كتاب الحج:
الحَجُّ فَرْضٌ وكذاكَ العُمرَهْ لم يَجِبَا في العُمْرِ غيرَ مَرَّهْ
وإنما يَلْزَمُ حُرَّاً مُسلِمَا كُلِّفَ ذا استِطَاعَةٍ لكُلِّ مَا
يَحتاجُ مِن مأكُولٍ اوْ مَشرُوبِ إلى رُجُوعِهِ ومِنْ مَركُوبِ
لاقَ بِهِ بشَرطِ أَمْنِ الطُّرُقِ ويُمكِنُ المَسِيرُ في وقتٍ بَقِي
أركانُهُ الإحرامُ بالنِّيَّةِ قِفِ بعد زوالِ التِّسعِ إذ تُعَرِّفِ
وطافَ بالكعبةِ سَبْعَاً وسَعَى مِنَ الصَّفَا لمَرْوَةٍ مُسَبِّعَا
ثُم أَزِلْ شَعْرَاً ثلاثَاً نَزْرَهْ وما سِوَى الوُقُوفِ رُكنُ العُمْرَهْ
والدَّمُ جابِرٌ لواجِبَاتِ أَوَّلُها الإحرامُ مِن ميقَاتِ
والجَمعُ بين الليل والنَّهَارِ بِعَرَفَهْ والرَّمْيُ للجِمَارِ
ثم المَبِيتُ بمِنَىً والجَمْعِ وآخِرُ السِّتِ طَوَافُ الوَدْعِ
وسُنَّ بَدْءُ الحَجّ ثم يَعْتَمِرْ ولْيَتَجَرَّدْ مُحْرِمٌ ويَتَّزِرْ
ويَرْتَدِ البَيَاضَ ثم التَّلبِيَهْ وأَنْ يَطُوفَ قادِمٌ والأَدْعِيَهْ
يَرْمُلُ في ثلاثَةٍ مُهَرْوِلا والمَشْيُ باقي سَبْعَةٍ تَمَهُّلا
والاضْطِبَاعُ في طَوَافٍ يَرْمُلُ فيهِ وفي سَعيٍ بِهِ يُهَرْوِلُ
ورَكْعَتَا الطَّوَافِ مِن وَرَاالمَقَامْ فالحِجْرِفالمسجِدِ إِن يَكُن زِحَامْ
وباتَ في مِنَىً بِلَيْلِ عَرَفَهْ وجَمْعُهُ بها وبالمُزْدَلِفَهْ
بِتْ وارتَحِلْ فَجْرَا وقِفْ بالمَشْعَرِ تَدعُووأسْرِعْ وادِيَ المُحَسِّرِ
وفي مِنَىً للجَمْرَةِ الأُولَى رَمَيْتْ بِسَبعِ رَمياتِ الحَصَى حينَ انتَهَيْتْ
مُكَبِّرَا للكُلِّ واقْطَعْ تَلْبِيَهْ ثُمَّ اذْبَحِ الهَدْيَ بِهَا كالأُضْحِيهْ
واحلِقْ بها أو قَصِّرَنْ مَعْ دَفْنِ شَعْرٍ وبعدَهُ طَوَافُ الرُّكْنِ
وبعدَ يومِ العيدِ للزَّوَالِ تَرمِي الجِمَارَ الكُلَّ بالتَّوَالِي
باثنَيْنِ مِن حَلْقٍ ورَمْيِ النَّحْرِ أوِ الطَّوَافِ حَلَّ قَلْمُ الظُّفْرِ(1/22)
والحَلْقُ والُّلبْسُ وصَيْدٌ ويُبَاحْ بثالِثٍ وَطْءٌ وعَقْدٌ ونِكَاحْ
واشْرَبْ لِمَا تُحِبُّ ماءَ زَمْزَمِ وطُفْ وَدَاعَاً وادْعُ بالمُلْتَزَمِ
ولازِمٌ لمُتَمَتِّعٍ دَمُ أو قارِنٍ إِن كان عنه الحَرَمُ
مسافَةَالقَصْرِ وعند العَجْزِ صَامْ مِن قَبلِ نَحْرِهِ ثلاثَ أيامْ
وسَبْعَةً في دارِهِ ولْيَحْتَلِلْ لِفَوْتِ وَقْفَةٍ بِعُمْرَةٍ عَمَلْ
ولْيَقْضِ مَعْ دَمٍ ومُحْصَرٍ أَحَلْ بِنِيَّةٍ والحَلْقُ مَعْ دَمِ حَصَلْ
باب محرمات الاحرام:
حَرِّمْ بالاِحْرَامِ مُسَمَّى لُبْسِ خِيطَ وللرَّاجِلِ سَتْرُ الرَّأْسِ
وامْرَأَةٍ وَجْهَاً وَدَهْنَ الشَّعْرِ والحَلْقَ والطِّيبَ وقَلْمَ الظُّفْرِ
والَّلْمَس بالشَّهْوِة كُلٌّ يُوجِبُ تَخْيِيرَهُ ما بَيْنَ شاةٍ تُعْطَبُ
أو آصُعٍ ثلاثَةٍ لِسِتَّةِ مِسْكِينٍ أو صَوْمِ ثلاثٍ بَيِّتِ
وَعَمْدَ وَطْءٍ للتَّمَامِ حَقَّقَا مَعَ الفَسَادِ والقَضَا مُضَيَّقَا
كالصَّوْمِ تَكْفِيرُ صَلاةٍ باعْتِدَا وبالقِضَا يَحْصُلُ مالَهُ الأَدَا
وصَحَّ في الصِّبَا وَرِقٍّ كَفَّرَهْ بَدَنَةٌ إِنْ لَم يَجِدْ فَبَقَرَهْ
ثُمَّ الشِّيَاهُ السَّبْعُ فالطَّعَامُ بِقِيمَةِ البَدَنَةِ فالصِّيَامُ
بالعَدِّ مِن أَمْدَادِهِ وَحَرُمَا لِمُحْرِمٍ ومَنْ يَحُلَّ الحَرَمَا
تَعَرُّضُ الصَّيْدِ وفي الأَنْعَامِ المِثْلُ فالبَعِيرُ كالنَّعَامِ
والكَبْشُ كالضَّبْعِ وعَنْزٌ ظَبْيُ وكالحَمَامِ الشَّاةُ ضَبٌّ جَدْيُ
أَوِ الطَّعَامُ قِيمَةً أو صَوْمَا بِعَدِّهَا عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمَا
بالحَرَمِ اخْتَصَّ طَعَامٌ والدَّمُ لا الصَّوْمُ إِنْ يَعْقِدْ نِكَاحَاً مُحْرِمُ
فباطِلٌ وقَطْعَ نَبْتِ حَرَمِ رَطْبٍ وقَلْعَاً دُونَ عُذْرٍ حَرِّمِ(1/23)
كتاب البيع:
وإنَّمَا يَصِحُّ بالإِيجَابِ وبِقَبُولِهِ أوِ اسْتِيجَابِ
في طاهِرٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ قُدِرْ تسليمُهُ مِلْكٌ لذِي العَقْدِ نُظِرْ
إِن عَيْنُهُ مَعَ المَمَرِّ تُعْلَمِ أوْ وَصْفُهُ وقَدْرُ ما في الذِّمَمِ
وشَرْطُ بيعِ النَّقدِ بالنَّقدِ كَمَا في بيعِ مطعُومٍ بما قَد طُعِمَا
تقَابُضُ المَجلِسِ والحُلُولُ زِدْ عِلْمَ تَمَاثُلٍ بِجِنسٍ يَتَّحِدْ
وإنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّمَاثُلُ حالَ كمالِ النَّفْعِ وَهْوَ حاصِلُ
في لَبِنٍ والتَّمْرِ وَهْوَ بالرُّطَبْ رُخِّصَ في دونِ نِصَابٍ كالعِنَبْ
واشْرُطْ لبَيْعِ ثَمَرٍ أو زَرْعِ مِن قَبْلِ طِيبِ الأكلِ شَرْطَ القَطْعِ
بَيعُ المَبِيعِ قبلَ قَبْضٍ أُبْطِلا كالحيوانِ إِذْ بلَحْمٍ قُوبِلا
والبَيِّعَانِ بالخِيَارِ قبلَ أَنْ يفْتَرِقَا عُرْفَاً وطَوْعَاً بالبَدَنْ
ويُشْرَطُ الخِيَارُ في غيرِالسَّلَمْ ثلاثةً ودونَهَا مِن حينِ تَمْ
وإِنْ بمَا يُبَاعُ عَيْبٌ يَظْهَرِ مِنْ قبلِ قَبْضٍ جائِزٌ للمُشْتَرِي
يَرُدُّهُ فَوْرَاً على المُعْتَادِ كَكَوْنِ مَنْ تُبَاعُ في اعتِدَادِ
باب السَّلم:
الشَّرْطُ كونُهُ مُنَجَّزَاً وأَنْ يُقْبَضُ في المَجلِسِ سائِرُ الثَّمَنْ
وإِنْ يَكُنْ في ذِمَّةٍ يُبَيَّنُ قَدْرَاً وَوَصْفَا دونَ ما يُعَيَّنُ
وكَوْنُ ما أُسْلِمَ فيهِ دَيْنَا حُلُولاً أوْ مُؤَجَّلا لكِنَّا
بأجَلٍ يُعْلَمُ والوُجْدَانُ عَمْ وعندَ ما يَحِلُّ يُؤمَنُ العَدَمْ
دونَ ثِمَارٍ مِن صغيرَةِ القُرَى معلُومَ مِقدَارٍ بمِعْيَارٍ جَرَى
والجِنْسُ والنَّوْعُ كَذَا صِفَاتُ لأجلِهَا تَخْتَلِفُ القِيْمَاتُ
وكَوْنُهَا مضبوطَةَ الأوصافِ لا مُخْتَلِطَاً أو فيهِ نارٌ دَخَلا
عَيِّنْ لذِي التأجيلِ مَوْضِعَ الأَدَا إِن لَم يُوَافِقْهُ مَكَانُ عُقِدَا(1/24)
باب الرَّهن:
يجُوزُ فيما بَيْعُهُ جازَ كَمَا صَحَّ بِدَيْنٍ ثابِتٍ قَد لَزِمَا
للرَّاهِنِ الرُّجُوعُ مالَمْ يَقْبِضِ مُكَلَّفٌ بإذْنِهِ حينَ رَضِي
وإنَّمَا يَضْمَنُهُ المُرْتَهِنُ إذا تَعَدَّى في الذي يُؤْتَمَنُ
يَنْفَكُّ بالإِبْرَا وفَسْخِ الرَّهْنِ كَذَا إذا زالَ جميعُ الدَّيْنِ
باب الحجر:
جَمِيعُ مَن عليهِ شرعاً يُحْجَرُ صَغِيرٌ أو مَجنُونٌ أو مُبَذِّرُ
تَصْرِيفُهُم لِنَفْسِهِمْ قد أُبْطِلا ومُفْلِسٌ قد زادَ دَيْنُهُ على
أموالِهِ بَحَجْرِ قاضٍ بَطَلا تَصْرِيفُهُ بِكُلِّ ما تَمَوَّلا
لاذِمَّةٍ والمَرَضُ المَخُوفُ اِنْ ماتَ فيهِ يُوقَفُ التَّصْرِيفُ
فيمَا على ثُلْثٍ يزيدُ عندَهُ على إِجَازَةِ الورِيثِ بعدَهُ
والعَبْدُ لَم يُؤْذَنْ لَهُ في مَتْجَرِ يُتْبَعّ بالتَّصرِيفِ للتَّحَرُّرِ
باب الصُلح:
الصُّلْحُ جائِزٌ مَعَ الإِقْرَارِ بعدَ خُصُومَةٍ بِلا إِنْكَارِ
وَهْوَ بِبَعْضِ المُدَّعَى في العَيْنِ هِبَةٌ أَو بَرَاءَةٌ للدَّيْنِ
وفي سِوَاهُ بَيْعٌ أَوْ إِجَارَهْ والدَّارُ للسُّكْنَى هِيَ الإِعَارَهْ
بالشَّرْطِ أَبْطِلْ وأَجِزْ في الشَّرْعِ على مُرُورِهِ وَوَضْعِ الجِذْعِ
وَجَازَ إِشْرَاعُ جَنَاحٍ مُعْتَلِي لِمُسْلِمٍ في نافِذٍ مِن سُبُلِ
لَمْ يُؤْذِ مَنْ مَرَّ وقَدِّمْ بابَكَا وجَازَ تأخِيرٌ بِإِذْنِ الشُّرَكَا
باب الحِوالة:
شَرْطٌ رِضَا المُحِيلِ والمُحْتالِ لُزُومُ دَيْنَيْنِ اتِّفَاقُ المَالِ
جِنْسَاً وقَدْرَا أجَلا ًوكَسْرا بها عَنِ الدَّيْنِ المُحِيلُ يَبْرَا
باب الضَّمان:
يَضْمَنُ ذو تَبَرُّعٍ وإنَّمَا يَضمَنُ دَيْنَاً ثابِتَاً قَد لَزِمَا
يُعْلَمُ كالإِبرَاءِ والمَضْمُونُ لَهْ طالَبَ ضامِنَاً ومَن تَأَصَّلَهْ
ويَرجِعُ الضَّامِنُ بالإِذْنِ بِمَا أَدَّى إذا أشهَدَ حينَ سَلَّمَا
والدَّرْكُ المَضْمُونُ للرَّدَاءَةِ يَشْمَلُ والعَيْبَ ونَقْصَ الصَّنْجَةِ
يَصِحُّ دَرْكٌ بعدَ قَبْضٍ للثَّمَنْ وبالرِّضَا صَحَّتْ كَفَالَةُ البَدَنْ
في كُلِّ مَنْ حُضُورُهُ اسْتُحِقَّا وكل جُزْءٍ دونَهُ لا يَبْقَى
ومَوْضِعُ المكفُولِ إِن يُعْلَمْ مُهِلْ قَدْرَ ذهابٍ وإِيَابٍ اكْتُمِلْ(1/25)
وإِنْ يَمُتْ أوِ اخْتَفَى لا يَغْرَمُ وبَطَلْت بِشَرْطِ مالٍ يَلْزَمُ
باب الشركة
تَصِحُّ مِمَّن جَوَّزُوا تَصَرُّفَهْ واتَّحَدَ المالانِ جِنسَاً وَصِفَهْ
مِنْ نَقدٍ أو غيرٍوخَلْطٌ ينتَفِي تَمييزُهُ والإِذْنُ في التَّصَرُّفِ
والرِّبْحَ والخُسْرَ اعتَبِرْ تقسِيمَهُ بِقَدْرِ ما لِشَرِكَةٍ بالْقِيمَهْ
فَسْخُ الشَّرِيكِ مُوجِبٌ إِبطَالَهْ والمَوْتُ والإِغمَاءُ كالوَكَالَهْ
باب الوكالة
ما صَحَّ أَنْ يباشِرَ المُوَكِّلُ بنَفسِهِ جازَ بِهِ التَّوَكُّلُ
وجازَ في المعلُومِ مِن وَجهٍ ولا يَصِحُّ إِقْرَارٌ على مَن وَكَّلا
ولَم يَبِعْ مِنْ نَفْسِهِ ولا ابْنِ طِفْلٍ ومجنُونٍ ولَوْ بإِذْنِ
وَهْوَ أمينٌ وبتَفْرِيطٍ ضَمِنْ يُعْزَلُ بالعَزْلِ واِغمَاءٍ وجِنْ
باب الاقرار
وإنَّما يَصِحُّ مَعْ تكليفِ طَوْعَا ولَوْ في مَرَضٍ مَخُوفِ
والرُّشْدِ إِذ إقرارُهُ بالمالِ وصَحَّ الاستِثْنَاءُ باتِّصَالِ
عَنْ حَقِّنَا ليسَ الرُّجُوعُ يُقْبَلُ بَلْ حَقُّ رَبِّي فالرُّجُوعُ أَفْضَلُ
ومَن بمجهُولٍ أَقَرَّ قُبِلا بَيَانُهُ بِكُلِّ ما تَمَوَّلا
باب العارية
تَصِحُّ إِن وَقَّتَهَا أَو أَطلَقَا في عَيْنٍ انْتِفَاعُهَا مَعَ الْبَقَا
يَضْمَنُهَا وَمُؤَنَ الرَّدِّ وفِي سَوْمٍ بقيمَةٍ لِيَوْمِ التَّلَفِ
والنَّسْلُ والدَّرُ بِلا ضَمَانِ والمُسْتَعِيرُ لَمْ يُعِرْ لِثَانِي
فإِنْ يُعِرْ وهَلَكَتْ تحتَ يَدَيْهْ يَضْمَنُهَا ثانٍ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهْ
باب الغَصبْ
يَجِبُ رَدُّهُ وَلَوْ بِنَقْلِهِ وأَرْشُ نَقْصِهِ وأَجْرُ مِثْلِهِ
يُضْمَنُ مِثْلِيٌّ بِمِثْلِهِ تَلِفْ بِنَفْسِهِ أَو مُتْلِفٍ لا يَخْتَلِفْ
وَهْوَ الذي فيهِ أَجَازُوا السَّلَمَا وَحَصْرُهُ بالوَزْنِ والكَيْلِ كَمَا
لافِي مَفَازَةٍ ولاقَاهُ بِيَمْ فِي ذَا وفي مُقَوَّمٍ أَقصَى القِيَمْ
مِنْ غَصْبِهِ لِتَلَفِ الذي انْغَصَبْ مِن نَقْدِ أَرْضٍ تَلَفٌ فيهاغَلَبْ(1/26)
باب الشُّفعة
تَثْبُتُ في المُشَاعِ مِن عَقَارِ مُنْقَسِمٍ مَعْ تابِعِ القَرَارِ
لافي بِنَاءٍ أَرضُهُ مُحْتَكَرَهْ فَهْيَ كمنقُولٍ ولا مُسْتَأْجَرَهْ
يَدْفَعُ مِثلَ ثَمَنٍ أو بَدْلِ قيمَتِهِ انْ بِيْعَ ومَهْرَ مِثْلِ
إِن أُصْدِقَتْ لكِنْ علىالفَوْرِاخْصُص للشُّرَكَا بِقَدْرِمِلْكِ الحِصَصِ
باب القِراض
صَحَّ بإِذْنِ مالِكٍ للعامِلِ في مَتْجَرٍ عُيِّنَ نَقْدُ الحاصِلِ
وأَطْلَقَ التَّصريفَ أو فيما يَعُمْ وُجُودُهُ لا كِشَرا بِنْتٍ وأُمْ
غيرَمُقَدِّرٍ لِمُدَّةِ العَمَلْ كَسَنَةٍ وإِنْ يُعَلِّقْهُ بَطَلْ
مَعْلُومَ جُزءِ رِبحِهِ بينَهُمَا ويُجْبَرُ الخُسْرُ بِرَبْحٍ قَد نَمَا
ويَملِكُ العامِلُ رِبْحَ حِصَّتِهْ بالفَسْخِ والنُّضُوضِ مِثلَ قِسْمَتِهْ
باب المُسَاقاة
صَحَّتْ على أشجَارِ نَخْلٍ أو عِنَبْ إِذ وُقِّتَتْ بِمُدَّةٍ فيها غَلَبْ
تَحصِيلُ رَيْعِهِ بجُزْءٍ عُلِمَا مِن ثَمَرٍ لعامِلٍ وإنَّمَا
عليهِ أعمالٌ تزِيدُ في الثَّمَرْ ومالِكٌ يحفَظُ أصلاً كالشَّجَرْ
إِجَارَةُ الأرضِ بِبَعضِ ما ظَهَرْ مِن رَيْعِهَا عَنهُ نَهَى خَيْرُ البَشَرْ
باب الاجارة
شَرْطُهُمَا كبائِعٍ ومُشْتَرِي بِصَيغَةٍ مِن مُؤْجِرٍ ومُكتَرِي
صِحَّتُهَا إمَّا بأُجْرَةٍ تُرَى أَو عُلِمَتْ في ذِمَّةِ الذي اكْتَرَى
في مَحْضِ نَفْعٍ مَعَ عَيْنٍ بَقِيَتْ مَقدُورَةِ التَّسليمِ شَرْعَاً قُوِّمَتْ
إِنْ قُدِّرَتْ بِمُدِّةٍ أَو عَمَلِ قَدْ عُلِمَا وجَمْعَ ذَيْنِ أَبْطِلِ
تَجُوزُ بالحُلُولِ والتَّأجِيلِ ومُطْلَقُ الأَجْرِ على التَّعجِيلِ
تَبطُلُ إِذ تَتْلَفُ عَيْنٌ مُؤجَرَهْ لا عاقِدٌ لكِنْ بِغَصْبٍ خَيِّرَهْ
والشَّرطُ في إجارَةٍ في الذِّمَمْ تَسليمُهَا في مَجْلِسٍ كالسَّلَمْ
ويَضمَنُ الأَجِيرُ بالعُدوَانِ ويَدُهُ فيها يَدُ ائْتِمَانِ
والأرضُ إِن آجَرَهَا بِمَطعَمِ أَو غيرِهِ صَحَّتْ ولَوْ في الذِّمَمِ(1/27)
لاشَرْطِ جُزءٍ عُلِمَا مِن رَيْعِهِ لزارِعٍ ولا بَقَدْرِ شِبْعِهِ
باب الجُعَالة
صِحَّتُهَا مِن مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِصِيغَةٍ وَهْيَ بأن يَشْرِطَ فِي
رُدُودِ آبِقٍ وَمَا قد شَاكَلَهْ مَعلُومَ قَدْرٍ حازَهُ مَن عَمِلَهْ
وفَسْخُهَا قَبلَ تَمَامِ العَمَلِ مِن جاعِلٍ عليهِ أَجْرُ المِثْلِ
باب احياء المَوَات
يجُوزُ للمُسلمِ إِحيَا ما قَدَرْ إذ لا لِمِلْكِ مُسْلِمٍ بِهِ أَثَرْ
بِمَا لإِحياء عِمَارَةٍ يُعَدْ يَختَلِفُ الحُكمُ بِحَسْبِ مَن قَصَدْ
ومالِكُ البِئرِ أوِ العَيْنِ بَذَلْ على المَوَاشِيِ لا الزُّرُوعِ ما فَضَلْ
والمَعدِنُ الظَّاهِرُ وَهْوَ الخارِجُ جَوهَرُهُ مِن غيرِما يُعالَجُ
كالنَّفطِ والكِبريتِ ثم الْقَارِ وساقِطِ الزُّرُوعِ والثِّمَارِ
باب الوقف
صِحَّتُهُ مِن مالِكٍ تَبَّرَعَا بِكُلِّ عَيْنٍ جازَ أَن يُنْتَفَعَا
بِهَا مَعَ البَقَا مُنَجَّزَاً على موجودٍ انْ تَمْلِيكُهُ تَأَهَّلا
وَوَسَطٌ وَآخِرٌ إِنِ انْقَطَعْ فَهُوَ إلى أَقْرَبِ واقِفٍ رَجَعْ
والشَّرْطُ فيما عَمَّ نَفْيُ المَعصِيَهْ وشَرْطَ لا يُكْرَى اتَّبِعْ والتَّسْوِيَهْ
والضِّدُ والتقدِيمُ والتَّأَخُّرُ ناظِرُهُ يَعْمُرُهُ ويُؤْجِرُ
والوَقْفُ لازِمٌ ومِلْكُ البارِي الوَقْفُ والمَسجِدُ كالأَحرَارِ
باب الهِبَة
تَصِحُّ فيما بَيْعُهُ قَد صَحَّا واسْتَثْنِ نَحوَ حَبَّتَيْنِ قَمحَا
بِصِيغَةٍ وقَوْلِهِ أَعْمَرْتُكَا ما عِشْتُ أَو عُمْرَكَ أَو أَرْقَبْتُكَا
وإنما يَملِكُهُ المُتَّهَبُ بِقَبضِهِ والاِذْنِ مِمَّا يَهَبُ
ولارُجُوعَ بَعدَهُ إلا الأُصُولْ تَرْجِعُ إِذ مِلْكُ الفُرُوعِ لا يَزُولْ
باب الُّلقطة
وأَخْذُهَا للحُرِّ مِن مَوَاتِ أو طُرُقٍ أو مَوْضِعِ الصلاةِ
أَفْضَلُ إذ خِيَانَةً قَد أَمِنَا ولا عليه أَخْذُهَا تَعَيَّنَا
يَعرِفُ مِنها الجِنْسَ والوِعَاءَ وقَدْرَهَا والوَصْفَ والوِكَاءَ(1/28)
وحِفْظُهَا في حِرْزِ مِثلٍ عُرِفَا وإِن يُرِدْ تَملِيكَ نَزْرٍ عَرَّفَا
بِقَدْرِ طالِبٍ وغيرِهِ سَنَهْ ولْيَتَمَلَّكْ إِن يُرِدْ تَضَمُّنَهْ
إِن جاءَ صاحِبٌ وما لَم يَدُمِ كالبَقْلِ باعَهَ وإِن شَا يَطْعَمِ
مَعْ غُرْمِهِ وذُو عِلاجٍ لِلْبَقَا كُرُطَبٍ يَفْعَلُ فيه الأَلْيَقَا
مِن بَيعِهِ رَطْبَاً أوِ التَّجفيفِ وحَرَّمُوا لَقْطَاً مِنَ المَخُوفِ
لِمِلْكِ حيوانٍ مَنُوعٍ مِن أذاهْ بَلِ الذي لا يَحتَمِي منه كَشَاهْ
خَيِّرْهُ بَينِ أَخْذِهِ مَعَ العَلَفْ تَبَرُّعَاً أَو إِذْنِ قاضٍ بالسَّلَفْ
أو باعَهَا وحَفِظَ الأَثْمَانَا أو أَكْلِهَا مُلْتَزِمَاً ضَمَانَا
ولَم يَجِبْ إِفْرَازُهَا والمُلْتَقَطْ في الأُوْلَيَيْنِ فيه تخييرٌ فَقَطْ
باب اللقيط
للعَدْلِ أَن يأخُذَ طِفلا نُبِذَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وحَضْنُهُ كَذَا
وقُوْتُهُ مِن مالِهِ بِمَن قَضَى لِفَقْدِهِ أَشْهَدَ ثم اقْتَرَضَا
عليهِ إِذ يُفْقَدُ بيتُ المالِ والقَرْضَ خُذ مِنه لدَى الكَمَالِ
باب الوديعة
سُنَّ قَبُولُهَا إذا ما أَمِنَا خيانَةً إِن لَم يكُنْ تَعَيَّنَا
عليه حِفْظُهَا بِحِرْزِ المِثْلِ وَهْوَ أمينُ مُودِعٍ في الأَصْلِ
يُقْبَلُ باليمينِ قَوْلُ الرَّدِّ لِمُودِعٍ لا الرَّدُّ بَعدَ الجَحْدِ
وإنَّمَا يَضْمَنُ بالتَّعَدِّي والمَطْلِ في تَخْلِيَةٍ مِن بَعْدِ
طَلَبِهَا مِن غيرِ عُذْرٍ بَيِّنِ وارْتَفَعَتْ بالمَوْتِ والتَّجَنُّنِ
كتاب الفرائض
يُبْدَأُ مِن تِرْكَةِ مَيِّتٍ بِحَقْ كالرَّهْنِ والزَّكَاةِ بالعَيْنِ اعْتَلَقْ
فَمُؤَنُ التَّجهيزِ بالمعروفِ فَدَيْنُهُ ثم الوَصَايا يُوْفِي
مِن ثُلْثِ باقِي الإِرثِ والنَّصِيبُ فَرْضٌ مُقَدَّرٌ أوِ التَّعْصِيبُ
فالفَرْضُ سِتَّةٌ فنِصْفٌ اكْتَمَلْ للبِنْتِ أو لِبِنْتِ الابنِ ما سَفَلْ
والأُختُ مِن أَصْلَيْنِ أو مِنَ الأَب وَهْوَ نَصِيبُ الزوجِ إن لَم يُحْجَبِ(1/29)
بِوَلَدٍ أو وَلَدِ ابْنٍ عُلِمَا والرُّبْعُ فَرْضُ الزوجِ مَعْ فَرْعِهِمَا
وزَوجَةٍ فَمَا عَلا إِن عُدِمَا وَثُمُنٌ لَهُنَّ مَعْ فَرْعِهِمَا
والثُّلُثَانِ فَرْضُ مَن قَد ظَفِرَا بالنِّصفِ مَعْ مِثلٍ لها فأَكْثرَا
والثُّلْثُ فَرْضُ اثْنَيْنِ مِن أولادِ أُمْ فَصَاعِدَاً أُنثَى تُسَاوِي ذكْرَهُمْ
وَهْوَ لأُمِّهِ ِإذا لَم تُحْجَبِ وثُلُثُ ُالباقي لها مَعَ الأَبِ
وأَحَدَ ِالزَّوجَيْنِ والسُّدْسَ حَبَوْا أُمَّاً مَعَ الفَرْعِ وفَرْعِ الإبنِ أَوْ
اثْنَيْنِ مِن أخواتٍ أو مِن إِخْوَةِ والفَرْدَ مِن أولادِ أُمِّ المَيِّتِ
وَجَدَّةً فصاعِدَاً لا مُدْلِيَهْ بِذَكَرٍ مِن بينِ ثِنْتَيْنِ هِيَهْ
وبِنْتَ الابْنِ صاعِدَاً مَعْ بنتِ فَرْدٍ وأُختَاً مِن أبٍ مَعْ أُخْتِ
أَصْلَيْنِ والأَبَ وجَدَّاً ما عَلا مَعْ ولَدٍ أو وَلَدِ ابْنٍ سَفَلا
لأقْرَبِ العَصْبَاتِ بعدَ الفَرْضِ ما يَبْقَى فإِنْ يُفْقَدْ فِكُلاً غَنِمَا
الاِبْنُ بَعْدَهُ ابْنُهُ فأَسفَلا فالأبُ فالجَدُّ لَهُ وإِن عَلا
وإِن يَكُن أولادُ أَصلَيْنِ وأَبْ وزادَ ثُلْثُهُ على قَسْمٍ وَجَبْ
إذ ليسَ فَرْضٌ أو يكونُ رَاقِي بِسُدْسِهِ أو زادَ ثُلْثُ الباقِي
وكانَ في القِسْمَةِ فَرْضٌ وُجِدَا فالجَدُّ يَأخُذُ الأَحَظَّ الأَجوَدَا
ثُمّ اقْسِمِ الحاصِلَ للإِخوَةِ بَيْنْ جُمْلَتِهِم لِذَكَرٍ كَالأُنْثَيَيْنْ
فالأَخِ للأَصلَيْنِ فالنٌّاقِصِ أُمْ فابْنِ أَخِي الأَصْلَيْنِ ثُمَّ الأَصْلِ ثُمْ
العَمِّ فابنِهِ فَعَمٍّ للأَبِ ثُمَّ ابنِهِ فمُعْتِقٍ فالعَصَبِ
ثم لبَيْتِ المالِ إرْثُ الفانِي ثُمَّ ذَوِي الفروضِ لا الزَّوجانِ
بِنَسْبَةِ الفُرُوضِ ثم ذِي الرَّحِمْ قَرَابَةً فَرْضَاً وتَعْصِيبَاً عُدِمْ
وعَصَّبَ الأُختَ أخٌ يُمَاثِلُ وبِنْتَ الاِبْنِ مِثلُهَا والنَّازِلُ
والأُختُ لافَرْضَ مَعَ الجَدِّ لَهَا في غيرِأَكْدَرِيَّةٍ كَمَّلَهَا(1/30)
زَوجٌ وأُمٌّ ثم باقٍ يُورَثُ ثُلْثَاهُ للجَدِّ وأُخْتٌ ثُلُثُ
وكُلَّ جَدَّةٍ فبالأُمِّ احْجُبِ ويُحْجَبُ الأَخُ الشَّقِيقُ بالأَبِ
والاِبْنِ وابْنِهِ وأولادَ الأَبِ بِهِم وبالأَخِ الشَّقِيقِ فاحْجُبِ
وَوَلَدَ الأُمِّ أَبٌ أو جَدُّ وَوَلَدٌ وَوَلَدُ ابْنٍ يَبْدُو
لا يَرِثُ الرَّقِيقُ والمُرتَدُّ وقاتِلٌ كحَاكِمٍ يَحُدُّ
ولا تُوَرِّثْ مُسْلِمَاً مِمَّنْ كَفَرْ ولا مُعَاهَدٍ وحَرْبِيٍّ ظَهَرْ
باب الوصية
تَصِحُّ بالمَجهولِ والمَعدومِ لِجِهَةٍ تُوصَفُ بالعُمُومِ
ليسَتْ بِإِثْمٍ أو لمَوْجُودٍ أَهَلْ لِلْمِلْكِ عندَ مَوْتِهِ كَمَن قَتَلْ
وإنِّمَا تَصِحُّ للوارِثِ إِنْ أَجَازَ باقِي وُرَّثٍ لِمَا دُفِنْ
باب الوصاية
سُنٌّ لتَنْفِيذِ الوَصَايا وَوَفَا دُيُونِهِ إِيصَاءُ حُرٍّ كُلِّفَا
ومِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ أَذِنَا فيهِ على الطفلِ ومَن تَجَنَّنَا
إلى مُكَلَّفٍ يكونُ عَدْلا وأُمُّ الاطْفَالِ بِهَذَا أَوْلَى
كتاب النكاح
سُنَّ لمُحتَاجٍ مُطِيقٍ للأُهَبْ نِكَاحُ بِكْرٍ ذاتِ دِينٍ ونَسَبْ
وجازَ للحُرِّ بأن يَجْمَعَ بَيْنْ أربعةٍ والعبْدُ بينَ زوجَتَيْنْ
وإنما يَنْكِحُ حُرٌّ ذاتَ رِقْ مسلمَةً خَوْفَ الزِّنَا ولَم يُطِقْ
صَدَاقَ حُرَّةٍ وحَرِّمْ مَسَّا مِن رَجُلٍ لامرَأَةٍ لاعِرْسَا
أَو أَمَةٍ وَنَظَرَاً حتى إلى فَرْجٍ ولكِنْ كُرْهُهُ قَد نُقِلا
والمَحْرَمَ انْظُرْ وإِمَاءً زُوِّجَتْ لا بينَ سُرَّةٍ ورُكْبَةٍ بَدَتْ
ومَن يُرِدْ منها النِّكَاحَ نَظَرَا وَجْهَاً وَكَفَّاً باطِنَاً وظاهِرَا
وجازَ للشّاهِدِ أو مَن عامَلا نَظَرُ وَجْهٍ أو يُدَاوِي عِلَلا
أَو يشتَرِيها قَدْرَ حَاجَةٍ نَظَرْ وإِنْ نَجِدْ أُنْثَى فلا يَرَىالذَّكَرْ
ولا يَصِحُّ العَقْدُ إلا بِوَلِي وشاهِدَيْنِ الشَّرْطُ إِسْلامٌ جَلِي
لافِي وَلِيِّ زوجةٍ ذِمِّيَّهْ واشْتُرِطَ التكليفُ والحُرِّيَّهْ(1/31)
ذُكُورَةٌ عَدَالَةٌ في الاعْلان لا سَيِّدٌ لأَمَةٍ وسُلطانْ
وَلِيُّ حُرَّةٍ أَبٌ فالجَدُّ ثُمْ أَخٌ فَكَالعَصْبَاتِ رَتِّبْ إِرْثَهُمْ
فمُعتِقٌ فعَاصِبٌ كالنَّسَبِ فَحَاكِمٌ كَفِسْقِ عَضْلِ الأَقْرَبِ
حَرِّمْ صَرِيحَ خُطْبَةِ المُعْتَدََّْهْ كذا الجَوَابَ لا لِرَبِّ العِدَّهْ
وجَازَ تعريضٌ لِمَن قد بانَتِ ونُكِحَتْ عندَ انْقِضَاءِ العِدَّةِ
والأَب ُوالجَدُّ لبِكْرٍ أَجبَرَا وثَيِّبٌ زواجُهَا تَعَذَّرَا
بِل إذنُها بعد البُلُوغِ قد وَجَبْ وحَرَّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ والنَّسَبْ
لا وَلَدَا يَدْخُلُ في العُمُومَهْ أو وَلَدَ الخَؤُولَةِ المَعلُومَهْ
ومِن صَهَارَةٍ بِعَقدٍ حَرِّمَا زوجاتِ أصلِهِ وفَرْعٍ قَد نَمَا
وأمَّهَاتِ زوجةٍ إذ تُعْلَمُ وبالدُّخُولِ فَرعُهَا مُحَرَّمُ
يَحرُمُ جَمْعُ امرَأَةٍ وأُختِهَا أو عَمَّةِ المَرأَةِ او خالَتِهَا
وبالجُنُونِ والجُذَامِ والبَرَصْ كُلٌّ مِنَ الزوجَيْنِ إِن يَخْتَرْ خَلَصْ
كَرَتَقِهَا أو قَرَنٍ بِخِيرَتِهْ كَمَالَهَا بِجَبِّهِ أو عُنَّتِهْ
يُسَنُّ في العَقْدِ ولَوَ قليلا مَهْرٌ كَنَفْعٍ لَم يَكُن مَجهُولا
لَو لَم يُسَمَّ صَحَّ عَقَدْ ٌوانْحَتَمْ مَهْرٌ بِفَرْضٍ مِنهُما أو مِن حَكَمْ
وإِن يَطَأْ أو ماتَ فَرْدٌ أَوْجِبِ كَمَهْرِ مِثْلِ عَصَبَاتِ النَّسَبِ
وبالطَّلاقِ قبلَ وَطْئِهِ سَقَطْ نِصْفٌ كَمَا إذا تَخَالَعَا يُحَطْ
وحَبْسُهَا لنَفْسِهَا وِفَاقَهَا حتى تَرَاها قَبَضَتْ صَدَاقَهَا
باب وليمة العُرس
وَلِيمَةُ العُرْسِ بِشَاةٍ قد نُدِبْ لَكِنْ إِجَابَةٌ بلا عُذْرٍ تَجِبْ
وإِن أرادَ مَن دَعَاهُ يَأكُلُ فَفِطْرُهُ مِن صَوْمِ نَفْلٍ أَفضَلُ
باب القَسم والنُّشوز
وبينَ زَوْجَاتٍ فَقَسْمٌ حُتِمَا ولَوْ مَرِيضَةً وَرَتْقَا اِنَّمَا
لِغَيرِمَقسُومٍ لَهَا يُغْتَفَرُ دُخُولُهُ في الَّليلِ حيثُ ضَرَرُ(1/32)
وفي النَّهَارِ عندَ حاجَةٍ دَعَتْ كأَنْ يَعُودَهَا إذا ما مَرِضَتْ
وإنَّمَا بِقُرْعَةٍ يُسَافِرُ وَيَبْتَدِي بِبَعْضِهِنَّ الحاضِرُ
والبِكْرُ تَخْتَصُّ بِسَبْعٍ أَوَّلا وَثَيِّبٌ ثَلاثَةً عَلَى الْوِلا
ومَنْ أَمَارَاتِ النُّشُوزِ لَحَظَا مِن زوجَةٍ قَوْلاً وفِعْلاً وَعَظَا
وَلْيَهْجُرَنْ حيثُ النُّشُوزُ حَقَّقَهْ ويَسْقُطُ القَسْمُ لَهَا والنَّفَقَهْ
فإِنْ أَصَرَّتْ جازَ ضَرْبٌ إِن نَجَعْ في غيرِوَجْهٍ مَعْ ضَمَانِ ما وَقَعْ
باب الخُلع
يَصِحُّّ مِن زوجٍ مُكَلَّفٍ بِلا كُرْهٍ بِبَذْلِ عِوَضٍ لَم يُجْهَلا
أَمَّا الذي بالخَمْرِ أَو مَعْ جَهْلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَهْرَ المِثْلِ
تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِهِ ويَمْتَنِعْ طَلاقُهَا ومَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعْ
باب الطلاق
صَرِيحُهُ سَرَّحْتُ أَوْ طَلَّقْتُ خالَعْتُ أو فادَيْتُ أو فارَقْتُ
وكُلُّ لَفْظٍ لِفِرَاقٍ احْتَمَلْ فَهْوَ كِنَايَةٌ بِنَيَّةٍ حَصَلْ
والسُنَّةُ الطَّلاقُ في طُهْرٍ خَلا عَن وَطْئِهِ أَو باخْتِلاعٍ حَصَلا
وَهْوَ لِمَنْ لم تُوطَ أو مَن يَئِسَتْ أو ذاتِ حَمْلٍ لا وَلا أو صَغُرَتْ
للحُرِّ تَطليقُ الثلاثِ تَكْرِمَهْ والعَبْدُ ثِنْتَانِ وَلَوْ مِنَ الأَمَهْ
وإِنَّمَا يَصِحُّ مِن مُكَلَّفِ زَوْجٍ بلا إكْرَاهِ ذِي تَخَوُّفِ
وَلَوْ لِمَنْ في عِدَّةِ الرَّجْعِيَهْ لا إِنْ تَبِنْ بِعِوَضِ العَطِيَّهْ
وَصَحَّ تعليقُ الطَّلاقِ بِصِفَهْ إلا إذا بالمُستَحِيلِ وَصَفَهْ
وصَحَّ الاسْتِثْنَا إذا ما وَصَلَهْ إِن يَنْوِهِ مِن قَبْلِ أَن يُكَمِّلَهْ
باب الرَّجعة
تَثْبُتُ فِي عِدَّةِ تطليقٍ بلا تَعَوُّضٍ إِذ عَدَدٌ لَم يَكْمُلا
وبِانْقِضَا عِدَّتِهَا يُجَدَّدُ ولَم تَحِلَّ إذ يَتِمُّ العَدَدُ
إلا إذا العِدَّةُ مِنهُ تَكْمُلُ ونَكَحَتْ سِوَاهُ ثُم يَدْخُلُ
بِهَا وَبَعدَ وَطْءِ ثانٍ فُورِقَتْ وعِدَّةُ الفُرْقَةِ مِن هذا انْقَضَتْ(1/33)
وليسَ الاِشْهَادُ بِهَا يُعْتَبَرُ نَصَّ عليهِ الأُمُّ والمُخْتَصَرُ
وفي القَدِيمِ لا رُجُوعَ إلا بِشَاهِدَيْنِ قَالَهُ في الاِمْلا
وَهْوَ كَمَا قالَ الرَّبِيعُ آخِرُ قَوْلَيْهِ فالتَّرجِيحُ فيهِ أَجْدَرُ
وَهْوَ على القَوْلَيْنِ مُسْتَحَبُّ وأَعْلِمِ الزوجةَ فَهْوَ نَدْبُ
باب الايلاء
حَلفُهُ ألا يَطَأْ في العُمُرِ زوجتَهُ أوزائِدَاًعَن أَشْهُرِ
أربَعَةٍ فإِنْ مَضَتْ لَهَا الطَّلَبْ بالوَطْءِ في قُبْلٍ وتكفيرٌ وَجَبْ
أو بِطَلاقِهَا فإِنْ أبَاهُمَا طَلَّقَ فَرْدَ طَلْقَةٍ مَن حَكَمَا
باب الِّلعان
قَولُ مُكَلَّفٍ وَلَو مِن ذِمِّي لِعِرْسِهِ أنتَ كَظَهْرِ أُمِّي
أو نَحوِهِ فإِن يَكُن لا يُعْقِبُ طلاقَهَا فعائِدٌ يَجْتَنِبُ
الوَطْءَ كالحائِضِ حتى كَفَّرَا بالعِتْقِ يَنوِي الفَرضَ عَمَّا ظَاهَرَا
رَقَبَةً مؤمِنَةً باللهِ جَلْ سليمَةً عَمَّا يُخِلُّ بالعَمَلْ
إِن لَم يَجِدْ يَصُومُ شَهْرَيْنِ على تَتَابُعٍ اِلا لِعُذْرٍ حَصَلا
وعاجِزٌ سِتِّينَ مُدَّاً مَلَّكَا سِتِّينَ مِسكيناً كَفِطْرَةٍ حَكَى
يقُولُ أرْبَعَاً إِنِ القاضي أَمَرْ إذا زِنَا زوجَتِهِ عنها اشْتَهَرْ
أو أُلْحِقَ الطِّفلُ بِهِ مِنَ الزِّنَا أَشْهَدُ باللهِ لَصَادِقٌ أَنَا
فيما رَمَيْتُهَا بِهِ وَأَنَّا ذا ليس مِنِّي خامِسَاً أَنْ لَعْنَا
عَلَيْهِ مِن خالِقِهِ إِن كَذَبَا يُشِيرُ إِن تَحضُرْ لَهَا مُخَاطِبَا
أَو سُمِّيَتْ وَهْيِ تقولُ أربَعَا أَشْهَدُ باللهِ لَكِذْبَاً ادَّعَى
فيما رمَى وخامِسَاً بالغَضَبِ إِن صادِقَاً فيما رَمَى مِن كَذِبِ
وسُنَّ بالجامِعِ عندَ المِنْبَرِ بِمَجْمَعٍ عَن أربَعٍ لَم يَنْزُرِ
وَخَوَّفَ الحاكِمُ حينَ يُنْهِيهْ الكُلَّ مَعْ وَضْعِ يَدٍ مِن فَوْقِ فِيهْ
وبِلِعَانِهِ انْتَفَى عنهُ النَّسَبْ وَحَدُّهُ لَكِنْ عليها قَد وَجَبْ
وحُرْمَةٌ بينَهُمَا تَأَبَّدَتْ وَشُطِّرَ المَهْرُ وأُخْتٌ حُلِّلَتْ(1/34)
وَبِلِعَانِهَا سُقُوطُ الحَدِّ عَنِ الزِّنَا مِن رَجْمِهَا أو جَلْدِ
باب العِدَّة
لِمَوْتِ زَوجِهَا ولَو مِن قَبْلِ الوَطْءِ باسْتِكمالِ وَضْعِ الحَمْلِ
يُمْكِنُ مِن ذِي عِدَّةٍ فِإِن فُقِدْ فَثُلْثَ عامٍ قَبلَ عَشْرٍ تَسْتَعِدْ
مِنْ حُرَّةٍ وَنِصْفُهَا مِن الأَمَهْ وللطلاقِ بعدَ وَطْءٍ تَمَّمَهْ
بالوَضْعِ إِن يُفْقَدْ فَرُبْعُ السَّنَةِ مِن حُرَّةٍ وَنِصفُهَا مِن أَمَةِ
إِن لم تَحِيضَا أو إِيَاسٌ حَلا لكِنْ بِشَهْرَيْنِ الإِمَاءُ أَوْلَى
ثلاثُ أطهَارٍ لحُرَّةٍ تَحِيضْ والأَمَةُ اثنَانِ لِفَقْدِ التَّبْعِيضْ
لحامِلٍ وذاتِ رَجْعَةٍ مُؤَنْ وذاتُ عِدَّةٍ تُلازِمُ السَّكَنْ
حيثُ الفِرَاقُ لا لِحَاجَةِ الطَّعَامْ وخَوْفِهَا نَفْسَاً ومالاً كانْهِدامْ
ولِلْوَفَاةِ الطِّيبُ والتَّزَيُّنُ يَحْرُمُ كالشَّعْرِ فلَيسَ يُدْهَنُ
باب الاستِبراء
إِن يَطْرَ مِلْكُ أَمَةٍ فَيَحْرُمُ عليهِ الاسْتِمْتَاعُ بَل يستَخْدِمُ
وحَلَّ غيرُالوَطْءِ مِن ذِي سَبْيِ أو هَلَكَ السَّيِّدُ بعدَ الوَطْيِ
قَبلَ زواجِهَا بِوَضْعِ الحامِلِ لَو مِن زِنَاً وَحَيْضَةٍ للحَائِلِ
واسْتَبْرِ ذاتَ أَشْهُرٍ بِشَهْرِ وانْدُبْ لِشَارِي العِرْسِ أَن يَسْتَبْرِي
باب الرَّضاع
مِنَ ابْنَةِ التِّسْعِ لِطِفْل دُونَا حَوْلَيْنِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ هُنَّا
مُفْتَرِقَاتٌ صَيَّرَتْهَا أُمَّهْ وَزَوْجَهَا أَبَاً أَخَاهُ عَمَّهْ
تُثْبِتُ تَحْرِيمَاً كَمَاضٍ في النِّكَاحْ وَنَظَرٌ وَخَلْوَةٌ بِذَا يُبَاحْ
لا تَتَعَدَّى حُرْمَةٌ إلى أُصُولْ طِفْلٍ ولا تَسْرِي لِتَحرِيمِ الفُصُولْ
باب النفقات
مُدَّانِ للزَّوجَةِ فَرْضُ المُوسِرِ إِن مَكَّنَتْ والمُدُّ فْرُض المُعْسِرِ
مُدٌّ ونِصْفٌ مُتَوَسِّطُ اليَدِ مِن حَبِّ قُوْتٍ غالِبٍ في البَلَدِ
والأَدْمُ والَّلحْمُ كَعَادَةِ البَلَدْ وَيُخْدِمُ الرَّفِيعَةَ القَدْرِ أَحَدْ(1/35)
لَهَا خِمَارٌ وقَمِيصٌ ولِبَاسْ بِحَسْبِ عادَةٍ وفي الصَّيْفِ مَدَاسْ
ومِثْلُهُ مَعْ جُبَّةٍ فَصْلَ الشِّتَا واعْتَبِرِ العادَةَ جِنْسَاً ثَبَتَا
وحالَهُ في لِينِهَا وَقُرِّرَا الفَسْخُ بالقاضِي لَهَا إِن أَعْسَرَا
عَنْ قُوْتِهَا أو كِسْوَةٍ أو مَنْزِلِ ثلاثَ أيَّامٍ لأَقْصَى المُهَلِ
والفَسْخُ قبلَ وَطْئِهَا بالمَهْرِ وافْرِضْ كِفَايَةً على ذِي يُسْرِ
لأَصْلٍ اوْ فَرْعٍ لِفَقْرٍ صَحِبَا لا الْفَرْعِ إِن يَبْلُغْ ولا مُكْتَسِبَا
لِدَابَّةٍ قَدْرٌ كَفَاهَا كَالرَّقِيقْ ولا يُكَلِّفَا سِوَى شَيْءٍ يُطِيقْ
باب الحَضانة
وشَرْطُهَا حُرِّيَّةٌ وعَقْلُ مُسلِمَةٌ حيثُ كَذَاكَ الطِّفْلُ
أمينَةٌ وتُرْضِعُ الرَّضِيعَا أُمٌّ فأُمَّهَاتُهَا جَمِيعَا
قُدِّمْنَ فالأَبُ فأُمَّهَاتُ الأَبِ فالجَدُّ فوالِدَاتُ
جَدٍّ فَمَا للأَبَوَيْنِ يُولَدُ وبَعدَهُ الخالاتُ ثُمَّ الوَلَدُ
لِوَلَدٍ للأَبَوَيْنِ فَلأبْ ثُم بَنَاتُ وُلْدِ أُمٍّ انْتَسَبْ
يَتْلُوه فَرْعُ الجَدِّ للأَصْلَيْنِ ثُمْ الفَرْعُ مِن أَبٍ فعَمَّةٌ لأُمْ
فَبِنْتُ خالَةٍ فَبِنْتُ عَمَّهْ فَوُلْدُ عَمٍّ حيثُ إِرْثٌ عَمَّهْ
تُقَدَّمُ الأُنْثَى بِكُلِّ حالِ أَخْوَاتُهُ أَوْلَى مِنَ الأَخْوَالِ
وَوَالِدٌ مُسَافِرٌ لِنُقْلَهْ أَو نَكَحَتْ لِغَيْرِ حاضِنٍ لَهْ
وإِن يُمَيِّزْ وأَبَاهُ اخْتَارَهْ يَأْخُذُهُ وأُمْ لَهَا الزِّيَارَهْ
كتاب الجنايات
فَعَمْدُ مَحْضٍ وَهْوَ قَصْدِ الضَّارِبِ شَخْصَاً بِمَا يَقْتُلُهُ في الغالِبِ
والخَطَأُ الرَّمْيُ لِشَاخِصٍ بِلا قَصْدٍ أَصَابَ بَشَرَاً فَقَتَلا
ومُشْبِهُ العَمْدِ بِأَنْ يَرمِي إلى شَخْصٍ بِمَا في غالِبٍ لَنْ يَقْتُلا
ولَم يَجِبْ قِصَاصُ غيرِالعَمْدِ إِذ يَحْصُلُ الإِزْهَاقُ بالتَّعَدِّي
فَلَوْ عَفَا عنْهُ على أَخْذِ الدِّيَهْ مَن يَسْتَحِقُّ وَجَبَتْ كَمَا هِيَهْ(1/36)
لكِنْ مَعَ التَّغلِيظِ والحُلُولِ ولَوْ بِسُخْطِ قاتِلِ المَقْتُولِ
وفي الخَطَأْ وعَمْدِهِ مُؤَجَّلَهْ ثلاثَ أَعوَامٍ على مَن عَقَلَهْ
وخُفِّفَتْ في الخَطَأِ المَحْضِ كَمَا غُلِّظَ في عَمْدٍ كَمَا تَقَدَّمَا
يَقْتَصُّ في غيرِأَب مِن مَحْرَمِ أو في الشُّهُورِ الحُرْمِ أو في الحَرَمِ
في الحالِ والجَمْعِ بِفَرْدٍ فاقْتُلِ في النَّفْسِ أو في عِضْوِهِ ذِي المَفْصِلِ
إِنْ يَكُنِ القاتِلُ ذا تَكَلُّفِ وأَصْلُ مَن يُجْنَى عليهِ يَنْتَفِي
عنه القِصَاصُ كانْتِفَا مَنْ نَزَلا عنهُ بِكُفْرٍ اوْ بِرِقٍّ حَصَلا
واشْرِطْ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ في المَحَلْ لَم تَنْقَطِعْ صَحِيحَةٌ بِذِي شَلَلْ
ودِيَةٌ في كامِلِ النَّفْسِ مِائِهْ إِبْلٍ فإِنْ غَلَّظْتَهَا فالمُجْزِئَهْ
سِتُّونَ بينَ جَذْعَهٍ وحِقَّهْ وأربَعُونَ ذاتَ حَمْلٍ حِقَّهْ
فإِنْ تُخَفَّفْ فابْنَةُ المَحَاضِ عِشْرُونَ كابْنَةِ الَّلبُونِ المَاضِي
وابْنُ الَّلبُونِ قَدْرُهُا ومِثْلُهَا مِن حِقَّةٍ وَجَذْعَةٍ إِذ كُلُّهَا
مِن إِبِلٍ صِحيحَةٍ سَلِيمَهْ مِن عَيْبِهَا ولانْعِدَامِ قيمَهْ
والنِّصْفُ للأُنْثَى ولِلْكِتَابِي ثُلُثُهَا كَشُبْهَةِ الكِتَابِ
وعابِدُ الشَّمْسِ وذُو التَّمَجُّسِ وعابِدُ الأوثانِ ثُلْثُ الخُمُسِ
قَوِّمْ رَقِيقَاً وجَنِينَ الحُرِّ بِغُرَّةٍ ساوَتْ لِنِصْفِ العُشْرِ
ودِيَةُ الرَّقِيقِ عُشْرٌ غُرِّمَهْ مِنْ قيمَةِ الأُمِّ لِسَيِّدِ الأَمَهْ
في العَقْلِ واللسانِ والتَّكَلُّمِ وذَكَرٍ والصَّوْتِ والتَّطَعُّمِ
وكَمْرَةٍ كَدِيَةِ النَّفْسِ وفِي أُذْنٍ أَوِ اسْتِمَاعِهَا للأَحْرُفِ
واليَدِ والبَطْشِ وشَمِّ المَنْخِرِ وشَفَةٍ والعَيْنِ ثم البَصَرِ
والرِّجْلِ أو مَشْيٍ لَهَا والخُصْيَةِ وأَلْيَةٍ والَّلحْيِ نِصْفُ الدِّيَةِ
وطَبْقَةٍ مِن مارِنٍ أوجائِفَهْ ثُلُثُهَا والجَفْنُ رُبْعُ السَّالِفَهْ(1/37)
لاِصْبَعٍ عُشْرٌ ومِنها الأَنْمُلَهْ ثُلْثٌ وفي بُهْمٍ وفي المُنَقِّلَهْ
والسِّنِّ أو مُوضِحَةٍ وهَاشِمَهْ فنِصْفُ عُشْرِهَا بلا مُخَاصَمَهْ
عُضْوٌ بلا مَنْفَعَةٍ معلومَهْ والجُرْحِ لم يُقَدَّرِ الحُكُومَهْ
في القَتْلِ تَكْفِيرٌ فَفَرْضُ البارِي العِتْقُ ثُم الصَّوْمُ كالظِّهَارِ
باب دعوى الدم
إِن قارَنَتْ دَعوَاهُ لَوْثٌ سُمِعَتْ وَهْوَ قَرِينَةٌ لِظَنٍّ غَلَّبَتْ
يَحلِفُ خمسينَ يميناً مُدَّعِي وَدِيَةُ العَمْدِ على جانٍ دُعِي
فإِن يَكُنْ عَنِ اليَمِينِ امْتَنَعَا حَلَفَهَا الذي عَلَيهِ يُدَّعَى
باب البُغاة
مُخَالِفُو الإمامِ إذ تَأَوَّلُوا شَيئَاً يَسُوغُ وَهْوَ ظَنٌّ باطِلُ
مَعْ شَوْكَةٍ يُمْكِنُهَا المُقَاوَمَهْ لَهُ مَعَ المَنْعِ لأَشْيَا لازِمَهْ
ولَم يُقَاتَل مُدْبِرٌ مِنهُم ولا جَرِيحُهُم ولا أَسِيرٌ حَصَلا
وعِندَ أَمْنِ العَوْدِ إِذ تَفَرَّقُوا عندَ انْقِضَا الحَرْبِ الأَسِيرُ يُطْلَقُ
ومالُهُم يُرَدُّ بعدَ الحَرْبِ في الحالِ واستِعمَالُهُ كَالْغَصْبِ
باب حد الرِّدة
كُفْرُ المُكَلَّفِ اختِيَارَاً ذِي هُدَى ولَوْ لِفَرْضٍ مِنَ صلاةٍ جَحَدَا
وتَجِبُ استِتَابَةٌ لَنْ يُمْهَلا إن لَم يَتُبْ فَوَاجِبٌ أَن يُقْتَلا
وبَعدُ لا يُغْسَلْ ولا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَعْ مُسْلِمِ دَفْنَاً كَلا
مَن دونَ جَحْدٍ عامِدَاً ما صَلَّى عَنْ وَقْتِ جَمُعٍ اسْتَتِبْ فالقَتْلا
بالسَّيْفِ حَدَّاً بَعدَ ذا صَلاتُنَا عَلَيْهِ ثُمَّ الدَّفْنُ فِي قُبُورِنَا
باب حد الزنا
يُرْجَمُ حُرٌّ مُحْصَنٌ بالْوَطْءِ فِي عَقْدٍ صحيحٍ وَهْوَ ذُوتَكَلُّفِ
والبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ لِلْحُرِّ ونَفْيُ عامٍ قَدْرَ ظَعْنِ القَصْرِ
والرِّقُ نِصْفُ الجَلْدِ والتَّغَرُّبِ ودُبُرُ العَبْدِ زِنَاً كَالأَجْنَبِي
ومَنْ أَتَى بَهِيمَةً أو دُبُرَ ا زَوْجَتِهِ أو دُونَ فَرْجٍ عُزِّرَا
باب حد القذف(1/38)
أَوْجِبْ لِرَامٍ بالَّلوَاطَ والزِّنَا جَلْدَ ثمانينَ لِحُرٍّ أَحْصَنَا
وللرَّقِيقِ النِّصْفَ عَرِّفْ مُحْصَنَا مُكَلَّفَاً أَسلَمَ حُرَّاً ما زَنَى
وإِنْ تَقُمْ بَيِّنَهٌ على زِنَاهْ يَسْقُطْ كَأَنْ صَدَّقَ قَذْفَاً أو عَفَاهْ
باب حد السرقة
وَوَاجِبٌ بِسِرْقَةِ المُكَلَّفِ لِغَيْرِ أصْلِهِ وفَرْعٍ ما تَفِي
قيمَتُهُ بِرُبْعِ دينارٍ ذَهَبْ وَلو قُرَاضَةٍ بِغَيْرٍ لَم يُشَبْ
مِن حِرْزِ مِثْلِهِ ولا شُبْهَةَ فيهْ لسارِقٍ كَشِرْكَةٍ أو يَدَّعِيهْ
تُقْطَعُ يُمْنَاهُ مِنَ الكُوعِ فَإِنْ عادَ لَهَا فَرِجْلُهُ اليسارُ مِنْ
مَفْصِلِهَا فَاِنْ يَعُدْ يُسْرَاهُ مِنْ يَدٍ فَاِنْ عادَ فَيُمْنَاهُ فَاِنْ
يَعُدْ فَتَعْزِيزٌ بِغَيْرِ قَتْلِ ويُغْمَسُ القَطْعُ بِزَيْتٍ مَغْلِي
باب حد قاطع الطريق
وقاطِعَ الطَّرِيقَ بالإِرْعَابِ عَزِّرْهُ والآخِذَ للنِّصَابِ
كَفَّ اليَمِينِ اقْطَعْ وَرِجْلَ اليُسْرَى فَاِنْ يَعُدْ كَفَّاً وَرِجْلَ الأُخْرَى
إِنْ يَقْتُلْ أو يَجْرَحْ بِعَمْدٍ يَنْحَتِمْ قَتْلٌ وبالأَخْذِ مَعَ القَتْلِ لَزِمْ
قَتْلٌ فَصَلْبُهُ ثلاثَةً فَاِنْ يَتُوبُ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ حُقِنْ
وُجُوبُ حَدٍّ لا حُقُوقُ آدَمِي وغَيْرَ قَتْلٍ فَرِّقَنْ وَقَدِّمِ
حَقُّ العِبَادِ فالأَخَفَّ مَوْقِعَا فالْأَسْبَقَ الأَسْبَقَ ثُمَّ أَقْرِعَا
باب حد شارب الخمر
يُحَدُّ كامِلٌ بِشُرْبِ مُسْكِرِ بِأَربَعِينَ جَلْدَةً وَعَزِّرِ
إلى ثمانينَ أَجِزْ والعَبْدُ بِنِصْفِهِ وإِنَّمَا يُحَدُّ
إِنْ شَهِدَ العَدْلانِ أَو أَقَرَّا لا نَكْهَةً وإِنْ تَقَايَا خَمْرَا
باب حد الصائِل
ومَنْ على نَفْسٍ يُصُولُ أو طَرَفْ أو بِضْعٍ ادْفَعْ بالأَخَفِّ فالأَخَفْ
والدَّفْعَ أوْجِبْ إِنْ يَكُنْ عَن بُضْعِ لا المالِ واهْدِرْ تالِفَاً بالدَّفْعِ
واضْمَنْ لِمَا تُتْلِفُهُ البَهِيمَهْ في الليلِ لا النَّهَارِ قَدْرَ القِيمَهْ(1/39)
كتاب الجهاد
فَرْضٌ مُؤَكَّدٌ على كُلِّ ذَكَرْ مُكَلَّفٍ أَسْلَمَ حُرٍّ ذِي بَصَرْ
وَصِحَّةٍ يُطِيقُهُ فَاِنْ أَسَرْ رَقَّ النِّسَا وذَا الجُنُونِ والصِّغَرْ
وغَيرُهُمْ رأى الإِمَامُ الأَجوَدَا مِنْ قَتْلٍ أو رِقٍّ ومَنٍّ أو فِدَا
بمالٍ أو أَسْرَى ومالَهُ اعْصِمَا مَنْ قَبْلَ خِيرَةِ الإِمَامِ أَسْلَمَا
وقَبْلَ أَسْرٍ طِفْلَ وُلْدِ النَّسَبِ وما لَهُ واحْكُمْ باِسْلامِ صَبِي
أَسْلَمَ مِن بَعْضِ أُصُولِهِ أَحَدْ أَو إِنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ حينَ انْفَرَدْ
عَنْهُمْ كَذَا الَّلقِيطُ مُسْلِمٌ بِأَنْ يُوجَدَ حيثُ مُسْلِمٌ بِهَا سَكَنْ
باب الغنيمة
يَخْتَصُّ منها قاتِلٌ بالسَّلْبِ وخُمِّسَ الباقِي فخُمْسٌ للنَّبِي
يُصْرَفُ في مَصَالِحٍ ومَن نُسِبْ لِهَاشِمٍ ولأخيهِ المُطَّلِبْ
لِذَكَرٍ أَضْعِفْ ولليَتَامَى بِلا أَبٍ إِن لَم يَرَ احْتِلامَا
والفُقَرَاءِ والمساكينِ كَمَا لابْنِ السَّبِيلِ في الزَّكَاةِ قُدِّمَا
وأربَعُ الأَخماسِ قِسْمُ المالِ لشاهِدِ الوَقْعَةِ في القِتَالِ
لرِاجِلٍ سَهْمٌ كَمَا الثلاثَهْ لفارِسِ ٍإن ماتَ للوِرَاثَهْ
والعَبْدِ والأُنثَى وطِفْلٍ يُغْنِي وكافِرٍ حَضَرَهَا بإِذنِ
إِمَامِنَا سَهْمٌ أَقَلُّ ما بَدَا قَدَّرَهُ الإِمَامُ حيثُ اجْتَهَدَا
والفَيْءُ ما يُؤْخَذُ مِن كُفَّارِ في أَمْنِهِم كالْعُشْرِ فى تُجَّارِ
فخُمْسُهُ كالخُمْسِ مِن غَنِيمَهْ والباقِ لِلْجُنْدِ حَوَوْا تَقْسِيمَهْ
باب الجِزية
وإنَّمَا تُؤْخَذُ مِن حُرٍّ ذَكَرْ مُكَلَّفٌ لَهُ كِتَابٌ اشْتَهَرْ
أوِ المَجُوسِ دونَ مَن تَهَوَّدَا آباؤُهُ مِن بعدِ بِعْثَةِ الهُدَى
أَقَلُّهَا في الحَوْلِ دينارٌ ذَهَبْ وَضِعْفُهُ مِن مُتَوَسِّطِ الرُّتَبْ
وَمِن غَنِيٍّ أربَعٌ إذا قَبِلْ واشْرُطْ ضِيَافَةً لِمَن بِهِم نَزَلْ
ثلاثَةً ويَلْبَسُوا الغِيَارَا أو فَوْقَ ثوبٍ جعَلُوا زُنَّارَا(1/40)
ويَتْرُكُوا رُكُوبَ خَيْلِ حَرْبِنَا ولا يُسَاوُوا المسلمينَ في البِنَا
وانْتَقَضَ العَهْدُ بجِزْيَةٍ مَنَعْ وحُكْمَ شَرْعٍ بِتَمَرُّدٍ دَفَعْ
لاهَرَبٍ بالطَّعنِ في الإسلامِ أوْ فِعْلٍ يَضُرُّ المسلمينَ النَّقْضُ لَوْ
شُرِطَ تَرْكٌ والإمامُ خُيِّرَا فيهِ كَمَا في كامِلٍ قَد أُسِرَا
كتاب الصيد والذبائح
مِن مسلِمٍ وذي كتابٍ حَلَّا لا وَثَنِيٍّ والمَجُوسِ أَصْلَا
والشرطُ فيما حَلَّلُوا إن يُقْدَرِ عليهِ قَطْعُ كُلِّ حَلْقٍ وَمَرِي
حيثُ الحياةُ مُسْتَقَرُّ الحُكْمِ بجارِحٍ لا ظُفُرٍ وعَظْمِ
وغَيرُ مَقدُورٍ عليهِ صَيْدَا أوِ البَعِيرُ نَدَّ أوْ تَرَدَّى
الجَرْحُ إِنْ يُزْهِقْ بِغَيْرِ عَظْمِ أو جَرْحُهُ أو مَوتُهُ بالفَمِّ
إرسالُ كَلْبٍ جارِحٍ أو غَيرِهِ مِن سَبُعٍ مُعَلَّمٍ أو طَيْرِهِ
يطيعُ غيرَمَرَّةٍ إذا ائْتَمَرْ ودونَ أَكْلٍ يَنْتَهِي إِن يَنْزَجِرْ
وإنَّمَا يَحِلُّ صَيْدٌ أَدْرَكَهْ مَيْتَاً أوِ المَذبُوحُ حالَ الحَرَكَهْ
وسُنَّ أَنْ يَقْطَعَ الأوْدَاجَ كَمَا يَنْحَرُ لَبَّةَ البعيرِ قائِمَا
وَوَجِّهِ المذبُوحَ نَحْوَ القِبْلَهْ وقَبْلَ أَنْ تُصَلِّ قُلْ بسمِ اللهْ
باب الأُضحية
وسَمِّ فى أُضْحِيَةٍ وَكَبِّرَا وبالدُّعَاءِ بالقُبُولِ فاجْهَرَا
وَوَقْتُهَا قَدْرُ صلاةِ ركعَتَيْنْ مِنَ الطُّلُوعِ تَنْقَضِي وخُطْبَتَيْنْ
وسُنَّ مِنَ بعدِ ارتفاعِهَا إلى ثلاثةِ التَّشرِيقِ أَنْ تُكَمَّلا
عَن واحِدٍ ضَأْنٌ لَهُ حَوْلٌ كَمَلْ أوْ مَعَزٌ في ثالثِ الحَوْلِ دَخَلْ
كَبَقَرٍ لَكِنْ عنِ السبعِ كَفَتْ وإِبِلٍ خَمْسَ سنينَ اسْتَكْمَلَتْ
ولَمْ تَجُزْ بَيِّنَةُ الهُزَالِ ومَرَضٍ وعَرَجٍ في الحالِ
وناقِصُ الجُزْءِ كبعضِ أُذْنِ أَوْ ذَنَبٍ كَعَوَرٍ في العَيْنِ
أو العَمَى أو قَطْعِ بعضِ الأَلْيَةِ وجازَ نَقْصُ قَرْنِهَا والخُصْيَةِ(1/41)
والفَرْضُ بعضُ الَّلحمِ لَوْ بِنَزْرِ وكُلْ مِنَ المندُوبِ دونَ النَّذْرِ
باب العقيقة
تُسَنُّ في سابِعِهِ واسْمٌ حَسَنْ وحَلْقُ شَعْرٍ والأذَانُ في الأُذُنْ
والشَّاةُ للأُنْثَى وللغُلامِ شاتانِ دونَ الكَسْرِ للعِظَامِ
باب الأطعِمة
يَحِلُّ مِنها طاهِرٌ لِمْن مَلَكْ كَمَيْتَةٍ مِن الجَرَادِ والسَّمَكْ
وما بِمَخْلَبٍ ونابٍ يَقْوَى يَحْرُمُ كالتِّمسَاحِ وابْنِ آوَى
أو نَصِّ تَحْرِيمٍ بِهِ أو يَقْرُبُ مِنهُ كَذَا ما اسْتَخْبَثَتْهُ العَرَبُ
لا ما اسْتَطَابَتْهُ وللمُضْطَرِّ حَلْ مِنْ مَيْتَةٍ ما سَدَّ قُوَّةَ العَمَلْ
باب المسابقة
تَصِحُّ في الدَّوَابِ والسِّهَامِ اِنْ عُلِمَتْ مسافَةُ المَرَامِي
وصِفَةُ الَّرْمِي سَوَاءٌ يُظْهِرُ المالَ شَخْصٌ مِنهُمَا أو آخَرُ
إِنْ أَخرَجَا فَهْوَ قِمَارٌ مِنهُمَا إلا إذا مُحَلِّلٌ بَيْنَهُمَا
ما تَحْتَهُ كُفْءٌ لما تَحْتَيْهِمَا يَغْنَمُ إِن يَسْبِقْهُمَا لَن يَغرَمَا
باب الأيمان
وإنَّمَا تَصِحُّ باسْمِ اللهِ أو صِفَةٍ تَخْتَصُّ بالإِلَهِ
أَوِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ أو نَذْرِ لا الَّلْغِو إِذْ سَبْقُ الِّلَسانِ يَجْرِي
وحالِفٌ لا يفعَلُ الأَمْرَيْنِ لا حِنْثَ بالواحِدِ مِن هَذِيْنِ
ولَيْسَ حانِثَاً إذا ما وَكَلَّا في فِعْلِ ما يَحلِفُ أنْ لا يَفْعَلا
كَفَّارَةُ اليمينِ عِتْقُ رَقَبَهْ مُؤمَنٍة سليمةٍ مِن مَعْيَبَهْ
أوْ عَشْرَةٌ تَمَسْكَنُوا قَد أَدَّى مِن غالِبِ الأقْوَاتِ مُدَّاً مُدَّا
أَوْ كِسْوَةٌ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَهْ ثوبَاً قَبَاءً أَوْ رِدًا أو فَرْوَهْ
وعاجِزٌ صامَ ثلاثَاً كالرَّقِيقْ والأَفْضَلُ الوِلا وجازَ التَّفْرِيقْ
باب النَّذر
يَلْزَمُ بالْتِزَامِهِ لِقُرْبَةِ لا واجِبِ العَيْنِ وذِي الإباحَةِ
بالَّلفْظِ إِن عَلَّقَهُ بِنَعْمَةِ حادِثَةٍ أوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةِ(1/42)
أَوْ نَجَّزَ النَّذْرَ كَلِلَّهِ عَلَيْ صَدَقَةٌ نَذْرُ المَعَاصِي ليسَ شَيْ
ومَنْ يُعَلِّقْ فِعْلَ شَيءٍ بالغَضَبْ أوْ تَرْكِ شيءٍ بالتِزَامِهِ القُرَبْ
إِنْ وُجِدَ المَشروطُ أَلْزِمْ مَنْ حَلَفْ كَفَّارَةَ اليمينِ مثلَ ما سَلَفْ
كَمَا بِهِ أفتَى الإمامُ الشافِعِي وبَعْضُ أصْحَابٍ لَهُ كالرَّافِعِي
أمَّا النَّوَاوِيُّ فقالَ خُيِّرَا ما بينَ تَكْفِيرٍ وما قَد نَذَرَا
ومُطْلَقُ القُرْبَةِ نَذْرٌ لَزِمَا نَذْرُ الصلاةِ ركعتانِ قائِمَا
والعِتْقُ ماكَّفارَةٌ قَد حَصَلا صَدَقَةٌ أَقَلُّ ما تَمَوَّلا
كتاب القضاء
وإنَّمَا يَلِيهُ مُسلِمٌ ذَكَرْ مُكَلَّفٌ حُرٌّ سميعٌ ذو بَصَرْ
ذُو يَقَظَةٍ عَدْلٌ وناطِقٌ وأَنْ يَعْرِفَ أحكامَ الكتابَ والسُّنَنْ
ولُغَةً والخُلْفَ مَعْ إجمَاعِ وطُرْقَ الاِجْتِهَادِ بالأَنوَاعِ
ويُستَحَبُّ كاتِبَاً ويَدْخُلُ بُكْرَةَ الاِثنَيْنِ وَوَسَطَاً يَنْزِلُ
ومَجلِسُ الحُكْمِ يَكُونُ بارِزَا مُتَّسِعَاً مِن وَهْجِ حَرٍّ حاجِزَ ا
يُكْرَهُ بالمسجدِ حيثُ قُصِدَا حُكْمٌ خلافَ مالِكٍ وأحمَدَا
ونَصْبُ بَوَّابٍ وحاجِبٍ بِلا عُذْرٍ وإلا فأمينَاً عاقِلا
وحُكْمُهُ مَعْ ما يُخِلُّ فِكْرَهُ كَغَضَبٍ لِحَظِّ نَفْسٍ يُكْرَهُ
ومَرَضٍ وعَطَشٍ وجُوعِ حَقْنٍ نُعَاسٍ مَلَلٍ وشِبْعِ
حَرٍّ وبَرْدٍ فَرَحٍ وَهَمِّ والقاضِ في ذِي نافِذٌ للحُكْمِ
تَسْوِيَةُ الخَصْمَيْنِ في الإَكرَامِ فَرْضٌ وجازَ الرَّفعُ بالإسلامِ
لكِنْ لَهُ يَجُوزُ رَفْعُ المسلِمِ في مَجْلِسٍ على رِجَالِ الذِّمَمِ
هَدِيَّةُ الخَصْمِ لِمَنْ لم يَعْتَدِ قَبلَ القَضَا حَرِّمْ قَبُولَ ما هُدِي
ولَم يَجُزْ تلقينُ حُجَّةٍ ولا تَعيينُ قَوْمٍ غيرَهُمْ لَن يَقْبَلا
وإنَّمَا يَقبلُ قاضٍ ما كَتَبْ قاضٍ إليهِ حينَ مُدَّعٍ طَلَبْ
بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ شَهِدَا بِمَا حَوَاهُ حينَ خَصْمٌ جَحَدَا(1/43)
ومَن أساءَ أدبَهُ فَيَزْجُرُهْ فإِنْ أَصَرَّ ثانِيَاً يُعَزِّرُهْ
باب القِسمة
يَجْبُرُ حاكِمٌ عليها المُمْتَنِعْ في مُتَشَابِهٍ وتَعديلٍ شُرِعْ
إِن لم يَضُرَّ طالِبٌ للقِسْمَةِ وقَسْمُ رَدٍّ بالرِّضَا والقُرْعَةِ
ويَنْصِبُ الحاكُمُ حُرَّاً ذَكَرَا كُلِّفَ عَدْلاً في الحِسَابِ مَهَرَا
ويُشْرَطُ اثنانِ إذا يُقَوَّمُ وحيثُ لا تقويمَ فَرْدٌ يَقْسِمُ
باب الشَّهادات
وإنَّمَا تُقبَلُ مِمَّن أسلَمَا كُلِّفَ حُرًّا ناطِقَاً قَد عُلِمَا
عَدْلاً على كبيرَةٍ ما أَقدَمَا طَوعَاً ولا صغيرَةٍ مالَزِمَا
أَوْ تابَ مَعْ قرائِنٍ أَنْ قد صَلَحْ والاِخْتِبَارُ سَنَةٌ على الأَصَحْ
مُرُوءَةُ المِثْلِ لَهُ وليسَ جارْ لنَفْسِهِ نَفْعَاً ولا دَافِعَ ضَارْ
أو أَصْلٌ أو فَرْعٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهْ كَمَا على عَدُوِّهِ لَن نَقْبَلَهْ
ويَشهَدُ الأَعمَى ويروِي إِن سَبَقْ تَحَمُّلٌ أو بِمُقِرِّ اعْتَلَقْ
وبِتَسَامُعِ نِكَاحٍ وحِمَامْ وَقْفٍ وِلاءٍ نَسَبٍ بِلا اتِّهَامْ
وللزِّنَا أربَعَةٌ أَن أَدْخَلَهْ في فَرْجِهَا كَمِرْوَدٍ في مُكْحُلَهْ
وغيرِهِ اثنانِ كإقرارِ الزِّنَا ولهِلالِ الصَّومِ عَدْلٌ بَيِّنَا
ورَجُلٌ وامرأتانِ أو رَجُلْ ثم اليمينُ المالُ أو فيما يَؤُلْ
إليهِ كالمُوضِحَةِ التي جُهِلْ تعيينُهَا أو حَقِّ مالٍ كالأَجَلْ
أو سَبَبٍ للمالِ كالاِقَالَةِ والبَيْعِ والضَّمَانِ والحَوَالَةِ
ورَجُلٌ وامرأتانِ أربَعُ نِسَاً لِمَا الرِّجَالُ لا تَطَّلِعُ
عليهِ كالرَّضَاعِ والوِلادَةِ وعَيبِهَا والحَيْضِ والبَكَارَةِ
باب الدعاوَى البيِّنات
إِن تَمَّتِ الدَّعوَى بشيءٍ عُلِمَا سأَلَ قاضٍ خَصمَهُ وحَكَمَا
إِنْ يَعتَرِفْ خَصْمٌ فإِنْ يَجْحَدْ وثَمْ بَيِّنَهٌ بِحَقِّ مُدَّعٍ حَكَمْ
وحيثُ لا بَيِّنَهٌ فالمُدَّعَى عليهِ حَلِّفْ حيثُ مُدَّعٍ دَعَا
فإِن أبَى رُدَّتْ على مَنِ ادَّعَى وباليمينِ يَسْتَحِقُّ المُدَّعَى(1/44)
والمُدَّعِي عَيْنَاً بِها يَنْفَرِدُ أَحَدْهُمَا فَهْيَ لِمَن لَهُ اليَدُ
وحيثُ كانت مَعْهُمَا وشَهِدَتْ بَيِّنَتَانِ حُلِّفَا وَقُسِمَتْ
وَحَلَّفَ الحاكِمُ مَن تَوَجَّهَتْ عليهِ دعوَى في سِوَى حَدٍّ ثَبَتْ
للهِ لا القاضِي ولَو مَعزولا وشاهِدٍ ومُنْكِرِ التَّوكِيلا
بَتَّاً كَمَا أَجَابَ دَعوَى حَلَفَا ونَفْيَ عِلْمٍ فِعْلَ غيرِهِ نَفَى
باب العِتق
َيِصُّح عِتْقٌ مِن مُكَلَّفٍ مَلَكْ صَرِيحُهُ عِتْقٌ وتحريرٌ وفَكْ
رَقَبَةٍ وصَحّ بالكِنَايَهْ بِنِيَّةٍ مِنْهُ كَيَا مَوْلايَهْ
وعِتْقُ جُزْءٍ مِن رَقِيقِهِ سَرَى أوْ شِرْكَةٍ مَعْ غيرِهِ إِنْ أيسَرَا
فاعْتِقْ عليهِ ما بَقِي بقيمَتِهْ في الحالِ والمُعسِرِ قْدْرَ حِصَّتِهْ
ومالِكُ الأُصُولِ والفُرُوعِ يَعتِقُ كالميرَاثِ والمَبِيعِ
لمُعْتِقٍ حَقُّ الوَلاءَ وَجَبَا ثُمَّ لِمَنْ بنَفْسِهِ تَعَصَّبَا
ولَو مَعَ اخْتِلافِ دِينٍ أوجَبَهْ ولا يَصِحُّ بَيعُهُ ولا الهِبَهْ
باب التدبير
كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ دَبَّرْتُكَا أَوْ انتَ حُرٌّ بعدَ مَوتِي ذَلِكَا
يَعْتِقُ بعدَهُ مِن الثُّلْثِ لِمَالْ وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ حيثُ المِلْكُ زالْ
باب الكتابة
اذا كَسُوبٌ ذو أمانَةٍ طَلَبْ مِن غيرِ محجُورٍ عليهِ تُستَحَبْ
وشَرْطُهَا معلومُ مالٍ وأَجَلْ نَجْمَانِ أو أكثَرُ منها لا أَقَلْ
والفَسْخُ للعبدِ متى شاءَ انْفَصَلْ لا سَيِّدٍ إلا إذا عَجْزٌ حَصَلْ
أَجِزْ لَهُ تَصَرُّفَاً كالحُرِّ لا تَبَرُّعَا وخَطَرَاً إذ فَعَلا
وحَطُّ شيءٍ لازِمٌ للمَوْلَى عنهُ وفي النَّجْمِ الأخيرِ أَوْلَى
وَهْوَ رقيقٌ ما بَقِي عليهِ شيءٌ إلى أدائِهِ إليهِ
باب أمَّهات الأولاد
لأَمَةٍ لَهُ تكونُ مِلْكَا أو بَعْضِهَا يوجِبُ عِتْقَ تِلْكَا
بِمَوْتِهِ ونَسْلُهَا بِهِا الْتَحَقْ مِن غيرِهِ مِن بعدِ الاِيلادِ عَتَقْ
مِن رأسِ مالٍ قبلَ دَيْنٍ واكْتُفِي بِوَضْعِ ما فيهِ تَصَوُّرٌ خَفِي(1/45)
جازَ الكِرَا وخِدْمَةٌ جِمَاعُ لاهِبَةٌ والرَّهْنُ وابْتِيَاعُ
ومُولِدٌ بالاخْتِيَارِ جارِيَهْ لِغَيْرِهِ مَنكُوحَةً أو زانِيَهْ
فالنَّسْلُ قِنُّ مالِكٍ والفَرْعُ حُرْ مِن وَطْئِهِ بِشُبْهَةٍ أو حيثُ غُرْ
أو بِشَراءٍ فاسِدٍ فإْن مَلَكْ ذِي بَعْدُ لم تُعْتَقْ عليهِ إِنْ هَلَكْ
لَكِنْ عليهِ قيمَةُ الحُرِّ ثَبَتْ بِحَمْدِ رَبِّي زُبَدُ الفِقْهِ انْتَهَتْ
خاتمة في علم التصوف
مَنْ نَفْسُهُ شريفَةٌ أَبِيَّهْ يَرْبَأُ عن أمورِهِ الدَّنِيَّهْ
ولَم يَزَلْ يَجْنَحُ للمَعَالِي يَسهَرُ في طِلابِهَا الليالِي
ومَن يكونُ عارِفَاً بِرَبِّهِ تَصَوَّرَ ابْتِعَادَهُ مِن قُرْبِهِ
فَخَافَ وارْتَجَى وكانَ صاغِيَا لِمَا يكونُ آمِرَاً أو ناهِيَا
فَكُلَّ ما أَمَرَهُ يَرْتَكِبُ وما نَهَى عَن فِعْلِهِ يَجْتَنِبُ
فصَارَ مَحبُوبَاً لخالِقِ البَشَرْ لَهُ بِهِ سَمْعٌ وبَطْشٌ وبَصَرْ
وكانَ للهِ وَلِيًّا إِن طَلَبْ أعطاهُ ثم زادَهُ مِمَّا أَحَبْ
وقاصِرُ الهِمَّةِ لا يُبَالِي يَجهَلُ فوقَ الجَهلِ كالجُهَّالِ
فَدُونَكَ الصَّلاحَ أو فَسَادَا أو سُخْطَاً او تقريبَاً او إِبْعَادَا
وُزِنْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ كُلَّ خاطِرِ فإن يَكُنْ مأمُورَهُ فَبَادِرِ
ولا تَخَفْ وَسْوَسَةَ الشيطانِ فإنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الرَّحمَنِ
فإن تَخَفْ وُقُوعَهُ منكَ على مَنْهِيِّ وَصْفٍ مثلِ إِعجَابٍ فَلا
وإِنْ يَكُ اسْتِغْفَارُنَا يَفْتَقِرُ لِمِثْلِهِ فاِنَّنَا نَسْتَغْفِرُ
فاعْمَلْ وداوِ العُجْبَ حيثُ يَخْطُرُ مُستَغْفِرَاً فاِنَّهُ يُكَفَّرُ
وإِنْ يَكُنْ مِمَّا نُهِيتَ عنهُ فَهْوَ مِن الشيطانِ فاحْذَرَنْهُ
فإِنْ تَمِلْ إليهِ كُن مستَغْفِرَا مِنْ ذَنْبِهِ عَسَاهُ أَنْ يُكَفَّرَا
فيَغْفِرُ الحديثَ للنَّفْسِ ومَا هَمَّ إذا لَم يَعْمَلْ او تَكَلَّمَا
فجاهِدِ النَّفْسَ بأَنْ لا تَفْعَلا فإِنْ فَعَلْتَ تُبْ وأَقْلِعْ عَجِلا(1/46)
وحيثُ لا تُقْلِعُ لاسْتِلْذَاذِ أو كَسَلٍ يَدعُوكَ باسْتِحْوَاذِ
فاذْكُرْ هُجُومَ هاذِمِ الَّلذَّاتِ وفَجْأَةَ الزَّوَالِ والفَوَاتِ
وأَعْرِضِ التَّوبَةَ وَهْيَ النَّدَمُ على ارْتِكَابِ ما عليكَ يَحْرُمُ
تَحْقِيقُهَا إِقْلاعُهُ في الحالِ وعَزْمُ تَرْكِ العَوْدِ في اسْتِقْبَالِ
وإِنْ تَعَلَّقَتْ بِحَقِّ آدَمِي لابُدَّ مِن تَبْرِئَةٍ للذِّمَمِ
وَوَاجِبٌ إِعلامُهُ إِنْ جَهِلا فاِنْ يَغِبْ فابْعَثْ إليهِ عَجِلا
فإِنْ يَمُتْ فَهْيَ لِوَارِثٍ يُرَى إِن لم يَكُنْ فَأَعْطِهَا للفُقَرَا
مَعْ نِيَّةِ الغُرْمِ لهُ إذا حَضَرْ ومُعْسِرٌ يَنْوِي الأَدَا إذا قَدَرْ
فإِنْ يَمُتْ مِن قبلِها يُرْجَى لَهُ مغفِرَةُ اللهِ بِأَنْ تَنَالَهُ
وإِنْ تَصِحَّ توبَةٌ وانْتَقَضَتْ بالعَوْدِ لا تَضُرُّ صِحَّةً مَضَتْ
وتَجِبُ التوبَةُ مِن صغيرهْ في الحالِ كالوُجُوبِ مِن كبيرهْ
ولَو على ذَنْبٍ سِوَاهُ قَد أَصَرْ لَكِنْ بها يَصفُو عَنِ القلبِ الكَدَرْ
وواجِبٌ في الفِعْلِ إذ تَشَكَّكُ أُمِرْتَ أو نُهِيتَ عنهُ تُمسِكُ
والخيرُ والشَّرُ معاً تَجْدِيدُهُ بِقَدَرِ اللهِ كَمَا يُرِيدُهُ
واللهُ خالِقٌ لِفِعْلِ عبدِهِ بِقُدْرَةٍ قَدَّرَهَا مِن عِنْدِهِ
وَهْوَ الذي أَبْدَعَ فِعْل المُكْتَسِبْ والكَسْبُ للعبدِ مَجَازًا يْنَتَسِبْ
واخْتَلَفُوا فَرُجِّحَ التَّوَكُّلُ وآخرونَ الاكْتِسَابُ أْفْضَلُ
والثالثُ المُختَارُ أَنْ يُفَصَّلا وباخْتِلافِ الناسِ أَن يُنَزَّلا
مَن طاعَةَ اللهِ تعالى آثَرَا لا ساخِطَاً إِن رِزْقُهُ تَعَسَّرَا
ولم يَكُنْ مُسْتَشْرِفَاً للرِّزْقِ مِن أَحَدٍ بَل مِن إِلَهِ الخَلْقِ
فإِنَّ ذا في حَقِّهِ التَّوَكُّلُ أَوْلَى واِلا الاكْتِسَابُ أَفْضَلُ
وطالِبُ التَّجْريدِ وَهْوَ في السَّبَبْ خَفِيُّ شَهْوَةٍ دَعَتْ فَلْيُجْتَنَبْ
وذو تَجَرُّدٍ لأَسْبَابٍ سَأَلْ فَهْوَ الذي عَن ذِرْوَةِ العَزِّ نَزَلْ(1/47)
والحَقُّ أَن تَمْكُثَ حيثُ أنْزَلَكْ حتى يَكُونَ اللهُ عنهُ نَقَلَكْ
قَصْدُ العَدُوِّ تَرْكُ جانِبِ اللهِ في صورَةِ الأَسْبَابِ مِنْكَ أَبْدَاهْ
أَوْ لِتَمَاهُنٍ مَعَ التَّكَاسُلِ أَظْهَرَهُ في صُورَةِ التَّوَكُّلِ
مَنْ وَفَقَّ اللهُ تعالى يُلْهَمُ البَحْثَ عَن هَذَيْنِ ثم يَعْلَمُ
أَنْ لا يكونَ غيرُ ما يشاءُ فَعِلْمُنَا إِنْ لَم يُرِدْ هَبَاءُ
والحمدُ للهِ على الكَمَالِ سائِلَ توفيقٍ لِحُسْنِ حالِ
ثُمَّ الصَّلاةُ والسَّلامُ أَبَدَا على النبيِّ الهاشِمِيِّ أَحْمَدَا
والآلِ والصَّحْبِ ومَنْ لَهُمْ قَفَا وحَسْبُنَا اللهُ تعالَى وَكَفَى(1/48)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فهذا مَتْنُ (منظومة التفسير) للشيخ الأديب المفسر عبدالعزيز الرئيس الزمزمي عز الدين بن علي بن عبدالعزيز بن عبدالسلام بن موسى بن أبي بكر بن أكبر بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود البيضاويُّ الشِّيْرازيُّ الأصلِ ، ثُمَّ المكيُّ الزمزميُّ الشافعي ، المولود بمكة عام 900هـ ، اشتغل جده الأعلى علي بن محمد عندما قدم إلى مكة بِخدمةِ بئر زمزم ، فقيل له الزمزمي.
وقد نشأ عبدالعزيز الزمزمي بمكة ، وتلقى العلم عن علمائها ، وبرع في الفنون العلمية كالتفسير واللغة والأدب ، وله منظومة التفسير ، وشرح مقامات الحريري ، وكتاب في الفتاوى ، وكتاب فيض الجود على حديث شيبتني هود ، وتنبيه ذوي الهمم على مآخذ أبي الطيب من الشعر والحكم. وقد توفي عبدالعزيز الزمزمي سنة 976هـ بِمَكة المكرمة.(1)
وهذه المنظومةُ قد عُنِيَ بِها علماءُ مكةَ المكرمة ، فشرحوها شروحاً عديدة ، وكتبوا عليها حواشٍ مفيدة ، وقد قابلتُ نسخةَ هذه المنظومة على شرحين لها هُما :
1- (نَهج التيسير شرح منظومة الزمزمي في أصول التفسير) للشيخ السيد محسن بن علي بن عبدالرحمن المساوى الحضرمي ، المولود سنة 1323هـ والمتوفى سنة 1354هـ. وهذا الشرح عليه حواشٍ متفرقة طبع منها حاشية الشيخ علوي بن عباس بن عبدالعزيز المالكي ، وحاشية الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي.
2- (التيسير شرح منظومة التفسير) للشيخ محمد يحيى أمان المدرس بمدرسة الفلاح.
__________
(1) انظر : النور السافر للعيدروس 320 ، شذرات الذهب لابن العماد 8/381 ، الأعلام للزركلي 4/23(1/1)
وأرجو أن يفي هذا بحاجة من يريد حفظ هذه المنظومة ، مع مراجعة شروحها ، وأصلها الذي هو كتاب (النُّقَاية) للسيوطي رحمه الله وكتاب التحبير والإتقان له أيضاً ففيهما بسط لمسائل هذه المنظومة. وهناك نظم آخر لِمَتْنِ النقاية لم أطلع عليه للشيخ محمود بن عبدالحق السنباطي الشافعي رحمه الله ، سَمَّاه (روضة المفهوم في نظم نقاية العلوم) ولعله يتيسر الاطلاع عليها ، وموازنتها بمنظومة الزمزمي رحمه الله.
وقد تحريت دقة الضبط في هذه المنظومة قدر الطاقة ، وما أبرئ نفسي من الخطأ ، فمن وجد شيئاً من ذلك فليصلح مشكوراً مأجوراً. وقد ظهر لي انكسار في وزن بعض أبياتها وهي :
1- أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ ، ثُمَّ الفَتْحُ فيْ كُراعِ الغَمِيْمِ يا مَنْ يَقْتَفِيْ
ويستقيم الوزن لو قلت : كُرَيِّعِ الغَمِيمِ يا مَنْ يَقتفي بتصغير كراع.
2- صَيْفِيَّةٌ كآَيِةِ الكَلالَةِ والشِّتَائِيْ كالعَشْرِ في عَائِشَةِ
ويستقيم الوزن بقول : والشَّتَئِيْ بدل الشتائي.
3- حَمْزَةُ والكِسَائِيْ قَدْ أَمَالاَ مَا الياءُ أَصْلُهُ اسْمَاً أَو أَفْعالا
ويبدو لي أن في وزنه خللاً ، وربما يصلح قول :
وحَمْزَةٌ أَمَالَ والكِسائِيْ اسْمَاً وفِعلاً أَصلُهُ بالياءِ
أو : اسْمَاً وفِعلاً مِنْ ذواتِ الياءِ
وهذا الذين صنعته استجابة لقول الناظم رحمه الله:
فَهاكَها مِنِّي لَدى قُصُورِيْ
إِلاَّ إِذا بِخَلَلٍ ظَفِرْتَا ... ولا تَكُنْ بِحَاسِدٍ مَغْرُورِ
فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدِرْتَا
ولم أثبت في النظم تغييراً ، لأن الشروح كلها على عبارات الناظم ، فلزم التقيد بها ، ومن أراد الإصلاح فليكن في الشرح ، أو الحاشية . والله الموفق للصواب ، وأشكر أخي الكريم محمد بلقاسم البكري الذي تكرم بطباعة أصل هذه المنظومة وفقه الله.
عبدالرحمن بن معاضة الشهري
في 27/3/1426هـ(1/2)
منظومة التفسير:
للشيخ الأديب المُفَسِّر
عبد العزيز الزِّمْزِميّ (ت976هـ)
تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ... على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ
مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ ... معَ سَلامٍ دائماً يَغْشَاهُ
وآلِهِ وصَحْبِهِ ، وبَعْدُ ... فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ
ضَمَّنْتُها عِلماً هُوَ التَّفْسِيْرُ ... بِدايةً لِمَنْ بِهِ يَحِيْرُ
أَفْرَدْتُها نَظْمَاً مِن النُّقَايَةْ ... مُهَذِّباً نِظَامَها في غَايَةْ
واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ ... لأنَّهُ الهادِي ومَنْ يُعِيْنُ
حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ:
عِلْمٌ بِهِ يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ... كِتابِنا مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ
ونَحْوِهِ ، بالخَمْسِ والخَمْسِينا... قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
وقَدْ حَوَتْهُ سِتَّةٌ عُقُودُ ... وبَعدَها خاتِمَةٌ تَعُودُ
وقَبْلَها لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ ... بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
مُقَدِّمَةٌ:
فذاكَ مَا عَلى مُحَمَّدٍ نَزَلْ... ومِنْهُ الاعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ
والسُّورَةُ الطائِفَةُ المُتَرْجَمَةْ ... ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ
والآيةُ الطائفةُ المَفْصُولَةْ ... مِنْ كَلِمَاتٍ مِنْهُ، والمَفْضُولَةْ
مِنْهُ على القَولِ لَهُ كَـ«تَبَّتِ» ... والفاضِلُ الَّذْ مِنْهُ فيهِ أَتَتِ
بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ تَحْرُمُ ... قِراءَةٌ وأَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ
كذاكَ بالمَعْنَى ، وأَنْ يُفَسَّرا ... بالرأَيِ لا تَأْوِيْلَهُ فَحَرِّرَا(1/3)
العِقْدُ الأَولُ: ما يَرجعُ إلى النُّزُولِ زَماناً ومكاناً ، وهو اثنا عَشَرَ نوعاً
الأولُ والثاني : المكيُّ والمَدنيُّ
مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ ... والمَدَنِيْ مَا بعدها ، وإِنْ تَسَلْ
فَالمَدَنِيْ أَوَّلَتا القُرْآنِ مَعْ ... أَخِيْرَتَيْهِ ، وكذا الحَجُّ تَبَعْ
مائِدَةٌ ، مَعْ مَا تَلَتْ ، أَنْفَالُ ...براءَةٌ ، والرَّعْدُ ، والقِتَالُ
وتَالِيَاها ، والحَدِيْدُ ، النَّصْرُ ...قِيامَةٌ ، زَلْزَلَةٌ ، والقَدْرُ
والنُّورُ ، والأَحْزَابُ ، والمُجَادِلَةْ ...وَسِرْ إلى التَّحْرِيْمِ وَهْيَ داخِلَةْ
وما عَدا هَذا هُوَ المَكِيُّ ... على الَّذي صَحَّ بهِ المَرْوِيُّ
النَّوعُ الثالثُ والرابعُ : الحَضَرِيُّ والسَّفَرِيُّ
والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ ... مَائِدَةٌ بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ
أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ ، ثُمَّ الفَتْحُ فيْ ...كُراعِ الغَمِيْمِ يا مَنْ يَقْتَفِيْ
وبِمِنَى {اتَّقُوْا} وبعدُ {يَومَاً} ... و{ تُرْجَعونَ } أَوْلِ هذا الخَتْمَا
ويومَ فَتْحٍ{آمَنَ الرَّسُولُ } ... لآخرِ السُّورَةِ يا سَئُولُ
ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ مَعْ ... { هَذَانِ خَصْمَانِ } ومَا بَعْدُ تَبَعْ
إِلى {الحَمِيدِ} ، ثُمَّ { إِنْ عَاقَبْتُمُ ... فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمُ }
بأُحُدٍ ، وعَرَفاتٍ رَسَمُوا ... {اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمُ}
وما ذَكَرْنَا هَا هُنَا اليَسِيْرُ ... والحَضَرِيْ وقُوعُهُ كَثِيْرُ
الخامسُ والسادسُ : الليليُّ والنَّهاريُّ
وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ ... وآيةُ القِبْلَةِ أَيْ {فَوَلِّ}
وقَولُهُ :{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ } ... بَعْدُ {لأَزْوَاجِكَ} والخَتْمُ سَهُلْ
أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ لا الَّتِيْ ... خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ
وآَيةُ {الثَّلاثَةِ الَّذِينَ } ... أَيْ { خُلِّفُوا } بِتَوبَةٍ يَقِينَا
فَهذِهِ بَعْضٌ لِلَيْلِيٍّ عَلى ... أَنَّ الكَثِيْرَ بالنَّهارِ نَزَلا
السابعُ والثامنُ : الصَّيفيُّ والشتائِيُّ
صَيْفِيَّةٌ كآَيِةِ الكَلالَةِ ... والشِّتَائِيْ كالعَشْرِ في عَائِشَةِ
التاسع : الفِراشيُّ
كآَيَةِ الثَّلاثةِ المُقَدَّمَةْ ... في نَوْمِهِ في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ
يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا ... لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا
العاشرُ : أَسبابُ النُّزُولِ
وصَنَّفَ الأَئِمَةُ الأَسْفَارا ... فِيهِ فَيَمِّمْ نَحْوَها اسْتِفْسَارَا
ما فِيهِ يُرْوَى عَنْ صَحابِيٍّ رُفِعْ ... وإِنْ بِغَيْرِ سَنَدٍ فَمُنْقَطِعْ
أَو تَابِعِيْ فَمُرْسَلٌ ، وصَحَّتِ ... أَشْيَا كَما لإِفْكِهِمْ مِنْ قِصَّةِ
والسَّعْيِ والحِجَابِ مِنْ آياتِ ... خَلْفَ المَقَامِ الأَمْرُ بالصَّلاةِ
الحادي عشر : أَولُ ما نَزَلَ
اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ ، فالمُدَّثِّرُ ... أَوَّلُهُ ، والعَكْسُ قَومٌ يَكْثُرُ
أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ ، ثُمَّ البَقَرَةْ ... وقِيْلَ بالعَكْسِ بِدَارِ الهِجْرَةْ
الثاني عشر: آخرُ ما نَزَلَ
وآَيَةُ الكلالَةِ الأَخِيْرَةْ ... قِيْلَ : الرِّبا أَيضاً ، وقِيْلَ : غَيْرَهْ(1/4)
العِقْدُ الثاني : مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ ، وهي ستة أنواع:
النوع الأول ، والثاني ، والثالث : المتواتر ، والآحاد ، والشاذّ
والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا ... فَمُتَواتِرٌ ، ولَيْسَ يُعْمَلُ
بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ ... مَجْرَى التَّفاسِيْرِ ، وإِلاَّ فَادْرِ
قَوْلَيْنِ : إِنْ عَارَضَهُ المَرْفُوعُ ... قَدِّمْهُ ، ذا القَولُ هُوَ المَسْمُوعُ
والثَّانِيُ : الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ ... تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ
والثَّالِثُ : الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ ... مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ واسْتُطِرْ
ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ ... وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ
لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ ... وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ
النوع الرابع : قِراءَاتُ النِّبيِّ صلّى الله عليه و سلم الواردة عنه.
وعَقَدَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ ... بَابَاً لها ، حَيْثُ قَرَا بِمَلِكِ
كذَا الصِّراطُ ، رُهُنٌ ، ونُنْشِزُكذاكَ لا تَجْزِي بِتا يَا مُحْرِزُ
أَيْضاً بِفَتْحِ يَاءِ أَنْ يَغُلاَّ ... والعَيْنُ بِالعَيْنِ بِرَفْعِ الأُوْلَى
دَرَسْتَ ، تَسْتَطيعُ ، مِنْ أَنْفَسِكُمْ ... بِفَتْحِ فَا مَعنَاهُ مِنْ أَعْظَمِكُمْ
أَمَامَهُمْ قَبْلَ مَلِكْ صَالِحَةِ ... بَعْدَ سَفينةٍ وهَذِيْ شَذَّتِ
سَكْرَى ومَا هُمُ بِسَكْرَى أَيْضا ... قُرَّاتُ أَعْيُنٍ لِجَمْعٍ تُمْضَى
واتَّبَعَتْهُمْ بَعْدَ ذُرِّيَتِهِمْ ... رَفارِفَاً عَبَاقِرِيَّ جَمْعُهُمْ(1/5)
النوع الخامس والسادس: الرواةُ والحُفَّاظُ من الصحابة والتابعين الذين اشتهروا بحفظ القرآن وإقرائه
عَليُّ ، عُثْمانُ ، أُبِيٌّ ، زَيْدُ ... ولابنِ مَسعُودٍ بِهذا سَعْدُ
كذا أَبُو زَيْدٍ ، أَبو الدَّرْدا كَذَا ... مُعاذٌ بنُ جَبَلٍ ، وأَخَذَا
عَنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةٍ مَعَ ابْنِ ... عَبَّاسٍ ، ابنُ سَائِبٍ ، والمَعْنِي
بِذَيْنِ عَبْدُ اللهِ ثُمَّ مَنْ شُهِرْ ... مِنْ تَابِعِيٍّ فالَّذِي مِنْهُمْ ذُكِرْ
يَزِيْدُ أَيْ مَنْ أَبُهُ القَعْقَاعُ ... والأَعْرَجُ بنُ هُرْمُزٍ قَدْ شَاعُوا
مُجَاهِدٌ ، عَطَا ، سَعِيْدٌ ، عِكْرِمَةْ ... والحَسَنُ ، الأَسْوَدُ ، زِرٌّ ، عَلْقَمَةْ
كذاكَ مَسْرُوقٌ ، كذا عَبِيْدَةْ ... رُجُوعُ سَبْعةٍ لَهُمْ لا بُدَّهْ(1/6)
العِقْدُ الثالثُ : ما يرجعُ إلى الأَداءِ وهي ستة أنواع:
النوع الأول والثاني : الوقفُ ، والابتداء
والابْتِدا بِهَمْزِ وَصْلٍ قَدْ فَشَا ... وحُكْمُهُ عِنْدَهُمُ كَمَا تَشَا
مِنْ قُبْحٍ ، أَو مِنْ حُسْنٍ ، اوْ تَمَامِ ... أَوِ اكْتِفَا بِحَسَبِ المَقَامِ
وبِالسُّكُونِ قِفْ عَلَى المُحَرَّكَةْ ... وزِيْدَ الاشْمَامُ لِضَمِّ الحَرَكَةْ
والرَّوْمُ فيهِ مِثْلُ كَسْرٍ أُصِّلاَ ... والفَتْحُ ذَانِ عَنْهُ حَتْماً حُظِلاَ
في الها الَّتِي بالتَّاءِ رَسْمَاً خُلْفُ ... وَ وَيْكَأَنَّ لِلكِسَائِيْ وَقْفُ
مِنْهَا عَلَى اليَا ، وأَبُو عَمْرٍو عَلَى ... كَافٍ لَهَا ، وبَعْضُهُمْ قَدْ حَمَلا
وَوَقَفُوا بِلامِ نَحْوِ :{ مَالِ ...هَذا الرَّسُولِ } ما عَدَا المَوَالِيْ
السَّابِقِيْنَ ، فَعَلَى مَا وَقَفُوا ... وَشِبْهِ ذَا المِثَالِ نَحْوَهُ قِفُوا
النوع الثالث : الإمالة
حَمْزَةُ والكِسَائِيْ قَدْ أَمَالاَ ... مَا الياءُ أَصْلُهُ اسْمَاً أَو أَفْعالا
أَنَّى بِمَعْنَى كيفَ مَا بِاليَا رُسِمْ ... حَتَّى إِلى لَدَى عَلَى زَكَى التُزِمْ
إِخْرَاجُها سِوَاهُما لَمْ يُمِلِ ... إِلاَّ بِبَعْضٍ لِمَحَلِّهَا اعْدِلِ
النوع الرابع : المَدُّ
نَوْعانِ مَا يُوصَلُ ، أَو مَا يُفْصَلُ ... وفِيْهِمَا حَمْزَةُ ، وَرْشٌ أَطْوَلُ
فَعَاصِمٌ ، فَبَعْدَهُ ابنُ عَامِرِ ... مَعَ الكِسَائِيْ ، فَأَبُو عَمْرٍو حَرِى
وحَرْفَ مَدٍّ مَكَّنُوا في المُتَّصِلْ ... طُرَّاً ، ولكِنْ خُلْفُهُمْ في المُنْفَصِلْ
النوع الخامس : تَخْفِيفُ الهَمْزِ
نَقْلٌ فَإِسْقَاطٌ وإِبْدالٌ بِمَدّْ ... مِنْ جِنْسِ مَا تَلَتْهُ كَيْفَمَا وَرَدْ
نَحْوُ أَئِنَّا فِيْهِ تَسْهِيْلٌ فَقَطْ ... وَرُبَّ هَمْزٍ في مَواضِعٍ سَقَطْ
وكُلُّ ذَا بِالرَّمْزِ والإِيْمَاءِ ... إِذْ بَسْطُها في كُتُبِ القُرَّاءِ
النوع السادس : الإِدْغامُ
في كِلْمَةٍ أَو كِلْمَتَيْنِ إِنْ دَخَلْ ... حَرْفٌ بِمِثْلٍ هُو الادْغَامُ يُقَلْ
لَكِنْ أَبُو عَمْرٍو بِهَا لَمْ يُدْغِمَا ... إِلاَّ بِمَوضِعَيْنِ نَصَّاً عُلِمَا(1/7)
العِقْدُ الرَّابعُ : ما يرجعُ إلى الألفاظِ ، وهي سبعةٌ :
الأول والثاني : الغَريبُ والمُعَرَّبُ
يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ ... مَا جَاءَ كِالمِشْكاةِ في التَّعْرِيْبِ
أَوَّاهُ ، والسِّجِلُّ ، ثُمَّ الكِفْلُ ... كذلكَ القِسْطاسُ وهوَ العَدْلُ
وهَذهِ ونَحوَهَا قَدْ أَنْكَرَا ... جُمْهُورُهُمْ بالوِفْقِ قالوا : إِحْذَرا
النوع الثالث : المَجازُ
مِنْها اختصارُ الحَذْفِ ، تَرْكُ الخَبَرِ ... والفَرْدُ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ
واحدُها مِنَ المُثَنَّى والَّذِيْ ... عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ أَوْ عَكْسُ ذِيْ
سَبَبٌ التِفَاتٌ التَّكْرِيْرُ ... زِيادَةٌ ، تَقْدِيْمٌ ، أَوْ تَأْخِيْرُ
النوع الرابع : المشترك
قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى جَرَى ... تَوَّابٌ الْغَيُّ مُضَارِعٌ وَرَا
النوع الخامس: المترادف
مِنْ ذَاكَ مَا قَدْ جَاءَ كالإِنْسَانِ ... وبَشَرٍ في مُحْكَمِ القُرآنِ
والبَحْرِ واليَمِّ ، كذا العَذابُ ... رِجْسٌ ورِجْزٌ جَاءَ يَا أَوَّابُ
النوع السادس : الاستعارة
وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ ... وذَاكَ كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ
فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ كَمِثْلِ ... هَذَيْنِ مَا جَاءَ كَسَلْخِ اللَّيْلِ
النوع السابع : التشبيه
وَما عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلاَّ ... مَعْ غَيْرِهِ التَّشْبِيهُ حيثُ حَلاَّ
والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ ... أَدَاتِهِ وهُوَ كَثِيْرٌ وَقَعَا(1/8)
العِقْدُ الخامس: ما يرجعُ إلى مباحثِ المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشر نوعاً:
النوع الأول : العامُّ الباقي على عُمومِه
وَعَزَّ إِلاَّ قَولَهُ : { واللهٌ ... بِكُلِّ شَيءٍ } أَيْ عَلِيْمٌ ذَا هُوْ
وقَولَهُ :{ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسِ ... واحِدَةٍ } فَخُذْهُ دُونَ لَبْسِ
النوع الثاني والثالث : العامُّ المخصوص ، والعامُّ الذي أُرِيدَ به الخُصوصُ
وَأَوَّلٌ شَاعَ لِمَنْ أَقَاسَا ... والثَّانِ نَحْوُ يَحْسُدُونَ النَّاسَا
وَأَوَّلٌ حَقِيْقَةٌ ، والثَّانِيْ ... مَجَازٌ الفَرْقُ لِمَنْ يُعَانِيْ
قَرِيْنَةُ الثَّانِيْ تُرَى عَقْلِيَّةْ ... وَأَوَّلٌ قَطْعاً تُرَى لَفْظِيَّةْ
والثَّانِ جَازَ أَنْ يُرَادَ الوَاحِدُ ... فِيْهِ وَأَوَّلٌ لِهذَا فَاقِدُ
النوع الرابع :ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ
تَخْصِيْصُهُ بِسُنَّةٍ قَدْ وَقَعَا ... فلا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا
آحَادُهَا وغَيْرُها سَواءُ ... فَبِالْعَرَايَا خُصَّتِ الرِّبَاءُ
النوعُ الخامسُ: ما خُصَّ به مِن السنَّةِ
وعَزَّ لَمْ يُوْجَدْ سِوَى أَرْبَعَةِ ... كآَيَةِ الأَصْوَافِ أَوْ كَالجِزْيَةِ
والصَّلَواتِ حَافِظُوا عَلَيْهَا ... والعَامِلِيْنَ ضُمَّهَا إِلَيْهَا
حَدِيثُ مَا أُبِيْنَ في أُولاهَا ... خُصَّ وأَيْضاً خَصَّ ما تَلاهَا
لِقَولِهِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلا ...مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَرَدْتُ قَابِلا
وخَصَّتِ البَاقِيَةُ النَّهْيَ عَنِ ... حِلِّ الصَّلاةِ ، والزَّكاةِ لِلْغَنِيْ(1/9)
النوع السادس :المُجْمَلُ
مَا لَمْ يَكُنْ بِوَاضحِ الدَّلالَةِ ... كالقُرْءِ إِذْ بَيَانُهُ بالآَيَةِ
النوعُ السابعُ : المُؤَوَّلُ
عَنْ ظَاهِرٍ مَا بِالدَّلِيلِ نُزِلا ... كاليَدِ للهِ هُوَ الَّلذْ أُوِّلا
النوع الثامن : المفهوم
مُوافِقٌ مَنْطُوقَهُ كأُفِّ ... ومِنْهُ ذُو تَخَالُفٍ في الوَصْفِ
ومِثْلُ ذَا شَرْطٌ وغَايَةٌ عَدَدْ ...نَبَأُ الفَاسِقِ لِلْوَصفِ وَرَدْ
والشَّرْطُ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلِ ... وغَايَةٌ جَاءَتْ بِنَفْيِ حِلِّ
لِزَوْجِهَا قَبْلَ نِكَاحِ غَيْرِهِوَ ... وَكالثَّمَانِينَ لِعَدٍّ أَجْرِهِ
التاسع والعاشر: المُطْلَقُ والمُقَيَّدُ
وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا ... أَمْكَنَ فَالحُكْمُ لَهُ قَدْ أُخِذَا
كالقَتْلِ ، والظِّهَارِ حَيْثُ قَيَّدَتْ ... أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ إِذْ وَرَدَتْ
وحَيْثُ لا يُمْكِنُ كالقَضاءِ في ... شَهْرِ الصِّيَامِ حُكْمَهُ لا تَقْتَفِي
النوع الحادي عشر والثاني عشر: النَّاسِخُ والمنسوخُ
كَمْ صَنَّفُوا في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ ... واشْتَهَرَتْ في الضَّخْمِ والإِكْثَارِ
ونَاسِخٌ مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ أَتَى ... تَرْتِيْبُهُ إِلاَّ الذي قَدْ ثَبَتَا
مِنْ آَيَةِ العِدَّةِ لا يَحِلُّ ... لكَ النِّساءُ صَحَّ فيهِ النَّقْلُ
والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ ولِلتِّلاوَةِ ... أَوْ بِهِما ، كَآَيَةِ الرِّضَاعَةِ
النوع الثالث عشر والرابع عشر: المعمولُ بهِ مُدةً معينةً ، وما عَملَ به واحدٌ
كآَيَةِ النَّجْوَى الذي لَمْ يَعْمَلِ ... مِنهُمْ بِها مُذْ نَزَلَتْ إِلاَّ عَليْ
وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ تَماما ... وقِيْلَ : لا ، بَلْ عَشْرَةٌ أَيَّامَا(1/10)
العِقْدُ السادسُ: ما يرجعُ إلى المعاني المُتعَلِّقَةِ بالألفاظِ ، وهيَ سِتَّةٌ:
النوعُ الأولُ والثاني : الفَصلُ والوَصْلُ
الفَصْلُ والوَصْلُ وفي المَعَانِيْ ... بَحْثُهُما ومِنْهُ يُطْلَبانِ
مِثَالُ أَوَّلٍ إِذا خَلَوا إِلى ... آَخِرِها وذَاكَ حَيْثُ فُصِلا
مَا بَعْدَها عَنْهَا وتِلكَ اللهُ ... إِذْ فُصِلَتْ عَنهَا كَمَا تَرَاهُ
وإِنَّ الابْرَارَ لَفِي نَعِيمِ ... في الوَصْلِ والفُجَّارَ في جَحِيْمِ
النوع الثالث والرابع والخامس: الإيجازُ والإطنابُ والمُساواةُ
وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ قُلْ ... مِثالُ الايْجَازِ ولا تَخْفَى المُثُلْ
لِمَا بَقِي كـ{ لا يَحِيْقُ المَكْرُ } ... ولكَ فيْ إِكْمَالِ هَذي أَجْرُ
نَحْوُ { أَلَمْ أَقُلْ لَكَ } الإِطْنَابُ ... وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ
النوع السادس: القَصْرُ
وذاكَ في المَعانِ بَحْثُهُ كـ{ مَا ... مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسولٌ } عُلِمَا(1/11)
الخَاتِمَةُ
اشتملت على أربعة أنواعٍ : الأسماءُ ، والكُنَى ، والأَلقابُ ، والمُبْهَماتُ
أَسْماءُ الأنبياءِ
إِسْحاقُ ، يُوسفُ ، ولُوطٌ ، عِيْسَى ... هُوْدٌ ، وصَالِحٌ ، شُعَيْبٌ ، مُوسَى
هَارُونُ ، دَاودُ ، ابْنُهُ ، أَيَّوبُ ... ذُو الكِفْلِ ، يُونُسُ ، كَذَا يَعْقُوبُ
آَدَمُ ، إِدْرِيسُ ، ونُوحٌ ، يَحْيَى ... واليَسْعُ ، إِبْراهيمُ أَيضاً إِلْيَا
وزَكَرِيَّا أَيضاً اسْمَاعِيلُ ... وجاءَ في مُحَمَّدٍ تَكْمِيلُ
أَسْماءُ الملائكةِ
هَارُوتُ ، مَارُوتُ وجِبْرَائِيْلُ ... قَعِيْدٌ ، السِّجِلُّ ، مِيْكَائِيْلُ
أَسْماءُ غَيْرِهِمْ ، والكُنَى ، والأَلقابُ
لُقْمَانُ ، تُبَّعٌ ، كَذَا طَالُوتُ ... إِبْلِيسُ قَارُونُ كَذا جَالُوتُ
ومَرْيَمٌ ، عِمْرَانُ أَيْ أَبُوهَا ... أَيضاً كَذَا هَارونُ أَيْ أَخُوهَا
مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ مِنْ صِحَابٍ عَزَّا ... ثُمَّ الكُنَى فِيهِ كَعَبْدِ العُزَّى
كَنَّى أَبَا لَهَبٍ ، الأَلْقَابُ ... قَدْ جَاءَ ذُو القَرْنَيْنِ يا أَوَّابُ
وإِسْمُهُ إِسْكَنْدَرُ ، المَسِيْحُ ... عِيْسَى ، وذَا مِنْ أَجْلِ مَا يَسِيْحُ
فِرْعَونُ ذَا الوَلِيْدُ ، ثُمَّ المُبْهَمُ ... مِنْ آَلِ فِرْعَونَ الذي قَدْ يَكْتُمُ
إِيْمَانَهُ وإِسْمُهُ حِزْقِيْلُ ... ومَنْ عَلى يَاسِيْنَ قَدْ يُحِيْلُ
أَعْنِيْ الذي يَسْعَى اسْمُهُ حَبِيْبُ ... ويَوشَعُ بنُ نُونَ يَا لَبِيْبُ
وهُوَ فَتَى مُوسى لَدَى السَّفِيْنَةْ ... ومَنْ هُمَا في سُورَةِ المَائِدَةِ
كالبُ مَعْ يُوشَعَ أُمُّ مُوسَى ... يِوْحَانِذُ اسْمُها كُفِيْتَ البُوسَا
ومَنْ هُوَ العَبْدُ لَدى الكَهْفِ الخَضِرْ ... ومَنْ لَهُ الدَّمُ لَدَيْها قَدْ هُدِرْ
أَعْنِي الغُلامَ وهُوَ حَيْسُورُ المَلِكْ ... في قَولِهِ: ?كانَ وَراءَهُمْ مَلِكْ?
