنشر الأحاديث الموضوعة. انظر: دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 2/435.
(3) السلطة فى الإسلام ص 260.
(4) دفع الشبهات عن الشيخ محمد الغزالى ص 109، وانظر: من نفس المصدر ص 102، 126.(1/847)
فوجدنا من يصف أهل الحديث بأنهم "عبيد الأسانيد" (1) و "أسرى الأسانيد" (2) .
ووجدنا من يصف الإسناد بأنه نوع من التزمت (3) .
... ووجدنا إسماعيل منصور يقول: "إن هذا التعلق غير الطبيعى بالسند، والمبالغة فى الاعتداد به وربط الأحكام الشرعية به -واعتباره بالدرجة الأولى- أساساً لصحة الحديث كل ذلك مجتمعاً قد أثمر افتراقاً كبيراً بين المسلمين، وصيرورتهم فرقاً وشيعاً وأحزاباً يعارض بعضها بعضاً، وقاتل بعضها بعضاً، ويكيد بعضها لبعض على مر السنين (4) .
... ويقول طاعناً فى علوم الحديث كلها: "ما أقامه البعض من أهل هذا العلم من إنشاء ما يسمى بعلم الحديث، إنما هو بالحياد المطلق، وَهْمٌ لا يثبت، وظن لا يستقيم" (5) .
ويجاب على هذه الشبه بما يلى:
... بادئ ذى بدء نحب أن نقول للطاعنين فى الإسناد، كلمة مهمة قالها العلامة السيد سليمان الندوى، وهو يتحدث عن تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها. قال تحت عنوان: (الرواية أمر ضرورى) : "لا مندوحة لعلم من العلوم، ولا لشأن من شؤون الدنيا عن النقل والرواية؛ لأنه لا يمكن لكل إنسان أن يكون حاضراً فى كل الحوادث، فإذاً لا يتصور علم الوقائع للغائبين عنها إلا بطريق الرواية شفاهاً أو تحريراً، وكذلك المولودون بعد تلك الحوادث لا يمكنهم العلم بها إلا بالرواية عمن قبلهم.
هذه تواريخ الأمم الغابرة والحاضرة، والمذاهب والأديان، ونظريات الحكماء والفلاسفة، وتجارب العلماء واختراعاتهم، هل وصلت إلينا إلا بطريق النقل والرواية؟
__________
(1) أضواء على السنة لمحمود أبو ريه ص 62.
(2) السنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال الدين ص 12، 15، 84.
(3) ظهر الإسلام لأحمد أمين 3/86، 88.
(4) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 377.
(5) المصدر السابق ص 656، وانظر: من نفس المصدر ص 145، 165، 176، وانظر: حد الردة لأحمد صبحى منصور 87، 91، والقرآن والحديث والإسلام لمحمد رشاد خليفة ص 40.(1/848)
.. فهل كان الدين الإسلامى بدعاً من الحوادث حتى لا تنقل أحكامه وأخباره بهذا الطريق؟ أم كان الواجب اتخاذ طريق آخر لنقل أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأخباره غير الرواية؟!
... لنفرض أن هؤلاء المنكرين علينا رواية الأحاديث -بالأسانيد- أصبحوا زعماء لمن كان على شاكلتهم، فهل هناك طريقة -غير الرواية- لتبليغ استنباطهم، وتحقيقاتهم لأفراد جماعتهم البعيدين عن حلقات دروسهم، أو الذين سيولدون بعدهم (1) ؟!!
حرى بالمشككين فى الإسناد وعلوم الحديث الإمساك عن لغوهم.
وإلا فأين أسانيدهم المتصلة إلى أممهم البائدة؟
بل أين أخبارهم الصحيحة عن أنبيائهم وعظمائهم؟
بل أين الضوابط التى تثبت صحة أخبارهم فيما سبق؟!
... أما ما زعمه شاخت من حملة الفتنة المذكورة فى كلام محمد بن سيرين على فتنة مقتل الوليد بن يزيد سنة (126هـ) علماً بأن وفاة ابن سيرين كانت سنة (110هـ) كما ذكر هو أيضاً.
فيقول رداً على ذلك الدكتور همام عبد الرحيم: "ولو أنصف شاخت وفكر بنزاهة وموضوعية لما قال إن ابن سيرين يتحدث عن فتنة وقعت بعد وفاته بست عشرة سنة! (2) .
وزعمه بأن ذلك الخبر مكذوب على ابن سيرين فهو ما لا دليل عليه، ويكذبه إخراج الإمام مسلم له فى مقدمة صحيحه (3) ، والترمذى (4) ، والدارمى (5) .
__________
(1) تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها ص 9، 10.
(2) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 59.
(3) مسلم (بشرح النووى) فى المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين 1/119.
(4) الترمذى فى كتاب العلل بآخر السنن 5/695.
(5) الدارمى فى المقدمة، باب فى الحديث عن الثقات 1/123 رقم 416.(1/849)
.. أما ما زعمه "روبسون" من حملة الفتنة المذكورة فى كلام ابن سيرين على فتنة ابن الزبير، فهو زعم بعيد؛ لأن عبارة ابن سيرين تقول: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد"، ولم يقل: "كنا لا نسأل عن الإسناد" وهذه العبارة التى استخدمها تفيد؛ أنه يتكلم عن شيوخه من الصحابة رضي الله عنهم (1) .
... ويقول الدكتور أكرم ضياء العمرى: "ما استند إليه روبسون غير صحيح فإن تقدير عمر محمد بن سيرين للإفادة منه فى تفسير كلامه لا يمكن الاعتماد عليه فابن سيرين قد يتكلم عن أحداث بعيدة عن عصره معتمداً على دراسته لتاريخ الحديث الذى عنى به كثيراً" (2) .
والذى يؤكد هذا الرأى قول عبد الله بن عباس وهو من صغار الصحابة (3) ، لما جاءه بشير بن كعب العدوى فجعل يحدث ويقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال: يا ابن عباس مالى لا أراك تسمع لحديثى، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" (4) .
فكأنه رضي الله عنه أراد أن يقول: إنه لما دخل فى هذا الأمر من هم ليسوا من أهله، صار الإعراض عن سماعهم، والنظر فيه أولى، فكان بذلك الإذن فى التحرج من قبول مطلق الأخبار مجردة من أسانيدها" (5) .
__________
(1) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 59.
(2) بحوث فى تاريخ السنة المشرفة ص 5 – 52.
(3) ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم توفى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل ابن خمس عشرة سنة. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 3/933 رقم 1588.
(4) سبق تخريجه ص 327.
(5) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 65.(1/850)
ثم إن الفتنة إذا أطلقت فهى الفتنة الكبرى التى عصفت بالخلافة الراشدة. وإذا قيل: الفتنة بالتعريف (بأل) التى هى للعهد، فهى الفتنة المعهودة التى لا يجهلها أحد (1) أ. هـ.
... والحق –الذى لا مراء فيه- أن اشتراط السند، والبحث عن الإسناد، بدأ مع زمن النبوة المباركة.
وفى ذلك يقول الحاكم: "طلب الإسناد العالى سنة صحيحة" ثم ذكر حديث أنس بن مالك فى مجئ الأعرابى (2) وقوله: "يا محمد أتانا رسولك فزعم كذا … الحديث" (3) . فقد استنبط الحاكم من هذا الحديث أصل طلب الإسناد والعلو فيه؛ لأنه سمع أركان الإسلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن وصدق، ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة (4) .
ولو كان طلب الإسناد والعلو فيه غير مستحب لأنكر عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم سؤاله إياه عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه (5) .
__________
(1) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 59.
(2) هو الصحابى الجليل ضمام بن ثعلبة كما جاء صريحاً فى رواية أنس عند الحاكم فى المستدرك كتاب المغازى والسير 3/55، 56 رقم 4830 وقال: صحيح ووافقه الذهبى.
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب ما جاء فى العلم وقوله تعالى: "وَقُل رَّبِّ زِدْنَى عِلْمَاً" 1/179 رقم 63، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام 1/201 رقم 12.
(4) فتح البارى 1/183 رقم 63، وانظر: تدريب الراوى 2/160، 161.
(5) معرفة علوم الحديث للحاكم ص 6 بتصرف يسير.(1/851)
واستمر طلب الإسناد والبحث عنه مع زمان الصحابة، ودليل ذلك سؤال عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعرى -وغيره (1) - أن يأتوا بشاهد على صحة ما رووا من الأحاديث. وهذا طلب أشد من عموم السند، إذ هو طلب لإثبات نسبة الكلام إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وكلام ابن سيرين دليل لهذا التقدم فى طلب الإسناد (2) .
وإذا كانت بداية الإسناد متواضعة فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وفى حياة الصحابة للبعد عن الكذب، إلى زمن الفتنة، فإن هذا العلم اشتد الأخذ به بعد الفتنة، حتى ما قارب القرن الأول نهايته، حتى بلغ علم الإسناد مبلغاً عظيماً (3) أ. هـ.
... أما ما زعمه بعض دعاة الفتنة، وأدعياء العلم من المستشرقين، ومن قال بقولهم، من أن الأسانيد اخترعت من قبل الضعفاء والكذابين، وركبت على المتون المختلقة، وإيهامهم بأن ذلك التبس على المحدثين.
... فنقول نعم: اخترعت الأسانيد وركبت عليها المتون المختلفة ولكن هذا لم يخفى على جهابذة المحدثين وأئمة الجرح والتعديل-فلقد تنبهوا إلى هذا قبل أن يدعى أدعياء العلم بأكثر من ألف سنة، ولم يخف عليهم ذلك، كما يحاول الإيهام بذلك أهل الزيغ والهوى.
... ولذلك نجد علماء الحديث كما سبق وأن قلنا-يقررون عدم التلازم بين صحة السند وصحة المتن، وينبهون على الكذابين المختلقين للأسانيد.
وفى ذلك يقول ابن الجوزى (ت 597هـ) وهو يبين أصناف الوضاعين.
__________
(1) انظر: المصدر السابق ص 14، 15، وانظر: ما ساقه الحاكم فى معرفة علوم الحديث ص 7 على رحلة غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم فى طلب الإسناد، وانظر: تدريب الراوى 2/160، 161، والسنة المطهرة والتحديات للدكتور نور الدين عتر ص 36، 37.
(2) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 60.
(3) دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 2/392 بتصرف، وللمزيد من الرد على هذه الشبهة انظر: المصدر نفسه 2/397 – 433.(1/852)
القسم الرابع: قوم استجازوا وضع الأسانيد لكل كلام حسن، ومن هؤلاء محمد بن سعيد (1) القائل: "لا بأس إذا كان كلاماً حسناً أن نضع له إسناداً" (2) .
... وفى ذلك أيضاً يقول ابن عراق فى كتابه (3) (تنزيه الشريعة) وهو يبين أصناف الوضاعين.
الصنف السادس: "قوم حملهم الشره ومحبة الظهور على الوضع، فجعل بعضهم لذى الإسناد الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً، وجعل بعضهم للحديث إسناداً غير إسناده المشهور ليستغرب ويطلب.
قال الحاكم أبو عبد الله: ومن هؤلاء إبراهيم بن اليسع، وهو ابن أبى دحيه كان يحدث عن جعفر الصادق، وهشام بن عروة، فيركب حديث هذا، على حديث ذاك، لتستغرب تلك الأحاديث بتلك الأسانيد، قال: ومنهم حماد بن عمرو النصيبى، وبهلول بن عبيد، وأصرم بن حوشب.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا داخل فى قسم المقلوب، ... وقال الأستاذ الإسفرايينى: "إن: من قلب الإسناد ليستغرب حديثه، ويرغب فيه، يصير دجالاً كذاباً تسقط به جميع أحاديثه، وإن رواها على وجهها" (4) .
__________
(1) هو: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدى، الشامى المصلوب، ويقال له: ابن أبى عتبة، أو ابن أبى قيس، أو ابن الطبرى، وقيل إنهم قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى، كذبوه، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/79 رقم 5926، والكاشف 2/174 رقم4871،والمجروحين لابن حبان 2/247، والضعفاء والمتروكين للنسائى ص213رقم543، والجرح والتعديل 7/262 رقم 1436، ولسان الميزان 9/105 رقم 14225.
(2) الموضوعات لابن الجوزى 1/41، 42.
(3) ابن عراق هو أبو الحسن، سعد الدين على بن محمد بن علىبن عراق، الكنانى الدمشقى، له مؤلفات نافعة من أهمها كتابة تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، مات سنة 963هـ. له ترجمة فى: شذرات الذهب 8/337، والرسالة المستطرفة ص 150، والإعلام 5/12.
(4) انظر: تنزيه الشريعة 1/15، والموضوعات 1/41 – 43.(1/853)
وفى حديث:"إن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة، ويتجلى لك خاصة يا أبا بكر"
يقول الحافظ الخطيب: "لا أصل له وضعه محمد بن عبد سنداً، ومتناً" (1) .
وكذلك تنبه جهابذة المحدثين إلى الأسانيد العائلية وانتقدوها كثيراً، ولم يغفلوا عنها، كما زعم "روبسون" وغيره، بل قبلوا منها ما يستحق القبول، ورفضوا منها ما يستحق الترك والرفض، وكانوا منصفين فى حكمهم، فأعطوا كل ذى حق حقه، وأصَّلوا فى ذلك علماً يعرف بـ "رواية الآباء عن الأبناء وعكسه" (2) .
فمن أمثلة ما قبلوه على الراجح: سند عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وبهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده (3) .
ومن أمثلة ما ردوه: سند كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده (4) ، وسند موسى بن مطير، عن أبيه (5) ، وغيرهم كثير ممن امتلئت بهم كتب المجروحين والمتروكين، مما يبين أن علماء الحديث لم يغفلوا عنهم كما يزعم دعاة الفتنة وأدعياء العلم.
__________
(1) انظر: اللآلئ المصنوعة 1/263، والموضوعات 1/306 - 307.
(2) صنف فيه غير واحد من المحدثين منهم ابن أبى خيثمة، والمزى، وغيرهم، ومن أجمع المصنفات فيه ما صنفه الحافظ العلائى فى كتابه "الوشى المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبىصلى الله عليه وسلم".
(3) انظر: تدريب الراوى 2/257-259، وفتح المغيث للسخاوى 3/154 - 156، وفتح المغيث للعراقى ص381-383،والباعث الحثيث171-173، ومعرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد للذهبى ص76 رقم55،وسؤالات مسعود بن على السجزى للحاكم ص147رقم150.
(4) انظر: المجروحين لابن حبان 2/221 - 222، وميزان الاعتدال للذهبى 3/406.
(5) انظر: المجروحين 2/242، وميزان الاعتدال 4/223 وإن شئت مزيد من الرد انظر: دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 2/435 - 436.(1/854)
المبحث الثانى: أهمية الإسناد فى الدين واختصاص الأمة الإسلامية به عن سائر الأمم
... الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص الأمة الإسلامية، لم يؤتها أحد من الأمم قبلها، وبه حفظ الدين من عبث العابثين، فكان الدعائم التى حفظ بها الدين قرآناً وسنة، ولذلك كان جزءاً من الدين، فهو الطرق التى أوصلت لنا الأخبار والآثار، صحيحة لا تشوبها شائبة.
وقد تكاثرت فى بيان شأن الإسناد، وأهميته، وفضله، كلمات العلماء، وتعددت وتنوعت أقوالهم فى تعظيم أمره.
ومن خيرها وأدقها تشخيصاً لموقع الإسناد كلمة الإمام عبد الله بن المبارك رضي الله عنه قال: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له من حدثك؟ بقى (1) أى بقى حيران ساكتاً. وقال أيضاً: "بيننا وبين القوم –أى المبتدعة والكذبة- القوائم يعنى الإسناد" (2) .
وقال سفيان الثورى: "الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأى شئ يقاتل؟ " (3) .
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) فى المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين 1/120، والترمذى فى كتاب العلل الملحق بآخر السنن 5/695 واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين 1/120.
(3) أخرجه ابن حبان فى المجروحين 1/27، والخطيب فى شرف أصحاب الحديث 88 رقم 76.(1/855)
وقال الإمام الشافعى: "مثل الذى يطلب الحديث بلا سند كمثل حاطب ليل" (1) وسبق قول ابن حزم: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل، أما مع الإرسال والإعضال … والنقل بالطريق المشتملة على كذاب، أو مجهول الحال فكثير من نقل اليهود والنصارى…" (2) .
... لكل ما سبق اهتم المسلمون بالإسناد "وقد نشأ عن اهتمامهم به ووضوح أهميته فى تلقى المنقول: أن اشترط "الإسناد" فى تلقى سائر العلوم الإسلامية، كالتفسير، والفقه، والتاريخ، والرجال، والأنساب، واللغة، والنحو، والأدب، والشعر، والحكايات، حتى دخل فى سياق الكلمة الواحدة من أخبار الحمقى والمغفلين، وأخبار المضحكين ... ، كما دخل فى سياق الكلمة الواحدة فى التفسير، كما تراه فى "تفسير الإمام ابن جرير الطبرى" وكما تراه فى كتاب الخطيب البغدادى: "التطفيل وحكايات الطُّفَيليين" و "البخلاء" وكتب ابن الجوزى: "أخبار الحمقى والمغفلين"، و"أخبار الأذكياء"، و"ذم الهوى"، و"اللُّقَط فى حكايات الصالحين"، فتراه فى هذه الكتب يسوق سنداً طوله ثلاثة أسطر أو أكثر، من أجل نقل جملة صغيرة أو كلمة واحدة عن قائلها" (3) .
__________
(1) ذكره الزرقانى فى شرح المواهب اللدنية 5/453، والمناوى فى فيض القدير 1/433.
(2) الفصل فى الملل والنحل 2/81 –84 بتصرف، وانظر: تدريب الراوى 2/159، ولمزيد من معرفة فضل الإسناد انظر: فتح المغيث للسخاوى 3/5-7، وتدريب الراوى 2/159، 160، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 6، والأجوبة الفاضلة للكنوى ص 21، 22.
(3) لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة ص143،144 بتصرف يسير.(1/856)
.. "ومن علامات الاهتمام بالإسناد، وأماراته تلك التصانيف الضخمة التى ألفت فى الرجال، فنشأ بذلك علم مستقل من علوم الحديث، وهو علم الرجال، وهذا علم واسع تتقطع فيه الأنفاس، فمنه كتب معرفة الصحابة، وكتب الطبقات، وكتب الجرح والتعديل، وكتب الأسماء والكنى والألقاب، وكتب المؤتلف والمختلف، وكتب المتفق والمفترق والمتشابه، وكتب الوفيات، وهى فى مجموعها تدل دلالة عظيمة على الجهد المبذول فى نقد الأخبار، وليس الأمر كما يتوهم الكثيرون ممن لا علم لهم بهذا الأمر" (1) أ. هـ.
... ومن علامات الاهتمام بالإسناد "علم الجرح والتعديل" وهو كسائر علوم الحديث مما تفردت به الأمة الإسلامية عن سائر الأمم، وتميزت بتأسيسه، وإنشائه، والتفنن فيه، وقد أداها إلى إبداعه: الحفاظ على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من التقول والدخيل، والمكافحة للدجالين والمشعوذين والخراصين، فكان هو من أكبر النتائج النافعة التى تولدت عن تلك الحملة الضارة على السنة المطهرة.
قَصدتَ مَسَاتِى فاجتلبت مَسَرَّتِى ... *** ... وقد يُحِسنُ الإِنسانُ من حيث لا يَدِرى
فنشأ هذا العلم من عهد النبوة المباركة برعماً لطيفاً، ثم نما وازداد، وقوى واشتد فى القرن الأول، والثانى، وامتد واتسع وبدأ يتكامل فى القرن الثالث، والرابع، وهكذا حتى اكتمل فى القرن التاسع من الهجرة الشريفة، فكثرت فيه الكتب، وتنوعت فيه المؤلفات، ثم درست فيه فى عصرنا بعض المسائل والجزئيات والشخصيات دراسة خاصة، فقارب النُّضجَ والاحتراق، وإن كان هذا العلم ليس له غاية ولا نهاية.
__________
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير ص 71،72، وانظر: من نفس المصدر ص212 وما بعدها.(1/857)
.. وبهذا العلم العظيم الذى لم تكن فيه محاباة لأحد مهما كان لا أباً، ولا ابناً،، ولا أخاً، ولا صديقاً، ولا أستاذاً، تمكن السلف والخلف من كشف العلل فى كل علم منقول حديثاً نبوياً، أو كلاماً عادياً، أو شعراً أو نثراً أدبياً، أو تاريخاً شخصياً أو سياسياً ... ، فكان هذا العلم مجهراً صادقاً، ونظارة صافية، تعزل للناظر بها: الصحيح عن القريح، وتميز له الزين من الشين، والصدق من الكذب، وتزن له المحامد والمثالب، بالقسطاس المستقيم (1) أ. هـ.
... وإذا كانوا قديماً قالوا: الحق ما شهد به الأعداء فلننظر إلى ما قاله المستشرق "شبرنجر" فى مقدمته الإنجليزية على كتاب الإصابة فى أحوال الصحابة لابن حجر، قال: "لم تكن فيما مضى أمة من الأمم السالفة، كما أنه لا يوجد الآن أمة من الأمم المعاصرة، أتت فى علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون فى هذا العلم العظيم الخطر، الذى يتناول أحوال خمسمائة ألف رجل وشئونهم" (2) أ. هـ.
... ويقول الأستاذ محمد أسد عن علوم الحديث: "إنه علم تام الفروع على أشد ما يمكن أن يكون من الدقة، غايته الوحيدة البحث فى معانى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكلها وطريقة روايتها (3) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة ص 189 بتصرف يسير.
(2) نقلاً عن الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوى ص 62، وانظر شهادة الدكتور موريس بوكاى فى دراسة الكتب المقدسة ص 290، رغم أنه لم يدافع عن السنة بل كان متحاملاً عليها ومخالفاً لها، كما سبق بيانه فى موقفنا من الحركة الاستشراقية.
(3) الإسلام على مفترق الطرق ص 92 – 93 بتقديم وتأخير.(1/858)
الفصل الخامس: وسيلتهم فى الطعن والتشكيك فى كتب السنة المطهرة
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: أساليب أعداء السنة فى الطعن فى المصادر الحديثية.
المبحث الثانى: الجواب عن زعم أعداء السنة أن استدراكات الأئمة على الصحيحين دليل على عدم صحتها.
المبحث الأول: أساليب أعداء السنة فى الطعن فى المصادر الحديثية
... من وسائل أعداء السنة -أعداء الإسلام- فى الطعن فى حجية السنة المطهرة طعنهم فى المصنفات الحديثية، وأساليبهم فى ذلك كثيرة ومكررة فكما طعنوا فى عدالة الصحابة عموماً وخصوا بالطعن رموزهم من الخلفاء الراشدين، وأكثرهم رواية أبو هريرة رضي الله عنه وطعنوا فى عدالة أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين وطعنوا فى رموزهم، كابن شهاب الزهرى أشهر راوى فى التابعين وأكثرهم حديثاً (1) ، كما طعنوا فى الأئمة الأربعة وغيرهم من حفاظ الإسلام وأئمة الدين، إذ بفقدان الثقة بهم تفقد بغيرهم من باب أولى. وهكذا هم هنا يسلكون نفس الأسلوب فى طعنهم فى كتب السنة:
فتارة يوجهون سهامهم المسمومة إلى كتب السنة عموماً طعناً وسخرية.
... ... يقول إسماعيل منصور: "يجب أن تعرف الأمة فى جميع بقاع الأرض بحقيقة كتب الحديث والسنة عند جميع فرق المسلمين وهى أنها أقوال ظنية منسوبة إلى رواة ينسبونها بدورهم إلى رسول الله وليست هى أقواله صلى الله عليه وسلم بالضرورة" (2) .
__________
(1) انظر: دفاع الدكتور السباعى عنه فى السنة ومكانتها ص 206 - 226.
(2) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 432، 658.(1/859)
.. ... ويسخرون من كتب السنة المطهرة بوصفها بـ "كتب صفراء" (1) ، و"طراش دينى" (2) ، و"زبالة" (3) .
وتارة يشككون فى كتب الأصول الستة، وفى كتب السنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات، وغير ذلك بحجة أن فى تلك المصنفات الحديثية الصحيح، والحسن، والضعيف، والمنكر والمتروك … (4) .
... هكذا يطلقون الكلام والحكم على عوانه إيهاماً للقارئ بأن ذلك موجود فى المصنفات الحديثية بدون تمييز أو حكم للأئمة عليها.
وتارة يشككون فى أصح المصنفات الحديثية، ويركزون هجومهم عليها إذ بسقوطها واهتزاز الثقة بها تهتز الثقة ببقية كتب السنة من باب أولى. وبذلك يصرحون.
... قال عبد الجواد ياسين: "ولأن البخارى ومسلم يجبان ما دونهما من الكتب فى مفهوم أهل السنة فسوف نحاول التركيز على مروياتهما فى هذا الصدد" (5) .
... وهو ما قاله محمود أبو ريه وهو يتكلم عن مسند أحمد ظعناً فيه قال: "على أننا قد رأينا أن نتكلم عن مسند أحمد الذى هو أشهرها لنبين للمسلمين حقيقته، ونكشف عن درجته بين كتب الحديث ليقاس عليها درجة سائر المسانيد ويغنينا ذلك عن الكلام فى غيره" (6) .
__________
(1) انظر: دراسات محمدية لجولدتسيهر ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 10 ص 567، والمسلم العاصى لأحمد صبحى منصور ص 29 وانظر له أيضاً الصلاة فى القرآن ص 63، وانظر: إنذار من السماء لنيازى عز الدين ص 677.
(2) قالها أحمد صبحى منصور انظر: جريدة أفاق عربية عدد ربيع الآخر لسنة 1418هـ.
(3) سمعت هذا منه فى ندوة بدار ابن خلدون بالدراسات الإنمائية بالمقطم-عليه من الله ما يستحق -.
(4) انظر: أضواء على السنة لمحمود أبو ريه ص 317 – 330.
(5) السلطة فى الإسلام ص 292، وانظر: دين السلطان ص 103 – 113.
(6) أضواء على السنة ص 323، وانظر: فى الرد عليه كتاب الحافظ ابن حجر "القول المسدد فى الذب عن المسند".(1/860)
.. ويهمنا هنا من الوسائل السابقة فى طعنهم فى كتب الحديث ما يحرصون عليه دائماً وأبداً من التشكيك والطعن فى أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل صحيحى البخارى ومسلم، ولا يخرج طعنهم فيهما عن مسلكين:
أولهما: استدلالهم على عدم صحتهما بأحاديث تخالف فى فكرهم المريض ظاهر القرآن، أو العقل، أو العلم، أو كما يزعمون تطعن فى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو توافق ما فى التوراة والإنجيل مما يدل فى نظرهم أنها إسرائيليات (1) . وغير ذلك من القواعد التى سلكوها للحكم على الحديث بالصحة وسبق بيان بطلانها (2) وسيأتى فى الباب الثالث نماذج من هذه الأحاديث والرد عليها.
ثانيهما: استدلالهم باستدراكات الأئمة على الصحيحين بأنها دليل على عدم صحتهما.
__________
(1) أضواء على السنة ص299-316، وانظر: الأضواء القرآنية فى اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخارى منها للسيد صالح أبو بكر 2/123، وفجر الإسلام 218، وضحى الإسلام 1/340، 2/122، 130 – 132، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى لأحمد حجازى السقا ص 24، 31، والبيان بالقرآن 1/10 وما بعدها، والصلاة فى القرآن ص 63، ولماذا القرآن ص80-154، والقرآن والحديث والإسلام ص 40، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص 124، 127، 247، 432، 658، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 28، 237، والسلطة فى الإسلام 292-348، والإسلام بدون حجاب ص 25-30، وتأملات فى الحديث عند السنة والشيعة ص 224-225، وأهل السنة شعب الله المختار ص 23 وما بعدها، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص 34-326، وحوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين لهشام آل = =قطيط ص17 فى الهامش، وهناك عزا إلى مراجع أخرى شيعية، ودين السلطان لنيازى عز الدين، وهو من أكبر الكتب التى تناولت الطعن فى الصحيحين بهذا المسلك، والكتاب يقرب من ألف صفحة، وانظر له أيضاً: إنذار من السماء ص 696، 713.
(2) راجع: إن شئت ص 214-254، 575-592.(1/861)
يقول جولدتسهير: "إنه من الخطأ اعتقاد أن مكانة هذين الكتابين مردها لعدم التشكيك فى أحاديثهما أو نتيجة لتحقيق علمى. وسلطان هذين الكتابين يرجع لأساس شعبى لا صلة له بالتدقيق الحر للنصوص، وهذا الأساس هو إجماع الأمة، وتلقى الأمة لهما بالقبول يرفعهما إلى أعلى المراتب، وبالرغم من أن نقد هذين الكتابين غير لائق وغير مسموح به، وبرغم التقدير العام للصحيحين فى الإسلام صنف الدارقطنى (ت 385هـ) كتابه "الاستدراكات والتتبع" فى تصنيف مائتى حديث مشتركة بينهما" (1) أ. هـ.
... وهذه الاستدراكات من بعض الأئمة على الصحيحين اتكأ عليها جولدتسيهر، وغيره وهم يطعنون فى الصحيحين ومكانتهما، ولا حجة لهم فى ذلك، لما يلى فى المبحث الثانى.
المبحث الثانى: الجواب عن زعم أعداء السنة أن استدراكات الأئمة على الصحيحين دليل على عدم صحتهما
إن صحيحى البخارى ومسلم لم يؤخذا قضية مسلمة أبعدت عنهما بحث النقاد وتوثيقهم لهما، وإنما الذى حدث هو العكس فقد درس الأئمة كلاً من الكتابين سنداً ومتناً، وعرضوهما على أدق المقاييس النقدية الصحيحة التى التزمها صاحبا الصحيحين فى كتابيهما، فنظر الأئمة فيما اشترطه كل منهما هل وفىَّ به أم أخلا؟
__________
(1) دراسات محمدية ص 236 نقلاً عن ضوابط الرواية عند المحدثين ص 392، وممن قال به جمال البنا فى السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 25، 131، 159 وغيرهم ممن سبق ذكرهم.(1/862)
فكانت النتيجة أن "استدرك جماعة من الحفاظ على البخارى ومسلم عدة أحاديث رأوا أنهما أخلا فيهما بشرطهما، وأنهما لا تبلغ فى صحتها مبلغ ما غلب عليهما إخراجه، وتكلموا فى هذه الأحاديث من جهة أسانيدها، ومن جهة متونها، ولا يصل استدراكهم أو تكلمهم فى هذه الأحاديث إلى حد النزول بها إلى درجة الوضع، بل ولا حتى إلى درجة الضعف الذى لا يحتمل. غاية ما هناك أنهم رأوا قصورها عن درجة ما دأب عليه الشيخان وما التزماه من إخراج أصح الصحيح" (1) .
يدل على ذلك ما قاله الحافظ العقيلى: "لما صنف البخارى كتاب الصحيح عرضه على ابن المدينى، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم؛ فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة، إلا أربعة أحاديث. قال العقيلى: والقول فيها قول البخارى وهى صحيحة (2) ".
... قال الإمام النووى: "قد استدرك جماعة على البخارى ومسلم أحاديث أخلا بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه، ... وقد ألف الإمام الحافظ الدارقطنى فى بيان ذلك كتابه المسمى بالاستدراكات والتتبع، وذلك فى مائتى حديث مما فى الكتابين، ولأبى مسعود الدمشقى أيضاً عليهما استدراك، ولأبى الغسانى الجيانى فى كتابه تقييد المهمل فى جزء العلل منه، استدراك أكثره على الرواة عنهما، وفيه ما يلزمهما، وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره (3) ".
... وإذا كان الإمام النووى فى شرحه على مسلم دفع ما أورد على الإمام مسلم، فقد جاء بعده الإمام الحافظ ابن حجر وتتبع المواضع المنتقدة على البخارى تفصيلاً فأجاد فى ذلك فى مقدمته "هدى السارى" مقدمة فتح البارى.
__________
(1) انظر: الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين لفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محرم 2/222.
(2) هدى السارى ص 9، 514.
(3) انظر: صحيح مسلم (بشرح النووى) مقدمة الشارح، فصل فى الأحاديث المستدركة على البخارى ومسلم 1/49.(1/863)
والتى يقول العلماء فى شأنها: أنها لو كتبت بماء الذهب ما استوفيت حقها. ففيها فضلاً عن الرد على الطعون التى وجهت إلى صحيح البخارى، مجموعة من الفصول الهامة تتعلق بدراسة الصحيح، وصاحبه، وتراجمه، ومناسباته وغير ذلك من المباحث الهامة المتعلقة بالصحيح.
... وقد مكث ابن حجر فى كتابتها أربع سنوات تقريباً، فهدى بها فعلاً كل من يريد أن يدرس صحيح الإمام البخارى. ويعرف مكانته بين كتب السنة حيث هو على رأسها.
والإمام ابن حجر فى هدى السارى لم يدافع عن صحيح الإمام البخارى فقط. وإنما دافع عن الصحيحين معاً إجمالاً فقال:
"والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول: لا ريب فى تقديم البخارى ومسلم على أهل عصرهما، ومن بعده من أئمة هذا الفن فى معرفة الصحيح والمعلل؛ فإنهم لا يختلفون فى أن على بن المدينى كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخارى ذلك حتى كان يقول: ما استصغرت نفسى عند أحد إلا عند على بن المدينى، ومع ذلك فكان على بن المدينى إذا بلغه ذلك عن البخارى يقول: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه، وكان محمد بن يحيى الذهلى أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهرى وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعاً. وروى الفربرى عن البخارى قال: "ما أدخلت فى الصحيح حديثاً إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته.
وقال مكى بن عبد الله سمعت مسلم بن الحجاج يقول: عرضت كتابى هذا على أبى زرعة الرازى فكل ما أشار أن له عله تركته.
فإذا عرف أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضاً لتصحيحهما، ولا ريب فى تقديمهما فى ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة (1) .
__________
(1) هدى السارى ص 364، 365.(1/864)
ثم ذكر الحافظ -رحمه الله- المواضع المنتقدة وأجاب عنها من حيث التفصيل وأجاد فى ذلك (1) . وظهر له أن أكثر المواضع المنتقدة الجواب فيها قوى، وأن النادر اليسير هو ما تكلف فيه الجواب (2) .
ومن هنا قال الأستاذ الدكتور أبو شهبة -رحمه الله -: "ولعل من هذه الأحاديث التى وقع فيها التكلف فى الجواب والحق فيها مع الناقد "المنصف" حديث "شَرِيْكُ بنُ أبى نَمِر عن أنس فى الإسراء" وهو حديث طويل، فقد خالف فيه شريك أصحاب أنس فى إسناده ومتنه بالتقديم والتأخير، وزيادته المنكرة وأشد أوهامه قوله –شريك-: "إن الإسراء كان قبل أن يوحى إليه" (3) ، وقد أنكرها الخطابى، وابن حزم، وعبد الحق، والقاضى عياض، والنووى وغيرهم، واعتبروا ذلك غلطاً من شريك، وشريك ليس بمتهم بالكذب، وقصارى أمره أنه غلط والتبس عليه الأمر (4) .
__________
(1) المصدر السابق ص 266، 364-402، وانظر: تدريب الراوى 1/135-140.
(2) انظر: هدى السارى ص 366، 402.
(3) انظر: صحيح البخارى بشرح (فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: "وكلم الله موسى تكليماً" 13/486 رقم 7517 وأشار إليه مسلم فى صحيحه (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات1/488 رقم162.
(4) انظر دفاع ابن حجر عنه فى فتح البارى 13/494 رقم 7517، وانظر: فى ترجمته: تقريب التهذيب 1/418 رقم 2796، والثقات للعجلى ص 217 رقم 663، والثقات لابن حبان 4/360، والكاشف 1/485 رقم 2277، ومعرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد للذهبى ص 116 رقم 155.(1/865)
ومما يعتذر به عن البخارى، ويجعل النقد ليس ذا أثر أن البخارى أخرج الروايات الصحيحة فى الإسراء (1) ، وهو بصنيعه هذا ينبهنا من طرف خفى لا يخفى على اللبيب ما فى رواية شَرِيك من الأغلاط. فلله در البخارى فكم له من إشارات وتلميحات (2) .
يقول الدكتور رفعت فوزى وهو يدفع الطعون التى وجهت إلى أحاديث الإسراء والمعراج: "وأنه مما يستفاد فى نقد هذه الرواية، النقد العلمى البناء الذى يحرص على جلاء الحقيقة دون اعتبار لمكانة البخارى ومكانة كتابه، كما يتجلى كذلك أن نقادنا قديماً وحديثاً، لم يغفلوا -كما زعم بعض الجاهلين- تناول متن الحديث بالنقد والتمحيص، وعرضه على القرآن الكريم، وعلى السنة الصحيحة، حتى ينفوا عنه الدخيل والموضوع" (3) .
__________
(1) الحديث اخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن من صحيحه منها كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة 6/348، 349 رقم 3207، وكتاب مناقب الأنصار، باب المعراج 7/241، 242 رقم 3887.
(2) أعلام المحدثين ص 140، 141، وانظر: فى رحاب السنة الكتب الصحاح الستة ص 71، وانظر: فتح البارى 13/ 488، 489 رقم 7517، وانظر دفاع الدكتور رفعت فوزى فى كتابه "أحاديث الإسراء والمعراج دراسة توثيقية" ورده على السيد صالح أبو بكر وغيره ممن حاولوا إنكار السنة جميعها من خلال الهجوم على أحاديث الإسراء والمعراج، وانظر: الإبهاج فى أحاديث المعراج للإمام ابن دحية تحقيق الدكتور رفعت فوزى، وانظر: الإسراء والمعراج للدكتور أبو شهبة.
(3) أحاديث الإسراء والمعراج دراسة توثيقية للدكتور رفعت فوزى ص 91، 92 بتصرف.(1/866)
الجواب عمن تكلم فيه من رجال الصحيحين:
... فى الصحيحين جماعة جرحهم بعض المتقدمين، وبلغ عدد من تكلم فيه من رجال البخارى ثمانون، ومسلم مائة وستون رجلاً (1) ، منهم عكرمة مولى ابن عباس، وعمرو بن مرزوق وسويد بن سعيد وغيرهم (2) .
قد اتخذ أعداء السنة -أعداء الإسلام- ممن تكلم فيه من رجال البخارى ومسلم مدخلاً للطعن والتشكيك فى مكانة الصحيحين (3) .
ولا حجة لهم فى ذلك؛ لأن ممن تكلم فيهم من رجال الصحيحين ليس مجمعاً على جرحهم غاية أمرهم: أنه جرحهم وقدح فيهم جماعة بينما عدلهم ومدحهم آخرون، فيكون قد ترجح عند صاحب الصحيح تعديلهم على الأقل فيما أخرجه من حديثهم، وربما أخرج لهم فى المتابعات والشواهد، وإن أخرج لهم فى الأصول فمقصوده أنهم شاركوا غيرهم من الثقات الأثبات؛ فالصحة حاصلة برواية الجميع" (4) .
... قال الحافظ ابن حجر: "ينبغى لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأى راوٍ كان مقتضياً لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه فى الصحيح؛ فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيها.
__________
(1) انظر: هدى السارى ص 13.
(2) علوم الحديث لابن الصلاح ص 141 – 142، وانظر: تدريب الراوى 1/305 وفتح المغيث للسخاوى 1/334.
(3) انظر: حد الرده لأحمد صبحى منصور ص 85 – 87.
(4) الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين لفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محرم 2/229.(1/867)
هذا إذا خرج له فى الأصول، فأما إن خرج له فى المتابعات، والشواهد، والتعاليق، فهذا بتفاوت درجات من أخرج له منهم فى الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره فى أحد منهم طعناً فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح فى عدالة هذا الراوى وفى ضبطه مطلقاً أو فى ضبطه لخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح، ومنها ما لا يقدح.
وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسى يقول فى الرجل الذى يخرج عنه فى الصحيح، هذا جاز القنطرة؛ يعنى بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه، قال الشيخ أبو الفتح القشيرى فى مختصره وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه، إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف يزيد فى غلبة الظن على المعنى الذى قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما" (1) أ. هـ.
... وقصارى القول وحماداه أن صاحب الصحيح أعرف بما رواه، وليس التكلم فى بعض الرواة بمقدم على توثيق صاحب الصحيح لهم، ولو سلم جرح كل جارح وقبل على إطلاقه ما قبل خبر ولا روى أثر. فأين ذاك الذى سلم من الطعن؟ ومتى كان الطعن مستنداً إلى حجة؟ (2) .
قال الحافظ ابن حجر: "واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن فى جماعة بسبب اختلافهم فى العقائد فينبغى التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق، وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا فى أمر الدنيا فضعفوهم لذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط (3) أ. هـ.
__________
(1) هدى السارى ص 403.
(2) الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين 2/232.
(3) هدى السارى ص 404، وانظر: دفاعه عن الرجال المطعون فيهم ص 405 – 493، وانظر: البيان والتوضيح لمن أخرج له فى الصحيح ومس بضرب من التجريح للحافظ العراقى، ومعرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد للإمام الذهبى.(1/868)
.. ومن كل ما سبق يظهر فساد ادعاء جولدتسيهر ومن قال بقوله "إن سلطان هذين الكتابين يرجع لأساس شعبى لا صلة له بالتدقيق الحر للنصوص، وهذا الأساس هو إجماع الأمة، وتلقى الأمة لهما بالقبول يرفعهما إلى أعلى المراتب".
... فهذا الكلام فاسد من أساسه، بما سبق بيانه من دراسة الأئمة لكل من الكتابين سنداً ومتناً، وعرضهما على أدق المقاييس النقدية الصحيحة التى اشترطها كل من البخارى ومسلم فى صحيحهما، وظهر من سبر الأئمة وفاء البخارى ومسلم بشرطهما، سوى أحاديث قليلة، والقول فيها قول البخارى ومسلم، وهى صحيحة.
فظهر من ذلك الصحيحين ليسا جهد أفراد وإنما جهد أمة، وهم طائفة المحدثين، وهم المشتغلون بهذا الشأن وأعرف الناس به، وهم نقاد الأخبار الذين يتوقف على قولهم قبول الآثار النبوية أو ردها. وهم المعنيون بإجماع الأمة على صحة الكتابين، وتلقيهما بالقبول. وهو إجماع معصوم لا يقدح فيه إلا جاحد مغرور (1) .
أما قول جولدتسيهر:"بالرغم من أن نقد هذين الكتابين غير لائق، وغير مسموح به ... " إلخ.
__________
(1) يقول ابن خلدون: "… ولا تقولن-بضعف أو سوء حفظ-يتطرق إلى رجال الصحيحين فإن الإجماع قد اتصل فى الأمة على تلقيهما بالقبول، والعمل بما فيهما، وفى الإجماع أعظم حماية وأحسن دفعاً" أ. هـ.، انظر: المقدمة ص 345.(1/869)
يتناقض مع آخر كلامه من أن الدارقطنى قد صنف فى نقدهما كتابه (الاستدراكات والتتبع) ودعواه أن نقد هذين الكتابين لا يجوز أو غير لائق أو غير مسموح به يكذبه الواقع، بما سبق من استدراك الأئمة الدارقطنى، والدمشقى، والغسانى، وفات هذا المستشرق وغيره من الطاعنين فى مكانة الصحيحين أن الخطورة لا تكمن فى تعرض الكتابين للنقد، ولكنها تكمن فى سلامتهما من الانتقادات أو الطعون التى وجهت إلى بعض أحاديثهما، فليس كل انتقاد يعول عليه، كما أن النقد أو الاستدراك قد يوجه لحالة معينة فيحسب من لا دراية له بهذا الموضوع أن النقد قد شمل كل أحوال الكتاب، كما هو الحال مع استدراكات الأئمة.
وقد بين نقاد الحديث أن هذه الاستدراكات غير قادحة (1) فى صحة الصحيحين، ومكانتهما، خلافاً لأعداء السنة الذين يوهمون القارئ بخلاف ذلك.
... يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محرم: إن نسبة الوهم إلى بعض الرواة ممن روى لهم البخارى ومسلم، تقتضى الدقة فى التفرقة بين نسبة الوهم إلى بعض الرواة لشواهد تنتصب على ذلك، وبين نسبة الضعف أو الوضع إلى الصحيحين لا بحجة أو برهان، وإنما متابعة للشيطان وموافقة للهوى.
وكن على حذر من مكمن الخطر فى التقليل من منزلة الصحيحين أو محاولة إنزالهما من عليائهما (2) .
فالصحيحان هما أصح ما ألفه المحدثون، وقد أدى مؤلفاهما إلى الدين، وإلى الأمة الإسلامية خدمة جليلة لا تنكر، بل تذكر بالإكبار فتشكر، نسأله عز وجل أن يجزل ثوابهما ما استفاد من الكتابين مستفيد (3) أ. هـ.
...
__________
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 393، 394 بتصرف.
(2) الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين 2/228.
(3) فى رحاب الكتب الستة ص 97، ولمزيد من الدفاع عن الصحيحين انظر: الحديث والمحدثون للدكتور أبو زهو ص 399 -403، وكتب السنة دراسة توثيقية للدكتور رفعت فوزى.(1/870)
ونختم كلامنا عن الصحيحين بكلمة جامعة للشيخ أحمد شاكر –رحمه الله تعالى- نرى أنها عين الحق وندين لله بمضمونها ونلقاه مطمئنين على اعتقاد ما فيها من اليقين قال رحمه الله: "الحق الذى لا مريه فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر، أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها ليس فى واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد الدارقطنى وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ فى الصحة الدرجة العليا التى التزمها كل واحد منهما فى كتابه، وأما صحة الحديث فى نفسه، فلم يخالف أحد فيها، فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين أن فى الصحيحين أحاديث غير صحيحة، وتتبع الأحاديث التى تكلموا فيها، وانقدها على القواعد الدقيقة التى سار عليها أئمة أهل العلم،، واحكم على بينة، والله الهادى إلى سواء السبيل (1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) الباعث الحثيث ص 29، وانظر: فى رحاب الكتب الستة ص 72.(1/871)
الفصل السادس وسيلتهم فى الاعتماد على مصادر غير معتبرة فى التأريخ للسنة ورواتها
ويتضمن بيان
أساليب دعاة الفتنة وأدعياء العلم فى الطعن فى السنة النبوية من خلال ثلاثة أنواع من المصادر:
النوع الأول: مصادر غير معتبرة، وعليها جل اعتمادهم فى الحكم على السنة المطهرة.
النوع الثانى: مصادر معتبرة حديثية، وهدفهم من ذلك تضليل القارئ.
النوع الثالث: مصادر معتبرة غير حديثية، واعتمادهم ما ورد فيها من أحاديث مكذوبة.
الفصل السادس
وسيلتهم فى الاعتماد على مصادر غير معتبرة فى التأريخ للسنة ورواتها
... إن من القواعد المعلومة الكلية أن كل علم له مصادره المعتبرة التى تعرف بها حقائقه وقضاياه، فمن عرف بحقائق وقضايا علم ما، واعتمد فى ذلك على مصادر غير معتمدة ولا موثوقة لم يكن لبحثه أية قيمة علمية، ولا لمن يفعل ذلك مكان بين العلماء المحترمين (1) .
... وهذا ما يفعله دعاة الفتنة، وأدعياء العلم من المستشرقين، ودعاة الإلحاد فى أمتنا الإسلامية، تراهم وهم يتحدثون عن قضايا السنة النبوية المطهرة من تدوينها، وحجيتها، ومكانتها التشريعية، ورواتها من الصحابة والتابعين فمن بعدهم - رضي الله عنهم - أجمعين، يعتمدون فى حديثهم عن القضايا السابقة ثلاثة أنواع من المصادر:
النوع الأول: مصادر غير معتبرة وعليها جل اعتمادهم فى الحكم على السنة النبوية.
النوع الثانى: مصادر معتبرة حديثية وهدفهم من ذلك تضليل القارئ على ما سيأتى.
3- النوع الثالث: مصادر معتبرة غير حديثية، واعتمادهم ما ورد فيها من أحاديث مكذوبة.
أما النوع الأول مصادرهم الغير معتبرة فتتنوع إلى ما يلى:
__________
(1) انظر: السنة ومكانتها للدكتور السباعى ص 28.(1/872)
1- كتب خصوم السنة وأهلها من الخوارج، والرافضة، والمعتزلة، والباطنية، كالأصفهانى (1) ؛ صاحب كتاب الأغانى (2) . وما كتبه أعداء الإسلام من المستشرقين بروح الحقد، والتعصب الأعمى ضد الإسلام والمسلمين فى "دوائر معارفهم -الغير إسلامية" وغير ذلك من كتبهم المسمومة.
2- كتب لا صلة بينها وبين علوم السنة ككتب الأدب، واللغة، والنحو، والشعر، والتاريخ لغير المحدثين.
كتب من وضع الزنادقة، ولا يعرف لها مؤلف كألف ليلة وليلة (3) .
__________
(1) الأصفهانى هو: على بن الحسين بن الهيثم الآموى، أبو الفرج الأصفهانى، كان شاعراً، مصنفاً، أديباً، قال الذهبى: والعجب أنه شيعى وهذا نادر فى أموى، وقال ابن الجوزى: إنه ومثله لا يوثق بروايته فإنه يصرح فى كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوى شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، من مؤلفاته: الأغانى والأخبار والنوادر، وأخبار الطفيليين وغير ذلك. مات سنة 356هـ. له ترجمة فى: لسان الميزان 5/13 رقم 5837، والبداية والنهاية 11/280، والفهرست ص 183، 184، ووفيات الأعيان 3/307 رقم 417، وميزان الاعتدال 3/123 رقم 5825، وتنزيه الشريعة لابن عراق 1/87 رقم 304.
(2) انظر: خطورة هذا الكتاب، وكيف اتكأ عليه أكثر من مستشرق، هو وكتاب ألف ليلة وليلة، فى طعنهم فى رواة السنة، وفتاوى الأئمة، وآراء الفقهاء، وتاريخ المسلمين، وأوعزو إلى = =المستغربين من أبناء أمتنا بالاعتماد عليه فى التأريخ لتاريخنا الإسلامى المجيد، انظر فى تفصيل ذلك أصالة الفكر الإسلامى فى مواجهة التغريب والعلمانية والتنوير الغربى للأستاذ أنور الجندى ص 410-416، وانظر له أيضاً: مقدمات العلوم والمناهج 1/369، 4/182، 188، وانظر: المستشرقون والتراث للدكتور عبد العظيم الديب ص 19-22.
(3) انظر: أصالة الفكر الإسلامى ص 410-416، والمستشرقون والتراث ص 19-22.(1/873)
وحتى لا يقال إن فى هذا الكلام إجحاف وتجن على أصحاب المنهج العلمى -المزعوم- "وأهل التحقيق والتمحيص" لننظر فى المصادر التى اعتمد عليها الصنم الأكبر للمستشرقين "جولدتسيهر" وهو يهاجم السنة المطهرة فى كتابه "دراسات محمدية" (1) .
نقل جولد تسيهر من كتب السنة الستة وموطأ مالك، وسنن الدارمى، ومصابيح السنة للبغوى، وهو وغيره فى هذه الكتب المعتمدة، يخدعون قارئهم على ما سيأتى.
... أما المصادر التى يعتمدها غالباً فى إصدار أحكامها فهى:
حياة الحيوان الكبرى للدميرى.
أدب القاضى للخصافى.
الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى.
معجم الأدباء لياقوت الحموى.
سيرة سيف بن ذى يزن.
سيرة عنترة بن شداد.
كتاب الخراج لأبى يوسف.
فهرس ابن النديم.
كشف الظنون لحاجى خليفة … إلخ.
... وهذا غير المراجع التى قدمها نظراؤه من المستشرقين، وكتبت بلا إنصاف، واعتمدت على مثل ما اعتمد عليه من المصادر (2) .
... ولننظر فى مصادر محمود أبو ريه فى كتابه "أضواء على السنة" (3) ، والتى اعتمد عليها فى تحقيقه العلمى المزعوم. فهو كسابقه اعتمد أيضاً على كتب السنة الستة والموطأ، والدارمى وغير ذلك من مصادر معتمدة وكان الهدف من ذلك خداع القارئ وإيهامه بأهمية البحث - كما سيأتى مفصلاً بعد قليل.
... أما المصادر التى اعتمد عليها فى إصدار أحكامه على السنة المطهرة ورواتها فهى:
تاريخ التمدن الإسلامى لجرجى زيدان.
العرب قبل الإسلام لجرجى زيدان.
دائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين.
__________
(1) هذا على سبيل المثال فى كتابه هذا، وقس على ذلك فى بقية كتبه "العقيدة والشريعة فى الإسلام" و "مذاهب التفسير الإسلامى" كما قس على ذلك غيره من المستشرقين. انظر: المستشرقون والتراث ص 19-22.
(2) انظر: ضوابط الرواية عند المحدثين ص 306 – 313 بتصرف.
(3) هذا على سبيل المثال فى كتابه هذا وقس على ذلك فى كتابه شيخ المضيرة أبو هريرة، وقس على مصادر أبى رية غيره من أعداء السنة.(1/874)
تاريخ الشعوب الإسلامية لكارل بروكلمان.
المسيحية فى الإسلام للقس إبراهيم لوقا.
العقيدة والشريعة فى الإسلام لجولدتسيهر.
أحاديث عائشة للسيد مرتضى العسكرى.
ابن سبأ للسيد مرتضى العسكرى.
أبو هريرة لعبد الحسين شرف الدين.
أصل الشيعة وأصولها محمد الحسين آل كاشف.
البيان والتبين للجاحظ.
والحيوان للجاحظ … إلخ.
... وبهذه اللمحة السريعة فى مصادر بعض الطاعنين فى السنة المطهرة: يتضح بشكل جلى عدم نفعها فى أى دراسة للحديث الشريف، إما لبعد مادة بعضها عن الحديث الشريف، أو لأن البعض الآخر منها لا ينفع، لتحامل أصاحبها، وجلهم من المستشرقين، وغلاة الشيعة (1)
... أما النوع الثانى من مصادر أعداء السنة فمصادر معتبرة فى الحديث، والتفسير، والفقه، وعلوم القرآن، والسنة، وكتب الدفاع عنها، وقصدوا من وراء ذلك إيهام القارئ بأهمية بحوثهم، وأن تلك المصادر تنتهى إلى ما انتهوا إليه فى بحوثهم، والحق أنها كلها تكذبهم فى دعواهم.
وإلا فهل هناك عاقل يجرؤ على القول بأن ما ذكره محمود أبو ريه من مصادر معتبرة تنتهى فى نتيجتها إلى ما انتهى إليه من طعن فى حجية السنة المطهرة، ورواتها الثقات الأعلام: كالمصادر التالية:
تذكرة الحفاظ للذهبى.
شروط الأئمة الستة والخمسة للمقدسى والحازمى.
مقدمة ابن الصلاح.
قواعد التحديث للقاسمى.
شرح القارئ على نخبة الفكر لابن حجر.
تقييد العلم للخطيب البغدادى.
الموافقات والاعتصام للشاطبى.
الإحكام للآمدى.
الإحكام لابن حزم.
ومنهاج السنة لابن تيمية.
جامع بيان العلم وفضله.
البداية والنهاية لابن كثير.
والعواصم من القواصم للقاضى ابن العربى.
وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.
فهل يجرؤ عاقل على القول: بأن تلك المصادر المعتمدة التى ذكرها محمود أبو رية وغيرها يقول أصحابها بمثل قوله الخبيث أو تنتهى إلى ما انتهى إليه "سبحانك هذا بهتان عظيم".
__________
(1) انظر: ضوابط الرواية عند المحدثين، ص 311.(1/875)
وقس على ذلك سائر دعاة الفتنة وأدعياء العلم من المستشرقين ودعاة اللادينية عندما يستشهدون فى هجومهم على السنة المطهرة بمصادر معتمدة، فالأمر لا يخرج عن إيهام القارئ وتضليله بأن أصحاب تلك المصادر الموثوقة ينتهون إلى ما انتهوا إليه.
... أما إذا ذكروا من تلك المصادر المعتبرة حقائق مسلماً بها عند أهل العلم فلا يخرج حالهم فى هذه الحالة عن ثلاثة أمور:
أولهما: الاستشهاد بتلك الحقائق المسلم بها فى غير موضعها إيهاماً للقارئ بأن أصحاب تلك المصادر المعتبرة التى ذكرت تلك الحقائق يلتقون معهم فى فكرتهم ومقصدهم، ومن ذلك ما سبق فى شبهة الوضع، وكثرة الوضاعين، واستشهادهم بكلام الأئمة فى أسباب الوضع وأصناف الوضاعين بأن ذلك أضعف الثقة بالسنة وبحجيتها (1) هذا فى حين ذكر علماء المسلمين أسباب الوضع وأصناف الوضاعين فى مصادرهم لبيان جهود المحدثين فى كشف الكذابين، وأنه لم يخف أمرهم على حفاظ السنة، وأنها خرجت سليمة معافاة من فتنة الوضاعين فذكروا كل هذا كميزة وفضيلة (2) .
إلا أن أعداء السنة نقلوا من مصادر علماء المسلمين تلك الميزة واستشهدوا بها فى غير موضعها ونشروها على أنها نقيصة.
فتأمل كيف ينشرون مميزات السنة على أنها عيوب.
ومن ذلك أيضاً ما سبق فى مسألة (استقلال السنة المطهرة بتشريع الأحكام) واتخاذ أعداء السنة كلام الإمام الشاطبى فى تلك المسألة ستاراً للتشكيك والطعن فى حجية السنة ومكانتها التشريعية (3) .
ثانيهما: الاستشهاد من المصادر المعتبرة بحقائق مسلم بها لكنها "مبتورة" فيكتفون بذكر ما يشهد لدعواهم، ويغضون الطرف عما يفحمهم.
__________
(1) راجع: إن شئت ما سبق فى الجواب عن شبهة الوضع ص 391.
(2) راجع: إن شئت جهود حملة الإسلام فى مقاومة حركة الوضع والوضاعين ص 405-416.
(3) راجع: ص 519-534.(1/876)
ومن ذلك مما سبق فى "شبهة النهى عن كتابة السنة" حيث نقلوا من المصادر المعتبرة المؤرخة لذلك، الباب الذى يؤيدهم فى دعواهم كـ "باب الآثار والأخبار الواردة عن كراهة كتاب العلم"، وغضوا الطرف عن بقية الأبواب الواردة فى نفس المصادر المعتبرة التى استشهدوا بها، والتى ترد على شبهتهم، كـ "باب وصف العلة فى كراهية كتابة الحديث"، و"باب الآثار والأخبار الواردة عن إباحة كتابة العلم" (1) .
... ثالثهما: الاستشهاد من المصادر المعتبرة بتحريف النصوص عن مواضعها وهذا من مأخذ أهل البدع بالاستدلال (تحريف الأدلة عن مواضعها) كما قال الشاطبى (2) .
... ومن ذلك ما سبق فى "شبهة الاكتفاء بالقرآن، وعدم الحاجة إلى السنة المطهرة"، وتحريف أحمد صبحى منصور، وجمال البنا لكلام الحافظ ابن حجر فى شرحه للمراد من حديث عبد الله بن أبى أوفى فى وصية النبى صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على الكتاب. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:"الاقتصار على الوصية بالكتاب لكونه أعظم وأهم، ولأن فيه تبيان كل شئ إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى: {وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) .
أما أحمد صبحى منصور فاستشهد بكلام الحافظ ونقل كلامه هذا مبتوراً محرفاً بحذفه لفظه (النبى صلى الله عليه وسلم) فصارت العبارة: "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به".
__________
(1) راجع: ص 260، 261.
(2) الاعتصام 1/202.
(3) جزء من الآية 7 من سورة الحشر.(1/877)
وكذلك صنع جمال البنا استشهد بكلام الحافظ مبتوراً محرفاً فقال: "أى التمسك به "يعنى القرآن" والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله" (1) وترك بقية كلام الحافظ ابن حجر أن عمل الناس بالكتاب يقتضى العمل بكل ما أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى: {وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) .
أما النوع الثالث من مصادر أعداء السنة فمصادر معتبرة غير حديثية، يستشهدون بما فيها من أحاديث ضعيفة أو موضوعة تشهد لدعواهم.
ومن ذلك استشهادهم بحديث عرض السنة على القرآن: "إذا روى لكم عن حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه، وإلا فردوه" (3) واعتمادهم صحة الحديث لمجرد وروده فى بعض كتب الفقه أو الأصول كالمحصول فى أصول الفقه (4) ، وأصول السرخسى (5) ، والمعتمد فى أصول الفقه (6) .
وقد نقل غير واحد من أهل الزيغ والهوى هذا الحديث من مصادر معتبرة غير حديثية موهماً أن أصحاب تلك المصادر يقولون بعرض السنة على القرآن، بمفهومهم القائم على رد الحديث بمجرد التعارض الظاهرى حتى مع إمكان الجمع والتأويل.
... وممن فعل ذلك أحمد حجازى السقا فى كتابه "دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى" عزا حديث "عرض السنة على القرآن" إلى المحصول للرازى، موهماً أن الرازى، والفقهاء يقولون بالحديث (7) ، فى حين أن الرازى يحكى مخالفة عيسى بن أبان لجمهور علماء المسلمين بإيجابه عرض خبر الآحاد على القرآن الكريم (8) .
__________
(1) سبق تخريجه ص 196، وانظر: المستشرقون والتراث للدكتور الديب ص 28 - 41.
(2) راجع إن شئت ص 196.
(3) سبق تخريجه وبيان وضعه انظر: ص218-223.
(4) المحصول 2/215
(5) أصول السرخسى 1/365.
(6) المعتمد فى أصول الفقه 2/80.
(7) دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 110.
(8) المحصول 2/215.(1/878)
ويجاب عن استشهادهم بأحاديث مكذوبة وردت فى مصادر معتبرة غير حديثية بما هو مقرر عند أهل الحديث وهو:
أنه لا يكتفى بعزو الحديث إلى من ليس من أهله دون بيان: وإن جل كعظماء المفسرين، والفقهاء، والمتصوفة، والمؤرخين، وغيرهم، بل لابد من معرفة تعقبات المحدثين على ما أوردوه فى كتبهم وذكره عند العزو إليها، ما لم يكونوا من أئمته، أو دراسة أسانيدها ومتونها - إذا كانت خالية من تعقبات المحدثين ولم يكونوا من أئمته دراسة دقيقة فاحصة لمتبحر فى الحديث وعلومه، للوصول من وراء ذلك إلى الحكم بصحة الحديث أو ضعفه أو الحكم عليه بالوضع (1) كما فى حديث عرض السنة على القرآن.
__________
(1) كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام 1/31.(1/879)
.. وفى ذلك يقول الإمام عبد الرءوف المناوى (1) : "فلا أعزوا إلى شئ منها "أى المصادر" ولا أكتفى بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين … فكتب التفسير مشحونة بالأحاديث الموضوعة، وكأكابر الفقهاء "أى غير الأئمة الأربعة" فإن الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج وتمييز الصحيح من غيره، فوقعوا فى الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفرعوا عليها كثيراً من الأحكام مع ضعفها، بل ربما دخل عليهم الموضوع "نسياناً أو غلطاً دون عمد" (2) .
ومثل هذه الأخطاء الحديثية لهؤلاء العلماء الأجلاء وهم غير متخصصين فى الحديث وعلومه - لا تقدح فى منزلتهم العلمية، ولا فى مؤلفاتهم ولا فى سلامة الأغراض التى من أجلها ألفوا كتبهم" (3) .
__________
(1) هو: الإمام الحافظ عبد الرءوف بن تاج الدين المناوى، بضم الميم الشافعى القاهرى، من مؤلفاته: فيض القدير بشرح الجامع الصغير، والجامع الأزهر، وغير ذلك، مات سنة 1031هـ.= =له ترجمة فى: هداية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا 1/510،511، وكشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون للحاجى خليفة 1/561، والرسالة المستطرفة للكتانى ص 184.
(2) فيض القدير 1/20، 21 بتصرف، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 182، 183 ومن الأمثلة علىذلك حديث:"من قضى صلاته من الفرائض فى آخر جمعة من رضان، كان ذلك جابراً لكل صلاة فاتنة فى عمره إلى سبعين سنة" قال العلامة ملا على القارى باطل قطعاً ولا عبرة بنقل صاحب النهاية وغيره من بقية شراح الهداية، فإنهم ليسوا من المحدثين، ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين" انظر: الموضوعات الكبرى ص 242 رقم 953، وانظر: الأجوبة الفاضلة ص 29 - 35.
(3) كشف اللثام 1/33(1/880)
.. قال الإمام المناوى: "وهذا لا يقدح فى جلالتهم، بل ولا فى اجتهاد المجتهدين إذ ليس من شرط المجتهد الإحاطة بحال كل حديث فى الدنيا" (1) أ. هـ.
... قال العلامة اللكنوى: فإن قال قائل: فما بالهم أوردوا فى تصانيفهم الأحاديث الموضوعة – مع جلالتهم ونباهتهم – ولِمَ لم ينقدوا الأسانيد مع سعة علمهم؟
قلت: لم يُوردوا ما أوردوا: مع العلم بكونه موضوعاً، بل ظنَّوه مروياً وأحالوا نقد الأسانيد على نُقَّادِ الحديث، لكونهم أغنوهم عن الكشف الحثيث، إذ ليس من وظيفتهم البحث عن كيفية رواية الأخبار، إنما هو من وظيفة حملة الآثار، فلكل مقام مقال، ولكل فن رجال" (2) أ. هـ.
وبعد
... فإن وسائل أعداء السنة فى الكيد لها لا تقف عند حد، وصدق الإمام الشاطبى –رحمه الله -: "ومن نظر إلى طريق أهل البدع فى الاستدلالات عرف أنها لا تنضبط، لأنها سيالة لا تقف عند حد" (3) .
... وبحسب كل مسلم أن يتنبه إلى القواعد الكلية التى ينطلقون منها للكيد للسنة المطهرة، ويعرف بطلان تلك القواعد، وأنه لا أساس لها فهى كمثل بيت العنكبوت.
قال تعالى: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4) وهذا ما حرصت على تفصيله فى الفصول السابقة.
... ونأكده فى الباب الثالث بذكر نماذج من الأحاديث الصحيحة التى طعن فيها أهل الزيغ والهوى، والجواب عنه. فإن بيان ذلك.
__________
(1) فيض القدير 1/21.
(2) الأجوبة الفاضلة للكنوى ص 35، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 183.
(3) الاعتصام 1/232.
(4) الآية 41 من سورة العنكبوت.(1/881)
الباب الثالث: نماذج من الأحاديث الصحيحة المطعون فيها
والجواب عنها
وتحته تمهيد وعشرة فصول:
التمهيد ويتضمن بيان:
أ- طبيعة نقد الأحاديث الصحيحة عند أعدائها.
ب- طبيعة الأحاديث الصحيحة المطعون فيها.
الفصل الأول: حديث "إنما الأعمال بالنيات".
الفصل الثانى: حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف".
الفصل الثالث: أحاديث "رؤية الله عز وجل" و"محاجة آدم موسى عليهما السلام" و"الشفاعة".
الفصل الرابع:أحاديث ظهور"المهدى"وخروج"الدجال"و"نزول المسيح عليه السلام"
الفصل الخامس: حديث "عذاب القبر ونعيمه".
الفصل السادس: أحاديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" و"نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم أم حرام" وحديث "سحر النبى صلى الله عليه وسلم".
الفصل السابع: حديث "رضاعة الكبير".
الفصل الثامن: حديث "وقوع الذباب فى الإناء".
الفصل التاسع: ثمرات ونتائج الحديث الصحيح.
الفصل العاشر: مضار رد الأحاديث النبوية الصحيحة.
التمهيد
ويتضمن بيان
أ- طبيعة نقد الأحاديث الصحيحة عند أعدائها.
ب- طبيعة الأحاديث الصحيحة المطعون فيها.
... يحرص أعداء السنة - أعداء الإسلام - فى عصرنا على تناول الأحاديث الصحيحة، وخاصة صحيحى البخارى ومسلم بالنقد والتجريح، المزور الباطل، وذلك كى يصلوا فى النهاية إلى التشكيك فى السنة جميعها وصرف المسلمين عنها، ويركزون على الصحيحين لأنه بسقوط الرأس يسقط الجسد كله. وقد عرفنا منذ قليل أن الصحيحين وهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل ليسا جهد أفراد، وإنما هما جهد أمة، من جهابذة المحدثين، تناولوا الكتابين بالنقد والدراسة، وأسفرت تلك الدراسة عن صحة الكتابين صحة لا يشوبها أدنى شك، سوى أحرف يسيرة لا يصل الحال بها أبداً إلى درجة الوضع، بل ولا حتى إلى درجة الضعف الذى لا يحتمل، وإنما غاية هذه الأحرف قصور شروط الصحة فيها عما التزمه الشيخان من إخراج أصح الصحيح.(1/882)
.. وقد عرفنا أيضاً أن المحدثين لم يقصروا فى نقد المتن، كما يزعم من عميت بصيرتهم، وكيف يقصرون! وهل قام علم الحديث دراية بجميع أنواعه إلا لخدمة علم الحديث رواية؟ وكيف يقصرون وما وضعوه من شروط لصحة الحديث من اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة - إلا لضمان سلامة المتن، والتأكد من صحة نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
وعرفنا كيف أن ما يبدوا ظاهراً من الشروط الخمسة من اختصاصه بالسند هو فى الحقيقة متعلق بالمتن ظاهراً وباطناً.
