منظومة ابن الشحنة في البلاغة
تأليف
محب الدين ابن الشحنة
ت 815هـ
تحقيق
الدكتور
جميل عبد الله عويضة
1430هـ / 2009م
ابن الشحنة :
هوقاضي القضاة ، محب الدين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن الشحنة محمود ، والشحنة جده الأعلى محمود ، الشهير بابن الشحنة التركي الأصل ، الحلبي الحنفي ، ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون ، وتفقه وبرع في الفقه ، والأصول ، والنحو ، والأدب ، وأفتى ودرس وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب ، ثم دمشق ، إلى أن قبض عليه الظاهر برقوق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، وقدم به إلى القاهرة ، ثم أفرج عنه ورجع إلى حلب ، فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج ، سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ؛ لقيامه مع جماعة على الناصر ، ثم أفرج عنه ، فقدم القاهرة ، ثم عاد إلى دمشق ؛ صحبة الملك الناصر المذكور سنة أربع عشرة وثمانمائة ، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ، ولاه قضاء الحنفية بالقاهرة ، فلم يتم ؛ لأنه لما أزيلت دولة الناصر ، أُعيد ابن العديم لقضاء الديار المصرية واستقر ابن الشحنة في قضاء حلب ، وأعطى تداريس بدمشق ، قال ابن حجر : كان كثير الدعوى والاستحضار ، عالي الهمة ، وعمل تريخا لطيفا فيه أوهام عديدة ، وله نظم فائق وخط رائق ، ومن نظمه :
ساق المدام دع المدام فكل ما في الناس من وصف المدامة فيكا
فعل المدام ولونها ومذاقها في مقلتيك ووجنتيك وفيكا
وله
أسير بالجرعى أسيرا ومن همي لا أعرف كيف الطريق
في منحنى الأضلع وأدى الغضا وفوق سفح الخد وادي العقيق
انتهى .
وقال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب : وله ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم ، وألفية اختصر فيها منظومة النسفي ، وضم إليها مذهب أحمد ، وله تآليف أخرى في الفقه ، والأصول والتفسير . انتهى .
ومن مصنفاته أيضا :
ـ منظومة في الهقيدة .
ـ منظومة الموافقات العمرية للقرآن الشريف ، ثم شرحها .(1/1)
ـ الأمالي . في الحديث .
ـ نهاية النهاية في شرح الهداية . في الفقه الحنفي .
ـ روض الناظر في علمالأوائل والأواخر . في التاريخ / مطبوع .
ـ الرحلةالعشرية بالديار المصرية .
ـ أرجوزة في علم البيان . وهي التي بين أيدينا .
وتوفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخرسنة 815هـ .
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد للهِ وصلى اللهُ ... على رسوله الذي اصطفاه
محمد وآله وسلَّما ... وبعدُ قد أحببت أني أَنظُما ...
في علمي البيان والمعاني ... أرجوزةً لطيفة المعاني
أبياتها عن مائةٍ لم تزدِ ... فقلت غيرَ آمنٍ مِنْ حسد
فصاحة المفرد في سلامته ... مِن نَفْرَةٍ فيه ومِن غرابته
وكونه مُخالِفَ القياس ... ثمَّ الفصيحُ مِن كلامِ النَّاس
ما كان مِنْ تنافرٍ سليما ... ولم يكن تأليفُهُ سقيما ...