هُدَدُ ، والصَّاحِبُ لِلرَّسُولِ في ... غَارٍ هُوَ الصِّدِّيقُ أَعْنِي المُقْتَفِي
إِطْفِيْرٌ العَزِيْزُ ، أَو قِطْفِيْرُ ... ومُبْهَمٌ وُرُودُهُ كَثِيْرُ
وكادَ أَنْ يَسْتَوعِبَ التَّحْبِيْرُ ... جَمِيعَهَا فَاقْصِدْهُ يَا نِحْرِيْرُ
فَهاكَها مِنِّي لَدى قُصُورِيْ ... ولا تَكُنْ بِحَاسِدٍ مَغْرُورِ
إِلاَّ إِذا بِخَلَلٍ ظَفِرْتَا ... فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدِرْتَا
وَوَجَبَتْ مِنْ بَعْدِ ذا صَلاتِيْ ... عَلى النَّبِيْ وآَلِهِ الهُدَاةِ
وصَحْبِهِ مُعَمِّماً أَتْبَاعَهْ ... على الهُدَى إِلى قِيامِ السَّاعَةْ(1/12)
منظومة الصبان
لأبي العرفان محمد بن علي الصبان
( 1206 هـ )
* * * * * * * *
صِلُوا صَحِيحَ غَرَامٍ صَبْرُهُ ضَعُفاَ ... وَبَدِّلُوا قَطْعَ مَنْ في حُسْنِكُمْ شُغِفَا
وَارْثُوا لحَالِ عَلِيلٍ في مَحَبَّتِكُمْ ... وأنْحُوا غرِيباً عَلَى أبوابِكُمْ وَقَفَا
صَب تَفرَّدَ في الْعُشَّاقِ مَا رُفِعَتْ ... عَنْهُ الْهُمُومُ وَلاَ عَنه الضَّنى صُرِفا
لَهُ مِنَ الْبُعْدِ وَجْدٌ نَارُهُ اشْتَعَلَتْ ... بيْن الضلُوعِ عُضَالٌ عَزَّ مِنْهُ شِفَا
وَمُرْسَلٌ مِنْ دُمُوعٍ غَيْرُ مُنْقَطِعِ ... قَدْ سَلْسَلَتْهُ جُفُوني فِيكُمُ شَغَفَا
أبْهَمْتُ مِنْ عُذَّلِي دَمْعِي فَعَانَدَنِي ... دَمْعِي وَأشْهَرَهُ لِلنَاسِ فَانْصَرَفَا
رَامَ الْعَذُولُ انْقِلاَبِي عَنْ مَحَبَّتِهِمْ ... شَذَّيْتَ يَا عَاذِلِيّ شَذَّيْتَ فَانْصَرِفا
دَعْنِي عَذُولِيَ لاَ تَطْلُبْ مُعَارَضتِي ... فَلَيسَ قَلْبِي عَنِ الأحْبَابِ مُنْصَرِفا
وَلَسْتُ أسْمَعُ تَدْلِيسَ الْعَذُولِ وّلاَ ... أصْغَى لِتَدْبيجِ وَاشٍ فِيهِمُ هتَفَا
أنَا المُحِبُّ وَلَوْ أدْرِجْتُ في كَفَنِ ... أنَا الَّذِي لَمْ يَزَلْ بِالْعِشْقِ مُتَّصِفا
لا يُنكِرُ الحُبَّ إلا جَاهِلُوهُ وَلاَ ... مُعَنْعَنَ الْعِشْق إلاَّ غَيْرُ مَنْ عَرَفَا
أتْرُك سَبِيِلي وَدَعْنِي يَا عَذُولُ أمُتْ ... في حُبِّ مَنْ يُسْنِدُ الْمِسْكِينَ وَالضُّعَفَا
( مُحَمَّدٌ ) سَيّدُ الْكَوْنَيْنِ مَنْ وُضِعَتْ ... كُلُّ المَكارِمِ فِيهِ أشْرَفُ الشُّرَفا
صَلَّى عَلَيْهِ إِلَهُ الخَلْقِ مَا اضْطَرَبتْ ... مِنَ النَوَى مُهَجٌ لَمْ تَنْتَسِخْ شغَفَا
وَالآلِ وَالصَّحْبِ وَالأتْبَاعِ مَا عَلِقتْ ... صَبَابةٌ بِفُؤادٍ خَالَطَ الْكَلَفَا
وَمَا ( مُحمَّدٌ الصبُانُ ) أنْشَدَكُمْ ... صِلُوا صَحِيحَ غَرامٍ صَبْرُهُ ضَعُفَا(1/1)
منظومة الطبلاوي في الاستعارة
لمنْصور بن ناصر الدين الطبلاوي
( المتوفي سنة 1014 هـ )
* * * * * * *
يقُولُ سِبْطُ النَّاصِرِ الطبْلاَوِي ... مَنْصُورٌ الرَّاجِي الجِنَانَ الثَّاوِي
الحْمدُ لِلّهِ عَلَى التَّوْفيقِ ... …الْكَامِلِ الْبَيَانِ وَالتَّحْقِيقِ
وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ... …عَلَى النَّبِيِّ المَبْدَإِ الختَامِ
وَالآلِ وَالصَّحْبِ ذَوِي الخَفَارَهْ ... هَذَا وَقَدْ نَظَمْتُ الاسْتِعَارَهْ
مُلَخِّصاً أَقْسَامَهَا وَحُكْمَهَا ... فِي هَذِهِ الأَبْيَاتِ فَاحْفَظَ نظْمَهَا
إعْلَمْ أَخِي لَك الإِلَهُ أَرْشَدَا ... إِلَى الْهُدَى أنَّ المَجَار المُفْرَدَا
أَعْنِي بِذَاكَ الكِلْمَةَ المُسْتَعْمَلَهْ ... فِي غيْرِ مَغنىً وُضِعَتْ أَيْ تِلْك لَهْ
فِي الاصْطِلاَحِ لِعَلاَقَةٍ مَعاً ... قَرِينَةٍ مَعْهَا الحَقِيقيِ امْتَنَعَا
إِنْ كَانَتِ العَلاَقَةُ المُشَابَهَهْ ... فَهْيَ اسْتِعَارَةٌ لِمَعْنىً شَابَهَهْ
أَو غَيرَهَا فَهْيَ المَجَازُ المُرْسَلُ ... وَتِلْكَ قِسمانِ كَمَا قَدْ فَصَّلُوا
أَصْلِيَّةٌ فِي اسْمٍ لِجْنسٍ قَدْ جَرَتْ ... وَتَّبَعيَّةٌ بَغِيْرِهِ أَتتْ
أَعْنِي بِهِ الحَرْفَ وَذَا اشْتِقَاقِ ... وَالْقِسْمُ هَذَا لَيْسَ بِاتِّفَاقِ
ثُمَّ الِّذِي بِهِ اسْتُعِيرَ قدْ قُسمْ ... إِلَى كَلاَمٍ بِتَحقُّق وُسِمْ
أَوْ بِتَوَهُّمٍ فَتَحْقيقيَّهْ ... …ذَاكَ وَهَذَا سَمِّ تَخْيِيليَّهْ
وَالثالِثُ الَّذِي بِهِ احْتمالُ ... …وَالاِسْتِعَارَاتُ لهَا أَحْوَالُ
فتَارَةً يُوجَدُ مَا يُلاَيِمُ ... …وَتَارَةً لاَ يُوجَدُ المُلاَيِمُ
فَهَذِهِ مُطْلَقَة نُسَمِّي ... …نَحْوُ رَأيْتُ أَسَداً مَعْ يَرْمِي
وَذَاكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وُجِدْ ... فِي المُسْتَعَارِ مِنْهُ أَوْ لَهُ يَرِدْ
فَذَاتُ تَرْشِيحٍ هَيَ الأُولى وَقَدْ ... جَاءَ رَأَيْتُ أَسَداً لَهُ لِبَدْ(1/1)
وَذَاتُ تَجْرِيدٍ تُسَمَّى الثَّانِيَهْ ... وَهْيَ بَلاَغَةً لِتَيْنِ تَالِيَهْ
وَالأَبْلَغُ التَّرْشِيحُ إِنْ يَبْقىَ عَلَى ... حَقِيقَةٍ وَلاِسْتِعَارَةٍ تَلاَ
قَصْدُ تَقَوِّيَها بِهِ قَدْ تَمَّا ... …وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَعَاراً مِمَّا
يُلاَئمُ الَّذِي بِهِ قَدْ شُبِّهَا ... …أَعْنِي لِمَا يُلاَئمُ المُشَبَّهَا
يَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ عَلاَ ... وَاعْتَصِمُوا بَلِ المَجَازَ المُرْسَلاَ
فَصْلٌ فِي المَجَازِ المُرَكَّبِ
مُرَكَّبُ المَجَازِ مِثْلُ المُفْرَدِ ... فِي ذَلِك المَعْنَى فَإِنْ لَمْ تُوجَدِ
فِيهِ عَلاَقَةٌ هِيَ المُشَابَهَهْ ... …لَيْسَ اسْتِعَارَةٌ فَمَا قَدْ شَابَهَهْ
فَإنْ تَكُنْ فَتِلْكَ تَمْثِيليَّهْ ... …وَهْيَ عَلَى تِلْك لَهَا مَزِيَّهْ
فَصْلٌ : فِي تحْقِيقِ مَعْنَى الاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايةِ
إِنْ وُجدَ التَّشْبيهُ ثُمَّ مَا ذُكِرْ ... مَعْهُ سِوَى مُشَبَّهٍ مِمَّا اعْتُبِرْ
وَمَا مُشَبَّهٌ بِهِ خُصَّ وُجِدْ ... فيهِ فَذَا استِعَارَةٌ وِهْيَ تَرِدْ
مَكْنِيَّةً بْالاِتِّفَاقِ مِنْهُمُ ... …لَكِنَّ فِي المعْنَى خِلاَفاً عَنْهُمُ
فَالْمُستَعَارُ عِنْدَمَا تَقَدَّما ... …لَفْظٌ مُشَبَّهٌ بِهِ يَجْرِي لِمَا
شُبِّهَ فِي النَّفْسِ لَهُ أُشِيرَا ... …بِذِكْرِ لازِمٍ وَلَوْ تَقْدِيرَا
فِي النَّظْمِ وَالمُخْتَارُ فِي الإِنْصَافِ …هذَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الكَشَّافِ
وَقِيلَ تَشْبِيهٌ بِنَفْسٍ مُضْمَرُ ... وَهْوَ عَنِ الخَطِيبِ أَيْضاً يُذْكَرُ
وَبَعْضُهُمْ كَلاَمُهُ قَدْ أَشْعَرَا ... بِأَنَّهُ المُشَبَّهُ الَّذِي جَرَى
فِيما بِهِ شُبِّهَ بِادِّعَاءِ ... …عَيْنيّةٍ وَالإِسْمُ ذُو خَفَاءِ
وَجَازَ فِي الْكَلاَمِ أَنْ تَجْتَمِعَا ... مَكْنِيَّةٌ وَ ذَاتُ تَصْرِيحٍ مَعَا(1/2)
فَصْلٌ: فِي تَحْقِيق قَرِينَةِ الاِستِعَارَةِ المَكْنِيّهِ وَمَا مَعَهَا
إِنَّ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ المُشَبَّهَا ... مِمَّا يَخُصُّ مَا بِهِ قَدْ شُبِّهَا
مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا لَهُ قَدْ وضِعَا ... وَفِي ثُبُوتِهِ مَجَازٌ وَقَعَا
وَذاتُ تَخْييلٍ فَسَمِّيَنْهَا ... …وَلْيَس لِلْمَكْنِي انْفِكاكٌ عَنْهَا
وَجَازَ عِنْدَ صَاحبِ الْكَشَّافِ أَنْ ... تَكُونَ تَحْقِيقيَّةً وَمَثَّلَنْ
بِآيَةِ الَّذِينَ يَنْقَضُونَ ... …وَثَمَّ غَيْرُ ذَاكَ يَنْقُلُونَا
وَاخْتِيَر فِي قَرِينَةِ المَكْنِيَّهْ ... إِذَا انْتَفىَ التَّابِعُ بِالْكُلِّيَّهْ
أَي تَابِعٌ يُشْبِهُ مَا قَدْ رَدِفا ... لِمَا بِهِ شُبِّهَ أَنْ يَتَّصِفَا
بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الحَقِيقَهْ ... …وَفِيهِ بَحْثٌ لاَ نَرى تَحْقِيقَهْ
وَكَانَ فِي الإثْبَاتِ تَخْيِيليَّهْ ... مِثَالُهُ مَخَالِبُ المَنَّيهْ
وَإِنْ وُجِدْ فَذَاكَ مُستَعَارُ ... …لِذَلِكَ التَّاِبعِ وَالمَدَارُ
هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّصْرِيحِ ... هَذَا وَأَيضاً سمِّ بِالتَّرْشِيحِ
مَا زَادَ فِي الطَّرِيقَةِ المَكْنِيَّهْ ... مِنَ المُلايِمَانِ لِلْقَضِيَّهْ
وَجَازَ جَعْلُهُ لِتَخْيِيليَّهْ ... …مُرشِّحاً كَذَا لتَحْقِيقِيَّهْ
هَذَا خِتَامُ ما قَصَدْنَا نَظْمَهْ ... وَالحَمْدُ لِلّه وَلِيِّ النِّعْمَهْ
***(1/3)
منظومة رياض الصبيان
للفقيه الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرَّملي الشافعي
1 الحمد لله ولي الحمد * موفق الخلق لكل رشد
2 على الذي به علينا أنعما* حمدا يعم الأرض طرا والسما
3 ثم الصلاة بعدما قلنا به* على النبي وآله وصحبه
4 وبعد : فالتأديب للصبيان* من أول النشء أتم الشان
5 وقد بذاك صرح الغزالي* بحر العلوم صادق المقال
6 وحث في إحياء علوم الدين* على قيام الأهل بالبنين
7 لأن تأديب الصبي في صغرهِ* زيادة لحظه في كبره
8 ينل بذلك الحظوظ الوافرة * وراحة الدنيا وخير الآخرة
9 فينبغي لكل جد وأبِ * وقيم الحاكم تأديب الصبي
10 وتنهر الأم ولدها بالأبِ * جزراً له عن الخناء واللعب
11 إذ قلبه كالشمعة المقصورةِ * مجوهر يقبل كل صورة
12 وينبغي لهم بأي يعودوا * أولادهم فعل التقى ليسعدوا
13 وأول الأشياء هي الحضانة * لأنه مع أهله أمانة
14 فينبغي إرضاع كل طفل * صالحةً بقولها والفعل
15 تأكل حلالا لا من الحرامِ * فالطبع قالوا تابع الطعام(1/1)
16 إذا خبث رضاعه مال * إلى فعل الخبيث آخراً وأولا
17 وبعد فطمه تجده يشتهي * أكل الطعام دائماً لا ينتهي
18 فعلموه الأكلَ باليمينِ * والبسملة حتماً بكل حين ِ
19 و لا يبادر قبل أكل صاحبه * و يأكل العيش الذي بجانبه
20 ويمضغ اللقمة مضغاً محكما * و لا يسارع أو يوالي اللقما
21 و يأكل اليابس من الطعامِ * تعلماً بحتاً بلا إدامِ
22 حيناًَ فحيناً في العشاء والغداء * كي لا يرى الإدام حتماً أبدا
23 وأن يُجَنِّبَه فنونَ الزينه * و جملة الملابس الرزينه
24 و يكسوه لون بياض القطن * حتى به عن غيره يستغني
25 وإن طلب منقوشاً أو ملوناً * يقول: ذاك للنساء لا لنا
26 لباس أهل الفسق والتخنيث * وأحمق وفاجر خبيث
27 ولا ينعم جسمه بملبسِ * طول المدى ولا فراش أملسِ
28 بل كلما كانت به خشونة * فإنه أخفُّ في المؤونة
29 يصلِّب الأعضا ولا يبالي * بالمشي أو بسائر الأفعالِ
30 و يمتنع نوم النهار قطعاً * خوف الكسل أو يتخذه طبعا(1/1)
31 وإن بدت أمارةُ التمييزِ* بكل فهم فاضل عزيزِ
32 وصار يستحي من الأمورِ * فذاك أوَّل ُبُدُوِّ النورِ
33 هدية من ربه أهداها * عرف بها الأشيا بمقتضاها
34 فذاك أول وقت فهم الطفل * أشرَق بها عليها نور العقل
35 فليزموه الدرس للقرآنِ * فإنه علم عظيم الشان
36 أيضاً وشغل شاغل قلب الصبي * عن كل ما يوجب نقص الأدبِ
37 وإن ضرب معلمُ الصبيان * أ و والدٌ بعضاً من الولدانِ
38 فلا يكن مثل النساء يبكي * ويشتفع بغيره ويشتكي
39 فعادة الشجعان أن لا يذكروا * كل الذي يجري لهم بل يصبروا
40 وراحة الصبيان بعد المكتب* أن يأذن الولي لهم باللعب
41 فإنه عند الصبا محبوب * وقلبه أيضا به يطيب
42 فكثرة التعليم موت القلب * و يُذْهِبُ الذَّكا وبعض اللب
43 فيطلبون للخلاص حيلة* تنجي من التعليم أو وسيلة
44 والرفق في كل الأمور أحسنُ * قالوا بذا وصرحوا وبينوا
45 وبعد ما يُشرِق نور العقلِ * على الصبي يُؤمر بأن يصلياسِِ(1/2)
46 وليلتزم فعل الكرام الأوليا * المتقين الصالحينا الأرضيا
47 ويعتمد جلوسه بينهمُ * حتى يوافق طَبعُه طَبعَهُمُ
48 و ينغرس بقلبه ما يستمعْ * و ينطبع بقلبه ما ينطبعْ
49 ويحتفظ به عن الجهَّالِ * وكل أهل الفسق والضلالِ
50 ومن عُرِِف بالكذب والخيانة * وكل من ليس له أمانة
51 فإن أصل أدبِ الأخيار* حفظ الصبي عن صحبة الأشرار
52 إذ الطباعُ تسرقُ الطباعا * و كل من جالس خبيثاً ضاعا
53 وقد أتى نصٌ عن الرسولِ * بأن طبعَ المرءِ كالخليلِ
54 و يمنعوه كثرةَ الكلامِ * لأنه من عادة اللئامِ
55 أيضاً ومِن أن يبتدي خطابا* إلا يكون قوله جوابا
56 ثم اليمين يمنعوه منها * بتاً دواماً دهره يدعها
57 وجملة الأشعار والأغاني * يُمنعُ منها دائم الزمانِ
58 والبصق والمخاط والتنخمِ * عند الجليس لا عليه يُقدِمِ
59 واللعن والسب و شتم الناسِ * والاختلاطِ بذوي الأدن
60 وليلزموه كثرة التواضعِ * وترك ما بدا له من طمعِ(1/2)
61 وأنه من أعظم الآفات* حكيته نقلا عن الثقات
62 أيضا ومن حب الذهب والفضة * فَحَذِّروه فهو شر آفة
63 من السموم القاتلة حبُّهما* فالرأي تحذير الصبي منهما
64 ويكرم الإخوان بالتأدبِ * وكلَ من عاشره من صاحب
65 وأي يوسع للذي يأتيه * مجلسه الذي استقرَّ فيه
66 ويكرم الواصل بالقيامِ * لأنه من أدب الكرام
67 ويستمع كلام كل عاقلِ * ويحسن الإصغاء لقول القائلِ
68 لا يفتخر بمطمع أو مشربِ * و لا بشيء صار من ملك الأبِ
69 ثم ليعظم غاية الإعظامِ * من كان ذا دِين من الأنامِ
70 والوالدين الكلَّ والمؤدبا * والأقربين نسبة والصاحبا
71 ومن بدا فعل الجميل منه * فينبغي بأن يُجازَى عنه
72 وأن يُجلَّ قدره ويُمدح * بما به من الأنام يَفرَح
73 وإن فعل فعلاً ذميماً سرا * فينبغي أن لا يُعَاقب جهرا
74 ولا يُذم بين أصناف الورى * فإنه يخشى بأن يتجاسرا
75 ولا يبالي بعده بالعذلِ * وبالملام عند كل فعلِ(1/3)
76 بل ينبغي عتابه بحيثُ لا * يظهر عليه أحدٌ من المَلا
77 يقول هذي إن علم عليه * فضيحة ، فلا يَعُد إليه
78 ولا تُكَثِّر عنده الكلاما * فإنه يُهَوِّن الملاما
79 يُخشى بأن يجزم ولا يبالي * بما أتاه بعد من أفعال
80 وحذروه غاية التحذير * من الكذب والفحش والفجور
81 وسرقة والأكل للحرام * فإنه من موجب الآثام
82 فإن أتى وقت البلوغ والصبي * بهذه الأشيا خبير لا غبي
83 فعرفوه مقصد الأشياء * بمدة الدنيا وللأُخراء
84 فإن طيب عيشه الإنسانِ * عون على عبادة الرَّحمنِ
85 أقوى لذي تقوى على العبادة * وهي الذي تحصل بها السعادة
86 والموت أقربُ كلِّ شيء يُنْتظَر * وهذه الدنيا لنا دار مَمَر
87 والآخرة دار مقر باقي * والآدمي لفعله ملاقي
88 فينبغي التكثير للطاعاتِ * تَزَوُّداً في مدة الحياة
89 وحينما ينشا الولد مؤدبا * يكون في بلوغه مهذبا
90 تؤثر الأشيا به في القلب * تأثير حد السيف عند الضرب(1/3)
91 وتنتفش في قلبه محبة * لربه وطاعة ورغبة
92 لكل ما يأتي من الجنان * ويلتزمها دائم الزمان
93 وإن وقع نشء الولد بغير ما * قلنا به أضحى كذوباً نَهِمَا
94 مفاخراً مباهياً للناس * ملازماً طبائعَ الخنَّاسِ
95 كلامنا لنفسه لا يَسْتَمِع * قد صار طبع الشر فيه منطبع
96 فينبغي للوالد التَّعَنِّي * بكل بنت وبكل ابن
97 فمن لهم عن موجب المآثم * لا تهمل الصبيان كالبهائم
98 ففي كتاب الله (قوا أنفسكم)* مفهومه: وكُلَّ من يلزمكم
99 مراده بالفقه والتأديب * وكثرة التعليم والتهذيب
100 وفي الحديث للنبي المرسلِ * محمد المعظم المبجلِ
101 أن الولد بالفطرة الإسلامية *يولد ويرجع بعد للهوديَّة
102 يهوداه والده تاعسا * وقد يُنَصِّراه أو يُمَجِّسا
103 فإنه هما ساقاه للصواب * يشاركان الكلُّ في الثواب
104 وإن شقي وضاع من يَدَيْهما * وفرطا فوِزْرُهُ عليهما
105 فهذه (رياضةُ الصبيان)* جمعتها منظومة المعاني
106 مفيدة لكل من قراها * ودبَّر الأشيا بمقتضاها
107 والله يهدي الكلَّ للرشاد * به استعنت وهو خير هادي
108 ثم الصلاة بعد حمد ربي * على النبي المصطفى من كعبِ
109 وكلِّ آل للنبي وتابعِ * ما لاح برق في السحاب الهامِع(1/4)
مَنظُومَةٌ فِي الكَبائِرِ (1)
للعَلاَّمَةِ : أَبِي النَّجَا مُوسَى بنِ أَحمَدَ الْحَجَّاوِي
رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى
895-968هـ
نَقَلهُ للشَّبَكَة
ابنُ سالمٍ
فلا تَنسَوهُ مِن دُعائِكُم
-------------------------
(1) فِي خاتِمَةِ كِتابِ (الكَبائِرِ) للإِِمامِ الذَّهَبِي - رَحِمَهُ اللهُ - ، بتَحقيقِ الشَّيخِ مَشهورِ بنِ حَسَنِ السَّلمان (ط : مكتَبَةُ الفُرقان - 1424 ه / 2003م) [ (صَفْحَة : 513-521) ] .(1/1)
بِحَمدِكَ يا رَبَّ البَرِيَّةِ أَبتَدِي ... لَعَلِّيْ فِيما رُمتُهُ أَبلُغُ مَقصِدِي (1)
(كَذاكَ أُصَلِّيْ على النَّبِيِّ) (2) وآلِهِ ... وأَصحابِهِ مِن كُلِّ هادٍ ومُهتَدِي
وكُنْ عالِماً أَنَّ الذُّنُوبَ جَميعَها ... بِـ(صُغْرَى)وَ(كُبرَى) قُسِّمَتْ فِي الْمُجَوَّدِ (3)
فَما فيهِ حَدٌّ فِي الدُّنَا (4) أو تَوَعُّدِ ... بِأُخرَى ، (فَسَمِّ كُبرَى على نَصِّ) أَحمَدِ (5)
وزادُ حَفيدُ الْمَجدِ : أَو جا وَعِيدُهُ ... بِنَفْيٍ لإِيمانٍ ، وَلَعنٍ (مُبَعِّدِ) (6)
كَشِركٍ ، وقَتلِ النَّفسِ ؛ إِلاَّ بِحَقِّها ... وَأَكلِ الرِّبا ، والسِّحرِ ، مَعْ قَذفِ نُهَّدِ
و(أَكْلِكَ) (7) أَموالَ اليَتامَى بِبَاطِلِ ... تَوَلِّيكَ يَومَ الزَّحفِ في حَربِ جُحَّدِ
__________
(1) في المخطوطِة :
بحمدكَ ذي الإكرامِ ما دمت أقتدي
كثيراً كما ترضى بغير تحَدُّدِ
وفي المطبوعةِ :
بحمدك ذي الإكرامِ ما دمتُ أبتَدي
كذاك كما ترضى بغير تحدّدِ
(2) في المَخطوطِ والمَطبوعِ : (وَصَلِّ على خيرِ الأَنامِ) .
(3) في المَخطوطِ : (لِكُبرَى وَصُغرَى قُسِّمَت في المُجَرَّدِ) .
وفي المطبوعِ : (بِكُبرَى وصُغرَى قُسِّمَت في المُجَرَّدِ) .
(4) في المخطوطِ والمطبوعِ : (الدّنيا) .
(5) في المخطوطِ : (فاسم كبرى على نطق) .
(6) في المطبوع : (لِمُبْعَدِ) .
(7) في المطبوعِ : (أكلِ) .(1/1)
(كَذاكَ) (1) الزِّنا ، ثُمَّ اللِّواطُ وشُربُهُمْ ... خُموراً ، وَ(قَطعاً) (2) للطَّريقِ الْمُمَهَّدِ
وَسِرقَةُ مالِ الغَيرِ ، أَو أَكلُ مالِهِ ... بِباطِلِ صُنعِ القَولِ والفِعلِ وَاليَدِ
شَهادَةُ زُورٍ ، ثُمَّ عَقٌّ لِوالِدِ ... وَغِيبَةُ مُغتابٍ ، نَميمَةُ مُفْسِدِ
يَمينٌ غَمُوسٌ ، تارِكٌ لِصَلاتِهِ ... مُصَلٍّ بِلا طُهرٍ لَهُ بِتَعَمُّدِ
مُصَلٍّ بِغَيرِ الوَقتِ ، وَغَيرِ قِبلَةٍ ... مُصَلٍّ بِلا قُرآنِهِ الْمُتَأَكِّدِ
قُنوطُ الفَتَى مِن رَحمَةِ اللهِ ، ثُمَّ قُلْ ... إِساءَةُ (الظَّنِّ) (3) بالإِلَهِ الْمُوَحَّدِ
وَأَمنٌ لِمَكرِ اللهِ ، ثُمَّ قَطيعَةٌ ... لِذي رَحِمٍ ، والكِبرَ ، والْخُيَلاءِ اُعدُدِ
كَذا كَذِبٌ إِن كانَ يَرمِي بِفِتنَةٍ ... (وَالْمُفتَرِي) (4) (يَوماً) (5) على الْمُصطَفَى
قِيادَةُ دَيُّوثٍ ، نِكاحُ الْمُحَلِّّلِ (6) ... وَهِجرَةُ عَدلٍ مُسلِمٍ وَمُوَحِّدِ
وَتَركٌ لِحَجِّ (7) مُستَطيعاً (8) ، وَمَنعُهُ ... زَكاةً ، وحُكمُ الحاكِمِ الْمُتَقَلِّدِ
بِخُلفِ (9) الْحَقِّ (10) وَارْتِشاةٌ (11) ... بِلا عُذرِنا في صَومِ (12) شَهرِ التَّعَبُّدِ
وَقَولٌ بِلا عِلمٍ على اللهِ (13) رَبِّنا ... وَسَبٌّ لأَصحابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
__________
(1) في المطبوع : (كذلك) .
(2) في المطبوع : (قطع) .
(3) في المطبوعِ : (ظَنٍّ) .
(4) في المطبوع : (أو المفتري) .
(5) في المطبوع : (عَمداً) .
(6) في المطبوع : (مُحَلِّلٍ) .
(7) في المخطوط : (وتركه حجه) .
(8) في المطبوع : (مستطاع) .
(9) في المطبوع : (وخلف) .
(10) في المطبوع والمخطوط: (لحق) .
(11) في المخطوط : (وإِرشا) وفي المطبوع : (وإرشاء) .
(12) في المخطوط والمطبوع : (يوم)
(13) في المخطوط والمطبوع : (دين) .(1/2)
مُصِرٌّ على العِصيانِ ، تَركُ تَنَزُّهٍ (1) ... مِنَ البَولِ فِي نَصِّ الحَديثِ الْمُسَدَّدِ
وَإِتيانُ مَنْ حاضَت بِفَرجٍ ، ونَشْزُها ... عَلَى زَوجِها (2) مِن غَيْرِ عُذرٍ مُمَهَّدِ
وَإِلْحاقُها بِالزَّوجِ مَن حَمَلَتْهُ (3) مِنْ ... سِواهُ ، وَكِتمانُ العُلُومِ لِشَخصٍ مُهتَدٍ (4)
وَتَصويرُ ذِي رُوحٍ ، وَإتْيانُ كاهِنٍ ... وَإِتيانُ عَرَّافٍ ، وتَصديقُهُم زِدِ (5)
سُجُودٌ لِغَيرِ اللهِ ، دَعوَةُ مَنْ دَعَى ... إِلَى بِدْعَةٍ أَو لِلضَّلالَةِ ما هُدِي
غُلُولٌ ، ونَوحٌ ، وَالتَّطَيُّرُ (6) بَعدَهُ ... وَأَكلٌ وَشُربٌ فِي (لُجَيْنٍ) (7) وَعَسْجَدِ
وَجَورُ الْمُوصِيْ فِي الوَصَايَا ... لِمِيراثِ وُرَّاثٍ (8) ، إِباقٌ لأَعْبُدِ
وَإِتيانُها في الدُّبُرِ ، بَيعٌ لِحُرَّةٍ ... ومَن يَستَحِلَّ البَيتَ قِبلَةَ مَسجِدِ
وَمِنهَا اكْتِتابٌ (9) للرِّبَا وَشَهادَةٌ ... عَلَيهِ ، وَذُو الوَجْهَينِ قُلْ لِلتَّوَعُّدِ
وَمَن يَدَّعِي أَصلاً وَلَيسَ بِأَصلِهِ ... يَقُولُ : أَنَا ابنُ الفَاضِلِ الْمُتَمَجِّدِ
فَيَرْغَبُ عَن آبائِهِ وَجُدُودِهِ ... وَلا سِيَّمَا أَنْ يَنتَسِبْ لِمُحَمَّدِ
وَغِشُّ إِمامٍ للرَّعِيَّةِ بَعدَهُ ... وُقُوعٌ على العَجْمَا البَهِيمَة سُفَّدِ (10)
__________
(1) في المخطوط : (تنز) .
(2) في المخطوط : (غيرها) .
(3) في المخطوط والمطبوع : (جملة) .
(4) في المخطوط والمطبوع : (لمهتد) .
(5) في المطبوع : (وتصديقه غدي) .
(6) في المخطوط : (ونجوح ولتطير) .
(7) في المخطوط والمطبوع : (حُلِيٍّ) .
(8) في المخطوط : (وارث) .
(9) في المخطوط والمطبوع : (اكتساب) .
(10) في المخطوط والمطبوع : (يفسد) .(1/3)
وَتَرْكٌ لِتَجْمِيعٍ إِساءَةُ مالِكٍ ... إِلَى (1) القِنِّ ذا طَبعٌ لَهُ في الْمُعَبَّدِ (2)
تمَّت بحمدِ اللهِ تعالَى
وكتَبَهُ ابن سالمٍ .
غفرَ اللهُ لهُ ولِوالِديه
وأهلِهِ ومَشايخِهِ
وجَميعِ المُسلمينَ
__________
(1) في المخطوط : وإلى) .
(2) في المخطوط والمطبوع : هذان البيتان يليان البيت 28 وتختم المنظومة بالبيتين 29 و30 .(1/4)
منظومة نخبة الفكر
المسماة ( قصب السكر )
للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدًا لِمَنْ يُسندُ كُلُّ حَمْدِ ... إليه مرفُوعًا بِغَيْرِ عَدِّ
متصلٌ لَيْس لهُ انقطاعُ ... …مَا فِيْه كَذّابٌ وَلاَ وضَّاعُ
ثُمَّ صلاةُ اللّهِ تَغْشَى أحْمَدَا ... وآله و صَحَبَه أَهل الهُدَى
وبَعدُ فَالنُّخْبة في عِلْم الأثرْ ... مُخْتصرٌ يَا حَبَّذَا مِن مخْتصَرْ
ألفها الحافِظُ في حَال السّفرْ ... وهو الشّهابُ بْنُ علِّي بْنُ حجرْ
طالعَتُها يوماً مِن الأيَّامِ ... …فاشْتقتُ أن أُودِعَها نِضَامِي
فتمَّ من بكرةِ ذاكُ اليومِ ... …إِلى المسَا عِنْد وُفودَ النومِ
مُشْتمِلاً عَلَى الَّذِي حَواهُ ... …فَالْحَمْدُ للرَّحْمن لاَ سِوَاه
تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد
وكلُّ ما يُروَى مِن الأخْبَارِ ... إِمَّا بحَصْر أَوْ بِلاَ انْحِصَارِ
فَالأولُ المَروِي بفوقِ اثْنَيْنِ ... أو بِهمَا أوْ واحدٍ فِي الْعَيْنِ
ثَانِيْهِمَا يَدْعُونَه التّوَاتُرا ... … تَرَى بِه عِلْمَ الْيَقِينِ حَاضِرَا
تعريف خبر الواحد وأنواعه
بِشَرْطِهِ وأولُ الأَقْسَامِ ... …سمَّوه مشهوراً وَفِي الأَعْلامِ
مَنْ قَالَ هذَا مُستَفْيِضٌ اسْما ... ثَانِيهُمَا لَهُ الْعَزيزُ وَسْمَاَ
وَليسَ شَرطاً لِلصَّحِيْح فاعْلِم ... وَقَدْ رُمِي مَنْ قَال بالتَّوهُّمِ
ثَالثُها يَدْعُونه الغَريْبَا ... …وَالْكُلُّ آحادٌ تَرَى ضُروبا
تقسيم خبر الآحاد إلى مقبول ومردود
فِيهَا أتَى الْمَقْبولُ والْمَرْدُودُ ... إذْ هِيَ فِي اْلأحْكَام لاَ تُفِيدُ
حَتَّى يَتِمَّ الْبحْثُ عََ ثِقَاتِهَا ... وَطْرحُ مَن ضُعِّفَ مِن رُوَاتِهَا
وَقدْ يُفِيد العِلْمَ أَعْنِي النَّظَرِيْ ... إِذَا أَتتْ قَرائِنٌ لِلْخَبرِ(1/1)
تقسيم الغريب إلى مطلق ونسبي
هَذَا علَى الْمُخْتَار والْغَرابَهْ ... قِسْمَانِ فِيما قالَ ذُو الإِصَابَهْ
الأولُ الحَاصِلُ فِي أَصْلِ السَّندْ ... فسَمِّهِ الْمُطْلَقَ والثَّانِيْ وَرَدْ
فيْما عَدَاه سمِّهِ بالنِّسْبِي ... …وَهْوُ قَلِيْلٌ ذِكرُه فِي الكُتْبِ
تقسيم الخبر المقبول إلى صحيح وحسن
وَهْوَ بِنَقلِ الْعَدْل ذِي التَّمَامِ ... فِيْ ضَبْطِ مَا يُروَى عن الأْعلامِ
مُتَّصِلاً إسْنادُ مَا يَرْوِيْهِ ... …لاَ عِلَّةٌ ولاَ شُذُوْذٌ فِيه
يُدْعَى الصَّحِيْحَ فِي الْعُلومِ عُرْفَا ... لِذَاتِهِ وَإِنْ نَظَرْتَ الوَصْفَا
وجَدْتَ فِيه ثابِتًا وأَثْبتَا ... …لأجلِ هَذا قدَّمُوا مَا قَدْ أَتَى
عَنِ الْبُخارِيْ مِن صَحِيْحٍ أَلَّفَا ... وَبَعْدَهُ لِمُسْلمٍ مُصَنَّفَا
وَبَعد ذَا شَرطُهما وإنَّ مَنْ ... يَخِفُّ ضَبْطًا فَالذيْ يَروِي الحَسَنْ
لِذاتِهِ وقَدْ يَصِحُّ إن أتَتْ ... …طُرقٌ له بِكَثْرةٍ تَعَدَّدَتْ
وَإنْ تَرَ الرَّاوِيْ لَه قَدْ جَمَعَا ... فِي الْوصْفِ بِالصّحَّةِ وَالْحُسْنِ مَعا
فَإنَّه عِنْدَ انْفِراَدِ مَنْ رَوَى ... تَردَّدَ الْعَالِمُ فِي هَذَا وَذا
مَا لَمْ يكُنْ فوَصْفُه بِذَينِ ... …كَان اعْتِبَاراً مِنه لإِسْنادَينِ
حكم زيادة الثقة وتقسيم الحديث
إلى محفوظ وشاذ ومعروف ومنكر
وَإنْ أتَتْ زِيَادَةٌ لِلرَّاوِيةْ ... …فَإنَّهَا تُقْبلُ لا الْمُنافِيَة
لأَوثقٍ مِنهْ وَمَهما خُولِفَا ... …بأَرجحٍ فَسمِّهِ مُعَرِّفَا
بِلَفْظَةِ الْمَحْفُوظِ وَالْمُقَابِلَهْ ... بِالشَّاذِّ والَمْحفوظُ إنْ يُقابِلهْ
مَا ضعَّفُوا فَذلِكَ الْمَعروفُ ... قابَلَهُ المنكرُ والضَّعِيْفُ
الاعتبار والتابع والشاهد
والفردُ نِسْبيّاً إذَا مَا وَافَقَهْ ... سِواه سُمِّىْ عِنْدَهُمْ مَا رافَقَهْ
بَتابعٍ بَوَزْنِ لفظِ الوِاحِدِ ... …وَمتْنُ ما شَبَهه بِالشَّاهِدِ
تَتَبُّعُ الطُرْقِ لِذيْنِ يُدْعَى ... …بِالاعتِبَارِ نِلْتَ مِنه نَفعا
وَهذه الأقْسَامُ للِمَقْبُولِ ... …قَالَ بِها جَماعةُ الفُحولِ(1/2)
إنْ لَم يُعارَضْ سمِهِ بِالمُحكمِ ... أو مثلُه عارَضَهَ فَلْتَعْلَمِ
بِأنَّه إنْ أَمْكَنَ الجَمْعُ فقُل ... مُختِلفُ الحَدِيث أَوْ لاَ فَلْتَسَل
عن الأخيرِ مِنْهما إنْ ثَبَتَا ... كَانَ هُو النَّاسِخُ وَالثَّانِيْ أَتَى
في رَسْمِه المَنْسوخُ أو لم يُعْرفِ ... فَاِرجِعْ إِلَى التَّرجِيْح فِيه أَوْ قِفِ
الخبر المردود وأسباب رده وأقسامه
ثُمَّ لِمَا قَابَلَه أقْسَامُ ... …أَكْثَرُ مِنْه عدَّهَا الأعْلامُ
فَردُّه إمَّا لِسَقْطٍ فِي السَّندْ ... أوْ كَانَ عَنْ طَعْنٍ فَقُلْ فِيْمَا وَرَدْ
إنَّ السَّقُوطَ وَاضِحٌ وخَافِيْ ... فَوَاضحٌ إنْ فُقِدَ التَلافِيْ
ومِنْ هُنَا احْتِيجَ إلَى التَّارِيْخِ ... مُعرِّفاً مَلاَقِيَ الشُّيُوخِ
فَالسَّقْطُ إن كَان مِنَ المَبَادِي ... مِنَ الذيْ صَنَّفَ بِالإِسْنَادِ
فَإنَّهمْ يَدْعُونه مُعلَّقَا ... …أوْ كَانَ مِنْ آخرِهِ نِلْت التُّقَى
وَكَان بَعْدَ التابِعِي فيُدْعَى ... بالمُرْسَلِ المعروفِ أو كَان سِوى
هَذَيْنِ فَانْظُرْ إنْ يكُنْ بِاثْنينِ ... فَصَاعِدًا مَعَ الْوِلاَ فِي ذَيْنِ
فِإنَّه المُعْضَلُ ثُمّ الْمنقطِعْ ... مَا لاَ تَوَالَى فِي السُّقُوْطِ فَاسْتمِعْ
إنَّ السَّقُوطَ وَاضِحٌ وخَافِيْ ... فَوَاضحٌ إنْ فُقِدَ التَلافِيْ
ومِنْ هُنَا احْتِيجَ إلَى التَّارِيْخِ ... مُعرِّفاً مَلاَقِيَ الشُّيُوخِ
وسمَّوُا الخَافي بالمُدَلَّسِ ... …وَرُبَّمَا يَأتِيكَ بِاْلمُلتَبِسِ
كعَنْ وقال مِنْ كلاٍم يَحْتملْ ... لِقاءَه لِنَاقِل عنه نَقَل
والمُرسَلُ الخافِي مِنَ المُعاصِرِ ... لمْ يَلْقَ مَنْ عَاصَره فَذاكِرِ
أنواع الخبر المردود بسبب الطعن في الراوي
وَالطَّعْنُ إِمَّا أنْ يكون بالكَذِبْ ... فسمِّهِ المَوْضوعَ والتَّركُ يَجِبْ
أو تُهْمةٍ كانتْ بهِ لِمنْ رَوَى ... فإنه المَتْروكُ اسماً لاَ سِوَى(1/3)
أو غَلطٍ فِيْه يَكُون فَاحِشاً ... أو غَفْلَةٍ ، أو يفعلُ الفَوَاحِشَا
مما به يَفْسُقُ فادْعُ الكُلاَّ ... …بِمنكَرٍ أو وَهْمِهِ فِي الإِمْلا
والوَهمُ إن عرِفَ بالقَرَائنِ ... والجمْعَ للطُرْقِ مَعَ التبايُنِ
فَسمِّهِ معلَّلاً وإنْ طُعِنْ ... …بأنه خَالَف مَوثوقاً أُمِنْ
فَإنْ يَكُنْ غيَّرَ فِي السِّياقِ ... فْمُدْرَجُ الإِسْنادِ باتِّفَاقِ
أوْ أَدْمَجَ المَوْقوفَ بالمَرَفُوعِ ... فُمْدرجُ المتن لَدى الجَمِيعِ
أَو كاَن بالتَّقْديمِ وَالتَّأخِيْرِ ... فإنه الْمَقْلُوبُ فِي المَأثورِ
وَرُبَّما لِلامْتِحَانِ يُفْعَلُ ... …عَمْداً وَفيه قِصَّةٌ لا تُجهَلُ
أوْ زِيدَ راوٍ سمِّهِ المَزيْدَ فِيْ ... مُتَّصِلِ الإِسْنَادِ فِيْه واكْتفِي
أوْ كاِنَ إبْدَالاً بِلا مرُجَّحِ ... فسمِّهِ مُضْطَرِبًا واطَّرِحِ
وربَّمَا للامتحان يُفْعَلُ ... …عمداً وَفيِهِ قصَّةٌ لا تٌجهَلُ
أوْ كَان بالتَّغْيِيرِ لِلْحُرُوفِ ... معَ بَقَا سِيَاقِهِ المَعْرُوفِ
فسمِّهِ المُصحَّفَ الْمُحرَّفَا ... هَذا وَحَرِّمْ مِنْهمُ التَّصَرُّفَا
بِالَنّقْصِ والمُرادفِ الشَّهِيْرِ ... لِلْمَتْنِ عَمْدًا فِيْهِ بِالتَّغْيِيْر
إِلاَّ لِمَنْ يَعْلَمُ المَعَانِيْ ... …ومَا يُحِيْلُ اللَّفْظَ والمَبَانِيْ
فإنْ خَفِي معَنْاهُ احْتِيْجَ إلَى ... شَرْحِ غَرِيْبٍ مُوضِحٍ مَا أشْكَلاَ
أَوْ جَهْلُهُ لأَجْلِ نَعْتٍ يَكثُرُ ... وجَاءَ بِالأْخَفْى وَمَا لا يَشْهَرُ
وَصَنَّفُوا الْمُوضِحَ فِي ذَا الْمَعْنَى ... أزَالَ مَا أشْكَلَ مِنه عَنَّا
أو أَنَّه كَان مُقِلا ثمَّ لا ... …يكثُرُ عنه الآخِذُون النُبَلاَ
وَصنَّفُوا الوُحْدَانَ فِي هَذَا فَإنْ ... لم يُذْكَرِ الاسِمُ اخْتِصارًا فاسْتَبِن
وَالمُبْهمَاتُ صُنِّفتْ فِي هَذَا ... وفِي سوِاهَا لَم نَجِدْ مَلاَذا
والمُبهمُ الرَاويُّ فِي الْمَقْبُولِ ... ولَوْ أَتَى بِلَفْظَةِ التَّعْدِيْلِ(1/4)
لا يُقْبلَنْ علَى الأصَحِّ حُكْمَا ... وإنْ يكُنْ مَن قدْ رَوىَ مُسَمَّى
فإِنْ تَرَا الآخِذَ عَنه واحِدَا ... أو كانَ اثْنَيْنِ رَوَواْ فَصَاعِدَا
فَالأَولُ الْمَجْهُولُ أعْنِي عَيْنَا ... والثانِيُ المَجهُولُ حَالاً فِيْنَا
وَهْوَ الذِي يَدْعُونَه الْمَسْتُورَا ... إنْ لم يُوثَّقْ سَلْ به خَبِيْرَا
وَالابتداعُ بِالذِي يُكَفِّرُ ... …يُرَدُّ مَنْ لابَسه وَ يُزْجَرُ
لاَ بِالذِيْ فُسِّقَ فَهو يُقْبَلُ ... …ما لم يَكُن دَاعِيةً ويَنْقُلُ
رِوايَةً تُقوِّيْ ابِتدَاعَه ... …هَذا الذِي اخْتَارَه الجَماعَه
صَرّحَ بِهْ شَيخُ الإِمَامِ النسَّائِيْ ... الِجَوْزجَانِيْ ثُم خُذْ مِن نَبَائِيْ
بانَّ سُوءَ الْحِفظِ فِي الرُّواةِ ... قِسْمانِ فِي مَقَالَةِ الأَثْبَاتِ
مُلاَزِمٌ فَالشَّاذُ مَا يَرْوِيْهِ ... …فِي رَأي بَعْضٍ والذِيْ يَلِيْهِ
طارٍ وَذَا مُخْتلِطٌ وِفَاقَا ... …وَكُلُّ مَا نَظْمِيْ لَه قد سَاقَا
مِنْ سَيِّئ الْحِفْظِ ومِنْ مَستُورْ ... وَمُرْسِلٍ مُدَلِّسٍ مَذكُورْ
إنْ تُوبِعَتْ بِمَنْ يُرى مُعتَبَرا ... حُسِّنَ مَجْمُوعُ الذِيْ قَد ذُكِرَا
تقسيم الخبر إلى مرفوع وموقوف ومقطوع
وإنْ تَجِدْه يَنْتَهي الإِسنادُ ... …إلَى الرَّسُولِ خَيْرِ منَ قَد سَادُوا
إمَّا صَريِحًا أو يَكُون حُكْما ... مِنْ قَوْلِه أو أخَوَيْهِ جَزْما
أَوْ يَنْتهِيَ إلَى الصَّحَابِيِّ الّذِي ... باِلوصْفِ بِالإِيْمانِ قَد لاَقَى النَّبِيْ
وَمَاتَ بَعدُ مُسلِماً وإنْ أتَى ... بِرِدَّةٍ تخَلَّلَتْ أوِ انْتَهَى
الِتابِعِيٍّ هو مَنْ يُلاقِيْ ... …أَيَّ صَحَابِيّ مَعَ الْوِفاَقِ
واَلكلُّ بِالتَّصرِيْحِ أوْ بِالْحُكْمِ ... كمَا تَقضَّى آنِفاً فِيْ نَظمِيْ
فَالأَوَّلُ المَرْفُوعُ والمَوْقُوْفُ ... يُدعَى بِهِ الثَّانِي وَالْمَعْرُوفُ
تَسْمِيَةُ الثَّاِلثِ بِالْمَقْطُوْعِ ... …وَفِيْ سِوَاهُ لَيْس بِالْمَمْنُوْعِ(1/5)
وَقدْ يُسَمُّونَ الأخِيْرَيْنِ الأْثَرْ ... وَالمُسنَدُ المَذكورُ فِيْ نَوْع الخَبَرْ
ما كَانَ مرفُوعَ الصَّحَابِيِّ الذِيْ ... فِيْهِ اتَّصَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ خَفِيْ
العلو والنزول
نَعمْ وإنْ قَلَّ الرُّوَاةُ عَدَدَا ... ثُمّ انْتَهَى إلَى الرَّسُولِ أحْمَدَا
فهُو الْعُلوُّ مُطْلقًا أو انْتَهَى ... إلىَ فَتىً كَشُعْبةٍ فِي النُّبَهَا
فَإنَّه النِّسْبِيْ وَفْيِه مَا تَرَى ... مِنْ كْل قِسْمٍ بَيَّنتْهُ الْكُبَرَا
أوَّلُهَا يَدْعُونَه المُوافَقَهْ ... …وَبَعْدَهَا اْلإِبْدَالُ فِيْمَا حَقَّقَهْ
إذَا وَصَلَ الرَّاوِيْ إلى شَيْخ أحَدْ ... مُصَنِّفِي الأْخْبَار لَكِنِ انْفَرَدْ
بِطُرْقِهِ عَنْ طَريقِ الْمُصَنِّفِ ... فهذِهِ الأُولى بِلا تَوقُّفِ
ثَانِيُّهَا اْلإِبْدَالُ وَهْيَ مِثْلُه ... …لَكِن شَيْخَ الشَّيخِ كاَنَ وَصْلَه
أو اْستَوَى الْعَدَدُ فِي الرُّواَةِ ... مَعْ وَاحِد مُصَنِّفٍ وَيأتِيْ
فَإنَّهَا معنى الْمُسَاوَاة وَمَا ... يَتْبعُها مُصافَحَاتُ العُلَمَا
وهِي الْمُسَاواةُ مَعْ تِلْمِيذِ مَنْ ... صَنّفَ بالشَّرطِ فخُذْهَا واسْمَعَنْ
مُقَابِلُ الْعُلُّوِ فِيْ أقْسَامِهْ ... …هُوَ النُّزولُ خُذْهُ مِنْ أحْكَامِهْ
الأقران والمدبّج
إنْ شَارَك الرَّاوِيَّ مَنْ عَنْه رَوَى …في السِّنِ أوْ كَانَ اشْتِراكَاً فِي الِّلقَا
فَسَمِّهِ اْلأقْرَانَ ثُم إنْ أتَى ... يَرْوِيْهِ ذَا عَنْ ذَا وَهَذَا عَنْه ذَا
فَإنَّه مُدبًجٌ هَذَا ومَنْ ... …يَرويْهِ عَمَّنْ دُونَه فلْتَعلَمَنْ
رواية الأكابر عن الأصاغر والعكس
بِأَنَّه رِوايَةُ الأَكَابرِ ... …كَالأْبِ عَنْ ابْنٍ عَنْ الأْصَاغِرِ
وعَكْسُه هُوَ الطَّرِيْقُ الْغَالِبُ ... أمْثَالَهُ بَحْرٌ فَلاَ يُغَالَبُ
معرفة السابق واللاحق
وَاثْنَانِ إنْ يَشْتَرِكَا عَن الرَّاوِيْ ... ومَاتَ فَرْدٌ مِنْهُمَا فَالثَّاوِيْ
إذَا رَوَى عَنْه فَهَذَا السَّابِقُ ... فِيْ رَسمِه عِنْدَهُمو وَاللاَّحِقُ(1/6)
معرفة المُهمل والفرق بينه وبين المُبهم
وإَنْ روى عن رجُليَن اتَفقا ... اسْماً ومَا مُيِّزَا مَا يَفْترِقا
بِه فَباخْتِصَاصِه بِوَاحِد ... …تَبَيُّنُ الْمُهْمِلِ عِندَ النَّاقِدِ
من حَدَّثَ ونسِيْ
وَالشَّيخُ إنْ أَنْكَرَ جَزْماً مَا رَوَى ... رُدَّ عَلَى رَاوِيْهِ ما عَنهُ أَتَى
أوِ احْتِمَالاً فَالأَصَحُّ أنَّهُ لاَ ... يُرَدُّ مَا يَرْويْهِ عَنْهُ نَقَلا
وفِيْهِ مَنْ حَدَّثَ قَوْمُا وَنَسِيْ ... هَذَا وَإنْ يَتَّفِقِ المُؤَدِّي
المُسَلْسَلُ
مِمَّن رَوَوْا فِيْ صِيَغ من الأَدَا ... أوْ غَيرِهَا مِنْ أيَّ حَالٍ أورَدَا
فَإنَّهمُ يَدْعُونَه المُسَلْسَلاَ ... …ولِلأدَا كَمْ صِيغَةٍ بَيْن الْمَلاَ
صِيَغُ الأَدَاءِ وتحَمُّلِ الحَدِيثِ
سَمِعْتُه حَدَثَّنِيْ لِمَنْ سَمِعْ ... …مِنْ لَفظ شَيْخٍ باِنْفرَادِ الْمُسْتَمِعْ
حَدثنا لهُ أتَى مَع غَيرهِ ... …والأَول الأصَرحُ فِي تَعبِيرِهِ
أرْفَعُهَا مَا كَانَ عِنْدَ اْلإِمْلاَ ... وَثَانِيُ اْلألْفَاظِ فِيْ حَالِ الأَدَا
أخْبَرَنِيْ قَرأتُه هَذَا لِمَنْ ... …بِنَفْسِه أَمْلَى عَلَى مَنْ يَسْمَعَنْ
فَإنْ جَمَعتَ فِي الضَّمِيْرِ كَانَا ... ثُمّ قُرِي يَوْماً عَلَيه وأنَا
أسْمَعُ مِنْه ثُمَّ لَفْظُ أنْبَا ... …مِنْ صِيَغَ اْلأدَاء ثُم الإِنْبَا
مراَدِفُ الإِخْبَارِ لاَ فِي الْعُرفِ ... فهو لِمَا أجَزْتَه فاسْتكْفِ
بِه كَعَنْ إلاَّ مِنَ الْمُعاصِرِ ... فَعَنَ لِمَا يُسْمعُ عِنْد النَّاضِرِ
إلاَّ إذَا كَانَ مِنَ المُدَلِّسِ ... …فَلاَ سَمَاعَ عِندَ ذَاكَ الْمُلْبِسِ
وَقيل قَالُوا وهُوَ الْمُختَارُ ... إنَّ اللِّقاَ شَرْطٌ لَه يُختَارُ
وَلَوْ يَكُونُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ ... وَفِيْه تَفصيلٌ لَدَيْنَا يَجرِيْ(1/7)
نَاوَلَنِيْ يُطلَقُ فِي الْمُنَاوَلَه ... واَشتَرَطُوا الإِذْنَ لِمن قَدْ نَاوَلَه
بِأنَّه يَروي وَتِي الإِجَازَه ... أَرفَعُ أنْواعٍ لِمَا أجَازَه
شَافَهَنِيْ تُطلَقُ فِي الإِجَازَة ... بِاللَّفْظِ لاَ فِي تِلْك بِالْكِتَابَة
وَإنَّما فِيهَا يُقَالُ كَتَبَا ... …فَاحْفظْ هُدِيتَ مَا تَرى مُرتَّبَا
هَذَا وَشَرْطُ الإذْنِ أيضاً لاَزِمُ ... فِيمَا أتَى مِمَّا يَرَاهُ الْعَالِمُ
وِجَادَةً وَصِيَّتهْ إعْلاَمَهْ ... …إلاَّ فَلاَ كَمَنْ أجَازَ الْعَامَّهْ
أَو كَان لِلمَجهولِ والمَعدومِ ... هَذَا أصحُّ الْقَوْلِ فِيَ العُلُومِ
معرفة المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف
ثُم أسَامِي مَنْ رَوَى إنَ تتَفِقْ ... باسْم آبَاءٍ لَهُم فالمُتَّفِقْ
يدْعُونَه فِيْ عُرفِهِمْ والمُفتَرِق ... أوْ تَتَّفِق خَطّاً وَلَمَّا تَتَّفِق
لَفْظاً فَهذَا سَمِّهِ بالمُؤتْلِف ... فِيْ عُرفهِم أيْضاً وَضُمَّ الْمُخْتَلِف
معرفة المُتشابه
هَذَا وَإنْ تَتَّفِقُ الأسْمَاءُ ... …واَخْتَلَفت فِي ذَلِك الآبَاءُ
وَعكْسُهُ فَهوَ الذِيْ تَشَابَها ... فِي عُرفِه فَافْهَمْهُ فْهماً نابِهَا
وَإنْ تَجِدْ اسم الْبَنِيْنِ وَاْلأبِ ... مُتَّفِقاً مُخْتَلِفاً فِي النَّسبِ
فَإنَّه مِنْه وَمِنْهُ يُخرَجُ ... …مَع الَّذي مِنْ قَبْلِه تُستَخْرَجُ
عِدَّةُ أنْواَعٍ عَلَى الْحُرُوفِ ... تُبنَى وفِيهِ الْعَدُّ بالألُوْفِ
معرفة طبقات الرواة ووفياتهم ومواليدهم
وبلدانهم وأحوالهم جرحًا وتعديلاً
خَاتِمَةٌ عَدَّوا مِنَ الْمُهِمّ ... …لِمَنْ له أنْسٌ بِهذَا الْفَنّ
عِرفَانُ ما يُعْزَى إلَى الرُّواةِ ... مَنْ طَبَقاتٍ وَكَذَا الْوفَاَةِ
مَعَ الْمَوالِيْدِ مَعَ الْبُلْدَانِ ... …وَكُلُّ وَصْفٍ قَامَ بالإِنْسَانِ
عَدَالَةً جَهَالَةً وَجَرْحًا ... …وَهْوَ عَلَى مَرَاتِبٍ وَأنْحَا(1/8)
مَراتِبُ الْجَرْح
أسْوَؤهَا الْوَصْفُ بِلَفْظ أفْعَلُ ... كَأكْذَبِ النَّاسِ وهَذِّا الأَوَّلُ
ثَانِيُّهَا دَجّالٌ أو وَضَّاعُ ... …وَمِثْلهُ الْكَذَّابُ قَدْ أضَاعُوا
وَالأسْهَلُ الأدْوَنُ فِيْها لَيِّنٌ ... أو سَيِّئُ الْحِفْظِ لِمَن لاَ يُتْقِنُ
أو فِيهْ أو فِيْمَا نَقَلُوا مَقَالُ ... وَأرفَعُ التَّعْدِيْلِ فِيْما قَالُوا
مرَاتِبُ التَّعدِيل
كَأوْثَق النَّاسِ وْبَعدَهَا مَا ... …كَرَّرَه لَفظاً أوِ الْتِزَامَا
هَذَا وأدْنَاهَا الَّذِي قَدَ أشْعَرَا ... بِالقُربِ مِن تَجْرِيْحِهم فِيْما تَرَى
كَقَوْلِهم شَيْخٌ وكلُّ عَارِفٍ ... يَقْبَلُ مَن زَكَّاه ذُو الْمَعَارِفِ
أحكام تتعلق بالجرح والتعديل
وَلَو مِنَ الْوَاحِدِ فِي الأْصَحِّ ... والَحُكْمُ إنْ يَخْتَلِفَا لِلْجَرْح
فَإنَّه مُقَدّمٌ إذَا صدَر ... …مُبَيِّناً مِنْ عَارِفٍ وَافِي النَّظَرَ
فَإنْ خَلاَ الرَّاوِي عَنْ التَّعْدِيْلِ ... فَالْجَرْحُ مَقْبولٌ بِلاَ تَفْصِيْل
معرفة الأسماء والكُنى والأنساب والألقاب والموالي
هَذا عَلَى المُختَارِ ثُم ههُنَا ... مُهِمَّةٌ فَلتَسْمَعَنْهَا مُتْقِنا
مَعْرِفَةُ الأْسْمَاء وَأسْماءِ الْكُنَى ... وَمَنْ سُمِّيْ بِهِ الذّي اكْتَنَى
ومَنْ كُنَاه اختَلَفَتْ وَمَن غَدَتْ ... كِثيْرة كُناه إذْ تَعَدَّدَتْ
أو وافَقْت كُنيتَهُ اسْمَ الأبِ ... أوَ عَكْسهُ أمثالُهُ فِي الكُتُبِ
أو كُنيةَ الزّوجَةِ أو كَان اسمُ مَن ... عَنه رَوَى اسمِ أبِيه فَاسْمَعَنْ
ومَنْ إلَى غَيرْ أبيِه نُسبَا ... …أو أُمّهِ فِيْ نِسْبَةٍ كَانَتْ أبَا
أو غَيْر مَن فِي الفَهمِ مِنْه يَسْبِقُ ... أو اسْمُّه وَأصْلُه يَتَّفِقُ
أبوُه وَالجَدُّ وهَذَا كَالْحسَن ... ابْنِ الْحَسَن ابْنِ الْحسَنْ فاسْتَخْبِرَنْ
أو اسْمُهُ وشَيْخُهُ فَصَاعِدَا ... أو شَيْخُهُ ومن إليْهِ أسْنَدَا(1/9)
وَلْتَعْرفِ الأْسْمَا الّتِيْ تَجَرَّدَا ... كَذَا الْكُنَى تَعْرِفُهَا واَلمُفرَدَا
وَمِثْلُهَا الأْلْقَابُ وَاْلأنْسَابُ ... فِي كَثْرةٍ يَعْرِفُهَا الطُّلابُ
إلَى الْبِلاَدِ أوْ إلَى الْقَبَائِلِ ... أوْ وَطَنٍ أو ضَيْعَةٍ فَسَائِلِ
إلَى صَنْعَةٍ أَوْ حِرْفَة أو سِكَّةِ ... أوْ غَيْرِهَا مِن صْاحِبٍ أو جِيْرَةِ
وَرُبَّما فِيْهَا أتَى اتِّفَاقُ ... …أو اشْتِبَاهٌ فِيْه وَافْتِرَاقُ
وَرُبَّما قَدْ وَقَعَتْ ألْقَابَا ... …واعْرِفْ لِكُلّ مَا تَرَى اْلأسْبَابَا
ثُم الْمَوَالِيْ كُن بِهِم ذَا عُرْفِ ... بِالرِّقِّ وَالإسلامِ أوْ بِالحِلْفِ
مِن أسْفَلٍ وَأعْلَى وَكُنْ بِالإِخْوَةِ ... وَالأخَواتِ عَارِفاً ذَا فِطْنَةٍ
آداب الشيخ والطالب
وصفة كتابة الحديث والتصنيف فيه
كَذاكَ آدابُ شُيُوخ الْعِلْمِ ... …وَطَالِبِ الْعِلْم وَسَنِّ الْفَهْمِ
لِلْحَمْلِ عَنه وَالأدَا وَلْتَعْرِفِ ... كَتْب الْحَدِيْثِ مِثلُ كَتْبِ الْمُصْحَفِ
ثم سَمَاعُ ما تَرَى سَمَاعَه ... وعَرضَهُ إنْ شِئْتَ أو إسْمَاعَه
وَرِحْلَةُ الطَّالِبِ وَالتَّصْنِيفَا ... عَلَى الْمَسَانِيْدِ والتَّألِيفَا
أنواع المصنفات في الحديث
فِيهِ عَلى الأبوابِ أو عَلَى العِلَل ... وَإنْ يَشَأ تألَيِفَ اْلأطرافِ فَعَل
وَتَعْرِف اْلأسْبَابَ لِلْحَدِيْثِ ... فَإنَّه عَوْنُ عَلَى التَّحديْثِ
وغَالِبُ اْلأنْوَاعِ فِيْها ألَّفُوْا ... وَالكُلُّ نَقْلٌ ظَاهِرُ مُعَرَّفُ
لَيس بِمُحتَاجٍ إلَى التَّمْثِيْلِ ... وَلاَ إلَى التَّكْثِيْرِ وَالتطْوِيْلِ
والَحَمْدُ لِلّهِ عَلَى مَا أنعَمَا ... عَلَّمَنَا مَا لَم نَكُنِ لِنَعْلمَا
أحْمدُهُ فَلَمْ يَزَلْ إلَينَا ... …موَاصِلاً أفضَالَه عَلَيْنَا
عَلَّمَني وَكُنتُ قَبلُ جَاهِلاَ ... طَوَّقَنِيِ مِنه وَكُنْتُ عَاطِلاَ
كُنْتُ فقِيْراً فأتَانِي بِالغِنَى ... أغْنَى وَأقْنَى فَلَهْ كُلُّ الثَّنا(1/10)
وَكُنتُ فَرداً فأتَانِي بِالْوَلَد ... أسألُه صَلاَحَهم إلَى الأبَد
عَلَّمَنِيْ سُنَّةَ خَيرِ الرُّسُلِ ... …المصطَفَى أصْلِيْ وَأصْلُ نَسْلِيْ
وَذادَ عَنِّي كَيْدَ كُلّ كَائِدِ ... …وَرَدَّ شَرّ كُلِّ شَرِّ قَاصِدِ
وَالمُرتْضَى جَدِّي وَلِي فِي مَدحِهِ ... نَظْمٌ بَديْعٌ كَامِلٌ بِشَرْحِهِ
بَيْنِيْ وبَيْنَ الْحَاسِدِ المَعَادُ ... والَمُصطفَى والَمُرْتَضَى أشهَادُ
فإنَّها تُبْلَى بِهِ السَّرائِرُ ... …وَيَبْرُزُ المَكْنُونُ وَالضَّمائِرُ
ثُم صَلاَة اللّه والَسَّلاَمُ ... …عَلَى الذِيْ لِلأنْبِيَا خِتَامُ
وَآله وَأسْألُ الَّرحْمانَا ... …حُسْنَ خِتَامٍ يُدْخِلُ الْجِنَانَا(1/11)
(( منظومة الأغاني في عشرة الإخوان ))
لابن معصوم أحمد بن علي الحسني*
* * *
مقدمة المنظومة
========
يقول راجي الصمد... بن علي أحمد
حمداً لمن هداني ... بالنطق والبيان
وأشرف الصلاة ... من واهب الصِلاة
على النبي الهادي ... وآله الأمجاد
وبعد فالكلام ... لحسنه أقسام
والقول ذو فنون ... في الجد والمجون
وروضة الأريضي ... السجع في القريض
والشعر ديوان العرب ... وكم أنال من أرب
فانسل اذا رمت الأدب ... اليه من كل حدب
رواية الأشعار ... تكسو الأديب العاري
وترفع الوضيعا ... وتكرم الشفيعا
وتنجح المآربَ ... وتصلح المعائبَ
وتطرب الإخوانا ... وتذهب الأحزانا
وتنعش العشاقا ... وتؤنس المشتاقا
وتنسخ الأحقادا ... وتثبت الودادا
وتقدم الجبانا ... وتعطف الغضبانا
فقم له مهتما ... واحفظه حفطاًَ جمّا
وخيره ما أطربا ... مستمعاً وأعجبا
وهذه الأرجوزة ... في فنها وجيزة
بديعة الألفاظِ ... تسهل للحفَّاظِ
تطرب كل سامعِ ... بحسن لفظ جامعِ
أبياتها قُصورُ ... وما بها قصورُ
ضمنتها معاني ... في عشرة الإخوانِ
تشرح للألبابِ ... محاسن الآدابِ
فان خير العشرة ... ما حاز قوم عشرة
وأكثر الإخوانِ ... في الوصل والأوانِ
صحبتهم نفاقُ ... ما شانها وفاقُ
يلقى الخليل خلَّهُ ... إذا أتى محلَّهُ
بظاهر مموَّهْ ... وباطن مشوَّهْ
يظهر من صداقه ... ما هو فوق الطاقه
والقلب منه خالي ... كفارغ المخالي
حتى اذا ما انصرفا ... أعرض عن ذاك الصفا
وإن يكن ثم حسدْ ... انشب انشابَ الاسدْ
في عرضه مخالبه ... مستقصياً مثالبه
مجتهداً في غيبته ... لم يرعَ حقَّ غيبته
فهذه صحبة مَن ... تراه في هذا الزمنْ
فلا تكن معتمدا ... على صديق أبدا
وان عصيت ألا ... تصحب منهم خلا
فإنك الموفق بل ... السعيد المطلق
وان قصدت الصحبة ... فخذ لها في الأهبة
واحرص على آدابها ... تُعدُّ من أربابها
واستنبِ من شروطِها ... توقَّ من سقوطِها
---------------------------------------
* الناظم أحد علماء الشيعة في القرن الحادي عشر ، ولكن كونه شيعياً لا يعني الاستفادة من منظومة الرائع هذه فليس فيها شيء يدعو إلى التشيع و الضلال؛ فإن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها .(1/1)
فان أردت علمها وحدها ورسمها
فاستمله من رجزي هذا البديع الموجز
فإنه كفيل بشرحه حفيل
فصلته فصولا تقرّب الوصولا
لمنهج الآداب في صحبة الاصحاب
تهدي جميع الصحب الى طريق رحب
سميتها إذ طربا بنظمنه واغربا
بنغمة الأغاني في عشرة الاخوان
والله ربي اسأل وهو الكريم المفضل
الهادي للسداد ومانح الإمداد
فصلٌ في تعريف الصديق والصداقة
قالوا الصديق من صدق
في وده وما مذق
وقيل من لا يطعنا
في قوله أنت أنا
وقيل لفظ لا يرى
معناه في هذا الورى
وفسروا الصداقة
الحب حسب الطاقة
وقال من قد أطلقا
هي الوداد مطلقا
والاآخرون نصوا
بأنها أخص
وهو الصحيح الراجح
والحق فيه واضح
علامة الصديق
عند أولي التحقيق
محبة بلا غرض
والصدق فيها مفترض
وحدها المعقول
عندي ما أقول
فهي بلا اشتباه
محبة في الله
***
فصلٌ فيمن يصادق ويصافى
================
أخو صلاح وأدب ذو حسب وذو نسب
ربّ صلاح وتقى ينهاك عما يتقا
من حيلة وغدر وبدعة ومكر
مهذب الأخلاق يطرب للتلاقي
يحفظ مافي عيبتك يصون ما في غيبتك
يزينه ما زانكا يشينه ما شانكا
يظهر منك الحسنا ويذكر المستحسنا
ويكتم المعيبا ويحفظ المغيبا
يسره ما سركا ولا يذيع سركا
إن قال قولا صدقك أو قلت قولاً صدقك
وإن شكوت عسراً أفدت منه يسراً
يلقاك بالأمان في حادث الزمان
يهدي لك النصيحة بنية صحيحة
خلته مدانية في السر والعلانية
صحبته لا لغرض فذاك لللقلب مرض
لا يتغير إن ولي عن الوداد الأول
يرعى عهود الصحبة لا سيما في النكبة
لا يسلم الصديقا إن نال يوما ضيقا
يعين إن أمر عنا ولا يفوه بالخنا
يولي ولا يعتذر عما عليه يقدر
هذا هو الأخ الثقة المستحق للمقة
إن ظفرت يداكا فكد به عداكا
فإنه السلاح والكهف والمناح
وقد روى الرواة السادة الثقاة
عن الإمام المرتضى سيف الآله المنتضى
في الصحب والإخوان أنهما صنفان
إخوان صدق وثقة وأنفس متفقة
هم الجناح واليد والكهف والمستند
والأهل والأقارب أدنتهم التجارب
فافدهم بالروح في القرب والنزوح
واسلك بحيث سلكوا وابذل لهم ما تملك
فلا يروك مالكا من دونهم لمالكا(1/2)
وصاف من صافاهم وناف من نافاهم
واحفظهم وصنهم وانف الظنون عنهم
فهم أعز في الورى إن عنّ خطب او عرى
من أحمر الياقوت بل من حلال القوت
وإخوة للأنس ونيل حظ النفس
هم عصبة المجاملة للصدق في المعاملة
منهم تصيب لذتك إذ الهموم بذّتك
فضلهم ما وصلوا وابذل لهم ما بذلوا
من ظاهر الصداقة بالبشر والطلاقة
ولا تسل إن أظهروا للود عما اضمروا
واطوهم مد الحقب طي السجل للكتب
وقال بشر الحافي بل عدة الأصناف
ثلاثة فالأول للدين و هو الافضل
وآخر للدنيا يهديك نجد العليا
وثالث للأنس لكونه من جنس
فأعط كلا ما يحب وعن سواهم فاجتنب
***
فصلٌ في شروط الصداقة
==============
صداقة الإخوان الخلص العوان
لها شروط عدة على الرخاء والشدة
والرفق والتلطف والود والتعطف
وكثرة التعهد لها بكل معهد
البر بالأصحاب من أحكم الأسباب
والنصح للإخوان من أعظم الإحسان
والصدق والتصافي من أحسن الإنصاف
دع خدع المودة وأوجهاً مسودة
فالمحض في الإخلاص كالذهب الخلاص
حفظ العهود والوفا حق لإخوان الصفا
عاملهم بالصدق واصحب بحسن الخلق
والعدل والإنصاف وقلة الخلاف
ولاقهم بالبشر وحيهم بالشكر
صفهم بما يستحسن واخف ما يستهجن
وإن رأيت هفوة فانصحهم في خلوة
بالرمز والإشارة وألطف العبارة
إياك والتعنيفا والعذل والعنيفا
وإن ترد عتابهم فلا تسيء خطابهم
وأحسن العتاب ما كان في كتاب
والعتب بالمشافهة ضرب من المسافهة
وعن إمام نجل فاتك كل فحل
عاتب أخاك الجاني بالبر و الإحسان
حافظ على الصديق في الوسع والمضيق
فهم نسيم الروح ومرهم الجروح
وفي الحديث الناطق عن الإمام الصادق
من كان ذا حميم ينجي من الجحيم
لقول أهل النار وعصبة الكفار
فما لنا من شافع ولا حميم نافع
فالقرب في الخلائق أمن من البوائق
فقارب الأخوانا وكن لهم معوانا
لا تسمع المقالا فيهم وإن توالا
فمن أطاع الواشي سار بليل عاش
وضيع الصديقا وكذب الصدّيقا
واإن سمعت قيلا يحتمل التأويلا
فاحمله خير محمل فعل الرجال الكُمّل(1/3)
وإن رأيت وهنا فلا تسمهم طعنا
فالطعن بالكلام عند أولي الأحلام
أنفذ في الجنان من طعنة السنان
فعدِّ من زلاتهم وسد من خلاتهم
سل عنهم إن غابوا وزرهم إن آبوا
واستنب عن أحوالهم وعف عن أموالهم
أطعهم إن أمروا وصلهم إن هجروا
فقاطع الوصالا كقاطع الأوصالي
إن نصحوك فاقبل وإن دعوك أقبل
واصدقهم في الوعد فالخلف خلف الوغد
واقبل إذا ما اعتذروا إليك مما ينكر
وارع صلاح حالهم واشفق على محالهم
وكن له غياثا اذ الزمان عاثا
***
فصلٌ في الحث على إعانة الإخوان
===================
حقيقة الصديق تعرف عند الضيق
وتخبر الإخوان إذا جفى الزمان
لا خير في إخاء يكون في الرخاء
وإنما الصداقة في العسر والإضاقة
لا تدخر المودة إلا ليوم الشدة
ولا تعدّ الخلة إلا لسد الخلة
أعن اخاك واعضد وكن له كالعضد
لا سيما إن قعدا به زمانٌ أو عدا
بئس الخليل من نكل عن خله إذا اتكل
لا تجف في حال أخا ضنّ الزمان أو سخا
وإن شكى من خطبه فرم من اللطف به
وكن له كالنور في ظلمة الديجور
ولا تدع ولا تذر ما تستطيع من نظر
حتى يزول الهم ويكشف الملم
إن الصديق الصادقا من فرّج المضائقا
وأكرم الإخوانا إذا شكوا هوانا
وأسعف الحميما وحمل العظيما
وأنجد الأصحابا إن ريب دهر رابا
أعانهم بماله ونفسه وآله
ولا يرى مقصرا في بذل مال أو قرا
فعل أبي امامة في خله الحمامة
فإن اردت فاسمع لكي تعي
حكاية الفأر والحمامة
حكى أريب عاقل لكل فضل ناقل
عن سرب طير سارب
من الحمام الراعبي
بكر يوماً سحرا وسار حتى أصحرا
في طلب المعاش وهو ربيط الجاش
فأبصروا على الثرا حباً منقاً نُثرا
فأحمدوا الصباحا واستيقنوا النجاحا
فأسرعوا إليه وأقبلوا عليه
حتى إذا ما اصطفوا حِذاءه أسفوا
فصاح منهم حازم لنصحهم ملازم
مهلا فكم من عجلة أدنت لحي أجله
تمهلوا لا تقعوا وأنصتوا لي واسمعوا
آليتكم بالرب ما نثر هذا الحب ؟
في هذه الفلات إلا لخطب عاتي
إني أرى حبالاً قد ضمنت وبالا
وهذه الشباك في ضمنها هلاك(1/4)
فكابدوا المجاعة وأنتظروني ساعة
حتى أرى واختبر و الفوز حق المصطبر
فأعرضوا عن قوله واستضحكوا من حوله
قالوا وقد خط القدر للسمع منهم والبصر
ليس على الحق مرا حب معدٌ للقرا
ألقي في التراب للأجر والثواب
ما فيه من محذور لجائع مضرور
أغدوا على الغذاء فالجوع شر داء
فسقطوا جميعا للقطه سريعا
وما دروا أن الردى أكمن في ذاك الغدا
فوقعوا في الشبكة وأيقنوا بالهلكة
وندموا وما الندم مجد وقد زلّ القدم
فأخذوا في الخبط لحل ذاك الربط
فالتوت الشباك والتفت الأشراك
فصاح ذاك الناصح ما كل سعي ناجح
هذا جزاء من عصى نصيحه وانتقصا
للحرص طعم مر وشره شمِّر
وكم غدت أمّنية جالبة منية
فقالت الجماعة دع الملام الساعة
إن أقبل القناص فما لنا مناص
والفكر في الفكاك من ورطة الهلاك
أولى من الملام وكثرة الكلام
وما يفيد اللاحي في القدر المتاح
فاحتل على الخلاص كحيلة إبن العاص
فقام ذاك الحازم طوع النصوح لازم
فإن أطعتم نصحي ظفرتم بالنجح
وإن عصيتم أمري خاطرتم بالعمر
فقال كل هات فكرك بالنجاة
جميعنا مطيع وكلنا سميع
وليس كل وقت يزول عقل الثبت
فقال لا تحركوا فتستمر الشبكوا
واتفقوا في الهمة لهذه الملمة
حتى تطيروا بالشبك وتأمنوا من الدرك
ثم الخلاص بعد لكم علي وعد
فقبلوا مقاله وامتثلوا ما قاله
واجتمعوا في الحركة وارتفعوا بالشبكة
فقال سيروا عجلا سيراً يفوت الأجلا
ولا تملوا فالملل يعوق فالخطب جلل
فأمهم وراحوا كأنهم رياح واقبل الحبّال
في مشيه يختال يحسب أن البّركة
قد وقعت في الشبكة
فأبصر الحماما قد حلقت أمامه
وقلّت الحبالة وأوقعت خباله
فعض غيضاً كفه على ذهاب الكفه
فراح يعدو خلفها يرجو اللحاق سفها
حتى إذا ما أيسا عاد وهو مبتئسا
وأقبل الحمام كأنه غمام
على فلاة قفر من الأنام صفر
فقالت الحمامة بشراكم السلامة
هذا مقام الأمن من كل خوف يعني
فإن أردتم فقعوا لا يعتريكم فزع
فهذه المومات لنا بها النجات
ولي بها خليل إحسانه جميل(1/5)
ينعم بالفكاك من ربقة الشباك
فلجأوا اليها ووقعوا عليها
فنادت الحمامة أقبل أبا أمامة
فأقبلت فويرة كأنها نويرة
تقول: من ينادي أبي بهذا الوادي
قال لها المطوق أنا الخليل الشيق
قولي له فليخرج وآذنيه بالمجي
فرجعت وأقبلا فأرٌ يهد الجبلا
فأبصر المطوقا فضمه واعتنقا
وقال أهلا بالفتى ومرحباً بمن أتى
قدمت خير مقدم على الصديق الأقدم
فادخل بيمن داري وشرفن مقداري
وانزل برحب ودعة وجفنة مدعدعة
فقال كيف أنعم أم كيف يهني المنعم ؟
وأسرتي في الأسر يشكون كل عسر
فقال مرني ائتمر عداك نحس مستمر
قال أقرض الحبالا قرضا بلا ملاله
وحل قيد أسرهم وفكهم من أسرهم
قال أمرت طائعا وخادماً مطاوعا
فقرض الشباكا وقطع الأشراكا
وخلص الحماما وقد رأى الحّماما
فأعلنوا بحمده واعترفوا بمجده
فقال قروا عينا ولا شكوتم أينا
وقدم الحبوبا للأكل والمشروبا
وقام بالضيافة بالبشر واللطافة
أضافهم ثلاثا من بعد ما اغاثا
فقال ذاك الخل: الخير لا يمل
فقت أبا أمامه جوداً على ابن مامة
وجئت بالصداقة بالصدق فوق الطاقة
ألبستنا نطاقه وزدتنا أطواقا
من فعلك الجميل و فضلك الجزيل
مثلك من يدخر لريب دهر يحذر
وترتجيه الصحب إن عمّ يوماً خطب
فأذن بالإنصراف لنا بلا تجافي
دام لك الإنعام ما غرد الحمام
ودمت مشكور النعم ماراً شاد بنغم
فقال ذاك الفأر جفا الصديق عار
ولست أرضى بعدكم لا ذقت يوماً فقدكم
ولا أرى خلافكم إن رمتم انصرافكم
عمتكم السلامة في الظعن والإقامة
فودعوا وانصرفوا والدمع منهم يذرف
فاعجب لهذا المثل المغرب المؤثل
أوردته ليحتذى إذا عرى الخل أذى
***
فصلٌ في اتحاد الصديقين
==============
الصدق في الوداد يقضي بالاتحاد
في النعت والصفات والحال والهيئات
ويكسب المشوقا ما يكسب المعشوقا
حتى يظن أنه من الحبيب كنهه
لشدة العلاقة والصدق في الصداقة
وهذه القضية في حكمها مرضية
أثبتها البيان النقل و العيان
كذاك قال الأول الحق لا يأوّل
نحن من المساعدة نحيا بروح واحدة(1/6)
ومثلوا بالجسد والروح ذي التجرد
فالروح إن أمر عنا تقول للجسم أنا
وقال جلُّ الناظم مستند الأعاظم
من العلوم قد نشر منصور أستاذ البشر
وأمر هذا الحكم لم يقترن بعلم
وأنه قد ظهرا مشاهداً بلا مِرى
فمنه ما جرى لي في غابر الليالي
أصابني يوم ألم من غير أنذار ألمّ
فاحترت منه عجبا لمّا فقدت السببا
واستغرقتني الفكر حتى أتاني الخبر
أن حبيباً لي عرض بجسمه هذا المرض
فازداد عند علمي تصديق هذا الحكم
فالصدق في المحبة يوجب هذه النسبة
فكن صديقاً صادقا ولا تكن مماذقا
حتى تقول معلنا أني ومن اهوى أنا
***
فصلٌ في تزاور الإخوان
==============
تزاور الإخوان من خالص الإيمان
إن التآخي شجرة لها التلاقي ثمرة
لا تترك الزيارة فتركها حقارة
كل أخ زوّار وإن تناءا الدار
وقد روو آراء واختلفوا مراءا
في الحد للزيارة والمدة المختارة
فقيل كل يوم كالشمس بين القوم
وقيل كل شهر مثل طلوع البدر
وقيل ما نص الأثر عليه نصاً واشتهر
زر من تحب غِبّا تزدد إليه حبا
واختلفوا في الغب عن أي معنى ينبي
فقيل عن أيام خوفا من الإبرام
وقيل عن أسبوع وقفا على المسموع
وقيل بل معناه زر يوماً ويوماً لا تزر
فاعمل بما تراه في وصل من تهواه
وزر أخاك عارفا بحقه ملاطفا
وإن حللت منزله فاجعل صنيع الفضل له
واقبل إذا ما راما منه لك الإكراما
فمن أبى الكرامة حلت به الملامة
وإن أتاك زائرا فانهض إليه شاكرا
وقل مقال من شكر فضل الصديق وذكر
إن زارني بفضله أو زرته لفضله
فالفضل في الحالين له ووصل من تهوى صله
والضم والمصافحة من سنة المصالحة
أو كان يوم عيد أو جاء من بعيد
هذا هو المشهور يصفه الجمهور
وقد أتى في الأثر عن النبي المنذر
تصافح الاخوان يُسن كل آن
ما افترقا واجتمعا يغشاهما الخير معا
***(1/7)
فصلٌ في محادثة الإخوان
==============
إن رمت أن تحدثا بما مضى أو حدثا
لتؤنس الأصحابا فأحسن الخطابا
واختصر العبارة ولا تكن مهذارا
واختر من الكلام ما لاق بالمقام
من فائق العلوم ورائق المنظوم
واذكر من المنقول ما صح في المعقول
واجتنب الغرائبا كيلا تُظن كاذبا
والزم له السكاتا واحسن له الإنصاتا
ولا تكن ملتفتا عنه إلى أن يسكتا
وإن أتى بنقل سمعته من قبل
فلا تقل هذا الخبر علمته فيما غبر
ولا تُكّذب ما روى ودع سبيل من غوى
***
فصلٌ في ممازحة الإخوان
==============
المزح والدعابة من شيم الصحابة
فإنه في الخلق عنوان حسن الخُلق
تولي به السرورا خليلك المصدورا
فامزح مزاح من قسط وكن على حد وسط
واجتنب الإيحاشا ولا تكن فحّاشا
فالفحش في المزاح ضرب من التلاح
يجر للسخيمة والظنة الوخيمة
وجانب الإكثارا وحاذر العثارا
فكثرة الدعابة تذهب بالمهابة
وعثرة اللسان توقع بالإنسان
واحمل مزاح الإخوة وخل عنك النخوة
فالبسط في المصاحبة يفضي إلى المداعبة
وإن سمعت نادرة فلا تفه ببادرة
لا تغضبن فالغضب في المزح من سوء الأدب
وانظر إلى المقام وقائل المقام
فإن يكن وليا وصاحبا صفيا
فقوله وإن نبا فهو الولاء المجتبى
وإن يكن عدوا مكاشحاً مجفوا
فقوله وإن حلى هو البلاء المجتلا
ألا ترى للعرب تقول عند العجب
قاتله الله ولا تقول ذاك عن قلا
***
فصلٌ في ضيافة الإخوان
==============
إذا الصديق طرقا من غير وعد سبقا
فقدّمن ما حضر فليس في البر خطر
ولا ترم تكلفا خير الطعام ما كفى
واعلم بأن الألفة مسقطة للكلفة
وإن دعوت فاحتفل ولا تكن كمن بخل
وقم بحق الضيف في شتوة أو صيف
وأسأل له ما يشتهي من طرف التفكه
وأت بما يقترح فاللطف لا يستملح
واعمل بقول الأول الضيف رب المنزل
وأظهر الإناسا ولا تكن عباسا
فالبشر واللطافة خير من الضيافة
وخدمة الأضياف سجية الأشراف
إحرص على سرورهم بالبسط في حضورهم
لا تشك دهراً عندهم ولا تكدر ودهم
واحلم عن الخدام والعبد والغلام
وإن أساؤ الأدبا كيلا يروك مغضباً
وقدم الخوانا وأكرم الإخوانا
عن إنتظار من يجي فذاك فعل الهمج
وقد رووا فيما ورد أعظم ما يضني الجسد
مائدة تنتظر بأكلها من يحضر(1/8)
آنسهم في الأكل فعل الكريم الجزل
وأطل الحديثا ولا تكن حثيثا
فاللبث في الطعام من شيم الكرام
وشيع الأضيافا إن طلبوا انصرافا
وإن دعاك من تحب إلى طعام فأجب
إجابة الصدّيق فرض على التحقيق
فإن أجبت دعوته فلا تهيج جفوته
ولا تزرين بصاحب أو أحد الأقارب
واجلس بحيث اجلسك وأنس به ما آنسك
لا تأب من كرامته وكف عن غرامته
إياك والتثقيلا ولا تكن ثقيلا
لا تحتقر ما أحضرا ولا تعب ما حضرا
فالذم للطعام من عادة الطغام
لا تحتشم من أكل كفعل أهل الجهل
ما جيء بالطعام إلا للإلتقام
***
فصلٌ في عيادة الإخوان
=============
عيادة العليل فرض على الخليل
فعد أخاك إن مرض واعمل بحكم ما فرض
وسله عن أحواله باللطف في سؤاله
وضع عليه يدك واعطف عليه جهدك
وسائلاً عن مابه واسأل عن إكتسابه
وادع له بالعافية والصحة الموافية
واحذر من التطويل وضجّر العليل
فمكث ذي الصداقة قدر احتلاب الناقة
إلا إذا ما التمسا من نفسه أن تجلسا
والعود للعيادة بعد ثلاث عادة
هذا لمن أحبا وإن يشأ فغبا
وسنة المعتل إيذان كل خل
ليقصدوا وفادته ويغنموا عيادته
وليترك الشكاية ويكتم النكاية
عن عائد وزائر فعل الكريم الصابر
وليحمد الله على بلائه بما ابتلى
ليحزر الثوابا والاجر والصوابا
***
فصلٌ في مكاتبة الإخوان
==============
تواصل الأحباب في البعد بالكتاب
فكاتب الإخوانا ولا تكن خوّانا
فتركك المكاتبة ضرب من المجانبة
والبدؤ للمسافر فى الكتب لا للحاضر
والرد للجواب فضل بلا ارتياب
***
فصلٌ في التحذير من صحبة الأحمق
====================
لا تصحبن الأحمقا المائق الشمقمقا
عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل
إن اصطحاب المائق من أعظم البوائق
فإنه لحمقه وخبطه في عمقه
يحب جهلاً فعله وأن تكون مثله
يستحسن القبيحا ويبغض النصيحه
بيانه فهاهة وحلمه سفاهة
وربما تمطى فكشف المغطى
لا يحفظ الأسرارا ولا يخاف عارا
يعجب من غير عجب يغضب من غير غضب
كثيره وجيز ليس له تمييز
وربما إذا نظر أراد نفعا فأضر
كفعل ذاك الدب بخله المحب(1/9)
حكاية الدب
=======
روى أولوا الأخبار عن رجل سيار
أبصر في صحراء فسيحة الأرجاء
دباً عظيما موثقا في سرحة معلقا
يعوي عواء الكلب من شدة وكرب
فأدركته الشفقة عليه حتى أطلقه
وحله من قيده لأمنه من كيده
ونام تحت الشجرة منام من قد أضجره
طول الطريق والسفر فنام من فرط الضجر
فجاء ذاك الدب عن وجهه يدب
فقال هذا الخل جفاه لا يحل
أنقذني من أسري وفك قيد عسري
فحقه أن أرصده من كل سوء قصده
فأقبلت ذبابة ترن كالربابة
فوقعت لحينه على شِفار عينه
فجاش غيظ الدب وقال لا وربي
لا أدع الذبابا يسيمه عذابا
فأسرع الدبيبا لصخرة قريبه
فقلها وأقبلا يسعى إليه عجلا
حتى إذا حاذاه صك بها محذاه
ليقتل الذبابة قتلاً بلا إرابه
فرض منه الرأسا وفرق الأضراسا
وأهلك الخليلا بفعله الجميلا
فهذه الرواية تنهى عن الغواية
في طلب الصداقة عند أولي الحماقة
إذ كان فعل الدب هذا لفرط الحب
وجاء في الصحيح نقلاً عن المسيح
عالجت كل أكمه وأبرص مشوه
لكنني لم أطق قط علاج الأحمق
فصلٌ في صحبة الكذاب
==============
صحابة الكذاب كلامع السراب
يخلق ما يقول معلومه مجهول
يقرب البعيدا ويُأمن الوعيدا
ويبعد القريبا ويأمن المريبا
يحلف ثم يخلف فلا يمين كلف
يمين في اليمين وليس بالأمين
وفي كلام الأدباء العلماء النجباء
لم ير في القبائح وجملة الفضائح
كالكذب أوهى سببا ولا أضل مذهبا
ولا أعز طالبا ولا أذل صاحبا
يسلم من يعتصم به ومن يلتزم
طلوعه أفول وفضله فضول
غليله لا ينقع وخرقه لا يرقع
صاحبه مكذب وفي غد معذب
فجانب الكذابا وأوله اجتنابا
واسمع حديثاً عجبا في
في رفض من قد كذبا
حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي
======================
روى أولو الأخبار وناقلو الآثار
عن حدث ذي أدب وخلق مهذب
يسكن في بغداد في نعمه تلادي
فارق يوماً والده وطرفه وتالده
وحل أرض البصرة بلوعة وحسرة
فظل فيها حائرا يكابد المرائرا
ولم يزل ذا فحص يسأل كل شخص(1/10)
عمن بها من نازل وفاضل مشاكل
فوصفوا نديما ذا أدب كريما
ينادم المهلب وهو أمير العرب
فأمه وقصده وحين حل معهده
عرّفه بأمره وحلوه ومره
فقال أنت تصلح بل خير من يستملح
لصحبة الأمير السيد الخطير
إن كنت ممن يصبر لخصلة تستكثر
فقال أي خصلة فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل لا يعتريه الملل
من إفتراء الكذب في حزن وطرب
فإن أردت طوله فصدقن قوله
في كل ما يختلق ويفتري وينطق
حتى تنال نائله ولا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل ذاك ولست أجهل
فذهب النديم وهو به زعيم
فعّرف الأميرا بفضله كثرا
حتى دعاه فحضر وسره عند النظر
فراشه في الحال بكسوة ومال
فلزم الملازمة للأنس والمنادمة
ولم يزل يصدقه في كل إفك يخلقه
فقال يوماً وافترى بهتاً وكذبا منكرا
لي عادة مستحسنة أفعلها كل سنة
أطبخ للحجاج من لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا يكفي الجميع مأكلا
فحار ذلك الفتى من قوله وبهتا
وقال ليت شعري ما قدر هذا القدر
هل هي بئر زمزم أو هي بحر القلزم
أم هي في الفضاء بادية دهناء
فغضب الأمير وغاضه النكير
وقال ردوا صلته منه وقدوا خلعته
وأخرجوه الآنا عنا فلا يرانا
فندم الأديب وساءه التكذيب
وعاود النديما لعذره مقيما
وقال منذ دهري لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب وحاق بي العذاب
وقلت ما لا أعقل والهفو قد يحتمل
فسل لي الإغضاء والعفو والرضاء
قال النديم إني أُرضيه بالتأني
بشرط أن تنيبا وتترك التكذيبا
فراجع الأميرا واستوهب التقصيرا
واستأنف الإنعاما عليه والإكراما
فعاد للمنادمة باللطف والملائمة
فكان كلما كذب وقال افكا وانتدب
صدقه وأقسما بكونه مسلما
حتى جرى في خبر ذكر كلاب عبقر
ووصفها بالصغر وخلقها المحتقر
قال الأمير وابتكر ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة لدي منها عدة
أضعها في مكحلة للهزل والخزعبلة
وكان عندي مسخرة أكحل منها بصره
فكانت الكلاب في عينه تناب
وهي على مجونه تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى يقول لا عشتُ متى
صدقت هذا الكذبا شاء الأمير أم أبى(1/11)
ورد ما كساه به وما حباه
وراح يعدو عاريا من البلاد ناجيا
فصلٌ في التحذير من صحبة الأشرار
وصحبة الأشرار أعظم في الإضرار
من خدعة الأعداء ومن عضال الداء
يقبحون الحسنا ودأبهم قول الخنا
شأنهم النميمة والشيم الذميمة
إذا أردت تصنع خيراً بشخص منعوا
الغل فيهم والحسد والشر حبل من مسد
إن منعوا ما طلبوا تنمروا وكلبوا
وأعرضوا إعراضا ومزقوا الأعراضا
ليس لهم صلاح حرامهم مباح
لا يتقون قبحا ولا يعون نصحا
يغدون بالقبيح والضر و التبريح
كلامهم فحاش وأنسهم إيحاش
الخير منهم وان والشرّ منهم دان
شيطانهم مطاع ودينهم مضاع
لا يرقبون إلاّ ولا يرون خِلاّ
إخلاصهم مداهنة وودهم مشاحنة
صلاحهم فساد رواجهم كساد
عزيزهم ذليل صحيحهم عليل
ضياؤهم ظلام وعذرهم ملام
تقريبهم بعيد ووعدهم وعيد
إذا سألت ضنوا أو منحوك منوا
وإن عدلت مالوا وإن سألت قالوا
ربحهم خسران وشكرهم كفران
وودهم خداع وسرهم مذاع
إذعانهم لجاج معينهم أُجاج
وليس فيهم عار من إدراع العار
البعد عنهم خير والقرب منهم ضير
فاحذرهم كل الحذر لحاك لاح أو عذر
واسمع مقال الناصح سمع اللبيب الراجح
وقال أرباب الحكم العالمون بالأمم
إن شئت أن تصاحبا من الأنام صاحبا
فابدأ بالمشاوره في حالة المحاورة
من حالة تريدها او حاجة تفيدها
فإن أشار ناصحا بالخير كان صالحا
فأوله الصداقة ولا تخف شقاقه
فالخير فيه طبع واصله والفرع
وإن اشار مغريا بالشر كان مغويا
فاجتنب إصطحابه واوظب اجتنابه
والشيم الردية أضحت له سجية
هذا وقد تم الرجز بعون ربي ونجز
وهاكها أحكاما أحكمتها أحكاما
كدرر البحور عى نحور الحور
والختم بالصلاة على زكي الذات
وبالسلام السرمدي على النبي أحمد
والآل والأصحاب مع جملة الأحباب
ما غردة حمامة إلى يوم القيامة(1/12)
مقدمة
قال الإمام الحافظ : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - يC تعالى - :
الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد :
فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت وبسطت واختصرت فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك (1/12)
الخبر إما أن يكون له
فأقول : الخبر إما أن يكون له :
* طرق بلا عدد معين
* أو مع حصر بما فوق الاثنتين
* أو بهما
* أو بواحد
فالأول : المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه
والثاني : المشهور وهو المستفيض على رأي
والثالث : العزيز وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه
والرابع : الغريب
وكلها - سوى الأول - آحاد وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار (1/13)
الغرابة
* ثم الغرابة : إما أن تكون في أصل السند أولا
فالأول : الفرد المطلق
والثاني : الفرد النسبي ويقل إطلاق الفرد عليه
وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ : هو الصحيح لذاته
وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف
ومن ثم قدم صحيح البخاري ثم مسلم ثم شرطهما
فإن خف الضبط : فالحسن لذاته وبكثرة طرقه يصحح
فإن جمعافللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين
وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق
فإن خولف بأرجح فالرجح المحفوظ ومقابله الشاذ ومع الضعف الراجح المعروف ومقابلة المنكر (1/13)
الفرد النسبي
* والفرد النسبي : إن وافقه غيره فهو المتابع
وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد
وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار (1/15)
المقبول
* ثم المقبول : إن سلم من المعارضة فهو المحكم وإن عورض بمثله : فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث
أو لا وثبت المتأخر فهو الناسخ والآخر المنسوخ وإلا فالترجيح ثم التوقف (1/15)
المردود
* ثم المردود : إما أن يكون لسقط أو طعن (1/16)
السقط
* فالسقط : إما أن يكون من مباديء السند من مصنف أو من آخر بعد التابعي أو غير ذلك
فالأول : المعلق
والثاني : هو المرسل
والثالث : إن كان باثنين فصاعدا مع التوالي فهو المعضل وإلا فالمنقطع ثم قد يكون واضحا أو خفيا
* فالأول : يدرك بعدم التلاقي ومن ثم احتيج إلى التأريخ
* والثاني : المدلس ويرد بصيغة تحتمل اللقي : كعن وقال وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق من حدث عنه (1/16)
الطعن
* ثم الطعن : إما إن يكون لكذب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو غفلته أو فسقه أو وهمه أو مخالفته أو جهالته أو بدعته أو سوء حفظه
فالأول : الموضوع والثاني : المتروك والثالث : المنكر على رأي وكذا الرابع والخامس (1/17)
الوهم
* ثم الوهم : إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق : فالمعلل (1/18)
المخالفة
* ثم المخالفة : إن كانت بتغيير السياق : فمدرج الإسناد
أو بدمج موقوف بمرفوع : فمدرج المتن
أو بتقديم أو تأخير : فالمقلوب
أو بزيادة راو : فالمزيد في متصل الأسانيد
أو بإبداله ولا مرجح : فالمضطرب - وقد يقع الإبدال عمدا امتحانا - أو بتغيير مع بقاء السياق : فالمصحف والمحرف
ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل (1/18)
الجهالة
* ثم الجهالة : وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض وصنفوا فيه الموضح
وقد يكون مقلا فلا يكثر الأخذ عنه وصنفوا فيه الوحدان أو لا يسمى اختصارا وفيه المبهمات ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح
فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين أو اثنان فصاعدا ولم يوثق : فمجهول الحال وهو المستور
ثم البدعة : إما بمكفر أو بمفسق
فالأول : لايقبل صاحبها الجمهور
والثاني : يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار وبه صرح الجوزقاني شيخ النسائي (1/19)
سوء الحفظ
* ثم سوء الحفظ : إن كان لازما فهو الشاذ على رأي أو طارئا فالمختلط ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلس : صار حديثهم حسنا لا لذاته بل بالمجموع (1/20)
الاسناد
* ثم الإسناد : إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تصريحا أو حكما : من قوله أو فعله أو تقريره
أو إلى الصحابي كذلك : وهو : من لقي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام : ولو تخللت ردة في الأصح
أو إلى التابعي : وهو من لقي الصحابي كذلك
فالأول : المرفوع والثاني : الموقوف والثالث : المقطوع ومن دون التابعي فيه مثله
ويقال للأخيرين : الأثر
والمسند : مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال
فإن قل عدده : فإما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة
فالأول : العلو المطلق
والثاني : النسبي
وفيه الموافقة : وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه
وفيه البدل : وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك
وفيه المساواة : وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخر مع إسناد أحد المصنفين
وفيه المصافحة : وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف ويقابل العلو بأقسامه النزول فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران
وإن روى كل منهما عن الآخر : فالمدبج وإن روى عمن دونه : فالأكبار عن الأصاغر ومنه الآباء عن الأبناء وفي عكسه كثرة ومنه من روى عن أبيه عن جده وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو : السابق واللاحق
وإن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل
وإن جحد مرويه جزما : رد أو احتمالا : قبل في الأصح وفيه : من حدث ونسي
وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل (1/21)
صيغ الأداء
* وصيغ الأداء : سمعت وحدثني ثم أخبرني وقرأت عليه ثم قرئ عليه وأنا أسمع ثم أنبأني ثم ناولني ثم شافهني ثم كتب إلي ثم عن ونحوها
فالأولان : لمن سمع وحده من لفظ الشيخ فإن جمع فمن غيره وأولها : أصرحها وأرفعها في الإملاء والثالث والرابع : لمن قرأ بنفسه فإن جمع : فكالخامس
والإنباء : بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كعن وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس : وقيل : يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة وهو المختار وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها واشترطوا في صحة المكتوب بها واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذان بالرواية وهي أرفع أنواع الإجازة
وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك (1/24)
الرواة
* ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعدا واختلفت أشخاصهم : فهم المتفق والمفترق وإن اتفقت الأسماء خطا واختلفت نطقا : فهو المؤتلف والمختلف
وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس : فهو المتشابه وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة ويتركب منه ومما قبله أنواع : منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك (1/26)
خاتمة
ومن المهم : معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم : تعديلا وتجريحا وجهالة
ومراتب الجرح : وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس ثم دجال أو وضاع أو كذاب
وأسهلها : لين أو سييء الحفظ أو فيه مقال
ومراتب التعديل : وأرفعها الوصف بأفعل : كأوثق الناس ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة أو ثقة حافظ وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح : كشيخ وتقبل التزكية من عارف بأسبابه فإن خلا عن التعديل : قبل مجملا على المختار (1/28)
فصل معرفة الكنى وغيرها
ومن المهم : معرفة كنى المسمين وأسماء المكنين ومن اسمه كنيته ومن اختلف في كنيته ومن كثرت كناه أو نعوته ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس أو كنيته كنية زوجته ومن نسب إلى غير أبيه أو إلى أمه أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدا ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه
ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة والكنى والألقاب والأنساب وتقع إلى القبائل والأوطان : بلادا أو ضياعا أو سككا أو مجاورة وإلى الصنائع والحرف : ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء وقد تقع ألقابا
ومعرفة أسباب ذلك ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل : بالرق أو بالحلف ومعرفة الإخوة و الأخوات
ومعرفة آداب الشيخ والطالب وسن التحمل والأداء وصفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه وتصنيفه : إما على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف
ومعرفة سبب الحديث : وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء وصنفوا في غالب هذه الأنواع وهي نقل محض ظاهرة التعريف مستغنية عن التمثيل مبسوطاتها والله الموفق والهادي لا إله إلا هو (1/30)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْم
***** نظم الأجرّومية المسمَّى الدرة البهية للإمام العمريطي *****
العمريطي هو :
شرف الدين يحيى بن نور الدين موسى بن رمضان بن عميرة العمريطي الشافعي الأنصاري الأزهري، الفقيه النحوي.العمريطي نسبة لقرية عمريط بشرقية مصر.
كان رحمه الله تهالى آية في النظم والتأليف له المنظومات التي طارت شهرتها في البلاد منها:
• الدرة البهية في نظم الآجرومية في النحو.
• نهاية التدريب في نظم غاية التقريب لأبي شجاع. في الفقه الشافعي .
• التيسير نظم التحرير في الفقه الشافعي .
• تسهيل الطرقات في نظم الورقات لإمام الحرمين في أصول الفقه.