أ- طبيعة نقد الأحاديث الصحيحة عند أعدائها:
... إن هؤلاء النابتة من أعداء ديننا وأمتنا، اتخذوا من تحكيم عقولهم الزائغة القاصرة، المقياس الأول والأخير فى نقدهم للأحاديث والحكم عليها، ويتخذون من ذلك ذريعة إلى إنكار الأحاديث، وتخطئة علماء السنة، وتخطئة الجمهرة من المسلمين الذين اهتدوا بهديهم وعلمهم، وساروا على دربهم، يدفعهم إلى ذلك عمى بصيرة، وحقد دفين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يهدفون إلى أن يبتعد الناس عن نور النبوة المباركة وهديها المستقيم، وهم يطوون حقدهم وأهدافهم وراء تناول بعض الأحاديث التى تحتاج إلى فهم خاص، يتلاءم مع مبادئ الإسلام، والفهم الصحيح لتعاليمه وقيمه (1) ، مثل حديث (رضاعة الكبير) وسيأتى ذكره والجواب عنه بإذن الله تعالى.
__________
(1) انظر: كتب السنة دراسة توثيقية للدكتور رفعت فوزى ص 108، 109 بتصرف.(1/883)
ب- طبيعة الأحاديث الصحيحة المطعون فيها:
... طبيعة الأحاديث التى اتخذها دعاة الفتنة وأدعياء العلم وسيلة للنيل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنيل من رواتها الثقات الأعلام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين أصحاب المصنفات الحديثية - شملت أبواب السنة كلها من العقائد، والعبادات، والمعاملات، والفتن، والرقائق، والطب، والسيرة … إلخ. وهم يحرصون دائماً وهم يطعنون فى الأحاديث الصحيحة، أن تكون تلك الأحاديث من الأصول، والعقائد لزعزعة قلوب المؤمنين بعقائدهم حتى يصلوا إلى غايتهم قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} (1) .
... وسوف نذكر نماذج من تلك الأحاديث الصحيحة التى طعنوا فيها فى ثمانية فصول.
الفصل الأول: حديث "إنما الأعمال بالنيات"
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى حديث "إنما الأعمال بالنيات" والرد عليها.
المبحث الثانى: مكانة حديث "إنما الأعمال بالنيات".
__________
(1) الآية 89 من سورة النساء.(1/884)
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى حديث "إنما الأعمال بالنيات" والرد عليها
... أخرج الإمام البخارى فى صحيحه بسنده عن علقمة بن وقاص الليثى (1) قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
... هذا الحديث الذى يمثل أصلاً من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده طعن فيه الصنم الأكبر للمستشرقين – جولدتسيهر – وضربه مثلاً على ما ذهب إليه من أن الحديث نتيجة للتطور الدينى خلال القرون الأولى، وقال: "وقد ارتفع شأن هذا الحديث إلى أن صار فكرة تسيطر على كل الأعمال الدينية يقول الله تعالى: "لاقونى بنياتكم ولا تلاقونى بأعمالكم" وهو حديث متأخر ظهر كصدى لاقتناع المؤمنين بذلك، وعلامة على قيمة أعمالهم الدينية" (2) .
وتابع طعناً فى صحة الحديث دعاة اللادينية، يقول نيازى عز الدين: "إن هذا الحديث أحد ثلاثة أحاديث خطيرة افتراها جنود السلطان لقلب دين الله الذى فى القرآن؛ إلى دين السلطان الموجود فى أحاديث جنوده (3) .
__________
(1) علقمة بن وقاص الليثى المدنى، ثقة ثبت، اخطأ من زعم أنه له صحبة. وقيل إنه ولد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم روى عن عمر، وعائشة، وعنه ابناه، ومحمد بن إبراهيم التيمى، والزهرى مات فى خلافة عبد الملك بن مروان. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/687 رقم 4701، والكاشف 2/35 رقم 3877، والجرح والتعديل 6/405 رقم 2259، والثقات للعجلى ص 342 رقم 1164، وتذكرة الحفاظ 1/53 رقم 35، ومشاهير علماء الأمصار ص 89 رقم 459.
(2) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 53، ودراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير، نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 11/544.
(3) دين السلطان ص 560.(1/885)
وبهذا الحديث استحل فى نظره – أئمة المسلمين ورواة السنة الثقات – جنود السلطان عنده – استحلوا بهذا الحديث التحايل فى دين الله، وحجته فى ذلك افتتاح الإمام البخارى به كتاب الحيل من صحيحه قال: حديث "إنما الأعمال" أول حديث يفتتح به البخارى فى صحيحه كتاب الحيل لأنه حجر الزاوية بالنسبة لكل تلك الأحاديث المفتراه على الله والرسول، فوضعها لنا فى أول جملة من كتابه، حتى يدل من كان يريد أن يعرف أن ذلك الحديث، كان المفتاح الذهبى لكل أبواب الاحتيال فى دين السلطان، التى فتحت كل تلك الأبواب على مصراعيها لجنود السلطان من أجل، تأليف فقه دين السلطان"] (1) أ. هـ.
... ويجاب على ما سبق بما يلى:
أولاً: حديث "إنما الأعمال بالنيات" صحيح متفق على صحته (2) . قال الحافظ ابن حجر: "إن هذا الحديث متفق على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ" (3) .
__________
(1) المصدر السابق ص 560، وانظر من نفس المصدر: ص 206، 672، وانظر: إنذار من السماء 697، وتبصير الأمة بحقيقة السنة إسماعيل منصور ص 353، والسنة ودورها فى الفقه الجديد جمال البنا ص158.
(2) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" فى عدة أماكن من صحيحه منها، كتاب بدء الوحى، باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/15 رقم 1، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية 7/61 رقم 1907، وأخرجه مالك فى الموطأ برواية محمد بن الحسن فى باب النوادر ص 341 رقم 983.
(3) ظن الحافظ ابن حجر فى فتح البارى 1/17، وفى التلخيص الحبير أن البخارى ومسلم أخرجا الحديث عن مالك وليس فى الموطأ، وقد نبه الحافظ السيوطى على خطئه فى كتابه "منتهى الآمال فى شرح حديث إنما الأعمال" أ. هـ. أفاده فضيلة الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف على هامش الموطأ برواية الشيبانى ص 341.(1/886)
ثانياً: هنالك كثير من نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة التى جاءت فى معنى هذا الحديث، تحث على الإخلاص وتذم الرياء مثل قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1) والآية تخاطب أهل الكتابين، وفى ذلك اشتراط النية فى صحة الأعمال للأمم السابقة (2) وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (4) ومن الأحاديث: حديث عائشة –رضى الله عنها – مرفوعاً: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا بِبَيداءَ من الأرض يُخسفُ بأولهم وآخرهم. قالت. قلت: يا رسول الله كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أَسْوَاقُهُم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم" (5) وفى الحديث أيضاً عن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه مرفوعاً: "من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله" (6)
__________
(1) الآية 5 من سورة البينة.
(2) انظر: فتح البارى 1/16.
(3) الآيتان 15، 16 من سورة هود.
(4) الآية 110 من سورة الكهف.
(5) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب البيوع، باب ما ذكر فى الأسواق4/397 رقم2118 واللفظ له، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الخسف بالجيش الذى يؤم البيت 9/233 رقم 2884.
(6) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا 6/33، 34 رقم 2810، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله 7/56، 57 رقم 1904 واللفظ لمسلم.(1/887)
والأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة جداً فى تأييد معنى الحديث.
ولكن جولدتسيهر ومن قال بقوله لم يطعن فى هذا الحديث من فراغ، فقد كان يعلم قدره وعظمته ومكانته فى الإسلام، وبذلك صرح فى كتابه دراسات محمدية قائلاً: "ويعد كلام النبى هذا واحداً من أعظم مبادئ الإسلام، ويعد واحداً من أربعة مبادئ أساسية عليها مدار الإسلام" (1) .
وهنا يظهر تناقض جولدتسيهر حيث يذهب بأن الحديث من وضع الفقهاء، ونتيجة للتطور الدينى للإسلام، كما زعم فى كتابه العقيدة والشريعة، وهنا فى كتابه دراسات محمدية، يقر بأن الحديث من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وروى فى عهود مبكرة فى المدينة، ولم يقل وضعه الفقهاء وإنما قال: "وقد طبق الفقهاء هذه العبارة لكونها مبدأ أسمى فى معالجة المسائل الدينية والشرعية" (2) .
... وعلى كل حال فدعواه بأن الحديث متأخر، قد ظهر لك بطلانها من نص الحديث حيث خطب به الفاروق عمر رضي الله عنه وأسنده إلى الرسول، وصدق عليه من سمعه، وهم جمهور كبير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الإمام العينى أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب به لما قدم المدينة (3) .
__________
(1) دراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 10 ص544، 545.
(2) دراسات محمدية نقلاً عن المصدر السابق ص 545، 546.
(3) انظر: عمدة القارى 1/17.(1/888)
أما قول جولدتسيهر: "لاقونى بنياتكم ولا تلاقونى بأعمالكم" فهذا خلاف ما دل عليه الحديث، فإن الحديث لم ينف الأعمال، بل شرط لصحتها النية، إذ العمل مطلوب شرعاً كما قال سبحانه: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) وقرنه بالإيمان فى أكثر من آية: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (3) أ. هـ.
... أما ما زعمه بعض النكرات أن أئمة المسلمين وضعوا حديث "إنما الأعمال"، واستحلوا به التحايل فى دين الله بحجة افتتاح الإمام البخارى للحديث فى كتاب الحيل من صحيحه فهذا من تضليله وجهله.
أما تضليله فهو عدم ذكره اسم الباب الذى ذكر الإمام البخارى الحديث تحته وهو باب بعنوان "فى ترك الحيل وأن لكل إمرئ ما نوى فى الأيمان وغيرها".
وواضح من عنوان الباب إبطال زعم النكرة أن الحديث دليل على استحلال الحيل.
أما جهله فهو قلة عقله فى استيعاب فقه الإمام البخارى فى تراجمه فى أبوابه، وأنى له إدراك ذلك، وتلك "التراجم حيرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار، ولقد أجاد القائل: أعى فحول العلماء حل رموز ما أبداه فى الأبواب من أسرار" (4) .
__________
(1) الآية 72 من سورة الزخرف.
(2) سورة العصر.
(3) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم 8/363 رقم 2564 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 2/48، 49.
(4) انظر: هدى السارى ص 16، وتيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير لفضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين ص 152.(1/889)
.. فالإمام البخارى رحمه الله تعالى افتتح كتابه الحيل بحديث "إنما الأعمال بالنيات" وعنون للباب قبل ذكر الحديث بباب فى ترك الحيل …" (1) فأدخل كلمة "الترك" لئلا يتوهم أحد من أدعياء العلم من ترجمة الكتاب "كتاب الحيل" إجازة الحيل.
قال الحافظ ابن حجر فى شرحه لعنوان الباب قال: قوله: "باب ترك الحيل" قال ابن المنير: أدخل البخارى الترك فى الترجمة، لئلا يتوهم أى من ترجمة الكتاب "كتاب الحيل" إجازة الحيل عموماً، فإن القول بجوازها عموماً إبطال حقوق وجبت، وإثبات حقوق لا تجب، فتحرى فيها لذلك.
قال ابن حجر قلت: وإنما أطلق أولاً "كتاب الحيل" للإشارة إلى أن من الحيل ما يشرع فلا يترك مطلقاً. فضابطها إن كانت للفرار من الحرام، والتباعد من الإثم فحسن، وإن كانت لإبطال حق مسلم فلا بل هى إثم وعدوان" (2) .
وقال ابن قيم الجوزية: "الحيل نوعان: نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه والتخلص من الحرام، وتخليص الحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغى، فهذا النوع محمود يثاب فاعله. ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالماً، والظالم مظلوماً والحق باطلاً والباطل حقاً، فهذا النوع الذى اتفق السلف على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض" (3) .
فإذا كان من النوع الباطل إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً. فهل هناك مسلم يجرؤ على القول بأن أئمة المسلمين ورواة السنة الثقات استحلوا أكبر الكبائر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسبه شئ لم يقله، وجعله شرعاً إلى يوم الدين؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
__________
(1) انظر: صحيح البخارى "بشرح فتح البارى" 12/342 رقم 6953.
(2) فتح البارى 12/342، 343 بتقديم وتأخير.
(3) إغاثة اللهفان 1/354.(1/890)
يقول ابن قيم الجوزية: "إن هذه الحيل المحرمة لا تجوز أن تنسب إلى إمام، فإن ذلك قدح فى إمامته، وذلك يتضمن القدح فى الأمة حيث إئتمت بمن لا يصلح للإمامة، وهذا غير جائز، ولو فرض أنه حكى عن واحد من الأئمة بعض هذه الحيل المجمع على تحريمها فإما أن تكون الحكاية باطلة، أو يكون الحاكى لم يضبط لفظه …، ولو فرض وقوعه منه فى وقت ما فلابد أن يكون قد رجع عن ذلك، وإن لم يحمل الأمر على ذلك لزم القدح فى الإمام، وفى جماعة المسلمين المؤتمين به، وكلاهما غير جائز، ولا خلاف بين الأمة؛ أنه لا يجوز الإذن فى التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان، ثم إن هذا على مذهب أبى حنيفة وأصحابه أشد (1) ، فإنهم لا يأذنون فى كلمات وأفعال دون ذلك بكثير، ويقولون: إنها كفر، حتى قالوا: لو قال الكافر لرجل: "إنى أريد أن أسلم" فقال له: "اصبر ساعة" فقد كفر، فكيف بالأمر بإنشاء الكفر؟ وقالوا: لو قال "مسيجد" أو صغر لفظ المصحف كفر.فعلمت أن الأئمة أعلم بالله ورسوله، ودينه، وأتقى له من أن يجيزوا، فضلاً عن أن يستحلوا–الحيل التى هى كفر أو حرام" (2) ، ولا ينسب ذلك إليهم إلا مارق ضال محتال.
__________
(1) يقول ابن قيم هذا فى حقهم، دفاعاً عما نسب إلى الإمام وأصحابه من تجويز الحيل والفتوى بها
(2) أعلام الموقعين 3/190، 191 بتصرف يسير، وللمزيد من الرد على تحريم الحيل، والرد على المجوزين لها انظر: ما كتبه الإمام الفذ ابن قيم فى كتابيه أعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان فقد أفاض وأجاد فى تفصيل ذلك.(1/891)
.. قال الحافظ ابن حجر: وقول البخارى: "وإن لكل امرئ ما نوى فى الأيمان وغيرها" من تفقه المصنف لا من الحديث قال ابن المنير: اتسع البخارى فى الاستنباط، والمشهور عند النظار حمل الحديث على العبادات فحمله البخارى عليها، وعلى المعاملات، وتتبع مالكاً فى القول بسد الذرائع، واعتبار المقاصد، فلو فسد اللفظ، وصح القصد ألغى اللفظ، وأعمل القصد، تصحيحاً وإبطالاً، قال: والاستدلال بهذا الحديث على سد الذرائع، وإبطال التحيل، من أقوى الأدلة" (1) .
واستدل بذلك أيضاً ابن قيم الجوزية على تحريم الحيل. فقال حديث: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" الحديث أصل فى إبطال الحيل ويكفى وحده فى إبطال الحيل، ولهذا صدر به حافظ الأمة محمد بن إسماعيل البخارى كتاب الحيل من صحيحه (2) أ. هـ.
... فأين من كل هذا ما استدل به بعض النكرات أن افتتاح الإمام البخارى بهذا الحديث فى كتاب الحيل، دليل على استحلالها، واستحلال الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) فتح البارى 12/343، وانظر: مبحث "تجويز الحيل يناقض سد الذرائع" فى أعلام الموقعين 3/171، وإغاثة اللهفان 1/385.
(2) انظر: إغاثة اللهفان 1/362، وأعلام الموقعين 3/176.(1/892)
المبحث الثانى: مكانة حديث "إنما الأعمال بالنيات"
... قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قد تواتر النقل عن الأئمة فى تعظيم قدر هذا الحديث" (1) . قال الحافظ العراقى: "هو قاعدة من قواعد الإسلام (2) . وقال الإمام أحمد "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: "الأعمال بالنيات"، وحديث عائشة: "من أحدث فى أمرنا ما ليس منه، فهو رد" (3) وحديث النعمان بن بشير (4) :"الحلال بين، والحرام بين" (5) .
... قال الإمام ابن تيمية: "هو أصل عظيم من أصول الدين، بل هو أصل كل عمل، ولهذا قالوا: مدار الإسلام على ثلاثة أحاديث، فذكروه منها، وذكر قول الإمام أحمد الذى سبق، وقال: والذى أمر الله به نوعان:
أحدهما: العمل الظاهر، وهو ما كان واجباً أو مستحباً.
__________
(1) فتح البارى 1/11.
(2) طرح التثريب 2/5.
(3) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود 5/355 رقم 2697، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 6/256، 257 رقم 1718.
(4) النعمان بن بشير: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3/559 رقم 8728، والاستيعاب 4/1496 رقم2614، واسد الغابة5/310 رقم5237، وتاريخ الصحابة ص248 رقم1367، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 332.
(5) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه 1/153رقم52، ومسلم "بشرح النووى" كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 6/31 رقم 1599 وانظر: فتح البارى 1/11، وطرح التثريب 2/5، وجامع العلوم والحكم 1/61.(1/893)
والثانى: العمل الباطن، وهو إخلاص الدين لله؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد": ينفى التقرب إلى الله بغير ما أمر الله به، أمر إيجاب أو أمر استحباب. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" إلى آخره يبين العمل الباطن، وأن التقرب إلى الله إنما يكون بالإخلاص فى الدين لله، كما قال الفضيل فى قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (1) . قال: أخلصه وأصوبه (2) .
قال ابن تيمية: فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة النبوية، وعلى هذا دل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3) وإن هذين الأصلين الإخلاص وصواب العمل؛ هما دين الإسلام الذى ارتضاه الله" (4) .
... ويقول أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدى: "لو صنفت كتاباً بدأت فى أول كل باب منه بحديث "إنما الأعمال"، وأوصى بذلك فقال: من أراد أن يصنف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث" (5) .
__________
(1) الآية 2 من سورة الملك.
(2) انظر: جامع العلوم والحكم 1/72، وتفسير البغوى 4/369، وتفسير القرطبى 11/69 – 72، وتفسير ابن كثير 3/108 – 110، وفتح القدير 3/322 – 323.
(3) الآية 110 من سورة الكهف.
(4) الفتاوى لابن تيمية 8/249 – 250 بتصرف، وانظر: النبوات له ص 126.
(5) انظر: سنن الترمذى كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يقاتل رياء 4/154 عقب حديث "إنما الأعمال" رقم 1647، والأذكار للنووى ص 6، وعمدة القارى1/22، واللآلئ السنيات فى شرح حديث "إنما الأعمال بالنيات" للدكتور إبراهيم على سعده.(1/894)
وحسبنا من هذه الأقوال بياناً لمكانة هذا الحديث، وإذا عرفت هذه المكانة، فهمت أن أعداء الإسلام لم يطعنوا فى هذا الحديث من فراغ، فقد علموا قدره وعظمته ومكانته فى الإسلام، فإذا سهل لهم أن يقدحوا فيه فغيره أولى بالقدح. ولكن الأمر على خلاف ما يظنون ويأملون.(1/895)
الفصل الثانى: حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف"
وتحته أربعة مباحث:
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف والرد عليها
المبحث الثانى: معنى نزول القرآن على سبعة أحرف.
المبحث الثالث: الأحرف السبعة أعم من القراءات السبع.
المبحث الرابع: بقاء الأحرف السبعة فى المصاحف.
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف والرد عليها
... حديث نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف طعن فيه الرافضة قديماً، وزعموا بأنه يثبت كفر الصحابة بوقوع التحريف اللفظى فى القرآن الكريم، وهم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل الإسلام (1) .
وقديماً كان الإمام ابن حزم يرد على مزاعم وطعون قساوسة النصارى بأن القرآن فيه تحريف ونقص، وضاع كثير من أصوله وقراءاته باعتراف المسلمين من الشيعة الرافضة.
فيجيبهم ابن حزم بقوله: "إن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن ولا على المسلمين، لأن الشيعة غير مسلمين … إنما هى فرق حدث أولها بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة من خذله الله تعالى لدعوة من كاد للإسلام، وهى طائفة تجرى مجرى اليهود والنصارى فى الكذب والكفر (2) .
__________
(1) الإحكام فى أصول الأحكام 1/94.
(2) الفصل فى الملل والنحل 2/78، وانظر: مختصر التحفة الإثنى عشرية 30، 50، 82، والكافى للكلينى 1/341 - 453، وفصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب للطبرسى ص156-157، وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها 1/231، والخطوط العريضة ص 27-30، والشيعة والسنة للأستاذ حسين الهى ظهير ص 65 -130.(1/896)
ومن طعون الرافضة، استدل إخوانهم من المستشرقين، وتكلموا كثيراً فى موضوع القراءات بالأحرف السبعة محاولين إثبات أن هذه القراءات ليست من الوحى أساساً، وإنما نجمت عن "القراءة بالمعنى"، فلم يكن نص القرآن بحروفه بالنسبة لبعض المؤمنين هو المهم، ولكن المهم هو روح النص، ودليلهم ما جاء فى بعض الروايات وفيها "كلها شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال وأقبل، وهلم، واذهب، وأسرع، وعجل" (1) .
ولعل أول من ذهب إلى ذلك من المستشرقين جولدتسيهر، فى كتابه "مذاهب التفسير الإسلامى" حيث ذهب إلى أن اختلاف القراءات القرآنية راجع إلى خلو المصاحف العثمانية من النقط والشكل إذ يقول وهو يتحدث عن اختلاف القراءات القرآنية: "وإذاً فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات فى المحصول الموحد الغالب من الحروف الصامتة، كانا هما السبب الأول فى نشأة حركة اختلاف القراءات، فى نص لم يكن منقوطاً أصلاً، أو لم تتحر الدقة فى نقطه أو تحريكه" (2) .
وردد هذا الرأى المستشرق الاسترالى الأصل "آرثرجفرى" وذكره فى مقدمة تحقيقه لكتاب "المصاحف" لابن أبى داود قال: "وكانت هذه المصاحف التى بعثها عثمان إلى الأمصار؛ كلها خالية من النقط والشكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقط، ويشكل هذا النص على مقتضى معانى الآيات" (3) .
__________
(1) أخرجه أحمد فى مسنده 5/41، 52، 114، 122، من حديث أبى بكره رضي الله عنه قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/151، ورواه أحمد والطبرانى بنحوه إلا أنه قال واذهب وأدبر، وفيه على = =ابن زيد بن جدعان، وهو سئ الحفظ، وقد توبع، وبقيه رجال أحمد رجال الصحيح أ. هـ. انظر: المعجم الكبير 10/182 رقم 10273 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
(2) انظر: مذاهب التفسير الإسلامى لجولدتسهير ص 8، 53 وما بعدها.
(3) المصاحف لابن أبى داود تحقيق آرثر ص 7، وانظر: إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص 84، 89(1/897)
.. ونتيجة ذلك كله هى القول بحدوث تغيير فى النص القرآنى (1) . وقد تابع هذين المستشرقين بعض العلماء العرب، من الجامعيين وغيرهم، وأذاعوه فى كتبهم.
يقول الدكتور طه حسين (2) : "إن القرآن تلى بلغة واحدة، ولهجة واحدة هى لغة قريش ولهجتها، لم يكد يتناولها القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته، وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تبايناً كثيراً … إلى أن يقول: "والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحى فى قليل ولا كثير، وليس منكرها كافراً ولا فاسقاً ولا مغتمزاً فى دينه، وإنما هى قراءات مصدرها اللهجات واختلافها، للناس أن يجادلوا فيها وأن ينكروا بعضها ويقبلوا بعضها" (3)
__________
(1) انظر: الاستشراق لفضيلة الدكتور محمود حمدى زقزوق ص 109، 110، ومجلة الوعى الإسلامى مقال الدكتور حسن عزوزى آليات المنهج الاستشراقى فى دراسة مصنفات علوم القرآن العدد 396 ص 38 – 42.
(2) طه حسين: هو طه حسين بن على بن سلامة بدأ حياته فى الأزهر، ثم الجامعة المصرية القديمة، وهو أول من نال شهادة منها سنة 1914م، وحصل على العالمية من فرنسا، وعمل أستاذاً بكلية الآداب، فعميداً للكلية، فمديراً للجامعة المصرية، فوزيراً للمعارف. من مؤلفاته: مستقبل الثقافة فى مصر، والشعر الجاهلى، وفى الأدب الجاهلى، والفتنة الكبرى، وغير ذلك من مؤلفاته التى تحمل سموم الاستشراق مات سنة 1973م، له ترجمة فى الأعلام 3/231، وانظر: رجال اختلف فيهم الرأى للأستاذ أنور الجندى.
(3) فى الأدب الجاهلى ص 94،95، وممن قال بقوله المستشار سعيد العشماوى فى كتابه حصاد العقل ص72،73، والدكتور محمد أركون فى كتابه الفكر الإسلامى نقد واجتهاد ص 77-99، والدكتور نصر أبو زيد فى كتابيه "نقد الخطاب الدينى" ص53، "والإمام الشافعى" ص59-62، والمستشار مصطفى المهدوى فى كتابه "البيان بالقرآن 1/23، وانظر: رد الدكتور محمد محمد حسين على بحث جامعى فى كتابه "حصوننا مهددة من داخلها" ص 251-270.(1/898)
ويقول الدكتور أحمد حجازى السقا بعد ذكره حديث عمر رضي الله عنه فى نزول القرآن على سبعة أحرف قال: "هذه الرواية التى اتفق عليها البخارى والمحدثون، وشبهها كثير تثبت التحريف اللفظى فى القرآن، فإن هذه الرواية وشبهها يكونون من الروايات الكاذبة التى وضعها المحدثون عمداً فى كتبهم للطعن فى القرآن الكريم" (1) .
... ويجاب على ما سبق بالآتى:
أولاً: حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف" جاء متواتراً عن جمع من الصحابة - رضي الله عنهم - فأورده الحافظ السيوطى فى الأزهار المتناثرة من حديث عمر، وعثمان، وأبى بن كعب، وأنس، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وسمرة بن جندب، وسليمان بن صرد، وابن عباس، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعمر بن أبى سلمة، وعمرو بن العاص، ومعاذ ابن جبل، وهشام بن حكيم، وأبى بكرة، وأبى جهم، وأبى سعيد الخدرى، وأبى طلحة، وأبى هريرة، وأم أيوب (2) ، وزاد الكتانى حديث ابن عمر، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو ابن العاص (3) . فهؤلاء أربع وعشرون صحابياً، ما منهم إلا رواه وحكاه.
ونكتفى هنا بسرد بعض الروايات عن بعضهم.
__________
(1) دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 148.
(2) الأزهار المتناثرة ص 49، 50 رقم 59 وانظر: تدريب الراوى 2/179، 180، وتوجيه النظر ص 49، وفتح البارى 9/643 رقم 4991، 4992، وفواتح الرحموت 2/15.
(3) نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص173رقم197، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادة فى نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة عبد العزيز الغمارى، ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 212.(1/899)
روى البخارى ومسلم ففى الصحيحين عن ابن عباس – رضى الله عنهما –؛ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرأنى جبريل على حروف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف" (1) . زاد مسلم: "قال ابن شهاب: بلغنى أن تلك السبعة فى الأمر الذى يكون واحداً لا يختلف فى حلالٍ ولا حرام" (2) .
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 8/639 رقم 4991.
(2) مسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه 3/360 رقم 819.(1/900)
وفى الصحيحين أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: سمعت هشام بن حكيم (1) يقرأ سورة الفرقان فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره فى الصلاة، فانتظرت حتى سلم، ثم لببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت له: كذبت فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنى هذه السورة التى سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنى سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتنى سورة الفرقان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله يا عمر: اقرأ يا هشام، فقرأ هذه القراءة التى سمعته يقرؤها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه" (2) .
__________
(1) هشام بن حكيم: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3/603 رقم 8963، والاستيعاب 4/1538 رقم 5374، ومشاهير علماء الأمصار ص 35 رقم 134.
(2) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 8/639 رقم 4992، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناه 3/359 رقم 818.(1/901)
.. وروى مسلم بسنده عن أبى بن كعب رضي الله عنه قال: "كنت فى المسجد، فدخل رجل يصلى، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبة. فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسن النبى صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط فى نفسى من التكذيب وَلاَ إِذْ كنتُ فى الجاهلية. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشينى ضرب فى صدرى، ففضت عرقاً، وكأنما انظر إلى الله عز وجل فرقاً فقال لى: يا أُبى أُرسلَ إِلىَّ: أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه: أن هون على أمتى، فرد إلى الثانية: اقرأه على حرفين فرددت إليه: أن هون على أمتى، فرد إلى الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردةٍ رددتها مسألة تسألينها. فقلت: "اللهم اغفر لأمتى، اللهم اغفر لأمتى، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم (1) أ. هـ.
... ومن هذه الروايات المتفق على صحتها يظهر إفك من زعم بأن روايات نزول القرآن على سبعة أحرف مكذوبة، كما يظهر إفك من زعم أن القرآن نزل بحرف واحد فقط.
وظهر فى الروايات السابقة: "أن اختلاف القراء إنما حدث فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم" فيما تلاه عليهم وسمعوه منه مشافهة، ولم يأت هذا الخلاف نتيجة النظر فى المصحف المكتوب المقروء الخالى من النقط والشكل، كما زعم جولدتسيهر، وآرث جفرى ومن قال بقولهم.
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناه 3/360 رقم 820.(1/902)
ثانياً: لو كان خلو المصاحف من الشكل والإعجام سبباً فى تنوع القراءات واختلافها، لكان القارئ الذى يقرأ الكلمة وفق رسم معين، يلتزمه فى أمثاله ونظائره حيث وقع فى القرآن الكريم، ولم يحدث هذا، وإليك مثالاً واحداً.
قوله تعالى فى فاتحة الكتاب {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (1) وقوله سبحانه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} (2) وقوله تعالى فى سورة الناس {مَلِكِ النَّاسِ} (3) . فلو تأملت المواضع الثلاثة فى المصحف لوجدت الكلمة فيها كلها هكذا "ملك" بالميم واللام والكاف فقط، ولكن حفصاً يقرأ عن عاصم، فى الفاتحة "مالك" بالألف بعد الميم، وكذلك يقرأ آية آل عمران، أما فى سورة الناس فيقرأ "ملك" من دون الألف كان حفص يقرأ وفق رسم المصحف لقرأ فى المواضع الثلاثة "ملك"، ولكنه يقرأ بالرواية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) .
وكذلك قد تختلف القراءات أحياناً لغة ونحواً، وهكذا يبدو للناس فى ظاهر الأمر، ولكن الاختلاف فى الحقيقة راجع إلى التلقى والرواية، لا إلى القاعدة اللغوية أو النحوية. وهذا مثال واحد: قال الله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} .جاءت هذه الآية فى موضعين (5) ويقرأ القراء جميعاً "كلاً" بالنصب فى الآيتين، لكن ابن عامر يقرأ آية النساء بالنصب؛ كسائر القراء، أما آية الحديد فيقرأها وحده"وكل"بالرفع، وللنحويين فى توجيه الرفع والنصب كلام.
__________
(1) الآية 4 من سورة الفاتحة.
(2) الآية 26 من سورة آل عمران.
(3) الآية 2 من سورة الناس.
(4) انظر: القراءات فى نظر المستشرقين والملحدين لفضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضى ص49-53.
(5) جزء من الآية 95 من سورة النساء، وجزء من الآية 10 من سورة الحديد.(1/903)
فلو كان ابن عامر يقرأ وفق القاعدة النحوية لقرأ الآيتين بالرفع، ولكنه قرأ بالرواية التى تلقاها هو بالتواتر عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرة بالنصب، ومرة بالرفع، مع أن تركيب الآية واحد فى الموضعين.
ومثال ثان: الإمالة ظاهرة صوتية، وهى "ان تنحيى بالألف نحو الياء، فيلزم أن تنحى بالفتحة قبلها نحو الكسرة"، وهى لغة بعض القبائل العربية، وقد قرأ بها بعض القراء، والتزموها حيث وجدت دواعيها فى القرآن الكريم، لكن حفصاً الذى يقرأ بقراءته، كثير من المسلمين الآن بروايته عن عاصم، لم يقرأ بالإمالة إلا فى موضع واحد من الذكر الحكيم وهو قوله تعالى {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (1) .
وهكذا يختلف القراء ويتفقون بحسب الرواية والتلقى، وليس بحسب رسم المصحف أو الوجه النحوى أو اللغوى، صحيح أن هذين فى الاعتبار، ولكن بعد ثبوت الرواية بالتواتر، والسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموافقة الرسم العثمانى، وأن يكون للقراءة وجه صحيح من العربية.
فإذا سمعت قراءة مسندة لواحد من القراء السبعة أو العشرة؛ كأن يقال: قراءة نافع أو عاصم أو الكسائى، فلا تظن أنها من اختراعه أو ابتداعه، ولكنها اختياره الذى ارتضاه من طريق الرواية المسندة الصحيحة.
ولذلك أثر عن أبى عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة قوله "لولا أنه ليس لى أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت كذا وكذا. وذكر حروفاً".
__________
(1) جزء من الآية 41 من سورة هود.(1/904)
ويريد أبو عمرو أن القراءة سنة واتباع وأثر، ولا دخل فيها للسليقة أو الاستحسان اللغوى أو الترجيح النحوى أو رسم المصحف. ومن ثم يرى كثير من العلماء أن ترجيح قراءة متواترة على قراءة متواترة لا يجوز. يقول أبو العباس ثعلب "إذا اختلف الإعراب فى القرآن عن السبعة، لم أفضل إعراباً على إعراب فى القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام، كلام الناس فضلت الأقوى" (1) .
قراءات ربانية:
يقول الدكتور محمود الطناحى: "فثبت إذن أن القراءات القرآنية كلها بوجوهها المختلفة من عند الله، ولا دخل لخط المصحف فيها، ولا للوجوه النحوية أو اللغوية فيها كذلك، وثبت أيضاً أن اختلاف القراءات القرآنية إنما هو اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد" (2) أ. هـ.
... واعلم أن معنى قول "أبى بن كعب" رضي الله عنه "فسقط فى نفسى من التكذيب إلخ" أن الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله، حين رأى النبى صلى الله عليه وسلم، قد حسن القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف، وكانتا فى سورة واحدة هى سورة النحل على ما رواه الطبرى. وكأن الذى مر بخاطره وقتئذ أن هذا الاختلاف فى القراءة ينافى أنه من عند الله. لكنه كان خاطراً من الخواطر الرديئة التى لا تنال من نفس صاحبها منالاً، ولا تفتنها عن عقيدة، ولا يكون لها أثر باق، ولا عمل دائم.
... ومن رحمة الله بعباده؛ أنه لا يؤاخذهم بهواجس النفوس وخلجات الضمائر العابرة، ولكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم، حين يفتح الإنسان للشبهة صدره، ويوجه إليها اختياره وكسبه، ثم يعقد عليها فؤاده وقلبه.
__________
(1) انظر: الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبى 1/48، 4/563.
(2) انظر: مجلة العربى العدد 480 لسنة 1998، ص 114 - 119.(1/905)
.. قال القرطبى: "فكان هذا الخاطر الذى سقط فى نفس أبى من قبيل ما قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم حين سألوه: إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال ذلك صريح الإيمان" (1) أ. هـ.
... ومن هنا تعلم أن ما خطر لسيدنا أبى بن كعب رضي الله عنه، لا يمس مقامه، ولا يصادم إيمانه، ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً حتى قال أُبى نفسه: "ففضت عرقاً، وكأنى انظر إلى الله عز وجل فرقاً" (2) أ. هـ.
...
أضف إلى ما ذكرنا أن خصومة أبى بن كعب، وعمر وغيرهم من الصحابة فى أمر اختلاف القراءة على هذا النحو، إنما كانت قبل أن يعلموا أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فهم وقتئذٍ كانوا معذورين، بدليل أنهم لما علموا بذلك، واطمأنت إليه نفوسهم، عمل كل منهم بما علم، وصاروا مراجع مهمة من مراجع القرآن الكريم على اختلاف رواياته.
يدل على ذلك ما روى عن أبى ابن كعب رضي الله عنه قال: لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل إنى بعثت إلى أمة أميين: منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل، الذى لم يقرأ كتاباً قط، قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" (3) .
... أما ما زعمه دعاة اللادينية أن القراءات ليست من الوحى، ومصدرها لهجات القبائل المختلفة، فهذا كذب آخر.
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة فى الإيمان وما يقوله من وجدها 1/340 رقم 132 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(2) مناهل العرفان 1/143 –144. وانظر: فتح البارى 9/640، 641، والمنهاج شرح مسلم للنووى 3/364.
(3) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب القراءات، باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف 5/178، 179رقم2944 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن أبى بن كعب. وانظر: مناهل العرفان 1/144 وما بعدها.(1/906)
يبطله أن المختلفين فى الخبر المذكور الذى أوردناه آنفاً كل منهما قرأ سورة الفرقان بحرفين مختلفين، كانا جميعاً بنى عم قرشيين، من قريش البطاح، من قبيلة واحدة، جاران ساكنان فى مدينة واحدة، وهى مكة، لغتهما واحدة، وهما عمر بن الخطاب بن نفيل ابن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قريط بن رزاح بن عدى بن كعب، وهشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن كلاب بن مرة بن كعب، ويجتمعان جميعاً فى كعب بن لؤى، بين كل واحد منهما، وبين كعب بن لؤى، ثمانية آباء فقط.
فظهر كذب من ادعى أن اختلاف الأحرف، إنما كان لاختلاف لغات قبائل العرب. وأبى ربك إلا أن يحق الحق، ويبطل الباطل، ويظهر كذب الكاذب، ونعوذ بالله العظيم من الضلال والعصبية للخطأ" (1) أ. هـ.
المبحث الثانى: معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
... قوله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أى على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها.
وليس المراد أن كل كلمة أو جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات فى الكلمة الواحدة إلى سبعة.
فإن قيل فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على سبعة أوجه.
فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة، وإما أن يكون من قبيل الاختلاف فى كيفية الأداء كما فى المد والإمالة ونحوهما (2) .
... قال الشيخ الزرقانى -رحمه الله-: "وليس المراد أن كل كلمة من القرآن تقرأ على سبعة أوجه: إذاً لقال صلى الله عليه وسلم "إن هذا القرآن أنزل سبعة أحرف" بحذف لفظ "على".
__________
(1) الإحكام لابن حزم 5/571، 572.
(2) فتح البارى 8/640 رقم 4991.(1/907)
بل المراد ما علمت من أن هذا القرآن أنزل على هذا الشرط وهذه التوسعة، بحيث لا تتجاوز وجوه الاختلاف سبعة أوجه، مهما كثر ذلك التعدد والتنوع فى أداء اللفظ الواحد، ومهما تعددت القراءات، وطرقها فى الكلمة الواحدة. فكلمة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (1) التى ورد أنها تقرأ بطرق تبلغ السبعة أو العشرة، وكلمة {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (2) التى ورد أنها تقرأ باثنتين وعشرين قراءة، وكلمة {أُفٍّ} من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (3) والتى أوصل الرمانى لغاتها إلى سبع وثلاثين لغة. وكل أولئك وأشباه أولئك، لا يخرج التغاير فيه على كثرته عن وجوه سبعة (4) .
... وعلى هذا فالمراد بالأحرف فى الأحاديث السابقة وجوه فى الألفاظ وحدها لا محالة، بدليل أن الخلاف الذى صورته لنا الروايات المذكورة كان دائراً حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعانى، مثل قول عمر: "إذ هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" وقوله: "أى ذلك قرأتم فقد أصبتم" ونحو ذلك، ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ، لا شرح المعانى (5) .
__________
(1) الآية 4 من سورة الفاتحة.
(2) جزء من الآية 60 من سورة المائدة.
(3) جزء من الآية 23 من سورة الإسراء.
(4) مناهل العرفان 1/156.
(5) المصدر السابق 1/154 وانظر المراد بالوجوه السبعة التى لا تخرج عنها القراءات فى المصدر السابق 1/156، وفتح البارى 8/640.(1/908)
.. إن القراءات كلها على اختلافها كلام الله، لا مدخل لبشر فيها، بل كلها نازلة من عنده تعالى، مأخوذة بالتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدل على ذلك أن الأحاديث الماضية تفيد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرجعون فيما يقرأون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه ويتلقون منه كل حرف يقرأون عليه، انظر قوله صلى الله عليه وسلم فى قراءة كل من المختلفين "هكذا أنزلت" وقول المخالف لصاحبه: "أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أضف إلى ذلك أنه لو صح لأحد أن يغير ما شاء من القرآن بمرادفة أو غير مرادفة، لبطلت قرآنية القرآن، وأنه كلام الله، ولذهب الإعجاز، ولما تحقق قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) .
وهذا ما يهدف إليه دعاة اللادينية فى قولهم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أى أنه أنزل على سبع لغات مختلفة فى لفظها ومادتها. يفسر ذلك القول ابن مسعود: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل" (2) .
ويجاب عن ذلك فضلاً عما سبق أن التبديل والتغيير مردود من أساسه بقوله سبحانه وتعالى: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (3) .
__________
(1) الآية 9 من سورة الحجر.
(2) فى الأدب الجاهلى ص 95.
(3) الآيتان 15، 16 من سورة يونس.(1/909)
.. أما ما جاء فى حديث أبى الدرداء، وقراءته على قراءة ابن مسعود مرفوعاً: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى" (1) .
فأجاب عن ذلك الإمام المازرى (2) فقال: "يجب أن يعتقد فى هذا الخبر وما فى معناه أن ذلك كان قرآناً ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ فبقى على النسخ، ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه (3) .
قال ابن حزم مؤيداً ذلك: "لأن قراءة عاصم المشهورة" المأثورة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقراءة ابن عامر مسندة إلى أبى الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما جميعاً {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (4) فهى زيادة لا يجوز تركها" (5) أ. هـ.
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما يتعلق بالقراءات 3/370 رقم 824.
(2) المازرى هو: الإمام العلامة محمد بن على بن عمر التميمى المازرى، أبو عبد الله، من فقهاء المالكية، كان محدثاً، فقهياً، أصولياً، أديباً، وله دراية بالطب، من مصنفاته المعلم بفوائد شرح مسلم، وإيضاح المحصول من برهان الأصول.وغير ذلك توفى عام536هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب ص374 رقم 508، وسير أعلام النبلاء 12/169، ووفيات الأعيان 1/486، وشذرات الذهب 4/114، والوافى بالوفيات 4/151، وشجرة النور الزكية 1/127 رقم 371.
(3) المنهاج شرح مسلم للنووى 3/371.
(4) الآية 3 من سورة الليل.
(5) الإحكام لابن حزم 5/573.(1/910)
وأما ابن مسعود رضي الله عنه فرويت عنه روايات كثيرة منها ما ليس بثابت عند أهل النقل، وما ثبت منها مخالفاً لما قلناه، فهو محمول على أنه كان يكتب فى مصحفه بعض الأحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس من القرآن، وكان لا يعتقد تحريم ذلك، وكان يراه، كصحيفة يثبت فيها ما يشاء، وكان رأى عثمان والجماعة، منع ذلك لئلا يتطاول الزمان ويظن ذلك قرآناً.
قال المازرى: فعاد الخلاف إلى مسألة فقهية، وهى أنه هل يجوز إلحاق بعض التفاسير فى أثناء الصحف؟ قال: ويحتمل ما روى من إسقاط المعوذتين من مصحف ابن مسعود أنه اعتقد أنه لا يلزمه كتب كل القرآن، وكتب ما سواهما وتركهما لشهرتهما عنده وعند الناس" (1) أ. هـ.
... يقول ابن حزم: "ومن العجب أن جمهرة من المعارضين لنا، وهم المالكيون، قد صح عن صاحبهم مالك بن أنس أنه قال: اقرأ عبد الله بن مسعود رجلاً: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ} (2) فجعل الرجل يقول: طعام اليتيم، فقال له ابن مسعود طعام الفاجر. قال ابن وهب قلت لمالك: أترى أن يقرأ كذلك؟ قال نعم أرى ذلك واسعاً، فقيل لمالك: أفترى أن يقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب فامضوا إلى ذكر الله؟ قال مالك: ذلك جائز … إلخ.
__________
(1) المنهاج شرح مسلم 3/371 وانظر: الإتقان1/213، 214، وتأويل مشكل القرآن ص47-49، وبحوث فى القرآن والسنة للأستاذ عبد الله كنون ص 94 –96.
(2) الآيتان 43، 44 من سورة الدخان.(1/911)
.. قال ابن حزم: "فكيف يقولون مثل هذا؟ أيجيزون القراءة هكذا! فلعمرى لقد هلكوا وأهلكوا، وأطلقوا كل بائقة فى القرآن، أو يمنعون من هذا، فيخالفون صاحبهم فى أعظم الأشياء، وهذا إسناد عنه فى غاية الصحة وهو مما أخطأ فيه مالك مما لم يتدبره، لكن قاصداً إلى الخير، ولو أن امرأً ثبت على هذا وجازه بعد التنبيه له على ما فيه، وقيام حجة الله تعالى عليه فى ورود القرآن بخلاف هذا لكان كافراً، ونعوذ بالله من الضلال (1) أ. هـ.
... وهاك برهانٌ آخر ذكره صاحب التبيان فى آداب حملة القرآن–على فساد مزاعم أعداء الإسلام من المستشرقين وأذيالهم من جواز "قراءة القرآن بالمعنى".
يقول الإمام النووى: "إن النبى صلى الله عليه وسلم علم البراء بن عازب دعاء فيه هذه الكلمة "ونبيك الذى أرسلت" فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ورسولك الذى أرسلت" فلم يوافقه النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل قال له: "لا. ونبيك الذى أرسلت" (2) . وهكذا نهاه عليه الصلاة والسلام أن يضع لفظة "رسول"، موضع لفظة "نبى" مع أن كليهما حق لا يحيل معنى، إذ هو صلى الله عليه وسلم رسولٌ ونبى معاً.
ثم قال: فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا: إنه صلى الله عليه وسلم كان يجيز أن يوضع فى القرآن الكريم مكان عزيز حكيم، غفور رحيم، أو سميع عليم. وهو يمنع من ذلك فى دعاء ليس قرآناً، والله يقول مخبراً عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} (3) ، ولا تبديل أكثر من وضع كلمة، مكان أخرى" (4) أ. هـ.
__________
(1) الإحكام لابن حزم 5/574.
(2) سبق تخريجه ص 361.
(3) الآية 15 من سورة يونس.
(4) انظر: مناهل العرفان 1/191.(1/912)
.. ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور زقزوق رداً على مزاعم المستشرقين فى ترويجهم لفكرة "قراءة القرآن بالمعنى": "إن الواقع الذى عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرناً هو تمسكهم الشديد بالمحافظة على الوحى القرآنى لفظاً ومعنى، ولا يوجد مسلم يستبيح لنفسه أن يقرأ القرآن بأى لفظ شاء ما دام يحافظ على المعنى.
وليبحث المستشرقون اليوم فى أى مكان فى العالم عن مسلم يستبيح لنفسه مثل ذلك وسيعيهم البحث.
فلماذا إذن هذا التشكيك فى صحة النص القرآنى وهم يعلمون مدى حرص المسلمين فى السابق واللاحق على تقديس نص القرآن الكريم لفظاً ومعنى؟
... إنهم يبحثون دائماً - كما سبق أن أشرنا - عن الآراء المرجوحة والأسانيد الضعيفة ليبنوا عليها نظريات لا أساس لها من التاريخ الصحيح، ولا من الواقع.
فنحن المسلمون قد تلقينا القرآن الكريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بدوره تلقاه وحياً من الله ولم يحدث أن أصاب هذا القرآن أى تغيير أو تبديل على مدى تاريخه الطويل، وهذه ميزة فريدة انفرد بها القرآن وحده من بين الكتب السماوية كافة، الأمر الذى يحمل فى طياته صحة هذه الشريعة التى ختم بها الله عز وجل دينه الذى بعث به جميع أنبيائه، ورسله من لدن آدم إلى خاتمهم صلى الله عليه وسلم.
وفى هذا الصدد نورد ما ذكره "رودى بارت" فى مقدمة ترجمته الألمانية للقرآن - وكأنه يرد على زملائه الذين راحوا يشككون فى صحة النص القرآنى.
يقول "بارت": "ليس لدينا أى سبب يحملنا على الاعتقاد بأن هناك آية فى القرآن كله لم ترد عن محمد صلى الله عليه وسلم (1) أ. هـ.
المبحث الثالث: الأحرف السبعة أعم من القراءات السبع
... إن الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن الكريم، لا تعنى القراءات السبع المنقولة عن الأئمة السبعة (2)
__________
(1) الاستشراق للدكتور محمود حمدى زقزوق ص 111، 112 بتصرف يسير.
(2) القراء السبعة المعروفون هم:
عبد الله بن عامر (ت 118)
عبد الله بن كثير الدارى (ت 120هـ)
أبو بكرعاصم بن أبى النجود الأسدى (ت 127هـ)
أبو عمرو زبان بن العلاء البصرى (ت 154هـ)
حمزة بن حبيب الزيات (ت 156هـ)
نافع بن عبد الرحمن (ت 169هـ)
على بن حمزة الكسائى (ت 189هـ) 0 انظر: مناهل العرفان 1/453 - 459، ومعرفة القراء الكبار للذهبى 1/82 وما بعدها، وغاية النهاية لابن الجزرى 1/261 وما بعدها.(1/913)
، ومن زعم ذلك أخطأ من وجهين:
أحدهما: أن الأحرف التى نزل بها القرآن، أعم من تلك القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة القراء عموماً، وأن هذه القراءات أخص من تلك الأحرف السبعة النازلة خصوصاً مطلقاً، ذلك لأن الوجوه التى أنزل الله عليها كتابه، تنتظم كل وجه قرأ به النبى صلى الله عليه وسلم، وأقرأه أصحابه، وذلك ينتظم القراءات السبع المنسوبة إلى هؤلاء الأئمة السبعة القراء، كما ينتظم ما فوقها إلى العشرة، وما بعد العشرة، وما كان قرآناً، ثم نسخ، ولم يصل إلى هؤلاء القراء جميعاً، ولهذا نصوا فى المذهب المختار على أنه يشمل كل وجوه القراءات: صحيحها وشاذها ومنكرها (1) .
... وقال مكى بن أبى طالب (2) : "هذه القراءات التى يقرأ بها اليوم، وصحت رواياتها عن الأئمة، جزء من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن "… قال ومن ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع، وعاصم، هى الأحرف السبعة التى فى الحديث فقد غلط غلطاً عظيماً، قال: ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة وغيرهم، ووافق خط المصحف أن لا يكون قرآناً" (3) .
__________
(1) مناهل العرفان 1/193.
(2) مكى بن أبى طالب هو: مكى بن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار، أبو محمد القيسى، كان من أهل التبحر فىعلوم القرآن، والعربية، كثير التأليف فى علوم القرآن، محسناً لذلك، من مصنفاته "الإيجاز" و"الموجز فى القراءات" و"الهداية فى التفسير" وغير ذلك توفى سنة437هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب ص 424 رقم 595، ووفيات الأعيان 2/120، وشذرات الذهب 3/260، وطبقات المفسرين للداودى 2/331 رقم 643، وطبقات القراء لابن الجزرى 2/309.
(3) فتح البارى 8/648، وانظر: الإتقان للسيوطى 1/215 فقرة رقم 1097، والأحرف السبعة فى القرآن ومنزلة القراءات منها للدكتور حسن ضياء الدين مبحث "شواهد من أقوال العلماء فى بيان أن القراءات بعض الأحرف" ص 226.(1/914)
وفى هذا رد على طه حسين ومن قال بقوله: "إن القراءات ليست من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن" (1) أ. هـ.
ثانيهما: أن السبعة لم يكونوا قد خلقوا، ولا وجدوا حين نطق الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث الشريف. ومحال أن يفرض الرسول على نفسه، وعلى أصحابه، ألا يقرأوا بهذه الأحرف السبعة النازلة إلا إذا علموا أن هؤلاء القراء السبعة قد اختاروا القراءة بها، على حين أن بين العهدين بضعة قرون (2) ، وعلى حين أن هؤلاء القراء وسواهم إنما أخذوا عن النبى صلى الله عليه وسلم، من طريق أصحابه، ومن أخذ عنهم، إلى أن وصلوا إليهم.
ثم إن القول بأن الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن ما هى إلا تلك القراءات السبع المعروفة الآن، يستلزم أن يبقى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" عارياً عن الفائدة، غير نافذ الأثر، حتى يولد القراء السبعة المعروفون وتؤخذ القراءة عنهم. وذلك باطل أيضاً يكذبه الواقع من قراءة النبى صلى الله عليه وسلم، وقراءة أصحابه وتابعيه بالأحرف السبعة من قبل أن يولد القراء السبعة المعروفون.
__________
(1) انظر: فى الأدب الجاهلى لطه حسين ص 95.
(2) اشتهرت هذه القراءات السبع على رأس المائتين فى الأمصار الإسلامية، ولم تأخذ مكانها من التدوين إلا فى خاتمة القرن الثالث، حين قام الإمام ابن مجاهد أحمد بن موسى بجمع قراءات هؤلاء الأئمة السبعة أ. هـ.، انظر: مناهل العرفان 1/193 هامش.(1/915)
.. قال المحقق ابن الجزرى: "فلو كان الحديث منصرفاً إلى قراءات السبعة المشهورين أو سبعة غيرهم من القراء الذين ولدوا بعد التابعين، لأدى ذلك إلى أن يكون الخبر عارياً عن الفائدة إلى أن يولد هؤلاء السبعة، فتؤخذ عنهم القراءة، وأدى أيضاً إلى أنه لا يجوز لأحد من الصحابة أن يقرأ إلا بما يعلم أن هؤلاء السبعة من القراء إذا ولدوا وتعلموا اختاروا القراءة به، وهذا باطل، إذ طريق أخذ القراءة أن تؤخذ عن إمام ثقة، لفظاً عن لفظ، إماماً عن إمام، إلى أن يتصل بالنبى صلى الله عليه وسلم (1) .
... وقال أبو شامة (2) : "ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هى التى أريدت فى الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل" (3) أ. هـ.
المبحث الرابع: بقاء الأحرف السبعة فى المصاحف
... يقول الإمام ابن حزم رداً على من زعم أن سيدنا عثمان رضي الله عنه أسقط ستة أحرف من جملة الأحرف السبعة المنزل بها القرآن من عند الله عز وجل.
قال: تلك "عظيمة من عظائم الإفك والكذب، ويعيذ الله تعالى عثمان رضي الله عنه من الردة بعد الإسلام.
__________
(1) مناهل العرفان 1/193 - 194.
(2) أبو شامة هو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو شامة المقدسى، الإمام الحافظ المحدث المجتهد الشافعى، المقرئ، النحو، تولى مشيخه الإقراء، والحديث بدمشق. من مؤلفاته: "شرح الشاطبية" و "مختصر تاريخ دمشق" وغير ذلك مات سنة 665هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 4/1460 رقم 1157، وطبقات المفسرين للداوودى 1/268 رقم 254، وطبقات القراء لابن الجزرى 1/366، وطبقات الشافعية للسبكى 8/165، وشذرات الذهب 5/318.
(3) فتح البارى 8/647، وانظر: الإتقان 1/215 فقرة رقم 1093.(1/916)
ولقد أنكر أهل التعسف على عثمان رضي الله عنه أقل من هذا، مما لا نكره فيه أصلاً، فكيف لو ظفروا له بمثل هذه العظيمة. ومعاذ الله من ذلك، وسواء عند كل ذى عقل، إسقاط قراءة أنزلها الله تعالى، أو إسقاط آية أنزلها الله تعالى، ولا فرق، وتالله إن من أجاز هذا غافلاً، ثم وقف عليه، وعلى برهان المنع من ذلك وأصر، فإنه خروج عن الإسلام لا شك فيه، لأنه تكذيب لله تعالى فى قوله الصادق لنا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) وفى قوله الصادق: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (2) فالكل مأمورون باتباع قرآنه الذى أنزله الله تعالى عليه. فمن أجاز خلاف ذلك فقد أجاز خلاف الله تعالى وهذه ردة صحيحة لا مرية فيها، وما رامت غلاة الروافض وأهل الإلحاد الكائدون للإسلام (3) إلا بعض هذا (4) أ. هـ.
... يقول الشيخ الزرقانى: "ونحن إذا رجعنا بهذه الأوجه السبعة إلى المصاحف العثمانية وما هو مخطوط بها فى الواقع ونفس الأمر، نخرج بهذه الحقيقة التى لا تقبل النقض، ونصل إلى فصل الخطاب فى هذا الباب، وهو أن المصاحف العثمانية قد اشتملت على الأحرف السبعة كلها. ولكن على معنى أن كل واحد من هذه المصاحف اشتمل على ما يوافق رسمه من هذه الأحرف كلاً أو بعضاً، بحيث لم تخل المصاحف فى مجموعها عن حرف منها رأساً" (5) .
__________
(1) الآية 9 من سورة الحجر.
(2) الآيات 17-19 من سورة القيامة.
(3) انظر: فى الأدب الجاهلى لطه حسين ص 96-99 وبقية المصادر السابقة ص724.
(4) الإحكام فى أصول الأحكام 4/565، 566.
(5) مناهل العرفان 1/171، وانظر: فتح البارى 8/626 – 638 أرقام 4986 – 4988.(1/917)
.. ويدل على ذلك خطة سيدنا عثمان رضي الله عنه فى جمعه للقرآن الكريم وقوله للرهط القريشيين الثلاثة: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم" ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصه، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحفٍ أن يحرق" (1) فدل ذلك على ما هو مجمع عليه، أن سيدنا عثمان رضي الله عنه كتب مصاحف متعددة متفاوتة فى إثبات، وحذف، وبدل وغيرها، لأنه رضي الله عنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة، وجعلوها خالية من النقط والشكل، تحقيقاً لهذا الاحتمال أيضاً، فكانت بعض الكلمات يقرأ رسمها بأكثر من وجه عند تجردها من النقط والشكل نحو {فَتَبَيَّنُوا} من قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (2) فإنها تصلح أن تقرأ "فتثبتوا" عند خلوها من النقط، والشكل، وهى قراءة أخرى، أما الكلمات التى لا تدل على أكثر من قراءة عند خلوها من النقط والشكل مع أنها واردة بقراءة أخرى أيضاً، فإنهم كانوا يرسمونها فى بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفى بعض آخر برسم آخر يدل على القراءة الثانية كقراءة "وصى" بالتضعيف و "أوصى" بالهمز، وهما قراءتان فى قوله سبحانه {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} (3) أ. هـ.
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن8/627رقم 4987.
(2) الآية 6 من سورة الحجرات.
(3) جزء من الآية 132 من سورة البقرة، وانظر: مناهل العرفان 1/257 وما بعدها.(1/918)
.. إن الأحرف السبعة باقية كما كانت إلى يوم القيامة، مثبوتة فى القراءات المشهورة من المشرق إلى المغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، فما بين ذلك، لأنها من الذكر المنزل الذى تكفل الله تعالى بحفظه، وضمان الله تعالى لا يخيس أصلاً، وكفالته تعالى لا يمكن أن تضيع.
... ومن البرهان على كذب أهل الجهل وأهل الإفك على عثمان رضي الله عنه فى هذا ما رواه البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1) . قال: قد نسختها الآية الأخرى، فلم تَكْتُبها أو تَدَعها؟ قال: يا ابن أخى: لا أُغيِّرُ شيئاً منه من مكانه" (2) .
وبعد
... إن القراءات كلها على اختلافها كلام الله، لا مدخل لبشر فيها، بل كلها نازلة من عنده تعالى، مأخوذة بالتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظها سيدنا عثمان رضي الله عنه فى جمعه لكتاب الله، ومعاذ الله أن يسقط منها شيئاً، وهى مثبوتة فى القراءات المشهورة فى مشارق الأرض ومغاربها.
__________
(1) الآية 234 من سورة البقرة.
(2) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" 8/41 رقم 4530، 4546، وانظر: الإحكام لابن حزم 5/568.(1/919)
.. لا يجوز أن نجعل اختلاف القراءات معركة جدال ونزاع وشقاق، ولا مثار تردد وتشكيك وتكذيب، ولا سلاح عصبية وتنطع وجمود. على حين أن نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كانت حكمته من الله التيسير، والتخفيف، والرحمة، والتهوين على الأمة، فما يكون لنا أن نجعل من هذا اليسر عسراً، ومن هذه الرحمة نقمة! 0 يرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الجدال فى القرآن كفر" (1) وكذلك تغير وجهه الشريف عند اختلافهم وقوله لهم: "إنما أهلك من قبلكم الاختلاف" (2) . وضربه فى صدر أُبَى بن كعب رضي الله عنه، حين جال بخاطره حديث السوء فى هذا الموضوع الجليل. الذى زلت فيه بعض الأقدام، وكثر فيه القيل والقال، إلى حدٍ كاد يطمس أنوار الحقيقة" (3)
أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب النهى عن الجدل فى القرآن4/199 رقم4603، والحاكم فى المستدرك كتاب التفسير 2/243 رقمى 2882، 2883 من حديث أبى هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبى. وانظر: الأحرف السبعة فى القرآن ومنزلة القراءات منها للدكتور حسن ضياء الدين مبحث "الأحرف السبعة خصيصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم" ص145، 146، ومبحث "الأحرف السبعة ميزة للقرآن على الكتب السماوية" ص 146، وانظر: الكواكب النيرات فى أثر السنة النبوية على القراءات للدكتور علام بن محمد بن علام ص 16، 72، 73، وأثر القراءات فى الدراسات النحوية للدكتور عبد العال سالم على ص77-200.
(2) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب التفسير 2/243 رقم 2885، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى. وانظر: الشريعة للآجرى ص 67 وما بعدها.
(3) انظر: مناهل العرفان 1/140 - 145، ومزيد من الدفاع عن الطعون الموجهة إلى الحديث انظر: الشيعة الإثنى عشرية ومنهجهم فى التفسير لفضيلة الدكتور محمد العسال، ص131-140، والقرآن والقراءات والأحرف السبعة الحقيقة - العلاقة - صحة النقل لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الغفور محمود جعفر، ورسم المصحف العثمانى وأوهام المستشرقين فى قراءات الكريم للدكتور عبد الفتاح شلبى، والقراءات فى نظر المستشرقين والملحدين للشيخ عبد الفتاح القاضى، وأثر القراءات فى الدراسات النحوية للدكتور عبد العال سالم على ص 9 -73.(1/920)
الفصل الثالث: أحاديث (رؤية الله عز وجل) و (محاجة آدم موسى عليهما السلام) و (الشفاعة)
... وتحته ستة مباحث:
المبحث الأول: موقف أهل البدع قديماً وحديثاً من أحاديث الصفات والرد عليهم.
المبحث الثانى: شبه الطاعنين فى حديث الرؤية والرد عليهم.
المبحث الثالث: موقف أهل البدع قديماً وحديثاً من أحاديث القدر والرد عليهم.
المبحث الرابع: شبه الطاعنين فى حديث محاجة آدم موسى عليهما السلام، والرد عليها.
المبحث الخامس: موقف المبتدعة قديماً وحديثاً من أحاديث المغفرة لمرتكب الكبيرة والرد عليهم.
المبحث السادس: شبه الطاعنين فى حديث الشفاعة والرد عليها.(1/921)
المبحث الأول: موقف أهل البدع قديماً وحديثاً من أحاديث الصفات
... أحاديث العقائد مثل أحاديث التوحيد، وصفات الله عز وجل، وأحاديث عقيدة القدر طعن فيها المبتدعة من المعتزلة، والجهمية، وغيرهم من أهل الكلام.
وكان أول من يذكر عنه أنه تكلم فى صفات الله تعالى فى الإسلام، وابتدع القول بنفيها وتعطيلها هو " الجعد بن درهم" (1) ، ثم أخذ عنه ذلك تلميذه الجهم بن صفوان الترمذى (2) ، وتولى كبر نشر تلك المقالة فكثر أتباعه. فلما ظهرت المعتزلة أخذت عن جهم بن صفوان قوله فى نفى الصفات، وجعلوها عقيدة يتدينون لله بها" (3) .
__________
(1) الجعد بن درهم: هو مؤدب مروان الحمار، من الموالى، يعد من التابعين. زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى، وابتدع القول بخلق القرآن، وكان زنديقاً. قتله خالد القسرى يوم النحر. له ترجمة فى: ميزان الاعتدال 1/399 رقم 1482، والبداية والنهاية 9/364، ولسان الميزان 2/186 رقم 1964، والأنساب المتفقة فى الخط لابن القيسرانى لابن القيسرانى ص 46-47 رقم 48، والضعفاء الكبير للعقيلى 1/206 رقم 254.
(2) الجهم بن صفوان: هو أبو محرز الراسبى، مولاهم، السمرقندى، الكاتب المتكلم الضال المبتدع، رأس الجهمية، كان ينكر الصفات، ويقول بخلق القرآن، وإن الله فى الأمكنة كلها، والإيمان عقد بالقلب، وإن تلفظ بالكفر قتل بمرور عام 128هـ بعد أن زرع شراً عظيماً. له ترجمة فى: تاريخ الطبرى7/220،والكامل فى التاريخ5/342-344، وميزان الاعتدال 1/426رقم1584، وسير أعلام النبلاء 6/26 رقم 8، ولسان الميزان 2/257 رقم 2165، والوافى بالوفيات 11/207 رقم 305.
(3) انظر: الملل والنحل 1/40، وفتح البارى 13/357-359، وجهم بن صفوان ومكانته فى الفكر الإسلامى للأستاذ خالد العلى ص 72 – 73.(1/922)
.. وقد أجمع المعتزلة على نفى صفات الله تعالى الأزلية، سواء منها ما كان من صفات الذات (1) ، أو صفات الأفعال (2) .
... وزعموا بأنه ليس له سبحانه علم، ولا قدرة، ولا حياة، ولا سمع، ولا بصر، ولا غير ذلك من الصفات (3) . واتفقوا على أن صفاته سبحانه هى إثبات لذاته (4) كما اتفق جمهورهم على أن الله تعالى عالم، قادر، حى، بذاته، لا بعلم، وقدرة، وحياة، فهى صفات ومعانى قائمة به (5) .
... والذى دفعهم إلى نفى صفات الله تعالى، الخوض فى ذلك بعقولهم والاعتماد عليها فى معرفة الله سبحانه وصفاته (6) . وذهبوا إلى أن الاستدلال بالسمع على ذلك غير ممكن (7) . ومن هنا أولوا آيات القرآن الكريم التى تثبت صفات الله تعالى فهى آيات متشابهة كما يزعمون، فيجب أن تؤول لموافقة الأدلة القاطعة وهى أدلة العقول، لأنها موهمة للتشبيه، ولأنها محتملة الدلالة، وأما العقل فلا احتمال فى دلالته. وما وقع التشبيه فى الأمة إلا بسبب التعلق بالآيات المتشابهة، وترك تأولها على ما يوافق دليل العقل، والآيات المحكمة (8) .
__________
(1) الصفات الذاتية: هى الصفات الأزلية الثابتة لله تعالى التى لا تنفك عنه كصفة النفس، والعلم، والحياة، والقدرة، والسمع. انظر: الكواشف الجلية عن معانى الواسطية للأستاذ عبد العزيز السلمان ص 429.
(2) الصفات الفعلية: هى الصفات الثابتة لله تعالى التى تتعلق بالمشيئة، والقدرة، وهى قديمة النوع حادثة الآحاد كصفة الاستواء، والنزول، والضحك، والمجئ. انظر: المصدر السابق ص429، 430.
(3) الفرق بين الفرق ص 112، وانظر: العقيدة الإسلامية بين السلفية والمعتزلة تحليل ونقد للدكتور محمود خفاجى ص 244.
(4) العقيدة الإسلامية للدكتور خفاجى ص 244.
(5) المصدر السابق ص 399.
(6) المحيط بالتكليف ص 30،31،33.
(7) المصدر السابق ص 110.
(8) فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضى عبد الجبار ص 149.(1/923)
موقف المعتزلة من آيات الصفات:
... قال القاضى عبد الجبار: "إذا ورد فى القرآن آيات تقتضى بظاهرها التشبيه، وجب تأويلها؛ لأن الألفاظ معرضة للاحتمال، ودليل العقل بعيد عن الاحتمال" (1) .
... ويورد أبو الحسين عدداً من آيات الصفات ثم يقول: "فكل هذه الآيات وما أشبهها من الآيات، فإنما يريد عز وجل ذاته، لا أن ثم نفساً ووجهاً ويداً، وعيناً ويميناً سواء" (2) .
موقف المعتزلة من أحاديث الصفات:
إذا كان هذا موقفهم من آيات الصفات الواردة فى القرآن الكريم تأويلها بما يوافق العقل.
فقد ذهبوا إلى عدم الاحتجاج بالأحاديث الواردة فى الصفات مهما كانت درجة صحته، ما دام يعارض عقولهم فى إثبات صفة لله تعالى.
وقعد عبد الجبار فى ذلك قاعدة عامة، تكشف عن موقف المعتزلة من أحاديث الصفات فقال: "ومما يتعلقون به أخبار مروية عن النبى صلى الله عليه وسلم وأكثرها يتضمن الجبر، والتشبيه، فيجب القطع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقله، وإن قال؛ فإنه قاله حكاية عن قوم، والراوى حذف الحكاية، ونقل الخبر" (3) .