وهو من التَّعقيد أيضا خالي ... فإنْ يكُنْ مُطابقا للحال
فهو البليغُ والّذي يؤلِّفُهْ ... وبالفصيحِ من يُعبِّر نَصِفُهْ
والصِّدْقُ أنْ يُطابقَ الواقعَ ما ... يقولُ والكِذْبُ خِلافُهُ اعْلَما
وعربيُّ اللفظِ ذو أحوالِ ... يأتي بها مُطابِقا للحال
عِرفانُها عِلْماً هو المعاني ... مُنحصرُ الأبوابِ في ثَمانِ
الأول : أحوال الإسناد الخبري
إنْ قَصدَ المُخبِرُ نفسَ الحُكْمِ ... فسمِّ ذا فائدةً وسَمِّ
إنْ قَصَدَ الإعلامَ بالعِلمِ به ... لازِمَهَا وللمقامِ انْتبِهِ
إنْ ابتدائيّاً فلا يُؤكَّدُ ... أو طلبياً فهو فيه يُحْمَدُ
... / وواجِبٌ بِحَسَبِ الإنكارِ ... وَحَسَبِ التبدِيْلِ بالأغْيارِ 2 ب
... والفِعلُ أو معناهُ إنْ أَسْنَدَهُ ... لِما له في ظاهرٍ ذا عِندهُ
... حقيقةٌ عقليةٌ وإنْ أَتَى ... غيرَ مُلابسٍ مجازٌ أُوِّلا
الثاني : أحوال المسند إليه
... الحذفُ للصَّوْنِ أَوْ الإنكارِ ... والاحتِرازِ أوْ لِلاختبارِ
... والذِّكْرُ للتعظيمِ والإهانَةْ ... والبَسْطِ والتنبيهِ والقَرينةْ
... وإنْ بإضمارٍ تكُنْ مُعرِّفا ... فللمقاماتِ الثلاثِ فاعرِفا
... والأصل في الخطاب للمُعَيَّنِ ... والتَّركُ فيهِ للعمومِ البيِّنِ(1/2)
... وعَلَمِيَّةٍ للاخْتِصارِ ... وقصدِ تعظيمٍ أو احتقارِ
... وصِلةٍ للجهلِ والتعظيمِ ... للشأنِ والإيماءِ والتفخيمِ
... ويا شارةٍ لذي فهمٍ بطِي ... و القربِ والبعدِ أو التوسّطِ
... وأَلْ لِعهدٍ أو حقيقةٍ وقدْ ... تفيدُ الاستغراقَ أو ما به انفردْ
... وباضافةٍ فلاختصارٍ ... وقصد تعظيم أو احتقارِ
... وإن منكراً فللتحقير ... والضد والإفراد والتكثير
... وضدّهِ والوصفِ للتبيين ... والمدحِ والتخصيص والتّعيين
... وكونهِ مؤكداً ويحصلُ ... لدفعِ وهمٍ كونه لا يَشْمَلُ
... والسَّهوِ والتَّجوّزِ المُباحِ ... ثم بيانه فلِلإيضاح
/ ... باسمٍ يختصُّ والإبدال ... يزيد تقريرا لِما يُقال 3أ
... والعطف تفصيلٌ مَع اقتراب ... وردُّ سامعٍ إلى الصواب
... والفصل للتخصيص والتقديم ... بالاهتمامٍ يحصل التقسيم
... كالأصل والتمكين والتَّعجُّل ... وقد يُفيد الاختصاصَ إنْ وَلي
... نفياً وقد على خلاف الظاهر ... يأتي كأوْلَى والتفاتٍ دائر
الثالث : أحوال المُسند
... لِما مضى الترك مع القرينة ... والذِّكر أو يفيدُنا تعيينه
... وكونه فعلاً فللتقييد ... بالوقت مع إفادة التجديد
... واسماً فلا نعدام ذا ومُفردا ... لأنَّ نفس الحكم فيه قُصِدا
... والفعل بالمفعول إن تقيَّدا ... ونحوه فليقيد إنْ بدا
... وتركه لمانع منه وإنْ ... بالشرط لاعتبار ما يجيء مِن
... أداتِه والجزم أصل في إذا ... لا إنْ ولو قدلا لذاك قصدا
... والوصف والتعريف والتأخير ... وعكسه يعرَّفُ والتنكير
الرابع : متعلقات الفعل
... ثم مع المفعول حال الفعل ... كحاله مع فاعل من أجل
... تلبّس لا كون ذاك قد جرا ... فإنْ يُرَد إنْ لم يكن قد ذُكِرا
... النفيُ مُطلقاً أو الإثباتُ له ... فذاك مثل لازمٍ في المنزلة
... من غير تقديرٍ وإلاّ لَزِما ... والحذف للبيان فيما أُبهِما
... أو لمجيء الذِّكْر أو لردِّ ... تَوهُّمِ السَّامع غيرَ القصدِ
... وهو للتعميم أو للفاصلة ... أو هو لاستهجانك المقابلة
... وقدِّم المفعولَ أو شبيهه ... رَدَّاً على من لم يُصِبْ تَعْيِينََهْ
... وبعضُ معمولٍ على بعضٍ لما ... إذا اهتمامٌ أو لأصلٍ عُلِما
القصر(1/3)
... القصرُ نوعان حقيقيٌّ وذا ... نوعان والثاني الإضافيُّ كذا
... فقصرك الوصف على الموصوف ... وعكسه من نوعه المعروف
... طرْقُهُ النفيُ والاستثنا هُما ... والعطف والتقديم ثمَّ إنَّما