( توفي بعد 989 هـ )(1/1)
مقدمة النظم :
الحمد لله الّذِي قَدْ وَفَّقَا........ لِلْعِلْمِ خَيْرَ خَلْقِهِ وَ لِلْتُّقَى
حَتَّى نَحَتْ قُلُوبُهُمْ لِنَحْوِهِ...... فَمِنْ عَظيمِ شَأْنِهِ لَمْ تَحْوِهِ
فَأُشْرِبَتْ مَعْنَى ضَمِيرِ الشَّانِ.... فَأَعْرَبَتْ فِي ألحَانِ بِالأَلْحانِ
ثُمَّ الصَّلاَةُ مَعَ سَلاَمٍ لاَئِقِ....... عَلَى النَّبِيِّ أَفْصَحِ الْخَلاَئِقِ
مُحَمَّدٍ وَالآلِ وَالأَصْحابِ...... مَنْ أَتْقَنُوا الْقُرْءَانَ بِالإعْرَابِ
وَبَعْدُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا اقْتَصَرْ...... جُلُّ الْوَرَى عَلَى الْكَلاَمِ المَخْتَصَرْ
وَكَانَ مَطْلُوباً أَشَدَّ الطَّّلَبِ...... مِنَ الْوَرَى حِفْظُ اللِّسَانِ الْعَرَبي
كَيْ يَفْهَمُوا مَعَانِيَ الْقُرْءَانِ...... وَالسُّنَّةِ الدَّقِيقَةِ المَعَانِي
وَالنَّحْوُ أَوْلَى أَوَّلاً أَنْ يُعْلَمَا..... إذِ الْكَلاَمُ دونَهُ لَنْ يُفْهَمَا
وَكَانَ خَيْرُ كُتْبِهِ الصَّغِيْرَهْ.......كرَّاسَةً لَطِيفَةً شَهِيرَهْ
في عُرْبِهَا وَعُجْمِهَا والرُّومِ.......أَلَّفَهَا الْحَبْرُ (ابْنُ ءَاجُرُّومِ)
وَانْتَفَعََتْ أَجِلَّةٌ بِعِلْمِهَا...........مَعْ ما تَرَاهُ مِنْ لَطِيفِ حَجْمِهَا
نَظَمْتُهَا نَظْماً بَدِيعاً مُقْتَدِي.......بِالأَصْلِ في تَقْريبهِ لِلمُبْتَدِى
وَقَدْ حَذَفْتُ مِنْهُ ما عَنْهُ غِنَى.....وَزِدْتُهُ فَوَائِداً بِهَا الغِنَى
مُتَمِّماً لِغَالِبِ الأَبْوَابِ............فَجَاءَ مِثْلَ الشَّرْحِ لِلْكِتَابِ
سُئِلْتُ فِيهِ مِنْ صَدِيقٍ صَادِقِ.....يَفْهَمُ قَوْلِي لاِعْتِقَادٍ واثِقِ
إذِ الْفَتَى حَسْبَ اعْتِقَادِهِ رُفِعْ.....وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ لَمْ يَنْتَفِعْ
فَنَسْأَلُ المَنَّانَ أَنْ يُجِيرَنَا...........مِنَ الرِّيَا مُضَاعِفاً أُجُورَنَا
وَأَنْ يَكُونَ نَافِعاً بِعِلْمِهِ............مَنِ اعْتَنَى بِحِفْظِهِ وَفَهْمِهِ(1/1)
*****باب الكلام*****
كَلاَمُهُمْ لَفْظُ مُفِيدٌ مُسْنَدُ.........وَالْكِلْمَةُ اللَّفْظُ المُفِيدُ المُفْرَدُ
لاِسْمٍ وَفِعْلٍ ثُمَّ حَرْفٍ تَنْقَسِمْ......وَهَذِهِ ثَلاَثَةٌ هِيَ الْكَلِمْ
وَالْقَوْلُ لَفْظٌ قَدْ أفَادَ مُطْلَقاً........كَقُمْ وَقَدْ وَإِنَّ زَيْداً ارْتَقَى
فَالاِسْمُ بِالتَّنْوِينِ والْخَفْضِ عُرِفْ...وحَرْفِ خَفْضٍ وَبِلاَمٍ وَأَلِفْ
وَالْفِعْلُ مَعْرُوفٌ بِقَدْ وَالسِّينِ.......وَتَاءِ تَأْنِيثٍ مَعَ التَّسْكِينِ
وَتَا فَعَلْتَ مُطْلَقاً كَجِئْتَ لِي.......وَالنُّونِ وَالْيَا فِي افْعَلَنَّ وافْعَلِي
وَالْحَرْفُ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ عَلاَمَهْ.......إلاَّ انْتِفَا قَبُولِهِ الْعَلاَمَهْ(1/2)
*****بَابُ الإعْرَابِ*****
إِعْرَابُهُمْ تَغْييرُ آخِرِ الْكَلِمْ...........تَقْدِيراً أو لَفْظاً لِعَامِلٍ عُلِمْ
أَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ فَلْتُعْتَبَرْ...............رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَكَذَا جَزْمٌ وَجرْ
وَالكُلُّ غَيْر الجَزمِ فِي الأَسمَا يَقَعْ.....وَكُلُّهَا فِي الْفِعْلِ وَالْخَفْضُ امْتَنَعْ
وَسَائِرُ الأَسْمَاءِ حَيْثُ لاَ شَبَهْ........قَرَّبَهَا مِنَ الحُرُوْفِ مُعْرَبَهْ
وَغَيْرُذِي الأَسْمَاء مَبْنِيُّ خَلاَ.........مُضَارِعٍ مِنْ كُلِّ نُونٍ قَدْ خَلاَ(1/3)
****بَابُ عَلاَمَاتِ الإعْرَابِ****
لِلرَّفْعِ مِنْهَا ضّمَّةٌ وَاوٌ أَلِفْ.........َكذَاكَ نُوْنٌ ثَابِتٌ لاَ مُنْحَذِفْ
فَالضَّمُّ فِي اسْمٍ مُفْرَدٍ كَأَحْمَدِ......وَجَمْعِ تَكْسِيرٍ كَجَاءَ الأَعْبُدِ
وَجَمْعِ تَأْنِيثٍ كَمُسْلِمَاتٍ..........وَكُلِّ فِعْلٍ مُعْرَبٍ كيَاتِي
وَالْوَاوُفِي جَمْعِ الذُّكُورِ السَّالِمِ.....كَالصَّالِحُونَ هُمْ أُولُو المَكَارِمِ
كَمَاأَتَتْ فِي الخَمْسَةِ الأَسْمَاءِ.......وَهْيَ الَّتِي تَأْتِي عَلَى الْوِلاءِ
أَبٌ أَخٌ حَمٌ وَفُوكَ ذُو جَرَى........كُلٌّ مُضَافاً مُفْرَداً مُكَبَّرَا
وَفِي مُثَنَّى نَحْوُ زَيْدَانِ الأَلِفْ.......وَالنُّونُ فِي المُضَارعِ الَّذِي عُرِفْ
بِيَفْعَلاَنِ تَفْعَلاَنِ أَنْتُمَا...............وَيَفْعَلُونَ تَفْعَلُونَ مَعْهُمَا
وَتَفْعَلِينَ تَرْحَمِينَ حَالِي..............وَاشْتَهَرَتْ بِالْخَمْسَةِ الأَفْعَالِ(1/4)
****بَابُ عَلاَمَاتِ النَّصْبِ****
لِلنَّصْبِ خَمْسٌ وَهْيَ فَتْحَةٌ أَلِفْ........كَسْرٌ وَيَاءٌ ثُمَّ نُونٌ تَنْحَذِفْ
فَانْصِبْ بِفَتْحٍ مَا بِضَمٍّ قَدْ رُفِعْ..........إِلاَّ كَهِنْدَاتٍ فَفَتْحُهُ مُنِعْ
وَاجْعَلْ لِنَصْبِ الخَمْسَةِ الأسْمَا أَلِفٌ....وَانْصِبْ بِكَسْرٍ جَمْعَ تَأْنِيثٍ عُرِفْ
وَالنَّصْبُ فِي الاِسْمِ الَّذِي قَدْ ثُنِّيَا.......وَجَمْعِ تَذْكِيرٍ مُصَحَّحٍ بِيَا
وَالْخَمْسَةُ الأفْعَالُ حَيْثُ تَنْتَصِبْ.......فَحَذْفُ نُونِ الرَّفْعِ مُطْلَقاً يَجِبْ(1/5)
****بَابُ عَلاَمَاتِ الخَفْضِ****
عَلاَمَةُ الخَفْضِ الَّتِي بِهَا انْضَبَطْ.........كَسْرٌ وَيَاءٌ ثُمَّ فَتْحَةٌ فَقَطْ
فَاخْفِضْ بِكَسْرٍ مَا مِنَ الأَسْمَا عُرِفْ....فِي رَفْعِهِ بِالضَّمِّ حَيْثُ يَنْصَرِفْ
وَاخْفِضْ بِيَاءٍ كُلَّ مَا بِهَا نُصِبْ.........وَالْخَمْسَةَ الأَسْمَا بِشَرْطِهَا تُصِبْ
وَاخْفِضْ بِفَتْحِ كُلَّ مَا لَمْ يَنْصَرِفْ.......مِمَّا بِوَصْفِ الفِعْلِ صَارَ يَتَّصِفْ
بِأَنْ يَحُوزَ الاُِسْمُ عِلَّتَيْنِ.................أَوْ عِلَّةً تُغْنِي عَنِ اثْنَتَيْنِ
فَأَلِفُ التَّأْنِيثِ أَغْنَتْ وَحْدَهَا............وَصِيغَةُ الجََمْعِ الَّذِي قَدِ انْتَهى
وَالْعِلَّتَانِ الْوَصْفُ مَعْ عَدْلٍ عُرِفْ.......أَوْوَزْنِ فِعْلٍ أَوْ بِنُونٍ وَأَلِفْ
وَهَذِهِ الثَّلاِثُ تَمْنَعُ الْعَلَمْ...............وَزَادَ تَرْكِيباً وَأَسْمَاءَ الْعَجَمْ
كَذَاكَ تَأْنِيثٌ بِمَا عَدَا الأَلِفْ............فَإِنْ يُضَفْ أَوْيَأْتِ بَعْدَ أَلْ صُرِفْ(1/6)
*****بَابُ عَلاَمَاتِ الجَزْمِ*****
والجَزْمُ فِي الأَفْعَالِ بِالسُّكُونِ..........أَوْحَذْفِ حَرْفِ عِلَّةٍ أَوْنُونِ
فَحَذْفُ نُونِ الرَّفْعِ قَطْعاً يَلْزَمُ..........فِي الخَمْسَةِ الأَفْعَالِ حَيْثُ تُجْزَمُ
وَبِالسُّكُونِ اجْزِمْ مُضَارِعاً سَلِمْ........مِنْ كَوْنِهِ بِحَرْفِ عِلَّةٍ خُتِمْ
إمَّا بِوَاوٍ أَوْ بِيَاءٍ أَوْ أَلِفْ...............وَجَزْمُ مُعْتَلٍّ بِهَا أَنْ تَنْحَذِفْ
وَنَصْبُ ذِي وَاوٍ وَيَاءٍ يَظْهَرُ...........وَمَا سوَاهُ فِي الثَّّلاَثِ قَدَّرُوا
فَنَحْوُ يَغْزُو يَهْتَدِي يخْشى خُتِمْ........بِعِلَّةٍ وغَيْرُهُ مِنْهَا سَلِمْ
وَعِلَّةُ الأَسْمَاءِ يَاءٌ وَأَلِفْ..............فَنَحْوُ قَاضٍ والْفَتَى بِهَا عُرِفْ
إِعْرَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُقَدَّرَ..............فِيهَا وَلكِنْ نَصْبُ قاضٍ يَظْهَرَ
وَقَدَّرُوا ثَلاَثَةَ الأَقْسَامِ................فِي الْمِيمِ قَبْلَ الْيَاءِ مِنْ غُلاَمِي
وَالْوَاوُ فِي كَمُسْلِمِيَّ أُضْمِرَتْ........وَالنُّونُ في لَتُبْلَوُنَّ قُدِّرَتْ(1/7)
*****فَصْلٌ*****
المُعْرَبَاتُ كُلُّهَا قَدْ تُعْرَبُ.............بِالْحَرَكَاتِ أَوْ حُرُوفٍ تَقْرُبُ
فَأَوَّلُ الْقِسْمَيْنِ مِنْهَا أَرْبَعُ.............وَهْيَ الَّتِي مَرَّتْ بِضَمٍّ تُرْفَعُ
وَكُلُّ مَا بِضَمَّةٍ قَدِ ارْتَفَعْ.............فَنَصْبُهُ بِلْفَتْحِ مُطْلَقاً يَقَعْ
وَخَفْضُ الاِسْمِ مِنْهُ بِالْكَسْرِ الْتُزِمْ.....وَالْفِعْلُ مِنْهُ بِاالسُّكُونِ مَنْجَزِمْ
لكِنْ كَهِنْدَاتٍ لِنَصْبِهِ انْكَسَرْ.........وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ بِفَتْحَةٍ يُجَرّ
وَكُلُّ فِعْلٍ كَانَ مُعْتَلاٌّ جُزِمْ..........بِحَذْفِ حَرْفِ عِلَّةٍ كَمَا عُلِمْ
وَالمُعْرَبَاتُ بِالحُرُوفِ أَرْبَعُ...........وَهْيَ المُثَنَّى وَذُكُورٌ تُجْمَعُ
جَمْعاً صَحِيحاً كَالْمِثَالِ الخَالِي......وَخَمْسَةُ الأَسْمَاءِ وَالأَفْعَالِ
أَمَّا المُثَنَّى فَلِرَفْعِهِ الأَلِفْ.............وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْيَا عُرفْ
وَكَالْمُثَنَّى الجَمْعُ فِي نَصْبٍ وَجَرّ.....وَرَفْعُهُ بِالْوَاوِ مَرَّ وَاسْتَقَرّ
وَالْخَمْسَةُ الاسْمَا كَهَذَا الجَمْعِ فِي...رَفْعٍ وَخَفْضٍ وَانْصِبَنْ بِالأَلِفِ
وَالْخَمْسَةُ الأَفْعَالُ رَفْعُهَا عَرِفْ......بِِنونِهَا وَفِي سوَاهُ تَنْحَذِفْ(1/8)
*****بَابُ المَعْرِفَةِ وَالنَّكِرةِ*****
وَإِنْ تُرِدْ تَعْرِيف الاِسْمِ النَّكِرَهْ..........فَهْوَ الَّذي يَقْبَلُ أَلْ مَؤَثِّرَهْ
وَغَيرُهُ مَعَارِفٌ وتُحْصَرُ................فِي سِتَّةٍ فَالأَوَّلُ مُضْمَرُ
يُكْنَى بِهِ عَنْ ظَاهِرٍ فَيَنْتَمِي..............لِلْغَيْبِ والْحُضُورِ والتَّكَلمِ
وَقَسَّمُوهُ ثَانياً لِمُتَّصِلْ..................مُسْتَتِرٍ أَوْبَارِزٍ أَوْ مُنْفَصِلْ
ثَانِي المَعَارِفِ الشَّهِيرُ بِالْعَلَمْ............كَجَعْفَرٍ وَمَكَّةٍ وَكَالحَرَمْ
وَأُمُّ عَمْرٍو وَأَبي سَعِيدٍ..................وَنَحْوِ كَهْفِ الظُّلْمِ وَالرَّشَيْدِ
فَمَا أَتَى مِنْهُ بِأُمٍّ أَوْ بِأَبْ................فَكُنْيَةٌ وَغَيْرُهُ اسْمٌ أَوْ لَقَبْ
فَمَا بِمَدْحٍ أَوْ بِذَمٍّ مُشْعِرُ...............فَلَقَبٌ وَالاِسْمُ مَا لاَ يُشْعِرُ
ثَالِثُهَا إِشَارَةٌ كَذَا وَذِي................رَابِعُهَا مَوْصُولُ الاِسْمِ كَالَّذِي
خَامِسُهَا مُعَرَّفٌ بِحَرْفِ أَلْ............كَمَا تَقُولُ فِي مَحَلِّ المَحَلْ
سَادِسُهَا مَا كَانَ مِنْ مُضَافِ...........لِوَاحِدٍ مِن هذِهِ الأَصْنَافِ
كَقَوْلِكَ ابْنِي وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ ذِي......وَابْنُ الَّذِي ضَرَبْتُهُ وَابْنُ الْبَذِي(1/9)
*****بَابُ الأَفْعَالِ*****
أَفْعَالُهُمْ ثَلاَثَةٌ فِي الوَاقِعِ.............مَاضٍ وَفِعْلُ الأَمْرِ وَالْمُضَارعِ
فَالْمَاضِ مَفْتُوحُ الأَخَيرِ إِنْ قُطِعْ......عَنْ مُضْمَرٍ مُحرَّكٍ بِهِ رُفِعْ
فَإنْ أَتى مَعْ ذَا الضَّمِيرُ سُكِّنَا.........وَضَمُّهُ مَعْ وَاوِ جَمْعٍ عُيِّنَا
وَالاْمْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ...........أَوْحَذْف حَرْفِ عِلَّةٍ أَوْ نُونٍ
وَافْتَتِحُوا مُضَارِعاً بِوَاحِدِ.............مِنَ الحُرُوفِ الأَرْبَعِ الزَّوَائِدِ
هَمْزٌ وَنُونٌ وَكَذَا يَاءٌ وتَا.............يَجْمَعُهَا قَوْلِي أَنَيْتُ يَافَتَى
وحَيْثُ كَانَتْ فِي رُبَاعِيٍّ تُضَمّ.......وَفَتْحُهَا فِيما سِوَاهُ مُلْتَزَمْ(1/10)
*****بَابُ إِعْرَابِ الْفِعْلِ*****
رَفْعُ المُضَارعِ الَّذِي تَجَرَّدَا..............عَنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ تَأَبَّدَا
فانْصِبْ بِعَشْرٍ وَهْيَ أَنْ وَلَنْ وَكَيْ.......كَذَا إِذَنْ إِنْ صُدِّرَتْ وَلاَمُ كَيْ
وَلاَمْ جَحْدٍ وَكَذَا حَتَّى وَأَوْ.............وَالْوَاوُ وَالْفَا فِي جَوَابٍ وَعَنَوْا
بِهِ جَوَاباً بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ..............كَلاَ تَرُمْ عِلْماً وتَتْرُكِ التَّعَبْ
وَجَزْمُهُ بِلَمْ وَلَمَّا قَدْ وَجَبْ..............وَلاَ وَلاَمٍ دَلَّتَا عَلَى الطَّلَبْ
كَذَاكَ إِنْ ومَا وَمَنْ وَإِذَ مَا...............أَيٌّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ مَهْمَا
وَحَيْثُمَا وَكَيْفَمَا وَأَنَّى....................كَإِنْ يَقُمْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو قمْنَا
وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَا بِهَا قَدْ أُلْحِقَا.............فِعْلَيْنِ لَفْظاً أَوْ مَحَلاًّ مُطْلَقَا
وَلْيَقْتَرِنْ بِالْفَا جَوَابٌ لَوْوَقَعْ..............بَعْدَ الأَدَاةِ مَوْضِعَ الشَّرْطِ امْتَنَعْ(1/11)
*****بَابُ مَرْفَوعَاتِ الأَسْمَاءِ*****
مَرْفُوعُ الاسْمَا سَبْعَةٌ نَأْتي بِهَا..........مَعْلُومَةَ الأَسْمَاءِ مِنْ تَبْوِيبِهَا
فَالْفَاعِلُ اسْمٌ مُطْلَقاً قَدِ ارْتَفَعْ.........بِفِعْلِهِ وَالْفِعْلُ قَبْلَهُ وَقَعْ
وَوَاجِبٌ فِي الْفِعْلِ أَنْ يُجَرَّدَا.........إِذَا لِجَمْعٍ أَوْ مُثَنَّى أُسْنِدَا
فَقُلْ أَتَى الزَّيْدَانِ وَازَّيْدُونَا............كَجَاءَ زَيْدٌ وَيَجِي أَخُونَا
وَقَسَّمُوهُ ظَاهِراً وَمُضْمَرَاً.............فَالظَّاهِرَ اللَّفْظُ الَّذِي قَدْ ذكِرَا
وَالمُضْمَرُ اثْنَا عَشَرَ نَوْعاً فُسِّمَا........كَقُمْتُ قُمْنا قُمْتَ قُمْتِ قُمْتُمَا
قُمْتُنَّ قُمْتُمْ قَامَ قَامَتْ قاما...........قَامُوا وَقُمْنَ نَحْوُ صُمْتُمْ عَامَا
وَهَذِهِ ضَمَائرٌ مُتَّصِلَهْ................وَمِثْلُهَا الضَّمَائِرُ المُنْفَصِلَهْ
وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْقِيَاسِ يُعْلَمُ.............كَلَمْ يٍقُمْ إِلاَّ أَنَا أَوْ أَنْتُمُ(1/12)
*****بَابُ نَائِبِ الْفَاعِلِ*****
أَقِمْ مَقَامَ الْفَاعِلِ الَّذِي حُذِفْ..........مَفْعُولَهُ فِي كُلِّ مَالَهُ عُرِفْ
أَوْ مَصْدَراً أَوْ ظَرْفاً أَوْ مَجْرُورَا........إِنْ لَمْ تَجِدْ مَفْعُولَهُ المَذْكُورَا
وَأَوَّلُ الْفِعْلِ الَّذِي هُنَا يُضَمّ...........وَكَسْرُ مَاقَبْلَ الأَخَيْرِ مُلْتَزَمْ
فِي كُلِّ مَاضٍ وَهْوَ فِي المُضَارعِ.......مُنْفَتِحٌ كَيُدَّعَى وَكَادُّعِي
وَأَوَّلُ الفِعْلِ الَّذِي كَبَاعَا..............مُنْكَسِرٌ وَهْوَ الَّذِي قَدْ شَاعَا
وَذَاكَ إِمَّا مُضْمَرٌ أَوْ مُظْهَرُ.............ثَانِيهِمَا كَيُكْرَمُ المُبَشِّرُ
أَمَّا الضَّمِيْرُ فَهْوَ نَحْوُ قَوْلِنَا............دُعِيتُ أُدْعى مَادُعِي إِلاَّ أَنَا(1/13)
*****بَابُ المُبْتَدَإ وَالْخَبَر*****
الْمُبْتُدَا اسْمٌ رَفْعُهُ مُؤَبَّدُ................عَنْ كَلِّ لَفْظٍ عَامِلٍ مُجَرَّدُ
وَالْخَبَرُ اسْمُ ذُو ارْتِفَاعٍ أُسْنِدَا..........مُطَابِقاً فِي لَفْظِهِ لِلْمُبْتَدَا
كَقَوْلِنَا زَيْدٌ عَظَيمُ الشَّانِ...............وَقَوْلِنَا الزَّيْدَانِ قائِمَانِ
وَمِثْلُهُ الزَّيْدُونَ قائِمُونَا.................وَمِنْهُ أَيْضاً قَائِمٌ أَخُونَا
وَالْمُبْتَدَا اسْمٌ ظَاهِرٌ كَمَا مَضى.........أَو مُضْمَرٌ كَأَنْتَ أَهْلٌ لِلقَضَا
وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِمَا اتَّصَلْ............مِنَ الضَّمِيرِ بَلْ بِكُلِّ مَا انْفَصَلْ
أَنَا وَنَحْنُ أَنْتَ أَنْتِ أَنْتُمَا...............أَنْتُنَّ أَنْتُمْ وَهْوَ وَهْيَ هُمْ هُمَا
وَهُنَّ أَيْضاً فَالجَمِيعُ اثْنَا عَشَرْ...........وَقَدْ مَضى مِنْهَا مِثَالٌ مُعْتَبَرْ
وَمُفْرَداً وَغَيْرُهُ يَأْتِي الخَبَرْ..............فَالأَوَّلُ اللَّفْظُ الَّذِي فِي النَّظْمِ مَرّ
وَغَيْرُهُ فِي أَرْبَعٍ مَحْصُورُ..............لاَ غَيْرُ وَهْيَ الظَّرْفُ وَالْمَجْرُورُ
وَفَاعِلٌ مَعْ فِعْلِهِ الَّذِي صَدَرَ...........وَالْمُبْتَدَا مَعْ مَالَهُ مِنَ الخَبَرْ
كَأَنْتَ عِنْدِي وَالْفَتَى بِدَارِي...........وَابْنِي قَرَا وَذَا أَبُوهُ قَارِي(1/14)
*****كَانَ وَأَخَوَاتُهَا*****
إِرْفَعْ بِكَانَ المُبْتَدَا اسْماً وَالْخَبَرْ...........بِهَا انْصِبَنْ كَكَانَ زَيْدٌ ذَا بَصَرْ
كَذَاكَ أَضْحى ظَلَّ بَاتَ أَمْسى............وَهَكَذَ أَصْبَحَ صَارَ لَيْسَا
فَتِىءَ وَانْفَكَّ وَزَالَ مَعْ بَرِحْ...............أَرْبَعُهَا مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ تَتَّضِحْ
كَذَاكَ دَامَ بَعْدَ مَا الظَّرْفِيَّهْ.................وَهْيَ الَّتِي تَكُونُ مَصْدِرِيَّهْ
وَكُلُّ مَا صَرَّفْتَهُ مِمَّا سَبَقْ.................مَنْ مَصْدَرٍ وَغَيْرِهِ بِهِ الْتَحَقْ
كَكُنْ صَدِيقاً لاَ تَكُنْ مُجَافِياً..............وَانْظُرْ لِكَوْنِي مُصْبِحاً مُوَافِيا(1/15)
*****إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا*****
تَنْصِبُ إِنَّ المُبْتَدَا اسْماً وَالْخَبَرْ..........تَرْفَعُهُ كَإِنَّ زَيْداً ذُو نَظَرْ
وَمِثْلُ إِنَّ أَنَّ لَيْتَ فِي الْعَمَلْ.............وَهَكَذَا كَأَنَّ لَكِنَّ لَعَلّ
وَأَكَّدُوا المَعْنَى بِإِنَّ أَنَّا...................وَلَيْتَ مِنْ أَلْفَاظِ مَنْ تَمَنَّى
كَأّنَّ لِلتَّشْبِيهِ فِي المُُُحَاكِي................واسْتَعْمَلُوا لكِنَّ فِي اسْتِدْرَاكِي
وَلِتَرَجٍّ وَتَوَقُّعٍ لَعَلّ......................كَقَوْلِهِمْ لَعَلَّ مَحْبُوبِي وَصَلْ(1/16)
*****ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا*****
إِنْصِبْ بِظَنَّ المُبْتَدَا مَعَ الْخَبَرْ..............وَكُلِّ فِعْلٍ بَعْدَهَا عَلَى الأَثَرْ
كَخِلْتُهُ حَسِبْتُهُ زَعَمْتُهُ....................رَأَيْتُهُ وَجَدْتُهُ عَلِمْتُهُ
جَعَلْتُهُ اتَّخَذْتُهُ وَكُلِّ مَا...................مِنْ هَذِهِ صَرَّفْتَهُ فَلْيُعْلَمَا
كَقَوْ لِهِمْ ظَنَنْتُ زَيْداً مُنْجِدَا..............وَاجْعَلْ لَنَا هَذَا المَكَانَ مَسْجِدَا(1/17)
*****بَابُ النَّعْتِ*****
النَّعْتُ إِمَّارَافِعٌ لِمُضْمَرِ................يَعودُ لِلْمَنْعُوتِ أَوْ لِمُظْهَرِ
فَأَوَّلُ الْقِسْمَيْنِ مِنْهُ أَتْبِعِ...............مَنْعُوتَهُ مِنْ عَشْرَةٍ لأَِرْبَعِ
فِي وَاحِدٍ مِنْ أَوْجُهِ الإِعْرَابِ..........مِنْ رَفْعٍ أَوْخَفْضٍ أَوْ انْتِصَابِ
كَذَا مِنَ الإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ.............وَالضِّدِّ وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ
كَقَوْلِنَا جَاءَ الْغُلاَمُ الفَاضِلُ............وَجَاءَ مَعْهُ نِسْوَةٌ حَوَامِلُ
وَثَانِي الْقِسْمَيْنِ مِنْهُ أَفْرِدِ...............وَإِنْ جَرَى المَنْعُوتُ غَيْرَ مُفْرَدِ
واجْعَلْهُ فِي التَّأنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ...........مُطَابِقاً لِلْمُظْهَرِ المَذْكَورِ
مِثَالُهُ قَدْ جَاءَ حُرَّتَانِ...................مَنْطَلِقٌ زَوْجَاهُمَا الْعَبْدَانِ
وَمِثْلُهُ أَتَى غُلاَمٌ سَائِلَهْ..................زَوْجَتُهُ عَنْ دَيْنِهَا المُحْتَاجِ لَهْ(1/18)
*****بَابُ الْعَطْفِ*****
وَأَتْبَعوا المَعْطُوفَ بِالْمَعْطوفِ...............عَلَيْهِ فِي إِعْرَابِهِ المَعْرُوفِ
وَتَسْتَوِي الأَسْمَاءُ وَالأَفْعَالُ فِي.............إِتْبَاعِ كُلِّ مِثْلَهُ إِنْ يُعْطَفِ
بِالْوَاوِ وَالْفَا أَوْ وَأَمْ وَثُمَّ....................حَتَّى وَبَلْ وَلاَ وَلَكِنِ أَمَّا
كَجَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو وَأَكْرِمِ................زَيْداً وَعَمْراً بِاللِّقَا وَالْمَطْعَمِ
وَفِئَةٌ لَمْ يَأْكُلُوا أَويَحْضُرُوا.................حَتَّى يَفُوتَ أَوْيَزُولَ المُنْكَرُ(1/19)
*****بَابُ التَّوكِيدِ*****
وَجَائِزٌ فِي الاِسْمِ أَنْ يُؤَكَّدَا.............فَيَتْبَعُ المُؤَكَّدُ المُؤَكَّدَا
فِي أَوْجُهِ الإِعْرَابِ وَالتَّعْرِيفِ لاَ.........مُنَكِّرٍ فَمَنْ مُؤَكَّدٍ خَلاَ
وَلَفْظُهُ المَشْهُورُ فِيهِ أَرْبَعُ................نَفْسٌ وَعَيْنٌ ثُمَّ كُلُّ أَجْمَعُ
وَغَيْرُهَا تَوَابِعٌ لأَِجْمِعَا...................مِنْ أَكْتَعٍ وَأَبْتَعٍِ وَأَبْصَعَا
كَجَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ وَقُلْ أَرَى..............جَيْشَ الأَمِيرِ كُلَّهُ تَأَخَّرَا
وَطفْتُ حَوْلَ الْقَوْمِ أَجْمَعينَا.............مَتْبُوعَةً بِنَحْوِ أَكْتَعِينَا
وَإِنْ تُؤَكِّدْ كَلْمَةً أَعَدْتَهَا................بِلَفْظِهَا كَقَوْلِكَ انْتَهَى انْتَهَى(1/20)
*****بَابُ الْبَدَلِ*****
إِذَا اسمٌ أَوْ فِعْلٌ لِمِثْلِهِ تَلاَ..............وَالْحُكْمُ لِلثَّانِي وَعَنْ عَطْفٍ خَلاَ
فَاجْعَلْهُ فِي إِعْرَابِهِ كَالأَوَّلِ..............مُنَقِّباً لَهُ بِلَفْظِ الْبَدَلِ
كُلُّ وَبَعْضٌ وَاشْتِمَالٌ وَغَلَطْ............كَذَلِكَ إِضْرَابٌ فًبِالْخَمْسِ انْضَبَطْ
كَجَاءَنِي زَيْدٌ أَخوكَ وأَكَلْ..............عِنْدِي رَغِيفاً نِصْفَهُ وَقَدْ وَصَلْ
إِلَيَّ زَيْدٌ عِلْمُهُ الَّذِي دَرَسْ..............وَقَدْ رَكِبْتُ الْيَوْمَ بَكْراً الْفَرَسْ
إِنْ قُلْتَ بَكْراً دُونَ قَصْدٍ فَغَلَطْ..........أَوْ قُلْتَهُ قَصْداً فَإِضْرَابٌ فَقَطْ
وَالْفِعْلُ مِنْ فِعْلٍ كَمَنْ يُؤْمِنْ يُثَبْ........يَدْخُلْ جِنَاناً لَمْ يَنَلْ فِيهَا تَعَبْ(1/21)
*****بَابُ مَنْصُوبَاتِ الأَسْمَاءِ*****
ثَلاَثَةٌ مِنْ سِائِرِ الأَسْمَا خَلَتْ..........مَنْصُوبَةٌ وَهَذِهِ عَشْرٌ تَلَتْ
وَكُلُّهَا تَأْتِي عَلَى تَرْتِيبِهِ...............أَوَّلُهَا فِي الذِّكْرِ مَفْعُولٌ بِهِ
وَذَلِكَ اسْمٌ جَاءَ مَنْصُوباً وَقَعْ.........عَلَيْهِ فِعْلٌ كَاحْذَرُوا أَهْلَ الطَّمَعْ
فِي ظَاهِرٍ وَمَضْمَرٍ قَدِ انْحَصَرْ.........وَقَدْ مَضى التَّمْثِيلُ لِلَّذِي ظَهَرْ
وَغَيْرُهُ قِسْمَانِ أَيْضاً مُتَّصِلْ...........كَجَاءَنِي وَجَاءَنَا وَمُنْفَصِلْ
مِثَالُهُ إِيَّاي أَوْ إِيَّانَا....................حَيَّيْتَ أَكْرِمْ بِالَّذِي حَيَّانَا
وَقِسْ بِذَيْنِ كُلَّ مُضْمَرٍ فُصِلْ..........وَبِاللَّذَيْنِ قَبْلَ كُلٍّ مَتَّصِلْ
فَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهُمَا قَدِ انْحَصَرْ..........مَاجَاءَ مِنْ أَنْوَاعِهِ فِي اثنَيْ عَشَرْ(1/22)
*****بَابُ المَصْدَرِ*****
وَإِنْ تُرِدْ تَصْرِيفَ نَحْوِ قامَا.............فَقُلْ يَقُومُ ثُمَّ قُلْ قِيَامَا
فَمَا يَجِيءُ ثَالِثاً فَالْمَصْدَرُ...............وَنَصْبُهُ بِفِعْلِهِ مُقَدَّرُ
فَإِنْ يُوَافِقْ فِعْلَهُ الَّذِي جَرَى............فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَلَفْظِيًّا يُرَى
أَوْ وَافَقَ المعْنَى فَقَطْ وَقَدْ رُوِيَ.........بِغَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ فَهْوَ مَعْنَوِي
فَقُمْ قِيَاماً مِنْ قَبِيلِ الأَوَّلِ..............وَقُمْ وُقُوفاً مِنْ قَبِيلِ مَا يَلِي(1/23)
*****بَاب الظَرْفِ*****
هُوَ اسْمُ وَقْتٍ أَوْ مَكَانٍ انْتَصَبْ.........كُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ فِي عِنْدَ العَرَبْ
إِذَا أَتَى ظَرْفُ المَكَانِ مُبْهَمَا..............وَمُطْلَقاً فِي غَيْرِهِ فَلْيُعْلَمَا
وَالنَّصْبُ بِالْفِعْلِ الَّذِي بِهِ جَرَى..........كَسِرْتُ مِيلاً واعْتَكَفْتُ أَشْهُرَا
أَوْ لَيْلَةً أَوْ يَوْماً أَوْ سِنِينَ.................أَوْمُدَّةً أَوْ جُمْعَةً أَوْحِبنَا
أَوْ قُمْ صَبَاحاً أَوْ مَسَاءً أَوْسَحَرْ..........أَو غُدْوَةً أَو بُكْرَةً إِلى السَّفَرْ
أَوْ لَيْلَةَ الإِْثْنَيْنِ أَوْ يَوْمَ الأَحَدْ............أَو صُمْ غَدَاً أَو سَرْمَدَاً أَو الأَبَدْ
واسْمُ المَكَانِ نَحْوُ سِرْ أَمَامَهْ.............أَو خَلْفَهُ وَرَاءَهُ قُدَّامَهْ
يَمِينَهُ شِمَالَهُ تَلْقَاءَهُ......................أَوْ فَوْقَهُ أَو تَحْتَهُ إِزَاءَهُ
أَوْ مَعْهُ أَوْ حِذَاءَهُ أَوْ عِنْدَهُ...............أَو دُونَهُ أَو قَبْلَهُ أَو بَعْدَهُ
هُنَاكَ ثُمَّ فَرْسَخاً بَرِيدا...................وَهَهُنَا قِفْ مَوْقِفاً سَعِيدا(1/24)
*****بَابُ الحَالِ*****
الحَالُ وَصْفٌ ذو انْتِصَابٍ آتِي..........مُفَسِّراً لِمُبْهَمِ الْهَيْآتِ
وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ مُنْكَّرَا...................وَغَالِباً يُؤْتَى بِهِ مُؤَخَّرا
كَجَاءَ زَيْدٌ رَاكِباً مَلْفُوفا................وَقَدْ ضَرَبْتُ عَبْدَهُ مَكْتوفا
وَقَدْ يَجِيءُ فِي الْكَلاَمِ أَوَّلاَ.............وَقَدْ يَجِيءُ جَامِداً مُؤَوَّلا
وَصَاحِبُ الحَالِ الَّذِي تَقَرَّرا............مُعَرَّفٌ وَقَدْ يَجي مُنَكَّرَا(1/25)
*****بَابُ التَّمْيِيزِ*****
تَعْرِيفُهُ آسْمٌ ذُو انْتِصَابٍ فَسَّرَا.............لِنِسْبَةٍ أَوْ ذَاتِ جِنْسٍ قَدَّرَا
كَانْصَبَّ زَيْدٌ عَرَقاً وَقَدْ عَلاَ...............قَدْراً وَلَكِنْ أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ
وَكَاشْتَرَيْتُ أَرْبَعاً نِعَاجَا....................أَو اشْتَرَيْتُ أَلْفَ رِطْلٍ سَاجَا
أَوْ بِعْتُهُ مَكِيلَةً أَرُزًّا.........................أَوْ قَدْرَ بَاعٍ أَوْ ذَرَاعٍ خَزًّا
وَوَاجِبُ التَّمْيِيزِ أَنْ يُنْكَّرَا...................وَأَنْ يَكونَ مُطْلَقاً مُؤَخَّرَا(1/26)
*****بَابُ الاُِسْتِثْنَاءِ*****
أَخْرِجْ بِهِ الْكَلاَمِ مَا خَرَجْ............مِنْ حُكْمِهِ وَكَانَ فِي اللَّفْظِ انْدَرَجْ
وَلَفْظُ الاُِسْتِثْنَا الَّذِي قَدْ حَوَى........إِلاَّ وَغَيْراً وَسِوَى سُوىً سَوَا
خَلاَ عَدَا حَاشَا فَمَعْ إِلاَّ انْصِبِ.......مَا أَخْرَجَتْ مِنْ ذِي تَمَامٍ مُوجَبِ
كقَامَ كُلُّ الْقَوْمِ إِلاَّ وَاحِدَا...........وَقَدْ رأَيْتُ الْقَوْمَ إِلاَّ خَالِدَا
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ ذِي تَمَامٍ انْتَفَى.........فَأَبْدِلَنْ وَالنَّصْبُ فِيهِ ضُعِّفَا
هَذَا إِذَا اسْتَثْنَيْهُ مِنْ جِنْسِهِ............وَمَا سِوَاهُ حُكْمُهُ بِعَكْسِهِ
كَلَنْ يَقُومَ القَوْمُ إِلاَّ جَعْفَرُ............وَانَّصْبُ فِي إِلاَّ بَعِيراً أَكْثَرُ
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ ناقِصٍ فَإِلاَّ..............قَدْ أُلْغِيَتْ وَالْعَامِلُ اسْتَقَلاَّ
كَلَمْ يَقُمْ إِلاَّ أَبوكَ أَوَّلاَ................وَلاَ أَرَى إِلاَّ أَخَاكَ مَقْبِلاَ
وَخَفْضُ مُسْتَثْنىً عَلَى الإِطْلاَقِ.........يَجُوزُ بَعْدَ السَّبْعَةِ الْبَوَاقِي
وَالنَّصْبُ أّيْضاً جَائِزٌ لِمَنْ يَشَا...........بِمَا خَلاَ ومَا عَدَا وَمَا حَشَا(1/27)
*****بَابُ لاَ الْعَامِلَةِ عَمَلَ إِنَّ*****
وَحُكْمُ لاَ كَحُكْمِ إِنَّ فِي الْعَمَلْ............فَانْصِبْ بِهَا مُنَكَّراً بِهَا اتَّصَلْ
مُضَافاً أَوْ مُشَابِهَ الْمُضَافِ.................كَلاَ غُلاَمَ حَاضِرٌ مكَافِي
لَكِنْ إِذَا تَكَرَّرَتْ أَجْرَيْتَهَا..................كَذَاكَ فِي الأَعْمَالِ أَوْ أَلْغَيْتَهَا
وَعِنْدَ إِفْرَادِ اسْمِهَا الْزَمِ الْبِنَا................مُرَكَّبَا أَوْ رفْعَهُ منَوِّنَا
كَلاَ أَخٌ وَلاَ أَبٌ وَانْصِبْ أَبَا................أَيْضاً وَإِنْ تَرِفَعْ أَخاً لاَ تَنْصِبَا
وَحَيْثُ عَرَّفْتَ اسْمَهَا أَوْ فُصِلاَ.............فَارْفَعْ وَنَوِّن وَالْتَزِمْ تَكْرَارَ لاَ
كَلاَ عَلِيٌّ حَاضِرٌ وَلاَ عُمَرْ..................وَلاَ لَنَا عَبْدٌ وَلاَ مَا يُدَّخَرْ(1/28)
*****بَابُ النِّدَاءِ*****
خَمْسٌ تنَادَى وَهْيَ مَفْرَدٌ عَلَم............وَمُفْرَدٌ منَكَّرٌ قَصْداً يُؤَمّ
وَمُفْرَدٌ مُنَكَّرٌ سِوَاهُ......................كَذَا المُضَافُ وَالَّذِي ضَاهَاهُ
فَالأَوَّلاَنِ فِيهِمَا الْبِنَا لَزِمْ.................عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِ كُلِّ قَدْ عُلِمْ
مِنْ غِيرِ تَنْوِينٍ عَلَى الإِطْلاَقِ.............وَالنَّصْبُ فِي الثَّلاَثَةِ الْبَوَاقِي
كَيَا عَلِيٌّ يَا غلاَمِي بِي انْطَلِقْ.............يَا غَافِلاً عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ أَفِقْ
يَا كَاشِفَ الْبَلْوَى وَيَا أَهْلَ الثَّنَا...........وَيَا لَطِيفاً بِالْعبَادِ الْطُفْ بِنَا(1/29)
*****بَابُ المَفْعُولِ لأَِجْلِهِ*****
وِالمَصدَرَ انْصِبْ إِنْ أَتَى بَيَانَا............لِعِلَّةِ الْفِعْلِ الَّذِي قَدْ كَانَا
وَشَرْطُهُ اتِّحَادُهُ مَعْ عَامِلِهْ..............فيما لَهُ مِنْ وَقْتِهِ وَفَاعِلِهْ
كَقُمْ لِزَيْدٍ اتِّقَاءَ شَرِّهِ..................وَاقٍْصِدْ عَلِيَّاً ابْتِغَاءَ بِرِّهِ(1/30)
*****بَابُ المَفْعُولِ مَعَهُ*****
تَعْرِيفُهُ اسْمٌ بَعْدَ وَاوٍ فَسَّرَا.............مَنْ كَانَ مَعْهُ فِعْلُ غَيْرِهِ جَرَى
فَانْصِبْهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي بِهِ اصْطَحَبْ......أَوْشِبْهِ فِعْلٍ كَاسْتَوَى المَاوَالخَشَبْ
وَكَالأَمِيرُ قَادِمٌ وَالْعَسْكَرَا..............وَنَحْوُ سِرْتُ وَالأَمِيرَ لِلْقُرَى(1/31)
*****بَابُ مَخْفوضَاتِ الأَسْمَاءِ*****
خَافِضُهَا ثَلاَثَةٌ أَنْوَاعٌ.................الحَرْفُ وَالمُضَافُ وَالإِتْبَاعُ
أَمَّا الحُرُوفُ هَهُنَا فَمِنْ إِلَى............بَاءٌ وَكَافٌ فِي وَلاَمٌ عَنْ عَلَى
كَذَاكَ وَاوٌبَا وَتَاءٌ فِي الحَلِفْ...........مُذْ مُنْذُ رُبَّ وَاوُ رُبَّ المُنْحَذِفْ
كَسرْتُ مَنْ مِصْرَ إِلَى الْعِرَاقِ..........وَجِئْتُ لِلْمَحْبُوبِ بِاشْتِيَاقِ(1/32)
*****بَابُ الإِضَافَةِ*****
مِنَ المُضَافِ أَسْقِطِ التَّنْوِينَا............أَوْ نُونَهُ كَأَهْلُكُمْ أَهْلُونَا
وِاخْفِضْ بِهِ الاِسْمَ الَّذِي لَهُ تَلاَ.......كَقَاتِلاَ غُلاَمَ زَيْدٍ قُتِلاَ
وَهْوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَوْ لاَمِ...............أَوْ مِنْ كَمَكْرِ اللَّيْلِ أَو غَلاَمِي
أَوْ عَبْدِ زَيْدٍ أَوْ إِنَا زُجَاجِ..............أَوْ ثَوْبِ خَزٍّ أََوكَبَابِ سَاجِ
وَقَدْ مَضَتْ أَحْكَامُ كُلِّ تَابِعِ...........مَبْسُوطَةٌ فِي الأَرْبَعِ التَّوَابِعِ
فَيَا إِلَهِي الْطُفْ بِنَا فَنَتَّبِعْ...............سُبْلَ الرَّشَادِ وَالْهُدَى فَنَرْتَفِعْ
وَفِي جُمَادَى سَادِسِ السَّبْعِينَا..........بَعْدَ انْتِهَا تِسْعٍ مِنَ المِئِينَا
قَدْ تَمَّ نَظْمُ هَذِهِ (المُقدِّمَهْ)..............فِي رُبْعِ أَلْفٍ كَافِيَا مَنْ أَحْكَمَهْ
نَظْمُ الْفَقِيرِالشَّرَفِ الْعَمْرِيطِي...........ذِي الْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَالتَّفْرِيطِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَدَى الدَّوَامِ..............عَلَى جَزِيلِ الْفَضْلِ وَالإِنْعَامِ
وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالتَّسْلِيمِ...............عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى الْكَرِيمِ
مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَالآلِ.................أَهْلِ التُّقَى وَالْعِلْمِ وَالْكَمَالِ
*****************************
- عليه السلام -- عليه السلام -- عليه السلام -
بعون الله تعالى و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات،
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و أصحابه و التابعين لهم بإحسان مدى الأوقات، آمين.(1/33)
نظم الجمل
للعلامة الطيب بن كيران
* * * * * * *
صلى اللّه على سيدنا محمد وآله :
حَمِدْتُ إِلِهي ثُمَّ صَلَّيْتُ أَوَّلاَ ... عَلَىِ سَيِّد الرُّسْلِ الْكِرَام ذَوِي الْعُلاَ
مُحَمَّد الْمبْعُوثِ للْخَلْقِ رَحْمَةً ... وَأَصْحَابِهِ طُرّاً أُولِي الْفَضْلِ وَالْعُلاً
وَبَعْدُ فهَاكَ نُبْذَة مِنْ قَوَاعِدٍ ... تُفِيدُكَ إِعْرَاباً فَحَصِّلْهُ تَفْضُلاَ
وَذَلِكَ حُكْمُ الظَّرفِ وَالْجُمْلَتَيِنِ مَعْ ...…بَيَاُنِ الّذِي قَدْ جُرَّ حَيْثُ تَنَزَّلاَ
وَأَسْالّ رَبِّي اللّه عَوْنّا عَلَى الَّذِي ...…قصَدْتُ فَمَا زَالَ الإِلَهُ مؤَمَّلاَ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الجُملَةِ
وَمِثْلُ أَتَى زَيْدٌ أَوِ الحَقُّ وَاضِحٌ ... أَوِ انْ قَام زَيْدٌ جُمْلَةٌ قَدْ تَمثَّلاَ
كَلاَماً تُسَمى إِنْ أَفَادَتْ وَجُمْلَةً ... وإلاَّ فتُسْمى جُمْلةً قَطُّ فاعْقِلاَ
فَفِعْلِيَّةٌ قُلْ انْ يَكُ الْفِعْل صَدْرَهَا ... وَإنْ لَمْ يَكُنْ فَاسْمِيَّةٌ كالْفَتَى الْعَلاَ
وَلا تَعْتَبِرْ حَرْفاً تَقَدَّمَ قَبْلَهَا ... كَقَدْ قامَ زَيْدٌ أَوْ أَزَيْدٌ تَفَضَّلا
وَمَا هُوَ فِي أَصْلِ الْكَلاَم مُصَدَّرٌ ... فمُعْتَبَرٌ مِنْ غَيْرَ خُلْفٍ تَحَصَّلاَ
فَفِعْلِيَّةٌ عمْرًا رَأَيْتُ وَخَالِداً ... أَجِرْهَ وَيا زَيْدُ الْكَرِيمُ المُبَجَّلاَ
وَكَيْفَ أَتَى زَيْدٌ وَأَتَى غلاَمِهمْ ... ضَرَبْتُ وَإنْ زَيْدٌ أتَاكَ فَحَصِّلاَ
ويَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ بَعْضٌ كَقَولهِمْ ... أَفِي الدَّارِ زَيْدٌ أَوْ أَعِنْدَكَ ذُو الْوِلاَ
بَابُ بَيَانِ الْجُمْلَةِ الْكُبْرَى وَالصُغرَى
وَزَيْدٌ أَبُوهُ قَائمٌ وَمُحَمَّدٌ ... أَتَى جُمْلَةً كُبرَى فَخُذْهُ مُمثِّلاَ
وَصُغْرَاهُمَا زَيْدٌ مُقِيمٌ وَعَامِرٌ ... مُعَنًّى وَبِكْرٌ ذُو غَرَامٍ بِمَنْ خَلاَ
وَكُبْرَى وَصُغْرَى قَدْ تَكُونُ كَخَالِدٌ ... أَبُوهُ أَخُوهُ عَالِمٌ بِالَّذِي تَلاَ(1/1)
وَيَحْتَمِل الْوَجْهَيْنِ بَعْضُ كَلاَمِهِمْ ... كَمِثْلِ أَنَا آتِيكَ فِي النَّمْلِ نُزِّلاَ
وَدِرْهَمُ ذَا فِي الْكِيس ثُمَّ مُحَمَّدٌ ... مُقِيمٌ أَبُوهُ فافْهَمَنْه مُسَهِّلا
انْقِسَامُ الْكُبْرَى إِلَى ذَاتِ وَجْهٍ وَذَاتِ وَجْهَيْنِ
وإِنْ جَاءَكَ اسْمٌ صَدْرَ كُبْرَى وَعَجْزِهَا ... أَتَى الْفِعْلُ تُسمَى ذَاتَ وَجْهَيْنِ فاعْقِلاَ
كَقَوْلِكَ زَيْدٌ يَسْتَجِيشُ غُلاَمَهُ ... وَعَمْرُو أَتَى وَالْحَقُّ ما زَالَ أُعْدِلاَ
وَإلاَّ فَذَاتُ وَجْهٍ تُسْمى كَعَامِرٌ ... أَبُوهُ مُقِيمٌ فافْهَمَنْهُ مُكَمِّلاَ
الْجُمَلُ الَّتي لا مَحَلَّ لهَا مِنَ الإِعْرَابِ
وَإِنْ فِي ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ جَاءَتْكَ جُمْلَة ... كَإِنَّا فَتَحْنَا أوْ غُلاَمُكَ أَقْبَلاَ
فَلَيْسَ لَهَا أَصْلاً مَحَلٌّ وَسَمِّهَا ... بِجُمْلَةِ الاسْتِينَافِ فَهْوَ قَدِ اعْتَلاَ
وَقالَ أَبُو إِسْحَاقَ جَرٌّ مَحَلُّهَا ... إِذَا وَقَعَتْ مِنْ بَعْدِ حَتَّى وَأَبْطِلاَ
كَذَا الجُمْلَةُ المَوْصُولُ الاسمُ بِهَا وَمِثْـ ... ـلُهَا صِلَةُ الْحَرْفِيِّ خُذْهُ مُمَثِّلاَ
كَجَاءَ الذِي قَدْ خَافَ مِمَّا ضَرَبْتُهُ ... وَمَعْنَاهُ مِنْ ضَرْبِي لَهُ قَدْ تَمثَّلاَ
كَذَا جُمْلَةُ التَّفْسِيرِ وَهِيَ تُبِينُ مَا ... تَلَتْهُ كَهَلْ هَذا وفِي اقْتَرَبَ انْجَلاَ
مُجرَّدَة تَأْتِي وَمَقرُونَةً بِأَيْ ... وَإِنْ كَانَ كَأَشَرْتُ لِلْغُلاَم أَنِ افْعَلاَ .
وَقَالَ الشَّلُوبِينُ المُفَسِّرُ مِثْلَ مَا ... يُفسَّرُ فِي الإعِرابِ والْحَقُّ ما خَلاَ
وَإِنْ تَتَعَرَّضْ بَيْنَ شَيْئينِ جُمْلَةٌ ... فلَيْسَ لَهَا أيضاً مَحَلٌّ فَحَصِّلاَ
وَقَدْ تَتَعَرَّضْ جُمْلَتانِ فَصَاعِداً ... خِلافاً لِقوْمٍ قَدْ أَبوْهُ فَأقْبِلاَ
وَإِنْ تَلتبِسْ خالِيَةٌ مَعَ هَذِهِ ... فمَيِّزْ بِأَشْيَاءَ أَتَتْكَ مُعَوِّلاَ(1/2)
كَمِثْلِ اقْتِرَانِ الْفَا بِهَا وَبأَنَّهَا ... أَتَتْ طَلَباً وَمِثْلَ سَوفَ بِهَا صِلاَ
أوِ الْواوِ إِنْ كانَ المُضَارِعُ صَدْرَهَا ... كيَا حاذَيَيْ عِيرٌ وَاحْسبَي اعْتَلاَ
كَذَا إِنْ تَجِبْ شَرْطاً بِهَا غَيرَ جَازِمٌ ... كمِثْلِ إِذَا وَلَوْ وَلَوْلا فَكَمِّلاَ
وَإِنْ يَكُ ذا جَزمٍ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِفَا ... وَلاِ بِإِذَا فَالْحُكْمُ فِيهَا كَذَا اجْعَلاَ
وَإنْ تَقَعْ أيضًا لِلْيَمِينِ جَوَابَهُ ... فَحُكْمكَ فِيهَا مِثْلُ حُكْمِك أَوَّلاَ
وَإنْ تَبِعَتْ ما لا مَحَلَّ لَهَا فَحُكْـ ... ـمُهَا مِثْلُهَا وَالْعَدُّ سَبْعٌ تَحَصَّلاَ
الجُمَلُ الّتِي لهَا مَحَلٌّ مِنَ الإعْرَابِ
وَإِنْ وَقعَتْ حَالاً فنَصْبٌ مَحَلُّهَا ... وَإِنْ تَأْتِ مَفْعُولاً كَذَلِكَ فَاجْعَلاَ
وَإِنْ وَقَعَتْ فِي مَوْضِع الْخَبَرِ احْكُمَنْ ... عَليْهَا بِرَفْعٍ أَوْ بِنَصْبٍ قَدِ انْجَلاَ
فَفِي الابتِدَا مَعْ بَابِ إنَّ ارْتِفَاعُهَا ... وَفِي كانَ مَعْ كادَ انْتِصَابٌ تَجَمَّلاَ
وَقلْ إِنْ يُضَفْ شَيْءٌ لَهَا الْجَر حُكْمُهَا ... كَيَوْمَ أَتَى زَيْدٌ أَخُو الفَضْلِ وَالْعَلاَ
وَمَهْمَا أَتَتْ مِنْ بَعْدِ حَيْثُ وإذْ إِذَا ... وَلَمَّا فَجَرٌّ حُكْمهَا عِنْدَ مَنْ بَلاَ
وَذَلِكَ فِي لمَّا عَلَى قَوْلِ فِرْقَةٍ رأَوْا ... أَنَّهَا اسْمٌ مِثْلَ حِينٍ تَنَزَّلاَ
وَإِنْ وَرَدَتْ أَيْضاً لِشَرْطٍ جَوَابَهُ ... وَجَاءَ إِذَا مَعْهَاُ أَو الْفَاءُ تُجْتَلاَ
فَمَوْضِعُهَا جَزْمٌ كإِنْ جَاءَ خَالِدٌ ... إِذَا عَمْرو آتٍ أَوْ فَعَمْروٌ قَدَ اقْبَلاَ
وَإِنْ مُفْردٌ يُنْعَتْ بِهَا فَفيَ مِثْلُهُ ... لَدَى الرَّفْعِ ثُمَّ النَّصْبِ وَالْجَرِّ مُجْمَلاَ
كَجَا رَجُلٌ يَدْعُو عَلَى رَجُلٍ عَصَا ... خَطيِباً يَجُوشُ الْقَوْمَ لِلْفَضْلِ وَالْعَلاَ(1/3)
وَإِنْ جُمْلَةٌ تُعْطَفْ عَلَى جُمْلَةٍ لَهَا ... مَحَلٌّ فَذَاكَ الْحُكْمُ فِيهَا تَحَصَّلاَ
كَزَيْدٌ أَبُوهُ رَاحِلٌ وَغُلامُهُ ... مُقِيمٌ وَ سَبْعٌ عَدُّهَا مُتَجَمَّلاَ
حُكْمُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ النَّكِرَةِ وَالْمَعرِفَةِ
وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ بَعْدِ مَحْضٍ مُعَرَّفٍ ... فَإِعْرَابُهَا حَالٌ لِمَا قَبْلُ قْدْ خَلاَ
وَإِنْ وَرَدَتْ مِنْ بَعْدِ مَحْضِ مُنَكَّرٍ ... فَإِعْرَابُهَا نَعْت لِمَا قَبْلُ قَدْ تَلاَ
وَتَحتَمِل الوَجْهيْنِ بَعْدَ مُنَكَّرٍ ... وَمعْرِفَةٍ لَيْسَا بِمَحْضيْنِ فاقْبَلاَ
مَا يَتَعلَّقُ مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ وَمَا لاَ يَتَعَلَّقُ وَبَيَانُ الْمُتَعَلَّقِ بِهِ
وَكُلُّ حرُوفِ الْجَر بِالْفِعْلِ عُلِّقَتْ ... أوِ اسْمٍ كَشِبْهِ الْفِعْلِ حَيْثُ تَنَزَّلاَ
أوِ اسْمٍ بِشِبْهِ الْفِعْلِ أُوِّلَ أَوْ بِمَا ... يُثِيرُ إلَى مَعْنَى المُشَابِهِ فَافْضُلاَ
سِوَى سِتَّةٍ لَوْلاَ لَعَلَّ وَكافِهَا ... وَرُبَّ وَمَا قَدْ زِيدَ كالْبَا وَمَنْ جَلاَ
وَأحْرُفِ الاِستِثْنَا إِذَا الخَفْضُ بَعْدَ مَا ... أَتَى كَأَتَى قوْمِي خَلاَ زَيْدٍ انْجَلاَ
وَتَعْلِيقُهَا بِالْفِعْلِ إِنْ يَكُ نَاقِصاً ... أَصَحُّ مِنْ المَنْعِ الَّذِي قَدْ تَقَلَّلا
وَفِي أَحْرُفِ الْمَعْنَى خِلاَفٌ لَدَيهِمُ ... جَوَازٌ وَمّنْع ثُمَّ قوْلٌ تَفَصَّلاَ
فَإِنْ نَابَ عَنْ فِعْل فذَلِكَ جَائِزٌ ... وَإلاَّ فَلاَ وَالْفَارِسِيُّ بِذَا اعْتَلاَ
حُكْمُ المَجْرُورِ بَعْدَ النَّكِرَةِ وَالْمَعرفَةِ
وَإِنْ وَقَعَ المجْرُورُ بَعْدَ مُنَكَّرٍ ... وَمَعْرِفةٍ فَالْحُكْمُ كَالْجُمَلةِ اجْعَلاَ
مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ المَجرُورُ إِنْ وَقَعَ حَالاً أَو صِفَةً أَوْ خبَراً أَوْ صِلَةً
وَإِنْ وَقَعَ المَجْرُورُ حَالاً كَجاءَنِي ... غُلاَمِيَ فِي ثَوْبٍ فَعَلِّقْهُ تَفْضُلاَ(1/4)
بِمَعْنَى اسْتَقَرَّ وَاجِبِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ ... أَوْ اسْمٍ كَمَعْنَى مُسْتَقرٍّ فَحَصِّلاَ
كَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَأَتِي وَصْفاً وَمُخْبَراً ... بِهِ مِثْلُ زَيْدٍ فِي دِيَارِ بَنِي الْعَلاَ
وَإِنْ صِلَةَ الْمَوْصُولِ جَاءَ فَحُكْمُهُ ... تَعَلُّقُهُ بِالْفِعْلِ لاَ غَيْرُ فَاشْمُلاَ
فَصْلٌ فِي رَفع الْفَاعِلِ بَعْدَ النَّفْي وَالاسْتِفْهَام وَفِي هَذِهِ المَوَاضِعِ الأرْبَعَةِ
إِذا نُفِيَ المَجْرُورُ يَرْفَعُ فَاعِلاً ... كَذا مَعَ الاسْتِفْهَامِ فَاحْفَظْهُ تَفْضُلاَ
كذِا الحُكْمُ فِي هَذِي المَوَاضِعِ كُلِّهَا ... والاَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّ فِي ذَاكَ اسْجَلاَ
وَمَا قِيل فِي المَجْرُورِ فَالظَّرْفُ مِثْلُهُ ... لدَى كَلِّ حُكْمٍ قدْ تَقَرَّرَ أَوَّلاَ
وقَدْ كَمُلَ الْمَقْصُودُ مِمَّا أرَدْتُهُ ... فَلِلَّهِ رَبَّ الْحَمْدِ دَائِمْا اصِّلاَ
وَبَعْدُ عَلَى خَيْرِ النَّبِيِّينَ أَحْمَدَ ... صَلاَةً تَعُمُّ الأُفقَ طِيباً وَمَنْدَلا
وَأَزْوَاجِهِ وَالآْلِ طُرّاً وَصَحْبهِ ... أُولِي الفَضْلِ وَالإحْسَانِ وَالمَجْدِ وَالعُلا(1/5)
نَظمُ قَواعِدِ الإِعرابِ (1)
للإمام العلامة محمد بن عبدالله بن مالك الأندلسي
رحمه الله تعالى
[ الْمُقَدِّمَةُ ]
يَقُولُ راجِي رَحمَةَ الإِلهِ ... محمَّدٌ هُوَ ابنُ عَبدِ اللهِ
الحمدُ للهِ العَليمِ الفاطِرِ ... ثُمَّ الصَّلاةُ مِن مَليكٍ قادِرِ
على النَّبِيِّ الهَاشِميِّ الهادي ... وآلِهِ والصَّحبِ والأَولادِ
وهاكَ في قَواعدِ الإِعرابِ ... نَظمَ الكتابِ الْمُبدِعِ الإِعرابِ
وأسألُ اللهَ بهِ أَن يَنفَعا ... قارِئَهُ وسامعاً ومَن دَعا
فَصلٌ : في الجُملَةِ و أحكامِها
لَفظٌ مُفيدٌ : بالكَلامِ يُدعَى ... وجُملَةٌ : فَهْيَ أَعَمُّ قَطعَا
كُلُّ كَلامٍ جُملَةٌ لا تَنعَكِسْ ... وجُملَةٌ قِسمانِ ليسَ تَلتَبِسْ
إِسمِيَّةٌ : فَهْيَ بالاسمِ تُبتَدا ... فِعلِيَّةٌ : بالفِعل فَابدَأ أَبَدَا
والْجُملَةُ الَّتِي لها مَحَلُّ ... سَبعٌ ؛ فَخُذها خَبَر يحلّْ
حالٌ ومَفعولٌ مُضافٌ واقِعُ ... جواب شَرطٍ جازِمٍ وتابِعِ
لِمُفرَدٍ وجُملَةٍ ذاتَ مَحَلْ ... وسَبعَةٌ بِلا مَحَلٍّ في الجُمَلْ
ذاتُ ابتِداءٍ واعتِرضٍ وَصِلَه ... جَوابُ شَرطٍ ليسَ جَزمٌ دَخَلَهْ
وَقَسَمٌ وذاتُ تَفسيرٍ لِـ(هَلْ) ... وَتابِعَهْ لِجُملَةٍ بِلا مَحَلْ
وإنْ أَتَتكَ بعدَ مَحضِ النَّكِرَهْ ... جُمَلُ أَخبارٍ لَها مُشتَهِرَهْ
فَهْيَ لَدى النُّحاةِ كُلِّهِمْ صِفَهْ ... وما يَجِيءُ بَعدَ مَحضِ الْمَعرِفَهْ
فتِلكَ أَحوالٌ ، وقَد تَتَّصِلُ ... بِغَيرِ مَحضٍ منهُما فيحتمل (2)
__________
(1) نَسَختُها مِن كتابِ (التَّعليقِ وكَشفِ النِّقابِ على نَظمِ قَواعد الإِعرابِ) للعلاَّمةِ السّعدِي - رحمهُ اللهُ تعالَى - (صَفْحَة : 103-111) (ط : - بدون - 1426-2005) .
(2) لَعلَّها بِدون الفاءِ (يَحْتَمِلُ) لِتوافِقَ رَوِيَّ البَيتِ الأَوَّلِ .(1/1)
فَصلٌ : فِي الجارِّ والمَجرورِ
لا بُدَّ للجارِّ مِنَ التَّعَلُّقِ ... بِفِعلٍ أَو مَعناهُ نَحوَ مُرتَقِي
وَاستَثنِ كُلَّ زائِدٍ لهُ عَمَلْ ... كَـ(الِْبا) وَ(مِن) و(الكافِ) أَيضاً وَ(لَعَلّْ)
لَدَى عُقَيلٍ ثُمَّ لَولايَ كَذا ... لَولاكَ لَولاهُ فَعَمروٌ قالَ ذا
لَولا أَنا الفَصيحُ عندَ الأَكثَرِ ... وأنتَ أيضاً ؛ فاعلَمْ هذا واذْكُرِ
والْحُكمُ للجارِّ [ مَعَ ] (1) الْمَجرورِ ... كَجُمَلِ الأَخبارِ في المَشهورِ
وإن أَتَى المَجرورُ والجارُّ صِلَهْ ... أَو حالاً أَو جا صِفَةً مُكَمِّلَهْ
أَو خَبَراً : فإنَّهُ قد عُلِّقا ... بِكائِنٍ أو استَقَرَّ مُطلَقا
خَلا الصِّلَةِ فَهْيَ بِـ(اسْتَقَرَّا) ... قد عُلِّقَت عندَ النُّحاةِ طُرَّا
وجازَ في المجرورِ بعدَ الجَرِّ ... في خبرٍ وما تَلا في الذِّكرِ
وبعدَ ما استِفهامٍ أو نَفيٍ بَدا ... أَن يَرفعَ الفاعِلَ هَذا أبَدا
واختارَهُ بِغَيرِ شَرطٍ قَد مَضَى ... نُحاةَ كُوفَةٍ والاخفَشُ الرِّضَى
وقيلَ فيهِ خَبَرٌ ومُبتَدا ... وللظُّروفِ حُكمُ جَرٍّ وَرَدَا
فَصلٌ : في تَفسيرِ كَلِماتٌ يُحتاجُ إِلَيها الْمُعرِبُ
(قَطُّ) و(عَوضُ) أَبَداً ظُروفُ ... لكِنَّما استِغراقُها مَعروفُ
(قطُّ) لما مضى و(عَوضُ) أبدا ... حَتماً للاستِقبالِ حيثُ وردا
أجَل بها يُرادُ تَصديقُ الخَبَر ... بلى للايجابِ لنَفيٍ قد ظهَر
ظَرفٌ للاستِقبالِ خافِضٌ (إذا) ... لِشَرطِهِ وللمُفاجاةِ كَذا
و(إِذْ) فَظَرفٌ للمُضِي واطئَهُ ... وحرفُ تعليلٍ وللمُفاجأَهْ
حرفُ وجودٍ لِوجودٍ (لَمَّا) ... كذا للاستِثنا تُفيدُ جَزما
حرفٌ لتَصديقٍ وإعلامٍ (نَعَم) ... وحَرفُ وَعدٍ (إِيْ) كَذا معَ القَسَم
(حتَّى) لجرٍّ ولِعَطفٍ وابتِدا ... (كَلاَّ) لِرَدعٍ ولِتَصديقٍ بَدا
ونحوُ (كَلاَّ) : لا تُطِعهُ يحتمل ... مَعنَى (أَلا) أو حَقًّا فافهَم ما نُقِلْ
تَجِيءُ (لا) نافِيَةٌ وناهِيَهْ ... زائِدَةً فَكُن لِذاكَ واعِيَهْ
(لَولا) امتِناعٌ لِوجودٍ مُثبِتَا ... وَحَرفُ تَحضيضٍ وتَوبيخٍ أَتَى
__________
(1) في ط : و .(1/2)
كَذا للاستِفهامِ والنَّفي تَرِدْ ... و(إِنْ) لِنَفيٍ وَلِشَرطٍ قَد عُهِد
كَذا لِتَخفيفٍ مِنَ الثَّقيلِ ... زائِدَةً أيضاً فَحَقِّق قيلي
و(أَنْ) بِفتحٍ فَهْوَ حرفُ مَصدَرٍ ... وحَرفُ تَفسيرٍ فأَوحَينا اذكُرِ
مُخَفَّفٌ منَ الثَّقيلِ زائِدُ ... ومَن للاستِفهامِ لَفظٌ وارِدُ
نَكِرَةٌ مَوصوفَةٌ شَرطِيَّهْ ... مَوصُولَةٌ أَقسامُها مَرعِيَّه
(أَيٌّ) على معنَى الكَمالِ دَلَّت ... موصولَةٌ للشَّرطِ قَد تَوَلَّت
مُستَفهَمٌ بها وَوُصْلَةٌ إلى ... نِداءِ لَفظِ ما بهِ (أَلْ) وُصِلا
كذا في الاستِفهامِ حرفُ شَرطِ ... مُرادفٌ لِـ(إِنْ) فَحَقِّق ضَبطِ
وبعدَ (وَدَّ لَوْ) فهو حرفُ مَصدَرِ ... مُرادِفٌ لـ(أَنْ) ولكن قَد عَرِي
مِن نَصبٍ أو جَزمٍ ولِلتَّمَنِّي ... والعَرضِ والتَّحضِيضِ يا ذا الذِّهنِ
و(قَد) بمَعنَى حَسبُ وَهْيَ إِسمُ ... كَذا يَكفِي وهْيَ أيضاً قِسمُ
تُفيدُ للتَّحقيقِ والتَّوَقُّعِ ... كذا لِتَقريبِ الْمُضِيِّ فاسمَعِ
كذاكَ للتَّقليلِ والتَّكثيرِ ... وقد يُرَى في كَلِمِ القَديرِ
(واوٌ) للاستِئنافِ ثُمَّ الحالِ ... كذا المَفعولِ لهْ وجَمعٍ تالِي
لِقَسَمٍ ورُبَّ عَطفٍ زائِدَه ... فهذهِ الأَقسامُ فيها وارِدَهْ
مَعرِفَةٌ ذاتُ تَمامِ ما قُلِ ... وذاتُ نَقصٍ ولِشَرطٍ فاقْبَلِ
نَكِرَةٌ مَوصوفَةٌ تَعَجُّبُ ... نَكِرَةٌ فَصِف بِها ما تَطلُبُ
موصولَةٌ كذا لِلاستِفهامِ ... واسْماً أَتَت في هذهِ الأَقسامِ
وإن تكُن حرفاً فمَصدَرِيَّهْ ... ظَرفيَّةٌ وغيرُ ما ظَرفِيَّهْ
زائِدَةٌ نافِيَةٌ وكافَّهْ ... عَن رَفعٍ أو نَصبٍ وجَرٍّ كافَّهْ(1/3)
فَصلٌ : في أَلفاظٍ مُحَرَّرَّةٍ
قُل فِعلَ ما لم يُسَمَّ فاعِلُه ... في نَحوِ هذا قُبِّلَت أنامِلُه
ونائِباً عَن فاعلٍ فيما يَلي ... و(قد) لِتَقليلٍ وتَحقيقٍ تَلي
(لَن) حرفُ نَصبٍ قد نَفى المُستَقبَلا ... (لَم) حرفُ جَزمٍ قَد نَفاهُ جاعِلا
مَعناهُ ماضِياً وفي (أَمَّا) ... حرفُ شرطٍ وتَفصيلٍ وتوكيدٍ أَما
و(أنْ) فَحَرفُ مَصدِريِّ يَنصِبُ ... مُضارِعاً وفاءُ شَرطٍ تُعرَبُ
جَوابَهُ رابطَةً ولا تَقُل ... جوابَ شَرطٍ بَل كما قُلتُ فَقُل
أمامَ زيدٍ بإضافَةٍ خُفِضْ ... فلا تَقُل بالظَّرفِ فَهوَ قد رُفِض
فاءُ فصل لا تَقُل للعَطفِ ... فاءَ سَبَبِيَّةٍ فَقُل لِعُرفِ
لِمُطلَقِ الجمعِ بواوٍ قد عُطِف ... (حتَّى) لجَمعٍ ولِغايَةٍ عُرِفْ
وثُمَّ للمُهلَةِ والتَّرتيبِ ... والفاءُ للتَّرتيبِ والتَّعقيبِ
أَكِّدْ بِـ(إنَّ) وانصِبَنَّ وارفعا ... زِد مَصدَرِيّاً إِن بِفَتحٍ وَقَعا
خاتِمَةٌ
نَسأَلُ اللهَ حُسنَ الخاتِمَةِ
ويَنبَغي للنَّاسِ في الإعرابِ ... بَحثٌ عنِ المُهِمِّ في الأَبوابِ
كَمِثلِ فاعِلٍ لِفعلٍ أو خَبَر ... كذا إذا مرَّ بِظَرفٍ أو بِحرف جَر
بَيَّنَ مَحذوفاً بهِ تعَلَّقا ... وَصِلَةَ الموصولِ أيضاً حَقَّقا
وإن أتى بِجُملَةٍ فيَذكرُ ... لها المَحلَّ فَهوَ حَقّاً أَجدَرُ
كذاكَ في الذي وذا لا يقتَصِر ... بقولِ مَوصولٍ إشارَةٍ ذُكِر
بل لِيَقُولَ فاعِلٌ وهْوَ كذا ... كذاكَ في المُضافِ فاعْرِفَنَّ ذا
جُزءُ المُضافِ الجَرُّ فيه وارِدُ ... ولا تَقُل في الذِّكرِ لفظٌ زائِدُ
وبعضُهُم عبَّرَ عنهُ بِصِلَهْ ... وبَعضُهُم مُؤَكِّداً قد جَعَلَه
وكَمُلَت والحمدُ للرَّحمنِ ... ثمَّ صَلاةُ المَلِكِ الدَّيَّانِ
على النَّبِيِّ المُصطَفَى المُختارِ ... وآلِهِ وصَحبهِ الأَطهارِ
وكتبُهُ : (ابنُ سالِمٍ) .
فلا تَنسَوهُ مِنَ : الدُّعاءِ(1/4)
نَظْمُ لاَمِيَّةِ الأَفْعَالِ
للعلامة جمال الدين ابن مالك
كتبها وضبطها وراجعها
أبو مالك العوضي
عفا الله عنه(1/1)
مقدمة
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لاَ أَبْغِي بِهِ بَدَلاَ
حَمْدًا يُبَلِّغُ مِنْ رِضْوَانِهِ الأَمَلاَ
ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَى خَيْرِ الْوَرَى وَعَلَى
سَادَاتِنَا آلِهِ وَصَحْبِهِ الْفُضَلاَ
وَبَعْدُ فَالْفِعْلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ
يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الأَبْوَابَ وَالسُّبُلاَ
فَهَاكَ نَظْمًا مُحِيطًا بِالْمُهِمِّ وَقَدْ
يَحْوِي التَّفَاصِيلَ مَنْ يَسْتَحْضِرُ الْجُمَلاَ
باب أبنية الفعل المجرد وتصاريفه
بِـ(فَعْلَلَ) الْفِعْلُ ذُو التَّجْرِيدِ أَوْ (فَعَلاَ)
يَأْتِي وَمَكْسُورَ عَيْنٍ أَوْ عَلَى (فَعُلاَ)
وَالضَّمَّ مِنْ (فَعُلَ) الْزِمْ فِي الْمُضَارِعِ وَافْـ
ـتَحْ مَوْضِعَ الْكَسْرِ فِي الْمَبْنِيِّ مِنْ فَعِلاَ
وَجْهَانِ فِيهِ مِنِ (احْسِبْ) مَعْ (وَغِرْتَ) وَ(حِرْ
(انْعِمْ) (بَئِسْتَ) (يَئِسْتَ) (اوْلَهْ) (يَبِسْ) (وَهِلاَ)
وَأَفْرِدِ الْكَسْرَ فِيمَا مِنْ (وَرِثْ) وَ(وَلِيْ)
(وَرِمْ) (وَرِعْتَ) (وَمِقْتَ) مَعْ (وَفِقْتَ حُلاَ)
(وَثِقْتَ) مَعْ (وَرِيَ) الْمُخُّ احْوِهَا وَأَدِمْ
كَسْرًا لِعَيْنٍ مُضَارعٍ يَلِي فَعَلاَ
ذَا الْوَاوِ فَاءً أَوِ الْيَا عَيْنًا اوْ كَـ(أَتَى)
كَذَا الْمُضَاعَفُ لاَزِمًا كَـ(حَنَّ طَلاَ)
وَضُمَّ عَيْنَ مُعَدَّاهُ وَيَنْدُرُ ذَا
كَسْرٍ كَمَا لاَزِمٌ ذَا ضَمٍّ احْتَمَلاَ
فَذُو التَّعَدِّي بِكَسْرٍ (حَبَّهُ) وَعِ ذَا
وَجْهَيْنِ (هَرَّ) وَ(شَدَّ) (عَلَّه عَلَلاَ)
وَ(بَتَّ) قَطْعًا وَ(نَمَّ) وَاضْمُمَنَّ مَعَ الْـ
ـلُزُومِ فِي (امْرُرْ بِهِ) وَ(جَلَّ) مِثْلُ جَلاَ(1/1)
(هَبَّتْ) وَ(ذَرَّتْ) وَ(أَجَّ) (كَرَّ) (هَمَّ) بِهِ
وَ(عَمَّ) (زَمَّ) وَ(سَحَّ) (مَلَّ) أَيْ ذَمَلاَ
وَ(أَلَّ) لَمْعًا وَصَرْخًا (شَكَّ) (أَبَّ) (وَشَدْ
دَ) أَيْ عَدَا (شَقَّ) (خَشَّ) (غَلَّ) أيْ دَخَلاَ
وَ(قَشَّ) قَوْمٌ، عَلَيْهِ اللَّيْلُ (جَنَّ) وَ(رَشْ
شَ) الْمُزْنُ (طَشَّ) وَ(ثَلَّ) أَصْلُهُ ثَلَلاَ
أَيْ رَاثَ، (طَلَّ) دَمٌ (خَبَّ) الْحِصَانُ وَنَبْـ
ـتٌ (كَمَّ) نَخْلٌ وَ(عَسَّتْ) نَاقَةٌ بِخَلاَ
قَسَّتْ، كَذَا وَعِ وَجْهَيْ (صَدَّ) (أَتَّ) وَ(خَرْ
رَ) الصَّلْدُ (حَدَّتْ) وَ(ثَرَّتْ) (جَدَّ) مَنْ عَمِلاَ
(تَرَّتْ) وَ(طَرَّتْ) وَ(دَرَّتْ) (جَمَّ) (شَبَّ) حِصَا
نٌ (عَنَّ) (فَحَّتْ) وَ(شَذَّ) (شَحَّ) أَيْ بَخِلاَ
وَ(شَطَّتِ) الدَّارُ (نَسَّ) الشَّيْءُ (حَرَّ) نَهَا
رٌ، وَالْمُضَارِعُ مِنْ فَعَلْتَ إِنْ جُعِلاَ:
عَيْنًا لَهُ الْوَاوُ أَوْ لاَمًا يُجَاءُ بِهِ
مَضْمُومَ عَيْنٍ وَهَذَا الْحُكْمُ قَدْ بُذِلاَ:
لِمَا لِبَذِّ مَفَاخِرٍ (1) وَلَيْسَ لَهُ
دَاعِي لُزُومِ انْكِسَارِ الْعَيْنِ نَحْوُ (قَلاَ)
وَفَتْحُ مَا حَرْفُ حَلْقٍ غَيْرُ أَوَّلِهِ
عَنِ الْكِسَائِيِّ فِي ذَا النَّوْعِ قَدْ حَصَلاَ
فِي غَيْرِ هَذَا لِذِي (2) الْحَلْقِيِّ فَتْحًا اشِعْ
بِالاِتِّفَاقِ كَآتٍ صِيغَ مِنْ (سَأَلاَ)
إِنْ لَمْ يُضَاعَفْ وَلَمْ يُشْهَرْ بِكَسْرَةٍ اوْ
ضَمٍّ كَـ(يَبْغِي) وَمَا صَرَّفْتَ مِنْ (دَخَلاَ)
عَيْنَ الْمُضَارِعِ مِنْ فَعَلْتَ حَيْثُ خَلاَ
مِنْ جَالِبِ الْفَتْحِ كَالْمَبْنِيِّ مِنْ عَتَلاَ:
فَاكْسِرْ أَوِ اضْمُمْ إِذَا تَعْيِينُ بَعْضِهِمَا
لِفَقْدِ شُهْرَةٍ اوْ دَاعٍ قَدِ اعْتَزَلاَ
__________
(1) في بعض النسخ (لما يدل على فخر) وفي بعضها (لما يدل مفاخرًا)
(2) في بعض النسخ (لَدَى)(1/2)
فصل في اتصال تاء الضمير أو نونه بالفعل
وَانْقُلْ لِفَاءِ الثُّلاَثِيْ شَكْلَ عَيْنٍ اذَا اعْـ
ـتَلَّتْ وَكَانَ بِتَا الإِضْمَارِ مُتَّصِلاَ
أَوْ نُونِهِ وَإِذَا فَتْحًا يَكُونُ فَعَنْـ
ـهُ اعْتَضْ مُجَانِسَ تِلْكَ الْعَيْنِ مُنْتَقِلاَ
من أبنية الفعل المزيد فيه
كَـ(أَعْلَمَ) الْفِعْلُ يَأْتِي بِالزِّيَادَةِ مَعْ
(وَالَى) وَ(وَلَّى) (اسْتَقَامَ) (احْرَنْجَمَ) (انْفَصَلاَ)
وَ(افْعَلَّ) ذَا أَلِفٍ فِي الْحَشْوِ رَابِعَةٍ
وَعَارِيًا وَكَذَاكَ (اهْبَيَّخَ) (اعْتَدَلاَ)
(تَدَحْرَجَتْ) (عَذْيَطَ) (احْلَوْلَى) (اسْبَطَرَّ) (تَوَا
لَى) مَعْ (تَوَلَّى) وَ(خَلْبَسْ) (سَنْبَسَ) اتَّصَلاَ
وَ(احْبَنْطَأَ) (احْوَنْصَلَ) (اسْلَنْقَى) (تَمَسْكَنَ) (سَلْـ
ـقَى) (قَلْنَسَتْ) (جَوْرَبَتْ) (هَرْوَلْتُ) مُرْتَحِلاَ
(زَهْزَقْتُ) (هَلْقَمْتُ) (رَهْمَسْتُ) (اكْوَأَلَّ) (تَرَهْـ
ـشَفْتُ) (اجْفَأَظَّ) (اسْلَهَمَّ) (قَطْرَنَ) الْجَمَلاَ
(تَرْمَسْتُ) (كَلْتَبْتُ) (جَلْمَطْتُ) وَ(غَلْصَمَ) ثُمْ
مَ (اوْلَمَّسَ) (اهْرَمَّعَتْ) وَ(اعْلَنْكَسَ) انْتُخِلاَ (1)
وَ(اعْلَوَّطَ) (اعْثَوْجَجَتْ) (بَيْطَرْتُ) (سَنْبَلَ) (زَمْـ
ـلَقَ) اضْمُمَنَّ (تَسَلْقَى) وَاجْتَنِبْ خَلَلاَ
فصل في المضارع
بِبَعْضِ (نَأْتِي) الْمُضَارِعَ افْتَتِحْ وَلَهُ
ضَمٌّ إِذَا بِالرُّبَاعِي مُطْلَقًا وُصِلاَ
وَافْتَحْهُ مُتَّصِلاً بِغَيْرِهِ وَلِغَيْـ
ـرِ الْيَاءِ كَسْرًا أَجِزْ فِي الآتِ مِنْ فَعِلاَ
أَوْ مَا تَصَدَّرَ (2) هَمْزُ الْوَصْلِ فِيهِ أَوِ التْـ
ـتَّا زَائِدًا كَـ(تَزَكَّى) وَهْوَ قَدْ نُقِلاَ
__________
(1) في بعض النسخ (انتحلا) بالحاء.
(2) في بعض النسخ (تُصَوَّرُ)(1/3)
فِي الْيَا وَفِي غَيْرِهَا إِنْ أُلْحِقَا بَـ(أَبَى)
أَوْ مَا لَهُ الْوَاوُ فَاءٌ (1) نَحْوَ قَدْ وَجِلاَ
وَكَسْرُ مَا قَبْلَ آخِرِ الْمُضَارِعِ مِنْ
ذَا الْبَابِ يَلْزَمُ إِنْ مَاضِيهِ قَدْ حُظِلاَ:
زِيَادَةُ التَّاءِ أَوَّلاً وَإِنْ حَصَلَتْ
لَهُ فَمَا قَبْلَ الاَخِرِ افْتَحَنْ بِوِلاَ
فصل في فعل ما لم يسم فاعله
إِنْ تُسْنِدِ الْفِعْلَ لِلْمَفْعُولِ فَأْتِ بِهِ
مَضْمُومَ الاَوَّلِ وَاكْسِرْهُ إِذَا اتَّصَلاَ:
بِعَيْنٍ اعْتَلَّ وَاجْعَلْ قَبْلَ الاَخِرِ فِي الْـ
ـمُضِيِّ كَسْرًا وَفَتْحًا فِي سِوَاهُ تَلاَ
ثَالِثَ ذِي هَمْزِ وَصْلٍ ضُمَّ مَعْهُ وَمَعْ
تَاءِ الْمُطَاوَعَةِ اضْمُمْ تِلْوَهَا بِوِلاَ
وَمَا لِفَا نَحْوِ (بَاعَ) اجْعَلْ لِثَالِثِ نَحْـ
ـوِ (اخْتَارَ) وَ(انْقَادَ) كَاخْتِيرَ الَّذِي فَضَلاَ
فصل في فعل الأمر
مِنْ (أَفْعَلَ) الأَمْرُ (أَفْعِلْ) وَاعْزُهُ لِسِوَا
هُ كَالْمُضَارِعِ ذِيْ الْجَزْمِ الَّذِي اخْتُزِلاَ:
أَوَّلُهُ، وَبِهَمْزِ الْوَصْلِ مُنْكَسِرًا
صِلْ سَاكِنًا كَانَ بِالْمَحْذُوفِ مُتَّصِلاَ
وَالْهَمْزَ قَبْلَ لُزُومِ الضَّمِّ ضُمَّ، وَنَحْـ
ـوُ اغْزِي بِكَسْرٍ مُشَمَّ الضَّمِّ قَدْ قُبِلاَ
وَشَذَّ بِالْحَذْفِ (مُرْ) وَ(خُذْ) وَ(كُلْ) وَفَشَا
(وَأْمُرْ) وَمُسْتَنْدَرٌ تَتْمِيمُ (خُذْ) وَ(كُلاَ)
__________
(1) ضبط في بعض النسخ (الواوُ فاءً) ولعل الصواب ما أثبتُّ(1/4)
باب أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين
كَوَزْنِ (فَاعِلٍ) اسْمُ فَاعِلٍ جُعِلاَ
مِنَ الثُّلاَثِي الَّذِي مَا وَزْنُهُ فَعَلاَ
وَمِنْهُ صِيغَ كَـ(سَهْلٍ) وَ(الظَّرِيفِ) وَقَدْ
يَكُونُ (أَفْعَلَ) أَوْ (فَعَالاً) أَوْ (فَعَلاَ)
وَكَـ(الْفُرَاتِ) وَ(عِفْرٍ) وَ(الْحَصُورِ) وَ(غُمْـ
ـرٍ) (عَاقِرٍ) (جُنُبٍ) وَمُشْبِهًا (ثَمِلاَ)
وَصِيغَ مِنْ لاَزِمٍ مُوَازِنٍ فَعِلاً
بِوَزْنِهِ كَـ(شَجٍ) (1) وَمُشْبِهٍ (عَجِلاَ)
وَ(الشَّأْزِ) وَ(الأَشْنَبِ) (2) (الْجَزْلاَنِ) ثُمَّتَ قَدْ
يَأْتِي كَـ(فَانٍ) وَشِبْهِ وَاحِدِ الْبُخَلاَ
حَمْلاً عَلَى غَيْرِهِ لِنِسْبَةٍ كَـ(خَفِيـ
ـفٍ) (طَيِّبٍ) (أَشْيَبٍ) فِي الصَّوْغِ مِنْ فَعَلاَ
وَ(فَاعِلٌ) صَالِحٌ فِي كُلٍّ (3) انْ قُصِدَ الْـ
ـحُدُوثُ نَحْوَ (غَدًا ذَا جَاذِلٌ جَذَلاَ)
وَبِاسْمِ فَاعِلِ غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِةِ جِي (4)
وَزْنُ الْمُضَارِعِ لَكِنْ أَوَّلاَ جُعِلاَ:
مِيمٌ تُضَمُّ وَإِنْ مَا قَبْلَ آخِرِهِ
فَتَحْتَ صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ وَقَدْ حَصَلاَ:
مِنْ ذِي الثَّلاَثَةِ بِالْمَفْعُولِ مُتَّزِنًا
وَمَا أَتَى كَـ(فَعِيلٍ) فَهْوَ قَدْ عُدِلاَ:
بِهِ عَنِ الأَصْلِ وَاسْتَغْنَوْا بِنَحْوِ (نَجًا)
و(النِّسْيِ) عَنْ وَزْنِ مَفْعُولٍ، وَمَا عَمِلاَ (5)
__________
(1) في بعض النسخ (فَرِحٍ) بدل (كَشَجٍ)
(2) في بعض النسخ (والمشْبِهُ الأشْنَبِ)
(3) في بعض النسخ (للكل) وفي بعضها (مِنْ كُلٍّ انْ)
(4) أي (جِيءَ).
(5) ما) نافية، أي لا يعمل شيء من هذه الأوزان التي بمعنى مفعول عمله.(1/5)
باب أبنية المصادر
وَلِلْمَصَادِرِ أَوْزَانٌ أُبَيِّنُهَا
فَلِلثُّلاَثِيِّ مَا أُبْدِيهِ مُنْتَخَلاَ
(فَعْلٌ) وَ(فُعْلٌ) وَ(فِعْلٌ) أَوْ بِتَاءِ مُؤَنْـ
ـنَثٍ أَوِ الأَلِفِ الْمَقْصُورِ مُتَّصِلاَ
(فَعْلاَنُ) (فُعْلاَنُ) (فِعْلاَنٌ) وَنَحْوُ (جَلاً)
(رِضًى) (هُدًى) وَ(صَلاَحٍ) ثُمَّ زِدْ (فَعِلاَ)
مُجَرَّدًا وَبِتَا التَّأْنِيثِ ثُمَّ (فَعَا
لَةً) وَبِالْقَصْرِ وَ(الْفَعْلاَءُ) قَدْ قُبِلاَ
(فِعَالَةٌ) وَ(فُعَالَةٌ) وَجِئْ بِهِمَا
مُجَرَّدَيْنِ مِنَ التَّا وَ(الْفُعُولَ) صِلاَ
ثُمَّ (الْفَعِيلَ) وَبِالتَّا ذَانِ (1)، وَ(الْفَعَلاَ
نُ) أَوْ كَـ(بَيْنُونَةٍ) وَمُشْبِهٍ فَعَلاَ
وَ(فُعْلَلٍ) وَ(فَعُولٍ) مَعْ (فَعَالِيَةٍ)
كَذَا (فُعَيْلِيَةٌ) (فُعُلَّةٌ) (فَعَلَى)
مَعْ (فَعَلُوتٍ) (فُعُلَّى) مَعْ (فُعَلْنِيَةٍ)
كَذَا (فُعُولِيَّةٌ) وَالْفَتْحُ قَدْ نُقِلاَ
وَ(مَفْعَلٌ) (مَفْعِلٌ) وَ(مَفْعُلٌ) وَبِتَا التْـ
ـتَأْنِيثِ فِيهَا وَضَمٌّ قَلَّمَا حُمِلاَ
(فَعْلٌ) مَقِيسُ الْمُعَدَّى وَ(الْفُعُولُ) لِغَيْـ
ـرِهِ سِوَى فِعْلِ صَوْتٍ ذَا (الْفُعَالُ) جَلاَ
وَمَا عَلَى (فَعِلَ) اسْتَحَقَّ مَصْدَرُهُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا تَعَدٍّ كَوْنَهُ فَعَلاَ
وَقِسْ (فَعَالَةً) اوْ (فُعُولَةً) لِـ(فَعُلْـ
ـتُ) كَالشَّجَاعَةِ وَالْجَارِي عَلَى سَهُلاَ
وَمَا سِوَى ذَاكَ مَسْمُوعٌ وَقَدْ كَثُرَ (الْـ
ـفَعِيلُ) فِي الصَّوْتِ، وَالدَّاءُ الْمُمِضُّ جَلاَ:
مَعْنَاهُ وَزْنُ (فُعَالٍ) فَلْيُقَسْ، وَلِذِي
فِرَارٍ اوْ كَفِرَارٍ بِـ(الْفِعَالَ) جَلاَ
(فَعَالَةٌ) لِخِصَالٍ، وَ(الْفِعَالَةَ) دَعْ
لِحِرْفَةٍ أَوْ وِلاَيَةٍ وَلاَ تَهِلاَ
لِمَرَّةٍ (فَعْلَةٌ) وَ(فِعْلَةً) وَضَعُوا (2)
لِهَيْئَةٍ غَالِبًا كَمِشْيَةِ الْخُيَلاَ
__________
(1) ذان) إشارة إلى (الفعول) و(الفعيل).
(2) في بعض النسخ (وصفوا)(1/6)
فصل في مصادر ما زاد على الثلاثي
بِكَسْرِ ثَالِثِ هَمْزِ الْوَصْلِ مَصْدَرُ فِعْـ
ـلٍ حَازَهُ (1) مَعَ مَدِّ مَا الأَخِيرُ تَلاَ
وَاضْمُمْهُ مِنْ فِعْلٍ التَّا زِيدَ أَوَّلَهُ
وَاكْسِرْهُ سَابِقَ حَرْفٍ يَقْبَلُ الْعِلَلاَ
لِـ(فَعْلَلَ) ائْتِ بِـ(فِعْلاَلٍ) وَ(فَعْلَلَةٍ)
وَ(فَعَّلَ) اجْعَلْ لَهُ (التَّفْعِيلَ) حَيْثُ خَلاَ:
مِنْ لاَمٍ اعْتَلَّ لِلْحَاوِيهِ (تَفْعِلَةً)
أَلْزِمْ وَلِلْعَارِ مِنْهُ رُبَّمَا بُذِلاَ
وَمَنْ يَصِلْ بِـ(تِفِعَّالٍ) (تَفَعَّلَ) وَ(الْـ
ـفِعَّالِ) (فَعَّلَ) فَاحْمَدْهُ بِمَا فَعَلاَ
وَقَدْ يُجَاءُ بِـ(تَفْعَالٍ) لِـ(فَعَّلَ) فِي
تَكْثِيرِ فِعْلٍ كَـ(تَسْيَارٍ)، وَقَدْ جُعِلاَ:
مَا لِلثُّلاَثِيِّ (فِعِّيلَى) مُبَالَغَةً
وَمِنْ (تَفَاعَلَ) أَيْضًا قَدْ يُرَى بَدَلاَ
وَبِـ(الْفُعَلِّيلَةِ) (افْعَلَلَّ) قَدْ جَعَلُوا
مُسْتَغْنِيًا لاَ لُزُومًا فَاعْرِفِ الْمُثُلاَ
لِـ(فَاعَلَ) اجْعَلْ (فِعَالاً) أَوْ (مُفَاعَلَةً)
وَ(فِعْلَةٌ) عَنْهُمَا قَدْ نَابَ فَاحْتُمِلاَ
مَا عَيْنُهُ اعْتَلَّتِ (الإِفْعَالُ) مِنْهُ وَ(الاِسْـ
ـتِفْعَالُ) بِالتَّا وَتَعْوِيضٌ بِهَا حَصَلاَ:
مِنَ الْمُزَالِ، وَإِنْ تَلْحَقْ بِغَيْرِهِمَا
يَبِنْ بِهَا مَرَّةٌ مِنَ الَّذِي عُمِلاَ
وَمَرَّةُ الْمَصْدَرِ الَّذِي تُلاَزِمُهُ
بِذِكْرِ وَاحِدَةٍ تَبْدُو لِمَنْ عَقَلاَ
باب المفعل والمفعِل ومعانيهما
مِنْ ذِي الثَّلاَثَةِ - لاَ (يَفْعِلْ) - لَهُ ائْتِ بِـ(مَفْـ
ـعَلٍ) لِمَصْدَرٍ اوْ مَا فِيهِ قَدْ عَمِلاَ (2)
__________
(1) الضمير في (حازه) عائد على (همز الوصل).
(2) في بعض النسخ (من ذي الثلاثة لا بيفعل ائت له ... لمصدر مفعلا أو فيه قد عملا)، وقوله (ما فيه قد عملا) يقصد به الظرف.(1/7)
كَذَاكَ مُعْتَلُّ لاَمٍ مُطْلَقًا وَإِذَا الْـ
ـفَا كَانَ وَاوًا بِكَسْرٍ مُطْلَقًا حَصَلاَ
وَلاَ يُؤَثِّرُ كَوْنُ الْوَاوِ فَاءً اذَا
مَا اعْتَلَّ لاَمٌ كَمَوْلًى، فَارْعَ صِدْقَ وَلاَ
فِي غَيْرِ ذَا عَيْنَهُ افْتَحْ مَصْدَرًا وَسِوَا
هُ اكْسِرْ وَشَذَّ الَّذِي عَنْ ذَلِكَ اعْتَزَلاَ
(مَظْلَِمَةٌ) (مَطْلَِعُ) (الْمَجْمَِعُ) (مَحْمَِدَةٌ)
(مَذَِمَّةٌ) (مَنْسَِكٌ) (مَضَِنَّةُ) الْبُخَلاَ
(مَزَِلَّةٌ) (مَفْرَِقٌ) (مَضَِلَّةٌ) وَ(مَدَِبْـ
ـبٌ) (مَحْشَِرٌ) (مَسْكَِنٌ) (مَحَِلُّ) مَنْ نَزَلاَ
وَ(مَعْجَِزٌ) وَبِتَاءٍ ثُمَّ (مَهْلَِكَةٌ)
(مَعْتَِبَةٌ) مَفْعَِلٌ مِنْ (ضَعْ) وَمِنْ (وَجِلاَ)
مَعْهَا مِنِ (احْسِبْ) وَ(ضَرْبٍ) وَزْنُ مَفْعَِلَةٍ
(مَوْقَِعَةٌ) كُلُّ ذَا وَجْهَاهُ قَدْ حُمِلاَ
وَالْكَسْرَ أَفْرِدْ لَـ(مَرْفِقٍ) وَ(مَعْصِيَةٍ)
وَ(مَسْجِدٍ) (مَكْبِرٍ) (مَأْوٍ) حَوَى الإِبِلاَ
مِنَ (ايْوِ) وَ(اغْفِرْ) وَ(عُذْرٍ) وَ(احْمِ) مَفْعِلَةٌ
وَمِنْ (رَزَا) وَ(اعْرِفِ) (اظْنُنْ) (مَنْبِتٌ) وَصِلاَ:
بِمَفْعِلَ (اشْرُقْ) مَعَ (اغْرُبْ) وَ(اسْقُطَنْ) (رَجَعَ) (اجْـ
ـزُرْ) ثُمَّ (مَفْعِلَةَ) (اقْدُرْ) وَ(اشْرُقَنْ) بِخَلاَ
وَ(اقْبُرْ) وَمِنْ (أَرَبٍ) وَثَلِّثَ ارْبَعَهَا
كَذَا لِـ(مَهْلِكٍ) التَّثْلِيثُ قَدْ بُذِلاَ
وَكَالصَّحِيحِ الَّذِي الْيَا عَيْنُهُ، وَعَلَى
رَأْيٍ تَوَقَّفْ وَلاَ تَعْدُ الَّذِي نُقِلاَ
وَكَاسْمِ مَفْعُولِ غَيْرِ ذِي الثَّلاَثَةِ صُغْ
مِنْهُ لِمَا مَفْعَلٌ وَمَفْعِلٌ جُعِلاَ
فصل في بناء المفعلة للدلالة على الكثرة
مِنِ اسْمِ مَا كَثُرَ اسْمُ الأَرْضِ (مَفْعَلَةٌ)
كَمِثْلِ (مَسْبَعَةٍ)، وَالزَّائِدَ اخْتَزِلاَ:
مِنَ ذِي الْمَزِيدِ كَـ(مَفْعَاةٍ)، وَ(مُفْعِلَةٌ)
وَ(أَفْعَلَتْ) عَنْهُمُ فِي ذَلِكَ احْتُمِلاَ
غَيْرُ الثُّلاَثِيِّ مِنْ ذَا الْوَضْعِ مُمْتَنِعٌ
وَرُبَّمَا جَاءَ مِنْهُ نَادِرٌ قُبِلاَ(1/8)
فصل في بناء الآلة
كَـ(مِفْعَلٍ) وَكَـ(مِفْعَالٍ) وَ(مِفْعَلَةٍ)
مِنَ الثُّلاَثِيْ صُغِ اسْمَ مَا بِهِ عُمِلاَ
شَذَّ (الْمُدُقُّ) وَ(مُسْعُطٌ) وَ(مُكْحُلَةٌ)
وَ(مُدْهُنٌ) (مُنْصُلٌ) آلاَتُ مَنْ نَخَلاَ
وَمَنْ نَوَى عَمَلاً بِهِنَّ جَازَ لَهُ
فِيهِنَّ كَسْرٌ وَلَمْ يَعْبَأْ بِمَنْ عَذَلاَ
خاتمة
وَقَدْ وَفَيْتُ بِمَا قَدْ رُمْتُ مُنْتَهِيًا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ مَا رُمْتُهُ كَمَلاَ
ثُمَّ الصَّلاَةُ وَتَسْلِيمٌ يُقَارِنُهَا
عَلَى الرَّسُولِ الْكَرِيمِ الْخَاتِمِ الرُّسُلاَ
وَآلِهِ الْغُرِّ وَالصَّحْبِ الْكِرَامِ وَمَنْ
إِيَّاهُمُ فِي سَبِيلِ الْمَكْرُمَاتِ تَلاَ
وَأَسْأَلُ اللهَ مِنْ أَثْوَابِ رَحْمَتِهِ
سَِتْرًا جَمِيلاً عَلَى الزَّلاَّتِ مُشْتَمِلاَ
وَأَنْ يُيَسِّرَ لِي سَعْيًا أَكُونُ بِهِ
مُسْتَبْشِرًا جَذِلاً لاَ بَاسِرًا وَجِلاَ(1/9)
المُورِث لمُشكلِ المثلَّث (مثلث قطرب)*
نظم :
الشيخ عبد العزيز بن عبد الواحد المكناسي المغربي
شيخ القراء بالمدينة، توفي سنة 964هـ .
------------
* إن ابن المستنير الشهير بـ(قطرب) لم ينظم شيئاً في المثلثات اللغوية ، وإنما مثلثاته المشهورة التي تنسب إليه عبارة عن تصنيف نثري ، لا يزال محفوظاً - من الضياع - في عالم المخطوطات.
وما جرت عليه العادة من النسبة إليه فمن باب الاختصار: نظم ( متن ) مثلث قطرب .(1/1)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
المُورِث لمُشكلِ المثلَّث
1- حَمْدًا لِبَارِئِ الأَنَامِ ... ثُمَّ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمْ
مَا نَاحَ فِي دَوْحٍ حَمَامْ ... عَلَى الرَّسُولِ الْعَرَبِي
2- وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ...وَمَنْ تَلاَ مِنْ حِزْبِهِ
سَبِيْلَهُ فِي حُبِّهِ ... عَلَى مَمَرِّ الْحِقَبِ
3- وَبَعْدُ: فَالْقَصْدُ بِمَا ... أَرَدْتُهُ شَرْحًا لِمَا
قَدْ كَانَ قَبْلُ نُظِمَا ... مُثَلَّثًا لـ (قُطْرُبِ)
4- مُقَدَّمًا فَتْحًا عَلَى ... كَسْرٍ فَضَمٍّ مُسْجَلاَ
وَهَكَذَا عَلَى الْوِلاَ ... نَظْمًا عَلَى التَّرَتُّبِ
5- سَمَّيْتُهُ بـ (الْمَوْرِثِ ... لِمُشْكِلِ الْمُثَلَّثِ)
مِنْ غَيْرِ مَا تَرَيُّثِ ... ففُزْ بِنَيْلِ الأرَبِ
6- الْغَمْرُ مَاءٌ غَزُرَا ... وَالْغِمْرُ حِقْدٌ سُتِرَا
وَالْغُمْرُ ذُو جَهْلٍ سَرَى ... فِيْهِ وَلَمْ يُجَرَّبِ
7- تَحِيَّةُ الْمَرْءِ السَّلاَمْ ... وَاسْمُ الْحِجَارَةِ السِّلاَمْ
وَالْعِرْقُ فِي الْكَفِّ السُّلاَمْ ... رَوَوْهُ فِي لَفْظِ النَّبِيْ
8- أَمَّا الْحَدِيْثُ فَالْكَلاَمْ ... وَالْجُرْحُ فِي الْمَرْءِ الْكِلاَمْ
وَالْمَوْضِعُ الصُّلْبُ الْكُلاَمْ ... لِلْيُبْسِ وَالتَّصَلُّبِ
9- الْحَرَّةُ الْحِجَارَةْ ... وَالْحِرَّةُ الْحَرَارَةْ
وَالْحُرَّةُ الْمُخْتَارَةْ ... مِنْ مُحْصَنَاتِ الْعَرَبِ
10- الْحَلْمُ ثَقْبٌ فِي الأَدِيْمِ ... وَالْحِلْمُ منْ خُلْقِ الْكَرِيْم
وَالْحُلْمُ فِي النَّومِ النَّعِيْمِ ... بِالصِّدْقِ أَوْ بِالْكَذِبِ
11- السَّبْتُ يَوْمٌ عُبِدَا ... وَالسِّبْتُ نَعْلٌ حُمِدَا
وَالسُّبْتُ نَبْتٌ وُجِدَا ... فِي مَعْمَرٍ أَوْ سَبْسَبِ
12- وَشِدَّةُ الْحَرِّ السَّهَامْ ... وَلِلنِّبَالْ قُلْ: سِهَامْ
وَلِضِيَا الشَّمْسِ السُّهَامْ ... فِي مَشْرِقٍ أَوْ مَغْرِبِ
13- وَدَعْوَةُ الْعَبْدِ الدُّعَا ... وَدِعْوَةُ الْمَرْءِ اِدِّعَا
وَدُعْوَةٌ مَا صُنِعَا ... لِلأَكْلِ وَقْتَ الطَّلَبِ
14- الشَّرْبُ جَمْعُ النُّدَمَا ... وَالشِّرْبُ حَظٌّ قُسِمَاوَ
الشُّرْبُ فِعْلٌ عُلِمَا ... وَقِيلَ: مَاءُ الْعِنَبِ
15- الْخَرْقُ مَا قَدْ عَظُمَا ... وَالْخِرْقُ حُرٌّ كَرُمَا
وَالْخُرْقُ حُمْقٌ لَؤُمَا ... فَمِنْهُ كُنْ ذَا هَرَبِ(1/1)
16- عَذْلُكَ لِلْمَرْءِ اللَّحَا ... وَقِشْرَةُ الْعُوْدِ اللِّحَا
وَجَمْعُ لِحْيَةٍ لُحَا ... بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ حُبِ
17- الْقَسْطُ جُوْرٌ رُفِضَا ... وَالْقِسْطُ عَدْلٌ فُرِضَا
وَالْقُسْطُ عُوْدٌ مُرْتَضَى ... مِنْ عَرْفِهِ الْمُطَيِّبِ
18- الْعَرْفُ رِيْحٌ طَيِّبُ ... وَالْعِرْفُ صَبْرٌ يُنْدَبُ
وَالْعُرْفُ أَمْرٌ يَجِبُ ... عِنْدَ اِرْتِكَابِ الذَّنْبِ
19- لِجِنَّةٍ قُلْ: لَمَّهْ ... وَشَعْرُ رَأْسٍ لِمَّهْ
وَجَمْعُ نَاسٍ لُمَّهْ مَا ... بَيْنَ شَخْصٍ وَصَبِيْ
20- الْمَسْكُ جِلْدٌ يَاغُلاَم ... وَالْمِسْكُ مِنْ طِيْبِ الْكِرَامْ
وَالْمُسْكُ بُلْغَةُ الطَّعَامْ ... يَكْفِي الْفَتَى مِنْ نَشَبِ
21- مَلأَ دَمْعِي حَجْرِي ... وَقَلَّ فِيْهِ حِجْرِي
لَوْ كُنْتُ كَابْنِ حُجْرِ ... لَضَاعَ مِنَّي أَدَبِيْ
22- قُلْ: ثَلاَثَةٌ فِي صَرَّهْ ... وَقِرَّةُ فِي صِرَّهْ
وَخِرْقَةٌ فِي صُرَّهْ ... مَشْدُودَةٌ مِنْ ذَهَبِ
23- الْعُشْبُ يُدْعَى بِالْكَلاَ ... وَلِلْحِرَاسَةِ الْكِلاَ
وَجَمْعُ كُلْيَةٍ كُلاَ ... لِكُلِّ حَيٍّ ذِي أَبِ
24- الْجَدُّ وَالِدُ الأَبِ ... وَالْجِدُّ ضِدُّ اللَّعِبِ
وَ الْجُدُّ عِنْدَ الْعَرَبِ ... الْبِئْرُ ذَاتُ الْخَرَبِ
25- جَارِيَةٌ إِحْدَى الْجَوَارْ ... وَمَصْدَرُ الْجَارِ الْجِوَارْ
وَرَفْعُ صَوْتٍ الْجُؤَارْ ... منْ وَجَعٍ أَوْ كَرَبِ
26- وَدَارُهُ قَدْ عَمَرَتْ ... عِمَارَةً، وَعَمِرَتْ
نَفْسُ الْفَتَى، وَعَمُرَتْ ... أَرْضُكَ بَعْدَ الْخَرَبِ
27- طَيْرٌ شَهِيْرٌ الْحَمَامْ ... وَالْمَوْتُ قُلْ: فِيْهِ الْحِمَامْ
وَعَلَمًا جَاءَ الْحُمَامْ ... عَلَى فَتًى مُنْتَسِبِ
28- جَمَاعَةُ النَّاسِ الْمَلاَ ... وَقُلْ: أَوَانِهِمْ مِلاَ
وَلُبْسُهُمْ هِيَ الْمُلاَ ... مِنْ عَبْقَرٍ مُذَهَّبِ
29- الشَّكْلُ عَيْنُ الْمِثْلِ ... وَالشِّكْلُ حُسْنُ الدَّلِّوَ
الشُّكْلُ قَيْدُ الْغُلِّ ... مَخَافَةَ التَّوَثُّبِ
30- مُتَّصِلُ الرَّمْلِ الرَّقَاقْ ... وَفِي مَسِيلِ الْمَا الرِّقَاقْ
وَالْخُبْزُ إِنْ رَقَّ الرُّقَاقْ ... يُقَالُ عِنْدَ الْعَرَبِ(1/2)
31- سُؤْرُ لَيْتٍ قَمَّهْ ... وَرَأسُ ثَوْرٍ قِمَّهْ
بِكَسْرِهَا، وَالْقُمَّهْ ... مَزْبَلَةٌ لِلْخَشَبِ
32- لاَ تَرْكَنَنْ لِلصَّلِّ ... وَلاَ تَلُذْ بِالصِّلِّ
وَاحْذَرْ طَعَامَ الصُّلِّ ... وَانْهَضْ نُهُوضَ الْمُخْتَبِ
33- ظَبْيٌ كَحِيْلٌ الطَّلاَ ... وَالْخَمْرُ قُلْ: فِيْهِ الطِّلاَ
وَطُلْيَةٌ مِنَ الطُّلاَ ... جِيْدُ الْفَتَى الْمُذَهَّبِ
34- شَجَّةُ رَأْسٍ أَمَّهْ ... تُدْعَى، وَقَالُوا: إِمَّهْ
لِنِعْمَةٍ، وَأُمَّهْ ... مِنْ عَجَمٍ وَعَرَبِ
35- أَمَّا الْغَزَالُ فَالرَّشَا ... وَالْحَبْلُ لِلدَّلْوِ الرِّشَا
وَبذْلُ مَالٍ الرُّشَا ... لِحَاكِمٍ مُسْتَكْلِبِ
36- حَبُّ الْقَرَنْفُلِ الزَّجَاجْ ... وَزَجُّ الأَرْمَاحِ الزِّجَاجْ
وَلِلْقَوَارِيْرِ الزُّجَاجْ ... وَهُوَ سَرِيْعُ الْعَطَبِ
37- كُنَاسَةُ الْبَيْتِ اللَّقَا ... وَالزَّحْفُ لِلحَرْبِ اللِّقَا
وَأَنْتَ أَحْرَقْتَ اللُّقَا ... مِنْ عَسَلٍ بِاللَّهَبِ
38- الْحُمَةُ اسْمُ الْمَنَّهْ، وَالاِمْتِيَازُ الْمِنَّهْ
وَالْقُرَّةُ اِسْمُ الْمُنَّهْ ... وَهِيَ دَلِيْلُ الْغَلَبِ
39- الْمَتْنُ لِلْمَرْءِ الْقَرَا ... وَنُزْلُ ضَيُفٍ الْقِرَى
وَجَمْعُ قَرْيَةٍ قُرَى ...كـ (مَكَّةٍ وَيَثْرِبِ)
40- رِيْقُ الْحَبِيْبِ الظَّلْمُ ... وَفِي النَّعَامِ الظِّلْمُ
فَحْلٌ، وَأَمَّا الظُّلْمُ ... فَالْجَوْرُ مِنْ ذِي غَضَبِ
41- الْقَطْرُ غَيْثٌ سَاكِبُ ... وَالْقِطْرُ صُفْرٌ ذَائِبُ
وَالْقُطْرُ عُودٌ جَالِبُ ... مِنْ عِدَّةٍ فِي الْمَرْكَبِ
42- هَذَا تَمَامُ شَرْحِ مَا ... نَظَمَ مَنْ تَقَدَّمَا
مِنْ أُدَبَاءِ الْعُلَمَا ... مُثَلَّثًا لـ (قُطْرُبِ)
43- هَذَّبَهُ لِلْحِبِّ ... رَجَاءَ عَفْوِ الرَّبِّ
عَمَّا جَنَى مِنْ ذَنْبِ ... (عَبْدُالْعَزِيزِ الْمَغْرِبِي)
44- مُصَلِّيًا مُسَلِّمَا ... عَلَى رَسُولِ الْكُرَمَا
وَالآلِ وَالأَصْحَابِ مَا ... لاَحَ بَرِيْقُ يَثْرِبِ(1/3)
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدِ اصْطَفَى ... لِلْعِلْمِ خَيْرَ خَلْقِهِ وَ شَرَّفَا
وَ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَ السَّلاَمِ ... عَلَى النَّبِيِّ أَفْضَلِ الأَنَامِ
مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ صَحْبِهِ ... وَ التَّابِعِينَ كُلِّهِمْ وَ حِزْبِهِ
وَ بَعْدَ ذَا فَالعِلْمُ خَيْرُ رَافِعِ ... لاَ سِيَّمَا فِقْهُ الإِمَامِ الشَّافِعِي
فَهُوَ ابْنُ عَمِّ المُصْطَفَى وَ لَمْ نَجِدْ ... لَهُ نَظِيرًا مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَهِدْ
مُطَبِّقًا بِعِلْمِهِ الطِّبَاقَا ... مُطَابِقًا لِلْوَارِدِ اتِّفَاقَا
مُجَدِّدًا فِي عَصْرِهِ لِلْمِلَّهْ ... وَ بَعْدَهُ أَصْحَابُهُ الأَجِلَّهْ
أَعْظِمْ بِهِمْ أَئِمَةً وَ حَسْبُهُمْ ... إِمَامُهُمْ وَ خَيْرُ كُتْبٍ كُتْبُهُمْ
وَ صَنَّفَ القَاضِي أَبُو شُجَاعِ ... مُخْتَصَرًا فِي غَايَةِ الإِبْدَاعِ
وَ غَايَةِ التَقْرِيبِ وَ التَّدْرِيبِ ... فَصَارَ يُسْمَى غَايَةَ التَّقْرِيبِ
مَعْ كَثْرَةِ التَّقْسِيمِ فِي الكِتَابِ ... وَ حَصرِهِ خِصَالَ كُلِّ بَابِ
نَظَمْتُهُ مُسْتَوْفِيًا لِعِلْمِهِ ... مُسَهِّلاً لِحِفْظِهِ وَ فَهْمِهِ
مَعْ مَا بِهِ تَبَرُّعًا أَلْحَقْتُهُ ... أَوْ لاَزِمًا كَمُطْلَقٍ قَيَّدْتُهُ
تَتِمَّةً لِأَصْلِهِ الأَصِيلِ ... وَ لَمْ يُمَيَّزْ خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ
وَ حَيْثُ جَاءَ الحُكْمُ فِي كِتَابِهِ ... مُضَعَّفًا أَتَيْتُ بِالمُفْتَى بِهِ
مُبَيِّنًا مَا اخْتَارَهُ بِنَقْلِهِ ... وَ رُبَّمَا حَذَفْتُهُ مِنْ أَصْلِهِ
إِنْ لَمْ أَجِدْ لِحَمْلِهِ دَلِيلاَ ... وَ لاَ إِلىَ تَأْوِيلِهِ سَبِيلاَ
وَ قَدْ مَشَيْتُ مَشْيَهُ فِي الغَالِبِ ... فِي عَدِّهِ وَ حَدِّهِ المُنَاسِبِ
مُرَتِّبًا تَرْتِيبَهُ مُبَيِّنَا ... مُخَاطِبًا لِلْمُبْتَدِي مِثْلِي أَنَاِِِِ(1/1)
فَجَاءَ مِثْلَ الشَّرْحِ فِي الوُضُوحِ ... وَ كُنْتُ فِيهِ كَالأَبِ النَّصُوحِ
أَرْجُو بِذَاكَ أَعْظَمَ الثَّوَابِ ... وَ النَّفْعَ فِي الدَّارَيْنِ بِالكِتَابِ
وَ رَبُّنَا المَسْؤُولُ فِي نَيْلِ الأَمَلْ ... وَ العَوْنِ فِي الإِتْمَامِ مَعْ حُسْنِ العَمَلْ
كتاب الطهارة
لَهَا مِيَاهٌ سَبْعةٌ وَ هْيَ المَطَرْ ... وَ المَاءُ مِنْ بَحْرٍ وَ بِئْرٍ وَ نَهَرْ
كَذاَكَ مِنْ عَيْنٍ وَ ثَلْجٍ وَ بَرَدْ ... ثُمَّ المِيَاهُ أَرْبَعٌ أَيْضًا تُعَدْ
إِمَّا يَكُونُ طَاهِرًا مُطَهِّرَا ... أَيْ مُطلقًا وَ لَيسَ مَكْرُوهًا يُرَى
أَوْ طَاهِِراً مُطَهِّراً لَكِنَّهُ ... مُشَمَّسٌ بقُطْرِ حَرٍّ يُكْرَهُ
أوْ طَاهِراً وَ لمْ يَكُنْ مُطَهِّرَا ... لِكَونِهِ مُستَعمَلاً أَوْغُيِّرَا
بِطَاهِرٍ مُخَالِطٍ كَثِيرِ ... سَوَاءٌ الحَسيِّ أَوِ التَقْدِيرِي
رَابِعُهَا مُنَجَّسٌ بِمَا وَصَلْ ... إِلَيْهِ مِنْ نجاسةٍ وَ هْوَ أقَلْ
مِنْ قُلَّتَينِ أَوْ بِهَا تَغَيَّرَا ... مَعْ كَونِهِ بِالقُلَّتَينِ قُدِّرَا
وَ القُلَّتَانِ نِصْفُ ألْفٍ قُرِّبَا ... بِرِطْلِ بَغدَادَ الَّذِي قَدْ جُرِّبَا
وَ كُلُّ شَيْءٍ مَائِعٍ مَعْ كثْرَتِهْ ... كَالمَاءِ فِي التَنْجِيسِ حَالَ قِلَّتِهْ
وَ لَوْ جَرَى قَلِيلٌ مَا عَلَى مَحَلْ ... نَجَاسَةٍ أَزالَهَا ثُمَّ انْفَصَلْ
وَ لمْ يَزِدْ وَزْنًا وَلاَ تَغيَّرَا ... فَطَاهِرٌ وَ لمْ يكُنْ مُطَهِّرَا
فصل في السواك و الآنية
سُنَّ السِّوَاكُ مُطلَقًا لَكِنَّهُ ... لِصَائِمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ يُكْرَهُ
وَ أكَّدُوهُ لِلصَّلاَةِ وَ الوُضُو ... وَ بَعْدَ نَوْمٍ أَوْ لأَزْمٍ يُعْرَضُ
وَ جَازَ أنْ تُسْتَعْمَلَ الأَوَانيِ ... وَ إنْ تَكُنْ مِنْ أنْفَسِ الأَعْيانِ
إلاَّ مِنَ النَقْدَينِ فَاحْكُمْ في الإِنَا ... بِحُرْمَةِ اسْتِعْمالِهِ والإِقْتِنَا
لاَ ضَبَّةٍ مِنْ فِضَّةٍ صَغيرَهْ ... في العُرْفِ أَوْ لِحَاجَةٍ كَبيرَهْ(1/2)
باب الوضوء
فَرْضُ الوُضوءِ نِيَّةٌ مَعْ غَسْلِهِ ... لِوَجْهِهِ وَ غَسْلُ وَجْهٍ كُلِّهِ
وَ غَسْلُ كُلِّ سَاعِدٍ وَ مِرْفَقِ ... فَإنْ أُبِينَ بَعْضُهُ فَمَا بَقِي
وَ مَسْحُ بَعْضَ الرَّأْسِ مُطْلَقًا بِمآ ... وَ غَسْلُهُ رِجْلَيْهِ مَعْ كَعْبَيْهِمَا
وَ السَّادِسُ التَّرْتيبُ مِثْلَماَ ذُكِرْ ... وَ غَطْسَةٌ تَكْفِي وَ إنْ لَمْ يَسْتقِرْ
وَ هَاكَ عَشْراً كُلُّهَا تُسَنُّ لَهْ ... النُّطْقُ فِيهِ أوَّلاً بالبَسْمَلهْ
وَ الغَسْلُ لِلْكَفَّيْنِ خَارِجَ الوِعَا ... وَ مَضْمِضَنْ وَ اسْتَنْشِقَنْ وَ لْتَجْمَعَا
وَ امْسَحْ جَمِيعَ الرَّأسِ أوْ ما قَدْ سَتَرْ ... وَ الأُذُنَيْنِ بَاطِنًا وَ مَا ظَهَرْ
بِمآ وَ خَلِّلْ سَاِئرَ الأَصَابِعِ ... وَ لِحْيَةٍ كَثِيفَةٍ في الوَاقِعِ
وَ قَدِّمِ اليُمْنَى عَلَى الشِّمَالِ ... مُثَلِّثًا في كُلِّهَا مُوَالِي
باب المسح على الخفين
مَسْحُهُما يَجُوزُ في الوُضُوءِ مَعْ ... أَرْبَعَةٍ مِنَ الشُّرُوطِ تُتَّبَعْ
أنْ يُلْبَسَا مِنْ بَعْدِ طُهْرٍ يَكْمُلُ ... وَ يَسْتُرَا مَحَلَّ فَرْضٍ يُغْسَلُ
وَ يَصْلُحَا لِمَشْيِهِ مُتابِعَا ... وَ طُهْرُ كُلٍّ زِيدَ شَرْطًا رَابِعَا
وَ يَمْسَحُ المُقِيمُ فِي إقامَتِهْ ... مِقْدارَ يَوْمٍ كَاملٍ بِلَيْلَتِهْ
وَ يَمْسَحُ المُسَافِرُ المُوَالي ... ثَلاثَةً تُعَدُّ باللَّيَالي
ثُمَّ ابْتِدَاءُ المُدَّتَينِ بالحَدَثْ ... وَ هْوَ الَّذِي مِنْ بَعْدِ لَبْسٍ قَدْ حَدَثْ
وَ مَنْ يُسَافِرْ بَعْدَ مَسْحٍ في الحَضَرْ ... وَ العَكْسُ لمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ السَفَرْ
وَ مُبْطِلاَتُ المَسْحِ بَعْدَ صِحَّتِهْ ... ثَلاثَةٌ وَ هْيَ انْقِضَاءُ مُدَّتِهْ
كَذَاكَ خَلْعُ خُفِّهِ مِنْ رِجْلِهِ ... وَ كُلُّ شَيءٍ مُوجِبٌ لِغَسْلِهِ(1/3)
باب الاستنجاء
وَ يَجِبُ اسْتنْجَاءُ كُلِّ مُحْدِثِ ... مِنْ كُلِّ رِجْسٍ خَارِجٍ مُلَوِّثِ
باِلمَاءِ أَوْ ثَلاثَةٍ أحْجَارِ ... يُنْقِي بِهِنَّ مَوضِعَ الأقْذارِ
وَ الجَمْعُ أَوْلىَ وَ لْيُقَدِّمِ الحَجَرْ ... وَ المَاءُ أَوْلىَ وَحْدَهُ إِنِ اقْتَصَرْ
وَ ليَجْتَنِبْ قِبلَتَنَا بِعَوْرَتِهْ ... قُبْلاً وَ دُبْرًا عِنْدَ فَقْدِ سُتْرَتِهْ
كَذَا القُعُودُ صَوْبَ شَمْسٍ وَ قَمَرْ ... وَ تَحْتَ كُلِّ مُثْمِرٍ مِنَ الشَّجَرْ
وَ الظِّلِّ وَ الطَرِيقِ وَ الأجْحَارِ ... وَ كُلِّ مَاءٍ لَمْ يَكُنْ بِجَارِي
وَ حَمْلِ ذِكْرٍ وَ الكَلاَمَ وَ العَبَثْ ... وَ طُهْرَهُ بِالمَاءِ مَوْضِعَ الخَبَثْ
باب نواقض الوضوء
نَوَاقِضُ الوُضُوءِ خَمْسٌ خَارِجُ ... مِنْ مَخْرَجَيْهِ لاَ المَنِيُّ الخَارِجُ
وَ نَومُهُ إلاَّ مَعَ التَّمْكِينِ ... وَ مَا أزَالَ العَقْلَ كَالجُنُونٍ
وَ مَسُّ فَرْجِ الآدَميِ بِبَطْنِ كَفْ ... وَلَمْسُ أُنْثىَ رَجُلاً حَيثُ انكَشَفْ
لاَ لَمْسُ أُنْثىَ مَحْرَمًا أَوْ فيِ الصِّغَرْ ... وَ لاَ بِسِنٍّ أَوْ بظُفْرٍ أَوْ شَعَرْ
باب الغسل
وُجُوبُهُ ِبِستَّةِ أَشْيَاءِ ... ثَلاَثَةٌ تُخْتَصُّ بالنِّسَاءِ
الحَيْضُ وَ النِّفَاسُ وَ الوِلاَدَهْ ... عِنْدَ انْقِطَاعِ الكُلِّ للْعِباَدَهْ
وَ اشْتَرَكَ النِّسَا مَعَ الرِّجاَلِ ... فيِ المَوْتِ وَ الجِمَاعِ وَ الإِنْزَالِ
وَ إنْ تُرِدْ فُرُوضَهُ فَالنِّيَّهْ ... وَ الغَسْلُ للنَّجَاسَةِ العَينِيَّهْ
وَ أَنْ يَعُمَّ المَاءُ سَائِرَ البَدَنْ ... مَعَ الشُعُورِ ظَاهراً وَ مَا بَطَنْ
وَ يُستَحَبُّ قَبْلَهُ الوُضُوءُ لَهْ ... وَ النُّطْقُ فِي ابْتدَائِهِ بالبَسْمَلَهْ
وَ البَدْءُ بِاليَمينِ فالشِّمَالِ ... مُدَلِّكاً مُثَلِّثًا مُوَالِي(1/4)
فصل في الأغسال المسنونة
وَ هَاكَ أَيْضاً عَدَّ أَغْسَالٍ تُسَنْ ... بِسَبْعَةٍ وَ عَشْرَةٍ عَدًّا حَسَنْ
لِجُمْعَةٍ وَ العِيدِ وَ الكُسُوفِ ... وَ غُسْلِ الإسْتِسْقاَءِ وَ الخُسُوفِ
وَ مَنْ يُغَسِّلْ مَيِّتًا وَ مَنْ دَخَلْ ... في دِينِنَا مِنْ بَعْدِ كُفْرٍ اغْتَسَلْ
وَ مَنْ بِهِ إغْمَاءٌ أَو جُنُونُ ... إذا أَفَاقَ غُسْلُهُ مَسْنُونُ
وَ قَاصِدُ الدُّخُولِ في الإِحْرَامِ ... كَذا دُخُولُ البَلْدَةِ الحَرَامِ
وَ لِلْوُقُوفِ بَعْدَهَا فِي عَرَفَهْ ... وَ لِلْمَبِيتِ بَعْدُ بالمُزْدَلِفَهْ
وَ في مِنىً ثَلاَثَةٌ للرَّامي ... وَ لِلطَّوَافِ سَائِرَ الأَيَّامِ
باب التيمم
شُرُوطُهُ وُجُودُ عُذْرٍ كَسَفَرْ ... أَوْ مَرَضٍ يُفْضِي مَعَ المَا للضَّرَرْ
وَ وَقْتُ فِعْلِ مَا لَهُ تَيَمَّمَا ... وَ سَعْيُهُ فِي الوَقْتِ في تَحْصِيلِ مَا
وَ الفَقْدُ بَعْدَ سَعْيِهِ المَذْكُورِ ... وَ أَخْذُ تُرْبٍ خَالِصٍ طَهُورِ
أَمَّا الفُرُوضُ مُطْلَقًا فَالنِّيَّهْ ... فَيَسْتَبِيحُ القُرْبَةَ المَنْوِيَّهْ
وَ مَسْحُ كُلِّ الوَجْهِ وَ اليَدَيْنِ ... مُرَتَّبَيْنِ أَيْ بِضَرْبَتَيْنِ
وَ سُنَّ بِسْمِ اللهِ فَالتَّوَالي ... مُقَدِّمَ اليُمْنَى عَلَى الشِّمَالِ
وَ أبْطَلُوهُ باِرْتِدَادٍ يَحْصُلُ ... وَ كُلِّ مَا بِهِ الوُضُوءُ يَبْطُلُ
وَ رُؤْيَةِ المَا غَيْرَ مُحْرِمٍ بِمَا ... قَضَاؤُهَا مِنْ بَعْدِهِ لَنْ يَلْزَمَا
وَ مَنْ بِهِ جَبِيرَةٌ تَيَمَّمَا ... عَنِ العَلِيلِ بَعْدَ مَسْحِهَا بِمَا
وَ غَسْلِ مَا يَبْدُو مِنَ الصَّحِيحِ ... فِي وَقْتِ طُهْرِ عُضْوِهِ الجَرِيحِ
وَ حَيْثُ صَلَّى فَالقَضَا لَمْ يَلْزَمِ ... مَا لَمْ تَكُنْ بِمَوْضِعِ التَّيَمُّمِ
أَوْ وُضِعَتْ بِغَيْرِهِ عَلَى حَدَثْ ... وَ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمٌ مَعَ الخَبَثْ
وَ أَوْجَبُوا إِعَادَةَ التَّيَمُّمِ ... لِكُلِّ فَرْضٍ لاَ لِنَفْلٍ فَاعْلَم(1/5)
باب النجاسة
وَ عَيْنُ كُلِّ خَارِجٍ مُيَقَّنِ ... مِنْ أَيِّ فَرْجٍ نَجِسٌ إِلاَّ المَنِي
وَ كُلُّ حَيٍّ طُهْرُهُ تَحَتَّمَا ... لاَ الكَلْبِ وَ الخِنْزِيرِ مَعْ فَرْعَيْهِمَا
وَ كُلُّ مَيْتٍ نَجِسٌ بِغَيْرِ شَكْ ... لاَ الآدَميِّ وَ الجَرَادِ وَ السَّمَكْ
وَ كُلُّ جُزْءٍ في الحَيَاةِ مُنْفَصِلْ ... كَمَيْتَةِ الحَيِّ الَّذِي مِنْهُ فُصِلْ
وَ جِلْدُ كُلِّ مَيْتَةٍ وَ عَظْمُهَا ... كَذاَ الشُعُورُ حُكْمُ كُلٍّ حُكْمُهَا
وَ عَيْنُ كُلِّ مَائِعٍ إِنْ أَسْكَرَا ... نَجَاسَةٌ كَالخَمْرِ لاَ مَا خَدَّرَا
وَ لْيُعْفَ عَمَّا لَمْ يَسِلْ لَهُ دَمَا ... فَلاَ يَضُرُّ مَيْتُهُ قَلِيلَ مَا
إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْ طَرْحِ أَوْ تَغْييرِ ... وَ عَنْ دَمٍ وَ نَحْوِهِ يَسِيرِ
وَ الغَسْلُ في الأَبْوَالِ وَ الأَرْواثِِ ... مُحَتَّمٌ بَلْ سَائِرِ الأَخْبَاثِ
بِغَسْلَةٍ تَعُمُّهُ وَ تَذْهَبُ ... بِالعَيْنِ مِنْهُ وَ الثَلاَثُ تُنْدَبُ
إِلاَّ صَبِيًّا بَالَ قَبْلَ أَكْلِهِ ... خُبْزًا فَيَكْفيِ رَشُّهُ عَنْ غَسْلِهِ
وَ الشَّرْطُ فِي نَجَاسَةِ الكِلاَبِ ... سَبْعٌ وَ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
ثُمَّ الدِّباَغُ آلَةُ التَّطْهِيرِ ... في جِلْدِ غَيْرِ الكَلْبِ وَ الخِنْزِيرِ
وَ الخَمْرُ إِنْ تَخَلَّلَتْ تَطْهُرْ لَنَا ... ماَ لَمْ يَكُنْ بِطَرْحِ عَيْنٍ في الإِنَا
باب الحيض
كُلُّ الدِّمَا مِنْ سَائِرِ الفُرُوجِ ... ثَلاَثَةٌ تُعَدُّ بِالخُرُوجِ
نِفَاسٌ أَوْ حَيْضٌ أَوِ اسْتِحَاضَهْ ... وَ فَهْمُهَا يَحْتَاجُ للرِّيَاضَهْ
فَالحَيْضُ مَا تَأتِي بِهِ الجِبِلَّهْ ... وَ لَيْسَ عَنْ وَضْعٍ وَ لاَ عَنْ عِلَّهْ
ثُمَّ النِّفَاسُ بَعْدَ وَضْعٍ ثُمَّ مَا ... عَدَاهُمَا اسْتِحَاضَةٌ فَلْيُعْلَمَا
كَخَارِجٍ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ ... سِنِينَ أَوْ مَعْ طَلْقِهَا وَ الوَضْعِ
وَ الحَيْضُ نِصْفُ شَهْرِهَا أَقْصَاهُ ... وَ لَيْلَةٌ بِيَوْمِهَا أَدْنَاهُِِِِ(1/6)
وَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ لِمَا غَلَبْ ... وَ كَوْنُهُ مِنْ بَعْدِ تِسْعٍ قَدْ وَجَبْ
أَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَيْهَا جُعِلْ ... كَنِصْفِ شَهْرٍ ثُمَّ أَقْصَاهُ جُهِلْ
وَ إنْ أَرَدْتَ قَدْرَهُ في الغَالِبِ ... فَفَضْلُ شَهْرٍ بَعْدَ حَيْضٍ غَالِبِ
وَ غَايَةُ النِّفَاسِ لِلسِّتِّينَا ... وَ غَالِبًا يَكُونُ أَرْبَعِينَا
وَ لحَظَةٌ أَقَلُّهُ إذَا حَصَلْ ... وَ قَدْ تُرَى وِلاَدَةٌ بِلاَ بَلَلْ
وَ إنْ أَرَدْتَ مُدَّةَ الحَمْلِ الأَقَلْ ... فَنِصْفُ عَامٍ بَيْنَ وَضْعٍ وَ حَبَلْ
وَ بِالسِّنينَ أَرْبَعٌ لِلأَكْثَرِ ... وَ غَالِبًا بتِسْعَةٍ مِنْ أَشْهُرِ
باب ما يحرم على المحدث
وَ تَحْرُمُ الصَّلاَةُ كَالتَّطَوُّفِ ... مِنْ حَائِضٍ وَ مَسُّهَا للمُصْحَفِ
وَ النُّطْقُ بِالقُرْآنِ إِنْ لَمْ تَقْصِدِ ... أَذْكَارَهُ وَ لُبْثُهَا فِي المَسْجِدِ
كَذاَ الدُّخُولُ حَيْثُ تَنْضَحُ الدِّمَا ... وَ الصَّوْمُ وَ اسْتِمْتَاعُ زَوْجِهَا بِمَا
يَكُونُ بَيْنَ سُرَّةٍ وَ رُكْبَةٍ ... بِوَطْئِهَا وَ لَمْسِهَا لاَ الرُّؤيَةِ
وَ صَوْمُهَا مِنْ قَبْلِ الإِغْتِسَالِ ... يَحِلُّ دُونَ سَائِرِ الخِصَالِ
وَ مَا عَدَا الثَّلاَثَةَ المُؤَخَّرَهْ ... حَرِّمْهُ باِلجَنَابَةِ المُؤَثِّرَهْ
وَ كُلُّ مَا حَرَّمْتَهُ بِالحَيْضِ حَلْ ... لِمُحْدِثٍ إِلاَّ الثَّلاَثَةَ الأُوَلْ(1/7)
كتاب الصلاة
مَفْرُوضُهاَ خمَسٌ فَوَقْتُ الظُّهْرِ ... مِنَ الزَّوَالِ يَنْتَهي بِالعَصْرِ
إِذْ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ... بَعْدَ الزَّوَالِ غَيْرَ ظِلٍّ قَبْلَهُ
وَ العَصْرُ يَأْتيِ مَعْ مَصِيرِ ظِلِّهِ ... بَعْدَ الزَّوَالِ زَائِدًا عَنْ مِثْلِهِ
وَ إِنْ يَصِرْ مِثْلَيْهِ ظِلٌّ طَارِي ... بَعْدَ الزَّوَالِ فَهْوَ الإِخْتِيَارِي
وَ بَعْدَهُ الجَوَازُ مَا لمَ تَغْرُبِ ... وَ بِالغُرُوبِ جَاءَ وَقْتُ المَغْرِبِِِِِ
لِطُهْرِهِ وَ السَّتْرِ وَ الأَذَانِ مَعْ ... إِقَامَةٍ وَ خَمْسِ رَكْعَاتٍ يَسَعْ
وَ فيِ القَدِيمِ يَلْزَمُ امْتِدَادُهُ ... إِلىَ العِشَا وَ الرَّاجِحُ اعْتِمَادُهُ
وَ وَقْتُهُ فيِ الإخْتِيَارِ مَا مَضَى ... عَلَى الجَدِيدِ يَنْقَضيِ إِذَا انْقَضَى
ثُمَّ العِشَا مِنْ بَعْدِ حمُرَةِ الشَّفَقْ ... وَ يَنْتَهيِ إِذَا بَدَا فَجْرٌ صَدَقْ
مُخْتَارُهُ لِثُلْثِ لَيْلٍ يَجْرِي ... جَوَازُهُ إِلىَ طُلُوعِ الفَجْرِ
وَ الصُّبْحُ بِالفَجْرِ الأَخِيرِ يُشْرَعُ ... وَ يَنْتَهيِ بِالشَّمْسِ حِينَ تَطْلُعُ
وَ وَقْتُهُ المُخْتَارُ للإِسْفَارِ ... ثُمَّ الجَوَازُ لِلطُّلُوعِ الجَارِي
فصل
فَرْضُ الصَّلاَةِ لاَزِمُ الأَنَامِ ... بِالعَقْلِ وَ البُلُوغِ وَ الإسْلاَمِ
وَ الطُّهْرِ مِنْ حَيْضٍ وَ مِنْ نِفَاسِ ... قَدْرَ الصَّلاَةِ باتِّفَاقِ النَّاسِ
وَ يُضْرَبُ الصَبيُّ بَعْدَ عَشْرِ ... وَ بَعْدَ سَبْعٍ يُكْتَفَى بالأَمْرِ
وَ النَّفْلُ أَقْسَامٌ فَخَمْسٌ تُفْعَلُ ... جَمَاعَةً كالفَرْضِ وَ هْيَ أَفْضَلُ
وَ هُنَّ الإِسْتِسْقَاءُ وَ الكُسُوفُ ... لِلشَّمْسِ وَ َالعِيدَانُ وَ الخُسُوفُ
وَ مِنْهُ سَبْعَ عَشْرَةً لاَ تُشْرَعُ ... جمَاعَةً بَلْ لِلفُرُوضِ تَتْبَعُ
مِنْ قَبْلِ فَرْضِ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ ... وَ الظُّهْرُ أَيْضًا بَعْدَهَا ثِنْتَانِ
وَ أَرْبَعٌ مِنْ قَبْلِ فَرْضِ الظُّهْرِ ... وَ أَرْبَعٌ كَذاكَ قَبْلَ العَصْرِ
مِنْ بَعْدِ فَرْضِ المَغْرِبِ اثْنَتَانِ ... ثُمَّ العِشَاءُ بَعْدَهَا ثِنْتَانِ
وَ رَكْعَةٌ لِوِتْرِهِ وَ هْيَ الأَقَلْ ... فَإِنْ يُصَلِّ قَبْلَهَا عَشْراً كَمَلْ
كَذا الضُّحىَ وَرنَفْلُ لَيْلٍ يُوجَدُ ... مَعَ التَرَاويحِ الثَّلاَثَ أَكَّدُوا
ثُمَّ الضُّحىَ أَقَلُّهَا ثِنْتَانِ ... وَ لَمْ يَزِدْهُ الجُلُّ عَنْ ثَمَانِِِِِ(1/8)
أَمَّا صَلاَةُ اللَّيْلِ فَالتَّهَجُّدُ ... وَ هْوَ الَّذِي مِنْ بَعْدِ نَوْمٍ يُوجَدُ
وَ لِلتَّرَاويحِ اعْتَبِرْ عِشْرِينَ فيِ ... شَهْرِ الصِّيَامِ كُلَّ لَيْلَةٍ تَفيِ
باب شروط الصلاة
شُرُوطُهاَ أَرْبَعَةٌ لِذيِ الفِطَنْ ... طُهْرُ اللِّبَاسِ وَ المكَانِ وَ البَدَنْ
وَ سَتْرُ لَوْنِ عَوْرَةٍ وَ إِنْ خَلاَ ... وَ عِلْمُهُ بِالوَقْتِ وَ لْيَسْتَقْبِلاَ
وَ تَرْكُ الإسْتِقْباَلِ فِي نَفْلِ السَّفَرْ ... وَ شِدَّةِ الخَوْفِ المُبَاحِ مُغْتَفَرْ
باب أركان الصلاة
أَرْكَانُهَا عَلَى الطَّرِيقِ الآتِيَهْ ... بِعَشْرَةٍ تُعَدُّ مَعْ ثَمَانِيَهْ
نِيَّتُهَا مَعْ لَفْظِ تَكْبِيرٍ صَدَرْ ... مَعَ القِيَامِ فيِ الفُرُوضِ إِنْ قَدَرْ
وَ بَعْدَهُ القِرَاءَةُ المُسْتَكْمِلَهْ ... فَاتِحَةَ الكِتَابِ مِنْهَا البَسْمَلَهْ
وَ بَعْدَهَا ارْكَعْ وَ اطْمَئِنَّ رَاكِعَا ... ثُمَّ اعْتَدِلْ وَ لْتَطْمَئِنَّ رَافِعَا
وَ اسْجُدْ إِذاً ثُمَّ اطْمَئِنَّ سَاجِدَا ... وَ بَعْدَهُ اجْلِسْ وَ اطْمَئِنَّ قَاعِدَا
وَ بَعْدَهُ اسْجُدْ سَجْدَةً كاَلسَّابِقَهْ ... وَ اعْدُدْهُمَا رُكْنًا بِلاَ مُفَارَقَهْ
وَ هَكَذا فيِ كُلِّ رَكْعَةٍ خَلاَ ... تَكْبِيرَةً مَعْ نِيَّةٍ فَأَوَّلاَ
وَ اجْلِسْ أَخِيراً وَ أْتِ بِالتَّشَهُّدِ ... وَ بَعْدَهُ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ
وَ نِيَّةُ الخُرُوجِ فيِ قَوْلٍ هُجِرْ ... مُسَلِّماً مُرَتِّبًا كَمَا ذُكِرْ
فصل
وَ لِلصَّلاَةِ سُنَّتَانِ قَبْلَهَا ... وَ سُنَّتَانِ فيِ خِلاَلِ فِعْلِهَا
فَالأَوَّلُ الأَذانُ وَ الإِقَامَهْ ... لِفَرْضِهَا حَتَّى القَضَا إِذْ رَامَهْ
وَ الثَّانِ أَوَّلُ التَّشَهُّدَيْنِ ... فيِ كُلِّ فَرْضٍ فَوْقَ رَكْعَتَيْنِ
كَذا القُنُوتُ آخِرًا إِذا اعْتَدَلْ ... فيِ الصُّبْحِ بَلْ فيِ الخَمْسِ إِنْ أَمَرٌ نَزَلِِِِْ
كَذا قُنُوتُ الوِتْرِ فيِ قِيَامِهِ ... مِنْ نِصْفِ شَهْرِ الصَّوْمِ لاخْتِتَامِهِ(1/9)
فصل
وَ هَذِهِ هَيْآتُهَا المَذْكُورَهْ ... فيِ خَمْسَ عَشْرَ خَصْلَةً مَحْصُورَهْ
رَفْعُ اليَدَيْنِ مَعْ تَحَرُّمٍ وَمَعْ ... رُكُوعِهِ وَ الرَّفْعِ مِنْهُ إِذْ رَفَعْ
وَوَضْعُهُ اليُمْنىَ عَلَى اليُسْرى كَذا كَذاَ ... تَوَجُّهٌ وَ ذِكْرُهُ التَّعَوُّذا
وَ الجَّهْرُ وَ الإسْرَارُ وَ التَّأمِينُ فيِ ... أُمِّ القُرْآنِ ثُمَّ سُورَةٌ تَفيِ