... وتارة يردون الأحاديث فى هذا الباب، بحجة أنها آحاد تفيد الظن، ولا يصلح فى هذا الباب إلا الدليل اليقينى (4) ، وهو العقل فارس هذا الميدان فلا منافس له ألبتة، ولا مشارك له. ويشهد لذلك تأويلهم لآيات القرآن، وردهم لأحاديث متواترة فى هذا الباب كحديث "رؤية رب العزة فى الآخرة" وسيأتى الدفاع عنه.
__________
(1) المحيط بالتكليف ص 200، وانظر: شرح الأصول ص 212، وفضل الاعتزال ص 149، 152، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/171 – 175.
(2) رسائل العدل والتوحيد ليحيى بن الحسين ص 115.
(3) شرح الأصول ص 268، وانظر: دين السلطان ص 618، وإنذار من السماء ص 419، وأهل السنة شعب الله المختار ص 43.
(4) شرح الأصول ص 769.(1/924)
.. ويُعدّ نفى الصفات، هو الأصل الأول من أصولهم الخمسة، وهو التوحيد الذى يعد من أهم أصولهم، فمن ثم نسب إليهم وسموا أنفسهم بـ "أهل التوحيد" وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفى الصفات الإلهية لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه، ومن شبه الله بخلقه أشرك (1) . ويبنى المعتزلة على هذا الأصل عدة أمور منها:
أ- تعطيل الصفات ... ب- القول بخلق القرآن ... ج- إنكار الرؤية
... فرأس النفاة المعتزلة والجهمية …، ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان (2) ، ومن تبعه من الرافضة والكرامية. فإنهم بالغوا فى ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه. تعالى عما يقولون علواً كبيراً (3) .
حكم المعتزلة على من خالفهم فى أصلهم التوحيد:
المعتزلة يكفرون من خالفهم فى هذا الأصل اعنى "التوحيد".
قال القاضى عبد الجبار: "أما من خالف فى التوحيد، ونفى عن الله ما يجب إثباته، وأثبت ما يجب نفيه عنه، فإنه يكون كافراً" (4) .
__________
(1) فتح البارى 13/357.
(2) هو: مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدى الخرسانى أبو الحسن البلخى المفسر كذبوه وهجروه، ورمى بالتجسيم. مع أنه كان من أدعية العلم بحراً فى التفسير. من مؤلفاته "التفسير الكبير" و"متشابه القرآن" و "الناسخ والمنسوخ" وغير ذلك مات سنة 150هـ له ترجمة فى: ميزان الاعتدال 4/173 رقم 8741،ووفيات الأعيان5/255-257 رقم733،والمجروحين لابن حبان 3/14 - 16، وطبقات المفسرين للداودى 2/330 - 331 رقم 642، وتقريب التهذيب 2/210 رقم 6892، ولسان الميزان 9/198 رقم 14549.
(3) فتح البارى 13/359.
(4) شرح الأصول ص 125، وانظر: منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير ص 44 - 47.(1/925)
هذا فضلاً عن طعنهم فى أهل السنة لإثباتهم صفات الله عز وجل فقالوا: إنهم مشبهة غير موحدين لله، ولا يعرفون ربهم؛ لأنهم وصفوه بالأعضاء، والزوال، والاستواء، ويلزم من ذلك أن يكون جسماً (1) .
... وعلى درب المعتزلة صار أسلافهم، من دعاة اللادينية، ردوا أحاديث الصفات تارة بحجة مخالفتها للعقل لما فى ظاهرها من التشبيه والتجسيم، وتارة بحجة مخالفتها لكتاب الله عز وجل، وتارة ثالثة. بحجة أنها آحاد تفيد الظن، والعقائد بابها اليقين والقطع الحاصل بالتواتر.
... ومدح أعداء الإسلام من المستشرقين، طريقة المعتزلة فى تأويلهم القرآن، وردهم للأحاديث الواردة فى باب الصفات، وذموا أهل السنة؛ لعدم سلوكهم مسلكهم (2) أ. هـ.
__________
(1) فضل الاعتزال ص 196-197، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/175، وانظر: ما كتبه حسن السقاف فى مقدمته، وتعليقه على كتاب ابن الجوزى "دفع شبهة التشبيه بأكف التنزيه".
(2) انظر: العقيدة والشريعة لجولدتسهير ص 125.(1/926)
موقف السلف الصالح من أحاديث الصفات والرد على أهل البدع قديماً وحديثاً:
... الكلام عن صفات الله عز وجل له أهمية عظيمة بالنسبة للفرد المسلم، وذلك لأن الإيمان بالله الذى هو الركن الأول من أركان الإيمان، لا يتحقق إلا إذا وصف الله سبحانه بما يستحقه من صفات الكمال اللائقة به، ونزهه عن صفات النقص التى نفاها عن نفسه جل جلاله، بل لا يكون العبد موحداً لله إلا إذا أقر بأسماء الله وصفاته تحقيقاً لأحد أقسام التوحيد الثلاثة (1) ، التى لا ينفك بعضها عن بعض، ولوضوح هذا التوحيد - توحيد الأسماء والصفات – لم يقع خلاف بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، ولم يتنازع اثنان منهم فى أمر واحد منه، بل الجميع كانوا على اتفاق تام بالإقرار به، والتسليم بما جاء فى القرآن والحديث منه (2) .
... وقد ظلت القرون الخيرية تنهج نهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى إثبات صفات الله والإقرار بها، إلى أن نجم التهجم فى الأمة، وابتدع القول بنفى صفات الله، فاحتضن أهل الاعتزال تلك المقالة، وجعلوها عقيدة يدينون لله بها" (3) .
... وأما أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة فإنهم أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. كما نفوا عنه ما لا يليق به من صفات النقص التى نفاها عن نفسه سبحانه، ونفاها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، مستندين فى كل ذلك إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) وهى توحيد: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.
(2) انظر: فتح البارى 13/402 رقم 7408، 13/418 رقم 7418، 7428.
(3) انظر: الملل والنحل 1/86.(1/927)
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء فى آخر سورة الحشر: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (2) والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات، ففى إثبات أسمائه إثبات صفاته لأنه إذا ثبت أنه حى مثلاً فقد وصف بصفة زائدة على الذات، وهى صفة الحياة، ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قال سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (3) فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع.
وقد قسم البيهقى وجماعة من أئمة السنة جميع الأسماء المذكورة فى القرآن وفى الأحاديث الصحيحة إلى قسمين:
أحدهما صفات ذاته: وهى ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال.
وثانيهما صفات فعله: وهى ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل، قال ولا يجوز وصفه إلا بما دل عليه الكتاب، والسنة الصحيحة الثابتة أو أجمع عليه. ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة، والقدرة، والعلم، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام من صفات ذاته، ومنه ما ثبت بنص الكتاب والسنة كالوجه، واليد، والعين، من صفات ذاته، وكالاستواء، والنزول، والمجئ، من صفات فعله، فيجوز إثبات هذه الصفات له لثبوت الخبر بها على وجه ينفى عنه التشبيه، فصفة ذاته لم تزل موجودة بذاته ولا تزال، وصفة فعله ثابتة عنه ولا يحتاج فى الفعل إلى مباشرة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (4) . ولولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى (5) .
__________
(1) جزء من الآية 180 من سورة الأعراف.
(2) جزء من الآية 24 من سورة الحشر.
(3) الآية 180 من سورة الصافات.
(4) الآية 82 من سورة يس، وانظر: فتح البارى 13/369، 370 أرقام7371 – 7375.
(5) انظر: فتح البارى 13/402 رقمى 7407، 7408.(1/928)
وعلى هذا اتفاق الفقهاء فى مشارق الأرض ومغاربها قال محمد بن الحسن الشيبانى: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن، وبالأحاديث التى جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير، فمن فسر شيئاً منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وفارق الجماعة، لأنه وصف الرب بصفة لا شئ.
... وقال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة فى الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئاً منها" (1) .
قال الإمام الشافعى – رحمه الله –: "لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا الرؤية والفكر، فنثبت هذه الصفات وننفى عنه التشبيه كما نفى عن نفسه، فقال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (2) .
... وقال أبو حنيفة – رحمه الله -: "لا يشبه بشئ من خلقه، ولا يشبهه شئ من خلقه… وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا" (3) .
__________
(1) انظر: فتح البارى 13/418 أرقام 7418 – 7428.
(2) جزء من الآية 11 من سورة الشورى، وانظر: سير أعلام النبلاء 10/79 – 80.
(3) انظر: شرح الفقه الأكبر لأبى منصور الحنفى ص 103 – 112، وشرح ملا على القارى على الفقه الأكبر ص 15 – 32، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/197.(1/929)
.. والذى نرتضيه رأياً وندين لله به عقيدة ما قاله الحافظ ابن حجر: "اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة فى إثبات أسماء الله وصفاته وعدم تأويلها، ولو كان تأويلها حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع، وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث، وهم فقهاء الأمصار، كالثورى، والأوزاعى، ومالك، والليث، ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة، فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة، وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم (1) أ. هـ.
... أما رد أهل البدع قديماً وحديثاً لأحاديث العقائد من أسماء الله، وصفاته، بحجة أنها آحاد.
فهذا من تضليلهم لأن القضية ليست قضية متواتر وآحاد كما يزعمون، وإنما قضية عقل قدسوه وعبدوه من دون الله، وطوعوا النصوص من الكتاب والسنة لهذا الإله "إله الهوى": {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (2) .
وجعلوا من عقولهم أصلهم الأول "المقدس" وهو التوحيد القائم على نفى الصفات، وطبقوا هذا الأصل على المتواتر نفسه، وهو القرآن الكريم، فأولوا ما فيه من إثبات أسماء وصفات الله عز وجل كما سبق من قول عبد الجبار وغيره. هذا من جهة.
__________
(1) انظر: فتح البارى13/418أرقام7418-7428، وانظر: الإبانة للأشعرى 124-142، ومجالس ابن الجوزى فى المتشابه من الآيات القرآنية ص11-16، وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها 2/878-910.
(2) الآية 23 من سورة الجاثية، وللاستزادة فى الجواب انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/176 – 212.(1/930)
ومن جهة ثانية فإن ما جاءت به السنة الصحيحة – حتى ولو كانت آحاداً – من أحاديث فى أسماء الله، وصفاته لم تكن السنة فى ذلك بدعاً، وإنما جاءت بمثل ما جاء به القرآن الكريم، ولا يوجد فى أحاديث العقائد ما يكون مخالفاً لعقائد القرآن، او زائداً عليها بحيث لا يكون له أصل فى القرآن. وكل ما يستشكل من الأحاديث الصحيحة فى العقائد تجد مثله فى القرآن، ويجرى فيها ما يجرى فى القرآن من إثباته بلا تعطيل ولا تشبيه.
... وقد حرص الإمام الجليل أبو عبد الله إسماعيل البخارى على بيان ذلك فى تراجم أبواب كتاب التوحيد من جامعه الصحيح، قبل أن يذكر أحاديث الباب وما فيها من دلالة على صفات لله عز وجل، يعنون للباب بالآيات القرآنية التى جاءت بمثل ما جاءت به أحاديث الباب وهو بذلك يؤكد ما سبق، من أن ما جاءت به السنة المطهرة من أحاديث فى الصفات لم تكن فى ذلك بدعاً وإنما جاءت مؤيدة ومقررة، وموضحة لما جاء فى القرآن الكريم.
وهاك نماذج من صنيعه:(1/931)
"باب قول الله تعالى" {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (1) وقوله جل ذكره {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} (2) . وتحت هذا الباب ذكر من الأحاديث ما يوافقه مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الخلق كتب فى كتابه – وهو يكتب على نفسه … الحديث" (3) وقوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى" الحديث (4) ، وباب قول الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (5) . وتحته حديث جابر مرفوعاً: "أعوذ بوجهك" لما نزل عليه: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم … الحديث" (6) وباب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (7) وتحته أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: "يد الله ملأى لا يغيضها سَحَّاء الليلَ والنهارَ، قال أرأيتم ما انفق منذ خلق الله السماوات والأرض فإنه لم يغض ما فى يده. وقال عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع" (8) . وقوله - صلى
__________
(1) جزء من الآية 28 من سورة آل عمران.
(2) جزء من الآية 116 من سورة المائدة.
(3) صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: "وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ" 13/395 رقم 7404 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(4) المصدر السابق فى نفس الأماكن السابقة 13/395 رقم 7405.
(5) جزء من الآية 88 من سورة القصص.
(6) صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد باب قول الله عز وجل "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" 13/400 رقم 7406 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(7) جزء من الآية 75 من سورة ص.
(8) انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد باب قول الله تعالى:" لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" 13/404 رقم 7411 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.(1/932)
الله عليه وسلم -: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك" (1) وحديث يقر فيه صلى الله عليه وسلم الحبر اليهودى فى قوله: "يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر والثرى على أصبع، والخلائق على أصبع، ثم يقول أنا الملك أنا الملك.
يقول ابن عمر "فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم" ضحك حتى بدت نواجذه. ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) .
فكل هذه الأحاديث، وما فى معناها، والمثبتة لله عز وجل الصفات من النفس، والوجه، واليد، ونحو ذلك من العين، أو الاستواء، والنزول، والمجئ، والضحك، والغضب … إلخ.
... أصول هذه الصفات مذكورة فى القرآن الكريم، ولا يوجد فى الحديث الصحيح الآحاد إلا ما يؤيد هذه الأصول ويوضحها ويقررها، أو يكون من جزئياتها ونظائرها. فردها بحجة أنها آحاد هو رد للقرآن نفسه.
__________
(1) انظر: المصدر السابق نفس الكتاب والباب 13/404 رقم 7412 من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(2) الآية 67 من سورة الزمر، وانظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" 13/404، 405 رقم 7415 من حدث ابن عمررضي الله عنه وانظر فى كل ما سبق الشريعة للآجرى ص 316 – 328، وانظر الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص93 – 101.(1/933)
وعدل القول فى هذه الأخبار ما قاله الإمام ابن قتيبة قال: "أن نؤمن بما صح منها بنقل الثقات لها، فنؤمن: بالرؤية والتجلى، وأنه يعجب، وينزل إلى السماء، وأنه على العرش استوى، وبالنفس، واليدين، من غير أن نقول فى ذلك بكيفية أو بحدٍ أو أن نقيس على ما جاء ما لم يأت. فنرجو: أن نكون فى ذلك القول والعقد، على سبيل النجاة غداً، إن شاء الله تعالى.
ويقول أيضاً: "فنحن نقول كما قال الله، وكما قال رسوله، ولا نتجاهل، ولا يحملنا ما نحن فيه: من نفى التشبيه، على أن ننكر ما وصف به نفسه، ولكنا لا نقول: كيف البيان؟ وإن سئلنا: نقتصر على جملة ما قال، ونمسك عما لم يقل" (1) .
وما يستشكل من الأحاديث الصحيحة فى هذا الباب تجد مثله فى القرآن الكريم، وقد صنف غير واحد من الأئمة فى توضيح هذا المشكل.
منهم الإمام ابن قتيبة فى كتابيه "تأويل مشكل القرآن" و "تأويل مختلف الحديث" والإمام الطحاوى فى كتابه "مشكل الحديث وبيانه" على تكلف منه، هو والإمام ابن قتيبة فى تأويل مشكل الضعيف، والموضوع فى أحاديث الصفات، ولو استعمل كل منهما الصنعة الحديثية لكانا فى غنى عن هذا التكلف. وغيرهم من الأئمة (2) أ. هـ.
__________
(1) انظر: تأويل مشكل القرآن ص 56، 57، وتأويل مختلف الحديث ص 192، وانظر: العقيدة الصحيحة فى الله وما ثار حولها من مشكلات للحافظ عبد الغنى النابلسى ص20، 21، وانظر: مجالس ابن الجوزى فى المتشابه من الآيات القرآنية لابن الجوزى 6-11.
(2) انظر: التوحيد وإثبات صفات الرب للإمام ابن خزيمة و"الأسماء والصفات"للإمام البيهقىوغيرهم.(1/934)
.. وصفوة القول فى موقف أهل السنة من آيات الصفات، وأخبارها، وواجب المسلم نحوها ما قاله فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى: "الواجب على المسلم السامع للآيات والأخبار المتعلقة بالصفات تقديسها باعتقاده فى كل آية أو خبر صح معنى يليق بجلال الله تعالى: وعليه الإيمان والتصديق بما قاله رب العزة ورسوله صلى الله عليه وسلم، على مراد الله، ومراد رسول الله، وعليه الاعتراف بالعجز عن إدراك مراد الله، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه السكوت، والإمساك عن التصرف فى الألفاظ الواردة، وكف الباطن عن التفكير فى ذلك، واعتقاده أن ما خفى عنه لم يخف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصديق، ولا عن أكابر الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين (1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
المبحث الثانى: شبه الطاعنين فى حديث رؤية الله تعالى
والرد عليها
... لقد أجمعت المعتزلة، وسائر الفرق المبتدعة من الجهمية، والخوارج، والروافض، وغيرهم على القول بنفى رؤية الله تعالى بالأبصار يوم القيامة، وقد نص المعتزلة أنفسهم على هذا الإجماع، كما أشارت كثير من كتب الفرق إليه (2) .
... يقول القاضى عبد الجبار: "لا أحد يدعى أنه يرى الله سبحانه إلا من اعتقده جسماً مصوراً بصورة مخصوصة، أو يعتقد فيه أنه يحل فى الأجسام" (3) .
... وليس هذا منتهى قولهم فى نفى الرؤية، بل زعموا أنه يستحيل أن يرى نفسه، لأنه يستحيل فى ذاته أن يرى، فذاته لا ترى (4) .
__________
(1) انظر: الحقائق الجلية فى الرد على ابن تيمية فيما أورده فى الفتوى الحموية ص 46، 121، بتصرف واختصار.
(2) انظر: المغنى 4/139، ومقالات الإسلاميين 1/238، والفرق بين الفرق ص 113، والملل والنحل 1/45، والإبانة ص 14، والانتصار 35، 94، والاعتصام للشاطبى 2/570، والإنصاف للباقلانى ص 176، 177.
(3) المغنى 4/99، وانظر: شرح الأصول ص 276.
(4) انظر: المغنى 4/94 - 95.(1/935)
وهل يرى غيره؟ فهذا موضع اختلاف بينهم، أجازه قوم، ومنعه آخرون (1) .
... كما اختلفوا فى رؤيته بالقلوب، فقال أبو الهذيل، وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا، وأنكر بعضهم ذلك (2) .
وقد صرحوا بأن إثبات الرؤية لا يمكن الاستدلال عليه بالسمع، أى بالقرآن والسنة، لأن الاستدلال بذلك ينبنى على أنه تعالى عدل حكيم لا يظهر المعجز على الكذابين، ومن لا يقول بذلك فلا يمكنه الاستدلال بالسمع على شئ أصلاً (3) . بل "لا سمع ورد مصرحاً بأنه سبحانه يرى بالأبصار" (4) ، "ولا فى كتاب الله عز وجل ذكر الرؤية فكيف يصح أن يدعى أنه تعالى سمى نفسه بأنه يرى، أو ورد السمع به" (5) .
... ولذا كان عمدة أدلتهم فى نفى الرؤية العقل، وإن كانوا قد أتبعوا ذلك بأدلة نقلية من الكتاب والسنة تأولوها على ما يوافق أصلهم الأول "التوحيد" القائم على نفى الصفات وزعموا تعارض حديث الرؤية مع القرآن والسنة.
قال القاضى عبد الجبار متأولاً لحديث الرؤية قال: "ثم نتناوله نحن على وجه يوافق دلالة العقل، فنقول: المراد به سترون ربكم يوم القيامة، أى ستعلمون ربكم يوم القيامة كما تعلمون القمر ليلة البدر. وعلى هذا قال: "لا تضامون فى رؤيته" أى لا تشكون فى رؤيته فعقبه بالشك، ولو كان بمعنى رؤية البصر لم يجز ذلك. والرؤية بمعنى العلم مما نطق به القرآن، وورد به الشعر" (6) .
قال الزمخشرى: "سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" بمعنى ستعرفونه معرفة جلية هى فى الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى" (7) فحمل الرؤية على المعرفة، بينما حملها عبد الجبار على العلم.
__________
(1) الفرق بين الفرق ص 113، وانظر: أصول الدين ص 97 وما بعدها.
(2) مقالات الإسلاميين 1/238.
(3) انظر: شرح الأصول ص262.
(4) المغنى 4/137.
(5) المرجع السابق 4/138.
(6) شرح الأصول ص 270.
(7) الكشاف 2/92.(1/936)
ويقول عبد الجبار فى أحاديث الرؤية: "ومما يتعلقون به، أخبار مروية عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأكثرها يتضمن الجبر والتشبيه، فيجب القطع على أنه صلى الله عليه وسلم، لم يقله وإن قال فإنه قاله حكاية عن قوم، والراوى حذف الحكاية ونقل الخبر" (1) .
... وبقول المعتزلة قال نابتة من المنحرفين بتعارض الحديث مع القرآن، والسنة، والعقل، وصرحوا بوضع الحديث" (2) .
الجواب عن شبهات المعتزلة ومن قال بقولهم فى إنكار رؤية رب العزة جل جلاله
أولاً: إن الأحاديث التى دلت على ثبوت الرؤية تبلغ حد التواتر أخرجها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد واعتنى بجمعها أئمة من العلماء كالدارقطنى، وأبى نعيم الأصبهانى، وأبى بكر الأجرى وغيرهم الكثير (3) .
وقد نص على تواتر أحاديث الرؤية جماعة من العلماء، منهم الحافظ ابن تيمية (4) ، وابن قيم (5) ، وابن كثير (6) ، وابن أبى العز (7) ، وعبد العزيز الغمارى (8) وغيرهم.
__________
(1) شرح الأصول ص 268، وانظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً ص83، والمعتزلة وأصولهم الخمسة ص 127.
(2) انظر: أبو هريرة لعبد الحسين شرف الدين ص 68، وما بعدها، وأضواء على السنة ص 231، والأضواء القرآنية 2/299، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 40، 42، 163، 219، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 239، ودين السلطان ص 177 وما بعدها وغيرهم.
(3) انظر: بيان تلبيس الجهمية فى تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية 1/348.
(4) انظر: مجموع الفتاوى 3/390.
(5) حادى الأرواح ص 219 - 251.
(6) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/161.
(7) انظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/243.
(8) انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 239 رقم 307، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 226 - 227.(1/937)
.. قال الحافظ ابن حجر: "جمع الدارقطنى طرق الأحاديث الواردة فى رؤية الله تعالى فى الآخرة فزادت على العشرين، وتتبعها ابن قيم الجوزية فى حادى الأرواح فبلغت الثلاثين، وأكثرها جياد، وأسند الدارقطنى عن يحيى بن معين قال: "عندى سبعة عشر حديثاً فى الرؤية صحاح" (1) .
وفى تواتر حديث الرؤية رد على المعتزلة، ومن قال بقولهم من أعداء السنة "بوجوب القطع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل حديث الرؤيا وأنه مكذوب عليه" (2) .
كما أن فى تواتر حديث الرؤيا بيان أن القضية مع أعداء السنة ليست قضية متواتر يؤخذ به فى العقائد، وآحاد لا يؤخذ به، كلا، القضية، قضية عقولهم وأصولهم الإلحادية التى قدموها على النصوص. كتاب وسنة، وإلا فلو صدقوا فى زعمهم بأن العقائد تؤخذ من الدليل اليقينى الحاصل بالتواتر، فلم لم يأخذوا بحديث الرؤية هنا مع تواتره (3) ؟!!
... ثم ألا يكفى ثبوت الرؤيا بكتاب الله المتواتر؟! ويصبح حديث الرؤيا على فرض أنه آحاد دليل ظنى راجع إلى دليل قطعى وهو القرآن، ومبين له، وبالتالى يجب العمل بالظن هنا كما سبق من قول الإمام الشاطبى (4) ؟!
ثانياً: لقد تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة، والعقل، وأجمع الصحابة، والذين من بعدهم من سلف هذه الأئمة وأئمتها من أهل السنة والجماعة على أن الله عز وجل يرى فى الدار الآخرة، يراه المؤمنون رؤية حقيقية، تليق به سبحانه وتعالى، من غير إحاطة، ولا كيفية (5) .
__________
(1) انظر: فتح البارى 13/443، والمنهاج شرح مسلم للنووى 2/20 رقمى 180، 181.
(2) شرح الأصول ص 268، وراجع: المصادر المسمومة السابقة ص 756.
(3) انظر: شرح الأصول ص 269.
(4) راجع: ص 523، 564.
(5) انظر: المنهاج شرح مسلم للنووى 2/20 رقمى 180، 181، والإنصاف للباقلانى ص 176، 181، والفصل فى الملل والنحل 3/4، وفتح البارى 13/434–442 أرقام 7445-7449.(1/938)
كما اتفقوا على أنه لا يراه أحد بعينى رأسه فى الدنيا، وذلك لقوله تعالى لموسى -عليه السلام-: "لَنْ تَرَانِى" (1) ، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت" (2) وهى وإن كانت جائزة عقلاً وليست بمستحيلة، إلا أن البشر لا يطيقون رؤيته فى هذه الدار لعجز أبصارهم وضعفها.
ولذا من ادعى رؤية الله فى الدنيا بعينى رأسه فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة وهو ضال (3) .
وإنما الخلاف فى رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل بعينيه فى الدنيا، فأثبت ذلك قوم ونفاه آخرون. والجمهور أنه لم يره بعينيه لقوله فى حديث أبى ذر رضي الله عنه: "نور أنى أراه" وفى رواية: "رأيت نوراً" (4) ومن قال رآه بعينى رأسه ليلة المعراج، قال رأه كما سيراه المؤمنون يوم الآخرة، رؤية حقيقية تليق به سبحانه وتعالى من غير إحاطة ولا كيفية (5) .
... وهذه بعض النصوص التى تدل على إثباتها من القرآن، والسنة، والعقل، وأقوال سلفنا الصالح.
أ- القرآن الكريم:
__________
(1) جزء من الآية 143 من سورة الأعراف.
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد9/279رقم2931 من حديث بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. وانظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص 84.
(3) انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/358، ومجموع الفتاوى 3/389، وشرح العقيدة الطحاوية 1/245، والجامع لأحكام القرآن 7/55، ولوامع الأنوار البهية للسفارينى 2/285، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/230.
(4) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب فى قوله صلى الله عليه وسلم: "نوراً أنى أراه" وفى قوله "رأيت نوراً" 2/15 رقم 178.
(5) الإنصاف للباقلانى ص176،وانظر: الإسراء والمعراج للدكتور أبو شهبة67-69،وزاد المعاد 3/36-38(1/939)
1- قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) . وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة:
... الوجه الأول: إنه لا يظن بكليم الرحمن، ورسوله الكريم عليه، أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه، بل هو من أبطل الباطل وأعظم المحال.
... الوجه الثانى: إن الله سبحانه لا ينكر عليه سؤاله، ولو كان محالاً لأنكره عليه. ولهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحى الموتى لم ينكر عليه، ولما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر سؤاله. ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (2) أ. هـ.
... الوجه الثالث: إنه إجابة بقوله: "لن ترانى" ولم يقل لا ترانى ولا إنى لست بمرئى، ولا تجوز رؤيتى، والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله. وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته فى هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى.
... الوجه الرابع: قوله تعالى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له فى هذه الدار، فكيف بالبشر الضعيف الذى خلق من ضعف.
__________
(1) الآية 143 من سورة الأعراف.
(2) الآية 46 من سورة هود.(1/940)
.. الوجه الخامس: إن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً مكانه وليس هذا بممتنع فى مقدوره، بل هو ممكن وقد علق به الرؤية، ولو كانت محالاً فى ذاتها لم يعلقها بالممكن فى ذاته. بل لو كانت محالاً لكان ذلك نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام.
... الوجه السادس: قوله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذى هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله، وأوليائه فى دار كرامته ويريهم نفسه؟ فأعلم سبحانه وتعالى موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته فى هذه الدار فالبشر أضعف.
... الوجه السابع: إن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه، وخاطبه، وناجاه، وناداه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم (1) .
2- قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) استدل بهذه الآية ابن عباس – رضى الله عنهما – وجماعة من التابعين منهم الحسن البصرى، وعكرمة مولى ابن عباس على جواز الرؤية، وكذا استدل بها مالك والشافعى رحمهما الله (3) وهو قول المفسرين من أهل السنة والجماعة (4) .
__________
(1) حادى الأرواح ص 212 – 213 بتصرف، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/241، 242، والانصاف للباقلانى ص 177.
(2) الآيتان 22، 23 من سورة القيامة.
(3) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائى 2/464.
(4) انظر: شرح الطحاوية1/239، وتفسير القرآن العظيم 4/450، والعقيدة الصحيحة فى الله وما ثار حولها من مشكلات للحافظ النابلسى ص 29.(1/941)
3- قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1) الحسنى: هى الجنة، والزيادة هى النظر إلى وجه الله الكريم، بذلك فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (2) .
4- قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} (3) قال الرازى: "فإن إحدى القراءات فى هذه الآية فى "َمُلْكًا" بفتح الميم وكسر اللام، وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله تعالى، وعندى أن التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها (4) .
5- قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (5) ففى هذه الآية دليل على أن الله تعالى يرى فى القيامة، ولولا ذلك ما كان فى هذه الآية فائدة، ولا خصت منزلة الكفار بأنهم يحجبون.
__________
(1) الآية 26 من سورة يونس.
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 2/19، 20 رقم 181، والبيهقى فى البعث والنشور ص 261 رقم 446 من حديث صهيب رضي الله عنه من حديث صهيب رضي الله عنه وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/255 وما بعدها، وحادى الأرواح ص 214 – 215، والجامع لأحكام القرآن 8/330، وتفسير القرآن العظيم 2/414 وشرح العقيدة الطحاوية 1/240.
(3) الآية 20 من سورة الإنسان.
(4) التفسير الكبير 13/131، وانظر: مناهل العرفان 1/150.
(5) الآية 15 من سورة المطففين.(1/942)
قال الإمام الشافعى: "لما حجب قوماً بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه فى المعاد لما عبده فى الدنيا" (1) وجمهور المفسرين ذهبوا إلى تفسير حجب الكفار عن ربهم، بالمنع من رؤيته يوم القيامة (2) .
ب- أدلة السنة:
... أما الأحاديث الصحيحة التى تدل على رؤية الله فى الآخرة فهى كثيرة متوافرة بلغت حد التواتر، فى الصحاح، والسنن، والمسانيد، من تلك الأحاديث:
ما روى فى الصحيحين من حديث جرير (3) قال: "كنا جلوساً عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته (4)
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/506، وانظر: مناقب الشافعى للبيهقى 1/419، ومناقب الشافعى للرازى ص 111.
(2) الجامع لأحكام القرآن 19/261. وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/506.
(3) جرير هو: جرير بن عبد الله البجلى. صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة1/232 رقم 1136، وأسد الغابة 1/529 رقم 730، والاستيعاب 1/236 رقم322،وتاريخ الصحابة ص 59، 60 رقم 193، ومشاهير علماء الأمصار ص56 رقم 275
(4) قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تضامون فى رؤيته" فيه عدة وجه منها:
أحدهما: "لا تُضَامُّون" بتشديد الميم، وضم التاء، وهو تَفَاعَلُون من الضَّمِّ، أى لا ينضم بعضكم إلى بعض حال الرؤية لإشكاله وخفائه، كما يكون وقت الهلال، أى ترون الله عياناً ظاهراً لا يحتاج بعضكم أن ينضم إلى بعض فى الاستعانة به لجلائه.
والوجه الثانى والثالث: "لا تضارَّون بتشديد الراء، أصله "تَضارَرُون" أو تُضَارَرُون من الضُّرِّ، أى لا يضركم أحد، ولا تضرُّوا أحداً، بمنازعة ولا مجادلة، ولا مضايقة، لأن ذلك كله إنما يتصور فى مَرْئىّ يُرى فى حين واحد، أو جهة مخصوصة، أو قدر مقّدر وذلك كله فى حق الله تعالى محال.
والوجه الرابع: "لا تُضّامُون، أو لا تُضَاهُون" فى رؤيته أى لا يُشبِّهُون ربكم بغيره، والمضاهاة المشابهة أ. هـ. وغير ذلك من الوجود انظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص89، 90، وفتح البارى 11/455 رقم 6574، 13/446 أرقام 7434 – 7447.(1/943)
، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا (1) ، وفى رواية عنه رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم، "إنكم سترون ربكم عياناً" (2) . وفى الصحيحين أيضاً من حديث أبى موسى الأشعرى مرفوعاً: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما. وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن" (3) .
ج- أدلة العقل:
__________
(1) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعال "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/429، 430 رقم 7434، ومسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتى الصبح والعصر والمحافظة عليهما3/143،144رقم633واللفظ للبخارى.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/430 رقم 7435.
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/433 رقم 7444، ومسلم (شرح النووى) كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 2/19 رقم 180 واللفظ المسلم.(1/944)
.. قال القاضى الباقلانى (1) : يدل على الرؤية من جهة العقل: أنه تعالى موجود، والموجود لا يستحيل رؤيته، وإنما يستحيل رؤية المعدوم. وأيضاً فإنه تعالى يرى جميع المرئيات، وقد قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (2) وقال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} (3) وكل راء يجوز أن يرى.
ولا يجوز أن تحمل الرؤية منه تعالى على العلم -كما تزعم المعتزلة لأنه تعالى فصل بين الأمرين، فلا حاجة بنا أن نحمل أحدهما على الآخر، ألا ترى أنه سمى نفسه عالماً، وسمى نفسه مريداً، ولا يجوز أن نحمل الإرادة على العلم، كذلك لا تحمل الرؤية على العلم. فاعلمه.
... وجواب آخر: وهو أن الصحابة سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا؟ فقال: "نعم" ولا يجوز أن يكون سؤالهم: هل نعلم ربنا أو يعلمنا ربنا.
__________
(1) الباقلانى: هو محمد بن الطيب بن محمد، القاضى أبو بكر الباقلانى، البصرى المالكى الأشعرى الأصولى المتكلم، صاحب المصنفات الكثيرة فى علم الكلام وغيره توفى سنة 403هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب 363 رقم 490، وشذرات الذهب 3/168، ووفيات الأعيان 3/400 رقم 580، وسير أعلام النبلاء 11/43 رقم 3734، وشجرة النور الزكية 1/92 رقم 209.
(2) الآية 14 من سورة العلق.
(3) الآية 218 من سورة الشعراء.(1/945)
فبطل قول من يحمل الرؤية على العلم، ولهذا أجاب صلى الله عليه وسلم: "سترونه كما يرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب وكما ترى الشمس ليس دونها سحاب" (1) يعنى لا تشكون فى رؤيته كما لا يشك من رأى القمر والشمس فيها، فشبه الرؤية بالرؤية فى نفى الشك عن الرائى، ولم يشبه المرئى بالمرئى. فاعلم ذلك" (2) أ. هـ.
د- آثار السلف:
... وأما الآثار التى وردت عن سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – فى إثبات رؤية الله عز وجل فى الآخرة للمؤمنين، فهى أكثر من أن تذكر سبق منها قول الإمام الشافعى.
ويقول فى ذلك الإمام أحمد – رحمه الله -: "من كذب بالرؤية فهو زنديق" وقال: "نؤمن بها أى الرؤية وأحاديثها، ونعلم أنها حق، فنؤمن بأن الله يرى، نرى ربنا يوم القيامة، لا نشك فيه ولا نرتاب".
__________
(1) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/430 رقم 7437، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 2/21، 22 رقم 182 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(2) الانصاف للباقلانى ص181، 182 وانظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص 78، 79(1/946)
.. وقال أيضاً: "من زعم أن الله لا يرى فى الآخرة فقد كفر بالله، وكذب بالقرآن ورد على الله أمره، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل" (1) .
... وسئل الإمام على بن المدينى (2) الإمام عبد الله بن المبارك عن رؤية الله تعالى فقال: ما حجب الله عز وجل أحداً إلا عذبه، ثم قرأ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (3) قال: الرؤية. فقلت له يا أبا عبد الله: إن عندنا قوماً من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وأهل الجنة يرون ربهم، فحدثنى بنحو عشرة أحاديث فى هذا، وقال: أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين، والتابعون أخذوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمن أخذوه؟! (4) أ. هـ.
... أما ما تعلق به المعتزلة من قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (5) وزعمهم بتعارض الآية مع الحديث (6) .
__________
(1) لوامع الأنوار البهية للسفارينى 2/246.
(2) على بن المدينى هو: على بن عبد الله بن معمر بن نجيح، أبو الحسن، ابن المدينى البصرى، ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله. توفى سنة 234هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/697، 698 رقم 4776، والإرشاد للخليلى ص 188، والثقات للعجلى ص 349 رقم 1198، والكاشف 2/42 رقم 3937، وطبقات الحفاظ 187 رقم 414، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/146 رقم 40.
(3) الآيات 15 – 17 من سورة المطففين.
(4) لوامع الأنوار2/245،وانظر: حادى الأرواح ص252،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة2/504
(5) جزء من الآية 103 من سورة الأنعام.
(6) شرح الأصول ص 233- 242.(1/947)
.. قال الإمام الباقلانى: "الآية لا حجة لهم فيها وهى حجة عليهم. لأنه قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ولم يقل لا تراه الأبصار، والإدراك بمعنى يزيد على الرؤية، لأن الإدراك: الإحاطة بالشئ من جميع الجهات، والله تعالى لا يوصف بالجهات، ولا أنه فى جهة، فجاز أن يرى وإن لم يدرك (1) .
وجواب آخر: أن معنى الآية لا تدركه الأبصار فىالدنيا، وإن جاز أن تدركه فىالآخرة، ليجمع بين قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (2) وبين قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
وجواب آخر على دعوى التناقض: "لا تدركه الأبصار" يعنى أبصار الكفار دون المؤمنين، ليجمع بين قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) وبين قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (4) . وهذا صحيح، لأن الحجاب لما كان للكفار دون المؤمنين، كذلك الرؤية للمؤمنين دون الكفار" (5) أ. هـ.
__________
(1) انظر: الإسراء والمعراج للدكتور محمد أبو شهبة ص 67.
(2) جزء من الآية 103 من سورة الأنعام.
(3) الآيتان 22، 23 من سورة القيامة.
(4) الآية 15 من سورة المطففين.
(5) الانصاف للباقلانى ص 184، وانظر: فتح البارى 8/473 وما بعدها رقم 4855.(1/948)
.. أما ما احتجوا به من خبر عائشة – رضى الله عنها – لما قال لها ابن الزبير – وهو ابن أختها – يا أماه: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: يا ابن أختى لقد وقف شعر بدنى، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1) . وفى رواية قالت: "من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم، رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية … قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (2) .
... قالوا: فموضع الدليل من الخبر أنها أكبرت ذلك ونفت الرؤية عن الله تعالى، فدل أن ذلك مستحيل فى حقه سبحانه وتعالى، كما قالوا بتعارض الخبرين (3) .
قال القاضى الباقلانى والجواب على ذلك من أوجه:
أولهما: أن ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة قد صرحوا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم، رأى ربه ليلة أسرى به بعينى رأسه، ولو كان ذلك مستحيلاً لم يقع الخلاف فيه بين الصحابة، كما لم يقع بينهم الخلاف فى ما هو مستحيل على الله تعالى من الولد والزوجة، والشريك، ونحو ذلك. فلما وقع بينهم الخلاف فى ذلك وانقرض عصرهم على ذلك، دل على أن الرؤية جائزة غير مستحيلة. فبطل ما ذكر.
__________
(1) الآية 51 من سورة الشورى.
(2) الآية 103 من سورة الأنعام، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب فى سورة النجم8/472 رقم 4855، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: ولقد رآه نزلة أخرى، وهل رأى النبى ربه ليلة الإسراء 2/8، 9 رقم 177.
(3) انظر: الإنصاف ص 186، وشرح الأصول ص 267-270.(1/949)
ثانيهما: أن عائشة - رضى الله عنها - إنما أنكرت رؤية البارى بأبصار العيون فى دار الدنيا، لا على الإطلاق، ولهذا روى عن أبيها وعنها -رضى الله عنهما- وعن جميع الصحابة أنهم فسروا قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (1) قالوا: الزيادة النظر إلى الله تعالى فى الجنة (2) ، وقد روى هذا مرفوعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما سبق فى الأدلة القرآنية على الرؤية (3) .
فصح مذهب أهل السنة والجماعة بحمد الله تعالى، وبطلت شبه المخالف واندحض مكره. ولله المنة والحجة البالغة" (4) أ. هـ.
ونسأله عز وجل أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم
المبحث الثالث: موقف أهل البدع قديماً وحديثاً من أحاديث القدر
والرد عليهم
... الأحاديث التى تثبت ركناً من أركان الإيمان وهو: الإيمان بقدر الله عز وجل خيره، وشره، حلوه ومره، طعن فيها المعتزلة؛ لأنها تتعارض مع أصل من أصولهم الخمسة وهو العدل الذى يعد مع أصلهم، الأول "التوحيد" أهم أصولهم لذا فهم يسمون أنفسهم أهل العدل وأهل التوحيد، وتمدحوا بهذه التسمية.
وقد عرفوا العدل: بأنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يختاره، ولا يخل بما هو واجب عليه، وأن أفعاله كلها حسنة (5) . وبنوا على هذا الأصل "العدل" أموراً عدة منها:
__________
(1) انظر: فتح البارى 8/474، 475 رقم4855، والابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية74-76، وزاد المعاد 3/36 - 38، والإسراء والمعراج للدكتور محمد أبو شهبة 67، 69.
(2) انظر: البعث والنشور للبيهقى ص 262، 263 رقمى 447، 448.
(3) راجع: ص 760، 761.
(4) الإنصاف 186-187 وللاستزادة فى الرد على شبه المعتزلة حول حديث الرؤي، انظر: الانصاف، والإبانة ص 35 - 47، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/213 - 284، وشرح العقيدة الطحاوية 1/237-257.
(5) انظر: شرح الأصول ص 132، 301.(1/950)
أ- وجوب الصلاح والأصلح على الله عز وجل (1) . عصمنا الله وإياكم من إساءة الأدب مع الله.
ب- الحسن والقبح العقليان، فالحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل، والشرع فى تحسينه وتقبيحه للأشياء مخبر عنها لا مثبت لها، والعقل مدرك لها لا منشئ (2) .
ج- إن الله عز وجل لم يخلق أفعال العباد، وإنما الإنسان هو الخالق لأفعاله كلها خيرها وشرها (3) . وقد أفضى بهم هذا إلى إنكار القدر.
قال القاضى عبد الجبار "والذين يثبتون القدر هم المجبرة (4) ، فأما نحن فإنا ننفيه وننزه الله تعالى. عن أن تكون الأفعال بقضائه وقدره (5) .
وحجة المعتزلة فى نفى القدر أو نفى خلق الله لأفعال العباد طاعات كانت أم معاصى؛ أن الله لا يفعل القبيح، وأفعال العباد وإن كانت طاعة، فقد يصح وجودها على وجه فتقبح، وعلى وجه آخر فتحسن" (6) .
وبناءً على أصلهم هذا "العدل" تأولوا الآيات القرآنية التى تثبت قدر الله عز وجل وخلقه لأفعال عباده خيرها وشرها.
وطعنوا فى الأحاديث التى تثبت القدر وعدوها ضرباً من الخطأ، وأن من رواها قد ارتكب عظيماً.
__________
(1) شرح الأصول ص 133، 134، 307 وما بعدها، وانظر: الفصل فى الملل والنحل 3/164.
(2) شرح الأصول 132، 301-323، وانظر: الكشاف للزمخشرى 2/441.
(3) شرح الأصول ص 323، 334، 345، 776.
(4) المجبرة أو الجبرية: مشتقة من الجبر، وهو نفى الفعل حقيقة عن العبد، وإضافته إلى الرب تعالى: وهم أصناف: فالجبرية الخالصة هى التى لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلا. والمتوسطة: هى التى تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة. انظر: الملل والنحل 1/85، والتعريفات ص101.
(5) شرح الأصول ص 776.
(6) المجموع المحيط بالتكليف للقاضى عبد الجبار ص 366، 367، نقلاً عن موقف المدرسة العقلية من السنة 1/2880.(1/951)
قال القاضى عبد الجبار: "وما ورد من أخبار الآحاد دالاً على ذلك، ضرب من ضروب الخطأ الذى يعلم بروايته أنه ارتكب عظيماً" (1) .
... ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما كفروا من خالفهم فى هذا الأصل "العدل".
قال عبد الجبار: "وأما من خالف فى العدل، وأضاف إلى الله تعالى القبائح كلها من الظلم، والكذب، وإظهار المعجزات على الكذابين، وتعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم والإخلال بالواجب فإنه يكفر أيضاً" (2) .
وقد تأثر بموقف المعتزلة بالطعن فى أحاديث القدر، دعاة اللادينية (3) ، كما تأثر بعض رواد المدرسة العقلية الحديثة وقد فصل ذلك الدكتور فهد الرومى فى رسالته للدكتوراه "منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير" (4) .
__________
(1) فضل الاعتزال ص 194.
(2) شرح الأصول ص125.
(3) انظر: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص131،135،357،394،ودين السلطان ص323،324
(4) انظر: منهج المدرسة العقلية ص 533-544.(1/952)
وجوب الإيمان بقدر الله تعالى والجواب عن شبه المعتزلة
ومن قال بقولهم أو تأثر بهم
... الإيمان بقدر الله واجب، وهو أحد أركان الإيمان الستة؛ التى لا يتصف المؤمن بالإيمان إلا بتحقيقها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله، ملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره" (1) . ولقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة والعقل على إثبات قدر الله تعالى، وهى تؤيد ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من ذلك: قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (2) وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (3) وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} (4) .
... وسئل ابن عمر – رضى الله عنهما – عن أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم (أى يبحثون عن غامضه وخفاياه) وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف (أى مستأنف لم يسبق به قدر، ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلم بعد وقوعه) ؟ فيجيب ابن عمر–رضى الله عنهما – فيقول للسائل: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برئ منم وأنهم براء منى، والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه، ما قُبل الله منه حتى يؤمن بالقدر (5) ، ثم ساق حديث عمر رضي الله عنه السابق.
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله عز وجل 1/177 رقم 8 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2) الآية 2 من سورة الفرقان.
(3) الآية 49 من سورة القمر.
(4) الآية 38 من سورة الأحزاب.
(5) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله عز وجل 1/178 رقم 8.(1/953)
وعن طاووس قال: "أدركت ثلثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: كل شئ بقدر، وسمعت عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شئ بقدر حتى العجز والكيس" (1) ، والأحاديث فى إثبات القدر كثيرة جداً فى الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة (2) والإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن الله عالم بكل ما يكون جملة وتفصيلاً بعلم سابق لقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3) .
الثانى: إن الله كتب فى اللوح المحفوظ مقادير كل شئ لقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (4) ولقوله صلى الله عليه وسلم: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء" (5) .
__________
(1) الكَيس "بفتح الكاف" ضد العجز، ومعناه الحذق فى الأمور ومعناه: أن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه أ. هـ. المنهاج شرح مسلم8/456، وفتح البارى 11/487، والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب كل شئ بقدر 8/455،456رقم2655
(2) انظر: كتاب القدر فى الصحيحين، البخارى (بشرح فتح البارى) 11/486 – 524 أرقام 6594 – 6620، ومسلم (بشرح النووى) 8/440 – 468 أرقام 2643 – 2663.
(3) الآية 70 من سورة الحج.
(4) الآية 22 من سورة الحديد.
(5) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام 8/452 رقم 2653 من حديث ابن عمرو –رضى الله عنهما-.(1/954)
الثالث: إنه لا يكون شئ فى السماوات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئته، الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدى من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، وسلطانه، وهم يسألون، وما وقع من ذلك فهو مطابق لعلم الله السابق ولما كتبه فى اللوح المحفوظ لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1) وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} (2) " فأثبت جل جلاله وقوع الهداية والضلال بإرادته.
الرابع: إن كل شئ فى السماوات والأرض مخلوق لله تعالى لا خالق غيره، ولا رب سواه، لقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (3) وقال على لسان سيدنا إبراهيم - عليه السلام -: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (4) .
... ويدل على صحة مذهب أهل السنة والجماعة من أدلة العقل: أن الملك إذا جرى فى ملكه ما لا يريد، دل ذلك على نقصه أو ضعفه أو عجزه، والله تعالى موصوف بصفات الكمال، لا يجوز عليه فى ملكه نقص، ولا ضعف، ولا عجز، فكيف يكون فى ملكه ما لا يريده، ويريده أضعف خلقه فيكون.كلا سبحانه وتعالى أن يأمر بالفحشاء أو يكون فى ملكه إلا ما يشاء
ونقول: إن مذهب أهل السنة والجماعة الذى ندين لله تعالى به أنه لا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن ولا يطيع طائع، ولا يعصى عاص، من أعلى العلى إلى ما تحت الثرى؛ إلا بإرادة الله تعالى، وقضائه ومشيئته. وقد دل على صحة ذلك الكتاب، والسنة، والعقل، وإجماع الأمة (5) .
__________
(1) الآية 49 من سورة القمر.
(2) الآية 125 من سورة الأنعام.
(3) الآية 2 من سورة الفرقان.
(4) الآية 96 من سورة الصافات، وانظر: فتح البارى 1/145 رقم 50.
(5) الإنصاف للباقلانى ص 157، 158، 161، 162 بتقديم وتأخير.(1/955)
.. وقد تناول العلماء من أهل السنة شبه المعتزلة فى موضوع القدر، وأفعال العباد ففندوها وأوضحوا بطلانها؛ لأنها لم تبن على نصوص الشرع، وإنما بنيت على العقول القاصرة العاجزة، فجاءت مخالفة للنصوص مناهضة لها.
... وصفوة القول فى الرد على المعتزلة: "إن المعتزلة لما خاضوا بعقولهم فى شرع الله تعالى بعيداً عن هدى النصوص، قذفت لهم تلك العقول بما يسمى بالتحسين والتقبيح العقلى، ووجوب الأصلح على الله؛ الذى كان علته وسببه قياسهم لأفعال الله سبحانه على أفعال العباد، فحسنوا منه ما يحسن منهم، وقبحوا منه ما يقبح منهم، وأوجبوا عليه ما يجب عليهم، وحرموا عليه ما يحرم عليهم، وسموا ذلك عدلاً، وما ذلك إلا تشبيه لله بخلقه فى أفعاله فهم فى الحقيقة مشبهة الأفعال. والله سبحانه لا يقاس بنا فى أفعاله، فليس ما وجب أو حرم علينا، يجب ويحرم عليه، وليس ما حسن أو قبح منا يحسن أو يقبح منه (1) .
... فهو سبحانه منزه عن فعل القبائح، لا يفعل السوء والسيئات، مع أنه سبحانه خالق كل شئ، أفعال العباد وغيرها.
__________
(1) انظر: المنتقى من منهاج الاعتدال ص 48، ومفتاح دار السعادة ص 49-52.(1/956)
والعبد إذا فعل القبيح المنهى عنه كان قد فعل سوءاً، وظلماً، وقبيحاً وشراً، والرب قد جعله فاعلاً لذلك، وذلك منه سبحانه عدل، وحكمة، وصواب، ووضع للأشياء فى مواضعها، فخلقه سبحانه لما فيه نقص أو عيب للحكمة التى خلقه لها هو محمود عليه، وهو منه عدل، وحكمة، وصواب، وإن كان فى المخلوق عيباً، ومثل ذلك فى المخلوقين، فإن الصانع إذا أخذ الخشبة المعوجة، والحجر الردئ، واللبنة الناقصة، فوضعها فى موضع يليق بها ويناسبها كان ذلك منه عدلاً، واستقامة وصواباً وهو محمود، وإن كان فى تلك عوج وعيب هى به مذمومة، ومن أخذ الخبائث فوضعها فى المحل الذى يليق بها كان ذلك حكمة وعدلاً، وإنما السفه والظلم أن يضعها فى غير موضعها، فهو سبحانه لا يضع شيئاً إلا فى موضعه، فلا يكون إلا عدلاً، ولا يفعل إلا خيراً، فلا يكون إلا محسناً جواداً رحيماً، وهو سبحانه له الخلق والأمر (1) .
... والله يختص بحكمة لا يشاركه فيها غيره، ولهذا يحسن منه ما يقبح من المخلوقين لانتفاء تلك الحكمة فى حقهم، مثال لذلك يحسن منه مدح نفسه والثناء عليها، ويقبح من أكثر خلقه ذلك. كما يحسن منه إماتة خلقه وابتلاؤهم وامتحانهم بأنواع المحن، ويقبح ذلك من الخلق، فليس بين الله وخلقه جامع يوجب أن يحسن منه، ما يحسن منهم، ويقبح منه ما قبح منهم (2) .
__________
(1) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/299 – 300.
(2) لوامع الأنوار البهية للسفارينى 1/333.(1/957)
.. وكون الله سبحانه خالقاً لأفعال العباد، لا ينفى ذلك أن يكونوا فاعلين لها حقيقة، فقد أخبر سبحانه أن العباد يفعلون ويعملون ويؤمنون ويكفرون ويصدقون ويكذبون فى مواضع جمة. فأفعالهم مستندة إليهم، وهم الفاعلون لها حقيقة، وأنها تنسب إليهم وتضاف لهم وهى مفعولة لله حقيقة ومخلوقة له، وليست فعلاً له، ولا يتصف بأنه فاعلها؛ لأن هنالك فرقاً بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق، فهى فعل العباد ومفعوله له سبحانه (1) .
وإلى هذا أشار الإمام الطحاوى (2) – رحمه الله – بقوله: "وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد" (3) .
__________
(1) المنتقى من منهاج الاعتدال ص 142، 143، 153، وشفاء العليل فى مسائل القدر ص 115، وشرح الطحاوية 2/188.
(2) الطحاوى هو: أبو جعفر، أحمد بن محمد الأزدى المصرى الطحاوى الحنفى. كان ثقة، ثبتاً، فقيهاً، لم يخلف بعده مثله، انتهت إليه رياسة أصحاب أبى حنيفة بمصر من مصنفاته (شرح معانى الآثار) و "أحكام القرآن" و "العقيدة" مات سنة 321هـ. له ترجمة فى: طبقات الحفاظ للسيوطى ص339 رقم 767، وتذكرة الحفاظ 3/808 رقم 797، وطبقات المفسرين للداودى 1/74 رقم 69، والبداية والنهاية 11/ 132، والتقييد لمعرفة رواة السنن لابن نقطة ص 174 رقم 195، ولسان الميزان 1/415 رقم 845.
(3) شرح الطحاوية 2/179.(1/958)
.. وأما إيجاب شئ على الله أو تحريمه عليه، فإن جمهور العلماء ذهبوا إلى أنه سبحانه إنما أمر عباده بما فيه صلاحهم، ونهاهم وحذرهم عما فيه فسادهم، وأرسل لهم الرسل للمصلحة العامة، وإن كان فى إرسالهم ضرر على بعض الناس، ففيه حكم، وإن كان فى بعض ما يخلقه ضرر كالذنوب، فلابد من وجود الحكمة فى ذلك، والمصلحة التى لأجلها خلقه سبحانه (1) ، والله سبحانه قد يوجب على نفسه ويحرم بعض الأمور كقوله سبحانه: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (2) وفى الحديث:"يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى" (3) وهو لا يخل بما أوجبه أو حرمه على نفسه.
أما أن يوجب أو يحرم عليه الخلق بعقولهم فلا (4) .
إن قول المعتزلة يجب على الله فعل الصلاح والأصلح لعباده يلزم منه لوازم فاسدة مثل: عدم خلق إبليس وجنوده، فعدم خلقه وجنوده أصلح للخلق وانفع، وقد خلقه البارى! والأمثلة على ذلك كثيرة (5) .
__________
(1) المنتقى من منهاج الاعتدال ص 53.
(2) الآية 54 من سورة الأنعام.
(3) جزء من حديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم 8/375 رقم 2577 من حديث أبى ذر رضي الله عنه.
(4) المنتقى من منهاج الاعتدال ص49، 50، وشرح الطحاوية 2/193 – 195.
(5) انظر: لوامع الأنوار البهية 1/329 – 332. وللاستزادة من الرد على شبهات المعتزلة فى عقيدة القدر، انظر: الإنصاف للباقلانى ص157-168، والشريعة للآجرى ص 149-250، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/285 –243.(1/959)
إذا عرفت صحة مذهب أهل السنة فى عقيدة الإيمان بالقدر، وعرفت فساد مذهب المعتزلة، عرفت أن طعون المعتزلة ومن قال بقولهم من المستشرقين، ودعاة الإلحاد (1) فى الأحاديث الصحيحة المثبتة للقدر، طعون واهية لا حجة لهم فيها، وهاك مثالاً على ذلك، حديث محاجة آدم موسى عليهما السلام، نذكر شبه الطاعنين فيه والدفاع عنه فى المبحث التالى فإلى بيان ذلك.
المبحث الرابع: شبه الطاعنين فى حديث محاجة آدم موسى عليهما السلام والرد عليها
... عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: "احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا، خيَّبتَنَا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى. اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك بيدِهِ، أَتَلْوُمِنِىِ على أمر قَدَّره الله علىَّ قبل أن يخلقنى بأربعين سنةً؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاثاً" (2) .
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-:قد أنكر القدرية هذا الحديث لأنه صريح فى إثبات القدر السابق، وتقرير النبى صلى الله عليه وسلم لآدم على الاحتجاج به، وشهادته بأنه غلب موسى فقالوا:
__________
(1) كنيازى عز الدين الذى طعن فى حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إن أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوماً …الحديث" سبق ذكره وتخريجه ص 655، وانظر: دين السلطان ص650، 651، وانظر: دراسة الكتب المقدسة للدكتور مرويس بوكاى ص 297، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى أحمد حجازى ص158،160،والأضواء القرآنية للسيد صالح أبو بكر2/303وغيرهم
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب القدر، باب تحاج آدم وموسى عند الله عز وجل 11/513، 514 رقم 6614، ومسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام 8/450 رقم 2652.(1/960)
أولاً: لا يصح لأن موسى لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه، وقد قتل هو نفساً لم يؤمر بقتلها، ثم قال رب اغفر لى، فغفر له، فكيف يلوم آدم على أمر قد غفر له؟
ثانياً: لو ساغ اللوم على الذنب بالقدر الذى فرغ من كتابته على العبد، لكان من عوتب على معصية قد ارتكبها، يحتج بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسد باب القصاص، والحدود، ولاحتج به كل أحد على ما يرتكبه من الفواحش، وهذا يفضى إلى لوازم قطعية، فدل ذلك على أن هذا الحديث لا أصل له (1) أ. هـ.
وبنحو ذلك طعن السيد صالح أبو بكر (2) ، ونيازى عز الدين (3) ،وغيرهما فى الحديث. ويجاب عليهم بالآتى:
أولاً: هذا الحديث صحيح ثابت فى كتب السنة بالاتفاق. رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم أبو هريرة وغيره، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه من طريق أبى هريرة رواه عشرة من التابعين ثم ذكرهم، وذكر من خرج لهم من الأئمة (4) .
ثانياً: قد ذكر فى احتجاج آدم بالقدر عدة أقوال، المتجه منها قولان:
__________
(1) فتح البارى 11/518 رقم 6614.
(2) الأضواء القرآنية 2/239.
(3) دين السلطان ص 655 وما بعدها، وانظر: دراسة الكتب المقدسة لموريس بوكاى ص 297.
(4) فتح البارى 11/514.(1/961)
الأول: إنما لام موسى -عليه السلام- آدم -عليه السلام- على المصيبة التى أخرجته لا على المعصية، لأن العبد مأمور أن يحتج بالقدر عند المصائب كما قال صلى الله عليه وسلم "وإن أصابك شئ فلا تقل: لو أنى فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان" (1) . وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (2) واستحسن هذا القول الإمام الطحاوى (3) .
الثانى: إن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع فى موضع، ويضر فى موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته كما فعل آدم، ويضر الاحتجاج به فى الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر عليه ويصر، فيبطل الاحتجاج به حقاً، ويرتكب باطلاً، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم لغير الله، فقالوا كما حكى رب العزة عنهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَاءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (4) .
... وخلاصة ذلك أن اللوم إذا ارتفع، صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل (5) .
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله 8/466، 467 رقم 2664.
(2) الآية 22 من سورة الحديد.
(3) شرح الطحاوية 1/170 وما بعدها وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص 368.
(4) الآية 148 من سورة الأنعام.
(5) شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر ص 38، 39 بتصرف.(1/962)
وقال القرطبى: "إنما غلبه بالحجة؛ لأنه علم من التوراة أن الله تاب عليه (1) ، فكان لومه على ذلك، نوع جفاء، كما يقال ذكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء، ولأن أثر المخالفة بعد الصفح ينمحى حتى كأنه لم يكن، فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلاً".
قال الحافظ ابن حجر: "وهو محصل ما أجاب به المازرى، وغيره من المحققين، وهو المعتمد" (2) .
ثالثاً: ليس فى الحديث احتجاج بالقدر على المعاصى كما يزعم المعتزلة. وآدم -عليه السلام- لم يحتج بالقدر؛ لأن أنبياء الله – عليهم السلام – من أعلم الناس بالله وبأمره ونهيه، فلا يسوغ لأحدهم أن يعصى الله بالقدر، ثم يحتج على ذلك (3) أ. هـ.
وبعد
فالحديث كما قال الحافظ ابن عبد البر: "هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق فى إثبات القدر، وأن الله تعالى قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق فى علم الله" (4) .
__________
(1) كما جاء فى حديث عمر "قال آدم لموسى إنما وجدت أن ذلك كان فى كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال نعم" أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى القدر4/226رقم4702.
(2) فتح البارى 11/518، وقول القرطبى موجود بمعناه فى الجامع لأحكام القرآن 11/256.
(3) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 369، وشفاء العليل ص 38، وشرح الطحاوية 1/170.
(4) انظر: فتح البارى 11/517، وللاستزادة فى الرد على هذا الحديث انظر: نصوص من السنة ودفاع عنها للدكتور رفعت فوزى، ص 18-24، وضلالات منكرى السنة للدكتور طه حبيشى ص 463 – 475، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/343 – 347.(1/963)
وعن النهى عن المجادلة فى القدر روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون فى القدر. فكأنما فقئ فى وجهه حب الرمان من الغضب. فقال: "بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض. بهذا هلكت الأمم قبلكم" (1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) أخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الإيمان، باب فى القدر 1/45 رقم 85، وقال البوصيرى فى مصباح الزجاجة 1/58: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات أ. هـ.(1/964)
المبحث الخامس: موقف المبتدعة قديماً وحديثاً من أحاديث المغفرة لمرتكب الكبيرة والرد عليهم
... طعن المبتدعة من المعتزلة وغيرهم فى أحاديث المغفرة لأهل الكبائر يوم القيامة، لتعارضه مع أصلهم السابق "العدل"، وقولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله، ولتعارضه مع أحد أصولهم الخمسة وهو"الوعد والوعيد" ومرادهم به: أنه يجب على الله إثابة الطائع الذى وعده بالثواب، وعقاب العاصى الذى أوعده بالعقاب، ولا يخلف الله وعيده؛ لأنه ذم وقبح (1) .
ولتعارضه أيضاً مع قولهم فى مرتكب الكبيرة بأنه فى منزلة بين المنزلتين، وهو أيضاً أحد أصولهم الخمسة، ومرادهم به أن مرتكب الكبيرة منزلته "الفسق" بين المنزلتين "الإيمان، والكفر" وهو بهذه المنزلة خالد مخلد فى النار إذا لم يتب من كبيرته، وحاله فى العقاب دون الكافر، فعقابه أخف ولكنه مع ذلك مؤبد فيها" (2) .
... ومن أصولهم السابقة طعنوا فى أحاديث الشفاعة، كما طعنوا فى الأحاديث التى تصف مرتكب الكبيرة - وإن لم يتب - بأنه تحت المشيئة "إن شاء غفر الله له، وإن شاء عذبه" لتعارضها مع قولهم: "وجوب تنفيذ الله وعيده على العاصى. وقولهم: إن مرتكب الكبيرة خالد مخلد فى النار إن لم يتب من كبيرته.
... واعتبروا مثل هذه الأحاديث فيها خلف للوعيد من الله عز وجلوهو عندهم ذم وقبح. قال القاضى عبد الجبار: "من زعم أن خلف الوعيد كرم، وأن الله يمكن أن يخلف فى وعيده، كفر، لأنه أضاف القبيح إلى الله تعالى" (3) أ. هـ.
والجواب:
__________
(1) انظر: شرح الأصول ص 125، 611 وما بعدها، والملل والنحل 1/42، وآراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً للدكتور على بن سعد بن صالح ص 123.
(2) انظر: فضل الاعتزال 210، 350، ومقالات الإسلاميين 1/334، والملل والنحل 1/45.
(3) انظر: شرح الأصول ص125، 132، 666، 667.(1/965)
.. إن إنفاذ الوعيد، والوجوب على الله، الذى دندن به المعتزلة، وقال به أعداء السنة (1) ، وخلدوا به صاحب الكبيرة فى النار، إنما هو أمر عقلى محض لا سند له من النصوص، ولا من العقول السليمة.
فمن أين للعقول أن توجب وتحرم عليه سبحانه، وكيف علمت أنه يجب عليه أن يمدح ويذم، ويثيب ويعاقب على الفعل، وأنه رضى عن فاعل، وسخط على فاعل؟
وهل ذلك إلا غيب عنا، وإقحام للعقل فيما لا علم له، وتجنى على نصوص الشرع، وقياس لله بخلقه فى أفعاله.
وهل كل ما حسن من الخلق حسن منه، وما قبح منهم قبح منه؟ أم هو القياس الفاسد أيضاً؟ (2)
__________
(1) انظر: المسلم العاصى لأحمد صبحى منصور ص 14 –30.
(2) مفتاح دار السعادة لابن قيم الجوزية ص 51، 52، وراجع ما سبق فى الجواب عن طعن المعتزلة فى أحاديث القدر ص 767-774.(1/966)
ولا شك أن الله وعد الطائعين بالثواب، وأوعد العاصين بالعقاب، وما وعد به عباده الطائعين لابد من تحققه، كرماً منه سبحانه وفضلاً، لأنه لا يخلف الميعاد كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (1) وقوله تعالى: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (2) وليس معنى ذلك أن العباد يستحقون دخول الجنة على ربهم بأعمالهم كما يزعم أهل الاعتزال، بل إنما يدخلهم الجنة برحمته وفضله، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحداً عمله الجنة"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله بفضل ورحمة…فسددوا وقاربوا" الحديث (3) ، وذلك بخلاف الوعيد، فإن خلفه مدح لا ذم، ويجوز عليه سبحانه أن يخلف وعيده، لأنه حقه، فإخلافه له عفو وكرم، وجود، وإحسان، ولهذا مدح به كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال:
"نبئت أن رسول الله أوعدنى ... *** ... والعفو عند رسول الله مأمول (4) .
... والعرب لا تعد عاراً ولا خُلْفاً، أن تَعِد شراً ثم لا تفعل، ترى ذلك كرماً وفضلاً، إنما الخلف أن تعد خيراً ثم لا تفعل، ومن ذلك قول القائل:
لا يرهب ابن العم منى صولة *** ... ولا أختتى (5) من صولة المتهدد
وإنى أن أوعدته أو وعدته ... *** لأخلف إ يعادى وأنجز موعدي (1)
__________
(1) الآية 31 من سورة الرعد.
(2) الآية 194 من سورة آل عمران.
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب، باب تمنى المريض الموت10/132،133رقم5673، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى 9/174 رقم 2816 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخارى.
(4) انظر: لوامع الأنوار البهية 1/370، وانظر: شرح ديوان كعب بن زهير للحسن السكرى ص19
(5) أختتى: أى اتصاغر وأنكسر، انظر: لسان العرب 2/28.(1/967)
.. وفى الحديث عن زيد بن ثابت مرفوعاً: "لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم" (2) .
... أما ما ذهب إليه المعتزلة والخوارج من أن الكبيرة الواحدة تسقط جميع ما لصاحب الكبيرة من ثواب، لأنه لا ثواب البته يستحقه الإنسان مع وجود الكبيرة (3) ، ويستلزم على هذا حبط إيمانه حيث حكموا عليه بالخلود فى النار، وإن لم يحكم عليه المعتزلة بالكفر فى الدنيا فقد صرح بذلك الخوارج فأصبح الخلاف بينهم لفظى (4) .
هذا الذى ذهبوا إليه نوع من الظلم الذى نزه الله نفسه عنه كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (5) .
__________
(1) انظر: أخبار عمرو بن عبيد للدارقطنى ص 14،وموقف المدرسة العقلية من السنة1/368،369.
(2) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى القدر 4/225 رقم 4699، وابن ماجة فى سننه كتاب القدر، باب فى القدر 1/41،42 رقم 77.
(3) انظر شرح الأصول ص 691، ومقالات الإسلاميين 1/332.
(4) شرح الطحاوية 2/99، 100.