... دلالةُ التقديم بالفحوى وما ... عداه بالوضع وأيضا مثلَ ما
... القصر بين خبرٍ ومُبتدا ... يكون بين فاعل وما بدا
... منه فمعلومٌ وقد يُنزَّلُ ... منزلَ المجهولِ أو ذا يُبْدَلُ
الإنشاء
... يستدْعي الانشاءُ إذا كان طابْ ... ما هو غير حاصلٍ والمُنتخَبْ
... فيه التمني وله الموضوع ... ليتَ وإنْ لم يكن الوقوع
... ولو وهل مثل لعلَّ الدَّاخلة ... فيه والاستفهام والموضوع له
... هل همزةٌ ما مَنْ وأيّ أيْنا ... كمْ كيفَ أيْان متى أم أنّى
... فهل بها يُطلب تصديقٌ وما ... عداه همزةٌ تصوُّرٌ وهي هما
... وقد للاستبطاء والتقرير ... وغير ذا تكون والتحقير
/ ... والأمرُ وهو طالب استعلاءِ ... وقد لأنواعٍ يكون جاءِ ... 4أ
... والنهي مثله بلا بدا ... والشرط بعدها يجوز والنِّدا
... وقد للاختصاص والإغراء ... يجيء ثمَّ موقعَ الإنشاء
... قد يقع الخبر للتفاؤلِ ... والحرصِ وبعكس ذا تأمَّلِ
الفصل والوصل
... إنْ نزلَتْ تالية من ماضية ... كنفسها أو نزلتْ كالعارية
... أَفصل وإن توسّطت فالوصل ... بجامعٍ أَرجَحُ ثم الفصل
... للحالِ حيثُ أَصلُها قد سَلِما ... أَصلْ وإن مُرَجِّحُ تحتَّما
الإيجاز والإطناب
... توفِيَةُ المقصودِ بالناقص مِن ... لفظٍ له الإيجازُ والإطناب إن
... بزائدٍ عنه وضربُ الأوَّل ... قصرٌ وحذفُ جملةٍ أو جُمَلِ
... أو جزءُ جملةٍ وما يَدُلُّ ... عليه أنواعٌ ومنها العقلُ
... وجاء للتوشِيعِ بالتفصيل ... ثانٍ وللإعراض والتذييل
علم البيان
عِلم البيان ما به يُعرَّف ... ... إيرادُ ما طُرُقُه تختلف
... ... في كونها واضحة الدلالة ... ... فما به لازمُ موضوعٍ لهْ
... ... إما مجازاً منه استعارةْ ... ... تُبنى على التشبيه أو كناية
... ... وطرفا التشبيه حِسِّيان ... ... ولو خياليَّان وعقليَّان
... / ... ومنه ما بالوهم والوُجدان ... ... أو فيهما يختلف الجزءان 4ب
... ... ووجهه ما اشتركا فيه وجا ... ... ذا في حقيقتهما وخارِجا(1/4)
... ... وصفاً فحسيٌّ وعقليٌّ وذا ... ... واحداً أو في حكمه أوْ لا كذا
... ... والكاف أو كأنَّ أو كمثل ... ... أداته وقد بذكْر فعل
... ... وغرضٌ منه على المشبه ... ... يعود أو على مُشبَّه به
فباعتبار كلِّ رُكنٍ بأقْسِمِ ... ... أنواعه ثم المجاز فافهمِ
مفردٌ أو مركّبٌ وتارةْ ... ... يكون مرسلاً أو استعارةْ
بجعل ذا ذاك ادَّعاء أوّلَه ... ... وهي إنْ بسم جنسٍ استُعير له
أصلية أو لا فتابعيَّة ... ... وإنْ تكنْ ضداً تهكُّميَّة
وما به لازمُ معنى وهو لا ... ... يمتنع كنايةً فاقسمْ إلى
إرادة التشبيه أو نفسِ الصِّفة ... ... أو غير هذين اجتهد أنْ تعرفَهْ
علم البديع
علمُ البديع وهو تحسين الكلام ... ... بعد رعاية الوضوح والمقام
ضربان لفظيُّ كتجنيسٍ وردْ ... ... وسجْعِ أو قلبٍ وتشريعٍ وردْ
والمعنويُّ وهو كالتسهيم ... ... والجمعِ والتفريقِ والتقسيمِ
والقولِ بالموجبِ والتجريد ... ... والجِدِّ والطباقِ والتأكيد
والعكسِ والرجوعِ والإيهام ... ... واللفِّ والنَّشرِ والاستخدامِ
والسَّوقِ والتوجيه والتوفيق ... ... والبحث ِ والتعليل والتعليق
/ ... ... ... السرقات الشعرية ... 5
... ...
... ... السَّرِقاتُ ظاهرٌ فالنسْخُ ... ... يُذَمُّ لا إنْ استُطيبَ المَسْخُ
... ... والسلخ مثله وغير ظاهر ... ... كوضع معنى في محلِّ آخر
... ... أو يتشابها أوْ ذا أَشْملُ ... ... ومنه قلبٌ واقتباسٌ ينقَلُ
... ... ومنه تضمين وتلميح وحَلْ ... ... ومنهُ عقدٌ والتأنُّق إنْ تَسَلْ
... ... براعةُ استهلالِ وانتقالُ ... ... حُسنُ الخِتامِ انتهى المقالُ
وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه
وسلم(1/5)