وَ النُّطْقُ باِلتَّكْبِيرِ كُلَّمَا انْتَقَلْ ... وَ جُمْلَةُ التَّسْمِيعِ كُلَّمَا اعْتَدَلْ
كَذَلِكَ التَسْبِيحُ فيِ الرُّكُوعِ ... وَ فيِ السُّجُودِ مَوْضِعِ الخُضُوعِ
وَ الإِفْتِرَاشُ فيِ الجُلُوسِ الأَوَّلِ ... أَمَّا الأَخِيرُ فَالتَّوَرُّكُ الجَلِي
وَ بَسْطُهُ الشِّمَالَ مِنْ يَدَيْهِ ... مَوْضُوعَتَيْنِ قُرْبَ رُكْبَتَيْهِ
وَ قَبْضُهُ اليُمْنَى سِوَى المُسَبِّحَهْ ... فَلَمْ تَزَلْ مَبْسُوطَةً مُسَبِّحَهْ
تُرْفَعُ مَعْ تَشَهُّدٍ مُشِيرَهْ ... بِذاَكَ وَ التَّسْلِيمَةُ الأَخِيرَهْ
فصل
فيِ خمَسَةٍ تُخَالِفُ الأُنْثَى الذَّكَرْ ... في الحُكْمِ نَدْباً أوْ وُجُوباً مُعْتَبَرْ
فَمِرْفَقَيْهِ سُنَّ أَنْ يُبَاعِدا ... عَنْ جَانِبَيْهِ رَاكِعًا وَ سَاجِدا
وَ أَنْ يُقِلَّ بَطْنَهُ عَنِ الفَخِذْ ... عِنْدَ السُّجُودِ وَ هْيَ ضُمَّتْ حِينَئِذْ
وَ جَهْرُهُ يُسَنُّ بِالغُرُوبِ ... إلىَ طُلُوعِ الشَّمْسِ في المَكْتُوبِ
وَ تَخْفِضُ الأُنْثَى بِكُلِّ حَالِ ... صَوْتًا لَهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ
وَ السُّنَّةُ التَّسْبِيحُ لِلذُّكُورِ ... إِنْ نَابَهُمْ شَيءٌ مِنَ الأُمُورِ
وَ تَصْفِقُ الأنْثَى بِبَطْنِ كَفِّهَا ... ظَهْرَ اليَدِ الشِّمَالِ بَعْدَ كَشْفِهَا
وَ عَوْرَةُ الرِّجَالِ حَيْثُ تُشْتَرَطْ ... مِنْ سُرَّةٍ لِرُكْبَةٍ هُنَا فَقَطِِِِْ
وَ عَوْرَةُ الحُرَّةِ دُونَ مَيْنِ ... مَا كَانَ غَيْرَ الوَجْهِ وَ الكَفَّيْنِ
وَ إِنْ تَكُنْ رَقِيقَةً فَكَالذَّكَرْ ... وَ سَوْفَ يَأْتيِ حُكْمُ عَوْرَةِ النَّظَرْ(1/10)
فصل في مبطلات الصلاة
وَ المُبْطِلاَتُ لِلصَّلاَةِ تُعْتَبَرْ ... لِمَنْ أَرَادَ عَدَّهَا إِحْدَى عَشَرْ
وَ هْيَ الكَلاَمُ العَمْدُ أَوْ مَا أَشْبَهَهْ ... إِذَا بَدَى حَرْفَانِ نَحْوُ القَهْقَهَهْ
وَ الفِعْلُ إِنْ يَكْثُرْ وَلاَءً وَ الحَدَثْ ... وَ مَا طَرَى مِنْ نَجَسٍ إِذا مَكَثْ
وَ مِثْلُ ذَلِكَ انْكِشَافُ عَوْرَتِهْ ... وَ أَنْ يَصِيرَ تَارِكًا لِقِبْلَتِهْ
وَ أَكْلُهُ وَ شُرْبُهْ وَ رِدَّتُهْ ... أَوْ غُيِّرَتْ بَعْدَ انْعِقَادِ نِيَّتُهْ
فصل
وَ كُلُّ مَا فيِ الخَمْسِ مَرَّ وَ انْجَلاَ ... قَوْلاً وَ فِعْلاً خُذْهُ أَيْضًا مُجْمَلاَ
فَالرَّكَعَاتُ سَبْعَ عَشْرَةً تُرَى ... وَ السَّجَدَاتُ ضِعْفُهَا بِلاَ امْتِرَا
وَ الخَمْسُ فِيهَا عَشْرُ تَسْلِيمَاتِ ... وَ تِسْعَةٌ مِنَ التَّشَهُّدَاتِ
تَسْبِيحُهَا مُثَلِّثًا بِهَا مِئَهْ ... وَ نِصْفُهَا بَعْدَ ثَلاَثٍ مُنْشَأَهْ
وَ جُمْلَةُ التَّكْبِيرِ حَيْثُ يُجْمَعُ ... فَإِنَّهَا تِسْعُونَ ثُمَّ أَرْبَعُ
وَ جُمْلَةُ الأَرْكَانِ مِنْ بَعْدِ المِئَهْ ... عِشْرُونَ ثُمَّ سِتَّةٌ مُجَزَّأَهْ
مِنْهَا ثَلاَثُونَ ابْتِدَاءً خُصِّصَتْ ... بِالصُّبْحِ فَافْهَمْ كَيْفَ مِنْهُ لُخِّصَتْ
وَ المَغْرِبُ اخْتَصَّتْ مِنَ الأَرْكَانِ ... بِأَرْبَعِينَ بَعْدَهَا رُكْنَانِ
وَ قَدْ بَقِي خَمْسُونَ ثُمَّ أَرْبَعَهْ ... عَلَى رُبَاعِيٍّ فَقَطْ مُوَزَّعَهْ
وَ كُلُّ ذَاكَ بِالبَدِيهِ يُعْلَمُ ... وَ جُمْلَةُ الأَرْكَانِ لَيْسَتْ تُفْهَمُ
وَ مَنْ يُصَلِّ الفَرْضَ عِنْدَ عَجْزِهِ ... عَنِ القِيَامِ جَالِسًا فَلْيُجْزِهِِِِِ
وَ إِنْ يَكُنْ مَعْ عَجْزِهِ لَمْ يَسْتَطِعْ ... أَيْضًا جُلُوسًا فَلْيُصَلِّ مُضْطَجِعْ(1/11)
باب سجود السهو
سُنَّ السُّجُودُ عِنْدَ فِعْلِ مَا نُهيِ ... عَنْ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ
فَحَيْثُ كَانَ الفِعْلُ عَمْدًا يَبْطُلُ ... فَاسْجُدْ لَهْ إِنْ كَانَ سَهْوًا يَحْصُلُ
وَ التَّرْكُ لِلْمَأْمُورِ تَرْكُ فَرْضِ ... أَوْ غَيْرِهِ مِنْ هَيْئَةٍ أَوْ بَعْضِ
فَالفَرْضُ لَيْسَ بِالسُّجُودِ يَنْجَبِرْ ... بَلْ فِعْلُهُ مُحَتَّمٌ وَ إِنْ ذُكِرْ
بَعْدَ السَّلاَمِ وَ الزَّمَانُ يَقْرُبُ ... عَلَى البِنَا ثُمَّ السُّجُودُ يُنْدَبُ
وَ إنْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِ فِعْلِ مِثْلِهِ ... فَمِثْلُهُ يَكْفِي إِذًا عَنْ فِعْلِهِ
وَ البَعْضُ حَيْثُ فَاتَ لاَ يُسْتَدْرَكُ ... بَلْ يَحْرُمُ اسْتِدْرَاكُهُ إِذْ يُتْرَكُ
إِنْ كَانَ بَعْدَهُ بِفَرْضٍ اشْتَغَلْ ... وَ يُنْدَبُ السُّجُودُ جَبْرًا لِلْخَلَلْ
وَ تَارِكُ الهَيْئَةِ لاَ يَعُودُ ... لِفِعْلِهَا وَ لاَ لَهُ سُجُودُ
وَ مَنْ يَشُكُّ فيِ صَلاَتِهِ اعْتَمَدْ ... يَقِينَهُ وَ بَعْدَ أَنْ يَبْنيِ سَجَدْ
ثُمَّ السُّجُودُ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا ... يُتِمُّهَا وَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَا
فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة
كُلُّ صَلاَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبَبْ ... فيِ الخَمْسَة الأَوْقَاتِ حَتْمًا تُجْتَنَبْ
مِنْ بَعْدِ فَرْضِ الصُّبْحِ مِنْ وَقْتِ الأَداَ ... إلىَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ الإِبْتِدَا
وَ بَعْدَ ذَلِكَ الطُّلُوعُ المُعْتَبَرْ ... إلىَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ رُمْحًا فيِ النَّظَرْ
وَ عِنْدَ الإسْتِوَاءِ إِلاَّ الجُمُعَهْ ... فَالنَّفْلُ فِيهَا جَائِزٌ إِنْ أَوْقَعَهْ
وَ بَعْدَ فَرْضِ العَصْرِ لاصْفِرَارِهَا ... عِنْدَ الغُرُوبِ ثُمَّ لاسْتِتَارِهَا(1/12)
باب صلاة الجماعةِِِِ
صَلاَتُنَا جَمَاعَةً أَمْرٌ نُدِبْ ... فيِ الخَمْسِ وَالمَنْصُوصُ أَنَّهَا تجِبْ
وَ الشَّرْطُ فيِ المَأْمُومِ لاَ الإِمَامِ ... نِيَّتُهَا فيِ حَالَةِ الإِحْرَامِ
وَ يَقْتَدِي النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ ... وَ لاَ يَصِحُّ عَكْسُهُ بِحَالِ
وَ لاَ اقْتِدَاءُ مُشْكِلٍ بِجِنْسِهِ ... وَ لاَ بِأُنْثَى بِخِلاَفِ عَكْسِهِ
وَ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِ فَلْيَقْتَدِ ... وَ لاَ تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدِي
وَ لاَ اقْتِدَاءُ قَارِىءٍ لِلْفَاتِحَهْ ... بمُسْقِطِ بَعْضَ الحُرُوفِ الوَاضِحَهْ
أَوْ مُدْغِمٍ وَ لَيْسَ فيِ مَحَلِّهِ ... أَوْ مُبْدِلٍ وَ يَقْتَدِي بِمِثْلِهِ
وَ مُطْلَقًا صَحَّتْ صَلاَةُ المُقْتَدِي ... إِنْ كَانَ مَعْ إِمَامِهِ فيِ المَسْجِدِ
وَ لاَ يَضُرُّ فِيهِ بُعْدٌ مُطْلَقَا ... أَو حَائِلٌ بِنَحْوِ بَابٍ أُغْلِقَا
وَ إِنْ يَكُنْ كُلٌّ بِغَيْرِ مَسْجِدِ ... أَوْ فِيهِ شَخْصٌ مِنْهُمَا فَلْيَقْتَدِ
بِشَرْطِ قُرْبٍ وَ انْتِفَاءِ الحَائِلِ ... فَإِنْ يَكُنْ مَعْ رَابِطٍ مُقَابِلِ
لِنَافِذٍ لِمَوْضِعِ الإِمَامِ ... صَحَّ اقْتِدَاءُ سَائِرِ الأَقْوَامِ
وَ ذَرْعُ حَدِّ القُرْبِ حَيْثُ يُعْتَبَرْ ... هُنَا ثَلاَثٌ مِنْ مِئِينَ تُخْتَبَرْ
وَ حَيْثُ صَحَّتْ قُدْوَةٌ فَجَوِّزِ ... بِكُلِّ شَخْصٍ مُسْلِمٍ مُمَيِّزِ
بِشَرْطِ عِلْمِ المُقْتَدِي بِحَالِهِ ... وَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فيِ انْتِقَالِهِ
وَ لَمْ يَجُزْ لِلْمُقْتَدِي التَّقَدُّمُ ... فيِ مَوْقِفٍ وَباِلفَسَادِ يُحْكَمُ
وَ شَرْطُهَا تَوَافُقُ انْتِظَامِ ... صَلاَتَيِ المَأْمُومِ وَ الإِمَامِ
فَالخَمْسُ بِالكُسُوفِ وَ الجَنَائِزِ ... وَ عَكْسُهُ فيِ الكُلِّ غَيْرُ جَائِزِ
وَ فَرْضُهَا بِنَفْلِهَا وَ العَكْسُ صَحْ ... كَذَا القَضَاءُ بِالأَدَا عَلَى الأَصَحْ(1/13)
باب صلاة المسافرِِِِ
قَصْرُ الرُّبَاعيِ جَائِزٌ وَ لْيُعْتَبَرْ ... لَهُ شُرُوطٌ سِتَّةٌ وَ هْيَ السَّفَرْ
وَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَ أَنْ يُرَى ... سِتَّةَ عَشْرَ فَرْسَخًا فَأَكْثَرَا
وَ نِيَّةُ القَصْرِ مَعَ الإِحْرَامِ ... وَ تَرْكُ الإِقْتِدَا بِذِي إِتْمَامِ
وَ كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا لَكِنْ قَصَرْ ... حَيْثُ القَضَاءُ وَ الفَوَاتُ في السَّفَرْ
وَ الجَمْعُ بَيْنَ ظُهْرِهِ وَ عَصْرِهِ ... فيِ وَقْتِ فَرْضٍ مِنْهُمَا كَقَصْرِهِ
كَذَاكَ جَمْعُ مَغْرِبٍ مَعَ العِشَا ... فيِ وَقْتِ أَيِّ ذَيْنِكِ الفَرْضَيْنِ شَا
وَ لِلْمُقِيمِ الجَمْعُ بِالتَّقْدِيمِ ... بِمَطرٍ مُقَارِنِ التَّسْلِيمِ
مِنْ أَوَّلِ الفَرْضَيْنِ وَ التَّحَرُّمِ ... أَيْضًا بِكُلِّ مِنْهُمَا فَلْيُعْلَمِ
باب صلاة الجمعة
لَهَا شُرُوطٌ سَبْعَةٌ لِتَلْزَمَا ... كَوْنُ المُصَلِّي عِنْدَ ذَاكَ مُسْلِمَا
مُكَلَّفًا مُسْتَوْطِنًا حُرًّا ذَكَرْ ... ذَا صِحَّةٍ بِحَيْثُ لَمْ يَنَلْ ضَرَرْ
وَ الشَّرْطُ فِيهَا أَنْ تُقَامَ فيِ بَلَدْ ... بِأَرْبَعِينَ وَ اسْتِدَامَةُ العَدَدْ
وَ كَوْنُهَا جَمَاعَةً فيِ كُلِّهَا ... أَوْ رَكْعَةٍ وَ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا
وَ خُطْبَتَانِ قَبْلَهَا مَعْ طُهْرِ ... فيِ وَقْتِهَا وَ ذَاكَ وَقْتُ الظُّهْرِ
مَعَ القِيَامِ وَ الجُلُوسِ المُعْتَبَرْ ... لِلْفَصْلِ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ إِنْ قَدَرْ
وَ الحَمْدُ لله مَعَ الصَّلاَةِ ... عَلَى النَبِيِّ وَ الأَمْرُ بِالخَيْرَاتِ
وَ كَوْنُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ دَاعِيَا ... وَ آيَةً مِنَ القُرْآن ِتَالِيَا
وَحَيْثُ ضَاقَ الوَقْتُ أَوْ شَرْطٌ عَدِمْ ... فَالظُّهْرُ عِنْدَ يَأْسِهِمْ مِنْهَا لَزِمْ
فَلاَ تُقَامُ فيِ ذَوِي البَوَادِي ... وَ لَوْ أَقَامُوا عُمْرَهُمْ بِوَادِي
وَ لاَ يَجُوزُ جُمْعَتَانِ فيِ بَلَدْ ... إِلاَّ كَبِيرًا فَلْيَجُزْ فِيهِ العَدَدِِِِْ(1/14)
لاَ مُطْلَقًا بَلْ قَدْرَ مَا يُحْتَاجُ لَهْ ... فَإِنْ تَكُنْ زِيَادَةً فَبَاطِلَهْ
إِذَا عَلِمْنَا أَنَّهَا تَخَلَّفَتْ ... عَنْ جُمْعٍ لَوْ جَمَّعُوا بِهَا كَفَتْ
وَ لاَ يَضُرُّ كَوْنُ غَيْرِ الزَّائِدَهْ ... تَعَاقَبَتْ إِذْ كُلُّهَا كَوَاحِدَهْ
وَ حَيْثُ مَا لَمْ يُعْلَمِ التَّقَدُّمُ ... وَ غَيْرُهُ فَالظُّهْرُ بَعْدُ يَلْزَمُ
وَ الغُسْلُ مَنْدُوبٌ وَ تَنْظِيفُ البَدَنْ ... وَ أَخْذُ أَظْفَارٍ وَ طِيبٌ فَلْيُسَنْ
وَ اللُّبْسُ لِلْبَيَاضِ وَ الإِنْصَاتُ ... لِخُطْبَةٍ وَ تَحْرُمُ الصَّلاَةُ
إِلاَّ صَلاَةَ رَكْعَتَيْنِ تُنْدَبُ ... لِدَاخِلٍ أَخَفَّ قَدْرٍ يُطْلَبُ
باب صلاة العيدين
وَ أَكَّدُوا الصَّلاَةَ لِلْعِيدَيْنِ ... فيِ حَقِّ ذِي التَّكْلِيفِ رَكْعَتَيْنِ
وَ وَقْتُهَا مِنَ الطُّلُوعِ يُحْسَبُ ... إِلىَ الزَّوَالِ وَ القَضَاءُ يُنْدَبُ
يُكَبِّرُ الإِنْسَانُ فيِ القِيَامِ ... سَبْعًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ
مُسَبِّحًا مُحَمْدِلاً مُهَلِّلاَ ... مَعَ الجَمِيعِ قَبْلَ أَنْ يُبَسْمِلاَ
وَ بَعْدَ تَكْبِيرِ قِيَامِ الثَّانِيَهْ ... يَأْتيِ بَخَمْسٍ مِثْلِ سَبْعٍ مَاضِيَهْ
وَ بَعْدَهَا يُسَنُّ خُطْبَتَانِ ... كَجُمْعَةٍ فيِ سَائِرِ الأَرْكَانِ
يَسْتَفْتِحُ الأُولىَ بِتَكْبِيرَاتِ ... تِسْعٍ وَ فيِ الأُخْرَى بِسَبْعٍ يَاتيِ
يُعَلِّمُ الأَقْوَامَ حُكْمَ الفِطْرِ ... وَ يَوْمَ عِيدِ النَّحْرِ حُكْمَ النَّحْرِ
وَ يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ فيِ المَسَاجِدِ ... وَ غَيْرِهَا أَيْضًا بِلَفْظٍ وَارِدِ
مِنَ الغُرُوبِ لَيْلَةَ التَّعْيِيدِ ... إِلىَ الدُّخُولِ فيِ صَلاَةِ العِيدِ
وَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَهْ ... وَ غَيْرَهَا مِنْ سُنَّةٍ مَطْلُوبَهْ
مِنْ صُبْحِ يَوْمٍ قَبْلَ يَوْمِ نَحْرِهِ ... لآِخِرِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ عَصْرِهِ(1/15)
باب صلاة الكسوفينِِِِ
يُسَنُّ رَكْعَتَانِ لِلْكُسُوفِ ... وَ لِلْخُسُوفِ بِالأَدَا المَعْرُوفِ
فَلْيَأْتِ بِالقِيَامِ مَرَّتَيْنِ ... كَذَا الرُّكُوعُ فيِ كِلاَ الثِنْتَيْنِ
يُطِيلُ فيِ قِرَاءَةِ الجَمِيعِ مَعْ ... تَطْوِيلِهِ التَّسْبِيحَ كُلَّمَا رَكَعْ
مُخَفِّفًا سُجُودَهُ إِذَا سَجَدْ ... وَ رَجَّحُوا تَطْوِيلَهُ فَلْيُعْتَمَدْ
وَ فيِ كُسُوفِ الشَّمْسِ مَنْ صَلىّ أَسَرْ ... وَ سُنَّ جَهْرٌ فيِ الصَّلاَةِ لِلْقَمَرْ
وَ حَيْثُ فَاتَتْ فِيهِمَا فَلاَ قَضَا ... وَ الخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ كَمَا مَضَى
باب صلاة الإستسقاء
يُسَنُّ عِنْدَ قِلَّةِ الأَمْطَارِ ... صَلاَةُ الإِسْتِسْقَاءِ فيِ الأَقْطَارِ
فَلْيَجْهَرِ الإِمَامُ قَبْلُ بِالنِّدَا ... يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُصَالِحُوا العِدَا
وَ تَوْبَةٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ مُوبِقِ ... وَ كَثْرَةِ الخَيْرَاتِ وَ التَّصَدُّقِ
وَ صَوْمِهِمْ ثَلاَثَةً أَيَّامَا ... وَ لْيَخْرُجُوا فيِ رَابِعٍ صِيَامَا
إِلىَ المُصَلَّى مُظْهِرِي التَّخَشُّعِ ... بِأَخْشَنِ الثِّيَابِ وَ التَّخَضُّعِ
وَ خُطْبَتَانِ بَعْدَهَا كَالعِيدِ ... فيِ القَوْلِ وَ الأَفْعَالِ وَ التَأْكِيدِ
لَكِنْ هُنَا يُسَنُّ لِلْخَطِيبِ ... زِيَادَةُ التَّرْغِيبِ وَ التَّرْهِيبِ
كَذَا الدُّعَا بِالجَهْرِ وَ الإِسْرَارِ ... وَ يَبْدِلُ التَكْبِيرَ بِاسْتِغْفَارِ
وَ لْيَدْعُ أَيْضًا بِالدُّعَا المَأْثُورِ ... عَنِ النَّبِيِّ بِلَفْظِهِ المَنْثُورِ
وَ لْيَجْعَلَنْ أَعْلىَ الرِّدَاءِ أَسْفَلَهْ ... كَذَا اليَسَارُ لِلْيَمِينِ حَوَّلَهْ
وَ لْيَفْعَلُوا كَفِعْلِهِ وَ إِنْ دَعَا ... سِرًّا دَعَوْا وَ أَمَّنُوا إِنْ أَسْمَعَا
وَ سَبَّحُوا لِلرَّعْدِ أَوْ بَرْقٍ يُرَى ... وَ اغْتَسَلُوا فيِ سَيْلِ وَادٍ إِنْ جَرَى
وَ يُسْتَحَبُّ بَعْدُ أَنْ يُكَرِّرُوا ... صَلاَةَ الإِسْتِسْقَا إِذْ لَمْ يُمْطَرُواِِِِ(1/16)
باب كيفية صلاة الخوف
أَنْوَاعُهَا ثَلاَثَةٌ فَإِنْ رَأَوْا ... أَعْدَاءَهُمْ فيِ غَيْرِ قِبْلَةٍ دَنَوْا
صَلَّى الإِمَامُ رَكْعَةً بِطَائِفَهْ ... وَ غَيْرِهَا عِنْدَ العَدُوِّ وَاقِفَهْ
وَ كَمَّلَتْ لِنَفْسِهَا وَ لْتَنْصَرِفْ ... إِلىَ العَدُوِّ مَوْضِعَ الأُخْرَى تَقِفْ
وَ لْتَأْتِ الأُخْرَى بِالإِمَامِ تَقْتَدِي ... يَؤُمُّهَا فيِ رَكْعَةٍ وَ لْيَقْعُدِ
وَ كَمَّلَتْ لِنَفْسِهَا كَمَا ذُكِرْ ... وَ سَلَّمَتْ مَعَ الإِمَامِ المُنْتَظِرْ
و إنْ يَكُنْ فيِ القِبْلَةِ الأَعْدَاءُ صَفْ ... إِمَامُنَا أَصْحَابَهُ كَمَا عَرَفْ
وَ لْيُحْرِمُوا جَمِيعُهُمْ وَ لْيَرْكَعُوا ... مَعَ الإِمَامِ كُلُّهُمْ وَ لْيَرْفَعُوا
وَ لْيَهْوِ مَعْهُ لِلسُّجُودِ أَهْلُ صَفْ ... وَ غَيْرُهُمْ بِالسَّيْفِ لِلأَعْدَا وَقَفْ
وَ لْيَسْجُدِ الَّذِينَ قَدْ تَخَلَّفُوا ... عِنْدَ انْتِصَابِ غَيْرِهِمْ وَ لْيَقِفُوا
وَ فِعْلُهُمْ فيِ الرَّكْعَةِ الأُخْرَى انْعَكَسْ ... فَلْيَسْجُدِ الإِمَامُ بِالَّذِي حَرَسْ
فيِ غَيْرِهَا وَ لْيَحْرُسِ الَّذِي سَجَدْ ... وَ يَسْجُدُونَ بَعْدَهُ إِذَا قَعَدْ
وَ يَجْلِسُونَ كَالَّذِينَ قَبْلَهُمْ ... وَ سَلَّمُوا مَعَ الإِمَامِ كُلُّهُمْ
ثَالِثُهَا عِنْدَ الْتِحَامِ حَرْبِهِمْ ... فَلْيُحْرِمُوا مَعَ اخْتِلاَطِهِمْ بِهِمْ
وَ لْيَرْعَ كُلٌّ مَا يَكُونُ وَاجِبَا ... مَهْمَا اسْتَطَاعَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبَا
وَ لاَ يَضُرُّ تَرْكُ الإِسْتِقْبَالِ ... وَ لاَ كَثِيرُ الفِعْلِ مَعْ تَوَاليِ
وَ مَنْ يُصِبْ سِلاَحَهُ مِنْهُمْ دَمُ ... وَ لَمْ يَضَعْهُ فَالقَضَاءُ يَلْزَمُِِِِ
فصل في اللباس
عَلَى الرِّجَالِ يَحْرُمُ الحَرِيرُ ... وَ جَازَ أَنْ يُكْسَى بِهِ الصَّغِيرُ
وَ مِثْلُهُ الإِبْرَيْسَمُ المُرَكَّبُ ... مَعْ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ وَزْناً يَغْلِبُِِِِ
وَ كَالحَرِيرِ لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبْ ... وَ كُلُّ ذَاكَ لِلنِّسَاءِ مُسْتَحَبْ
وَ مَا دَعَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ لُبِسْ ... وَ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَجُزْ لُبْسُ النَّجِسِِِِْ(1/17)
كتاب الجنازة
وَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ شَغْلُ فِكْرِهِ ... بِمَوْتِهِ مُهَيِّئًا لِأَمْرِهِ
وَ لِلْمَرِيضِ تُنْدَبُ الوَصِيَّهْ ... وَ رَدُّهُ مَظَالِمَ البَرِيَّهْ
وَ حَيْثُ مَاتَ غُمِّضَتْ عَيْنَاهُ ... مُسْتَقْبِلاً وَ لُيِّنَتْ أَعْضَاهُ
وَ الغُسْلُ وَ التَّكْفِينُ وَ الصَّلاَةُ ... وَ الدَّفْنُ لِلأَمْوَاتِ وَاجِبَاتُ
إِلاَّ الشَّهِيدَ فَالصَّلاَةُ تَحْرُمُ ... وَ غَسْلُهُ وَ إِنْ تَفَاحَشَ الدَّمُ
وَ السِّقْطُ كَالشَّهِيدِ فِي الصَّلاَةِ ... إِنْ لَمْ تَبِنْ أَمَارَةُ الحَيَاةِ
وَ وَاجِبُ التَّجْهِيزِ إِنْ تَخَلَّقَا ... فَإِنْ تَبِنْ فَكَالكَبِيرِ مُطْلَقَا
وَ تَحْرُمُ الصَّلاَةُ مُطْلَقًا عَلَى ... ذِي ذِمَّةٍ وَ جَازَ أَنْ يُغْسَلاَ
وَ الدَّفْنُ وَ التَّكْفِينُ لاَزِمَانِ ... وَ مِثْلُهُ ذُو العَهْدِ وَ الأَمَانِ
وَ يُسْتَرُ الحَرْبِيُّ بِالتُّرَابِ ... وَ جَازَ أَنْ يُرْمَى إِلَى الكِلاَبِ
فصل
وَ غَسْلُهُ كَالحَيِّ لَكِنْ ذَا نُدِبْ ... نِيَّتُهُ لِغَاسِلٍ وَ لَمْ تَجِبْ
وَ كَوْنُهُ وِتْرًا كَغَسْلِ الحَيِّ ... أَوَّلُهُ بِالسِّدْرِ وَ الخِطْمِيِّ
وَ آخِرًا بِخَالِصِ الطَّهُورِ ... وَ فِيهِ شَيْءٌ قَلَّ مِنْ كَافُورِ
وَ إِنْ تُرِدْ أَقَلَّ وَاجِبِ الكَفَنْ ... فَذَاكَ ثَوْبٌ سَاتِرٌ كُلَّ البَدَنْ
وَ الأَفْضَلُ التَّكْفِينُ فِي ثَلاَثِ ... لَفَائِفٍ وَ الخَمْسُ للإِنَاثِ
مِنَ الثِّيَابِ البِيضِ لَكِنْ يَلْزَمُ ... أَنْ لاَ يَكُونَ فِي الحَيَاةِ يَحْرُمُ
وَ لاَ يَجُوزُ سَتْرُ رَأْسِ المُحْرِمِ ... كَوَجْهِ أُنْثَى أَحْرَمَتْ فَلْيَحْرُمِِِِِِِِِِِِِ(1/18)
ثُمَّ الصَّلاَةُ وَ لْتَكُنْ بِالنِّيَّهْ ... وَ مُطْلَقًا يَنْوِي بِهَا الفَرْضِيَّهْ
وَ لْيَأْتِ بِالتَكْبِيرِ أَرْبَعًا وِلاَ ... أُمَّ القُرْآنِ بَعْدَ أُولاَهَا تَلاَ
وَ بَعْدَ ثَانِيهَا إِذًا يُصَلِّي ... عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى الأَجَلِّ
وَ لْيَدْعُ بَعْدَ ثَالِثِ التَّكْبِيرِ ... لِمَيِّتٍ وَ سُنَّ بِالمَأْثُورِ
وَ بِالدُّعَا المَأْثُورِ بَعْدَ الرَّابِعَهْ ... أَلْزَمُوا المَأْمُومَ بِالمُتَابَعَهْ
فِيهِنَّ لاَ إِنْ خَمَّسَ الإِمَامُ ... وَ بَعْدَهُنَّ الوَاجِبُ السَّلاَمُ
فصل في كيفية حمل الميت و دفنه
ثُمَّ الرِّجَالُ بَعْدُ يَحْمِلُونَهُ ... لِلْقَبْرِ حَتْمًا ثُمَّ يُلْحِدُونَهُ
وَ يُسْتَحَبُّ سَلُّهُ مِنْ رَأْسِهِ ... إِذَا أَرَادُوا وَضْعَهُ فِي رَمْسِهِ
وَ كَوْنُهُ عَلَى اليَمِينِ يُضْجَعُ ... وَ أَوْجَبُوا اسْتِقْبَالَهُ إِذْ يُوضَعُ
وَ الجَمْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ مُنِعْ ... فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَمْتَنِعْ
وَ جَائِزٌ إِنْ كَانَ مَحْرَمِيَّهْ ... بَيْنَهُمَا أَوْ مِلْكٌ أَوْ زَوْجِيَّهْ
وَ وَاجِبٌ فِي القَبْرِ مَنْعُ الرَّائِحَهْ ... بِعُمْقِهِ كَذَا السِّبَاعُ الجَارِحَهْ
وَ يُسْتَحَبُّ بَسْطَةً وَ قَامَهْ ... وَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ عَلاَمَهْ
وَ أَنْ يُعَزَّى أَهْلُهُ إِذَا قَضَى ... إِلَى ثَلاَثٍ بَعْدَ دَفْنٍ قَدْ مَضَى
وَ حَيْثُ لاَ لَطْمٌ وَ لاَ نُوَاحُ ... وَ شَقُّ جَيْبٍ فَالبُكَا مُبَاحُ
وَ يُكْرَهُ التَّجْصِيصُ وَ البِنَا وَ لاَ ... تُجِزْ بِنَاءً فِي مَكَانٍ سُبِّلاَ(1/19)
كتاب الزكاة
وُجُوبُهَا فِي خَمْسَةٍ قَدِ انْحَصَرْ ... وَهْيَ المَوَاشِيَ وَ الزُّرُوعُ وَ الثَّمَرْ
وَ الرَّابِعُ النَّقْدَانِ ثُمَّ المَتْجَرُ ... خَامِسُهَا وَ كُلُّهَا سَتُذْكَرُِِِِ
بِشَرْطِ كَوْنِ الشَّخْصِ حُرًّا مُسْلِمَا ... وَ مَلْكِهِ مِنْهَا نِصَابًا تُمِّمَا
وَ الحَوْلِ إِلاَّ فِي الزُّرُوعِ وَ الثَّمَرْ ... وَ السَّوْمُ وَ هْوَ فِي المَوَاشِي يُعْتَبَرْ
وَ سَوْمُهَا مَعْنَاهُ أَنْ لاَ تَأْكَلاَ ... فيِ الحَوْلِ إِلاَّ مَا يُبَاحُ مِنْ كَلاَ
فصل في زكاة الإبل
أَمَّا المَوَاشِي هَاهُنَا فَهْيَ النَّعَمْ ... مِنْ إِبِلٍ وَ بَقَرٍ وَ مِنْ غَنَمْ
وَ نَبْتَدِي بِالإِبْلِ فِي الحِسَابِ ... وَ فِي بَيَانِ الفَرْضِ وَ النِّصَابِ
فَدُونَ خَمْسٍ لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ ... وَ بَعْدَهَا فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةُ
مِنْ بَعْدِ حَوْلٍ إِنْ تَكُنْ مِنْ ضَانِ ... أَوْ شَاةُ مَعْزٍ سِنُّهَا حَوْلاَنِ
وَ الخَمْسُ وَ العِشْرُونَ فَرْضُهَا جُعِلْ ... بِنْتَ مَخَاضٍ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ إِبِلْ
وَ فَرْضُ سِتٍّ مَعْ ثَلاَثِينَ اجْعَلاَ ... بِنْتَ لَبْونٍ بَعْدَ عَامَيْنِ اقْبَلاَ
وَ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِينَ حِقَّهْ ... بَعْدَ ثَلاَثٍ فَهْيَ مُسْتَحِقَّهْ
إِحْدَى وَ سِتُّونَ المُؤَدَّى جَذَعَهْ ... وَهْيَ الَّتِي فِي السِّنِّ وَفَّتْ أَرْبَعَهْ
وَإِنْ تَكُنْ سَبْعِينَ مَعْ سِتٍّ وَجَبْ ... بِنْتَا لَبُونٍ وَ المَعِيبُ يُجْتَنَبْ
وَ إِنْ تَكُنْ تِسْعِينَ مَعْهَا وَاحِدَهْ ... فَحِقَّتَانِ بِالنُّصُوصِ الوَارِدَهْ
أَوْ كَانَ مَعْ عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ المِائَهْ ... وَاحِدَةٌ تَكُنْ ثَلاَثٌ مُجْزِئَهْ
إِنْ كَانَ كُلٌّ أُمُّهَا لَبُونُ ... وَ بَعْدَ ذَاكَ ضَابِطٌ يَكُونُ
بِنْتُ لَبُونٍ كُلَّ أَرْبَعِينَا ... وَ حِقَّةٌ فِي كُلِّ مَا خَمْسِينَا
فصل في زكاة البقر والغنم
ثُمَّ الثَلاَثُونَ الَّتِي مِنَ البَقَرْ ... فِيهَا تَبِيعٌ سِنُّهُ حَوْلٌ ذَكَرْ
وَ الأَرْبَعُونَ فَرْضُهَا مُسِنَّهْ ... وَ سِنُّهَا حَوْلاَنِ فَادْرِ السُّنَّهِِِِْ(1/20)
وَ هَكَذَا بِمُقْتَضَى الحِسَابِ ... تَكَرُّرُ الفَرْضَيْنِ وَ النِّصَابِ
وَ إِنْ تُرِدْ أَدْنَى نِصَابٍ فِي الغَنَمْ ... فَأَرْبَعُونَ فِيهِ شَاةٌ حَيْثُ تَمْ
إِحْدَى وَعِشْرِينَ اجْمَعَنْ مَعَ المِائَهْ ... فِيهَا اثْنَتَانِ قَدْرُ فَرْضٍ أَجْزَأَهْ
وَ المِائَتَانِ حَيْثُ زَادَتْ وَاحِدَهْ ... فِيهَا ثَلاَثٌ مِنْ شِيَاهٍ وَارِدَهْ
وَ حَيْثُ صَارَتْ أَرْبَعًا مِئِينَا ... فِيهَا شِيَاهٌ أَرْبَعٌ يَقِينَا
وَ هَكَذَا تَكَرُّرٌ لِلشَّاةِ ... مِنْ بَعْدِ ذَا بِعَدَدِ المِئَاتِ
فصل في الخلطة وشروطها
وَ فِي الخَلِيطَيْنِ الزَّكَاةُ تُعْتَبَرْ ... زَكَاةَ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَقَطْ وَ مَرْ
إِنْ يَتَّحِدْ مُرَاحُهَا وَ المَشْرَبُ ... وَ مَسْرَحُ الجَمِيعِ ثُمَّ المَحْلَبُ
وَالفَحْلُ وَالمَرْعَى كَذَاكَ الرَّاعِي ... وَمُطْلَقًا فِي شِرْكَةِ الشِّيَاعِ
فصل في زكاة الزروع و بيان النصاب
وَ تَلْزَمُ الزَّكَاةُ فِي الزُّرُوعِ ... بِشَرْطِ كَوْنِهَا مِنَ المَزْرُوعِ
وَ أَنْ يَكُونَ الحَبُّ قُوتًا مُدَّخَرْ ... وَ مَا عَلَى نَخْلٍ وَ كَرْمٍ مِنْ ثَمَرْ
ثُمَّ النِّصَابُ خَمْسَةٌ مِنْ أَوْسُقِ ... وَ الفَرْضُ عُشْرُ مَا بِسَيْلٍ قَدْ سُقِي
وَ مَا سُقِي بِالنَّضْحِ نِصْفُ عُشْرِهِ ... وَ قِسْطُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَدْرِهِ
وَ كُلُّ وَسْقٍ كَيْلُهُ بِالصَّاعِ ... سِتُّونَ أَيْ فِي سَائِرِ البِقَاعِ
وَ قَدْرُ هَذَا الصَّاعِ بِالأَمْدَادِ ... أَرْبَعَةٌ فِي سَائِرِ البِلاَدِ
وَ وَزْنُ هَذَا المَدُّ بِالعِرَاقِي ... رِطْلٌ وَ ثُلْثٌ وَ هْوَ بِاتِّفَاقِ
وَ الخُلْفُ فِي رِطْلِ العِرَاقِ قَدْ سَمَا ... فِي وَزْنِهِ أَيْ كَمْ يَكُونُ دِرْهَمَا
قَالَ النَّوَاوِي مِائَةٌ وَ رُبْعُهَا ... وَ بَعْدَهَا ثَلاَثَةٌ تَتْبَعُهَا
وَ اجْمَعْ لَهَا أَرْبَعَةَ الأَسْبَاعِ ... مِنْ دِرْهَمٍ أَيْضًا بِلاَ نِزَاعِِِِِِِِِ(1/21)
باب زكاة النقدين و بيان النصاب
وَ تَلْزَمُ الزَّكَاةُ فِي النَّقْدَيْنِ ... وَ إِنْ يَكُونَا غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ
سِوَى حُلِيِّ المَرْأَةِ المُبَاحِ ... وَ لَوْ كَسِيرًا قَابِلَ الإِصْلاَحِ
فَمَنْ حَوَى عِشْرِينَ مِثْقَالاً ذَهَبْ ... حَوْلاً فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ وَجَبْ
أَوْ مِائَتَيْنِ مِنْ دَرَاهِمِ الوَرِقْ ... فَخَمْسَةٌ دَرَاهِمٌ لِلْمُسْتَحِقْ
وَ خُذْ لِكُلِّ زَائِدٍ بِقَدْرِهِ ... وَ نِسْبَةُ المَأْخُوذِ رُبْعُ عُشْرِهِ
وَ إِنْ يَكُنْ مِنْ مَعْدَنٍ يُسْتَخْرَجُ ... فَرُبْعُ عُشْرٍ مِنْهُ حَالاً يُخْرَجُ
وَ فِي الرِّكَازِ الخُمْسُ فَوْرًا يُخْرَجُ ... وَ هُوَ الدَّفِينُ الجَاهِلِيُّ المُخْرَجُ
وَ قَوَّمَ التُجَّارُ عَرْضَ المَتْجَرِ ... فِي الحَوْلِ بِالنَّقْدِ الَّذِي بِهِ اشْتُرِي
وَ لْيُخْرِجُوا مِنْ ذَاكَ رُبْعَ عُشْرِهِ ... كَالنَّقْدِ فِي نِصَابِهِ وَ قَدْرِهِ
باب زكاة الفطر
أَوْجِبْ زَكَاةَ الفِطْرِ بِالإِسْلاَمِ ... عِنْدَ غُرُوبِ آخِرِ الصِّيَامِ
مَعَ اليَسَارِ عِنْدَ ذَاكَ وَ هُوَ أَنْ ... يَزِيدَ قَدْرُ مَالِهِ عَنِ المُؤَنْ
مِنْ كُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ فِي لَيْلَتِهْ ... وَ يَوْمِهَا لِنَفْسِهِ وَ عَيْلَتِهْ
فَلْيُخْرِجِ الإِنْسَانُ يَوْمَ العِيدِ ... عَنْ نَفْسِهِ وَ الأَهْلِ وَ العَبِيدِ
صَاعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ مَا وَجَدْ ... مِنْ غَالِبِ الأَقْوَاتِ فِي ذَاكَ البَلَدْ
وَ لَمْ تَجِبْ عَنْ نَاشِزٍ وَ كَافِرِ ... بَلِ الأَدَا فِي الحَالِ عَنْ مُسَافِرِِِِِ(1/22)
فصل في قسم الزكاة
وَ تُدْفَعُ الزَّكَاةُ لِلأَصْنَافِ ... وَ عَدُّهُمْ فِي الذِّكْرِ غَيْرُ خَافِي
فَقِيرُنَا وَ مِثْلُهُ مِسْكِينُنَا ... وَ عَامِلٌ وَ دَاخِلٌ فِي دِينِنَا
مُكَاتَبٌ وَ غَارِمٌ وَ غَازِي ... مَعْ مُنْشئِ الأَسْفَارِ أَوْ مُجْتَازِِِِِ
وَ الوَاجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ بِالقِسْمَةِ ... إِنْ يُوجَدُوا وَ يُحْصَرُوا فِي البَلْدَةِ
وَ عِنْدَ فَقْدِ بَعْضِهِمْ مِنَ البَلَدْ ... فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى الَّذِي مِنْهُمْ وَجَدْ
وَ وَاجِبٌ ثَلاَثَةٌ فَأَكْثَرُ ... مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَهْلُهُ لَمْ يَحْضُرُوا
وَ أَوْجَبُوا حَيْثُ الإِمَامُ فَرَّقَا ... تَعْمِيمَهُمْ وَ لَوْ بِنَقْلٍ مُطْلَقَا
وَ لَمْ تَقَعْ عَنْ فَرْضِ مَنْ أَعْطَاهَا ... لِكَافِرٍ وَ لاَ لآلِ طَهَ
أَوْ لِغَنِيٍّ أَوْ رَقِيقٍ مُطْلَقَا ... وَ مَنْ عَلَيْهِ ذُو الزَّكَاةِ أَنْفَقَا
لَكِنْ لِغَازٍ أَجْزَأَتْ مَعَ الغِنَى ... وَ غَارِمٍ لِفِتْنَةٍ قَدْ سَكَّنَاِِِِِِِِِِِِِِِِ(1/22)
كتاب الصيام
وَ بِانْتِهَا شَعْبَانَ لِلْكَمَالِ ... أَوْ حُكْمِ قَاضٍ قَبْلُ بِالهِلاَلِ
شَهْرُ الصِّيَامِ وَاجِبُ الصِّيَامِ ... بِالعَقْلِ وَ البُلُوغِ وَالإِسْلاَمِ
وَ قُدْرَةٍ عَلىَ أَدَاءِ الصَّوْمِ ... مَعْ نِيَّةٍ فَرْضًا لِكُلِّ يَوْمِ
وَ وَاجِبٌ تَقْدِيمُهَا عَنْ فَجْرِهِ ... وَ أَجْزَأَتْ فِي النَّفْلِ قَبْلَ ظُهْرِهِ
وَ شَرْطُهُ الإِمْسَاكُ عَنْ تَعَاطيِ ... مُفَطِّرٍ عَمْدًا كَلاِسْتِعَاطِ
وَ أَكْلِهِ وَ شُرْبِهِ وَ حُقْنَتِهْ ... وَ وَطْئِهِ وَ قَيْئِهِ وَ رِدَّتِهْ
كَذَلِكَ الإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَهْ ... وَ مَا بِإِحْلِيلِ وَ أُذْنٍ قَطَّرَهْ
وَ الحَيْضُ وَ النِّفَاسُ وَ الجُنُونُ ... وَ افْعَلْ ثَلاَثاً فِعْلُهَا مَسْنُونُ
فَالفِطْرَ عَجِّلْ وَ السُّحُورَ أَخِّرِ ... وَ قَوْلَ هُجْرٍ فِي الصِّيَامِ فَاهْجُرِ
وَ الصَّوْمُ فِي العِيدَينِ وَ التَّشْرِيقِ لَمْ ... يَجُزْ بِحَالٍ وَ الفَسَادُ فِيهِ عَمْ
وَ يَوْمُ شَكٍّ مِثْلُهَا فَلْيُمْنَعِ ... مَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةَ التَّطَوُّعِ
أَوْ صَامَهُ عَنْ نَذْرِهِ أَوْ عَنْ قَضَا ... أَوْ كَانَ عَنْ كَفَّارَةٍ فَيُرْتَضَىِِِِِِِِِِِِِِِِ(1/23)
لَكِنْ عَلَى ذِي الرُّؤْيَةِ المُحَقَّقَهْ ... صِيَامُهُ وَ كُلِّ مَنْ قَدْ صَدَّقَهْ
فصل في موجب الكفارة و الفدية و غير ذلك
وَ مَنْ يُجَامِعْ عَامِدًا نَهَارَهُ ... فَبِالقَضَا أَلْزِمْهُ وَ الكَفَّارَهْ
إِعْتَاقُ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ وَ مَا بِهِ ... عَيْبٌ يُخِلُّ بَعْدُ بِاكْتِسَابِهِ
لَكِنَّهُ إِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ ... شَهْرَيْنِ مَعْ تَتَابُعٍ يَدُومُ
أَوْ لَمْ يُطِقْ فَلْيُطْعِمَنْ مَمَّا غَلَبْ ... سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلٍّ مُدُّ حَبْ
وَ بَعْدَ ذَا لَمْ يَسْقُطِ الوُجُوبُ ... بِالعَجْزِ لَكِنْ يَسْقُطِ التَّرْتِيبُ
وَ مَنْ يَمُتْ بِلاَ قَضَا إِنْ قَصَّرَا ... كَانَ الوَلِيُّ بَعْدَهُ مُخَّيَّرَا
إِنْ شَاءَ صَامَ صَوْمَهُ أَوْ أَطْعَمَا ... عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّ حَبٍّ قَدَّمَا
وَ جَائِزٌ لِلشَّخْصِ فِي سِنِّ الكِبَرْ ... تَرْكُ الصِّيَامِ إِنْ تَحَقَّقَ الضَّرَرْ
وَ لاَ قَضَاءَ بَلْ تَعَيَّنَ الأَدَا ... عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حَبٍّ لِلْفِدَا
وَ حَامِلٌ وَ مُرْضِعٌ تَضَرَّرَتْ ... بِصَوْمِهَا أَوْ ضُرِّ طِفْلٍ أَفْطَرَتْ
وَ إِنْ يَكُنْ خَوْفًا عَلَى طِفْلٍ وَجَبْ ... مَعَ القَضَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حَبْ
وَ فِطْرُ ذِي تَمَرُّضٍ وَ ذِي سَفَرْ ... قَصْرٍ مُبَاحٌ وَ القَضَا لَمْ يُغْتَفَرْ
و كُلُّ شَخْصٍ بِالقَضَا تَأَخَّرَا ... حَتَّى أَتَى شَهْرُ الصِّيَامِ كَفَّرَا
وَ عِدَّةُ الأَمْدَادِ كَالأَيَّامِ ... وَ كُرِّرَتْ تَكَرُّرَ الأَعْوَامِِِِِ
باب الإعتكاف
وَ الإِعْتِكَافُ سُنَّةٌ وَ لْيُعْتَبَرْ ... وُجُوبُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ نَذَرْ
وَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ الصِّيَامُ ... بَلْ شَرْطُهُ التَّمْيِيزُ وَ الإِسْلاَمُ
وَ لَبْثُهُ بِمَسْجِدٍ وَ النِّيَهْ ... وَ لْيَنْوِ فِي مَنْذُورِهِ الفَرْضِيَّهْ
وَ بِالجُنُونِ وَ الجِمَاعِ يَبْطُلُ ... كَذَا بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ يَحْصُلُ
وَ بِالخُرُوجِ يَبْطُلُ المَنْذُورُ ... لَكِنْ لِعُذْرٍ يَخْرُجُ المَعْذُورُ(1/24)
كتاب الحج
كُلُّ امْرِئٍ فَمُلْزَمٌ كَمَا أُمِرْ ... بِأَنْ يَحُجَّ مَرَّةً وَ يَعْتَمِرْ
إِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا ... وَ أَمْكَنَ المَسِيرُ وَ الخَوْفُ انْتَفَى
وَ وَاجِدًا لِزَادِهِ وَ الرَّاحِلَهْ ... زِيَادَةً عَنْ كُلِّ مَا يَحْتَاجُ لَهْ
أَرْكَانُهُ الإِحْرَامُ وَ الوُقُوفُ مَعْ ... حَلْقٍ وَ سَعْيٍ وَ طَوَافٍ إِذْ رَجَعْ
وَ كُلُّهَا غَيْرَ الوُقُوفِ تُعْتَبَرْ ... أَرْكَانَ كُلِّ عُمْرَةٍ بِهَا اعْتَمَرْ
وَ الوَاجِبُ الإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِ ... وَ الرَّمْيُ لِلْجِمَارِ فِي أَوْقَاتِهِ
وَ أَنْ يَبِيتَ الشَّخْصُ بِالمُزْدَلِفَهْ ... وَ فِي مِنَى اللَّيَالِي المُشَرَّفَهْ
وَ تَرْكُ مَا يُسَمَّى مَخِيطًا سَاتِرَا ... وَ أَنْ يَطُوفَ لِلْوَدَاعِ آخِرَا
وَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ الفَتَى ... وَ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ إِذْ أَتَى
وَ أَنْ يَكُونَ مُفْرِدًا لِمَا ذُكَرْ ... بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ بَعْدُ يَعْتَمِرْ
وَ رَكْعَتَانِ لِلطَّوَافِ أُكِّدَا ... كَذَا البَيَاضُ وَ الإِزَارُ وَ الرِّدَا
باب محرمات الإحرام
وَ هَذِهِ عَشْرُ خِصَالٍ تَحْرُمُ ... مِنْ مُحْرِمٍ وَ كُلُّهَا سَتُعْلَمُ
لَبْسُ المَخِيطِ مُطْلَقًا مِنَ الذَّكَرْ ... وَ سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِهِ بِلاَ ضَرَرْ
وَ وَجْهُهَا كَرَأْسِهِ إِذَا اسْتَتَرْ ... وَ قَلْمُ أَظْفَارٍ كَذَا حَلْقُ الشَّعَرْ
وَ قَتْلُ صَيْدٍ كَالحَلاَلِ فِي الحَرَمْ ... وَ القَطْعُ مِنْ أَشْجَارِهِ كَالصَّيْدِ ثَمْ
وَ الوَطْءُ وَ النِّكَاحُ وَ المُبَاشَرَهْ ... بِشَهْوَةٍ وَ مَسُّ طِيبٍ عَاشِرَهِِِِْ(1/25)
ثُمَّ الفِدَا فِي كُلِّ مَا مِنْهَا وُجِدْ ... إِلاَّ النِّكَاحَ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَقِدْ
وَ الظُّفْرُ فِيهِ المُدُّ وَ الظُّفْرَانِ ... كَالشَّعْرَتَيْنِ فِيهِمَا مُدَّانِ
وَ النُّسُكَانِ مُطْلَقًا قَدْ أُبْطِلاَ ... بِالوَطْءِ إِلاَّ وَطْءَ مَنْ تَحَلَّلاَ
وَ وَاجِبٌ بِالوَطْءِ هَدْيٌ وَ القَضَا ... وَ كَوْنُهُ فِي فَاسِدٍ بِهِ مَضَى
وَ مَنْ يَفُتْ وُقُوفُهُ تَحَلَّلاَ ... بِعُمْرَةٍ إِنْ كَانَ عَنْ حَصْرٍ خَلاَ
أَوْ فَاتَهُ رُكْنٌ سِوَاهُ لَمْ يَحِلْ ... مِنْ ذَلِكَ الإِحْرَامِ إِلاَّ إِنْ فُعِلْ
وَ إِنْ يَفُتْهُ وَاجِبٌ يُرِقْ دَمَا ... أَوْ سُنَّةٌ فَمَا بِشَيْءٍ أُلْزِمَا
فصل في بيان الدماء و ما يقوم مقامها
وَ سَائِرُ الدِّمَاءِ فِي الإِحْرَامِ ... مَحْصُورَةٌ فِي خَمْسَةٍ أَقْسَامِ
فَالأَوَّلُ المُرَتَّبُ المُقَدَّرُ ... بِتَرْكِ أَمْرٍ وَاجِبٍ وَ يُجْبَرُ
بِذَبْحِ شَاةٍ أَوَّلاً وَ صَامَا ... لِلْعَجْزِ عَنْهُ عَشْرَةً أَيَّامَا
ثَلاَثَةً فِي الحَجِّ فِي مَحَلِّهِ ... وَ سَبْعَةً إِذَا أَتَى لأَِهْلِهِ
ثَانِي الدِّمَا مُخَيَّرٌ مُقَدَّرُ ... بِنَحْوِ حَلْقٍ مِنْ أُمُورٍ تُحْظَرُ
فَالشَّاةُ أَوْ ثَلاَثَةٌ أَيَّامُ ... يَصُومُهَا أَوْ آصُعٌ طَعَامُ
لِسِتَّةٍ هُمْ مِنْ مَسَاكِينِ الحَرَمْ ... لِكُلِّ شَخْصٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْهُ ثَمْ
ثَالِثُهَا مُخَيَّرٌ مُعَدَّلُ ... بِقَطْعِ نَبْتٍ أَوْ بِصَيْدٍ يُقْتَلُ
فَإِنْ يَكُنْ لِلصَّيْدِ مِثْلٌ فِي النَّعَمْ ... فَلْيَذْبَحِ المِثْلَ ابْتِدَاءً فِي الحَرَمْ
أَوْ يَشْتَرِي لأَهْلِ ذَلِكَ الحَرَمْ ... حَبًّا بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنَ القِيَمْ
أَوْ يَعْدِلُ الأَمْدَادَ مِنْهُ صَوْمَا ... يَصُومُهُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمَا
وَ خَيَّرُوا فِي الصَّوْمِ وَ الإِطْعَامِ فِي ... إِتْلاَفِ صَيْدٍ حَيْثُ مِثْلُهُ نُفِي(1/26)
رَابِعُهَا مُرَتَّبُ مُعَدَّلُ ... فَوَاجِبٌ بِالحَصْرِ حَيْثُ يَحْصُلُ
دَمٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُطْعِمِ ... قُوتًا يُرَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الدَّمِ
وَ صَامَ عِنْدَ العَجْزِ عَنْ إِطْعَامِ ... مَا يَعْدِلُ الأَمْدَادَ مِنْ أَيَّامِ
خَامِسُهَا يَخْتَصُّ بِالمُجَامِعِ ... مُرَتَّبٌ مُعَدَّلٌ كَالرَّابِعِ
لَكِنْ هُنَا البَعِيرُ قَبْلُ مُعْتَبَرْ ... وَ بَعْدَهُ لِلْعَجْزِ رَأْسٌ مِنْ بَقَرْ
وَ عِنْدَ عَجْزٍ عَنْهُ سَبْعٌ مِنْ غَنَمْ ... ثُمَّ الطَّعَامُ يُشْتَرَى عِنْدَ العَدَمْ
بِقِيمَةِ البَعِيرِ حَيثُمَا وُجِدْ ... وَ عَدْلُهُ مِنَ الصِّيَامِ إِنْ فُقِدْ
وَلَمْ يَجِبْ كَوْنُ الصِّيَامِ فِي الحَرَمْ ... وَ الهَدْيُ وَ الإِطْعَامُ فِيهِ مُلْتَزَمْ
وَ شُرْبُنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ نُدِبْ ... لِلدِّينِ وَ الدُّنْيَا وَ كُلِّ مَا طُلِبْ
كَالعِلْمِ وَ النِّكَاحِ أَيْضًا وَ الشِّفَا ... وَ أَنْ نَزُورَ بَعْدُ قَبْرَ المُصْطَفَى
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَ سَلَّمَا ... و آلِهِ وَ صَحْبِهِ وَ كَرَّمَا
كتاب البيع
يَصِحُّ بَيْعُ حَاضِرٍ يُشَاهَدُ ... وَ بَيْعُ شَيْءٍ لَمْ يُشَاهَدْ فَاسِدُ
لَكِنْ يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مُلْتَزَمْ ... فِي ذِمَّةٍ بِالوَصْفِ بَيْعٍا أَوْ سَلَمْ
إِذَا جَرَى فِي طَاهِرٍ مَعْلُومِ ... بِهِ انْتِفَاعٌ مُمْكِنِ التَّسْلِيمِ
مِنْ مَالِكٍ أَوْ مَنْ لَهُ وِلاَيَهْ ... بِصِيغَةٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَهْ
وَ لاَ يَصِحُّ مُطْلَقًا بَيْعُ الغَرَرْ ... وَ لاَ مَبِيعٌ قَبْلَ قَبْضٍ مُعْتَبَرْ
باب الربا
بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ يُشْتَرَطْ ... لَهُ التَّسَاوِي إِنْ يَكُنْ جِنْسًا فَقَطْ
كَذَلِكَ الحُلُولُ وَ المُقَابَضَهْ ... حَقِيقَةً فِي مَجْلِسِ المُعَاوَضَهْ
فَلَمْ يُبَعْ بِجِنْسِهِ جِنْسٌ فَضَلْ ... وَ لاَ يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلىَ أَجَلْ(1/27)
وَ كَالطَّعَامِ فِي جَمِيعِ مَا عُرِفْ ... نَقْدٌ بِنَقْدٍ جِنْسِهِ أَوْ مُخْتَلِفْ
ثُمَّ اعْتِبَارُ العِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ ... فِيمَا يَجِفُّ بِالجَفَافِ الكَامِلِ
فَلاَ يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ الرَّطْبِ أَنْ ... يَبِيعَهُ بِجِنْسِهِ إِلاَّ اللَّبَنْ
وَ الحَيَوَانُ إِنْ يُبَعْ بِاللَّحْمِ لَمْ ... يَجُزْ بِحَالٍ وَ الفَسَادُ فِيهِ عَمْ
باب الخيار
أَمَّا خِيَارُ مَجْلِسِ التَّبَايُعِ ... فَثَابِتٌ لِلْمُشْتَرِي وَ البَائِعِ
فَيَسْتَمِرُّ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا ... حَتَى يُرَى مُفَارِقًا أَوْ مُلْزِمَا
وَ غَيْرُهُ لِكُلٍّ اشْتِرَاطُهُ ... ثَلاَثَةً كَمَا لَهُ إِسْقَاطُهُ
وَ المُشْتَرِي يَرُدُّ مَا اشْتَرَاهُ ... بِكُلِّ عَيْبٍ عِنْدَمَا يَرَاهُ
إِمَّا بِشَرْطٍ لَمْ يَكُنْ مُوَفِّيَهْ ... أَوْ بِالقَضَا العُرْفِيِّ أَوْ بِالتَّصْرِيَهْ
وَ حَيْثُ عِنْدَ المُشْتَرِي تَعَيَّبَا ... فَلاَ يُرَدُّ حَيْثُ بَائِعٌ أَبىَ
فصل في بيع الثمار و الزروع
بَيْعُ الثِّمَارِ دُونَ شَرْطِ القَطْعِ ... قَبْلَ الصَّلاَحِ مُسْتَحِقُّ المَنْعِ
إِنْ أُفْرِدَتْ فِي بَيْعِهَا عَنِ الشَّجَرْ ... وَ تَرْكُهُ بَعْدَ الصَّلاَحِ مُغْتَفَرْ
وَ الزَّرْعُ عِنْدَ بَيْعِهِ مِثْلُ الثَّمَرْ ... فِي بَيْعِهِ وَ الأَرْضُ مَعْهُ كَالشَّجَرْ
فَقَطْعُهُ قَبْلَ الصَّلاَحِ يُشْتَرَطْ ... لاَ بَعْدَهُ وَ إِنْ يُبَعْ مَعْهَا سَقَطْ
كتاب السلم
هُوَ اصْطِلاَحًا بَيْعُ مَالٍ مُلْتَزَمْ ... فِي ذِمَّةٍ بِالوَصْفِ مَعْ لَفْظِ السَّلَمْ
مُؤَجَّلاً بِالشَّرْطِ أَوْ مُعَجَّلاَ ... وَ حَيْثُ كَانَ مُطْلَقًا تَعَجَّلاَ
وَ شَرْطُهُ تَسْلِيمُ رَأْسُ المَالِ ... مَكَانَهُ مَعْ عِلْمِهِ بِالحَالِ
وَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا قَدْرَ الأَجَلْ ... وَ مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ حَيْثُ القَبْضُ حَلْ(1/28)
وَ قَدْرُ مَا أَسْلَمْتَ فِيهِ يُذْكَرُ ... مَعْ جِنْسِهِ وَ نَوْعِهِ وَ يُحْصَرُ
بِوَصْفِهِ وَ شَكْلِهِ الذِي أُلِفْ ... إِنْ كَانَتِ الأَغْرَاضُ فِيهِ تَخْتَلِفْ
ثُمَّ الَّذِي أَسْلَمْتَ فِيهِ شَرْطُهُ ... إِمْكَانُ ضَبْطٍ لَوْ أُرِيدَ ضَبْطُهُ
وَ كَوْنُهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَخْتَلِطْ ... أَوْ كَانَتِ الأَرْكَانُ فِيهِ تَنْضَبِطْ
وَ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَلَوْ عَقَدْ ... فِي صُبْرَةٍ أَوْ بَعْضِ صُبْرَةٍ فَسَدْ
وَ كَوْنُهُ وَقْتَ الحُلُولِ يَغْلِبُ ... وُجُودُهُ حَيْثُ الأَدَاءُ يُطْلَبُ
وَ لْيَمْتَنِعْ خِيَارُ شَرْطٍ فِيهِ ... لاَ مَجْلِسٍ بَلْ ذَاكَ يَقْتَضِيهِ
كَذَاكَ مِنْ مَوَانِعِ التَّجْوِيزِ ... تَأْثِيرُ نَارٍ لَيْسَ لِلتَّمْيِيزِ
باب القرض
وَ القَرْضُ لِلْمُحْتَاجِ مَنْدُوبٌ وَلَمْ ... يَصِحَّ إِلاَّ قَرْضُ مَا فِيهِ السَّلَمْ
وَجَازَ قَرْضُ الخُبْزِ لاَ قَرْضُ الإِمَا ... إِنْ حَلَّ وَطْءٌ وَ لْيَجُزْ إِنْ حُرِّمَا
باب الرهن
يَصِحُّ رَهْنَ سَائِرِ الأَعْيَانِ ... إِنْ صَحَّ فِيهَا البَيْعُ لاَ كَالجَانِي
بِكُلِّ دَيْنٍ لاَزِمٍ وَ فِي زَمَنْ ... خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ سِوَاهُ بِالثَّمَنْ
وَ لاَ رُجُوعَ بَعْدَ قَبْضِ المُرْتَهِنْ ... فَإِنْ تَعَدَّى بَعْدَ قَبْضِهِ ضَمِنْ
وَ حَقُّهُ مُعَلَّقٌ بِعَيْنِهِ ... جَمِيعِهَا إِلىَ وَفَاءِ دَيْنِهِ
وَ بِامْتِنَاعِ رَاهِنٍ مِنَ الوَفَا ... يُبَاعُ كُلُّ الرَّهْنِ أَوْ جُزْءٌ كَفَى
باب الحجر
وَ الشَّخْصُ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ ... بِمَانِعٍ مِنْ سِتَّةٍ لَمْ تَخْتَفِ
وَ هِيَ الصِّبَا كَذَا جُنُونٌ يُعْرَفُ ... فَلاَ يَصِحُّ مَعْهُمَا تَصَرُّفُ
وَ لاَ مِنَ المُبَذِّرِ السَّفِيهِ ... إِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ
وَ كَالسَّفِيهِ مُفْلِسٌ مَدِينُ ... تَزِيدُ عَنْ أَمْوَالِهِ الدُّيُونُ(1/29)
لَكِنْ يَصِحُّ مُطْلَقًا فِي ذِمَّتِهْ ... كَذَا النِّكَاحُ ثُمَّ خَلْعُ زَوْجَتِهْ
فصل
وَ لَيْسَ لِلرَّقِيقِ فِيمَا فِي يَدِهْ ... تَصَرُّفٌ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهْ
فَإِنْ شَرَى بِغَيْرِ إِذْنٍ وَ اقْتَرَضْ ... يَكُنْ عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ العِوَضْ
وَ إِنْ يُعَامَلْ بَعْدَ إِذْنِ سَيِّدِهْ ... يَجِبْ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِمَّا فِي يَدِهْ
وَ إِنْ جَنَى جِنَايَةً فِي رِقِّهِ ... فَحَقُّهَا مُعَلَّقٌ بِعُنْقِهِ
وَ هْوَ القِصَاصُ إِنْ جَنَى تَعَمُّدَا ... وَ فِي سِوَاهُ بَيْعُهُ أَوِ الْفِدَا
وَ حَيْثُ مَا جَنَى عَلَى أَمْوَالِ ... فَلاَ قِصَاصَ مُطْلَقًا بِحَالِ
فصل
ثُمَّ المَرِيضُ نَافِذُ التَّصَرُّفِ ... فِي قَدْرِ ثُلْثِ مَالِهِ وَ إِنْ شُفِي
فَإِنْ يَزِدْ وَ دَاؤُهُ مَخُوفُ ... فَالحُكْمُ فِيمَا زَادَهُ مَوْقُوفُ
حَتَّى يُجِيزَ وَارِثُوهُ بَعْدَهُ ... أَوْ يُبْطِلُوهُ إِنْ أَرَادُوا رَدَّهُ
باب الصلح
يَصِحُّ بِالإِقْرَارِ فِي مَالٍ وَ مَا ... يُفْضِي إِلَيْهِ كَقِصَاصٍ لَزِمَا
أَنْوَاعُهُ حَطِيطَةٌ وَ عَارِيَهْ ... وَ الثَّالِثُ المُعَاوَضَاتُ الجَارِيَهْ
فَإِنْ جَرَى عَنْ دَيْنِهِ المُحَقَّقِ ... بِبَعْضِهِ فَمبْرِىءٌ مِمَّا بَقِي
وَ إِنْ جَرَى عَنْ عَبْدِهِ الذِي غُصِبْ ... بِالبَعْضِ فَالبَاقِي لِغَاصِبٍ وُهِبْ
وَ إِنْ جَرَى عَنْ نَحْوِ دَارٍ جَارِيَهْ ... فِي المِلْكِ بِالسُّكْنَى فَصُلْحُ العَارِيَهْ
وَ لَمْ يَجِبْ فِيمَا مَضَى مُقَابَضَهْ ... أَصْلاً وَ أَمَّا ضَابِطُ المُعَاوَضَهْ
فَصُلْحُهُ عَمَّا ادَّعَى بِآخَرَا ... وَ كُلُّ مَا فِي البَيْعِ فِيهَا قَدْ جَرَى
كَرَدِّ عَيْبٍ وَ الْتِمَاسِ شُفْعَةِ ... وَ مَنْعِ بَيْعٍ قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ
وَ الشَّرْطُ فِيهِ حَيْثُ ضَرَّ يُجْتَنَبْ ... وَ شَرْطُهُ خُصُومَةٌ قَبْلَ الطَّلَبْ(1/30)
فصل في إشراع الروشن في الطريق و ما يذكر معه
وَ مَنْ لَهُ فِي جَنْبِ شَارِعٍ بِنَا ... يَجْعَلْ عَلَيْهِ إِنْ أَرَادَ رَوْشَنَا
وَ شَرْطُهُ لِمُسْلِمٍ إِنْ لَمْ يَضُرْ ... كَظُلْمَةٍ وَ صَدْمَةٍ لِمَنْ يَمُرْ
وَ لاَ يَجُوزُ جَعْلُهُ أَصْلاً إِذَا ... بَنَاهُ لِلدَّرْبِ الَّذِي لَنْ يَنْفُذَا
إِلاَّ بِإِذْنِ كُلِّ أَهْلِ دَرْبِهِ ... هُمْ كُلُّ شَخْصٍ بَابُ دَارِهِ بِهِ
وَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِهِ ... مَا بَيْنَ بَابَيْ دَارِهِ وَ دَرْبِهِ
فَمَا لَهُ بِلاَ رِضَى أَصْحَابِهِ ... فَمَا لَهُ بِلاَ رِضَى أَصْحَابِهِ
وَ عَكْسُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ يُفْعَلُ ... لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُسَدَّ الأَوَّلُ
وَ الصُّلْحُ يَجْرِي فِي مَمَرِّ دَارِهِ ... وَ وَضْعِ أَخْشَابٍ عَلَى جِدَارِهِ
باب الحوالة
وَ جَوَّزُوا حَوَالَةَ الإِنْسَانِ ... غَرِيمَهُ عَلَى غَرِيمٍ ثَانِي
بِكُلِّ دَيْنٍ لاَزِمٍ مَعْلُومِ ... لاَ الإِبْلِ فِي الدِّيَاتِ وَ النُّجُومِ
وَ الشَّرْطُ أَنْ يَرْضَى بِهَا المُحِيلُ ... وَ مِنْ مُحَالٍ يُوجَدُ القَبُولُ
كَذَا اتِّفَاقُ الجِنْسِ فِي دَيْنَيْهِمَا ... وَ النَّوْعِ وَ الأَوْصَافِ مَعْ قَدْرَيْهِمَا
كَذَلِكَ الحُلُولُ وَ التَّأْجِيلُ ... وَ حَيْثُ صَحَّتْ يَبْرَأُ المُحِيلُ
وَ دِينُهُ الَّذِي عَلَى المُحَالِ ... عَلَيْهِ صَارَ الآنَ لِلْمُحَالِ
باب الضمان
صَحَّ ضَمَانُ كُلِّ دَيْنٍ قَدْ لَزِمْ ... مَعْ كَوْنِهِ قَدْرًا وَجِنْسًا قَدْ عُلِمْ
لاَ نَحْوِ قَرْضِهِ الَّذِي سَيُفْعَلُ ... وَ لاَ ضَمَانِ الجُعْلِ أَوْ مَا يُجْهَلُ
و صَحَّ فِي رَدِّ المَبِيعِ إِذْ يُشَكْ ... فِي حِلِّ مَالِ المُشْتَرِي وَ هْوَ الدَّرَكْ
وَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مَكَّنُوهُ مِنْ ... تَغْرِيمِهِ الأَصِيلَ وَ الَّذِي ضَمِنْ(1/31)
فَكُلُّ مَنْ وَفَّاهُ مِنْهُمَا وَجَبْ ... سُقُوطُ مَا عَلَيْهِمَا مِنَ الطَّلَبْ
ثُمَّ الأَصِيلُ غَارِمٌ لِلثَّانِي ... بِإِذْنِهِ فِي الدَّفْعِ وَ الضَّمَانِ
وَ جَائِزٌ أَنْ يَكْفَلَ الإِنْسَانُ مَنْ ... عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِيٍّ بِالبَدَنْ
فَإِنْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ المَكْفُولُ ... لِلْمُسْتَحِقِّ يَبْرَأُ الكَفِيلُ
باب الشركة
وَ عَقْدُهَا بِصِيغَةٍ فِي النَّقْدِ صَحْ ... بَلْ كُلِّ مِثْلِي كَحَبٍّ فِي الأَصَحْ
مَعَ اتِّفَاقِ الجِنْسِ وَ الصِّفَاتِ فِي ... مَالَيْهِمَا وَ الإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ
وَ الخَلْطِ لِلْمَالَيْنِ خَلْطًا يُوجِبُ ... تَعَذُّرَ التَّمْيِيزِ حَيْثُ يُطْلَبُ
وَ الرِّبْحُ وَ الخُسْرَانُ حَيْثُ يَحْصُلُ ... بِنِسْبَةِ المَالَيْنِ فِيهَا يُجْعَلُ
ثُمَّ الشَّرِيكُ مُطْلَقًا أَمِينُ ... لَكِنْ عَلَى المُفَرِّطِ التَّضْمِينُ
وَالعَقْدُ
وَ العَقْدُ فِيهَا جَائِزٌ لَنْ يَلْزَمَا ... فَلْيَنْفَسِخْ بِمَوْتِ فَرْدٍ مِنْهُمَا
كَذَلِكَ الجُنُونُ وَ الإِغْمَاءُ ... وَ فَسْخُهُ لَهُ مَتَى يَشَاءُ
باب الوكالة
يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الإِنْسَانُ فِي ... مَا كَانَ فِيهِ جَائِزَ التَّصَرُّفِ
بِنَفْسِهِ ثُمَّ الوَكِيلُ مِثْلُهُ ... وَ القَوْلُ فِي قَبْضٍ وَصَرْفٍ قَوْلُهُ
بَلِ الوَكِيلُ مُطْلَقًا أَمِينُ ... وَ المَالُ فِي تَفْرِيطِهِ مَضْمُونُ
فَلاَ يَبِعْ إِلاَّ بِنَقْدِ البَلْدَةِ ... مُعَجَّلاً مَعْ قَبْضِهِ بِالقِيمَةِ
وَ لاَ يَبِعْ مِنْ نَفْسِهِ وَ طِفْلِهِ ... وَ جَازَ لاِبْنٍ بَالِغٍ وَ أَصْلِهِ
وَ عَقْدُهَا فِيهِ الجَوَازُ قَدْ فَشَا ... فَقُلْ لِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى يَشَا
وَحَيْثُ مَاتَ مِنْهُمَا شَخْصٌ بَطَلْ ... كَذَا الجُنُونُ مُبْطِلٌ إِذَا حَصَلْ
وَ يُمْنَعُ التَّوْكِيلُ فِي الإِقْرَارِ ... وَ سَائِرِ الأَيْمَانِ وَ الظِّهَارِ(1/32)
لَكِنَّهُ بِصِيغَةِ التَّوْكِيلِ ... مُعْتَرِفٌ بِالحَقِّ لِلْوَكِيلِ
فصل في أحكام الإقرار
بِغَيْرِ مَالٍ صَحَّ مِنْ مُكَلَّفِ ... وَ مُطْلَقًا مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ
طَوْعًا بِحَقِّ اللهِ وَ الإِنْسَانِ ... وَ لاَ رُجُوعَ بَعْدَهُ فِي الثَّانِي
وَ جَائِزٌ إِقْرَارُهُ بِمَا جُهِلْ ... ثُمَّ البَيَانُ وَاجِبٌ إِذَا سُئِلْ
فِي نَوْعِهِ وَ لَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ... فَإِنْ أَبَى فَاحْكُمْ إِذًا بِحَبْسِهِ
وَ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِالحَقِيرِ ... وَ إِنْ جَرَى الإِقْرَارُ بِالكَثِيرِ
وَ لَفْظُ الإِسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُ قُبِلْ ... مَالَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا أَوْ مُنْفَصِلْ
وَ يَسْتَوِي الإِقْرَارُ فِي حَالِ المَرَضْ ... وَ غَيْرِهِ فَلاَ تُقَدِّمْ بِالغَرَضْ
باب العارية
وَ جَائِزٌ إِعَارَةُ العَيْنِ الَّتِي ... تَبْقَى مَعَ اسْتِعْمَالِهَا إِنْ حَلَّتِ
وَ كَانَ أَيْضًا نَفْعُهَا مَحْضَ أَثَرْ ... وَ جَازَ أَنْ يُبِيحَهُ نَسْلاً وَدَرْ
حَيْثُ المُعِيرُ مَالِكُ المَنَافِعِ ... وَ كَانَ ذَا تَبَرُّعِ فِي الوَاقِعِ
وَ جَائِزٌ تَوْقِيتُهَا إِلَى أَجَلْ ... كَذَا الرُّجُوعُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى الأَجَلْ
وَالمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ فِي الحَالِ ... إِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الإِسْتِعْمَالِ
ثُمَّ الضَّمَانُ لِلْمُعَارِ يُعْرَفُ ... بِمَا يُسَاوِي عَيْنَهُ إِذْ تَتْلَفُ
باب الغصب
كُلُّ امْرِىءٍ فَالغَصْبُ مِنْهُ قَدْ صَدَقْ ... بِأَخْذِ حَقِّ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقْ
أَوْ عُدَّ دُونَ أَخْذِهِ مُسْتَوْلِيًا ... أَوْ مُتْلِفًا لِعَيْنِهِ تَعَدِّيَا
أَوْ طَارَ طَيْرٌ عِنْدَ فَتْحِهِ القَفَصْ ... أَوْ حَلَّ زِقًّا فِيهِ زَيْتٌ فَنَقَصْ
وَ أَلزَمُوهُ أُجْرَةَ المَغْصُوبِ ... مَعْ رَدِّهِ وَ الأَرْشَ لِلْمَعِيبِ(1/33)
وَ المِثْلَ فِي المِثْلِيِّ مِنْهُ لِلْعَدَمْ ... وَ فِي سِوَى المِثْلِيِّ أَكْثَرَ القِيَمْ
مِنْ وَقْتِ غَصْبِهِ إِلَى الإِتْلاَفِ ... وَ صَدَّقُوهُ عِنْدَ الإِخْتِلاَفِ
باب الشفعة
إِنْ يَشْتَرِكْ شَخْصَانِ فِي عَقَارِ ... كَالأَرْضِ وَ البِنَاءِ وَ الأَشْجَارِ
فَاجْعَلْ لِكُلٍّ بَيْعَ تِلْكَ الحِصَّةِ ... وَ لِلشَّرِيكِ أَخْذُهَا بِالشُّفْعَةِ
إِنْ صَحَّ قَسْمُ ذَلِكَ العِقَارِ ... وَ لاَ تَجُوزُ شُفْعَةٌ لِلْجَارِ
وَ يَلْزَمُ الشَفِيعَ مَا بِهِ اشْتُرِي ... مِنْ مِثْلٍ أَوْ مِنْ قِيمَةٍ لِلْمُشْتَرِي
وَ مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ يُبِنْ طَلاَقُهَا ... بِالشِّقْصِ أَوْ بِجَعْلِهِ صَدَاقَهَا
وَ لْيَلْتَمِسْ فَوْرًا فَحَيْثُ أَخَّرَا ... مَعْ عِلْمِهِ تَفُوتُهُ إِنْ قَصَّرَا
وَ أُثْبِتَتْ لِلْجَمْعِ بِاشْتِرَاكِ ... وَ وُزِّعَتْ بِنِسْبَةِ الأَمْلاَكِ
باب القراض
يَجُوزْ دَفْعَ مَبْلَغٍ لِمُبْتَغِي ... تِجَارَةٍ بِبَعْضِ رِبْحِ المَبْلَغِ
إِنْ كَانَ نَقْدًا خَالِصًا مَخْتُومَا ... بِسِكَّةٍ مُعَيَّنًا مَعْلُومَا
ثَانِي الشُّرُوطِ إِذْنُ رَبِّ المَالِ ... لِلْعَامِلِ المَذْكُورِ فِي الأَعْمَالِ
مُفَوِّضًا لَهُ الأُمُورَ الوَاقِعَهْ ... لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَهْ
مُعَمِّمَ الأَنْوَاعِ لِلْمَكَاسِبِ ... أَوْ خَصَّ نَوْعًا دَائِمًا فِي الغَالِبِ
ثَالِثُهَا تَعْيِينُ مَا لِلْعَامِلِ ... مِنْ حِصَّةٍ كَنِصْفِ رِبْحٍ حَاصِلِ
وَ المَالُ مَعْهُ مُطْلَقًا أَمَانَهْ ... وَبِالتَّعَدِّي أَوْجَبُوا ضَمَانَهْ
ثُمَّ القِرَاضُ جَائِزٌ لَنْ يَلْزَمَا ... فَلْيَنْفَسِخْ بِفَسْخِ فَرْدٍ مِنْهُمَا
وَ إِنْ يُؤَقَّتْ أَوْ يُعَلَّقْ لَمْ يَصِحْ ... وَ يُجْبَرُ الخُسْرَانُ مِمَّا قَدْ رُبِحْ
باب المساقاة
هِيَ اكْتِرَاءُ عَامِلٍ يَسْقِي الشَّجَرْ ... وَ نَحْوَهُ بِحِصَّةٍ مِنَ الثَّمَرْ(1/34)
فِي النَّخْلِ ثُمَّ الكَرْمِ مُطْلَقاً تَقَعْ ... لاَ فِي سِوَى النَّوْعَيْنِ إِلاَّ بِالتَّبَعْ
وَ شَرْطُهَا تَقْدِيرُهَا بِمُدَّةٍ ... وَ عِلْمُ كُلٍّ قَدْرَ تِلْكَ الحِصَّةِ
وَ مَا مِنَ الأَعْمَالِ عَادَ لِلثَّمَرْ ... فَلاَزِمٌ لِلْعَامِلِ الَّذِي اسْتَقَرْ
وَ إِنْ يَعُدْ لِلأَرْضِ كَالمَسَالِكِ ... فِي حَفْرِهَا فَلاَزِمٌ لِلْمَالِكِ
وَ عَقْدُهَا مِنْ جَانِبَيْهِ قَدْ لَزِمْ ... فَلاَ يَصِحُّ فَسْخُهُ لِمَنْ نَدِمْ
وَ سَائِرُ الأَعْمَالِ فِيهَا جَارِيَهْ ... كَمَا اقْتَضَاهُ عُرْفُ تِلْكَ النَّاحِيَهْ
فصل في المزارعة و المخابرة
وَ لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْءِ دَفْعُ أَرْضِهِ ... لِمَنْ يُرِيدُ زَرْعَهَا بِبَعْضِهِ
كَذَاكَ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَا ... أَرْضًا وَ بَذْرًا لاِمْرِئٍ لِيَزْرَعَا
بِحِصَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا زُرِعْ ... أَوْ أُجْرَةٍ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ
باب الإجارة
وَ كُلُ شَيْءٍ صُحِّحَتْ إِعَارَتُهْ ... فِيمَا مَضَى صَحَّتْ هُنَا إِجَارَتُهْ
وَ قُدِّرَتْ إِمَّا بِوَقْتٍ أَوْ عَمَلْ ... كَالدَّارِ شَهْرًا أَوْ بِنَا هَذَا المَحَلْ
بِأُجْرَةٍ قَدْ عُجِّلَتْ أَوْ أُجِّلَتْ ... وَ حَيْثُمَا إِنْ أُطْلِقَتْ تَعَجَّلَتْ
وَ العَقْدُ بِاللُّزُومِ فِيهَا قَدْ وُصِفْ ... وَ لْيَنْفَسِخْ فِي مُؤْجَرٍ إِذَا تَلِفْ
لَكِنْ يُخَصُّ الفَسْخُ بِالمُسْتَقْبَلِ ... وَ حَيْثُ مَاتَ عَاقِدٌ لَمْ تَبْطُلِ
وَ لاَ ضَمَانَ يَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَا ... مَالَمْ يَكُنْ فِي حِفْظِهِ مُقَصِّرَا
باب الجعالة
هِيَ الْتِزَامُ مَنْ يَضِلُّ عَبْدُهُ ... بِدَفْعِ مَالٍ لِلَّذِي يَرُدُّهُ
فَكُلُّ شَخْصٍ رَدَّهُ تَعَيَّنَا ... تَسْلِيمُهُ الجُعْلَ الَّذِي قَدْ عَيَّنَا
باب احياء الموات
وَ كُلُّ أَرْضٍ مَا لَهَا مِيَاهُ ... تُسْمَى مَوَاتًا يَنْبَغِي إِحْيَاهُ(1/35)
لِلْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا بِالدَّارِ ... لاَ غَيْرِهَا وَ العَكْسُ لِلْكُفَّارِ
وَ يَمْلِكُ الإِنْسَانُ مَا أَحْيَاهُ ... إِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ امْرِئٍ سِوَاهُ
وَ يَلْزَمُ المُحْيِي اتِّبَاعُ العَادَهْ ... لِمِثْلِهِ فِي كُلِّ مَا أَرَادَهْ
وَ حَافِرٌ بِئْرًا لِلإِرْتِفَاقِ ... أَوْلَى بِذَاكَ البِئْرِ بِاتِّفَاقِ
وَ حَيْثُ كَانَ المَاءُ فِي ذَاكَ المَقَرْ ... وَ فَاضِلاً عَنْ حَاجَةِ الَّذِي حَفَرْ
فَلاَ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يَمْنَعَهْ ... مِنْ شُرْبِ شَخْصٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مَعَهْ
وَ لَمْ يَجِبْ لِسَقْيِ زَرْعٍ أَوْ بِنَا ... وَ لاَ لِشُرْبٍ إِنْ يَحُزْهُ فِي إِنَا
باب الوقف
يَصِحُّ وَقْفُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ... بِصِيغَةٍ مُبَيِّنًا لِلمَصْرِفِ
وَ الشَّرْطُ فِي المَوْقُوفِ كَالمُعَارِ ... لاَ نَحْوِ مَطْعُومٍ وَ لاَ مِزْمَارِ
وَ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ عَلَى شَخْصٍ وُجِدْ ... كَأَصْلِهِ وَ فَرْعِهِ الَّذِي وُلِدْ
وَ لاَ يَضُرُّ بَعْدَ ذَا أَنْ يَنْقَطِعْ ... آخِرُهُ وَ هْوَ الَّذِي بِهِ قُطِعْ
وَ الوَقْفُ أَيْضًا جَائِزٌ عَلَى الجِهَهْ ... مَا لَمْ تَكُنْ بِحُرْمَةٍ مُوَجَّهَهْ
وَ إِنْ يُعَلَّقْ أَوْ يُؤَقَّتِ امْتَنَعْ ... وَ الشَّرْطُ فِيهِ حَيْثُ صَحَّ يُتَّبَعْ
كَالشَّرْطِ فِي التَّأْخِيرِ وَ التَّقْدِيمِ ... وَ الوَصْفِ وَ التَّخْصِيصِ وَ التَّعْمِيمِ
باب الهبة
وَ كُلُّ شَيْءٍ صَحَّ بَيْعُهُ وُهِبْ ... وَ لاَ لُزُومَ قَبْلَ قَبْضِ المُتَّهِبْ
وَ لاَ يَعُودُ بَعْدَهُ فِيمَا وَهَبْ ... وَ جَازَ عَوْدُ الأَصْلِ مُطْلَقًا كَأَبْ
وَ حُكْمُ مَا أَعْمَرَهُ أَوْ أَرْقَبَهْ ... مِنْ مَالِهِ لِغَيْرِهِ حُكْمُ الهِبَهْ
باب اللقطة
وَ الشَّخْصُ إِنْ يَظْفَرْ بِمَالٍ ضَائِعِ ... بِمَوْضِعٍ كَمَسْجِدٍ وَ شَارِعِ(1/36)
فَلَقْطُهُ لِوَاثِقٍ بِنَفْسِهِ ... أَوْلَى وَ غَيْرُ وَاثِقٍ بِعَكْسِهِ
وَ لْيَعْرِفِ المُلْتَقِطُ الوِعَاءَ ... وَ الجِنْسَ وَ المِقْدَارَ وَ الوِكَاءَ
ثُمَّ عَلَيْهِ حِفْظُهَا دُونَ المُؤَنْ ... لَكِنَّهُ مِثْلَ الوَدِيعِ مُؤْتَمَنْ
وَ يَلْزَمُ التَّعْرِيفُ قَدْرَ عَامِ ... بِالعُرْفِ لاَ فِي سَائِرِ الأَيَّامِ
بِمَوْضِعِ الوُجْدَانِ وَ المَجَامِعِ ... كَالطُّرْقِ وَ الأَسْوَاقِ وَ الجَوَامِعِ
وَ بَعْدَهُ لِلآخِذِ التَّمَلُّكُ ... مَعَ الضَّمَانِ حِينَ يَأْتِي المَالِكُ
وَ قُسِّمَتْ لأِرْبَعِ أَقْسَامِ ... أَوَّلُهَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ
مِنَ النُّقُودِ وَ الثِّيَابِ وَ الوَرَقْ ... وَ نَحْوِهَا فَالحُكْمُ فِيهِ مَا سَبَقْ
وَ الثَّانِ لاَ يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ ... بِحَالَةٍ كَالرَّطْبِ مِنْ طَعَامِ
فَإِنْ يَشَأْ فَالأَكْلُ مَعْ غُرْمِ البَدَلْ ... أَوْ بَيْعُهَا مَعْ حِفْظِ مَا مِنْهُ حَصَلْ
ثَالِثُهَا يَبْقَى وَ لَكِنْ مَعْ تَعَبْ ... كَالتَّمْرِ فِي تَجْفِيفِهِ وَ كَالعِنَبْ
فَبَيْعُهُ رَطْبًا أَوِ التَّجْفِيفُ ... وَ بَعْدَ ذَاكَ يَلْزَمُ التَّعْرِيفُ
رَابِعُهَا مَا احْتَاجَ مَالاً يُصْرَفُ ... كَالحَيَوَانِ مُطْلَقًا إِذْ يُعْلَفُ
فَأَخْذُهُ يَجُوزُ بِالتَّخْيِيرِ ... لِلشَّخْصِ فِي ثَلاَثَةِ أُمُورِ
أَكْلٍ وَ بَيْعٍ ثُمَّ يَحْفَظُ الثَّمَنْ ... وَ التَّرْكِ لَكِنْ إِنْ يُسَامِحْ بِالمُؤَنْ
وَ إِنْ يَكُنْ مِنَ السِّبَاعِ يَمْتَنِعْ ... فَلَقْطُهُ إِنْ كَانَ بِالصَّحْرَا مُنِعْ
باب اللقيط
هُوَ الصَّغِيرُ فِي مَكَانٍ يُنْبَذُ ... وَ مَا لَهُ مِنْ كَافِلٍ فَيُؤْخَذُ
فَرْضٌ عَلَى كُلِّ الوَرَى فَإِنْ سَبَقْ ... حُرٌّ رَشِيدٌ مُسْلِمٌ فَهُوَ الأَحَقْ
وَ لاَ يُقَرُّ مَعْ سِوَى أَمِينِ ... وَ لاَ الصَّبيِ وَ العَبْدِ وَ المَجْنُونِ(1/37)
وَ رِزْقُهُ فِي مَالِهِ الَّذِي مَعَهْ ... فَبَيْتِ مَالٍ إِنْ يَكُنْ بِهِ سَعَهْ
باب الوديعة
وَ يُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا لِمَنْ يَثِقْ ... بِنَفْسِهِ وَ لَمْ يَجُزْ إِنْ لَمْ يُطِقْ
وَ حِفْظُهَا مُحَتَّمٌ بِجَعْلِهَا ... فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ حِرْزَ مِثْلِهَا
لَكِنْ تَكُونُ عِنْدَهُ أَمَانَهْ ... مَالَمْ يَكُنْ تَقْصِيرٌ أَوْ خِيَانَهْ
وَ لاَ خِلاَفَ أَنَّ قَوْلَ المُودَعِ ... مُصَدَّقٌ فِي رَدِّهَا لِلْمُودِعِ
وَ إِنْ يُؤَخِّرْ رَدَّهَا بَعْدَ الطَّلَبْ ... مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالضَّمَانُ قَدْ وَجَبْ
كتاب الفرائض
وَ مَا بِعَيْنِ تِرْكَةٍ تَعَلَّقَا ... مِنَ الدُّيُونِ فَلْيُقَدَّمْ مُطْلَقَا
وَ بَعْدُ تَجْهِيزٌ بِمَا يَلِيقُ لَهْ ... وَ بَعْدَهُ كُلُّ الدُّيُونِ المُرْسَلَهْ
وَ ثُلْثُ مَا يَفْضُلُ لِلْوَصِيَّهْ ... وَ بَعْدَهُ لِلْوَارِثِ البَقِيَّهْ
وَ الوَارِثُونَ عَشْرَةٌ إِنْ تُخْتَزَلْ ... هُمُ ابْنُهُ وَ ابْنُ ابْنِهِ وَ إِنْ نَزَلْ
أَبٌ وَ جَدٌّ لأَبٍ أَخٌ وَ عَمْ ... وَ ابْنَاهُمَا وَ الزَّوْجُ مَعْ مَوْلَى النِّعَمْ
وَ الوَارِثَاتُ سَبْعُ نِسْوَةٍ أَقَلْ ... بِنْتٌ كَذَا بِنْتُ ابْنِهِ وَ إِنْ سَفَلْ
أُخْتٌ وَ أُمٌّ جَدَّةٌ وَ إِنْ رَقَتْ ... وَ زَوْجَةٌ ثُمَّ الَّتِي قَدْ أَعْتَقَتْ
وَ إِنْ يَكُنْ كُلُّ الرِّجَالِ اجْتَمَعُوا ... فَابْنٌ وَ زَوْجٌ وَ أَبٌ لَمْ يُمْنَعُوا
أَوِ النِّسَا فَالبِنْتُ مَعْ شَقِيقَتِهْ ... وَ الأُمُّ مَعْ بِنْتِ ابْنِهِ وَ زَوْجَتِهْ
أَوْ سَائِرُ النِّسَاءِ وَ الرِّجَالِ ... فَخَمْسَةٌ لَمْ يُمْنَعُوا بِحَالِ
إِبْنٌ وَ بِنْتٌ ثُمَّ أُمٌّ وَ الأَبُ ... وَ زَوْجُهَا أَوْ زَوْجَةٌ لَمْ يُحْجَبُوا
أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا مِمَّا عُلِمْ ... فَمَالُهُ لِبَيْتِ مَالٍ مُنْتَظِمْ(1/38)
وَاحْجُبْ بِوَصْفٍ تِسْعَةً مِنَ العَدَدْ ... مُبَعَّضٌ وَ القِنُّ مَعْ أُمِّ الوَلَدْ
مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ وَ مَنْ كَفَرْ ... مِنْ مُسْلِمٍ وَ العَكْسُ أَيْضًا مُعْتَبَرْ
وَ قَاتِلٌ مِنَ القَتِيلِ مُطْلَقَا ... وَ ذُو ارْتِدَادٍ وَ الَّذِي تَزَنْدَقَا
فصل في الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى
ثُمَّ الفُرُوضُ سِتَّةٌ مُقَدَّرَهْ ... وَ فِي كِتَابِ رَبِّنَا مُقَرَّرَهْ
رُبْعٌ وَ نِصْفُ الرُّبْعِ ثُمَّ ضِعْفُهُ ... وَ الثُّلْثُ ثُمَّ ضِعْفُهُ وَ نِصْفُهُ
فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ زَوْجٍ وَرِثْ ... إِنْ يَنْفَرِدْ عَنْ فَرْعِ زَوْجَةٍ يَرِثْ
بِنْتٍ وَ بِنْتِ ابْنٍ وَ أُخْتٍ لِلأَبِ ... وَ الأُمِّ أَيْضًا ثُمَّ أُخْتٍ مِنْ أَبِ
إِنْ تَخْلُ كُلٌّ عَنْ مُعَصِّبٍ لَهَا ... وَ مِثْلِهَا وَ كُلِّ أُنْثَى قَبْلَهَا
وَ الرُّبْعُ فَرْضُ زَوْجِهَا مَعَ الوَلَدْ ... وَ زَوْجَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدْ
وَ احْكُمْ لَهَا بِالثُّمْنِ مَعْ فَرْعٍ يُرَى ... وَ لْيَشْتَرِكْنَ حَيْثُ كُنَّ أَكْثَرَا
وَ الثُّلُثَانِ فَرْضُ أَرْبَعٍ وَ هُنْ ... ذَوَاتُ نِصْفٍ عُدِّدَتْ رُؤُوسُهُنْ
وَ الثُّلْثُ فَرْضُ أُمِّ ذَاكَ المَيِّتِ ... عِنْدَ انْتِفَاءِ فَرْعِهِ وَ الإِخْوَةِ
وَ فَرْضُ وُلْدِ الأُمِّ إِنْ يَكُنْ عَدَدْ ... وَالسُّدْسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ أَبٍ وَ جَدْ
إِنْ كَانَ فَرْعٌ وَارِثٌ لِلْمَيِّتِ ... وَ الأُمِّ مَعْ فَرْعٍ لَهُ أَوْ إِخْوَةِ
وَ السُّدْسُ لِلْجَدَّاتِ مُطْلَقًا يَعُمْ ... وَ فَرْضُ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ فَقَطْ لأُمْ
وَ بِنْتُ الابْنِ إِنْ تَكُنْ مَعِ ابْنَتِهْ ... وَ الأُخْتُ مِنْ أَبِيهِ مَعْ شَقِيقَتِهْ
وَ ضَابِطُ الجَدَّةِ فِي المِيرَاثِ ... إِدْلاَؤُهَا بِخُلَّصِ الإِنَاثِ
أَوْ بِالذُّكُورِ الخَالِصِينَ أَوْ هُمَا ... إِنْ كَانَ خَالِصُ النِّسَا مُقَدَّمَا(1/39)
وَ الجَدُّ إِنْ أَدْلَى بِأُنْثَى لَمْ يَرِثْ ... فَكُلُّ مَنْ أَدْلَتْ بِهِ لَيْسَتْ تَرِثْ
وَ سَائِرَ الجَدَّاتِ بِالأُمِّ احْجُبِ ... وَ سَائِرَ الأَجْدَادِ أَسْقِطْ بِالأَبِ
وَ يَحْجُبُ ابْنَ الأُمِّ جَدٌّ وَ الأَبُ ... وَ بِالفُرُوعِ الوَارِثِينَ يُحْجَبُ
فصل في التعصيب
وَ كُلُّ مَا بَعْدَ الفُرُوضِ قَدْ بَقِي ... فَاحْكُمْ بِهِ لِعَاصِبٍ وَ أَطْلِقِ
وَ مَنْ يُعَصِّبْ نَفْسَهُ إِنْ يَنْفَرِدْ ... عَنِ الفُرُوضِ حَازَ كُلَّ مَا وُجِدْ
وَ هُمْ ذُكُورٌ مَا عَدَا ذَاتَ الوَلاَ ... مُرَتَّبُونَ أَوَّلاً فَأَوَّلاَ
كُلُّ امْرِىءٍ لِمَنْ يَلِيهِ يَحْجُبُ ... فَالأَقْرَبُ ابْنٌ فَابْنُ إِبْنٍ فَالأَبُ
فَجَدُّهُ فِي رُتْبَةِ الأُخُوَّهْ ... وَ قَدَّمُوا شَقِيقَهُ لِلْقُوَّهْ
فَمِنْ أَبٍ فَابْنُ الشَّقِيقِ قَدْ وَجَبْ ... تَقْدِيمُهُ عَلَى ابْنِ مَنْ أَدْلَى بِأَبْ
فَعَمُّهُ شَقِيقُهُ فَمِنْ أَبِ ... فَابْنُ الشَّقِيقِ فَابْنُ عَمٍ لِلأَبِ
فَمُعْتقٌ فَسَائِرُ المَوَالِي ... مُرَتَّبِينَ ثُمَّ بَيْتُ المَالِ
وَ كُلُّ أُنْثَى ذَاتِ نِصْفٍ كَفَّهَا ... شَقِيقُهَا وَ نَالَ مَعْهَا ضِعْفَهَا
وَ أُخْتُهُ لِغَيْرِ أُمٍّ إِنْ أَتَتْ ... مَعَ ابْنَةٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ عُصِّبَتْ
وَ ابْنُ الأَخِ المُدْلِي لَهُ بِغَيْرِ أُمْ ... وَ عَاصِبُ المَوْلَى وَ عَمٌّ وَابْنُ عَمْ
كُلُّ امْرِىءٍ مِنْ هَؤُلاَءِ الأَرْبَعَهْ ... وَرِّثْهُ دُونَ أُخْتِهِ وَ لَوْ مَعَهْ
باب الوصايا
وَ لِلْمَرِيضِ تُنْدَبُ الوَصِيَّهْ ... وَ شَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَ الحُرِّيَهْ
بِجَائِزٍ مَوْجُودٍ أَوْ مَعْدُومِ ... كَذَاكَ بِالمَجْهُولِ وَ المَعْلُومِ
لِكُلِّ شَخْصٍ مِلْكُهُ تُصُوِّرَا ... أَوْ جِهَةٍ تَحْرِيمُهَا لَنْ يَظْهَرَا
وَ لتُعْتَبَرْ مِنْ ثُلْثِ مَالِ المُوصِي ... وَ ذَاكَ عِنْدَ المَوْتِ بِالخُصُوصِ(1/40)
فَإِنْ يَزِدْ أَوْقَفَتْ مَا يَزِيدُ ... حَتَّى يُجِيزَ الوَارِثُ الرَّشِيدُ
وَ لَمْ تَجُزْ لِلْوَارِثِ الوَصِيَّهْ ... إِلاَّ إِذَا أَجَازَهَا البَقِيَّهْ
وَ يُنْدَبُ الإِيصَا إِلَى مُكَلَّفِ ... حُرٍّ أَمِينٍ مُحْسِنِ التَّصَرُّفِ
يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ الأَطْفَالِ ... وَ حِفْظِ مَا أَبْقَى لَهُمْ مِنْ مَالِ
وَ كُلُّ مَا أَوْصَى بِهِ يُمْضِيهِ ... وَ كُلُّ دَيْنٍ ثَابِتٍ يَقْضِيهِ
كتاب النكاح
سُنَّ النِّكَاحُ مُطْلَقًا لِكُلِّ مَنْ ... يَحْتَاجُهُ إِنْ كَانَ وَاجِدَ المُؤَنْ
فَالعَبْدُ بَيْنَ حُرَّتَيْنِ يَجْمَعُ ... وَجَائِزٌ لِلْحُرِّ فِيهِ أَرْبَعُ
وَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْكِحَ الحُرُّ الأَمَهْ ... إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَهْ
مَعْ عَجْزِهِ عَنْ مَهْرِ حُرَّةٍ هُنَا ... وَ خَوْفِهِ مِنَ الوُقُوعِ فِي الزِّنَا
وَ لاَ يَكُونُ تَحْتَهُ مَنْ تَصْلُحُ ... مِنْ حُرَّةٍ تُعِفُّهُ فَيَنْكِحُ
فصل في بيان العورة
وَ عَوْرَةُ النِّسَاءِ وَ الذُّكُورِ ... مَحْصُورَةٌ فِي سَبْعَةِ أُمُورِ
فَرُؤْيَةُ الفَحْلِ الكَبِيرِ الأَجْنَبِي ... مَنْ تُشْتَهَى مَمْنُوعَةٌ وَ لَوْ صَبِي
وَ فَاقِدٌ لِلأُنْثَيَيْنِ لاَ الذَّكَرْ ... وَ عَكْسُهُ كَالفَحْلِ فِي مَنْعِ النَّظَرْ
وَ جَازَ حَتَّى الفَرْجِ فِي الزَّوْجِيَّهْ ... وَ المِلْكِ لِلرَّقِيقَةِ الخَلِيَّهْ
أَمَّا إِذَا تَزَوَّجَتْ فَلْيَحْرُمِ ... مِنْ سُرَّةٍ لِرُكْبَةٍ كَمَحْرَمِ
وَ مَرْأَةٌ مَعْ مَرْأَةٍ أَوْ مَعْ ذَكَرْ ... مَمْسُوحِ كُلِّ الأُنْثَيَيْنِ وَ الذَّكَرْ
وَ عَبْدِهَا وَ مَنْ رَأَتْهُ لِلشِّرَا ... وَ عَكْسُهُ كَمَحْرَمٍ فِيمَا يُرَى
كَذَا الذُّكُورُ مَعْ ذُكُورٍ وَ مَنَعْ ... مِنْ ذِي جَمَالٍ أَمْرَدٍ أَهْلُ الوَرَعْ
وَ الوَجْهَ وَالكَفَّيْنِ جَوِّزْ فِي النَّظَرْ ... مِنْ خَاطِبٍ وَ غَيْرَ فَرْجٍ فِي الصِّغَرْ(1/41)
وَ الوَجْهَ فِي الإِشْهَادِ وَ المُعَامَلَهْ ... وَ لِلطَّبِيبِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ لَهْ
وَ الفَرْجَ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَهْ ... عَلَى الزِّنَا وَ مِثْلُهُ الوِلاَدَهْ
فصل في شروط النكاح وأوليائه
شَرْطُ النِّكَاحِ شَاهِدَانِ وَ الوَلِي ... بِصِيغَةٍ صَرِيحَةٍ لَمْ تُفْصَلِ
وَ كَوْنُ كُلٍّ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرْ ... مُكَلَّفًا عَدْلاً بِسَمْعٍ وَ بَصَرْ
وَ لاَ يَضُرُّ فِي الوَلِي فَقْدُ البَصَرْ ... وَ قِلَّةُ الإِغْمَاءِ لَكِنْ يُنْتَظَرْ
وَ لاَ يَضُرُّ فِسْقُ سَيِّدِ الأَمَهْ ... وَ الكُفْرُ فِي وَلِيِّ غَيْرِ المُسْلِمَهْ
وَ الأَوْلِيَاءُ هُمْ أُولُوا التَّعْصِيبِ ... كَمَا مَضَوْا فِي الإِرْثِ بِالتَّرْتِيبِ
لَكِنْ هُنَا تُقَدَّمُ الأَجْدَادُ ... عَنْ إِخْوَةٍ وَ لاَ تَلِي الأَوْلاَدُ
وَ لاَ يَجُوزُ عَقْدُهُ فِي العِدَّةِ ... وَ لاَ صَرِيحُ خِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ
وَ يَحْرُمُ التَّعْرِيضُ لِلرَّجْعِيَّهْ ... وَ جَوَّزُوا لِلْمَرْأَةِ الخَلِيَّهْ
لِمُوسِرٍ كُفْءٍ خَلاَ مِنْ عَيْبِ رَدْ ... بِمَهْرِ مِثْلٍ حَلَّ مِنْ نَقْدِ البَلَدْ
وَ كُلُّ جَدٍّ لأَبٍ فَكَالأَبِ ... فَلاَ يَكُونُ مُجْبِرًا لِلثَّيِّبِ
وَ الشَّرْطُ فِي تَزْوِيجِهَا الصَّحِيحِ ... بُلُوغُهَا مَعْ إِذْنِهَا الصَّرِيحِ
وَ البِكْرُ فِي تَزْوِيجِهَا كَالثَّيِّبِ ... إِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَ لاَ أَبُو الأَبِ
فصل في محرمات النكاح
حَرِّمْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ وَ عَشْرِ ... مِنَ النِّسَا قَطْعًا بِنَصِّ الذِّكْرِ
أُمُّ الفَتَى وَ أُخْتُهُ كَذَا ابْنَتُهْ ... وَ خَالَةُ الإِنْسَانِ ثُمَّ عَمَّتُهْ
وَ بِنْتُ أُخْتٍ وَ أَخٍ مِنَ النَّسَبْ ... وَ الأُولَيَانِ مِنْ رَضَاعٍ مُكْتَسَبْ
وَ أَرْبَعٌ يَحْرُمْنَ بِالمُصَاهَرَهْ ... وَ هُنَّ بِنْتُ الزَّوْجَةِ المُبَاشَرَهْ(1/42)
وَ أُمُّهَا أَيْضًا وَ إِنْ لَمْ تُقْرَبِ ... وَ زَوْجَةُ ابْنٍ ثُمَّ زَوْجَةُ الأَبِ
كَذَاكَ أُخْتُ زَوْجَةٍ أَنْ تَجْتَمِعْ ... مَعْهَا وَ أُمًّا بَعْدَهَا لَمْ تَمْتَنِعْ
وَ جَمْعُهَا مَعْ خَالَةٍ أَوْ عَمَّةِ ... لَهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الأُمَّةِ
وَ كُلُّ مَنْ بِغَيْرِهَا لَمْ تَجْتَمِعْ ... فَوَطْؤُهَا بِالمِلْكِ مَعْهَا مُمْتَنِعْ
وَ حَرَّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ مَا وَجَبْ ... تَحْرِيمُهُ مِنَ النِّسَاءِ بِالنَّسَبْ
فصل في مثبتات الخيار
مِنَ العُيُوبِ خَمْسَةٌ بِهَا يُرَدْ ... كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَعْ فَسْخٍ وَرَدْ
فَبِالجُنُونِ وَ الجُذَامِ وَ البَرَصْ ... فَسْخُ النِّكَاحِ لِلَّذِي مِنْهَا خَلَصْ
أَوْ كَانَ مِثْلَ غَيْرِهِ فِي عِلَّتِهْ ... وَ خُيِّرَتْ بِجَبِّهِ وَ عُنَّتِهْ
وَ خَيَّرُوهُ إِنْ يَكُنْ بِهَا رَتَقْ ... أَوْ قَرَنٌ فِي فَسْخِهِ كَمَا سَبَقْ
فصل في الصداق
ذِكْرُ الصَّدَاقِ سُنَّةٌ فَلَوْ نَكَحْ ... بِلاَ صَدَاقٍ حَالَةَ التَّفْوِيضِ صَحْ
وَ لَمْ يَجِبْ إِلاَّ بِفَرْضِ قَاضِي ... أَوْ بِالْتِزَامِ الزَّوْجِ بِالتَّرَاضِي
أَوْ بِالدُّخُولِ فَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا ... وَ الإِعْتِبَارُ بِالنِّسَا مِنْ أَهْلِهَا
وَ فِي سِوَى التَّفْوِيضِ إِنْ سَمَّى لَهَا ... مَهْرًا وَ إِلاَّ فَهْوَ مَهْرُ مِثْلِهَا
ثُمَّ الكَثِيرُ وَ القَلِيلُ يُجْعَلُ ... مَهْرًا وَ لَكِنْ شَرْطُهُ التَمَؤُلُ
عَيْنًا وَ دَيْنًا مُطْلَقًا وَ مَنْفَعَهْ ... وَ جَازَ حَبْسُ نَفْسِهَا لِيَدْفَعَهْ
وَ بِالطَّلاَقِ قَبْلَ وَطْءٍ شُطِّرَا ... وَ حَيْثُ مَاتَ وَاحِدٌ تَقَرَّرَا
وَ سُنَّ مَعْ دُخُولِهِ أَنْ يُولِمَا ... لَكِنْ حُضُورُ مَنْ دُعِي تَحَتَّمَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ كَأَمْرٍ يُجْتَنَبْ ... وَ لَمْ يَخُصَّ الأَغْنِيَاءَ بِالطَّلَبْ
باب القسم و النشوز(1/43)
حَقٌّ عَلَى زَوْجِ النِّسَا أَنْ يَقْسِمَا ... بِالعَدْلِ بَيْنَهُنَّ لاَ بَيْنَ الإِمَا
وَ دُونَ حَاجَةٍ دُخُولُهُ امْتَنَعْ ... لِغَيْرِ ذَاتِ النَّوْبَةِ الَّتِي تَقَعْ
وَ إِنْ أَرَادَ بَعْضَهُنَّ لِلسَّفَرْ ... فَقُرْعَةٌ بَيْنَ الجَمِيعِ تُعْتَبَرْ
وَ اجْعَلْ لِبِكْرٍ جُدِّدَتْ سَبْعًا وِلاَ ... وَثَيِّبٍ ثَلاَثَةً لِتَعْدِلاَ
وَ مَنْ يَخَفْ نُشُوزَ زَوْجَةٍ زَجَرْ ... بِوَعْظِهَا فَإِنْ أَبَتْ بِهِ هَجَرْ
فَلاَ يَنَامُ مَعَهَا فِي المَضْجَعِ ... فَإِنْ تَزِدْ أَتَى بِضَرْبٍ مُوجِعِ
وَ بِالنُّشُوزِ يَسْقُطُ الإِنْفَاقُ ... وَ مَا لَهَا فِي قِسْمِهَا اسْتِحْقَاقُ
باب الخلع
هُوَ الطَّلاَقُ إِنْ جَرَى عَلَى عِوَضْ ... وَ جَازَ فِي حَيْضٍ وَ طُهْرٍ وَ مَرَضْ
مَوْتٍ وَ بَانَتْ بَعْدَهُ المُخَالِعَهْ ... فَلَيْسَ لِلْمُخَالِعِ المُرَاجَعَهْ
بَلْ يَسْتَحِقُّ العِوَضَ الَّذِي جُعِلْ ... وَ مَهْرَ مِثْلٍ إِنْ جَرَى بِمَا جُهِلْ
ثُمَّ الطَّلاَقُ بَعْدَهُ لَمْ يَلْحَقِ ... مَنْ خَالَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا المُطَلِّقْ
وَ لَمْ يَعُدْ إِلاَّ بِعَقْدٍ فِيهِ جَدْ ... وَ الخُلْعُ كَالطَّلاَقِ فِي نَقْصِ العَدَدْ
باب الطلاق
يَصِحُّ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارِ ... حَلُّ النِّكَاحِ بِالطَّلاَقِ الجَارِي
وَ لِلطَّلاَقِ صِيغَةٌ قِسْمَانِ ... صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ فَالثَّانِي
مَا احْتَمَلَ الطَّلاَقَ مَعْ سِوَاهُ ... وَ لَمْ يَقَعْ إِلاَّ إِذَا نَوَاهُ
ثُمَّ الصَّرِيحُ لَفْظَةُ الطَّلاَقِ ... وَ لَفْظَةُ السَّرَاحِ وَ الفِرَاقِ
وَ هَذِهِ الثَّلاَثُ لَيْسَتْ تَفْتَقِرْ ... لِنِيَّةٍ وَ لْتُعْتَبَرْ مِمَّنْ سَكِرْ
ثُمَّ الطَّلاَقُ سُنَّةٌ وَ مُبْتَدَعْ ... وَ يَحْرُمُ البِدْعِيُّ وَ هْوَ مَا وَقَعْ
إِمَّا بِحَيْضٍ أَوْ بِمَا يَلِيهِ ... مِنْ طُهْرِهَا بَعْدَ الجِمَاعِ فِيهِ(1/44)
أَوْ فِي خِلاَلِ حَيْضِهَا الَّذِي مَضَى ... وَ إِنْ يُطَلِّقْ بِالسُّؤَالِ وَ الرِّضَى
وَ ضَابِطُ السُّنِّيِّ مِنْهُ مَا وَقَعْ ... بِطُهْرِهَا حَيْثُ الجِمَاعُ لَمْ يَقَعْ
أَصْلاً بِهِ وَ لاَ بِحَيْضٍ قَبْلَهُ ... وَ مَا عَدَا البِدْعِيَّ جَائِزٌ لَهُ
وَ أَرْبَعٌ طَلاَقُهُنَّ لَمْ يَكُنْ ... بِسُنَّةٍ وَ لاَ بِبِدْعَةٍ وَ هُنْ
صَغِيرَةٌ وَ حَامِلٌ وَ آيِسَهْ ... وَ ذَاتُ خَلْعٍ حَيْثُ لاَ مُمَاسَسَهْ
فصل في أكثر الطلاق والاستثناء و التعليق
وَ اجْعَلْ ثَلاَثًا أَكْثَرَ التَّطْلِيقِ ... لِلْحُرِّ وَ اثْنَتَيْنِ لِلرَّقِيقِ
وَ صَحَّ الإِسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلاَقِ ... إِنْ يَتَّصِلْ بِهِ بِلاَ اسْتِغْرَاقِ
وَ شَرْطُهُ إِسْمَاعُ مَنْ بِقُرْبِهِ ... وَ قَصْدُهُ مِنْ قَبْلِ نُطْقِهِ بِهِ
وَ صَحَّ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَهْ ... مِنْ زَوْجَةٍ وَ لَوْ سِوَى مُكَلَّفَهْ
باب الرجعة
مَنْ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْقَعَا ... بَعْدَ الدُّخُولِ وَ هْوَ حُرٌّ رَاجَعَا
قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةٍ تَعْتَدُّهَا ... لَكِنْ بِعَقْدٍ بَعْدَهَا يَرُدُّهَا
وَ بَعْدَ عَوْدٍ مُطْلَقًا تَبْقَى مَعَهْ ... بِمَا بَقِي بَعْدَ طَلاَقٍ أَوْقَعَهْ
فَإِنْ يُطَلِّقْ أَكْثَرَ الطَّلاَقِ ... تَعَذَّرَ النِّكَاحُ بِاتِّفَاقِ
وَ جَازَ بَعْدَ خَمْسَةٍ أُمُورِ ... وَ هْيَ انْقِضَاءُ عِدَّةِ المَذْكُورِ
وَ بَعْدَهُ تَزْوِيجُ غَيْرِهِ بِهَا ... ثُمَّ الدُّخُولُ وَ هْوَ أَنْ يُصِيبَهَا
ثُمَّ الطَّلاَقُ ثُمَّ عِدَّةٌ لَهُ ... وَ بَعْدَهُ حَلَّتْ لِزَوْجٍ قَبْلَهُ
باب الإيلاء
يَمِينُ زَوْجٍ صَحَّ أَنْ يُطَلِّقَا ... لِيَتْرُكَنَّ الوَطْءَ تَرْكًا مُطْلَقَا
أَوْ زَائِدًا عَنْ ثُلْثِ عَامٍ إِيلاَ ... حَيْثُ الجِمَاعُ لَيْسَ مُسْتَحِيلاَ(1/45)
وَ يَثْبُتُ الإِيلاَءُ بِالتَّعْلِيقِ ... بِالصَّوْمِ وَ الإِعْتَاقِ وَ التَّطْلِيقِ
فَلْيُمْهِلِ المُولِي شُهُورًا أَرْبَعَهْ ... مِنْ وَقْتِهِ أَوْ رَجْعَةِ المُرَاجَعَهْ
وَ بَعْدَ ذَاكَ خَيَّرُوا مَنْ آلَى ... بَيْنَ الطَّلاَقِ وَ الرُّجُوعِ حَالاَ
فَإِنْ أَبَى كِلَيْهِمَا مُعَانَدَهْ ... فَلْيُوقِعِ القَاضِي عَلَيْهِ وَاحِدَهْ
وَ وَاجِبٌ بِوَطْئِهِ بَعْدَ القَسَمْ ... وَ نَحْوِهِ كَفَّارَةٌ أَوْ مَا التَزَمْ
باب الظهار
ظِهَارُهُ تَشْبِيهُهُ لِزَوْجَتِهْ ... بِمَحْرَمٍ كَأُمِّهِ وَ عَمَّتِهْ
كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَابْنَتِي ... أَوْ ظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِ عَمَّتِي
وَ حَيْثُ لَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلاَقِ ... فَعَائِدٌ إِلَيْهِ بِاتِّفَاقِ
وَ لاَ يَجُوزُ لِلَّذِي قَدْ ظَاهَرَا ... وَ عَادَ وَطْءٌ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَا
بِالعَتْقِ ثُمَّ الصَّوْمِ فَالإِطْعَامِ ... كَمَا مَضَى فِي الوَطْءِ فِي الصِّيَامِ
باب القذف واللعان
القَذْفُ رَمْيُ الشَّخْصِ شَخْصًا بِالزِّنَى بِالزِّنَى ... وَ حُدَّ مَنْ يَرْمِي بِذَاكَ مُحْصَنَا
مَا لَمْ يُقِمْ عَلَى زِنَاهُ أَرْبَعَهْ ... أَوْ يَلْتَعِنْ بِقَذْفِ زَوْجَةٍ مَعَهْ
كَقَوْلِهِ بِأَمْرِ قَاضٍ أَشْهَدُ ... بِاللهِ أَنِّي صَادِقٌ مُؤَكِّدُ
فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا ... وَ لَيْسَ مِنِّي فَرْعُهَا بَلْ مِنْ زِنَا
يَقُولُ ذَاكَ أَرْبَعًا بِلَفْظِهِ ... وَ خَامِسًا يَقُولُ بَعْدَ وَعْظِهِ
وَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَيَّ تُضْرَبُ ... إِنْ كُنْتُ فِيمَا قُلْتُ مِمَّنْ يَكْذِبُ
فَحَيْثُ جَاءَ بِاللِّعَانِ لَمْ يُحَدْ ... بِقَذْفِهَا وَ يَنْتَفِي عَنْهُ الوَلَدْ
وَ فَارَقَتْهُ فُرْقَةً مُعَجَّلَهْ ... وَ حُرِّمَتْ فَلاَ تَحِلُّ بَعْدُ لَهْ
وَ تَسْتَحِقُّ أَنْ تُحَدَّ لِلزِّنَا ... مَا لَمْ تُلاَعِنْ مِثْلَ مَا قَدْ لاَعَنَا(1/46)
لَكِنْ تَقُولُ إِنَّهُ لَقَدْ كَذَبْ ... فِي القَذْفِ لِي وَ تُبْدِلُ اللَّعْنَ غَضَبْ
فَلاَ تُحَدُّ بَعْدَ أَنْ تُلاَعِنَهْ ... لَكِنْ تَصِيرُ مَعْهُ غَيْرَ مُحْصَنَهْ
باب العدة
تَعْتَدُّ زَوْجَةٌ عَنِ الوَفَاةِ ... وَ الفَسْخِ وَ الطَّلاَقِ فِي الحَيَاةِ
فَعِدَّةُ الوَفَاةِ ثُلْثُ عَامِ ... مَعْ عَشْرَةٍ أَيْضًا مِنَ الأَيَّامِ
أَوْ وَضْعُ ذَاتِ الحَمْلِ بِاتِّفَاقِ ... فَإِنْ تَكُنْ عَنْ فَسْخٍ أَوْ طَلاَقِ
فَذَاتُ حَمْلٍ وَضْعُهَا الوَفَاءُ ... وَ غَيْرُهَا ثَلاَثَةٌ أَقْرَاءُ
وَحَيْثُ كَانَتْ ذَاتَ يَأْسٍ أَوْ صِغَرْ ... فَأَشْهُرٌ ثَلاَثَةٌ لَهَا تُقَرْ
وَ ذَاتُ رِقٍّ عَنْ وَفَاةِ بَعْلِهَا ... تَعْتَدُّ أَيْضًا بِانْفِصَالِ حَمْلِهَا
وَ حَيْثُ كَانَتْ حَائِلاً فَالمُعْتَبَرْ ... سِتُّونَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةٌ أُخَرْ
وَ إِنْ تُطَلَّقْ حَامِلاً فَلاَ انْقِضَا ... إِلاَّ بِوَضْعِ حَمْلِهَا كَمَا مَضَى
أَوْ ذَاتَ حَيْضٍ فَلْيَجِبْ قَرْآنِ ... أَوْ غَيْرَهَا شَهْرٌ وَ نِصْفُ الثَّانِي
وَ إِنْ يُطَلِّقْ قَبْلَ وَطْئِهَا انْتَفَتْ ... عِدَّتُهَا أَوْ مَاتَ قَبْلَهَا وَفَتْ
وَ حَيْثُ كَانَ وَطْؤُهَا مِنَ الزِّنَا ... أَوْ حَمْلُهَا فَمَا لَهُ حُكْمٌ هُنَا
وَ إِنْ تَكُنْ مِنْ شُبْهَةٍ فَلْتُعْتَبَرْ ... عِدَّتُهَا بِكُلِّ مَا فِي الزَّوْجِ مَرْ
باب الإستبراء
أَوْجِبْهُ فِي حَقِّ الفَتَى إِذَا مَلَكْ ... رَقِيقَةً وَ حَقِّهَا إِذَا هَلَكْ
أَوْ عُتِقَتْ مِنْ بَعْدِ وَطْءٍ أَوْجَدَهْ ... وَ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ المُسْتَوْلَدَهْ
فَقَبْلَهُ امْنَعْ كُلَّ الإِسْتِمْتَاعِ ... وَ جَازَ لِلسَّابِي سِوَى الجِمَاعِ
وَ قَبْلَهُ وَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ... أَوْ عِتْقِهَا نِكَاحُهَا لَمْ يُعْقَدِ
وَ إِنْ تَكُنْ فِي عِصْمَةٍ عِنْدَ الشِّرَا ... أَوْ عِدَّةٍ فَعَنْهُمَا تَأَخَّرَا(1/47)
وَ حَيْثُ كَانَ فَهْوَ وَضْعُ حَامِلِ ... أَوْ حَيْضَةٌ فِي ذَاتِ حَيْضٍ حَائِلِ
وَ الشَّهْرُ فِي ذَاتِ الشُّهُورِ مُعْتَبَرْ ... أَوْ قَدْرُ شَهْرٍ كَامِلٍ حَيْثُ انْكَسَرْ
فصل في ما يجب للمعتدة و عليها
عَلَيْهِ لِلرَّجْعِيَّةِ الإِنْفَاقُ ... وَ مَسْكَنٌ جَرَى بِهِ الطَّلاَقُ
وَ لَمْ يَجِبْ لِغَيْرِهَا إِلاَّ السَّكَنْ ... وَ البَائِنُ الحُبْلَى لَهَا كُلُّ المُؤَنْ
وَ مَا سِوَى رَجْعِيَّةٍ لاَ تَخْرُجُ ... مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ لأَمْرٍ يُحْوِجُ
وَ لَمْ يَجُزْ فِي عِدَّةِ الوَفَاةِ أَنْ ... تَمَسَّ طِيبًا أَوْ تُزَيِّنَ البَدَنْ
باب الرضاع
مَنْ سِنُّهَا تِسْعٌ وَ أَرْضَعَتْ وَلَدْ ... صَارَ ابْنَهَا إِنْ يَرْتَضِعْ خَمْسًا تُعَدْ
مُفَرَّقَاتٍ نَالَ مِنْ كُلٍّ شِبَعْ ... وَ قَبْلَ حَوْلَيْنِ الرَّضَاعُ قَدْ وَقَعْ
وَ صَارَ زَوْجُ مَنْ سَقَتْ أَبَاهُ ... وَ فَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخَاهُ
وَ أُخْتُهَا مِنَ الجِهَاتِ خَالَتَهْ ... وَ أُخْتُ هَذَا الزَّوْجِ أَيْضًا عَمَّتَهْ
وَ أُمُّ كُلٍّ جَدَّةً لَهُ وَ الأَبْ ... جَدًّا لَهُ مِنَ الرَّضَاعِ وَ النَّسَبْ
وَ تَنْتَمِي فُرُوعُهُ إِلَيْهِمَا ... دُونَ الأُصُولِ وَالحَوَاشِي فَاعْلَمَا
فَيَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمْ عَلَى ... مَا قَدْ مَضَى فِي بَابِهِ مُفَصَّلاَ
وَ جَائِزٌ تَزَوُّجُ الجَمِيعِ ... مِنْ أَهْلِ هَذَا الطِّفْلِ لاَ الفُرُوعِ
باب النفقات
لِزَوْجَةٍ مِنْ نَفْسِهَا تُمَكِّنُ ... مَؤُونَةٌ وَ كِسْوَةٌ وَ مَسْكَنُ
بِعُرْفِهِمْ وَ قُدْرَةِ الإِنْسَانِ ... وَ قُوتُهَا مِنْ مُوسِرٍ مُدَّانِ
وَ وَاجِبٌ مِنْ مُعْسِرٍ مُدٌّ فَقَطْ ... لَكِنْ لَهَا مُدٌّ وَ نِصْفٌ مِنْ وَسَطْ
وَ تَسْتَحِقُّ خَادِمًا لِشُغْلِهَا ... إِنْ كَانَ ذَاكَ عَادَةً لِمِثْلِهَا(1/48)
وَ فُسِخَتْ بِعَجْزِهِ عَنِ الأَقَلْ ... أَوْ عَنْ صَدَاقٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ دَخَلْ
وَ ذُو اليَسَارِ وَاجِبٌ أَنْ يُنْفِقَا ... عَلَى الأُصُولِ وَ الفُرُوعِ مُطْلَقَا
بِشَرْطِ فَقْرٍ فِي الجَمِيعِ مُعْتَبَرْ ... وَ عَجْزِ فَرْعٍ كَالجُنُونِ وَ الصِّغَرْ
ثُمَّ عَلَى رَبِّ البَهَائِمِ المُؤَنْ ... بِحَيْثُ لاَ يَضُرُّ تَرْكُهَا البَدَنْ
وَ لَمْ تُكَلَّفْ فَوْقَ مَا تُطِيقُ ... مِنْ عَمَلٍ وَ مِثْلُهَا الرَّقِيقُ
لَكِنْ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الزِّيَادَهْ ... مِنْ مُؤَنٍ وَ كِسْوَةٍ مُعْتَادَهْ
باب الحضانة
وَ مَنْ يُفَارِقْ زَوْجَةً لَهَا وَلَدْ ... مِنْهُ اسْتَحَقَّتْ حَضْنَ ذَلِكَ الوَلَدْ
بِالعَقْلِ وَ الإِسْلاَمِ وَ الحُرِّيَّهْ ... وَ كَوْنِهَا مِنْ نَاكِحٍ خَلِيَّهْ
وَ فَقْدِ فِسْقٍ وَ الخُلُوِّ مِنْ سَفَرْ ... وَ جَازَ حَضْنُ كَافِرٍ لِمَنْ كَفَرْ
كتاب الجنايات
القَتْلُ إِمَّا مَحْضُ عَمْدٍ أَوْ خَطَا ... أَوْ شِبْهُ عَمِدٍ وَاسْمُ ذَا عَمْدُ الخَطَا
فَالعَمْدُ قَصْدُ الفِعْلِ وَ الشَّخْصِ بِمَا ... يَقْتُلُ ذَاكَ غَالِبًا فَلْيُعْلَمَا
وَ الخَطَأُ السَّهْمُ الَّذِي رَمَاهُ ... إِذَا أَصَابَ غَيْرَ مَنْ نَوَاهُ
وَ حَدُّ شِبْهِ عَمْدِهِ أَنْ يَضْرِبَا ... شَخْصًا بِشَيْءٍ قَتْلُهُ لَنْ يَغْلِبَا
وَ فِي سِوَى العَمْدِ القِصَاصُ مُنْتَفِي ... وَ وَاجِبٌ فِي العَمْدِ إِلاَّ إِنْ عُفِي
فَإِنْ عَفَى وَلِيُّهُ عَلَى دِيَهْ ... تَغَلَّظَتْ فِي حَقِّ مَنْ جَنَى الدِّيَهْ
بِأَخْذِهَا مِنْ مَالِهِ مُثَلَّثَهْ ... عَلَى الحُلُولِ كُلُّهَا مُؤَنَّثَهْ
أَمَّا الخَطَا فَوَاجِبٌ لَهُ الدِّيَهْ ... وَ خُفِّفَتْ فَخُمِّسَتْ فِي التَّأْدِيَهْ
وَ لِلَّذِينَ يَعْقِلُونَ حُمِّلَتْ ... وَ لِثَلاَثٍ مِنْ سِنِينَ أُجِّلَتْ(1/49)
وَ كَالخَطَا عَمْدُ الخَطَا فِيمَا سَبَقْ ... لَكِنْ هُنَا التَّثْلِيثُ فِيهَا مُسْتَحِقْ
فصل في شروط القصاص
شَرْطُ القِصَاصِ أَنْ يَكُونَ مَنْ جَنَى ... مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا لِحُكْمِنَا
وَ لاَ يَكُونَ لِلْقَتِيلِ وَالِدَا ... وَ إِنْ عَلاَ وَ لاَ يَكُونَ سَيِّدَا
وَ عِصْمَةُ القَتِيلِ بِالإِيمَانِ ... أَوْ غَيْرِهِ كَالعَهْدِ وَالأَمَانِ
وَ كَوْنُهُ عَنْ قَاتِلٍ لَنْ يَنْقُصَا ... إِمَّا بِرِقٍّ أَوْ بِكُفْرٍ خُصِّصَا
فَيُهْدَرُ الحَرْبِيُّ عِنْدَ قَتْلِهِ ... وَ يُهْدَرُ المُرْتَدُّ لاَ مَعْ مِثْلِهِ
وَ يُقْتَلُ الجَمْعُ الكَثِيرُ بِالأَحَدْ ... وَ لَيْسَ فِي كَسْرِ العِظَامِ مِنْ قَوَدْ
بَلْ يَثْبُتُ القِصَاصُ فِي عُضْوٍ قُطِعْ ... مِنْ مِفْصَلٍ وَ مَعْ إِجَافَةٍ مُنِعْ
وَ كُلُّ شَرْطٍ لِلْقِصَاصِ قَدْ سَلَفْ ... فِي النَّفْسِ شَرْطٌ فِي القِصَاصِ فِي الطَّرَفْ
مَعْ شِرْكَةِ العُضْوَيْنِ فِي الإِسْمِ الأَخَصْ ... وَ فَقْدِ نَقْصٍ أَيْ بِمَقْطُوعٍ يُخَصْ
وَ يُقْطَعُ الأَشَلُّ بِالأَشَلِّ مَا ... لَمْ يُخْشَ عِنْدَ قَطْعِهِ نَزَفُ الدِّمَا
وَ إِنْ جَنَى بِجُرْحِهِ لَنْ يَجْرَحَهْ ... إِلاَّ بِرَأْسٍ أَوْ بِوَجْهٍ أَوْضَحَهْ
باب الديات
فيِ كُلِّ حُرِّ مُسْلِمٍ إِذَا قُتِلْ ... بِغَيْرِ حَقٍّ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلْ
وَ ثُلِّثَتْ بِالعَمْدِ بِاتِّفَاقِ ... مِنْهَا ثَلاَثُونَ مِنَ الحِقَاقِ
وَ مِنْ جِذَاعٍ مِثْلُهَا وَ الفَاضِلُ ... قُلْ أَرْبَعُونَ كُلُّهَا حَوَامِلُ
وَ هَكَذَا التَّثْلِيثُ فِي عَمْدِ الخَطَا ... وَ خُمِّسَتْ فِي حَقِّ مَنْ جَنَى خَطَا
مِنَ الحِقَاقِ الخُمْسُ بِالإِجْمَاعِ ... عِشْرُونَ ثُمَّ الخُمْسُ مِنْ جِذَاعِ
وَ الخُمْسُ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ يَلْزَمُ ... وَ الخُمْسُ مِنْ بَنَاتِهَا مُحَتَّمُ(1/50)
وَ مِنْ بَنَاتِ النَّاقَةِ المَخَاضِ ... تَمَامُهَا وَ لَوْ بِالإِقْتِرَاضِ
وَ حَيْثُ كَانَتْ كُلُّهَا مَعْدُومَهْ ... أَوْ بَعُدَتْ فَلْيَنْتَقِلْ لِلْقِيمَهْ
وَ فِي ثَلاَثٍ غُلِّظَتْ مَعَ الخَطَا ... فِي الحَرَمِ المَكِّيِّ وَ الَّذِي سَطَا
بِالقَتْلِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَ لَزِمْ ... تَغْلِيظُهَا فِي قَتْلِ مَحْرَمِ الرَّحِمْ
ثُمَّ اليَهُودِي ثُلْثُ مُسْلِمٍ يُرَى ... وَ كَاليَهُودِي كُلُّ مَنْ تَنَصَّرَا
وَفِي المَجُوسِ الخُمْسُ مِنْ نَصْرَانِي ... وَ كَالمَجُوسِي عَابِدُ الأَوْثَانِ
وَ دِيَّةُ الأُنْثَى بِكُلِّ حَالِ ... نِصْفُ الَّذِي قَدْ مَرَّ فِي الرِّجَالِ
وَ الطَّرَفُ الأَشَلُّ بِالحُكُومَهْ ... وَ الغُرْمُ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ القِيمَهْ
وَ فِي الجَنِينِ الحُرِّ عَبْدٌ أَوْ أَمَهْ ... وَ العَبْدِ عُشْرُ أُمِّهِ مُقَوَّمَهْ
وَ السِّنِّ وَ الإِيضَاحِ خَمْسٌ مِنْ إِبِلْ ... وَ الهَشْمُ وَ التَّنْقِيلُ مِثْلُهُ جُعِلْ
وَ إِنْ يُجِفْ فَالثُّلْثُ كَالمَأْمُومَهْ ... وَ سَائِرُ الجُرُوحِ بِالحُكُومَهْ
فصل في إبانة الأطراف و إزالة المنافع
فِي الأُذُنَيْنِ أَوْجَبُوا كُلَّ الدِّيَهْ ... كَذَاكَ فِي العَيْنَيْنِ أَيْ بِالتَّسْوِيَهْ
وَ الشَّفَتَيْنِ ثُمَّ فِي اللَّحْيَيْنِ ... وَ فِي اليَدَيْنِ ثُمَّ فِي الرِّجْلَيْنِ
كَذَاكَ فِي الأَلْيَيْنِ مَعْ ثَدْيَيْهَا ... وَ الأُنْثَيَيْنِ بَلْ وَ فِي شَفْرَيْهَا
وَ الأَنْفُ أَيْضًا وَ الجُفُونُ الأَرْبَعَهْ ... عَلَى جَمِيعِ مَا مَضَى مُوَزَّعَهْ
وَ فِي اللِّسَانِ وَ العِجَانِ وَ الذَّكَرْ ... وَ سِلْخِ جِلْدٍ ثُمَّ سَمْعٍ وَ بَصَرْ
وَ عَقْلِهِ وَ شَمِّهِ وَ ذَوْقِهِ ... وَ مَضْغِهِ وَ صَوْتِهِ وَ نُطْقِهِ
وَ بَطْشِهِ وَ المَشْيِ وَ الإِحْبَالِ ... وَ لَذَّةِ الجِمَاعِ بِالإِبْطَالِ
باب دعوى الدم و القسامة(1/51)
مَنِ ادَّعَى قَتْلاً عَلَى سِوَاهُ ... فَوَاجِبٌ تَفْصِيلُ مَا ادَّعَاهُ
وَ أَثْبَتُوا لِلْمُدَّعِي القَسَامَهْ ... بِشَرْطِ لَوْثٍ مَعْهُ أَيْ عَلاَمَهْ
بِهَا يُظَنُّ صِدْقُ مَا يَقُولُ ... كَأَنْ يُرَى عِنْدَ العِدَا القَتِيلُ
وَ حَيْثُ أَقْسَمَ الوَلِيُّ بِالصَّمَدْ ... خَمْسِينَ يُعْطَى دِيَّةً وَ لاَ قَوَدْ
وَ المُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلُ يُقْسِمُ ... إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوْثٌ يُعْلَمُ
فَيَحْلِفُ الخَمْسِينَ أَيْضًا كَالوَلِي ... وَ مَنْ أَرَادَ رَدَّهَا فَلْيَفْعَلِ
باب الكفارة
وَ كُلُّ نَفْسٍ إِنْ تَكُنْ مُحَرَّمَهْ ... فِي قَتْلِهَا كَفَّارَةٌ مُحَتَّمَهْ
وَ وَافَقَتْ فِي سَائِرِ الأَحْكَامِ ... كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لاَ الإِطْعَامِ
باب حد الزنا
وَ مَنْ يُغَيِّبْ مَوْضِعَ الخِتَانِ ... فِي فَرْجِ أَجْنَبِيَّةٍ فَزَانِي
إِمَّا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ الزِّنَا ... أَوْ لاَ يَكُونُ عِنْدَ ذَاكَ مُحْصَنَا
فَالمُحْصَنُ الحُرُّ المُكَلَّفُ الَّذِي ... بَاشَرَ وَطْئًا فِي نِكَاحِ نَافِذِ
وَ الحَدُّ رَجْمُ مُحْصَنٍ مِنِ امْرَأَهْ ... أَوْ رَجُلٍ وَ جَلْدُ غَيْرِهِ مِئَهْ
وَ بَعْدَهَا التَّغْرِيبُ قَدْرَ عَامِ ... مَسَافَةَ القَصْرِ عَلَى التَّمَامِ
وَ قَدَّرُوا حَدَّ الرَّقِيقِ الزَّانِي ... بِنِصْفِ حَدِّ غَيْرِ ذِي إِحْصَانِ
ثُمَّ اللِّوَاطُ كَالزِّنَا إِذَا جَرَى ... لاَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً بَلْ عُزِّرَا
باب التعزير
وَ فِي المَعَاصِي كُلِّهَا التَّعْزِيرُ ... إِنْ لَمْ يَجِبْ حَدٌّ وَ لاَ تَكْفِيرُ
بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ كَذَا الكَلاَمُ ... أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَرَى الإِمَامُ