(5) الآية 40 من سورة النساء، وانظر: مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 2/26 رقم 183.(1/968)
وهو مخالف لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فى أن مرتكب الكبيرة مسلم عاصى، غير خالد مخلد فى النار، وهو تحت المشيئة "إن شاء غفر الله له وإن شاء عذبه" يدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فالآية صريحة فى أن الغفران المعلق بالمشيئة شامل لجميع الذنوب، كبائر كانت أو صغائر، ولم يستثن المولى عز وجل سوى كبيرة الشرك به تعالى (2) .
وفى هذا رد على قولهم المراد بالمغفرة صغائر المعاصى (3) .
... وقال صلى الله عليه وسلم:"ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة"قال أبو ذر رضي الله عنه، قلت وإن زنى وإن سرق؟ قال "وإن زنى وإن سرق" -ثلاثاً- ثم قال فى الرابعة على رغم أنف أبى ذر" قال فخرج أبو ذر وهو يقول: "وإن رغم أنف أبى ذر" (4) .
__________
(1) الآية 116 من سورة النساء.
(2) انظر: جامع البيان 5/126، والجامع لأحكام القرآن 5/245، وفرق معاصرة تنسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها 2/839.
(3) انظر: فضل الاعتزال ص 154.
(4) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجنائز، باب فى الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله 3/1237 رقم 332، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات مشركاً دخل النار 1/370، 371 رقم 94 واللفظ له.(1/969)
.. وفى حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: "بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا فى معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً، ثم ستره الله؛ فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه". فبايعناه على ذلك (1) .
... والأدلة على أن صاحب الكبيرة "مسلم عاصى" وتحت المشيئة وغير خالد مخلد فى النار كثيرة جداً. والأحاديث فى ذلك متواترة (2) .
وأقوال أهل العلم فى ذلك كثيرة نقتصر على قول جامع للإمام النووى – رحمه الله – إذ يقول: "واعلم أن مذهب أهل السنة، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف، أن من مات موحداً، دخل الجنة قطعاً على كل حال، فإن كان سالماً من المعاصى، كالصغير، والمجنون، والذى اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصى إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذى لم يبتل بمعصيةٍ أصلاً، فكل هذا الصنف يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار أصلاً … وأما من كانت له معصية كبيرة، ومات من غير توبة، فهو فى مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولاً، وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذى يريده سبحانه وتعالى، ثم يدخله الجنة، فلا يخلد فى النار أحد مات على التوحيد، ولو عمل من المعاصى ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر، ولو عمل من أعمال البر ما عمل.
__________
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان 1/81 رقم 18 واللفظ له، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها 6/238، 239 رقم 1709.
(2) انظر: الشفاعة لمقبل بن هادى، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/360 – 362.(1/970)
هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق فى هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة، وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعى (1) أ. هـ.
... أما ما استدل به المعتزلة وغيرهم من الكتاب والسنة على تخليد صاحب الكبيرة فى النار كقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا نمام، ولا عاق" (3) . وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديده، فحديدته فى يده يَتَوَجَّأُ بها بطنه فى نار جهنم خالداً أبداً" (4) أ. هـ. إلى غير ذلك من الأخبار المروية فى هذا الباب، واستدلوا بها على تخليد صاحب الكبيرة (5) .
هذه الأخبار التى استدلوا بها على تخليد مرتكب الكبيرة فى النار؛ لا حجة لهم فيها فهى من نصوص الوعيد التى وجهها السلف توجيهاً يتفق ونصوص الوعد الأخرى التى غض عنها المعتزلة الطرف، وهذا من شأن أهل البدع فإنهم يأخذون من النصوص ما يظنون أنه يوافق بدعهم، ويتركون غيرها مما يخالف تلك البدع.وهكذا فعل أهل الاعتزال فى هذا المقام.
__________
(1) المنهاج شرح مسلم 1/255، 256 أرقام 26-33.
(2) الآية 93 من سورة النساء.
(3) أخرجه النسائى فىسننه كتاب الزكاة، باب المنان بما أعطى5/80رقم2562،وأحمد فىالمسند وذكر بدل المنان: الديوث الذى يقر فى أهله الخبث 2/69، 128، 134 من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(4) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به …إلخ 8/258 رقم 5778 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه 1/395 رقم 109 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(5) انظر: شرح الأصول ص 657، 663.(1/971)
وقد ذكر العلماء توجيهات عديدة فى هذه النصوص وأمثالها والمختار منها قولان:
أحدهما: أنها محمولة على من يستحل الكبيرة مع علمه بالتحريم، فهذا كافر مخلد فى النار ولا يدخل الجنة أصلاً.
والثانى: أنها محمولة على أن مرتكب الكبيرة جزاؤه أن لا يدخل الجنة وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر، ثم قد يجازى وقد يعفى عنه فيدخلها أولاً (1) . والمراد بالخلود إذا عوقب، طول المدة والإقامة المتطاولة، لا حقيقة الدوام، كما فى قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} (2) والعرب تقول: لأخلدن فلاناً فى السجن، والسجن ينقطع ويزول، وكذلك من سجن، ومثله قولهم فى الدعاء: خلد الله ملكه، وأبد أيامه (3) .
__________
(1) المنهاج شرح مسلم 1/369 رقم 91 بتصرف.
(2) الآية 34 من سورة الأنبياء.
(3) الجامع لأحكام القرآن 5/335، وانظر: المنهاج شرح مسلم10/402، 403 رقم 109.(1/972)
.. وهناك قول ثالث: وهو أن نصوص الوعيد الواردة فى الآيات، والأخبار فى حق مرتكب الكبيرة، هذا الوعيد جزاؤه، ولكن تكرم سبحانه وتعالى فأخبر أنه لا يخلد فى النار من مات مسلماً" (1) ، وقد دلت الأحاديث على ذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار يقول الله: من كان فى قلبه مثال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتحشوا (2) ،وعادوا حمماً (3) ، فيلقون فى نهر الحياة، فينبتون كما تُنْبُتُ الحبةُ فى حَميل السَّيل، أو قال: حَمِيَّةِ السَّيل" وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "ألم تَروا أنها تَنبتُ صفراء مُلتوية؟ " (4) .
__________
(1) انظر: المنهاج شرح مسلم 1/369 رقم 1/391 رقم 105.
(2) امتحشوا: أى احترقوا. والمحش: احتراق الجلد، وظهور العظم. انظر: النهاية فى غريب الحديث 4/302.
(3) حمماً: أى صاروا سود الأجساد كالحمم وهو الفحم انظر: النهاية فى غريب الحديث 1/444
(4) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار11/424رقم 6560(1/973)
وقد دلت الأحاديث أيضاً أن قاتل نفسه لا يخلد فى النار، روى الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل لك فى حصن حصين ومنعة؟ (قال: حصن كان لدوس فى الجاهلية) فأبى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم للذى ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه. فاجْتَوَوا المدينة. فَمَرِضَ، فَجَزِع، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ (1) له فقطع بها بَرَاجَمه فَشَخَبَتْ (2) يداهُ حتى مَاتَ، فَرَآهُ الطفيل بنَ عمرو فى منامه. فرآه وهيئته حسنة، ورآهُ مغطِّياً يَدَيْهِ، فَقَالَ له: ما صنع بك رُّبكَ؟ فقال: غفر لى بهجرتى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: مالى أَرَاك مُغَطِّياً يديك؟ قال: قيل لى لن نُصْلِحَ منك ما أفسدتَ، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم وَلِيديهِ فاغفر" (3) .
__________
(1) مشاقص: جمع مشقص وهو نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض. انظر: النهاية فى غريب الحديث 2/490.
(2) شخبت: أى سألت من الشخب، وهو السيلان انظر: النهاية فى غريب الحديث 2/450.
(3) مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر1/407 رقم 116(1/974)
.. قال الإمام النووى -رحمه الله-: "ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة، أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو فى حكم المشيئة، وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها، وهذا الحديث شرح للأحاديث التى قبله، الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس، وغيره من أصحاب الكبائر فى النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصى، فإن هذا عوقب فى يديه، ففيه رد على المرجئة (1) ، القائلين بأن المعاصى لا تضر مع الإيمان، كما لا ينفع مع الكفر طاعة" (2) أ. هـ.
... وإذا تقرر أن مرتكب الكبيرة، مسلم عاصى، تحت مشيئة ربه عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فلا وجه لإنكار أعداء السنة لشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم، لأهل الكبائر من أمته.
فإلى بيان شبههم حول الحديث والرد عليها فى المبحث التالى.
المبحث السادس: شبه الطاعنين فى حديث الشفاعة والرد عليهم
... إن تشبث المعتزلة بأصلهم الوعد والوعيد، ووجوب تحقيق الوعيد فى حق مرتكب الكبيرة بتخليده فى النار، أدى بهم إلى نفى الشفاعة لأهل الكبائر يوم القيامة.
__________
(1) المرجئة: من الإرجاء وهو التأخير، والمرجئة لقب أطلق على طائفة تؤخر العمل عن الإيمان، بمعنى أنهم لا يدخلون العمل فى مسمى الإيمان، وقصروا الإيمان على المعرفة. وأكثرهم يرى أن الإيمان لا يتبعض، ولا يزيد ولا ينقص، وزعم بعضهم أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة أ. هـ. انظر: مقالات الإسلاميين 1/132، الملل والنحل 1/137، وانظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام 2/743.
(2) المنهاج شرح مسلم 1/409 رقم 116 بتصرف يسير، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/374-378.(1/975)
قال عبد الجبار: "الشفاعة للفساق الذين ماتوا على فسوقهم، ولم يتوبوا لا تجوز، بل مثالها مثال الشفاعة لمن قتل ولد الغير، وظل يتربص للآخر حتى يقتله، فكما أن هذا قبيح فهى قبيحة أيضاً … والنبى صلى الله عليه وسلم، لا يشفع لصاحب كبيرة، ولا يجوز له ذلك لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيحة … والفاسق إنما يستحق العقوبة على الدوام، فكيف يخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم (1) .
... وقد رد المعتزلة أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر بدعوى تعارضها مع القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبدعوى أنها خبر آحاد، ومسألة الشفاعة طريقها العلم، فلا يصح الاحتجاج به (2) .
وما صح من أحاديث الشفاعة أطلق عليها عبد الجبار حكماً عاماً وهو أن أكثرها مضطرب" (3) .
ومما استدلوا به فى إنكار الشفاعة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} (4) وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (5) .ونحو ذلك من الآيات، واستدلوا على دعوى التعارض مع السنة المطهرة بما سبق من حديث "لا يدخل الجنة نمام …الحديث" وحديث "من قتل نفسه بحديدة … الحديث" (6) .
__________
(1) انظر: شرح الأصول ص 688، 689 بتصرف يسير وانظر: فضل الاعتزال ص 209.
(2) انظر: شرح الأصول ص 690.
(3) انظر: فضل الاعتزال ص 298.
(4) الآية 48 من سورة البقرة.
(5) جزء من الآية 18 من سورة غافر، وانظر: شرح الأصول ص 689.
(6) الحديثان سبق تخريجهما ص782، وانظر: شرح الأصول ص 691.(1/976)
وبشبهات المعتزلة استدل دعاة اللادينية فى عصرنا (1) .
ويجاب عن شبههم بما يلى:
أولاً: الأحاديث فى إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ثابتة صحيحة فى الصحيحين، والسنن، والمسانيد وغيرها. وقد نص جماعة من العلماء على أنها تبلغ حد التواتر المعنوى (2) فزعمهم بأن الأحاديث أكثرها مضطرب. حجة واهية، وزعم عار عن الصحة، لا يتفوه به إلا من جهل حديث النبى صلى الله عليه وسلم، أو أغمض عينيه عنه (3) .
__________
(1) انظر: مذاهب التفسير الإسلامى ص 190، والمسلم العاصى لأحمد صبحى 10-30، والأنبياء فى القرآن ص 65 وما بعدها، والأضواء القرآنية ص 258 – 264، والقرآن والحديث والإسلام ص 15-17، وإنذار من السماء 184-188، ودين السلطان ص 207، 208، 611، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص 608، 609، وانظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم حسين بخش ص 343.
(2) انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص234 رقم304،وشرح الطحاوية1/312، ولوامع الأنوار البهية2/208،218،وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص226
(3) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/387.(1/977)
.. ومن الأحاديث الصحيحة الواردة فى الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى" (1) ، وزعمهم أن هذا الحديث لم تثبت صحته (2) ، زعم مردود، لأن الحديث قد ثبتت صحته، وأيدته الأحاديث الثابتة كقوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبى دعوة مستجابة، فتعجل كل نبى دعوته، وإننى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة. فهى نائلة إن شاء الله من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئاً" (3) وقوله صلى الله عليه وسلم: "أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه" (4) .
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى الشفاعة 4/236 رقم 4739، والترمذى فى سننه كتاب صفة القيامة، باب ما جاء فى الشفاعة 4/539، 540 رقم 2435 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وفى الباب عن جابر، وأخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب الإيمان 1/139 رقم 228، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبى. والحديث من رواية أنس بن مالك، وأخرج الحاكم للحديث متابعات وشواهد من حديث جابر، وصححها على شرط مسلم، ووافقه الذهبى. قال الحاكم: "هذا الحديث فيه قمع المبتدعة المفرقة بين الشفاعة لأهل الصغائر والكبائر، وأخرجه البيهقى فى البعث والنشور ص 55 رقم 1 من حديث جابر، وانظر: استدراكات البعث والنشور ص 173-177 أرقام 268-277، وشعب الإيمان 2/110-144.
(2) انظر: شرح الأصول ص 690.
(3) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الدعوات، باب لكل نبى دعوة مستجابة 11/99 رقم 6304، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان باب اختباء النبى صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته 2/76 رقم 199، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
(4) سبق تخريجه ص 646، وانظر: ما قاله الإمام البيهقى فى البعث والنشور ص 56 وما بعدها.(1/978)
.. تقول الدكتورة عائشة يوسف المناعى: "اضطر المعتزلة إلى اللجوء إلى نقد الأخبار المعارضة التى تثبت الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى" فبرغم أن هذا الحديث ينص صراحة على أن الشفاعة لأهل الكبائر، وبرغم صحته فإن المعتزلة لا يتورعون أن يقفوا موقف التكذيب من هذا الخبر ويقولون: "إن هذا الخبر لم تثبت صحته أولاً، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد عن النبى، ومسألتنا طريقها العلم فلا يصح الاحتجاج به" (1) .
ولسنا فى حاجة إلى أن نقول إن إجابة المعتزلة هذه تنبنى على التحكم البحت، وفيها من عدم الدقة شئ كثير، فهم يفترضون مرة أن هذا الحديث غير صحيح، ويفترضون مرة أخرى أنه صحيح ولكنه آحاد وأن رأيهم فى هذه المسألة مبنى على العلم، مع أن قولهم فى هذه المسألة قول لا برهان عليه، بل إن الأقرب إلى العقل أن الشفاعة إذا لم تكن لأهل الكبائر بحيث تخرجهم من النار فإنها لا معنى لها ولا فائدة منها، والمكلف التائب مغفور له، وليس فى حاجة إلى الشفاعة، والنصوص صريحة فى أن التائب يبدل الله سيئاته حسنات، فكيف يحتاج إلى شفيع بعد ذلك؟
وإذا كانت معتزلة البصرة قد اعترفوا بجواز إسقاط العقاب ابتداء من الله تعالى؛ لأنه حقه، وهو يشبه الدين، فله أن يسقطه، وله أن يستوفيه، فالأولى أن يقال بإسقاط العقوبة ابتداء.
فكيف يقرر المعتزلة بعد ذلك أن أصلهم فى الشفاعة مسألة علم لا يصح أن تعارضها أخبار الآحاد؟
ومن غريب تفسيرات المعتزلة أنهم يقولون أن التائب من الكبيرة تسقط عنه العقوبة بالتوبة، لكن الكبيرة قد أحبطت ما تحصل عنده من الثواب من قبل، فالشفاعة هنا تنفعه فى إعادة هذا الثواب (2) .
__________
(1) شرح الأصول ص 690.
(2) شرح الأصول ص 691.(1/979)
ولا شك أن كل هذه التأويلات إنما هى فى المقام الأول هروب من مواجهة النصوص الصريحة فى أن الشفاعة، إنما تكون لأهل الكبائر من المؤمنين، وتؤكد أن القضية مع المعتزلة وسائر أهل البدع ليست قضية متواتر وآحاد، وإنما قضية أصولهم التى طوعوا النصوص قرأناً وسنة لأجلها.
ومن الغريب أيضاً:"أن يقول أبو الهذيل:"إن الشافعة إنما تثبت لأصحاب الصغائر" (1) .
... والمعتزلة أنفسهم قد سخروا من هذا القول؛ لأنهم قرروا من قبل أن الصغائر تكفرها الطاعات، فلا وجه للشفاعة فى هذا القول" (2) .
أما ما زعم المعتزلة ومن قال بقولهم أن أحاديث الشفاعة متعارضة مع القرآن الكريم.
فدعوى مرفوضة؛ لأن ما استدلوا به على نفى الشفاعة، من الآيات القرآنية محمول على الشفاعة للمشركين، والكفار، وهؤلاء لا تنفعهم الشفاعة أصلاً كما دل على ذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (3) .
... والمراد بذلك الشفاعة التى يثبتها أهل الشرك وأهل البدع، الذين يعتقدون أن الخلق يشفعون عند الله بغير إذن، كما يشفع بعضهم لبعض فى الدنيا (4) .
__________
(1) المصدر السابق ص 691.
(2) أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية للدكتورة عائشة يوسف المناعى ص 345، 346.
(3) الآيات 42-48 من سورة المدثر.
(4) مجموع الفتاوى 1/149-150 بتصرف، وللاستزادة: فى الرد على استدلالات المعتزلة انظر: لوامع الأنوار البهية 2/217، والإنصاف للباقلانى ص 168-176، والأربعين فى أصول الدين للرازى ص 245، وشرح المقاصد للتفتازانى 2/175، والمعتزلة وأصولهم الخمسة ص 235.(1/980)
والشفاعة إنما تطلب من الله تعالى؛ لأنه هو المالك لها سبحانه كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (1) .
وأما الشفاعة المثبتة فهى لا تثبت عند السلف إلا بشروط وهى:
الإذن للشافع بالشفاعة كما قال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (2) وقال تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} (3) .
الرضا عن المشفوع فيه. كما قال سبحانه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (4) وقال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (5) وعن ابن عباس – رضى الله عنهما - قال فى قوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} قال:"الذين ارتضاهم بشهادة أن لا إله إلا الله" (6) .
وأما زعمهم دعوى تعارض أحاديث الشفاعة بحديث: "لا يدخل الجنة نمام … الحديث" وبحديث "من قتل نفسه بحديدة …" الحديث.
فقد سبق الجواب، بما يرفع التعارض، ويوفق بين النصوص (7) .
... وأما حملهم للحديث على أن المراد به شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم، لأهل الكبائر إذا تابوا (8) ؛ فلا دليل لهم على ذلك. وهو مع أنه تأويل مناهض للنصوص الثابتة، ولا يدل عليه لفظ الحديث، فهو أيضاً معنى فاسد؛ لأن الذى يتوب من الذنب لا يوصف به بعد ذلك، بل يبدل الله
__________
(1) جزء من الآية 44 من سورة الزمر.
(2) جزء من الآية 255 من سورة البقرة.
(3) جزء من الآية 3 من سورة يونس.
(4) الآية 26 من سورة النجم.
(5) جزء من الآية 28 من سورة الأنبياء، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة1/395-396
(6) أخرجه البيهقى فى البعث والنشور ص 55 رقم 2.
(7) راجع: ص 782-784.
(8) انظر: شرح الأصول ص 691.(1/981)
سيئاته حسنات فضلاً منه وكرماً قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (1) . فصاحب الكبيرة إذا تاب عن كبيرته وصحت توبته زال عنه هذا الاسم (2) .
قال الصحابى الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة" (3) .
... وما ذهب إليه بعضهم من حصر شفاعته صلى الله عليه وسلم، على زيادة الثواب، ورفع الدرجات لأهل الثواب (4) .
مردود عليهم بما صرحت به الأحاديث الصحيحة من شفاعات أخرى له صلى الله عليه وسلم من ذلك:
__________
(1) الآية 70 من سورة الفرقان.
(2) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/390.
(3) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب الإيمان 1/140 رقم 232.
(4) انظر: الكشاف للزمخشرى 3/366.(1/982)
الشفاعة العظمى، الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، دون سائر خلق الله عز وجل والواردة فى قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1) وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين فى صعيد واحد … إلى أن يقول: فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق فآتى تحت العرش فأقع ساجداً لربى عز وجل ثم يفتح الله على من محامده، وحسن الثناء عليه، شيئاً لم يفتحه على أحد قبلى، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفْع تُشفع …" الحديث (2) .
شفاعته صلى الله عليه وسلملأمته فى دخول الجنة: كما جاء فى حديث الشفاعة العظمى السابق، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: فأقول أمتى يا رب، أمتى يا رب، فقال: يا محمد ادخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب (3) .
__________
(1) الآية 79 من سورة الإسراء.
(2) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب التفسير، باب "ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً" 8/247، 248 رقم 4712، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 2/55-57 رقم 194 واللفظ للبخارى.
(3) انظر: تخريج الحديث السابق.(1/983)
ج- شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين من أهل الكبائر: وقد سبقت بعض النصوص التى تدل عليها. وهى لا تختص به صلى الله عليه وسلم وإنما يشاركه فيها الملائكة، والنبيون، والمؤمنون، كما روى مسلم فى صحيحه بسنده عن أبى سعيد الخدرى أن ناساً فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قال: "هل تُضَارُّونَ فى رُؤية الشمس بالظهيرة صَحْواً ليس معها سَحَابُ؟ " فذكر الحديث وفيه: "فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون. ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضه من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط …" الحديث (1) . ...
وله صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى، منها ما يشاركه فيها غيره، ومنها ما يختص به (2) أ. هـ.
اللهم إنى اسألك شفاعات نبيك صلى الله عليه وسلم
وأبرأ إليك من جهل الجاهلين وإلحاد الملحدين
المنكرين لشفاعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 2/25، 26 رقم 183، وانظر: استدراكات البعث والنشور للإمام البيهقى جمع الشيخ عامر حيدر ص 131-135 أرقام 207-213، والتذكرة للقرطبى 1/477 –483 أرقام 780-790.
(2) انظر: استدراكات البعث والنشور ص144-149 أرقام 230-238، وشرح العقيدة الطحاوية 1/307-315،ولوامع الأنوار البهية2/211-212،والشفاعة لمقبل بن هادى ص18،31،61، والتذكرة 1/483-483، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/390-394، وللاستزادة فى الرد على شبهات المعتزلة راجع موقف المدرسة العقلية من السنة 1/379 – 396. وضلالات منكرى السنة ص 512، والسنة فى مواجهة أعدائها ص 165-187.(1/984)
الفصل الرابع: أحاديث ظهور "المهدى" وخروج "الدجال"
و"نزول المسيح عليه السلام"
... وتحته مبحثان:
المبحث الأول: شبهة الطاعنين فى أحاديث الأمور الغيبية "المستقبلية" و"الأخروية" والرد عليها.
المبحث الثانى: شبهات المنكرين لظهور "المهدى" و "خروج الدجال" و "نزول المسيح عليه السلام" والرد عليها.
المبحث الأول: شبهة الطاعنين فى أحاديث الأمور الغيبية "المستقبلية" و"الأخروية" والرد عليها
... أحاديث الأمور الغيبية التى أخبر بها المعصوم صلى الله عليه وسلم، والتى تعد من الأدلة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم، طعن فيها أعداء الإسلام بحجة أنه صلى الله عليه وسلم، لا يعلم الغيب، فطعنوا فى أحاديث الفتن وأشراط الساعة، والأمور السمعية، من عذاب القبر ونعيمه، وما فى يوم القيامة من حوض وميزان، وصراط …، بل وطعنوا فى الأحاديث الصحيحة التى تصف نعيم الجنة، وعذاب النار … إلخ.
يقول جمال البنا: "عرض الأحاديث على القرآن، سيؤدى إلى التوقف أمام الأحاديث التى جاءت عن المغيبات بدءً من الموت حتى يوم القيامة، والجنة والنار، فهذه هى ما استأثر الله تعالى بعلمها … ويدخل فى الغيب التنبؤ بما سيحدث قبيل الساعة، مما يسمونه "الفتن" ويدخل فيها المهدى، والدجال، وما إلى هذا كله.
... والأحاديث التى تتحدث عن الفتن، والمهدى، والدجال، ثم الموت، وعذاب القبر، فالحشر، والنشر، والجنة والنار، تجاوزت المئات إلى الألوف، ونحن نطويها دون حساسية أو أسى" (1) أ. هـ.
__________
(1) السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 249-251، وانظر: عذاب القبر لأحمد صبحى منصور ص11-17، ولماذا القرآن ص 53، 120، والمسلم العاصى ص 12 وما بعدها، والقرآن والحديث والإسلام ص 14 وما بعدها، وإنذار من السماء ص 191، 699، ودين السلطان ص280، 460، كلاهما لنيازى عز الدين، وانظر: القرآنيون وموقفهم من السنة للدكتور خادم بخش ص 321، 333.(1/985)
والجواب على شبهتهم فيما يلى:
... دعوى أعداء السنة بأن أحاديث الأمور الغيبية تتعارض مع القرآن الكريم كقوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1) .
... هذا الزعم بالتعارض مردود عليهم بأن الغيب المنفى فى الآية السابقة، ونحوها من الآيات كقوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (2) وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (3) . هذا الغيب المنفى هو المذكور فى آية لقمان، والوارد فى قوله صلى الله عليه وسلم: "مفاتح الغيب خمس ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (4) .
__________
(1) الآية 188 من سورة الأعراف.
(2) الآية 65 من سورة النمل.
(3) الآية 179 من سورة آل عمران.
(4) الآية 34 من سورة لقمان، والحديث أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب التفسير، باب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو 8/141 رقم 4627 من حديث ابن عمررضي الله عنه.(1/986)
.. وما عدا ذلك الغيب أطلع عليه من شاء من أنبيائه ورسله كما قال عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (1) أى لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى أى اصطفى للنبوة، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه ليكون ذلك دالاً على نبوته (2) . وينص على ذلك رب العزة فى حق سيدنا عيسى -عليه السلام – قال تعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} (3) وفى حق سيدنا يوسف–عليه السلام –قال تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} (4) .
__________
(1) الآيات 26، 28 من سورة الجن.
(2) انظر: الجامع لأحكام القرآن 19/28.
(3) جزء من الآية 49 من سورة آل عمران.
(4) الآية 37 من سورة يوسف.(1/987)
.. وفى حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (1) . وفى الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "أعطى نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح الغيب إلا الخمس ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (2) .
... ومن هنا فإن الأحاديث التى تدل على الغيب من أقوى الأدلة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نبى من عند الله يوحى إليه.
ومن هنا ندرك هدف أعداء الإسلام من المستشرقين وذيولهم من دعاة اللاديينة – فى طعنهم فى ذلك النوع من الأحاديث، وزعمهم أنها مكذوبة، لأنه يلزم من صحتها صدق النبوة (3) .
__________
(1) الآية 27 من سورة الفتح.
(2) الآية 34 من سورة لقمان، والحديث أخرجه أحمد فى مسنده 1/386، والطيالسى فى مسنده ص51 رقم 385، والحميدى فى مسنده 1/68 رقم 124. واللفظ للطيالسى، وصحح إسناد أحمد الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/263، وانظر: فتح البارى 8/374 رقم 4777، 13/374-377 رقمى 7379، 7380، والموافقات للشاطبى 4/456-459، والوحى المحمدى لمحمد رشيد رضا ص 208، والغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد أحمد همام، والغيب فى ضوء القرآن الكريم للأستاذ صدقى عبد الحميد عبد ربه.
(3) دائرة المعارف الإسلامية 7/333.(1/988)
.. إن الساعة جعل الله عز وجل لها أشراطاً وعلامات لا تتعارض مع إتيان الساعة بغتة قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} (1) وقال سبحانه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُءَايَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (2) وقال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (3) وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (4) .
وأكدت السنة المطهرة ما جاء فى القرآن الكريم من أن للساعة أشراطاً.
__________
(1) الآية 18 من سورة محمد.
(2) الآية 158 من سورة الأنعام.
(3) الآية 82 من سورة النمل.
(4) الآية96من سورة الأنبياء، وانظر: الغيب فى ضوء القرآن الكريم للأستاذ صدقى عبد الحميد عبدربه.(1/989)
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل –عليه السلام– لما سأله عن الساعة فقال صلى الله عليه وسلم ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال – أى جبريل – عليه السلام – فأخبرنى عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة، رعاء الشاةِ يتطاولون فى البنيان … الحديث" (1) . وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم، أحاديث كثيرة فى الإخبار عن علامات وأشراط الساعة لهذا اليوم، وهى من أنباء الغيب المنقولة عن النبى صلى الله عليه وسلم، بالأسانيد الصحيحة الثابتة، وهى كثيرة تفوق درجة التواتر فى جملتها، ويبلغ عدد كثير منها التواتر بمفرده، كالأحاديث الواردة فى ظهور المهدى، والمسيح الدجال، وفى نزول المسيح عيسى بن مريم – عليه السلام – مما لا يسع أحداً إنكاره إلا أن ينكر عقله وحسه (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان … إلخ 1/177 رقم 8 من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(2) انظر: منهج النقد فىعلوم الحديث ص476،والغيبيات فىضوء السنة للدكتور محمد أحمد همام ص52(1/990)
وسوف نتناول الجواب عن شبهات ثلاث آيات غيبية أنكروها وهى ظهور المهدى، وخروج الدجال، ونزول المسيح (1) عيسى عليه السلام.
... فإلى بيان ذلك فى المبحث التالى.
المبحث الثانى: شبهات المنكرين "لظهور المهدى" و "خروج الدجال"
و"نزول المسيح عليه السلام" والرد عليها
أولاً: "ظهور المهدى":
... بلغت الأخبار فى ظهور المهدى حد التواتر المعنوى، وحكى هذا التواتر غير واحد من أئمة الحديث.
قال ابن قيم الجوزية: "وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذكر المهدى وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلى عيسى خلفه" (2) .
__________
(1) انظر: العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 218، 240، ودراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 8 ص 563، وأضواء على السنة ص 182،191، 241، 232، والبيان بالقرآن 2/805، ودين السلطان 180، 181، 304، والسلطة فى الإسلام ص292، 317، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 249 - 251، وانظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم بخش ص 325، وممن تأثر بذلك من علماء المسلمين الأستاذ محمد رشيد رضا والشيخ شلتوت وغيرهم. انظر: تفسير المنار 19/450، 459-460، ومجلة المنار المجلد 10/245 - 246، والمجلد 19/99، والمجلد 28/755،756،757، والفتاوى للشيخ شلتوت ص 59-82. وانظر السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 150 - 151، وموازين القرآن والسنة عز الدين بليق ص 81، 95، 101.
(2) المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ص 142.(1/991)
وقال الإمام الشوكانى: "والأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح، والحسن، والضعيف، المنجبر، وهى متواترة بلا شك ولا شبهة (1) أ. هـ.
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة فى "المهدى":
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً منى – أو من أهل بيتى – يواطئ اسمه اسمى، واسم أبيه اسم أبى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً" (2) .
__________
(1) التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتظر، والدجال، والمسيح، للشوكانى. نقلاً عن الإذاعة لما كان ويكون بين يدى الساعة ص 113، وانظر: فتح البارى 6/569 رقم 3449، والحاوى للفتاوى للسيوطى 2/165 – 166، والتصريح بما تواتر فى نزول المسيح للكشميرى، والإشاعة لأشراط الساعة للشريف الحسينى ص 87، 112، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة لعبد العزيز الغمارى ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 224، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 225 رقم 289، وعقد الدرر فى أخبار المنتظر للإمام يوسف بن يحيى المقدسى ص 15-171.
(2) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب المهدى 4/106، 107 رقم 4282، واللفظ له، والترمذى فى سننه كتاب الفتن، باب ما جاء فى المهدى 4/438 رقم 2230، 2231، وقال: حديث حسن صحيح قال: وفى الباب عن على، وأبى سعيد، وأم سلمة، وأبى هريرة رضي الله عنهم.(1/992)
.. وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدى منى أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين" (1) . وفى هذه الأحاديث الصحيحة بيان أن المهدى اسمه "محمد بن عبد الله"، وينتهى نسبه إلى الحسن (2) لا إلى الحسين –رضى الله عنهما–0
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب المهدى 4/107 رقم 2485 واللفظ له. والترمذى فى سننه كتاب الفتن، باب ما جاء فى المهدى 4/439 رقم 2232، وقال: حديث حسن. وقال ابن قيم الجوزية فى سند أبى داود جيد. انظر: المنار المنيف ص 144.
(2) فى كون المهدى المنتظر من ولد الحسن رضي الله عنه سر لطيف ذكره ابن قيم الجوزية فى المنار المنيف، فانظره إن شئت ص 151.(1/993)
وفى هذا رد على الشيعة الجعفرية فى زعمهم أن أمامهم "الإثنى عشر" هو المهدى الذى بشر به النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن إمامهم المزعوم يسمى "محمد بن الحسن العسكرى" من ولد الحسين بن على، لا من ولد الحسن. والذى أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله، وينتهى نسبه إلى الحسن لا إلى الحسين –رضى الله عنهما- (1) .
__________
(1) انظر: المنار المنيف ص 152 وما بعدها. وانظر: مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع للدكتور على السالوس 1/160 – 162. ومما هو جدير بالذكر أن الإمام ابن خلدون فى طعنه لأحاديث المهدى فى مقدمته إنما أنكر مهدى الرافضة، وليس المهدى الذى صحت به الأحاديث عند أهل السنة، وفى ذلك يقول ابن خلدون: "وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدى قد استوفينا جمعه بمبلغ طاقتنا، والحق الذى ينبغى أن يتقرر لديك أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره، وتدافع عنه من يرفعه حتى يتم أمر الله فيه، وعصبية الفاطميين، بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الأفاق … إلا ما بقى بالحجاز فى مكة وينبغ بالمدينة من الطالبيين من بنى حسن، وبنى حسين، وبنى جعفر، وهم منتشرون فى تلك البلاد وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون فى مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدى، فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم، وتتم له شوكة وعصبية، أما أن يدعو فاطمى منهم من غير عصبية، ولا شوكة فلا يتم ذلك" أ. هـ. انظر: المقدمة فصل فى أمر الفاطمى وما يذهب إليه الناس، فى شأنه وكشف الغطاء عن ذلك ص 344-362، وانظر: الغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد همام ص 145-149.(1/994)
وفى صحة الروايات السابقة، وما نص عليه غير واحد من علماء المسلمين بتواتر أحاديث المهدى تواتراً معنوياً ردً على الأستاذ محمد رشيد رضا – رحمه الله – فى تضعيفه للحديث، ووصفه بالاضطراب (1) .
واتهامه لكعب الأحبار بوضعه حيث قال: "ولأجل ذلك كثر الاختلاف فى اسم المهدى، ونسبه، وصفاته، وأعماله، وكان لكعب الأحبار جولة واسعة فى تلفيق تلك الأخبار" (2) .
وقال فى موضع آخر: "وإذا تذكرت مع هذا أن أحاديث الفتن والساعة عامة، وأحاديث المهدى خاصة، وأنها كانت مهب رياح الأهواء والبدع وميدان فرسان الأحزاب، والشيع، تبين لك أين تضع هذه الرواية منها" (3) .
ويقول أيضاً: "وقد كانت أى روايات المهدى – أكبر مثارات الفساد والفتن فى الشعوب الإسلامية إذ تصدى كثير من محبى الملك والسلطان، ومن أدعياء الولاية، وأولياء الشيطان لدعوى المهدوية فى الشرق والغرب أو تأييد دعواهم بالقتال والحرب والبدع، والإفساد فى الأرض، حتى خرج ألوف الألوف عن هداية السنة النبوية، ومرق بعضهم من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية (4) أ. هـ.
... ويجاب على ما سبق بالآتى:
__________
(1) مجلة المنار المجلد 28/756.
(2) انظر: تفسير المنار 9/461.
(3) المصدر السابق 9/463 – 464 وانظر: مجلة المنار المجلد 28/756.
(4) تفسير المنار 9/459-460.(1/995)
أولاً: اتهام الأستاذ "محمد رشيد رضا" لكعب الأحبار بأنه هو، ووهبُ ابن مُنَبِّه "بطلى الإسرائيليات وينبوعى الخرافات" (1) ، واتهامه للصحابة، وللتابعين، وللأئمة المسلمين بالغفلة عن حقيقة أمرهم؛ إذ يقول فى تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} (2) : "وأما تلك الروايات الكثيرة فى جوهرها ومقدارها … كلها من الإسرائيليات الباطلة التى بثها فى المسلمين أمثال "كعب الأحبار"، "ووهب بن منبه" فاغتربها بعض الصحابة، والتابعين إن صحت الرواية عنهم" (3) . وقال: "ثم ليعلم أن شر رواة هذه الإسرائيليات أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين هذان الرجلان: كعب الأحبار، ووهب بن منبه" (4) ، وقال: "لو فطن الحافظ ابن حجر لدسائسهما، وخطأ من عدلهما من رجال الجرح والتعديل؛ لخفاء تلبيسهم عليهم، لكان تحقيقه لهذا البحث أتم وأكمل" (5) .
__________
(1) تفسير المنار 9/438.
(2) جزء من الآية 145 من سورة الأعراف.
(3) تفسير المنار 9/184.
(4) مجلة المنار المجلد 27/783.
(5) تفسير المنار 9/442 وانظر: مجلة المنار المجلد 27/610 – 619 مقال السيد رشيد رضا "بطلان الدفاع عن جرح كعب الأحبار، ووهب بن منبه".(1/996)
.. إن طعن الأستاذ رشيد رضا (1) – غفر الله له – فى كعب الأحبار، ووهب بن مُنَبِّه مردود عليه بما ذكره هو نفسه من أن الجمهور عدلوهما ووثقوهما، واعترافه أيضاً بأن أبا هريرة، وابن عباس (2) وغيرهما من أعلام الصحابة؛ كعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير روى عنه، ولم يكن هؤلاء، ولا كل من روى عنه سذجاً، ولا مخدوعين فيه، وإنما أيقنوا أنه ثقة فيما يروى فرووا عنه.
وإلا فكيف يعقل أن صحابياً يأخذ علمه عن كذاب وضاع، بعدما عرف عن الصحابة من التحرى والتثبت فى تحمل الأخبار؟ (3) .
ثم إن الإمام مسلم قد أخرج له فى صحيحه، وكذا أخرج له أبو داود، والترمذى، والنسائى، فهذا دليل على أن كعباً كان ثقة غير متهم عند هؤلاء جميعاً، وتلك شهادة كافية، لرد كل تهمة تلصق بهذا الحبر الجليل (4) .
__________
(1) تبع الأستاذ محمد رشيد رضا فيما قال بعض رواد المدرسة العقلية الحديثة ذكرهم الدكتور فهد الرومى فى كتابه منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير ص 312-324، وبقول الأستاذ محمد رشيد رضا قال محمود أبو ريه، واتخذ كلام رشيد رضا ستاراً للطعن فى السنة ورواتها من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة الثقات الأعلام. انظر: أضواء على السنة ص 145-181، والأضواء القرآنية 1/52 – 66، وفجر الإسلام ص 160، 161، 162، 201، 202 والصلاة لمحمد نجيب ص32-37، وأصول الحديث للدكتور عبد الهادى الفضلى ص141.
(2) انظر: تفسير المنار 9/466.
(3) انظر: الإسرائيليات فى التفسير والحديث لفضيلة الدكتور الذهبى ص 77، 78، 83.
(4) التفسير والمفسرون 1/189، والإسرائيليات فى التفسير والحديث ص 77-78 كلاهما لفضيلة الدكتور الذهبى – رحمه الله-.(1/997)
والجمهور على توثيق كعب لذا لا تجد له ذكراً فى كتب الضعفاء والمتروكين، وقد اتفقت كلمة نقاد الحديث على توثيقه (1) .
أما "وَهْبُ بنُ مُنَبِّه" فقد روى له البخارى، ومسلم، وأبو داود، والترمذى، والنسائى. قال الذهبى فى الميزان: كان ثقة، صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات. قال العجلى: ثقة تابعى، كان على قضاء صنعاء، وقد ضعفه الفلاس وحده، ووثقه جماعة (2) .
... وقال أبو زرعة، والنسائى: ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات (3) ، والبخارى نفسه يعتمد عليه ويوثقه (4) .
وبعد: هذا بعض ما قاله علماء الحديث فى توثيق هذين الرجلين، فهل يحق لأحد أن يخالف هؤلاء الأعلام فى نقد الرجال، وأن يشكك فى سلامة أسلوبهم فى ذلك، أو أن يتهمهم بالغفلة، والاغترار، وهم أهل هذا الفن الذى لا يصلح له إلا القليل من الناس (5) ؟
... ليس معنى هذا أن كل ما رواه هذان العالمان الفاضلان حق لا كذب فيه، بل إن فيه من الكذب ما يخالف شرعنا ولا يقره العقل ولكن لا يعنى هذا أن ننسب الكذب إليهما، فقد يكون الكذب من غيرهما، أو أنهما نقلاه على أنه مما فى كتبهم، وهما يعتقدان صحته، ولم يعلما كذبه لخفاء الثابت والمحرف فى كتب أهل الكتاب.
__________
(1) انظر: تقريب التهذيب 2/43 رقم 5666، والكاشف 2/148 رقم 4662، وتذكرة الحفاظ 1/52 رقم 33، وسير أعلام النبلاء 3/489-494 رقم 333، ومشاهير علماء الأمصار 145 رقم 911. وانظر: مقالات الكوثرى ص 32، 33.
(2) انظر: ميزان الاعتدال 4/352 – 353، ومشاهير علماء الأمصار ص150 رقم 956، والثقات للعجلى 467 رقم 1786، وتذكرة الحفاظ 1/100 رقم 93، وتقريب التهذيب ص2/293 رقم 7512، وانظر: الإسرائيليات للدكتور الذهبى ص 77.
(3) تهذيب التهذيب 11/167 رقم 8654، وانظر: معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد للذهبى ص 186 رقم 362.
(4) التفسير والمفسرون 1/197، والإسرائيليات ص86.
(5) التفسير والمفسرون 1/192.(1/998)
قال ابن الجوزى - رحمه الله تعالى -: "إن بعض الذى يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأخيار" (1) .
قلت: ومثل هذا يقال فى وهب بن منبه (2) أ. هـ.
... "أما قول رشيد رضا: إن روايات المهدى كانت أكبر مثارات الفساد والفتن فى الشعوب الإسلامية باستغلال أعداء الإسلام لها.
فيقول رداً على ذلك الدكتور فهد الرومى: "وإنا لنكتفى هنا بسؤال السيد رشيد، ومن نحا نحوه متى كان استغلال أعداء الإسلام لعقيدة من عقائد المسلمين مبرراً لطمسها أو التشكيك فى ثبوتها؟
... إن أعداء الإسلام لم يستغلوا المهدوية فحسب، بل استغلوا ما هو أكبر وأعظم وأوضح عند المسلمين - أعنى عقيدة النبوة - استغلوا هذا وخرج أدعياء النبوة، ولا زلنا فى هذا العصر نعانى من أولئك كالبهائية، والبابية، والقاديانية، وغيرهم مع أن المسلمين كلهم يؤمنون بختم النبوة، ولم يكن هذا مانعاً لهم من استغلالها، ولن يكون هذا ولا ذاك مانعاً لنا نحن المسلمين من الإيمان بعقيدة النبوية وختمها، والإيمان بمجئ المهدى.
ولو شككنا فى كل عقيدة للمسلين يستغلها أعداء الإسلام لخشينا أن لا يبقى لنا من الإسلام شئ حتى اسمه؟ (3) .
ثانياً: خروج الدجال:
... بلغت الأخبار عن مجئ الدجال حد التواتر المعنوى، وحكى هذا التواتر غير واحد من أئمة الحديث (4) .
__________
(1) فتح البارى 13/346 رقم 7361.
(2) انظر: منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير ص 325. وللاستزادة فى الرد على السيد رشيد رضا فى تجريحه لكعب الأحبار، ووهب ابن منبه انظر: الإسرائيليات فى التفسير والحديث للدكتور الذهبى 76 - 87، وانظر: مجلة المنار المجلد 27/377 وما بعدها.
(3) منهج المدرسة العقلية فى التفسير ص 518، 519.
(4) انظر: النهاية فى الفتن والملاحم 1/168، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 228 رقم 290، وغير ذلك من المصادر السابقة فى تواتر المهدى ص797.(1/999)
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة فى خروج الدجال حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبى إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور. وإن ربكم ليس بأعور. ومكتوب بين عينيه كفر" (1) أ. هـ.
وقد رد أئمة المسلمين قديماً على طعون المبتدعة من الخوارج، والجهمية، وبعض المعتزلة – فى إنكارهم للدجال – وطعون المبتدعة قديماً رددها – أهل الزيغ والإلحاد فى عصرنا (2) – كما تأثر بذلك بعض علماء المسلمين (3) .
... فدعوى رد أحاديث الدجال بحجة تعارضها مع القرآن الكريم بعدم وروده فيه، قال رداً على ذلك الحافظ ابن حجر: أجيب بأجوبة:
أحدها: أنه ذكر فى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُءَايَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} (4) فقد أخرج الترمذى وصححه عن أبى هريرة مرفوعاً: "ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً، الدجال، والدابة وطلوع الشمس من مغربها" (5) .
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الفتن، باب ذكر الدجال 13/97 رقم 7131. ومسلم "بشرح النووى" كتاب الفتن وإشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه 9/286 رقم 2933 واللفظ له.
(2) راجع المصادر السابقة ص796.
(3) راجع المصادر السابقة ص 796.
(4) جزء من الآية 158 من سورة الأنعام.
(5) الترمذى فى سننه كتاب التفسير، باب من سورة الأنعام 5/247 رقم 3072 وقال: حديث حسن صحيح. والحديث فى صحيح مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان 1/472 رقم 158.(1/1000)
الثانى: قد وقعت الإشارة فى القرآن إلى نزول عيسى بن مريم فى قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) وصح أنه الذى يقتل الدجال فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة، وعيسى مسيح الهدى.
الثالث: أنه ترك ذكره احتقاراً، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج، وليست الفتنة بهم دون الفتنة بالدجال والذى قبله … وقد وقع فى تفسير البغوى: أن الدجال مذكور فى قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (2) وأن المراد بالناس هنا الدجال من إطلاق الكل على البعض.وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبى صلى الله عليه وسلم ببيانه (3) .
... وقال الإمام النووى – رحمه الله – فى بيان مذهب أهل السنة فى ذلك:"قال القاضى هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم، وغيره فى قصة الدجال، حجة لمذهب أهل الحق فى صحة وجوده، وأنه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذى يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا.
__________
(1) جزء من الآية 61 من سورة الزخرف.
(2) الآية 57 من سورة عافر.
(3) فتح البارى 13/98 رقم 7122، وانظر: النهاية فى الفتن والملاحم 1/166 – 169.(1/1001)
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين، والفقهاء، والنظار خلافاً لمن أنكره، وأبطل أمره من الخوارج، والجهمية، وبعض المعتزلة، وخلافاً للبخارى المعتزلى، وموافقيه من الجهمية، وغيرهم فى أنه صحيح الوجود، ولكن الذى يدعى مخاريق وخيالات لا حقائق لها، وزعموا أنه لو كان حقاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -0
وهذا غلط من جميعهم؛ لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له، وإنما يدعى الإلهية، وهو فى نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الذى فى عينيه، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه (1) أ. هـ.
وبعد
فإن صحة الأحاديث فى مجئ الدجال، وتواترها تواتراً معنوياً ردٌ على من ضعف الحديث وزعم اضطرابه، أو أنه آحاد لا يحتج به فى العقائد (2) فدخل فى ميدان ليس من أهله، كما أن تقرير أئمة المسلمين بأن الدجال شخص بعينه. ردٌ على من تأول فزعم بأنه "رمز للخرافات، والدجل، والقبائح، وظهور الشر والفساد" (3) ،أو غير ذلك من التأويلات الباطلة.
... كما أن فى إدعاء الدجال للألوهية وصورة حاله من العور، والعجز، والشاهد المكتوب بين عينيه "كفر" يبطل زعم الزاعمين قديماً وحديثاً أن ما يظهر على يديه من الخوارق يعد شبهة فى نبوته (4) . وهو غلط من جميعهم كما قال الإمام النووى رداً على ذلك (5) أ. هـ.
__________
(1) المنهاج شرح مسلم 9/293 رقم 2933-2938، وانظر: فتح البارى 13/110 أرقام7132-7134.
(2) انظر: تفسير المنار 9/451-458،ومجلة المنار المجلد 28/756،والفتاوى للشيخ شلتوت ص77
(3) انظر: تفسير المنار 9/317، والفتاوى ص 78.
(4) انظر: تفسير المنار 9/450 - 451.
(5) انظر: الغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد همام ص 149 وما بعدها.(1/1002)
ثالثاً: نزول المسيح عيسى - عليه السلام -:
... أما أحاديث نزول عيسى بن مريم – عليه السلام – آخر الزمان فقد نص العلماء على تواترها. قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – بعد ذكره الأحاديث الدالة على نزوله قال: "فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبى هريرة، وابن مسعود، وعثمان ابن أبى العاص، وأبى أمامة، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع ابن حارثة، وأبى شريحة، وحذيفة بن أسيد - رضي الله عنهم - وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه، من أنه بالشام بل بدمشق عند المنارة الشرقية، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح (1) أ. هـ.
... وقال الأستاذ عبد الله الغمارى بعد أن استوعب كل ما ورد من أحاديث وآثار، وذكرها بطرقها وأسانيدها: "فهذه ستون حديثاً يرويها عن النبى صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون صحابياً، وثلاثة تابعين بألفاظ مختلفة، وأسانيد متعددة كلها تصرح بنزول عيسى بن مريم –عليه السلام – تصريحاً لا يحتمل تأويلاً ولا روغاناً" (2) .
__________
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم 1/577/582، وزاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم 1/330، 331، ومسند أحمد بتحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر، 12/257 الهامش، 15/28 الهامش، وانظر: المراجع السابقة فى تواتر المهدى ص797.
(2) مشكلات الأحاديث لجماعة من نوابغ العلماء ص177-178، وانظر: عقيدة أهل الإسلام فى نزول عيسى عليه السلام لعبد الله الغمارى ص 5 – 11، ونزول عيسى بن مريم آخر الزمان للحافظ السيوطى ص 61-68.(1/1003)
ومن ذلك ما جاء فى الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم - عليه السلام - حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" (1) أ. هـ.
... ويمكن أن نجمل ما أثاره المحدثون (2) من شبه حول نزوله -عليه السلام- والتى قال بها أعداء السنة واتخذوا منها ستاراً للطعن فى السنة المطهرة ورواتها (3) فى النقاط التالية:
ليس فى القرآن نص صريح فى رفعه إلى السماء بروحه وجسده ليحيا حياة دنيوية يحتاج معها إلى غذاء.
ليس فيه نص صريح على نزوله، وإنما تلك عقيدة النصارى.
أحاديث لم تبلغ درجة التواتر حتى يؤخذ منها عقيدة بنزوله، بل هى أحاديث آحاد مضطربة فى متونها، منكرة فى معانيها، فى معظمها يشتد ضعف الرواة، وليست بمحكمة الدلالة، ولذا أولها العلماء قديماً وحديثاً.
لا يجب على المسلم أن يعتقد أنه حى بروحه وجسده ومن خالف لا يعد كافراً.
نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- يتناقض مع حديث "لا نبى بعدى" (4) أ. هـ.
__________
(1) البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم-عليه السلام-6/566 رقم 3448، 3449، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم 1/466، 467 رقم 155 واللفظ له.
(2) راجع: المصادر السابقة ص 796.
(3) راجع: المصادر السابقة ص 796.
(4) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بنى إسرائيل 6/571 رقم 3455، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول 6/472 رقم 1842.(1/1004)
ويجاب على الشبهات السابقة بما يلى:
لقد جاءت آيات فى كتاب الله عز وجل تدل على رفع عيسى - عليه السلام – إلى السماء، وقد بين العلماء أنه رفع بروحه وجسده. قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (1) .
وقد لخص الدكتور محمد خليل هراس آراء المفسرين فى بيان معنى هذه الآية فقال:
1- رأى الجمهور: الذى اختاره ابن كثير، ورواه عن الحسن، وهو الرأى الذى يفسر التوفى بالإنامة.
رأى قتادة: وهو أن فى الكلام تقديماً وتأخيراً والتقدير "إنى رافعك ومتوفيك أى بعد النزول".
رأى ابن جرير: فى أن المراد بالتوفى هو نفس الرفع، والمعنى أنى قابضك من الأرض ومستوفيك ببدنك وروحك (2) . وينسب هذا التفسير إلى ابن زيد (3) . وهو الذى حكاه ابن كثير عن مطر الوراق (4) .
وهذه الأقوال الثلاثة متفقة على أنه رفع حياً، وإن كان بعضها أصح، وأولى بالقبول من بعض، فأصحها الأول وهو قول الجمهور، ويليه قول قتادة، ويليه قول ابن جرير (5) .
__________
(1) الآية 55 من سورة آل عمران.
(2) جامع البيان 3/291.
(3) ابن زيد هو: أحمد بن محمد بن زيد، أبو العباس، فاضل دمشقى، من علماء الحنابلة عارفاً بالفقه والعربية، من مصنفاته "محاسن المساعى فى مناقب الأوزاعى" و "اختصار سيرة ابن هشام" وغير ذلك مات سنة 870هـ. له ترجمة فى الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوى 2/71-72، والأعلام 1/230.
(4) هو: مطر بن طهمان الوراق، أبو رجاء، السلمى مولاهم، الخرسانى. سكن البصرة صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف. روى عن شهر، والحسن، وعنه الحمادان، وهمام مات سنة= =125هـ ويقال 129هـ. له ترجمة فى تقريب التهذيب 2/187 رقم 6721 والكاشف 2/268 رقم5471،والجرح والتعديل8/287رقم1319،والثقات للعجلى ص430 رقم1584، والثقات لابن حبان 5/434، ومشاهير علماء الأمصار 120 رقم 699.
(5) مشكلات الأحاديث ص 167، وانظر: تفسير القرآن العظيم 1/366.(1/1005)
وكلمة "الوفاة" كما تطلق على الموت تطلق على النوم أيضاً، لأن معناها فى اللغة من استيفاء الحق وافياً أى كاملاً لا نقص فيه. ولذا قال صاحب القاموس: "أوفى فلاناً حقه: أعطاه وافياً، كوفاه ووافاه فاستوفاه وتوفاه" (1) .
... وقد جاءت فى القرآن الكريم بمعنى النوم فى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} (2) كما جاءت على المعنيين فى قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (3) .
... فالمراد بالوفاة فى الآية الواردة فى حق سيدنا عيسى – عليه السلام – النوم وليس الموت قال ابن كثير – رحمه الله -: "فأخبر تعالى أنه رفعه – أى عيسى عليه السلام – بعدما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة فى ذلك الزمان" (4) .
... وقال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (5) .
__________
(1) القاموس المحيط 4/393.
(2) الآية 60 من سورة الأنعام.
(3) الآية 42 من سورة الزمر وانظر: تفسير القرآن العظيم 1/336، ومشكلات الأحاديث ص175
(4) البداية والنهاية 2/85.
(5) الآيتان 157-158 من سورة النساء.(1/1006)
.. قال الدكتور محمد هراس: "فالآية صريحة فى أنه رفعه حياً؛ لأنه ذكر الرفع وأثبته مكان الذى نفاه من القتل والصلب. ولو كان عيسى – عليه السلام – قد مات فى الأرض ودفن، وأن المراد بالرفع رفع روحه أو منزلته كما يزعم المنكرون لما حسن ذكر الرفع فى مقابل نفى القتل والصلب، لأن الذى يناسب نفى القتل والصلب عنه هو رفعه حياً لا موته، وإلاَّ لقال وما قتلوه وما صلبوه بل الله هو الذى قتله.
وكيف يتوهم متوهم أن المراد بقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (1) هو رفع روحه، وهو إنما ذكر لإبطال ما زعموه من قتله وصلبه، ورفع الروح، لا يبطل القتل والصلب بل يجامعهما، فإنهم لو قتلوه فرضاً لرفعت روحه إلى الله، على أن فى إخباره عز وجل بأنه رفعه إليه، ما يشعر باختصاصه بذلك، والذى يمكن أن يختص به عيسى هو رفعه حياً بجسده وروحه؛ لأن أرواح جميع الأنبياء، بل المؤمنين ترفع إلى الله بعد الموت لا فرق بين عيسى وغيره فلا تظهر فيه الخصوصية (2) .
وحياته -عليه السلام- ليست كحياة من على الأرض يحتاج إلى الطعام والشراب ويخضع للسنن والنواميس الكونية، كسائر الأحياء، وإنما حياته حياة خاصة عند الله عز وجل لا يشعر بالضرورات الجسدية من طعام أو شراب أو نحوهما (3) .
... وقد جاءت آيات أيضاً تدل على نزوله إلى الأرض فى آخر الزمان من ذلك:
__________
(1) الآية 158 من سورة النساء.
(2) مشكلات الأحاديث ص 167، 168.
(3) المصدر السابق ص 181، 182.(1/1007)
قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} (1) نقل الشيخ الهراس عن ابن جرير: أن عيسى – عليه السلام – كلم الناس فى المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل (2) . ثم قال: "وهذا الذى نقلناه عن ابن جرير هو قول عامة أهل التفسير كلهم يفسرون الآية به ويجعلونها دليلاً على نزول عيسى – عليه السلام – وهذا هو الحق الذى لا مرية فيه، فإن قوله سبحانه "وكهلاً" معطوف على متعلق الظرف قبله، داخل معه فى حكمه، والتقدير: ويكلم الناس طفلاً فى المهد ويكلمهم كهلاً، فإذا كان كلامه فى حال الطفولة عقب الولادة مباشرة آية فلابد أن المعطوف عليه وهو كلامه فى حال الكهولة كذلك، وإلا لم يحتج إلى التنصيص عليه؛ لأن الكلام من الكهل أمر مألوف معتاد؛ فلا يحسن الإخبار به لا سيما فى مقام البشارة بل لابد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً بمعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل، ثم ينزل فيبقى فى الأرض إلى أن يكتهل، ويكلم الناس كهلاً.
__________
(1) الآية 46 من سورة آل عمران.
(2) جامع البيان 3/273.(1/1008)
وقد ذهب جمهور المحدثين والمؤرخين إلى أنه عليه السلام رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وأنه سيمكث فى الأرض إذا نزل أربعين سنة كما جاء فى الحديث الصحيح (1) . عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ليس بينى وبينه نبىُّ يعنى –عيسى عليه السلام- وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله فى زمانه الملل كلها، إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث فى الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، فيصلى عليه المسلمون" (2) .
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (3) الصحيح أن الضمير فى قوله: "إنه" يعود على عيسى – عليه السلام – أى أن خروجه من أعلام الساعة وأماراتها لأنه ينزل قبيل قيامها (4) .
والذى يدل على ذلك أن سياق الآيات فى ذكره، وصرف الكلام عما هو فى سياقه إلى غيره بغير حجة غير جائز، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ" أى أمارة ودليل على وقوع الساعة (5) .
__________
(1) مشكلات الأحاديث ص 170.
(2) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الملاحم، باب خروج الدجال 4/117، 118 رقم 4324، واللفظ له، والحاكم فى المستدرك كتاب التاريخ، باب ذكر نبى الله وروحه عيسى بن مريم-عليه السلام– 2/651 رقم 4163 وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبى.
(3) الآية 61 من سورة الزخرف.
(4) انظر: الجامع لأحكام القرآن 16/105.
(5) تفسير القرآن العظيم 4/132.(1/1009)
ج- قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (1) . قوله "قَبْلَ مَوْتِهِ" ذكر العلماء فيها وجهين فى عود الضمير:
الأول: قبل موت عيسى – عليه السلام – وهو قول أبى هريرة رضي الله عنه (2) .
الثانى: قبل موت الكتابى. قال ابن جرير: "وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى (3) . وهو قول ابن كثير قال: "ولا أشك أن هذا الذى قاله ابن جرير هو الصحيح" (4) .
قال الأستاذ عبد الله الغمارى: "إن احتمال عود الضمير فى "موته" على الكتابى ضعيف، واحتمال عوده فى "به" على غير عيسى باطل، والاحتمالات الضعيفة والباطلة لا تنهض للحجية، ولا تقوى للاستمساك، فتكون الآية الكريمة نصاً فى حياة عيسى ونزوله بمعونة ما ذكر.
... واللفظ يكون نصاً بنفسه تارةً، وبما ينضم إليه من القرائن تارة أخرى، وليس كل احتمال فى اللفظ يؤثر فى ناصيته، كما يتوهم كثير ممن لم يحكموا قواعد علم الأصول" (5) .
... أما ما زعموه من أن الأحاديث فى نزول المسيح – عليه السلام – لم تبلغ درجة التواتر حتى يؤخذ منها عقيدة بنزوله، بل هى أحاديث آحاد مضطربة فى متونها … إلخ.
__________
(1) الآية 159 من سورة النساء.
(2) انظر: المنهاج شرح مسلم 1/470 رقم 155، وفتح البارى 6/568 –569 رقم 3448.
(3) جامع البيان 6/21.
(4) تفسير القرآن العظيم1/577 وانظر: البداية والنهاية 2/85-89،ومسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر 15/27،28 الهامش، وفتح البارى 6/568رقم 3448، ومشكلات الأحاديث ص 170، 171
(5) مشكلات الأحاديث ص 169، وانظر: المسيح عليه السلام فى القرآن الكريم للدكتور رمضان مصطفى دياب.(1/1010)
.. فقد سبق ذكر من نص من علماء الحديث على تواترها تواتراً معنوياً. ويكفى تخريجها فى الصحيحين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمعت على إفادة أحاديثهما العلم اليقينى. وحتى لو كانت آحاداً لوجب علينا التسليم لها والإيمان بمضمونها متى ثبتت صحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن دلت على عقيدة خلافاً لمن أبى ذلك.
وأما زعم الأستاذ رشيد رضا وفضيلة الشيخ شلتوت "بأنها أحاديث مضطربة فى متونها منكرة فى معانيها.
أجاب عن ذلك الأستاذ عبد الله الغمارى فى رده على الشيخ شلتوت – رحمه الله – فقال: "وهذا غير صحيح فإن تلك الأحاديث أو الروايات - على حد تعبيره – كلها متفقة على الإخبار بنزول عيسى وأنه يقتل الدجال والخنزير، ويكسر الصليب … إلخ ما جاء فيها، غاية ما فى الأمر أن بعضاً منها يفصل، وآخر يجمل، وبعضاً يوجز، وآخر يطنب، وهذا كما يفعل القرآن العظيم إذ يورد القصة الواحدة فى سور متعددة بأساليب مختلفة، يزيد بعضها على بعض بحيث لا يمكن جمع أطراف القصة إلا بقراءة السور التى ذكرت فيها.
فلعل صاحب الفتوى ظن مثل هذا التخالف الذى يقوى شأن الحديث، ويدل على تعدد مخارجه، تعارضاً فأخطأ، وأضعف خطأه حيث ادعى أنه لا مجال معه للجمع بينها.
وذلك أنه على فرض وجود تعارض فالجمع ممكن لو أمعن فكره، وأمضى نظره، وأخلص فى بحثه، لكنه أرسل قوله بتعذر الجمع دعوى تتعثر فى أذيال الخجل" (1) .
والزعم بأنها ليست محكمة الدلالة، ولذا أولها العلماء قديماً.
زعم لا أساس له من الصحة. ودعوى باطلة ليس لها ما يسندها، كيف وقد نصت الأحاديث صراحة على نزوله -عليه السلام-، ولم يأت ما يعارض ذلك تصريحاً أو تلميحاً، وأجمعت الأمة على ما دلت عليه وتأويل من أولها إنما هو تحريف وتبديل، ورد للنصوص الثابتة الصريحة، ولا حجة فى قوله.
__________
(1) مشكلات الأحاديث ص 178.(1/1011)
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر: "وقد لعب المجددون، أو المجردون فى عصرنا الذى نحيا فيه، بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى بن مريم – عليه السلام – فى آخر الزمان، قبل انقضاء الحياة الدنيا بالتأويل المنطوى على الإنكار تارة، وبالإنكار الصريح أخرى، ذلك أنهم – فى حقيقة أمرهم – لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون. وهى أحاديث متواترة المعنى فى مجموعها، يعلم مضمون ما فيها من الدين بالضرورة، فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل (1) أ. هـ.
لا شك أن النصوص من القرآن والسنة دلت على رفعه إلى السماء، وأنه حى بروحه وجسده، وأنه سينزل فى آخر الزمان، وانعقد الإجماع على ذلك فوجب على كل مسلم أن يؤمن بما دلت عليه تلك النصوص، وأن يجمع قلبه على اعتقاد ما جاء فيها، ومن المعلوم أن إنكار ما ثبت من الدين بالضرورة يعد كفراً.
__________
(1) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/257 الهامش.(1/1012)
قال الشيخ الشنقيطى – رحمه الله -: "يجب شرعاً اعتقاد أن عيسى -عليه الصلاة والسلام- لا زال حياً إلى الآن وأنه لابد أن ينزل فى آخر الزمان حاكماً بشرع نبينا – عليه الصلاة والسلام – ومجاهداً فى سبيل الله تعالى، كما تواتر عن الصادق المصدوق، وإنما وجب اعتقاد ذلك لأن الله تعالى أخبر فى كتابه العزيز: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (1) . وقد وردت الأحاديث المتواترة كما سبق … ولم يصح حديث بموته، تمكن معارضته لما صح بالتواتر من نزوله فى آخر الزمان، وإذا أخبر القرآن أنه رفع، ولم يقتل، وبين النبى صلى الله عليه وسلم لنا أنه سينزل فى آخر الزمان، وفصل لنا أحواله بعد نزوله تفصيلاً رافعاً لكل احتمال، وجب اعتقاد ذلك على كل مسلم، ومن شك فيه فيكون كافراً بإجماع الأمة؛ لأنه مما علم من الدين ضرورة بلا نزاع، وكل إيراد عليه من الملاحدة، والجهلة، باطل لا ينبغى لكل من اتصف بالعلم أن يلتفت إليه (2) .
أما ما زعمه بعض المعتزلة، والجهمية ومن قال بقولهم من أن نزول المسيح –عليه السلام – يتناقض مع ختم النبوة.
فنقول: فى الحديث ما ينقض تلك الدعوى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "حكماً مقسطاً" ولم يقل "نبياً مقسطاً" فعيسى - عليه السلام – ينزل حاكماً بهذه الشريعة لا ينزل نبياً برسالة مستقلة، وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة" (3) .
__________
(1) جزء من الآيتين 157، 158 من سورة النساء.
(2) زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى، ومسلم 1/331 – 332.
(3) المنهاج شرح مسلم 1/469 رقم 155.(1/1013)
ويؤيد ذلك ما جاء فى صحيح الإمام مسلم من صلاته خلف رجل من هذه الأمة. عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال، فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا فيقول. لا. إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة" (1) .
... قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن الجوزى، لو تقدم عيسى إماماً لوقع فى النفس إشكال، ولقيل: أتراه تقدم نائباً أو مبتدئاً شرعاً، فصلى مأموماً لئلا يتدنس بغبار الشبهة فى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبى بعدى" (2) أ. هـ.
... قال الأستاذ عبد الله الغمارى:"وبعد: فإنى أرى أن كل من يمارى فى هذا الأمر بعد هذا البيان، فإنه مبتدع ضال، إن لم يكن كافراً، والعياذ بالله، فالواجب أن يهجر ويجتنب، وليست المسألة مسألة خلاف يعذر فيها المخالف، بل هى مسألة إجماع، أجمعت عليه الأمة، وتواترت به النصوص، كما أنها من جنس الأخبار التى لا مجال فيها للرأى والاجتهاد" (3) أ. هـ.
__________
(1) مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1/468 رقم 156.
(2) سبق تخريجه ص 806، وانظر: فتح البارى 6/570 رقم 3449، ونزول عيسى بن مريم آخر الزمان للحافظ السيوطى ص 21-58.
(3) مشكلات الأحاديث ص 182، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 2/214-230.(1/1014)
.. ونختم هنا بما رواه الإمام أحمد فى مسنده بسند صحيح، عن أبى هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "إنى لأرجو إن طال بى عمر أن ألقى عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فإن عجل بى موت، فمن لقيه منكم؛ فليقرئه منّى السلام" (1) .
... يقول فضيلة الدكتور سعيد صوابى: "وفى هذا إشارة إلى تمام الثقة بحدوث الأمر، وكمال التحقيق بنزول عيسى بن مريم فى هذه الأمة حكماً عدلاً بدين الإسلام ومبطلاً لسائر ما سواه من الأديان (2) .
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه:"أى بنى أخى إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام (3) .
وفى هذا أعظم دليل على تجاوب الأمة مع نبيها فى إيمانها بنزول عيسى ابن مريم -عليه السلام-.
ونحن نوصى من يأتون بعدنا إن أدركوا عيسى بن مريم أن يقرئوه منا السلام" (4) .