فَمَنْ رَأَى تَعْزِيرَهُ بِضَرْبِهِ ... فَلاَ يَصِلْ أَدْنَى حُدُودِهِ بِهِ
باب حد القذف
إِذَا رَمَى الإِنْسَانُ شَخْصًا بِالزِّنَا ... فَقَاذِفٌ وَ حَدُّهُ تَعَيَّنَا(1/52)
وَ لاَ يُحَدُّ وَالِدُ المَقْذُوفِ ... بَلْ غَيْرُهُ إِنْ كَانَ ذَا تَكْلِيفِ
وَ الشَّرْطُ مَعْ تَكْلِيفِهِ أَنْ يَقْذِفَا ... حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا مُكَلَّفَا
فَيُجْلَدُ الرَّقِيقُ أَرْبَعِينَا ... وَ كُلُّ حُرٍّ ضِعْفَهُ يَقِينَا
وَ لاَ يُحَدُّ حَيْثُ يَثْبُتُ الزِّنَا ... وَ لاَ بِقَذْفِ زَوْجَةٍ إِنْ لاَعَنَا
وَلَوْ عَفَى المَقْذُوفُ عَنْ حَدٍّ سَقَطْ ... وَ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ فَتَعْزِيرٌ فَقَطْ
باب حد شرب المسكر
وَ شَرْبُ كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامُ ... بِهِ يَحُدُّ الشَارِبَ الإِمَامُ
بِشُرْبِهِ مُكَلَّفًا مُخْتَارَا ... مَعْ عِلْمِهِ التَّحْرِيمَ وَ الإِسْكَارَا
بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ أَوِ الإِقْرَارِ ... لاَ رِيحِهِ وَ القِيءِ وَ الإِسْكَارِ
وَ حَدُّهُ فِي الحُرِّ أَرْبَعُونَا ... وَ فِي الرَّقِيقِ نِصْفُهَا عِشْرُونَا
وَ لِلإِمَامِ بَعْدُ أَنْ يُعَزِّرَا ... بِمَا يُسَاوِي حَدَّهُ المُقَدَّرَا
باب قطع السرقة
وَ يُقْطَعُ المُكَلَّفُ المُخْتَارُ إِنْ ... يَسْرِقْ نِصَابًا رُبْعَ دِينَارٍ وُزِنْ
مِنْ حِرْزِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ انْتَمَى ... بِالمِلْكِ أَوْ بِشُبْهَةٍ فَلْيُعْلَمَا
فَلاَ يَجُوزُ قَطْعُهُ إِذَا سَرَقْ ... مَا بَعْضُهُ مِلْكٌ لَهُ أَوْ مُسْتَحَقْ
وَ لاَ بِمَالِ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ ... وَ غَيْرُ ذَاكَ مُوجِبٌ لِقَطْعِهِ
فَإِنْ يَعُدْ فَكُلَّ مَرَّةٍ طَرَفْ ... مُخَالِفٌ لِعُضْوِهِ الَّذِي سَلَفْ
فَالأَوَّلُ اليُمْنَى مِنَ اليَدَيْنِ ... وَ بَعْدَهَا اليُسْرَى مِنَ الرِّجْلَيْنِ
وَ ثَالِثًا يُسْرَى اليَدَيْنِ فَاقْطَعِ ... وَ رِجْلَهُ اليُمْنَى تَمَامُ الأَرْبَعِ
مِنْ مَفْصِلِ الكُوعَيْنِ مِنْهُ وَ القَدَمْ ... وَ بَعْدَ ذَا تَعْزِيرُهُ بِهَا انْحَتَمْ
وَ إِنْ يُؤَخِّرْ قَطْعَهُ حَتَّى سَرَقْ ... كَفَاهُ قَطْعٌ وَاحِدٌ عَمَّا سَبَقْ
باب قطاع الطرق(1/53)
هُمْ فِرْقَةٌ تَرَصَّدُوا لِلنَّاسِ ... فِي طُرْقِهِمْ بِقُوَّةٍ وَ بَاسِ
بِشَرْطِ تَكْلِيفٍ مَعَ الإِسْلاَمِ ... وَ قُسِّمُوا لأَرْبَعِ أَقْسَامِ
إِنْ يَقْتُلُوا مَعْ أَخْذِ مَالٍ يُقْتَلُوا ... وَ يُصْلَبُوا ثَلاَثَةً وَ يُنْزَلُوا
أَوْ يَقْتُلُوا مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ قُتِّلُوا ... فَقَطْ وَ أَمَّا عَكْسُهُ لَمْ يُقْتَلُوا
بَلِ اليَدُ اليُمْنَى لِكُلٍّ تُقْطَعُ ... مَعْ رِجْلِهِ اليُسْرَى كَمَا قَدْ أَجْمَعُوا
وَ تُقْطَعُ اليُسْرَى مِنَ اليَدَيْنِ ... إِنْ عَادَ وَ اليُمْنَى مِنَ الرِّجْلَيْنِ
أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ سِوَى إِخَافَهْ ... فَحَبْسُهُمْ وَ نَفْيُهُمْ مَسَافَهْ
وَ حَيْثُ تَابُوا قَبْلَ قُدْرَةٍ سَقَطْ ... عَنْهُمْ حُدُودٌ خُصِّصَتْ بِهِمْ فَقَطْ
لاَ غَيْرُ ذَاكَ مِنْ حُقُوقِ رَبِّنَا ... أَوْ آدَمِيٍّ كَالقِصَاصِ وَ الزِّنَا
وَ قََطْعِهِمْ بِسِرْقَةِ النِّصَابِ ... بِشَرْطِهِ فِي سَائِرِ الأَبْوَابِ
باب الصيال
لِلشَّخْصِ دَفْعُ صَائِلٍ عَنْ مَالِهِ ... وَ نَفْسِهِ أَيْضًا وَ عَنْ عِيَالِهِ
وَ لَوْ بِقَتْلٍ أَوْ بِقَطْعٍ لِلطَّرَفْ ... مُقَدِّمًا فِيهِ الأَخَفَّ فَالأَخَفْ
وَ لاَ ضَمَانَ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَهْ ... أَصْلاً وَ لاَ التَّكْفِيرَ بَلْ لاَ مَعْصِيَهْ
وَ ضَمَّنُوا مَنْ كَانَ مَعْ بَهِيمَةِ ... مَا أَتْلَفَتْ بِالمِثْلِ أَوْ بِالقِيمَةِ
باب البغاة
هُمْ فِرْقَةٌ مُخَالِفُوا الإِمَامِ ... فِيمَا يَرَى شَرْعًا مِنَ الأَحْكَامِ
لَهُمْ كَبِيرٌ حَاكِمٌ مُطَاعُ ... وَ عَسْكَرٌ لأَمْرِهِ أَطَاعُوا
فَصَارَ يُبْدِي لِلإِمَامِ المَنَعَهْ ... وَ إِنْ أَرَادَ الحَقَّ مِنْهُمْ مَنَعَهْ
مُؤَوِّلاً لَهُ دَلِيلٌ سَائِغُ ... لَكِنَّهُ عَنِ الصَّوَابِ زَائِغُ
فَوَاجِبٌ عَلَى الإِمَامِ العَادِلِ ... قِتَالُهُمْ وَ دَفْعُهُمْ كَالصَّائِلِ(1/54)
حَتَى يَصِيرَ جَمْعُهُمْ مُفَرَّقَا ... وَ يَنْتَفِي مِنْ شَرِّهِمْ مَا يُتَّقَى
وَ لاَ يَجُوزُ قَتْلُ مُدْبِرٍ لَنَا ... وَ لاَ أَسِيرٍ وَجَرِيحٍ أُثْخِنَا
وَ وَاجِبٌ فِي الفَوْرِ رَدُّ مَالِهِمْ ... وَ رَدُّ مَا حُزْنَاهُ مِنْ عِيَالِهِمْ
باب الردة
مَنْ يَرْتَدِدْ عَنْ دِينِنَا فَلْيُسْتَتَبْ ... فَإِنْ أَبَى فَالقَتْلُ فَوْرًا قَدْ وَجَبْ
وَ لَمْ يُجَهَّزْ وَ الصَّلاَةُ تَمْتَنِعْ ... كَالدَّفْنِ فِي قُبُورِنَا فَلْيَمْتَنِعْ
وَ مَنْ يَدَعْ صَلاَتَهُ جَحْدًا كَفَرْ ... وَ صَارَ مُرْتَدًّا وَ فِيهِ القَوْلُ مَرْ
وَ إِنْ يَكُنْ تَرْكُ الصَّلاَةِ عَنْ كَسَلْ ... وَ لَمْ يَتُبْ فَالقَتْلُ حَدًّا اتَّصَلْ
وَ اجْعَلْهُ فِي التَّجْهِيزِ وَ الصَّلاَةِ ... كَمُسْلِمٍ فِي سَائِرِ الجِهَاتِ
كتاب الجهاد
جِهَادُ أَهْلِ الكُفْرِ وَ الغَوَايَهْ ... فِي دَارِهِمْ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَهْ
بِكُلِّ عَامٍ مَرَّةً لاَ أَكْثَرَا ... وَ لاَ يَعُمُّ فَرْضُهُ كُلَّ الوَرَى
بَلْ كُلَّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفِ ... ذِي صِحَّةٍ وَ قُدْرَةٍ وَ مَصْرِفِ
فَإِنْ أَتَوْا لِبَلْدَةٍ تَعَيَّنَا ... عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهَا وَ مَنْ دَنَا
وَ نِسْوَةُ الكُفَّارِ كَالأَطْفَالِ ... بِسَبْيِهِمْ رَقُّوا لَنَا فِي الحَالِ
كَذَا الخُنَاثَى وَ العَبِيدُ مُطْلَقَا ... وَ كُلُّ مَجْنُونٍ جُنُونًا مُطْبِقَا
وَ لِلإِمَامِ رَقُّ مَنْ عَدَاهُمُ ... وَ قَتْلُهُمْ وَ المَنُّ أَوْ فِدَاهُمُ
بِالمَالِ وَ الرِّجَالِ مِنْ أَسْرَانَا ... يُقَدِّمُ الأَوْلَى لَنَا إِنْ بَانَا
وَ قَبْلَ أَسْرٍ مَنْ يَتُبْ يَعْصِمْ دَمَهْ ... وَ المَالَ وَ الأَطْفَالَ كُلاًّ عَصَمَهْ
أَوْ تَابَ بَعْدَ أَسْرِهِ لَمْ يَعْصِمِ ... مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا سِوَى الدَّمِ
ثُمَّ الصَّبِيُّ صَارَ حُكْمًا مُسْلِمَا ... إِنْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَنْ أَسْلَمَا(1/55)
وَ هَكَذَا إِذَا سَبَاهُ مُسْلِمُ ... مِنْ غَيْرِ أُمٍّ وَ أَبٍ فَلْيُعْلَمُ
كَذَا اللَّقِيطُ إِنْ تَحُزْهُ أَرْضُنَا ... أَوْ أَرْضُهُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا بَعْضُنَا
باب الغنيمة
مَا جَاءَنَا مِنْ مَالِهِمْ مَعَ التَّعَبْ ... غَنِيمَةٌ وَ قَدَّمُوا مِنْهُ السَّلَبْ
لِقَاتِلِ المَسْلُوبِ وَ هْوَ مَا مَعَهْ ... مِنْ فَرَسٍ وَ آلَةٍ وَ أَمْتِعَهْ
وَ مَا عَدَا أَسْلاَبَهُمْ مِمَّا غُنِمْ ... خُذْ خُمْسَهُ أَخِّرْهُ وَ البَاقِي قُسِمْ
عَلَى الَّذِينَ شَاهَدُوا القِتَالاَ ... بِقَصْدِهِ فُرْسَانًا أَوْ رِجَالاَ
ثَلاَثَةٌ لِلْفَارِسِ المُقَاتِلِ ... مِنْهُمْ وَ سَهْمٌ وَاحِدٌ لِلرَّاجِلِ
إِنْ كَانَ كُلٌّ مُسْلِمًا مُكَلَّفَا ... حُرًّا وَ إِلاَّ فَلَهُمْ رَضْخٌ كَفَى
وَ الرَّضْخُ قَدْرٌ دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدْ ... فِيهِ الإِمَامُ بِاعْتِبَارِ مَا وُجِدْ
وَ خُمِّسَ الخُمْسُ الَّذِي تَخَلَّفَا ... فَخُمْسُهُ يُعْطَى لآلِ المُصْطَفَى
وَ الخُمْسُ فِي مَصَالِحِ الإِسْلاَمِ ... وَ ثَالِثُ الأَخْمَاسِ لِلأَيْتَامِ
رَابِعُهَا يُعْطَى لأَهْلِ المَسْكَنَهْ ... وَ ابْنِ السَّبِيلِ خَامِسٌ مُعَيَّنَهْ
وَ لِلإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ مَنْ حَصَلْ ... مِنْهُ جِهَادٌ زَائِدٌ وَ هْوَ النَّفَلْ
باب قسم الفيء
وَ مَا أَتَى مِنْ مَالِهِمْ بِلاَ تَعَبْ ... فَكُلُّهُ فَيْءٌ وَ قَسْمُهُ وَجَبْ
فَاجْعَلْهُ أَيْضًا خَمْسَةً مِنْ أَسْهُمِ ... فَخُمْسُهُ لأَهْلِ خَمْسِ المَغْنَمِ
وَ مَا عَدَاهُ لِلَّذِينَ عُيِّنُوا ... لِلْغَزْوِ مِمَّنْ أُرْصِدُوا وَ دُوِّنُوا
مَفَضِّلاً فِي قَدْرِ الإِسْتِحْقَاقِ ... بِكَثْرَةِ العِيَالِ وَ الإِنْفَاقِ
وَ جَازَ صَرْفُ فَضْلِهِمْ لِلْمَصْلَحَهْ ... كَصَرْفِهِ فِي الخَيْلِ أَوْ فِي الأَسْلِحَهْ
باب الجزية(1/56)
إِنْ يَطْلُبِ الكُفَّارُ جِزْيَةً وَجَبْ ... عَلَى الإِمَامِ أَنْ يُجِيبَ مَنْ طَلَبْ
بِصِيغَةٍ وَ ذِكْرِ مَالٍ جَارِي ... وَ لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ دِينَارِ
عَنْ كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفِ ... لَهُ كِتَابٌ ظَاهِرٌ أَوْ مُخْتَفِي
كَذَا المَجُوسُ عَابِدُوا النِّيرَانِ ... وَ لَمْ تَجُزْ لِعَابِدِي الأَوْثَانِ
وَ مَاكَسَ الإِمَامُ نَدْبًا إِذْ فَعَلْ ... حَتَّى يَزِيدَ مَالُهَا عَنِ الأَقَلْ
وَ يُسْتَحَبُّ عَنْ غَنِيٍّ أَرْبَعَهْ ... وَ نِصْفُهَا عَنْ ذِي تَوَسُّطٍ مَعَهْ
وَ لْيَشْتَرِطْ ضِيَافَةً لِمَنْ يَمُرْ ... مِنَّا عَلَيْهِمْ زَائِدًا إِنْ لَمْ يَضُرْ
وَ حَيْثُ صَحَّتْ أُلْزِمُوا بِشَرْعِنَا ... وَ لْيُعْطِ كُلٌّ مَا عَلَيْهِ مُذْعِنَا
وَ لْيُعْرَفُوا بِاللُّبْسِ لِلْغِيَارِ ... جَمِيعُهُمْ وَ الشَّدِّ لِلزُّنَّارِ
وَ لْيُمْنَعُوا مِنْ فِعْلِ مَا قَدْ ضَرَّنَا ... وَ قَوْلِ كُفْرٍ يُسْمِعُونَهُ لَنَا
وَ مِنْ رُكُوبِ الخَيْلِ مَعْ رَفْعِ البِنَا ... عَنْ مُسْلِمٍ وَ مَا يُسَاوِي مِنْ بَنَا
كتاب الصيد و الذبائح
ذَكَاةُ كُلِّ مَا عَلَيْهِ يُقْدَرُ ... بِذَبْحِهِ وَ مَا سِوَاهُ يُعْقَرُ
فَالذَّبْحُ قَطْعُ سَائِرِ الحُلْقُومِ ... مَعَ المَرِي فِي المَذْبَحِ المَعْلُومِ
وَ قَطْعَ كُلٍّ مِنْهُمَا قَدْ أَوْجَبُوا ... لاَ الوَدَجَيْنِ مَعْهُمَا بَلْ يُنْدَبُ
وَ العَقْرُ جَرْحٌ مُزْهِقٌ لِلرُّوحِ ... حَيْثُ انْتَهَتْ إِصَابَةُ المَجْرُوحِ
بِجَارِحٍ نَحْوِ الحَدِيدِ وَ الخَشَبْ ... لاَ السِّنِّ وَ الأَظْفَارِ فَهْيَ تُجْتَنَبْ
وَ الاصْطِيَادِ جَائِزٌ بِكُلِّ مَا ... مِنَ السِّبَاعِ وَ الطُّيُورِ عُلِّمَا
إِنْ كَانَ مَعْ إِرْسَالِهِ مُسْتَرْسِلاَ ... مُنْزَجِرًا بِزَجْرِهِ مُمْتَثِلاَ
مُجْتَنِبًا لِلأَكْلِ مِمَّا اصْطَادَا ... مُكَرِّرًا حَتَّى يُرَى مُعْتَادَا(1/57)
إِلاَّ الطُّيُورَ فَاعْتَبِرْ مَا قَدْ ذُكِرْ ... فِيهَا وَ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ أَنْ تَنْزَجِرْ
وَ شَرْطُ كُلِّ صَائِدٍ وَ ذَابِحِ ... إِسْلاَمُهُ أَوْ صِحَّةُ التَّنَاكُحِ
وَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَمْ يُبَحْ ... مَا احْتَكَّ مِنْ حَيٍّ بِسَيْفٍ فَانْذَبَحْ
أَوْ صَادَهُ كَلْبُ بِلاَ إِرْسَالِ ... وَ صَيْدُ الأعْمَى لَمْ يَجُزْ بِحَالِ
وَ حَيْثُ زَالَ شَرْطُهُ فَلاَ تُبِحْ ... إِلاَّ الَّذِي أَدْرَكْتَ حَيًّا وَ ذُبِحْ
ثُمَّ الجَنِينُ مِنْ مُذَّكَاةٍ يَحِلْ ... بِغَيْرِ ذَبْحٍ لاَ إِذَا حَيًّا فُصِلْ
وَ كُلُّ جُزْءٍ فِي الحَيَاةِ يُقْطَعُ ... فَنَجِسٌ إِلاَّ شُعُورًا تَنْفَعُ
باب الأطعمة
وَ الحَيَوَانُ إِنْ يَكُنْ عِنْدَ العَرَبْ ... مُسْتَخْبَثًا يَكُنْ حَرَامًا مُجْتَنَبْ
أَوْ مُسْتَطَابًا عِنْدَهُمْ لَنْ يَحْرُمَا ... إِنْ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ نَصٌّ فِيهِمَا
وَ مَا لَهُ مِنَ السِّبَاعِ نَابُ ... يَعْدُوا بِهِ فَمَنْعُهُ صَوَابُ
وَ مَا لَهُ مِنَ الطُّيُورِ مِخْلَبُ ... يَسْطُو بِهِ فَامْنَعْهُ فَهْوَ المَذْهَبُ
وَ لْيَأْكُلِ المُضْطَرُ حَيْثُ أَشْفَقَا ... مِنْ مَيْتَةٍ أَكْلاً يَسُدُّ الرَّمَقَا
وَ مَيْتَتَانِ حَلَّتَا بِغَيْرِ شَكْ ... فِي حِلِّهَا وَ هْيَ الجَرَادُ وَالسَّمَكْ
وَ حُرِّمَتْ كُلُّ الدِّمَا لِمَا عُهِدْ ... فِي مَنْعِهَا إِلاَّ الطِّحَالَ وَ الكَبِدْ
باب الأضحية
يُسَنُّ لِلْمُكَلَّفِ الأُضْحِيَّهْ ... بِشَاةِ ضَأْنٍ أَكْمَلَتْ سُنَيَّهْ
أَوْ بِالثَّنِي مِنْ مَعِزٍ أَوْ مِنْ بَقَرْ ... كِلاَهُمَا فِي ثَالِثِ الأَعْوَامِ قَرْ
أَوْ إِبِلٍ وَ هْوَ الَّذِي قَدْ تَمَّ لَهْ ... مِنَ السِّنِينَ خَمْسَةٌ مُكَمَّلَهْ
وَ إِنْ تَكُنْ مِنْ إِبْلٍ أَوْ مِنْ بَقَرْ ... فَوَاحِدٌ عَنْ سَبْعَةٍ وَ لاَ ضَرَرْ(1/58)
وَ تُمْنَعُ العَوْرَاءُ وَ العَرْجَاءُ ... كَذَلِكَ العَجْفَاءُ وَ الجَرْبَاءُ
وَ كَوْنُ كُلٍّ بَيِّنًا بِهَا وَجَبْ ... فَلْيُغْتَفَرْ يَسِيرُهَا إِلاَّ الجَرَبْ
وَ ضَرَّ قَطْعُ أُذْنِهَا أَوِ الذَّنَبْ ... وَ لاَ يَضُرُّ الخَصْيُ أَوْ قَرْنٌ ذَهَبْ
وَ وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ رَكْعَتَيْنِ ... خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خُطْبَتَيْنِ
يُؤْتَى بِهَا قَصْدًا مِنَ الشُّرُوقِ ... مِنْ يَوْمِهَا لآخِرِ التَّشْرِيقِ
وَ سُنَّ عِنْدَ الذَّبْحِ أَنْ يُصَلِّيَا ... عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى مُسَمِّيَا
مُكَبِّرًا مُسْتَقْبِلاً مَعَ الدُّعَا ... للهِ فِي قَبُولِهَا تَضَرُّعَا
وَ البَيْعُ مِنْهَا لاَ يَجُوزُ مُطْلَقَا ... وَ أَوْجَبُوا فِي حَقِّهِ التَّصَدُّقَا
بِبَعْضِهَا وَ سُنَّ أَكْلُ مَا نَدَرْ ... وَ لاَ يَجُوزُ أَكْلُهُ مِمَّا نَذَرْ
باب العقيقة
وَ كُلُّ مَوْلُودٍ لَهُ العَقِيقَهْ ... عَلَى أَبِيهِ وَ هْيَ فِي الحَقِيقَهْ
شَاةٌ لِلأُنْثَى وَ اثْنَتَانِ لِلذَّكَرْ ... وَ الإِبْلُ أَوْلَى أَوَّلاً ثُمَّ البَقَرْ
تُطْبَخُ يَوْمَ سَابِعِ الوِلاَدَهْ ... لِلْفُقَرَا وَ غَيْرِهِمْ بِالعَادَهْ
وَ حُكْمُهَا وَ وَصْفُهَا كَالأُضْحِيَهْ ... وَ سُنَّ مَعْهَا حَلْقُهُ وَ التَّسْمِيَهْ
كتاب السبق و الرمي
عَلَى الدَّوَابِ تُنْدَبُ المُسَابَقَهْ ... وَ الرَّمْيُ أَيْضًا بِالسِّهَامِ المَارِقَهْ
إِنْ عَيَّنُوا الدَّوَابَّ وَ المَسَافَهْ ... وَ بَيَّنُوا فِي رَمْيِهِمْ أَوْصَافَهْ
كَالخَسْقِ أَوْ كَالمَرْقِ أَوْ قَرْعِ الغَرَضْ ... مَعْ عِلْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَدْرَ العِوَضْ
وَ كوْنِهِ مِنْ وَاحِدٍ لِيَدْفَعَهْ ... لِلْخَصْمِ إِنْ يَسْبِقْ وَإِلاَّ اسْتَرْجَعَهْ
أَوْ مِنْهُمَا مَعًا وَ لَكِنْ مَعْهُمَا ... مُحَلِّلٌ كُفْءٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
فَيَأْخُذُ المَالَيْنِ حَيْثُ يَسْبِقُ ... وَ لاَ يَكُونُ غَارِمًا إِذْ يُسْبَقُ(1/59)
كتاب الأيمان
لاَ يُعْقَدُ اليَمِينُ مَعْ أَدَاتِهِ ... إِلاَّ بِذَاتِ اللهِ أَوْ صِفَاتِهِ
كَقَوْلِهِ وَ اللهِ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا ... وَ كِبْرِيَاءِ اللهِ لاَ فَعَلْتُ ذَا
لَكِنْ لَهُ تَوْكِيلُ مَنْ عَدَاهُ ... فِي فِعْلِهِ وَ فِعْلِ مَا سِوَاهُ
وَ إِنْ يُوَكِّلْ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَبَرْ ... وَ الحِنْثُ فِي لَغْوِ اليَمِينِ مُغْتَفَرْ
وَ قَوْلُهُ وَ اللهِ لاَ أُحَدِّثُ ... زَيْدًا وَ عَمْرًا مُطْلَقَا لاَ يَحْنَثُ
مَا لَمْ يَكُنْ لاثْنَيْهِمَا قَدْ حَدَّثَا ... لاَ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَنْ يَحْنَثَا
وَ مَنْ بِمَالٍ لِلتَّصَدُّقِ الْتَزَمْ ... فَالوَاجِبُ التَّكْفِيرُ أَوْ مَا يُلْتَزَمْ
وَ الإِعْتِبَارُ بِاليَمِينِ الجَارِي ... مِنْ قَاصِدٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارِ
وَ أَلْزَمُوا ذَا الحِنْثِ فِي التَّكْفِيرِ ... مَا شَاءَ مِنْ ثَلاَثَةِ أُمُورِ
إِعْتَاقِ نَفْسٍ لَمْ تُعَيَّبْ مُؤْمِنَهْ ... فِي الفَوْرِ أَوْ إِطْعَامِ أَهْلِ المَسْكَنَهْ
هُمْ عَشْرَةٌ لِكُلِّ شَخْصٍ مُدَّ حَبْ ... أَوْ كَسْوَةٍ ثَوْبٌ لِكُلٍّ قَدْ وَجَبْ
إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَ إِلاَّ صَامَا ... لِعَجْزِهِ ثَلاَثَةً أَيَّامَا
باب النذر
نَذْرُ الجَزَا فَرْضٌ كَأَنْ يُعَلِّقَا ... صَلاَةً أَوْ صِيَامًا أَوْ تَصَدُّقَا
بِجَائِزٍ أَوْ طَاعَةٍ نَحْوُ الشِّفَا ... مِنْ سُقْمٍ أَوْ زِيَارَةٍ لِلْمُصْطَفَى
كَإِنْ شَفَانِي اللهُ مِنْ أَسْقَامِي ... أَوْ زُرْتُ طَهَ صُمْتُ نِصْفَ عَامِ
فَيَلْزَمُ المَنْذُورُ أَوْ مَا يَصْدُقُ ... عَلَيْهِ ذَاكَ الإِسْمُ حَيْثُ يُطْلَقُ
لاَ فِي حَرَامٍ نَحْوِ إِنْ جَنَيْتُ ... بِقَتْلِ زَيْدٍ صُمْتُ أَوْ صَلَّيْتُ
وَ لاَ مُبَاحٍ نَحْوِ ذَا الطَّعَامُ ... عَلَيَّ أَوْ هَذَا القَبَا حَرَامُ(1/60)
كتاب القضاء
عَلَى الإِمَامِ نَصْبُ قَاضٍ يَحْكُمُ ... بَيْنَ العِبَادِ وَ هْوَ حُرٌّ مُسْلِمُ
مُكَلَّفٌ عَدْلٌ بِسَمْعٍ وَ بَصَرْ ... وَ نُطْقٍ أَيْضًا مُتَيَقِّظٌ ذَكَرْ
وَ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا بِأَنْ عَرَفْ ... فِي النَّحْوِ وَ التَّصْرِيفِ وَ اللُّغَهْ طَرَفْ
وَ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَ الحَدِيثِ مَا ... يَدْرِي بِهِ أَحْكَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا
كَالنَّسْخِ وَالعُمُومِ وَالإِجْمَالِ ... مَعْ عِلْمِهِ بِطُرْقِ الاسْتِدْلاَلِ
وَ مَوْضِعِ الإِجْمَاعِ وَ الخِلاَفِ ... فَمِثْلُ هَذَا لِلْقَضَاءِ كَافِي
لاَ فَاسِقٍ إِلاَّ إِذَا وَلاَّهُ ... ذُو شَوْكَةٍ فُلْيُعْتَبَرْ قَضَاهُ
وَ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ وَسْطَ البَلَدْ ... وَ أَنْ يَكُونَ بَارِزًا لِمَنْ قَصَدْ
بِمَجْلِسٍ حَرًّا وَ بَرْدًا مُعْتَدِلْ ... مُتَّسِعٍ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ جُعِلْ
وَ لْيَسْوِ بَيْنَ صَاحِبَيْ خِصَامِ ... فِي اللَّحْظِ وَ الجُلُوسِ وَ الكَلاَمِ
وَ لَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ لِمَا حَصَلْ ... هَدِيَّةً مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ العَمَلْ
أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَهُمْ خُصُومَهْ ... أَوْ كَانَ فَوْقَ عَادَةٍ قَدِيمَهْ
وَ يُكْرَهُ القَضَاءُ حَالَةَ الغَضَبْ ... وَ الحَرِّ وَ البَرْدِ الشَّدِيدِ وَ التَّعَبْ
وَ الحُزْنِ وَ السُّرُورِ وَ الأَوْجَاعِ ... كَمَرَضٍ وَ شَهْوَةِ الجِمَاعِ
وَ فِي الظَّمَا وَ الجُوعِ وَ النُّعَاسِ ... وَ مَا يُسِيءُ خُلْقَهُ لِلنَّاسِ
وَ مَا لَهُ أَنْ يَسْأَلَ الَّذِي ادُّعِي ... عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ دَعْوَى المُدَّعِي
وَ لاَ لَهُ تَحْلِيفُهُ إِذَا نَكَلْ ... حَتَّى يَكُونَ المُدَّعِي فِي ذَا سَأَلْ
وَ لاَ يُلَقِّنْ حُجَّةً لِوَاحِدِ ... وَ لاَ لَهُ تَعَنُّتٌ فِي الشَّاهِدِ
بَلْ حَيْثُ مَا قَدْ أُثْبِتَتْ عَدَالَتُهْ ... بِأَنْ يُزَكَّى جُوِّزَتْ شَهَادَتُهْ(1/61)
وَ لَمْ تَجُزْ عَلَى عَدُوٍّ بَلْ لَهُ ... وَ عَكْسَهُ اجْعَلْ فَرْعَهُ وَ أَصْلَهُ
وَ يَحْكُمُ القَاضِي عَلَى مَنْ غَابَا ... لِلْجَحْدِ وَ لْيَكْتُبْ بِهِ كِتَابَا
يُنْهِي لِقَاضِي بَلْدَةِ المَطْلُوبِ ... مَا قَدْ جَرَى فِي ذَلِكَ المَكْتُوبِ
مَعْ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِالقَضَا ... وَ لْيَعْمَلِ الثَّانِي بِكُلِّ مَا اقْتَضَا
باب القسمة
وَ مَنْ دَعَى شَرِيكَهُ لِيَقْسِمَا ... مَالاً يَضُرُّ قَسْمُهُ فَلْيَقْسِمَا
بِقَاسِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرْ ... يَكُونُ عَدْلاً حَاسِبًا لاَ مَنْ كَفَرْ
فَإِنْ أَقَامَا قَاسِمًا لَمْ يَفْتَقِرْ ... فِي كَوْنِهَا صَحِيحَةً لِمَا ذُكِرْ
أَوْ كَانَ فِي المَقْسُومِ مَا يُقَوَّمُ ... فَبِاجْتِمَاعِ قَاسِمَيْنِ يُقْسَمُ
وَ بَعْدَ أَنْ تُعَدَّلَ الأَجْزَاءُ ... فَفِي رِقَاعٍ تُكْتَبُ الأَسْمَاءُ
تُدْرَجُ كُلُّ رُقْعَةٍ بِشَمْعَهْ ... وَ لْيُخْرِجُوا لِكُلِّ جُزْءٍ رُقْعَهْ
باب الدعوى
وَ المُدَّعِي إِنْ كَانَ مَعْهُ بَيِّنَهْ ... فَلْيَحْكُمِ القَاضِي لَهُ بِالبَيِّنَهْ
أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَحْلِفِ الَّذِي ادُّعِي ... عَلَيْهِ أَوْ يَرُدُّهَا لِلْمُدَّعِي
فَبِاليَمِينِ يَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَى ... وَ إِنْ أَبَى فَقَوْلُهُ لَنْ يُسْمَعَا
وَ لَوْ تَدَاعَى اثْنَانِ عَيْنًا مَعْهُمَا ... تَحَالَفَا وَ قُسِّمَتْ عَلَيْهِمَا
وَ إِنْ تَكُنْ مَعْ وَاحِدٍ فَقَطْ حُكِمْ ... لَهُ بِهَا مَعَ اليَمِينِ المُنْحَتِمْ
وَ مَنْ عَلَى أَفْعَالِ نَفْسِهِ حَلَفْ ... بَتَّ اليَمِينَ مُطْلَقًا كَمَا وَصَفْ
أَوْ فِعْلِ شَخْصٍ غًيْرِهِ فَإِنْ نَفَى ... كَفَاهُ نَفْيُ عِلْمِهِ إِذْ حَلَفَا(1/62)
باب الشهادات
وَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةٌ إِنْ لَمْ نَجِدْ ... مَعْهَا شُرُوطًا خَمْسَةً فِيمَنْ شَهِدْ
فَحَيْثُ كَانَ مُسْلِمًا مُكَلَّفَا ... وَ كَانَ حُرًّا ذَا عَدَالَةٍ كَفَى
وَ العَدْلُ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَهْ ... وَ لَمْ يَكُنْ مُلاَزِمًا صَغِيرَهْ
وَ لَمْ يَكُنْ ذَا بِدْعَةٍ بِهَا نُسِبْ ... لِلْفِسْقِ مَأْمُونَ الأَذَى إِذَا غَضِبْ
وَ تَرْكُهُ الرَّذَائِلَ المُسِيئَهْ ... بِمِثْلِهِ حِرْصًا عَلَى المُرُوءَهْ
فصل في الشهادات على حقوق الله و حقوق الإنسان
ثُمَّ الحُقُوقُ كُلُّهَا ضَرْبَانِ ... هُمَا حُقُوقُ اللهِ وَ الإِنْسَانِ
ثَانِيهُمَا ثَلاَثَةٌ أَشْيَاءُ ... فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ
فَكُلُّ مَا يَغْلِبُ فِي الرِّجَالِ ... وَ كَانَ مَقْصُودًا لِغَيْرِ المَالِ
كَالقَذْفِ وَ الطَّلاَقِ وَ الوِصَايَهْ ... وَ الجَرْحِ وَ التَّعْدِيلِ وَ الجِنَايَهْ
فَالشَّرْطُ فِي ثُبُوتِهِ عَدْلاَنِ ... لاَ بِالنِّسَا أَصْلاً وَ لاَ الأَيْمَانِ
وَ كُلُّ مَا يَطَّلِعُ الرِّجَالُ ... عَلَيْهِ وَ المَقْصُودُ مِنْهُ المَالُ
كَالبَيْعِ وَ الخِيَارِ وَ الإِقَالَهْ ... وَ الرَّهْنِ وَ الضَّمَانِ وَ الحَوَالَهْ
فَاثْنَانِ أَوْ ثِنْتَانِ مَعْ عَدْلٍ ذَكَرْ ... أَوِ اليَمِينُ بَعْدَ عَدْلٍ مُعْتَبَرْ
وَ كُلُّ مَا خَصَّ النِّسَا بِالعَادَهْ ... كَالحَيْضِ وَ الرَّضَاعِ وَ الوِلاَدَهْ
فَثَابِتٌ بِمَا مَضَى أَوْ أَرْبَعِ ... لاَ بِاثْنَتَيْنِ مَعْ يَمِينِ المُدَّعِي
أَمَّا حُقُوقُ اللهِ وَ هْيَ الأَوَّلُ ... فَلَيْسَ فِيهَا لِلنِّسَاءِ مَدْخَلُ
بَلِ الرِّجَالِ فَالزِّنَا بِأَرْبَعَهْ ... إِنْ شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ المُجَامَعَهْ
وَ غَيْرُهُ مِنَ الحُدُودِ اثْنَانِ ... وَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً كَالزَّانِي
لَكِنْ لِشَهْرِ الصَّوْمِ بِالهِلاَلِ ... عَدْلٌ رَآهُ لَيْلَةَ الكَمَالِ
فرع
إِنْ يَشْهَدِ الأَعْمَى بِشَيْءٍ لَمْ يَجِبْ ... فِي غَيْرِ خَمْسٍ وَ هْيَ مَوْتٌ وَ نَسَبْ
وَ المِلْكُ وَ الإِقْرَارُ مِمَّنْ لَزِمَهْ ... بِضَبْطِهِ إِلَى الأَدَا وَ التَّرْجَمَهْ
وَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ امْرِىءٍ بِجَرْ ... نَفْعٍ لَهُ أَوْ دَفْعِهَا عَنْهُ ضَرَرْ(1/63)
كتاب العتق
يَصِحُّ عِتْقُ مَالِكٍ مُكَلَّفِ ... حُرٍّ رَشِيدٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ
بِصِيغَةٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَهْ ... كَأَنْتَ حُرٌّ مُعْتَقٌ مَوْلاَيَهْ
وَ مَنْ لِبَعْضِ عَبْدِهِ قَدْ أَعْتَقَا ... سَرَى عَلَيْهِ فِي الجَمِيعِ مُطْلَقَا
أَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ مِلْكَهُ سَرَى ... أَيْضًا لِبَاقِي العَبْدِ حَيْثُ أَيْسَرَا
بِقِيمَةِ الشِّقْصِ الَّذِي قَدْ فَوَّتَهْ ... عَلَى الشَّرِيكِ وَ لْيُؤَدِّ قِيمَتَهْ
وَ كُلُّ عَبْدٍ صَارَ مِلْكَ أَصْلِهِ ... أَوْ فَرْعِهِ فَاحْكُمْ بِعِتْقِ كُلِّهِ
باب الولاء
ثُمَّ الوَلاَءُ حَقُّ كُلِّ مُعْتِقِ ... بِهِ يَصِيرُ عَاصِبًا لِلْمُعْتَقِ
مِنْ بَعْدِ كُلِّ عَاصِبٍ قَرِيبِ ... وَ حُكْمُهُ كَالإِرْثِ فِي التَّرْتِيبِ
وَ انْقُلْهُ بَعْدَ مُعْتِقٍ لِعَاصِبِهْ ... أَعْنِي بِهِ الذُّكُورَ مِنْ أَقَارِبِهْ
فَمُعْتِقٍ لِمُعْتِقٍ فَالعَاصِبِ ... بِنَفْسِهِ مُقَدَّمَ الأَقَارِبِ
وَ هَكَذَا كَإِرْثِهِمْ مِنَ النَّسَبْ ... أَيْ بِالجِهَاتِ أَوَّلاً ثُمَّ الرُّتَبْ
إِلاَّ أَخًا وَ ابْنَ أَخٍ فَقَدْ حَجَبْ ... كِلاَهُمَا عَنِ الوَلاَ جَدًّا لأَبْ
فَإِنْ فَقَدْتَ سَائِرَ المَوَالِي ... صَارَ الوَلاَ حَتْمًا لِبَيْتِ المَالِ
فَإِنْ يَكُنْ حُرًّا فَمُعْتِقُ الأَبِ ... فَعَاصِبٌ فَمُعْتِقٌ أَبَا الأَبِ
وَ هَكَذَا تَرْتِيبُ كُلِّ مَرْتَبَهْ ... وَ لَمْ يَجُزْ بَيْعٌ لَهُ وَ لاَ هِبَهْ
وَ تَنْقُصُ الأُنْثَى عَنِ الرِّجَالِ ... إِذْ لَمْ تُعَصِّبْ مُطْلَقًا بِحَالِ
بَلْ عَصَّبَتْ عَتِيقَهَا وَ المُنْتَمِي ... لَهُ بِقُرْبٍ أَوْ وَلاَءٍ فَافْهَمِ(1/64)
باب التدبير
وَ مَنْ يُعَلِّقْ عِتْقَ عَبْدٍ قَدْ مَلَكْ ... بِمَوْتِهِ فَعِتْقُهُ مَتَى هَلَكْ
مِنْ ثُلْثِهِ وَ قَبْلَهُ مُدَبَّرُ ... يُبَاعُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَ يُؤْجَرُ
إِذَا أَرَادَ السَّيِّدُ المَذْكُورُ ... فَإِنْ يُبَعْ فَلْيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ
وَ حُكْمُهُ مِنْ قَبْلِ مَوْتِ سَيِّدِهْ ... كَالقِنِّ فِي أَرْشٍ وَ كَسْبٍ فِي يَدِهْ
باب الكتابة
إِنْ يَسْأَلِ العَبْدُ الأَمِينُ المُكْتَسِبْ ... كِتَابَةً فَعَقْدُهَا لَهُ نُدِبْ
بِصِيغَةٍ وَ ذِكْرِ مَالٍ لأَجَلْ ... مَعْ عِلْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَدْرَ الأَجَلْ
وَ المَالِ أَيْضًا وَ لْيُنَجَّمْ فِي الأَدَا ... نَجْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً فَصَاعِدَا
وَ عَقْدُهَا مِنْ جَانِبِ المَوْلَى لَزِمْ ... فَلَمْ يُجَبْ لِفَسْخِهِ وَ إِنْ نَدِمْ
وَ جَائِزٌ مِنْ جَانِبِ المُكَاتَبِ ... فَفَسْخُهُ وَ العَجْزُ عَنْهُ مَا أُبِي
وَ حَيْثُ صَحَّتْ صَارَ مَعْ مَوْلاَهُ فِي ... كَسْبٍ وَ مَالٍ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ
مَا لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ تَبَرُّعُ ... أَوْ خَطَرٌ فَذَاكَ مِنْهُ يُمْنَعُ
وَ أَلْزَمُوا سَيِّدَهُ بِدَفْعِهِ ... جُزْءًا لَهُ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ وَضْعِهِ
وَ حَيْثُ أَدَّى العَبْدُ كُلَّ مَا بَقِي ... عَلَيْهِ بَعْدَ وَضْعِهِ فَلْيَعْتِقِ
باب أم الولد
وَمَنْ يَطَأْ قِنَّتَهُ فَتَحْبَلِ ... بِوَطْئِهِ أَوْ مَائِهِ المُسْتَدْخَلِ
تَصِرْ بِوَضْعِ حَمْلِهَا أُمَّ وَلَدْ ... إِنْ بَانَ خَلْقُ آدَمِيٍّ فِي الوَلَدْ
وَ بَعْدَ ذَا لِلسَّيِّدِ الإِجَارَهْ ... وَ الأَرْشُ وَ التَّزْوِيجُ وَ الإِعَارَهْ
وَ الوَطْءُ وَ اسْتِخْدَامُهَا بِلاَ شُبَهْ ... لاَ بَيْعُهَا وَ رَهْنُهَا وَ لاَ الهِبَهْ
وَ إِنْ تَلِدْ مِنْ غَيْرِهِ فَنَجْلُهَا ... مِنَ الزِّنَا أَوْ مِنْ نِكَاحٍ مِثْلُهَا(1/65)
أَوْ قِنَّةً لِغَيْرِهِ زَنَى بِهَا ... أَوْ فِي نِكَاحٍ فَابْنُهَا لِرَبِّهَا
أَوْ شُبْهَةٍ كَظَنِّهِ الزَّوْجِيَّهْ ... أَوْ غُرَّ فِي التَّزْوِيجِ بِالحُرِّيَّهْ
فَفَرْعُهُ حُرٌّ نَسِيبٌ غَرَّمَهْ ... قِيمَتَهُ فِي الحَالِ سَيِّدُ الأَمَهْ
وَ مَنْ يَطَأْ رَقِيقَةً مَنْكُوحَتَهْ ... أَوْ بِاشْتِبَاهٍ ثُمَّ صَارَتْ قِنَّتَهْ
فَالوَطْءُ لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدْ ... قَطْعًا وَ لاَ بِشُبْهَةٍ فِي المُعْتَمَدْ
وَ حَيْثُ أَثْبَتْنَا لَهُ إِيلاَدَهَا ... فَمَاتَ عَنْهَا بَلَغَتْ مُرَادَهَا
بِأَنْ يَزُولَ رِقُّهَا فَتُعْتَقَا ... قَبْلَ الوَصَايَا وَ الدُّيُونِ مُطْلَقَا
وَ تَمَّ نَظْمُ غَايَةِ التَّقْرِيبِ ... سَمَّيْتُهُ نِهَايَةَ التَّدْرِيبِ
أَبْيَاتُهُ أَلْفٌ وَ خَمْسُ أَلْفِ ... وَ زِدْ عَلَيْهَا رُبْعَ عُشْرِ الأَلْفِ
نَظْمُ الفَقِيرِ الشَّرَفِ العِمْرِيطِي ... ذِي العَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ وَ التَّفْرِيطِ
فَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَمَامِهِ ... ثُمَّ صَلاَةُ اللهِ مَعْ سَلاَمِهِ
عَلَى النَّبِيِّ وَ آلِهِ وَ صَحْبِهِ ... وَ التَّابِعِينَ ثُمَّ كُلِّ حِزْبِهِ(1/66)
أبيات سارت بها الركبان
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذه أبيات جرت بها الألسنة ، وتشنفت بها الآذان، وصارت كالأمثال شهرة، وكالنجوم ظهوراً ، أحببت أن أجمعها لتكون للمتأمل متعة، وللمعتزل أنساً ، وللعاقل عبرة، ففيها الحكمة الشاردة، والتجربة الواعية، والرأي السديد، وهي خيار من خيار، فقد تمر بي مئات البيات فلا أعجب ببيت واحد، وقد أقلب ديوان الشاعر كله فأخرج ببيت واحد يتيم؛ لأن الإبداع عزيز نادر في نتاج البشر؛ ولهذا قل الرواد، وشح الزمان من المبدعين ، ومع قصر العمر وكثرة المشاغل كان من الأحسن اختيار الأفضل واطراح المفضول، فخذ من العين نونها، ومن القلب سويداءه. ومع الأبيات الذائعة الشائعة.
أبيات سارت بها الركبان
إن كان عندك يا زمان بقية
مما يهان بها الكرام فهاتها
لها عين أصابت كل عين
وعين قد أصابتها العيون
ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط
عليك بغإلى دمعها لجمود
أعز مكان في الدنا سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
كذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم
أو سدوا المكان الذي سدوا
أضاعوني وأي فتي أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
هنيئاً مريئا غير داء مخامر
لعزة من أعراضنا ما استحلت!
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتقتنا بإليد
ومن كلمت فيه النهي لا يسره
نعيم ولا يرتاع للحدثان
خذا من صبا نجد أمانا لقلبه
فقد كاد رياها يطير بلبه !
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري!
يقولون لو سليت قلبك لارعوى
فقلت وهل للعاشقين قلوب!
يا قوم أذني لبعض الحى عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا!
يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهي
إليكم تلقى طيبكم فيطيب
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
إن رباً كفاك ما كان بالأمس
سيكفيك في غد ما يكون
دقات قلب المرء قائلة له:
إن الحياة دقائق وثواني!(1/1)
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا!
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
وإذا لثمن يمينه وخرجت من
أبوابه لثم الملوك يميني!
تفوح أطياب نجد من ثيابهم
عند القدوم لقرب العهد بالدار!
تمتع من شميم عرار نجد
فما بعد العشية من عن عرار
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكرته
كما المسك ما كررته يتضوع!
كأن قطاة علقت بجناحها
على كبدي من شدة الخفقان!
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها
عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا!
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله!
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
ومن نكد الدنيا على الحر أن يري
عدواً له ما من صداقته بد!
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
لا خيل عندك تهديا ولا مال
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال!
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام!
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والأقدام قتال!
إنا لفي زمن ترك القبيح به
من أكثر الناس إحسان وإجمال
فإن تفق الأنام وأنت منهم
فإن المسك بعض دم الغزال
قد يهون العمر إلا ساعة
وتضيق الأرض إلا موضعا!
هو الجد حتى تفضل العين أختها
وحتى يكون إليوم لليوم سيدا
فإنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا!
وليس على الأعقاب تدمي كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وبشرت آمالي بشخص هو الورى
ودار هي الدنيا ، ويوم هو الدهر
إذا اشتبكت دموع في خدود
تبين من بكى ممن تباكى!
ولست بمستبق أخاً لا تلمه
على شعث، أي الرجال المهذب؟!
وكيف تعلك الدنيا بشيء
وأنت لعله الدنيا طبيب؟!(1/2)
المجد عوفي إذا عوفيت والكرم
وزال عنك إلى أعدائك الألم!
لا يدرك المجد إلا سيد فطن
بما يشق على السادات فعال
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جبانا!
وإن لم تمت تحت السيوف مكرماً
تمت وتعاني الذل غير مكرم!
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
نسب كأن عليه من شمس الضحى
ألقاً ومن ضوء الصباح عمودا
كأنهم يردون الموت من ظمأ
أو ينشقون من الخطي ريعانا!
يستعذبون مناياهم كأنهم
لا يخرجون من الدنيا إذا قتلوا!
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم
قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا!
بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن
لأولهم في الجاهلية أول!
دار متى ما أضحكت في يومها
أبكت غداً قبحاً لها من دار!
السيف اصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب!
علو في الحياة وفي الممات
لحق أنت إحدى المعجزات!
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
أعياني كفا عن فؤادي فإنه
من الظلم سعي اثنين في قتل واحد!
إن كان سركم ما قال حاسدنا
فما لجرح إذا أرضاكم ألم!
ويقبح من سواك الفعل عندي
وتفعله فيحسن منك ذاكا!
أتي الزمان بنوه في شبيبته
فسرهم وأتيناه على هرم
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار!
أحرام على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس؟!
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال إليتامى عصمة للأرامل
ما في الخيام أخو وجد نطارحه
حديث نجد ولا خل نجاريه
أضاءت لهم أخلاقهم ووجوههم
دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
كفي بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
ثمن المجد دم جدنا به
فاسألوا كيف دفعنا الثمنا!
والمستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار!
كأن عينيك يوم الجزع تخبرنا
عن المحبين من أسماء قتلاك!
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم؟!(1/3)
لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
عن الطعام وتلهيها عن الزاد
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض
فحسبك مني ما تكن الجوارح
ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة
غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر!
ألا أيها الركب إليمانون عرجوا
علينا فقد أضحى هوانا يمانيا!
أحبك لا تفسير عندي لصبوتي
أفسر ماذا والهوى لا يفسر!
يا ليتها إذ فدت عمراً بخارجة
فدت علياً بمن شاءت من البشر!
والناس من يلق خيراً قائلون له
ما يشتهي، ولأم مع المستعجل الزلل
لا تغترر ببني الزمان ولا تقل
عند الشدائد لي أخ وحميهم
والناس أعوان من دالته دولته
وهم عليه إذا عادته أعوان
أولئك آبائي فجئتني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع!
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسلبك أو يتوجع
تعود بسط الكف حتى لو انه
أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء للمرء مذهب
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا
يقضي على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في الموطن الخشن
اعذر حسودك فيما قد خصصت به
إن العلا حسن في مثلها الحسد!
إذا كان هذا الدمع يجري صبابة
على غير سعدى فهو دمع مضيع
وما شرقي بالماء إلا تذكراً
لماء به أهل الحبيب نزول!
فبت كني ساورتني ضئيلة
من الرقش في أنيابها السم ناقع
وصدر أراح الليل عازب همه
تضاعف فيه الحزن من كل جانب
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع!
هم يحسدوني على موتي فوا أسفا
حتى على الموت لا أخلو من الحسد!
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير!
قد كنت أشفق من دمعي على بصري
فإليوم كل عزيز بعدكم هانا
إني وإن لمت حاسدي فما
أنكر أني عقوبة لهم
ومن العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر ويؤلم!
فما أطال النوم عمراً وما
قصَّرَ في الأعمار طول السهر(1/4)
وأنا الذي جلب المنية طرفه
فمن المطالب والقتيل القاتل؟!
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لا أتضعضع
فصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
جود الرجال من الأيدي وجودهم
من اللسان فلا كانوا ولا الجود!
جزى الله المسير اليك خيراً
وإن ترك المطايا كالمزاد!
كل الموارد غير النيل آسنة
وكل سوى البلقاء فيحياء
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم!
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
تلك المكارم لا قعبان من لبن
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
هم القوم إن قالوا أصابوا، وإن دعوا
أجابوا ، وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
يا قرة العين سل عيني هل اكتحلت
بمنظر حسن مذ غبت عن عييني؟!
ولي كبد مقروحة من يبيعني
بها كبداً ليست بذات قروح؟!
إذا هم ألقي بين عينيه همه
وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
سل الرماح العوإلي عن معإلينا
واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا؟
ما أقبح الصبر الجميل
بعاشقيك وأجملك!
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني
ألست أرى الأعضاء منك كواسيا؟!
وردنا على ماء العشيرة والهوى
على ملل، يا لهف نفسي على ملل!
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
وغصنك مياد ففيم تنوح؟!
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد
وخرب فأر عنوة سد مأرب
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك بالعبادة تلعب
ألا لا أري الأحداث مدحاً ولا ذماً
فما بطشها جهلاً ولا كفها حلما
تفت فؤادك الأيام فتا
وتنحت جسمك الساعات نحتا
أتياس أن تري فرجاً
فأين الله والقدر؟!
وما كل دار أقفرت دار عزة
ولا كل مصقول الترائب زينب!
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
جرت الرياح على محل ديارهم
فكأنهم كانوا على ميعاد
وما مشتت العزمات ينفق عمره
حيران لا ظفر ولا إخفاق
لشتات ما بين إليزيدين في الندى
يزيد بن عن عمرو والأغر بن حاتم
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
ولا موجعات القلب حتى تولت!
متى تأتيه تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نار عندها خير موقد(1/5)
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل على رقيب!
وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خيلى البإلي
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا!
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
لمعت نارهم وقد عسعس الليل
ومل الحادي وحار الدليل
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله!
اذكرونا مثل ذكرانا لكم
رب ذكرى قربت من نزحا
واعلم بأن عليك العار تلبسه
من عضة الكلب لا من عضة الأسد!
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متي أضع العمامة تعرفوني
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملاً
عن السماء ترجى حين تحتجب
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
من راقب الناس مات هماً
وفاز باللذة الجسور
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
ففي السماء نجوم لا عداد لها
وليس يكسف إلا الشمس والقمر
والحادثات وإن أصابك بؤسها
فهو الذي أنباك كيف نعيمها
ذكر الفتى عمره الثاني ، وحاجته
ما قاته، وفضول العيش أشغال
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
يا ظبية البان ترعى في خمائله
ليهنك إليوم أن القلب مرعاك!
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
وكل شديدة نزلت بقوم
سيأتي بعد شدتها رخاء
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
وإن يرق أسباب السماء بسلم
أري الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي مربض المستنفر الحامي
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها: إن الكرم قليل
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة(1/6)
على المرء من وقع الحسام المهند
بغاث الطير أكثرها فراحاً
وأم الصقر مقلاة نزور
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولن تلين إذا قومتها الخشب
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
ومن يجعل المعروف في غير أهله
يكن حمده ذماً عليه ويندم
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
من لم يمت عبطة يمت هرماً
للموت كأس والمرء ذائقها
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
نروح ونغدو لحاجاتنا
وحاجة من عاش لا تنقضي
ولم أر كالمعروف ، أما مذاقه
فحلو ، وأما وجهه فجميل
إذا كنت في حاجة مرسلا
فأرسل حكيماً ولا توصه
ومهما تكن عند امرئ من خليفة
وإن خالها تخفي على الناس تعلم
إذا لم يكن إلا السنة مركب
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
تعلم فليس المرء يولد عنالماً
وليس أخو علم كمن هو جاهل
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاقبه
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشف
له عن عدو في ثياب صديق!
وأعلم بأن من السكوت إبانة
ومن التكلم ما يكون خبالا
الصمت اجمل بالفتى
من منطق في غير حينه
يصاب الفتى من عثرة بلسانه
وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصدر الذي يستودع السر أضيق!
جراحات الطعان لها التئام
ولا يلتام ما جرح اللسان
وإن امرءا قد سار سبعين حجة
إلى منهل من وردة لقريب
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
بقدر الجد تكسب المعإلي
ومن رام العلا سهر الليإلي
تقفون والفلك المسخر دائر
وتقدون وتضحك الأقدار
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
غب وزر غباً تزد حباً فمن
أكثر الترداد أقصاه الملل
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى
ولا زاجرت الطير ما الله صانع(1/7)
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر!
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مراً به الماء الزلالا
ولبس عباءة وتقر عيني
أحب إلى من لبس الشفوف
ذهب الشباب فما له من عودة
وأتي المشيب فأين منه المهرب؟!
إذا غضبت عليك بنو تميم
حسبت الناس كلهم غضابا!
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلق كجلد الأجرب
لولا الحياء لعادني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
وكانت في حياتك لي عظات
فأنت إليوم أوعظ منك حيا
تعب كلها الحياة فما أعـ
ـجب إلا من راغب في ازدياد
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
قبيلة لا يغدرون بذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردل
ضدان لما استجمعا حسنا
والضد يظهر حسنه الضد
إذا اعتاد الفتي خوض المنايا
فأهون ما يمر به الوحول
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
وحب الجبان النفس أورده التقي
وحب الشجاع النفس أورده الحربا
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
من يفعل الخير لم يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت واي الناس تصفو مشاربه؟!
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيل من عل
نصحتك فالتمس يا ليث غيري
طعاماً إن لحمي كان مراً؟
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحسن حتى كاد أن يتكلما
ليلتي هذه عروس من الزنج
عليها قلائد من جمان
يا جارة الوادي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراك
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
أنا الذي نظر الأعمي إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
تسيل على حد الظبات نفوسنا
وليست على غير الظبات تسيل
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إنا لمن معشر أفني أوائلهم
قيل الكماة: ألا أين المحامونا؟!(1/8)
وما للمرء خير في حياة
إذا ما عد من سقط المتاع
أحلامنا تزن الجبال رزانة
وتخالنا جنا إذا ما نجهل
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وفيهم مقامات حسان وجوهها
وأندية ينتابها القول والفعل
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
محسدون على ما كان من نعم
لا ينزع الله منهم ما له حسدوا
أغر أبلج يستسقى الغمام به
لو صارع الناس عن أحلامهم صرعا
هينون لينون أيسار ذوو كرم
سواس مكرمة أبناء أيسار
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
ونشرب عن وردنا الماء صفواً
ويشرب غيرنا كدراً وطينا
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً
أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
قوم إذا الشر أبدي ناجذيه لهم
طاروا إليه زوافات ووحدانا
بانت سعاد فقلبي إليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يري بها الساري
بيض الوجوه نقية حجزاتهم
شم الأنوف من الطراز الأول
ساشكر عمراً إن تراخت منيتي
أيادي لم تمنن وإن هي جلت
لا يسالون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء(1/9)
الباب الأول : في الإلهيات
أحسن ما جاء نظماً في حمد الله، وذم الزمان قول ابن المعتز:
حمداً لربي وذماً للزمان فما ... أقل في هذه الدنيا مسراتي
وقول مؤلف الكتاب:
حمدت إلهي والزمان ذممته ... فقد طالما أغرى بقلبي البلابلا
وعندي من لؤم الزمان رقائق ... أعد لها من فضل ربي جلائلا
من أحسن ما قيل في الشكر لله على نعمته قول محمود:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا عم بالسراء عم سرورها ... وخص بالضراء أعقبها الأجر
ومن أحسن ما قيل في ذلك أيضاً قول صالح بن عبد القدوس:
لله أحمد شاكراً ... فبلاؤه حسنٌ جميل
أصبحت مسروراً معا ... فى بين أنعمه أجول
خلواً من الأحزان خ ... فَّ الظهر يقنعني القليل
حراً فلا منن لمخ ... لوقٍ ولا أصل أصيل
سيان عندي ذو الغنى ال ... متلاف والمثري البخيل
ونفيت بالياس المنى ... عني فطاب لي القليل
والناس كلهم لمن ... خفت مؤونته خليل
ومن أحاسن محمود في ذلك قوله:
فلو كان يستعلي على الشكر ماجد ... لعزة نفس أو علو مكان
لما أمر الله الحكيم بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان
ومن أحاسن البحتري قوله:
ما أضعف الإنسان لولا قوة ... في رأيه وأصالة في لبه
من لا يقوم بشكر نعمة خله ... فمتى يقوم بشكر نعمة ربه
ومن أحسن ما قيل:
كم نعمة لا يستقل بشكرها ... لله في طي المكاره كامنه
ومن أحسن ما سمعته في التوحيد قول "أبي العتاهية":
أيا عجباً كيف يعصى الإ ... ه أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ولله في كل تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبداً شاهد
ومن أحاسن أبي الفتح البستي قوله:
كل من يرتقي إليه بوهم ... من جلال وقدرة وسناء
فالذي أبدع البرية أعلى ... منه سبحان مبدع الأشياء
ومن أحسن ما قيل في الاستغناء بالله عن غيره قول محمود:
لا تخضعن لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإن ذلك وهنٌ منك في الدين(1/1)
واسترزق الله مما في خزائنه ... فإن ذلك بين الكاف والنون
وأحسن منه قول عبد الصمد، وهو من قلائده:
تكلفني إذلال نفسي لعزها ... وهان عليها أن أهان وتكرما
تقول سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه رب يحيى ابن أكثما
وأحسن منه قول ابن المعتز:
دع الناس إذ طالما أتعبوك ... وأد إلى الله وجه الأمل
ولا تطلب الرزق من طالبي ... ه واطلبه ممن به قد كفل
ومن أحاسن ما قيل في التوكل على الله قول عبد الله:
هو الصبر والتسليم لله والرضا ... إذا نزلت بي خطة لا أشاؤها
إذا نحن أبنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمراً فخاب رجاؤها
فأنفسنا خير الغنيمة إنها ... تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها
ومن أحسن ما قيل فيه قول بعضهم:
توكل على الله في النائبات ... ولا تبغ فيها سواه بديلا
وثق بجميل صنيع الإله ... فما عوَّد الله إلا جميلا
وقول الآخر:
أحسن الظن بمن قد عودك ... كل إحسان وسوى أودك
إن رباً كان يكفيك الذي ... كان بالأمس سيكفيك غدك
فصل
في الثناء على الله تعالى عند وصف الأشياء الحسنة
من أحسن ما قيل في النرجس قول أبي نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات ... بأحداق كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهداتٌ ... بأن الله ليس له شريك
ومن أحسن ما قيل في استحسان الصورة قول ابن سكرة:
وشادن ما رأيت طلعته الزْ ... زَهراء إلا شككت في القمر
كم قلت لما رأيت صورته ... تبارك الله خالق الصور
ومن أحسن ما قيل في آثار الربيع قول بعضهم:
اربأ بربع للربيع وكن له ... ضيفاً تكن ندماءك الأنوار
من قانئ في ناضر في فاقع ... في ناصع صباغها الجبار
ومن أحسن ما قيل في الإلهيات قول محمود:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعمته ... إن المحب لمن أحب مطيع
وقول ابن الرومي:
أمن ضيق مثوى المرء في بطن أمه ... إلى ضيق مثواه من القبر يسلم
ولم يلق بين الضيق والضيق فسحة ... أبى ذاك أن الله بالعبد أرحم
إذا كان غير الله للمرء عدة ... أتته الرزايا من وجوه الفوائد
وقول مؤلف الكتاب:
إليك المشتكى لا منك ربي ... وأنت لنائبات الدهر حسبي
تروي غلتي وترم حالي ... وتؤمن روعتي وتزيل كربي(1/2)
الباب الثاني: في النبويات
فصل في ذكر آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله
يا ساهراً يرنو بعيني راقد ... ومشاهداً للأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز العابد
أنسيت أن الله أخرج آدماً ... منها إلى الدنيا بذنب واحد
وقول أبي نواس:
عجبت من إبليس في لعنته ... وخبث ما أظهر من نيته
تاه على آدم في سجدته ... فصار قواداً لذريته
وقول السري:
من ذم إدريس في قيادته ... فإنني حامد لإدريس
كلم لي عاصياً فكان له ... أطوع من آدم لإبليس
وكان في سرعة المجيء به ... آصف في حمل عرش بلقيس
فصل في ذكر نوح عليه السلام
قال (الصولي) في كتاب الوزراء: كان أول ما ارتفع به أمر أحمد بن يوسف أن المخلوع لما قتل، أمر طاهر بن الحسين الكتاب أن يكتبوا بذلك إلى المأمون، فأطالوا، فقال طاهر: أريد أحسن من هذا كله وأوجز، فوصف له أحمد بن يوسف فأمر بإحضاره، فحضر وكتب ما هو أحسن في معناه: أما بعد فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة،فقد فرق كتاب الله بينهما في الولاية والحرمة، فيما قص علينا من نبأ نوح وابنه، حيث قال تعالى: (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) ولا صلة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت في ذات الله، وكتب إلى أمي المؤمنين وقد قتل الله المخلوع ورداه رداء النكبة،ووجهت إلى أمير المؤمنين الدنيا والآخرة، أما الدنيا فراس المخلوع، وأما الآخرة فالبردة والقضيب، فالحمد لله الآخذ له ممن خان عهده، ونكث على عقده، حتى رد لأمير المؤمنين الألفة، وأقام به الشريعة، فرضي ذلك وأنفذه، فوصل أحمد بن يوسف، وعلا قدره، حتى استوزره المأمون.
قال مؤلف الكتاب: وقد قال الأول:
كانت مودة سلمان لنا نسباً ... ولم يكن بين نوح وابنه نسب(1/3)
فصل: في ذكر إبراهيم عليه السلام
أحسن ما سمعت في عيادة الرؤساء من وجع القدم قول بعضهم:
كيف نال العثار من لم يزل من ... ه مقيل في كل خطب جسيم
أو ترقى الأذى إلى قدم لم ... يخط إلا إلى مقام كريم
كمقام النبي أحمد أو مث ... ل مقام الخليل إبراهيم
فصل: في ذكر يعقوب ويوسف عليهما السلام
أحسن ما سمعته في براءة الساحة قول أبي طالب:
وعصبة بات فيها الغيظ متقداً ... إذ شدت لي فوق أعناق العدا رتبا
فكنت يوسف والأسباط هم وأبو ال ... أسباط أنت ودعواهم دماً كذبا
ومن أحسن ما سمعت في حسن عاقبة المحبوس قول البحتري:
أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوساً على الضيم والإفك
أقام جميل الصبر في السجن مدة ... فآض به الصبر الجميل إلى الملك
فصل: في ذكر موسى عليه السلام
لم أسمع أحسن على القبح من قول العلوي في هجائه لابن رستم وهو أحمد بن محمد بن إسماعيل:
جئت فرداً بلا أب وبيمنا ... ك بياض فأنت عيسى وموسى
من أحسن ما قيل قول أبي نواس:
أيا من ليس يكفيها خليل ... ولا ألفا خليل كل عام
لأنت بقية من قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام
فصل: في ذكر داود وسليمان عليهما السلام
من أحسن ما قيل في الاستعطاف قول الشاعر:
ألان لداود الحديد بقدرة ... إله على تليين قلبك قادر
ومن أحسن ما قيل في رفع الأعداء رؤوسهم عند موت من كان يقمعهم، قول ابي القاسم بن العلا في مرثية الصاحب:
قام السعاة وكان الخوف أقعدهم ... واستيقظوا بعد أن نام الملاعين
لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا ... مضى سليمان فانحل الشياطين
فصل: في ذكر عيسى عليه السلام
من أحسن ما قيل في قصد مقصود وترك خير منه، قول الطبري:
وما كنت في تركيك إلا كتارك ... طهوراً وراض بعده بالتيمم
وذي علة يأتي عليلاً ليشتفي ... به وهو جار للمسيح بن مريم
ومن أحسن ما قيل في الحركة والطلب قول بعضهم:
توكل على الرحمن في طلب العلا ... ودع عنك قول الناس في تركك الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجزع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها ... جنته ولكن كل شيء له سبب
ومن أحسن ما قيل في هجو الدعي قول الصاحب:
رأيت لبعض الناس فضلاً إذا انتمى ... يقصر عنه فضل عيسى بن مريم
عزوه على تسع وتسعين والد ... وليس لعيسى والد حين ينتمي
فصل: في ذكر النبي المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام
أحسن ما قيل في ارتفاع الأب بابنه قول ابن الرومي:
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول الله عدنان(1/4)
الباب الثالث : في الملوكيات
من أحسن ما قيل في أمثال الملوك قول ابن نباتة لصمصام الدولة في ملك من ملوك آل بويه:
أحسد قوماً عليك قد غلبوا ... وكل من بادر المنى غلبا
وكنت كالكرم في تكرمه ... تلتف أوراقه بما قربا
ومن أحاسن ذلك قول إبراهيم بن العباس، مثل أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلاً، ثم وقعوا منه، فكان أبعدهم في الرقي أقربهم من التلف.
وقال مؤلف الكتاب: ينبغي أن يكون الملك كالغيث يحيي إذا همى، والسيل يردي إذا طمى، والبدر يهدي إذا سما، والدهر يصمي إذا رمى.
ومن أحسن ما قيل في الانزعاج من غضب الملوك قول النابغة:
نبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
ومن أحاسن الأشعار الملوكية قول سلم بن عمرو في الرشيد:
ملك كان الشمس فوق جبينه ... متهلل الإمساء والإصباح
فإذا حللت ببابه وفنائه ... فانزل بسعد وارتحل بنجاح
وقول مسلم بن الوليد في الرشيد أيضاً:
بأبي وأمي أنت ما أندى يداً ... وأبر ميثاقاً وما أزكاكا
يغدو عدوك خائفاً فإذا رأى ... أن قد قدرت على العقاب رجاكا(1/5)
الباب الرابع: في الإخوانيات
من أحاسن أبي تمام قوله في مخالطة الإخوان:
ذو الود مني وذو القربي بمنزلة ... وإخوتي أسوة عندي فإخواني
عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني
أرواحنا في مكان واحد وغدت ... أبداننا بشآمٍ أو خراسان
وأحسن منه قول عبد الله بن طاهر:
أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأقضي للصديق على الشقيق
وإن ألفيتني ملكاً مطاعاً ... فإنك واجدي عبد الصديق
ومن أحسن ما قيل في قبول عذر الإخوان قول ابن نباتة:
وكنت إذا ما حاجة حال دونها ... نهار وليل ليس يعتذران
تحملت في حكم القضاء ملامها ... ولم ألزم الإخوان ذنب زماني
ومن أحسن ما قيل في مدح الإخوان قول زياد الأعجم:
أخ لي ما أراه الدهر إلا ... على العلات بساماً جوادا
سألناه الجزيل فما تلكى ... وأعطى فوق منيتنا وزادا
وأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عاودنا فعادا
مراراً ما أعود غليه إلا ... تبسم ضاحكاً وثنى الوسادا
وقول منصور الفقيه:
أخ لي عنده أدب ... مودة مثله نسب
رعى لي فوق ما يرعى ... وأوجب فوق ما يجب
فلو سبكت خلائقه ... لبهرج عندها الذهب
وقول أبي الفتح البستي في المؤلف لهذا الكتاب:
بنفسي أخ نفسه أمة ... وتدبيره في الوغى فيلق
أخ باب إحسانه مطلق ... وباب إساءته مغلق
كريم السجايا فلا رأيه ... بهيم ولا خلقه أبلق
محمد أنت قوى ناظري ... فكيف إذا غبت لا أقلق
رهنتك قلبي وحكم القلوب ... إذا رهنت أنها تغلق
ومن أحسن ما قيل في شكاية الإخوان قول بعضهم:
من رأى في الأنام مثل أخ لي ... كان عوني على الزمان وخلي
رفعته حال فحاول حطي ... وأبى أن يعز إلا بذلي
وقوله أيضاً:
وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا
وكنت أذم إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائبات ... فها أنا أطلب منك الأمانا
ومن أحسن ما قيل في عتاب الملول قول الساشي:
إذا أنا عاتبت الملول فإنما ... أخط بأقلامي على الماء أحرفا
وهبه ارعوى بعد العتاب ألم يكن ... تودده طبعاً فصار تكلفا
ومن أحسن ما قيل في وجوب العتاب قول ابن الرومي:
يا أخي أين ريع ذاك الإخاء ... أين ما كان بيننا من صفاء(1/6)
أنت عيني وليس من حق عيني ... غض أجفانها على الأقذاء
ومن أحسن ما قيل في العتاب على الحجاب قول ابن عيينة:
إني أتيتك للسلام ولم ... أنقل إليك لغيره رحلي
فحجبت دونك مرتين وقد ... تشتد واحدة على مثلي
ومما يستظرف في معنى الحجاب وذم البواب قول بعضهم:
ولقد رأيت بباب دارك جفوة ... فيها لحسن صنيعكم تكدير
ما بال دارك حين تدخل جنة ... وبباب دارك منكر ونكير
وأحسن ما قيل في العتاب:
يا ذا الذي جعل القطيعة دأبه ... إن القطيعة موطئ للريب
إن كان ودك في الطوية كامناً ... فاطلب صديقاً عالماً بالغيب
وأحسن ما قيل في ترك العتاب:
أقلل عتاب من استربت بوده ... ليست تنال مودة بقتال
وأحسن ما قيل في ذم الأخوان وذم الاستكثار منهم قول العطوي:
لم أجد كثرة الأخلاء إلا ... تعب النفس في قضاء الحقوق
فاصرف الود عن كثير من النا ... س فما كل من ترى بصديق
وقول ابن الرومي:
عدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب
ومن أظرف ما قيل في هذا الفصل قول بعضهم:
ألا إن إخواني الذين عهدتهم ... أفاعي رمال لا تقصر في لسعي
ظننت بهم خيراً فلما بلوتهم ... حللت بواد منهم غير ذي زرع
ومن أحسن ما قيل في الشوق والفراق قول أبي عيينة:
جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالروح في غربة والجسم في الوطن
فليعجب الناس مني أن لي بدناً ... لا روح فيه ولي روح بلا بدن
وقول كشاجم:
قلت وقالوا: بان إخوانه ... فأبدلوه البعد بالقرب
والله ما شطت نوى صاحب ... سار من العين إلى القلب
ومن أحاسن أبي تمام قوله في افتراق الشمل:
بالشام قومي وبغداد الهوى وأنا ... بالرقمتين وبالقسطاط إخواني
وما أظن النوى ترضى بما صنعت ... حتى تشافه لي أقصى خراسان
ومما لا يزيد على حسنه قول بعض المولدين:
خطرات ذكرك تستبين مودتي ... فأحس منها في الفؤاد دبيبا
لا عضو لي إلا وفيه صبابة ... فكان أعضائي خلقن قلوبا(1/7)
ومن أحسن ما قيل في العيد عند مفارقة الإخوان قول أبي الفرج الشامي:
من سره العيد فما سرني ... بل زاد في شوقي وأحزاني
لأنه ذكرني ما مضى ... من عهد أحبابي وإخواني
ومما يستظرف في تشوق الإخوان قول ابن طباطبا العلوي:
نفسي الفداء لغائب عن ناظري ... ومحله في القلب دون حجابه
لولا تمتع ناظري بلقائه ... لوهبته لمبشري بإيابه
وكتب أبو الفتح البستي لمؤلف الكتاب:
إذا نسي الناس أهل الوداد ... وخان المودة خوانها
فعندي لإخواني الغائبين ... صحائف ذكرك عنوانها
ومن أحاسن إخوانياته قوله:
بأبي إخوة ترحلت عنهم ... فترحلت عن سروري وانس
فارقوني فأرقوني واذكوا ... شعلة الوجد في خواطر نفسي
ومن أحسن ما قيل في الزيارة والاستزارة قول العباس بن الأحنف:
نزوركم لا نكافيكم بجفوتكم ... إن المحب إذا لم يستزر زارا
يقرب الشوق داراً وهي نازحة ... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
ومن أحسن ما قيل في إعلال الزيارة قول ابن المعتز:
ليت شعري أفي المنام أراه ... قمراً زارني على غير وعد
صار ترب الطريق مسكاً وكافو ... راً حصاها وماؤها ماء ورد
ومن أحسن ما قيل فيه أيضاً:
خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولىً تمشى إلى عبد
أتى زائراً من غير وعد وقال لي: ... أصونك من تعليق قلبك بالوعد
ومن أحسن ما قيل في خفة الزيارة قول كشاجم:
بأبي وأمي زائر متقنع ... لم يخف ضوء البدر تحت قناعه
لم أستتم عناقه لقدومه ... حتى ابتدأت عناقه لوداعه
ومن أحسن ما قيل في زيارة المحب قول بعضهم:
أرى الرجل قد تسعى إلى من تحبه ... وما الرجل إلا حيث يسعى بها القلب
وأحسن ما قيل في إقلال الزيارة:
عليك بإقلال الزيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت القطر يسأم دائماً ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وفي ترك الزيارة مع المودة قول بعضهم:
إن التباعد لا يضرْ ... رُ إذا تقاربت القلوب
ومن أحسن ما قيل في منع المطر الزيارة قول أبي حفص:(1/8)
حكت السماء ندى يدي ... ك فلم أطق سعياً إليكا
وحكيتها يا سيدي ... بالدمع من أسفي عليكا
وقول أبي العسقلاني:
حال بيني وبين بابك حالا ... ن وحول وقرب عهد عهاد
فكأن الوحول ليل محب ... وكأن السماء كف جواد
وفي اتصال الندى قول الحسن بن وهب:
يوجب العذر في تراخي اللقاء ... ما توالى من هذه الأنداء
فسلام الإله أهديه مني ... كل يوم لسيد الوزراء
لست أدري ماذا أذم وأشكو ... من سماء تعوقني عن سماء
غير أني أدعو على تلك بالصح ... و وأدعو لهذه بالبقاء
ومن أظرف ما قيل في الاستزارة قول أبي الفتح البستي:
عندي فديتك سادة أحرار ... وقلوبهم شوقاً إليك حرار
وشرابنا شرب العلوم وروضنا ... نزه الحديث ونقلنا الشعار
فامنن علينا بالبدار فإنما ... أعمار أوقات السرور قصار
وقوله أيضاً:
لقاؤك يدني لي المرتجى ... ويفتح باب الهوى المرتج
فأسرع إلينا ولا تبطئن ... فإنا صيام إلى أن تجي(1/9)
الباب الخامس : في الأدبيات
من أحسن ما قيل في القلم قول أبي الفتح البستي:
إذا افتخر الأبطال يوماً بسيفهم ... وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب فخراً ورفعةً ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وقول الآخر:
وأخرس ينطق بالمحكمات ... وجثمانه صامت أجوف
بمكة ينطق في خفيةٍ ... وبالصين منطقه يعرف
ولم أسمع في حسن الخط أحسن من قول أبي إسحاق:
وكم من يدٍ بيضاء حازت جمالها ... لك لا تسود إلا من النقس
إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس
وقوله أيضاً في المهلبي الوزير:
وإذا استنطق الأنامل جاءت ... ببيانٍ كالجوهر المنضود
في سطورٍ كأنها نشرت يم ... ناه عصائباً من برود
فقر لم يزل فقيراً إليها ... كل مبدي بلاغةً ومعيد
ببيانٍ شافٍ ولفظٍ مصيبٍ ... واختصارٍ كافٍ ومعنىً سديد
وقوله أيضاً"
له يدُ برعت جوداً بنائلها ... ومنطقُ دره في الطرس ينتثر
فحاتم كامن في بطن راحتها ... وفي أناملها سحبان مستتر
ومن ملح أبي الفتح البستي:
بنفسي من أهدى إلى كتابه ... فأهدى لي الدنيا مع الدين في درج
كتابٌ معانيه خلال سطوره ... لآلئ في درجٍ، كواكب في برج
وقوله أيضاً:
كتابك سيدي أجلى همومي ... وحل به اغتباطي وابتهاجي
كتابٌ في سرائره سرورٌ ... مناجيه من الأحزان ناج
فكم معنىً بديعٍ درج لفظٍ ... هناك تزاوجا أي ازدواج
كراحٍ في زجاجٍ بل كروحٍ ... سرت في جسم معتدل المزاج
وقوله أيضاً:
لما أتاني كتابٌ منك مبتسمٌ ... عن كل بر وفضلٍ غير محدود
حكت معانيه في أثناء أسطره ... آثارك البيض في أحوالي السود
ومن أحاسن ما قيل في وصف الكلام الحسن قول إبراهيم الأصبهاني:
إذا ارتجل الكلام بدا خليجٌ ... يقيه بمده بحر الكلام
كلامٌ بل مدامٌ بل نظامٌ ... من الياقوت بل حب الغمام
وقول أبي إسحاق للمهلبي الوزير:
لك في المحافل منطقٌ يشفي الجوى ... ويسوغ في أذن الأديب سلافه
فكأن لفظك لؤلؤٌ متنخلٌ ... وكأنما آذاننا أصدافه
وقول مؤلف الكتاب للأمير أبي الفضل الميكالي:
سبحان ربي تبارك الله ما ... أشبه بعض الكلام بالعسل
والدر والسحر والرقى وابنة ال ... كرم وحلي اللسان والحلل
مثل كلام الأمير سيدنا ... نظماً ونثراً يسير كالمثل
وقوله للمؤلف:
إني أرى ألفاظك الغرا ... عطلت الياقوت والدرا
لك الكلام الحر يا من غدت ... أفعاله تستعبد الحرا
وأبدع ما قيل في ذم القلم قول ابن المعتز:
وأجوف مشقوقٍ كأن سنانه ... إذا استعجلته الكف منقار لاقط
وتاه به قومٌ فقلت رويدكم ... فما كاتبٌ بالكف إلا كشارط
وأحسن ما قيل في ذم الكتاب:
تعس الزمان فقد أتي بعجاب ... ومحا رسوم الظرف والآداب
وأتي بكتابٍ لو انطلقت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
وقول بعض كتاب بخارا:
وكاتبٍ كتبته تذكرني ال ... قرآن حتى أظل في عجب
فاللفظ قالوا قلوبنا غلفٌ ... والخط تبت يدا أبي لهب
ومن أحسن ما قيل في مدح الشعر قول أبي تمام:
إن القوافي والمساعي لم تزل ... مثل النظام إذا يكون فريدا(1/10)
هي جوهرٌ نثرٌ فإن ألفته ... بالشعر صار قلائداً وعقودا
ومن أحسن ما قيل في وصف الشاعر شعره قول بعضهم:
شغلتك عن حسن السماع مدائحٌ ... حسنت فما تنفك تطرب سامعا
طلعت عليك أبا الفوارس أنجمٌ ... منهن يخجلن النجوم طوالعا
جاءتك مثل بدائع الوشي الذي ... ما زال في صنعاء يتعب صانعا
أو كالربيع يريك أخضر ناضراً ... ومورداً شرقاً وأصفر فاقعا
وأحسن ما قيل في شرف الشاعر:
إن أكن مهدياً لك الشعر إنا ... لأناسٌ تهدى لنا الأشعار
غير إني أراكم أهل بيتٍ ... ما على المرء إن تسودوه عار
ومن أحسن ما قيل في ذم الشاعر:
أنت ببين اثنتين تبرز للنا ... س وكلتاهما بوجه مذال
لست تنفك طالباً لوصالٍ ... من حبيبٍ أو طالباً لنوال
وقول أبي عثمان الخالدي:
شعر عبد السلام فيه رديءٌ ... ومحالٌ وساقطٌ وبديع
فهو مثل الزمان إذ فيه صيفٌ ... وخريفٌ وشتوةٌ وربيع
وللقاضي أبي الحسن الجرجاني في الأستاذ الطبري:
لو نفضت أشعاره نفضةً ... لانتشرت تطلب أصحابها
* * *
الباب السادس: في الخمريات
من أحسن ما قيل في الاستظهار على الزمان ودفع الهموم بالراح قول المأمون:
أما ترى الدهر ما تفنى عجائبه ... والدهر يخلط ميسوراً بمعسور
وليس للهم إلا كل صافيةٍ ... كأنها دمعةٌ من عين مهجور
وقول ابن المعتز:
سلط على الأحزان بنت الدنان ... وارحل إلى السكر برطلٍ وثان
وهاتها بنت يهوديةٍ ... سحارةٍ تحكم عقد اللسان
نعم قرى السمع على شربها ... نفخ المزامير وعزف القيان
ومن أحسن ما قيل قول ابن الرومي:
واله ما أدري لأية علةٍ ... يدعونها في الراح باسم الراح
ألريحها أم روحها تحت الحشا ... أم لارتياح نديمها بالراح
ومن قلائد أبي نواسٍ قوله:
تمتع من شرابٍ ليس يبقى ... وصل بعرى الغبوق عرى الصبوح
ألم ترني أبحت الراح عرضي ... وعض مراشف الظبي المليح
فإني عالمٌ أن سوف تنأى ... مسافة بين جثماني وروحي
ومن أحسن ما قيل في رقتها وصفائها قول الصاحب:(1/11)
رق الزجاج وراقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمرٌ ولا قدحٌ ... وكأنما قدحٌ ولا خمر
ومن أحسن ما قال ابن المعتز:
وندمانٍ سقيت الراح صرفاً ... وافق الصبح مرتفع السجوف
صفت وصفت زجاجتها عليها ... كمعنىً دق في ذهنٍ لطيف
ومن غرر أبي عثمان الخالدي قوله:
هتف الصبح بالدجى فاسقنيها ... قهوةً تترك الحليم سفيها
ليس يدرى لرقةٍ وصفاءٍ ... هي في كأسها أم الكأس فيها
ومن أحسن ما قيل في شعاعها على يد الساقي قول التنوخي:
وراحٍ من الشمس مخلوقةٌ ... بدت لك في قدحٍ من نهار
كأن المدير لها باليمين ... إذا جال للسقي أو باليسار
تدرَّع ثوباً من الياسمين ... له فرد كمٍ من الجلنار
وقول السري الموصلي:
وبكرٍ شربناها على الورد بكرةً ... فكانت لنا ورداً إلى صحوة الغد
إذا قام مبيض اللباس يديرها ... توهمته يسعى بكمٍ مورد
ولأبي القاسم الحريري في رقتها:
قم غلامي وهات كاس رضاب ال ... كرم من فيك مازجاً برضاب
من شاربٍ كأنه في القواري ... ر شهابٌ ممثلٌ في سراب
ليس يدري إذا تناوله الشا ... رب يجلى لأعين الشراب
أشرابٌ ممثلٌ في زجاجٍ ... أم زجاجٌ ممثلٌ في شراب
ومن غرر ابن المعتز:
وخمارةٍ من بنات اليهود ... ترى الزق في بيتها شائلا
وزنا لها ذهباً جامداً ... فكالت لنا ذهباً سائلا
وقوله أيضاً:
من لي على رغم العذول بقهوةٍ ... بكرٍ ربيبة حانةٍ عذراء
موجٍ من الذهب المذاب يضمه ... كأسٌ كقشر الدرة البيضاء
وقوله أيضاً:
يا نديمي عاطياني فقد لا ... ح صباحٌ وأذن الناقوس
من كميتٍ كأنه أرض تبرٍ ... في نواحيه لؤلؤٌ مغروس
ومما يستحسن للنظام قوله:
ما زلت آخذ روح الزق في لطفٍ ... وأستبيح دماً من غير مجروح
حتى انتشيت ولي روحان في بدني ... والزق مطرحٌ جسمٌ بلا روح
وأحسن ما قيل في المطبوخ قول بعضهم:
وراح عذبتها النار حتى ... وقت شرابها نار العذاب
يذيب الهم قبل الشرب لون ... لها في مثل ياقوت مذاب(1/12)
وفي ضده للسري الموصلي:
هات التي تورث شرابها ... غداً بيوم الحشر أوزارا
ومن أحسن ما قيل في مزج الشراب قول أبي تمام:
عنبية ذهبية سبكت لها ... ذهب المعاني صاغة الشعراء
فكأنها وكأن بهجة كأسها ... نار ونور قيدا بوعاء
صعبت فراض المزج سيء خلقها ... فتعلمت من حسن خلق الماء
وقول الآخر وهو متنازع:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجسٍ وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفاً فسلطوا ... عليها مزاجاً فاكتست لون عاشق
ومن أحاسن ابن المعتز قوله:
وأمطر الكأس ماء من أبارقه ... عليها مزاجاً فاكتست لون عاشق
ومن أحاسن ابن المعتز قوله:
وأمطر الكأس ماءً من أبارقه ... فانبت الدر في أرضٍ من الذهب
وسبح القوم لما أن رأوا عجباً ... نوراً من الماء في نارٍ من العنب
ومن أحسن ما قيل قول الدمشقي:
عذبتها بالمزاج فابتسمت ... عن برد نابت على لهب
كأن أيدي المزاج قد سبكت ... في كأسها فضةً على ذهب
ومن قوله أيضاً:
امزج بمائك نار كأسك واسقني ... فلقد مزجت مدامعي بدمائي
واشرب على زهر الرياض مدامةً ... تنفي الهموم بعاجل السراء
فكأنها وكأن حامل كأسها ... غذ قام يجلوها على الندماء
شمس الضحى رقصت فنقط وجهها ... بدر الدجى بكواكب الجوزاء
وأظرف ما سمعت في كراهة المزاج قول الصابي:
حرم الماء فأبعد ... ه وإن كان مباحا
أقراحٌ أنا حتى ... أشرب الماء قراحا
ومن أحسن ما قيل في الساقي قول ابن المعتز:
قد حثني بالكأس أول فجره ... ساقٍ علامة دينه في خصره
وكأن حمرة لونها من خده ... وكأن طيب نسيمها من نشره
حتى إذا صب المزاج تبسمت ... عن ثغرها فحسبته من ثغره
ومن أحسن ما قال أبو فراس الحمداني:
تبسم إذ تبسم عن أقاحٍ ... وأسفر حين أسفر عن صباح
فمن لألاء غرته صباحي ... ومن صهباء ريقته اصطباحي
ومن أحاسن عبد الله بن عبد الله بن طاهر في الساقي:
سقتني في ليلٍ شبيهٍ بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب
فما زلت في ليلين منه ومن دجى ... وشمسين من راحٍ ووجه حبيب(1/13)
ومن أحاسن ابن المعتز قوله:
وساقٍ مطيعٌ لأحبابه ... على الرقباء شديد الجره
وفي عطفة الصدغ خالٌ له ... كما مست الصولجان الكره
ومن أحاسن الخالدي:
فالكف عاجٌ والحباب لآلئٌٌ ... والراح تبرٌ والزجاج زبرجد
ومن أحسن ما قيل في وصف الشراب قول ابن الرومي:
ومدامةٍ كحشاشة النفس ... لطفت عن الإدراك بالحس
فكأنها وكأن شاربها ... قمرٌ يقبل عارض الشمس
وقول ابن المعتز:
كأنما الكأس إلى ثغرها ... متصلاً بالأنمل الخمس
ياقوتةٌ حمراء قد صيرت ... واسطةً للبدر والشمس
ومن أحسن ما قيل في نعت الراح على السماح قول بعضهم:
أيسر جودي أنني كلما ... أسرفت في السكر ولم أدر
ندمت في الصحو على كل ما ... أبقيت من مالي في السكر
ومن أحسن ما قيل في الاعتذار من هفوة السكر:
قل للأمير أدام الله رفعته ... العفو أفضل ما تنحوه من نحو
إن الشراب له شرطٌ سمعت به ... أن لا يعاد حديث السكر في الصحو
وقول الآخر:
يا ابن عثمان بلغوك مقالاً ... لم أقله ولم يكن من كلامي
إن أكن لم أقله فالعذر فضلٌ ... أو أكن قلته فذنب المدام
وفي ذم النبيذ:
تركت النبيذ وأصحابه ... وصرت قريناً لمن عابه
شرابٌ يضل سبيل الرشاد ... ويفتح للشر أبوابه
ومن أحسن ما قيل في استهداء الشراب قول السري:
أبا حسنٍ إن وجه الربيع ... جميلٌ يزان بحسن العقار
فإن الربيع نهار السرو ... ر والراح شمسٌ لذاك النهار
وإنك مشرقها إن أردت ... وإن لم ترد غربت في استتار
فأجر إلي بحار العقار ... فمن فيض كفك فيض البحار
ومن أحسن ما قيل عند زورة الحبيب:
نفسي فداؤك يا أبا غسان ... خذ قصتي واسمع طرائف شاني
عندي حبيبٌ كاملٌ وحبيبتي ... بدر الدجى من فوق غصن البان
فابعث بها بكراً كأن حبابها ... دمعٌ تحدر من جفون عوان
ولك الثنا والود من شرابها ... والإثم في عقبي وفي ميزاني(1/14)
ومن أحاسن ما يليق في هذا الباب:
قم فاسقني بين خفق الناي والود ... ولا تبع طيب موجودٍ بمفقود
نحن الشهود وخفق العود خاطبنا ... نزوج ابن سحابٍ بنت عنقود
ومن أحسن ما قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
عيد بنا إن هذا يوم تعييد ... واشرب على الأخوين الناي والعود
ومن أحسن ما قيل في العود ووصف الزامر والمغني معاً:
يا صاح هلا زرتنا في مجلسٍ ... حضر السرور به ونعم الحاضر
زمر المغني فيه من إحسانه ... والكأس دائرةٌ وغنى الزامر
ومن أحسن ما قيل في العود قول سعيدٍ بن حميد:
وناطقٍ بلسانٍ لا ضمير له ... كأنه فخذٌ نيطت على قدم
يبدي ضمير سواه في الحديث كما ... يبدي ضمير سواه منطق القلم
ولسيف الدولة في المغني:
ومغن عذب الكلام يجازي ... ك بما تشتهيه في ميدانك
ألمعيٌ كأن قلبك في أض ... لاعه أو كلامه في لسانك
وقول بعضهم في هجاء المغني:
غناؤك فقرٌ يزيل الغنى ... وضربك يوجب ضرب العنق
فأنت الكلاب إذا ما عوت ... وأنت الحمار إذا ما نهق(1/15)
الباب السابع : في الربيع وآثاره
من أحاسن ما قيل في الربيع قول ابن المارداني:
أما ترى الأرض قد أعطتك عذرتها ... مخضرةً واكتسى بالنور عاريها
فللسماء بكاءٌ في حدائقها ... وللرياض ابتسامٌ في نواحيها
وقول الصنوبري:
تبارك الله ما أحلا الربيع فلا ... يغرر مقايسه بالصيف مغرور
من شم طيب جنيات الربيع يقل ... لا المسك مسكٌ ولا الكافور كافور
وقول بعضهم:
طاب هذا الهواء وازداد حتى ... ليس يزداد طيب هذا الهواء
ذهبٌ حيث ما ذهبنا ووردٌ ... حيث ردنا وفضةٌ في الفضاء
وقول أبي الفتح بن العميد:
أسعد بنيروزٍ أتاك مبشراً ... بسعادة وزيارةٍ ودوام
واشرب فقد حل الربيع نقابه ... عن منظرٍ متهللٍ بسام
وقول مؤلف الكتاب:
أظن الربيع الآن قد جاء تاجراً ... ففي الشمس بزازاً وفي الريح عطارا
وما العيش إلا أن تواجه وجهه ... وتقضي بين الوشي والمسك أوطارا
ومن بدائع أبي الفرج قوله في قوس قزحٍ:
سقياً ليومٍ ترى قوس السماء به ... والشمس مسفرةٌ والبرق خلاس
كأنها قوس رامٍ والبروق لها ... رشق السهام وعين الشمس برجاس
ومن أحسن ما قيل في الأيام الربيعية الموصوفة بالدجن والمطر وحسن الأثر قول ابن المعتز:
يوم كأن سماءه ... حجبت بأجنحة الفواخت
وكأن قطر يثاره ... در على الأغصان نابت
وقول المهلبي الوزير:
يومٌ كأن سماءه ... شبه الحصان الأبرش
وكأن زهرةً أرضيه ... فرشت بأحسن مفرش
والشمس تظهر تارةً ... وتغيب كالمستوحش
شبهت حمرة عينها ... بخمار عين المنتشي
ومن أحسن ما قيل في الشرب على الدجن والمطر:
لا يكن للكأس في ي ... دك يوم الدجن لبث
أو ما تعلم أن الد ... جن ساقٍ مستحث
وقول ابن المعتز:
اشرب فقد دارت الكؤوس ... وفارقت يومك النحوس
في كل يومٍ جديد روضٍ ... عليه دمع الندى حبيس
ومأتم في السماء يبكي ... والأرض من تحتها عروس
وقول الحمداني:
الخمر شمسٌ في غلالة لاذ ... تجري ومطلعها من الخرداذي
فاشرب على رش الغمام فيومنا ... في مجلس البستان يوم رذاذ
وانظر إلى لمع البروق كأنها ... يوم الضراب صفائح الفولاذ
وأحسن ما قيل في اليوم المتلون قول علي بن الجهم:
أما ترى اليوم ما أحلا شمائله ... صحو وغنيم وإبراقٌ وإرعاد
كأنه أنت يا من لا شبيه له ... وصلٌ وهجر وتقريبٌ وإبعاد
وأحسن ما قيل في الرياض والزهر:
وروض عن صنيع الغيث راضٍ ... كما رضي الصديق عن الصديق
إذا ما القطر أسعده صبوحاً ... أتم له الصنيعة بالغبوق
كأن الدر منتثراً عليه ... بقايا الدمع في خد المشوق
كأن غصونه شربت رحيقاً ... فماست ميس شراب الرحيق
كأن شقائق النعمان فيه ... محضرة كؤوسٌ من عقيق
كأن النرجس الروضي فيه ... مداهن من لجين للخلوق
يذكرني بنفسجه بقايا ... صنيع اللطم بالخد الرقيق
ومن ملح ابن سكرة قوله:
أما ترى الروضة قد نورت ... وظاهر الروضة قد أعشبا
كأنما الروض سماءٌ لنا ... نقطف منها كوكباً كوكبا
ولابن المعتز في النسيم:
يا رب ليل سحرٌ كله ... مفتضح البدر عليل النسيم(1/16)
تلتقط الأنفاس برد الندى ... فيه فتهديه لحر الهموم
وفي غناء الطير:
ذرى شجرٍ للطير فيها تشاجر ... كأن صنوف الزهر فيها جواهر
كأن القماري والبلابل فوقها ... قيانٌ وأوراق الغصون ستائر
شربنا على ذاك الترنم قهوةً ... كأن على حافاتها الدر دائر
ولابن المعتز في النرجس:
عيونٌ إذا عاينتها فكأنما ... وقوع الندى من فوق أجفانها در
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفرٌ ... وأجسادها خضر وأنفاسها عطر
ومن أحسن ما قيل في الورد قول علي بن الجهم:
زائر يهدي إلينا ... نفسه في كل عام
حسن الوجه ذكي الرْ ... رِيح إلف للمدام
كأنما صبغته وجنتا خجلٍ ... قد حل عقد سراويل وأزرارا
فلو رآه حبيسٌ وسط صومعةٍ ... لقال في مثل هذا فادخلوا النارا
وقال ابن الحجاج في غلامٍ حياه بوردةٍ:
جنى من البستان لي وردةً ... أحسن من إنجازه وعدي
فقال والخمرة في كفه ... كالورد أو أزكى من الورد
اشرب هنيئاً لك يا عاشقي ... ريقي من كفي على خدي
وقد ظرف بعضهم في قوله:
أتى الورد في زي الخدود من المرد ... وزاد فحيا بالعبير وبالند
شربنا عليه قهوةً طال عهدها ... فرقت كما رق الشجي من الوجد
كأنا من الورد النضير وفعله ... بألواننا وردٌ أضيف إلى ورد
وقوله في باكورة وردٍ لم تفتح:
ووردة تحكي لهذا الورد ... طليعةً تسرعت من جند
قد ضمها في الغصن قرص البرد ... ضم فمٍ لقبلةٍ من بعد
ومن أحسن ما قيل في الورد:
ووردةٌ في بنان معطار ... حيث به في لطيف أسرار
كأنها وجنة الحبيب وقد ... نقطها عاشقٌ بدينار
وأحسن ما قيل في التمثيل بالورد قول ابن أبي عيينة:
أرى عهدها كالورد ليس بدائم ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
وعهدي بها كالآس حسناً وزينةً ... له منظرٌ يبقى إذا ذهب الورد
ومن أحسن ما قيل في تشبيه الملول به قول ابن الجهم:
ما أخطأ الورد منك شيئاً ... حسناً وطيباً ولا ملالا
أقام حتى إذا أنسنا ... بقربه أسرع انتقالا
وما قيل في البنفسج:(1/17)
بنفسج بذكي الروح مخصوص ... ما في زمانك إن وافاك تنغيص
كأنه شعلة الكبريت بارزةٌ ... أو خد أغيد بالتجميش مقروص
ولابن المعتز في النور المختلف:
وترى البهار معانقاً لبنفسجٍ ... وكأن ذلك زائرٌ ومزور
وكأن نرجسه عيون كحلت ... بالزعفران جفونها الكافور
تحيي النفوس بطيبها فكأنها ... طعم الرضاب يناله المهجور
الباب الثامن في الصيف والخريف والشتاء
من أحن ما قيل في الحر قول بعض العرب:
ويومٍ كأن المصطلين بحره ... وإن لم يكن جمراً قيامٌ على الجمر
صبرت له حتى يمر وإنما ... تفرج أيام الشدائد بالصبر
وقول مؤلف الكتاب:
رب يومٍ هواؤه يتلظى ... فيحاكي فؤاد صب متيم
قلت إذ صلت حره حر وجهي: ... ربنا اصرف عنا عذاب جهنم
ولأبي إسحاق الصابي في البق:
وليلةٍ لم أذق من حرها وسناً ... كأن في جوها النيران تشتعل
أطاف بي عسكرٌ للبق ذو لجب ... ما فيه إلا شجاعٌ فاتكٌ بطل
من كل شائلة الخرطوم طاعنةٍ ... لا تحجب السجف مسراها ولا الكلل
طافوا علينا وحر الشمس يطبخنا ... حتى إذا نضجت أجسادنا أكلوا
وقول مؤلف الكتاب:
وليلٍ بته رهن اكتئاب ... أقاسي فيه ألوان العذاب
إذا شرب البعوض دمي وغنى ... فللبرغوث رقصٌ في ثيابي
ومن أحسن ما قيل في الباذنجان:
وباذنجانة حشيت حشاها ... صغار الدر باللبن الحليب
تقمصت البنفسج واستقلت ... من الآس الرطيب على قضيب
ومن أحسن ما قيل في المشمش:
أما ترى المشمش يا خل الأدب ... مشطبا أكرم بهاتيك الشطب
مثقب الهامات من غير ثقب ... كأنه بنادقٌ من الذهب
قد صاغها صائغها بلا تعب
ومن أحسن ما قيل في التفاح:
راحٌ وتفاحةٌ من كف جارية ... بيضاء بالحسن والإحسان منفردةً
كأنما هذه هاتياك دانيةٌ ... وهذه هذه في الكف منعقدة
وللصاحب في وصف حبه عنبٍ:
وحبةٍ من عنبٍ قطفها ... تحسدها العقود في الترائب
كأنها من بعد تمييزي لها ... لؤلؤة في ثقبت من جانب
ومن أحسن ما سمعت في أكل العنب تعللا به وتسلياً عن الخمر:(1/18)
لحاني عذولي بل نهاني إذا رأى ... ولو عي بالأعناب أكثر قضمها
فقلت له: الصهباء كانت عشيقتي ... وقد ألزمتني رقة الحال صرمها
ومن أحسن ما قيل في الرمان قول بعضهم:
ورمانٌ رقيق القشر يحكي ... ثدي الغيد في أثواب لاذ
إذا قشرته طلعت علينا ... فصوصٌ من عقيقٍ أو بخاذ
ومن أحسن ما قيل في التين:
يا تين يا سيد الفواكه يا ... أطيب ما نجتني من الشجر
فضلك الله في الكتاب على الزْ ... زَيتون في آية من السور
ومن أحسن ما قيل في الفستق قول الصابي:
النقل في فستق حديث ... رطب تبدى من الحفاف
لي فيه تشبيه فيلسوفٍ ... ألفاطه عذبةٌ خفاف
زمردٌ صانه حريرٌ ... في حق عاجٍ له غلاف
ومن أحاسن المأموني قوله في الزبيب الطائفي:
وطائفي من الزبيب به ... ينتقل الشرب حين ينتقل
كأنه في الإناء أوعيةٌ ... من البجازي ملؤها عسل
ومن أحسن ما قيل في البرد قول الهمذاني:
يومٌ من الزمهرير مقرور ... عليه جيب الضباب مزرور
وشمسه حرةٌ مخدرةٌ ... لم يبدُ لي من ضيائها نور
كأنما الجو حشوه بردٌ ... والأرض من تحته قوارير
ومن أحسن ما قيل في الشرب على الثلج والبرد قول ابن المعتز:
ذهب كؤوسك يا غلا ... م فإنه يومٌ مفضض
والجو يجلى في البيا ... ض وفي حلي الدر يعرض
أتظن ذا ثلجاً فذا ... وردٌ على الأغصان ينقض
ورد الربيع ملونٌ ... والورد في كانون أبيض
ومن أحسن ما قيل في الثلج قول الصاحب:
أقبل الجو في غلائل نور ... وتهادى في لؤلؤ منثور
فكان السماء صاهرت الأر ... ض فكان النثار من كافور
ومن أحسن ما قيل في النار قول الصنوبري:
كل شيءٍ مستحسنٌ في العيون ... دون حسن الكانون في كانون
حسن خد المعشوق فيه وفيه ... حر أحشاء عاشقٍ محزون
وقول الأستاذ الطبري:
أعد الورى للبرد جنداً من الصلى ... وقابلته من بينهم بجنودي
ثلاثٍ من النيران نار مدامةٍ ... ونار صباباتٍ ونار وقود
الباب التاسع في الآثار العلوية
ومن أحسن ما قيل في وصف الشمس قول الصاحب:(1/19)
أما ترى الشمس بدت ... كأنها ترس ذهب
كأنها قد ركبت ... للناظرين من لهب
أشكر عنها فلكا ... أحسن فيما قد وهب
وأبدع ما قيل في مغالبة الشمس السحاب قول ابن المعتز:
تظلل الشمس ترمقنا بلحظٍ ... مريضٍ مذنفٍ من خلف ستر
تحاول فتق غيم وهو يأبى ... كعنينٍ يريد نكاح بكر
ومن أحسن ما قيل في وصف الهلال قول كشاجم:
أهلاً وسهلاً بالهلا ... ل بدا لعين المبصر
أو ما تراه يلوح في ... جو السماء الأخضر
وقول الآخر:
يا ريم قومي الآن ثم لتنظري ... وجهه الهلال وقد بدا في المشرق
كخليلةٍ نظرت إلى خل لها ... خجلاً وقد وافى بكم أزرق
ومن أحاسن السري قوله:
لقد سلت جيوش الفطر فينا ... على شهر الصيام سيوف باس
ولاح لنا الهلال كشطر طوقٍ ... على لبات زرقاء اللباس
وقول أبي عاصمٍ البصري في اقتران الهلال بالزهرة:
قارن الزهرة الهلال وكانا ... في افتراق في الجو من غير هجرة
وإذا ما تقارنا قلت: طوقٌ ... من لجينٍ قد علقت فيه دره
ولأبي نصرٍ بن المرزبان فيه:
كم ليلةٍ أحييتها ولمؤنسي ... طرف الحديث وطيب حث الأكؤس
شبهت بدر سمائها لما دنت ... منه الثريا في قميصٍ سندسي
ملكاً مهيباً قاعداً في روضةٍ ... حياه بعض الزائرين بنرجس
ومن أحسن ما قيل في الليل وسواده قول بعضهم:
وليلةٍ ليلاء يح ... كيها سواد المفرق
كأنما نجومها ... في مغربٍ أو مشرق
دراهمٌ قد نثرت=على بساطٍ أزرق وقول ابن المعتز:
كم ليلةٍ محمودةٍ أحييتها ... جاءت بأسعد طالعٍ لم ينحس
وتوقد المريخ بين نجومها ... كبهارةٍ في روضةٍ من نرجس
وقوله أيضاً:
ما زلت أرقب كل نجم لامعٍ ... وكأن جنبي فوق جمرٍ موقد
ورنا إلي الفرقدان كما رنت ... زرقاء تنظر من نقابٍ أسود
وقوله أيضاً:
نادمت إخواني بدجلة ليلةً ... والنجم في كبد السماء محلق
والبدر يضحك وجهه في وجهها ... والماء يرقص حولنا ويصفق
ولآخر:
إن دمعي فوق خدي ... مثل طل فوق ورد
ونجوم الليل تحكي ... فضة في لازورد(1/20)
ومن أحسن ما قيل في الثريا قول ابن المعتز:
قم يا خليلي نصطبح بسواد ... قد كاد يبدو الصبح أو هو بادي
وأرى الثريا في السماء كأنها ... قدمٌ تبدت من ثياب حداد
وقول بعضهم:
كأنما نجم الثريا لمن ... يرمقها والظلام منطبق
مال بخيلٍ يظل يجمعه ... من كل وجهٍ وليس يفترق
ومن أحسن ما قيل في طول الليل قول بعضهم:
إن الليالي للأنام مناهلٌ ... تطوى وتبسط بينها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ ... وطوالهن مع السرور قصار
وقول ابن المعتز:
أقول وقد طال ليل الهموم ... وقاسيت حزن فؤادٍ سقيم
عسى الشمس قد مسخت كوكباً ... وقد طلعت في عداد النجوم
ومن أبدع ما قاله بعضهم:
عهدي بنا ورداء الوصل يجمعنا ... والليل أطوله كاللمح بالبصر
فالآن ليلي مذ غابوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحي غير منتظر
ومن أحاسن العلوي:
سقى الله عيشاً مضى وانقضى ... زمان الصبى والهوى والمجون
لياليه تحكي اعتراض الظلا ... م في الطرف عند ارتداد الجفون
وأيامه مثل لمع البروق ... ويسبق بالفوت لمح العيون
ومن أحسن ما قيل في قصر الليل:
ليل المحبين مطوي جوانبه ... مشمر الذيل منسوبٌ إلى القصر
ما ذاك إلا لأن الصبح نم بنا ... فأطلع الشمس من غيظ على القمر
ومن أحاسن ما جاء في الليل:
يا ليلةً جمعتني والمدام ومن ... أهواه في روضةٍ تحكي الجنان لنا
لأشكرنك ما ناحت مطوقةٌ ... على الغصون فقد طوقتني مننا
وقال مؤلف الكتاب:
هذه ليلةٌ لها بهجة الطا ... ووس حسنا واللون لون الغداف
رقد الدهر عندها فانتبهنا ... وسرقنا حظ السرور الشافي
بمدامٍ صافٍ وخل مصافٍ ... وحبيب وافٍ وسعدٍ موافي
ومن أحسن ما جاء في الصبح قول بعضهم:
ولما رأيت الصبح قد سل سيفه ... وولى انهزاماً ليله وكواكبه
ولاح احمرارٌ قلت قد ذبح الدجى ... وهذا دمٌ قد ضمخ الليل ساكبه
وقول ابن المعتز:
يا ليلةً أكل المحاق هلالها ... حتى تبدى مثل حق العاج
والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج(1/21)
وقول ابن طباطبا العلوي:
أكلما بلت في الهوى أملي ... ليلاً أتاني الصباح بالفوت
صبح كمثل المشيب مطلعه ... يهجم في نوره على الموت
وقول أبي فراسٍ الحمداني:
مددنا علينا الليل والليل راضعٌ ... إلى أن تجلى رأسه بمشيب
ولاح لنا ضوء الصباح كأنه ... مبادي نصولٍ في عذار خضيب
الباب العاشر في الدنيا والدهر
من أحسن ما قيل في ذمها قول ابن بسام:
أف من الدنيا وأيامها ... فإنها للحزن مخلوقه
غمومها لا تنقضي ساعة ... عن ملك فيها ولا سوقه
يا عجبي منها ومن شأنها ... عدوة للناس معشوقه
وقول ابن الرومي:
أتذكر ليلة ألعقت فيهل ... وأنت وليدها عسلاً ومرا
لتعلم أن هذا الدهر يمسي ... ويصبح كله حلواً ومرا
ومما يستحسن لأبي الفرج الكاتب قوله:
هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي
ولا يغرركم حسن ابتسامي ... فقولي مضحك والفعل مبكي
ومن أحسن ما قيل في مدحها قول محمد بن وهب:
ولكننا منها خلقنا لغيرها ... وما كنت منه فهو شيء محبب
ومن أبدع ما جاء في ذمها قول ابن المعتز:
عجباً للزمان في حالتيه ... وبلاء دفعت منه إليه
رب يوم بكيت فيه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه
ومن قلائد ابن الرومي:
دهر علا قدر الوضيع به ... وترى الشريف يحطه شرفه
كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلاً ويعلو فوقه جيفه
ومن ملح بعضهم في ذم الزمان:
نحن والله في زمان غشوم ... لو رأيناه في الزمان فزعنا
أصبح الناس فيه من سوء حال ... حق من مات منهم أن يهنا
الباب الحادي عشر في الأمكنة والأبنية
من أحسن ما قيل في بغداد:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلاً فحاولت شيئاً دونه الياس
هيهات بغداد الدنيا بأجمعها ... عندي وسكان بغداد هم الناس
وقول لآخر فيها أيضاً:
سقى الله بغداد من بلدة ... حوت كل ما لذ للأنفس
ولكنها منية الموسرين ... كما أنها حسرة المفلس
ومن أحسن ما سمعت في مدح مصر قول كشاجم:
أما ترى مصراً وقد جمعت ... بها صنوف الرياض في مجلس(1/22)
السوسن الغض والبنفسج وال ... ورد وصفر البهار والنرجس
كأنها الجنة التي جمعت ... ما تشتهيه العيون والأنفس
كأنما الأرض ألبست حللاً ... من فاخر العبقري والسندس
ومن أحسن ما قيل في دمشق قول الصنوبري:
صفت دنيا بدمشق لقاطنيها ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللةً فواكهن أبهى ال ... مناظر في نواظرها وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خداً ... ومن أترجة لم تعد ثديا
ومن أبدع ما قيل في همذان قول القائل:
همذان متلفة النفوس ببردها ... والزمهرير وحرها مأمون
غلب الشتاء مصيفها وربيعها ... فكأنما تموزها كانون
ومن الملح في مدينة هراة:
هراة أرض خصبها واسع ... ونبتها التفاح والنرجس
ما أحد منها إلى غيرها ... يخرج إلا بعدما يفلس
ومن أملح ما قيل في بخارى:
أقمنا في بخارى كارهينا ... ونخرج إن خرجنا طائعينا
فأخرجنا إله الناس منها ... فإن عدنا فإنا ظالمونا
ومما يستظرف لأبي الربيع قوله في الشاش:
الشاش في الصيف جنه ... ومن أذى الحر جنه
لكنني يعتريني ... بها لدى البرد جنه
ومما قيل في الدور والأبنية:
ومن المروءة للفتى ... ما عاش دار فاخره
فاقنع من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخره
وقول البحتري في الجعفري:
قد تم حصن الجعفري ولم يكن ... ليتم إلا بالخليفة جعفر
في رأس مشرفة حصاها جوهر ... وترابها مسك يشاب بعنبر
مخضرة والغيث ليس بساكب ... ومضيئة والليل ليس بمقمر
ملأت جوانبها السماء وعانقت ... شرفاتها قطع السحاب الممطر
وقول بعض شعراء الصاحب:
دار على العز والتأييد مبناها ... وللمكارم والعياء معناها
فاليمن أقبل مقروناً بيمناها ... واليسر أقبل مقروناً بيسراها
لما بنى الناس في دنياك دورهم ... بنيت في دارك الغراء دنياها
ولو رضيت مكان الفرش أعيننا ... لم تبق عين لنا إلا فرشناها
وقال مؤلف الكتاب في القصر العالي:
وقصر مللك ترى كل الجمال به ... وطالع السعد يبدو من جوانبه(1/23)
كأنما جنة الفردوس قد نزلت ... إلى خوارزم تعجيلاً لصاحبه
ومن أحسن ما قيل في انتقال الإمارة من يد إلى يد:
أقام بصحنها لؤم ابن سهل ... وفارق ربعها كرم الحسين
وكانت جنةً فغدت جحيماً ... فيا بعد اختلاف الحالتين
ومن أحسن ما قيل في الأوطان قول ابن الرومي:
وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وكان الصاحب ينشد كثيراً:
أكرم أخاك بأرض مولده ... وأمده من فعلك الحسن
فالعز مطلوب وملتمس ... وأعزه ما نيل في الوطن
ومن أحاسن ذلك قول بعضهم:
إذا نلت في أرض معاشاً وثروةً ... فلا تكثرن منها النزاع إلى الوطن
فما هي إلا بلدة مثل بلدة ... وخيرهما ما كان عوناً على الزمن
ومن أحسن ما قيل في منتزهات الضياع:
شجر مورق وظل ظليل ... وبقاع كأنها كافوره
ورياض تهتز من زهر الرو ... ض ومن كل طرفة باكوره
بين نخل وبين كرم ورما ... ن وتفاحة إلى زعروره
تتغنى الطيور فيها بلحن ... منه يبكي المهجور والمهجوره
أحسن ما سمعت في الماء الجاري قول بعضهم:
وماء على الرضراض يجري كأنه ... صفائح تبر قد سبكن جداولا
كأن بها من شدة الجري جنة ... وقد ألبستهن الرياح سلاسلا
وقول أبي فراس في الماء يشق الروض:
حيث التفت رأيت ما ... ءً سائحاً ورأيت طلا
والماء يفصل بين زه ... ر الروض في الشطين فصلا
كبساط وشي جردت=أيدي القيون عليه نصلا وجلس يوماً في البستان والماء يندرج في البرك فقال:
انظر إلى زهر الربيع ... والماء في البرك البديع
وإذا الرياح جرت علي ... ه في الذهاب أو الرجوع
نثرت على بيض الصفا ... ئح بيننا بعض الدروع
وقال أيضاً في ذلك:
كأنما الماء عليه الجسر ... درج بياض خط فيه سطر
كأننا لما تهيا العبر ... أسرة موسى يوم شق البحر
وأنشد بعضهم في حوض لبعض الرؤساء:
حوض يجود بجوهر متسلسل ... ساد الجواهر كلها بنفاسته
لا زال عذباً ببقاء من ... هو مثله في جوده وسلاسته(1/24)
وقال مؤلف الكتاب:
أيا طيب عيشي أرى بركةً ... تسوق إلى روضها ماءها
إذا أنت واجهتها في الدجى ... حسبت الكواكب حصباءها
ومن أحسن ما قيل في الحمام قول السري:
قد أسعد الطالب مطلوب ... وفاز بالعز المناجيب
فقم بنا ننعم في منزل ... نعيمه الذائب محبوب
بيت بنته حكماء الورى ... فهو إلى الحكمة منسوب
مجاور النار ولكنه ... يجاور الروح به الطيب
طاب فلو رد شباب امرئٍ ... لارتد شباناً به الشيب
وقول مؤلف الكتاب:
وحمام له حر الجحيم ... ولكن دأبه روح النسيم
رأيت به ثواباً في عذاب ... وذقت به نعيماً في جحيم
الباب الثاني عشر في الطعاميات
ومن أحسن ما قيل في الإقلال من الطعام قول ابن العلاف:
لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المجد
كم دخلت أكلة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد
وقول أبي الفتح البستي:
كل قليلاً تعش طويلاً وتسلم ... من عوادي الأسقام والأدواء
إنما يغتذي الكريم ليبقى ... وبقاء السفيه للإغتذاء
سئل أحد الصوفية عن أشعر الناس، فقال: ابن المعتز لقوله:
رأيت بيوتاً زينت بنمارقٍ ... وزين من فيهن بالوشي والطرز
فلم أر ديباجاً ولم أر سندساً ... بأحسن في دار الكريم من الخبز
وأنشد أبو طالب المأموني لنفسه:
وإلى كم يكون بالخل أدمي ... وقليل من البقول يسير
هات أين الكباب أين القلايا ... أين رخص الشواء أين الفطير
أنا لا أترك البذنجان والبط ... يخ والتين أو يكون النشور
ومن أحسن ما سمعت في الفالوذج قول السري:
وأحمر مبيض الزجاج كأنه ... رداء عروس مشرب بخلوق
له في الحشا برد الوصال وطيبه ... وإن كان يلقاه بلون حريق
كأن بياض اللوز في جنباته ... كواكب لاحت في سماء عقيق
وأحسن ما سمعت في الخبيص قول أبي طالبٍ:
خبيصةٌ في الجام قد قدمت ... مدفونٌ في اللوز والسكر
يأكل من يأكلها جمةً ... بكفه فيها ولم يشعر
وحضر جحظة صديقاً له، فقدم إليه مضيرةً بعصيبٍ فلم توافقه، ولم يتبعها بما يدفع مضرتها، فقال:(1/25)
ولي صاحبٌ لا قدس الله روحه ... وكان من الخيرات غير قريب
أكلت عصيباً عنده في مضيرةً ... فيا لك من يومٍ علي عصيب
ومما يستحسن للمأمون قوله:
قدم طعامك وابذله لمن دخلا ... واحلف على من أبى واشكر لمن أكلا
ولا تكن سابري العرض محتشماً ... من القليل فلست الدهر محتفلا
وقول الآخر في ترك التحميد في وسط الأكل:
وحمد الله يحسن كل وقتٍ ... ولكن ليس في وقت الطعام
لأنك تزجر الأضياف عنه ... وتأمرهم بإسراع القيام
وتؤذيهم وما شبعوا بشبعٍ ... وذلك ليس من خلق الكرام
وأحسن ما قيل في إكرام الضيف قول المحدث:
وكونوا خدم الضيف ... إذا الضيف بكم ينزل
وكونوا عنده الأضيا ... ف والضيف له المنزل
وقول بعضهم في الهشاشة للضيف:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... لينزل عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب
ومن أحسن ما قيل في إكرام مطية الضيف:
مطية الضيف عندي مثل صاحبها ... لا أكرم الضيف حتى أكرم الفرسا
ومما قيل في ذم البخلاء:
إني لأصبو إلى البيض الحسان كما ... تصبو قدور أبي عمروٍ إلى المرق
الجوع أرقني لما نزلت به ... فكدت أتلف بين الجوع والأرق
ولآخر:
جئته زائراً فقال لي البوْ ... وَاب صبراً فإنه يتغدى
من أملح ما قيل في ذم الطفيلي قول السلمي:
لو طبخت قدرٌ بمطمورةٍ ... بالشام أو أقصى حدود الثغور
وأنت بالصين لوافيتها ... يا عالم الغيب بما في القدور
وقول الآخر:
يا وارث التطفيل عن والدٍ ... احكمه بالذوق والحذق
تأكل أرزاق بني آدمٍ ... هل أنت مخلوقٌ بلا رزق
الباب الثالث عشر في النساء والتشبيب
ومن أحسن ما قيل في مدح النساء قول بعضهم:
إن النساء رياحينٌ خلقن لكم ... وكلكم يشتهي شم الرياحين
وأحسن منه قول الآخر:
فنحن بنو الدنيا وهن بناتها ... وعيش بني الدنيا لقاء بناتها
ومن أحسن ما قيل في ذمهن:
إن النساء كأشجارٍ نبتن معاً ... منهن مرٌ وبعض المر مأكول(1/26)
إن النساء متى ينهين عن خلقٍ ... فإنه واجبٌ لا بد مفعول
فإنه واجبٌ لا بد مفعول من أحسن ما قيل في أخلاق النساء قول علقمة:
وإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبيرٌ بأدوار النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب
ولأبي تمام في هذا المعنى:
أحلى الرجال من النساء مواقعاً ... من كان أشبههم بهن خدودا
ومن أحسن ما جاء في هذا الباب قول بعضهم:
إذا هن قابلن نور المشي ... ب أدبرن من ذلك النور نورا
وإن هن قابلن نور الخضا ... ب أعرضن عن ذلك الزور زورا
ولأبي تمام في سوء عهدهن:
فلا تحسبا هنداً لها الغدر وحدها ... سجية نفس كل غانيةٍ هند
ومن أحسن ما قيل في غزلهن قول المؤمل:
شكوت ما بي إلى هندٍ فما اكترثت ... يا قلبها أحديدٌ أنت أم حجر
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
وقول بعضهم:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخرٌ عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذةً ... حباً بذكرك فليلمني اللوم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغراً ... ما من يهون عليك ممن يكرم
وقول العباس بن الأحنف:
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
صرت كأني ذبالٌ نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق
أحسن ما قيل في شعر المرأة:
فرعاء تسحب من قيام شعرها ... وتغيب فيه وهو شعرٌ أسحم
فكأنها فيه نهارٌ مشرقٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلم
وقول عبيد الله بن طاهر:
سقتني في ليلٍ شبيهٍ بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب
فما زلت في ليلين شعرٌ ومن دجىً ... وشمسين من راحٍ وخد حبيب
وما أحسن ما قال البحتري:
غداة تثنت للوداع وسلمت ... بعينين موصولٌ بأجفانها السحر
توهمتها ألوى بأجفانها الكرى ... كرى النوم أو مالت بأعطافها الخمر
ومما يقطر منه ماء الظرف قول كشاجم:
يا من لأجفان قريحه ... سهدت لأجفانٍ مليحه
لم تترك المقل المري ... ضة في جارحةً صحيحه(1/27)
ولم أسمع في هذا المعنى أحسن من قول أبي العشائر في المذكور:
للعبد مسألة إليك جوابها ... إن كنت تذكره فهذا وقته
ما بال ريقك ليس ملحاً طعمه ... ويزيدني عطشاً إذا ما ذقته
وقول مؤلف الكتاب:
ثغرٌ كمثل البرق حسن برقه ... يشفي عليل المستهام بريقه
قد بت ألثمه وأرتشف المنى ... من ثغره وعقيقه ورحيقه
وما أحسن قول الآخر:
هي الخمر في حسنٍ بل الخمر ريقها ... ورقة ذاك اللون في رقة الخمر
فقد جمعت فيها خمورٌ ثلاثةٌ ... وفي واحدٍ سكرٌ يزيد على السكر
وقول ابن سكره:
الخد وردٌ والصدغ غاليةٌ ... والريق خمرٌ والثغر من برد
لكل جزءٍ من حسنها بدعٌ ... تودع قلبي روائع الكمد
وقول أبي نواس:
يا قمراً أبصرت في مأتمٍ ... يندب شجواً بين أتراب
يبكي فيلقي الدر من نرجس ... ويلطم الورد بعناب
وقول أبي الفرج:
قالت وقد فتكت فينا لواحظها ... ألم يكن لقتيل الحب من قود
وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد
ومن ملح إبراهيم بن المهدي قوله:
أنت تفاحتي وفيك مع التف ... اح رمانتان في غصن بان
وإذا كنت لي وفيك الذي في ... ك فما حاجتي إلى البستان
وقول بعض المحدثين:
هي البدر إلا أن فيها لحسنها ... رقائق ليست في هلال ولا بكر
وتنظر في وجه القبيح بحسنها ... فتكسوه حسناً باقياً آخر الدهر
ومن أحسن ما قيل في الثدي قول بعضهم:
كأن الثدي إذا ما بدت ... وزان العقود بهن النحورا
حِقاقٌ من الدر مكبوبةٌ ... يسعن من الدر شيئاً يسيرا
وقال ابن الرومي وأبدع:
صدور فوقهن حقاق عاجٍ ... ودر زانه حسن اتساق
يقول القائلون إذا رأوه: ... أهذا الحلي من تلك الحقاق
وكان الأستاذ الطبري يطرب على قول السري:
ومن وراء سجوف الرقم شمس ضحىً ... تجول في جنح ليل مظلم داجي
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها ... حقين دون مجال العقد من عاج
ومما يستحسن في وصف الثدي قول المهلبي الوزير:
أقاتلتي بانكسار الجفون ... ومستوفزين على معصر(1/28)
كحقين من لب كافورةٍ ... برأسيهما نقطتا عنبر
ومن الإفراط في وصف العجيزة قول المؤمل:
من رأى مثل غادتي ... تشبه البدر إذا بدا
تدخل اليوم ثم تد ... خل أردافها غدا
ومن أحاسن ما قيل في حديث النساء:
وحديثها كالقطر يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا
فأصاخ يرجو أن يكون حياً ... يقول من فرج أيا ربا
ويستحسن جداً لبشار قوله:
كأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا
وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وللبحتري:
ولما التقينا واللوى موعد لنا ... تعجب رائي الدر منا ولاقطه
فمن لؤلؤٍ تجلوه عند ابتسامتها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
ومن أحاسن بشار قوله في فرج المرأة:
صفراء من سرب بني مالك ... لها حر من بطنها أرفع
وقول ابن الرومي في وصفه:
لها هن تستعير وقدته ... من قلب صب وصدر ذي حنق
كأنما حره لحائزه ... ما التهبت في حشاه من حرق
وقول دعبل في هجاء النساء:
صدغاك قد شمطا ونحرك بارز ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور
يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس صعب وفي ساجور
قبلتها فوجدت لدغة ريقها ... فوق اللسان كلدغة الزنبور
ولابن الرومي في كثيرة:
فقدتك يا كثيرة كل فقد ... وذقت الموت أول من يموت
فقد أوتيت فم وفرجٍ ... كأنك من كلا طرفيك حوت
الباب الرابع عشر في الغزل المذكر
مما يستظرف في التمتع بالمرء قول بعضهم:
جعلت فداك ما اخترتك إلا ... لأنك لا تحيض ولا تبيض
ولو ملنا إلى وصل الغواني ... لضاق بنسلنا البلد العريض
وقال مؤلف الكتاب من أحسن ما سمعت في الغلام الصغير:
قالوا عشقت صغيراً قلت أرتع في ... روض المحاسن حتى يينع الثمر
ربيع حسنٍ دعاني لافتتاح هوىً ... لما تفتح منه النور والزهر
وأظرف ما قيل في الجارية الصغيرة قول بعضهم:
قالوا عشقت صغيرةً فأجبتهم ... أشهى المطي إلى ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤةٍ مثقوبةٍ ... نظمت وحبة لؤلؤٍ لم تثقب
ولبعض الجواري في مناقضته:
إن المطايا لا يلذ ركوبها ... حتى تذلل بالزمام وتركبا(1/29)
والدر ليس بنافعٍ أصحابه ... حتى يعالج بالسموط ويثقبا
ومن أحسن ما قيل قول الصنوبري في غلامٍ يكتب:
انظر إلى أثر المداد بخدِّه ... كبنفسج الروض المشوب بورده
ما أخطأت لاماته من صدغه ... شيئاً ولا ألفاته من قده
وكأنما أنفاسه من شعره ... وكأنما قرطاسه من جلده
وقوله فيه أيضاً:
ما كنت أحسب أن الخنجر القلم ... من قبل هذا، ولا أن المداد دم
حتى كتبت، فما أبقيت جارحةً ... إلا وفيها على مقدارها ألم
يا كاتباً جرحت روحي كتابته ... والجرح في الروح جرحٌ ليس يلتئم
اذهب فحق أميرٍ أنت كاتبه ... أن لا يقوم له عربٌ ولا عجم
وقول كشاجم فيه:
ورأيته في الطرس يكتب مرةً ... غلطاً يواصل محوه برضابه
فوددت أني في يديه صحيفةٌ ... ووددت ألا يهتدي لصوابه
وقول آخر:
وددت أني بكفه قلمٌ ... وليتني مدةٌ على قلمه
يكتب بي تارةً ويلثمني ... إذا تعلقت شعرةٌ بفمه
ولأبي الفتح البستي في من يتكلم بالنحو:
أفدي الغزال الذي في النحو كلمني ... بلفظه فاجتنيت الشهد من شفته
وأورد الحجج المقبول شاهدها ... محققاً ليريني فضل معرفته
ثم افترقنا على أمرٍ رضيت به ... فالرفع من صفتي والنصب من صفته
ولبعضهم في غلامٍ حسن الخطين:
لما تكبر خط الحبر في يده ... ومات خط جميع الناس من حسده
بدا من الحسن خطٌ في عوارضه ... حتى ثنى من عنان الكبر خط يده
ولآخر فيه أيضاً:
كلا الخطين من حبي مليح ... وقلبي منهما دنفٌ جريح
فخط عذاره مسكٌ ... وخط كتابه درٌ يلوح
وقيل في غلامٍ يصلي:
جاء يسعى إلى الصلاة بوجهٍ ... يخجل البدر طالعاً بالسعود
فتمنيت أن وجهي أرضٌ ... حين أوما بوجهه للسجود
وقيل في غلامٍ حاجٍ:
أيا زائر البيت العتيق وتاركي ... قتيل الهوى لو زرتني كان أجدرا
تحج اكتساباً ثم تقتل عاشقاً ... فليتك لا تحجج ولا تقتل الورى
ومما قيل في غلامٍ محرمٍ قول أبي طالٍ الرقي:
ومشتملٍ ثوبي عفافٍ وفتنةٍ ... يرى قتل من يهواه للنسك مسلكا(1/30)
إذا طاف بالأركان طاف به الورى ... فيقضي ولا يقضون للحج منسكا
جنى اللحظ من خديه ورداً معنبراً ... ومن عارضيه ياسميناً ممسكا
فيا رائحاً منه بأوفر فتنةٍ ... تجهز لعامٍ بعد هذا لعلكا
ومما قيل في غلامٍ غازٍ قول أبي الفرج:
يا غازياً أتت الأحزان غازيةً ... إلى فؤادي والأحشاء حين غزا
إن بارزتك كماة الروم فارمهم ... بسهم عينيك يقتل كل من برزا
ومما قيل في غلامٍ منازلٍ:
منازلٌ في غاية الحذق ... فاق حسان الغرب والشرق
شبهته والسيف في كفه ... بالبدر إذ يلعب بالبرق
وكما قيل في غلامٍ بيده صولجان قول مؤلف الكتاب:
وصولجانٌ بيدي شادنٍ ... لا يجسر العاشق أن يذكره
وصولجان المسك من صدغه ... متخذٌ حبة قلبي كره
من أظرف ما قيل في غلامٍ فارسيٍ قول محمدٍ بن عبد الملك:
راح علينا راكباً طرفه ... أغيد مثل الرشا الآنس
كأنه من تيهه طاهرٌ ... حين سطا بالملك السادس
كم قلت إذ مر بنا فارساً ... يا ليتني خادم ذا الفارس
ومما قيل في غلامٍ بيده باشقٌ:
مر بنا في كفه باشقٌ ... فيه وفي الباشق شيءٌ عجيب
ذاك يصيد الطير من حالقٍ ... وذا بعينيه يصيد القلوب
ومما قيل في غلامٍ تركي:
البدر في ظل الغمامة والنقا ... في سرجه والغصن في الخفقان
حييته ولعاً فأمطر راحتي ... قبلاً فليت فمي مكان بناني
ورمى بلحظه الفؤاد وسهمه ... فعجبت كيف تشابه السهمان
وقال غيره:
قلبي أسيرٌ في يدي مقلةٍ ... تركيةٍ عيل بها صبري
كأنها من ضيقها عروةٌ ... ليس لها زرٌ سوى السحر
ومما قيل في الترك:
يا ترك ماذا لقينا من بناتكم ... يا ليت أن بنات الترك لم تكن
هم العدو فإن لم نسبهم كثروا ... وإن سبوا فسباياهم من الفتن
ومما قيل في غلامٍ بزازٍ قول عبد الرحمن:
ومهفهفٍ ملك الجمال وحازا ... خط الجمال بعارضيه طرازا
سميته قمراً فكان حقيقةً ... وغدا به قمر الزمان مجازا
ما باع بزا قط إلا أنه ... بز القلوب فسمي البزازا
ومما قيل في غلامٍ جزارٍ:(1/31)
بموضع الخرزلى غزالٌ ... أوقعني الحب في شباكه
تفعل ألحاظه بقلبي ... كفعل ذي الصيد في شراكه
ومما قيل في غلامٍ أيضاً:
با فاتناً ذبت من شوقي إلى فمه ... عيناك أنفذ في قلبي من الأسل
إني أتيتك كيما أشتري عسلاً ... فلا تبعني غير الريق في عسل
مما قيل في قادمٍ من سفرٍ:
نفسي الفداء لغائب عن مقلتي ... ومحله في القلب دون حجابه
لولا تمتع مقلتي بلقائه ... لوهبتها لمبشري بإيابه
وللصاحب في غلامٍ صائمٍ:
راسلت من أهواه أطلب زورةً ... فأجابني أو لست في رمضان
فأجبته والقلب يخفق صبوةً ... الصوم عن بر وعن إحسان
صم إن أردت تعففاً وتحرجاً ... عن أن تكيد الناس بالهجران
أو لا فزرني والظلام مجللٌ ... واحسبه يوماً مر من شعبان
وللمأمون في غلامٍ دخل البستان:
مر إلى البستان بستان ... ليجتني الريحان ريحان
تنزه البستان في حسنه ... مذ سجدت للغصن أغصان
وله أيضاً في غلامٍ عليه درعٌ وحريرٌ:
أيها المختال ثوبا ... ه حريرٌ وحديد
جئت للعيد وللأع ... ين من وجهك عيد
إن من نال وصالاً ... منك مجدودٌ سعيد
أنت في الجند ولكن ... لك في الناس جنود
وقال مؤلف الكتاب في غلام عليه منطقةٌ:
خليلي إني من محبتي العلى ... بلي بعلوي الصفات أخي البدر
فعقد الثريا مستكن بثغره ... ومنطقة الجوزاء في خصره تجري
ولآخر في غلامٍ يرمي:
ظبيٌ رماني بسهم حتفٍ ... لما انبرى نازعاً بسهم
يجذب قلبي إلى هواه ... كجذبة القوس حين يرمي
ومما قيل في غلامٍ لابس سيفٍ:
يا لابس السيف والسواد ... وراكب الأبلق الجواد
سيفك في غمده المحلى ... وسيف عينيك في فؤادي
قال مؤلف الكتاب في غلامٍ مضيفٍ:
فديتك ما هذا التحشم كله ... لدعوة عبدٍ روحه بك ترتاح
ولم كل هذا الاحتشام بمجلسٍ ... يزينه الريحان والشمس والراح
وفيك غنى عن كل شيءٍ يروقني ... ووجهك لي في ظلمه الليل مصباح
وريقك لي خمرٌ وعيناك نرجسٌ ... وصدغك لي آسٌ وخدك تفاح
وللصاحب في غلامٍ عاشقٍ:(1/32)
بدا لنا كالبدر في شروقه ... يشكو غزالاً لج في عقوقه
يا عجبي للدهر في طروقه ... من عاشقٍ أحسن من معشوقه
ومما قيل في غلامٍ دخل الماء:
باشر الماء وهو في رقة الجل ... دة كالماءٍ غير أنه ليس يجري
خمش الماء جلده الرطب حتى ... خلته لابساً غلالة خمري
ومما قيل في غلام استعمل النورة:
ومجردٍ كالسيف أسلم نفسه ... لمجردٍ يكسوه مالا ينسج
ثوبٌ تمزقه الأنامل رقةً ... ويذيبه الماء القراح فيبهج
فكأنه لما استوى في خصره ... نصفان ذا عاجٌ وذا فيروزج
ومما قيل في غلام حلقت طرته:
قل لمن راح عند حلقٍ ليجلى ... شعره شامتاً كمدرك ثار
يعلم الله ما بقلبك مذ آ ... ذن صبح الجمال بالإسفار
كان كالبدر في قناع ظلامٍ ... وهو الآن مثل شمس النهار
ولبعضهم فيه:
حلقوا رأسه ليكسوه قبحا ... خيفة منهم عليه وشحا
كان قبل الحِلاق ليلاً وصبحا ... فمحوا ليله وأبقوه صبحا
ومما قيل في غلامٍ خياطٍ:
أيا من رأى البدر بدر السما ... يروح ويغدو إلى سوقه
إذا مزق الثوب مقراضه ... يمزق قلبي كتمزيقه
وقال مؤلف الكتاب في غلامٍ خبازٍ:
برأس سكة عمارٍ لنا قمرٌ ... من وجه عثمان يا طوبى لخبزته
إذ قوت أجسامهم مما يبيعهم ... وقوت أرواحهم من حسن صورته
وله فيه أيضاً:
قولوا لعثمان في أوقات طيبته ... إذا تبسم عن در وياقوت
إني أراك تبيع الناس قوتهم ... ففيم تمنع عني القوت يا قوتي
ومما قيل في غلامٍ بيده غصن نورٍ قول ابن سكرة:
غصن بانٍ أتى وفي اليد منه ... غصنٌ فيه لؤلؤٌ منظوم
فتحيرت بين غصنين في ذا ... قمرٌ طالعٌ وفي ذا نجوم
ومما قيل في غلامٍ مخمور قول ابن المعتز:
ومقتول سكرٍ عاش لي إن دعوته ... يبادر مسروراً يرى غيه رشدا
وقام يكفيه بقايا خماره ... وعيناه من خديه قد جنتا وردا
ومما قيل في غلامٍ مجدورٍ:
وقالوا شانه الجدري فانظر ... إلى وجهٍ به أثر الكلوم
فقلت: ملاحةٌ نثرت عليه ... وما حسن السماء بلا نجوم
ومما قيل في غلامٍ أعجمي قول أبي تمام:(1/33)
لدن البنان له لسانٌ معجمٌ ... خرسٌ نواحيه ووجهٌ معرب
ومما قيل في غلامٍ جسيمٍ قول القاضي التنوخي:
قالوا: عشقت عظيم الجسم قلت لهم ... الشمس أعظم جرمٍ جاده الفلك
وقال مؤلف الكتاب فيه:
هل سبيلٌ إلى عناقٍ كما عا ... نقت عند الفراق يوم الوداع
شادناً فاتناً سميناً جسيماً ... ملء عيني وملء قلبي وباعي
ومما قيل في غلامٍ يظلل من الشمس قول ابن العميد:
ظلا تظللني من الشمس ... نفسٌ أعز علي من نفسي
فأقول يا عجبي ومن عجبٍ ... شمسٌ تظللني من الشمس
ومما قيل في غلامٍ ينفخ في الجمر قول الصنوبري:
وجهك فوق النار في حسنها ... وفوك فوق المسك والعنبر
ومما قيل في غلامٍ يرش ماء الورد قول ابن سكره:
ليت شعري عن ماء وردك هذا ... هو من جنتيك أم شفتيكا
رق جسماً وطاب عرفاً فقد دل ... ل بأوصافه الحسان عليكا
ومما قيل في غلامٍ سلس القياد قول بعضهم:
أرسلت في وصف صديقٍ لنا ... ماحقه الكتبة بالعسجد
في الحسن طاووسٌ ولكنه ... أسجد في الخلوة من هدهد
ومما قيل في غلامٍ معقرب الوجه قول ابن المعتز:
ظبيٌ يتيه بحسن صورته ... عبث الدلال بلحظ مقلته
وكأنه عقرب صدغه احترقت ... لما دنت من نار وجنته
وقال مؤلف الكتاب فيه:
بنفسي هلالٌ يخال الهلال ... لتلك المحاسن منه حسودا
كأن عقارب أصداغه ... غذين بمسكٍ فأصبحن سودا
ومما قيل في غلامٍ التحى:
قال العذول أتت حبيبك لحيةٌ ... حكمت بأن البدر منه يكسف
فأجبتهم والقول مني فيصلٌ ... هي حليةٌ لا لحيةٌ فلتنصفوا
قال مؤلف الكتاب في غلامٍ مسافرٍ:
فديت مسافراً ركب الفيافي ... وأثر في محاسنه السفار
فمسك خد ورديه السوافي ... وعنبر مسك خديه الغبار
ومما قيل في غلامٍ آلمه الضرس:
عجباً لضرسك كيف يشكو علةً ... وبجنبه من ريقك الترياق
هلا حمدت سقام ناظرك الذي ... عافاك وابتليت به العشاق
أو عقربي صدغيك إذ لدغا الورى ... وحماك من حمتيهما الحلاق
ومما قيل في غلامٍ به رمد قول ابن المعتز:(1/34)
قالوا اشتكت عيناه قلت لهم ... من كثرة الفتك مسها الوصب
حمرتها من دماء من فتكت ... والدم في النصل شاهدٌ عجب
ولعبيد الله بن عبد الله بن طاهرٍ فيه أيضاً:
يا من تشكى ألم العين ... حاشا لعينيك من الشين
عينٌ من الناس أصابتهما ... ما أسرع العين إلى العين
لو كان مما يشترى مثله ... لابتعته بالعين والدين
أو كان ما يمكن تحويله ... حولت شكواك إلى عيني
ومما قيل في غلامٍ جربٍ قول الوأواء:
يا صروف الدهر حسبي ... أي ذنبٍ كان ذنبي
علةٌ خصت وعمت ... في حبيبٍ ومحب
دب في كفيه ما من ... حبه دب بقلبي
فهي تشكو حر حبً ... واشتكائي حر حب
ومما قيل في غلامٍ ذمي:
وما أنس لا أنس ظبي الكناس ... يريد الكنيسة من داره
فيا حسن ما فوق أزراره ... ويا طيب ما تحت زناره
ومما قيل في غلامٍ أصابه سهمٌ فمات:
فإن تك قد أصبت بسهم رامٍ ... وكانت قوسه سبباً لحتفك
فكم يومٍ أدمت القتل فيه ... بقوسي حاجبيك وسهم طرفك
ومن أحاسن ما قيل في لطائف الغزل قول ابن الرومي:
أصف الحبيب ولا أقول كأنه ... كلا لقد أمسى من الأفراد
إني لأستحيي محاسن وجهه ... أن لا أنزهها عن الأنداد
وقول السري الموصلي:
بنفسي من رد التحية ضاحكاً ... فجد بعد اليأس في الوصل مطمعي
وحلت دموع العين بيني وبينه ... كأن دموعي فيه تعشقه معي
وقول الآخر:
فؤادي كفيك إذا ما نطقت ... وصبري كخصرك من رقته
وبالجسم مني الذي يشتكي ... ه طرفك من غير ما علته
أشبه وعدك فيما وعدت ... بعقرب صدغك في عطفته
وأزداد في كل يومٍ هوىً ... وحسنك يزداد في فتنته
ومن أحاسن الصابي قوله:
مر ما بي من أجلك اليوم حلو ... وعذابي في مثل حبك عذب
وقول أبي فراسٍ الحمداني:
وشادنٌ قال لي لما رأى سقمي ... وضعف جسمي والدمع الذي انسجما
أخذت دمعك من جسمي وجسمك من ... خصري وسقمك من طرفي الذي سقما
وقول مؤلف الكتاب:
أنا يا صاح لست عند بصاح ... أنت روحي وراحتي أنت راحي(1/35)
ومتى لاح برق ثغرك عندي ... مطرتني سحابة الإرتياح
وقال أيضاً:
يا قبلة العشاق يا من به ... ستر الهوى بين الورى منتهك
جردت من لحظك سيفا فلم ... أغمدته في قلب عبد الملك
وقال أبو فراسٍ الحمداني:
سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنوم عن عيني تمايله
ألوى بعزمي أصداغٌ لوين له ... وغال صبري ما تحوي غلائله
وما السلاف دهتني بل سوالفه ... ولا الشمول ازدهتني بل شمائله
ولغيره:
يا عليلاً جعل العل ... لة مفتاحاً لسقمي
ليس في الدنيا عليلٌ ... غير جفنيك وجسمي
وللصاحب في العذار:
لما بدا العارض في خده ... زاد الذي ألقى من الوجد
وقلت للعذال: يا من رأى ... بنفسجاً يطلع من ورد
ولبعضهم:
يا ذا الذي خط الجمال بوجهه ... خطين هاجا لوعةً وبلا بلا
ما كنت أعرف أن لحظك صارمٌ ... حتى لبست بعارضيك حمائلا
وللصاحب:
خط ألم بخده ... فازداد عاشقه ألم
والسيف يحسن في الجلا ... والنور يبدو في الظلم
والطرس أحسن ما يكو ... ن إذا جرى فيه القلم
ولبعضهم في التحاء الغلام:
قللت لما تشوكت عارضاه ... وأزال الظلام ضوء نهاره
ما الذي قد بدا فقال مجيباً ... كل من مات سودوا باب داره
وله فيه أيضاً:
التحى قاسم فشق عليه ... كل بدرٍ يدنو الكسوف إليه
يا عذاريه فوق خديه يا صد ... غيه يا مقلتيه يا وجنتيه
كنت أبكي علي منه فلما ... مات يوم التحى بكيت عليه
وللقاضي التنوخي:
قلت لأصحابي وقد مربي ... منتقباً بعد الضيا بالظلم
بالله يا أهل ودادي قفوا ... كي تبصروا كيف زوال النعم
الباب الخامس عشر في الشباب والشيب
أحسن ما قيل في مدح الشباب قول هارون بن المنجم:
أعط الشباب نصيبه ... ما دمت تعذر بالشباب
وانعم بأيام الصبا ... واخلع عذارك في التصابي
ومما يليق بهذا الفصل قول السري:
قم فانتصف من صروف الدهر والنوب ... واجمع بكأسك شمل اللهو والطرب
فالعيش في ظل أيام الصبا فإذا ... فارقت غصن الشباب الغص لم يطب(1/36)
جريت في حلبة الأهواء مجتهداً ... وكيف أقصر والأيام في طلبي
ومن أحسن ما قيل في حلول الشيب قبل وقته قول ابن المعتز:
صدت شرين وأزمعت هجري ... وصغت ضمائرها إلى الغدر
قالت: كبرت وشبت، قلت لها: ... هذا غبار وقائع الدهر
ولغيره:
أفي أربع من بعد عشرين عشتها ... طلوع مشيبٍ إن ذا لعجيب
ومن أبلغ ما قيل في التأسف على الشباب قول منصورٍ:
ولا غرو لو لاقى الذي قد لقيته ... غرابٌ لقد كان الغراب يشيب
ما تنقضي حسرةٌ مني ولا جزع ... إذ ذكرت شباباً ليس يرتجع
ما كنت أوفي شبابي كنه عزته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع
أبكي شباباً سلبناه وكان وما ... يوفي بقيمته الدنيا وما تسع
ومما قيل في التأسف على الشعر الأسود:
وكنت إذا سرحت بالمشط عارضي ... رأيت سحيق المسك بين يديا
فصرت إذا خللته بأصابعي ... تناثر كافورٌ بهن عليا
ومن أحاسن بعضهم:
وأنكرت شمس الشيب في ليل لمتي ... لعمرك ليلي كان أحسن من شمسي
كأن الصبا والشيب يطمس نوره ... عروس أناسٍ مات في ليلة العرس
ومما قيل في كراهة النساء الشيب:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
وكن إذا أنصرنني أو سمعن بي ... جرين فقرعن الكوى بالمحاجر
وقول ابن المعتز:
تولى الجهل وانقطع العتاب ... ولاح الشيب وافتضح الخضاب
لقد أبغضت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبني الخود الكعاب
وقول بعضهم:
ولقد رأيت صعيرةً ... مسحت عذاري بالخمار
قالت غبارٌ قد علا ... ك فقلت ذا غير الغبار
هذا الذي نقل الملو ... ك إلى القبور من الديار
وقول ابن المعتز:
يا ذا الذي كتم المشيب وقد فشا ... قل لي متى سقط الغراب عليكا
وقول الصاحب:
ما بال وسنى عرضتني ... عند شيبي للأذى
تقول بعداً بعدما ... كانت تقول حبذا
وكنت كحل عينها ... فصرت فيها كالقذى
وقول أبي الفتح البستي في ذم الشيب:
دع دموعي يسلن سيلاً بدارا ... وضلوعي يصلين بالوجد نارا(1/37)
قد أعاد الأسى نهاري ليلاً ... مذ أعاد المشيب ليلي نهارا
ومن أحسن ما قيل في قص الشيب قول البحتري:
شعراتٌ أقصهن ويرجع ... ن رجوع السهام في الأغراض
وقول ابن المعتز:
ألست ترى شيبا برأسي شاملاً ... ونت حيلتي عنه وضاق به ذرعي
كأن المقاريض التي تعتورنه ... مناقير طيرٍ ينتقي سنبل الزرع
وقال الأمير أبو الفضل الميكالي: [مجزور الرجز]:
أحسن أيام الفتى ... ما قيل عنها حدث
شبابه من فضةٍ ... والشيب فيها خبث
ومما قيل في إنذار الشيب بالموت قول محمودٍ:
الشيب إحدى الموتتين تقدمت ... إحداهما وتأخرت أخراهما
وكأن من حلت به صغراهما ... يوماً فقد حلت به كبراهما
وقال ابن المعتز:
يا خاضب الشيب بالحناء تستره ... سل الإله له ستراً من النار
لن يرحل الشيب عن دارٍ يلم بها ... حتى يرحل عنها صاحب الدار
وقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
تضاحكت لما رأت ... شيبا تلالا غرره
وقد رأت دمعي على ... خدي تجري درره
قلت لها لا تعجبي ... أنبيك عندي خبره
هذا غمامٌ للردى ... ودمع عيني مطره
وقال غيره:
من شاب قد مات وهو حي ... يمشي على الأرض مشي هالك
وقول مؤلف الكتاب:
أبا منصورٍ المغرور أقصر ... وأبصر طرق أصحاب الرشاد
ألست ترى نجوم الشيب لاحت ... وشيب المرء عنوان الفساد
ومن أحسن ما قيل في الإشفاق من الشيب قول مسلم:
الشيب كره وكرهٌ أن يفارقني ... فاعجب لشيءٍ على البغضاء مودود
يمضي الشباب وقد يأتي له خلفٌ ... والشيب يذهب مفقوداً بمفقود
وقول أبي الفتح البستي في مثله:
يا شيبتي دومي ولا تترحلي ... وتيقني أني يوصلك مولع
قد كنت أجزع من حلولك مرةً ... فالآن من حذر ارتجاعك أجزع
وقال غيره:
لا يرعك المشيب يا ابنة عبد ال ... له فالشيب زينةٌ ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار
من أحسن ما قيل في الرد على عائب الشيب:
وعائبٌ عابني بشيبٍ ... لم يعد لما أقام وقته
فقل لمن عابني سفاهاً ... يا عائب الشيب لا بلغته(1/38)
ولابن المعتز:
وقالوا النصول مشيبٌ جديدٌ ... فقلت الخضاب شباب جديد
إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود
وظرف ابن الرومي قي قوله:
يا أيها الرجل المسود شعره ... كيما يعد به من الشباب
أقصر فلو سودت كل حمامةٍ ... بيضاء ما عدت من الغربان
وله أيضاً:
بكيت من الشيب حتى ضجرت ... وقد دب في عارضي واشتعل
وسود وجهي فسودته ... فعلت به مثل ما قد فعل
ولم أر في آثار الكبر أحسن من قول ابن المعتز:
لا تلم بالمدام مطلي وحبسي ... ليس يومي يا صاحبي مثل أمسي
لا تسلني وسل مشيبي عني ... مذ عرفت الخمسين أنكرت نفسي
وقول بعضهم:
المرء مثل هلالٍ حين تبصره ... يبدو لعيني صعيفاً ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبه ... كر الجديدين نقصاً ثم ينمحق
وظرف من قال:
لم أخضب الشيب للغواني ... لأبتغي عندها الودادا
لكن خضابي على شبابي ... لبسته بعده جدادا
الباب السادس عشر في مكارم الأخلاق وفي المدائح
قال بعض الأئمة: أمدح بيتٍ للعرب قول زهيرٍ:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وكان الأستاذ الطبري يقول: أمدح بيتٍ للبحتري قوله:
دنوت تواضعاً وعلوت مجداً ... فشأناك: انحدارٌ وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامى ... ويدنو الضوء منها والشعاع
وللوأواء:
من قاس جودك بالغمام فما ... أنصف في الحكم بين شكلين
أنت إذا جدت ضاحكٌ أبداً ... وهو إذا جاد دامع العين
وقال المتنبي:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وقوله أيضاً:
ليس التعجب من مواهب ماله ... بل من سلامتها إلى أوقاتها
عجبا له حفظ العنان بأنملٍ ... ما حفظها الأشياء من عاداتها
ذكر الأنام لنا، وكان قصيدةً ... كنت البديع الفرد من أبياتها
وقوله أيضاً:
الناس ما لم يروك أشباه ... والدهر لفظٌ وأنت معناه
والجود عينٌ وأنت ناظرها ... والبأس باعٌ وأنت يمناه
إن كان فيما نراه من كرمٍ ... فيك مزيدٌ، فزادك الله
وليس لقول كشاجم شبيهٌ:(1/39)
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ ... من شر أعينهم بعيبٍ واحد
ومن أحسن ما قيل في الجود قول البحتري:
ملكٌ أطاعته العلى فأطاعها ... في ماله وعصى على عذاله
وقوله أيضاً:
ولست أدري أي آياته ... أحسن إن عددها الشعر
أوجهه الواضح أم حلمه الر ... اجح أم نائله الغمر
و قوله أيضاً:
أفدي نداك قرب يومٍ جاءني ... عفوا يقود لي الغنى بزمامه
وإذا أردت لبست منك مواهباً ... ينشرن نشر الورد من أكمامه
ومن غرر أبي بكرٍ العلاف قوله لعضد الدولة:
يا علم العالم في الجود ... مثلك جوداً غير موجود
بل استوى الجود على جرمه ... كما استوى الفلك على الجودي
قال بعضهم في الكرم:
وإذا الكريم نبت به أيامه ... لم ينتعش إلا بعون كريم
فأعلن على الخطب العظيم فإنه ... يرجى العظيم لدفع كل عظيم
ومن أحسن قول أبي فراسٍ الحمداني:
ويدعى كريماً من يجود بماله ... ومن يبذل النفس الكريمة أكرم
وقال أبو تمامٍ في الشجاعة:
وإذا رأيت أبا يزيدٍ في ندى ... ووغى ومبدي غارة ومعيدا
يقري مرجيه مشاشة ماله ... وشي الأسنة ثغرةً ووريدا
أيقنت أن من السماح شجاعةً ... تدمي وأن من الشجاعة جودا
وقال المتنبي:
وكل شجاعةٍ في المرء تغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم
ومن أحسن ما قيل في مدح الشجاع قوله:
شجاعٌ كأن الحرب عاشقةٌ له ... إذا زارها فدته بالخيل والرجل
ومن أحسن ما قيل في مدح الحلم:
أرى الحلم في بعض المواطن ذلةً ... وفي بعضها عزاً يسود فاعله
وأحسن ما سمعت في ترك الحلم بعد الإعذار قول الحسن بن الضحاك:
أتاني منك ما ليس ... على مكروهه صبر
فأغضيت على عمدٍ ... وقد يغضي الفتى الحر
وأدبتك بالهجر ... فما أدبك الهجر
ولا ردك عما كا ... ن منك الصفح والزجر
فلما اضطرني المكرو ... ه واشتد بي الأمر
تناولتك من سري ... بما ليس له قدر
فحركت جناح الذل ... ل لما مسك الضر
إذا لم يصلح الخير ام ... رأً أصلحه الشر
وهو من قول بعضهم:
وبعض الحلم عند الجه ... ل للذلة إذعان(1/40)
وفي الشر نجاةٌ حي ... ن لا ينجيك إحسان
ومن أحسن ما سمعت في التواضع قول بعضهم:
لعمرك ما الأشراف في كل بلدةٍ ... وإن عظموا للفضل إلا صنائع
أرى عظماء الناس للفضل خشعاً ... إذا ما بدا والفضل لله خاشع
تواضع لما زاده الله رفعةً ... فكل رفيعٍ عنده متواضع
قال القطامي في التأني:
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
ثم قال بعد ذلك:
وربما فات قوماً بعض أمرهم ... من التأني وكان الحزم لو عجلوا
ومن أحسن ما قيل في الصدق قول محمودٍ:
الصدق حلوٌ وهو المر ... والصدق لا يتركه الحر
جوهرة الصدق لها جوهر ... يحسدها الياقوت والدر
وأحسن ما سمعت في الذنب والعفو قول بعضهم:
تبسطنا على الآثام لما ... رأينا العفو من ثمر الذنوب
وأحسن ما سمعت في القناعة قول ابن طباطبا العلوي:
كن بما أوتيته مقتنعاً ... تستدم عسر القنوع المكتفي
إن في نيل المنى وشك الردى ... وهلاك المرء في ذا السرف
وقول الآخر:
اقتنع بالقوت واجعل ... كل أيامك طاعه
ما أرى الدنيا تساوي ... عند حر غم ساعه
ولا مزيد على قول البرقعي في ذم القناعة:
رأت عز ما بي وفرط انكماشي ... وطول التململ فوق الفراش
وقالت أراك أخا همةٍ ... ستبلغها فترى ذا انكماش
فهلا فنعت ولم تغترب ... فقلت القناعة طبع المواشي
ومن أحسن ما قيل في الحياء:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فافعل ما تشاء
فلا والله ما في العيش خيرٌ ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
ومن أحسن ما قيل في الرفق قول بعضهم:
لم أر مثل الرفق في يمنه ... يستخرج العذراء من خدرها
من يستعن بالرفق في أمره ... يستخرج الحية من جحرها
ومن أحسن ما قيل في المداراة قول أبي سليمان:
ما دمت حيا فدار الناس كلهم ... فإنما أنت في دار المداراة
دنياك ثغرٌ فكن منها على حذرٍ ... فالثغر مثوى مخافات وآفات
ومن أحسن ما قيل في علو الهمة قول ابن طباطبا العلوي:
له همةٌ إن قست فرط علوها ... حسبت الثريا في قرار قليب(1/41)
وأحسن منه قول الآخر:
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
له راحةٌ لو أن معشار جودها ... على البر كان البر أندى من البحر
من أحسن ما قيل في التقوى قول الشاعر:
أحسن بربك ظنا ... فإنه عند ظنك
واجعل من الله حصناً ... فإنه خير حصنك
ومن أحسن ما قيل في كتمان السر قول أبي الفتح:
إذا خدمت الملوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس
وكن إذا ما دخلت أعمى ... وكن إذا ما خرجت أخرس
ومن أحسن ما قيل في التوسط في الأمور:
عليك بأوساط الأمور فإنها ... نجاةٌ ولا تركب ذلولاً ولا صعبا
وأحسن ما قيل في الهيبة قول بعضهم:
يغضي حياءً ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
ومن أحسن ما قيل في مدح الوالي قول مسلم:
إنما كنا كأرضٍ ميتةٍ ... ليس للزائر فيها منتظر
فحيينا بك إذ وليتنا ... وكذاك الأرض تحيا بالمطر
وقال علي بن جبلة:
دجلة تسقي وأبو غانمٍ ... يطعم من تسقي من الناس
الناس جسمٌ وإمام الهدى ... رأسٌ وأنت العين في الراس
ولعلي بن الجهم:
يا بني طاهر حللتم من النا ... س محل الأرواح في الأجسام
وإذا رابكم من الدهر ريبٌ ... عم ما خصكم جميع الأنام
ولابن الرومي:
كل الخلال التي فيكم محاسنكم ... تشابهت منكم الأخلاق والخلق
فأنتم شجر الأترج طاب معاً ... حملاً ونوراً وطاب العود والورق
أحسن ما سمعت في طبيب فصادٍ قول كشاجم:
الحمد لله قد وجدت أخا ... لست بذا الدهر مثله واجدا
أسكن في صحتي إليه فإن ... مرضت كان الطبيب والعائد
أحنى على كل من يعالجه ... من الشقيق الشقيق والوالد
يعلم من قبل أن تخاطبه ... ما أنت من كل علةٍ واجد
كأنما تحت ما يجس به ... فلب دليلٍ وناظرٍ رائد
كأنما طرفه لمبضعه ... متصلٌ في طريقه القاصد
كأنه من نصيحةٍ وتقىً ... لنفسه دون غيره قاصد
يبقي علينا دم الحياة ولا ... يخرج إلا المضر والفاسد
يخرج مقدار ما زيد على ال ... مزاج لا ناقصاً ولا زائد(1/42)
إن جمد الطبع حل منه وإن ... ذاب انحلالاً أعاده جامد
متسع الكم غير ضائره ... يسعد في لطف كفه الساعد
مبارك الشخص حين تبصره=توقن بالبرء أنه وارد وقال بعضهم في طبيبه:
إذا سقامٌ عراك نازله ... فاندب أبا جعفر لنازله
يعرف ما يشتكيه صاحبه ... كأنه حل في مفاصله
وأحسن ما سمعت في وصف مزينٍ قول الطبري:
لو لم تقع..... على فخذي ... ما كان قد وقع محسوسا
وقال مؤلف الكتاب في منجمٍ:
صديقٌ لنا عالمٌ بالنجوم ... يحدثنا بلسان الملك
ويكتم أسرار إخوانه ... ولكن ينم بسر الفلك
الباب السابع عشر في الشكر والعذر والاستماحة والاستباحة وما يجري مجراها
من أحسن ما قيل في الشكر والثناء قول بعضهم:
رهنت يدي للعجز عن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد
ولو كان شيئاً يستطاع استطعته ... ولكن ما لا يستطاع شديد
من أحاسن أبن نواسٍ قوله:
قد قلت للعباس معتذراً ... من ضعف شكريه ومعترفا:
أنت امرؤٌ حملتني نعماً ... أوهت قوى سكري فقد ضعفا
لا تسدين إلي عارفةً ... حتى أقوم بشكر ما سلفا
ومن الأحاسن قول إبراهيم بن المهدي للمأمون:
رددت مالي ولم تبخل علي به ... وقبل ردك مالي قد حقنت دمي
فأبت عنك وقد أوليتني نعما ... هي الحياتان من موتٍ ومن عدم
وقول أبي تمام:
لأن جحدتك ما أوليت من حسنٍ ... إني لفي اللؤم أحظى منك في الكرم
رددت رونق وجهي في صحيفته ... رد الصقال بهاء الصارم الخذم
وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي
وله أيضاً:
ممطراً لي بالجاه والمال لا أل ... قاك إلا مستوهباً أو وهوبا
فإذا ما أردت كنت رشاءً ... وإذا ما أردت كنت قليبا
ومن أحسن ما قيل في شكر إعادة البر قول جحظة:
مازلت تحسن ثم تحسن عائداً ... وأعود شاكر نعمةٍ فتعود
وتزيد في النعمى وأشكر جاهداً ... وكذاك نحن تعيد لي فأعود
ومن أحسن ما قيل في العذر قول إبراهيم بن المهدي:
أغثني أمير المؤمنين بنظرةٍ ... تزول بها عني المهانة والذل(1/43)
فإلا أكن أهلاً لما منك أرتجي ... فأنت أمير المؤمنين له أهل
وعفوك أرجو لا البراءة إنه ... أبى الله إلا أن يكون لك الفضل
وقوله أيضاً:
ذنبي إليك عظيمٌ ... وأنت للعفو أهل
فإن عفوت ففضلٌ ... وإن أخذت فعدل
ومما ينخرط في سلك هذا الفصل قول ابن المعتز وهو نهايةٌ في الحسن والظرف:
يا سيدي قد عثرت خذ بيدي ... ولا تدعني ولا تقل تعسا
واعف فإن عدت فاعف ثانيةً ... فقد يداوي الطبيب من نكسا
وقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه
ضيعت عرفك عندي ... ولم أصنه فصنه
إن لم أكن في فعالي ... حراً كريماً فكنه
وقول أبي علي:
ولو أن فرعون لما طغى ... وقال على الله إفكاً وزورا
أناب إلى الله مستغفراً ... لما وجد الله إلا عفورا
ومن أحاسن الاستماحات قول البحتري:
يدٌ لك عندي قد أبر ضياؤها ... على الشمس حتى كاد يخبو سراجها
فإن تلحق النعمى بنعمى فإنه ... يزين اللآلي في النظام ازدواجها
ولم أسمع أشد تصريحاً في الاستماحة من الخليع حيث يقول:
أنا حامدٌ أنا شاكرٌ أنا ذاكرٌ ... أنا جائعٌ أنا راجلٌ أنا عاري
هي ستةٌ فكن الضمين لنصفها ... أكن الضمين لنصفها يا باري
وقول بعضهم:
العار في مدحي لغيرك فاكفني ... بالجود منك تعرضي للعار
والنار عندي في السؤال فهل ترى ... ألا تكلفني دخول النار
ومن أحاسن ما قيل في استهداء الشراب قول نصر بن سيار:
اسر الهدايا ما تسر به النفس ... وآنس شيءٍ ما يتم به الأنس
وأفضل ما يهدى إلى الشيء جنسه ... فللروح أهد الراح فهي لها جنس
وقول الآخر:
جعلت فداك بعض الناس عندي ... وفيهم من يودك مثل ودي
وفي المشروب ضيقٌ وهو شيءٌ ... إذا أنفذته حصلت حمدي
فأنفذ ما استطعت بلا مزاجٍ ... فإن الماء ليس يضيق عندي
ومن أحسن ما قيل في الاستزادة قول ابن الرومي:
أيها المنصف إلا رجلاً ... واحداً أصبحت ممن ظلمه
كيف ترضى الفقر عرساً لامرئٍ ... وهو لا يرضى لك الدنيا أمه(1/44)
هززتك لا أني وجدتك ناسياً ... لوعدٍ ولا أني أردت التقاضيا
ولكن وجدت السيف عند انتضائه ... إلى الهز محتاجاً وإن كان ماضياً
وقول بعضهم:
أبا حسنٍ شفعت إلى الليالي ... بودك إنه أزكى شفيع
إذا أكدى الربيع فأين خيرٌ ... يؤمل للحيا بعد الربيع
الباب الثامن عشر في مساوئ الأخلاق والأهاجي
قال بعض الرواة: أهجى بيتٍ للعرب قول الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
وقول الأخطل:
قومٌ إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم: بولي على النار
وأجمعوا على أن أهجى بيتٍ للمحدثين قول مسلمٍ في الحكم:
أما الهجاء فدق عرضك دونه ... والمدح عنك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنه ... عرضٌ عززت به وأنت ذليل
وقوله أيضاً:
قبحت مناظرهم فحين بلوتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر
وقول أبي نواسٍ:
بما أهجوك لا أدري ... لساني فيك لا يجري
إذا فكرت في عرض ... ك أشفقت على شعري
وما أحسن ما قال أبو تمامٍ في اللؤم:
ومنازلٍ لم يبق فيها ساحةٌ ... إلا وفيها سائلٌ محروم
عرصات لؤمٍ لم يكن لسيدٍ ... وطناً ولم يرفع بهن كريم
ومن أحسن ما قيل في شرف الأصل ولؤم النفس قول ابن الرومي:
وما الحسب الموروث لا در دره ... بمحتسبٍ إلا بآخر مكتسب
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس في الحطب
وقول الآخر:
أبوك أبٌ حر وأمك حرةٌ ... وقد يلد الحران غير نجيب
فلا يعجبن الناس منك ومنهما ... فما خبثت من فضةٍ بعجيب
ومن أحسن ما قيل في الثقيل قول إبراهيم:
إذا أقبل لا أقب ... ل قلنا كلنا آه
وإن أدبر كبرنا ... جميعاً ولعناه
ومن أحسن ما قيل في القبح قول أبي تمامٍ:
قبحت وزدت فوق القبح حتى ... كأنك قد خلقت من الفراق
مساوٍ لو قسمن على نساءٍ ... لما أمهرن إلا بالطلاق
وقال الآخر:
وجه أبي عمروٍ اللعين به ... في القبح والبرد يضرب المثل
كأنه في اتساع صورته ... روثة ثورٍ قد داسها جمل(1/45)
ومن أحسن ما قيل في ذوي المنظر الجميل ولا خير عندهم:
إذا ما جئت أحمد مستميحاً ... فلا يغررك منظره الأنيق
له عرفٌ وليس لديه عرفٌ ... كبارقة تروق ولا تريق
فلا تخشى العداوة منه أصلاً ... كما بالوعد لا يثق الصديق
ومن ملح الصابي قوله في وصف أبخر:
مضغ الهندي للهر ... ة خبزاً فرماها
فدنت منه فشمت ... ه فظنته خراها
فحثت ترباً عليه ... ثم ولته قفاها
وقوله في هجاء معلمٍ:
وكيف يرجى العقل والفضل عند من ... يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل
وليس في هجاء أعمى أحسن من قول القائل:
كيف يرجو الحياء منه صديقٌ ... ومكان الحياء منه خراب
الباب التاسع عشر في الأمراض والعيادات وما ينضاف إليها
أحسن ما قيل في مدح الصحة وذم المرض قول بشار بن برد:
إني وإن كان جمع المال يعجبني ... فليس يعدل عندي صحة الجسد
في المال زينٌ وفي الأولاد مكرمةٌ ... والسقم ينسيك ذكر المال والولد
وقول عنترة:
المال للمرء في معيشته ... خيرٌ من الوالدين والولد
وإن تدم نعمةٌ عليه تجد ... خيراً من المال صحة الجسد
وما بمن نال فضل عافيةٍ ... وقوت يومٍ فقرٌ إلى أحد
من أحسن ما قيل في عيادة السادة قول بعضهم:
قالوا أبو الفضل معتل، فقلت لهم: ... نفسي الفداء له من كل محذور
يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور
ومن أحسن ما قيل في عيادة الأخوان قول بعضهم:
إن كنت في ترك العيادة تاركاً ... حظي، فإني في الدعاء لجاهد
ولربما ترك العيادة مشفقٌ ... وأتى على كره الضمير الحاسد
ومن أحسن ما قيل في مرض الحبيب قول أبي تمام:
إن وجه الحمى لوجه صفيقٌ ... حين حلت به نهاراً جهاراً
لم تشن وجهه المليح ولكن ... حولت ورد وجنتيه بهارا
وقول الآخر:
غيرت العلة من وجهه ... ما كان فيه فتنة العالمين
ولم تشن وجهاً ولكنها ... غيرت التفاح بالياسمين
وقول الآخر:
ولو أن المريض يزيد حسناً ... كما تزداد أنت على السقام(1/46)
لما عيد المريض إذا وعدت ... له الشكوى من المنح العظام
وأحسن ما سمعت في هذا الباب قول بعضهم:
مرض الحبيب فعدته ... فمرضت من حذري عليه
فأتى الحبيب يعودني ... فبرئت من نظري إليه
وأحسن ما قيل في الحمى:
وزائرةٍ بلا وعدٍ أتتني ... فحلت بين جسمي والفؤاد
سنانٌ للمنايا أن تراءت ... لنفسي فالمنايا في طراد
ومن أحسن ما قيل في العتاب على ترك العيادة قول بعضهم:
لما اعتللت تجافي عن مواصلتي ... من كنت أرصده للبرء والسقم
إن عاقه الشغل عن إتيان مكرمةٍ ... فلم يعقه عن القرطاس والقلم
ويحسن قول الآخر:
حق العيادة يومٌ بين يومين ... في جلسةٍ لك مثل اللمح بالعين
لا تحزنن مريضاً في مساءلةٍ ... يكفيك من ذاك تسآلٌ بحرفين
أحسن ما سمعت في البرء بعد الإشراف قول ابن المعتز:
أتاني برءٌ لم أكن فيه طامعاً ... كحل أسيرٍ بعد شد وثاقه
فإن كنت لم أجرع من الموت جرعةً ... فإني مججت الموت بعد مذاقه
أحسن ما سمعت في التهنئة قول المتنبي:
المجد عوفي إذ عوفيت والكرم ... وزال عنك إلى أعدائك الألم
وما أخصك في برءٍ بتهنئةٍ ... إذا سلمت فكل الناس قد سلموا
وقول ابن المعتز في شرب الدواء:
لا زلت في غبطةٍ من الزمن ... لا يرتع السقم منك في البدن
وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع في الغصن
الباب العشرون في التهاني والتهادي
أول من هنأ بالعرش عدي بن الرقاع في بعض خلفاء بني أمية:
قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا
ما وارب الأستار مثلهما ... فيمن رأيناه فمن سمعا
دام السرور له بها ولها ... وتهنيا طول الحياة معا
وكتب مؤلف الكتاب إلى بعضهم:
قد لبس الدهر حسن زهوته ... مذ زوج المشتري بزهرته
وفي اقتران السعدين ما فيه من ... إشراق وجه العلى ونضرته
فالطرف مستأنسٌ بقرته ... والقلب يطوى على مسرته
من أحسن ما سمعت في التهنئة بمولود قول ابن الرومي:
شمسٌ وبدرٌ ولدا كوكباً ... أقسمت بالله لقد أنجبا(1/47)
ثلاثةٌ تشرق أنوارها ... لا بدلت من مشرقٍ مغربا
تبارك الله وسبحانه ... أي شهابٍ منكم أثقبا
أحسن ما سمعت في التهنئة بخلعةٍ قول بعض الكتاب:
أيا محمدٌ المأمول نائله ... فت البرية طراً أيما فوت
زهت بك الخلعة الميمون طائرها ... كزهو كسوة بيت الله بالبيت
وأحسن ما سمعت في التهنئة بقدوم من سفر قول ابن الرومي:
قدمت قدوم المشتري في سعوده ... وأمرك عالٍ صاعدٌ كصعوده
لبست سناه واعتليت اعتلاءه ... وتأمل أن تحظى بمثل خلوده
أحسن ما قيل في التهنئة بشهر رمضان:
نلت في ذا الصيام ما ترتجيه ... ووقاك الإله ما تتقيه
أنت في الناس مثل شهرك في اللأش ... هر أو مثل ليلة القدر فيه
وقول الصابي في الأضحى:
مرجيك وصابيكا ... بذا الأضحى يهنيكا
ويدعو لك والله ... مجيب ما دعا فيكا
وللصاحب في فضل الهدية:
إن الهدية حلوةٌ ... كالسحر تجتلب القلوبا
تدني البعيد من الهوى ... حتى تصيره قريبا
وأحسن ما سمعت في الاعتذار إلى الملوك من الإهداء:
على البعد حقٌ فهو لا بد فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله
وفي معناه قول ابن طباطبا:
لا تنكرن إذا أهديت نحوك من ... علومك الغر أو آدابك النتفا
فقيم الباغ قد يهدي لمالكه ... برسم خدمته عن باغه التحفا
كتب أحمد بن يوسف إلى علي بن يحيى:
من سنة الأملاك فيما مضى ... من سالف الدهر وأحواله
هدية العبد إلى ربه ... في جدة الدهر وإقباله
فقلت ما أهدي إلى سيدٍ ... حالي إذا فكرت من حاله
إن أهد نفسي فهي في ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله
فليس إلا الحمد والشكر وال ... مدح الذي يبقى لأمثاله
ومنها كتب إلى بعض الرؤساء:
هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي تعلو على مالي
فخالص الود ومحض الهوى ... أحسن ما يهديه أمثالي
ومن أحسن ما قيل في إهداء خاتمٍ قول بعض الكتاب:
هديتي خاتمٌ لذي أدبٍ ... مذكرةٌ عهد ود خادمه(1/48)
لو نقشت مقلةٌ بناظرها ... لصير العين فص خاتمه
أحسن ما قيل في إهداء كرسيً قول منصورٍ الفقيه:
عشت حميداً وطال عمرك ... وطاب في المكرمات ذكرك
أهديت شيئاً يقل لولا ... أحدوثه الفأل والتبرك
كرسي تفاءلت فيه لما ... رأيت مقلوبه يسرك
وأهدى بعضهم إلى صديقٍ له نبقاً وكتب إليه:
تفاءلت بأن تبقى ... فأهديت لك النبقا
فأبقاك إله الخل ... ق ما سرك أن تبقى
وأشقى الله شانيك ... وحاشا لك أن تشقى
أحسن ما قيل في إهداء النعل:
نعل بعثت بها لتلبسها ... قدمٌ لها درجٌ إلى المجد
لو كان يصلح أن يشركها ... خدي جعلت شراكها خدي
وفي إهداء السكين قول جحظة:
أهديت سكيناً إلى سيدٍ ... شرفه الله بآرائه
رأيتها في كف ذي نجدةٍ ... تعمل في أرواح أعدائه
وكتب مؤلف الكتاب إلى صديق له أهداه سكراً وشمعاً:
بعثت إلى سيدي سكراً ... حلاوته في قرار الصدور
وشمعاً يمزق ثوب الدجى ... ويلبس جيرانه ثوب نور
الباب الحادي والعشرون في المراثي والتعازي
من أحاسن المراثي قول ابن المعتز:
قد استوى الناس ومات الكمال ... وقال صرف الدهر أين الرجال
هذا أبو القاسم في نعشه ... قوموا انظروا كيف تزول الجبال
وقول بعضهم:
عجباً للموت في تصريفه ... ليس يحسو كأسه إلا خطير
يدع الأذناب ما يقربها ... وعلى الهامات ما زال يدور
ومن أحاسن ما قيل في المقتولين قول ابن الرومي:
كسته القنا حلةً من دمٍ ... فأضحت لدى الله من أرجوان
جزته معانقة الدارعين ... معانقة القاصرات الحسان
وقول منصورٍ الفقيه في المراثي:
أقول وقد هدني قولهم ... مضى ابن عقيل إلى ربه
لئن أشبه الناس في موته ... فقد عاش دهراً بلا مشبه
ومن أحاسن ما قيل في مرثية المصلوب قول ابن الأنباري:
علو في الحياة وفي الممات ... لحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلات
كأنك قائمٌ فيهم خطيباً ... وكلهم قيامٌ للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاءً ... كمدهما إليهم بالهبات(1/49)
أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحراسٍ وحفاظٍ ثقات
وتشعل عندك النيران ليلاً ... كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيةً من قبل زيدٍ ... علاها في السنين الماضيات
وتلك قضيةٌ فيها تأسٍ ... تباعد عنك تعيير العداة
أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت فتيل ثأر النائبات
وكنت تجير من صرف الليالي ... فعاد مطالبا لك بالتراب
ولو أني قدرت على قيامٍ ... بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحت بها خلاف النائحات
ولكني أصبر عنك نفسي ... مخافة أن أعد من الجناة
وما لك تربةٌ فأقول تسقى ... لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى ... برحماتٍ غوادٍ رائحات
ومن أحاسن ما قيل في مرثية الولد قول العتبي:
دعوتك يا بني فلم تجني ... فردت دعوتي بأسى عليا
بموتك ماتت اللذات عني ... وكانت حيةً إذ كنت حيا
فيا أسفي عليك وطول شوقي ... إليك لو أن ذلك رد شيا
وقوله أيضاً:
أبعد الشمل والنعم ... ة صيرت إلي القبر
فما يشهدك الأهلو ... ن إلا هيئة السفر
يزرونك في العيدي ... ن في الفطر وفي النحر
وقد كنت وكانوا ل ... ك في الألطاف والبر
وما تنزل من نحر ... ولا توضع من حجر
فلما وقع اليأس ... تناسوك على ذكر
وفي الأحشاء من ذكرا ... ك ما جل عن الصبر
ولآخر في ولدٍ صغيرٍ:
إن يكن مات صغيراً ... فالأسى غير صغير
كان ريحاني فقد أص ... بح ريحان القبور
من أحاسن التعازي قول أبي العتاهية:
اصبر لكل مصيبةٍ وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا ذكرت مصيبةً تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
وقول آخر متنازعٌ فيه:
إني أعزيك لا أني على ثقةٍ ... من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزي بباقٍ بعد تعزيةٍ ... ولا المعزى ولو عاشا إلى حين
وقول ابن المعتز:
لا تحزنن وقيت الحزن والألما ... ولا عدمت بقاءً يصحب النعما
أليس قد قيل فيما لست تنكره ... من مكرمات الفتى تقديمه الحرما(1/50)
يا شامتاً ببني وهبٍ وقد فجعوا ... لا تشمتن بنقصٍ زادهم كرما
ومن الأمثال السائرة في التعازي:
أحسن عزاءك عن أخيك فإنما ... سلك الزمان به سبيل الناس
وقال مؤلف الكتاب للأمير أبي العباس:
قل للمليك الأجل قدرا ... لا زلت بدراً تحل صدرا
إني أعزيك عن عزيزٍ ... كان لريب الزمان عذرا
وكان طهراً فصار أجراً ... وكان ظهراً فصار ذخرا
أحسن ما قيل في التعزي عن الميت:
يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزى في أحر من الجمر
ويسلو المعزى في ليالٍ قلائلٍ ... ويبقى المعزى عنه في ظلمه القبر
الباب الثاني والعشرون
في فنونٍ من الأحاسن مختلفة الترتيب
أحسن ما سمعت في الشمعة قول الصاحب:
ورائق القد مستحب ... يجمع أوصاف كل صب
صفرة لونٍ وسكب دمعٍ ... وذوب جسمٍ وحر قلب
أحسن ما سمعت في جاريةٍ سوداء قول بعض الشعراء:
قالوا عشقت من البرية أسودا ... مهلاً علقت بأضعف الأسباب
فأجبتهم ما في البياض فضيلةٌ ... وأرى السودا نهاية الطلاب
أهوى الشباب لأن رأسي أشيبٌ ... يدني الفنا وأحب لون شبابي
وكذلك الكافور بردٌ قاطعٌ ... والمسك أزكى الطيب للتطياب
للمقلة الحسناء فيه تفاخرٌ ... وبه تتم صنائع الكتاب
وبه يجمل كف كل خريدةٍ ... وبه تكحل عين كل كعاب
فتتعتعوا عند الجواب وعادتي ... أن تخرس النطاق عند جوابي
أحسن ما قيل في النهي عن احتقار العدو الصغير:
فلا تحتقرن عدواً رماك ... ولو كان في ساعديه قصر
فإن السيوف تحز الرقاب ... وتعجز عن أن تنال الإبر
وأحسن ما قيل في الشماتة بموت عدوٍ:
قلت له لما مضى وانقضى ... لا ردك الرحمن من هالك
يا ملك الموت تسلمته ... مني فسلمه إلى مالك
أحسن ما قيل في الاعتذار عن الخط الدقيق:
تقول وقد كتبت دقيق خطٍ ... إليها لم تجنبت الجليلا
فقلت لها عشقت فصار خطي ... ضعيفاً مثل صاحبه نحيلا
أحسن ما قيل في الاعتذار من شكاية خسيسٍ:
إن كنت أشكو من يدق ... عن الشكاية في القريض
فالفيل يجزع وهو أعظ ... م ما رأيت من البعوض(1/51)
أحسن ما قيل في تسلية محبوسٍ قول البحتري:
أما في رسول الله يوسف أسوةٌ ... لمثلك محبوساً على الضيم والإفك
أقام جميل الصبر في السجن برهةً ... فآض به الصبر الجميل إلى الملك
أحسن ما قيل في بخل الجواد قول بعضهم:
ورب جوادٍ يمسك الله جوده ... كما يمسك الله السحاب عن المطر
ورب كريمٍ تعتريه كزازةٌ ... كما قد يكون الشوك في أكرم الشجر
وأحسن ما قيل في السرور بالبشرى:
ورد البشير بما أقر الأعينا ... وشفى النفوس فنلن غايات المنى
فتقاسم الناس المسرة بينهم ... قسماً وكان أجلهم حظاً لنا
أحسن ما قيل في الوداع:
أيا عجبي ممن يمد يمينه ... إلى إلفه يوم الوداع فيسرع
ضعفت عن التوديع لما رأيته ... فصافحته بالقلب والعين تدمع
أحسن ما سمعت في توديع المشكور:
تفضلت الأيام بالجمع بيننا ... فلما حمدنا لم تدمنا على الحمد
فجد لي بقلبٍ إذ رحلت فإنني ... مخلف قلبي عند من فضله عندي
وهكذا يقول مؤلف الكتاب للمؤلف له وباسمه هذا الكتاب، وقد أزف رحيله عن جنابه، كما قال أبو فراسٍ موقر الظهر وقراً وشكراً، فكأنه به وهو ينشد:
وموقفٍ للوداع ألبسني ... لباس همٍ يسوء موقعه
فقلت والدمع قدر شرقت به ... أستودع الله من أودعه(1/52)
الأرجوزة
ذات الأمثال
للشاعر العباسي
أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم رحمه الله
المتوفى سنة 211هـ
إخراج وتعليق
أبي يعلى البيضاوي
عفا الله عنه(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أنعمت فزد
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله القائل : (( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا )) (1)
أما بعد : فهذه درة ثامنة من سلسلة (( كشف خبايا الزوايا من تراث السلف, وكنوز الخلف)), وهي قصيدة من بحر الرجز لشاعر الزهد والحكمة أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم , الشاعر العباسي المشهور المتوفى سنة 211هـ
وهذه القصيدة الجميلة الرائعة المليئة بالحكم , والكلمات البليغة أثبت نسبتها لأبي العتاهية أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))(4\40) , فقال : :
وهذه ((الأرجوزة)) من بدائع أبي العتاهية , ويقال: إن له فيها أربعة آلاف مَثَل اهـ
ثم أورد منه (23) بيتا, وقال : وهي طويلة جدا وإنما ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكلام من صفتها اهـ
وكذا أوردها (محسن الأمين) في كتابه ((معادن الجواهر))(ص 434) , ونسبها لابن دريد
وقد قمت باستخراج ((القصيدة)) من ((الموسوعة الشعرية)) للمجمع الثقافي, ومن ((ديوان)) أبي العتاهية المطبوع في دار الأرقم بيروت 1417هـ (ص370), وقابلت بينها, وذكرت الزيادات و الفروق , ورقمت الأبيات , وشرحت ما غمض من الألفاظ والمفردات شرحا ميسرا مبسطا, وترجمت لشاعرنا المجُِيد ترجمة مختصرة, كل ذلك نفعا وحبا لطلبة العلم الشريف , كثر الله منهم , وأعانهم على حسن تحصيله , وخلوص النية في طلبه
والله سبحانه وتعالى المسؤول بفضله أن ينفع بها, ويجعل ما قمت به خالصا لوجهه الكريم, وأن يغفر لي ولوالدي آمين والحمد لله رب العالمين, و صلى الله على نبينا محمد, و على آله وصحبه أجمعين
__________
(1) - حديث صحيح أخرجه مالك (1820), والبخاري (5767), وأبو داود (5009), والترمذي (2160) عن ابن عمر.(1/1)
ترجمة أبي العتاهية:
أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء الكوفي, الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة
وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة, وكان يقول بالوعيد, وتحريم المكاسب, ويتشيع على مذهب الزيدية, وكان مجيدا, وهو من مقدمي المولدين, ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس
أعطاه المهدي سبعين ألفا وخلع عليه, ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم, وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي, حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه, وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله, فقاله فاطلقوه
ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا , ثم قال : أجيزوا فترددوا , ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته, وقرب مأخذه حى طلع أبو العتاهية, فقالوا : هذا , قال: وفيم أنتم .؟ , قالوا : قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه, قال : وما الذي قال ؟ قالوا: عذب الماء فطابا , فقال أبو العتاهية:
.................*** حبذا الماء شرابا
ويقال: أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية
وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال : أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا, فقال : زعم الناس أني زنديق, والله ما ديني إلا التوحيد, فقلنا : فقل شيئا نتحدث به عنك , فقال :
( ألا إننا كلنا بائد *** وأي بني آدم خالد )
( وبدؤهم كان من ربهم *** وكل إلى ربهم عائد )
( فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له شاهد *** يدل على أنه واحد )
قال المسعودي : ولم لم يكن لابي العتاهية إلا هذه الابيات التي أبان فيها صدق الولاء ومحض الوفاء لكان مبرزا على غيره ممن كان في عصره اهـ والابيات المذكورة هي :
إن أخاك الصدق من كان معك *** ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك *** شتت فيه شمله ليجمعك
وكان من أبخل الناس مع يساره , وكثرة ما جمع من الأموال, وأبو العتاهية لقب غلب عليه , لأنه كان يحب الشهوة والمجون , فكنى بذلك لعتوه(1/2)
نص الأرجوزة ذات الأمثال:
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى تَقديرِهِ ... وَحُسنِ ما صَرَفَ مِن أُمورِهِ
الحَمدُ لِلَّهِ بِحُسنِ صُنعِهِ ... شُكراً عَلى إِعطائِهِ وَمنْعِهِ
يَخيرُ لِلعَبدِ وَإِن لَم يَشكُرُه ... وَيَستُرُ الجَهلَ عَلى مَن يُظهِرُه
خَوَّفَ مَن يَجهَلُ مِن عِقابِهِ ... وَأَطمَعَ العامِلَ في ثَوابِهِ
وَأَنجَدَ الحُجَّةَ بِالإِرسالِ ... إِلَيهِمُ في الأَزمُنِ الخَوالي (1)
نََسْتََعصِمُ اللَهَ فَخَيرُ عاصم ... قَد يُسعِدُ المَظلومَ ظُلمُ الظالِم
فَضَّلَنا بِالعَقلِ وَالتَدبيرِ ... وَعِلمِ ما يَأتي مِنَ الأُمورِ
يا خَيرَ مَن يُدعى لَدى الشَدائِدِ ... وَمَن لَهُ الشُكرُ مَعَ المَحامِدِ
أَنتَ إِلَهي وَبِكَ التَوفيقُ ... وَالوَعدُ يُبدي نورَهُ التَحقيقُ
حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ ... ما أَكثَرَ القوتَ لِمَن يَموتُ
إِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا ... فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا
الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا ... مَن عَرَفَ اللَهَ رَجا وَخافا
إِنَّ القَليلِ بِالقَليلِ يَكثُرُ ... إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُر (2)
يا رُبَّ مَن أَسخَطَنا بِجَهدِهِ ... قَد سَرَّنا اللَهُ بَغَيرِ حَمدِهِ
مَن لَم يَصِل فَاِرضَ إِذا جَفاكَا ... لا تَقطَعَنَّ لِلهَوى أَخاكا
العَنْزُ لاَ يَسْمَنُ ِإلَّا بعَِلَفْ ... لا يَسْمَنُ العنزُ بقِوَْلٍ بِلَطَفْ
اللَهُ حَسبي في جَميعِ أَمري ... بِهِ غَنائي وَإِلَيهِ فَقري
__________
(1) - أنجد الشيء : ارتفع, ونَجُدَ الأمر يَنْجُدُ نجودا : وَضَحَ واستبان
(2) - القذى : ما يقع في العين وما ترمى به(1/3)
لَن تُصلِحَ الناسَ وَأَنتَ فاسِدُ ... هَيهاتَ ما أَبعَدَ ما تُكابِدُ (1)
التَركُ لِلدُنيا النَجاةُ مِنها ... لَم تَرَ أَنهى لَكَ مِنها عَنها
لِكُلِّ ما يُؤذي وَإِن قَلَّ أَلَم ... ما أَطوَلَ اللَيلَ عَلى مَن لَم يَنَم
مَن لاحَ في عارِضِهِ القَتيرُ ... فَقَد أَتاهُ بِالبَلى النَذير (2)
إِنْ اخْتَفَى مَا فِي الزَمَانِ الآتِي ... فَقِسْ عَلَى المَاضِي مِنَ الأَوْقَاتِ
مَن جَعَلَ النَمّامَ عَيناً هَلَكا ... مُبلِغُكَ الشَرَّ كَباغيهِ لَكا (3)
يُغنيكَ عَن قولِ قَبيحٍ تَركُهُ ... [ قَد يوهِنُ ] الرَأيَ الأَصيلَ شَكُّهُ (4)
لِكُلِّ قَلبٍ أَمَلٌ يُقَلِّبُه ... يَصدُقُهُ طَوراً وَطَوراً يَكذِبُه
المَكرُ وَالخِبُّ أَداةُ الغادِرِ ... وَالكَذِبُ المَحضُ سِلاحُ الفاجِر (5)
لَم يَصْفُ لِلمَرءِ صَديقٌ يَمذُقُه ... لَيسَ صَديقُ المَرءِ مَن لا يَصدُقُه (6)
مَعروفُ مَن مَنَّ بِهِ خِداجُ ... ما طابَ عَذبٌ شابَهَ عَجاج ُ(7)
__________
(1) - مكابدة الأمر مقاساة مشقته
(2) - القتير: الشيب
(3) - العين من الكلمات المشتركة المعني وهي هنا : الجاسوس
(4) - في ((الأغاني)) [ يرتهن ]
(5) - الخَبُّ: الخَدَّاع
(6) - المماذقة في الود ضد المخالصة , ومذق الود: لم يخلصه
(7) - الخِدَاجُ: إلقَاءُ النَّاقَةِ وَلَدَها قَبْلَ تَمامِ الأَيَّامِ، والفِعْلُ: كَنَصَرَ وضَرَبَ، وهي خادجٌ، ـ والولَدُ: خَدِيجٌ. ـ والنَّاقَةُ: جاءَتْ بِوَلَدٍ ناقِصٍ، وإنْ كانَتْ أيامُهُ تامَّةً، فهي مُخْدِجٌ، ـ و "صَلاَتُهُ خِدَاجٌ " ، أي: نُقْصانٌ.ـ ورَجُلٌ مُخْدَجٌ اليَدِ: ناقِصُها.(1/4)
سَامِحْ إذاُسمت ولا تخش الغبن ... لَم يَغْلُ شَيْ ءٌ هُوَ مَوْجُودُ الثَّمَنْ (1)
مَنْ عَاشَ لم يَخْلُ مِنْ الُمصِيبِة ... وَقَلَّ مَا يَنْفَكُّ عَنْ عَجِيبَة
َيا طَالِبَ الدُّنْيَا بِدُنْيَا الِهمَّة ... أَيْنَ طَلَبْتَ الَّلهَ كَانَ َثمَّة (2)
يُوسِعُ الضِّيقَ الرِّضَا بِالضِّيقِ ... وَإنَّمَا الرُّشْدُ مِنَ التَّوْفِيقِ
أَسْتودِعُ اللهَّ أمُورِي كلُهََّا ... إِنْ لم يكن رَبِّي لَهَا فمن لَهَا
ماَ أبَْعَدَ الشَّيْءَ إِذَا الشَيْءُ فُقِدْ ... مَا أَقْرَبَ الشَّيْ ءَ إِذَا الشَّيْ ءُ وُجِدْ
يَعِيشُ حَيٌّ بِتُرَاثِ مَيْتِ ... يَعْمُرُ بَيْتٌ بِخَرَابِ بَيْتِ (3)
صُلْحُ قَرِينِ السُّوءِ لِلْقَرِينِ ... كَمِثْلِ صُلْحِ اللَّحْمِ وَالسِّكِيِن
مَا عَيشُ مَن آفَتُهُ بَقاؤُهُ ... نَغَّصَ عَيشاً طَيِّباً فَناؤُه (4)
إِنّا لَنَفنى نَفَساً وَطَرفا ... [ لَم ] (5)يَترُكِ المَوتُ لِإِلفٍ إِلفا(6)
وَلِلكَلامِ باطِنٌ وَظاهِرُ ... في ساعَةِ العَدلِ يَموتُ الفاجِرُ
عَلِمتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسعَدَة ... أَنَّ الشَبابَ وَالفَراغَ وَالجِدَة (7)
__________
(1) - الغبن : من غبَنَهُ في البَيْعِ يَغْبِنُهُ غُبْناً ِ: خَدَعَهُ، فهو مَغْبُونٌ، والاسمُ: الغَبينَةُ.
(2) - الدنيالأولى الحياة الدنيا نقيض الآخرة, والدنيا الثانية بمعنى السفلى والدنيئة وهي صفة للهمة
(3) - التُّراث: ما يُخَلِّفه الرجُل لورَثَتِهِ، والتاء فيه بَدل من الواو
(4) - نغص نغصا : لم تتم له هنائته والنغص كدر العيش
(5) - في ((الأغاني)) [ لن ]
(6) - الإلف: الشخص الذي تألفه والجمع آلاف
(7) - الجدة والوجد والوجدان: الحصول على المال
قال الصولي: قال أحمد بن عبد الله: كان لمسعدة أربعة بنين: مجاشع، وهو الذي يقول فيه أبو العتاهية:
علمت يا مجاشع بن مسعده*** أن الشباب والفراغ والجده
مفسدة للمرء أي مفسدة
وهو مسعدة بن سعد بن صول الصولي مولى خالد بن عبد الله القسري، كان كاتبا له, وكان أيضا من كتاب خالد بن برمك، ثم كتب بعده لأبي أيوب وزير المنصور على ديوان الرسائل, مات في سنة 214هـ, وابنه أبو الفضل عمرو بن مسعدة، من جلة كتاب المأمون و أهل الفضل والبراعة والشعر(1/5)
*[مَفسَدَةٌ لِلمَرء ِ أَيُّ مَفسدَة (1)]*
[ يا لِلشَبابِ المَرِح ] التَصابي (2) ... رَوائِحُ الجَنَّةِ في الشَباب (3)
اصْحَبْ ذَوِي الفَضْلِ وأَهْلَ الدِّينِ ... فَالَمرْءُ مَنْسُوبٌ إِلَى القَرِينِ
إِيَّاكَ والغَيْبَة وَالنَّمِيمَة ... فَإِنَّهَا مَنْزِلة ذَمِيمَة (4)
لَا تهبن ِفي الأُمُورِ فرطَا ... لاَ تَسْأَلَن إِنْ سَأَلْتَ شَططاًَ(5)
* وَكُنْ مِنَ النَّاسَ جَمِيعاً وَسَطاً (6)*
__________
(1) - في ((الأغاني)) [ للعقل ] , قال أبو الفرج : ذكر سليمان بن أبي شيخ قال : قلت لأبي العتاهية : أي شعر قلته أجود , وأعجب إليك ؟ قال : قولي :
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للعقل أي مفسدة
وقولي ايضا :
إن الشباب حجة التصابي *** روائح الجنة في الشباب
(2) - في ((الأغاني)) : إن الشباب حجة التصابي ] والتصابي والصبا والصيوة : جهلة الفتوة واللهو من الغزل
(3) - قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))( ): أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاع قال: تذاكروا يوماً شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها "ذات الأمثال"؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
يا للشباب المرح التصابي *** روائح الجنة في الشباب
فقال الجاحظ للمنشد: قف: ثمن قال: انظروا إلى قوله:
........................*** روائح الجنة في الشباب
فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب، وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير, وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه.
(4) - ذميمة أي مذمومة، فَعِيلة بمعنى مفعولة
(5) - الفرط : العجلة , وفرط في الأمر فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات, والشطط مجاوزة الحدد في البيع والقدر يقال شططت وأشط و أشططت جرت عن الحق
(6) - الأبيات [43 و44 و45 و46 ] زيادة من ((الأغاني))(1/6)
لَيسَ عَلى ذي النُصحِ إِلّا الجَهدُ ... الشَيبُ زَرعٌ حانَ مِنهُ الحَصدُ
*الغَدرُ نَحسٌ وَالوَفاءُ سَعدُ*
هِيَ المَقاديرُ فَلُمني أَو فَذَر ... تَجري المَقاديرُ عَلى غَرزِ الإِبَر (1)
*إِن كُنتُ أَخطَأتُ فَما أَخطأ القَدَر*
إِنَّ الفَسادَ [ بَعدَهُ ] الصَلاحُ ... يا رُبَّ جِدٍّ جَرَّهُ المِزاحُ (2)
[ ما ] تَطلُعُ الشَمسُ وَلا تَغيبُ ... إِلّا لِأَمرٍ شَأنُهُ عَجيبُ (3)
لِكُلِّ شَيءٍ مَعدِنٌ وَجَوهَرُ ... وَأَوسَطٌ وَأَصغَرٌ وَأَكبَرُ
وَكُلُّ شَيءٍ لاحِقٌ بِجَوهَرِه ... أَصغَرُهُ مُتَّصِلٌ بِأَكبَرِه
مَن لَكَ بِالمَحضِ وَكُلٌّ مُمتَزِج ... وَساوِسٍ في الصَدرِ [ مِنكَ ] تَعتَلِج (4)
مَنْ لَكَ بِالمَحْضِ وَلَيْسَ مَحْضُ ... َيخْبُثُ بَعْضٌ وَيَطِيبُ بَعْضُ
لِكُلِّ إِنسانٍ طَبيعَتانِ ... خَيرٌ وَشَرٌّ وَهُما ضِدّانِ
إِنَّكَ لَو تَستَنشِقُ الشَحيحا ... وَجَدتَهُ أَخبَثَ شَيءٍ رِيحاً
عَجِبتُ لَمّا [ ضَبَّني ] السُكوتُ ... حَتّى كَأَنّي حائِرٌ مَبهوتُ (5)
كَذا قَضى اللَهُ فَكَيفَ أَصنَعُ ... وَالصَمتُ إِن ضاقَ الكَلامُ أَوسَعُ
نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَيطانِ ... ما أَولَعَ الشَيطانَ بِالإِنسانِ
خَيرُ الأُمورِ خَيرُها عَواقِبا ... مَن يُرِدِ اللَهُ يَجِد مَذاهِبا
الجودُ مِمّا يُثبِتُ المَحَبَّةَ ... وَالبُخلُ مِمّا يُثبِتُ المَسَبَّه (6)
__________
(1) - غرز الإبرة غرزا أدخلها وكل ما سمر في شيء فقد غرز زغُرِّز
(2) - في ((الأغاني)) [ ضده ]
(3) - في ((الأغاني)) [ لا ]
(4) - المحض : الخالص من كل شيء, وتعتلج : أي تتعارك وتتصارع, في ((الأغاني)) [ منه ]
(5) - أضب على الشيء وضب : سكت عليه, وأمسك عن الحديث , وأضب إذا تكلم وأفاض في الحديث فهو من الأضداد
(6) - المسبة والسبة : العار(1/7)
لِكُلِّ شَيءٍ أَجَلٌ مَكتوبُ ... وَطالِبُ الرِزقِ بِهِ مَطلوبُ
لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبٌ وَعاقِبَه ... وَكُلُّها آتِيَةٌ وَذاهِبَة
يا عَجَباً مِمَّن يُحِبُّ الدُنيا ... وَلَيسَ لِلدُنيا عَلَيهِ بُقيا (1)
الصِدقُ وَالبِرُّ هُما الوِقاءُ ... يَومَ تَقومُ الأَرضُ وَالسَماءُ
وَكُلُّ قَرنٍ فَلَهُ زَمانُ ... وَلَم يَدُم مُلكٌ وَلا سُلطانُ
ما أَسرَعَ المَوتَ وَإِن طالَ العُمُر ... وَرُبَّما كانَ قَليلاً فَكدُر
مَسَرَّةُ الدُنيا إِلى تَنغيصِ ... وَرُبَّما أَكَدت يَدُ الحَريص(2)
ما هِيَ إِلّا دُوَلٌ بَعدَ دُوَل ... تَجري بِأَسبابٍ تَأَتّى وَعِلَل
ما قَلَبَ القَلبَ كَتَقليبِ الأَمَل ... لِلقَلبِ وَالآمالِ حَلٌّ وَرَحَل (3)
وَكُلُّ خَيرٍ تَبَعٌ لِلعَقلِ ... وَكُلُّ شَرٍّ تَبَعٌ لِلجَهلِ
لِكُلِّ نَفسٍ هِمَمٌ وَنَجوى ... لا كَرَمٌ يُعرَفُ إِلّا التَقوى
لِيَجهَدِ المَرءُ فَما يَعدو القَدَر ... وَرُبَّما قادَ إِلى الحَيْنِ الحََذَر(4)
ما صاحِبُ الدُنيا بِمُستَريحٍ ... وَالداءُ داءُ النَهِم الشَحيح (5)
لَم نَرَ شَيئاً يَعدِلُ السَلامَه ... لا خَيرَ فيما يُعقِبُ النَدامَه
__________
(1) - البُقْيَا : الإبقاء ومعنى أن الدنيا لا تبقي عليه أي لا ترحمه ولا تشفق عليه
(2) - الكَدُّ: الإتعاب، يُقال: كَدّ يَكُدّ في عَمَله كَدّاً، إذا اسْتَعْجل وتَعِب. ومنه الحديث : «لَيْسَ من كَدِّك ولا كَدِّ أبيك» أي ليس حاصِلاً بِسَعْيِك وتَعَبِك
(3) - حل بالمكان أي نزل به
(4) - الحَيْنُ: الهلاكُ، والمِحْنَةَُ.
(5) - النَّهَمُ، والنَّهامَةُ، وهو إفْراطُ الشَّهْوَةِ في الطعامِ، وأن لا تَمْتَلِئ عَيْنُ الآكِلِ ولا يَشْبَعَ، نَهِمَ، فَهو نَهِمٌ ونَهِيمٌ ومَنْهُومٌ.(1/8)
بِحَسبِكَ اللَهُ فَما يَقضي يَكُن ... وَما يُهَوِّنهُ مِنَ الأَمرِ يَهُن
كَم مِن نَقِيِّ الثَوبِ ذي قَلبٍ دَنِس ... الُموحِشُ الباطِلِ وَالحَقُّ أَنِس (1)
تَحَرَّ فيما تَطلُبُ البَلاغا ... وَاِغتَنِمِ الصِحَّةَ وَالفَراغا (2)
المَرءُ يَبغي كُلَّ مَن يَبغيهِ ... وَكُلُّ ذي رِزقٍ سَيَستَوفيهِ
في كُلِّ شَيءٍ عَجَبٌ مِنَ العَجَب ... وَكُلُّ شَيءٍ فَبِوَقتٍ وَسَبَب
الحَقُّ ما كانَ أَحَقُّ ما اِتُّبِع ... وَرُبَّما لَجَّ لَجوجٌ فَرَجَع(3)
الأَمرُ قَد يَحدُثُ بَعدَ الأَمرِ ... كُلُّ اِمرِئٍ يَجري وَلَيسَ يَدري
دُنيايَ يا دُنيايَ غُرّي غَيري ... إِنّي مِنَ اللَهَ بِكُلِّ خَيرِ
لِكُلِّ نَفسٍ صِبغَةٌ وَشيمَه ... وَلَن تَرى... عَزيمَه
لا تَترُكِ المَعروفَ حَيثُ كُنتا ... وَاِعزِم عَلى الخَيرِ وَإِن جَبُنتا
الحَمدُ لِلَّهِ كَثيراً شُكرا ... اللَهُ أَعلى وَأَعَزُّ أَمرا
لاَبُدَّ ِممَّا لَيْسَ مِنْهُ بُدُّ ... والغَيُّ لاَ يَنْزِلُ حَيْثُ الرُّشْدُ
ما شاءَ رَبّي أَن يَكونَ كانا ... وَالمَرءُ يُردي نَفسَهُ أَحيانا(4)
كُلُّ اِجتِماعٍ فَإِلى اِفتِراقِ ... وَالدَهرُ ذو فَتحٍ وَذو إِغلاقِ
كُلٌّ يُناغي نَفسَهُ بِهاجِسِ ... [ تَعلُّقٌ ] مِن عُلَقِ الوَساوِس ِ(5)
__________
(1) - الدَّنَسُ: الوسخُ. وقد تَدَنَّس الثَّوبُ: اتَّسخ.
(2) - البَلاغُ : الكِفايَة
(3) - لج في الأمر لجاجة ولجاجا فهو لجوج تمادى فيه وأبى أن ينصرف عنه
(4) - يردي : يهلك
(5) - المناغاة المغازلة , تكليمك الصبي بما يهوى من الكلام, والمرأة تناغي الصبي أي تكلمه بما يعجبه ويسره, والهاجس : الخاطر, في ((الموسوعة)) [ تقلق ](1/9)
نَستَوفِقُ اللَهَ لِما نُحِبُّ ... ما أَقبَحَ الشَيخَ الكَبيرَ يَصبو (1)
في كُلِّ رَأسٍ نَزوَةٌ وَطَربَة ... رُبَّ رِضىً أَفضَلُ مِنهُ غَضبَة (2)
*كَم غَضبَةٍ طابَت بِها المَغَبَّة * (3)
يا عاشِقَ الدُنيا تَسَلَّ عَنها ... وَيلي عَلى الدُنيا وَوَيلي مِنها (4)
ما أَسرَعَ الساعاتِ في الأَيّامِ ... وَأَسرَعَ الأَيّامَ في الأَعوامِ
لِلمَوتِ بي جِدٌّ وَأَيُّ جِدِّ ... وَلَستُ لِلمَوتِ بِمُستَعِدِّ
هَل أُذُنٌ تَسمَعُ ما تسمع ... قَوارِعُ الدَهرِ الَّتي تُقَرِّع ُ (5)
ما طابَ فَرعٌ لاَ يَطيبُ أَصلُهُ ... اِحذَر مُؤاخاةَ اللَئيمِ فِعلُهُ
اِنظُر إِذا آخَيتَ مَن تُؤاخي ... ما كُلُّ مَن آخَيتَ بِالمُؤاخي
الحَمدُ لِلَّهِ الكَثيرِ خَيرُهُ ... لَم يَسَعِ الخَلقَ جَميعاً غَيرُهُ
مَن يَشتَكِ الدَهرَ يَطُل في الشَكوى ... الدَهرُ ما لَيسَ عَلَيهِ عَدوى (6)
لَم نَرَ مَن دامَ لَهُ سُرورُ ... وَصاحِبُ الدُنيا بِها مَغرورُ
نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَقاءِ ... ما أَطمَعَ الإِنسانَ في البَقاءِ
لَم يَخلُ مِن حُسنِ يَدٍ مَكانُهُ ... وَالمَرءُ لَم يُسلِمَهُ إِحسانُهُ (7)
__________
(1) - يقال صبى وتصابي إذا مال إلي الجهل والفتوة
(2) - النزوة : التفلت والسَوْرِة
(3) - المَغَبَّةِ، بالفَتْحِ والغِبُّ، بالكسر: عاقِبَةُ الشَّيْء
(4) -تسل من السلو : وهو نسيان الشيء والذهول عنه
(5) - جمع قارعة وهي الداهية
(6) - العدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك, والعدوى النصرة والمعونة ومنه :استعداه : نصره وأعانه
(7) - يسلمه :أسلم فلان فُلاناً إذا ألْقاه إلى التهلَكة ولم يَحْمه من عدُوِّه ومنه الحديث : «المُسْلم أهو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلمه».(1/10)
مَن يَأمَنُ المَوتَ وَلَيسَ يُؤْمَنُ ... نَحنُ لَهُ في كُلِّ يَومٍ نُؤذَنُ (1)
يا رُبَّ ذي خَوفٍ أَتى مِن مَأمَنِه ... كَم مُبتَلىً مِن يَأسِهِ بِأَمَنِه
اِستَغنِ بِاللَهِ تَكُن غَنِيّاً ... اِرضَ عَنِ اللَهِ تَعِش رَضِيّا
يا رَبِّ إِنّا بِكَ يا عَظيمُ ... إِنَّكَ أَنتَ الواسِعُ الحَكيمُ
يَكونُ ما لا بُدَّ أَن يَكونا ... وَكُلُّ راجٍ رَجَّمَ الظُنونا (2)
سُبحانَ مَن لا يَنقَضي عَجَائِبُه ... سُبحانَ مَن لا يَخيبُ طالِبُه
لَم يَعدَمِ اللَهُ وَلِلَّهِ القِدَم ... وَالسابِقُ اللَهُ إِلى كُلِّ كَرَم
ما كُلُّ شَيءٍ يُبتَغى يُنالُ ... وَطَالِبُ الحَقِّ لَهُ مَقالُ
أَفَلحَ مَن كانَ لَهُ تَفَكُّرُ ... ما كُلُّ ذي عَيشٍ يَرى ما يُبصِرُ
وَكُلُّ نَفسٍ فَلَها تَعَلُّلُ ... وَإِنَّما النَفسُ عَلى ما تُحمَل (3)
وَعادَةُ الشَرِّ فَشَرُّ عادَة ... وَالمَرءُ بَينَ النَقصِ وَالزِيادَة
لِكُلِّ ناعٍ ذاتَ يَومٍ ناعِ ... وَإِنَّما النَعيُ بِقَدرِ الناعي (4)
*وَكُلُّ نَفسٍ فَلَها دَواعِ *
ما أَكرَهَ الإِنسانَ لِلتَفَضُّلِ ... وَإِنَّما الفَضلُ لِكُلِّ مُفضِلِ
رَبِّ لَكَ الحَمدُ وَأَنتَ أَهلُهُ ... مَن لَزِمَ التَقوى أَنارَ عَقلُهُ
ما غايَةُ المُؤمِنِ إِلّا الجَنَّه ... تَبارَكَ اللَهُ العَظيمُ المِنَّه (5)
يا عَجَباً لِلَّيلِ وَالنَهارِ ... لا بَل لِساعاتِهِما القِصارِ
__________
(1) - من أذِنَ بالشيء، إِذْناً، بالكسر ويُحَرَّكُ، وأذاناً وأذانَةً: عَلِمَ به.
(2) - الرجم القول بالظن والحدس والقذف بالغيب والظن وكلام مرجم غير يقين ولا ثابت
(3) - تعلل بالأمر واعتل : تشاغل
(4) - النعي : خبر الموت , والناعي : الذي يأتي به
(5) - عاية كل شيء منتهاه , المنة : الإحسان والنعمة(1/11)
ما أَطحَنَ الأَيّامَ لِلقُرونِ ... كَم لِاِمرِئٍ مِن مَأمَنٍ خَؤونِ (1)
يا رُبَّ حُلوٍ سَيَعودُ سُمّا ... وَرُبَّ حَمدٍ سَيَعودُ ذَمّا
وَرُبَّ سِلمٍ سَيَعودُ حَربا ... وَرُبَّ إِحسانٍ يَعودُ ذَنبا
المَوتُ لا يُفلِتُ حَيٌّ مِنهُ ... كَم ذائِقٍ لِلمَوتِ لاهٍ عَنهُ
ما أَسرَعَ البَغيَ لِكُلِّ باغِ ... وَرُبَّ ذي بَغيٍ مِنَ الفَراغِ
لِكُلِّ جَنبٍ ذاتَ يَومٍ مَصْرَعْ ... وَالحَقُّ ذو نورٍ عَلَيهِ يَسطَعْ
لا تَطلُبُ المَعروفَ إِلّا مِن أَخِ ... يَسومُكَ الوِدَّ بِهِ سَومَ السَخي
*الزُهدُ في الدُنيا هُوَ العَيشُ الرَخي*
يا رُبَّ شُؤمٍ صارَ لِلبَخيلِ ... أَكْرِم بِأَهلِ العِلمِ بِالجَميلِ
مَن كانَ في الدُنيا لَهُ زَهادَة ... فَعِندَها طابَت لَهُ العِبادَة
أَصلِح وَمَن يُصلِح فَماذا يَربَحْ ... وَالشَيءُ لا يَصلُحُ إِن لَم يُصلَحْ
كُلُّ جَديدٍ سَيَعودُ مُخلِقاً ... وَمَن أَصابَ مَرَفِقا
ما اِنتَفَعَ المَرءُ بِمِثلِ عَقلِه ... وَخَيرُ ذُخرِ المَرءِ حَسنُ فِعلِه (2)
لَم يَزَلِ اللَهُ عَلَينا مُنعِما ... وَمَن طَغى عاشَ فَقيراً مُعدَما
اليُبسُ وَالبَأسِ لِأَهلِ الباسِ ... وَسادَةُ الناسِ خِيارُ الناسِ
أَيُّ بِناءٍ لَيسَ لِلخَرابِ ... وَأَيُّ آتٍ لَيسَ لِلذَهابِ
كَأَنَّ شَيئاً لَم يَكُن إِذا اِنقَضى ... وَما مَضى مِمّا مَضى فَقَد مَضى
ما أَزيَنَ العَقلَ لِكُلِّ عاقِلِ ... ما أَشيَنَ الجَهلَ لِكُلِّ جاهِلِ (3)
بُؤسى لِمَن قالَ بِما لا يَعلَمُ ... وَصاحِبُ الحَقِّ فَلَيسَ يَندَمُ
__________
(1) - الخؤون : أي خائن : وهوالذي يؤتمن فلا ينصح
(2) - ذخر الشيء ذخرا واذخره اذخارا : اختاره, وقيل اتخذه
(3) - الشين : العيب والقبح ضد الزين(1/12)
الخَيرُ أَهلٌ أَن يُحِبَّ أَهلُهُ ... وَالحَقُّ ذو خِفٍّ ثَقيلٍ حَملُهُ
*وَالحَينُ خَتّالٌ لَطيفٌ خَتلُهُ* (1)
أَينَ يَفِرُّ المَرءُ أَينَ أَينا ... كُلُّ جَميعٍ سَيُلاقي بَينا (2)
إِلَيكِ يا دُنيا إِلَيكِ عَنّي ... ماذا تُريدينَ تَخَلّي مِنّي
يا دارُ دارَ الهَمِّ وَالمَعاصي ... هَل فيكِ لي بابٌ إِلى الخَلاصِ
نَطلُبُ أَن نَبقى وَلَيسَ نَبقى ... كُلٌّ سَيَلقى اللَهَ حَقّا حَقّا
لِكُلِّ عَينٍ عِبرَةٌ فيما تَرى ... وَالحَقُّ مَحفوفٌ بِأَعلامِ الهُدى (3)
*يَقبَلُهُ العَقلُ وَيَنفيهِ الهَوى*
كَم بارَكَ اللَهُ لِقَلبي فَاِتَّسَع ... وَاللَهُ إِن بارَكَ في شَيءٍ نَفَع
لا تُتبِعِ المَعروفَ مِنكَ مِنّا ... أُخِيَّ أَحسِن بِأَخيكَ الظَنّا (4)
سُبحانَكَ اللَهُمَّ سَلِّم سَلِّمِ ... وَتَمِّمِ النُعمى عَلَينا تَمِّمِ
طوبى لِمَن صَحَّت بَناتُ حِسِّهِ ... وَمَن كَفاهُ اللَهُ شَرَّ نَفسِهِ
كَم دَولَةٍ سَوفَ يَكونُ غَيرُها ... وَسَوفَ يَفنى شَرُّها وَخَيرُها
يا عَجَباً لِلدَهرِ في تَقَلُّبِه ... المَرءُ مُذ كانَ عَلى تَوَثُّبِه
ما أَعظَمَ الحُجَّةَ إِن عَقَلنا ... ما يَغفُلُ المَوتُ وَإِن غفَلنا
اِعتَبِرِ اليَومَ بِأَمسِ الذاهِبِ ... وَاِعجَب فَما تَنفَكُّ مِن عَجائِبِ
__________
(1) - الختل : التخادع عن غفلة و والمخاتلة : مشي اصياد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع الصيد حسه, كل خدع خاتل وختول
(2) - جميع يمعنى مجتمع , البَيْن : الفراق والتشتت
(3) - محفوف :من أحف بالشيء أحاط به وأحدق به واستدار
(4) المن الإعتداد بالإحسان, والمَنَّانُ الذي لا يُعْطِي شيئاً إلاَّ مَنَّه. واعْتَدَّ به على مَن أعطاهُ، وهو مَذمُومٌ لأن المِنَّةَ تُفْسِدُ الصَّنِيعَة(1/13)
تَرى الأُمورَ ....... ... وَاللَهُ في كُلِّ الأُمورِ يَقضي
تَبارَكَ اللَهُ ........ ... يا صاحِبَ التَسويفِ ماذا تَنتَظِر
مَن قَنِعَ........... ... وَالمَوتُ ما أَسرَعَهُ وَأَوحى
يا رَبِّ إِنّي بِكَ أَنتَ رَبّي ... وَمِنكَ إِحسانٌ وَمِنّي ذَنبي
أَستَغفِرُ اللَهَ فَنِعمَ القادِرُ ... اللَهُ لي مِن شَرِّ ما أُحاذِرُ
حَتّى مَتى المُذنِبُ لا يَتوبُ ... أَما تَرى ما تَصنَعُ الخُطوبُ (1)
ما المُلكُ إِلّا الجاهُ عِندَ اللَهِ ... الجاهُ عِندَ اللَهِ خَيرُ جاهِ
كأسَ اِمرُؤٌ مُنتَظِرٌ لِلمَوتِ ... وَكأسَ مَن بادَرَ قَبلَ الفَوتِ
سَبيلُ مَن ماتَ هُوَ السَبيلُ ... بَقاؤنا مِن بَعدِهِم قَليلُ
قَد يَضحَكُ القَلبُ بِعَينٍ تَبكي ... وَالأَخذُ قَد يَجري بِمَعنى التَركِ
ما هِيَ إِلّا الحادِثاتُ حَتّى ... تَترُكَ أَهلَ الأَرضِ بَتّا بَتّا (2)
لا بُدَّ لا بُدَّ مِنَ الحَوادِثِ ... تَمُرُّ تَطوي حادِثاً بِحادِثِ
لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ أَهْلِ الآخَِرةْ ... إِنَّا لنَعَمْىَ وَالعُيُونُ نَاظِرَةْ
المَوتُ حَقٌّ لَيسَ فيهِ شَكٌّ ... تَفنى المُلوكُ وَيَبيدُ المُلكُ
اللَهُ رَبّي وَهوَ المَليكُ ... لَيسَ لَهُ في مُلكِهِ شَريكُ
اللَهُ يَفنينا وَلَيسَ يَفنى ... لَهُ الجَلالُ وَالصِفاتُ الحُسنى
اللَهُ مَولانا وَنِعمَ المَولى ... فَقُل لِمَن يَعصيهِ أَولى أَولى
ما هُوَ إِلّا عَفوُهُ وَحِلمُهُ ... سُبحانَ مَن لا حُكمَ إِلّا حُكمُهُ
نَتائِجُ الأَحوالِ مِن لا وَنَعَم ... وَالنَفسُ مِن بَينِ صُموتٍ وَعَدَم
يَذهَبُ شَيءٌ وَيَجيءُ شَيُّ ... ما هُوَ إِلّا رَشَدٌ وَغَيُّ
__________
(1) - جمع خَطْبُ: وهو الشأنُ، والأَمْرُ صَغُرَ أو عظُمَ،
(2) - البَتُّ: القَطْعُ(1/14)
وَإِنَّما العِلمُ بِعَينٍ وَأَثَر ... وَإِنَّما التَعليمُ عِلمٌ وَخَبَر
نَحنُ مِنَ الدُنيا عَلى وِفازِ ... طوبى لِمَن أَسرَعَ في الجِهازِ (1)
وَكُلُّ مَأخوذٍ فَسَوفَ يُترَكُ ... وَالمُلكُ لا يَبقى وَلا المُمَلَّكُ
أَتَت مُلوكٌ وَمَضَت مُلوكُ ... غَرَّتهُمُ الآمالُ وَالشُكوكُ
المَلِكُ الحَيُّ هُوَ المُميتُ ... لَهُ الجَميعُ وَلَهُ الشَتيتُ
في كُلِّ شَيءٍ عِبرَةٌ مِنَ العِبرِ ... وَكُلُّ شَيءٍ بِقَضاءٍ وَقَدَر
رَبّي إِلَيهِ تُرجَعُ الأُمورُ ... أَستَغفِرُ اللَهَ هُوَ الغَفورُ
عَمِلتُ سوءً وَظَلَمتُ نَفسي ... وَخِبتُ يَومي وَأَضَعتُ أَمسي
وَلي غَدٌ يُؤخَذُ مِنّي لَهُما ... هُما الدَليلانِ عَلى ذاكَ هُما
يا عَجَباً مِن ظُلمِ الذُنوبِ ... إِنَّ لَها رَيناً عَلى القُلوبِ (2)
اللَهُ فَعّالٌ لِما يَشاءُ ... غَداً غَداً يَنكَشِفُ الغِطاءُ
*كَم شِدَّةٍ مِن بَعدِها رَخاءُ*
إِنَّ الشَقِيَّ لِلشَقِيُّ الخائِنُ ... وَكُلُّنا عَمّا نَراهُ بائِنُ (3)
كُلٌّ سَيَفنى عاجِلاً وَشيكا ... تَرحَلُ عَن تَيّا وَتَنأى تيكا
*ناهيكَ مِمّا سَتَرى ناهيكا*
وَكُلُّ شَيءٍ مُقبِلٌ مُوَلِّ ... وَكُلُّ ذي شَيءٍ لَهُ مُخَلِّ
رَضيتُ بِاللَهِ وَبِالقَضاء ... ما أَكرَمَ الصَبرَ عَلى البَلاءِ
__________
(1) - الوَفْزُ والوَفَز: العَجَلة والجمْع: أوْفاز. يُقال: نَحن على أوْفَاز: أي على سَفَرٍ قَدْ أشْخَصْنا, وجهاز المسافر ما يحتاج غليه في سفره
(2) - الرَّيْنُ: الطَّبَعُ، والدَّنَسُ.
(3) - أي مفارق ومنفصل(1/15)
نَلعَبُ وَالدَهرُ بِنا سَريعُ ... وَالمَوتُ بينا دائِبٌ ذَريعُ (1)
*كُلُّ بَني الدُنيا لَها صَريعُ(2) *
أَلا اِنتَبِه ثُمَّ اِنتَبِه يا ناعِسُ ... أُخَيَّ لا تَلعَب بِكَ الوَساوِسُ
دُنيايَ يا دُنيايَ يا دارَ الفِتَن ... يا دارُ يا دارَ الهُمومُ وَالحَزَنَ
يا غَيرَ الدَهرِ وَيا صَرفَ الزَمَن ... إِن أَنا لَم أَبكِ عَلى نَفسي فَمَن
لِكُلِّ هَمٍّ فَرَجٌ مِنَ الفَرَجِ ... تَثَقَّفَ الحَقُّ فَما فيهِ عِوَج (3)
يا عَجَباً ما أَسرَعَ الأَيّاما ... عَجِبتُ لِلنائِمِ كَيفَ ناما
يا عَجَباً كُلٌّ لَهُ تَصريفُ ... صَرَّفَهُ المُصَرِّفُ اللَطيفُ
وَأَيُّ شَيءٍ لَيسَ فيهِ فِكرَة ... وَأَيُّ شَيءٍ لَيسَ فيهِ عِبرَة
نَرى اِفتِراقاً وَنَرى اِجتِماعا ... نَرى اِتِّصالاً وَنَرى اِنقِطاعا
المُؤمِنُ المُخلِصُ لا يَضيعُ ... وَحُكمَةُ اللَهِ لَهُ رَبيعُ (4)
حَتّى مَتى لا تَرعَوي حَتّى مَتى ... لَقَد عَصَيتَ اللَهَ كَهلاً وَفَتى (5)
__________
(1) - السريع الكثير وفي صفته - صلى الله عليه وسلم -:«كان ذَرِيعَ المَشْي» أي سَريعَ المشْيِ واسِع الخَطْو, ومنه الحديث: «فأكلَ أكْلاً ذَرِيعاً» أي سريعا كَثيرا
(2) - الصريع : المطروح على الأرض والمجنون
(3) - ثَقَّفَه تَثْقيفاً: سَوَّاهُ.
(4) - الربيع : النَّهر الذي يَسْقي الزَّرع, ومنه الحديث : (( فعدَاَ إلى الربيع فتطَهَّر )), والربيع أيضا : الزمان المعروف في السنة, وفي حديث الدعاء : (( اللهم اجْعَل القُرآنَ ربِيع قَلْبي )) جَعَله ربِيعاً له لأنّ الإنْسَانَ يرتاح قلبُه في الرَّبيع من الأزْمَان ويميلُ إليه.