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) المسند 2/298، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد كتاب الفتن، باب نزول عيسى ابن مريم 8/5، وقال: رواه أحمد بإسنادين: مرفوع وهو هذا، وموقوف، ورجالهما رجال الصحيح.
(2) المعين الرائق فى سيرة سيد الخلائق ص 28.
(3) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب التاريخ، باب ذكر نبى الله وروحه عيسى بن مريم -عليه السلام- 2/651 رقم 4162 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى.
(4) المعين الرائق ص 29، وانظر: الغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد همام ص 165 وما بعدها.(1/1015)
الفصل الخامس: حديث "عذاب القبر ونعيمه"
... وتحته مبحثان:
المبحث الأول: شبهة الطاعنين فى أحاديث الأمور الغيبية "الأخروية" من أحوال البرزخ، وأحوال يوم القيامة، والرد عليها.
المبحث الثانى: شبهات المنكرين لعذاب القبر ونعيمه والرد عليها.
المبحث الأول: شبهة الطاعنين فى أحاديث الأمور الغيبية "الأخروية"
من أحوال البرزخ وأحوال يوم القيامة والرد عليها
... أحاديث الأمور الغيبية السمعية (الأخروية) من عذاب القبر ونعيمه، والحوض والميزان، والصراط … إلخ، طعن فيها المبتدعة من الخوارج، والجهمية، وبعض المعتزلة وتأولوها على حسب أصولهم.
وتغالى أذيال المبتدعة من دعاة اللادينية فى عصرنا الذى نحيا فيه. وزادوا على أسلافهم بالطعن فى الأحاديث التى تتحدث عن الحشر، والنشر، والنفخ فى الصور، وأوصاف نعيم الجنة، وأوصاف عذاب جهنم، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة التى تتحدث عن أحوال يوم القيامة. وقد سبق قول جمال البنا فى ذلك، ومن قال بقوله (1) . كما سبق الرد على شبهتهم فى ذلك، وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب" (2) .
ونزيد هنا فى الإجابة على شبهة الطاعنين فى أحاديث السمعيات:
أنه لا حجة للمبتدعة قديماً وحديثاً فى إنكارهم للأمور السمعية؛ سوى عبادتهم لهوى عقولهم، وقياسهم عالم ما وراء الطبيعة على العالم المحسوس.
يقول الإمام الشاطبى فى كتابه الاعتصام باب بيان معنى الصراط المستقيم، الذى انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد البيان قال: "لأنهم قوم استعملوا قياسهم وآراءهم فى رد الأحاديث مع تواترها، فقالوا: لا يجوز أن يرى الله فى الآخرة لأنه تعالى يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (3) .
__________
(1) راجع: ص 793.
(2) راجع: ص 793-796.
(3) الآية 103 من سورة الأنعام.(1/1016)
.. فردوا قوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم يوم القيامة" (1) . وتأولوا قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) وقالوا: لا يجوز أن يسأل الميت فى قبره لقول الله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (3) فردوا الأحاديث المتواترة فى عذاب القبر وفتنته (4) ، وردوا الأحاديث فى الشفاعة على تواترها (5) ، وقالوا: لن يخرج من النار من أدخل فيها، وقالوا: لا نعرف حوضاً (6) ولا ميزاناً (7) ، ولا نعقل ما هذا، وردوا السنن فى ذلك كله برأيهم، وقياسهم، مع تواتر الأحاديث فى ذلك – إلى أشياء يطول ذكرها من كلامهم فى صفة البارى" (8) وسبق تفصيل ذلك والرد عليه (9) .
... والحقيقة: أن تحكيم الرأى أمر يسير لا عناء فيه ولا ينبغى لأهل الابتداع والإلحاد قديماً وحديثاً أن يفخروا، وإنما الفخر بإتباع الوحى وإن خفيت علينا حكمته، ولم نستطع إدراك حقيقته لا سيما فى الغيبيات؛ لأن العقل يقف عاجزاً عن إدراك عالم ما وراء الطبيعة. وتحكيم العقل فى هذا العالم تجاوز لحدود العقل، وسفه من صاحبه، وتطاول على خالقه–والعياذ بالله–
__________
(1) سبق تخريجه ص 762.
(2) الآيتان 22، 23 من سورة القيامة. وقد سبق تفصيل ذلك والرد عليه ص 755-766.
(3) جزء من الآية 11 من سورة غافر.
(4) سيأتى بيان تواتره فى الرد على منكريه فى المبحث التالى ص 817.
(5) سبق الدفاع عنه ص 785، 786.
(6) انظر: فى تواتره الأزهار المتناثرة ص 74 رقم 108، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 226.
(7) انظر: فى تواتره إتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 225.
(8) الاعتصام 2/573، 574 بتصرف يسير، وانظر: أصول الدين للبغدادى ص 245، 246.
(9) راجع: إن شئت ص 246-248.(1/1017)
ونقتصر هنا فى الرد إجمالاً (1) على من يحكمون عقولهم فى أحاديث أحوال يوم القيامة بكلمة جامعة للإمام ابن خلدون فى تقويم البحث فى المغيبات وتسفيه العقل فى ذلك. قال: "ولا تثقن بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كله وسفه رأيه فى ذلك، واعلم أن الوجود عند كل مدرك فى بادئ رأيه منحصر فى مداركه ولا يعدوها، والأمر فى نفسه بخلاف ذلك والحق من ورائه، ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده فى المحسوسات الأربع والمعقولات ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات، وكذلك الأعمى أيضاً يسقط عنده صنف المرئيات، ولولا ما يردهم إلى ذلك تقليد الآباء والمشيخة من أهل عصرهم والكافة لما أقروا به، لكنهم يتبعون الكافة فى إثبات هذه الأصناف، لا بمقتضى فطرتهم وطبيعة إدراكهم، ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكراً للمعقولات وساقطة لديه بالكلية، فإذا علمت هذا فلعل هناك ضرباً من الإدراك غير مدركاتنا، لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة، وخلق الله أكبر من خلق الناس، والحصر مجهول، والوجود أوسع نطاقاً من ذلك والله من ورائهم محيط، فاتهم إدراكك ومدركاتك فى الحصر، واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك وعملك، فهو أحرص على سعادتك، وأعلم بما ينفعك لأنه من طور فوق إدراكك، ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك.
وليس بقادح فى العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية، لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن أمور التوحيد، والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع فى محال.
__________
(1) راجع: ما سبق تفصيله فى بطلان قاعدة عرض السنة علىالعقل ص 244-248.(1/1018)
.. ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذى يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا يدرك على أن الميزان فى أحكامه غير صادق، لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يمكن له أن يحيط بالله وبصفاته، فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه، وتفطن فى هذا الغلط، ومن يقدم العقل على السمع فى أمثال هذه القضايا؛ فمن قصور فهمه، واضمحلال رأيه، وقد تبين لك الحق من ذلك" (1) .
... وعلى هذا سلم أهل السنة بما جاء فى الأمور الغيبية، ولم يحكموا عقولهم.
قال الإمام الأشعرى فى الإبانة: "نؤمن بعذاب القبر، ومنكر ونكير، وبالحوض، وأن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وأن الله عز وجل يوقف العباد فى الموقف، ويحاسب المؤمنين، وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى رواه الثقات عدل عن عدل حتى تنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .
المبحث الثانى: شبهات المنكرين لعذاب القبر ونعيمه والرد عليها
... أحاديث عذاب القبر ونعيمه لمن كان أهلاً لذلك، وسؤال الملكين، نص جماعة من العلماء على تواترها تواتراً معنوياً منهم الحافظ السيوطى (3) ، والكتانى (4) ، وابن قيم الجوزية (5) ، وابن أبى العز (6) وغيرهم (7) . وسوف نورد طرفاً من هذه الأحاديث عند الحديث عن كشف شبهات المعتزلة، ومن قال بقولهم من أهل الكلام والرافضة قديماً وحديثاً.
... ويمكن أن نعرض شبهات المعتزلة حول عذاب القبر فيما يأتى:
__________
(1) المقدمة لابن خلدون ص 508، 509.
(2) الإبانة ص 27 رقمى 47، 58.
(3) الأزهار المتناثرة ص 41 رقمى 43، 107.
(4) نظم المتناثر ص 125، 126 رقمى 113، 114.
(5) الروح ص 74، ومفتاح دار السعادة 1/43.
(6) شرح الطحاوية 2/136.
(7) انظر: إتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية للأستاذ عبد العزيز الغمارى ص200.(1/1019)
لقد زعم المعتزلة أن الأخبار الدالة على عذاب القبر مجملة:
... ولذلك انقسموا حوله إلى ثلاث فرق:
أنكره ضرار بن عمرو (1) ، والخوارج، ومعظم المعتزلة، وبعض المرجئة، والرافضة (2) .
قطع به بعضهم فى الجملة (3) .
جوزه آخرون (4) .
وبالقول الأول قال دعاة اللادينية فى عصرنا (5) .
وتدور شبه المنكرين لعذاب القبر وما فيه من سؤال، وضمة، وعذاب، بأنه معارض للقرآن، وللسنة، وللعقل.
__________
(1) ضرار بن عمرو: هو ضرار بن عمرو الغطفانى، قاضى، من كبار المعتزلة، وهو زعيم الفرقة الضرارية، له مقالات خبيثة، كفره المعتزلة من أجلها وطردوه. انظر: فضل الإعتزال ص391، وميزان الاعتدال 228 رقم 3953، وسير أعلام النبلاء 10/544 رقم 175، ولسان الميزان 3/607 قم 4312، والضعفاء لأبى نعيم ص95 رقم 151، والضعفاء الكبير للعقيلى 2/222 رقم 765، والفهرست ص 299.
(2) انظر: الروح لابن قيم الجوزية ص81، وعذاب القبر فى الميزان للأستاذ عكاشة عبد المنان ص101، 131، والإبانة ص15، والمنهاج شرح مسلم للنووى 9/224 رقم 2866.
(3) انظر: شرح الأصول ص730، والروح ص80، 81، وعذاب القبر فى الميزان ص101،103.
(4) انظر: فضل الإعتزال ص201، 202، وشرح الأصول ص730، والفصل فى الملل والنحل 4/67، وأصول الدين للبعدادى ص245، 246.
(5) انظر: شفاء الصدر بنفى عذاب القبر لإسماعيل منصور، وعذاب القبر والثعبان الأقرع لأحمد صبحى منصور، والكتاب والقرآن قراءة معاصرة لمحمد شحرور ص 381، ودفع الشبهات لأحمد حجازى ص 104، 204، 208، والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 244 وما بعدها، وإنذار من السماء ص 244 وما بعدها، ودين السلطان 928-948 كلاهما لنيازى = =عز الدين، وأضواء على السنة لمحمود أبو ريه ص 74، والأضواء القرآنية للسيد صالح أبو بكر 2/318، 320، 356، وغيرهم.(1/1020)
أما القرآن ففى قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} (1) قالوا فلو كان يحيا فى قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات، ويموت ثلاثاً، وهو خلاف النص (2) .
أما السنة فقالوا: الأخبار فيها متعارضة، وقد ردت عائشة -رضى الله عنها- حديث ابن عمر مرفوعاً (إن الميت يعذب فى قبره ببكاء أهله عليه) فقالت:وَهِلَ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن" وذاك مثل قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر. وبه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال: "إنهم ليسمعون ما أقول" وقد وَهِلَ0 إنما قال: "إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق" ثم قرأت قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (3) {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (4) . يقول: حين تبوءوا مقاعدهم من النار، وفى رواية قالت (رضى الله عنها) يغفر الله لأبى عبد الرحمن. أما إنه لم يكذب ولكنه نسى أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها. فقال: "إنهم ليبكون عليها. وإنها لتعذب فى قبرها" (5) .
__________
(1) الآية 11 من سورة غافر.
(2) انظر: فتح البارى 3/284 رقم 1369، وشرح الأصول ص 730، 731.
(3) الآية 80 من سورة النمل.
(4) الآية 22 من سورة فاطر.
(5) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 3/503، 504 رقم 932.(1/1021)
قالوا فدل ذلك على أن الموتى لا يسمعون، وما يروى من سماعهم خفق النعال لا يصح أيضاً. وأن عذاب القبر خاص بالكفار من اليهود. وقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (1) .
... قالوا: هذه فى آل فرعون خاصة، فلا يقاس عليهم غيرهم.
وما صح من أحاديث فى عذاب القبر؛ فهو آحاد يفيد الظن، لا يحتج به هنا فى باب العقائد (2) . وهو يصح لبعض الناس دون بعض ممن فقدت أجسادهم، أو تعذر وصول الحياة إليها (3) .
... أما دليلهم العقلى فقالوا: لو كان لعذاب القبر أصل؛ لكان يجب فى النباش أن يرى العقوبة أو المثوبة للمعاقب والمثاب، فكان يشاهد عليه أثر الضرب وغيره، وفى علمنا العقلى بخلافه، دليل على أن ذلك مما لا أصل له، ولا مدخل للسمع فيه (4) .
ويجاب على هذه الشبه بما يلى:
إن زعمهم أن الأخبار مجملة فى إثبات عذاب القبر، ثم انقسامهم حوله إلى ما ذكرنا، يتبين منه: أن المعتزلة، وإن زعم بعضهم بأنه يقطع بوقوعه لدلالة الأخبار عليه، إلا إنهم لم يسلموا للنصوص فى ذلك تسليماً كاملاً، ولم يسلم هذا الأمر من إقحام عقولهم فى جزئيات منه.
نعم: إن من أثبته منهم أثبته فى الجملة، ولكنهم خاضوا فى ثبوته لعصاة المؤمنين، وفى كيفيته، ووقته مما دفعهم إلى رد بعض النصوص، وتأويل بعضها (5) .
... فما زعموه من تعارض عذاب القبر ونعيمه بقوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (6) فلا حياة ثالثة.
__________
(1) الآية 46 من سورة غافر.
(2) انظر: شرح الأصول ص 730 –732.
(3) فضل الاعتزال ص 203.
(4) شرح الأصول ص 731 – 732، وفضل الاعتزال 201 – 203.
(5) شرح الأصول ص 73 وما بعدها.
(6) جزء من الآية 11 من سورة غافر.(1/1022)
فالجواب: أنه لا تعارض، إنما التعارض نشأ من عدم إدراكهم المراد بالحياة فى القبر فهى ليست الحياة المستقرة المعهودة فى الدنيا، التى تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هى مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذى وردت به الأحاديث الصحيحة، فهى إعادة عارضة، كما حى خلق، لكثير من الأنبياء، لمسألتهم لهم عن أشياء، ثم عادوا موتى (1) .
... فحياة القبور، وما فيها من نعيم أو عذاب؛ تختلف عن حياة الدنيا، وحياة الآخرة؛ فهى حياة برزخية لا طاقة للعقل فى إدراكها، ولا يمكنه أن يصل إلى كيفيتها، وإنما يتوقف الإيمان بهذه الحياة على النصوص الواردة قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (2)
... أما دعواهم تعارض الأحاديث: فيجاب عن ذلك بأنه لا تعارض مع إمكان الجمع وهو ممكن. وما ورد من رد أم المؤمنين عائشة –رضى الله عنها– لخبر ابن عمر رضي الله عنه فى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. فلا حجة لهم فيه على نفى عذاب القبر لأن عائشة –رضى الله عنها– إنما أنكرت عذاب الميت بما لم تكسبه يداه، يدل على ذلك احتجاجها بقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3) ومع ذلك فإنكارها ذلك وحكمها على الراوى بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً بعيد؛ لأن الرواة لما أنكرته من رواية عمر وابنه – رضى الله عنهما – رواه من الصحابة كثيرون وهم جازمون. فلا وجه للنفى منها مع إمكان حمله على محمل صحيح (4) .
__________
(1) فتح البارى 3/284 رقم 1374، وانظر: شرح المقاصد للتفتازانى 2/162.
(2) الآية 100 من سورة المؤمنون.
(3) الآية 38 من سورة النجم.
(4) فتح البارى 3/184 رقم 1287.(1/1023)
والمحامل كثيرة جمع بينها الحافظ ابن حجر فقال: "من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالماً فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضياً بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ، كيف أهمل النهى، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله من المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك، كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره، وإقدامهم على معصية ربهم.
وحكى الكرمانى تفصيلاً آخر، وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ، وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1) على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزج. ويؤيد ذلك أن مثل ذلك يقع فى الدنيا، والإشارة إليه بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (2) . فإنها دالة على جواز وقوع التعذيب على الإنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون الحال فى البرزخ بخلاف يوم القيامة والله أعلم (3) أ. هـ.
... أما ردها – رضى الله عنها – لخبر ابن عمر – رضى الله عنهما – فى سماع الموتى لكلام النبى صلى الله عليه وسلم ومعارضتها ذلك بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (4) ونحوها من الآيات فالجمهور فى ذلك على خلافها فيما اجتهدت فيه، وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواة غيره عليه.
__________
(1) الآية 38 من سورة النجم.
(2) الآية 25 من سورة الأنفال.
(3) انظر: فتح البارى 3/185 رقم 1290، والمنهاج شرح مسلم للنووى 3/505 رقم 932.
(4) جزء من الآية 80 من سورة النمل.(1/1024)
وأما استدلالها بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} فقالوا معناها لا تسمعهم سماعاً ينفعهم، أو لا تسمعهم إلا أن يشاء الله … والآية كقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (1) أى أن الله هو الذى يسمع ويهدى (2) .
... وصحت الأحاديث بسماع الموتى حتى قرع النعال خلافاً لمن رد ذلك من المعتزلة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابُه، وإنه ليسمع قرعَ نعالهم …" الحديث (3) .
... وعن ابن عمر –رضى الله عنهما– قال: "اطلع النبى صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقيل له: تدعوا أمواتاً؟ فقال: ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون" (4) . ولا دليل على خصوصية ذلك بأهل بدر، كما يزعم بعض المعتزلة (5) .
... قال القاضى عياض – رحمه الله -: "يحتمل سماعهم، على ما يحتمل عليه سماع الموتى، فى أحاديث عذاب القبر، وفتنته، التى لا مدفع لها. وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون فىالوقت الذى يريد الله تعالى".
__________
(1) الآية 40 من سورة الزخرف.
(2) فتح البارى 3/277 رقم 1370.
(3) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الجنائز، باب ما جاء فى عذاب القبر 3/275 رقم1374، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الجنة وصفة تعليمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه 9/220 رقم 2870 واللفظ للبخارى.
(4) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الجنائز، باب ما جاء فى عذاب القبر 3/274 رقم1370، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 3/503 رقم 932 واللفظ للبخارى.
(5) انظر: فضل الاعتزال ص 203.(1/1025)
وقال الإمام النووى – رحمه الله – بعد نقله لكلام القاضى عياض السابق: "وهو الظاهر المختار الذى تقتضيه أحاديث السلام على القبور" (1) .
... أما ما زعموه من تعارض الأحاديث المثبتة لعذاب القبر والنافية له.
فيجاب عن ذلك بأنه لا تعارض.
ففى الأحاديث التى زعموا أنها تنفى عذاب القبر فى عجزها ما يثبته، وهو ما تعمدوا بتره، فلا تعارض بين أول الحديث وآخره كما جاء فى رواية مسلم عن عائشة –رضى الله عنهما– قالت: دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى امرأة من اليهود. وهى تقول هل شعرت أنكم تفتنون فى القبور؟ قالت: فَارْتَاعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تُفتنُ يهودُ" قالت عائشة: فلبثنا ليالى. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل شعرت أنه أوحى إلى أنكم تفتنون فى القبور؟ " قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بَعْدُ، يستعيذُ من عذاب القبر" (2) .
قال الحافظ ابن حجر: وحاصل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أوحى إليه أن المؤمنين يفتنون فى القبور فقال:"إنما يفتن يهود" فجرى على ما كان عنده من علم ذلك، ثم لما علم بأن ذلك يقع لغير اليهود استعاذ منه، وعلمه، وأمر بإيقاعه فى الصلاة، ليكون أنجح فى الإجابة" (3) .
__________
(1) المنهاج شرح مسلم للنووى 9/225 رقم 2874.
(2) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر … إلخ 3/91، 92 رقم 584.
(3) فتح البارى 11/180 رقم 6366.(1/1026)
وفى رواية أخرى عنها –رضى الله عنها– قالت: دخلت عَلَىَّ عَجُوزانِ من عُجُز يهود المدينة. فقالتا: إن أهل القبور يعذبون فى قبورهم. قالت: فكذبتُهُما. ولم أنعم أن أَصَدِّقَهُمَا. فَخَرَجَتَا. ودخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله! إن عَجُوَزَيْنِ من عُجُزِ يهود المدينة دخلتا على فزعمتا أنَّ أهل القبور يُعذبون فى قبورهم. فقال: "صدقتا. إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم" قالت: فما رأيته، بعد، فى صلاة، إلا يتعوذ من عذاب القبر" (1) .
... قال الحافظ ابن حجر: "وبين هاتين الروايتين مخالفة، لأن فى هذه أنه صلى الله عليه وسلم، أنكر على اليهودية، وفى الأول أنه أقرها.
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر 11/178 رقم 6366، ومسلم "بشرح النووى" كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر … إلخ 3/92 رقم 586 واللفظ له.(1/1027)
قال النووى تبعاً للطحاوى وغيره: هما قصتان، فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم، قول اليهودية فى القصة الأولى، ثم أعلم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهودية مرة أخرى، فذكرت لها ذلك، فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبى صلى الله عليه وسلم بأن الوحى نزل بإثباته، ويدل على ذلك صراحة، ما رواه أحمد فى مسنده بإسناد على شرط البخارى عن عائشة –رضى الله عنها-: "أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة إليها شيئاً من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر قالت: فقلت: يا رسول الله هل للقبر عذاب؟ قال: كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار، وهو ينادى بأعلى صوته: "أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر؛ فإن عذاب القبر حق" (1) .
__________
(1) المسند 6/81، 89، 174، وعزاه الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 3/55 إلى أحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح، انظر دفع الشبهات لأحمد حجازى السقا ص208، 209 حيث بتر هذه الرواية مكتفياً فى سردها إلى قوله صلى الله عليه وسلم لا عذاب دون يوم القيامة، موهماً أن هذه الرواية تنفى عذاب القبر. فتأمل كيف يحرفون الكلم عن مواضعه.(1/1028)
.. وفى هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم، إنما علم بحكم عذاب القبر، إذ هو بالمدينة فى آخر الأمر، وهذا لا يستشكل مع ما نزل بمكة من قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (1) وقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (2) . لأن الآيتين بظاهر منطوقهما فى حق الكفار.
والذى أنكره النبى صلى الله عليه وسلم، إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين، ثم اعلم صلى الله عليه وسلم، أن ذلك قد يقع على من يشاء منهم، فجزم به، وحذر منه، وبالغ فى الاستعاذة منه تعليماً لأمته وإرشاداً، فانتفى التعارض بحمد الله تعالى (3) أ. هـ.
__________
(1) الآية 27 من سورة إبراهيم.
(2) الآية 46 من سورة غافر.
(3) انظر: فتح البارى 3/278، 279، وانظر: تصريح البراء بن عازب رضي الله عنه بأن آية "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ" قال نزلت فى عذاب القبر" أ. هـ. أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه 9/221رقم2871،والنسائى فى سننه كتاب الجنائز، باب عذاب القبر4/101رقم2056.(1/1029)
.. أما دعوى القاضى عبد الجبار ومن قال بقوله: إن قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (1) فى آل فرعون خاصة (2) .
فيجاب علىذلك: بأن دعوى الخصوصية ممتنعة، ولا دليل عليها، ومما يؤيد ذلك ما يلى:
أولاً: لقد احتج أهل العلم بهذه الآية على عذاب القبر، وما زالوا يستشهدون بها على إثباته (3) ، حتى قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: "وهذه الآية أصل كبير فى استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ فى القبور" (4) .
ثانياً: لقد فهم الصحابة والتابعون رضي الله عنهم عدم الخصوصية فى الآية، ولذلك جعلوها مستنداً لهم فى إثبات عذاب القبر (5) .
__________
(1) الآية 46 من سورة غافر.
(2) شرح الأصول ص 730، ودفع الشبهات عن الشيخ محمد الغزالى لأحمد حجازى السقا ص209، وراجع: المصادر السابقة ص 818، 819.
(3) انظر: المنهاج شرح مسلم 9/223 رقم 2866، والجامع لأحكام القرآن 15/318، 319، وفتح البارى 3/276، وتفسير القرآن العظيم 4/81.
(4) تفسير القرآن العظيم 4/81.
(5) انظر: الجامع لأحكام القرآن 15/319، وانظر: استدلال جرير بن عبد الله رضي الله عنه على ذلك فى رواية البراء بن عازب عند أبى داود وستأتى بعد قليل ص 826.(1/1030)
ثالثاً: روى البخارى بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى، إن كان من أهل الجنة؛ فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار؛ فمن أهل النار يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة" (1) وهذا فى معنى الآية (2) .
... أما زعمهم بأن أحاديث عذاب القبر آحاد لا يحتج بها هنا فى العقائد، فقد سبق أن جماعة من الأئمة نصوا على أن الأحاديث الواردة فى عذاب القبر، وسؤاله، ونعيمه، متواترة بمجموعها تواتراً معنوياً، وإن لم يبلغ آحادها حد التواتر.
وحتى لو كانت أحاداً لوجب علينا التسليم لها، والإيمان بمضمونها، متى ثبتت صحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن دلت على عقيدة خلافاً لمن أبى ذلك.
فخبر الآحاد حجة فى العقائد كما سبق تفصيله فى غير موضع من البحث (3) .
وأما دليلهم العقلى فيجاب عنه بالآتى:
أولاً: هذا إقحام منهم للعقل فى أمر لا طاقة له به، ولا مدخل له فيه؛ لأن عذاب القبر ونعيمه أمر غيبى لا عهد للعقول به فى هذه الدار، ولا يمكنها أن تصل إلى كيفيته، وإنما يتوقف الإيمان فيه على النصوص الواردة، وإن كان العقل لا يمنع وقوعه، والشرع لا يأتى بما تحيله العقول، ولكنه يأتى بما تحار فيه العقول (4) .
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشى 3/286 رقم 1379، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه … إلخ 9/218 رقم 2866، واللفظ لمسلم.
(2) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/414 – 415.
(3) راجع: إن شئت ص 497، 552-566، 751-753، 757، 758، 787-788.
(4) انظر: شرح الطحاوية 2/136بتصرف.(1/1031)
ثانياً: إن الحياة التى يحياها الميت فى قبره والتى دل عليها حديث النبى صلى الله عليه وسلم، فى قوله: "فتعاد روحه إلى جسده" (1) حياة أخرى غير هذه الحياة المعهودة فى الدنيا التى تقوم فيها الروح بالبدن، وتصرفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، وهذا أمر لا يكذبه العقل ولا ينفيه (2) .
يقول ابن قيم الجوزية – رحمه الله – "إن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به فى بطن الأم جنيناً.
الثانى: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به فى حال النوم فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به فى البرزخ (3) ؛ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها التفات إليه البته.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً، ولا نوماً، ولا فساداً.
... وإذا كان النائم روحه فى جسده وهو حى، وحياته غير حياة المستيقظ، فإن النوم شقيق الموت، فهكذا الميت إذا أعيدت روحه إلى جسده، كانت له حال متوسطة بين الحى وبين الميت الذى لم ترد روحه إلى بدنه، كحال النائم المتوسطة بين الحى والميت، فتأمل هذا يزيح عنك إشكالات كثيرة" (4) .
__________
(1) جزء من حديث البراء بن عازب الطويل فى شأن عذاب القبر، والحديث أخرجه أبو داود فى سننه بطوله، فى كتاب السنة، باب فى المسألة فى القبر وعذاب القبر 4/239، 240 رقم 4753، وأحمد فى المسند 4/287 – 288، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح 3/52 – 53.
(2) انظر: الروح ص 62، وفتح البارى 3/241.
(3) البرزخ: هو الحاجز بين الشيئين، والمراد به الفترة ما بين الموت إلى القيامة. انظر: القاموس المحيط 1/255.
(4) الروح ص 62، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية 2/136.(1/1032)
.. واعلم: أن الرسل "صلوات الله وسلامه عليهم" لا يخبرون بما تحيله العقول وتنافيه، ولكن إخبارهم إما أن يشهد به العقل والفطرة، وإما أن لا يدركه العقل لعجزه عن الوصول إلى حقيقته وكنهه، ولا يكون الخبر بذلك محالاً فى العقل، وبالتالى كل خبر يظن أن العقل يحيله فإما أن يكون كذباً أو يكون ذلك العقل فاسداً (1) .
وبعد
فإن عذاب القبر أو نعيمه حق ثابت بظاهر القرآن، وصريح السنة المطهرة وعلى ذلك إجماع أهل السنة (2) .
فإن الميت إذا مات يكون فى نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى، أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين (3) .
أدلة عذاب القبر ونعيمه:
... الذى يلقى نظرة فى القرآن الكريم، والسنة المطهرة يجد أن عذاب من يستحق العذاب، ونعيم من يستحق النعيم يبدأ منذ قدوم الملائكة لأخذ روحه عند الموت قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْءَايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (4) .
__________
(1) الروح ص 86، 87 بتصرف، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة1/403–405.
(2) شرح لمعة الاعتقاد الهادى إلى سبيل الرشاد لابن قدامة المقدسى ص 69، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/397.
(3) الروح ص 74، ولوامع الأنوار البهية 2/25.
(4) الآية 93 من سورة الأنعام.(1/1033)
.. فقوله تعالى: "وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ" أى بالضرب حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم، وهو كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (1) وفى حق أهل النعيم قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2) مع قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (3) . وغير ذلك من الآيات.
... وهذا وإن كان قبل الدفن، فهو من جملة العذاب أو النعيم الواقع قبل يوم القيامة.
وإنما أضيف العذاب أو النعيم إلى القبر لكون معظمة يقع فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، وإلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته، ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا ما شاء الله" (4) .
وهذا خلافاً لمن أنكر ذلك من المعتزلة، وقال بعذاب القبر لمن قبر فقط (5) .
... كما دلت الأدلة على وقوع النعيم أو العذاب عقب الدفن، وبعد سؤال الملكين، وامتحانهما له.
__________
(1) الآية 50 من سورة الأنفال.
(2) الآية 32 من سورة النحل.
(3) الآية 30 من سورة فصلت.
(4) الفصل فى الملل والنحل 4/67، وفتح البارى 3/275، 276.
(5) انظر: شرح الأصول ص 733.(1/1034)
فقد جاء فى حديث البراء بن عازب فى شأن المؤمن: "فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها، وطيبها ويفسح له فى قبره" وقال فى الكافر: "فينادى مناد من السماء أن كذب عبدى فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه …" الحديث (1) .
... فهذا نص صريح على وقوع النعيم أو العذاب بعد الدفن.
وفى الحديث عن زيد بن ثابت مرفوعاً: "إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها. فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع …، الحديث (2) .
... فقد دلت هذه الأحاديث وغيرها فى الصحيح كثير، على وقوع عذاب القبر بعد الدفن.
وهل يدوم ذلك إلى يوم القيامة أم ينقطع؟ الظاهر من النصوص، أن منه ما هو دائم إلى يوم القيامة، وهو عذاب الكفار، كما قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (3) وقال تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (4) .
قال الحافظ ابن حجر قال الطبرى: "الأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر، والأخرى تحتمل الجوع أو السبى أو القتل أو الإذلال أو غير ذلك" (5) .
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى المسئلة فى القبر وعذاب القبر4/239رقم4753.
(2) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر … إلخ 9/218،219رقم2867.
(3) الآية 46 من سورة غافر.
(4) الآية 101 من سورة التوبة.
(5) فتح البارى 3/276 رقم 1369 بتصرف يسير.(1/1035)
وفى حديث أبى هريرة فى شأن المنافقين "فيقال للأرض: التئمى عليه، فتلتئم عليه فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" (1) .
... ومنه الذى يدوم مدة ثم ينقطع وهو عذاب بعض العصاة، فإنهم يعذبون على قدر جرائمهم، ثم يخفف عنهم (2) .
... وبالتالى زعم القاضىّ عبد الجبار ومن قال بقوله: إن العذاب يؤخر إلى ما بين النفختين (3) ؛ زعم لا حقيقة له؛ لأن الأدلة السابقة تخالفه، والآية التى استدلوا بها دليل عليهم لا لهم، لأن المراد بالبرزخ هو الحاجز الذى بين الدنيا والآخرة، وهى فترة بقاء الناس فى قبورهم (4) .
... إن الله عز وجل جعل أمر الآخرة وما يتصل بها من حياة البرزخ أمراً غيبياً محجوباً عن المكلفين فى هذه الدار، لكمال حكمته سبحانه وتعالى، وليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم (5) .
... ولو أطلع الله العباد على عذاب القبر؛ لزالت حكمة التكليف، والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس، كما ثبت فى صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فلولا أن لا تدافنوا؛ لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع منه (6) .
... ولما كانت هذه الحكمة منفية فى البهائم، سمعت ذلك وأدركته كما سبق فى الحديث (7) . إن الله عز وجل حجب بنى آدم، من رؤية كثير مما يحدث فى هذه الدنيا، فجبريل
__________
(1) جزء من حديث طويل أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الجنائز، باب ما جاء فى عذاب القبر 3/383، 384 رقم 1071 وقال: حديث حسن غريب.
(2) انظر: شرح العقيدة الطحاوية 2/139.
(3) انظر: شرح الأصول ص 732.
(4) انظر: تفسير القرآن العظيم 3/256.
(5) انظر: الروح ص 89.
(6) سبق تخريجه ص 829.
(7) راجع: ص 824.(1/1036)
-عليه السلام- كان ينزل بالوحى على النبى صلى الله عليه وسلم ويخاطبه على كثب من الصحابة رضي الله عنهم وهم لا يرونه، والجن يعيشون بيننا، ويتكلمون فيما بينهم، ونحن لا نراهم، ولا نسمع كلامهم، والنائم يجد ألماً ولذة فى نومه، ولا يحس بذلك جليسه، بل اليقظان يحس بالألم، ويشعر باللذة ولا يجد ذلك من يجالسه (1) .
والمحتضر يشعر بالألم عند احتضاره، وتضربه الملائكة، والحاضرون لا يرون ذلك.
كذلك عذاب القبر، ونعيمه، يقع على الميت، حتى لو دفن رجلان أحدهما إلى جنب الآخر، وكان أحدهما منعماً، والآخر معذباً، فإن نعيم الأول لا يصل إلى الثانى، وكذا عذاب الثانى لا يصل إلى الأول. وقدرة رب العزة أعجب، وأوسع من ذلك (2) . فقياس أحوال الآخرة، وحياة البرزخ بأحوال الدنيا، قياس للغائب، على الشاهد، وهو محض الضلال، والجهل، وتكذيب الرسل صلوات الله وسلامه عليهم (3) أ. هـ.
اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات،
ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم إنى اسألك حسن الخاتمة
__________
(1) انظر: المنهاج شرح مسلم للنووى 9/224 رقم 2866-2875، وفتح البارى 3/278 رقم 1374، والروح ص 90، 91.
(2) انظر: شرح الطحاوية 2/138، والروح ص 92،93، والاعتصام 2/569.
(3) انظر: فتح البارى 3/278 رقم 1374، الروح ص 100، وللاستزادة انظر: إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين للإمام البيهقى، والغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد همام، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/397-415.(1/1037)
الفصل السادس: أحاديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار"
و"نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام" وحديث "سحر النبى صلى الله عليه وسلم"
... وتحته أربعة مباحث:
المبحث الأول: شبهة مخالفة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة المطهرة، عن سيرته فى القرآن الكريم. والرد عليها.
المبحث الثانى: شبه الطاعنين فى حديث "أنس بن مالك فى خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها.
المبحث الثالث: شبه الطاعنين فى حديثى نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام والرد عليها.
المبحث الرابع: شبه الطاعنين فى حديث سحر النبى صلى الله عليه وسلم والرد عليها.
المبحث الأول: شبهة مخالفة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة المطهرة عن سيرته فى القرآن الكريم
والرد عليها
سيرة النبى صلى الله عليه وسلم بين حقائق القرآن الكريم وروايات الإمام البخارى:
... حرص أعداء السنة الشريفة، وهم يطعنون فى صحيح الإمام البخارى، إ يهام الناس أجمعين بأن شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، كما رسمها القرآن تختلف عن شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، كما رسمها البخارى، وغيره من أصحاب كتب السنة المطهرة، والنتيجة كما يزعمون الإساءة المتعمدة لشخص النبى صلى الله عليه وسلم، من الإمام البخارى (1) وحاشاه من ذلك.
__________
(1) انظر: لماذا القرآن ص 85، وقراءة فى صحيح البخارى ص 41-46، كلاهما لأحمد صبحى منصور، ودين السلطان ص418، 425، 450، 588، 604، 614، وراجع من نفس الكتاب ص64، 67، 92، وانظر: أنذار من السماء ص 135، 191، 699.كلاهما لنيازى عزالدين، وأهل السنة شعب الله المختار ص66، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص 45-326 كلاهما لصالح الوردانى.(1/1038)
.. وهم قد لبسوا لهذه النتيجة لباس العلماء لإيهام القارئ أنهم على صواب؛ فساروا خلف بعض الأحاديث انتزعوها انتزاعاً من بين سطور الإمام البخارى، وعمدوا إلى بتر هذه الأحاديث تارة، وإلى إعادة صيغتها بأسلوبهم، وتحميل ألفاظها مالا تحتمل من المعانى تارة ثانية، وعمدوا إلى الأمرين معاً تارة ثالثة.
... ومن هذه الأحاديث التى استدلوا بها على زعمهم فى مخالفة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، كما رسمها القرآن، عن السيرة التى رسمها الإمام البخارى فى صحيحه.
أ- أحاديث جاء فيها لفظ (الخلوة) كحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم؛ خلا بإمرأة من الأنصار فى بعض طرق المدينة تستفيه فى أمر من أمور دينها، وحديثه عن أمه أم سليم، وخالته أم حرام –رضى الله عنهما- فى زيارته صلى الله عليه وسلم، لهما، ونومه عندهما فى وقت القيلولة.
بهذه الروايات التى جاء فيها لفظ الخلوة، حملوها على الخلوة المحرمة، وساقوا روايات هذه الأحاديث بأسلوب يهيج الغرائز عند الشباب، ويطيح بكل تقدير للنبى صلى الله عليه وسلم، وللأسلاف والأجداد، مع بُعْدِ سياق هذه الروايات فى صحيح البخارى، عن أسلوب سياقهم لها(1/1039)
وَبُعْدهَا أيضاً عن الهدف الذى يرمون إليه من الطعن فى عدالة الإمام البخارى (1) ، وصحيحه الجامع، وزعمهم برسمه صورة لسيرة النبى صلى الله عليه وسلم، مخالفة لصورته فى القرآن الكريم (2) .
ب- حديث سحر النبى صلى الله عليه وسلم وزعمهم بأنه يحط من مقام النبوة، ويطعن فى عصمته صلى الله عليه وسلم، ويخالف القرآن الكريم، فى قوله تعالى: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (3) .
... وسوف نذكر شبه الطاعنين فى الأحاديث السابقة، والرد عليها فى المباحث التالية. وذلك بعد الجواب عن زعمهم مخالفة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة المطهرة، عن سيرته فى القرآن الكريم.
الجواب:
__________
(1) البخارى هو: أمير المؤمنين فى الحديث، الإمام أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بَرْدِزْبَه، كان جده بَرْدِزْبَه مجوسياً على دين قومه، ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفى، والى بخارى. فى هذا الوقت، فنسب إليه بالولاء، فمن ثم قيل فى نسبه (الجعفى) ، وهو الحافظ العلم، صاحب (الجامع الصحيح) ، و (التاريخ الكبير) و (الأدب المفرد) و (القراءة خلف الإمام) وغير ذلك. مات سنة 256هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 2/555 رقم 578، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 252 رقم 560، والتقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد لابن نقطة ص 30 رقم 6، والإرشاد للخليلى ص 377-380، وطبقات المفسرين للداودى 2/104 رقم 463، والإمام البخارى أمير المؤمنين فى الحديث للأستاذ الدكتور يوسف الكتانى ص 5-20، ومقدمة فتح البارى ص501-518.
(2) انظر: السنة فى مواجهة أعدائها لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 190-207.
(3) الآية 8 من سورة الفرقان.(1/1040)
.. أقول كما قال فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى: "البخارى ليس له، ولا لغيره، أن يرسم شخصية النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، بكل بساطة ترجع إلى عناصر ومقومات قد وضعها الله فيه، فالأنبياء جميعاً قد اصطنعهم الله عز وجل لنفسه، وهو قد صنعهم على عينه، فهو وحده الذى يستطيع أن يرسم لنا صورة فيما اصطنعه لنفسه، وصنعه على عينه، ثم يحدد لنا بعد رسم شخصيته، مستوى العلاقة التى ستكون بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم.
... هذا كله لله وحده، وليس لأحد أن يتدخل فى شئ منه. والله عز وجل قد حدد لنا شخصية النبى صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم وحياً يوحى، وحددها لنا النبى صلى الله عليه وسلم عن طريق أقواله وأفعاله، وصفاته، وجلها أمور محكومة بالوحى.
ودور الإمام البخارى، وغيره من أصحاب المصنفات الحديثية، هو تسجيل تلك الأمور كلها وما فيها من وقائع تاريخية.
والتأكد منها سهل ميسور، فنحن بإمكاننا أن نحلل الواقعة التاريخية التى يتحدث عنها البخارى أو غيره، وندرسها دراسة وافية على أساس من المنهج المنضبط، ثم نحن نستطيع أن ندرس هؤلاء النقلة الذين نقلوا هذه الواقعة فى جيل أو جيلين إلى أن وصلوا إلى البخارى، أو إلى غيرة من الرواة.
... وهذا ما قام به أئمة أعلام من سلفنا الصالح، وأسفرت نتيجة جهودهم فى النقد والتمحيص، إلى صحة الكتاب، سوى أحرف يسيرة، والقول فيها ما قاله البخارى، وبعض تلك الأحرف لا تصل إلى درجة الوضع، بل ولا حتى إلى درجة الضعف الذى لا يحتمل، وقد سبق تفصيل ذلك (1) .
... ومن هنا ينبغى أن نتفق من البداية؛ أنه ليس لأحد أن يرسم من خياله صورة لنبى مرسل، سواء كان هذا النبى هو النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأنبياء (2) .
__________
(1) راجع: ص 691-697.
(2) انظر: السنة فى مواجهة أعدائها لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 190 بتصرف.(1/1041)
.. وهنا نأتى للجواب عما استدلوا به من أحاديث تخالف فى زعمهم حقائق القرآن الكريم. فإلى بيان ذلك.
المبحث الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث أنس بن مالك فى خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار
والرد عليها
... روى الإمام البخارى فى صحيحه بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: "جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبى لها، فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والذى نفسى بيده، إنكم أحب الناس إلىَّ مرتين" (1) .
... بهذه الرواية طعن أعداء السنة فى صحيح الإمام البخارى، وأوهموا القارئ بأن الحديث يطعن فى شخص النبى صلى الله عليه وسلم، حيث جاء فى الرواية أنه صلى الله عليه وسلم، خلا بها، ثم قال "إنكم أحب الناس إلىَّ".
يقول أحمد صبحى منصور: "والرواية تريد للقارئ أن يتخيل ما حدث فى تلك الخلوة التى انتهت بكلمات الحب تلك، وذلك ما يريده البخارى بالطبع" (2) .
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلى 7/142 رقم 3786، وكتاب النكاح، باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس 9/244 رقم 5234 وكتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبى صلى الله عليه وسلم 11/534 رقم 6645، ومسلم "بشرح النووى" كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأنصار - رضي الله عنهم - 8/ 306 رقم 2509.
(2) لماذا القرآن ص 91، 92، وقراءة فى صحيح البخارى ص 22، كلاهما لأحمد صبحى منصور، وانظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص 39، 64، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى لأحمد حجازى السقا ص 210.(1/1042)
والجواب:
... نقول لهؤلاء النابتة الضالة التى تريد الطعن والتشكيك فى صحيح الإمام البخارى لتسقط مكانته كأصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ولتسقط بسقوطه كل كتب السُّنة التى تليه، إذ هو بمثابة الرأس، لكتب السنة، وبسقوط الرأس يسقط كل الجسد.
نقول لهم إن كنتم صادقين فى دعواكم تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يشكك فى سيرته العطرة، وأخلاقه العظيمة، وتزعمون أن البخارى بإخراجه لهذه الرواية فى صحيحه، قد افترى كذباً على الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكك فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وحاشا للإمام البخارى من ذلك. وإن كنتم حقاً أهل علم، وبحث عن الحقيقة،
فلماذا تعمدتم عدم ذكر اسم عنوان الباب الذى ذكر تحته الإمام البخارى هذا الحديث؟ وهو باب "ما يجوز أن يخلوا الرجل بالمرأة عند الناس".
ولماذا تجاهلتم ما قاله شُرَاح الحديث فى بيانهم للمراد من الخلوة، وكيف كانت تلك الخلوة، ولماذا اختلى بها النبى صلى الله عليه وسلم؟
... نعم تعمدتم عدم ذكر ذلك تلبيساً منكم وتضليلاً للقارئ، ولأنكم تعلمون كما تعلم الدنيا بأسرها، أن فقه الإمام البخارى فى تراجم أبوابه، وتعلمون أنكم بذكركم عنوان الباب، ينكشف كذبكم وتضليلكم.
كما أنكم تجاهلتم ما قاله شراح الحديث من أئمة المسلمين، والذين تحرصون على وصفهم بأنهم يقدسون البخارى، ويعبدونه من دون الله "وحاشاهم من ذلك".
تجاهلتم ما فسروه وبينوه من معنى "خلوة الرجل بالمرأة عند الناس" وكيف كانت تلك الخلوة؟!
والنتيجة من تجاهلكم كل ذلك أنكم سفهتم عقول أئمة المسلمين، واستخففتم بعقول القارئ لكم.
... وتعالوا بنا لنظهر للقارئ ما حرصتم على كتمانه، ولنترك له الحكم بعد ذلك، من الصادق، البخارى أم أنتم؟ ومن الطاعن والمشكك فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، البخارى أم أنتم؟
ومن المحترم لعقل القارئ، البخارى أم أنتم؟(1/1043)
.. يقول الحافظ "ابن حجر" – رحمه الله – شارحاً المراد من عنوان الباب الذى ذكر الإمام البخارى تحته حديث أنس قال: قوله: "باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس" أى لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بحيث لا يسمعون كلامهما، إذا كان بما يخافت به، كالشئ الذى تستحى المرأة من ذكره بين الناس، وأخذ المصنف قوله فى الترجمة "عند الناس" من قوله فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو فى بعض السكك" وهى الطرق المسلوكة التى لا تنفك عن مرور الناس غالباً.
... وقوله "فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" أى فى بعض الطرق، قال المهلب: لم يرد أنس أنه خلا بها، بحيث غاب عن أبصار من كان معه، وإنما خلا بها، بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام، ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله، ولم ينقل ما دار بينهما؛ لأنه لم يسمعه.
... وفى رواية مسلم عن أنس "أن امرأة كان فى عقلها شئ فقالت: يا رسول الله! إن لى إليك حاجة، فقال: يا أم فلان! أى السكك شئت، حتى أقضى لك حاجتك، فخلا معها فى بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها" (1) .
... قال الإمام النووى قوله: "خلا معها فى بعض الطرق" أى وقف معها فى طريق مسلوك، ليقضى حاجتها ويفتيها فى الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإن هذا كان فى ممر الناس، ومشاهدتهم إ ياه وإ ياها، لكن لا يسمعون كلامها، لأن مسألتها مما لا يظهره" (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الفضائل، باب قرب النبى صلى الله عليه وسلم، من الناس وتبركهم به 8/90 رقم 2326، وأخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأدب، باب الجلوس فى الطرقات 4/257 رقمى 4818، 4819.
(2) المنهاج شرح مسلم للنووى 8/91.(1/1044)
.. قال الحافظ ابن حجر: وفى هذه الرواية بيان "أن مفاوضة الأجنبية سراً لا يقدح فى الدين عند أمن الفتنة، ولكن الأمر كما قالت عائشة: "وأيكم يملك أربه كما كان صلى الله عليه وسلم، يملك أربه" (1) .
... أما قوله "والذى نفسى بيده"، إنكم أحب الناس إلىَّ –مرتين– وفى رواية ثلاث مرات، هو على طريق الإجمال، أى مجموعكم أحب إلى من مجموع غيركم".
... وفى هذه الجملة منقبة للأنصار حيث جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم، حبهم من علامات الإيمان وبغضهم من علامات النفاق، فقال صلى الله عليه وسلم: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ومن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله" (2) .
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض 1/481 رقم 302، وكتاب الصوم، باب المباشرة للصائم 4/176 رقم 1927، وأخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار 2/207 رقم 293، وكتاب الصيام باب بيان أن القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته 4/231 رقم 1106، وانظر: فتح البارى 9/245 رقم 5234.
(2) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان 7/141 رقم 3783 ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 1/340 رقم 75.(1/1045)
.. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: "أية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار" (1) ومن هنا كرر الإمام البخارى، حديث أنس فى كتاب مناقب الأنصار.
قال الحافظ ابن حجر: "وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل، من إيواء النبى صلى الله عليه وسلم، ومن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم فى كثير من الأمور على أنفسهم، فكان صنيعهم لذلك موجباً لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم، والعداوة تجر البغض، ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجباً للحسد، والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب فى حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم فى معنى ذلك مشاركاً لهم فى الفضل المذكور كل بقسطه. وقد ثبت فى صحيح مسلم عن علىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال له "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" (2) ، وهذا جار باطراد فى أعيان الصحابة، لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن العناء فى الدين" (3) .
وبعد
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار 1/80 رقم17، وكتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان 7/141 رقم 3784، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 1/340 رقم 128.
(2) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلىرضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 1/341 رقم 78.
(3) فتح البارى 1/81 رقم 17.(1/1046)
فقد ظهر واضحاً جلياً لكل ذى عقل، وقلب سليم، أن الحديث صحيح رواية ودراية، وأن ما زعمه أهل الزيغ من أن لفظ الخلوة فى الحديث - محمول على الخلوة المحرمة، مردود عليهم بما جاء فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو بعض السكك، وهى الطرق التى لا يخلو منها المارة من الناس.
كما اتضح جلياً أن تلك المرأة التى خلى بها النبى صلى الله عليه وسلم، كانت لها مسألة أرادت أن تستفتى فيها النبى صلى الله عليه وسلم، وتلك المسألة مما تستحى من ذكره النساء بحضرة الناس، وكانت إجابة النبى صلى الله عليه وسلم، لها أن تلتمس بعض الطرق أى تلتمس أى جانب من الأماكن العامة التى لا تخلو من مرور الناس غالباً حتى يسمع حاجتها، ويقضيها لها، ومن هنا جاء التعبير بلفظ الخلوة، وكل هذا صرحت به رواية الإمام مسلم.
وما ختم به النبى صلى الله عليه وسلم، حديثه مع المرأة من قوله "والذى نفسى بيده إنكم أحب الناس إلى" هذا منه صلى الله عليه وسلم، تأكيداً لما قاله مراراً من جعله علامات الإيمان حب الأنصار، ومن علامات النفاق بغضهم، ثم إن هذه الكلمة قالها النبى صلى الله عليه وسلم، جهاراً على ملأ من الناس - لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس.
... ففى رواية البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أبصر النبى صلى الله عليه وسلم، نساءاً وصبياناً مقبلين من عرس فقام ممتناً فقال "أنتم من أحب الناس إلى" (1) .
فهل بقى بعد كل هذا حجة فى الحديث لمن أرادوا أن يشوشوا به على سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وهم يوهمون البسطاء أنهم من المحبين للنبى صلى الله عليه وسلم، المدافعين عنه، فىالوقت الذى يجحدون فيه سنته العطرة، ويطعنون فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، ويسفهون عقول المسلمين القائلين بقول سلفهم الصالح - رضي الله عنهم - ويستخفون بعقول القارئ لهم؟ أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار: أنتم أحب الناس إلى 7/142 رقم 3785، وكتاب النكاح، باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس 9/156 رقم 5180.(1/1047)
المبحث الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم، وأم حرام
والرد عليها
أولاً: حديث أم سليم - رضى الله عنها -:
... روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن أم سليم (1) كان تبسط للنبى صلى الله عليه وسلم، نَطْعاً فَيَقِيلُ عِنْدهَا على ذلك النطع، قال: فإذا نام صلى الله عليه وسلم، أخذت من عَرَقِه وشعره فجمعَتْهُ فى قارورة، ثم جمعَتْه فى سُكّ وهو نائم. قال: فلما حضرَ أنسَ ابن مالك الوفاةُ أوصى إلىَّ أن يُجعلَ فى حَنوطِه من ذلك السُّكّ، قال فجُعِل فى حَنوطه" (2)
__________
(1) أم سليم: هى أم سليم بنت ملحان، واسم ملحان: مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب ابن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارية الخزرجية النجارية، أم أنس بن مالك، اختلف فى اسمها فقيل: سلهة، وقيل: رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، والغميصاء، والرميصاء. كانت تحت مالك بن النضر، والد أنس بن مالك فى الجاهلية، فغضب عليها وخرج إلى الشام، ومات هناك. فخطبها أبو طلحة الأنصارى وهو مشرك، فقالت: أما إنى فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فلك مهرى، ولا أسألك غيره، فأسلم وتزوجها وحسن إسلامه، فولدت له غلاماً مات صغيراً، وهو أبو عمير، وكان معجبابه، فأسف عليه ثم ولدت له عبد الله بن أبى طلحة، وهو والد إسحاق، فبارك الله فى إسحاق وأخوته، وكانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم، وكانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت عنه أحاديث، وروى عنها ابنها أنس رضي الله عنه، وكانت من عقلاء النساء، ماتت فى خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه. انظر فى ترجمتها: اسد الغابة7/333رقم7479،والاستيعاب4/1940رقم 4163، والإصابة4/441رقم12077، وتاريخ الصحابة ص 276 رقم 1573، وتجريد أسماء الصحابة 2/333.
(2) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الاستئذان، باب من زار قوماً فَقَالَ عندهم 11/73 رقم 6281، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبى صلى الله عليه وسلم، والتبرك به 8/96 رقم 2332.(1/1048)
ثانياً: حديث أم حرام -رضى الله عنها-:
... روى البخارى ومسلم - رحمهما الله - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان (1) ، فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمْتهُ، وجعلت تَفْلِى رَأْسُهُ، فَنَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتى عُرضوا على غُزَاةً فى سبيل الله، يركبون ثَبَجَ هذا البحر مُلُوكاً على الأَسِرَّةِ أو مِثلَ المُلُوك على الأَسِرَّة، شكَّ -إسحاقُ- قالت فقلتُ: يا رسولَ الله، ادعُ الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسَهُ، ثم استيقظ وهو يضحك. فقلتُ: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناسٌ من أُمتى عُرضوا على غُزاةً فى سبيل الله -كما قال فى الأول- قالتُ فقلتُ: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال: أنت من الأولينَ0 فركبتِ البحرَ فى زمن معاويةَ بن أبى سفيان فُصِرعَتْ عن داَّبُتها حين خرجتْ من البَحِر فهَلَكْت" (2)
__________
(1) أم حرام: هى أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارية الخزرجية - زوج عبادة بن الصامت، وأخت أم سليم، وخالة أنس ابن مالك، ولا يصح لها اسم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها ويزورها فى بيتها، ويقيل عندها،= =ودعا لها بالشهادة، ماتت فى خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه انظر فى ترجمتها: اسد الغابة 7/304، 305 رقم 7411، والإصابة 4/441 رقم 11971، والاستيعاب 4/1931 رقم 4137، وتجريد أسماء الصحابة 2/316، وتاريخ الصحابة ص 276 رقم 1573.
(2) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 6/13 رقمى 2788، 2789، وباب فضل من يصرع فى سبيل الله فمات فهو منهم 6/22 رقمى 2799، 2800، وباب غزو المرأة فى البحر 6/89 رقمى 2877، 2878، وباب ركوب البحر6/103رقمى2894، 2895، وباب ما قيل فى قتال الروم 6/120 رقم2924، وكتاب الاستئذان، باب من زار قوماً فَقَالَ عندهم 11/73 رقمى 6282، 6283، وكتاب التعبير، باب رؤيا النهار 12/408 رقمى 7001، 7002، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإمارة، باب فضل الغزو فى البحر 7/65 رقم 1812.(1/1049)
.. بالحديثان السابقان طعن أعداء السنة المطهرة، فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، وزعموا أن الروايات السابقة يلزم منها أن تكون هناك علاقات خاصة مع النبى صلى الله عليه وسلم، وهو الذى أدبه ربه فأحسن تأديبه.
يقول أحمد صبحى منصور: يريدنا البخارى أن نصدق أن بيوت النبى التى كانت مقصدا للضيوف، كانت لا تكفيه، وأنه كان يترك نساءه بعد الطواف عليهن ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره، وكيف كان يحدث ذلك … يريدنا البخارى أن نتخيل الإجابة … ونعوذ بالله من هذا الإفك ثم يؤكد البخارى على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام القائل، كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته، وجعلت تفلى رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت وما يضحكك يا رسول الله؟ إلخ. فالنبى على هذه الرواية المزعومة تعود الدخول على هذه المرأة المتزوجة، وليس فى مضمون الرواية وجود للزوج، أى تشير الرواية إلى أنه كان يدخل عليها فى غيبة زوجها، ويصور البخارى كيف زالت الكلفة والاحتشام بين النبى وتلك المرأة المزعومة، إذ كان ينام بين يديها وتفلى له رأسه وبالطبع لابد أن يتخيل القارئ موضع رأس النبى بينما تفليها له تلك المرأة فى هذه الرواية الخيالية، ثم بعد الأكل والنوم يستيقظ النبى من نومه، وهو يضحك ويدور حديث طويل بينه وبين تلك المرأة نعرف منه أن زوجها لم يكن موجوداً وإلا شارك فى الحديث. وصيغة الرواية تضمنت كثيراً من الإيحاءات والإشارات المقصودة، لتجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى. فتقول الرواية "كان رسول الله يدخل على أم حرام فتطعمه…" والبخارى هنا ينزل بالنبى الى درك التشبيه بالحيوانات الأليفة التى تدخل البيوت، فيعطف عليها حريم البيت ويطعمونها. ولاحظ اختيار لفظ الدخول على المرأة، ولم يقل كان يزور، ثم(1/1050)
يقول عن المرأة "وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت" فهنا تنبيه على أنها متزوجة، ولكن ليس لزوجها ذكر فى الرواية ليفهم القارئ أنه كان يدخل على تلك المرأة المتزوجة فى غيبة زوجها، ثم اختيار اسم المرأة "أم حرام" ليتبادر إلى ذهن القارئ أن ما يفعله النبى حرام وليس حلالاً. ثم يضع الراوى - بكل وقاحة- أفعالاً ينسبها للنبى -عليه السلام- لا يمكن أن تصدر من أى إنسان على مستوى متوسط من الأخلاق الحميدة، فكيف بالذى كان على خلق عظيم … عليه الصلاة والسلام، فيفترى الراوى كيف كانت تلك المرأة تطعمه، وتفلى له رأسه، وينام عندها، ثم يستيقظ ضاحكاً ويتحادثان … نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله … ويتركنا البخارى بعد هذه الإيحاءات المكشوفة، نتخيل ما معنى أن يخلو رجل بامرأة متزوجة فى بيتها، وفى غيبة زوجها، وأنها تطعمه وتفلى له رأسه، أى أن الكلفة قد زالت بينهما تماماً، وأنها تعامله، كما تعامل زوجها … ثم يقول "وجعلت تفلى له رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ …" ولابد أن القارئ سيسأل ببراءة … وأين نام النبى، وكيف نام، وتلك المرأة تفلى له رأسه، وآلاف الأسئلة تدور حول هدف واحد هو ما قصده البخارى بالضبط (1) .
__________
(1) لماذا القرآن ص 92-94، وقراءة فى صحيح البخارى ص 41-46 كلاهما لأحمد صبحى منصور، وانظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص530، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص 73، 75، وأهل السنة شعب الله المختار ص 272، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص 61-124، ثلاثتهم لصالح الوردانى.(1/1051)
والجواب:
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى رداً على أحمد صبحى منصور، وعلى من قال بقوله قال: "إن قصة أم سليم، وأم حرام، والتى لم يتورع أحمد صبحى منصور أن يتخذ منها تكأة للتشويش على شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، وهو يوهم البسطاء أنه من المحبين له المدافعين عنه، وهو لا يعلم أن التفصيل فى نفى النقص عن الكاملين نقص، خصوصاً إذا دخل فى شئ من التفصيل الممل، أو لعل صاحبنا يعلم هذه الجزئية، ويستغلها فى تشويه صورة النبى صلى الله عليه وسلم، والتقليل من هيبته فى نفوس أتباعه، وهذا مطمع قد طمع فيه من هم أكثر من صاحبنا بصراً بالمناهج، ومن هم أكثر منه حيطة بأساليب البحث والدرس، ومن هم أشد منه قوة وأعز نفراً، فما استطاعوا أن يظهروا به وما استطاعوا أن ينالوا من جدار العز للنبى صلى الله عليه وسلم نقباً.
والشئ الذى لم يعرفه هؤلاء، أن الروايات مجمعة تقريباً على أن النبى كان يكثر من التردد، والأكل والشرب، عند أم سليم، وأم حرام.
والباحث الحصيف يسأل هل هناك شئ من العلاقة بين هاتين المرأتين الجليلتين؟
... والروايات تجيب أن أم سليم، وأم حرام أختان، يقال لأحدهما الرميضاء، وللأخرى الغميصاء، لا بعينها، فمنهم من يقول: إن الرميصاء بالراء هى أم حرام، والغميصاء بالغين هى أم سليم، ومنهم من يعكس (1) .
... والرميصاء، والغميصاء: لفظان يدلان على حالتين فى العين متشابهتين، وهما حالتان خلقيتان ليس بالعين معهما من بأس.
__________
(1) انظر: فتح البارى 11/75 رقمى 6282، 6283.(1/1052)
.. وأم سليم هى أم أنس بن مالك رضي الله عنه، وأم حرام خالته، وأنس بن مالك كان فى صباه يخدم النبى عشر سنين وكان النبى يعامله معاملة تناسب أخلاق النبوة يقول أنس: خدمت النبى عشر سنين، فما قال لى لشئ فعلته لم فعلته، ولا لشئ تركته لما تركته (1) .
... هؤلاء ثلاثة ليسوا من المجاهيل فى الصحابة والصحابيات، وما الذى جعل علاقة النبى بهم على هذا المستوى من الاهتمام، وكثرة السؤال عنهم.
إن هذا لا يكون إلا فى حالة واحدة، وهى أن تكون هناك درجة من القرابة تجعل المرأتين من محارم النبى صلى الله عليه وسلم، سواء أكان ذلك من جهة النسب كما قال بعض المؤرخين، أو كان من جهة الرضاعة كما قال البعض الآخر (2) .
وإلا فهل يمكن عقلاً للنبى صلى الله عليه وسلم، أن يخالف الناس إلى ما ينهاهم عنه؟
وهل يمكن عقلاً أو اتفاقاً أن تقوم علاقة غير مشروعة وحاشاه بينه وبين أختين فى وقت واحد؟
وهل يجيز المنطق أو العادة أن يسمح النبى لغير قريبه من الصبيان أن يخدمه فى بيته عشر سنوات كاملات؟
وهل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق – زمن النبوة – مثل هذا الموقف دون استغلاله فى الطعن فى النبى صلى الله عليه وسلم، وفى نبوته؟
أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين بأن النبى صلى الله عليه وسلم، كان قريباً قرابة محرمة لأم سليم، وأختها أم حرام.
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" فى عدة أماكن منها كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل 10/471 رقم 6038، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الفضائل، باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً 8/76، 77 رقم 2309.
(2) انظر: فتح البارى 11/80، 81 رقمى 6282، 6283، والمنهاج شرح مسلم للنووى 7/67(1/1053)
وخصوصاً وأن بعض الروايات تقول كان النبى صلى الله عليه وسلم، يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه (1) ، ورواية تقول: "نام النبى صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وكانت تغسل رأسها، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسى قال لا" (2) .
وقد يقول قائل قريبات النبى صلى الله عليه وسلم معروفات، وليس منهن أم سليم ولا أم حرام.
والجواب أننا نتحدث عن مجتمع لم يكن يمسك سجلات للقرابات، وخاصة إذا كانت القرابة فى النساء، فهناك قريبات كثيرات أغفلهن التاريخ فى هذا المجتمع وأهملهن الرواة (3) .
قال الإمام النووى – رحمه الله – قوله: "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وتفلى رأسه، وينام عندها".
اتفق العلماء على أنها كانت محرماً له صلى الله عليه وسلم، واختلفوا فى كيفية ذلك.
فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده، لأن عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار.
وقوله: "تَفْلِى" بفتح التاء وإسكان الفاء وكسر اللام أى تفتش ما فى الرأس، وتقتل القمل منه، ولا يعنى وجود ذلك فى رأس النبى صلى الله عليه وسلم.
وأخذ من ذلك الحديث جواز فلى الرأس، وقتل القمل منه، وجواز ملامسة المحرم فى الرأس وغيره مما ليس بعورة، وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها، وهذا كله مجمع عليه (4)
__________
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبى صلى الله عليه وسلم 8/95 رقم 2331.
(2) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الجهاد باب فضل الغزو فى البحر 3/7 رقم 2492.
(3) انظر: السنة فى مواجهة أعدائها لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 204 هامش.
(4) المنهاج شرح مسلم للنووى 7/67.(1/1054)
.. يقول فضيلة الدكتور طه حبيشى: "بقى أن يتشدق صاحبنا فيقول: هب أن ذلك صحيح "وهو صحيح قطعاً" فكيف يدخل النبى بيتاً لمحرمة، وهى أم حرام من غير إذن زوجها عبادة بن الصامت؟
والجواب أن أم حرام كانت قد تزوجت مرتين، تزوجت مرة قبل عبادة بن الصامت وأنجبت، ثم قتل ابنها شهيداً فى إحدى معارك الإسلام، وبقيت بغير زواج لكبر سنها، ثم شاء الله أن تتزوج بعبادة بن الصامت، ويبقى معها بعد انتقال النبى صلى الله عليه وسلم، وقد وقع ذلك فى كلام أنس بن مالك نفسه، وهو يحدث عن خالته بالحديث الذى هو موضوع كلامنا الآن، ففى بعض روايات الحديث قال: ثم تزوجت بعد ذلك بعبادة بن الصامت.
أما هذه الجملة التى وقع عليها صاحبنا وهى الواردة فى بعض روايات هذا الحديث وهى – كانت تحت عبادة بن الصامت – فقد أجمع العلماء أن هذه الجملة معترضة، وهى من كلام الراوى يشرح بها حال أم حرام حين ذهبت إلى بلاد الشام، أو إلى جزيرة قبرص، وماتت بها. قال الحافظ ابن حجر: والمراد بقوله هنا "وكانت تحت عبادة" الإخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك، وهو الذى اعتمده النووى، وغيره تبعاً لعياض" (1) .
... أما ما زعمه أحمد صبحى، وحاول إ يهام القارئ به من أن روايات الحديث فيها أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان يبادل أم حرام كلمات غير مقبولة، وحاشاه.
__________
(1) فتح البارى 11/75، وانظر: المنهاج شرح مسلم للنووى 7/69 رقم 1812.(1/1055)
فيقول رداً على ذلك فضيلة الدكتور طه حبيشى: "نعم، النبى صلى الله عليه وسلم، كان عند أم حرام، ونام عندها، واستيقظ يضحك، وسألته أم حرام عن الأمر الذى يضحك منه، فأخبرها أن أناساً من أمته سيركبون البحر ظهره، ووسطه، ويكونون فيه، وهو أمر فيه أمثال الملوك على الأسرة، وهذا أمر يسعد النبى صلى الله عليه وسلم، ويرضيه، لما فيه من المخاطر ما فيه، إن فيه خطر ركوب البحر، وفيه الجهاد وما فى الجهاد من أهوال، وفيه احتمال الموت والشهادة، وأم حرام تعرف ذلك وتدركه، ثم تطمع فيه وتبتغيه، وتسأل النبى الذى لا ترد دعوته وتقول له: سل الله أن يجعلنى منهم، والنبى سأل ربه، واستجاب له ربه عز وجل، فسألته أم حرام بعد أن نام المرة الثانية فى الوقت نفسه وقام يضحك، مم تضحك يا رسول الله؟ فقال كما قال فى الأولى: إن أناساً من أمتى سيركبون البحر مثل الملوك على الأسرة، قالت: يا رسول الله أأنا منهم قال، لا، أنت من الأولين.
... ومرت الأيام وركبت أم حرام مع زوجها، وعلى ساحل البحر ركبت دابة فسقطت من على دابتها فماتت، وقبرها على رأى البعض ما يزال ظاهراً، يعرفه الناس فى قبرص باسم قبر المرأة الصالحة.
أى حديث هذا الحديث الذى جرى بين النبى وبين أم حرام، إنه حديث عن المخاطر والأهوال، وهو حديث عن الموت والشهادة، وهو حديث عن استكمال الذات إلى ساعة الممات، وهو حديث فرح النبى صلى الله عليه وسلم، بأمته حين ينتشرون بالدين ويحملون لواء الجهاد. إن مثل هذا الحديث: لهو حديث الرجولة والكمال، وهو حديث الطمع فى رحمة الله ورضوانه. فما علاقة مثل هذا الحديث الشاق بأحاديث الرضا ومتابعة هوى النفس.
إن المرء ليسمع الحديث المستقيم، فيدركه على وجهه، إن كان سليم النفس، حسن الطوية
وهو ينحرف به إذا كان إنساناً مريض النفس معوجاً، وهل ينضح البئر إلا بما فيه، وهل يمكن أن نتطلب من الماء جذوة نار؟ أو نغترف من النار ماء؟(1/1056)
وقديماً قالوا: إن كل إناء بما فيه ينضح.
أشهد أن الله عز وجل قد قال فى نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) .
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
المبحث الرابع: شبه الطاعنين فى حديث سحر النبى صلى الله عليه وسلم
والرد عليها
... روى البخارى ومسلم: عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهودى من يهود بنى زريق يقال له: لَبِيدُ بن الأَعصَمِ0 قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخيل إليه أنه يفعل الشئ، وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم دعا. ثم دعا. ثم قال: يا عائشة! أشعرت أن الله أفتانى فيما استفتيته فيه؟ جاءنى رجلان فقعد إحداهما عند رأسى، والأخر عند رجلى، فقال الذى عند رأسى، للذى عند رجلى، أو الذى عند رجلى، للذى عند رأسى: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب قال: من طبه؟ قال: لَبِيدُ بن الأَعْصمَ0 قال فى أى شئ؟ قال فى مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ0 قال وَجْبِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ0 قال فأين هو؟ قال: فى بئر ذى أَرْوَانَ0 قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أُناس من أصحابِه. ثمَّ قال: "يا عائشة! والله! لكأنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ ولكَأنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشياطينِ".
__________
(1) الآية 4 من سورة القلم، وانظر: السنة فى مواجهة أعدائها لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 202 - 206.(1/1057)
.. قالت: فقلت: يا رسول الله! أفلا أحْرَقْتَهُ؟ قال "لا. أماَ أناَ فقد عافانى الله، وكرهت أن أُثِيرَ على النَّاسِ شّراً. فَأَمَرْتُ بها فَدُ فِنَتْ" (1) .
... أنكر هذا الحديث بعض المبتدعة قديماً على ما حكاه عنهم غير واحد من الأئمة.
قال الإمام النووى "وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب أنه يحط من مقام النبوة وشرفها ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع" (2) وتابع المبتدعة طعناً فى الحديث أذيالهم من الرافضة، ودعاة اللادينية (3) .
__________
(1) أخرجه البخارى"بشرح فتح البارى"كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر10/243رقم5765، وباب السحر 10/246 رقم 5766، وفى كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" 10/494 رقم 6063 وفى كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده 6/385 رقم 3268، وفى كتاب الدعوات، باب تكرير الدعاء 11/196 رقم 6391، ومسلم "بشرح النووى" كتاب السلام، باب السحر 7/429 رقم 2189.
(2) المنهاج شرح مسلم 7/430، وانظر: تأويل مختلف الحديث ص 164.
(3) انظر: لماذا القرآن ص 109-111، وقراءة فى صحيح البخارى ص 36، كلاهما لأحمد صبحى منصور، وأهل السنة شعب الله المختار ص 68، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص258، 268 وما بعدها، كلاهما لصالح الوردانى، وأضواء على السنة لمحمود أبو رية ص378، والأضواء القرآنية للسيد صالح أبو بكر ص 287، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص194،= =195، وعلم السحر بين المسلمين وأهل الكتاب ص 106 وما بعدها كلاهما لأحمد حجازى السقا، والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 237، وغيرهم.(1/1058)
وتأثر بتلك الطعون من علماء المسلمين الإمام محمد عبده (1) – رحمه الله – وتابعه على ذلك من سار على طريقته من علماء المسلمين، وقال بقولهم بعض أدعياء العلم.
__________
(1) محمد عبده: هو محمد بن عبده بن حسن بن خير الله، إمام فقيه، مفسر، متكلم، أديب لغوى، كاتب صحافى سياسى، له باعه الطويل فى مجال الإصلاح العلمى، والاجتماعى، ولكنه مع هذا كان قليل البضاعة فى الحديث، وكان يرى فى الاعتماد على المنطق والبرهان العقليين خير سلاح للدفاع عن الإسلام، ومن هذين العاملين، وقعت له آراء فى السنة ورواتها، وفى العمل بالحديث، والاعتداد به، ما صح أن يتخذه مثل "أبى ريه"، "وأحمد صبحى منصور"، "والسيد صالح أبو بكر"، وغيرهم من أعداء السنة، تكأة يتكئون عليها، فى تشكيكهم وطعنهم فى السنة المطهرة. من مؤلفاته "رسالة التوحيد" و "الإسلام والنصرانية العلم والمدينة"، "شرح نهج البلاغة، وغير ذلك مات سنة 1323هـ 1905م، انظر: فى ترجمته السنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم للدكتور عبد الموجود ص 236، والسنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 30، والمجددون فى الإسلام للأستاذ عبد المتعال الصعيدى ص 534-535، وتاريخ الأستاذ الإمام رشيد رضا 1/16، ومجلة المنار المجلد 9/276 – 281، والإمام محمد عبده ومنهجه فى التفسير للدكتور عبد الغفار عبد الرحيم ص 11-114، ومنهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير للدكتور فهد الرومى 124-187.(1/1059)
.. قال الإمام محمد عبده رحمه الله: "نعلم أن البخارى أصدق كتاب بعد كتاب الله، وأنا لا أشك أن البخارى سمع هذا من أساتذته، والبخارى يشترط فى أحاديثه المعاصرة واللقاء، إلا أننى أرى أن هذا لم يحدث مع النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد دس من الإسرائيليات إلى مشايخ البخارى الذين أخذ منهم، وإلا فإننا إن قد صدقنا أن النبى صلى الله عليه وسلم، قد سحر فقد صدقنا كلام الظالمين، {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (1) . وإن صدقنا أن النبى صلى الله عليه وسلم، قد سحر فقد كذبنا الله سبحانه وتعالى القائل فى كتابة الحكيم: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} (2) وقال عز وجل: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (3) وقال عز وجل: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} (4) قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (5) .
__________
(1) الآية 8 من سورة الفرقان.
(2) الآية 212 من سورة الشعراء.
(3) الآية 9 من سورة الجن.
(4) الآية 8 من سورة الصافات.
(5) الآيات 44، 45، 46 من سورة الحاقة.(1/1060)
ثم قال: وأما الحديث على فرض صحته فهو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها فى باب العقائد، وعصمة النبى من تأثير السحر فى عقله عقيدة من العقائد، لا يؤخذ فى نفيها عنه إلا باليقين، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن المظنون على أى حال فلنا، بل علينا أن نفوض الأمر فى الحديث ولا نحكمه فى عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب، وبدليل العقل، فإنه إذا خولط النبى فى عقله - كما زعموا - جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئاً، وهو لم يبلغه أو أن شيئاً نزل عليه، وهو لم ينزل عليه، والأمر هنا ظاهر لا يحتاج إلى بيان. ثم ختم كلامه قائلاً: "أحب أن أكذب البخارى، من أن أنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سحر" (1) .
والجواب على الشبه السابقة فيما يلى:
أولاً: إن الحديث صحيح، وثابت، بأصح الأسانيد فى أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل فقد رواه الشيخان فى صحيحيهما، ولا يصح لنا أن نقول بصدق البخارى ثم نكذب شيوخه فإن ما يجرى على شيوخه، يجرى عليه، ولا يصح لنا أن نكذب البخارى وروايته، اعتماداً على رأى ليس له من حظ فى توثيق الأخبار، وإقرار الحقائق من قريب أو بعيد، ولو أننا سلمنا جدلاً بصدق معطيات العقل لأتينا على كثير من السنة، بل وعلى كثير من آيات القرآن الكريم نفسه (2) .
__________
(1) تفسير جزء عم ص 180-183، وانظر: مجلة المنار المجلد 12/697، والمجلد 29/104، وغيرهم ممن ذكرهم عبد المجيد محمد صالح فى كتابه "صواعق الحق المرسلة على الجنيين والكهان والسحرة" ص120-165.
(2) السنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم للأستاذ الدكتور عبد الموجود ص 239.(1/1061)
يقول فضيلة الدكتور محمد الذهبى – رحمه الله -: "إن حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، راوية البخارى، وغيره من كتب الصحيح، ولكن الأستاذ الإمام، ومن على طريقته لا يفرقون بين رواية البخارى وغيره، فلا مانع عندهم من عدم صحة ما يرويه البخارى، كما أنه لو صح فى نظرهم فهو لا يعرف أن يكون خبر آحاد لا يثبت به إلا الظن (1) .
وهذا فى نظرنا هدم للجانب الأكبر من السنة التى هى بالنسبة للكتاب بمنزلة المبين. وقد قالوا: إن البيان يلتصق بالمبين (2) .
يقول الدكتور عبد الغفار عبد الرحيم: "وأما قول الأستاذ الإمام عن حديث السحر، وعلى أى حال فلنا بل علينا أن نفوض الأمر فى الحديث، ولا نحكمه فى عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب، وبدليل العقل".
فهذا كلام خطير جداً يفتح ثغرة ضد الثابت الصحيح من السنة كما يفتح مجالاً لقالة السوء فى الصدام بين الكتاب والسنة، بينما حدد لنا الرسول فى حديثه الصحيح "تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله وسنتى" (3) .
كما أن الأستاذ الإمام قد ترك للحاقدين فرصة الهجوم عليه بهذا السبب، وبجعله الأخذ بالكتاب، وبدليل العقل فقط، هذا أمر دفع تلميذه محمد رشيد رضا إلى القول: بأن الأستاذ الإمام كان ضعيفاً فى الحديث، كما أنه وحتى الآن محل نقد من رجال السنة، مما جرهم إلى التهجم عليه، وعلى أفكاره، بينما أبان هو عن هدفه من ذلك وجعله محدداً فى قوله: "وقد قال الكثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هى النبوة، ولا ما يجب لها، أن الخبر بتأثير السحر فى النفس الشريفة قد صح فيلزم الاعتقاد به".
__________
(1) راجع إن شئت ما سبق فى مبحث (ما يفيده خبر الآحاد من العلم عند الجمهور) ص546-551
(2) التفسير والمفسرون 3/241.
(3) سبق تخريجه ص 47.(1/1062)
.. ويبدو أن الأستاذ الإمام قد أبدى بعض التراجع عن هذه الفكرة عندما قال: "ثم إن نفى السحر عنه لا يستلزم نفى السحر مطلقاً" مع أنه قد أقر سابقاً بأن السحر إما حيلة وشعوذة وإما صناعة علمية خفية، يعرفها بعض الناس، ويجهلها الأكثرون … إلى أن قال: "أن السحر يتلقى بالتعليم، ويتكرر بالعمل فهو أمر عادى قطعاً بخلاف المعجزة".
ثم يجعل بعد ذلك نفى السحر بالمرة ليس بدعة، لأن الله تعالى لم يذكره ضمن أية {ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (1) ويجعل سحر سحرة فرعون ضرباً من الحيلة ويستدل بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (2) "وما قال أنها تسعى بسحرهم" مع أن أقوى دليل يمكن أن يرد به على الأستاذ الإمام قوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (3) .
فكيف غاب عن الأستاذ الإمام النظر فى هذه الآية، وكيف كان يمكن له أن يفسرها على خلاف ما هى عليه من إثبات حقيقة السحر لا كونه تخييلاً أو وهما.
أما الحديث فقد ثبت فى صحيح البخارى، وهو مرجع أساسى للسنة، فلو شككنا فى حجية الثابت فى البخارى، فكيف يقبل الناس بعد ذلك حديثاً ورد فى كتب الصحاح أو فى رواية عن غير طريق البخارى؟!
__________
(1) الآية 285 من سورة البقرة.
(2) الآية 66 من سورة طه.
(3) الآية 116 من سورة الأعراف.(1/1063)
وما دفع الأستاذ الإمام من عاطفة تنزيه مقام النبوة أو محاولة إظهار الإسلام بمظهر لا يكون فيه موضع اتهام من أعداء الإسلام، أو محاربة السحر كخرافة بعد أن توسع الناس فى عمل أشياء تتنافى مع عظمة الإسلام، وإنكاره لمظاهر الكهانة والسحر، والشعوذة.
وهذه إن جاز أن تكون دوافع الأستاذ الإمام فلا يجوز أن تكون بحيث تصادم الثابت الصحيح، وهو الذى كثيراً ما وقف عند الثابت عن المعصوم لا يتعداه، ولا يحاول تأويله، ويسلم به تسليم معتقد لما جاء به، حيث لا مجال للعقل فيه.
ثم ما هو الدافع؛ لأن يتأثر الأستاذ الإمام بالمعتزلة فى ذلك ويحاكى رأيهم وهو الذى كثيراً ما نعى على التقليد والمقلدين وكان أولى به أن يأخذ برأى الإمام "ابن قيم الجوزية" عندما قال فى هذا الشأن: "وأما قولكم أن سحر الأنبياء ينافى حماية الله لهم فإنه سبحانه كما يحميهم، ويصونهم، ويحفظهم، ويتولاهم، يبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم، ليستوجبوا كمال كرامته، وليتأسى بهم من بعدهم من أممهم، إذا أوذوا من الناس، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء، صبروا، ورضوا، وتأسوا بهم" (1) .
ومن أجل ذلك أثبت علماء الإسلام هذا الحديث، وأوجدوا له مخرجاً يتفق مع سلامة النسبة إليه ومع مكانة النبوة، فقالوا:
أولاً: الزعم بأن الحديث يحط من منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، هذا الذى ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل (2) .
__________
(1) تفسير المعوذتين لابن قيم الجوزية ص41، وانظر: الإمام محمد عبده ومنهجه فى التفسير للدكتور عبد الغفار عبد الرحيم ص 259 –261.
(2) المنهاج شرح مسلم النووى 7/429.(1/1064)
ثانياً: أن سحر الرسول صلى الله عليه وسلم، يرفع من مقام النبوة وشرفها ولا يحط من شأنها؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن معصوماً من الأمراض فلقد كان يأكل، ويشرب، ويمرض، وتجرى عليه كل النواميس المعتادة التى أودعها الله فى ولد آدم، وليس فى السحر على الهيئة الواردة ما ينقص من قدره كإمام لسائر الأنبياء والمرسلين (1) .
... قال القاضى عياض: "وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده، وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده. ويكون معنى قوله فى الحديث: "حتى يظن أنه يأتى أهله ولا يأتيهن" ويروى: "يخيل إليه" بالمضارع كلها: أى يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعترى المسحور.
بل وكما يعترى الرجل السليم قوى البدن، المحطم للأرقام القياسية فى رفع الأثقال، يظن تحطيم رقم قياسى أعلى، وعند محاولة الرفع لا يستطيع، ومثل ذلك أيضاً الإنسان فى حالة النقاهة من المرض، يظن أن به قدرة على الحركة، وعندما يهم بذلك لا تحتمله قدماه.
قال القاضى عياض: وكل ما جاء فى الروايات من أنه يخيل إليه فعل شئ ولم يفعله ونحوه، فمحمول على التخيل بالبصر، لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس فى ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الضلالة" (2) .
__________
(1) انظر: السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الدكتور عبد الموجود ص 239، والسحر والسحرة والوقاية من الفجرة للأستاذ تاج الدين نوفل ص29، 63، 64.
(2) المنهاج شرح مسلم للنووى 7/431 بتصرف، وانظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضى عياض 2/180-183.(1/1065)
ثالثاً: أن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، الواردة فى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (1) العصمة هنا المراد بها عصمته صلى الله عليه وسلم، من القتل، والاغتيال، والمكائد المهلكة، وحمل بعض العلماء العصمة هنا على أنها عصمة من الغواية، والهوى، والضلال، وعدم الوقوع فى المعاصى والمنكرات، وليست العصمة من الأمراض كما سبق أن ذكرنا، بل الأنبياء جميعاً غير معصومين من المرض غير المنفر. فهم جميعاً تجرى عليهم كل النواميس المعتادة التى أودعها الله فى ولد آدم (2) .
رابعاً: إن القول بأن الحديث معارض للقرآن الكريم، ويصدق المشركين فى قولهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (3) مردود بأن المشركين كانوا يقولون إن محمداً بشر، وأنه فقير، وأنه لا يعلم الغيب، فهل نكذبهم فى ذلك؟!
ثم إننا نعلم يقيناً، أن الكفار لا يريدون بقولهم هذا، أن يثبتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أثبته هذا الحديث، وهو أن فلاناً من اليهود سحره بضعة أيام، فأدركه شئ من التغير، وخيل إليه أنه يفعل بعض الشئ، وهو لا يفعله، ثم أن الله شفاه من ذلك، هم لا يريدون هذا، بل يريدون أن رسول الله إنما يصدر عن خيال وجنون، وأنه لم يوح إليه شئ، فإذا آمنا بما دل عليه الحديث لم نكن مصدقين للمشركين فى دعواهم، فمفهوم الحديث شئ، ودعواهم شئ آخر.
__________
(1) الآية 67 من سورة المائدة.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/77-79، والإمام محمد عبده ومنهجه فى التفسير للدكتور عبد الغفار عبد الرحيم ص 259.
(3) الآية 8 من سورة الفرقان.(1/1066)
خامساً: زعمهم أن السحر من عمل الشياطين، وصنع النفوس الشريرة الخبيثة، أما من تحصن بعبادة الله كالأنبياء، فليس للشيطان، ولا للشريرين عليهم من سلطان، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (1) .
... هذا الزعم مردود عليهم بقوله تعالى عن أيوب عليه السلام: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (2) وأخبر عز وجل عن سيدنا موسى – عليه السلام–أنه لما قتل القبطى قال: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} (3) .
... والاستدلال بقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} على أن جميع عباد الله الصالحين ناجون من أذى الشيطان، خلاف الإجماع، والمشاهد، والنصوص السالفة، والآية تفيد بلا شك أن العباد الصالحين سالمون من إغوائه وإضلاله، كما قال فى الآية الأخرى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (4) .
__________
(1) الآية 42 من سورة الحجر.
(2) الآية 41 من سورة ص.
(3) الآية 15 من سورة القصص.
(4) الآيتان 39،40 من سورة الحجر.(1/1067)
وبعد فإن الحجة على جواز السحر للأنبياء ثابتة بقول رب العزة: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (1) فقد صرحت الآية بأن سحر أولئك السحار، قد أوقع نبى الله موسى فى التخييل، حتى تغيرت أمامه الحقائق، فحسب الحبال حيات، والساكنات متحركات…0
إذاً فالحديث صحيح الإسناد والمعنى ولا يعارضه القرآن الكريم ولا المعقول، فوجب قبوله والإيمان به" (2) .
... قال الإمام المازرى رحمه الله: "مذهب أهل السنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة، كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، خلافاً لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى فى كتابه وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له.
__________
(1) الآيات 65-68 من سورة طه.
(2) مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها للأستاذ عبد الله بن على النجدى القصيمى ص48-58 بتصرف، وانظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 168.(1/1068)
وهذا الحديث أيضاً مصرح بإثباته، وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كل يبطل ما قالوه، فإحالة كونه من الحقائق محال (1) أ. هـ. والله أعلم.
__________
(1) المنهاج شرح مسلم للنووى 7/430، ومقدمة ابن خلدون ص551، وللاستزادة فى الجواب عن الحديث انظر: كتاب السحر بين الحقيقة والخيال للدكتور أحمد ناصر الحمد، ففى الكتاب بحث قيم فى موضوع سحر النبى صلى الله عليه وسلم، أجاب فيه عن شبهات المعتزلة، وغيرهم حول موضوع هذا الحديث انظر: ص112-126 من الكتاب المذكور، وانظر: ضلالات منكرى السنة للأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 400 – 411.(1/1069)
الفصل السابع:حديث رضاعة الكبير
شبهات الطاعنين فيه والرد عليها
... عن عائشة -رضى الله عنها- أن سالماً (1)
__________
(1) سالم هو: سالم بن معقل، مولى أبى حذيفة، كان من أهل فارس، أعتقته مولاته زوج أبى حذيفة، واسمها بثينة، أعتقته سائبة دون ولاء لها، فتولى أبا حذيفة، فكان ينسب إليه، فيقال: سالم بن أبى حذيفة حتى نزلت "مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُواءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ" جزء من الآيتين 4،5 من سورة الأحزاب. وعد فى المهاجرين وروى أنه هاجر مع عمر، وكان يؤم المهاجرين بقباء وفيهم عمر قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان إذا سافر مع أصحابه يؤمهم، لأنه كان أكثرهم قرآناً، وكان قد جاوز البلوغ فى بدر، فشهدها، والظاهر أن ملابسات حديثنا كانت فى هذه السن، وشهد اليمامة وكان معه لواءً المهاجرين فقطعت يمينه فأخذه بيساره فقطعت، فاعتنقه إلى أن صرع، هو ومولاه أبو حذيفة، فوجد رأس أحدهما عند رجلى الآخر، وذلك سنة اثنتى عشرة من الهجرة، وكان عمر يحبه ويقدره، حتى قال رضي الله عنه بعد أن طعن: لو كان سالم حياً ما جعلتها شورى. وهو من القراء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عنهم "خذوا القرآن من أربعة من أبى بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة، وابن مسعود" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب سالم مولى أبى حذيفة رضي الله عنه 7/127 رقم 3758، ومسلم "بشرح النووى" كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه -رضى الله عنهما 8/253 رقم 2464، وفى الحديث أن عائشة رضي الله عنه قالت أبطأت على النبى صلى الله عليه وسلم فقال ما حبسك يا عائشة! قالت: يا رسول الله إن فى المسجد رجلاً ما رأيت أحداً أحسن قراءةً منه قال فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو سالم مولى أبى حذيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثلك". أخرجه أحمد فى مسنده جزء 6 ص 165، والحاكم فى المستدرك كتاب الصحابة، باب ذكر مناقب سالم مولى أبى حذيفة 3/250 رقم 5001، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح 9/300، وفى الحديث أيضاً عن عمرو بن العاص، قال: "كان فزع بالمدينة فأتيت على سالم مولى أبى حذيفة وهو محتب بحمائل سيفه فأخذت سيفاً فاحتبيت بحمائله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "يا أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله وإلى رسوله، ثم قال ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان" رواه أحمد فى المسند 4/203 وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 9/300 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. "رضى الله عن سالم، وعن الصحابة أجمعين". انظر فى ترجمته: اسد الغابة 2/382 رقم 1892، والاستيعاب 2/567 رقم 881، والإصابة 2/6 رقم 3059، وتاريخ الصحابة ص 117 رقم 537، ومشاهير علماء الأمصار ص 31 رقم 101.(1/1070)
مولى أبى حذيفة كان مع أبى حذيفة (1)
__________
(1) أبو حذيفة هو:أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى، وهو من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة. وكان من فضلاء الصحابة، جمع الله له الشرف والفضل. وكان إسلامه قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم. ولما هاجر إلى الحبشة عاد منها إلى مكة، فأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها= =مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيداً، وهو مولى سالم الذى أرضعته زوجته سهلة كبيراً، وكان سالم أيضاً من سادات المسلمين. انظر فى ترجمته: اسد الغابة 6/68، رقم5807، والاستيعاب 4/1631 رقم 2914، والإصابة 4/42 رقم 9760، وتاريخ الصحابة ص 81 رقم 326، ومشاهير علماء الأمصار ص 33 رقم 117.(1/1071)
وأهله فى بيتهم. فأتت (تعنى ابنة سهيل) (1) النبى صلى الله عليه وسلم. فقالت: إن فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئاً. فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم: "ارضعيه تحرمى عليه، ويذهب الذى فى نفس أبى حذيفة" فرجعت، فقالت: إنى قد أرضعته، فذهب الذى فى نفس أبى حذيفة" (2) .
... بهذا الحديث طعن بعض الرافضة، وأدعياء العلم، فى صحيح الإمام البخارى، وزعموا أن الحديث يتعارض مع القرآن الكريم والعقل.
__________
(1) ابنة سهيل هى: سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشية، من بنى عامر بن لؤى، وهى امرأة أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهاجرت معه إلى الحبشة، وهى من السابقين إلى الإسلام، وولدت له بالحبشة محمد بن أبى حذيفة، ولا عقب له، وهى أيضاً أم سليط بن عبد الله بن الأسود القرشى العامرى، وأم بكير بن شماخ بن سعيد بن قائف، وأم سالم بن عبد الرحمن بن عوف، وهى التى أرضعت سالماً مولى أبى حذيفة وهو رجل. انظر: فى ترجمتها اسد الغابة 7/155 رقم 7027، والإستيعاب 4/1865 رقم3389، والإصابة 4/336 رقم 11352، وتاريخ الصحابة ص130 رقم 628، وتجريد أسماء الصحابة 2/279.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) مختصراً فى كتاب النكاح، باب الأكفاء فى الدين9/34رقم5088، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير 5/286 رقم 1453.(1/1072)
يقول ابن الخطيب (1) : "هل يجوز لعاقل يؤمن بالله واليوم الآخر، بعد أن قرأ قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (2) أن يصدق هذا الحديث، أو أن يعيره بالاً؟! ولكن رواية هذا الحديث فى المسانيد معنعناً مطولاً: دعت كثيراً من الفقهاء إلى تصديقه وبحثه، والأخذ منه بجواز إرضاع الكبير!
ولنفرض أن هذه المرأة: أتت لأحد ما، وشكت له ما شكت للرسول صلى الله عليه وسلم، أكان يقول لها: أرضعيه، أم كان يقول لها: احتجبى عنه!؟ (3) .
... ويقول فى كتابه الفرقان "إن هذا الحديث وأمثاله مما دسه الدساسون الأفاكون، ليذهب ببهاء ذلك الدين القويم! وحاشا أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله الله عز وجل، بل ويتناقض كل التناقض مع ما ورد فى الكتاب المجيد الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" (4) .
... ويقول صالح الوردانى: "والذى نقوله نحن إن هذه الرواية هراء، وتبرير الفقهاء لها أكثر من هراء. إذ أن المعلوم شرعاً أن حرمة الرضاع إنما تنبنى على سنى الرضاعة، وهما حولين كاملين أى السنة الأولى والثانية من عمر المولود، بعد ذلك لا عبرة برضاعة من أى ثدى، لأن اللبن لن يكون له دور فى تكوينه. فهل كان الرسول يجهل هذه الحقيقة. أم كان يمزح مع السائلة … وهل مثل هذه الأمور محل للمزاح؟
__________
(1) ابن الخطيب: هو محمد محمد عبد اللطيف، يعرف بابن الخطيب، كاتب مصرى، من مؤلفاته: الفرقان، وحقائق ثابتة فى الإسلام.
(2) الآية 30 من سورة النور.
(3) انظر: حقائق ثابتة فى الإسلام لابن الخطيب ص 101، 102.9
(4) انظر: الفرقان لابن الخطيب ص 160.(1/1073)
.. إن الإجابة على هذه التساؤلات، هى أن هذه الرواية لا تخرج عن كونها لهو مصطنع على لسان أصحاب الأهواء والأغراض من الحكام، وغيرهم ونسبوها إلى الرسول، ويكفى القول إن أم سلمة وسائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم رفضن أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة عدا عائشة … ومثل هذا الموقف من قبل نساء النبى إنما يعكس عدم الرضا عن هذا الأمر وعدم قناعتهن به. وهو يشير إلى جهة أخرى إلى الشك فى الرواية. إذ لو كانت صحيحة ثابتة عن الرسول ما اعترض عليها نسوته" (1) .
والجواب:
... إن هذا الحديث الذى طعن فيه بعض دعاة الفتنة، وأدعياء العلم، مما تلقته الأمة بالقبول رواية ودراية.
أما الرواية فقد بلغت طرق هذا الحديث نصاب التواتر كما قال الإمام الشوكانى (2) .
وأما الدراية فقد تلقى الحديث بالقبول، الجمهور من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين إلى يومنا هذا.
__________
(1) دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين لصالح الوردانى ص 259-260، وانظر: أحاديث أم المؤمنين عائشة، أدوار من حياتها لمرتضى العسكرى ص 379-383، وفتح الوهاب لا جزية على أهل الكتاب لإسماعيل منصور ص 517-529.
(2) انظر: نيل الأوطار 6/314.(1/1074)
تلقوه بالقبول على أنه واقعة عين بسالم رضي الله عنه لا تتعداه إلى غيره، ولا تصلح للاحتجاج بها، ويدل على ذلك ما جاء فى بعض الروايات عند مسلم عن ابن أبى مليكة أنه سمع هذا الحديث من القاسم بن محمد بن أبى بكر عن عائشة –رضى الله عنها- قال ابن أبى مليكة: فمكثت سنة أو قريباً منها لا أحدث به وَهَبْتُه (1) . ثم لقيت القاسم فقلت له: لقد حدثتنى حديثاً ما حدثته بعد. قال: فما هو؟ فأخبرته. قال: فحدثه عنى، أن عائشة أخبرتنيه (2) . وفى رواية للنسائى، فقال القاسم: حَدِّثْ به ولا تَهَابُهُ (3) .
... قال الحافظ ابن عبد البر: "هذا يدل على أنه حديث ترك قديماً ولم يعمل به، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تلقوه على أنه خصوص" (4) .
__________
(1) "وهِبْتُه" قال الإمام النووى: (هكذا هو فى بعض النسخ "وهبته" من الهيبة وهى الإجلال، والواو حرف عطف، وفى بعضها "رِهبْتُه" بالراء من الرهبة، وهى الخوف، وهى بكسر الهاء، وإسكان الياء، وضم التاء، وضبطه القاضى عن بضعهم "رهْبَته" بإسكان الهاء وفتح الباء، ونصب التاء قال القاضى: وهو منصوب بإسقاط حرف الجر، والضبط الأول أحسن، وهو الموافق للنسخ الآخر (وهبته) بالواو. انظر: المنهاج شرح مسلم للنووى 5/289.
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير 5/287، 289 رقم 1453.
(3) أخرجه النسائى فى سننه كتاب النكاح باب رضاع الكبير 6/105 رقم 3322.
(4) انظر: شرح الزرقانى على الموطأ 3/292،وقال الحافظ الدارمى عقب ذكره الحديث فى سننه "هذا لسالم خاصة" انظر: سنن الدارمى كتاب النكاح، باب رضاعة الكبير2/210،211رقم 2257.(1/1075)
.. وبذلك صرحت بعض الروايات، ففى صحيح مسلم عن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم كانت تقول: "أبى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة.وقلن لعائشة: والله! ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة. ولا رائينا (1) .
... إن قصة رضاعة سالم رضي الله عنه قضية عين لم تأت فى غيره، واحتفت بها قرينة التبنى، وصفات لا توجد فى غيره كما سبق فى ترجمته، فلا يقاس عليه (2) .
... فأصل قصة سالم ما وقع له من التبنى الذى أدى إلى اختلاطه بسهلة بنت سهيل امرأة أبى حذيفة، وكانت تراه ابناً لها، ويدخل عليها فلا تحتشم منه، ويراها وهى منكشف بعضها، فلما نزل الاحتجاب، ومنعوا من التبنى، شق ذلك على أبى حذيفة، وسهلة، فوقع الترخيص لهما فى ذلك، لرفع ما حصل لهما من المشقة (3) . وهذا ما جاء فى رواية الإمامين أبو داود ومالك.
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير 5/288، 289 رقم 1454
(2) انظر: شرح الزرقانى على الموطأ 3/292، وتأويل مختلف الحديث ص 276-279.
(3) انظر: فتح البارى 9/53 رقم 5102.(1/1076)
عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة –رضى الله عنهما- أن أبا حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس، كان تبنى سالماً، وأنكحه أبنة أخيه، هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً، وكان من تبنى رجلاً فى الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه، حتى أنزل الله عز وجل: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُواءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (1) ، فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى، وأخا فى الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشى ثم العامرى، وهى امرأة أبى حذيفة. فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالماً ولداً، وكان يأوى معى، ومع أبى حذيفة فى بيت واحد، ويرانى فضلاً، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم "أرضعيه" فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة.
فبذلك كانت عائشة –رضى الله عنها- تأمر بنات أخواتها، وبنات إخوتها، أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيراً، خمس رضعات، ثم يدخل عليها.
__________
(1) جزء من الآيتين 4،5 من سورة الأحزاب.(1/1077)
وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع فى المهد، وقلن لعائشة: والله ما ندرى لعلها كانت رخصة من النبى صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس" (1) .
... قال الإمام الزرقانى (2) : "قول سهلة: يا رسول الله إنا كنا نرى"، أى نعتقد "سالماً ولداً" بالتبنى "وكان يدخل على وأنا فُضل" بضم الفاء والضاد المعجمة قال ابن وهب: مكشوفة الرأس والصدر، وقيل: علىَّ ثوب واحد لا إزار تحته، وقيل متوشحة بثوب على عاتقها، خالفت بين طرفيه (3) .
قال ابن عبد البر: أصحها الثانى لأن كشف الحرة الصدر لا يجوز عند محرم ولا غيره (4) .
قال الحافظ ابن حجر:"فعلى هذا فمعنى الحديث أنه كان يدخل عليها وهى منكشف بعضها (5) وفى رواية أحمد قالت: "يدخل على كيف شاء لا نحتشم منه" (6) ، وقولها "ليس لنا إلا بيت واحد" أى فلا يمكن الاحتجاب منه، وقد أنزل الله عز وجل فيه ما علمت أى من الاحتجاب، ومنع التبنى، فماذا ترى فى شأنه؟
__________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب النكاح، باب فيمن حرم به 2/223 رقم 2061.
(2) الإمام الزرقانى هو: محمد بن الشيخ عبد الباقى الزرقانى، أبو عبد الله، الإمام الفقيه الفهامة المتفنن، المحدث الرواية المسند المؤلف المتقن، من مؤلفاته "شرح الموطأ" و "شرح المواهب اللدنية للزرقانى" وغير ذلك مات سنة1122هـ. له ترجمة فى: شجرة النور الزكية 1/318، 319 رقم 1237.
(3) انظر: النهاية فى غريب الحديث لابن الأثير 3/455، 456، والقاموس المحيط 3/30، 31، وفتح البارى 9/36 رقم 5088.
(4) انظر: شرح الزرقانى على الموطأ 3/290.
(5) فتح البارى 9/36 رقم 5088.
(6) المسند 6/269.(1/1078)
ولمسلم عن القاسم عن عائشة فقالت: إنى أرى فى وجه أبى حذيفة من دخول سالم وهو حليفه. وله من وجه آخر عن القاسم عنها فقالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوه، وإنه يدخل علينا، وإنى أظن أن فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئاً.
ولا منافاة فإن سهلة ذكرت السؤالين للنبى صلى الله عليه وسلم، واقتصر كل راو على واحد "فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه خمس رضعات.
قال ابن عبد البر: وفى رواية (عشر رضعات) ، والصواب رواية (خمس رضعات فيحرم بلبنها) زاد فى مسلم فقالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير (1) ؟ فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير، وكان قد شهد بدراً. وفى لفظ له أرضعيه تحرمى عليه، ويذهب الذى فى نفس أبى حذيفة فرجعت إليه فقالت: إنى قد أرضعته فذهب الذى فى نفس أبى حذيفة.
قال ابن عبد البر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه، فأما أن تلقمه المرأة ثديها، فلا ينبغى عند أحد من العلماء.
__________
(1) قال فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين: "الظاهر أن استفهامها عن كيفية إرضاعه، أتحلب له من لبنها؟ أم تعطيه ثديها؟ ويحتمل أن الاستفهام تعجبى من إرضاع الكبير، وتأثير رضاعه حرمة" انظر: فتح المنعم بشرح صحيح مسلم 9/169.(1/1079)
وقال عياض: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما، إذ لا يجوز رؤية الثدى، ولامسه ببعض الأعضاء (1) .
قال النووى: وهو حسن، ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر (2) ، وأيده بعضهم بأن ظاهر الحديث أنه رضع من ثديها لأنه تبسم وقال: قد علمت أنه رجل كبير، ولم يأمرها بالحلب، وهو موضع بيان، ومطلق الرضاع يقتضى مص الثدى، فكأنه أباح لها ذلك لما تقرر فى نفسهما، أنه ابنها، وهى أمه فهو خاص بهما لهذا المعنى (3) .
وكشف العورة فى هذه الحالة جائز للضرورة، فلا معارضة بين الحديث وبين قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (4) كما زعم بعض أدعياء العلم.
__________
(1) قال فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين "استدلال ابن حزم بقصة سالم على جواز مس الأجنبى ثدى الأجنبية، وإلتقام ثديها، إذا أراد أن يرتضع منها مطلقاً. استدلال خطأ، دعاه إليه أن الرضاعة المحرمة عنده إنما تكون بالتقام الثدى، ومص اللبن منه" انظر: فتح المنعم بشرح صحيح مسلم 9/178، والجمهور من العلماء على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم، سواء كان بشرب أم أكل بأى صفة كان، حتى الحقنة، والسعوط، والثرد، والطبخ وغير ذلك، إذا وقع بالشروط المطلوبة، فإن طرد الجوع موجود فى كل ذلك، واستثنى الحنفية الحقنة، ودليل الجمهور فيما ذهبوا إليه حديث عائشة –رضى الله عنها- مرفوعاً: "إنما الرضاعة من المجاعة". انظر: فتح البارى 9/52 رقم 5102، ونيل الأوطار 6/316، 317، وسبل السلام 3/1152.
(2) المنهاج شرح مسلم للنووى 5/289
(3) شرح الزرقانى على الموطأ 3/291.
(4) الآية 30 من سورة النور.(1/1080)
.. قال الإمام الزرقانى: "وكأن القائلين بأن ظاهر الحديث أنه رضع من ثديها، لم يقفوا فى ذلك على شئ. فقد روى ابن سعد عن الواقدى عن محمد بن عبد الله ابن أخى الزهرى عن أبيه قال: كانت سهلة تحلب فى إناء قدر رضعته، فيشربه سالم فى كل يوم، حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهى حاسر، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة (1) .
... وما استشكل من عدم تفريق عائشة –رضى الله عنها- بين رضاع الصغير، والكبير مع روايتها لحديث "فإنما الرضاعة من المجاعة" (2) مما يفيد أن رضاعة الكبير لا تحرم.
__________
(1) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/85، وشرح الزرقانى على الموطأ 3/291.
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب النكاح، باب من قال لا رضاع بعد الحولين 9/50 رقم 5102، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة 5/289، 290 رقم 1455.(1/1081)
فقد أجاب الحافظ ابن حجر على هذا الإشكال بقوله: "لعلها فهمت من قوله: "إنما الرضاعة من المجاعة" أنه يخص مقدار ما يسد الجوعة من اللبن، فهو فى عدد الرضعات، أعم من أن يكون المرتضع صغيراً أو كبيراً، فلا يكون الحديث نصاً فى منع اعتبار رضاعة الكبير، وحديث ابن عباس –رضى الله عنهما-، "لا رضاع إلا ما كان فى الحولين" (1) –مع تقدير ثبوته – ليس نصاً فى ذلك أيضاً، وحديث أم سلمة –رضى الله عنها-، "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء فى الثدى، وكان قبل الفطام" (2) يجوز أن يكون المراد منه أنه لا رضاع بعد الفطام ممنوع، ثم لو وقع رتب عليه حكم التحريم، فما فى الأحاديث المذكورة ما يدفع هذا الاحتمال، فلهذا عملت عائشة بذلك" (3) .
ومن هنا فلا عبرة بما زعمه بعض الرافضة من استنكاره رضاعة سالم رضي الله عنه وهو كبير.
__________
(1) أخرجه الدارقطنى فى سننه كتاب الرضاع 4/174 رقم 10، وقال الدارقطنى: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ. وصحح وقفه على ابن عباس، العظيم آبادى، فى التعليق المغنى على الدارقطنى 9/52، وانظر: الدراية فى تخريج أحاديث الهداية 2/68 رقم561، ونصب الراية 3/219، وسبل السلام 3/1153، ونيل الأوطار 6/315.
(2) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الرضاع، باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا فى الصغر دون الحولين 3/458 رقم 1152، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(3) فتح البارى 9/52، وانظر: سبل السلام 3/1154.(1/1082)
لأن قصة سالم كانت فى أول الهجرة، وكانت رضاعة الكبير وقتئذ مشروعة ثم نسخت، وبذلك صرحت عائشة –رضى الله عنها- قالت: "كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن. ثم نسخن: بخمس معلومات. فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" (1) وفى رواية لابن ماجة، وأحمد، عن عائشة – رضى الله عنها – قالت: "لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كانت فى صحيفة تحت سريرى. فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته، دخل داجن (2) فأكلها" (3) .
أما الأحاديث الدالة على اعتبار الحولين فهى من رواية أحداث الصحابة فدل على تأخرها.
قال الحافظ ابن حجر: وهو مستند ضعيف، إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوى، ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدماً، وأيضاً ففى سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين، لقول امرأة أبى حذيفة فى بعض طرقه: "وكيف أرضعه وهو رجل كبير"؟ فهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر فى الرضاع المحرم" (4) أ. هـ.
... يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين: "وفى تعقيب ابن حجر نظر، لأن قصة سالم كانت فى أول الهجرة، بلا نقاش، كما هو واضح من ترجمته، ورواية اعتبار الحولين تؤكد تأخر الحكم عن قصة سالم، وقول امرأة أبى حذيفة، وإن أشعر بتقدم الحكم على سبيل الاحتمال، لكنه لا يفيد تقدم الحكم.
__________
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات 5/285رقم 1452.
(2) داجن هى: الشاة التى يعلفها الناس فى منازلهم، وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها، انظر: النهاية فى غريب الحديث 2/102، ولسان العرب 13/148، والمعجم الوسيط 1/272.
(3) أخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب النكاح، باب رضاع الكبير 1/609 رقم 1944، وأحمد فى مسنده 6/269، وانظر: جواب ابن قتيبة على من أنكر هذا الحديث ص 280-283.
(4) فتح البارى 9/53 رقم 5102.(1/1083)
فقد يكون سؤالها عن الطريقة التى ترضعه بها، أتحلب اللبن؟ أم تلقمه ثديها؟ وقد يكون سؤالها تعجباً من الأمر بإرضاعه المنافى لما جبلت عليه البشرية من إرضاع الصغير دون الكبير.
فالقول بنسخ رضاعة الكبير، ومنها قصة سالم رضي الله عنه ظاهر ومقبول، لا يعارضه سوى موقف عائشة –رضى الله عنها- الذى انفردت به مع قلة من الفقهاء" (1) .
... قال الإمام النووى: وقول عائشة –رضى الله عنها-: "فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ" معناه أن النسخ بخمس رضعات، تأخر إنزاله جداً، حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآناً متلو، لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.
... وفى الرواية ما يدل على وقوع النسخ فى القرآن. قال النووى: والنسخ ثلاثة أنواع:
__________
(1) فتح المنعم بشرح صحيح مسلم 9/176، 177، وقال الأمير الصنعانى فى سبل السلام: لا تعارض بين حديث سهلة، وآية الحولين، وحديث "إنما الرضاعة من المجاعة" لأن الرضاعة لغة إنما تصدق على من كان فى سن الصغر، وعلى اللغة وردت آية الحولين، وحديث إنما الرضاعة من المجاعة، والقول بأن الآية لبيان الرضاعة الموجبة للنفقة لا ينافى أيضاً أنها لبيان زمان الرضاعة، بل جعله الله تعالى زمان من أراد تمام الرضاعة، وليس بعد التمام ما يدخل = =فى حكم ما حكم الشارع بأنه قد تم. والأحسن فى الجمع بين حديث سهلة وما عارضه: كلام ابن تيمية فإنه قال: إنه يعتبر الصغر فى الرضاعة، إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذى لا يستغنى عن دخوله على المرأة، وشق احتجاجها عنه كحال سالم مع امرأة أبى حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلابد من الصغر أ. هـ. سبل السلام 3/1154 وما بعدها وبقول ابن تيمية قال الشوكانى ورجحه. انظر: نيل الأوطار 6/315، 317.(1/1084)
أحدها: ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات.
والثانى: ما نسخت تلاوته دون حكمه كخمس رضعات، والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما.
والثالث: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته، وهذا هو الأكثر، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (1) .
وبعد
... فقد ظهر واضحاً جلياً أن قصة سالم رضي الله عنه صحيحة رواية ودراية، تلقاها علماء الأمة منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا - وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها – بالقبول بصرف النظر عن كونها واقعة خاصة أو عامة، ويشهد لهذا التلقى للحديث بالصحة أن جميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لم ينقل لنا عن أحدٍ منهم استنكار أو حتى استغراب للقصة!، وإنما نقل لنا اختلافهم فى حكمها الفقهى.
فجمهور الصحابة على أن قصة سالم واقعة عين خاصة به، ولا يصح الاحتجاج بها لغيره، وتابع على ذلك جمهور علماء الأمة من التابعين فمن بعدهم، وانفردت عائشة –رضى الله عنها- مع قلة من الفقهاء منهم: عروة بن الزبير، وعطاء بن أبى رباح، والليث بن سعد، وابن علية، وغيرهم رأوا أن قصة سالم عامة، وأن إرضاع الكبير يثبت به التحريم (2) وللكل وجهة نظر ودليل.
__________
(1) الآية 240 من سورة البقرة، وانظر: المنهاج شرح مسلم للنووى 5/285، وحاشية السندى على النسائى 6/101 رقم 3307.
(2) انظر: فتح البارى 9/52، 53 رقم 5102، والمنهاج شرح مسلم للنووى 5/289، وشرح الزرقانى 3/291، 292، ونيل الأوطار 6/315، وسبل السلام 3/1153، وتأويل مختلف الحديث ص 283، 284.(1/1085)
فالجمهور على أن قصة سالم رضي الله عنه خاصة به لما وقع له من التبنى الذى أدى إلى اختلاطه بسهلة فلما نزل الاحتجاب، ومنع التبنى شق ذلك على أبى حذيفة وسهلة لما تقرر فى نفسهما أنه ابنهما، وحيث كان يدخل على سهلة كيف شاء ولا تحتشم منه كما جاء من قولها فى رواية أحمد. وليس لهم إلا بيت واحد.
فمن أجل رفع المشقة، ولما اجتمع فى سالم من صفات لا توجد فى غيره، وقع له الترخيص فى الرضاعة مع بلوغه لما تقرر فى نفوسهم جميعاً من صفات الأبوة من سالم تجاه أبى حذيفة وسهلة، وصفات البنوة من أبى حذيفة وسهلة تجاه سالم.
ومما يؤكد ذلك ذهاب ما فى نفس أبى حذيفة نتيجة لهذا الرضاع.
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين "ولا أظنه يذهب ما فى نفس غير أبى حذيفة مع غير سالم" (1) .
وذهب الجمهور أيضاً بنسخ قصة سالم بما جاء من الأحاديث الدالة على اعتبار الحولين.
... أما عائشة –رضى الله عنها- ومن قال بقولها من الفقهاء فرأوا أن قصة سالم رضي الله عنه عامة للمسلمين، لمن حصل له ضرورة: وللكل فى هذا الخلاف وجهة نظر ودليل، ولم يكن لهذا الاختلاف بينهم أى أثر فى اعتقادهم صحة الحديث، الذى يحاول دعاة الفتنة وأدعياء العلم تضعيفه أو النيل من عدالة رواته، ومن أخرجه من الأئمة الأعلام فى كتبهم.
... ويؤخذ من قصة سالم صدق إيمان سهلة، وأبى حذيفة، وسرعة امتثالهما للوحى الإلهى، لأن الغيرة منهما، وقعت نتيجة لما نزل فى كتاب الله عز وجل من النهى عن التبنى، والأمر بالاحتجاب. فتغيرت نظرة البنوة نحوه، امتثالاً لما نزل.
... ولو كانت الغيرة لشئ غير ذلك، لما كان هناك معنى لذهاب ما فى نفس أبى حذيفة بتلك الرضاعة، التى ما كانت إلا أمراً إلهياً، امتثل له الجميع، ورفعت عنهما به المشقة والحرج أ. هـ. ... ... ... والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم
__________
(1) فتح المنعم بشرح مسلم 9/177.(1/1086)
الفصل الثامن: حديث "وقوع الذباب فى الإناء"
... وتحته مبحثان:
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى أحاديث الطب النبوى والرد عليها.
المبحث الثانى: شبه الطاعنين فى حديث "وقوع الذباب فى الإناء" والرد عليها.
المبحث الأول: شبه الطاعنين فى أحاديث الطب النبوى والرد عليها
... الأحاديث الطبية التى أخبر عنها المعصوم صلى الله عليه وسلم، طعن فيها المبتدعة قديماً بعقولهم. وتأثر بذلك بعض علماءنا الأجلاء وتوسعوا فى ذلك بحجة أن الأحاديث الطبية لم يقلها النبى صلى الله عليه وسلم، بوحى، وإنما بالتجربة والعادة بصفته البشرية فهو لم يبعث ليعلم الناس الطب.
واتخذ أعداء السنة من هذا الكلام سلاحاً قوياً يطعنون به فى حجية السنة، وأنها كلها ليست وحياً. كما سبق تفصيل ذلك فى اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم (1) .
يقول الإمام ابن خلدون - رحمه الله -: "الطب المنقول فى الشرعيات … ليس من الوحى فى شئ وإنما هو أمر كان عادياً للعرب ووقع فى ذكر أحوال النبى صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التى هى عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات، وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال: "انتم أعلم بأمور دنياكم" (2) فلا ينبغى أن يحمل شئ من الطب الذى وقع فى الأحاديث المنقولة على أنه مشروع؛ فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك، وصدق العقد الإيمانى، فيكون له أثر عظيم فى النفع، وليس ذلك فى الطب المزاجى، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية كما وقع فى مداواة المبطون بالعسل (3) أ. هـ.
__________
(1) راجع: إن شئت ص 452-463.
(2) سبق تخريجه ص 452.
(3) المقدمة، فصل فى علم الطب ص 546.(1/1087)
.. وأيد الإمام ابن خلدون فى ذلك بعض علمائنا الأجلاء منهم فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوى وغيره ممن قسموا السنة النبوية إلى سنة تشريعية، وغير تشريعية (1) .
... يقول فضيلة الدكتور القرضاوى:"وفى رأيى أن جل الأحاديث المتعلقة بـ "الوصفات الطبية" وما فى معناها … كوصف الرسول صلى الله عليه وسلم للمصاب بعرق النسا: ألْيَةُ شاة أعرابيةٍ …إلخ ما جاء فى الحديث (2) ، فهذا ليس من أمور الدين التى يثاب فاعلها، أو يلام تاركها، بل هو إرشاد لأمر دنيوى نابع من تجربة البيئة العربية …، ولم يبعث عليه الصلاة والسلام ليقوم بطب الأجسام، فذلك له أهله، وإنما بعث بطب القلوب، والعقول، والأنفس، ومهما يكن اعتزازنا بما سماه العلماء "الطب النبوى" فمن المتفق عليه: أن النبى صلى الله عليه وسلم، لم يَدَّع العلم بالطب، ولا بعث لذلك (3) أ. هـ.
... والنتيجة: أن خرج علينا أحد أعداء السنة "نيازى عز الدين" يقول: "الأحاديث التى تحاول أن تنسب للرسول صلى الله عليه وسلم، علوماً مثل الطب، كلها أحاديث موضوعة، غايتها حرف الناس عن الحقائق، والعقلية العلمية التى فى آيات القرآن، إلى عقلية تؤمن بالأوهام والخرافات والأباطيل (4) .
__________
(1) راجع: إن شئت ص 454.
(2) أخرجه ابن ماجة فى سننه، كتاب الطب، باب دواء عرق النسا 2/337، 338 رقم 3463، وقال البوصيرى فى (مصباح الزجاجة) :هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات 3/124 رقم 1207.
(3) السنة مصدراً للمعرفة والحضارة ص 66، 67 باختصار، وانظر: السنة والتشريع لفضيلة الدكتور عبد المنعم النمر ص 110.
(4) دين السلطان لنيازى عز الدين ص 523.(1/1088)
ثم ضرب أمثلة على تلك الأحاديث الموضوعة تعمد اختيارها من صحيح الإمام البخارى – رحمه الله – وذلك كأحاديث الرقية "اللهم، رب الناس مذهب الباس، اشف أنت الشافى، لا شافى إلا أنت، شفاء لا يغادر سقماً". وحديث "علاج المبطون بالعسل". وحديث "لا عدوى ولا صفر". و "الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام". و"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". و"من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" وغير ذلك من الأحاديث التى نقلها من صحيح الإمام البخارى فى كتاب الطب" (1) .
وطعن كثير من دعاة الفتنة، وأدعياء العلم فى بعض الأحاديث الطبية، واتخذوا من تقسيم بعض علماء المسلمين "السنة تشريع، وغير تشريع" متكأً قوياً وهم يطعنون فى حجية السنة المطهرة، ورواتها الثقات الأعلام.
... وإذا كنا قد بينا سابقاً بالبرهان الواضح أن السنة النبوية كلها وحى، وبينا بطلان تقسيم السنة الشريفة إلى سنة تشريعية، وغير تشريعية بما يغنى عن إعادته هنا (2) .
فسوف نكتفى هنا فى الدفاع عن أحاديث "الطب النبوى" إجمالاً بالرد على ابن خلدون فيما ذهب إليه.
يقول الدكتور محمد أحمد السنهورى: أما قول ابن خلدون: "والطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شئ وأنه صلى الله عليه وسلم، لم يبعث لتعريف الطب".
هذا الكلام يناقض الواقع، والحقيقة؛ لأنه من المعلوم والبديهى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان أمياً ولم يدرى ما الكتاب، والإيمان.
ومن أين له أن يعرف طبائع الدواء أو خصائصه سواء كان هذا الدواء نباتاً أو غذاء إلا إذا كان ربه قد أطلعه عليه؟!
__________
(1) انظر: صحيح البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الطب 10/141 – 263، وانظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص 523-527.
(2) راجع: إن شئت ص 452-468.(1/1089)
.. والله عز وجل يقول عن العسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (1) ولم يبين فى القرآن الأمراض التى يشفيها هذا العسل.
ولكن الرسول عالج به المبطون أو صاحب الإسهال.
فما الذى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، يحدد هذا الدواء بالذات لعلاج هذا المرض؟ وما الذى جعله يصر على أن يتناوله المبطون أكثر من مرة؟ لابد أن يكون هذا عن طريق الوحى.
ثم ما الذى جعل الرسول يفضل فى دواء الإمساك "السنا" على "الشُّبْرُمُ" وهما نباتان يستعملان لهذا الغرض (2) . وقد فضَّل الأطباء بعد ذلك ما اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوا "الشُّبْرُمُ" وبينوا ضرره وقالوا أنه غير مأمون.
فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يملك معملاً للتحليلات؟ كلا إن هذا الأمر لابد أن يكون قد عرف خصائصه من الوحى.
ثم إن كل قانون طبى وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم وكل دواء نوه عليه لم يستطع طبيب إلى الآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أن يثبت عكس كلامه فيه. أو يخرم له قاعدة، بل كل يوم يظهر الطب، والعلم، صحة ما ذهب إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3) .
... أما كون ابن خلدون يريد أن يقيس طب النبى صلى الله عليه وسلم، على قصة تأبير النخل، مدعياً أن طبه كان أمراً عادياً ورأياً شخصياً له.
فهذا قياس خاطئ ومن الواضح أن هناك فرقاً بين هذا وذاك. فلم يتكلم النبى صلى الله عليه وسلم، عن خصيصة دواء من الأدوية أو غذاء من الأغذية ورجع عنه، بخلاف الأشياء التى كانت اجتهاداً منه، والتى لا تخرج عن الوحى أيضاً، على ما سبق تفصيله (4) .
__________
(1) جزء من الآية 69 من سورة النحل.
(2) انظر: زاد المعاد 4/320، 328.
(3) الآيتان 3،4 من سورة النجم.
(4) راجع: ص456- 463.(1/1090)
.. وأما ادعاؤه بأن الطب النبوى لا يأتى بثمرة ولا نتيجة إلا إذا استعمل على جهة التبرك. ويستشهد على هذا بقصة دواء المبطون بالعسل.
فالرد على هذا بأن أى دواء يستلزم من المريض ثقة منه فى مفعوله، وثقة فى طبيبه الذى يداويه. وهذا الكلام معلوم عند الأطباء مسلمهم، وغير مسلمهم قديمهم وحديثهم؛ لأن القوى النفسية لها تأثير عجيب فى القوى الجسدية وهذا عام فى كل مريض وكل دواء (1) .
... والقصة التى وردت عن الرجل الذى شرب العسل بعد أربع جرعات لم تبين لنا حال المريض، وإنما تكلمت عن أخيه الذى كان واسطة بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم، ولا نستطيع أن نحكم هل كان الرجل يشرب العسل تبركاً أو كان يشربه على أنه دواء، ولا مانع من البركة أيضاً.
... وأيّاً ما كان هذا الأمر: فإن الرجل قد شفى على كل حال، ولو لم تكن فى العسل خاصية ضد مرض الرجل لما شفى من مرضه، وقد ثبت طبياً احتواء العسل على مواد قاتله للميكروبات، وثبت كونه دواء لهذا المرض.
هذا وقد تناول الرسول صلى الله عليه وسلم، فى طبه أدواء كثيرة، وبين خصائص كثير من الأدوية، النباتى منها وغير النباتى (2) .
... يقول ابن قيم الجوزية مميزاً طبه صلى الله عليه وسلم، عن طب الأطباء: "وليس طبه صلى الله عليه وسلم، كطب الأطباء، فإن طبه صلى الله عليه وسلم، متيقن قطعى إلهى صادر عن الوحى، ومشكاة النبوة، وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب" (3) .
__________
(1) انظر: زاد المعاد 4/71.
(2) انظر: الطب فى السنة للدكتور محمد أحمد السنهورى ص 259 – 261.
(3) زاد المعاد 4/11.(1/1091)
ويقول الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة – رحمه الله – فى معرض دفاعه عن حديث الذباب قال: "وقبل أن أذكر رأى الطب الحديث فى حديث الذباب أحب أن أقول: "إننى لست مع النابتة التى نبتت – وبعضهم من أهل العلم، فزعمت أن الطب النبوى، من قبيل الأمور الدنيوية التى يجوز على النبى صلى الله عليه وسلم، فيها الخطأ، ويجعلونه من قبيل تأبير النخل، وقوله صلى الله عليه وسلم: " أنتم أعلم بأمور دنياكم" (1) .
... ولا أدرى كيف يقال ذلك فى حديث الذباب مع قوله صلى الله عليه وسلم، فيه: "فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر دواء"؟ وقد أتى رسول الله "بأن" التى هى للتأكيد!!
وكيف يكون هذا الأسلوب المؤكد من قبيل الظن والتخمين فى أمر دنيوى؟!
بل كيف يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "من تصبح بسبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" (2) من قبل الظن والتخمين فى أمر دنيوى؟! إن معظم أحاديث الطب–إن لم تكن كلها– إنما ساقها صلى الله عليه وسلم، مساق القطع واليقين مما يدل على أنها بوحى من الله – سبحانه وتعالى –0
والطب طبان: طب القلوب والأديان، وبه جاء الأنبياء والمرسلون – عليهم الصلاة والسلام – وطب الأبدان، وهذا نوعان: نوع روحانى كالرقى والدعوات، ونوع مادى جسمانى كالاستشفاء بالعسل، والتمر والحبة السوداء، والكمأة ونحو ذلك (3) .
__________
(1) سبق تخريجه ص 452.
(2) أخرجه البخارى"بشرح فتح البارى"كتاب الطب، باب الدواء بالعجوة للسحر10/249رقم5768 5769، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الأشربة، باب فضل تمر المدينة 7/250 رقم 2047، من حديث سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه واللفظ لمسلم.
(3) انظر: الطب فى السنة للدكتور محمد السنهورى الفصل السادس (مشكلات أثيرت حول بعض الأحاديث والرد عليها) ص330-335.(1/1092)
ووظيفة النبى صلى الله عليه وسلم، أولاً وبالذات هو طب القلوب والأديان، ولكن شريعته وسنته قد اشتملت على الكثير من طب الأبدان سواء أكان روحانياً أم جسمانياً (1) ، وليس أدل على ذلك من الآيات القرآنية العديدة التى تتحدث عن ذلك كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2) .
والآيات القرآنية التى تتحدث عن تطور الجنين فى بطن أمه فى سورة المؤمنون وغيرها (3) .
والآيات العديدة التى تتحدث عن الطهارة، وخطورة إتيان الرجل زوجته الحائض حتى تطهر. قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (4) .وقوله تعالى فى طب عسل النحل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (5)
__________
(1) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 341 – 343 بتصرف.
(2) الآية 57 من سورة يونس.
(3) انظر: الآيات 12-14 من سورة المؤمنون.
(4) الآية 222 من سورة البقرة، وانظر: الطب فى السنة للدكتور محمد السنهورى فصل "القواعد الطبية العامة المستنبطة" ص 154 – 196، وفصل "الطب الوقائى فى السنة" ص 197، وفصل "سبق السنة إلى مفاهيم طبية سبقت بها العصر" ص 197 - 2500
(5) جزء من الآية 69 من سورة النحل.(1/1093)
.. وبالجملة: فقد جمع رب العزة الطب كله فى نصف آية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (1) وقال صلى الله عليه وسلم "ما ملأ آدمى وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه …" الحديث (2) وقال بعض الحكماء: "المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء" (3) .
يقول الدكتور أبو شهبة: وليس أدل على اشتمال السنة المطهرة على طب الأبدان سواء كان روحانياً أم جسمانياً مما اشتمل عليه الصحيحان: صحيح البخارى، وصحيح مسلم وغيرهما من كتب الصحاح، والسنن، والجوامع من "كتاب الطب" ضمن كتبها، وقد جمع بعض العلماء المحدثين فى ذلك كتباً مستقلة، ككتاب "الطب النبوى" لأبى نعيم، وكتاب "الطب النبوى" للسيوطى، وكتاب "الطب النبوى" لابن قيم الجوزية.
والذى يهمنى من كل هذا، أن أنزع من نفوس النابتة التى نبتت، فزعمت أن الطب النبوى من قبيل الأمور الدنيوية التى تحتمل الخطأ والصواب – هذا الزعم الباطل الذى لم يقم عليه دليل، بل قامت ضده كثير من الأدلة.
__________
(1) جزء من الآية 31 من سورة الأعراف.
(2) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الزهد، باب ما جاء فى كراهية كثرة الأكل4/509،510 رقم2380 وقال حديث حسن صحيح.
(3) انظر: الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية للأستاذ مختار سالم ص 36، والطب الوقائى فى الإسلام للعميد الصيدلى عمر محمود عبد الله، والطب الإسلامى للدكتور أحمد طه.(1/1094)
.. ففى حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه: "أن رجلاً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "أخى يشتكى بطنه فقال: اسقه عسلاً، ثم أتى الثانية فقال: اسقه عسلاً، ثم أتاه الثالثة فقال: اسقه عسلاً، ثم أتاه الرابعة، فقال فعلت – يعنى فلم يبرأ – فقال صلى الله عليه وسلم: "صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلاً فسقاه – يعنى فى المرة الرابعة – فبرأ" (1) .
__________
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، وقول الله تعالى "فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ"10/146 رقم 5684، ومسلم "بشرح النووى" كتاب السلام، باب التداوى بعسل النحل 7/460 رقم 2217، واللفظ للبخارى.(1/1095)
ويعجبنى فى هذا المقام ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية قال: "ونحن نقول: إن هاهنا أمراً آخر، نسبة طب الأطباء إليه؛ كنسبة طب الطرقية" (1) والعجائز إلى طبهم، وقد اعترف به بعض حذاقهم وأئمتهم، فإن ما عندهم من العلم، منهم من يقول: هو قياس، ومنهم من يقول: هو تجربة، ومنهم من يقول: هو إلهامات ومنامات، وحدس صائب ومنهم من يقول: أخذ كثير منه من الحيوانات البهيمة … إلى أن قال: وأين وقع هذا وأمثاله من الوحى الذى يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره، فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحى، كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء، بل هاهنا من الأدوية التى تشفى من الأمراض ما لم يهتد إليه عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم، وأقيستهم من الأدوية القلبية، والروحانية، من قوة القلب والاعتماد على الله والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانكسار بين يديه والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير فى الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء، ولا تجربته، ولا قياسه. وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية، بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء (2) .
__________
(1) يريد بعض المتصوفة الذين لا علم لهم بالطب.
(2) زاد المعاد 4/11،12 بتصرف، وانظر: دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة341-345 بتصرف.(1/1096)
.. يقول الدكتور نور الدين عتر: "ولقد أقر كبار الأطباء الذين اطلعوا على أحاديث "الطب النبوى" بما أتت به هذه الأحاديث، بل قال لى أستاذ فى كلية الطب بجامعة دمشق: "إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأت بوصفات طبية سابقة لعصرها فحسب، بل إنه فوق ذلك جاء مقنناً للطب والأطباء (1) أ. هـ. ... ... ... والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم
المبحث الثانى: شبه الطاعنين فى حديث "وقوع الذباب فى الإناء"
والرد عليها
... روى الإمام البخارى فى صحيحه بسنده عن أبىهريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن فى إحدى جناحيه شفاءً، وفى الآخر داءً" (2) .
هذا حديث صحيح ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم وقد تلقته الأمة بالقبول، وآمنت بمضمون ما جاء فيه. وهو معجزة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3) .
... وقد طعن أهل البدع والضلال قديماً فى صحته بحجة أنه مخالف للعقل، والواقع، وأثاروا الشبه من حوله فانبرى للرد عليهم، وكشف شبههم، ودحضها علماء أجلاء، فواجهوهم بالحجج الدامغة، والأدلة البينة، فأزالوا تلك الشبه، وبينوا فسادها.
__________
(1) انظر: السنة المطهرة والتحديات للدكتور نور الدين عتر ص 76.
(2) البخارى"بشرح فتح البارى" كتاب الطب، باب إذا وقع الذباب فى الإناء 10/260،261 رقم5782، وأخرج نحوه فىكتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب فىشراب أحدكم6/414رقم3320.
(3) الآية 4 من سورة النجم.(1/1097)
من أولئك العلماء الأفاضل الإمام ابن قتيبة قال فى كتابه "تأويل مختلف الحديث" أن هذا الحديث صحيح ومن حمل أمر الدين على ما شاهد، فجعل البهيمة لا تقول، والطائر لا يسبح ... والذباب لا يعلم موضع السم، وموضع الشفاء، واعترض على ما جاء فى الحديث، مما لا يفهمه، فإنه منسلخ من الإسلام، معطل … مخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما درج عليه الخيار من صحابته، والتابعين لهم بإحسان.
ومن كذب ببعض ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان كمن كذب به كله…وما علمت أحداً ينكر هذا إلا قوم من الدَّهرَّية (1) ، وقد اتبعهم على ذلك قوم من أهل الكلام، والجهمية" (2) .
... وممن دافع عن الحديث الإمام الطحاوى - رحمه الله - فى كتابه (مشكل الآثار) فقال بعد ذكره للحديث، ومن رواه فى الصحابة - رضي الله عنهم -: "قائل من أهل الجهل بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوجوهها: وهل للذباب من اختيار؟ حتى يقدم أحد جناحيه لمعنى فيه، ويؤخر الآخر لمعنى فيه خلاف ذلك المعنى؟
فكان جوابنا فى ذلك له بتوفيق الله عز وجل وعونه أنه لو قرأ كتاب الله عز وجل قراءة متفهم لما يقرأ منه، لوجد فيه ما يدل على صدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا وهو قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (3) . وكان وحى الله إليها هو إلهامه إياها أن تفعل ما أمرها به.
__________
(1) قال فى اللسان: ورجل دهرى: ملحد لا يؤمن بالآخرة، يقول ببقاء الدهر.انظر: لسان العرب4/293.
(2) تأويل مختلف الحديث ص 210.
(3) الآيتان 68، 69 من سورة النحل.(1/1098)
فمثل ذلك: الذباب ألهمه عز وجل ما ألهمه، مما يكون سبباً لإتيانه لما أراده منه، من غمس أحد جناحيه فيما يقع فيه مما فيه الداء، والتوقى بجناحه الآخر الذى فيه الشفاء (1) أ. هـ.
... وجاء المُحَدَثُون وأعداء السنة فطعنوا فى هذا الحديث (2) ، كما طعن فيه أسلافهم، أهل الابتداع من قبل، لم ينزجروا بردود العلماء السابقين، فزادوا على شبه أولئك شبهاً أخرى أنتجتها عقولهم التى جهلت حرمة النصوص، وران عليها ظلام قائم فلم تستوعب، ولم تع معانى تلك النصوص فسارعت إلى الإنكار والرد والطعن، كما هو ديدنها، ومنهجها بكل نص جهلت معناه.
... وهذا ملخص شبه هؤلاء المحدَّثين حول هذا الحديث، والتى رددها أعداء السنة (3) :
أولاً: الحديث من رواية أبى هريرة وقد ردوا له أحاديث كثيرة، وقد انفرد به ابن حُنَين (4) ، ثم
طعن فيه بأوجه (5) .
__________
(1) مشكل الآثار 4/283 - 284.
(2) انظر: مجلة المنار المجلد19/97-99،والمجلد29/48-51،والسنة والتشريع للدكتور النمر ص110
(3) انظر: أضواء على السنة ص 223، وشيخ المضيرة ص 269، 277، والأضواء القرآنية 2/230، وشبهات حول الشيعة لعباس الموسوى ص145-146، ودفع الشبهات لأحمد حجازى السقا ص 167، ودراسة الكتب المقدسة لموريس بوكاى ص 295، وقراءة فى صحيح البخارى لأحمد صبحى منصور ص39،وحقيقة الحجاب وحجية الحديث لسعيد العشماوى ص92 وغيرهم.
(4) ابن حُنَين هو: عُبَيد بن حُنَين، أبو عبد الله المدنى، روى عن أبى موسى، وزيد بن ثابت، وطائفة، وعنه أبو الزناد، ويحيى بن سعيد، ثقة قليل الحديث مات سنة 105هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/643 رقم 4384، والكاشف 1/689 رقم 3613 والجرح والتعديل 5/404 = =رقم1872،وطبقات ابن سعد 5/385.ولم أقف على أحد اتهمه أو رماه بما رماه به السيد رشيد رضا، أو أعل هذا الحديث أو غيره بسببه. انظر: مجلة المنار والمجلد 29/48-50.
(5) انظر: مجلة المنار المجلد 29/48-50.(1/1099)
ثانياً: أنه حديث آحاد يفيد الظن، فلا إشكال فى رده، وهو غريب عن التشريع، لأنه ينافى قاعدة تحرير الضار، واجتناب النجاسة، وغريب عن الرأى لأنه يفرق بين جناحى الذباب، فيدعى أن أحدهما به سم ضار، والآخر ترياق نافع.
ثالثاً: أثبت العلم بطلانه، لأن العلم يقطع بمضار الذباب.
رابعاً: موضوع متنه ليس من عقائد الإسلام، ولا من عباداته، ولا من شرائعه، ولم يعمل به أحد من المسلمين وهو فى أمر من أمور الدنيا كحديث "تأبير النخل" وبالتالى من ارتاب فيه لم يضع من دينه شيئاً.
خامساً: تصحيحه من المطاعن التى تنفر عن الإسلام، ويفتح على الدين شبهة يستغلها أعداء الإسلام.
سادساً: البحث فيه عقيم، لا يجب أن يشغل الناس به، وقد وصلوا إلى مخترعات ومكتشفات من العلوم. ولذا يجب ترك البحث فيه إلى ما وصل إليه العلم من أحكام لا تنقض ولا ترد (1) .
ويجاب على هذه الشبه بما يلى:
أولاً: لم ينفرد البخارى-رحمه الله-بإخراج هذا الحديث، كما أن أبا هريرة لم ينفرد بروايته عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعُبيد بن حُنين، لم ينفرد بروايته عن أبى هريرة أيضاً.
__________
(1) انظر: مجلة المنار المجلد 29/48-50، والمصادر السابقة ص، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 2/260.(1/1100)
فقد أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والدارمى، وأحمد، والبيهقى، وابن خزيمة، وابن حبان، والبغوى، وابن الجارود، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه (1) .
وأخرجه النسائى، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقى، وابن حبان، والبغوى من حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه، وأخرجه البزار، والطبرانى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (2) ، ورواه عن أبى هريرة جماعة من التابعين (3) .
... ولو لم يرد هذا الحديث إلا فى صحيح البخارى، لكان صحيحاً مقبولاً، إذ البخارى هو أصح الكتب بعد كتاب الله وأحاديثه فى أعلى درجات الصحة.
__________
(1) أبو داود فى سننه، كتاب الأطعمة، باب فى الذباب يقع فى الطعام 3/365 رقم 3844، وابن ماجة فى سننه، كتاب الطب، باب يقع الذباب فى الإناء 2/349 رقم 3505 والدارمى فى سننه، كتاب الأطعمة، باب الذباب يقع فى الطعام 2/135 رقم 2039 وأحمد فى مسنده 2/229، 230، 246، 443، والبيهقى فى سننه كتاب الطهارة، باب ما لا نفس له تسيل 4/53، والبغوى فى شرح السنة كتاب الصيد، باب الذباب يقع فى الشراب 11/259، 261 رقم 2813، 2814 وابن الجارود فى المنتقى، باب فى طهارة الماء والقدر الذى ينجس ولا ينجس ص 26 رقم 55.
(2) النسائى فى سننه كتاب الفرع والعتيرة، باب الذباب يقع فى الإناء 7/178، 179 رقم 4262، وابن ماجة فى الأماكن السابقة 2/349 رقم 3504، وأحمد فى المسند 3/24، 67، والبيهقى فى الأماكن السابقة والصفحات، وابن حبان فى الأماكن السابقة 4/55 – 56، والبغوى فى الأماكن السابقة رقم 2815، والطبرانى فى الأوسط 5/41، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد إلى البزار وقال: رجاله رجال الصحيح.
(3) وهم: عُبيد بن حُنين، وسعيد المقبرى، وثمامة بن عبد الله بن أنس، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين.(1/1101)
.. يقول فضيلة الدكتور أبو شهبة: "ولم أجد لأحد من النقاد، وأئمة الحديث طعناً فى سنده؛ فهو فى درجة عالية من الصحة، وكل ما وقع فيه من الطعن من بعض المتساهلين، والجهلاء، والمبتدعة، إنما هو من جهة متنه (1) .
ولو تفرّد به أبو هريرة رضي الله عنه لما وجدوا إلى الطعن فى صحته سبيلاً.خلافاً لبعض غلاة الشيعة الجعفرية، ومن تبعهم من الزائغين، حين طعنوا فى الصحابى الجليل لأن الحديث من روايته واتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من ذلك.
فهذا هو التحقيق العلمى يثبت صدق أبى هريرة، وأنه برئ من طعن الطاعنين، وأن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه، لأنهم رموا صحابياً بالبهت، وردوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة! وقد رواه غيره من الصحابة كما علمت.
وليت شعرى هل علم هؤلاء بعدم تفرد أبى هريرة بالحديث، وهو حجة لو تفرد، أم جهلوا ذلك؟
فإن كان الأول فلماذا يتعللون برواية أبى هريرة إ ياه، ويوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الصحابة الأجلاء؟!
وإن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص والعلم بالحديث الشريف؟ وما أصدق القائل:
فإن كنت تدرى فتلك مصيبة ... *** ... وإن كنت لا تدرى فالمصيبة أعظم (2)
وعُبَيد بن حُنَين ثقة لا مطعن فيه، ولم يذكره الحافظ فيمن تكلم فيهم من رجال البخارى فى هدى السارى، ولم أقف على من طعن فى توثيقه من العلماء، ولعمرى لو تفرد برواية الحديث عن أبى هريرة لقبل تفرده، فإن تفرد مثله لا يقدح فى صحة الحديث. كما هو مقرر فى علم مصطلح الحديث (3) .
...
__________
(1) دفاع عن السنة ص 338، وانظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/124 الهامش.
(2) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألبانى 1/60.
(3) وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 2/261 – 263.(1/1102)
ثانياً: وكون الحديث آحاداً ومن أجل ذلك سهل رده، قول مردود، وحجة داحضة، وقد سبق الكلام عن ذلك فلا إعادة ههنا (1) .
... وقول السيد رشيد رضا بأنه: غريب عن التشريع؛ لأنه ينافى قاعدة تحريم الضار، واجتناب النجاسة.
يرد عليه: بأن الحديث لم ينف ضرر الذباب بل أثبت ذلك، فذكر أن فى أحد جناحيه داء، ولكنه زاد ببيان أن فى الآخر شفاء، وأن ذلك الضرر يزول إذا غمس الذباب كله (2) .
... يقول الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: "وأعلم أن فى الذباب عندهم قوة سمية يدل عليها الورم، والحكمة العارضة عن لسعة، وهى بمنزلة السلاح، فإذا أسقط فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه فى جناحه الآخر من الشفاء، فيغمس كله فى الماء والطعام، فيقابل المادة السمية المادة النافعة، فيزول ضررها، وهذا طب لا يهتدى إليه كبار الأطباء وأئمتهم، بل هو خارج من مشكاة النبوة، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج، ويقر لمن جاء به، بأنه أكمل الخلق على الإطلاق، وأنه مؤيد بوحى إلهى خارج عن القوة البشرية (3) .
... وقال الشوكانى – رحمه الله -: "والفائدة فى الأمر بغمسه جميعاً هى أن يتصل ما فيه من الدواء بالطعام أو الشراب كما اتصل به الداء، فيتعادل الضار والنافع فيندفع الضرر" (4) .
__________
(1) راجع إن شئت ص 497، 552-566، 751-753، 757، 758، 787-788.
(2) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى المجلد 1/61.
(3) زاد المعاد 4/112.
(4) نيل الأوطار 1/56، وانظر: سبل السلام 1/37.(1/1103)
.. والقول بنجاسة الذباب لا دليل عليه؛ لأنه لا ملازمة بين الضرر والنجاسة، ولذا كان هذا الحديث من أدلة العلماء على أن الماء القليل لا ينجس بموت ما لا نفس له سائلة فيه، إذ لم يفصل الحديث بين موت الذباب، وحياته عند غمسه (1) .
... قال الإمام الخطابى –رحمه الله-:"فيه من الفقه: أن أجسام الحيوان طاهرة، إلا ما دلت عليه السنة من الكلب وما لحق به فى معناه.وفيه دليل: علىأن ما لا نفس له سائلة إذا مات فى الماء القليل لم ينجسه، وذلك أن غمس الذباب فى الإناء قد يأتى عليه. فلو كان نجسه إذا مات فيه، لم يأمر بذلك. لما فيه من تنجس الطعام، وتضييع المال، وهذا قول عامة العلماء" (2) .
... والقول بأنه لا فرق بين جناحى الذباب بأن يحمل أحدهما سماً، والآخر شفاء.
قول يناهض الحديث، بل ويخالف الواقع من اجتماع كثير من المتضادات فى الجسم الواحد كما هو مشاهد معروف. وقد أجاب عن ذلك العلماء فى السابق.
ولا أدرى أجهل ذلك الشيخ رشيد رضا – رحمه الله – مع سعة إطلاعه ونصرته للسنة – أم تجاهله؟ وكلا الأمرين ذميم فى حقه، وقد ذكر ذلك معاصروه (3) .
... قال الحافظ ابن حجر: "وقال الخطابى: تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له فقال كيف يجتمع الشفاء والداء فى جناحى الذباب؟ وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الداء، ويؤخر جناح الشفاء، وما ألجأه إلى ذلك؟ قلت: وهذا سؤال جاهل، أو متجاهل، فإن كثيراً من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة. وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان.
__________
(1) انظر: فتح البارى 10/262 رقم 5782، ونيل الأوطار 1/56، وسبل السلام 1/37.
(2) معالم السنن5/340-341،وانظر: زاد المعاد4/111-112،وشرح السنة للبغوى11/260.
(3) انظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/128 فى الهامش، ودفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 338.(1/1104)
وإن الذى ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها أوان حاجتها، وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت، لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحاً، وتؤخر آخر.
وقال ابن الجوزى: ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب، فإن النحلة تعسل من أعلاها، وتلقى السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها فى الترياق الذى يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر" (1) أ. هـ.
ثالثاً: والقول بأن العلم يثبت بطلانه لأنه قطع بمضار الذباب، قول من جهل معنى الحديث، وعجز عن فهمه. والحديث كما أسلفت لم ينف ضرر الذباب بل نص على ذلك صراحة. وهل علماء الطب وغيرهم أحاطوا بكل شئ علماً؟!!
... حتى يصبح قولهم هو الفصل الذى لا يجوز مخالفته. بل هم معترفون كل الاعتراف بأنهم عاجزون عن الإحاطة بكثير من الأمور (2) . وهنالك نظريات كانت تؤخذ على وجه التسليم تبين فسادها فيما بعد، إذ علومهم خاضعة للتجارب والاختبارات.
... بينما الذى نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحى من عند الله تعالى، العليم بخفاء ما غاب عن الخلق جميعاً. ولا زال علماء الطب يطِلّون على العالم فى كل يوم باكتشافات جديدة لعقاقير طبية وأدوية واقية لم تكن عُرفت من قبل.
ثم هل يتوقف إيماننا بصدق كل حديث ورد فيه أمر طبى عن النبى صلى الله عليه وسلم، حتى يكشف لنا الأطباء بتجاربهم صدقة أو بطلانه؟
وأين إيماننا إذن بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووحى الله إليه؟!
__________
(1) انظر: فتح البارى 10/263 رقم 5782 وانظر: معالم السنن 5/341-342، وتأويل مختلف الحديث ص 210، 212.
(2) انظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/124 فى الهامش، والأنوار الكاشفة ص221.(1/1105)
.. إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، برهان قائم بنفسه لا يحتاج إلى دعم خارج عنه، فعلى الأطباء بل والناس جميعاً التسليم بما جاء فى هذا الحديث والتصديق به إن كانوا مسلمين، وإن لم يكونوا كذلك فليزمهم التوقف إن كانوا عقلاء.
والمسلم لا يهمه كثيراً ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب ما دام ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
هذا كله يقال على فرض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة.
... ومع ذلك فقد وجد من الأطباء المعاصرين من أيد مضمون ما جاء فى هذا الحديث من الناحية الطبية، وهنالك كثير من البحوث والمقالات فى هذا الجانب، منها المطول ومنها المختصر.
اختار منها ما ذكره أحد الأطباء المصريين العصريين بجمعية "الهداية الإسلامية" بالقاهرة قال – رحمه الله –: "يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التى تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه، ويأكل بعضاً، فيتكون فى جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ "مبعد البكتريا" وهى تقتل كثيراً من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير فى جسم الإنسان فى حال وجود مبعد البكتريا. وأن هناك خاصية فى أحد جناحى الذباب، هى أنه يحول البكتريا إلى ناحيته، وعلى هذا فإذا سقط الذباب فى شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه فى ذلك الشراب، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واق منها هو مبعد البكتريا الذى يحمله الذباب فى جوفه قريباً من أحد جناحيه. فإن كان هناك داء فدواؤه قريب منه، وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التى كانت عالقة، وكاف فى إبطال عملها. وقد كتب بعض الأطباء الغربيين نحو ذلك.
__________
(1) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد1/61،وموقف المدرسة العقلية من السنة2/268،269.(1/1106)
وبذلك ظهر أن هذا الحديث صحيح السند والمتن، فهل بقى للمنكرين من حجة يحتجون بها؟ اللهم إلا الهوى (1) .
رابعاً: الزعم بأن موضوعه ليس من عقائد الإسلام ولا من عباداته … إلخ.
... زعم قُصِدَ من وراءه، تحقير الحديث وتهوين لأمره، وتنفير الناس عنه، وهى دعوى تتردد وتتكرر كلما عجزوا عن إقامة الدليل على عدم صحة حديث ما، ولذلك يكثرون من ذكر هذه العبارات التى لا تدل إلا على تنصل صاحبها من إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بها
والإسلام دين كامل، بعقائده، وعباداته، ومعاملاته، وأخلاقه، لا يحقر جزء من جزئياته، ولا فرع من فروعه، ولا يستهان به.
وقد أمر الله المؤمنين بالتمسك بكل شعب الإيمان وشرائع الإسلام من غير تفريط فى جانب منها مع القدرة على ذلك قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (2) .
قال الحافظ ابن كثير فى معنى هذه الآية: "يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، ما استطاعوا من ذلك" (3) .
... والقول بأنه لم يعمل به أحد من المسلمين، قول عار عن الصحة، ودعوى جريئة جاء الحق بخلافها.
__________
(1) انظر: الإحسان فى تقريب صحيح ابن حبان 4/55، الهامش، ودفاع عن السنة 345، 346، وسلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد 1/61، وموقف المدرسة العقلية من السنة 2/269، 270، والسنة المطهرة والتحديات للدكتور نور الدين عتر ص 80-81.
(2) الآية 208 من سورة البقرة.
(3) تفسير القرآن العظيم 1/247.(1/1107)
روى عبد الله بن المثنى (1) ، عن عمه ثمامه (2) ؛ أنه حدثه قال: كنا عند أنس، فوقع ذباب فى إناء فقال أنس (3) بأصبعه فغمسه فى ذلك الإناء ثلاثاً ثم قال: بسم الله. وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم أن يفعلوا ذلك (4) .
__________
(1) هو: عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصارى، أبو المثنى البصرى، روى عن عمومته، والحسن، وعنه ابنه محمد، ومسدد، وعبد الواحد بن قياس. قال ابن معين وأبو زرعة: صالح. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق كثير الغلط. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/527 رقم 3582، والكاشف 1/592 رقم 2942، والجرح والتعديل 5/177 رقم 830.
(2) هو: ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك، الأنصارى، البصرى، قاضيها. روى عن جدة، والبراء وعن أبى هريرة مرسلاً. وعنه عبد الله بن المثنى، وعمر. قال أبو حاتم والذهبى ثقة. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/150 رقم 855، والكاشف 1/285 رقم 716. والجرح والتعديل 2/466 رقم 1893.
(3) قوله "فقال أنس": يراد به الفعل. لأن العرب تجعل القول عبارة لجميع الأفعال، وتطلقه على غير اللسان والكلام فتقول: قال بيده: أى أخذ. وقال برجله: أى مشى … إلخ. انظر: النهاية 4/124، والقاموس المحيط 4/41، 42.
(4) ذكره الحافظ فى الفتح: وقال أخرجه البزار ورجاله ثقات، ورواه حماد بن سلمة، عن ثمامه فقال "عن أبى هريرة" ورجحها أبو حاتم، وأما الداقطنى: فقال: "الطريقان محتملان" انظر: فتح البارى 10/261، 262 رقم 5782.(1/1108)
وروى أحمد من طريق سعيد بن خالد (1) قال: "دخلت على أبى سلمة فأتانا يزيد وكتلة (2) ،فأسقط ذباب فى الطعام، فجعل أبو سلمة (3) يمقله بأصبعه فيه فقلت: يا خال! ما تصنع؟ فقال: إن أبا سعيد الخدرى حدثنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحد جناحى الذباب سم، والآخر شفاء، فإن وقع فى الطعام، فأمقلوه (4) ، فإنه يقدم السم، ويؤخر الشفاء" (5) .
فأنس صحابى، وأبو سلمة تابعى، وقد عملا بمضمون هذا الحديث، فكيف يزعم بأن أحداً من المسلمين لم يعمل به؟ (6) .
هذه دعوى، وغيرها كثير، يطلقها أولئك القوم من غير علم ولا تحقيق؛ ليخدعوا بها السذج من الناس، ويحدث من جرائها شر وفساد عريض (7) .
__________
(1) سعيد بن خالد هو: ابن عبد الله بن قارظ، الكتانى، المدنى، حليف بنى زهرة، روى عن ربيعة بن عباد وابن المسيب، وعنه ابن أبى ذئب، وابن إسحاق. صدوق له ترجمة فى: تهذيب التهذيب 4/20 رقم 2660، وتقريب التهذيب 1/351 رقم 2298، والكاشف 1/434 رقم 1873، والجرح والتعديل 4/16 رقم 62.
(2) الكتلة: هو ما جمع من التمر والطين واللحم وغير ذلك انظر: النهاية4/150،والقاموس المحيط 4/43
(3) أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهرى، المدنى قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل. أحد الأئمة الثقات المكثرين. روى عن أبيه، وعائشة، وأبى هريرة، وعنه ابنه عمر، والزهرى محمد بن عمرو مات سنة 94هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/409 رقم 8177، والكاشف 2/431 رقم 6661، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 30 رقم 50، ومشاهير علماء الأمصار ص 83 رقم 430، والثقات للعجلى ص 499 رقم 1960.
(4) فامقلوه أى اغمسوه فى الماء ونحوه. انظر النهاية 4/347.
(5) المسند 3/67.
(6) انظر: السنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين حيث ضرب أمثلة عملية على عمل كثير من المسلمين بهذا الحديث. وإن لم يشعروا بأنهم يعملون بالحديث ص55-58.
(7) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 2/271-273.(1/1109)
والقول بأن الحديث لا دخل له فى التشريع، وأنه من أمور الدنيا.
قول يحتاج إلى ما يدل عليه، فالحديث فيه أمر إرشادى من النبى صلى الله عليه وسلم، لعلاج حالة إذا وقعت ولا حيلة للمرء فى دفعها، وهى "إذا وقع الذباب" أى رغماً عنكم، ولم يكن لكم حيلة فى دفعة، وأردتم الانتفاع بما وقع فيه من طعام أو شراب، فعليكم بغمسة كله.
فالأمر بالغمس أمر إرشاد لا أمر إ يجاب، يأثم تاركه، إذ لم يقل بذلك أحد (1) .
... أما قياس حديث الذباب بحديث تأبير النخل فغير صحيح.
فحديث الذباب حديث تشريعى، وأفاد حكماً شرعياً، بأن ما لا نفس له سائلة إذا مات فى الماء القليل لم ينجسه (2) .
كما أفاد جواز أكل أو شرب ما وقع فيه الذباب بعد غمسه كله لمن شاء ورغب فى ذلك. ولا شك أن كل ذلك حكم شرعى (3) .
خامساً: أما القول بأن تصحيح الحديث من المطاعن التى تنفر عن الإسلام…إلخ ما ذكروه.
... فقول ساقط يحمل بين طياته استدراكاً على النبى صلى الله عليه وسلم، الذى كان أحرص الناس على دين الله عز وجل، وسد كل منافذ الطعن والقدح فيه.
وكيف يكون فى شريعة الله ما ينفر وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "بشروا ولا تنفروا. ويسروا ولا تعسروا" (4) .
وهل يعقل أن تكون أقواله التى نطق بها، وأفعاله التى فعلها منفرة للناس؟!
وأين موضع التنفير فى هذا الحديث؟ إلا أنه أثبت أن فى جناح الذباب شفاء؟ أيكون هذا تنفيراً؟ يالخفة العقول!
وأين هذه الشبهة التى يفتحها على الدين حتى يستغلها أعداء الإسلام؟
__________
(1) انظر: السنة والتشريع لفضيلة الدكتور موسى شاهين ص 54، 55، ودفاع عن السنة لفضيلة الدكتور محمد أبو شهبة ص 352.
(2) راجع: ص 880.
(3) راجع: نقض دليل تقسيم السنة إلى سنة تشريعية، وغير تشريعية ص 464-468.
(4) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الجهاد والسير، باب فى الأمر بالتيسير وترك التنفير6/283 رقم 1732 من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه.(1/1110)
وهل وقف أعداء الإسلام فيما يثيرونه من شبه عند حديث الذباب وحده؟
بل قد أثاروا شبهاً لا حصر لها فى أمور لا تخفى على أحد، بل حتى القرآن الذى نقل بالتواتر جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر؛ هل سلم وسلمت أحكامه من شبه أعداء الإسلام؟
... وهل إذا رددنا حديث الذباب، بل ورددنا السنة كلها، يكف ذلك شبههم عنا؟! ويستجيبون بعد ذلك لديننا ويلتزمون بشريعتنا؟
بل لو تتبعنا شبههم - قاتلهم الله - ورددنا كل أمر اشتبهوا فيه ما بقى لنا من ديننا ما نتمسك به.
... ولماذا هذه المجاملة، وهذا التنازل لأعداء الإسلام على حساب ديننا؟
وما الذى يضرنا من شبههم، ونحن موقنون بأن ما جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلمهو الحق الذى لا مريه فيه، وما يقذف به أعداء الإسلام شبه باطلة داحضة لا قيمة لها من الصحة. وهل بعد ظهور ما يؤيد صدق الحديث من الناحية الطبية، تظل شبههم عالقة به؟ (1) .
سادساً: أما القول بأن البحث فى الحديث عقيم … إلخ.
... فهو قول من جهل مقام النصوص، وضعف احترامه لها، إن لم يكن قد عدم تماماً. إن ما بذله بعض الأطباء الأفاضل من جهود حول تأييد هذا الحديث من الناحية الطبية، يجب أن يشكروا عليه ولا يذموا بما قدموا، إذا كانوا يهدفون من وراء ذلك دفع الشبه التى ألصقت بهذا الحديث، وبيان أن العلم الحديث لا ينافيه.
... والحقيقة إن هذه البحوث وإن كانت تزيد الإنسان إيماناً بصدق الحديث، إلا أن الإيمان لا يتوقف عليها، إذ الحديث حجة قائمة بنفسه.
... ويكفى فى فصل هذه البحوث أنها نقضت الذى طبل من أجله أعداء السنن وزمروا، من أمثال النظام، وأتباعه من المستشرقين، وغلاه الشيعة، وأتباعهم أمثال محمود أبو ريه، الذى ذهب إلى وجوب ترك البحث فى هذا الحديث إلى ما وصل إليه العلم بأبحاثه الدقيقة، وتجاربه الصحيحة التى لا يمكن نقضها، ولا يرد حكمها.
__________
(1) موقف المدرسة العقلية من السنة 2/277، 278.(1/1111)
والذى يعجب منه الإنسان أن نظريات الغرب المتناقضة المختلفة التى لا تستقر على حال، تصبح عند هؤلاء أحكاماً مسلمة لا تنقض، ولا ترد، وحديث النبى صلى الله عليه وسلم الصادق الذى لا ينطق عن الهوى، يطعن فيه، ويرد بغير حجة، ولا دليل.
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر: "والحق أنه لم يعجبهم هذا الحديث، لما وقر فى نفوسهم من أنه ينافى المكتشفات الحديثة، من الميكروبات ونحوها، وعصمهم إيمانهم عن أن يجرؤوا على المقام الأسمى، فاستضعفوا أبا هريرة.
... والحق أيضاً أنهم آمنوا بهذه المكتشفات الحديثة أكثر من إيمانهم بالغيب ولكنهم لا يصرحون! ثم اختطوا لأنفسهم خطة عجيبة: أن يقدموها على كل شئ. وأن يؤولوا القرآن بما يخرجه عن معنى الكلام العربى، إذا ما خالف ما يسمونه "الحقائق العلمية "وأن يردوا من السنة الصحيحة ما يظنون أنه يخالف حقائقهم هذه! افتراء على الله، وحباً فى التجديد" (1) أ. هـ.
وبعد
... فهذه نماذج قليلة من الأحاديث الصحيحة التى وجهت إليها نقود من أعداء السنة قديماً وحديثاً، لا يهام المسلمين أنها غير صحيحة، وأنها تتعارض مع عقولهم الزائغة، أو مع كتاب الله عز وجل، أو مع العلم أو غير ذلك من أصولهم الفاسدة التى حكموا بها على الأحاديث صحة أو ضعفاً.
والحق أن هؤلاء الجاهلين من الغباء بحيث لا ينبغى أن يعبأ بهم أو يكترث بما يقولون.
فالتصدى للأحاديث الصحيحة، ومحاولة تضعيفها يكشف عن أن أصحابها لا يعرفون شيئاً أو يتجاهلون ليثبتوا كيدهم للسنة بل للإسلام" (2) .
__________
(1) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/125، الهامش، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 2/278 – 279.
(2) انظر: نصوص من السنة ودفاع عنها للدكتور رفعت فوزى المقدمة، والسنة النبوية الشريفة للدكتور أحمد كريمة ص 70، وظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها للدكتور صالح أحمد رضا ص 69، 70.(1/1112)
وحقيق بكل مسلم أن يعلم أن للحديث الصحيح ثمرات طيبات ونتائج باهرات نذكر بعضها فى الفصل التالى.(1/1113)
الفصل التاسع: ثمرات ونتائج الحديث الصحيح
... للحديث الصحيح ثمرات طيبات ونتائج باهرات منها:
إذا صح الحديث وجب العمل به، حتى ولو لم يخرجه الشيخان ما دامت قد ثبتت صحة الحديث، وعلى ذلك اتفاق العلماء (1) .
يقول فضيلة الدكتور مروان شاهين: "ودع عنك يا أخى ترهات المعاندين فى هذه المسألة، فإن القضية متعلقة بالإيمان وعدمه، والمؤمنون لا يقدمون أبداً أى قول على قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لمسلم أبداً أن يتوقف فى العمل بحديث ثبتت صحته عند العلماء، وحاشاه أن يكون من المعاندين، إن المؤمن يسارع إلى تنفيذ حكم الله تعالى، وتنفيذ ما ثبت صحته من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا شأن أئمة الإسلام جميعاً، الأئمة الأربعة وغيرهم، وتواترات على ذلك أقوالهم، والإمام الشافعى وغيره قد قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبى" (2) .
العمل بالحديث الصحيح واجب، حتى ولو كان عمل أكثر الأمة بخلافه، لأن الأصل المقدم دائماً هو قول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعنى وجوب العمل بالحديث الصحيح هنا، الاحتجاج والعمل به بوجه عام، باعتباره وحياً أوحى الله عز وجل به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أقره عليه (3) .
لزوم العمل بالصحيح متى علمنا به بدون إبطاء، وقد تراجع كثير من الصحابة عن القول بآرائهم متى بلغهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) نزهة النظر ص 26، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 87.
(2) انظر: الفقيه والمتفقه 1/388 رقمى 405، 406، ومناقب الشافعى للرازى ص 317-319، وتيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير ص 172، 173.
(3) انظر: الفقه الإسلامى مرونته وتطوره للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق ص61،62.(1/1114)
متى صح الحديث صار أصلاً من الأصول، ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر والأصول تتوافق، وما يبدوا من ظاهرها من التعارض أحياناً، فإن العلماء قد بينوا وجوه الجمع بينها بحيث يندفع التعارض فى النهاية بإذن الله (1) .
ينبغى أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده، وما قصده من الهدى والبيان.
وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب، مالا يعلمه إلا الله عز وجل، بل سوء الفهم عن الله عز وجلورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة، وضلالة، نشأت فى الإسلام.
وهل أوقع القدرية، والمرجئة، والخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والروافض، وسائر طوائف أهل البدع والإلحاد قديماً وحديثاً فى زيغهم؛ إلا سوء الفهم عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم؟! (2) .
هذا وللعلامة القاسمى فى قواعد التحديث، كلام طيب ورائع، حول ثمرات الحديث الصحيح، فليراجعها من يشاء؛ فإنها مفيدة" (3) .
الفصل العاشر: "مضار رد الأحاديث النبوية الصحيحة"
... التشكيك والطعن فى الأحاديث النبوية الصحيحة، وردها، له مضاره الخطيرة على ديننا، وعلى وحدة أمتنا الإسلامية، ومن تلك المضار:
أولاً: إخراج ما هو من الدين: فكما أن وضع الأحاديث بالإختلاف والكذب يدخل فى الدين ما ليس منه، فإن رد صحيحها يخرج من الدين ما هو منه، وهذا عين الإبتداع، لأنه يكون بالزيادة والنقص.
__________
(1) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير ص 173.
(2) الروح لابن قيم الجوزية ص87، 88 بتصرف.
(3) انظر: قواعد التحديث ص 85 - 102.(1/1115)
ثانياً: إشاعة البلبلة الفكرية، وتلك مصيبة كبرى لا يدرك أخطارها الحالية والمستقبلية هؤلاء اللاعبون بالنار؛ لأنها تفتح الباب على مصراعيه لفقد النصوص قداستها وحرمتها وتمهد السبل لأذناب العلمانية ومن يشاطرهم الكيد للإسلام، والتطاول، على النصوص، والاستخفاف بها، وأخذ ما يتفق مع الأمزجة وهجر ما عداها (1) .
وسيتحمل هؤلاء إثم تفرقة الأمة الإسلامية، وإثارة البلبلة بين صفوفها. أهـ
وفى الختام … نسأله -جلا جلاله- أن يجعلنا ممن يكون هواه تبعاً لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم قدوتنا فى حياتنا كلها، الشخصية، والاجتماعية، وأن ينفع بهذا البحث أمة الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها وأن يكون سهاماً مسمومة فى نحور أعداء الإسلام فى كل زمان ومكان.
والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل …
__________
(1) السنة النبوية للدكتور أحمد محمد كريمة ص77، وانظر: الإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد ص 97-98.(1/1116)
الخاتمة فى نتائج هذه الدارسة
ومقترحات وتوصيات
الخاتمة
... وفى نهاية المطاف نلخص أهم ما وصلت إليه هذه الرسالة من نتائج ومقترحات وتوصيات:
1 - أن مؤامرة التشكيك فى حجية السنة المطهرة ومكانتها التشريعية أخذت طريقها إلى عقول بعض الفرق فى الماضى، كما أخذت طريقها إلى عقول المستشرقين، ومن استمالوهم من أبناء المسلمين فى الحاضر.
2 - أن معركة أعداء الإسلام مع السنة المطهرة تتسم من جهة أعدائها بالدقة، والتنظيم، والكيد المحكم، كما تتسم من جهة المسلمين بالبراءة، والغفلة، والدفاع العفوى، دون إعداد سابق أو هجوم مضاد.
3 - أن القواعد التى ينطلق منها أعداء السنة قديماً وحديثاً فى الكيد لها واحدة فشبهات القدماء هى نفسها شبهات المعاصرين. وصدق الله العظيم إذ يقول: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (1) وقال عز وجل: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (2) .
4 - تأثر الفرق الكلامية بالفلسفة اليونانية، وأعطوها صبغة إسلامية ليستعينوا بها على نظرياتهم وجدلهم، فكان ذلك ذا أثر بالغ فى رد النصوص بالعقل، وفتح باب شر عظيم على أمة الإسلام، دخل منه كثيرون من أعداء الإسلام، وتأثر بذلك بعض أبناء المسلمين
5 - مخالفة الفرق الكلامية منهج السلف فى فهم النصوص، وعجز عقولهم عن الفهم الصحيح لها، أدى بهم إلى الاضطراب، وعدم الاستقرار المنهجى.
6 - أن أهل السنة والجماعة هى الفرقة الوحيدة التى حالفها الصواب والسداد فى فهم النصوص من الكتاب والسنة، حيث لم يقدموا العقل على نصوص الوحى، ولم يلغوا عمله، بل وقفوا به عند حده الذى حده الله له، فأعملوه حيث جاز له أن يعمل، ووقفوا به حيث حق له أن يقف.
__________
(1) جزء من الآية 118 من سورة البقرة.
(2) الآية 53 من سورة الذارايات.(1/1117)
7 - فساد منهج المستشرقين فى دراستهم للإسلام، مهما حاولوا إدعاء المنهجية العلمية التى يزعمونها، وسبب ذلك عدم تخلصهم من العصبية والعداء للإسلام وأهله.
8 - نجاح الاستشراق فى استقطاب كثير من أبناء الإسلام الذين انخدعوا بأفكاره وآرائه وتأثروا بثقافاته ومناهجه، وكثير منهم يمثلون رموزاً بارزة فى بلدانهم، فكان لذلك أثر بالغ فى نشر تلك الأفكار بين المسلمين، وانخداع السذج منهم بها، وتفلت كثير منهم بسببها من التمسك بالشرع، فكان خطرهم أعظم، وفسادهم أكبر، لأنهم يهدمون السنة من داخلها.
9 - أظهر البحث بما لا يدع مجالاً للشك، أنه لو سلمنا جدلاً أنه يكفى الاستناد على القرآن وحده فى تحليل، الحلال وتحريم الحرام … ولم نعبأ بالسنة أبداً، وتركنا القرآن يخطئ فيه المخطئون، ويتعمد فيه الكذب الكذابون، ويتلاعب فيه الملحدون، ويخوض فيه المنافقون بما تسوله لهم نفوسهم، وتمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم، فإن الخلاف بين الناس لا يزول كما هو معلوم بالضرورة، وإنما سيزيد ويستفحل، ويصل بهم إلى مدارك الهاوية، ويتفرق بهم فى دروب التيه.
10 - أكد البحث أن عدم الأخذ بالسنة دعوة إلحادية، يريد أصحابها لنا الإعراض عن هدى النبوة، وينسون أنهم يتمسكون بتشريعات واهية، لا أساس لها تقوم عليه، ولو سلمنا لهم جدلاً أنه يجب إبطال السنة، مع صحة نقلها بالإسناد المتصل؛ الذى هو منَّة عظيمة خص الله بها الأمة الإسلامية دون سائر الأمم، لكان لزاماً علينا من باب أولى أن نبطل جميع التشريعات المتداولة فى الدنيا مهما كان مصدرها سماوياً أو وضعياً لأن من المُسَلمَّ أن البقاء للأصح سنداً، والأصدق رواية.(1/1118)
11 - إن منكرى السنة بجملتها تسول لهم نفوسهم المريضة وتصور لهم عقولهم المتحجرة، ادعاء العلم بدين الله وأسرار شريعته أكثر من رسوله صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله - وإلا فكيف يتجرؤون أن ينكروا سنته، وإذا كان ذلك كذلك فمن الذى يطاع: رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم الخارجين عن دين الله؟!
12 - قرر البحث أن السنة ضرورة دينية، وأن كثيراً من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، والتى أجمع عليها الفقهاء؛ متوقفة على حجيتها، فلو لم تكن حجة، كيف يتوقف الضرورى - وهو الإجماع - على ما ليس بضرورى - وهى السنة؟!
13 - إن الأدلة الشرعية جميعها متوافقة متآلفة متلائمة، لا اختلاف، ولا تنافر، ولا تضارب بينها، كما يشهد لذلك قول الحق تبارك وتعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (1) ومن هنا فالشريعة خالية البتة من كل تناقض، وتعارض حقيقيين لإستلزامهما العجز والجهل المحالين على الله تعالى، هذا وإن أى تعارض يراه الباحث إنما يكون بحسب الظاهر فقط بالنسبة إليه، أو لكونه يتوهم ما ليس بدليل دليلاً، أو لتصوره أن نصين من النصوص يدلان على حكمين متعارضين مختلفين، بينما النصان فى واقع الأمر لا تعارض، ولا اختلاف فى حكمهما، بل لكل واحد منهما جهة غير جهة الآخر، فالتعارض حينئذ يكون سببه عجز الباحث وعدم درايته، لكونه غير معصوم من الخطأ، لا فى النص ولا فى مدلوله على الحكم.
14 - إن دعوى وجود عقليات مخالفة للشرع، لا حقيقة لها عند الاعتبار الصحيح، بل هى أوهام وخيالات، وشبه عارية عن الصواب، إضافة إلى أنه لا ضابط عند من يرد النصوص بالقرآن والعقل يفرق به بين ما يرد، وما لا يرد.
15 - رد النصوص عقلاً أوجد أثراً بالغاً فى زعزعة كثير من العقائد، وعدم احترام نصوص الوحى الاحترام اللائق، والتهوين من شأنها.
__________
(1) الآية 82 من سورة النساء.(1/1119)
16 - أن جميع ما يتناقله الشيعة الرافضة، وأهل البدع فى كتبهم من المطاعن العامة والخاصة فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يعرج عليها ولا كرامة، فهى أباطيل وأكاذيب مفتراه إذ دأب الرافضة، وأهل البدعة رواية الأباطيل، ورد ما صح من السنة المطهرة، والتاريخ.
17 - وجدت من خلال صحبتى لبعض خصوم السنة، أنهم جميعاً من أصحاب الترف، والكبر، الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم من مظانه، ومن أهله، فهم كما تنبأ بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله "لا ألفينَّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندرى، ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه" (1) .
هذه أهم نتائج الدراسة فى موضوع: "السنة النبوية فى كتابات أعداء الإسلام فى الكتابات العربية" وإذا كان لى أن اقترح أو أوصى بشئ فى هذا المقام؛ فإنى اقترح وأوصى بما يلى:
1 - دراسة شبهات أعداء السنة قديماً وحديثاً، وبيان بطلانها من خلال تدريس تاريخ السنة وعلومها.
2 - إخضاع الكتابات المتعلقة بما يمس السنة النبوية للتدقيق والتمحيص، وسد منافذ الاجتراء على السنة النبوية بديار المسلمين، وتجريم ذلك فى جميع الوسائل.
3 - الحكم بالارتداد على منكرى السنة النبوية، وتنفيذ أحكام الله فيهم بمعرفة القضاء؛ لأن منكر السنة منكر للقرآن.
4 - الحكم بالابتداع على رادى الأحاديث النبوية الصحيحة، وإقامة عقوبة التعزير عليهم وإرشادهم إلى الحق.
قال نعيم بن حماد - رحمه الله -: "من ترك حديثاً معروفاً، فلم يعمل به، وأراد له علة، أن يطرحه، فهو مبتدع" (2) .
5 - العمل على أن يكون للمحدثين رابطة على مستوى العالم الإسلامى؛ تجمع شملهم، وتقنن أعمالهم، وتلم شعث جهودهم.
__________
(1) سبق تخريجه ص 233.
(2) أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقه 1/386 رقم 399.(1/1120)
6 - مواصلة العمل الجاد، وتضافر الجهود، وتشابك الأيدى، وإخلاص النية، كى نبين ما ينطوى عليه الغرض الخبيث الذى يلتقى عليه أعداء الله للنيل من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن رواتها الثقات الأعلام، ومن ثم وقف هذه الحملة الشرسة المسعورة التى تستهدف هدم القرآن وكل ما يتصل به من سنة، وتاريخ، وأمة تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
وبعد
... فهذا آخر ما فتح الله على به، ووفقنى لكتابته فى هذا الموضع الجليل، والبحث الخطير، الذى اعترف فيه بالعجز والتقصير.
... ولعلى أكون قد أصبت فى بعض مسائله، وشفيت الغليل فى شئ من مباحثه. فإن يكن ذلك حقاً: فبفضل الله، وهدايته، وحسن توفيقه، وعنايته.
... وفى الختام. أسأل الله عز وجل الصفح والغفران، فيما زلت فيه قدمى، وانحراف فيه عن جادة الحق قلمى.
اللهم تقبل هذا الجهد الضئيل خالصاً لوجهك الكريم
وانفع به المستفيدين، وارزقنى دعوة صالحة منهم، ينالنى بها عفوك ورضاك
وآخر دعوانا: "أن الحمد لله رب العالمين"
وصلى الله على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين
وعلى آله، وصحبه، والمتمسكين بسنته أجمعين.(1/1121)
سادساً
فهرس المصادر والمراجع
... أهمل فى الترتيب الألف واللام وأب وابن فى أول اسم الكتاب، وكذلك كلمة (كتاب)
القرآن الكريم.
أولاً: التفسير وعلومه:
أثر القراءات فى الدراسات النحوية، للدكتور عبد العال سالم على، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سنة 1389هـ-1969م.
الأحرف السبعة فى القرآن الكريم ومنزلة القراءات منها، للدكتور حسن ضياء الدين عتر، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة رقم 235.
الإسرائيليات فى التفسير والحديث، للدكتور محمد حسين الذهبى، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الثالثة 14.6هـ-1986م.
الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير، للدكتور محمد أبو شهبة، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الرابعة 14.8هـ.
البرهان فى علوم القرآن، لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابى الحلبى، مصر، الطبعة الأولى 1376هـ.
تأويل مشكل القرآن، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1393هـ-1973م.
تفسير جزء عم، لمحمد عبده، المطبعة الأميرية، الطبعة الأولى 1322هـ.
تفسير فرات الكوفى، لفرات بن إبراهيم الكوفى، المطبعة الحيدرية، النجف.
التفسير والمفسرون، للدكتور محمد حسين الذهبى، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1361هـ.
تفسير القمى، لعلى بن إبراهيم القمى، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، قم، إيران، الطبعة الثانية 1387هـ-1968م.
تفسير القرآن العظيم، لأبى الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، مطبعة دار التراث بالقاهرة، بدون تاريخ.
التفسير القيم، لمحمد بن أبى بكر الشهير بابن قيم الجوزية، جمع: محمد أويس الندوى، تحقيق: محمد حامد الفقى، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ.
التفسير الكبير، لأبى عبد الله محمد بن عمر المشهور بفخر الرازى، دار إحياء التراث العربى، بيروت، بدون تاريخ.(1/1122)
تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا، دار المنار بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1967م.
الجامع لأحكام القرآن، لأبى عبد الله محمد بن أحمد القرطبى، تصحيح أحمد عبد العليم البردونى، الطبعة الثانية 1372هـ-1952م.
جامع البيان عن تأويل آى القرآن، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى، مطبعة مصطفى البابى الحلبى بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1388هـ.
الدر المنثور فى التفسير بالمأثور، لأبى الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ-1983م.
روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى، لشهاب الدين محمود الألوسى البغدادى، دار إحياء التراث العربى، بيروت، بدون تاريخ.
الصافى فى تفسير القرآن، لمحسن الفيض الكاشانى، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ-1976م.
فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن على الشوكانى، مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر، الطبعة الثالثة 1383هـ-1964م.
القراءات فى نظر المستشرقين والملحدين، للشيخ عبد الفتاح القاضى، طبعة مجمع البحوث الإسلامية 1392هـ-1972م.
القرآن والقراءات والأحرف السبعة، الحقيقة، العلاقة، صحة النقل، للدكتور عبد الغفور محمود جعفر، القاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل، لمحمود ابن عمر الزمخشرى، المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1354هـ.
الكواكب النيرات فى أثر السنة النبوية على القراءات، للدكتور علام بن محمدين ابن علام، مطبعة أولاد عثمان، الطبعة الأولى 1416هـ-1996م.
مجالس بن الجوزى فى المتشابه من الآيات القرآنية، لعبد الرحمن بن الجوزى، مطبعة دار الأنصار بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1399هـ-1979م.
محمد عبده ومنهجه فى التفسير، للدكتور عبد الغفار عبد الرحيم، مطبعة دار الأنصار بالقاهرة، بدون تاريخ.(1/1123)
المصاحف، لابن أبى داود، مؤسسة قرطبة، بدون تاريخ.
منهج المدرسة العقلانية الحديثة فى التفسير، للدكتور فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومى، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1407هـ.
النبأ العظيم، للدكتور محمد عبد الله دراز، مطبعة السعادة، 1960م.
الناسخ والمنسوخ، لمحمد بن شهاب الزهرى، تحقيق الدكتور حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1408هـ.
النشر فى القراءات العشر، لأبى الخير بن الجوزى، تحقيق محمد على الصباغ، طبع فى دمشق عام 1345هـ، نشر وتصوير دار الكتب العلمية، بيروت.
ثانياً: الحديث النبوى وعلومه:
الابتهاج فى أحاديث المعراج، لأبى الخطاب عمر بن الحسن بن دحية، مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
أبو زرعة الرازى وجهوده فى السنة النبوية، للدكتور سعدى الهاشمى، نشر مكتبة ابن القيم بالمدينة المنورة 1409هـ-1989م.
إتحاف ذوى الفضائل المشتهرة، للأستاذ عبد العزيز الغمارى، ضمن مجموعة الحديث الصديقية، الناشر مكتبة القاهرة بمصر، بدون تاريخ.
إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين، للإمام أحمد بن الحسين البيهقى، تحقيق السيد مصطفى سعيد خالد قطاش، دار الكتب العلمية، بيروت.
الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، لبدر الدين الزركشى، تحقيق محمد سعيد الأفغانى، دار القلم، بيروت، الطبعة الثانية 1390هـ-1970م.
الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، لأبى الحسنات محمد عبد الحى اللكنوى، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، دار السلام بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1414هـ-1993م.
أحاديث الإسراء والمعراج دراسة توثيقية، للدكتور رفعت فوزى، مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1400هـ-1980م.
الأحاديث المتواترة فى الأزهار المتناثر فى الأخبار المتواترة، لأبى الفضل عبد الرحمن ابن أبى بكر السيوطى، تحقيق أحمد حسن رجب، هدية مجلة الأزهر، العدد صفر 1409هـ.(1/1124)
اختلافات المحدثين والفقهاء فى الحكم على الحديث، للدكتور عبد الله شعبان على، طبعة دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1417هـ-1997م.
الأدب المفرد، لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، تحقيق فضل الله الجيلانى، ومحب الدين الخطيب، المكتبة السلفية بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1407هـ.
الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم، لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
استدراكات البعث والنشر، لأبى بكر أحمد بن الحسين البيهقى، جمع عامر أحمد حيدر، طبعة دار الفكر، بيروت، 1414هـ-1993م.
الإسراء والمعراج، للدكتور محمد أبو شهبة، مكتبة العلم بالقاهرة، 1411هـ-1990
الإشاعة لأشراط الساعة، للسيد الشريف محمد بن رسول الحسينى، مكتبة المشهد الحسينى، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
أصول الحديث، للدكتور عبد الهادى الفضلى، دار المؤرخ العربى، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م.
أصول الحديث، علومه، ومصطلحه، للدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، الطبعة الرابعة، 1401هـ-1981م.
أصول الرواية عند الشيعة الأمامية الإثنى عشرية، للدكتور عمر الفرماوى، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة.
أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح، للدكتور أبو لبابة حسين، دار الغرب الإسلامى، بيروت، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
أعلام المحدثين، للدكتور محمد محمد أبو شهبة، طبعة مركز كتب الشرق الأوسط، بدون تاريخ.
الإلماع إلى معرفة أصول الرواية، وتقييد السماع، لأبى الفضل عياض بن موسى اليحصبى، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى1389هـ-1980م.
اللآلئ السنيات فى شرح حديث (إنما الأعمال بالنيات) ، للدكتور إبراهيم على سعده، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 52 0
اللآلئ المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة، لأبى الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى، تحقيق صلاح محمد عويضة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.(1/1125)
الأنساب المتفقة فى الخط المتماثلة فى النقط والضبط، لأبى الفضل محمد بن طاهر، المعروف بابن القيسرانى، تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ-1991م.
اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم، للدكتور محمد لقمان السلفى، الرياض، الطبعة الأولى 1408هـ-1987م.
الباعث الحثيث، شرح اختصار علوم الحديث، لأبى الفداء إسماعيل بن كثير، تأليف أحمد محمد شاكر، دار التراث بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1399هـ-1979م.
البخارى أمير المؤمنين فى الحديث، للدكتور يوسف الكتانى، هدية مجلة الأزهر الشريف، عدد رجب 1418هـ.
البعث والنشور للإمام أحمد بن الحسين البيهقى، تحقيق عامر أحمد حيدر، طبعة مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
تأويل مختلف الحديث، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق محمد عبد الرحيم، دار الفكر، بيروت، 1415هـ-1995م.
تخريج الدلالات السمعية على ما كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، لأبى الحسن على بن محمد المعروف بالخزاعى التلمسانى، تحقيق الشيخ أحمد محمد أبو سلامة، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1415هـ-1995م.
تدريب الراوى شرح تقريب النواوى، لعبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ-1979م.
التصريح بما تواتر فى نزول المسيح، لمحمد أنور شاه الكشميرى، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1385هـ.
تصحيح الكتب وضع الفهارس المعجمة، للأستاذ أحمد محمد شاكر، تحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت.
التعليق المغنى على الدارقطنى، لأبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى، تحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى المدنى، دار المحاسن للطباعة بالقاهرة، 1386هـ.(1/1126)
تقييد العلم، لأبى بكر أحمد بن على، الشهير بالخطيب البغدادى، تحقيق يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية، دمشق، الطبعة الثانية، 1974م.
تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لأبى الحسن على بن محمد ابن عراق، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله الغمارى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ-1981م.
تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطى، دار الفكر، بيروت، 1414هـ-1994م.
توضيح الأفكار لمعانى تنقيح الأنظار، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعانى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مكتبة الخانجى، الطبعة الأولى 1366هـ.
توجيه النظر إلى أصول الأثر، لطاهر بن صالح الجزائرى، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير، للدكتور مروان محمد شاهين، مكتب فوزى الشيمى للطباعى، بطنطا، بدون تاريخ.
جامع بيان العلم وفضله، لابن عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، الطبعة المنيرية 1978م.
جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة، 1415هـ-1995م.
الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع، لأحمد بن على بن ثابت، المشهور بالخطيب البغدادى، تحقيق محمد رأفت سعيد، طبعة الفلاح، بدون تاريخ.
الحديث النبوى، مصطلحه، بلاغته، كتبه، للدكتور محمد الصباغ، المكتب الإسلامى، الطبعة الرابعة 1402هـ-1982م.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانى، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1357هـ-1938م، نشر وتصوير دار الكتب العلمية، بيروت.
خبر الواحد فى السنة وأثره فى الفقه الإسلامى، للدكتورة سهير رشاد مهنا، دار الشروق بالقاهرة، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.(1/1127)
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبى بكر أحمد بن الحسين البيهقى، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للسيد الشريف محمد بن جعفر الكتانى، تحقيق محمد المنتصر بن جعفر الكتانى، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الرابعة 1406هـ-1986م.
زاد المعاد فى هدى خير العباد، لأبى عبد الله محمد بن أبى بكر، المشهور بابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة 1407هـ-1986م.
زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم، لمحمد حبيب الله الشنقيطى، مطبعة مصر، 1954م.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشئ من فقهها وفوائدها، لمحمد ناصر الدين الألبانى، المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ-1979م.
سنن ابن ماجة لأبى عبد الله بن محمد بن يزيد القزوينى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، مطبعة عيسى البابى الحلبى بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1374هـ-1954م.
سنن أبى داود، لأبى داود سليمان بن الأشعث السجستانى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، نشر وتصوير دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
سنن الترمذى، لأبى عيسى محمد بن عيسى بن سورة، تحقيق أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقى، وإبراهيم عطوة عوض، طبعة مصطفى الحلبى بالقاهرة، 1385هـ، نشر وتصوير دار الحديث0
سنن الدارقطنى، لعلى بن عمر الدارقطنى، تحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى المدنى، دار المحاسن للطباعة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1386هـ-1966م.
سنن الدارمى، لأبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى، تحقيق فواز أحمد زمرلى، وخالد السبع العلمى، دار الريان بالقاهرة، الطبعة الأولى،1407هـ-1987 0(1/1128)
سنن سعيد بن منصور، حقق منه مجلدة الشيخ حبيب الأعظمى، طبعة الدار السلفية، بالهند، 1403هـ-1982م، وحقق مجلدة أخرى من السنن الدكتور سعد بن عبد الله ابن عبد العزيز آل حميد، طبعة دار الأصميعى بالرياض، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م.
السنن الكبرى، لأبى بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى 1344هـ-1925م، نشر وتصوير دار المعرفة، بيروت.
السنن الكبرى للنسائى، لأبى عبد الرحمن أحمد بن على بن شعيب النسائى، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البندارى، وسيد كسورى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ-1991م.
سنن النسائى (المسمى المجتبى) لأبى عبد الرحمن أحمد بن على بن شعيب النسائى، تحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1406هـ-1986م.
السنة، لأبى بكر عمرو بن أبى عاصم الشيبانى، تحقيق ناصر الدين الألبانى، المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الثالثة، 1413هـ-1993م.
السنة والتشريع، للدكتور عبد المنعم النمر، دار الكتاب المصرى، الطبعة الثانية 1414هـ-1994م.
سؤالات مسعود بن على السجزى مع أسئلة البغداديين عن أحوال الرواة، لأبى عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، تحقيق الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامى، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
السيرة النبوية، لأبى محمد بن الملك بن هشام المعافرى، تحقيق مصطفى السقا، وإبراهيم الإبيارى، وعبد الحفيظ شلبى، القاهرة 1955م، نشر وتصوير دار إحياء التراث العربى.
شذرات من علوم السنة، للدكتور محمد الأحمدى أبو النور، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1406هـ-1986م.
شرح ألفية العراقى المسماة بالتبصرة والتذكرة، لأبى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
شرح الزرقانى على المواهب اللدنية، للقسطلانى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1393هـ.(1/1129)
شرع الزرقانى على الموطأ، لمحمد بن عبد الباقى الزرقانى، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1416هـ-1996م.
شرح السنة، لأبى محمد الحسين بن محمد البغوى، تحقيق زهير الشاويش، وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م.
شرف أصحاب الحديث، ونصيحة أهل الحديث، كلاهما لأحمد بن على بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادى، تحقيق عمرو عبد المنعم سليم، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
شروط الأئمة الخمسة، لأبى بكر محمد بن موسى الحازمى، دار زاهد القدسى، بدون تاريخ.
الشريعة، لأبى بكر محمد بن الحسينى الآجرى، تحقيق محمد حامد الفقى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، لأبى الفضل عياض اليحصبى، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
صحيح ابن حبان، بترتيب الأمير علاء الدين على بن بلبان الفارسى، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1414هـ-1993م
صحيح ابن خزيمة، لأبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى، المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الثانية 1412هـ-1992م.
صحيح البخارى، لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، مع فتح البارى، تحقيق محب الدين الخطيب، ومحمد فؤاد عبد الباقى، وقصى محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1407هـ-1986م.
صحيح مسلم، لأبى الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى، مع المنهاج شرح مسلم للنووى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، وعصام الصبابطى، وآخرون، دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الأولى 1415هـ-1994م.
الصمت وحفظ اللسان، لأبى بكر عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا، تحقيق الدكتور محمد أحمد عاشور، دار الاعتصام، الطبعة الأولى، 1406هـ-1986م.
الطب فى السنة، للدكتور محمد أحمد السنهورى، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 1855 0(1/1130)
طرح التثريب فى شرح التقريب، لعبد الرحيم بن الحسين العراقى، وولده أبى زرعة، دار إحياء التراث العربى، بيروت، بدون تاريخ.
طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، للدكتور عبد المهدى عبد القادر، دار الاعتصام بالقاهرة، بدون تاريخ.
عقد الدرر فى أخبار المنتظر، ليوسف بن يحيى المقدسى، تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، مكتبة عالم الفكر، الطبعة الأولى 1299هـ-1979م.
علل الحديث، لابن أبى حاتم الرازى تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1405هـ-1985م.
علم الحديث، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق مسلم محمد على، دار الكتب الإسلامية بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1404هـ-1984م.
علوم الحديث ومصطلحه، للدكتور صبحى الصالح، دار العلم، بيروت، الطبعة الحادية والعشرون، 1977م.
علوم الحديث، لابن عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزورى المعروف بابن الصلاح، تحقيق صلاح عويضة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1416هـ-1995م.
عمدة القارى، شرح صحيح البخارى، لأبى محمد محمود بن أحمد العينى، مطبعة مصطفى الحلبى، القاهرة، الطبعة الأولى 1392هـ.
عون المعبود شرح سنن أبى داود، لأبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية، 1389هـ.
فتح البارى بشرح صحيح البخارى لأبى الفضل أحمد بن على المعروف بابن حجر، تحقيق محب الدين الخطيب، ومحمد فؤاد عبد الباقى، وقصى محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث بالقاهرة، الطبعة الأولى 1407هـ-1986م.
فتح الباقى على ألفية العراقى، لأبى يحيى زكريا بن محمد الأنصارى، تحقيق محمد بن الحسينى العراقى، دار الكتب العلمية، بيروت، بهامش شرح ألفية العراقى المسماه بالتبصرة والتذكرة.(1/1131)
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لأبى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى، تحقيق أحمد محمد شاكر، ومحمود ربيع، مكتبة السنة، بالقاهرة، الطبعة الثانية 1408هـ-1988م.
فتح المغيث شرح ألفية الحديث، لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوى تحقيق صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414هـ-1993م.
فتح المنعم شرح صحيح مسلم، للدكتور موسى شاهين لاشين، مطبعة الفجر الجديد، بدون تاريخ.
الفكر المنهجى عند المحدثين، للدكتور همام عبد الرحيم سعيد، كتاب الأمة، الطبعة الأولى 1408هـ.
الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة، لمحمد بن على الشوكانى، تحقيق عبد الرحمن المعلمى اليمانى، وعبد الوهاب عبد اللطيف، مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة، 1380هـ-1960م.
فى رحاب السنة، الكتب الصحاح الستة، للدكتور محمد محمد أبو شهبة، طبعة مجمع البحوث الإسلامية، 1389هـ-1969م.
فيض القدير شرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف المناوى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1391هـ-1972م.
قاعدة فى الجرح والتعديل، وقاعدة فى المؤرخين، لأبى نصر عبد الوهاب بن على السبكى، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، دار الوعى، حلب، الطبعة الثانية،1398هـ- 1978م.
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، لمحمد جمال الدين القاسمى، تحقيق محمد بهجة البيطار، عيسى البابى الحلبى، الطبعة الأولى، 1399هـ-1979م.
القول المسدد فى الذب عن المسند، لابن حجر العسقلانى، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، اليمامة، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ-1985م.
كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلونى، تحقيق محمد عبد العزيز الخالدى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.(1/1132)
كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، للدكتور عبد الموجود عبد اللطيف، الناشر مكتبة الأزهر، بالقاهرة، دار الطباعة المحمدية، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.
كنز العمال فى سنن الأقوال والأفعال، للعلامة علاء الدين على المتقى الهندى، تحقيق الشيخ بكرى حياتى، والشيخ صفوة السقا، طبعة مؤسسة الرسالة، سنة 1413هـ-1993م.
الكفاية فى علم الرواية، لأبى بكر أحمد بن على، الشهير بالخطيب البغدادى، تحقيق محمد الحافظ التيجانى، وعبد الحليم محمد، وعبد الرحمن حسن، دار ابن تيمية، بالقاهرة، 1410هـ-1990م.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ لعلى بن أبى بكر الهيثمى، دار الكتاب العربى، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402هـ-1982م.
مجموعة الحديث الصديقية، لآل الصديق الغمارى، مكتبة القاهرة، مصر، بدون تاريخ.
مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين، للدكتور نافذ حسين حماد، دار الوفاء، بالمنصورة، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م.
المراسيل، لأبى داود سليمان بن أشعث السجستانى، تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
المستدرك على الصحيحين، لأبى عبد الله الحاكم، تحقيق مصطفى عبد القاهر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ-1990م.
مسند أبى داود الطيالسى، للحافظ سليمان بن داود بن الجارود، الشهير بأبى داود الطيالسى، مطبعة حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى، 1321هـ-1903م، تصوير دار المعرفة، بيروت.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، للإمام أبى عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المطبعة الميمنية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1313هـ-1895م، تصوير المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الرابعة 1403هـ-1983م.
مسند الإمام الشافعى، لأبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى، تحقيق سعيد محمد اللحام، وحياة شيحا، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ-1996م.(1/1133)
مسند الإمام عبد الله بن المبارك، تحقيق صحبى البدرى السامرائى، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1407هـ-1987م.
مشكل الآثار، لأبى جعفر الطحاوى، الناشر دار صادر، بيروت، مطبعة حيدر آباد الدكن، بالهند، الطبعة الأولى 1333هـ.
مصباح الزجاجة فى زوائد ابن ماجة، لأحمد بن أبى بكر البوصيرى، تحقيق موسى محمد على، ودكتور عزت على عطية، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، بدون تاريخ.
معالم السنن، لأبى سليمان أحمد بن محمد الخطابى، المكتبة العلمية، الطبعة الأولى، 1351هـ-1981م.
معرفة علوم الحديث، لأبى عبد الله الحاكم، تحقيق الدكتور السيد معظم حسين، حيدر آباد الدكن، بالهند، نشر مكتبة المتنبى بالقاهرة، الطبعة الثانية 1397هـ.
المعين الرائق فى سيرة سيد الخلائق، للدكتور سعيد محمد صوابى، والدكتور توفيق سالمان، والدكتور إسماعيل مخلوف، 1410هـ-1990م.
المعجم الأوسط، لأبى القاسم سليمان بن أحمد، الشهير بالطبرانى، تحقيق الدكتور محمود الطحان، صدر منه 3أجزاء، مكتبة المعارف، بالرياض، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
المعجم الصغير، للطبرانى، تحقيق محمد سليم سمارة، دار إحياء التراث العربى، الطبعة الأولى 1992م.
المعجم الكبير، للطبرانى، صدر منه 25 جزء، وناقص أجزاء 15، 16، 21، تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى، الدار العربية للطباعة، الطبعة الأولى 1398هـ.
مفتاح السنة أو تاريخ فنون الحديث، للأستاذ محمد عبد العزيز الخولى، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
مفتاح كنوز السنة، للدكتور أ. ى. فنسنك، إدارة ترجمان السنة، باكستان 1397هـ-1977م.
مقاصد الحديث فى القديم والحديث، للدكتور مصطفى أمين إبراهيم التازى، مطبعة دار التأليف بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1971م.(1/1134)
المقاصد الحسنة فى بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لأبى الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوى، تحقيق عبد الله محمد الصديق، وعبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1412هـ-1991م.(1/1135)
157- مكارم الأخلاق، لأبى بكر عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا، تحقيق الأستاذ محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ-1989م.
158- المكانة العلمية لعبد الرازق بن همام الصنعانى فى الحديث النبوى، لأستاذنا الجليل الدكتور إسماعيل عبد الخالق الدفتار، مخطوط بكلية أصول الدين، بالقاهرة، رقم 2332، لسنة 1396هـ-1976م.
159- المنار المنيف فى الصحيح والضعيف، لأبى عبد الله محمد بن أبى بكر، الشهير، بابن قيم الجوزية، تحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م.
160- منتخب كنز العمال فى سنن الأقوال والأفعال، للمتقى الهندى، مطبعة الميمنية، بالقاهرة، تصوير المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الرابعة 1403هـ-1983م، بهامش مسند الإمام أحمد.
161- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبى محمد عبد الله بن الجارود، فهرسة عبد الله البارودى، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
162- المنهاج شرح مسلم، لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، وعصام الصبابطى وآخرون، دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الأولى 1415هـ-1994م.
163- المنهج الإسلامى فى الجرح والتعديل، للدكتور فاروق حمادة، مكتبة المعارف، المغرب، الطبعة الأولى 1402هـ-1982م.
164- منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوى، للدكتور صلاح الدين الأدلبى، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
165- منهج النقد فى علوم الحديث، للدكتور نور الدين عتر، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة 1412هـ-1992م.
166- الموضوعات، لأبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م.(1/1136)
167- موطأ الإمام مالك، لأبى عبد الله مالك بن أنس، برواية يحيى الليثى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1413هـ-1993م. وبرواية محمد الشيبانى، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، دار القلم، بيروت، بدون تاريخ.
168- نزول عيسى بن مريم، آخر الزمان، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
169- نزهة النظر شرع نخبة الفكر فى مصطلح أهل الأثر، لابن حجر العسقلانى، تحقيق إسحاق عزوز، مكتبة منارة العلماء، الإسماعيلية، القاهرة، 1409هـ-1989م.
170- نظم المتناثر من الحديث المتواتر، للسيد محمد بن جعفر الكتانى، دار الكتب السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية، بدون تاريخ.
171- النكت البديعات على الموضوعات، لأبى الفضل جلال الدين عبد الرحمن السيوطى، تحقيق عامر أحمد حيدر، دار الجنان، الطبعة الأولى 1411هـ-1991م.
172- نوادر الأصول فى معرفة أحاديث الرسول، لأبى عبد الله محمد الحكيم الترمذى، تحقيق الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، والدكتور السيد الجميلى، دار الريان بالقاهرة، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
173- النهاية فى غريب الحديث والأثر، لأبى السعادات، المبارك بن الأثير، تحقيق محمود محمد الطناحى، وطاهر أحمد الزاوى، مطبعة عيسى البابى الحلبى1385هـ-1965م
174- هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا خبر الآحاد، لمصطفى محمد سلامة، مكتبة ابن حجر بمكة المكرمة، بدون تاريخ.
175- الوضع فى الحديث، للدكتور عمر بن حسن عثمان فلاته، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 901 لسنة 1397هـ-1977م.
ثالثاً: الفقه وأصوله:
176- الإبهاج فى شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول، (للقاضى البيضاوى) ، لعلى بن عبد الكافى السبكى، وولده عبد الوهاب السبكى، حققه جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.(1/1137)
177- الإحكام فى أصول الأحكام، لأبى محمد على بن أحمد، الشهير بابن حزم، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ-1985م.
178- الإحكام فى أصول الأحكام، لأبى الحسن على بن محمد الآمدى، مطبعة الحلبى بالقاهرة، 1387هـ-1967م.
179- الأدلة المختلف فيها وأثرها فى الفقه الإسلامى، للدكتور عبد الحميد أبو المكارم إسماعيل، مطبعة دار ماجد بالقاهرة، الناشر دار المسلم، بدون تاريخ.
180- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لأبى على محمد بن على الشوكانى، تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، دار الكتب، القاهرة، بدون تاريخ.
181- أصول السرخسى، لأبى بكر محمد بن أحمد السرخسى، تحقيق أبو الوفا الأفغانى، حيدر آباد الدكن بالهند، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م.
182- أصول الفقه، للشيخ محمد الخضرى، دار الحديث بالقاهرة، بدون تاريخ.
183- أصول الفقه الإسلامى، للدكتور طه جابر العلوانى، طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى، هيرندن، الولايات المتحدة، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
184- أصول الفقه، تاريخه ورجاله، للدكتور شعبان إسماعيل، دار المريخ للنشر بالرياض، الطبعة الأولى 1401هـ.
185- أعلام الموقعين عن رب العالمين، لأبى عبد الله محمد بن أبى بكر، الشهير بابن قيم الجوزية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1374هـ.
186- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد سيد كيلانى، النور الإسلامية، بيروت، بدون تاريخ.
187- الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعى، تحقيق محمد زهدى النجار، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1393هـ-1973م.
188- الإنصاف فى بيان سبب الاختلاف فى الأحكام الفقهية، لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوى، خال من تاريخ الطبع ومكانه0(1/1138)
189- البحر المحيط فى أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر، الشهير بالزركشى، تحقيق عبد القادر العانى، والدكتور عمر سليمان الأشقر، دار الصفوة بالغردقة، الطبعة الثانية، 1413هـ-1992م.
190- البرهان فى أصول الفقه، لأبى المعالى عبد الملك بن عبد الله الجوينى، تحقيق صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ-1997م.
191- تاريخ التشريع الإسلامى، للشيخ محمد الخضرى، طبعة دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ-1994م.
192- التحرير فى أصول الفقه، لكمال الدين محمد بن الهمام، طبعة مصطفى الحلبى بالقاهرة، 1350هـ.
193- التقرير والتحبير، لمحمد بن الحسن بن أمير الحاج، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م، تصوير على طبعة المطبعة الأميرية بالقاهرة.
194- تقرير الاستناد فى تفسير الاجتهاد، للإمام السيوطى، تحقيق المستشار الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة بالإسكندرية، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
195- التلويح فى كشف حقائق التنقيح، لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازانى، مطبعة محمد على صبيح، ميدان الأزهر بالقاهرة، بدون تاريخ.
196- تيسير التحرير شرح كتاب التحرير، (لكمال الدين محمد بن عبد الواحد ابن الهمام) لمحمد أمين، المعروف بأمير بادشاه الحنفى، مطبعة عيسى الحلبى بالقاهرة1350هـ
197- الدراية فى تخريج أحاديث الهداية، للإمام ابن حجر العسقلانى، تحقيق السيد عبد الله هاشم اليمانى، مطبعة الفجالة الجديدة بالقاهرة، 1384هـ-1964م.
198- الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعى، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الفكر، بيروت، 1309هـ.
199- سبل السلام، شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعانى، تحقيق إبراهيم عصر، دار الحديث بالقاهرة، بدون تأريخ0(1/1139)
200- شرح الفقه الأكبر، لأبى منصور الحنفى، طبعة الشئون الدينية بقطر، ولملا على القارى، مطبعة مصطفى الحلبى 1375هـ-1955م.
201- صحة أصول مذهب أهل المدينة، للإمام ابن تيمية، دار الندوة الجديدة، بيروت، بدون تاريخ.
202- علم أصول الفقه، للشيخ عبد الوهاب خلاف، مكتبة الدعوة الإسلامية بالقاهرة، الطبعة الثامنة، بدون تاريخ.
203- علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى، للشيخ أحمد إبراهيم، طبعة دار الأنصار بالقاهرة، بدون تاريخ.
204- علم الفقه، للدكتور عبد المنعم النمر، مطبعة الخلود، بغداد، 1990م.
205- غاية الوصول شرح لب الأصول، لزكريا الأنصارى، مطبعة مصطفى الحلبى بالقاهرة، الطبعة الأخيرة 1360هـ.
206- الفتاوى، للإمام الأكبر محمود شلتوت، دار الشروق بالقاهرة، الطبعة السابعة عشر 1417هـ-1997م.
207- الفتح المبين فى طبقات الأصوليين، لعبد الله مصطفى المراغى، الطبعة الثانية، بيروت، 1394هـ-1974م.
208- الفقيه والمتفقه، لأبى بكر أحمد بن على الخطيب البغدادى، تحقيق عادل يوسف العزازى، دار ابن الجوزى بالرياض، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م، توزيع دار التوعية الإسلامية، مصر.
209- الفقه الإسلامى، مرونته، وتطوره، للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق، طبعة الأمانة العامة اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، بدون تاريخ.
210- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، لعبد العلى محمد بن نظام الأنصارى، المطبعة الأميرية ببولاق، 1322هـ مطبوع بهامش المستصفى.
211- قواعد الإحكام فى مصالح الأنام، للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، مؤسسة الريان، بيروت، 1410هـ-1990م.
212- مجموع الفتاوى، لابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد النجدى، توزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين 1404هـ.
213- المحصول فى أصول الفقه، لفخر الدين محمد بن عمر الرازى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.(1/1140)
214- مختصر المنتهى الأصولى لعثمان بن عمر بن الحاجب، تحقيق شعبان محمد إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، 1393هـ.
215- المستصفى من علم الأصول، لأبى حامد محمد الغزالى، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1322هـ.
216- المسودة فى أصول الفقه، لآل تيمية، جمع: أحمد عبد الغنى، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربى، بيروت، بدون تاريخ.
217- مصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية، للمستشار الدكتور على جريشة، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1399هـ-1979م.
218- المعتمد فى أصول الفقه، لأبى الحسين محمد بن على البصرى، قدم له خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
219- الموافقات فى أصول الشريعة، لأبى إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبى، تحقيق عبد الله دارز، وإبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ-1996م.
220- مناهج العقول شرح منهاج الأصول، لمحمد بن الحسن البدخشى، مطبعة محمد على صبيح بالقاهرة، بهامش نهاية السول0
221- الميزان للشعرانى، مصطفى البابى الحلبى 1359هـ.
222- نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية، للإمام عبد الله بن يوسف الزيلعى، دار المأمون بالقاهرة، 1357هـ-1938م.
223- نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى، للدكتور على حسن عبد القادر، دار الكتب الحديثة، الطبعة الثالثة 1965م.
224- نهاية السول فى شرح منهاج الوصول على علم الأصول، لجمال الدين عبد الرحيم الأسنوى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ-1983م، تصوير على طبعة المطبعة الأميرية بالقاهرة، بهامش التقرير والتحبير.
225- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، لمحمد بن على الشوكانى، دار الجيل، بيروت، 1973م.
رابعاً: التوحيد والفرق والمذاهب:
226- الإبانة عن أصول الديانة، لأبى الحسن الأشعرى، تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود، دار الأنصار بالقاهرة، الطبعة الأولى 1397هـ-1977م.(1/1141)
227- التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة، لأبى عبد الله محمد بن أحمد القرطبى، تحقيق الدكتور فتحى أنوار الدابولى، ومجدى فتحى السيد، دار الصحابة، طنطا، الطبعة الأولى 1415هـ-1994م.
228- الاتجاه الإعتزالى فى الفكر الإسلامى الحديث، للدكتور أحمد محمد عبد العال، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 1650، سنة 1406هـ-1986م.
229- أثر الإمامة فى الفقه الجعفرى وأصوله، للدكتور على أحمد السالوس، الناشر: المؤسسة الأفروعربية للنشر بالقاهرة، الطبعة الثانية 1402هـ-1982م.
230- أدب المعتزلة، للدكتور عبد الحليم بليغ، مطبعة الرسالة بمصر، الطبعة الثانية 1969م.
231- آراء المعتزلة الأصولية، دراسة وتقويماً، للدكتور على بن سعد بن صالح، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الثانية 1417هـ-1996م.
232- الأربعين فى أصول الدين، لفخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازى، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، بدون تاريخ.
233- الإرشاد إلى قواطع الأدلة فى أصول الاعتقاد، للإمام الحرمين عبد الملك الجوينى، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
234- الأسماء والصفات، لأحمد بن الحسين البيهقى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
235- الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، طبع عالم الكتب 1402هـ-1982م.
236- أصل الشيعة وأصولها، لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الرابعة 1413هـ-1993م.
237- أصول الدين، لأبى منصور عبد القادر البغدادى، مطبعة الدولة، استنبول، الطبعة الأولى 1346هـ-1928م.
238- أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الأمامية، للدكتورة عائشة يوسف المناعى، دار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى، 1412هـ-1992م.
239-الاعتصام، لأبى إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبى، تحقيق محمود طعمة حلبى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.(1/1142)
240- إظهار الحق، لرحمت الله الهندى، تحقيق أحمد حجازى السقا، الطبعة الثانية 1406هـ-1986م.
241- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، تحقيق صلاح عويضة، مكتبة الإيمان بالمنصورة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
242- الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد، لأبى الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط، تحقيق محمد حجازى، مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة، بدون تاريخ.
243- الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، لأبى بكر بن الطيب الباقلانى، تحقيق محمد زاهد الحسن الكوثرى، الناشر: مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1413هـ-1993م.
244- البابية والبهائية فى الميزان، لمجموعة من العلماء، مطبوعات الأزهر، بدون تاريخ.
245- بيان تلبيس الجهمية فى تأسيس بدعهم الكلامية، لابن تيمية، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1391هـ.
246- البهائية فى خدمة الاستعمار، نشر: منظمة الإعلام الإسلامى، طبعة: سبهر-طهران، 1405هـ-1985م.
247- البهائية وسائل وغايات، لأستاذنا الدكتور طه الدسوقى حبيشى، دار الهدى للطباعة بالقاهرة، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
248- تاريخ المذاهب الإسلامية فى السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربى، بالقاهرة، بدون تاريخ.
249- تطهير الجنان واللسان، لابن حجر الهيتمى، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، بمصر، الطبعة الثانية، 1385هـ – 1965م.
250 – التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، لمحمد بن أحمد الملطى، تحقيق محمد زاهد الكوثرى، مكتبة المثنى، بغداد 1388هـ – 1968م.
251- التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، لمحمد بن اسحاق بن خزيمة، تحقيق الدكتور عبد العزيز الشموان، دار الرشد، بالرياض، الطبعة الأولى 1408هـ.
252- جهم بن صفوان ومكانته فى الفكر الإسلامى، لخالد العلى، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1965م.(1/1143)
253- حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن قيم الجوزية، مطبعة المدنى، بالقاهرة، بدون تاريخ.
254- الحقائق الجلية فى الرد على ابن تيمية فيما أورده فى الفتوى الحموية، للشيخ شهاب الدين أحمد بن جهبل الحلبى، تحقيق الدكتور طه الدسوقى حبيشى، دار الفجر الجديد بالقاهرة، 1987م.
255- الخطوط العريضة، لمحب الدين الخطيب، تحقيق محمد مال الله، المطبعة الفنية، بالقاهرة، بدون تاريخ.
256- الخلافة ونشأة الأحزاب السياسية، للدكتور محمد عمارة، مطبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1977م.
257- دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، لأبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى، تحقيق حسن السقاف، دار الإمام النووى، بالأردن، الطبعة الثالثة 1413هـ- 1992م.
258- رسائل الجاحظ من كتاب خلق القرآن، لعمرو بن بحر الجاحظ، مكتبة الخانجى، بالقاهرة، 1979م.
259- رسائل العدل والتوحيد، للدكتور محمد عمارة، مكتبة وهبة، القاهرة.
260- رسائل العدل والتوحيد، ليحيى بن الحسين، مؤسسة دار الهلال، 1971م.
261- الروح، لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد إسكندز يلدا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1402هـ – 1982م.
262- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم، لأبى القاسم بن الحسن الطبرى اللالكائى، تحقيق أحمد سعد حمدان، دار طيبة للنشر، بدون تاريخ.
263- شرح الأصول الخمسة، للقاضى عبد الجبار الهمدانى، تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1416هـ- 1996م.
264- شرح الطحاوية فى العقيدة السلفية، لعلى بن أبى العز الحنفى، تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الثانية 1407هـ- 1986م.
265- شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن قيم الجوزية، مطبعة دار التراث، بالقاهرة، بدون تاريخ.(1/1144)
266- شرح القصيدة النونية، المسماة الكافية الشافية فى الانتصار للفرقة الناجية، لابن قيم الجوزية، تحقيق الدكتور محمد خليل هراس، دار الفاروق الحديثة بالقاهرة، بدون تاريخ.
267- شرح لمعة الاعتقاد الهادى إلى سبيل الرشاد، لموفق الدين عبد الله بن أحمد ابن قدامة المقدسى، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الثالثة 1405هـ- 1985م.
268- الشيعة الإثنى عشرية ومنهجهم فى تفسير القرآن الكريم، للدكتور محمد إبراهيم العسال، مخطوط بكلية أصول الدين، بالقاهرة، رقم 1160 0
269- الشيعة فى عقائدهم وأحكامهم، للسيد أمير محمد القزوينى، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الثالثة، 1397هـ- 1977م.
270- الشيعة هم أهل السنة، للدكتور محمد التيجانى السماوى، شمس المشرق ومؤسسة الفجر، لندن، الطبعة الأولى 1413هـ- 1993م.
271- الشيعة والشيع، لمحمد جواد مغنية، دار الكتاب البنانى، بدون تاريخ.
272- الشيعة والتصحيح، الصراع بين الشيعة والتشيع، للدكتور موسى الموسوى، طبعة لوس أنجلوس 1408هـ- 1978م.
273- الشيعة والسنة، لإحسان إلهى ظهير، إدارة ترجمان السنة، باكستان، بدون تاريخ.
274- الصواعق المحرقة فى الرد على أهل البدع والزندقة، لأحمد بن حجر الهيتمى، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة بمصر، الطبعة الثانية 1385هـ-1965م.
275- العصريون معتزلة اليوم، للأستاذ يوسف كمال، دار الوفاء، بالمنصورة، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
276- العقيدة الصحيحة فى الله وما ثار حولها من مشكلات، للحافظ عبد الغنى بن إسماعيل النابلسى، دار مسلم، القاهرة، بدون تاريخ.
277- العقيدة والشريعة فى الإسلام، تاريخ التطور العقدى والتشريعى فى الدين الإسلامى، لجولدتسهير، نقله إلى العربية الدكتور على حسن عبد القاهر، ومحمد يوسف موسى، وعبد العزيز عبد الحق، الناشر: دار الكتب الحديثة بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد، الطبعة الثانية، بدون تاريخ.(1/1145)
278- العلمانية: نشأتها، وتطورها، وآثارها فى الحياة الإسلامية المعاصرة، للدكتور سفر ابن عبد الرحمن الحوالى، دار مكة، الطبعة الأولى 1402هـ-1982م.
279- الغيب فى ضوء القرآن الكريم، للدكتور صدقى عبد الحميد عبد ربه، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 1113 0
280- الغيبيات فى ضوء السنة، للدكتور محمد أحمد همام، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة رقم 1864 0
281- الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لأبى محمد على بن حزم الظاهرى، مكتبة الخانجى بالقاهرة، بدون تاريخ.
282- الفرق بين الفرق، لعبد القادر بن طاهر البغدادى، تحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ-1994م.
283- فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها، للدكتور غالب على عواجى، مكتبة لينة بدمنهور، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م.
284- القاديانية، للإمام الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين، طبعة مجمع البحوث الإسلامية 1389هـ-1970م.
285- القاديانية ومصيرها فى التاريخ، للدكتور طه حبيشى، دار الطباعة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م.
286- الكواشف الجلية عن معانى الوسطية، لعبد العزيز محمد السلمان، شركة الراجحى، الطبعة العاشرة 1401هـ-1981م.
287- المحيط بالتكليف، للقاضى عبد الجبار، جمع الحسن بن أحمد بن منتوية، المؤسسة المصرية العامة للتأليف بالقاهرة.
288- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية: شرح الدرر المضيئة فى عقيدة الفرق المرضية، لمحمد أحمد السفارينى، مكتبة أسامة بالرياض، بدون تاريخ.
289- مختصر التحفة الإثنى عشرية، تأليف شاه عبد العزيز الإمام ولى الله أحمد الدهلوى، تعريب غلام محمد الأسلمى، وتهذيب السيد محمود شكرى الألوسى، تحقيق محب الدين الخطيب، طبعة الرئاسة العامة للإفتاء والإرشاد بالسعودية 1404هـ.(1/1146)
290- مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن قيم الجوزية، تحقيق سيد إبراهيم، دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الأولى 1412هـ-1992م.
291- مذاهب التفسير الإسلامى، لجولد تسهير، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجى بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد، 1374هـ-1955م.
292- مع الدكتور موسى الموسوى فى كتابه الشيعة والتصحيح، للدكتور علاء الدين السيد أمير القزوينى، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، قم، إيران، الطبعة الثانية 1414هـ-1994م.
293- المعتزلة، زهدى حسن جاد الله، مطبعة مصر، الطبعة الأولى 1366هـ-1948م.
294- المعتزلة واتجاههم العقلى وأثره فى تطور الفكر الإسلامى الحديث، للدكتور نشأت عبد الجواد، مخطوط بكلية أصول الدين، بالقاهرة، رقم 1841 0
295- المعتزلة وأصولهم الخمسة، وموقف أهل السنة منها، للأستاذ عواد بن عبد الله المعتق، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الثالثة 1417هـ-1996م.
296- مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع، للدكتور على أحمد السالوس، دار التقوى بمصر، دار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م.
297- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبى الحسن الأشعرى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية 1389هـ-1984م.
298- الملل والنحل، لأبى الفتح محمد عبد الكريم الشهرستانى، تحقيق أحمد فهمى محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
299- منهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية، لأبى العباس أحمد بن تيمية، المطبعة الأميرية، ببولاق، الطبعة الأولى1321هـ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت
300- الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة، إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامى بالرياض، الطبعة الثانية 1409هـ-1989م.
301- موقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها، لأبى لبابة حسين، دار اللواء بالرياض، الطبعة الثانية 1407هـ-1987م.(1/1147)
302- النبوات، لابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ-1985م.
303- نظام الخلافة بين أهل السنة والشيعة، للدكتور مصطفى حلمى، دار الدعوة، بالإسكندرية، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
304- وجهة الإسلام، نظرة فى الحركات الحديثة فى العالم الإسلامى، لجماعة من المستشرقين، نقله عن الإنكليزية محمد عبد الهادى أبو ريدة، المكتبة التجارية بمصر، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
305- الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة، لموسى جار الله العراقى، دار الكتب السلفية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1403هـ.(1/1148)
خامساً: التاريخ والتراجم:
306- أدباء العرب فى الجاهلية وصدر الإسلام، لبطرس البستانى، دار مأمون عبود 1979م.
307- الإرشاد فى معرفة علماء الحديث، للخليل بن عبد الله الخليلى القزوينى، تحقيق عامر أحمد حيدر، دار الفكر، بيروت، 1414هـ-1993م.
308- الاستيعاب فى معرفة الأصحاب، لأبى عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق على محمد البجاوى، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ-1992م.
309- اسد الغابة فى معرفة الصحابة، لأبى الحسن على بن محمد الجزرى، تحقيق على محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ-1994م.
310- إشارة التعيين فى تراجم النحاة واللغويين، لأبى المحاسن عبد الباقى بن على اليمانى، تحقيق عبد المجيد دياب، شركة الطباعة العربية، الرياض، 1406هـ.
311- الإصابة فى تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلانى، مطبعة دار السعادة بالقاهرة، 1328هـ.
312- الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، لخير الدين الزركلى، دار العلم، بيروت، الطبعة السادسة 1984م.
313- الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوى، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا بالقاهرة، بدون تاريخ.
314- إنباه الرواه على أنباه النحاة، لأبى الحسن على بن يوسف القفطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى 1950 0
315- البداية والنهاية فى التاريخ، لأبى الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق الدكتور أحمد أبو ملحم، وآخرون، دار الريان للتراث بالقاهرة، الطبعة الأولى1408هـ-1988م.
316- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن على الشوكانى، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
317- بغية الوعاة، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى الحلبى، الطبعة الأولى 1384هـ-1964م.(1/1149)
318- البيان والتوضيح، لمن أخرج له فى الصحيح ومس بضرب من التجريح، لأبى زرعة عبد الرحيم بن الحسين العراقى، تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.
319- تاج التراجم فى طبقات الحنفية، لأبى الفداء قاسم بن قطلوبغا، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ-1992م.
320- تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، لمحمد رشيد رضا، مطبعة المنار بمصر، الطبعة الأولى 1350هـ-1931م.
321- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادى، تصحيح محمد سعيد العرفى، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1349هـ-1930م، تصوير دار الكتب العلمية.
322- تاريخ الثقات، لأبى الحسن أحمد بن عبد الله العجلى، بترتيب الحافظ الهيثمى، وتضمينات الحافظ ابن حجر، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ-1984م.
323- تاريخ الشعوب الإسلامية، لكارل بروكلمان، دار العلم، بيروت، الطبعة السادسة، بدون تاريخ.
324- تاريخ الصحابة الذين روى عنهم الأخبار، لأبى حاتم محمد بن حبان البستى، تحقيق بوران الضناوى، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
325- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لابن حجر العسقلانى، تحقيق على محمد البجاوى، المؤسسة المصرية للتأليف، الطبعة الأولى 1383هـ-1963م.
326- تجريد أسماء الصحابة، لأبى عبد الله محمد بن أحمد الذهبى، نشر وتصوير دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
327- تذكرة الحفاظ، للذهبى، تصحيح عبد الرحمن المعلمى اليمانى، حيدر آباد الكن، الهند، الطبعة الأولى 1395هـ-1975م.
328- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، لابن حجر العسقلانى، تحقيق أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416هـ-1996م.
329- التعريف برواة مسند الشاميين، للدكتور على محمد جماز، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ودار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م.(1/1150)
330- تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلانى، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ-1993م.
331- التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، لأبى بكر محمد بن عبد الغنى بن نقطة، تصحيح كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م
332- تهذيب الأسماء واللغات، لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى، المطبعة المنيرية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1336هـ-1927م، تصوير دار الكتب العلمية.
333- تهذيب الكمال فى أسماء الرجال، لأبى الحجاج جمال الدين المزى، تحقيق شعيب الأرنؤوط، والدكتور بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ-1412هـ-1980م-1992م.
334- تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم، لأبى حفص عمر بن أحمد بن شاهين، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
335- الثقات، لمحمد بن حبان البستى، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى 1393هـ-1404هـ/1973م-1984م، تصوير دار الكتب العلمية.
336- الجرح والتعديل، لأبى محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازى، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى 1371هـ-1951م، تصوير دار الكتب العلمية.
337- الجمع بين رجال الصحيحين، لأبى الفضل محمد بن طاهر المقدسى، المعروف بابن القيسرانى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1323هـ-1905م.
338- الجواهر المضية فى طبقات الحنفية، لعبد القادر بن محمد القرشى، تحقيق عبد الفتاح الحلو، دار العلوم، الطبعة الأولى 1405هـ-1985م.
339- حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى، تحقيق محمد أبى الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى الحلبى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1387هـ-1968م.
340- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال فى أسماء الرجال، لأحمد بن عبد الله الخزرجى، تحقيق محمود عبد الوهاب فايد، مكتبة القاهرة بمصر 1322هـ.(1/1151)
341- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلانى، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى 1349هـ-1930م، تصوير دار إحياء التراث العربى.
342- الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب (المالكى) ، لإبراهيم بن على، المعروف بابن فرحون المالكى، تحقيق مأمون محيى الدين الجنان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
343- ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين، للعبادى، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور محمد زينهم عزب، مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة، 1413هـ-1993م.
344- رجال صحيح البخارى، المسمى الهداية والإرشاد فى معرفة أهل الثقة والسداد الذين أخرج لهم البخارى فى جامعه، لأبى نصر أحمد بن الحسين الكلاباذى، تحقيق عبد الله الليثى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ-1987م.
345- رجال الشيعة فى الميزان، لعبد الرحمن الزرعى، دار الأرقم، الكويت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
346- رجال صحيح مسلم، لأبى بكر أحمد بن منجويه الأصبهانى، تحقيق عبد الله الليثى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ-1987م.
347- سير أعلام النبلاء، للذهبى، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وحسين الأسد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة 1412هـ-1992م.
348- الإمام الشافعى، ناصر السنة، وواضع الأصول، للأستاذ عبد الحليم الجندى، دار المعارف بالقاهرة، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ.
349- شبهات حول العصر العباسى الأول، للدكتور مؤيد فاضل ملا رشيد، طبعة دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
350- شجرة النور الذكية فى طبقات المالكية، للشيخ محمد محمد مخلوف، دار الفكر، بدون تاريخ.
351- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، لأبى الفلاح عبد الحى بن العماد الحنبلى، مكتبة القدسى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1370هـ-1371هـ/ 1950م-1951م، تصوير دار الكتب العلمية.(1/1152)
352- الضعفاء، لأبى زرعة الرازى = أبو زرعة وجهوده فى السنة، للدكتور سعدى الهاشمى، نشر مكتبة ابن القيم بالمدينة المنورة 1409هـ-1989م.
353- الضعفاء، لأبى نعيم أحمد بن عبد الله بن مهران الأصبهانى، تحقيق الدكتور فاروق حماده، دار الثقافة بالمغرب، الطبعة الأولى 1405هـ-1984م.
354- الضعفاء الكبير، لأبى جعفر محمد بن عمرو العقيلى، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.
355- الضعفاء والمتروكين، لأحمد بن على بن شعيب النسائى، تحقيق بوران الضناوى، وكمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الثانية1407هـ-1987م.
356- الضعفاء والمتروكين، لأبى الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزى، تحقيق عبد الله القاضى، الطبعة الأولى 1406هـ-1984م.
357- الضعفاء الصغير، لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، تحقيق إبراهيم زايد، دار الوعى، حلب 1396هـ-1976م.
358- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين محمد عبد الرحمن السخاوى، نشر مكتبة القدسى بالقاهرة، 1354هـ.
359- طبقات الحفاظ، للسيوطى، تحقيق لجنة من العلماء، بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
360- طبقات الحنابلة، لأبى الحسن محمد بن أبى يعلى الفراء، مطبعة السنة المحمدية، الطبعة الأولى 1372هـ-1952م، تصوير دار المعرفة، بيروت.
361- الطبقات السنية فى تراجم الحنفية، لأحمد بن عبد القادر الغزى التميمى، تحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الطبعة الأولى 1390هـ-1970م.
362- طبقات الشافعية، لأبى بكر بن هداية الله الحسينى، تحقيق عادل نويهض، دار الآفاق، بيروت، الطبعة الأولى 1391هـ-1971م.(1/1153)
363- طبقات الشافعية الكبرى، لعبد الوهاب بن على بن عبد الكافى السبكى، تحقيق محمود محمد الطناحى، وعبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى الحلبى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1383هـ-1964م.
364- طبقات علماء الحديث، لمحمد بن أحمد بن عبد الهادى، تحقيق أكرم البوشى، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م.
365- طبقات الفقهاء الشافعيين، لإسماعيل بن كثير القرشى، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور محمد زينهم عزب، مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة، 1413هـ-1993م.
366- طبقات الفقهاء، لأبى إسحاق إبراهيم بن على الشيرازى، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الرائد العربى، بيروت، الطبعة الثانية 1401هـ-1981م.
367- طبقات القراء، لمحمد بن الجزرى، تحقيق براجستراسر وبريستل، مطبعة السعادة بالقاهرة، 1352هـ-1932م.
368- الطبقات الكبرى، لأبى عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمى، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.
369- طبقات المفسرين، لمحمد بن على الداودى، تحقيق لجنة من العلماء، بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
370- طبقات المفسرين، للسيوطى، تحقيق لجنة من العلماء، بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
371- طبقات النحاة واللغويين، لابن قاضى شهبة، نشرة الدكتور محسن غياض، النجف 1974م.
372- العبر فى خبر من غبر، للذهبى، تحقيق محمد السعيد بسيونى زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
373- فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، لأبى القاسم البلخى، والقاضى عبد الجبار، والحاكم الجشمى، تحقيق الأستاذ فؤاد سيد، الدار التونسية بوتنس 1394هـ-1974م.
374- الفوائد البهية فى تراجم الحنفية، لمحمد بن عبد الحى اللكنوى، عنى بتصحيحه السيد محمد بدر الدين أبو الفوارس النعسانى، دار المعرفة، بيروت، 1324هـ.(1/1154)
375- الفهرست، لأبى الفرج محمد بن أبى يعوب، الشهير بابن النديم، تحقيق الدكتور يوسف على الطويل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1416هـ-1996م.
376- الكاشف فى معرفة من له رواية فى الكتب الستة، لأبى عبد الله محمد بن أحمد الذهبى، تحقيق محمد عوامة، وأحمد محمد الخطيب، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى 1413هـ-1992م.
377- الكامل فى ضعفاء الرجال، لعبد الله بن عدى الجرجانى، تحقيق الدكتور سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة 1409هـ-1988م.
378- اللباب فى تهذيب الأنساب، على بن محمد بن الأثير الجزرى، مكتبة حسام الدين القدسى، الطبعة الأولى 1356هـ، تصوير دار صادر، بيروت.
379- لسان الميزان، لابن حجر العسقلانى، تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلى، دار إحياء التراث العربى، بيروت، الطبعة الأولى 1416هـ-1995م.
380- المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر، لعبد المتعال الصعيدى، مكتبة الآداب ومطبعتها بالقاهرة.
381- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، لابن حبان البستى، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعى، حلب، الطبعة الأولى 1396هـ-1976م.
382- مختصر تاريخ دمشق، لمحمد بن مكرم بن منظور، تحقيق روحية النحاس، ومحمد مطيع، دار الفكر، الطبعة الأولى 1984م.
383- مرآة الجناة وعبرة اليقظان فى معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، لعبد الله بن أسعد اليافعى، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الثانية 1413هـ-1993م.
384- مروج الذهب ومعادن الجوهر، لأبى الحسن على بن الحسين المسعودى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار المعرفة، 1368هـ-1948م.
385- مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان البستى، تحقيق مجدى منصور الشورى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ-1995م.(1/1155)
386- المستشرقون الألمان تراجمهم، وما أسهموا به فى الدراسات العربية، جمع صلاح الدين منجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، الطبعة الثانية 1982م.
387- مصادر التاريخ الإسلامى ومناهج البحث فيه، للدكتورة سيدة إسماعيل كاشف، مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الثانية 1396هـ-1976م.
388- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مطبعة الترقى بدمشق 1957م-1961م.
389- معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد، لأبى عبد الله محمد بن أحمد الذهبى، تحقيق إبراهيم سعيداى إدريس، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
390- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، للذهبى، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف وشعيب الأرنؤوط، وصالح مهدى عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1408هـ-1982م.
391- مقدمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون، دار الجيل، بيروت، بدون تاريخ.
392- مناقب الإمام الشافعى، لفخر الدين الرازى، تحقيق الدكتور أحمد حجازى السقا، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ-1993م.
393- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ليوسف بن تغرى بردى الأتابكى، مطبعة دار الكتب المصرية 1349هـ-1930م.
394- نزهة الألباب فى طبقات الأدباء، لأبى البركات بن الأنبارى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1967م.
395- نهاية الاغتباط بمن رمى من الرواة بالاختلاط، لعلاء الدين على رضا، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.
396- النهاية فى الفتن والملاحم، للحافظ ابن كثير، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، دار الحديث بالقاهرة، بدون تاريخ.
397- الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامى، للدكتور محمد ياسين مظهر صديقى، ترجمة الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم، دار الصحوة للنشر، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.(1/1156)
398- الوافى بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك، نشر المعهد الألمانى للأبحاث الشرقية، بيروت، الطبعة الأولى 1350هـ-1405هـ/1931م-1985م.
399- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبى العباس أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، بدون تاريخ.
سادساً: المعاجم، والموسوعات، والتعريفات:
400- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدى، دار مكتبة الحياة، بيروت.
401- التعريفات، لعلى بن محمد الجرجانى، تحقيق إبراهيم الإبيارى، دار الريان للتراث، بدون تاريخ.
402- دائرة المعارف الإسلامية، نقلها للعربية أحمد السنتناوى، وآخرون، نشر دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
403- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهرى، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية، القاهرة، 1402هـ-1982م.
404- الفروق فى اللغة، لأبى الهلال الحسن بن عبد الله العسكرى، دار الآفاق الجديدة، بدون تاريخ.
405- القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادى، المطبعة الأميرية، الطبعة الثالثة 1301هـ، تصوير الهيئة المصرية العامة للكتاب 1397هـ-1977م.
406- كشاف اصطلاحات الفنون، للمولوى محمد بن على التهانوى، طبع بالهند 1278هـ، تصوير دار صادر، بيروت.
407- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون، لمصطفى عبد الله حاجى خليفة، تقديم شهاب الدين النجفى المرعشلى، طبعة إسطنبول، مطبعة المعارف 1921م.
408- لسان العرب، لأبى الفضل محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت 1300هـ-1882م.
409- مختار الصحاح، لمحمد بن أبى بكر الرازى، عنى بترتيبه محمود خاطر، دار النهضة للطباعة.
410- المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى، لأحمد بن محمد بن على الفيومى، تحقيق الدكتور عبد العظيم الشناوى، دار المعارف، بدون تاريخ.
411- مصادر اللغة، للدكتور عبد الحميد الشلقانى، مطابع جامعة الرياض، الطبعة الأولى 1980م.(1/1157)
412- معجم البلدان، لأبى عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموى البغدادى، دار إحياء التراث العربى، بيروت، بدون تاريخ.
413- المعجم الوسيط، للدكتور إبراهيم أنيس، وآخرون، دار الفكر، بدون تاريخ.
سابعاً: الدفاع عن السنة ورواتها:
414- أبو هريرة رواية الإسلام، للدكتور محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1402هـ-1982م.
415- أبو هريرة فى ضوء مروياته، للدكتور محمد مصطفى الأعظمى، خال من مكان الطبع وتاريخه0
416- الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث فى القرن الثالث الهجرى، للدكتور عبد المجيد محمود، مكتبة الخانجى، 1400هـ-1980م.
417- الدفاع عن السنة، الجزء الأول من سلسلة (الإسلام واستمرار المؤامرة، الخداع والتضليل) لشيخنا الجليل الدكتور طه الدسوقى حبيشى، مكتبة رشوان بالقاهرة، الطبعة الأولى 14089ـ1988م.
418- الأضواء الكاشفة لما فى كتاب أضواء على السنة من الذلل والتضليل والمجازفة، لعبد الرحمن بن يحيى المعلمى اليمانى، المكتبة السلفية، القاهرة، 1378هـ.
419- تأويل مختلف الحديث، للإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق محمد عبد الرحيم، دار الفكر، بيروت، 1415هـ-1995م.
420- تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها، للسيد سليمان الندوى، ترجمها الشيخ عبد الوهاب الدهلوى بمكة المكرمة، المطبعة السلفية ومكتبتها، الطبعة الثالثة 1399هـ
421- توثيق الأحاديث النبوية (نقد قاعدة شاخت) السكوت عن الاستدلال بالحديث فى موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده، بقلم ظفر إسحاق الأنصارى، ترجمة جمال محمد جابر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية بليبيا، العدد الحادى عشر، 1994م.
422- توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى، أسسه واتجاهاته، للدكتور رفعت فوزى عبد المطلب، مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1400هـ-1981م.
423- حجية السنة، للدكتور عبد الغنى عبد الخالق، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الثانية 1413هـ-1993م.(1/1158)
424- الحديث حجة بنفسه فى العقائد والأحكام، لمحمد ناصر الدين الألبانى، مطبعة الدار السلفية، الطبعة الثالثة 1400هـ.
425- الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة المحمدية، للدكتور محمد محمد أبو زهو، مطبعة مصر، الطبعة الأولى 1378هـ-1958م.
426- دراسات فى الحديث النبوى، وتاريخ تدوينه، للدكتور محمد مصطفى الأعظمى، المكتب الإسلامى 1413هـ-1992م.
427- دفاع عن أبى هريرة، لعبد المنعم صالح العلى العزى، مكتبة النهضة، ببغداد، دار الشروق، بيروت، الطبعة الأولى 1393هـ-1973م.
428- دفاع عن أبى هريرة، للأستاذ عثمان موانى، دار الشروق، بيروت، الطبعة الأولى 1973م.
429- دفاع عن الحديث والمحدثين وتفنيد شبهات خصومه لجماعة من نوابغ العلماء، تصحيح زكريا على يوسف، مطبعة الإمام، توزيع مكتبة المتنبى بالقاهرة 1972م.
430- دفاع عن السنة ورد شبهة المستشرقين والكتاب المعاصرين، للدكتور محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م.
431- دراسات أصولية فى السنة النبوية، للدكتور محمد إبراهيم الحفناوى، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1412هـ-1991م.
432- دراسات فى السنة وعلوم الحديث، للدكتور محمد المنسى، الناشر مكتبة الشباب بالقاهرة، 1996م.
433- دراسات فى السنة ومناهج المحدثين، للدكتور رجب إبراهيم صقر، خال من مكان الطبع وتاريخه0
434- دراسات فى السيرة النبوية، للأستاذ محمد سرور بن نايف، دار الأرقم، برمنجهام، الطبعة الثالثة 1408هـ-1988م.
435- دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث، للدكتور امتياز أحمد، نقله إلى العربية الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.
436- الرد القويم على المجرم الأثيم، للشيخ محمود بن عبد الله التويجرى، طبعة الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، الطبعة الأولى 1403هـ.(1/1159)
437- السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين، للدكتور رءوف شلبى، مطبعة السعادة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1398هـ-1978م.
438- السنة بياناً للقرآن، للدكتور إبراهيم محمد عبد الله الخولى، نشر الشركة العربية للطباعة والنشر 1993م.
439- السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم، للدكتور عبد الموجود محمد عبد اللطيف، دار الطباعة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.
440- السنة تشريع لازم ودائم، للدكتور فتحى عبد الكريم، مكتبة وهبه بالقاهرة، الطبعة الأولى 1405هـ-1985م.
441- السنة فى مواجهة أعدائها، الجزء الثانى من سلسلة (الإسلام واستمرار المؤامرة) ، للدكتور طه الدسوقى حبيشى، مكتبة رشوان بالقاهرة، الطبعة الأولى 1416هـ-1995م.
442- السنة قبل التدوين، للدكتور محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الثانية 1408هـ-1988م.
443- السنة المطهرة بين أصول الأئمة وشبهات صاحب فجر الإسلام وضحاه، للدكتور سيد أحمد رمضان المسير، دار الطباعة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الأولى1402هـ-1981م.
444- السنة المطهرة والتحديات، للدكتور نور الدين عتر، مكتبة دار الفلاح، حلب، الطبعة الثانية، 1406هـ-1986م.
445- السنة مع القرآن، للدكتور سيد أحمد المسير، دار الطباعة المحمدية، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
446- السنة المفترى عليها، للمستشار سالم على البهنساوى، دار الوفاء، بالمنصورة، الطبعة الرابعة 1413هـ-1992م.
447- السنة النبوية بين أنصارها وخصومها، للدكتور سعد المرصفى، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة رقم 748، لسنة 1396هـ-1976م.
448- السنة النبوية الشريفة، للدكتور أحمد محمود كريمة، هدية مجلة الأزهر الشريف، عدد ربيع الأول 1418هـ.
449- السنة النبوية فى مواجهة التحدى، للدكتور أحمد عمر هاشم، طبعة مجمع البحوث الإسلامية 1401هـ-1980م.(1/1160)
450- السنة النبوية المطهرة قسم من الوحى الإلهى المنزل، للدكتور محمد على الصابونى، خال من مكان الطبع وتاريخه0
451- السنة النبوية، مكانتها، عوامل بقائها، تدوينها، لشيخنا الجليل الدكتور عبد المهدى عبد القادر، دار الاعتصام بالقاهرة، بدون تاريخ.
452- السنة والتشريع، لشيخنا الجليل الدكتور موسى شاهين لاشين، هدية مجلة الأزهر الشريف، عدد شعبان 1411هـ.
453- السنة النبوية ومنهجها فى بناء المعرفة والحضارة، ندوة عقدت بالتعاون مع المعهد العالمى للفكر الإسلامى، واشنطن، نشر مؤسسة آل البيت، عمان،1410هـ-1989م.
454- شفاء الصدور فى تاريخ السنة ومناهج المحدثين، للدكتور السيد محمد نوح، طبعة دار الوفاء بالمنصورة، بدون تاريخ.(1/1161)
455- الشفاعة، لمقبل بن هادى الوادعى، الناشر مكتبة دار الأرقم، مطبعة المدنى، مصر، 1402هـ-1982م.
456- ضلالات منكرى السنة، الجزء الثالث من سلسلة (الإسلام واستمرار المؤامرة) ،للدكتور طه الدسوقى حبيشى، مكتبة رشوان بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
457- ضوابط الرواية عند المحدثين، للأستاذ الصديق بشير نصر، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، ولجنة الحفاظ على التراث الإسلامى، الجماهيرية العظمى، طرابلس، الطبعة الأولى 1992م.
458- الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين، للدكتور أحمد محرم الشيخ، مطبعة الأمانة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1407هـ-1986م.
459- ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها، للدكتور صالح أحمد رضا، طبعة إدارة الثقافة والنشر بالسعودية 1414هـ-1993م.
460- ظلمات أبى رية أمام أضواء السنة المحمدية، للأستاذ محمد عبد الرازق حمزة، المطبعة السلفية بالقاهرة، 1379هـ.
461- عقيدة أهل الإسلام فى نزول عيسى عليه الإسلام، وإرغام المبتدع الجهول بإتباع سنة الرسول، لأبى الفضل عبد الله الصديق الغمارى، مكتبة القاهرة بمصر، بدون تاريخ.
462- عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة الكرام، للدكتور ناصر على الشيخ، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الثانية 1415هـ-1995م.
463- العواصم من القواصم فى تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، لأبى بكر ابن العربى المالكى، تحقيق محب الدين الخطيب، ومحمود مهدى الإستانبولى، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة السادسة 1412هـ.
464- العواصم والقواصم فى الذب عن سنة أبى القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير، تحقيق شعيب الأرنؤوط، دار البشير، عمان، الطبعة الأولى 1405هـ-1985م.
465- الفكر المنهجى عند المحدثين، للدكتور همام عبد الرحيم سعيد، كتاب الأمة، الطبعة الأولى 1408هـ.(1/1162)
466- القرآنيون وشبهاتهم حول السنة، للدكتور خادم حسين إلهى بخش، الناشر مكتبة الصديق بالسعودية، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م.
467- قصة الهجوم على السنة، للدكتور على أحمد السالوس، دار السلام بالقاهرة، الطبعة الأولى 1408هـ-1987م.
468- لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الرابعة 1417هـ.
469- المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية، للدكتور محمد أمان بن على الجامى، دار الأصفهانى، رابطة العالم الإسلامية، بدون تاريخ.
470- المدخل إلى السنة النبوية، بحوث فى القضايا الأساسية عن السنة النبوية، للدكتور عبد المهدى عبد القادر، دار الاعتصام 1419هـ-1998م.
471- مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها، للأستاذ عبد الله بن على النجدى القصيمى، مراجعة الشيخ خليل الميس، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
472- مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى، تحقيق الأستاذ مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ-1987م.
473- المكانة العلمية، لعبد الرزاق بن همام الصنعانى فى الحديث النبوى، لشيخنا الجليل إسماعيل عبد الخالق الدفتار، الجزآن الأول والثانى فى مكانة السنة ورد شبهات الطاعنين فى حجيتها، والثالث والرابع فى مكانة الصنعانى فى الحديث، والرسالة مخطوطة بكلية الأصول بالقاهرة، رقم2332 لسنة 1396هـ-1976م.
474- منزلة السنة فى التشريع الإسلامى، للدكتور محمد أمان بن على الجامى، دار حراء للكتاب بالقاهرة، الطبعة الأولى 1409هـ.
475- منزلة السنة من الكتاب وأثرها فى الفروع الفقهية، للأستاذ محمد سعيد منصور، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1413هـ-1993م.
476- منهاج السنة فى الحدود، وأثره فى صلاح المجتمع، للدكتور عبد المنعم عطية عبد القوى سكران، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 1437 لسنة 1399هـ-1979م.(1/1163)
477- منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل، دراسة مقارنة، للدكتورة عزيه على طه، مؤسسة الرسالة بالقاهرة، الطبعة الثانية 1417هـ-1996م.
478- المؤتمر العلمى الرابع للسيرة، والسنة النبوية، والمؤتمر العاشر لمجمع البحوث الإسلامية، مطابع الشروق، 1406هـ-1985م.
479- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، للأستاذ الأمين الصادق الأمين، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1418هـ-1998م.
480- نصوص من السنة ودفاع عنها، للدكتور رفعت فوزى، دار الثقافة العربية، 1410هـ-1990م.
481- النفحات الشذية فيما يتعلق بالعصمة، والسنة النبوية، للشيخ محمد الطاهر الحا مدى، قدم له وكتب حواشيه الطاهر محمد الطاهر، الناشر مكتبة الآداب بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م.
482- نقد كتاب نصر أبو زيد ودحض شبهاته، للدكتور رفعت فوزى عبد المطلب، مطبعة المدنى، الناشر مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
483- نقض مطاعن نصر أبو زيد فى القرآن، والسنة، والصحابة، وأئمة المسلمين، للدكتور إسماعيل سالم، دار التوزيع والنشر الإسلامية بالقاهرة، الطبعة الثانية 1414هـ-1994م.
ثامناً: مراجع عامة:
484- ابن تيمية، حياته، وعقائده، لصائب عبد الحميد، الغدير للدراسات والنشر، بيروت.
485- الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية، للأستاذ مختار سالم، مؤسسة المعارف، بيروت، الطبعة الأولى 1416هـ-1995م.
486- البحث فى مصادر التاريخ الدينى، دراسة عملية، لأحمد صبحى منصور، القاهرة، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.
487- البصائر والذخائر، لأبى حيان التوحيدى، طبع بمصر، 1373هـ-1953م.
488- أبو هريرة، لعبد الحسين شرف الدين الموسوى، دار الزهراء، بيروت، الطبعة السادسة 1415هـ-1995م.
489- البيان والتبيين، لأبى عثمان، عمرو بن بحر الجاحظ، مكتبة الخانجى بمصر، الطبعة الرابعة 1395هـ-1975م.(1/1164)
490- الاتجاهات الفكرية المعاصرة، للمستشار الدكتور على جريشة، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الثالثة 1411هـ-1990م.
491- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، للأستاذ عبد الرحمن حبنكة الميدانى، دار القلم، دمشق، الطبعة السابعة، 1414هـ-1994م.
492- أحاديث أم المؤمنين عائشة، أدوار من حياتها، لمرتضى العسكرى، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الثانية 1413هـ-1992م.
493- الحديث النبوى فى النحو العربى، للدكتور محمود فجال، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الثانية 1417هـ-1997م.
494- احذروا الأساليب الحديثة فى مواجهة الإسلام، للدكتور سعد الدين السيد صالح، دار التقوى، بلبيس، الطبعة الثالثة 1415هـ-1995م.
495- أخبار عمرو بن عبيد، لأبى الحسن على بن عمر الدارقطنى، تحقيق الدكتور يوسف فان إس، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1967م.
496- أدب العرب فى صدر الإسلام، لحسين الحاج حسن، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ-1992م.
497- الدولة والمجتمع، لمحمد شحرور، الأهالى، بيروت، الطبعة الرابعة 1997م.
498- الرسالة المحمدية، للسيد سليمان الندوى، الدار السعودية، جدة، الطبعة الثانية 1404هـ-1984م.
499- آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره، للدكتور عمر إبراهيم رضوان، دار طيبة، الطبعة الأولى 1413هـ-1992م.
500- أساليب الغزو الفكرى للعالم الإسلامى، للدكتور على جريشة، ومحمد شريف الزيبق، دار الاعتصام، القاهرة.
501- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى، للدكتور محمود حمدى زقزوق، دار المنار بالقاهرة، الطبعة الثانية 1409هـ-1989م.
502- الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، للدكتور مصطفى السباعى، دار السلام بالقاهرة، الطبعة الأولى 1418هـ-1998م.
503- الاستشراق والمستشرقون وجهة نظر، لعدنان محمد وزان، رابطة العالم الإسلامى، ضمن سلسلة دعوة الحق العدد 24 السنة الثالثة.(1/1165)
504- الإسلام على مفترق الطرق، لمحمد أسد، (ليبولد فايس) ، ترجمة الدكتور عمر فروخ، دار العلم، بيروت، 1987م.
505- الإسلام فى تصورات الغرب، للدكتور محمود حمدى زقزوق، مكتبة وهبة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1407هـ-1987م.
506- الإسلام والحضارة الغربية، للدكتور محمد عمر حسين، دار الرسالة، جدة، الطبعة التاسعة، 1413هـ-1993م.
507- الإسلام والعقلانية، لجمال البنا، دار الفكر الإسلامى، القاهرة.
508- الإسلام والمستشرقين، لنخبة من العلماء المسلمين، عالم المعرفة، جدة، الطبعة الأولى 1405هـ-1985م.
509- الإسلام والإيمان منظومة القيم، لمحمد شحرور، الأهالى، بيروت، الطبعة الأولى1996م.
510- السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث فى النحو العربى، للدكتور محمود فجال، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الثانية 1417هـ-1997م.
511- شرح ديوان كعب بن زهير، لأبى سعيد الحسن بن عبيد الله العسكرى، دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى 1369هـ-1950م.
512- شرح نهج البلاغة، لابن أبى الحديد،، مطبعة عيسى البابى الحلبى بالقاهرة، بدون تاريخ.
513- الشعر والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر، 1966م.
514- أصالة الفكر الإسلامى فى مواجهة التغريب والعلمانية والتنوير الغربى، للأستاذ أنور الجندى، دار الفضيلة بالقاهرة، بدون تاريخ.
515- الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى، للدكتور طه الدسوقى حبيشى، دار على للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.
516- أصول التفكير النحوى، للدكتور على أبى المكارم، دار القلم، بيروت، 1973م.
517- أصول الفقه المحمدى، لجوزيف شاخت، ترجمة الأستاذ الصديق بشير بن نصر، نشر مجلة كلية الدعوة، بليبيا، العدد 11 لسنة 1994م.
518- أصول النحو، لسعيد الأفغانى، مطبعة جامعة دمشق 1376هـ.
519- الأصلان العظيان، الكتاب والسنة، رؤية جديدة، لجمال البنا، مطبعة حسان بالقاهرة.(1/1166)
520- أضواء على السنة المحمدية، أو دفاع عن الحديث، لمحمود أبو ريه، دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ.
521- الأضواء القرآنية فى اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخارى منها، للسيد صالح أبو بكر، مطابع محرم الصناعية، 1974م.
522- إعادة تقييم الحديث، لقاسم أحمد، مكتبة مدبولى الصغير، الطبعة الأولى 1997م.
523- إعادة قراءة القرآن، لجاك بيرك، ترجمة وائل غالى شكرى، تقديم أحمد صبحى منصور، دار النديم للصحافة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 1996م.
524- العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسى، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1952م.
525- أعيان الشيعة، لمحسن الأمين، طبعة دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
526- الإفصاح فى إمامة على بن أبى طالب، لمحمد بن النعمان العكبرى، دار المنتصر، بيروت، الطبعة الثانية 1409هـ-1989م.
527- الأنبياء فى القرآن، لأحمد صبحى منصور، مؤسسة الرسالة، 1405هـ-1985م.
528- إنذار من السماء (النظرية) لنيازى عز الدين، الأهالى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1996م.
529- أهل السنة شعب الله المختار، لصالح الوردانى، كنوتة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م.
530- أوروبا والإسلام، للإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، دار المعارف بمصر، الطبعة الرابعة، بدون تاريخ.
531- بلاغة الرسول، للدكتور على محمد حسن العمارى، دار الأنصار بالقاهرة.
532- بحوث فى القرآن والسنة، اللجنة العليا للاحتفال بالعيد الألفى للأزهر، الأمانة العامة، القاهرة، 1403هـ-1983م.
533- بلوغ اليقين بتصحيح مفهوم ملك اليمين، لإسماعيل منصور جودة، القاهرة، 1418هـ-1997م.
534- البيان بالقرآن، لمصطفى كمال المهدوى، دار الآفاق الجديدة، الدار البيضاء، ليبيا، الطبعة الأولى 1990م.(1/1167)
535- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، للسيد حسن الصدر، طبعة شركة الطباعة والنشر العراقية ببغداد 1951م.
536- تأملات فى الحديث عند السنة والشيعة، لزكريا عباس داود، دار النخيل للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1416هـ-1995م.
537- التبشير والاستعمار فى البلاد العربية، للدكتور مصطفى خالدى، والدكتور عمر فروخ، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى بدون تاريخ.
538- تبصير الأمة بحقيقة السنة، لإسماعيل منصور جودة، القاهرة، 1416هـ-1995م.
539- تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل، للشيخ محمد العزالى، دار الآمان، الرباط، المغرب، الطبعة الثالثة، 1414هـ-1993م.
540- تطبيق الشريعة الإسلامية بين الحقيقة وشعارات الفتنة، لصفوت حسن لطفى، ومحمد عبد العظيم على، وجلال يحيى كامل، تقديم يحيى كامل أحمد، دار الثقافة العربية للطباعة، القاهرة.
541- الثورة الإيرانية فى ميزان الإسلام، للشيخ محمد منظور نعمانى، ترجمة الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم، مطبعة عبير للكتاب والأشغال التجارية، القاهرة.
542- ثم اهتديت، لمحمد التيجانى، مؤسسة الفجر، لندن، الطبعة الثانية 1410هـ-1989م
543- حد الردة، دراسة أصولية تاريخية، لأحمد صبحى منصور، دار طيبة للدراسات والنشر، القاهرة.
544- الحسبة، دراسة أصولية تاريخية، لأحمد صبحى منصور، الناشر مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية، الطبعة الأولى 1995م.
545- حصاد العقل، لمحمد سعيد العشماوى، مكتبة مدبولى الصغير، 1992م.
546- حصوننا مهددة من داخلها، للدكتور محمد محمد حسين، دار الرسالة، جدة، الطبعة الثانية عشرة 1413هـ-1993م.
547- حقائق ثابتة فى الإسلام، لابن الخطيب، مطبعة الأفق، طهران، الطبعة الأولى 1394هـ-1974م.
548- حقيقة الحجاب وحجية الحديث، لمحمد سعيد العشماوى، مكتبة مدبولى الصغير، الطبعة الثانية 1415هـ-1995م.(1/1168)
549- حقيقة السنة النبوية، لأحمد حجازى السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.
550- حوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين، لهشام آل قطيط، دار المحجة البيضاء، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1998م.
551- حياة محمد، للدكتور محمد حسين هيكل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996م.
552- الخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة، لصالح الوردانى، دار الخليج للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1416هـ-1996م.
553- خزانة الأدب ولب لباب العرب، لعبد القادر البغدادى، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربى، القاهرة، 1387هـ.
554- خمسون ومائة صحابى مختلق، لمرتضى العسكرى، دار الزهراء، بيروت، الطبعة السادسة، 1412هـ-1991م.
555- الخلافة المغتصبة، أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخ، لإدريس الحسينى، دار الخليج للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1416هـ-1996م.
556- درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الأولى 1321هـ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، بهامش منهاج السنة.
557- دراسات محمدية، لجولدتسيهر، ترجمة الأستاذ الصديق بشير نصر، نشر مجلة كلية الدعوة الإسلامية، بليبيا، العدد الثامن لسنة 1991م، والعدد العاشر لسنة 1993م.
558- دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف الحديثة، لموريس بوكاى، مكتبة مدبولى الكبير، الطبعة الأولى 1996م.
559- دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين، لصالح الوردانى، الناشر تريدنكو للطباعة، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.
560- دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين، للشيخ محمد الغزالى، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، الطبعة الخامسة 1408هـ-1988م.
561- دفع الشبهات عن الشيخ محمد الغزالى، لأحمد حجازى السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.(1/1169)
562- دليل المسلم الحزين إلى مقتضى السلوك فى القرن العشرين، لحسين أحمد أمين، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
563- دين السلطان (البرهان) لنيازى عز الدين، الأهالى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1997م.
564- الربا والفائدة فى الإسلام، لمحمد سعيد العشماوى، مكتبة مدبولى الصغير، القاهرة، الطبعة الأولى 1416هـ-1996م.
565- رجال اختلف فيهم الرأى، للأستاذ أنور الجندى، دار الأنصار، القاهرة.
566- الرسول صلى الله عليه وسلم فى كتابات المستشرقين، لنذير حمدان، مطبوعات رابطة العالم الإسلامى، جدة.
567- رشاد خليفة، صنيعة الصليبية العالمية، وأخطر من سلمان رشدى، للدكتور خالد نعيم، مطبعة المختار الإسلامى، بدون تاريخ.
568- رؤية إسلامية للاستشراق، للأستاذ أحمد غراب، المنتدى الإسلامى، الطبعة الثانية 1411هـ.
569- زواج المتعة حلال عند أهل السنة، لصالح الوردانى، مكتبة مدبولى الصغير، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م.
570- السحر والسحرة والوقاية من الفجرة، للأستاذ تاج الدين نوفل، مكتبة التراث الإسلامى، القاهرة.
571- السلطة فى الإسلام، العقل الفقهى السلفى بين النص والتاريخ، لعبد الجواد ياسين، المركز الثقافى العربى، الدار البيضاء، المغرب، الطبقة الأولى 1998م.
572- السنة مصدر للمعرفة والحضارة، للدكتور يوسف القرضاوى، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م.
573- الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية، لنصر أبو زيد، مكتبة مدبولى، الطبعة الثانية 1996م.
574- شفاء الصدر بنفى عذاب القبر، لإسماعيل منصور جودة، القاهرة، 1415هـ-1994م.
575- شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة، لخليل عبد الكريم، دار سينا بالقاهرة، الطبعة الأولى 1997م.
576- شيخ المضيرة (أبو هريرة) ، لمحمود أبو رية، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الرابعة 1413هـ-1993م.(1/1170)
577- الشيعة والمتعة، لمحمد مال الله، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثالثة 1409هـ.
578- الصحابة فى نظر الشيعة الإمامية، لأسد حيدر، نشر مطبوعات النجاح بالقاهرة، بدون تاريخ.
579- الصلاة، لمحمد نجيب، دائرة المعارف العلمية الإسلامية، القاهرة.
580- الصلاة فى القرآن، لأحمد صبحى منصور، مخطوط0
581- صواعق الحق المرسلة على الجنيين والكهان والسحرة، لفريق من علماء أنصار السنة المحمدية، إعداد عبد المجيد محمد صالح، مطبعة العمرانية، القاهرة.
582- صورتان متضادتان لنتائج الرسول الأعظم، بين السنة والشيعة الإمامية، لأبى الحسن، على الحسنى الندوى، مطبعة الكلمة بالجيزة، 1405هـ-1985م.
583- ضحى الإسلامى، للأستاذ أحمد أمين، نشر مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، الطبعة السادسة 1961م.
584- الطب الإسلامى، للدكتور أحمد طه، دار الاعتصام بالقاهرة، بدون تاريخ.
585- الطب الوقائى فى الإسلام، للعميد الصيدلى، عمر محمود عبد الله، مطبعة الزهراء الحديثة المحدودة بالعراق، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.
586- عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، لمرتضى العسكرى، دار الزهراء، بيروت، الطبعة السادسة 1412هـ-1991م.
587- عذاب القبر فى الميزان، لعكاشة عبد المنان الطيبى، دار الاعتصام، القاهرة.
588- عذاب القبر والثعبان الأقرع، لأحمد صبحى منصور، دار طيبة للدراسات والنشر، القاهرة.
589- عقوبة الحد فى ضوء القرآن الكريم وأثرها فى إصلاح المجتمع، للدكتور محمد زواوى عبد الله، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 1748 سنة1405هـ-1989م.
590- العلمانية وموقفها من العقيدة والشريعة، للدكتور عبد العظيم المطعنى، مكتبة النور، 1992م.
591- العلمانية وموقف الإسلام منها، للدكتور عزت عبد المجيد، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة، رقم 1109 0
592- الغارة على التراث الإسلامى، للأستاذ جمال سلطان، مركز الدراسات الإسلامية برمنجهام، بريطانيا، 1412هـ-1992م.(1/1171)
593- الغارة على العالم الإسلامى، أ. ل شاتليه، نقلها إلى العربية محب الدين الخطيب، ومساعد اليافى، المطبعة السلفية ومكتبتها، الطبعة الرابعة 1398هـ.
594- الغدير فى الكتاب والسنة والأدب، لعبد الحسين أحمد الأمينى، دار الكتاب العربى، بيروت، الطبعة الثالثة.
595- فتح الوهاب لا جزية على أهل الكتاب، لإسماعيل منصور جودة، القاهرة، الطبعة الأولى 1419هـ-1998م.
596- الفتنة الخمينية حقيقة الثورة الإيرانية، للشيخ محمد عبد القادر آزار، مطبعة عبير للكتاب، حلوان، الطبعة الأولى 14.6هـ-1986م.
597- الفتنة الكبرى (عثمان) ، لطه حسين، دار المعارف بمصر، الطبعة العاشرة.
598- فجر الإسلام، لأحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، الطبعة السابعة 1959م.
599- فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، لحسين بن محمد تقى النورى الطبرى، طبع حجر.
6..- الفرقان، لابن الخطيب، المطبعة المصرية بالقاهرة، الطبعة الأولى1367هـ-1948م.
6.1- الفصول المهمة فى تأليف الأمة، لعبد الحسين شرف الدين الموسوى، مطبعة العرفان، صيدا سنة 133.هـ.
6.2- الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى، للدكتور محمد البهى، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية عشر 1411هـ-1991م.
6.3- الفكر الإسلامى نقد واجتهاد، لمحمد أركون، ترجمة هاشم صالح، دار الساقى، بيروت، الطبعة الثالثة 1998م.
6.4- فى الأدب الجاهلى، لطه حسين، دار المعارف، مصر، الطبعة السادسة عشر.
6.5- الاقتراح فى علم أصول النحو، للسيوطى، تحقيق الدكتور أحمد محمد قاسم، القاهرة، الطبعة الأولى 1396هـ-1976م.
6.6- قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدو أهله، لعبد الودود يوسف، دار السلام بالقاهرة، 1413هـ-1994م.
6.7- قراءة فى صحيح البخارى، لأحمد صبحى منصور، مخطوط.
6.8- قرآن أم حديث، لرشاد خليفة، مسجد توسان، أمريكا.
6.9- القرآن والحديث والإسلام، لرشاد خليفة، مخطوط.(1/1172)
610- قصة الحديث المحمدى، لمحمود أبو رية، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م.
611- الكامل فى اللغة والأدب، لأبى العباس محمد بن يزيد بن المبرد تحقيق محمد أحمد الدالى، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1413هـ-1993م.(1/1173)
612- الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، لمحمد شحرور، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ-1992م.
613- كشف اليقين فى فضائل أمير المؤمنين، للحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، تحقيق حسين الدركاهى، دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية 1414هـ-1993م.
614- كلا ثم كلا، كلا لفقهاء التقليد ثم كلا لأدعياء التنوير، لجمال البنا، طبعة دار الفكر الإسلامى، لسنة 1414هـ-1994م.
615- كيف نتعامل مع السنة النبوية، للدكتور يوسف القرضاوى، دار الوفاء، بالمنصورة، الطبعة السابعة 1415هـ-1994م.
616- لقد شيعنى الحسين، الانتقال الصعب فى رحاب المعتقد والمذهب، لإدريس الحسينى، دار النخيل العربى، بيروت، الطبعة الرابعة 1416هـ-1996م.
617- لماذا القرآن، لعبد الله الخليفة=أحمد صبحى منصور، خال من مكان الطبع وتاريخه.
618- مائة سؤال عن الإسلام، للشيخ محمد الغزالى، دار ثابت، القاهرة، الطبعة الثالثة 14.7هـ-1987م.
619- المتآمرون على المسلمين الشيعة، من معاوية إلى ولاة الفتنة، لموسى الموسوى، مكتبة مدبولى، الطبعة الثانية 1996م.
620- مجتمع يثرب العلاقة بين الرجل والمرأة فى العهدين المحمدى والخليفى، لخليل عبد الكريم، دار سينا، القاهرة، الطبعة الثانية 1997م.
621- المدخل لدراسة القرآن والسنة والعلوم الإسلامية، للدكتور شعبان محمد إسماعيل، دار الأنصار، مصر، الطبعة الأولى 14..هـ-198.م.
622- المراجعات، لعبد الحسين شرف الدين الموسوى، دار الأندلس، بيروت، بدون تاريخ.
623- مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة، لأحمد حسين يعقوب، الغدير، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.
624- المسلم العاصى، هل يخرج من النار ليدخل الجنة، لأحمد صبحى منصور، القاهرة، الطبعة الأولى 14.7هـ-1987م.
625- المسيح عليه السلام فى القرآن الكريم، للدكتور رمضان مصطفى دياب، مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة رقم 957.(1/1174)
626- مسيلمة فى مسجد توسان، الظهور الجديد، وراء المحيطات، للدكتور طه الدسوقى حبيشى، مكتبة رشوان، القاهرة.
627- المستشرقون والتراث، للدكتور عبد العظيم الديب، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الثانية 1413هـ-1992م.
628- مصباح الهداية فى إثبات الولاية، لعلى الموسوى البهبانى، الناشر: أصفهان كتابفروش دين ودانش، جاب دون – مطبعة ربانى.
629- مصطلح التاريخ، لأسد رستم، منشورات العصرية، بيروت، بدون تاريخ.
630- معالم المدرستين، لمرتضى العسكرى، الدار العالمية، بيروت، الطبعة الخامسة 1414هـ-1993م.
631- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية الله العلم والإرادة، لابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت.
632- مفهوم النص، للدكتور نصر أبو زيد، خال من مكان الطبع وتاريخه0
633- مقدمات العلوم والمناهج، للأستاذ أنور الجندى، دار الأنصار، القاهرة.
634- مناهج المستشرقين فى الدراسات العربية والإسلامية، لجماعة من العلماء، مكتب التربية العربى لدول الخليج، الرياض، 1405هـ-1985م.
635- من التوجيهات النبوية للأسرة الإسلامية، للدكتور سعيد محمد صوابى، مطبعة الفجر الجديد، 1411هـ-1990م.
636- منع تدوين الحديث أسباب ونتائج، لعلى الشهرستانى، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.
637- موازين القرآن والسنة للأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، لعز الدين بليق، دار الفتح، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
638- المؤامرة على الإسلام، للأستاذ أنور الجندى، دار الاعتصام، القاهرة.
639- المؤتمر الحادى عشر لمجمع البحوث الإسلامية، الدعوة والدعاة،1408هـ-1988م.
640- موقف الإسلام من المجتمع الجاهلى، للدكتور جعفر السقا، جمعية الوقف الإسلامى، هولندا، الطبعة الأولى 1409هـ.
641- موقف النجاة من الاحتجاج بالحديث، للدكتورة خديجة الحديثى، دار الرشيد، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية.(1/1175)
642- الميزان فى تفسير القرآن، للسيد محمد حسين الطباطبائى، دار الكتب الإسلامية بطهران، الطبعة الثانية.
643- نحو تطوير التشريع الإسلامى، لعبد الله أحمد النعيم، ترجمة وتقديم حسين أحمد أمين، دار سينا للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1994م.
644- نحو فقه جديد، لجمال البنا، دار الفكر الإسلامى، القاهرة، بدون تاريخ.
645- النسخ والبداء فى الكتاب والسنة، لمحمد حسين الحاج العاملى، دار الهادى، بيروت، 1418هـ-1997م.
646- النص والاجتهاد، لعبد الحسين شرف الدين الموسوى، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الطبعة الرابعة 1386هـ-1966م.
647- نظرة القرآن إلى الجريمة والعقاب، للدكتور محمد عبد المنعم القيعى، دار المنار، القاهرة، 1408هـ-1988م.
648- نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية فى الإسلام، لأحمد حسين يعقوب، مطبعة الخيام، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
649- نقد الحديث فى علم الرواية والدراية، للدكتور حسين الحاج حسن، مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ-1985م.
650- نقد الخطاب الدينى، لنصر أبو زيد، دار سينا، القاهرة، الطبعة الثانية 1994م.
651- كتاب نصر أبو زيد ودحض شبهاته، للدكتور رفعت فوزى عبد المطلب، مكتبة الخانجى بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
652- وركبت السفينة، لمروان خليفات، الغدير للدراسات والطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ-1997م.
653- وعاظ السلاطين، لعلى الوردى، دار كوفان، لندن، توزيع دار الكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الثانية 1995م.
654- لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن، لأحمد صبحى منصور مركز المحروسة بالمعادى، الطبعة الأولى 1997م.
655- يوسف شاخت حياته وآثاره، لروبير برونشفيج، ترجمة الدكتور عبد الحكيم الأربد، نشر مجلة كلية الدعوة بليبيا، العدد 11 لسنة 1994م.(1/1176)
تاسعاً: الدوريات:
656- مجلة الأزهر الشريف، تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية، العدد ربيع الأول لسنة 1418هـ-1997م، والعدد ربيع الآخر لسنة 1418هـ-1997م.
657- جريدة أفاق عربية، 17، ربيع الآخر 1418م.
658- مجلة كلية أصول الدين بالقاهرة، دار الطباعة المحمدية بالقاهرة، العدد الثانى لسنة 1404هـ-1984م.
659- مجلة كلية الدعوة الإسلامية، تصدر عن كلية الدعوة الإسلامية، الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى، طرابلس، الأعداد 8 لسنة 1991م، و10 لسنة 1993م، و11 لسنة 1994م.
660- مجلة روز اليوسف، الأعداد: 3530، 3559، 3563، 3564، لسنة 1411هـ-1996م، والعدد 3586 لسنة 1417هـ-1997م.
661- مجلة العربى، العدد 480، 1419هـ-1998م.
662- جريدة مجمع اللغة العربية، بمجموعة القرارات العلمية فى خمسين عاماً، أخرجها وراجعها محمد شوقى أمين، وإبراهيم الترزى، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، 1984م.
663- مجلة المنار، لمحمد رشيد رضا، مطبعة المنار، مصر الأعداد 9، 10، 11، 12، 19، 21، 27، 28، 29، 33 0
664- مجلة الوعى الإسلامى، تصدرها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، العدد 375، لسنة 1417هـ-1997م، والعدد 396 لسنة 1419هـ-1998م.
*** *** ***(1/1177)