(5) - الكَهْل من الرِجال: مَن زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين,.وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين,. وقد اكْتَهل الرجل وكاهَل، إذا بَلَغ الكُهولة فصار كَهْلاً.(1/16)
ما أَقرَبَ النَقصَ مِنَ النَماءِ ... وَكُلُّ مَن تَمَّ إِلى فَناءِ
أَرى البِلى فينا لَطيفَ الفَحصِ ... بَينَ الزِياداتِ وَبَينَ النَقصِ (1)
إِن كُنتَ تَبغي أَن تَكونَ أَملَسا ... فَكُن مِنَ الدُنيا أَصَمَّ أَخرَسا
*وَأَرغَب إِلى اللَهِ عَسى اللَهُ عَسى*
يا ذا الَّذي اِستيقاظُهُ مُشتَبَهُ ... لا راقِدٌ أَنتَ وَلا مُستَنبِهُ
مَن آثَرَالمُلكَ عَلى الكَينونَة ... كانَ مِنَ المُلكِ عَلى بَينونَة
لِيَخشَ عَبدٌ دَعوَةَ المَظلومِ ... وَحِكمَةِ الحَيِّ بِها القَيّومِ
وَيحَكَ يا مُغتَصِبَ المِسكينِ ... وَيحَكَ مِن دَيّانِ يَومِ الدَينِ
الدينُ لِلَّهِ هُوَ الدَيّانُ ... وَحُجَّةُ اللَهِ هِيَ السُلطانُ
تُدانُ يَوماً ما كَما تَدينُ ... وَيحَكَ يا مِسكينُ يا مِسكينُ
لِمِثلِ هَذا فَلَيبكَ الباكي ... ** ... حَسبُكَ بِالبُيودِ مِن هَلاكِ (2)
لَيسَ الرِضى إِلّا لِكُلِّ راضِ ... وَكُلُّ أَمرِ اللَهِ فينا ماض
السُخطُ لا يَبرَحُ كُلَّ ساخِطِ ... أَيُّ هَوىً فيهِ سُقوطُ الساقِطِ
وَصِلِ اللَهَ عَلى ما تَهوى ... وَلازِمِ الرُشدَ لِكَي لا تَغوى
مَن ضاقَ حَلَّت نَفسُهُ في الضيقِ ... لَيسَ اِمرُؤٌ ضاقَ عَلى الطَريقِ
ما أَوسَعَ الدُنيا عَلى المُسامِحِ ... ما فازَ إِلّا كُلُّ عَبدٍ صالِحِ
عاقِبَةُ الصَبرِ لَها حَلَاوَة ... وَعادَةُ الشَرِّ لَها ضَراوَة
تَعَزَّ بِالصَبرِ عَلى ما تَكرَهُ ... وَلا تُخَلِّ النَفسَ حينَ تَشرَهُ (3)
النَفسُ إِن أَتبَعتَها هَواها ... فاغِرَةٌ نَحوَ هَواها فَاهَا
__________
(1) - الفحص : شدة الطلب خلال كل شيء
(2) - البيود : الإنقطاع والذهاب
(3) - تعز : من العزاء والتعزية : وهو الصبروالتسلية بعد المصيبة(1/17)
لا تَبغِ ما يَجزيكَ مِنهُ دونَهُ ... وَإِن رَأَيتَ الناسَ يَطلُبونَهُ
أَيُّ غِنىً لِلمَرءِ في القُنوعِ ... وَالمَرءُ ذو حِرصٍ وَذو وَلوعِ (1)
المَرءُ دُنياهُ لَهُ غَرّارَة ... وَالنَفسُ بِالسوءِ لَهُ أَمّارَة
ما النَفسُ إِلّا كَدرٌ وَصَفو ... طَعمٌ لَهُ مُرُّ حُلو وَطَعمٌ
لِكُلِّنا يا دارُ مِنكِ شَجْوُ ... وَبَعضُنا مِن شَجوِ بَعضٍ خِلْوُ
ما زالَتِ الدُنيا لَنا دارَ أَذى ... مَمزوجَةَ الصَفوِ بِأَلوانِ القَذى
الخَيرُ وَالشَرُّ بِها أَزواجُ ... لِذا نِتاجٌ وَلِذا نِتاجُ (2)
سُبحانَ رَبّي فالِقِ الإِصْبَاحِ ... ما أَطلَبَ المَساءَ لِلصَباحِ
إِنَّ الجَديدَينِ هُما هُما هُما ... هُما هُما دائِرَةٌ رَحاهُما (3)
يا دارُ الباطِلِ المُعَتَّقِ ... عَلِقتُ مِمَّن فيكَ كُلَّ مَعْلَقِ
لا عَيشَ إِلّا عَيشُ أَهلِ الحَقِّ ... دارُ خُلودٍ لِحِسابِ الحَقِّ
ما عَيشُ مَن ضَلَّ الرِضى بِعَيشِ ... الساخِطِ العَيشِ كَثيرُ الطَيشِ
جَدَّ بِنا الأَمرُ وَنَحنُ نَلعَبْ ... وَكُلُّ آتٍ فَكَذاكَ يَذهَبْ
يَنعى حَياةَ الحَيِّ مَوتُ المَيِّتِ ... يُسمِعُهُ النَعيَ بِصَوتٍ صَيِّتِ (4)
عَلَيكَ لِلناسِ بِنُصحِ الجَيبِ ... وَكُن مِنَ الناسِ أَمِينَ الغَيبِ
إِرضَ مِنَ الدُنيا بِما يَفوتُكا ... وَاِعلَم بِأَنَّ الرِزقَ لا يَفوتُكا
القوتُ مِن حِلٍّ كَثيرٌ طَيِّبُ ... وَالحظُ بِكرٌ تارَةً وَثَيِّبُ
__________
(1) - أولع يه ولوعا وإيلاعا : إذا لج
(2) - من نتجت الناقة إذا ولدت
(3) - الجديدان : هما الليل والنهار أو الغدوة والعشية وهما من الإثنين الذين لا يفردان من لفظهما
(4) - الصيت :شديد الصوتِ عاليَه(1/18)
أَصلُ الخَطايا خَطرَةٌ وَنَظرَةُ ... وَغَدرَةٌ ظاهِرَةٌ وَفَجرَةُ (1)
لِيَسلَمِ الناسُ جَميعاً مِنكا ... وَاِرضَ لَعَلَّ اللَهَ يَرضى عَنكا
تَبارَكَ اللَهُ وَجَلَّ اللَهُ ... أَعظَمُ ما فاهَت بِهِ الأَفواهُ
ما أَوسَعَ اللَهَ لكل خَلقِهِ ... كُلٌّ فَفي قَبضَتِهِ وَرِزقِهِ
*بِاللَهِ نَقوى لِأَداءِ حَقِّهِ*
كُلُّ اِمرِئٍ في شَأنِهِ يُرَقّع ... وَالرَقعُ لا يَبقى وَلا المُرَقِّع
ما أَشرَفَ الكَسبَ مِنَ الحَلالِ ... ما أَكرَمَ السَعِيَ عَلى العِيالِ
ما أَكذَبَ الآمالِ عِندَ الحَيْنِ ... وَالسَيرُ في إِصلاحِ ذاتِ البَينِ
آيُّ رَجاءٍ لَيسَ فيهِ خَوفُ ... وَرُبَّما خانَت عَسى وَسَوفُ
ما هُوَ إِلّا الخَوفُ وَالرَجاءُ ... لا تَرجُ مَن لَيسَ لَهُ حَياءُ
يا عَينُ يا عَينُ أَما رَأَيتِ ... أَما رَأَيتِ قَطُّ قَبرَ مَيتِ
*يا عَينُ قَد نُكيتِ إِن بَكيتِ*
بَيتُ البِلى أَقصَرُ بَيتٍ سَمكا ... سُبحانَ مَن أَضحَكَنا وَأَبكى (2)
يا لِلبَلى يا لِلبَلى يا لِلبَلى ... إِنَّ البَلى يُسرِعُ تَغيّيرَ الحِلا (3)
لا بُدَّ يَوماً يُحصَدُ المَزروعُ ... وَكُلُّنا عَن نَفسِهِ مَخدوعُ
نَحنُ جَميعاً كُلُّنا عَبيدُ ... مَليكُنا مُقتَدِرٌ حَميدُ
لَنا مَليكٌ مُحسِنٌ إِلَينا ... مَن نَحنُ لَولا فَضلُهُ عَلَينا
أَكثَرُ ما نُعنى بِهِ وَلوعُ ... طوبى لِمَن كانَ لَهُ قُنوعُ
سُبحانُ مَن ذَلَّت لَهُ الأَشرافُ ... أَكرَمُ مَن يُرجى وَمَن يُخافُ
ما هُوَ إِلّا العَزمُ وَالتَوَكُّل ... البِرُّ يَعلو وَالفُجورُ يَسفُل
__________
(1) - الخطرة : الوسوسة وفي حديث سجود السَّهُو : «حتى يَخْطِر الشيطان بين المرء وقَلْبه»
(2) - السمك : السقف
(3) - الحلا جمع حلية : وهي الهيئة والصورة(1/19)
كَم مَرَّةٍ حَفَّت بِكَ المَكارِهُ ... خارَ لَكَ اللَهُ وَأَنتَ كارِهُ
عَجِبتُ لِلدَهرِ وَلِاِنقِلابِهِ ... ما لَكَ لا تُعنى بِما يُعنى بِهِ
إِذا جَعَلتَ الهَمَّ هَمّاً واحِدا ... نَعِمتَ بالاً وَغَنيتَ راشِدا
يا عَجَباً لِلنَفسِ ما أَشرَدَها ... ما أَقرَبَ النَفسَ وَما أَبعَدَها (1)
النَفسُ أَعدى لَكَ مِمّا تَحسِبُ ... حَسبُكَ مِن عِلمِكَ ما تُجَرِّبُ
يا عَجَباً يا عَجَباً يا عَجَبا ... يا عَجَباً لِمَن لَها وَلَعِبا
يا عَجَباً لِلطَرفِ كَيفَ يَطمَحُ ... يا عَجَباً لِلمَرءِ كَيفَ يَفرَحُ (2)
ما أَسرَعَ المَوتَ لِذي طَرفٍ طَمَح ... لَم يَترُكِ المَوتُ لِذي لُبِّ فَرَح
يا رَبِّ يا رَبِّ لَقَد أَنعَمتا ... يا رَبِّ ما أَحسَنَ ما عَلَّمتا
يا رَبِّ أَسعِدني بِما عَلَّمتَني ... وَلا تُهنِيِّ بَعدَ إِذ أَكرَمتَني
دَع عَنكَ يا هَذا بُنَيّاتِ الطُرُق ... إِن لَم تَصُن وَجهَكَ يا هَذا خَلُق (3)
دَع عَنكَ ما لَيسَ بِهِ مُستَمتَعُ ... وَشَرُّ ما حاوَلتَ ما لا يَنفَعُ
وَخَيرُ أَيّامِكَ يَومُ تُنعِمُ ... وَشَرُّ أَيّامِكَ يَومُ تَظلِمُ
وَخَيرُ ما قُلتَ بِهِ ما يُعرَفُ ... وَشَرُّ مَن صاحَبتَ مَن لا يُنصِفُ
وَخَيرُ مَن قارَنتَ مَن لا يَخْرُقُ ... وَشَرُّ مَن خالَفتَ مَن لا يَرفُقُ
كُلٌّ إِذا ما مَسَّهُ الضُرُّ شَكا ... وَكُلُّ مَن أَبكَتهُ دُنياهُ بَكى
يا عَينُ ما لَكِ لا تَبكينا ... تَبَصَّري إِن كُنتِ تُبصِرينا
__________
(1) - الشرود : النفور
(2) - طمح بصره إلى الشيء : ارتفع
(3) - بنيات الطريق : هي الطرق الصغار التي تشعب عن معظمه, ويقال للأكاذيب والأباطيل : أيضا ((بنيات الطرق)) وفلان يتشبت ببنيات الطريق أي بالأكاذيب وبما لا أصل له , وخلق : بَلِيَ(1/20)
ما أَعجَبَ الأَمرَ لِمَن تَعَجَّبا ... ما أَسرَعَ القَلبَ إِذا تَقَلَّبا
يَحُلُّ قَلبُ المَرءِ حَيثُ مالُه ... ما كُلُّ مَن أَطمَعَني أَنالُه
قَدِّم لِما بَينَ يَدَيكَ قَدِّمِ ... أُفٍّ وَتُفٍّ لِعَبيدِ الدِرهَمِ
الصِدقُ وَالبِرُّ أَصَبنا تَوأَما ... وَالمُسلِمُ البَرُّ يَبَرُّ المُسلِما
لا سَعَةٌ أَوسَعَ مِن حُسنِ الخُلُق ... ** ... مَنِ اِعتَدى تاهَ وَمَن تاهَ حَمُق
ما كُلُّ مَعقودٍ لَهُ وَثيقَة ... وَالصِدقُ ما كانَت لَهُ حَقيقَة
في الغَيِّ خُسرانٌ وَفي الرُشْدِ دَرَك ... أَوسَعُ خَيرِ المَرءِ خَيرٌ مُشتَرَك
*ما زالَتِ الدُنيا سُكوناً وَحَرَك*
يا عَينُ أَبغي مِنكِ أَن تَجودي ... بِأَدمُعٍ تَنهَلُّ كَالفَريدِ (1)
*يَئِستُ في الدُنيا مِنَ الخُلودِ*
يَحِقُّ لي يا عَينُ أَن بَكَيتُ ... أَبكي لِعِلمي بِالَّذي أَتَيتُ
أَنا المُسيءُ المُذنِبُ الخَطّاءُ ... في تَوبَتي عَن حَوبَتي إِبطاءُ
ما عِندَ يَومي ثِقَةٌ لي بِغَدِ ... لا بُدَّ مِن دارِ خُلودِ الأَبَدِ
يا حَزَني يا حَزَني يا حَزَني ... لا بُدَّ أَن يَترُكَ روحي بَدَني
يا غَدرَةَ الأَيّامِ ما لي وَلَكِ ... لَم تُبقِ لي شَيئاً وَلَم تَتَّرِكِ
قَرَّبَتِ الأَيّامِ مِنّي أَجَلي ... بَرَّحَتِ الأَيّامُ بي في عِلَلي
زادَتنِيَ الأَيّامُ في تَجريبي ... باعَدَتِ الأَيّامُ في تَقريبي
يا يَومُ يَومَ البَينِ وَالشُحوطِ ... يا يَومُ يَومَ العودِ وَالحُنُوطِ (2)
يا يَومُ يَومَ العَلَزِ الشَديدِ ... يا يَومُ يَومَ النَفَسِ البَعيد (3)ِ
__________
(1) - الفريد : الدر إذا نظم وفصل بغيره , والجوهرة النفيسة كأنها مفردة في نوعها
(2) - الشحوط : البعد , والحنوط : طيب يخلط للميت خاصة
(3) - العَلَزُ: خِفَّةٌ وهَلَعٌ يُصيب الإنْسان.(1/21)
يا يَومُ يَومَ الأَجَلِ المَعدودِ ... يا يَومُ يَومَ المَنهَلِ المَورودِ (1)
يا يَومُ يَومَ السِدرِ وَالكافورِ ... يا يَومُ يَومَ الكَفَنِ المَنشورِ (2)
يا يَومُ يَومَ الخَتمِ بِالوَفاةِ ... يا يَومُ يَومَ الهَجرِ لِلحُماةِ
يا يَومُ يَومَ المَيِّتِ المُسَجّى ... عَلى سَريرٍ لِلبَلى يُزَجّى (3)
يا يَومُ يَومَ الرَنَّةِ الطَويلَة ... يا يَومُ يَومَ العَجزِ عَن ذي الحيلَة (4)
يا يَومُ يَومَ لَيسَ عَنهُ مَدفَع ... يا يَومُ يَومَ النَفسِ حينَ تُرفَع
صارَ اِمرُؤٌ فيهِ إِلى ما فيهِ ... يُسْعِدُهُ ذَلِكَ أَو يُشقيهِ
*ما أَشغَلَ المَيِّتَ عَن باكيهِ*
أَسلَمَ مَقبوراً مُشَيِّعُوهُ ... اِنصَرَفوا عَنهُ وَخَلَّفوهُ
ساعَةَ سَوَّوا تُربَهُ عَلَيهِ ... وَلَّوا وَلَم يَلتَفِتوا إِلَيهِ
سَيَضحَكُ الباكونَ بَعدَ المَيتِ ... لا بَل سَيَلهونَ بِلَو وَلَيتِ
إِنّا إِلى اللَهِ لَراجِعونا ... حَتّى مَتى نَحنُ مُضَيِّعونا
بَينا اِمرُؤٌ بَينَ يَدَيْكَ حَيّاً ... إِذ صِرتَ لا تُبْصِرُ مِنهُ شَيّا
أَعانَنا اللَهُ عَلى لِقائِهْ ... كَم مُخطِئٍ ذي عَجَبٍ بِرائِهْ
ما الناسُ إِلّا وارِدٌ وَصادِرْ ... الطَمْعُ لِلغالِبِ فَقرٌ حاضِرْ (5)
طوبى لِمَن يَقنَعُ ما أَغناهُ ... وَيحَ مَنِ اِستَعبَدَهُ هَواهُ
أُخَيَّ لا تَذهَب بِكَ المَذاهِبُ ... أَظَلَّكَ المَوتُ وَأَنتَ لاعِبُ
أُخَيَّ إِنَّ المَوتَ قَدْ أَظَلَّكا ... هَل لَكَ أَن تُعنى بِهِ لَعَلَّكا
__________
(1) - المنهل : المشرب
(2) - السدر :شجر النبق , واحدتها سدرة , و ورقه غسول يشبه شجر العناب
(3) - يزجى : أي يدفع دفعا رفيقا
(4) - الرَّنَّةُ: الصوتُ, رَنَّ يَرِنُّ رَنِيناً: صاحَ
(5) - الصدر : الانصراف عن الورد وعن كل أمر, والورد ضده(1/22)
اللَهُ رَبّي قُوَّتي وَحَوْليِ ... اللَهُ لي مِن يَومٍ كُلِّ هَولِ
يا رَبِّ سَلِّمنا وَسَلِّم مِنّا ... وَتُب عَلَينا وَتَجاوَز عَنّا
*يا رَبِّ إِنّا بِكَ حَيثُ كُنّا*
كَم فَلتَةٍ لي قَد وُقيتُ شَرَّها ... ما أَنفَعَ الدُنيا وَما أَضَرَّها (1)
إِنّا مِنَ الدُنيا لَفي طَريقِ ... إِلى الغَسَّاقِ أَو إِلى الرَحيقِ (2)
ما هِيَ إِلّا جَنَّةٌ وَنَارُ ... أَفلَحَ مَن كانَ لَهُ اِعْتِبَارُ
كاسَ اِمرُؤٌ مُتَّعِظٌ بِغَيرِهِ ... دَع شَرَّ ما تَأتي وَخُذ في خَيرِهِ
خَلا أَخٌ عَنكَ فَلا تُخَلِّهِ ... مَن لَكَ يَوماً بِأَخيكَ كُلِّهِ
مَن يَسأَلِ الناسَ يَهُن عَلَيهِمُ ... بُؤسى لِمَن حاجَتُهُ إِلَيهِمُ
تَرى مُجتَمِعاً لا يَفتَرِقْ ... وَكُلُّ ما زادَ فَلِلنَقصِ خُلِقْ
مَن يَسأَلِ الناسَ يُخَيِّبوهُ ... وَيُعرِضوا عَنهُ وَيُصغِروهُ
مَن صَنَعَ الناسَ تَكَنَّفوهُ ... وَاِقتَرَبوا مِنهُ وَكَرَّموهُ (3)
سُبحانَ مَن باعَدَ في تَقَدُّمِه ... نَعصيهِ في قَبضَتِهِ بِأَنعُمِه
كِلا الجَديدَينِ بِنا حَثيثُ ... مِنَ الخُطوبِ عَجِلٌ مَكيثُ (4)
طوبى لِمَن طابَ لَهُ الحَديثُ ... ما يَستَوي الطَيِّبُ وَالخَبيثُ
*انتهت الأرجوزة المسماة : ذات الأمثال للشاعر المجيدأبي العتاهية رحمه الله وأسأل الله أن ينفع بها قارئها*
*ومستمعها والناظر فيها , وانتهيت من تصفيفها وترتتيبها وشرح مفرداتها*
*في 24 من صفر 1426هـ من هجرة النبي المصطفى صلى الله *
__________
(1) - الفلتة :كلُّ شيءٍ فُعل من غير رَوِيَّة، ولا إحكام
(2) - الغساق : بالتخفيف والتشديد: ما يَسِيل من صَديد أهل النار وغُسَالَتِهم. وقيل: ما يَسِيل من دُمُوعهم وقيل: هو الزَّمْهرير.
(3) - تكننفوه : أحاصوا به
(4) - حثيث : مسرع , والمكيت : المقيم الثابت
*عليه وسلم , وذلك على يد أبي يعلى البيضاوي*
* عفا الله عنه , والحمد لله رب العالمين*
* تم بحمد الله *(1/23)
المعلقات العشر
======
معلقة لَبيد بن ربيعة العامِري:
==================
... لَبيد بن ربيعة العامِري: ( ? - 41 هـ / ? - 661 م)
لبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل العامري.
أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية. من أهل عالية نجد. أدرك الإسلام، ووفد على النبي (صلى الله عليه وسلم).
يعد من الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلا بيتاً واحداً. وسكن الكوفة وعاش عمراً طويلاً. وهو أحد أصحاب المعلقات
و هذه معلقته رضي الله عنه :
عفتِ الديارُ محلُّها فمُقامُهَا
بمنًى تأبَّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا
فمدافعُ الرَّيَّانِ عرِّيَ رسْمُها
خلقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
دمِنٌ تَجَرَّمَ بعدَ عَهْدِ أنِيسِهَا
حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُهَا وحَرَامُهَا
رزقَتْ مرابيعَ النُّجومِ وصابَهَا
ودقُ الرواعدِ جوْدُهَا فرهامُها
منْ كلِّ سَارِيَة ٍ وغادٍ مُدْجِنٍ
وعشيَّة ٍ متجاوبٍ إرْزامُهَا
فَعَلا فُرُوعُ الأيْهُقَانِ وَأطْفَلَتْ
بالجلهتين ظباؤهَا ونعامُها
والعينُ ساكِنة ٌ على أطْلائِها
عُوذاً تَأجَّلُ بالفضَاءِ بِهَامُها
وجَلا السُّيولُ عن الطّلُولِ كأنّها
ربرٌ تجِدُّ متونَها أقْلامُها
أوْ رَجْعُ واشِمة ٍ أُسِفَّ نَؤورُهَا
كففاً تعرَّضَ فوقَهنَّ وشامُها
فوقفتُ أسْألُهَا ، وكيفَ سُؤالُنَا
صُمّاً خوالدَ ما يُبينُ كلامُها
عرِيتْ وكان بها الجميعُ فأبكرُوا
منها وَغُودرَ نُؤيُهَا وَثُمَامُها
شاقتكَ ظُعْنُ الحيِّ حينَ تحمّلُوا
فتكنَّسُوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُها
من كلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ
زوْجٌ عليه كلَّة ٌ وفرامُهَا
زُجَلاً كأنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَهَا
وظِباءَ وجرَة َ عُطَّفاً آرَامُهَا
حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كأنها
أجْزَاعُ بِيشة َ أثْلُهَا وَرُضَامُهَا
بلْ ما تذكرُ منْ نوارَ وقد نأتْ
وَتَقَطَّعَتْ أسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا
مُرِّيَّة ٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ وَجَاوَرَتْ
أهْلَ الحِجَازِ فأيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا(1/1)
بمشارقِ الجبلين أو بِمُحَجَّرٍ
فَتَضَمَّنَتْهَا فَرْدَة ٌ فَرُخَامُهَا
فَصُوَائقٌ إنْ أيْمَنَتْ فَمَظِنَّة ٌ
فيها وحافُ القَهْرِ أوْ طِلْخامُهَا
فاقطعْ لُبانَة َ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ
ولَشرُّ واصلِ خُلَّة ٍ صَرَّامُها
واحبُ المُجَامِلَ بالجزيلِ وصرمُهُ
باقٍ إذا ضلعَتْ وزاغَ قوامُهَا
بِطَليحِ أسْفَارٍ تَرَكْنَ بقيَّة ً
منها فأحنقَ صُلْبُها وسنامُها
وإذا تغالى لحمُها وتحسَّرتْ
وتَقَطَّعَتْ بعد الكَلالِ خِدَامُهَا
فلها هبابٌ في الزِّمامِ كأنَّها
صهباءُ خَفَّ مع الجنوبِ جَهَامُها
أو ملمِعٌ وسقَتْ لأحقبَ لاحَهُ
طَرْدُ الفُحول وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا
يعلوُ بها حدبُ الإكامِ مسحَّجٌ
قَد رابَهُ عصيانُهَا ووحَامُها
بأحِزَّة ِ الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَهَا
قَفْر المَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرامُهَا
حتى إذا سَلَخَا جُمَادَى ستَّة ً
جَزءاً فطالَ صِيامُهُ وَصِيَامُها
رَجَعَا بأمرهما إلى ذي مِرَّة ٍ
حصدٍ، ونجحُ صريمة ٍ إبرامُهَا
ورمى دوابرَهَا السَّفَا وتهيَّجَتْ
ريحُ المصايِفِ سَوْمُهَا وسِهامُهَا
فتنازعا سَبِطاً يطيرُ ظلالُهُ
كدخانِ مُشْعَلة ٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا
مشمُولة ٍ غلِثَتْ بنابتِ عرْفَجٍ
كَدُخَانِ نارٍ سَاطِعٍ أسْنَامُها
فمضى وَقَدَّمَهَا وكانتْ عادة ً
منه إذا هِيَ عَرَّدَتْ إقدامُها
فتوسَّطا عرضَ السَّريَّ وصدَّعا
مسجورة ً متجاوراً قُلاَّمُهَا
محفوفة ً وسطَ اليراعِ يُظِلُّها
مِنه مُصَرَّعُ غَابة ٍ وقِيامُها
أفَتِلْكَ أم وحْشِيَّة ٌ مسبوعَة ٌ
خذلتْ وهادية ُ الصِّوارِ قِوَامُها
خَنْساءُ ضَيَّعَتِ الفَريرَ فلمْ يَرِمْ
عرضَ الشَّقائِقِ طوفُها وبغامُها
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ
غُبْسٌ كواسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُها
صَادَفْنَ منها غِرَّة ً فَأصَبْنَهَا
إنَّ المنايا لا تطيشُ سهامُهَا
باتَتْ وَأسْبَلَ واكفٌ من ديمة ٍ
يروِي الخمائلَ دائماً تسجامُها(1/2)
يعدُو طريقة َ متنِهَا متواتِرٌ
في ليلة ٍ كَفَرَ النُّجومَ غَمَامُهَا
تجتافُ أصْلاً قالِصاً متنبّذاً
بعجوبِ أنْقاءٍ يميلُ هُيَامُها
وتُضيءُ في وَجْهِ الظلام مُنِيرة ً
كجمانَة ِ البحريِّ سُلَّ نظامُها
حتى إذا انحسَرَ الظلامُ وَأسْفَرَتْ
بكرتْ تزلُّ عن الثَّرَى أزْلامُها
عَلِهَتْ تَرّدَّدُ في نِهاءِ صَعَائِدٍ
سَبْعاً تُؤاماً كاملاً أيَّامُها
حتى إذا يَئسَتْ وأسْحَقَ حَالِقٌ
لم يُبلهِ إرْضاعُها وفِطَامُها
وتوجسَّتْ رزَّ الأنيسِ فَرَاعَها
عن ظهرِ غَيْبٍ، والأنيسُ سَقَامُها
فَغَدَتْ كلا الفَرجَينِ تَحْسَبُ أنَّهُ
مَولى المخافة خلفُها وأمامُها
حتى إذا يئسَ الرُّماة ُ وأرْسَلُوا
غضفاً دواجنَ قافلاً أعْصامُها
فَلَحِقْنَ واعتكرتْ لها مَدْرِيَّة ٌ
كالسَّمهريَّة ِ حَدَّهَا وتَمَامُهَا
لِتذَودَهُنَّ وَأيقنتْ إن لم تَذُدْ
أن قد أحمَّ مع الحتوفِ حمامُها
فتقصدَتْ منها كَسابِ فضُرِّجتْ
بدمٍ وغودرَ في المَكَرِّ سُخَامُها
فبتلْكَ إذْ رقَصَ اللوامعُ بالضُّحى
واجتابَ أردية َ السَّرَابِ إكامُها
أقضي اللُّبانة َ لا أفرِّطُ ريبة ً
أو أن يلومَ بحاجة ٍ لُوَّامُهَا
أوَلم تكنْ تدري نَوَارُ بأنَّني
وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُها
تَرَّاكُ أمكنة ٍ إذا لم أرْضَهَا
أوْ يعتلقْ بعضَ النفوسِ حِمامُها
بل أنتِ لا تدرين كم مِنْ ليلة ٍ
طَلْقٍ لذيذٍ لَهْوُها ونِدَامُها
قَد بِتُّ سامِرَها، وغَاية تاجرٍ
وافيتُ إذ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُها
أُغْلي السِّباءَ بكلِّ أدْكَنَ عاتقٍ
أو جَوْنَة ٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها
بصَبوحِ صافية ٍ وجذبِ كرينة ٍ
بموَتَّرٍ تأتالُهُ إبهامُهَا
بادرتُ حاجتَها الدّجاجَ بسحرَة ٍ
لأعَلَّ منها حينَ هبّ نيامُها
وغداة ِ ريحٍ قَدْ وزعتُ وَقَرَّة ٍ
إذ أصْبَحَتْ بيدِ الشَّمالِ زمامُها
ولقَد حميْتُ الحيَّ تحملُ شِكَّتي
فرطٌ، وشاحي إذْ غدوتُ لجامُها
فعَلوتُ مرتقباً عَلى ذي هَبْوَة ٍ(1/3)
حَرِجٍ إلى أعلامِهِنَّ قَتَامُها
حتى إذا ألْقَتْ يداً في كافرٍ
وَأجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُها
أسْهلْتُ وانتصَبتْ كجذع منيفَة ٍ
جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دونها جُرَّامُها
رَفَّعْتُهَا طَرَدَ النَّعامِ وَشَلَّهُ
حتى إذا سَخِنَتْ وَخَفَّ عظامُها
قَلِقَتْ رِحَالَتُهَا وَأسْبَلَ نَحْرُهَا
وابتلَّ من زَبَدِ الحمِيمِ حِزَامُهَا
تَرْقَى وَتَطَعْنُ في العِنَانِ وتَنْتَحي
وِرْدَ الحمَامة إذ أجَدَّ حَمَامُها
وكثيرة ٍ غُرَباؤهَا مَجْهُولَة ٍ
ترجَى نوافِلُها ويخْشَى ذامُها
غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُّحُولِ كأنَّهَا
جنُّ البديِّ رواسياً أقدامُها
أنكرتُ باطلَها وَبُؤْتُ بحقِّها
عندي، ولم يَفْخَرْ عليَّ كرامُها
وَجزَورِ أيْسَارٍ دَعَوْتُ لحتفِها
بِمَغَالِقٍ مُتَشَابهٍ أجسامُها
أدعُو بهنَّ لعاقِرِ أوْ مطفِلٍ
بذلَتْ لجيرانِ الجميعِ لحامُها
فالضيفُ والجارُ الجنيبُ كأنّما
هبَطَا تبالَة َ مخصِباً أهْضَامُها
تأوِي إلى الأطْنابِ كلُّ رذيَّة ٍ
مِثْلُ البَلِيّة ِ قَالصٌ أهدَامُها
ويكلّلُونَ إذا الرياحُ تناوحَتْ
خُلُجاً تمدُّ شوارعاً أيْتَامُها
إنّا إذا التقتِ المجَامِعُ لم يَزَلْ
منّا لِزَازُ عظيمة ٍ جَشّامُها
وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي العشيرة َ حَقَّهَا
وَمُغَذْمِرٌ لحقوقِها هَضَّامُها
فضلاً، وذو كرمٍ يعينُ على النَّدى
سمحٌ كسُوبُ رغائبٍ غنّامُها
مِنْ معشرٍ سنَّتْ لهمْ آباؤهُمْ
ولكلِّ قومٍ سُنَّة ٌ وإمامُهَا
إذ لا يميل معَ الهَوى أحلامُها
فاقْنَعْ بما قَسَمَ المليكُ فإنّمَا
قسمَ الخلائقَ بينَنا علاَّمُها
وإذا الأمانة ُ قُسِّمَتْ في مَعْشَرٍ
أوْفَى بأوْفَرِ حَظِّنَا قَسّامُهَا
فبنى لنا بيتاً رفيعاً سمكُهُ
فَسَما إليه كَهْلُهَا وَغُلامُها
وَهُمُ السُّعَاة ُ إذا العشيرة ُ أُفْظِعَتْ
وهمُ فوارِسُهَا وَهمْ حُكّامُها
وهمُ رَبيعٌ للمُجَاورِ فيهمُ
والمرملاتِ إذا تطاولَ عَامُها
وَهُمُ العَشيرة ُ أنْ يُبَطِّىء َ حاسدٌ
أو أن يميلَ معَ العدوِّ لئامُها(1/4)
معلقة زُهَير بن أبي سُلمَى:
================
... زُهَير بن أبي سُلمَى : (? - 13 ق. هـ / ? - 609 م)
زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، من مُضَر.
حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافة.
قال ابن الأعرابي: كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة.
ولد في بلاد مُزَينة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد)، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام.
قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمّى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته التي مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
ويقال : إن أبياته في آخرها تشبه كلام الأنبياء.
و هذه معلقته :
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
بِحَوْمَانَةِ الدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدَارٌ لَهَا بِالرَّقْمَتَيْنِ كَأَنَّهَا
مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ
بِهَا العِيْنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفَةً
وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً
فَلأيَاً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
أَثَافِيَ سُفْعاً فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلِ
وَنُؤْياً كَجِذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّمِ
فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا
أَلاَ أَنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ
تَبَصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ
تَحَمَّلْنَ بِالْعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ
جَعَلْنَ القَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وَحَزْنَهُ
وَكَمْ بِالقَنَانِ مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمِ
عَلَوْنَ بِأَنْمَاطٍ عِتَاقٍ وكِلَّةٍ
وِرَادٍ حَوَاشِيْهَا مُشَاكِهَةُ الدَّمِ
وَوَرَّكْنَ فِي السُّوبَانِ يَعْلُوْنَ مَتْنَهُ(1/5)
عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المُتَنَعِّمِ
بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحْرَنَ بِسُحْرَةٍ
فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ
وَفِيْهِنَّ مَلْهَىً لِلَّطِيْفِ وَمَنْظَرٌ
أَنِيْقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المُتَوَسِّمِ
كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ
نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ
فَلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقاً جِمَامُهُ
وَضَعْنَ عِصِيَّ الحَاضِرِ المُتَخَيِّمِ
ظَهَرْنَ مِنْ السُّوْبَانِ ثُمَّ جَزَعْنَهُ
عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيْبٍ وَمُفْأَمِ
فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ
بَعِيدَيْنِ فِيْهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ
عَظِيمَيْنِ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ هُدِيْتُمَا
وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِنَ المَجْدِ يَعْظُمِ
تُعَفِّى الكُلُومُ بِالمِئينَ فَأَصْبَحَتْ
يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيْهَا بِمُجْرِمِ
يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرَامَةً
وَلَمْ يَهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ
فَأَصْبَحَ يَجْرِي فِيْهِمُ مِنْ تِلاَدِكُمْ
مَغَانِمُ شَتَّى مِنْ إِفَالٍ مُزَنَّمِ
أَلاَ أَبْلِغِ الأَحْلاَفَ عَنِّى رِسَالَةً
وَذُبْيَانَ هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَمِ
فَلاَ تَكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ
لِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَمِ
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ
لِيَوْمِ الحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ
وَمَا الحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً
وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ
فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا
وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ
كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
فَتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِلُّ لأَهْلِهَا(1/6)
قُرَىً بِالْعِرَاقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَمِ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيِّ جَرَّ عَلَيْهِمُ
بِمَا لاَ يُؤَاتِيْهِم حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ
وَكَانَ طَوَى كَشْحاً عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ
فَلاَ هُوَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمِ
وَقَالَ سَأَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِي
عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلْجَمِ
فَشَدَّ فَلَمْ يُفْزِعْ بُيُوتاً كَثِيرَةً
لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ
لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِلاحِ مُقَذَّفٍ
لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
جَريءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقَبْ بِظُلْمِهِ
سَرِيْعاً وَإِلاَّ يُبْدِ بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ
دَعَوْا ظِمْئهُمْ حَتَى إِذَا تَمَّ أَوْرَدُوا
غِمَاراً تَفَرَّى بِالسِّلاحِ وَبِالدَّمِ
وَلاَ شَارَكَتْ فِي المَوْتِ فِي دَمِ نَوْفَلٍ
وَلاَ وَهَبٍ مِنْهَا وَلا ابْنِ المُخَزَّمِ
فَكُلاً أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ
صَحِيْحَاتِ مَالٍ طَالِعَاتٍ بِمَخْرِمِ
وأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
وَلكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ
تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِىء يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ
يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوْطَأ بِمَنْسِمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ
يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
وَمَنْ يُوْفِ لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُهُ
إِلَى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَهُ
وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ
يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ
وَمَنْ يَعْصِ أَطْرَافَ الزُّجَاجِ فَإِنَّهُ
يُطِيعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ(1/7)
يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَمِ
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُواً صَدِيقَهُ
وَمَنْ لَم يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَم يُكَرَّمِ
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيقَةٍ
وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
ومن هابَ أسبابَ المنايا ينلنهُ
وإنْ يَرْقَ أسْبابَ السّماءِ بسُلّمِ
وَكَاءٍ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ
زِيَادَتُهُ أَو نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
ومَن يَعصِ أطرَافَ الزِّجاجِ فإنّهُ
يطيعُ العوالي، ركبتْ كلَّ لهذمِ
وَإَنَّ سَفَاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ
وَإِنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُمِ
ومن يوفِ لا يذممْ ومن يفضِ قلبهُ
إلى مُطمَئِنّ البِرّ لا يَتَجَمجمِ
ومن يوفِ لا يذممْ ومن يفضِ قلبهُ
إلى مُطمَئِنّ البِرّ لا يَتَجَمجمِ
سَألْنَا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُداً فَعُدْتُمُ
وَمَنْ أَكْثَرَ التّسْآلَ يَوْماً سَيُحْرَمِ(1/8)
معلقة طَرَفَة بن العَبد:
=============
... طَرَفَة بن العَبد : (86 - 60 ق. هـ / 539 - 564 م)
طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد، أبو عمرو، البكري الوائلي.
شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، كان هجاءاً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه في أكثر شعره، ولد في بادية البحرين وتنقل في بقاع نجد.
اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر عامله على البحرين وعُمان يأمره فيه بقتله، لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها، فقتله المكعبر شاباً.
و هذه معلقته :
لِخَولة َ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ،
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
عدولية ٌ أو من سفين ابن يامنٍ
يجورُ بها المَّلاح طوراًويهتدي
يشقُّ حبابَ الماءِ حيزومها بها
كما قسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ
وفي الحيِّ أحوى ينفضُ المردَ شادنٌ
مُظاهِرُ سِمْطَيْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ(1/8)
خذولٌ تراعي ربرباً بخميلة ٍ
تَناوَلُ أطرافَ البَريرِ، وتَرتَدي
وتبسمُ عن ألمَى كأنَّ مُنوراً
تَخَلّلَ حُرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَدي
سقتهُ إياة ُ الشمس إلا لثاتهُ
أُسف ولم تكدم عليه بإثمدِ
ووجهٌ كأنَّ الشمس ألقت رداءها
عليه، نَقِيَّ اللّونِ لمْ يَتَخَدّدِ
وإنّي لأمضي الهمّ، عند احتِضاره،
بعوجاء مرقالٍ تروحُ وتغتدي
أمونٍ كألواح الإرانِ نصَأْتُها
على لاحب كأنهُ ظهرُ بُرجد
جَماليّة ٍ وجْناءَ تَردي كأنّها
سَفَنَّجَة ٌ تَبري لأزعَرَ أربَدِ
تباري عتاقاً ناجيات وأتبعت
وَظيفاً وَظيفاً فَوق مَورٍ مُعبَّدِ
تربعت القفّين في الشول ترتعي
حدائق موليِّ الأسرَّة أغيد
تَريعُ إلى صَوْتِ المُهيبِ، وتَتّقي،
بِذي خُصَلٍ، رَوعاتِ أكلَفَ مُلبِدِ
كأن جناحي مضرحيٍّ تكنّفا
حِفافَيْهِ شُكّا في العَسِيبِ بمَسرَدِ
فَطَوراً به خَلْفَ الزّميلِ، وتارة ً
على حشف كالشنِّ ذاوٍ مجدّد
لها فَخِذانِ أُكْمِلَ النّحْضُ فيهما
كأنّهُما بابا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ
وطَيُّ مَحالٍ كالحَنيّ خُلوفُهُ،
وأجرِنَة ٌ لُزّتْ بِدَأيٍ مُنَضَّدِ
كأنَّ كِناسَي ضالة يكنُفانها
وأَطْر قِسِيٍّ تحت صلب مؤيّدِ
فلو كان مَولايَ امرأً هو غيرَهُ
تَمُرّ بِسَلْمَيْ دالجٍ مُتَشَدّدِ
كقنطرة الرُّوميِّ أقسمَ ربها
لتكفننْ حتى تُشادَ بقرمد
صُهابِيّة ُ العُثْنُونِ مُوجَدَة ُ القَرَا
بعيدة ُ وخد الرِّجل موَّراة ُ اليد
أُمرُّتْ يداها فتلَ شزرٍ وأُجنحتْ
لها عَضُداها في سَقِيفٍ مُسَنَّدِ
جنوحٌ دقاقٌ عندلٌ ثم أُفرعَتْ
لها كتفاها في معالى ً مُصعَد
كأن عُلوبَ النّسع في دأياتها
مَوَارِدُ مِن خَلْقاءَ في ظَهرِ قَردَدِ
تَلاقَى ، وأحياناً تَبينُ كأنّها
بَنائِقُ غُرٌّ في قميصٍ مُقَدَّدِ
وأتْلَعُ نَهّاضٌ إذا صَعّدَتْ به
كسُكان بوصيٍّ بدجلة َ مُصعِد
وجمجمة ٌ مثلُ العَلاة كأنَّما
وعى الملتقى منها إلى حرف مبرَد
وخدٌّ كقرطاس الشآمي ومشْفَرٌ(1/9)
كسَبْتِ اليماني قدُّه لم يجرَّد
وعينان كالماويتين استكنَّتا
بكهْفَيْ حِجاجَيْ صخرة ٍ قَلْتِ مورد
وعينان كالماويتين استكنَّتا
بكهْفَيْ حِجاجَيْ صخرة ٍ قَلْتِ مورد
طَحُورانِ عُوّارَ القذى ، فتراهُما
كمكحولَتي مذعورة أُمِّ فرقد
وصادِقَتا سَمْعِ التوجُّسِ للسُّرى
لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أو لصَوْتٍ مُندِّد
مُؤلَّلتانِ تَعْرِفُ العِتقَ فِيهِما،
كسامعتيْ شاة بحوْمل مفرد
وَأرْوَعُ نَبّاضٌ أحَذُّ مُلَمْلَمٌ،
كمِرداة ِ صَخرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ
وأعلمُ مخروتٌ من الأنف مارنٌ
عَتيقٌ مَتى تَرجُمْ به الأرض تَزدَدِ
وإنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وإن شئتُ أرقَلتْ
مخافة َ مَلويٍّ من القدِّ مُحصد
وإن شِئتُ سامى واسِطَ الكورِ رأسُها
وعامت بضبعيها نجاءَ الخفيْدَدِ
على مثلِها أمضي إذا قال صاحبي
ألا لَيتَني أفديكَ منها وأفْتَدي
وجاشَتْ إليه النّفسُ خوفاً، وخالَهُ
مُصاباً ولو أمسى على غَيرِ مَرصَدِ
إذا القومُ قالوا مَن فَتًى ؟ خِلتُ أنّني
عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ
أحَلْتُ عليها بالقَطيعِ فأجذَمتْ،
وقد خبَّ آل الأَمعز المتوقد
فذلك كما ذالت وليدة مجلس
تُري ربّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
ولستُ بحلاّل التلاع مخافة ً
ولكن متى يسترفِد القومُ أرفد
فان تبغني في حلقة القوم تلقَني
وإن تلتمِسْني في الحوانيت تصطد
متى تأتني أصبحتَ كأساً روية ً
وإنْ كنتَ عنها ذا غِنًى فاغنَ وازْدَد
وانْ يلتقِِ الحيُّ الجميع تلاقيني
إلى ذِروة ِ البَيتِ الرّفيع المُصَمَّدِ
نداماي بيضٌ كالنجوم وقينة ٌ
تَروحُ عَلَينا بَينَ بُردٍ ومَجْسَدِ
رَحيبٌ قِطابُ الجَيبِ منها، رقيقَة ٌ
بِجَسّ النّدامى ، بَضّة ُ المُتجرَّدِ
إذا نحنُ قُلنا: أسمِعِينا انبرَتْ لنا
على رِسلها مطروفة ً لم تشدَّد
إذا رَجّعَتْ في صَوتِها خِلْتَ صَوْتَها
تَجاوُبَ أظآرٍ على رُبَعٍ رَدي
وما زال تشرابي الخمور ولذَّتي
وبَيعي وإنفاقي طَريفي ومُتلَدي(1/10)
إلى أن تَحامَتني العَشيرة كلُّها،
وأُفرِدتُ إفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ
رأيتُ بني غبراءَ لا يُنكِرونَني،
ولا أهلُ هذاكَ الطرف الممدَّد
ألا أيُّهذا الزاجري أحضرَ الوغى
وأن أشهدَ اللذّات، هل أنتَ مُخلِدي؟
فأن كنتَ لا تستطيع دفع منيَّتي
فدعني أبادرها بما ملكتْ يدي
ولولا ثلاثٌ هُنّ مِنْ عِيشة ِ الفتى ،
وجدِّكَ لم أحفل متى قامُ عوَّدي
فمِنهُنّ سَبْقي العاذِلاتِ بشَرْبَة ٍ
كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ بالماءِ تُزبِد
وكَرّي، إذا نادى المُضافُ، مُحَنَّباً
كسيد الغضا نبّهته المتورِّد
وتقْصيرُ يوم الدَّجن والدَّجنُ مُعجِبٌ
ببهكنة ٍ تحت الخباء المعَّمد
كأنّ البُرينَ والدّمالِيجَ عُلّقَتْ
على عُشَرٍ، أو خِروَعٍ لم يُخَضَّد
كريمٌ يُرَوّي نفسه في حياتِهِ،
ستعلم ان مُتنا غداً أيُّنا الصدي
أرى قَبرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بمالِهِ،
كَقَبرِ غَويٍّ في البَطالَة ِ مُفسِدِ
تَرى جُثْوَتَينِ من تُرَابٍ، عَلَيهِما
صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفيحٍ مُنَضَّدِ
أرى الموتً يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدِّد
أرى العيش كنزاً ناقصاً كل ليلة ٍ
وما تَنقُصِ الأيّامُ والدّهرُ يَنفَدِ
لعمرُكَ إنَّ الموتَ ما أخطأ الفتى
لَكالطِّوَلِ المُرخى وثِنياهُ باليَدِ
فما لي أراني وابنَ عمّي مالِكاً
فإنْ مُتُّ فانْعِيني بما أنا أهْلُهُ،
وأيأسني من كلِّ خيرٍ طلبتُه
كأنّا وضعناه إلى رمس مُلحَد
على غير شئٍ قلتهُ غير أنني
نَشَدْتُ فلم أُغْفِلْ حَمُولة َ مَعبَد
وقرّبْتُ بالقُرْبى ، وجَدّكَ إنّني
متى يَكُ أمْرٌ للنَّكِيثَة ِ أشهد
على غير شئٍ قلتهُ غير أنني
نَشَدْتُ فلم أُغْفِلْ حَمُولة َ مَعبَد
وقرّبْتُ بالقُرْبى ، وجَدّكَ إنّني
متى يَكُ أمْرٌ للنَّكِيثَة ِ أشهد
وِإن أُدْعَ للجلَّى أكن من حُماتها
وإنْ يأتِكَ الأعداءُ بالجَهْدِ أَجْهَدِ
وإن يَقذِفوا بالقَذع عِرْضَك أسقِهمْ
بشرْبِ حياض الموت قبل التهدُّد
بلا حَدَثٍ أحْدَثْتُهُ، وكَمُحْدِثٍ
هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي(1/11)
فلو كان مولاي امرءاً هو غيره
لَفَرّجَ كَرْبي أوْ لأنْظَرَني غَدي
ولكنّ مولاي امرؤٌ هو خانفي
على الشكرِ والتَّسْآلِ أو أنا مُفتَد
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ً
على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد
فذرني وخُلْقي انني لكَ شاكرٌ
ولو حلّ بيتي نائياًعندَ ضرغد
فلو شاءَ رَبي كنتُ قَيْسَ بنَ خالِدٍ،
ولو شاءَ ربي كنتُ عَمْرَو بنَ مَرثَد
فأصبحتُ ذا مال كثيرٍ وزارني
بنونَ كرامٌ سادة ٌ لمسوّد
أنا الرّجُلُ الضَّرْبُ الذي تَعرِفونَهُ
خَشاشٌ كرأس الحيّة المتوقّدِ
فآلَيْتُ لا يَنْفَكُّ كَشْحي بِطانَة ً
لعضْبٍ رقيق الشَّفرتين مهنَّد
حُسامٍ، إذا ما قُمْتُ مُنْتَصِراً به
كَفَى العَودَ منه البدءُ، ليسَ بمِعضَد
أخي ثقة لا ينثَني عن ضريبة
إذا قيلَ:"مهلاً"قال حاجزه:"قَدي"
إذا ابتدرَ القومُ السلاح وجدتني
مَنِيعاً، إذا بَلّتْ بقائِمِهِ يدي
وبرْكٍ هُجود قد أثارت مخافتي
نواديها أمشي بعضب مجرَّد
عقيلة شيخ كالوبيل يَلنْدد
يقولُ، وقد تَرّ الوَظِيفُ وساقُها:
ألَسْتَ ترى أنْ قد أتَيْتَ بمُؤيِد؟
وقال:ألا ماذا ترون بشارب
شديدٍ علينا بَغْيُهُ، مُتَعَمِّدِ؟
وقالَ: ذَرُوهُ إنما نَفْعُها لهُ،
وإلاّ تَكُفّوا قاصِيَ البَرْكِ يَزْدَدِ
فظلَّ الإماء يمتللْن حوارَها
ويُسْعَى علينا بالسّدِيفِ المُسَرْهَدِ
فان مُتُّ فانعنيني بما أنا أهلهُ
وشقّي عليَّ الجيبَ يا ابنة َ معْبد
ولا تَجْعَلِيني كامرىء ٍ ليسَ هَمُّهُ
كهمّي ولا يُغني غنائي ومشهدي
بطيءٍ عنِ الجُلّى ، سريعٍ إلى الخَنى ،
ذلول بأجماع الرجال ملهَّد
فلو كُنْتُ وَغْلاً في الرّجالِ لَضَرّني
عداوة ُ ذي الأصحاب والمتوحِّد
ولكِنْ نَفى عنّي الرّجالَ جَراءتي
عليهِم وإقدامي وصِدْقي ومَحْتِدي
لَعَمْرُكَ، ما أمْري عليّ بغُمّة ٍ
نهاري ولا ليلي على َّ بسرمد
ويومَ حبستُ النفس عند عراكه
حِفاظاً على عَوراتِهِ والتّهَدّد
على مَوطِنٍ يخْشى الفتى عندَهُ الرّدى ،
متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائِصُ تُرْعَد
وأصفرَ مضبوحٍ نظرتُ حواره
على النار واستودعتهُ كفَّ مجمد
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّد
ويَأتِيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تَبِعْ له
بَتاتاً، ولم تَضْرِبْ له وقْتَ مَوعد(1/12)
معلقة الحارث بن حلزة:
==============
... الحارث بن حلزة: ( ? - 54 ق. هـ / ? - 570 م )
الحارث بن حِلِّزَة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي.
شاعر جاهلي من أهل بادية العراق، وهو أحد أصحاب المعلقات.
كان أبرص فخوراً، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك بالحيرة، جمع بها كثيراً من أخبار العرب ووقائعهم حتى صار مضرب المثل في الافتخار، فقيل: أفخر من الحارث بن حلّزة.
و هذه معلقته :
آذنتنا ببينِها أسماءُ ... ربَّ ثاوٍ يملُّ منهُ الثَّواءُ
بعدَ عهدٍ لها ببرقةِ شمَّاءَ ... فأدنى ديارها الخلصاءُ
فالمحيَّاةُ فالصِّفاحُ فأعلى ... ذي فتاقٍ فعاذبٍ فالوفاءُ
فرياضُ القطا فأوديةُ الشُّر ... ببِ فالشُّعبتانِ فالأبلاءُ
لا أرى من عهدتُ فيها فأبكي ... اليومَ دلهاً وما يردُّ البكاءُ
وبعينيكَ أوقدتْ هندٌ النَّا ... رَ أخيراً تلوي بها العلياءُ
فتنوَّرتُ نارها من بعيدٍ ... بخزازٍ هيهاتَ منكَ الصّلاءُ
أوقدتْها بينَ العقيقِ فشخصينِ ... بعودٍ فما يلوحُ الضِّياءُ
غيرَ أنِّي قد أستعينُ على اله ... مِّ إذا خفَّ بالثَّويِّ النَّجاءُ
بزفوفٍ كأنَّها هقلةٌ أمُّ ... رئالٍ دويَّةٍ سقفاءُ
آنستْ نبأةً وأعجلها القنَّاصُ ... عصراً وقد دنا الإمساءُ
فترى خلفَها ومنَ الرَّجعِ والو ... قعِ منيناً كأنَّه أهباءُ
وطراقاً من خلفهنَّ طراقٌ ... ساقطاتٌ أودتْ بها الصَّحراءُ
أتلهَّى بها الهواجرَ إذ كلُّ ... ابنِ همٍّ بليَّةٌ عمياءُ
وأتانا منَ الحوادثِ والأنباءِ ... خطبٌ نعنى به ونُساءُ
أنَّ إخواننا الأراقمَ يغلونَ ... علينا في قولهمْ أحفاءُ(1/13)
يخلطونَ البريءَ منَّا بذي الذَّ ... نب ولا ينقعُ الخليّ الخلاءُ
فاتركوا الطِّيخَ والضَّلالُ وإمَّا ... تتعاشوْا ففي التَّعاشي الدَّاءُ
واذكروا حلفَ ذي المجازي وما ... قدِّمَ فيه العهودُ والكفلاءُ
حذرَ الرَّيبِ والتَّعدي ولا ... ينقضُ ما في المهارقِ الأهواءُ
واعلموا أنَّنا وإيَّاكمُ فيها ... اشترطْنا يومَ اختلفنا سواءُ
أعلينا جناحُ كندةَ أن يغ ... نمَ غازيهمُ ومنَّا الجزاءُ
أمْ علينا جرى حنيفةَ أو ما ... جمعتْ منْ محاربٍ غبراءُ
عنناً باطلاً وظلماً كما ... قيلَ لطسمٍ أبوكمُ الأبَّاءُ
زعموا أنَّ كلَّ من ضربَ ... العيرَ موالٍ لنا وإنَّا الولاءُ
أمْ جنايا بني عتيقٍ فمنْ يغدرْ ... فإنَّا منْ حربِهمْ لبراءُ
أمْ علينا جرَّا أيادٍ كما ... نِيطَ بجوزِ المحمَّلُ الأعباءُ
أم علينا جرَّى العبادِ كما ... يعترُّ عن حجرةِ الرَّميضِ الظباءُ
أمْ علينا جرَّى قضاعةَ أمْ ليْ ... سَ علينا فيما جنوْا أنداءُ
ليسَ منَّا المضرَّبونَ ولا ... قيسٌ ولا جندلٌ ولا الحدَّاءُ
وثمانونَ من تميمٍ بأيديهمْ ... رماحٌ صدورهنَّ القضاءُ
لمْ يحلُّو بَني رذاحٍ ببرقاءِ ... نطاعٍ لهمْ عليهمْ دُعاءُ
تركوهمْ مجلّسينَ وآبوا ... بنهابٍ يصمُّ منهُ الحداءُ
وأتوهمْ يسترجعونَ فلمْ ... ترجعْ لهمْ شامةٌ ولا زهراءُ
ثمَّ فاؤوا منهمْ بقاصمةِ الظَّ ... هرِ ولا يبردُ الغليلَ الماءُ
ثمَّ خيلٌ بعدَ ذاكَ معَ الغَ ... لاَّقِ لا رأفةٌ ولا إبقاءُ
ومعَ الجونِ جونِ بني أو ... سٍ عنودٌ كأنَّها دفواءُ
أجمعوا أمرهمْ عشاءً فلمَّا ... أصبحوا أصبحتْ لهمْ ضوضاءُ
من صريخٍ ومن مجيبٍ ومن ... تصهالِ خيلٍ خلالَ ذاكَ رغاءُ
أينما تلقَ تغلبياً فمطلولٌ ... عليهِ إذا أصيبَ العفاءُ
أيَّما خصلةٌ أردتمْ فأدُّوها ... إلينا يسعى بها الأملاءُ
انقشوا ما لدا مليحةَ فالصَّا ... قبُ فيهِ الأمواتُ والأحياءُ(1/14)
أو نقشتمْ فالنَّقشُ يجشمهُ القوْ ... مُ وفيهِ الأسقامُ والإبراءُ
أو سألتمْ عنَّا فكنَّا جميعاً ... مثلُ عينٍ في جفنها أقذاءُ
أو منعتمْ ما تسئلونَ فمنْ حُدِّ ... ثتموهُ لهُ علينا العلاءُ
هل أتاكمْ أيامَ يتنهبُ النَّا ... سُ غواراً لكلِّ حيٍّ عواءُ
إذا رفعنا الجِمالَ من سعفِ البحرَ ... ينِ سيراً حتَّى نهانا الحساءُ
فهزمنا جمعَ ابنِ أمِّ قطامٍ ... وله فارسيَّةٌ خضراءُ
ثمَّ ملنا على تميمٍ فأحرمنا ... وفينا من كلِّ قومٍ إماءُ
لا يقيمُ العزيزُ بالبلدِ السَّهلِ ... ولا ينفعُ الذليلَ النَّجاءُ
ليسَ ينجي الذي يوائلُ منَّا ... رأسُ طودٍ وحرَّةٌ رجلاءُ
فملكنا بذلكَ النَّاسَ حتَّى ... ملكَ المنذرُ بن ماءِ السَّماءُ
ملكٌ أضلعَ البريَّةَ لا يوجدُ ... يوماً فيما لديهِ كفاءُ
كتكاليفِ قومنا إذ غزا المنذرُ ... هل نحنُ لابنِ هندٍ رعاءُ
إذ أحلَّ العزاءَ قبَّةَ ميسونٍ ... فأدنى ديارها العوصاءُ
فتأوَّتْ لهُ قراضبةٌ من ... كلِّ حيٍّ كأنَّهمْ ألقاءُ
فهداهمْ بالأسودينِ وأمرُ اللهِ ... بلغٌ تشقى بهِ الأشقياءُ
إذ تمنُّونهمْ غروراً فساقتكمْ ... إليهمْ أمنيَّةٌ أشراءُ
لمْ يغرُّوكمْ غروراً ولكن ... يرفعُ الآلُ حزمهمْ والضَّحاءُ
أيُّها النَّاطقُ المرقِّشُ عنَّا ... عندَ عمرٍو ما إن لهُ إبقاءُ
لا تخلنا على غراتكَ إنَّا ... طالَ ما قد وشى بنا الأعداءُ
فبقينا على الشَّناءةِ تبنيها ... حصونٌ وعزَّةٌ قعساءُ
قبلَ ما اليومَ بيَّضتْ بعيونِ ... النَّاسِ فيها تغيُّظٌ وإباءُ
فكأنَّ المنونَ تردي بنا أع ... صمَ صمٍّ ينجابُ عنهُ العماءُ
مكفهرّاً على الحوادثِ لا ترْ ... توهُ للدَّهرِ مؤيدٌ صمَّاءُ
إنَّ عمراً لنا لديهِ خلالاً ... غيرَ شكٍّ في كُلهنَّ البلاءُ
ملكنا وابننا وأفضلُ من نمْ ... شي ومن دونِ ما لديهِ الثَّناءُ
إرَميٌّ بمثلهِ جالت الجنُّ ... فآبتْ لخصمها الإجلاءُ(1/15)
أينما شرَّقتْ شقيقةُ إذ جا ... ءتْ معدٌّ لكلِّ قومٍ لواءُ
حولَ قيسٍ مستلئمينَ بكبشٍ ... قرظيٍّ كأنَّهُ عبلاءُ
وصتيتٍ منَ العواتكِ لا تنْ ... هاهُ إلاّ مبيضَّةٌ رعلاءُ
فحملناهمُ على حزمِ ثهلا ... نَ شلالاً ودمِّيَ الأنساءُ
وجبهناهمُ بطعنٍ كما تنهزُ ... في جمَّةِ الطَّويِّ الدِّلاءُ
وثنيناهمُ بضربٍ كما يخرُ ... جُ من خربةِ المزادِ الماءُ
وفعلنا بهمْ كما قدَّرَ اللهُ ... وما إنَّ للخائنينَ بقاءُ
ما جزعنا تحتَ العجاجةِ إذ وَ ... لَّوا شلالاً وإذ تلظَّى الصِّلاءُ
وفككنا غلَّ امرئِ القيسِ عنهُ ... بعدما طالَ حبسهُ والعناءُ
وأقدناهُ ربَّ غسَّانَ بالم ... نذرِ كرهاً إذ لا تكالُ الدِّماءُ
وأتيناهمُ بتسعةِ أملاكٍ ... كرامٍ أسلابهمُ أغلاءُ
وولدنا عمرو بن أمِّ أناسٍ ... من قريبٍ لمَّا أتانا الحباءُ
مثلها يخرجُ النَّصيحةَ للقوْ ... مِ فلاةٌ من دونها أفلاءُ
فهوَ الرَّبُّ والشَّهيدُ على يوْ ... مِ الحياريْنِ والبلاءُ بلاءُ(1/16)
معلقة عبيد بن الأبرص:
==============
... عبيد بن الأبرص: (? - 25 ق. هـ / ? - 598 م )
هو عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم بن عامر بن مرّ بن مالك بن الحارث ابن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، أبو زياد، من مضر.
شاعر من دهاة الجاهلية وحكمائها، وهو أحد أصحاب المجمهرات المعدودة طبقة ثانية عن المعلقات. عاصر امرؤ القيس وله معه مناظرات ومناقضات، وعمّر طويلاً حتى قتله النعمان بن المنذر وقد وفد عليه في يوم بؤسه.
و هذه معلقته :
أقفرَ منْ أهلهِ ملحوبُ ... فالقُطبيَّاتُ فالذّنوبُ
فراكسٌ فثُعيْلباتٌ فذا ... تُ فرقينِ فالقليبُ
فعردةٌ فقفا حبِّرٍ لي ... سَ بها منهمُ عريبُ
وبُدِّلتْ منْ أهلِها وحوشاً ... وغيَّرتْ حالَها الخطوبُ
أرضٌ توارثُها شعوبٌ ... فكلُّ منْ حلَّها محروبُ
إمَّا قتيلاً وإمَّا هالكاً ... والشَّيبُ شينٌ لمنْ يشيبُ
عيناكَ دمعهُما سروبُ ... كأنَّ شأنيهِما شعيبُ
واهيةٌ أو معينٌ مُمع ... نٌ منْ هضبةٌ دونها لهوبُ
أوْ فلجُ ماءٍ ببطنِ وادٍ ... للماءِ منْ تحتيهِ قشيبُ
تصبو وأنَّى لكَ التَّصابي ... أنَّى وقدْ راعكَ المشيبُ
إنْ يكُ حُوِّلَ منها أهلُها ... فلا بديءٌ ولا عجيبُ
أو يكُ أقفرَ منها أهلُها ... وعادَها المحلُ والجدوبُ
فكلُّ ذي نعمةٍ مخلوسُها ... وكلُّ ذي أملٍ مكذوبُ
وكلُّ ذي إبلٍ موروثُها ... وكلُّ ذي سلبٍ مسلوبُ
وكلُّ ذي غيبةٍ يؤوبُ ... وغائبُ الموتِ لا يؤوبُ
أعاقرُ كذاتِ رحمٍ ... أو غانمٌ كمنْ يخيبُ
أفلحْ بما شئتَ فقدْ يُدرَ ... كُ بالضَّعفِ وقد يُخدعُ الأريبُ
لا يعظُ النَّاسُ منْ لا يعظُ ال ... دَّهرَ ولا ينفعُ التَّلبيبُ
لا ينفعُ اللُّبُّ عن تعلُّمِ ... إلاّ السَّجيَّاتُ والقلوبُ
ساعدْ بأرضٍ إذا كنتَ بِ ... ها ولا تقلْ إنَّني غريبُ
منْ يسألِ النَّاسَ يحرموهُ ... وسائلُ اللهَ لا يخيبُ
قد يوصلُ النَّازحُ النَّائي ... ويُقطعُ ذو السُّهمةِ القريبُ
بلْ إنْ تكنْ قد علَتني كبر ... ةٌ والشَّيبُ لمنْ يشيبُ
والمرءُ ما عاشَ في تكذيبٍ ... طولُ الحياةِ لهُ تعذيبُ
بلْ ربَّ ماءٍ وردتهُ آجنٍ ... سبيلهُ خائفٌ جديبُ
ريشُ الحمامِ على أرجائهِ ... للقلبِ من خوفهِ وجيبُ
قطعتهُ غدوةً مُشيحاً ... وصاحبي بادنٌ خبوبُ
عيرانةٌ أُجدٌ فقارُها ... كأنَّ حاركَها كثيبُ
أخلفَ ما بازلاً سديسُها ... لاحقَّةٌ هي ولا نيوبُ
كأنَّها منْ حميرِ غابٍ ... جونٍ بصفحتهِ ندوبُ
أو شببٌ يحتفرُ الرُّخامى ... تلفُّهُ شمألٌ هبوبُ
فذاكَ عصرٌ وقد أراني ... تحملُني نهدةٌ سُرحوبُ
مضبَّرٌ خلقُها تضبيراً ... ينشقُّ عنْ وجهِها السَّبيبُ
زيتيَّةٌ ناقمٌ أبجلُها ... وليِّنٌ أسرُها رطيبُ
كأنَّها لقوةٌ طلوبٌ ... تخرُّ في وكرِها القلوبُ
باتتْ على إرمٍ رابي ... ةً كأنَّها شيخةٌ رقوبُ
فأصبحتْ في غداةٍ قرَّةٍ ... يسقطُ عنْ ريشِها الضَّريبُ
فأبصرتْ ثعلباً منْ ساعَ ... ةٍ دونَها سبسبٌ جديبُ
فنفضتْ ريشَها وانتفضَ ... تْ وهي منْ نهضةٍ قريبُ
فاشْتالَ وارتاعَ منْ حسيسَ ... ها وفعلهُ يفعلُ المذؤوبُ
يدبُّ من رؤيتِها دبيباً ... كأنَّ حملاقَها مقلوبُ
فأدركتْهُ فطرحتْهُ وال ... صَّيدُ منْ تحتِها مكروبُ
فرنَّحتهُ ووضعتهُ فك ... دَّحتْ وجههُ الحبوبُ
يضغو ومخلبُها في دفِّهِ ... لا بدَّ حيزومهُ مثقوبُ(1/17)
معلقة عَنتَرَة بن شَدّاد:
=============
... عَنتَرَة بن شَدّاد : ( ? - 22 ق. هـ / ? - 601 م )
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي.
أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى. من أهل نجد. أمه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السواد منها. وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفساً، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة.
وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفساً، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة.
كان مغرماً بابنة عمه عبلة فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها. اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلاً، وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي.
و هذه معلقته :
هلْ غادرَ الشُّعراءُ من متردِّمِ ... أم هل عرفتَ الدَّارَ بعد توهُّمِ
يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلَّمي ... وعمي صباحاً دارَ عبلةَ واسلمي
فوقفتُ فيها ناقتي وكأنَّها ... فدنٌ لأقضي حاجةَ المتلوِّمِ
وتحلُّ عبلةُ بالجواءِ وأهلنا ... بالحزنِ فالصِّمَّانِ فالمتثلِّمِ
حيِّيتَ من طللٍ تقادم عهدهُ ... أقوى وأقفرَ بعدَ أمِّ الهيثمِ
حلَّتْ بأرضِ الزَّائرينَ فأصبحتْ ... عسراً عليَّ طلابها ابنةَ مخرمِ
علِّقتها عرضاً وأقتلُ قومها ... زعماً لعمرُ أبيك ليسَ بمزعمِ
ولقدْ نزلتِ فلا تظنِّي غيرهُ ... مني بمنزلةِ المحبِّ المكرمِ
كيف المزارُ وقد تربَّعَ أهلها ... بعنيزتينِ وأهلنا بالغيلمِ
إن كنتِ أزمعتِ الفراقَ فإنَّما ... زمَّتْ ركابكمُ بليلٍ مظلمِ(1/18)
ما راعني إلاّ حمولةُ أهلها ... وسطَ الدِّيارِ تسفُّ حبَّ الخمخمِ
فيها اثنتانِ وأربعونَ حلوبةً ... سوداً كخافيةِ الغرابِ الأسحمِ
إذ تستبيكَ بذي غروبٍ واضحٍ ... عذبٍ مقبَّلهُ لذيذِ المطعمِ
وكأنَّ فارةَ تاجرٍ بقسيمةٍ ... سبقتْ عوارضها إليكَ من الفمِ
أو روضةً أنفاً تضمَّنَ نبتها ... غيثٌ قليلُ الدِّمنِ ليسَ بمعلمِ
جادتْ عليه كلُّ بكرٍ حرَّةٍ ... فتركنَ كلَّ قرارةٍ كالدِّرهمِ
سحّاً وتسكاباً فكلُّ عشيَّةٍ ... يجري عليها الماءُ لم يتصرَّمِ
وخلا الذُّبابُ بها فليسَ ببارحٍ ... غرداً كفعلِ الشَّاربِ المترنِّمِ
غرداً يحكَّ ذراعهُ بذراعهِ ... قدحَ المكبِّ على الزِّنادِ الأجذمِ
تمسي وتصبح فوقَ ظهرِ حشيَّةٍ ... وأبيتُ فوقَ سراةِ أدهمَ ملجمِ
وحشيَّتي سرجٌ على عبلِ الشَّوى ... نهدٍ مراكلهُ نبيلُ المحزمِ
هل تبلغنِّي دارها شدنيَّةٌ ... لعنتْ بمحرومِ الشَّرابِ مصرَّمِ
خطَّارةٌ غبَّ السُّرى زيَّافةٌ ... تطسُ الإكامَ بوقعِ خفٍّ ميثمِ
وكأنما أقصُ الإكامَ عشيَّةً ... بقريبِ بينَ المنكبينِ مصلَّمِ
تأوي لهُ قلصِ النَّعامِ كما أوتْ ... حزقٌ يمانيةٌ لأعجمَ طمطمِ
يتبعنَ قلَّةَ رأسهِ وكأنَّهُ ... حرجٌ على نعشٍ لهنَّ مخيَّمُ
صعلٍ يعوذُ بذي العشيرةِ بيضهُ ... كالعبد ذي الفرو الطِّوالِ الأصلمِ
شربتُ بماءِ الدُّحرضينِ فأصبحتْ ... زوراءَ تنفرُ عن حياضِ الدَّيلمِ
وكأنَّما ينأى بجانبِ دفِّها ال ... وحشي من هزجِ العشيّ مؤوَّمِ
هرٌّ جنيبٌ كلَّما عطفت لهُ ... غضبى اتَّقاها باليدينِ وبالفمِ
بركتْ على جنبِ الرِّداعِ كأنما ... بركتْ على قصبٍ أجشَّ مهضَّمِ
وكأنَّ رباً أو كحيلاً معقداً ... حشَّ الوقودَ به جوانبُ قمقمِ
ينباعُ من ذفرى غضوبٍ حرَّةٍ ... زيَّافةٍ مثلِ الفنيقِ المكدمِ
إن تُغدفي دوني القناعَ فإنَّني ... طبٌّ بأخذِ الفارسِ المستلئمِ
أثني عليَّ بما علمتِ فإنَّني ... سمحٌ مُخالقتي إذا لم أُظلمِ(1/19)
فإذا ظلمتُ فإنَّ ظلميَ باسلٌ ... مرٌّ مذاقتهُ كطعمِ العلقمِ
ولقدْ شربتُ منَ المدامةِ بعدَما ... ركدَ الهواجرُ بالمشوفِ المعلمِ
بزجاجةٌ صفراءَ ذاتَ أسرَّةٍ ... قُرنتْ بأزهرَ في الشِّمالِ مفدَّمِ
فإذا شربتُ فإنَّني مستهلكٌ ... مالي وعِرضي وافرٌ لمْ يُكلمِ
وإذا صحوتُ فما أُقصِّرُ عن ندًى ... وكما علمتِ شمائلي وتكرُّمي
وحليلِ غانيةٍ تركتُ مجدَّلاً ... تمكو فرائصهُ كشدقِ الأعلمِ
سبقتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ ... ورشاشِ نافذةٍ كلونِ العندمِ
هلاَّ سألتِ القوم يا ابنةَ مالكٍ ... إنْ كنتِ جاهلةً بما لمْ تعلمي
إذْ لا أزالُ على رحالةِ سابحٍ ... نهدٍ تعاورهُ الكماةُ مكلَّمِ
طوراً يعرِّضُ للطّعانِ وتارةً ... يأوي إلى حصدِ القسيِّ عرمرمِ
يُخبركِ منْ شهدَ الوقيعةَ أنَّني ... أغشى الوغى وأعفُّ عندَ المغنمِ
ومدجَّجٍ كرهَ الكماةُ نزالهُ ... لا مُمعنٍ هرباً ولا مستسلمِ
لمَّا رآني قد نزلتُ أُريدهُ ... أبدى نواجذهُ لغيرِ تبسُّمِ
جادتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ ... بمثقَّفِ صدقِ الكعوبِ مقوَّمِ
فشككتُ بالرُّمحِ الأصمِّ ثيابهُ ... ليسَ الكريمُ على القنا بمحرَّمِ
ومشكِّ سابغةٍ هتكتُ فروجَها ... بالسَّيفِ عن حامي الحقيقةِ معلمِ
رِبذٍ يدلهُ بالقداحِ إذا شتا ... هتَّاكِ راياتِ التّجارِ ملوَّمِ
فطعنتهُ بالرُّمحِ ثمَّ علوتهُ ... بمهنَّدٍ صافي الحديدةِ مخذمِ
فتركتهُ جزرَ السِّباعِ ينشنَهُ ... يقضمنَ قلَّةَ رأسهِ والمعصمِ
عهدي به مدَّ النَّهارِ كأنَّما ... خضبَ البنانُ ورأسهُ بالعظلمِ
بطلٌ كأنَّ ثيابهُ في سرحةٍ ... يُحذى نعالَ السِّبتِ ليسَ بتوأمِ
يا شاةَ ما قنصٍ لمنْ حلَّتْ لهُ ... حرمتْ عليَّ وليتَها لم تحرمِ
فبعثتُ جاريتي فقلتُ لها اذهبي ... فتحسَّسي أخبارَها لي واعلمي
قالتْ رأيتُ من الأعادي غرَّةً ... والشَّاةُ ممكنةٌ لمنْ هو مرتمي
فكأنَّما التفتتْ بجيدِ جدايةٍ ... رشاءٍ من الغزلانِ حرٍّ أرثمِ(1/20)
بِّئتُ عمراً غيرَ شاكرِ نعمتي ... والكفرُ مخبثةٌ لنفسِ المنعمِ
ولقد حفظتُ وصاةَ عمِّي بالضُّحى ... إذْ تقلصُ الشَّفتانِ عن وضحِ الفمِ
في حومةِ الموتِ التي لا تشتكي ... غمراتِها الأبطالُ غيرَ تغمغُمِ
إذ يتَّقونَ بي الأسنَّةَ لم أخمْ ... عنها ولكنِّي تضايقَ مُقدمي
لمَّا رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهمْ ... يتذامرونَ كررتُ غيرَ مذمَّمِ
يدعونَ عنترَ والرِّماحُ كأنَّها ... أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهمِ
فازورَّ من وقعِ القنا بلبانهِ ... وشكا إليَّ بعبرةٍ وتحمحمِ
لو كانَ يدري ما المخاطبةُ اشتكَى ... ولكانَ لو علمَ الكلامَ مكلِّمي
ما زلتُ أرميهمْ بثغرةِ نحرهِ ... ولبانهِ حتَّى تسربلَ بالدَّمِ
ولقدْ شفَى نفسي وأبرأَ سقمَها ... قيلُ الفوارسِ ويكَ عنترَ أقدمِ
والخيلُ تقتحمُ الخَبارَ عوابساً ... ما بينَ شيظمةٍ وأجردَ شيظمِ
ذُللٌ ركابي حيثُ شئتُ مُشايعي ... لبِّي وأحفزهِ بأمرٍ مبرمِ
ولقدْ خشيتُ بأنْ أموتَ ولم تدرْ ... في الحربِ دائرةٌ على ابنيْ ضمضمِ
الشَّاتمي عرضي ولمْ أشتمُها ... والناذرينِ إذا لم ألقهما دمي
إنْ يفعلا فلقدْ تركتُ أباهُما ... جزرَ السِّباعِ وكلُّ نسرٍ قشعمِ(1/21)
معلقة عمرو بنِ كُلثوم:
==============
... عمرو بنِ كُلثوم : ( ? - 39 ق. هـ / ? - 584 م )
عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب، أبو الأسود، من بني تغلب.
شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى، ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة وتجوّل فيها وفي الشام والعراق ونجد.
كان من أعز الناس نفساً، وهو من الفتاك الشجعان، ساد قومه (تغلب) وهو فتىً وعمّر طويلاً وهو الذي قتل الملك عمرو بن هند.
أشهر شعره معلقته التي مطلعها:
(ألا هبي بصحنك فاصبحينا ......)،
يقال: إنها في نحو ألف بيت وإنما بقي منها ما حفظه الرواة، وفيها من الفخر والحماسة العجب، مات في الجزيرة الفراتية.
قال في ثمار القلوب: كان يقال: فتكات الجاهلية ثلاث: فتكة البراض بعروة، وفتكة الحارث بن ظالم بخالد بن جعفر، وفتكة عمرو بن كلثوم بعمرو بن هند الملك، فتك به وقتله في دار ملكه وانتهب رحله وخزائنه وانصرف بالتغالبة إلى بادية الشام ولم يصب أحد من أصحابه.
قال عمرو بن كلثوم التغلبي، وليس في ديوانه سواها إلاّ قطيعتان من الشعر:
ألا هبِّي بصحنكِ فاصبحينا ... ولا تبقي خمورَ الأندرينا
مشعشعةً كأنَّ الحصَّ فيها ... إذا ما الماءُ خالطها سخينا
تجورُ بذي اللُّبانةِ عن هواهُ ... إذا ما ذاقها حتَّى يلينا
ترى الرَّجلَ الشَّحيحَ إذا أمرَّتْ ... عليهِ لمالهِ فيها مهينا
وإنَّا سوفَ تدركنا المنايا ... مقدَّرةً لنا ومقدَّرينا
قفي قبلَ التفرُّقِ يا ظعينا ... نخبِّركِ اليقينَ وتخبرينا
بيومِ كريهةٍ ضرباً وطعناً ... أقرَّ بهِ مواليكِ العيونا
قفي نسألكِ هلْ أحدثتِ صرماً ... لوشكِ البينِ أم خنتِ الأمينا
تريكَ إذا دخلتَ على خلاءٍ ... وقد أمنتْ عيونَ الكاشحينا
ذراعيْ عيطلٍ أدماءَ بكرٍ ... تربَّعتِ الأجارعَ والمتونا
وثدياً مثلَ حقِّ العاجِ رخصاً ... حصاناً من أكفِّ اللاَّمسينا
ومتنيْ لدنةٍ طالتْ ولانتْ ... روادفها تنوءُ بما يلينا
وراجعتُ الصِّبى واشتقتُ لمَّا ... رأيتُ جمالها أصلاً حدينا
وأعرضتِ اليمامةُ واشمخرَّتْ ... كأسيافٍ بأيدي مصلتينا
وإنَّ غداً وإنَّ اليومَ رهنٌ ... وبعدَ غدٍ بما لا تعلمينا
فما وجدتْ كوجدي أمُّ سقبٍ ... أضلَّتهُ فرجَّعتِ الحنينا
ولا شمطاءُ لم يتركْ شقاها ... لها من تسعةٍ إلاّ جَنينا
أبا هندٍ فلا تعجلْ علينا ... وأمهِلنا نخبِّركَ اليقينا
بأنَّا نوردُ الرَّاياتِ بيضاً ... ونصدرهنَّ حمراً قد روينا
وأيَّامٍ لنا ولهم طوالٍ ... عصيْنا الملكَ فيها أن نَدينا
وسيِّد معشرٍ قد توَّجوهُ ... بتاجِ الملكِ يَحمي المحْجرينا
تركْنا الخيلَ عاكفةً عليهِ ... مقلّدةً أعنَّتها صفونا(1/22)
وقدْ هرَّتْ كلابُ الحيِّ منَّا ... وشذَّبْنا قتادةَ منْ يَلينا
متى ننقلْ إلى قومٍ رَحانا ... يكونوا في اللِّقاءِ لها طَحينا
يكونُ ثقالُها شرقيّ نجدٍ ... ولهوتُها قضاعةُ أجْمعينا
وإنَّ الضِّعنَ بعدَ الضِّعنِ يبدو ... ويظهرُ دابُنا داءً دَفينا
ورثْنا المجدَ قدْ علمتَ معدٌّ ... نُطاعنُ دونهُ حتَّى يَبينا
ونحنُ إذا عمادُ الحيِّ خرَّتْ ... على الأحفاضِ نمنعُ منْ يليْنا
ندافعُ عنهمُ الأعداءَ قدما ... ونحملُ عنهمُ ما حمَّلونا
نُطاعنُ ما تراخَى النَّاسُ عنَّا ... ونضربُ بالسُّيوفِ إذا غُشينا
بسمرٍ من قنا الخطِّيِّ سمرٍ ... ذوابلَ أو ببيضٍ يعتَلينا
نشقُّ بها رؤوسَ القومِ شقّاً ... ونخْليها الرِّقابَ فيختَلينا
تخالُ جماجمَ الأبطالِ فينا ... وسوقاً بالأماعزِ يرتَمينا
نجزُّ رؤوسهم في غيرِ برٍّ ... فما يدرونَ ماذا يتَّقونا
كأنَّ سيوفَنا منَّا ومنهمْ ... مخاريقٌ بأيدي لاعِبينا
كأنَّ ثيابَنا منَّا ومنهمْ ... خُضبنَ بأرجوانٍ أو طُلينا
إذا ما عيَّ بالأسنافِ حيٌّ ... منَ الهولِ المشبَّهِ أنْ يكونا
نصبْنا مثلَ رهوةَ ذاتَ حدٍّ ... محافظةً وكنَّا السَّابقينا
بفتيانٍ يرونَ القتلَ مجداً ... وبيضٍ في الحروبِ مجرَّبينا
حُديّا النَّاسِ كلّهم جميعاً ... مقارعةً بينهمْ عنْ بنِينا
فأمَّا يومَ خشيَتنا عليهمْ ... فتصبحُ خيلُنا عصباً ثُبينا
وأمَّا يومَ لا نخشى عليهمْ ... فنُمعنُ غارةً متلبِّبينا
برأسٍ من بني جشمِ بنِ بكرٍ ... ندقُّ به السُّهولةَ والحزونا
بأيِّ مشيئةٍ عمرو بنَ هندٍ ... تُطيعُ بنا الوُشاةَ وتزْدرينا
بأيِّ مشيئةٍ عمرو بنَ هندٍ ... نكونُ لخلفكمْ فيها قَطينا
تهدَّدنا وأوعدَنا رويداً ... متى كنَّا لأمِّكَ مُقتوينا
فإنَّ قناتَنا يا عمرو أعيتتْ ... على الأعداءِ قبلكَ أنْ تلينا
إذا عضَّ الثِّقافُ بها اشمأزَّتْ ... وولَّتهمْ عشوْزنةً زبونا(1/23)
عشوْزنةً إذا انقلبتْ أرنَّتْ ... تدقُّ قفا المثقَّفِ والجبينا
فهلْ حُدِّثتَ في جشمَ بنِ بكرٍ ... بنقصٍ في خطوبِ الأوَّلينا
ورثْنا مجدَ علقمةَ بنِ سيفٍ ... أباحَ لنا حصونَ المجدَ دينا
ورثتُ مهلهلاً والخيرَ منهُم ... زهيراً نعمَ ذخرُ الذَّاخرينا
وعتَّاباً وكلثوماً جميعاً ... بهمْ نلْنا تراثَ الأكرمينا
وذا البُرةِ الذي حُدِّثتَ عنهُ ... به نُحمى ونحمي المُحجرينا
ومنَّا قبلةُ السَّاعي كليبٌ ... فأيُّ المجدِ إلاّ قدْ وَلينا
متى تُعقدْ قرينتُنا بحبلٍ ... نجذُّ الحبلَ أو نقِصُ القرينا
ونوجَدُ نحنُ أمنعهمْ ذِماراً ... وأوفاهمْ إذا عقدوا يَمينا
ونحنُ غداةَ أُوقدَ في خُزازى ... رفدْنا فوقَ رفدِ الرَّافدينا
ونحنُ الحابسونَ بذي أُراطى ... تسفُّ الجلَّةُ الخورُ الدَّرينا
ونحنُ الحاكمونَ إذا مُنعنا ... ونحنُ الآخذونَ لما هَوينا
وكنَّا الأيمنينَ إذا الْتقينا ... وكانَ الأيسرينَ بنوا أبينا
فصالوا صولةً فيمنْ يليهمْ ... وصُلنا صولةً فيمن يلينا
فآبوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا ... وأُبنا بالملوكِ مصفَّدينا
إليكمْ يا بني بكرٍ إليكمْ ... ألمَّا تعلموا منَّا اليَقينا
علينا البيضُ واليلبُ اليماني ... وأسيافٌ يقُمنَ وينحَنينا
علينا كلُّ سابغةٍ دلاصٍ ... ترى تحتَ النِّجادِ لها غضونا
إذا وضعتْ عن الأبطالِ يوماً ... رأيتَ لها جلودَ القومِ جُونا
كأنَّ غصونهنَّ متونُ غدرٍ ... تصفِّقها الرِّياحُ إذا جرَينا
وتحملُنا غداة الرَّوعِ جردٌ ... عُرفنَ لها نقائذُ وافتُلينا
ورثناهنَّ عن آباءِ صدقٍ ... نورِّثها إذا مُتنا بنينا
وقدْ علمَ القبائلَ منْ معدٍ ... إذا قببٌ بأبطحِها بُنينا
بأنَّا المطعِمونَ إذا قدرْنا ... وأنَّا المهلِكونَ إذا أُتينا
وأنَّا الشاربونَ الماءَ صفواً ... ويشربُ غيرُنا كدراً وطينا
وأنَّا المانعونَ لِما يلينا ... إذا ما البيضُ قابلتِ الجفونا(1/24)
ألا أبلغْ بني الطَّمَّاحِ عنَّا ... ودعميّاً فكيفَ وجدْتمونا
نزلتمْ منزلَ الأضيافِ منَّا ... فعجَّلنا القِرى أنْ تشتِمونا
قرَيناكمْ فعجَّلنا قِراكمْ ... قبيلَ الصُّبحِ مرادةً طَحونا
على آثارِنا بيضٌ كرامٌ ... نحاذرُ أنْ تقسَّمَ أو تهونا
عائنُ من بني جشمٍ بنِ بكرٍ ... خلطنَ بميسمٍ حسباً ودينا
أخذنَ على بعولتهنَّ عهداً ... إذا لاقَوا فوارسَ معلَمينا
ليستلبُنَّ أبداناً وبيضاً ... وأسرى في الحديدِ مقرَّنينا
إذا ما رحنَ يمشينَ الهوَينا ... كما اضطربتْ متونُ الشَّاربينا
يقتنَ جيادَنا ويقلنَ لستمْ ... بعولَتنا إذا لمْ تمنَعونا
إذا لمْ نحمهنَّ فلا بقينا ... لشيءٍ بعدهنَّ ولا حَيينا
وما منعَ الظَّعائنَ مثلُ ضربٍ ... ترى منهُ السَّواعدَ كالقُلينا
إذا ما الملكُ رامَ النَّاسَ خسفاً ... أبيْنا أن نقرَّ الخسفَ فينا
ملأْنا البرَّ حتَّى ضاقَ عنَّا ... وبحرَ الأرضِ نملؤهُ سفينا
لنا الدُّنيا وما أضحى عليها ... ونبطشُ حينَ نبطشُ قادِرينا
بغاةً ظالمينَ وما ظُلمنا ... ولكنَّا سنبدأُ ظالِمينا
إذا بلغَ الرَّضيعُ لنا فِطاماً ... تخرُّ لهُ الجبابرُ ساجِدينا
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ... فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلِينا(1/25)
معلقة امرؤ القَيس الكندي :
=================
... امرؤ القَيس الكندي : (130 - 80 ق. هـ / 496 - 544م)
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي.
شاعر جاهلي، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد، كان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر.
قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت، موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره.
أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل ينتقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال:
رحم الله أبي! ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر. ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعراً كثيراً
كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار (آباء امرؤ القيس) فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس، فطلبه فابتعد وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة.
ثم قصد الحارث بن أبي شمر الغساني والي بادية الشام لكي يستعين بالروم على الفرس فسيره الحارث إلى قيصر الروم يوستينيانس في القسطنطينية فوعده وماطله ثم ولاه إمارة فلسطين، فرحل إليها، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، فأقام فيها إلى أن مات.
و هذه معلقته :
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ
لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ
ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها
وقيعانها كأنه حبَّ فلفل
كأني غَداة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا
لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ
وُقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ
يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل
وإنَّ شفائي عبرة ٌ مهراقة ٌ
فهلْ عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعوَّلِ
كدأبكَ من أمِّ الحويَرثِ قبلها
وجارتها أمَّ الربابِ بمأسل
ففاضتْ دُموعُ العين مني صبابة
نزُولَ اليماني ذي العيابِ المحمَّلِ
ألا ربَّ يومٍ لك مِنْهُنَّ صالح
ولا سيّما يومٍ بدارَة ِ جُلْجُلِ
ويوم عقرتُ للعذارى مطيتي
فيا عَجَباً من كورِها المُتَحَمَّلِ
فظلَّ العذارى يرتمينَ بلحمها
وشحمٍ كهداب الدمقس المفتل
ويوم دخلتُ الخدرِ خدر عنيزة
فقالت لك الويلات إنكَ مُرجلي
تقولُ وقد مالَ الغَبيطُ بنا معاً
عقرت بعيري يامرأ القيس فانزلِ
فقُلتُ لها سيري وأرْخي زِمامَهُ
ولا تُبعديني من جناك المعللِ
فمِثلِكِ حُبْلى قد طَرَقْتُ ومُرْضعٍ
فألهيتُها عن ذي تمائمَ محول
إذا ما بكى من خلفها انْصَرَفَتْ لهُ(1/26)
بشِقٍّ وَتحتي شِقُّها لم يُحَوَّلِ
ويوماً على ظهر الكثيبِ تعذَّرت
عَليّ وَآلَتْ حَلْفَة ً لم تَحَلَّلِ
أفاطِمُ مهلاً بعض هذا التدلل
وإن كنتِ قد أزمعت صرمي فأجملي
وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَة ٌ
فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ
أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي
وأنكِ مهما تأمري القلب يفعل
ومَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إلا لتَضْرِبي
بسَهمَيكِ في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ
و بيضة ِ خدر لا يرامُ خباؤها
تَمَتّعتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعجَلِ
تجاوزْتُ أحْراساً إلَيها ومَعْشَراً
عليّ حِراساً لو يُسروّن مقتلي
إذا ما الثريا في السماء تعرضت
تعرضَ أثناء الوشاح المفصَّلِ
فجِئْتُ وقد نَضَّتْ لنَوْمٍ ثيابَها
لدى السِّترِ إلاَّ لِبْسَة َ المُتَفَضِّلِ
فقالت يمين الله ما لكَ حيلة ٌ
وما إن أرى عنك الغواية َ تنجلي
خَرَجْتُ بها أمشي تَجُرّ وَراءَنا
على أثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ
فلما أجزْنا ساحة الحيِّ وانتحى
بنا بطنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ
هصرتُ بِفودي رأسها فتمايلت
عليَّ هضيمَ الكَشحِ رِيّا المُخَلخَلِ
مُهَفْهَفَة ٌ بَيْضاءُ غيرُ مُفاضَة ٍ
ترائبها مصقولة ٌ كالسجنجل
كِبِكْرِ المُقاناة ِ البَياضِ بصُفْرَة ٍ
غذاها نميرُ الماء غير المحللِِ
تصد وتبدي عن أسيلٍ وتتَّقي
بناظرَة ٍ من وَحش وَجْرَة َ مُطفِلِ
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحِش
إذا هيَ نَصّتْهُ وَلا بمُعَطَّلِ
وفرعٍ يُغشي المتنَ أسودَ فاحم
أثيت كقنو النخلة ِ المتعثكلِ
غدائرهُ مستشزراتٌ إلى العلى
تضِل المداري في مُثنى ومُرسل
وكشح لطيف كالجديل مخصر
وساق كأنبوبِ السقي المُذلل
وَتَعْطو برخَصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّهُ
أساريعُ ظبي أو مساويكُ إسحلِ
تُضيء الظلامَ بالعشاء كأنها
منارة ُ ممسى راهب متبتل
وَتُضْحي فَتِيتُ المِسكِ فوق فراشها
نؤومُ الضُّحى لم تَنْتَطِقْ عن تَفضُّلِ
إلى مثلها يرنو الحليمُ صبابة
إذا ما اسبكَرّتْ بينَ درْعٍ ومِجْوَلِ(1/27)
تسلت عمايات الرجالِ عن الصّبا
وليسَ صِبايَ عن هواها بمنسل
ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه
نصيح على تعذَاله غير مؤتل
وليل كموج البحر أرخى سدولهُ
عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بصُلْبِهِ
وأردَف أعجازاً وناءَ بكلْكلِ
ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي
بصُبْحٍ وما الإصْباحَ مِنك بأمثَلِ
فيا لكَ من ليلْ كأنَّ نجومهُ
بكل مغار الفتل شدت بيذبلِ
كأن الثريا علِّقت في مصامها
بأمْراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
وواد كجوف العير قفر قطعته
به الذئب يعوي كالخليع المعيّلِ
فقلت له له لما عوى إن شأننا
قليل الغنى لما تموّلِ
كلانا إذا مانال شيئاً أفاته
ومن يحترث حرثي وحرثك يهزلِ
وَقَدْ أغْتَدي وَالطّيرُ في وُكنُاتُها
بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً
كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ
على الذَّبْلِ جَيّاشٍ كأنّ اهتزامَهُ
كما زَلّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزّلِ
مسحٍّ إذا ما السابحاتُ على الونا
أثرنَ غباراً بالكديد المركل
يزل الغلام الخف عن صهواته
ويلوي بأثواب العنيف المثقلِ
على العقبِ جيَّاش كأن اهتزامهُ
إذا جاش فيه حميُه غَليُ مِرْجلِ
يطيرُ الغلامُ الخفُّ على صهواته
وَيُلْوي بأثْوابِ العَنيفِ المُثقَّلِ
دَريرٍ كَخُذْروفِ الوَليدِ أمَرّهُ
تقلبُ كفيهِ بخيطٍ مُوصلِ
لهُ أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة
وإرخاء سرحانٍ وتقريبُ تنفلِ
كأن على الكتفين منه إذا انتحى
مَداكَ عَروسٍ أوْ صَلاية َ حنظلِ
فَباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ
وباتَ بعيني قائماً غير مرسل
فعنَّ لنا سربٌ كأنَّ نعاجَه
عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ
فأدبرنَ كالجزع المفصل بينه
بجيدِ مُعَمٍّ في العَشيرَة ِ مُخْوَلِ
فألحَقَنا بالهادِياتِ وَدُونَهُ
جواحِرها في صرة ٍ لم تزيَّل
فَعادى عِداءً بَينَ ثَوْرٍ وَنَعْجَة ٍ
دِراكاً ولم يَنْضَحْ بماءٍ فيُغسَلِ
فظلّ طُهاة ُ اللّحمِ من بينِ مُنْضِجٍ(1/28)
صَفيفَ شِواءٍ أوْ قَديرٍ مُعَجَّلِ
ورُحنا راحَ الطرفُ ينفض رأسه
متى ما تَرَقَّ العينُ فيه تَسَفَّلِ
كأنَّ دماءَ الهادياتِ بنحره
عُصارة ُ حِنّاءٍ بشَيْبٍ مُرْجّلِ
وأنتَ إذا استدبرتُه سدَّ فرجه
بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
أحار ترى برقاً أريك وميضه
كلمع اليدينِ في حبي مُكلل
يُضيءُ سَناهُ أوْ مَصَابيحُ راهِبٍ
أهان السليط في الذَّبال المفتَّل
وأضحى يسحُّ الماء عن كل فيقة
يكبُّ على الأذقان دوحَ الكنهبل
وتيماءَ لم يترُك بها جِذع نخلة
وَلا أُطُماً إلا مَشيداً بجَنْدَلِ
كأن ذرى رأس المجيمر غدوة ً
من السَّيلِ وَالأغْثاء فَلكة ُ مِغزَلِ
كأنَّ أباناً في أفانينِ ودقهِ
كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
وَألْقى بصَحْراءِ الغَبيطِ بَعاعَهُ
نزول اليماني ذي العياب المخوَّل
كأنّ السِّباعَ فيهِ غَرْقَى عَشِيّة ً
بِأرْجائِهِ القُصْوى أنابيشُ عُنْصُلِ
على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبهِ
وَأيْسَرُهُ عَلى السّتارِ فَيَذْبُلِ(1/29)
معلقة النابِغَة الذُبياني :
==============
... النابِغَة الذُبياني :
( ? - 18 ق. هـ / ? - 605 م )
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة.
شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة.
كان حظياً عند النعمان بن المنذر، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة (زوجة النعمان) فغضب منه النعمان، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام، وغاب زمناً. ثم رضي عنه النعمان فعاد إليه.
شعره كثير وكان أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلف في شعره ولا حشو. عاش عمراً طويلاً.
و هذه معلقته :
يا دارَ مَيّة َ بالعَليْاءِ، فالسَّنَدِ،
أقْوَتْ، وطالَ عليها سالفُ الأبَدِ
وقفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها،
عَيّتْ جواباً، وما بالرَّبعِ من أحدِ
إلاّ الأواريَّ لأياً ما أُبَيّنُهَا،
والنُّؤي كالحَوْضِ بالمظلومة ِ الجَلَدِ
رَدّت عليَهِ أقاصيهِ، ولبّدَهُ
ضَرْبُ الوليدة ِ بالمِسحاة ِ في الثَّأَدِ
خلتْ سبيلَ أتيٍ كانَ يحبسهُ ،
و رفعتهُ إلى السجفينِ ، فالنضدِ
أمستْ خلاءً ، وأمسى أهلها احتملوا
أخننى عليها الذي أخنى على لبدِ
فعَدِّ عَمّا ترى ، إذ لا ارتِجاعَ له،
و انمِ القتودَ على عيرانة ٍ أجدِ
مَقذوفة ٍ بدخيس النّحضِ، بازِلُها
له صريفٌ القعوِ بالمسدِ
كأنّ رَحْلي، وقد زالَ النّهارُ بنا،
يومَ الجليلِ، على مُستأنِسٍ وحِدِ
من وحشِ وجرة َ ، موشيٍّ أكارعهُ ،
طاوي المصيرِ، كسيفِ الصّيقل الفَرَدِ
سرتْ عليه ، من الجوزاءِ ، سارية ٌ ،
تُزجي الشَّمالُ عليهِ جامِدَ البَرَدِ
فارتاعَ من صوتِ كلابٍ ، فباتَ له
طوعَ الشّوامتِ من خوفٍ ومن صَرَدِ
فبَثّهُنّ عليهِ، واستَمَرّ بِهِ
صُمْعُ الكُعوبِ بريئاتٌ من الحَرَدِ
وكان ضُمْرانُ منه حيثُ يُوزِعُهُ،
طَعنَ المُعارِكِ عند المُحجَرِ النَّجُدِ
شكَّ الفَريصة َ بالمِدْرى ، فأنفَذَها،
طَعنَ المُبَيطِرِ، إذ يَشفي من العَضَدِ
كأنّه، خارجا من جنبِ صَفْحَتَهِ،
سَفّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عندَ مُفْتَأدِ
فظَلّ يَعجَمُ أعلى الرَّوْقِ، مُنقبضاً،
في حالكِ اللونِ صدقٍ ، غير ذي أودِ
لما رأى واشقٌ إقعاصَ صاحبهِ ،
ولا سَبيلَ إلى عَقلٍ، ولا قَوَدِ
قالت له النفسُ : إني لا أرى طمعاً ،
و إنّ مولاكَ لم يسلمْ ، ولم يصدِ
فتلك تبلغني النعمانَ ، إنّ لهُ
فضلاً على النّاس في الأدنَى ، وفي البَعَدِ
و لا أرى فاعلاً ، في الناس ، يشبهه ،
ولا أُحاشي، من الأقوام، من أحَدِ
إلاّ سليمانَ ، إذ قالَ الإلهُ لهُ :
قم في البرية ِ ، فاحددها عنِ الفندِ
وخيّسِ الجِنّ! إنّي قد أَذِنْتُ لهمْ
يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفّاحِ والعَمَدِ
فمن أطاعكَ ، فانفعهُ بطاعتهِ ،
كما أطاعكَ ، وادللهُ على الرشدِ
ومن عَصاكَ، فعاقِبْهُ مُعاقَبَة ً
تَنهَى الظَّلومِ، ولا تَقعُدْ على ضَمَدِ(1/30)
إلاّ لِمثْلِكَ، أوْ مَنْ أنتَ سابِقُهُ
سبقَ الجواد ، إذا استولى على الأمدِ
أعطى لفارِهَة ٍ، حُلوٍ توابِعُها،
منَ المَواهِبِ لا تُعْطَى على نَكَدِ
الواهِبُ المائَة ِ المعْكاء، زيّنَها
سَعدانُ توضِحَ في أوبارِها اللِّبَدِ
و الأدمَ قد خيستْ ، فتلاً مرافقها
مَشدودَة ً برِحالِ الحيِرة ِ الجُدُدِ
و الراكضاتِ ذيولَ الريطِ ، فانقها
بردُ الهواجرِ ، كالغزلانِ بالجردِ
والخَيلَ تَمزَغُ غرباً في أعِنّتها،
كالطيرِ تنجو من الشؤبوبِ ذي البردِ
احكمْ كحكم فتاة ِ الحيّ ، إذ نظرتْ
إلى حمامِ شراعٍ ، واردِ الثمدِ
يحفهُ جانبا نيقٍ ، وتتبعهُ
مثلَ الزجاجة ِ ، لم تكحلْ من الرمدِ
قالت: ألا لَيْتَما هذا الحَمامُ لنا
إلى حمامتنا ونصفهُ ، فقدِ
فحسبوهُ ، فألقوهُ ، كما حسبتْ ،
تِسعاً وتِسعينَ لم تَنقُصْ ولم تَزِدِ
فكملتْ مائة ً فيها حمامتها ،
و أسرعتْ حسبة ً في ذلكَ العددِ
فلا لعمرُ الذي مسحتُ كعبتهُ ،
و ما هريقَ ، على الأنصابِ ، من جسدِ
والمؤمنِ العائِذاتِ الطّيرَ، تمسَحُها
ركبانُ مكة َ بينَ الغيلِ والسعدِ
ما قلتُ من سيءٍ مما أتيتَ به ،
إذاً فلا رفعتْ سوطي إليّ يدي
إلاّ مقالة َ أقوامٍ شقيتُ بها ،
كانَتْ مقَالَتُهُمْ قَرْعاً على الكَبِدِ
غذاً فعاقبني ربي معاقبة ً ،
قرتْ بها عينُ منْ يأتيكَ بالفندِ
أُنْبِئْتُ أنّ أبا قابوسَ أوْعَدَني،
و لا قرارَ على زأرٍ منَ الأسدِ
مَهْلاً، فِداءٌ لك الأقوامِ كُلّهُمُ،
و ما أثمرُ من مالٍ ومنْ ولدِ
لا تقذفني بركنٍ لا كفاءَ له ،
وإنْ تأثّفَكَ الأعداءُ بالرِّفَدِ
فما الفُراتُ إذا هَبّ غواربه
تَرمي أواذيُّهُ العِبْرَينِ بالزّبَدِ
يَمُدّهُ كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ، لجِبٍ،
فيه ركامٌ من الينبوتِ والحضدِ
يظَلّ، من خوفهِ، المَلاحُ مُعتصِماً
بالخيزرانة ِ ، بعدَ الأينِ والنجدِ
يوماً، بأجوَدَ منه سَيْبَ نافِلَة ٍ،
ولا يَحُولُ عَطاءُ اليومِ دونَ غَدِ
هذا الثّناءُ، فإن تَسمَعْ به حَسَناً،
فلم أُعرّض، أبَيتَ اللّعنَ، بالصَّفَدِ
ها إنّ ذي عِذرَة ٌ إلاّ تكُنْ نَفَعَتْ،
فإنّ صاحبها مشاركُ النكدِ(1/31)
معلقة الأعشى :
==========
... الأعشى : ( ? - 7 هـ / ? - 628 م )
ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير.
من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات.
كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفرس، غزير الشعر، يسلك فيه كلَّ مسلك، وليس أحدٌ ممن عرف قبله أكثر شعراً منه.
وكان يُغنّي بشعره فسمّي (صناجة العرب).
قال البغدادي: كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره.
عاش عمراً طويلاً وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولقب بالأعشى لضعف بصره، وعمي في أواخر عمره.
مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة الرياض وفيها داره وبها قبره.
و هذه معلقته :
ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ،
وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها،
تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
مرّ السّحابة ِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاساً إذا انصَرَفَتْ
كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ليستْ كمنْ يكره الجيرانُ طلعتها،
ولا تراها لسرّ الجارِ تختتلُ
يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا،
إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
إذا تُعالِجُ قِرْناً سَاعة ً فَتَرَتْ،
وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَة ٌ
إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
صدّتْ هريرة ُ عنّا ما تكلّمنا،
جهلاً بأمّ خليدٍ حبلَ من تصلُ؟
أأنْ رأتْ رجلاً أعشى أضر بهِ
لِلّذّة ِ المَرْءِ لا جَافٍ وَلا تَفِلُ
هركولة ٌ، فنقٌ، درمٌ مرافقها،
كأنّ أخمصنها بالشّوكِ منتعلُ
إذا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أصْوِرَة ً،(1/32)
والزنبقُ الوردُ من أردانها شمل
ما رَوْضَة ٌ مِنْ رِياضِ الحَزْنِ مُعشبة ٌ
خَضرَاءُ جادَ عَلَيها مُسْبِلٌ هَطِلُ
يضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شرقٌ
مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْماً بِأطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَة ٍ،
ولا بأحسنَ منها إذْ دنا الأصلُ
علّقتها عرضاً، وعلقتْ رجلاً
غَيرِي، وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ
وَعُلّقَتْهُ فَتَاة ٌ مَا يُحَاوِلُهَا،
مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذي بها وَهلُ
وَعُلّقَتْني أُخَيْرَى مَا تُلائِمُني،
فاجتَمَعَ الحُبّ حُبّاً كُلّهُ تَبِلُ
فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بصَاحِبِهِ،
نَاءٍ وَدَانٍ، وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ
قالتْ هريرة ُ لمّا جئتُ زائرها:
وَيْلي عَلَيكَ، وَوَيلي منكَ يا رَجُلُ
يا مَنْ يَرَى عارِضا قَد بِتُّ أرْقُبُهُ،
كأنّمَا البَرْقُ في حَافَاتِهِ الشُّعَلُ
لهُ ردافٌ، وجوزٌ مفأمٌ عملٌ،
منطَّقٌ بسجالِ الماءِ متّصل
لمْ يلهني اللّهوُعنهُ حينَ أرقبهُ،
وَلا اللّذاذَة ُ مِنْ كأسٍ وَلا الكَسَلُ
فقلتُ للشَّربِ في درني وقد ثملوا:
شِيموا، وكيفَ يَشيمُ الشّارِبُ الثّملُ
بَرْقاً يُضِيءُ عَلى أجزَاعِ مَسْقطِهِ،
وَبِالخَبِيّة ِ مِنْهُ عَارِضٌ هَطِلُ
قالُوا نِمَارٌ، فبَطنُ الخالِ جَادَهُما،
فالعَسْجَدِيّة ُ فالأبْلاءُ فَالرِّجَلُ
فَالسّفْحُ يَجرِي فخِنزِيرٌ فَبُرْقَتُهُ،
حتى تدافعَ منهُ الرّبوُ، فالجبلُ
حتى تحمّلَ منهُ الماءَ تكلفة ً،
رَوْضُ القَطَا فكَثيبُ الغَينة ِ السّهِلُ
يَسقي دِياراً لَها قَدْ أصْبَحَتْ عُزَباً،
زوراً تجانفَ عنها القودُ والرَّسلُ
وبلدة ٍ مثلِ ظهرِ التُّرسِ موحشة ٍ،
للجِنّ بِاللّيْلِ في حَافَاتِهَا زَجَلُ
لا يَتَمَنّى لهَا بِالقَيْظِ يَرْكَبُهَا،
إلاّ الذينَ لهمْ فيما أتوا مهلُ
جاوزتها بطليحٍ جسرة ٍ سرحٍ،
في مِرْفَقَيها إذا استَعرَضْتَها فَتَل
إمّا تَرَيْنَا حُفَاة ً لا نِعَالَ لَنَا،
إنّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ(1/33)
فقدْ أخالسُ ربَّ البيتِ غفلتهُ،
وقدْ يحاذرُ مني ثمّ ما يئلُ
وَقَدْ أقُودُ الصّبَى يَوْماً فيَتْبَعُني،
وقدْ يصاحبني ذوالشَّرة ِ الغزلُ
وَقَدْ غَدَوْتُ إلى الحَانُوتِ يَتْبَعُني
شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ
في فِتيَة ٍ كَسُيُوفِ الهِندِ قد عَلِمُوا
أنْ لَيسَ يَدفعُ عن ذي الحيلة ِ الحِيَلُ
نازعتهمْ قضبَ الرّيحانِ متكئاً،
وقهوة ً مزّة ً راووقها خضلُُ
لا يستفيقونَ منها، وهيَ راهنة ٌ،
إلاّ بِهَاتِ! وَإنْ عَلّوا وَإنْ نَهِلُوا
يسعى بها ذو زجاجاتٍ لهُ نطفٌ،
مُقَلِّصٌ أسفَلَ السّرْبالِ مُعتَمِلُ
مستجيبٍ تخالُ الصَّنجَ يسمعهُ،
إذا ترجِّعُ فيهِ القنية ُ الفضلُ
منْ كلّ ذلكَ يومٌ قدْ لهوتُ به،
وَفي التّجارِبِ طُولُ اللّهوِ وَالغَزَلُ
والسّاحباتُ ذيولَ الخزّ آونة ً،
والرّافلاتُ على أعجازها العجلُ
أبْلِغْ يَزِيدَ بَني شَيْبانَ مَألُكَة ً،
أبَا ثُبَيْتٍ! أمَا تَنفَكُّ تأتَكِلُ؟
ألَسْتَ مُنْتَهِياً عَنْ نَحْتِ أثلَتِنَا،
وَلَسْتَ ضَائِرَهَا مَا أطّتِ الإبِلُ
تُغْرِي بِنَا رَهْطَ مَسعُودٍ وَإخْوَتِهِ
عِندَ اللّقاءِ، فتُرْدي ثمّ تَعتَزِلُ
لأعرفنّكَ إنْ جدّ النّفيرُ بنا،
وَشُبّتِ الحَرْبُ بالطُّوَّافِ وَاحتَمَلوا
كناطحٍ صخرة يوماً ليفلقها،
فلمْ يضرها وأوهى قرنهُ الوعلُ
لأعرفنّكَ إنْ جدّتْ عداوتنا،
والتمسَ النّصر منكم عوضُ تحتملُ
تلزمُ أرماحَ ذي الجدّينِ سورتنا
عنْدَ اللّقاءِ، فتُرْدِيِهِمْ وَتَعْتَزِلُ
لا تقعدنّ، وقدْ أكلتها حطباً،
تعوذُ منْ شرّها يوماً وتبتهلُ
قد كانَ في أهلِ كَهفٍ إنْ هُمُ قعدوا،
وَالجاشِرِيّة ِ مَنْ يَسْعَى وَيَنتَضِلُ
سائلْ بني أسدٍ عنّا، فقد علموا
أنْ سَوْفَ يأتيكَ من أنبائِنا شَكَلُ
وَاسْألْ قُشَيراً وَعَبْدَ الله كُلَّهُمُ،
وَاسْألْ رَبيعَة َ عَنّا كَيْفَ نَفْتَعِلُ
إنّا نُقَاتِلُهُمْ ثُمّتَ نَقْتُلُهُمْ
عِندَ اللقاءِ، وَهمْ جارُوا وَهم جهلوا(1/34)
كلاّ زعمتمْ بأنا لا نقاتلكمْ،
إنّا لأمْثَالِكُمْ، يا قوْمَنا، قُتُلُ
حتى يَظَلّ عَمِيدُ القَوْمِ مُتّكِئاً،
يَدْفَعُ بالرّاحِ عَنْهُ نِسوَة ٌ عُجُلُ
أصَابَهُ هِنْدُوَانيٌّ، فَأقْصَدَهُ،
أو ذابلٌ منْ رماحِ الخطّ معتدلُ
قَدْ نَطْعنُ العَيرَ في مَكنونِ فائِلِهِ،
وقدْ يشيطُ على أرماحنا البطلُ
هَلْ تَنْتَهون؟ وَلا يَنهَى ذوِي شَططٍ
كالطّعنِ يذهبُ فيهِ الزّيتُ والفتلُ
إني لَعَمْرُ الذي خَطّتْ مَنَاسِمُها
لهُ وسيقَ إليهِ الباقرِ الغيلُ
لئنْ قتلتمْ عميداً لمْ يكنْ صدداً،
لنقتلنْ مثلهُ منكمْ فنمتثلُ
لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبّ مَعرَكَة ٍ
لمْ تُلْفِنَا مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ
نحنُ الفوارسُ يومَ الحنو ضاحية ً
جنبيْ "فطينة َ" لا ميلٌ ولا عزلُ
قالوا الرُّكوبَ! فَقُلنا تلْكَ عادَتُنا،
أوْ تنزلونَ، فإنّا معشرٌ نزلُ(1/35)
تائية المقرئ في المواعظ
وللعلاّمة المقرئ رحمه الله:
إلى كم تماد في غرور وغفلة؟ ... وكم هكذا نوم؟ متى يوم يقظة؟
لقد ظاع عمر ساعةٌ منه تشترى ... بملء السما والأرض أيّةَ ضيعة
أتنفق هذا في هوى هذه التي ... أبى الله أن تسوى جناحَ بَعوضة
وترضى من العيش السعيد تعيشه ... مع الملأ الأعلى يعيش البهيمة
أيا درة بين المزابل ألقيت ... وجوهرة بيعت بأبخس قيمة
أفان بباق تشتريه سفاهة؟! ... وسخطاً برضوان وناراً بجنة؟!
أأنت صديق أم عدو لنفسه ... فإنك ترميها بكلّ مصيبة
ولو فعل الأعدا بنفسك بعض ما ... فعلت لمستهم لها بعض رحمة
لقد بعتها ... حزني عليك رخيصة وكانت بهذا منك غير حقيقة
فَويْكَ استقل لا تفضحنها بمشهد ... من الخلق إن كنت ابن أمٍ كريمة
فبين يديها موقف وصحيفة ... تقاد عليها كل مثقال ذرة
كَلِفْتَ بها دنيا كثير غرورها ... تعامل من في نصحها بالخديعة
إذا أقبلت ولت وإن هي أحسنت ... أساءت وإن صفت فثق بالكدورة
ولو نلت منها مالَ قارونَ لم تنلْ ... سوى لقمة في فيك منه وخِرْقة
وهبك ملكت الملك فيها ألم تكن ... لتَنزعه من فيك أيدي المنايا
فدعها وأهليها وفِرَّ وخذ كذا ... بنفسك عنها فهي كل الغنيمة
ولا تغتبط منها بفرحة ساعة ... تعود بأحزان عليك طويلة
فعيشك فيها ألف عام وينقضي ... كعيشك فيها بعض يوم وليلة
عليك بما يجري عليك من التقى ... فإنك في سهو عظيم وغفلة
مجالس ذكر الله يُلهيك أن ترى ... بها ذاكراً للهِ ضعف العقيدة
إذا شرعوا فيها تجمشت قائماً ... قيامك ذا قل لي إلى أي لعنة
وإن كان لهواً أو أحاديث ريبة ... وثبت وثوب الليث نحو الفريسة
تصلي بلا قلب صلاةً بمثلها ... يكون الفتى مستوجباً للعقوبة
تظل وقد تمستها غير عالمٍ ... تزيد احتياطاً ركعة بعد ركعة
فخيحك تدري من تناجيه معرضاً ... وبين يدي من تنحني غيرَ مُخْبِت
تجاطبه إياك نعبد مقبلاً ... على غيره فيها لغير ضرورة(1/1)
ولو رد من ناجاك للغير طرفه ... تميزت من غيظ عليه وغيرة
أما تستحي من مالك الملك أن يرى ... صدودك عنه يا قليل المروءة
صلاة أقيمت يعلم الله أنها ... بفعلك هذا طاعة كالخطيئة
وأقبح منها أن تدل بفعلها ... كمن قلد المدلول بعد صنيعة
وأن يعتريك العُجْب أيضاً بكونها ... على ما حوته من رياء وسمعة
ذنوبك في الطاعات وهي كثيرةٌ ... إذا عددت تغنيك عن كل زلة
سبيلك أن تستغفر اللهَ بعدها ... وأن تتلافى الذنب منها بتوبة
فيا عاملاً للنار جسمك ليّنٌ ... فجربه تمريناً بحرِّ الظهيرة
وجربه في لسع الزنابير تجتني ... على نهش حيات هناك عظيمة
فإن كنت لا تقوى فويلك ما الذي ... دعاك إلى إسخاط ربّ البرية
تعامله بالمنكرات عشّيةً ... وتصبح في أثواب نسك وعفّة
فأنت على ما أنت أجراً لدى الورى ... بما فيك من جهل وخبث السريرة
تقول مع العصيان ربّيَ غافر ... صدقت ولكن غافر بالمشيئة
وربك رزاق كما هو غافِرٌ ... فلِمْ لَمْ تصدق فيهما بالسوية
فإنك ترجو العفو من غير توبة ... ولست ترجّي الرزق إلاّ بحيلة
على أنه بالرزق كفل نفسه ... لكل ولم يكفل لكل بجنة
فلم ترض إلاّ السعي فيما كُفيِتَه ... وإهمال ما كُلّفته من وظيفة
تسيء به ظناً وتحسن تارة ... على قدر ما يعطي الهوى في القضية
إلهي لا تواخِذَنْ " ؟ " بذنوبنا ... ولا تخزنا وانظر إلينا برحمة
إلهي اهدنا فيمن هديت وخذ بنا ... إلى الحق نهجاً سواء الطريقة
وكن شغلنا في كل شغل وهمنا ... وبغيتنا عن كل هم وبغية
وصل صلاة لا تناهى على الذي ... جعلت به مسكاً ختام النبوءة
وآل وصحب أجمعين وتابع ... وتابعهم من كل إنس وجِنّة "(1/2)
هذه قصيدة شائقة رائقة ذكرها العلامة أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري (516هـ) في مقاماته (مقامات الحريري) في المقامة البصرية :
و هي - خَلِّ ادِّكارَ الأربُعِ -
..........................................
..........................................
...خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِ ... والمعْهَدِ المُرتَبَعِ
والظّاعِنِ المودِّعِ ... وعدِّ عنْهُ ودَعِ
...وانْدُبْ زَماناً سلَفا ... سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفا
ولمْ تزَلْ مُعتكِفا ... على القبيحِ الشّنِعِ
...كمْ ليلَةٍ أودَعْتَها ... مآثِماً أبْدَعْتَها
لشَهوَةٍ أطَعْتَها ... في مرْقَدٍ ومَضْجَعِ
...وكمْ خُطًى حثَثْتَها ... في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَها
وتوْبَةٍ نكَثْتَها ... لمَلْعَبٍ ومرْتَعِ
...وكمْ تجرّأتَ على ... ربّ السّمَواتِ العُلى
ولمْ تُراقِبْهُ ولا ... صدَقْتَ في ما تدّعي
...وكمْ غمَصْتَ بِرّهُ ... وكمْ أمِنْتَ مكْرَهُ
وكمْ نبَذْتَ أمرَهُ ... نبْذَ الحِذا المرقَّعِ
...وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ ... وفُهْتَ عمْداً بالكَذِبْ
ولمْ تُراعِ ما يجِبْ ... منْ عهْدِهِ المتّبَعِ
...فالْبَسْ شِعارَ النّدمِ ... واسكُبْ شآبيبَ الدّمِ
قبلَ زَوالِ القدَمِ ... وقبلَ سوء المصْرَعِ
...واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ ... ولُذْ مَلاذَ المُقترِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَرِفْ ... عنْهُ انحِرافَ المُقلِعِ
...إلامَ تسْهو وتَني ... ومُعظَمُ العُمرِ فَني
في ما يضُرّ المُقْتَني ... ولسْتَ بالمُرْتَدِعِ
...أمَا ترَى الشّيبَ وخَطْ ... وخَطّ في الرّأسِ خِطَطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَطْ ... بفَودِهِ فقدْ نُعي
...ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي ... على ارْتِيادِ المَخلَصِ
وطاوِعي وأخْلِصي ... واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
...واعتَبِرِي بمَنْ مضى ... من القُرونِ وانْقَضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا ... وحاذِري أنْ تُخْدَعي
...وانتَهِجي سُبْلَ الهُدى ... وادّكِري وشْكَ الرّدى
وأنّ مثْواكِ غدا ... في قعْرِ لحْدٍ بلْقَعِ
...آهاً لهُ بيْتِ البِلَى ... والمنزِلِ القفْرِ الخَلا
وموْرِدِ السّفْرِ الأُلى ... واللاّحِقِ المُتّبِعِ(1/1)
...بيْتٌ يُرَى مَنْ أُودِعَهْ ... قد ضمّهُ واسْتُودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والسّعَهْ ... قِيدَ ثَلاثِ أذْرُعِ
...لا فرْقَ أنْ يحُلّهُ ... داهِيَةٌ أو أبْلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو منْ لهُ ... مُلكٌ كمُلْكِ تُبّعِ
...وبعْدَهُ العَرْضُ الذي ... يحْوي الحَييَّ والبَذي
والمُبتَدي والمُحتَذي ... ومَنْ رعى ومنْ رُعي
...فَيا مَفازَ المتّقي ... ورِبْحَ عبْدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ ... وهوْلَ يومِ الفزَعِ
...ويا خَسارَ مَنْ بغَى ... ومنْ تعدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى ... لمَطْعَمٍ أو مطْمَعِ
...يا مَنْ عليْهِ المتّكَلْ ... قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ من زلَلْ ... في عُمْري المُضَيَّعِ
...فاغْفِرْ لعَبْدٍ مُجتَرِمْ ... وارْحَمْ بُكاهُ المُنسجِمْ
فأنتَ أوْلى منْ رَحِمْ ... وخيْرُ مَدْعُوٍّ دُعِي
***
تمت القصيدة(1/2)
ديوان الإمام الشافعي رحمه الله
قافية الهمزة
من تجارب الإمام
دع الأيام تفعل ما تشاء ... وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ... فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا ... وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا ... وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب ... يغطيه - كما قيل- السخاء
ولا تر للأعداء قط ذلا ... فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل ... فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني ... وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور ... ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع ... فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا ... فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن ... إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين ... فما يغني عن الموت الدواء
***
الدعاء
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع القضاء
سهام الليل لا تخطي ... لها أمد ، وللأمد ، انقضاء
***
حب النساء
أكثر الناس في النساء وقالوا ... إن حب النساء جهد البلاء
ليس حب النساء جهدا ولكن ... قرب من لا تحب جهد البلاء
***
فراق الأحبة
واحسرة للفتى ساعة ... يعيشها بعد أودائه
عمر الفتى لو كان في كفه ... رمى به بعد أحبابه
***
قافية الباء
سوء التقدير
أصبحت مطرحا في معشر جهلوا ... حق الأديب فباعوا الرأس بالذنب
والناس يجمعهم شمل وبينهم ... في العقل فرق وفي الآداب والحسب
كمثل ما الذهب الإبريز يشركه ... في لونه الصفر والتفضيل للذهب
والعود لو لم تطب منه روائحه ... لم يفرق الناس بين العود والحطب
***
الهوى والعقل
إذا حار أمرك في معنيين ... ولم تدر حيث الخطا والصواب
فخالف هواك فإن الهوى ... يقود النفس إلى ما يعاب
***
هذه هي الدنيا
تموت الأسد في الغابات جوعا ... ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير ... وذو نسب مفارشه التراب
***(1/1)
عندما تقترب نهاية الانسان ويشتعل الرأس شيبا
خبت نار نفسي باشتعال مفارقي ... وأظلم ليلي إذ أضاء شهابها
أيا بومة قد عششت فوق هامتي ... على الرغم مني حين طار غرابها
رأيت خراب العمر مني فزرتني ... ومأواك من كل الديار طرابها
أأنعم عيشا بعد ما حل عارضي ... طلائع شيب ليس يغني خضابها
وعزة عمر المرء قبل مشيبه ... وقد فنيت نفس تولي شبابها
إذا اصفر لون المرء وابيض شعره ... تنغص من أيامه مستطابها
فدع عنك سوءات الأمور فإنها ... حرام على نفس التقي ارتكابها
وأد زكاة الجاه واعلم واعلم بأنها ... كمثل زكاة المال تم نصابها
وأحسن إلى الأحرار تملك رقابهم ... فخير تجارات الكراء اكتسابها
ولا تمشين في منكب الأرض فاخرا ... فعما قليل يحتويك ترابها
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ... وسيق إلينا عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غرورا وباطلا ... كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجنبتها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبك نازعتك كلابها
فطوبى لنفس أولعت قعر دارها ... مغلقة الأبواب مرخى حجابها
***
سلوك الكبار مع الأنذال
إذا سبني نذل تزايدت رفعة ... وما العيب إلا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكنتها من كل نذل تحاربه
ولو أنني أسعى لنفسي وجدتني ... كثير التواني للذي أنا طالبه
ولكنني اسع لأنفع صاحبي ... وعار على الشبعان إن جاع صاحبه
***
داو السفاهة بالحلم
يخاطبني السفيه بكل قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا
***
البخل والظلم
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهم ... سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجردت من غمد القناعة صارما ... قطعت رجائي منهم بذبابه
فلا ذا يراني واقفا في طريقه ... ولا ذا يراني قاعدا عند بابه
غني بلا مال عن الناس كلهم ... وليس الغني إلا عن الشيء لا به(1/2)
إذا ما الظالم استحسن الظلم مذهبا ... ولج عتوا في قبيح اكتسابه
فكِلهإلى صرف الليالي فإنها ... ستدعي له ما لم يكن في حسابه
فكم رأينا ظالما متمردا ... يرى النجم تحت ظل ركابه
فعما قليل وهو في غفلاته ... أناخت صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مال ولا جاه يرتجى ... ولا حسنات تلتقى في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلا ... وصب عليه الله سوط عذابه
***
حب من طرف واحد
ومن البلية أن تحب ... ولا يحبك من تحبه
ويصد عنك بوجهه ... وتلح أنت فلا تُغِبُّه
***
الله حسبي
أنت حسبي وفيك للقلب حسب ... وبحسبي إن صح لي فيك حسب
لا أبالي متى ودادك لي صح ... من الدهر ما تعرض لي خطب
***
ميزان التفاضل
أرى الغر في الدنيا إذا كان فاضلا ... ترقّى على رؤوس الرجال ويخطب
وإن كان مثلي لا فضيلة عنده ... يقاس بطفل في الشوارع يلعب
***
دعوة إلى التنقل والترحال
ما في المقام لذي عقل وذي أدب ... من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تفارقه ... وانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب
إني رأيت ركود الماء يفسده ... إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما افترست ... والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ... لملَّها الناس من عجم ومن عرب
والتِّبرُ كالتُّرب مُلقى في أماكنه ... والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرّب هذا عَزّ مطلبه ... وإن تغرب ذاك عزّ كالذهب
***
الضرب في الأرض
سأضرب في طول البلاد وعرضها ... أنال مرادي أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها ... وإن سلمت كان الرجوع قريبا
***
هيبة الرجال وتوقيرهم
ومن هاب الرجال تهيَّبوه ... ومن حَقِرَ الرجال فلن يهابا
وما قضت الرجال له حقوقا ... ومن يعص الرجال فما أصابا
***
كذب المنجمون
خبِّرا عني المنجم أنِّي ... كافر بالذي قضته الكواكب
عالما أن ما يكون وما كان ... قضاء من المهيمن واجب
***
معاملة اللئيم
قل بما شئت في مسبة عرضي ... فسكوتي عن اللئيم جواب
ما أنا عادم الجواب ولكن ... ما ضر الأسد أن تجيب الكلاب
***(1/3)
قافية التاء
دفع الشر
لما عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيّي عدوي عند رؤيته ... لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر لإنسان أبغضه ... كما إن قد حشا قلبي محبات
الناس داء ،وداء الناس قربهم ... وفي اعتزالهم قطع المودات
***
هكذا الكرماء
يا لهف نفسي على مال أفرقه ... على المقلَّين من أهل المروءات
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
***
آداب التعلم
اصبر على مر الجفا من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة ... تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه ... فكبر عليه أربعا لوفاته
وذات الفتى -والله-بالعلم والتقى ... إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
***
الصديق المثالي
أحب من الإخوان كل مواتي ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كل أمر أريده ... ويحفظني حيا وبعد مماتي
فمن لي بهذا ؟ ليت أني أصبته ... لقاسمته مالي من الحسنات
تصفحت إخواني فكان أقلهم ... على كثرة الإخوان أهل ثقاتي
***
أشحة على الخير
وأنطقت الدراهم بعد صمت ... أناسا بعد ما كانوا سكوتا
فما عطفوا على أحد بفضل ... ولا عرفوا لمكرمة ثبوتا
***
محط الرجاء
إذا رمت المكارم من كريم ... فيمم من بنى لله بيتا
فذاك الليث من يحمي حماه ... ويكرم ضيفه حيا وميتا
***
الصفح الجميل
من نال مني ، أو علقت بذمته ... أبرأته لله شاكر منَّته
أَأُرى مَُعَوِّق مؤمن يوم الجزاء ... أو أن أسوء محمدا في أمته
***
متى يكون السكوت من ذهب
إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرّجت عنه ... وإن خليته كمدا يموت
***
قضاة الدهر
قضاة الدهر قد ضلوا ... فقد بانت خسارتهم
فباعوا الدين بالدنيا ... فما ربحت تجارتهم
***(1/4)
قافية الجيم
المخرج من النوازل
ولربما نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منه المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكنت أظن أنها لا تفرج
***
عداوة الشعراء
وهذه أبيات ذكرها ابن خلكان في ترجمته للشافعي في كتابه (وفيات الأعيان) وقال : ( ومن المنسوب إليه )ا
ماذا يُخبّر ضيف بيتك أهله ... إن سِيلَ كيف معاده ومعاجه
أيقول جاوزت الفرأت ولم أنل ... ريّا لديه وقد طغت أمواجه
ورقيت في درج العلا فتضايقت ... عما أريد شعابه وفجاجه
ولتُخبِرنْ خصاصتي بتملقي ... والماء يُحبر عن قذاه زُجاجه
عندي يواقيت القريض ودره ... وعليّ إكليل الكلام وتاجه
تربى على روض الرُّبا أزهاره ... ويرف في نادي الندى ديباجه
والشاعر المِنطيق أسود سالح ... والشعر منه لعابه ومجاجه
وعداوة الشعراء داء معضل ... ولقد يهون على الكريم علاجه
***(1/5)
قافية الحاء
عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكتَّ وقد خُوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تُخشى وهي صامتة ... والكلب يُخسى- لعمري- وهو نباح
***(1/6)
قافية الدال
محن الزمان ومسراته
محن الزمان كثيرة لا تنقضي ... وسروره يأتيك كالأعياد
ملك الأكابر فاسترق رقابهم ... وتراه رقّا في يد الأوغاد
***
قالوا ترفَّضت
قالوا : ترفضت، قلت : كلا ... ما الرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غير شك ... خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوليّ رفضا ... فإني رفضي إلى العباد
***
الناس والكلاب
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة ... وأننا لا نرى مما نرى أحدا
إن الكلاب لتَهدى في مواطنها ... والخلق ليس بهاد ، شرهم أبدا
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تبقى سعيدا إذا ما كنت منفردا
***
عدو يتمنى الموت للشافعي
تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
وما موت من قد مات قبلي بضائر ... ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد
لعل الذي يرجو فنائي ويدّعي ... به قبل موتي أن يكون هو الردى
***
الناس بين شامت وحاسد
ولما أتيت أطلب عندهم ... أخا ثقة عند ابتلاء الشدائد
تقلَّبت في دهري رخاء وشدة ... ونادين في الأحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامت ... ولم أر فيما سرني حاسد
***(1/7)
من صور غدر الإخلاء
إني صحبت الناس ما لهم عدد ... وكنت أحسب أني قد ملأت يدي
لما بلوت أخلائي وجدتهم ... كالدهر في الغدر لم يبقوا على أحد
إن غبت عنهم فشر الناس يشتمني ... وإن مرضت فخير الناس لم يعد
وإن رأوني بخير ساءهم فرحي ... وإن رأوني بشر سرهم نكدي
***
عجبا لمن يضحك والموت يطلبه
كم ضاحك والمنايا فوق هامته ... لو كان يعلم غيبا مات من كمد
من كان لم يؤت علما في بقاء غد ... ماذا تفكره في رزق بعد غد
***
لا تيأسن من لطف ربك
إن كنت تغدو في الذنوب جليدا ... وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه ... وأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا ... في بطن أمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالدا ... ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيدا
***
هموم الغد
إذا أصبحت عندي قوت يومي ... فخلِّ الهمَّ عني يا سعيد
ولا تُخْطَرْ هموم غد ببالي ... فإن غد له رزق جديد
أُسَلِّم إن أراد الله أمرا ... فأترك ما أريد لما يريد
***
لولا ... ولولا
ولولا الشعر بالعلماء يزري ... لكنت اليوم أشعر من لبيد
وأشجع في الوغى من كل ليث ... وآل مهلَّب وبني يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي ... حسبت الناس كلهم عبيدي
***
الشعور بالراحة عند قضاء الحق
أرى راحة للحق عند قضائه ... ويثقل يوما إن تركت على عمد
وحسبك حظا أن ترى غير كاذب ... وقولك لم أعلم وذاك من الجهد
ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه ... وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعش سيدا يستعذب الناس ذكره ... وإن نابه حق أتوه على قصد
***(1/8)
أفضل ما استفاد المرء
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا
***
فوائد الأسفار
تغرب عن الأوطان في طلب العلا ... وسافر ففي السفار خمس فوائد
تَفَرُّجُ هم ، واكتساب معيشة ... وعلم وآداب ، وصحبة ماجد
***
الأقربون أولى بالمعروف
أتاني عذر منك في غير كنهه ... كأنك برِّي بذاك تحيد
لسانك هش بالنوازل وما أرى ... يمينك إن جاد اللسان تجود
فإن قلت لي بيت وسبط وسبطة ... وأسلاف صدق قد مضوا وجدود
صدقت ولكن أنت خربت ما بنوا ... بكَفيْكَ عَمْدا والبناء جديد
إذا كان ذو القربى لديك مبعدا ... ونال الذي يهوى لديك بعيد
تفرق عنك الأقربون لشأنهم ... واشتقت أن تبقى وأنت وحيد
وأصبحت َ بين الحمد والذم واقفا ... فياليت شعري أي ذاك تريد
***
عداوة الحاسد
كل العداوة قد ترجى مودتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد
***
العلم الأُخروي
من تعلم للمعاد ... فاز بفضل من الرشاد
ونال حسنا لطالبيه ... وفضل نيل من العباد
***(1/9)
قافية الراء
جنان الخلد
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ... يمسي ويصبح في دنياه سفارا
هلا تركت لذي الدنيا معانقة ... حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها ... فينبغي لك ألا تأمن النارا
***
الوحدة خير من جليس السوء
إذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي ... ألذ واشهى من غوى أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمنا ... أقر لعيني من جليس أحاذره
***
إحسان الظن بالأيام
تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقيل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما تأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
***
قبول العذر
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... إن يرَّ عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره ... وقد أجلَّك من يعصيك مستترا
***
أدب المناظرة
إذا ما كنت ذا فضل وعلم ... بما اختلف الأوائل والأواخر
فناظر من تناظر في سكون ... حليما لا تلح ولا تكابر(1/10)
يفيدك ما استفادا بلا امتنان ... من النكت اللطيفة والنوادر
وإياك اللجوج ومن يرائي ... بأني قد غلبت ومن يفاخر
فإن الشر في جنبات هذا ... يمني بالتقاطع والتدابر
***
الدهر يومان
الدهر يومان : ذا أمن وذا خطر ... والعيش عيشان: ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها ... وليس يُكسَفُ إلا الشمس والقمر
***
فضل السكوت
وجدت سكوتي متجرا فلزمته ... إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجر ... وتاجره يعلو على كل تاجر
***
الرضا بالقدر
وما أنا راض من زماني بما ترى ... ولكنني راض بما حكم الدهر
فإن كانت الأيام خانت عهودنا ... فإني بها راض زلكنها قهر
***
دية الذنب
قيل لي: قد اسى إليك فلان ... ومقام الفتى على الذل عار
قلت: قد جاءني وأحدث عذرا ... دية الذنب عندنا الاعتذار
***
الشوق إلى مصر
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها قطع المهامه والقفر
فوالله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم إلى القبر
***
العبرة باللابس لا بالملابس
عليّ ثياب لو تباع جميعها ... بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها ... نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده ... إذا كان عضبا حيث وجهته فرى
فإن تكن الأيام أزرت ببزتي ... فكم من حسام في غلاف تكسرا
***
احذر مودة الناس
كن ساكنا في ذا الزمان بِسَيئرِهِ ... وعن الورى كن راهبا في ديره
واغسل يديك من الزمان وأهله ... واحذر مودتهم تنل من خيره
إني اطلعت فلم أجد لي صاحبا ... أصحبه في الدهر ولا في غيره
فتركت أسفلهم لكثرة شره ... وتركت أعلاهم لقلة خيره
***
المرء بأصغريه قلبه ولسانه
إذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بالنظر
لسان كشقشقة الأرحبي ... وكالحسام اليماني الذكر
ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنن مدره الأصغرين ... جلاّب خير وفراج شر
***(1/11)
كثرة الأخلاء وقلة الأعداء
وليس كثيرا ألف حلِّ لواحد ... وإن عدوا واحدا لكثير
***
أمر فوق أمري
أفكر ف نوى إلفي وصبري ... وأحمد همتي وأذم دهري
وما قصرت في طلب ولكن ... لرب الناس أمر فوق أمري
***
من نكد الدنيا على الانسان
ومن الشقاوة أن تحب ... ومن تُحِب يحب غيرك
أو أن تريد الخيرللإنسان ... وهو يريد غيرك
***
قافية السين
البحث عن صديق
صديق ليس ينفع يوم بؤس ... قريب من عدو في القياس
وما يبقى الصديق بكل عصر ... ولا الإخوان إلا للتآسي
عبرت الدهر ملتمسا بجهدي ... أخا ثقة فألهاني التماسي
تنكرت البلاد ومن عليها ... كأن أناسها ليسوا بناسي
***
مناجاة
قلبي برحمتك اللهم ذو أنس ... في السر والجهر والإصباح والغلس
وما تقلبت من نومي وفي سِنتي ... إلا وذكرك بين النفْس والنفَس
لقد مننت على قلبي بمعرفة ... بأنك الله ذو الآلاء والقدس
وقد لأتيت ذنوبا أنت تعلمها ... ولم تكن فاضحي فيها بفعل مُسي
فامنن عليّ بذكر الصالحين ولا ... تجعل عليّ إذا في الدين من لبس
وكن معي طول دنياي وآخرتي ... ويوم حشري بما أنزلت في عبس
***
وقفة الحر بباب نحس
لقلع ضرس، وضرب حبس ... ونزع نفس، ورد أمس
وقر برد ، وقود فرد ... ودبغ جلد بغير شمس
وأكل ضب ، وصيد دب ... وصرف حب بأرض خرس
ونفخ نار، وحمل عار ... وبيع دار بربع فلس
وبيع خف ، وعدم ألف ... وضرب ألف بحبل قلس
أهون من وقفة الحر ... يرجو نوالا بباب نحس
***
العلم مغرس كل فخر
العلم مغرس كل فخر فافتخر ... واحذر يفوتك فخر ذاك المغرس
واعلم بأن العلم ليس يناله ... من همه في مطعم أو ملبس
إلا أخو العلم الذي يُعنى به ... في حالتيه عاريا أو مكتسي
فاجعل لنفسك منه حظا وافرا ... واهجر له طيب الرقاد وعبّسِ
فلعل يوما إن حضرت بمجلس ... كنت أنت الرئيس وفخر ذاك المجلس
***(1/12)
قافية الصاد
شهادة حق
شهدت بأن الله لا رب غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأًُشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن عليا فضله متخصص
أئمة قوم يهتدى بهداهم ... لحى الله من إياهم يتنقص
***
نور الله لا يهدى لعاص
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يهدى لعاص
***(1/13)
قافية الضاد
عادة الأيام
إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي ... وقد ملكت أيديكم البسط والقبضا
فماذا يرجَّى منكم إن عزلتم ... وعضتكم الدنيا بأنيابها عضا
وتسترجع الأيام ما وهبتكم ... ومن عادة الأيام تسترجع القرضا
***
يا راكبا
يا راكبا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
***(1/14)
قافية العين
أحب الصالحين
أحب الصالحين ولست منهم ... لعلّي أن أنال بهم شفاعة
وأكره مَن تجارته المعاصي ... ولو كنا سواء في البضاعة
***
فن النصيحة
تعمَّدني بنصحك في انفرادي ... وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا ارضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
***
الاشتغال بعيوب النفس عن عيوب الآخرين
المرء إن كان عاقلا ورعا ... أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله ... عن وجع الناس كلهم وجعه
***
لمن نعطي رأينا
ولا تعطين الرأي من لا يريده ... فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه
***
الذل في الطمع
حسبي بعلمي إن نفع
ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله رجع
ما طار طير وارتفع
إلا كما طار وقع
***
سهام الدعاء
ورب ظلوم قد كفيت بحربه ... فأوقعه المقدور أي وقوع
فما كان لي الإسلام إلا تعبدا ... وأدعية لا تتقى بدروع
وحسبك أن ينجو الظلوم وخلفه ... سهام دعاء من قِسِّي ركوع
مُريَّشة بالهدب من كل ساهر ... مُنْهلَّة أطرافها بدموع
***
الحب الصادق
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة ... منه وأنت لشكر ذلك مضيع
***
القناعة والطمع
العبد حر إن قنع ... والحر عبد إن طمع
فاقنع ولا تقنع فلا ... شيء يشين سوى الطمع
***(1/15)
قافية الفاء
مدَّعي الصداقة
إذا المرء لم يرعاك إلا تكلفا ... فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة ... وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ... ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ... فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ... ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده ... ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ... صديق صدوق صادق الوعد منصفا
***
كيف الوصول؟
كيف الوصول إلى سعاد ودونها ... قلل الجبال ودونهن حتوف
والرجل حافية ولا لي مركب ... والكف صفر والطريق مخوف
وسعاد هي رمز للمحبوب.... والحب الأكبر هو حب الله.... ويا شقاء من لم ينل رضى به عز وجل
***
الذباب والعقاب
أكل العقاب بقوة جيف الفلا ... وجنى الذباب الشهد وهو ضعيف
***
ذئاب في ثياب متنسكين
ودع الذين إذا أتوك تنسكوا ... وإذا خلو فهم ذئاب خراف
***(1/16)
قافية القاف
فضل التغرب
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ... ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في موطنه ... وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره ... في أرضه وهو مرمى على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه ... فصار يحمل بين الجفن والحدق
***
أيهما ألذ؟
سهري لتنقيح العلوم الذ لي ... من وصل غانية وطيب عناق
وصرير اقلامي على صفحاتها ... أحلى من الدّّوْكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها ... نقري لألقي الرمل عن أوراقي
وتمايلي طربا لحل عويصة ... في الدرس أشهى من مدامة ساق
وأبيت سهران الدجى وتبيته ... نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
***(1/17)
دليل على القضاء وحكمه
فإذا سمعت بأن مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محروما أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني ... بنجوم أقطار السماء تَعلُّقي
لكن من رُزق الحجا حُرم الغنى ... ضدان مفترقان أي تفرق
وأحق خلق الله بِالْهمِّ امرؤ ... ذو همة يُبلى برزق ضيق
ومن الدليل على القضاء وحكمه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن الذي رزق اليسار فلم ينل ... أجرا ولا حمدا لغير موفق
والجد يدني كل أمر شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق
***
حفظ الأسرار
إذا المرء أفشى سره بلسانه ... ولا عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق المرء عن سر نفسه ... فصدْرُ الذي يستودع السر أضيق
***
ماذا بقي من أخلاق الناس؟
لم يبق في الناس إلا المكر والملق ... شوك إذا لمسوا، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضرورات لعشرتهم ... فكن جحيما لعل الشوك يحترق
***
مشاعر الغريب
إن الغريب له مخافة سارق ... وخضوع مديون وذلة موثق
فإذا تذكر أهله وبلاده ... ففؤاده كجناح طير خافق
***
التوكل على الله
توكلت في رزقي على الله خالقي ... وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليس يفوتني ... ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ... ولو، لم يكن من اللسان بناطق
ففي اي شيء تذهب النفس حسرة ... وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
***
هل يرتبط الرزق بالعقل
لو كنت بالعقل تعطى ما تريد إذن ... لما ظفرت من الدنيا بمرزوق
رزقت مالا على جهل فعشت به ... فلست أول مجنون ومرزوق
***
العلم رفيق نافع
علمي معي حيثما يممت ينفعني ... قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ... أو كنت في السوق كان العلم في السوق
***
الصديق الجاهل
رام نفعا فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا
***(1/18)
قافية الكاف
القناعة رأس الغنى
رأيت القناعة رأس الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك
فلا ذا يراني على بابه ... ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غنيا بلا درهم ... أمر على الناس شبه الملك
***
تول أمورك بنفسك
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بفضلك
***
فتنة عظيمة
فساد كبير عالم متهتك ... وأكبر منه جاهل متنسك
هما فتنة في العالمين عظيمة ... لمن بهما في دينه يتمسك
***(1/19)
قافية اللام
المثل الأعلى
إن الفقيه هو الفقيه بفعله ... ليس الفقيه بنطقه ومقاله
وكذا الرئيس هو الرئيس بخلقه ... ليس الرئيس بقومه ورجاله
وكذا الغني هو الغني بحاله ... ليس الغني بملكه وبماله
***
صن النفس عما يشينها
صن النفس واحملها على ما يزينها ... تعش سالما والقول فيك جميل
ولا تولين الناس إلا تجملا ... نبا بك دهرا أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد ... عسى نكبات الدهر عنك تزول
ولا خير في ود امرئ متلون ... إذا الريح مالت، مال حيث تميل
وما أكثر الاخوان حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل
***
تواضع العلماء
كلما أدبني الدهر ... آراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علما ... زادني علما بجهلي
***
دعوة إلى التعلم
تعلم فلي المرء يولد عالما ... ولي أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما ... كبير إذا ردت إليه المحافل
***
إدراك الحكمة ونيل العلم
لا يدرك الحكمة من عمره ... يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتى ... خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي ... سارت به الركبان بالفضل
بُلي بفقر وعيال لما ... فرق بين التبن والبقل
***
أبواب الملوك
إن الملوك بلاء حيثما حلوا ... فلا يكن لك في ابوابهم ظل
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا ... جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستعن بالله عن ابوابهم كرما ... إن الوقوف على أبوابهم ذل
***(1/20)
حب أبي بكر وعلي رضي الله عنهما
إذا نحن فضلنا عليا فإننا ... روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته ... رميت بنصب عند ذكري للفضل
فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما ... بحبيهما حتى أوسد في الرمل
***
آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم
يا آل بيت رسول الله حبكم ... فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم ... من لم يصل عليكم لا صلاة له
***
احداث البدع
لم يفتأ الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم ... وفي الذي حملوا من حقه شغل
***
علو الذكر
المرء يحظى ثم يعلو ذكره ... حتى يزين بالذي لم يفعل
وترى الشقي إذا تكامل عيبه ... يشقى ويُنْحلُ كل ما لم يعمل
***
المعاملة بالمثل
وأنزلني طول النوى دار غربة ... إذا شئت لا قيت امرأ لا أُشاكله
أحامقه حتى يقال سجيه ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
***
حاسد النعمة
وداريت كل الناس لكن حاسدي ... مداراته عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
***
الفضل للذي يتفضل
على كل حال أنت بالفضل آخذ ... وما الفضل إلا للذي يتفضل
***
ذل الحياة وهول الممات
ذل الحياة وهول الممات ... كلا وجدناه طعما وبيلا
فإن كان لا بد إحداهما ... فمشيا إلى الموت مشيا جميلا
***(1/21)
قافية الميم
فضل العلم
رأيت العلم صاحبه كريم ... ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن ... يُعَظِّمَ أمره القوم الكرام
ويتبعونه في كل حال ... كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ما سعدت رجال ... ولا عرف الحلال ولا الحرام
***
المهلكات الثلاث
ثلاث هن مهلكة الأنام ... وداعية الصحيح إلى السقام
دوام مُدامة ودوام وطء ... وإدخال الطعام على الطعام
***
العلم بين المنح والمنع
أأنثر درا بين سارحة البهم ... وأنظم منثورا لراعية الغنم
لعمري لئن ضُيعت في شر بلدة ... فلست مُضيعا فيهم غرر الكلم
لئن سهل الله العزيز بلطفه ... وصادفت أهلا للعلوم والحكم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم ... وإلا فمكنون لدي ومُكْتتم
ومن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
***
عفُّوا تعفّ نساؤكم
عفوا تعف نساؤكم في المحرم ... وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته ... كان الزنا من أهل بيتك فاعلم
***
الجود بالموجود
أجود بموجود ولو بت طاويا ... على الجوع كشحا والحشا يتألم
وأظهر أسباب الغنى بين رفقتي ... ليخفاهم حالي وإني لمعدم
وبيني وبين الله أشكو فاقتي ... حقيقا فإن الله بالحال أعلم
***(1/22)
كما تدين تدان
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا ... سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد ... ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره ... إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
***
أنا عند رأيي
ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ... ولقد كفاك معلمي تعليمي
***
مناجاة
بموقف ذلي دون عزتك العظمى ... بمخفي سر لا أحيط به علما
بإطراق رأسي باعترافي بذلتي ... بمد يدي استمطر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها ... لعزتها يستغرق النثر والنظما
بعهد قديم من ألست بربكم؟ ... بمن كان مكنونا فعُرف بالأسما
أذقنا شراب الأنس يا من إذا سقى ... محبا شرابا لا يضام ولا يظما
***
الرغبة في عفو الله
إليك إله الخلق أرفع رغبتي ... و'ن كنتُ يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فياليت شعري هل أصير لجنة ... أهنا؟ وأما للسعير فأندما
فلله در العارف الندب إنه ... تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه ... على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحا إذا ما كان في ذكر ربه ... وفيما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أياما مضت من شبابه ... وما كان فيها بالجهالة أجرما(1/23)
فصار قرين الهم طول نهاره ... أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول: حبيبي أنت سؤلي وبغيتي ... كفى بك للراجين سؤلا ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني ... ولا زلت منانا عليّ ومنعما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي ... ويستر أوزاري وما قد تقدما
تعاظمني ذنبي فأقبلت خاشعا ... ولولا الرضا ما كنت يارب منعما
فإن تعف عني تعف عن متمرد ... ظلوم غشوم لا يزايل مأتما
فإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو أدخلوا نفسي بجرم جهنما
فجرمي عظيم من قديم وحادث ... وعفوك يأتي العبد أعلى وأجسما
حوالي َّ فضل الله من كل جانب ... ونور من الرحمن يفترش السما
وفي القلب إشراق المحب بوصله ... إذا قارب البشرى وجاز إلى الحمى
حوالي إيناس من الله وحده ... يطالعني في ظلمة القبرأنجما
أصون ودادي أن يدنسه الهوى ... وأحفظ عهد الحب أن يتثلما
ففي يقظتي شوق وفي غفوتي منى ... تلاحق خطوى نشوة وترنما
ومن يعتصم بالله يسلم من الورى ... ومن يرجه هيهات أن يتندما
***
من فضل العلم
العلم من فضله لمن خدمه ... أن يجعل الناس كلهم خدمه
فواجب صونه عليه كما ... يصون في الناس عرضه ودمه
فمن حوى العلم ثم أودعه ... بجهله غير أهله ظلمه
***
استعارة الكتب
قل للذي لم تر عينا من رآه مثله
ومن كان من رآه قد رأى من قبله
لأن ما يجنه فاق الكمال كله
العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله
لعله يبذله لأهله لعله
***(1/24)
كعب بن زهير
قال كعب بن زهير يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقرأت هذه القصيدة في سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة على الشيخ أحمد بن علي بن السمين. ورواها لي عن أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري، عن أبي عمرو محمد بن العباس بن حيويه الجزاز، عن أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير المزني، عن أبيه عن جده عن كعب:
(البسيط)
بانتْ سعادُ فقلبِي اليومَ متبولُ ... متيمٌ إثرها لم يفدَ مكبولُ
وما سعادُ غداةَ البينِ إذ ظعنوا ... إلا أغنُّ غضيضُ الطرفِ مكحولُ
تجلو عوارضَ ذي ظلمٍ إذا ابتسمتْ ... كأنه منهلٌ بالراحِ معلولُ
شجتْ بذِي شبمٍ منْ ماءِ محنيَةٍ ... صافٍ بأبطحَ أضحى وهو مشمولُ
تنفي الرياحُ القذَى عنهُ وأفرطَه ... من صوبِ ساريةٍ بيضٌ يعاليلُ
يا ويحها خلةً لو أنها صدقتْ ... موعودَها أو لوَ أنَّ النُّصحَ مقبولُ
لكنها خلةٌ قد سيطَ من دمِها ... فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديلُ
فما تدومُ على حالٍ تكونُ بها ... كما تلونُ في أثوابها الغُولُ
وما تمسكُ بالعهدِ الذي زعمتْ ... إلا كما يمسكُ الماءَ الغرابيلُ
كانت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلاً ... وما مواعيدُها إلا الأباطيلُ
أرجُو وآملُ أن يعجلنَ من أبدٍ ... وما لهنَّ طوالَ الدهرِ تعجيلُ
فلا يغرنكَ ما منتْ وما وعدتْ ... إنَّ الأمانيَّ والأحلامَ تضليلُ
أمستْ سُعادُ بأرضٍ لا يبلغُها ... إلا العتاقُ النَّجيباتُ المراسيلُ
ولن يبلغها إلا عذافرةُ ... فيها على الأينِ إرقالٌ وتبغيلُ
منْ كلِّ نضاخةِ الذفرَى إذا عرقتْ ... عرضتُها طامسُ الأعلامِ مجهولُ
ترمي الغيوبَ بعيني مفردٍ لهقٍ ... إذا توقدَتِ الحزانُ والميلُ
ضخمٌ مقلدُها فعمٌ مقيدُها ... في خلقها عن بناتِ الفَحلِ تفضيلُ(1/1)
حرفٌ أخوها أبوها من مهجنَةٍ ... وعمُّها خالها قوداءُ شمليلُ
يمشي القرادَ عليها ثم يزلقُه ... منها لبانٌ وأقرابٌ زهاليلُ
عيرانةٌ قذفتْ باللحمِ عنْ عُرضٍ ... مرفقُها منْ بناتِ الزورِ مفتولُ
كأنّ ما فاتَ عينيها ومذبحها ... من خطمِها ومن اللحيينِ برطيلُ
تمرُّ مثلَ عسيبِ النخلِ ذا خصلٍ ... في غارزٍ لم تخونهُ الأحاليلُ
قنواءُ في حرتيها للبصير معاً ... عتقٌ مبينٌ وفي الآذان تآليلُ
تخدِي على يسراتٍ وهي لاحقةٌ ... ذوابلٌ وقعهنَّ الأرضَ تحليلُ
سمرُ العجاياتِ يتركنَ الحصا زيماً ... لم يقهنَّ رؤوسَ الأُكمِ تنعيلُ
يوماً تظلُّ حدَابُ الأرضِ يرفعها ... من اللوامعِ تخليطٌ وتزييلُ
يوماً يظلُّ به الحرباءُ مصطخِماً ... كأنّ ضاحيَه بالنَّارِ مملُولُ
كأنَّ أوْبَ ذراعيها إذا عرقتْ ... وقدْ تلفعَ بالقورِ العساقيلُ
وقالَ للقومِ حاديهم وقدْ جعلتْ ... ورقُ الجنادبِ يركضنَ الحصى قيلُوا
شدَّ النهارٍ ذراعا عيطلٍ نصفٍ ... قامتْ فجاوبَها نكدٌ مثاكيلُ
نواحةٌ رخوةُ الضبعيْنِ ليسَ لها ... لما نعى بكْرَها النّاعونَ معقولُ
تفري اللِّبَانَ بكفيها ومدرعُها ... مشققٌ عنْ تراقيها رعابيلُ
تسعى الوشاةُ بجنبَيْها وقولُهُم ... إنكَ يا بنَ أبي سلمَى لمقتولُ
وقالَ كلُّ خليلٍ كنتُ آملهُ ... لا ألهينكَ إني عنكَ مشغولُ
فقلتُ خَلُّوا سبيلي لا أبَا لكمُ ... فكلُّ ما قدَّر الرحمنُ مفعولُ
كلُّ ابنِ أنثَى وإنْ طالتْ سلامتهُ ... يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
أنبئتُ أن رسولَ اللهِ أوعدنِي ... والعفوُ عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلاً هداكَ الذي أعطاكَ نافلةَ ال ... قرآنِ فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
لا تأخذنّي بأقوالِ الوشاةِ ولمْ ... أذنبْ وإن كثرتْ في الأقاويلُ
لقدْ أقومُ بأمرٍ لوْ يقومُ بهِ ... أرَى وأسمَعُ ما لو يسمعُ الفيلُ
لظلَّ يرعدُ إلا أن يكون لهُ ... منَ الرسولِ بإذنِ اللهِ تنويلُ(1/2)
حتى وضعتُ يمنيي لا أنازعُهُ ... في كفِّ ذي نقماتٍ قيلُهُ قليلُ
لذاكَ أهيبُ عندِي إذْ أكلمهُ ... وقيلَ إنكَ منسوبٌ ومسؤولُ
منْ ضيغمٍ منْ ضراءِ الأُسدِ محذرهُ ... ببطنِ عثرَ غيلٌ دونهُ غيلُ
يغدو فيلحمُ ضرغامينِ عيشُهُما ... لحمٌ من القومِ معفُورٌ خراذيلُ
إذا يساورُ قرناً لا يحلُّ لهُ ... أنْ يتركَ القرنَ إلاَّ وهو مفلولُ
منه تظلُّ حميرُ الوحشِ ضامزةً ... ولا تمشي بواديهِ الأراجيلُ
ولا يزالُ بواديه أخو ثقةٍ ... مطرحُ البزِّ والدرسانِ مأكولُ
إنَّ الرسولَ لسيفٌ يستضاءُ به ... مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
في عصبةٍ من قريشٍ قالَ قائلهمْ ... ببطنِ مكةَ لمَّا أسلمُوا زولُوا
زالوا فما زالَ أنكاسٌ ولا كشفٌ ... عندَ اللقاءِ ولا ميلٌ معازيلُ
شمُّ العرانينِ أبطالٌ لبوسهمُ ... من نسجِ داوودَ في الهَيجا سرابيلُ
بيضٌ سوابغُ قد شكتْ لها حلقٌ ... كأنهُ خلقُ الفقعاء مجدولُ
يمشونَ مشيَ الجمالِ الزهرِ يعصمهم ... ضربٌ إذا عردَ السودُ التنابيلُ
لا يفرحونَ إذا نالتْ رماحهمُ ... قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلُوا
لا يقعُ الطعنُ إلاَّ في نحورهمِ ... وما لهمْ عنْ حياضِ الموتِ تهليلُ(1/3)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (6)
التوبة(1)
أبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَسْعُودِ التَّجِيبِيُّ الغِرْنَاطِيُّ الإلْبِيرِيُّ
العدد الأول
1/5/1414 هـ
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
[ مُقَدِّمَةٌ ]
هذه قصيدة قالها الفقيهُ الزَّاهدُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ مَسعُود الإلبيريّ , رحمه الله , يخاطب الشاعر فيها ويعاتب ويحاور مَنْ دعاه (أبا بكر) .
وكان هذا الرجل قد ذكر بعض معايب الشاعر , وبلغه ما قال . وقد جعل الشاعر هذا المُنطلق فرصة لبسط آرائه في العلم والتقوى والتوبة ونبذ الدنيا , وإشارةً إلى مقالة أبي بكر فيه , وتجاوزاً لها في الوقت نفسه .
واختلط الحديث بين توجيه أبي بكر هذا , والحديث عن النفس , من منطلق لوم الذات (من التحرّج المستمر) , وتضخيم الهفوات , وإعلان الخضوع المطلق لله تعالى .
بدأ الشاعر القصيدة بالكلام على غفلة الإنسان عما تصنعه آلة الزمن في بني آدم ( الأبيات 1ـ 5) , ودعا أبا بكر ـ والخطاب عام ـ إلى العلم النافع (الأبيات 6 ـ 10) , وبين منزلة العلم وحلاوته (الأبيات 11ـ19) , وأن الإنسان مسؤول عن علمه والعمل به , وعن جهله لوجهل (الأبيات 20 ـ 27) , وسفّه من يفضل المال ـ وما يلحق به ـ على العِلم (الأبيت 28 ـ 44) وهوّن شأن الدنيا (الأبيات 45 ـ 54) ؛ فهي عَرَض فانٍ ودعا إلى الجد ـ دون الهزل ـ وإلى التوبة والخضوع لله تعالى (الأبيات 55 ـ 60) , وتعجيل التوبة (الأبيات 61 ـ 65) , وجعل نفسه مثالاً يتحدث عنه (الأبيات 66 ـ 69) , وعاد إلى خطاب أبي بكر , وحذّر من الإخلاد إلى الدنيا , ومن نسيان الآخرة (الأبيات 70 ـ 81) , وإلى تذكر يوم الحساب (الأبيات 82 ـ 86) .
__________
(1) العنوان من هيئة التحرير .(1/1)
وخرج إلى اعتراف عام بالذنوب , وسرد لمعايب الإنسان المقصّر (الأبيات 97 ـ 99) , وإلى نصائح عامة أخلاقية , في الحذر من رفاق السّوء , وأهل الجهل , ودعا إلى إباء الضيم , وإلى الضرب في الأرض الواسعة سعياً وراء ذلك , بقية الأبيات .
يقول الشاعر الفقيه الزاهد في قصيدته وهي من البحر الوافر(1)
[ عدد الأبيات : 115 ]
تَفُتُّ فُؤَادَكَ الأَيَّامُ فَتَّا ... وَتَنْحِتُ جِسْمَكَ السَّاعَاتُ نَحْتَا
وَتَدْعُوكَ المْنَونُ دُعَاءَ صِدْقٍ ... أَلاَ يَا صَاحٍ: أَنْتَ أُرِيدُ أَنْتَا
أَرَاكَ تُحِبُّ عِرْساً ذَاتَ خِدْرٍ(2) ... أَبَتَّ طَلاَقَهَا الأَكْيَاسُ بَتَّا(3)
__________
(1) - قابلتها على طَبعَةُ (الْجَامِعِ لِلْمُتُونِ الْعِلمِيَّةِ) جَمعُ الشَّيخِ عَبدِ اللهِ الشَّمرَانِي (ط 1426 هـ ) وإن قلت : الأصل فالمراد طبعة مجلة الجكمة.
(2) في الأصل غَدرٍ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) العرْس : امرأة الرجل , وتقال أيضاً لرجل المرأة , فهما عرسان .
ويُقال : أبَتَّ الطلاقَ بتةً وإبتاتاً : أوقعه باتا . أمّا البتُّ , فمصدر الفعل بتّ ؛ يقال : بَتّ الطلاق , أي أوقعه ثلاثاً باتا . وفي نهج البلاغة بتحقيق الدكنور صبحي الصالحي رحمه الله : " يا دُنيا ! يا دُنيا ! إليك عني ؛ أَبِي تَعرّضتِ ؟ أم إليَّ تَشَوَّفْت ؟ لا حان حينُك ! هيهات ! غرّي غيري , لا حاجة لي فيك ؛ قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها ! " .(1/2)
تَنامُ الدَّهْرَ وَيْحَكَ فِي غَطِيطٍ ... بِهَا حَتَّى إِذَا مِتَّ انْتَبَهْتَا(1)
فَكَمْ ذَا أَنْتَ مَخْدُوعٌ وَحَتَّى ... مَتَى لاَ تَرْعَوِي عَنْهَا وَحَتَّى ؟(2)
" أَبَا بَكْرٍ" دَعَوْتُكَ لَوْ أَجَبْتَا ... إِلَى مَا فِيهِ حَظُّكَ لَوْ(3) عَقَلْتَا(4)
إِلَى عِلْمٍ تَكُونُ بِهِ إِمَاماً ... مُطَاعاً إِنْ نَهَيْتَ وَإِنَ أَمَرْتَا
وَيَجْلُو(5) مَا بِعَيْنِكَ مِنْ غِشَاهَا ... وَيَهْدِيكَ الطَّرِيقَ(6) إِذَا ضَلَلْتَا(7)
__________
(1) يُقال : غط النائم غطاً وغطيطاً أي : شخر وسُمع له غطيط . وفي " كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس " : 1/312 , عند ذكره الكلام المشهور : ( الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ) ما نصّه : " هو من قول علي بن أبي طالب ؛ لكن عزاه الشعراني في الطبقات لسهل التستري , ولفظه في ترجمته , ومن كلامه : الناس نيام , فإذا ماتوا انتبهوا , وإذا ماتوا ندموا , وإن ندموا لم تنفعهم ندامتهم " .
(2) يُقال : أرعوى عن كذا أي : كفّ وحَسُن رجوعه عنه .
(3) في الأصل إن و المُثبت من طبعة الشمراني.
(4) أبو بكر : كنية المخاطب المباشر في القصيدة , وقد نبّه إليه مرة أخرى في القصيدة (انظر البيت 87 وما قبله وما بعده) , وجعل الحديث إليه وسيلة لبسط آرائه ومواقفه , ولم نهتد إلى المخاطب بهذه الكنية في القصيدة . لم أهتد إليه يقيناً ؛ ولعله أبو بكر بن الحاج المخاطب بالقصيدة (31) من ديوان الشاعر . ويدل البيت هنا (89) هنا على أنّ أبا بكر قد هجاه .
(5) في الأصل تَجلو و المُثبت من طبعة الشمراني .
(6) في الأصل : ( وتهديكَ السَّبيل ) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(7) الغشا : ضعف البصر . ونذكر هنا بعض قصيدة أبي مروان عبدالملك بن إدريس الجزيريّ الأندلسي (يتيمة الدّهر 2/102) :
واعلم بأن العلم أرفع رتبةً
وأجلّ مكتسب وأسنى مفخر
فاسلك سبيل المقتنين له تسد
عن السيادة تقتنى بالدفتر
والعالم المدعوّ حبراً إنما
سمّاه باسم الحَبْرِ حَمْلُ المِحبرِ!
وقصيدة عبد الملك هذه من عيون شعر الحكمة .(1/3)
وَتَحْمِلُ مِنْهُ فِي نَادِيكَ تَاجاً ... وَيَكْسُوكَ الْجَمَالَ إِذَا عَرِيتَا(1)
يَنَالُكَ نَفْعُهُ مَا دُمْتَ حَياً ... وَيَبْقَى ذِكْرُهُ(2) لَكَ إِنْ ذَهَبْتَا
هُوَ الْعَضْبُ المُهَنَّدُ لَيْسَ يَنْبُو ... تُصِيبُ بِهِ مَقَاتِلَ مَنْ ضَرَبتا(3)
وَكَنْزٌ لاَ تَخَافُ عَلَيْهِ لِصّاً ... خَفِيفَ الْحَمْلِ يُوجَدُ حَيْثُ كُنتَا
يَزِيدُ بِكَثْرَةِ الإِنْفَاقِ مِنْهُ ... وَيَنْقُصُ إِنْ بِهِ كَفّاً شَدَدْتَا(4)
فَلَوْ قَدْ ذُقْتَ مِنْ حَلْوَاهُ طَعْماً ... لآثَرْتَ التَّعَلُّمَ وَاجْتَهَدْتَا
وَلَمْ يَشْغَلْكَ عَنْهُ هَوىً مُطَاعٌ ... وَلاَ دُنْيَا بِزُخْرُفِهَا فُتِنْتَا
وَلاَ أَلْهَاكَ عَنْهُ أَنِيقُ رَوْضٍ ... و لا خِدرٌ برَبرَبه كَلفُتا(5)
فَقُوتُ الرُّوْحِ أَرْوَاحُ الْمَعَانِي ... وَلَيْسَ بِأَنْ طَعِمْتَ وَلاَ شَرِبْتَا
__________
(1) في الأصل اغتَرَبْتا و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل ذُخرهُ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) العَضْب : السيف القاطع , والمهنّد : السيف ؛ وأصل معناه من هَنّد السيف ؛ أي شحذه , أو هو منسوب إلى الهند ( المصنوع من حديد الهند ) . و في طبعة الشمراني أَرَدْتَا .
(4) في الأصل (أن) , والشرط في الجملة عندي مقبول .
(5) الخِدر (بالكسر) : ستر يُمدُّ للجارية في البيت ؛ وكلُّ ما وراك من بيت ونحوه .
والرَّبرب : القطيع من بقر الوحش . شبه النساء الجميلات بالبقر الوحشية وفي طبعة الشمراني الشطر الثاني (وَلاَ دُنْيَا بِزِينَتِهَا كَلِفْتَا).(1/4)
فَوَاظِبْهُ وَخُذْ بِالْجِدِّ فِيهِ ... فَإِنْ أَعْطَاكَهُ اللهُ انتَفَعْتَا(1)
وَإِنْ أُعْطِيتَ(2) فِيهِ طَوِيلَ بَاعٍ ... وَقَالَ النَّاسُ : إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَا(3)
فَلاَ تَأْمَنْ سُؤَالَ اللهِ عَنْهُ ... بِتَوْبِيخٍ : عَلِمْتَ ؛ فَهَلْ عَمِلْتَا؟(4)
فَرَأْسُ الْعِلْمِ تَقْوَى اللهِ حَقّاً ... وَلَيْسَ بِأَنْ يُقَالَ : لَقَدْ رَأَسْتَا(5)
__________
(1) الأصل : أن يتعدى الفعل بوساطة حرف الجر تقول : وظب على الأمر , وواظب عليه , وقول الشاعر : (فَوَاظِبْهُ) أي : تعدية الفعل إلى المفعول مباشرة لم يردْ في كتب اللغة ؛ ولا أعرفه في آثار الأدباء وفي الأصل (فَإِنْ أَعْطَاكَهُ اللهُ أخَذتا) والمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل أوتيت و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) في الأصل سَبقتا و المُثبت من طبعة الشمراني .
(4) في كشف الخفا : " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : شبابه فيما أبلاه , وعن عمره فيما أفناه , وعن ماله من أين اكتسبه , وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل به " رواه الطبراني , ورواه الترمذي : 2/378 , وفي سنن الدارمي 1/82 , عن أبي كبشة السّلولي قال : سمعت أباد الدرداء يقول : " إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالمٌ لا يُنتفعُ بعلمه " .
(5) في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : " رأس الحكمة مخافة الله تعالى " الفتح الكبير : 2/122 .(1/5)
وَأَفْضَلُ ثَوْبِكَ الإِحْسَانُ لَكِنْ(1) ... نَرَى(2) ثَوْبَ الإِسَاءَةِ قَدْ لَبِسْتَا(3)
إِذَا مَا لَمْ يُفِدْكَ الْعِلْمُ خَيْراً ... فَخَيْرٌ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَدْ جَهِلْتَا(4)
وَإِنْ أَلْقَاكَ فَهْمُكَ فِي مَهَاوٍ ... فَلَيْتَكَ ثُمَّ لَيْتَكَ مَا فَهِمْتَا
سَتَجْنِي مِنْ ثِمَارِ الْعَجْزِ جَهْلاً ... وَتَصْغُرُ فِي الْعُيُونِ إِذَا كَبِرْتَا
وَتُفْقَدُ إِنْ جَهِلْتَ وَأَنْتَ بَاقٍ ... وَتُوجَدُ إِنْ عَلِمْتَ وَلَوْ فُقِدْتَا
وَتَذْكُرُ قَوْلَتِي لَكَ بَعْدَ حِينٍ ... إِذَا حقّاً بِهَا يَوْماً عَمِلْتَا(5)
وَإِنْ أَهْمَلْتَهَا وَنَبَذْتَ نُصْحاً ... وَمِلتَ إِلَى حُطَامٍ قَدْ جَمَعْتَا(6)
فَسَوْفَ(7) تَعَضُّ مِنْ نَدَمٍ عَلَيْهَا ... وَمَا تُغْنِي النَّدَامَةُ إِنْ نَدِمْتَا
إِذَا أَبْصَرْتَ صَحْبَكَ فِي سَمَاءٍ(8) ... قَدِ ارْتَفَعُوا عَلَيْكَ وَقَدْ سَفُلْتَا
__________
(1) في الأصل (وضَافي ثَوْبِكَ الإِحْسَانُ لا أن) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل (ترى) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي قال : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " رواه مسلم .
(4) في الدعاء المشهور : " إنِّي أعوذ بك من علم لا ينفع " , وفيه " سلوا الله علماً نافعاً " , و " اللهم إني اسألك علماً نافعاً " .
(5) في الأصل (وتَغبْطها إذا عنها شُغلتا) و المُثبت من طبعة الشمراني.
(6) هذا البيت ساقط في الأصل .
(7) في الأصل لسَوْفَ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(8) أي في منزلة عالية , (مادياً ومعنوياً) .(1/6)
فَرَاجِعْهَا وَدَعْ عَنْكَ الْهُوَيْنَى(1) ... فَمَا بِالْبُطْءِ تُدْرِكُ مَا طَلَبْتَا
وَلاَ تَخْتََلْ(2) بِمَالِكَ وَالْهُ عَنْهُ ... فَلَيْسَ الْمَالُ إِلاَّ مَا عَلِمْتَا(3)
وَلَيْسَ لِجَاهِلٍ فِي النَّاسِ مُغْنٍ(4) ... وَلَو مُلْكُ الْعِرَاقِ لَهُ تَأَتَّى(5)
سَيَنْطِقُ عَنْكَ عِلْمُكَ فِي مَلاءٍ(6) ... وَيُكْتَبُ عَنْكَ يَوْماً إِنْ كَتَمْتَا
وَمَا يُغْنِيكَ تَشْيِيدُ الْمَبَانِي ... إِذَا بِالْجَهْلِ نَفْسَكَ قَدْ هَدَمْتَا
جَعَلْتَ المَالَ فَوْقَ الْعِلْمِ جَهْلاً ... لَعَمْرُكَ فِي الْقَضِيَّةِ مَا عَدَلْتَا(7)
__________
(1) الهوينى : التؤدة والرفق والسكينة والوقار .
(2) ينبه الشاعر السامع والقارئ على ما في القرآن الكريم من صفة المال في بعض الآيات التي ورد فيها ذكر المال ؛ قال تعالى في سورة الأنفال : ? وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ? [ الأنفال : 28] وفي سورة سبأ : ? وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ? [ سبأ : 37] وفي سورة المنافقون : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّه ِ? [ المنافقون : 9] .
(3) في الأصل (ولا تحفلْ بمالك) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(4) في الأصل (مَعْنىً) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(5) ضرب المثل بـ (ملك العراقين) لما هو واسعٌ كثير من السلطة والملك , ومنه قول أبي الطيب :
وغيرُ كثير أن يزورك راجلٌ
فيرجع ملكاً للعراقيين والياً !
(6) في الأصل (نَديِّ) و المُثبت من طبعة الشمراني والنَّديَّ والنادي : مجتمع القوم .
(7) لَعَمْرُكَ) : لفظ مُشْكِل , والأولى تركه , وانظر : " معجم المناهي اللفظية " (ص 964 ـ 174) أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 630) .(1/7)
وَبَيْنَهُمَا بِنَصِّ الْوَحْيِ بَوْنٌ ... سَتَعْلَمُهُ إِذَا " طَه " قَرَأْتَا(1)
لَئِنْ رَفَعَ الْغَنِيُّ لِوَاءَ مَالٍ ... لأَنْتَ لِوَاءَ عِلْمِكَ قَدْ رَفَعْتَا
لَئِنْ(2) جَلَسَ الْغَنِيُّ عَلَى الْحَشَايَا ... لأَنْتَ عَلَى الكَوَاكِبِ قَدْ جَلَسْتَا(3)
وَإِنْ رَكِبَ الْجِيَادَ مُسَوَّمَاتٍ(4) ... لأَنْتَ مَنَاهِجَ التَّقْوَى رَكِبْتَا
وَمَهْمَا افْتَضَّ أَبْكَارَ الْغَوَانِي ... فَكَمْ بِكْرٍ مِنَ الحِكَمِ افْتَضَضْتَا ؟(5)
وَلَيْسَ يَضُرُّكَ الإِقْتَارُ(6) شَيْئاً ... إِذَا مَا أَنْتَ رَبَّكَ قََدْ عَرَفْتَا
فَمَاذَا عِنْدَهُ لَكَ مِنْ جَمِيلٍ ... إِذَا بِفِنَاءِ طَاعَتِهِ أَنَخْتَا(7)
فَقَابِلْ بِالْقَبُولِ لِنُصْحِ قَوْلِي(8) ... فَإِنْ أَعْرَضْتَ عَنْهُ فَقَدْ خَسِرْتَا
__________
(1) قال البلوي (ألف باء : 1/13) معلقاً على إشارة البيت : يريد قوله تعالى ? وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ? [ طه : 114].
(2) في الأصل (وإنْ) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) الحشايا : جمع الحشية , وهي الفراش المحشو , وهو ـ كما في متن اللغة ـ المعروف في الشام بالطرّاحة وما تزال الكلمة حيّة في ديار الشام . والبيت في معنى : رُتبةُ العلم أعلى الرتب.
(4) سوّم الفرس : أَعلمه بسومة , والسّومة : السمة والعلامة .
(5) هذه المقارنة غير جيدة ؛ إذ فض بكارة المرأة متيسرة لكل أحد , بخلاف معرفة الحكمة فضلاَ عمن ابتدرها (التحرير) .
(6) الإقتار : مصدر أْتَر الرجل : أي قلَّ ماله وضاق عيشه .
(7) استعمل (ماذا) بدلاً من (كم ذا) لأن المعنى : إذا لزمت طاعة الله سبحانه وتعالى , ظفرت بكثير مما أعدَّ الله لعباده من أهل الطاعة . وكلمة (جميل) صفة لموضوف محذوف مقدّر .
(8) في الأصل (صحيح نصحي) و المُبت من طبعة الشمراني .(1/8)
وَإِنْ رَاعَيْتَهُ قَوْلاً وَفِعْلاً ... وَتَاجَرْتَ الإِلَهَ بِهِ رَبحْتَا(1)
فَلَيْسَتْ هَذِهِ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ ... تَسْوؤُكَ حِقْبَةً وَتَسُرُّ وَقْتَا
وَغَايَتُهَا إِذَا فَكَّرْتَ فِيهَا ... كَفَيْئِكَ(2) أَوْ كَحُلْمِكَ إِذْ حَلَمْتَا(3)
سُجِنْتَ بِهَا وَأَنْتَ لَهَا مُحِبٌّ ... فَكَيْفَ تُحِبُّ مَا فِيهِ(4) سُجِنْتَا ؟(5)
وَتُطْعِمُكَ الطَّعَامَ وَعَنْ قَرِيبٍ ... سَتَطْعَمُ مِنْكَ مَا فِيهَا طَعِمْتَا
وَتَعْرَى إِنْ لَبِسْتَ بِهَا ثِيَاباً ... وَتُكْسَى إِنْ مَلاَبِسَهَا خَلعْتَا
__________
(1) في سورة فاطر : ? إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ? [ فاطر : 29]. وفي سورة الصف : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [ الصف : 10 ,11 ] والمراد بالمتاجرة في الآيتين الكريمتين المعنى المجازي , و " التجارة " ترد للعمل يترتب عليه خيرٌ أو شر .
(2) الفيء ـ هنا ـ ما كان شمساً فينسخه الظل .
(3) قوله : (حَلَمْتَا) ؛ كذا بفتح اللام : من الحُلُم وضُبِطَتْ في نسخة : (حَلُمْتَا) بالضم أي سرت حليماً وهذا غير مراد من الشاعر أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 631) .
(4) يجب إشباع هاء " فيه " ليستقيم وزن البيت أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 631) .
(5) في الحديث : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ " رواه مسلم وغيره .(1/9)
وَتَشْهَدُ كُلَّ يَوْمٍ دَفْنَ خِلٍّ ... كَأَنَّكَ لاَ تُرَادُ لِمَا(1) شَهِدْتَا
وَلَمْ تُخْلَقْ لِتَعْمُرَهَا وَلاكِنْ ... لِتَعْبُرَهَا فَجِدَّ لِمَا خُلِقْتَا(2)
وَإِنْ هُدِمَتْ فَزِدْهَا أَنْتَ هَدْماً ... وَحَصِّنْ أَمْرَ دِينِكَ مَا اسْتَطَعْتَا(3)
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا ... إِذَا مَا أَنْتَ فِي أُخْرَاكَ فُزْتَا(4)
فَلَيْسَ بِنَافِعٍ مَا نِلْتَ مِنْهَا ... مِنَ الْفَانِي إِذَا الْبَاقِي حُرِمْتَا
__________
(1) في الأصل (بما) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ : " مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ , ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وفي مسند الإمام أحمد : أنَّ عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى " .
(3) معنى البيت فيه نظر , إذ إنَّ الله تعالى سخر للإنسان ما في الأرض جميعاً , وأمر بطاعته ولم يأمر بهدم ما سخر و لا بزيادة الهدم , ولكن الله تعالى نهى عن الركون إلى الدنيا بأشكالها (التحرير) .
(4) راجع ما في التنزيل الحكيم (الحديد الآيات 22 ـ 23).(1/10)
وَلاَ تَضْحَكْ مَعَ السُّفَهَاءِ يَوْماً(1) ... فَإِنْكَ سَوْفَ تَبْكِي إِنْ ضَحِكْتَا(2)
وَمَنْ(3) لَكَ بِالسُّرُورِ وَأَنْتَ رَهْنٌ ... وَمَا(4) تَدْرِي أَتُفْدَى أَمْ غُلِلْتَا ؟
وَسَلْ مِنْ رَبِّكَ التَّوْفِيقَ فِيهَا ... وَأَخْلِصْ فِي السُّؤَالِ إِذَا سَأَلْتَا
وَنَادِ إِذَا سَجَدْتَ لَهُ اعْتِرَافاً ... بِمَا نَادَاهُ ذُو النُّونِ ابْنُ مَتَّى(5)
وَلاَزِمْ بَابَهُ قَرْعاً عَسَاهُ ... سَيَفْتَحُ بَابَهُ لَكَ إِنْ قَرَعْتَا
وَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي الأَرْضِ دَأْباً ... لِتُذْكَرَ فِي السَّمَاءِ إِذَا ذَكَرْتَا(6)
__________
(1) في الأصل (لهواً) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في سورة التوبة : ? فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ? [ التوبة : 82].
(3) في الأصل (وكيف) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(4) في الأصل (ولا) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) قال تعالى في سورة الأنبياء : ? وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ? [ الأنبياء: 87 ـ 88] قال القرطبي في تفسيره : 11/329 : ذون النون لقب يونس بن متّى (عليه السلام) ولقب بذلك لابتلاع النون إياه والنون : الحوت .
(6) في التنزيل الحكيم : ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون ?ِ [ البقرة : 152]. .(1/11)
وَلاَ تَقُلِ الصِّبَا فِيهِ امْتِهَالٌ(1) ... وَفَكِّرْ كَمْ صَغِيرٍ قَدْ دَفَنْتَا(2)
وَقُلْ : يَا نَاصِحِي(3) بَلْ أَنْتَ أَوْلَى ... بِنُصْحِكَ لَوْ لِفِعْلِكَ(4) قَدْ نَظَرْتَا
تُقَطِّعُنِي عَلَى التَّفْرِيطِ لَوْماً ... وَبِالتَّفْرِيطِ دَهْرَكَ قَدْ قَطَعْتَا(5)
وَفِي صِغَرِي تُخَوِّفُنِي الْمَنَايَا ... وَمَا تَدْرِي بِحَالِكَ حَيْثُ شِخْتَا(6)
وَكُنْتَ مَعَ الصِّبَا أَهْدَى سَبِيلاً ... فَمَا لَكَ بَعْدَ شَيْبِكَ قَدْ نَكَثْتَا(7)
وَهَا أَناَ لَمْ أَخُضْ بَحْرَ الْخَطَايَا
ج ... كَمَا قَدْ خُضْتَهُ حَتَّى غَرِقْتَا
__________
(1) في الأصل (مَجالٌ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في كشف الخفا : 1/148 : " اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك , ، وصحتك قبل سقمك , ، وفراغك قبل شغلك ، و شبابك قبل هرمك , وغناءك قبل فقرك " رواه الحاكم , وصححه البيهقي عن ابن عباس . قال قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه .
(3) في الأصل (نَصيحُ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلق في الهامش بقوله : هو ناصح ونصيح ؛ من الفعل نصح ؛ يقال : نصَحه ونصح له .
(4) في الأصل (بعقلك) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) فرّط في الشيء : ضيعه وقدّم العجز فيه , وقصَّر.
(6) في الأصل (وما تَجْري بِبِالك حين شِخْتَا) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) في الأصل (نُكستا) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : نُكس المريض : إذا عاودته العلة بعد النَّقه , ونكس على رأسه : رجع عمّا عرفه وفي التنزيل العزيز في ذكر قوم إبراهيم ? ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ? [ الأنبياء : 65].(1/12)
وَ لَمْ أَشْرَبْ حمَُيَّا أُمِّ دَفْرٍ(1) ... وَأَنْتَ شَرِبْتَهَا حَتَّى سَكِرْتَا
وَ لَمْ أَنْشَأْ بِعَصْرٍ فِيهِ نَفْعٌ ... وَأَنْتَ نَشَأْتَ فِيهِ وَمَا انْتَفَعْتَا(2)
وَ لَمْ أَحْلُلْ بِوَادٍ فِيهِ ظُلْمٌ ... وَأَنْتَ حَلَلْتَ فِيهِ وَانْتَهَكْتَا(3)
لَقَدْ(4) صَاحَبْتَ أَعْلاَماً كِبَاراً ... وَلَمْ أَرَكَ اقْتَدَيْتَ بِمَنْ صَحِبْتَا
وَنَادَاكَ " الْكِتَابُ " فَلَمْ تُجِبْهُ ... وَنَبَّهَكَ(5) الْمَشِيبُ فَمَا انتَبَهْتَا
وَيَقْبُحُ(6) بِالْفَتَى فِعْلُ التَّصَابِي ... وَأَقْبَحُ مِنْهُ شَيْخٌ قَدْ تَفَتَّى(7)
وَنَفْسَكَ ذُمَّ لاَ تَذْمُمْ سِوَاهَا ... لِعَيْبٍ(8) فَهْيَ أَجْدَرُ مَنْ ذَمَمْتَا
وَأَنْتَ أَحَقُّ بِالتَّفْنِيدِ(9) مِنِّي ... وَلَوْ كُنْتَ اللَّبِيبَ(10) لَمَا نَطَقْتَا
وَلَوْ بَكَتِ الدِّمَا عَيْنَاكَ خَوْفاً ... لِذَنْبِكَ لَمْ أَقُلْ لَكَ قَدْ أَمِنْتَا
__________
(1) أمُّ دَفْرٍ : كنية الدنيا (انظر ثمار القلوب في المضاف والمنسوب:257) والحميا من الكأس : سورتها وشدتها , أو إسكارها , أو أخذها بالرأس .
(2) ذُكِرَ هذا البيت في الأصل بعد البيت الذي يليه .
(3) في الأصل (انهَملتا) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : أصل معنى همل (الدمع) وانهمل : انصبّ , وانهملت العين : فاضت .
(4) في الأصل (وقد) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في الأصل (نهنهَكَ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : نهنه عن الأمر : كفّه وزجره .
(6) في الأصل (ليَقْبحُ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) شَيْخٌ قَدْ تَفَتَّى) : سلك سبيل الفتيان .
(8) في الأصل (بِعَيْبٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(9) فنده تفنيداً : كذبه , وعجّزه , وخطأ رأيه.
(10) في الأصل (ولو سكتَ المُسيء) و الُمثبت من طبعة الشمراني.(1/13)
وَمَنْ لَكَ بِالأَمَانِ وَأَنْتَ عَبْدٌ ... أُمِرْتَ فَمَا ائْتَمَرْتَ وَلاَ أَطَعْتَا
ثَقُلْتَ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَسْتَ تَخْشَى ... لِجَهْلِكَ أَنْ تَخِفَّ إِذَا وُزِنْتَا(1)
ج
وَتُشْفِقُ(2) لِلْمُصِرِّ عَلَى المَعَاصِي ... وَتَرْحَمُهُ وَنَفْسَكَ مَا رَحِمْتَا
رَجَعْتَ الْقَهْقَرَى وَخَبَطْتَ عَشْوَا(3) ... لَعَمْرُكَ(4) لَوْ وَصَلْتَ لما رَجَعْتَا
وَلَوْ وَافَيْتَ رَبَّكَ دُونَ ذَنْبٍ ... وَنُوقِشْتَ(5) الْحِسَابَ إِذاً هَلَكْتَا
وَلَمْ يَظْلِمْكَ فِي عَمَلٍ وَلاكِنْ ... عَسِيرٌ أَنْ تَقُومَ بِمَا حَمَلْتَا
__________
(1) في التنزيل العزيز : القارعة : ? فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ? [ القارعة : 6ـ9].
(2) في الأساس : أشفقت عليه أن يناله مكروه , وأنا مشفق عليه من هذا الأمر.
(3) رجع القهقرى : إلى الوراء , وخبط عشواء : مثلٌ , وأصله من خبط الناقة التي ضعف بصرها , فهي لا تميز أين تمضي , وماذا تصيب في طريقها .
(4) سبق التنبيه على " لعمرك" في البيت رقم : (36) .
(5) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله " : - صلى الله عليه وسلم - مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
? فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ? فَقَالَ : " لَيْسَ ذَاكِ الْحِسَابُ إِنَّمَا ذَاكِ الْعَرْضُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ " .(1/14)
وَلَوْ قَدْ جِئْتَ يَوْمَ الْحَشْرِ(1) فَرْداً ... وَأَبْصَرْتَ الْمَنَازِلَ فِيهِ شَتَّى(2)
لأَعْظَمْتَ النَّدَامَةَ فِيهِ لَهْفاً ... عَلَى مَا فِي حَيَاتِكَ قَدْ أَضَعْتَا(3)
تَفِرُّ مِنْ الْهَجِيرِ(4) وَتَتَّقِيهِ ... فَهَلاَّ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا
وَلَسْتَ تُطِيقُ أَهْوَنَهَا عَذَاباً ... وَلَوْ كُنْتَ الْحَدِيدَ بِهَا لَذُبْتَا(5)
وَلاَ تُنْكِرْ(6) فَإِنَّ الأَمْرَ جِدُّ ... وَلَيْسَ كَمَا حَسِبْتَ(7) وَلاَ ظَنَنْتَا
" أَبَا بَكْرٍ " كَشَفْتَ أَقَلَّ عَيْبِي ... وَأَكْثَرَهُ وَمُعْظَمَهُ سَتَرْتَا
__________
(1) في الأصل (الفصل) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(2) في سورة مريم : ? إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ? [ مريم : 93 ـ 95 ]
(3) في التنزيل الحكيم : ?وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ? [ الزمر : 55 ـ 56 ] .
(4) الهجير : نصف النهار , في القيظ خاصة ( أي في عزّ الصيف ) .
(5) عن ابن عباس - رضي الله عنه - من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ " صحيح مسلم برقم (313).
(6) في الأصل (فلا تكذب) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(7) في الأصل (احتسبت) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : واحتسبه : ظنه .(1/15)
فَقُلْ مَا شِئْتَ فِيَّ مِنَ الْمَخَازِي ... وَضَاعِفْهَا فَإِنَّكَ قَدْ صَدَقْتَا
وَمَهْمَا عِبْتَنِي فَلِفَرْطِ عِلْمِي ... بِبَاطِنِهِ(1) كَأَنَّكَ قَدْ مَدَحْتَا
فَلاَ تَرْضَ الْمَعَايِبَ فَهُو(2)َ عَارٌ ... عَظِيمٌ يُورِثُ الْمَحْبُوبَ(3) مَقْتَا(4)
وَيَهْوِي بِالْوَجِيهِ(5) مِنَ الثُّرَيَّا ... وَيُبْدِلُهُ مَكَانَ الْفَوْقِ تَحْتَا
كَمَا الطَّاعَاتُ تُبْدِلُكَ الدَّرَارِي(6) ... وَتَجْعَلُكَ الْقَرِيبَ وَإِنْ بَعُدْتَا
وَتَنْشُرُ عَنْكَ فِي الدُّنْيَا جَمِيلاً ... وَتَلْقَى البِرَّ فِيهَا حَيْثُ شِئْتَا
وَتَمْشِي فِي مَنَاكِبِهَا عَزِيزاً(7) ... وَتَجْنِي الْحَمْدَ فِيمَا قَدْ غَرَسْتَا
وَأَنْتَ الآنَ لَمْ تُعْرَفْ بِعَيْبٍ(8) ... وَلاَ دَنَّسْتَ ثَوْبَكَ مُذْ نَشَأْتَا
وَلاَ سَابَقْتَ فِي مَيْدَانِ زُورٍ ... وَلاَ أَوْضَعْتَ فِيهِ وَلاَ خَبَبْتَا(9)
فَإِنْ لَمْ تَنْأَ عَنْهُ نَشِبْتَ فِيهِ ... وَمَنْ لَكَ بِالْخَلاَصِ إِذَا نَشِبْتَا(10)
__________
(1) في الأصل (بباطنتي) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : الباطنة من الرجل : سريرته.
(2) في الأصل (فهي) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(3) في الأصل (الإنسان) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(4) يقال : مقته مقتاً أي : أبغضه أشد البغض , وكرهه لقبيح ركبه , وقد وردت الكلمة في أكثر من موضع في القرآن الكريم .
(5) الوجيه : ذو الجاه والقدر .
(6) أي تجعل الدراري (النجوم) كالنعل لك (على سبيل المبالغة وضرب المثل) .
(7) في الأصل (كريماً) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(8) في الأصل (بعابٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهمش بقوله : العاب : الوصمة.
(9) الخَبب : ضرب من العدو , وأوضعت الناقة في سيرها : أشرعت .
(10) نشب في الأمر : وقع فيما لا مَخلص له منه.(1/16)
تُدَنِّسُ(1) مَا تَطَهَّرَ مِنْكَ حَتَّى ... كَأَنَّكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا طَهُرْتَا
وَصِرْتَ أَسِيرَ ذَنْبِكَ فِي وَثَاقٍ ... وَكَيْفَ لَكَ الْفِكَاكُ وَقَدْ أُسِرْتَا
فَخِفْ أَبْنَاءَ جِنْسِكَ وَاخْشَ مِنْهُم ... كَمَا تَخْشَى الضَّرَاغِمَ وَالسَّبَنْتَى(2)
وَخَالِطْهُمْ وَزاَيِلْهُم(3) حِذَاراً ... وَكُنْ كَـ "السَّامِرِيِّ " إِذَا لُمِسْتَا(4)
وَإِنْ جَهِلُوا عَلَيْكَ فَقُلْ : سَلاَمٌ(5) ... لَعَلَّكَ سَوْفَ تَسْلَمُ إِنْ فَعَلْتَا
__________
(1) في الأصل (ودَنّّسَ) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(2) في هامش الأصل المخطوط : الضراغم : الأسود . السبتى : النّمر.
(3) زايلهم : فارقهم .
(4) كان السامري عظيماً في بني إسرائيل , قيل : هو منهم , وقيل : دخل فيهم , دعاهم إلى الضلالة وعبادة العجل . قال الحسن : جعل الله عقوبة السامري ألا يماس الناس ولا يماسّوه ؛ عقوبة له ولمن كان منه إلى يوم القيامة . وكأن الله عز وجل شدد عليه المحنة بأنْ جعله لا يماس أحداً , ولا يمكن من أن يمسه أحد .
ـ راجع تفسير القرطبي لخبر السامري : 11/232 , وما بعدها وفي التنزيل الحكيم في سورة طه : ? قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا? [ طه : 97].
(5) في التنزيل الحكيم : ? وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ? [ الفرقان : 63].(1/17)
وَمَنْ لَكَ بِالسَّلاَمَةِ فِي زَمَانٍ ... تَنالُ الْعِصْمَ(1) إِلاَّ إِنْ عُصِمْتَا
ج
وَلاَ تَلْبَثْ بِحَيٍّ فِيهِ ضَيْمٌ ... يُمِيتُ الْقَلْبَ إِلاَّ إِنْ كُبِلْتَا(2)
وَغَرِّبْ فَالتَّغَرُّبُ فِيهِ خَيْرٌ(3) ... وَشَرِّقْ إِنْ بِريِقِكَ قَدْ شَرِقْتَا(4)
فَلَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا خُمُولاً ... لأَنْتَ بِهَا الأَمِيرُ إِذَا زَهِدْتَا (5)
وَلَوْ فَوْقَ الأَمِيرِ تَكُونُ فِيهَا ... سُمُّواً وَارْتِفَاعاً(6) كُنْتَ أَنْتَا
فَإِنْ فَارَقْتَهَا(7) وَخَرَجْتَ مِنْهَا ... إِلَى " دَارِ السَّلاَمِ " فَقَدْ سَلِمْتَا
وَإِنْ أَكْرَمْتَهَا وَنَظَرْتَ فِيهَا ... لإِكْرَامٍ(8) فَنَفْسَكَ قَدْ أَهَنْتَا
جَمَعْتُ لَكَ النَّصَائِحَ فَامْتَثِلْهَا ... حَيَاتَكَ فَهْيَ أَفْضَلُ مَا امْتَثلْتَا(9)
__________
(1) في الأصل (العُصْمَ) بالضم و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : العُصْمَ (بالضم) جمع أعصم , وهو من الظباء والوعول ما في ذراعيه أو إحداهما بياض , وسائره أسود أو أحمر وأراد مُطق الوعول ؛ لأنها تسكن الجبال .
(2) وفي شعر المتلمس (ديوانه : 196) ويجري مجرى المثل :
ولا يقيمُ على ضيم يُسام به
إلا الأذلان عيرُ الحي والوتد
هذا على الخسفِ مربوط برُمته
وذا يُشجّ فلا يرثي له أحدُ
(3) في الأصل (فالغَريبُ لهُ نَفاقٌ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(4) قوله : غرّب وشرّق : أي سرْ في الأرض , وتحول عن مواطن الضيم .
(5) هذا البيت ساقط في الأصل .
(6) في الأصل (افتخاراً) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) في الأصل (فرّّقْتها) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : في الأصل المخطوط فرّّقْتها وأقرؤها بالألف (فارقتها) لمناسبة المعنى الظاهر .
(8) في الأصل (بإجلالٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(9) امتثل الطريقة : اتبعها فلم يَعْدُها , (لم يتجاوزها) .(1/18)
وَطَوَّلْتُ الْعِتَابَ وَزِدْتُ فِيهِ ... لأَنَّكَ فِي الْبَطَالَةِ قَدْ أَطَلْتَا
وَلاَ يَغْرُرْكَ تَقْصِيرِي وَسَهْوِي ... وَخُذْ بِوَصِيَّتِي لَكَ إِنْ رَشَدْتَا
وَقَدْ أَرْدَفْتُهَا تِسْعاً(1) حِسَاناً ... وَكَانَتْ قَبْلَ ذَا مِائَةً وَسِتَّا
وَصَلِّ عَلَى تَمَامِ الرُّسْلِ رَبِّي ... وَعِتْرَتِهِ الْكَرِيمَةِ مَا ذُكِرْتَا(2)
__________
(1) في الأصل (ستّاً) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : الإشارة إلى عدد أبيات القصيدة . فهي 112 بيتاً كانت في الأصل 106 وزاد فيها 6 أبيات قلتُ (أبومهند النجدي) : هذا في طبعة الحكمة أما في طبعة الشمراني فعدد الأبيات 115 وزاد فيها 9 أبيات.
(2) هذا البيت ساقط في الأصل .(1/19)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد والهداية والرشاد والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الذي أرسله الله خير قدوة للعباد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان واسترشاد
وبعد فهذه قصيدة ناصحة حكيمة للأديب الأريب الشاعر الناثر اللبيب أبي الفتح علي بن محمد بن الحسين البستي المتوفى سنة 400 رحمه الله تعالى اعتنيت بإخراجها ونشرها رجاء انتفاع الطلبة والناشئة بها فإنها من خير ما يحفظه الآباء للأبناء والمعلم للمتعلم لوضوح معانيها وجزالة ألفاظها واستقلال أبياتها حتى صار كل بيت منها مثلا بذاته
ترجمت لمؤلفها واكتفيت بضبطها والتعليق عليها بإيجاز فيما لمحت فيه الغموض في بعض المواضع منها وأرجو من الله تعالى أن ينفع بها كل قارئ ومسترشد وهو ولي التوفيق والحمد الله رب العالمين (1/5)
قصيدة عنوان الحكم للشاعر الأديب أبي الفتح البستي (1/34)
1 - زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير خسران
2 - وكل وجدان حظ لاثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان
3 - يا عامرا لخراب الدار مجتهدا ... بالله هل لخراب العمر عمران
4 - ويا حريصا على الأموال تجمعها ... أنسيت أن سرور المال أحزان
5 - زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها ... فصفوها كدر والوصل هجران
6 - وأرع سمعك أمثالا أفصلها ... كما يفصل ياقوت ومرجان (1/35)
7 - أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان
8 - يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... أتطلب الربح فيما فيه خسران
9 - أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
10 - وإن أساء مسيء فليكن لك في ... عروض زلته صفح وغفران
11 - وكن على الدهر معوانا لذى أمل ... يرجو نداك فإن الحر معوان
12 - واشدد يديك بحبل الله معتصما ... فإنه الركن إن خانتك أركان
13 - من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
14 - من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان
15 - من كان للخير مناعا فليس له ... على الحقيقة إخوان وأخدان
16 - من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... إليه والمال للإنسان فتان
17 - من سالم الناس يسلم من غوائلهم ... وعاش وهو قرير العين جذلان (1/36)
18 - من كان للعقل سلطان عليه غدا ... وما على نفسه للحرص سلطان
19 - من مد طرفا لفرط الجهل نحو هدى ... أغضى على الحق يوما وهو خزيان
20 - من عاشر الناس لاقى منهم نصبا ... لأن سوسهم بغى وعدوان
21 - ومن يفتش عن الإخوان يقلهم ... فجل إخوان هذا العصر خوان
22 - من استشار صروف الدهر قام له ... على حقيقة طبع الدهر برهان
23 - من يزرع الشر يحصد في عواقبه ... ندامة ولحصد الزرع إبان
24 - من استنام إلى الأشرار نام وفي ... قميصه منهم صل وثعبان
25 - كن ريق البشر إن الحر همته ... صحيفة وعليها البشر عنوان (1/37)
26 - ورافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم رفيق ولم يذممه إنسان
27 - ولا يغرنك حظ جره خرق ... فالخرق هدم ورفق المرء بنيان
28 - أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ... فلن يدوم على الإحسان إمكان
29 - فالروض يزدان بالأنوار فاغمة ... والحر بالعدل والإحسان يزدان
30 - صن حر وجهك لا تهتك غلالته ... فكل حر لحر الوجه صوان
31 - فإن لقيت عدوا فألقه أبدا ... والوجه بالبشر والإشراق غضان
32 - دع التكاسل في الخيرات تطلبها ... فليس يسعد بالخيرات كسلان
33 - لا ظل للمرء يعرى من تقى ونهى ... وإن أظلته أوراق وأفنان (1/38)
34 - والناس أعوان من والته دولته ... وهم عليه إذا عادته أعوان
35 - سحبان من غير مال باقل حصر ... و باقل في ثراء المال سحبان
36 - لا تودع السر وشاء يبوح به ... فما رعى غنما في الدو سرحان
37 - لا تحسب الناس طبعا واحدا فلهم ... غرائز لست تحصيهن ألوان
38 - ما كل ماء كصداء لو ارده ... نعم ولا كل نبت فهو سعدان (1/39)
39 - لا تخدشن بمطل وجه عارفة ... فالبر يخدشه مطل وليان
40 - لا تستشر غير ندب حازم يقظ ... قد استوى فيه إسرار وإعلان
41 - فللتدابير فرسان إذا ركضوا ... فيها أبروا كما للحرب فرسان
42 - وللأمور مواقيت مقدرة ... وكل أمر له حد وميزان
43 - فلا تكن عجلا بالأمر تطلبه ... فليس يحمد قبل النضج بحران (1/40)
44 - كفى من العيش ما قد سد من عوز ... ففيه للحر إن حققت غنيان
45 - وذو القناعة راض من معيشته ... وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان !
46 - حسب الفتى عقله خلا يعاشره ... إذا تحاماه إخوان وخلان
47 - هما رضيعا لبان حكمة وتقى ... وساكنا وطن : مال وطغيان
48 - إذا نبا بكريم موطن فله ... وراءه في بسيط الأرض أوطان
49 - يا ظالما فرحا بالعز ساعده ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان (1/41)
50 - ما استمرأ الظلم لو أنصفت آكله ... وهل يلذ مذاق المرء خطبان
51 - يا أيها العالم المرضي سيرته ... أبشر فأنت بغير الماء ريان
52 - ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج ... فأنت ما بينها لا شك ظمان
53 - لا تحسبن سرورا دائما أبدا ... من سره زمن ساءته أزمان
54 - إذا جفاك خليل كنت تألفه ... فاطلب سواه فكل الناس إخوان
55 - وإن نبت بك أوطان نشأت بها ... فارحل فكل بلاد الله أوطان
56 - يا رافلا في الشباب الرحب منتشيا ... من كأسه هل أصاب الرشد نشوان (1/42)
57 - لا تغترر بشباب رائق نضر ... فكم تقدم قبل الشيب شبان
58 - ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ... يكن لمثلك في اللذات إمعان
59 - هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ... ما عذر أشيب يستهويه شيطان
60 - كل الذنوب فإن الله يغفرها ... إن شيع المرء إخلاص وإيمان
61 - وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران
62 - خذها سوائر أمثال مهذبة ... فيها لمن يبتغي التبيان تبيان (1/43)
ما ضر حسانها والطبع صائغها ... أن لم يصغها قريع الشعر حسان (1/44)
قصيدة ليس الغريب
للإمام السجَّاد أبي الباقر
زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ ... إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ ... على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني ... وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والموتُ يَطلُبُني
وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها ... الله يَعْلَمُها في السِّرِ والعَلَنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني ... و قَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ ساعاتُ أَيَّامي بِلا نَدَمٍ ... ولا بُكاءٍ وَلاخَوْفٍ ولا حَزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً ... عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُني
يَا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ ... يَا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُها ... وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيرِ وَالحَزَنِ
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحَاً ... عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني
وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني ... وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليومَ يَنْفَعُني
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها ... مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها ... وصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا ... بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ
وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ ... نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتيني يُغَسِّلُني
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً ... حُراً أَرِيباً لَبِيباً عَارِفاً فَطِنِ
فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني ... مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً ... وَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني ... غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ
وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها ... وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً ... عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني
وَحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ ... مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا ... خَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّى ثمّ وَدَّعَني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها ... ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني
وَأَنْزَلوني إلى قَبري على مَهَلٍ ... وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني ... وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
فَقامَ مُحتَرِماً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً ... وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَني
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا ... حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هناك ولا ... أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني(1/2)
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ ... مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ ما أَقولُ لهم ... قَدْ هَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهِمُ ... مَالِي سِوَاكَ إِلهي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يا أَمَلي ... فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهَنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا ... وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لها ... بَدَلي وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَها ... وَصَارَ مَالي لهم حِلاً بِلا ثَمَنِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيا وَزِينَتُها ... وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها ... هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها ... لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً ... يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي ... فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً ... عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختارِ سَيِّدِنا ... مَا وَصَّا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ
والحمدُ لله مُمْسِينَا وَمُصْبِحِنَا ... بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْسانِ وَالمِنَنِ (1/3)
محمود سامي البارودي
1255-1322 هـ / 1839-1904 م
محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري، أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي).
نسبته إلى (إيتاي البارود)، بمصر، وكان لأحد أجداده في عهد الالتزام مولده ووفاته بمصر، تعلم بها في المدرسة الحربية.
ورحل إلى الآستانة فأتقن الفارسية والتركية، وله فيها قصائد دعاء إلى مصر فكان من قواد الحملتين المصريتين لمساعدة تركيا.
الأولى في ثورة كريد سنة1868، والثانية في الحرب الروسية سنة 1877، وتقلب في مناصب انتهت به إلى رئاسة النظار، واستقال.
ولما حدثت الثورة العرابية كان في صفوف الثائرين، ودخل الإنجليز القاهرة، فقبض عليه وسجن وحكم بإعدامه، ثم أبدل الحكم بالنفي إلى جزيرة سيلان.
حيث أقام سبعة عشر عاماً، أكثرها في كندا تعلم الإنجليزية في خلالها وترجم كتباً إلى العربية وكفَّ بصره وعفي عنه سنة 1317ه فعاد إلى مصر.
أما شعره فيصح اتخاذه فاتحة للأسلوب العصري الراقي بعد إسفاف النظم زمناً غير معتبر.
له (ديوان شعر -ط)، جزآن منه، (ومختارات البارودي -ط) أربعة أجزاء.
كشف الغمة في مدح سيد الأمة ‘
يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمْ دارَةَ العَلَمِ ... وَاحْدُ الغَمامَ إِلى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ
وَإِن مَرَرتَ عَلى الرَّوحَاءِ فَامْرِ لَها ... أَخلافَ سارِيَةٍ هَتّانَةِ الدِّيَمِ
مِنَ الغِزارِ اللَّواتي في حَوالِبِها ... رِيُّ النَّواهِلِ مِن زَرعٍ وَمِن نَعَمِ
إِذا استَهَلَّت بِأَرضٍ نَمْنَمَتْ يَدُهَا ... بُرْداً مِنَ النَّوْرِ يَكسُو عارِيَ الأَكَمِ
تَرى النَّباتَ بِها خُضْراً سَنابِلُهُ ... يَختَالُ في حُلَّةٍ مَوشِيَّةِ العَلَمِ
أَدعُو إِلى الدَّارِ بِالسُّقيا وَبِي ظَمَأٌ ... أَحَقُّ بِالرِّيِّ لَكِنّي أَخُو كَرَمِ(1/1)
مَنازِلٌ لِهَواها بَينَ جانِحَتي ... وَدِيعَةٌ سِرُّها لَمْ يَتَّصِلْ بِفَمِي
إِذا تَنَسَّمتُ مِنها نَفحَةً لَعِبَت ... بِيَ الصَبابَةُ لِعبَ الريحِ بِالعَلَمِ
أَدِر عَلى السَّمعِ ذِكراها فَإِنَّ لَها ... في القَلبِ مَنزِلَةً مَرعِيَّةَ الذِمَمِ
عَهدٌ تَوَلّى وَأَبقى في الفُؤادِ لَهُ ... شَوقاً يَفُلُّ شَباةَ الرَأيِ وَالهِمَمِ
إِذا تَذَكَّرتُهُ لاحَت مَخائِلُهُ ... لِلعَينِ حَتّى كَأَنّي مِنهُ في حُلُمِ
فَما عَلى الدَّهرِ لَو رَقَّت شَمائِلُهُ ... فَعادَ بِالوَصل أَو أَلقَى يَدَ السَّلَمِ
تَكاءَدَتني خُطُوبٌ لَو رَمَيتُ بِها ... مَناكِبَ الأَرض لَم تَثبُتْ عَلى قَدَمِ
في بَلدَةٍ مِثلِ جَوفِ العَير لَستُ أَرى ... فيها سِوَى أُمَمٍ تَحنُو عَلَى صَنَمِ
لا أَستَقِرُّ بِها إِلاّ عَلى قَلَقٍ ... وَلا أَلَذُّ بِها إِلاّ عَلَى أَلَمِ
إِذا تَلَفَّتُّ حَولي لَم أَجد أَثَراً ... إِلا خَيالي وَلَم أَسمَع سِوى كَلِمي
فَمَن يَرُدُّ عَلى نَفسي لُبانَتَها ... أَو مَن يُجيرُ فُؤادِي مِن يَدِ السَّقَمِ
لَيتَ القَطا حِينَ سارَت غُدوَةً حَمَلَت ... عَنّي رَسائِلَ أَشواقي إِلى إِضَمِ
مَرَّت عَلَينا خِمَاصاً وَهيَ قارِبَةٌ ... مَرَّ العَواصِفِ لا تَلوي عَلى إِرَمِ
لا تُدركُ العَينُ مِنها حينَ تَلمَحُها ... إِلا مِثالاً كَلَمْعِ البَرقِ في الظُّلَمِ
كَأَنَّها أَحرُفٌ بَرقِيَّةٌ نَبَضَت ... بِالسِّلكِ فَانتَشَرَت فِي السَّهل وَالعَلَمِ
لا شَيءَ يَسبِقُها إِلاّ إِذا اِعتَقَلَت ... بَنانَتي في مَديحِ المُصطَفى قَلَمِي
مُحَمَّدٌ خاتَمُ الرُسلِ الَّذي خَضَعَت ... لَهُ البَرِيَّةُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ
سَميرُ وَحيٍ وَمَجنى حِكمَةٍ وَنَدى ... سَماحَةٍ وَقِرى عافٍ وَرِيُّ ظَمِ
قَد أَبلَغَ الوَحيُ عَنهُ قَبلَ بِعثَتِهِ ... مَسامِعَ الرُسلِ قَولاً غَيرَ مُنكَتِمِ(1/2)
فَذاكَ دَعوَةُ إِبراهيمَ خالِقَهُ ... وَسِرُّ ما قالَهُ عِيسى مِنَ القِدَمِ
أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ مُحَجَّلَةٍ ... جاءَت بِهِ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ
قَد كانَ في مَلَكوتِ اللهِ مُدَّخراً ... لِدَعوَةٍ كانَ فيها صاحِبَ العَلَمِ
نُورٌ تَنَقَّلَ في الأَكوانِ ساطِعُهُ ... تَنَقُّلَ البَدرِ مِن صُلبٍ إِلى رَحِمِ
حَتّى اسْتَقَرَّ بِعَبدِ اللهِ فَاِنبَلَجَت ... أَنوارُ غُرَّتِهِ كَالبَدرِ في البُهُمِ
وَاختارَ آمِنَةَ العَذراءَ صاحِبَةً ... لِفَضلِها بَينَ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
كِلاهُما فِي العُلا كُفءٌ لِصاحِبِهِ ... وَالكُفءُ في المَجدِ لا يُستامُ بِالقِيَمِ
فَأَصبَحَت عِندَهُ في بَيتِ مَكرُمَةٍ ... شِيدَت دَعائِمُهُ في مَنصِبٍ سِنمِ
وَحِينما حَمَلَت بِالمُصطَفى وَضَعَت ... يَدُ المَشيئَةِ عَنها كُلفَةَ الوَجَمِ
وَلاحَ مِن جِسمِها نُورٌ أَضاءَ لَها ... قُصُورَ بُصرى بِأَرضِ الشَّأمِ مِن أمَمِ
وَمُذ أَتى الوَضعُ وَهوَ الرَّفعُ مَنزِلَةً ... جاءَت بِرُوحٍ بِنُورِ اللهِ مُتَّسِمِ
ضاءَت بِهِ غُرَّةُ الإِثنَينِ وَابتَسَمَت ... عَن حُسنِهِ في رَبيعٍ رَوضَةُ الحَرَمِ
وَأَرضَعَتهُ وَلَم تَيأَس حَليمَةُ مِن ... قَولِ المَراضِعِ إِنَّ البُؤسَ في اليَتَمِ
فَفاضَ بِالدَّرِّ ثَدياها وَقَد غَنِيَت ... لَيالياً وَهيَ لَم تطعَم وَلَم تَنَمِ
وَاِنهَلَّ بَعدَ اِنقِطاعٍ رِسْلُ شارِفِها ... حَتّى غَدَت مِن رَفِيهِ العَيشِ في طُعَمِ
فَيَمَّمَت أَهلَها مَملُوءَةً فَرَحاً ... بِما أُتيحَ لَها مِن أَوفَرِ النِّعَمِ
وَقَلَّصَ الجَدبُ عَنها فَهيَ طاعِمَةٌ ... مِن خَيرِ ما رَفَدَتها ثَلَّةُ الغَنَمِ
وَكَيفَ تَمحَلُ أَرضٌ حَلَّ ساحَتَها ... مُحَمَّدٌ وَهوَ غَيثُ الجُودِ وَالكَرَمِ
فَلَم يَزَل عِندَها يَنمُو وَتَكلَؤُهُ ... رِعايَةُ اللهِ مِن سُوءٍ وَمِن وَصَمِ(1/3)
حَتّى إِذا تَمَّ مِيقاتُ الرَّضاعِ لَهُ ... حَولَينِ أَصبَحَ ذا أَيدٍ عَلَى الفُطُمِ
وَجاءَ كَالغُصنِ مَجدُولاً تَرِفُّ عَلى ... جَبِينِهِ لَمحاتُ المَجدِ وَالفَهَمِ
قَد تَمَّ عَقلاً وَما تَمَّت رَضاعَتُهُ ... وَفاضَ حِلماً وَلَم يَبلُغ مَدى الحُلُمِ
فَبَينَما هُوَ يَرعى البَهْمَ طافَ بِهِ ... شَخصانِ مِن مَلَكوتِ اللهِ ذي العِظَمِ
فَأَضجَعاهُ وَشَقّا صَدرَهُ بِيَدٍ ... رَفِيقَةٍ لَم يَبِت مِنها عَلى أَلَمِ
وَبَعدَ ما قَضَيا مِن قَلبِهِ وَطَراً ... تَوَلَّيا غَسلَهُ بِالسَّلسَلِ الشَّبِمِ
ما عالَجا قَلبَهُ إِلا لِيَخلُصَ مِن ... شَوبِ الهَوى وَيَعِي قُدسِيَّةَ الحِكَمِ
فَيا لَها نِعمَةً للهِ خَصَّ بِها ... حَبيبَهُ وَهوَ طِفلٌ غَيرُ مُحتَلِمِ
وَقالَ عَنهُ بَحِيرا حِينَ أَبصَرَهُ ... بِأَرْضِ بُصرى مَقالاً غَيرَ مُتَّهَمِ
إِذ ظَلَّلَتهُ الغَمامُ الغُرُّ وَانهَصَرَت ... عَطفاً عَلَيهِ فُروعُ الضَّالِ وَالسَّلَمِ
بِأَنَّهُ خاتَمُ الرُّسلِ الكِرامِ وَمَن ... بِهِ تَزُولُ صُرُوفُ البُؤسِ وَالنِّقَمِ
هَذا وَكَم آيَةٍ سارَت لَهُ فَمَحَت ... بِنُورِها ظُلمَةَ الأَهوالِ وَالقُحَمِ
ما مَرَّ يَومٌ لَهُ إِلا وَقَلَّدَهُ ... صَنائِعاً لَم تَزَل فِي الدَّهرِ كَالعَلَمِ
حَتّى اسْتَتَمَّ وَلا نُقصانَ يَلحَقُهُ ... خَمساً وَعِشرِينَ سِنُّ البارِعِ الفَهِمِ
وَلَقَّبَتهُ قُرَيشٌ بِالأَمينِ عَلى ... صِدقِ الأَمانَةِ وَالإِيفاءِ بِالذِّمَمِ
وَدَّت خَديجَةُ أَن يَرعى تِجارَتَها ... وِدادَ مُنتَهِزٍ لِلخَيرِ مُغتَنِمِ
فَشَدَّ عَزمَتَها مِنهُ بِمُقتَدِرٍ ... ماضِي الجِنانِ إِذا ما هَمَّ لَم يخمِ
وَسارَ مُعتَزِماً لِلشَّأمِ يَصحَبُهُ ... في السَّيرِ مَيسُرَةُ المَرضِيُّ فِي الحَشَمِ
فَما أَناخَ بِها حَتّى قَضى وَطَراً ... مِن كُلِّ ما رَامَهُ في البَيعِ وَالسَّلَمِ(1/4)
وَكَيفَ يَخسَرُ مَن لَولاهُ ما رَبِحَت ... تِجارَةُ الدِّينِ في سَهلٍ وَفِي عَلَمِ
فَقَصَّ مَيسُرَةُ المَأمونُ قِصَّتَهُ ... عَلَى خَديجَةَ سَرداً غَيرَ مُنعَجِمِ
وَما رَواهُ لَهُ كَهلٌ بِصَومَعَةٍ ... مِنَ الرَّهابينِ عَن أَسلافِهِ القُدُمِ
في دَوحَةٍ عاجَ خَيرُ المُرسَلينَ بِها ... مِن قَبل بعثَتِهِ لِلعُربِ وَالعَجَمِ
هَذا نَبِيٌّ وَلَم يَنزِل بِساحَتِها ... إِلا نَبيٌّ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
وَسِيرَةَ المَلَكَينِ الحائِمَينِ عَلى ... جَبِينِهِ لِيُظِلاَّهُ مِنَ التّهَمِ
فَكانَ ما قَصَّهُ أَصلاً لِما وَصَلَت ... بِهِ إِلى الخَيرِ مِن قَصدٍ وَمُعتَزَمِ
أَحسِن بِها وصلَةً في اللَّهِ قَد أَخَذَت ... بِها عَلى الدَّهرِ عَقداً غَيرَ مُنفَصِمِ
فَأَصبَحا في صَفاءٍ غَير مُنقَطِعٍ ... عَلى الزَّمانِ وَوِدٍّ غَير مُنصَرِمِ
وَحِينَما أَجمَعَت أَمراً قُرَيشُ عَلى ... بِنايَةِ البَيتِ ذي الحُجّابِ وَالخَدَمِ
تَجَمَّعَت فِرَقُ الأَحلافِ وَاقتَسَمَت ... بِناءَهُ عَن تَراضٍ خَيرَ مُقتَسَمِ
حَتّى إِذا بَلَغَ البُنيانُ غايَتَهُ ... مِن مَوضِعِ الرُّكنِ بَعدَ الكَدِّ وَالجشَمِ
تَسابَقوا طَلَباً لِلأَجرِ وَاِختَصَمُوا ... فِيمَن يَشُدُّ بِناهُ كُلَّ مُختَصَمِ
وَأَقسَمَ القَومُ أَن لا صُلحَ يَعصِمُهُم ... مِن اقتِحامِ المَنايا أَيّما قَسَمِ
وَأَدخَلوا حينَ جَدَّ الأَمرُ أَيدِيَهُم ... لِلشَرِّ في جَفنَةٍ مَملُوءَةٍ بِدَمِ
فَقالَ ذُو رَأيِهِم لا تَعجَلُوا وَخُذُوا ... بِالحَزم فَهوَ الَّذي يَشفِي مِنَ الحَزَمِ
لِيَرضَ كُلُّ امرِئٍ مِنّا بِأَوَّلِ مَن ... يَأتي فَيَقسِطُ فِينا قِسطَ مُحتَكِمِ
فَقالَ كُلٌّ رَضينا بِالأَمينِ عَلَى ... عِلمٍ فَأَكرِم بِهِ مِن عادِلٍ حَكَمِ
فَكانَ أَوَّلَ آتٍ بَعدَما اتَّفَقُوا ... مُحَمَّدٌ وَهوَ في الخَيراتِ ذُو قَدَمِ(1/5)
فَأَعلَمُوهُ بِما قَد كانَ وَاِحتَكَمُوا ... إِلَيهِ في حَلِّ هَذا المُشكِلِ العَمَمِ
فَمَدَّ ثَوباً وَحَطَّ الرُّكنَ في وَسَطٍ ... مِنهُ وَقالَ اِرفَعُوهُ جانِبَ الرَّضَمِ
فَنالَ كُلُّ امرِئٍ حَظّاً بِما حَمَلَت ... يَداهُ مِنهُ وَلَم يَعتِب عَلى القِسَمِ
حَتّى إِذا اِقتَرَبوا تِلقاءَ مَوضِعِهِ ... مِن جانب البَيتِ ذي الأَركان وَالدّعمِ
مَدَّ الرَّسُولُ يَداً مِنهُ مُبارَكَةً ... بَنَتهُ في صَدَفٍ مِن باذِخٍ سَنِمِ
فَليَزدَدِ الرُّكنُ تِيهاً حَيثُ نالَ بِهِ ... فَخراً أَقامَ لَهُ الدُّنيا عَلَى قَدَمِ
لَو لَم تَكُن يَدُهُ مَسَّتهُ حِينَ بَنَى ... ما كانَ أَصبَحَ مَلثُوماً بِكُلِّ فَمِ
يا لَيتَنِي وَالأَمانِي رُبَّما صَدَقَت ... أَحْظَى بِمُعتَنَقٍ مِنهُ وَمُلتَزَمِ
يا حَبَّذا صِبغَةٌ مِن حُسنِهِ أَخَذَت ... مِنْهَا الشَّبِيبَةُ لَونَ العُذرِ وَاللَّمَمِ
كَالخالِ في وَجنَةٍ زِيدَت مَحاسِنُها ... بِنُقطَةٍ مِنهُ أَضعافاً مِنَ القِيَمِ
وَكَيفَ لا يَفخَرُ البَيتُ العَتيقُ بِهِ ... وَقَد بَنَتهُ يَدٌ فَيّاضَةُ النِّعَمِ
أَكرِم بِهِ وازِعاً لَولا هِدايَتُهُ ... لَم يَظهَرِ العَدلُ في أَرضٍ وَلَم يَقُمِ
هَذا الَّذي عَصَمَ اللَّهُ الأَنامَ بِهِ ... مِن كُلِّ هَولٍ مِنَ الأَهوالِ مُختَرِمِ
وَحِينَ أَدرَكَ سِنَّ الأَربَعينَ وَما ... مِن قَبلِهِ مَبلَغٌ لِلعِلمِ وَالحِكَمِ
حَباهُ ذُو العَرشِ بُرهاناً أَراهُ بِهِ ... آيات حِكمَتِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
فَكانَ يَمضي لِيَرعى أُنسَ وَحشَتِهِ ... في شاسِعٍ ما بِهِ لِلخَلقِ مِن أَرَمِ
فَما يمُرُّ عَلى صَخرٍ وَلا شَجَرٍ ... إِلّا وَحَيّاهُ بِالتَّسليمِ مِن أَمَمِ
حَتّى إِذا حانَ أَمرُ الغَيبِ وَانحَسَرَت ... أَستارُهُ عَن ضَميرِ اللَوحِ وَالقَلَمِ
نادى بِدَعوَتِهِ جَهراً فَأَسمَعَها ... في كُلِّ ناحِيةٍ مَن كانَ ذا صَمَمِ(1/6)
فَكانَ أَوَّلُ مَن في الدِّين تابَعَهُ ... خَدِيجَةٌ وَعَلِيٌّ ثابِتُ القَدَمِ
ثُمَّ استَجابَت رِجالٌ دُونَ أُسرَتِهِ ... وَفي الأَباعِدِ ما يُغني عَنِ الرَّحِمِ
وَمَن أَرادَ بِهِ الرَّحمنُ مَكرُمَةً ... هَداهُ لِلرُّشدِ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
ثُمَّ استَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ مُعتَزِماً ... يَدعُو إلى رَبِّهِ في كُلِّ مُلتَأَمِ
وَالنّاسُ مِنهُم رَشيدٌ يَستَجِيبُ لَهُ ... طَوعاً وَمِنهُم غَوِيٌّ غَيرُ مُحتَشِمِ
حَتّى استَرابَت قُرَيشٌ وَاِستَبَدَّ بِها ... جَهلٌ تَرَدَّت بِهِ في مارِجٍ ضَرِمِ
وَعَذَّبوا أَهلَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَهَكوا ... مَحارِماً أَعقَبَتهُم لَهفَةَ النَّدَمِ
وَقامَ يَدعُو أَبو جَهلٍ عَشِيرَتَهُ ... إِلى الضَّلالِ وَلَم يَجنَح إِلى سَلَمِ
يُبدِي خِدَاعاً ويُخفِي ما تَضَمَّنَهُ ... ضَمِيرُهُ مِن غَراةِ الحِقد وَالسَّدَمِ
لا يَسلَمُ القَلبُ مِن غِلٍّ أَلَمَّ بِهِ ... يَنقى الأَدِيمُ وَيَبقى مَوضِعُ الحَلَمِ
وَالحِقدُ كَالنّارِ إِن أَخفَيتَهُ ظَهَرَت ... مِنهُ عَلائِمُ فَوقَ الوَجهِ كَالحُمَمِ
لا يُبصِرُ الحَقَّ مَن جَهلٌ أَحاطَ بِهِ ... وَكَيفَ يُبصِرُ نُورَ الحَقِّ وَهوَ عَمِ
كُلُّ امرِئٍ وَاجِدٌ ما قَدَّمَت يَدُهُ ... إِذا اِستَوى قائِماً مِن هُوَّةِ الأَدَمِ
وَالخَيرُ وَالشَّرُّ في الدُّنيا مُكافَأَةٌ ... وَالنَّفسُ مَسؤولَةٌ عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
فَلا يَنَم ظالِمٌ عَمّا جَنَت يَدُهُ ... عَلى العِبادِ فَعَينُ اللَّهِ لَم تَنَمِ
وَلَم يَزَل أَهلُ دِين اللَّهِ في نَصَبٍ ... مِمّا يُلاقُونَ مِن كَربٍ وَمِن زَأَمِ
حَتّى إِذا لَم يَعُد في الأَمر مَنزَعَةٌ ... وَأَصبَحَ الشَّرُّ جَهراً غَيرَ مُنكَتِمِ
سارُوا إِلى الهِجرَةِ الأُولى وَما قَصَدوا ... غَيرَ النَّجاشِيِّ مَلكاً صادِقَ الذِّمَمِ(1/7)
فَأَصبَحُوا عِندَهُ في ظِلِّ مَملَكَةٍ ... حَصِينَةٍ وذِمامٍ غَيرِ مُنجَذِمِ
مَن أَنكَرَ الضَّيمَ لَم يَأنَس بِصُحبَتِهِ ... وَمَن أَحاطَت بِهِ الأَهوالُ لَم يُقِمِ
وَمُذ رَأى المُشرِكون الدّين قَد وضَحَت ... سَماؤُهُ وَاِنجَلَت عَن صِمَّةِ الصِّمَمِ
تَأَلَّبُوا رَغبَةً في الشَّرِّ وَائتَمَرُوا ... عَلى الصَّحيفَةِ مِن غَيظٍ وَمِن وَغَمِ
صَحِيفَةٌ وَسَمَت بِالغَدرِ أَوجُهَهُم ... وَالغَدرُ يَعلَقُ بِالأَعراضِ كَالدَّسَمِ
فَكَشَّفَ اللَّهُ مِنها غُمَّةً نَزَلَت ... بِالمُؤمِنينَ وَرَبِّي كاشِفُ الغُمَمِ
مَن أَضمَرَ السُّوءَ جازاهُ الإِلَهُ بِهِ ... وَمَن رَعى البَغْيَ لَم يَسْلَم مِنَ النِّقَمِ
كَفى الطُّفَيلَ بنَ عَمرٍو لُمعَةٌ ظَهَرَت ... فِي سَوطِهِ فَأَنارَت سُدْفَةَ القَتَمِ
هَدى بِها اللَّهُ دَوساً مِن ضَلالَتِها ... فَتابَعَت أَمرَ داعِيها وَلَم تَهِمِ
وَفِي الإِراشِيِّ لِلأَقوامِ مُعتَبَرٌ ... إِذْ جاءَ مَكَّةَ فِي ذَودٍ مِنَ النَّعَمِ
فَباعَها مِن أَبي جَهلٍ فَماطَلَهُ ... بِحَقِّهِ وَتَمادى غَيرَ مُحتَشِمِ
فَجاءَ مُنتَصِراً يَشكُو ظُلامَتَهُ ... إِلى النَّبِيِّ ونِعمَ العَونُ في الإِزَمِ
فَقامَ مُبتَدِراً يَسعى لِنُصرَتِهِ ... وَنُصرَةُ الحَقِّ شَأنُ المَرءِ ذِي الهِمَمِ
فَدَقَّ بابَ أَبي جَهلٍ فَجاءَ لَهُ ... طَوعاً يَجُرُّ عِنانَ الخائِفِ الزَّرِمِ
فَحِينَ لاَقَى رَسُولَ اللَّهِ لاَحَ لَهُ ... فَحْلٌ يَحُدُّ إِلَيهِ النَّابَ مِن أَطَمِ
فَهالَهُ ما رَأى فَارتَدَّ مُنزَعِجاً ... وَعادَ بِالنَّقدِ بَعدَ المَطلِ عَن رَغَمِ
أَتِلكَ أَمْ حِينَ نادى سَرْحَةً فَأَتَت ... إِلَيهِ مَنشُورَةَ الأَغصانِ كَالجُمَمِ
حَنَّت عَلَيهِ حُنُوَّ الأُمِّ مِن شَفَقٍ ... وَرَفرَفَت فَوقَ ذاكَ الحُسنِ مِن رَخَمِ(1/8)
جاءَتهُ طَوعاً وَعادَت حينَ قالَ لَها ... عُودِي وَلو خُلِّيَتْ لِلشَّوقِ لَم تَرِمِ
وَحَبَّذا لَيلَةُ الإِسراءِ حِينَ سَرى ... لَيلاً إِلى المَسجِدِ الأَقصى بِلا أَتَمِ
رَأَى بِهِ مِن كِرامِ الرُّسلِ طائِفَةً ... فَأَمَّهُم ثُمَّ صَلَّى خاشِعاً بِهِمِ
بَل حَبَّذا نَهضَةُ المِعراجِ حينَ سَما ... بِهِ إِلى مَشهَدٍ في العزِّ لَم يُرَمِ
سَما إِلى الفَلَك الأَعلى فَنالَ بِهِ ... قَدراً يَجِلُّ عَن التَّشبيهِ في العِظَمِ
وَسارَ في سُبُحاتِ النُّورِ مُرتَقِياً ... إِلى مَدارِجَ أَعيَت كُلَّ مُعتَزِمِ
وَفازَ بِالجَوهَرِ المَكنونِ مِن كَلِمٍ ... لَيسَت إِذا قُرِنَت بِالوَصفِ كَالكَلِمِ
سِرٌّ تَحارُ بِهِ الأَلبابُ قاصِرَةً ... وَنِعمَةٌ لَم تَكُن في الدَّهرِ كَالنِّعَمِ
هَيهاتَ يَبلُغُ فَهمٌ كُنهَ ما بَلَغَت ... قُرباهُ مِنهُ وَقَد ناجاهُ مِن أَمَمِ
فَيا لَها وصلَةً نالَ الحَبيبُ بِها ... ما لَم يَنَلهُ مِنَ التَّكريمِ ذُو نَسَمِ
فاقَت جَميعَ اللَّيالي فَهيَ زاهِرَةٌ ... بِحُسنِها كَزُهُورِ النّارِ في العَلَمِ
هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلى ... عِبادِهِ وَهَداهُم واضِحَ اللَّقَمِ
فَسارَعُوا نَحوَ دِينِ اللَّهِ وَانتَصَبُوا ... إِلى العِبادَةِ لا يَألُونَ مِن سَأَمِ
وَلَم يَزَل سَيِّدُ الكَونَينِ مُنتَصِباً ... لِدَعوَةِ الدِّين لَم يَفتر وَلَم يَجِمِ
يَستَقبِلُ النّاسَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ ... وَيَنشُرُ الدِّينَ في سَهلٍ وَفي عَلَمِ
حَتّى اسْتَجابَت لَهُ الأَنصارُ وَاعْتَصَمُوا ... بِحَبلِهِ عَن تَراضٍ خَيرَ مُعتَصمِ
فَاستَكمَلَت بِهِمُ الدُنيا نَضارَتَها ... وَأَصبَحَ الدينُ في جَمعٍ بِهِم تَمَمِ
قَومٌ أَقَرُّوا عِمادَ الحَقِّ وَاصطَلَمُوا ... بِيَأسِهِم كُلَّ جَبَّارٍ وَمُصطَلِمِ
فَكَم بِهِم أَشرَقَت أَستارُ داجِيَةٍ ... وَكَم بِهِم خَمَدَت أَنفاسُ مُختَصِمِ(1/9)
فَحينَ وافى قُرَيشاً ذِكرُ بَيعَتِهِم ... ثارُوا إِلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهِلِ العَرِمِ
وَبادَهُوا أَهلَ دِينِ اللَهِ وَاهتَضَمُوا ... حُقُوقَهُم بِالتَّمادِي شَرَّ مُهتَضَمِ
فَكَم تَرى مِن أَسيرٍ لا حِراكَ بِهِ ... وَشارِدٍ سارَ مِن فَجٍّ إِلى أَكَمِ
فَهاجَرَ الصَّحبُ إِذ قالَ الرَّسُولُ لَهُم ... سيرُوا إِلى طَيْبَةَ المَرعِيَّةِ الحُرَمِ
وَظَلَّ في مَكَّةَ المُختارُ مُنتَظِراً ... إِذْناً مِنَ اللهِ في سَيرٍ وَمُعتَزَمِ
فَأَوجَسَت خيفَةً مِنهُ قُرَيشُ وَلَم ... تَقبَلْ نَصِيحاً وَلَم تَرجِعْ إِلى فَهَمِ
فَاستَجمَعَت عُصَباً في دارِ نَدوَتِها ... تَبغي بِهِ الشَّرَّ مِن حِقدٍ وَمِن أَضَمِ
وَلَو دَرَتْ أَنَّها فِيما تُحاوِلُهُ ... مَخذولَةٌ لَم تَسُمْ في مَرتَعٍ وَخِمِ
أَولى لَها ثُمَ أَولى أَن يَحيقَ بِها ... ما أَضمَرَتهُ مِنَ البَأساءِ وَالشَّجَمِ
إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ أُولي فِطَنٍ ... بَاعُوا النُّهَى بِالعَمَى وَالسَّمْعَ بِالصَّمَمِ
يَعْصُونَ خالِقَهُم جَهلاً بِقُدرَتِهِ ... وَيَعكُفُونَ عَلَى الطَّاغُوتِ وَالصَّنَمِ
فَأَجمَعُوا أَمرَهُم أَن يَبْغتُوهُ إِذا ... جَنَّ الظَّلامُ وَخَفَّت وَطْأَةُ القَدَمِ
وَأَقبَلُوا مَوهِناً في عُصبَةٍ غُدُرٍ ... مِنَ القَبائِلِ باعُوا النَّفسَ بِالزَّعَمِ
فَجاءَ جِبريلُ لِلهادِي فَأَنبأَهُ ... بِما أَسَرُّوهُ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
فَمُذ رَآهُم قِياماً حَولَ مَأمَنِهِ ... يَبغُونَ ساحَتَهُ بِالشَّرِّ وَالفَقَمِ
نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ ... لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ
وَمَرَّ بِالقَومِ يَتْلُو وَهْوَ مُنصَرِفٌ ... يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفسِ مِن وَصَمِ
فَلَم يَرَوهُ وَزاغَت عَنهُ أَعيُنُهُم ... وَهَل تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَمِ(1/10)
وَجاءَهُ الوَحيُ إِيذاناً بِهِجرَتِهِ ... فَيَمَّمَ الغارَ بِالصِّدِّيقِ في الغَسَمِ
فَمَا اسْتَقَرَّ بِهِ حَتّى تَبَوَّأَهُ ... مِنَ الحَمائِمِ زَوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ
بَنى بِهِ عُشَّهُ وَاحْتَلَّهُ سَكَناً ... يَأوي إِلَيهِ غَداةَ الرِّيحِ وَالرَّهَمِ
إِلفانِ ما جَمَعَ المِقدارُ بَينَهُما ... إِلّا لِسِرٍّ بِصَدرِ الغَارِ مُكْتَتَمِ
كِلاهُما دَيدَبانٌ فَوقَ مَربأَةٍ ... يَرعَى المَسالِكَ مِن بُعدٍ وَلَم يَنَمِ
إِن حَنَّ هَذا غَراماً أَو دَعا طَرَباً ... بِاسمِ الهَديلِ أَجابَت تِلكَ بِالنَّغَمِ
يَخالُها مَن يَراها وَهيَ جاثِمَةٌ ... في وَكرِها كُرَةً مَلساءَ مِن أَدَمِ
إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِلّاً وَإِن هَبَطَت ... رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِرٍ شَبِمِ
مَرقُومَةُ الجِيدِ مِن مِسكٍ وَغالِيَةٍ ... مَخضُوبَةُ الساقِ وَالكَفَّينِ بِالعَنَمِ
كَأَنَّما شَرَعَت في قانِئٍ سربٍ ... مِن أَدمُعِي فَغَدَت مُحمَرَّةَ القَدَمِ
وَسَجفَ العَنكَبُوتُ الغارَ مُحتَفِياً ... بِخَيمَةٍ حاكَها مِن أَبدَعِ الخِيَمِ
قَد شَدَّ أَطنابَها فَاِستَحكَمَت وَرَسَت ... بِالأَرضِ لَكِنَّها قامَت بِلا دِعَمِ
كَأَنَّها سابِريٌّ حاكَهُ لَبِقٌ ... بِأَرضِ سابُورَ في بحبُوحَةِ العَجَمِ
وَارَت فَمَ الغارِ عَن عَينٍ تُلِمُّ بِهِ ... فَصارَ يَحكي خَفاءً وَجهَ مُلتَثِمِ
فَيا لَهُ مِن سِتارٍ دُونَهُ قَمَرٌ ... يَجلُو البَصائِرَ مِن ظُلمٍ وَمِن ظُلَمِ
فَظَلَّ فيهِ رَسولُ اللَّهِ مُعتَكِفاً ... كَالدُرِّ في البَحر أَو كَالشَّمْسِ في الغَسَمِ
حَتّى إِذا سَكَنَ الإِرْجَافِ وَاحْتَرقَت ... أَكْبَادُ قَومٍ بِنَارِ اليَأسِ وَالوَغَمِ
أَوحى الرَّسولُ بِإِعدادِ الرَّحيلِ إِلى ... مَن عِندَهُ السِّرُّ مِن خِلٍّ وَمِن حَشَمِ
وَسارَ بَعدَ ثَلاثٍ مِن مَباءَتِهِ ... يَؤُمُّ طَيْبَةَ مَأوى كُلِّ مُعتَصِمِ(1/11)
فَحِينَ وَافى قُدَيداً حَلَّ مَوكِبُهُ ... بِأُمِّ مَعبَدَ ذاتِ الشَّاءِ وَالغَنَمِ
فَلَم تَجِد لِقِراهُ غَيرَ ضائِنَةٍ ... قَدِ اقشَعَرَّت مَراعِيها فَلَم تَسُمِ
فَما أَمَرَّ عَلَيها داعِياً يَدَهُ ... حَتّى اسْتَهَلَّت بِذِي شَخبَيْنِ كَالدِّيَمِ
ثُمَّ استَقَلَّ وَأَبقى في الزَّمانِ لَها ... ذِكراً يَسيرُ عَلَى الآفاق كَالنَّسَمِ
فَبَينَما هُوَ يَطوي البِيدَ أَدرَكَهُ ... رَكضاً سُراقَةُ مِثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ
حَتَّى إِذا ما دَنَا سَاخَ الجَوادُ بِهِ ... في بُرقَةٍ فَهَوَى لِلسَّاقِ وَالقَدَمِ
فَصَاحَ مُبتَهِلاً يَرجُو الأَمانَ وَلَو ... مَضَى عَلَى عَزْمِهِ لانْهَارَ في رَجَمِ
وَكَيفَ يَبلُغُ أَمراً دُونَهُ وَزَرٌ ... مِنَ العِنايةِ لَم يَبلُغهُ ذُو نَسَمِ
فَكَفَّ عَنهُ رَسولُ اللَّهِ وَهْوَ بِهِ ... أَدْرَى وَكَمْ نِقَمٍ تفتَرُّ عَن نِعَمِ
وَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى ... أَعلامِ طَيبَةَ ذاتِ المَنظَرِ العَمَمِ
أَعظِم بِمَقدَمِهِ فَخراً وَمَنقبَةً ... لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِن جُشَمِ
فَخرٌ يَدُومُ لَهُم فَضلٌ بِذِكرَتِهِ ... ما سارَت العِيسُ بِالزُّوّارِ لِلحَرَمِ
يَومٌ بِهِ أَرَّخَ الإِسلامُ غُرَّتَهُ ... وَأَدرَكَ الدِّينُ فيهِ ذِروَةَ النُّجُمِ
ثُمَّ ابتَنَى سَيِّدُ الكَونَينِ مَسْجِدَهُ ... بُنيانَ عِزٍّ فَأَضحى قائِمَ الدّعَمِ
وَاخْتَصَّ فيهِ بِلالاً بِالأَذانِ وَما ... يُلفى نَظيرٌ لَهُ في نَبرَةِ النَّغَمِ
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ اللهِ وَاجْتَمَعَت ... لَهُ القبَائِلُ مِن بُعْدٍ وَمِن زَمَمِ
قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى ... نَهجَ الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى ... مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ
فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ ... عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ(1/12)
وَحِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ ... آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ
هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ ... في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ مُحتَدِمِ
فَاسْتَحْكَمَ الدِّينُ وَاشْتَدَّت دَعائِمُهُ ... حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ
وَأَصبَحَ النَّاسُ إِخواناً وَعَمَّهُمُ ... فَضلٌ مِنَ اللهِ أَحياهُم مِنَ العَدَمِ
هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الجِهادَ عَلى ... رَسُولِهِ لِيَبُثَّ الدِّينَ في الأُمَمِ
فَكانَ أَوَّلُ غَزوٍ سارَ فيهِ إِلى ... وَدّانَ ثُمَّ أَتى مِن غَيرِ مُصطَدَمِ
ثُمَّ اسْتَمَرَّت سَرايا الدِّينِ سابِحَةً ... بِالخَيلِ جامِحَةً تَستَنُّ بِاللُّجُمِ
سَرِيَّةٌ كانَ يَرعاها عُبَيدَةُ في ... صَوبٍ وَحَمزَةُ في أُخرى إِلى التَّهَمِ
وَغَزوَةٌ سارَ فيها المُصطَفى قُدُماً ... إِلى بُواطٍ بِجَمعٍ ساطِعِ القَتَمِ
وَمِثلَها يَمَّمَت ذاتَ العُشيرَةِ في ... جَيشٍ لُهامٍ كَمَوجِ البَحرِ مُلتَطِمِ
وَسارَ سَعدٌ إِلى الخَرّارِ يَقدُمُهُ ... سَعدٌ وَلَم يَلقَ في مَسراهُ مِن بَشَمِ
وَيَمَّمَت سَفَوان الخَيلُ سابِحَةً ... بِكُلِّ مُعتَزِمٍ لِلقَرنِ مُلتَزِمِ
وَتابَعَ السَّيرَ عَبدُ اللَّهِ مُتَّجِهاً ... تِلقاءَ نَخلَةَ مَصحُوباً بِكُلِّ كَمِي
وَحُوّلَت قِبلَةُ الإِسلامِ وَقتَئِذٍ ... عَن وِجهَةِ القُدسِ نَحوَ البَيتِ ذي العِظَمِ
وَيَمَّمَ المُصطَفى بَدراً فَلاحَ لَهُ ... بَدرٌ مِنَ النَّصرِ جَلَّى ظُلمَةَ الوَخَمِ
يَومٌ تَبَسَّمَ فيهِ الدِّينُ وَانهَمَلَت ... عَلَى الضَّلالِ عُيونُ الشِّركِ بِالسَّجَمِ
أَبلَى عَلِيٌّ بِهِ خَيرَ البَلاءِ بِما ... حَباهُ ذُو العَرشِ مِن بَأسٍ وَمِن هِمَمِ
وَجالَ حَمزَةُ بِالصَّمصامِ يَكسؤُهُم ... كَسأً يُفَرِّقُ مِنهُم كُلَّ مُزدَحَمِ
وَغادَرَ الصَّحبُ وَالأَنصارُ جَمعَهُمُ ... وَلَيسَ فيهِ كَمِيٌّ غَيرُ مَنهَزِمِ(1/13)
تَقَسَّمَتهُم يَدُ الهَيجاءِ عادِلَةً ... فَالهامُ لِلبِيض وَالأَبدانُ لِلرَّخَمِ
كَأَنَّما البِيضُ بِالأَيدي صَوالِجَةٌ ... يَلعَبنَ في ساحَةِ الهَيجاءِ بِالقِمَمِ
لَم يَبقَ مِنهُم كَمِيٌّ غَيرُ مُنجَدِلٍ ... عَلى الرّغامِ وَعُضوٌ غَيرُ مُنحَطِمِ
فَما مَضَت ساعَةٌ وَالحَربُ مُسعَرَةٌ ... حَتّى غَدا جَمعُهُم نَهباً لِمُقتَسِمِ
قَد أَمطَرَتهُم سَماءُ الحَربِ صائِبَةً ... بِالمَشرَفِيَّةِ وَالمُرّانِ كَالرُّجُمِ
فَأَينَ ما كانَ مِن زَهوٍ وَمِن صَلَفٍ ... وَأَينَ ما كانَ مِن فَخرٍ وَمِن شَمَمِ
جاؤُوا وِللشَّرِّ وَسمٌ في مَعاطِسِهِم ... فَأُرغِمُوا وَالرَّدى في هَذِهِ السِّيَمِ
مَن عارَضَ الحَقَّ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ ... وَمَن تَعَرَّضَ لِلأَخطارِ لَم يَنَمِ
فَما اِنقَضى يَومُ بَدرٍ بِالَّتي عَظُمَت ... حَتّى مَضى غازِياً بِالخَيلِ في الشُّكُمِ
فَيَمَّمَ الكُدرَ بِالأَبطالِ مُنتَحِياً ... بَني سُلَيمٍ فَوَلَّت عَنهُ بِالرَّغَمِ
وَسارَ في غَزوَةٍ تُدعى السَّويقَ بِما ... أَلقاهُ أَعداؤُهُ مِن عُظمِ زادِهِمِ
ثُمَّ انتَحى بِوُجُوهِ الخَيل ذَا أَمرٍ ... فَفَرَّ ساكِنُهُ رُعباً إِلى الرَّقَمِ
وَأَمَّ فرعاً فَلَم يَثقَف بِهِ أَحَداً ... وَمَن يُقيمُ أَمامَ العارِضِ الهَزِمِ
وَلَفَّ بِالجَيشِ حَيَّي قَينُقاعَ بِما ... جَنَوا فَتَعساً لَهُم مِن مَعشَرٍ قَزَمِ
وَسارَ زَيدٌ بِجَمعٍ نَحوَ قَردَةَ مِن ... مِياهِ نَجدٍ فَلَم يَثقَف سِوى النَّعَمِ
ثُمَّ اِستَدارَت رَحا الهَيجاءِ في أُحُدٍ ... بِكُلِّ مُفتَرِسٍ لِلقِرنِ مُلتَهِمِ
يَومٌ تَبَيَّنَ فيهِ الجِدُّ وَاِتَّضَحَت ... جَلِيَّةُ الأَمرِ بَعدَ الجَهدِ وَالسَّأَمِ
قَد كانَ خُبراً وَتَمحيصاً وَمَغفِرَةً ... لِلمُؤمِنينَ وَهَل بُرءٌ بِلا سَقَمِ
مَضى عَلِيٌّ بِهِ قُدماً فَزَلزَلَهُم ... بِحَملَةٍ أَورَدَتهُم مَورِدَ الشَّجَمِ(1/14)
وَأَظهَرَ الصَّحبُ وَالأَنصارُ بَأسَهم ... وَالبَأسُ في الفِعلِ غَيرُ البَأسِ فِي الكَلِمِ
خاضُوا المَنايا فَنالُوا عِيشَةً رَغَداً ... وَلَذَّةُ النَّفسِ لا تَأتِي بِلا أَلَمِ
مَن يَلزَمِ الصَّبرَ يَستَحسِن عَواقِبَهُ ... وَالماءُ يَحسُنُ وَقعاً عِندَ كُلِّ ظَمِ
لَو لَم يَكُن فِي اِحتِمالِ الصَّبرِ مَنقَبةٌ ... لَم يَظهَرِ الفَرقُ بَينَ اللُّؤمِ وَالكَرَمِ
فَكانَ يَوماً عَتِيدَ البَأسِ نالَ بِهِ ... كِلا الفَريقَينِ جَهداً وَارِيَ الحَدَمِ
أَودى بِهِ حَمزَةُ الصِّندِيدُ فِي نَفَرٍ ... نالوا الشَّهادَةَ تَحتَ العارِضِ الرَّزِمِ
أَحسِن بِها مَيتَةً أَحيَوا بِها شَرَفاً ... وَالمَوتُ في الحَربِ فَخرُ السّادَةِ القُدُمِ
لا عارَ بِالقَومِ مِن مَوتٍ وَمِن سَلَبٍ ... وَهَل رَأَيتَ حُساماً غَيرَ مُنثَلِمِ
فَكانَ يَوم جَزاءٍ بَعدَ مُختَبَرٍ ... لِمَن وَفا وَجَفا بِالعِزِّ وَالرَّغَمِ
قامَ النَّبِيُّ بِهِ في مَأزِقٍ حَرِج ... تَرعى المَناصِلُ فيهِ مَنبِتَ الجُمَمِ
فَلَم يَزَل صابِراً في الحَربِ يَفثَؤُها ... بِالبِيضِ حَتّى اِكتَسَت ثَوباً مِنَ العَنَمِ
وَرَدَّ عَينَ اِبنِ نُعمان قَتادَةَ إِذ ... سالَت فَعادَت كَما كانَت بِلا لَتمِ
وَقَد أَتى بَعدَ ذا يَومُ الرَّجِيعِ بِما ... فِيهِ مِنَ الغَدرِ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
وَثارَ نَقعُ المَنايا في مَعُونَةَ مِن ... بَني سُلَيمٍ بِأَهلِ الفَضلِ وَالحِكَمِ
ثُمَّ اشْرَأَبَّت لِخَفرِ العَهدِ مِن سَفَهٍ ... بَنُو النَّضيرِ فَأَجلاهُم عَنِ الأُطُمِ
وَسارَ مُنتَحِياً ذاتَ الرِّقاعِ فَلَم ... تَلقَ الكَتائِبُ فيها كَيدَ مُصطَدَمِ
وَحَلَّ مِن بَعدِها بَدراً لِوَعدِ أَبِي ... سُفيانَ لَكِنَّهُ وَلّى وَلَم يَحُمِ
وَأَمَّ دَومَةَ في جَمعٍ وَعادَ إِلى ... مَكانِهِ وَسَماءُ النَّقعِ لَم تَغِمِ(1/15)
ثُمَّ اسْتَثارَت قُرَيشٌ وَهيَ ظالِمَةٌ ... أَحلافَها وَأَتَت في جَحفَلٍ لَهِمِ
تَستَمرِئُ البَغيَ مِن جَهلٍ وَما عَلِمَت ... أَنَّ الجَهالَة مَدعاةٌ إِلى الثَّلَمِ
وَقامَ فيهم أَبُو سُفيانَ مِن حَنَقٍ ... يَدعُو إِلى الشَّرِّ مثلَ الفَحلِ ذِي القَطَمِ
فَخَندَقَ المُؤمِنُونَ الدّارَ وَاِنتَصَبُوا ... لِحَربِهِم كَضَواري الأُسدِ في الأَجَمِ
فَما استَطاعَت قُرَيشٌ نَيلَ ما طَلَبَت ... وَهَل تَنالُ الثُّرَيّا كَفُّ مُستَلِمِ
رامَت بِجَهلَتِها أَمراً وَلَو عَلِمَت ... ماذَا أُعِدَّ لَها في الغَيبِ لَم تَرُمِ
فَخَيَّبَ اللَّهُ مَسعاها وَغادَرَها ... نَهبَ الرَّدى وَالصَّدى وَالرِّيحِ وَالطَّسَمِ
فَقوَّضَت عُمُدَ التَّرحالِ وَاِنصَرَفَت ... لَيلاً إِلى حَيثُ لَم تَسرَح وَلَم تَسُمِ
وَكَيفَ تَحمَدُ عُقبى ماجَنَت يَدُها ... بَغياً وَقَد سَرَحَت في مَرتَعٍ وَخِمِ
قَد أَقبَلَت وَهيَ في فَخرٍ وَفي جَذَلٍ ... وَأَدبَرَت وَهيَ في خِزيٍ وَفي سَدَمِ
مَن يَركَبِ الغَيَّ لا يَحمَد عَواقِبَهُ ... وَمَن يُطِع قَلبُهُ أَمرَ الهَوى يَهِمِ
ثُمَّ اِنتَحى بِوُجُوهِ الخَيلِ ساهِمَةً ... بَني قُرَيظَةَ في رَجراجَةٍ حُطَمِ
خانُوا الرَّسُولَ فَجازاهُم بِما كَسَبُوا ... وَفِي الخِيانَةِ مَدعاةٌ إِلى النِّقَمِ
وَسارَ يَنحُو بَني لِحيانَ فَاِعتَصَمُوا ... خَوفَ الرَّدى بِالعَوالي كُلَّ مُعتَصَمِ
وَأَمَّ ذا قَرَدٍ في جَحفَلٍ لَجِبٍ ... يَستَنُّ في لاحِبٍ بادٍ وَفي نَسَمِ
وَزارَ بِالجَيشِ غَزواً أَرضَ مُصطَلِقٍ ... فَما اتَّقُوهُ بِغَيرِ البِيضِ في الخَدَمِ
وَفي الحُدَيبِيَةِ الصُّلحُ اِستَتَبَّ إِلى ... عَشرٍ وَلَم يَجرِ فيها مِن دَمٍ هَدَمِ
وَجاءَ خَيبَرَ في جَأواءَ كَالِحَةٍ ... بِالخَيلِ كَالسَّيلِ وَالأَسيافِ كَالضَّرَمِ(1/16)
حَتّى إِذا اِمتَنَعَت شُمُّ الحُصونِ عَلى ... مَن رامَها بَعدَ إِيغالٍ وَمُقتَحَمِ
قالَ النَّبِيُّ سَأُعطِي رايَتِي رَجُلاً ... يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ اللَّهَ ذا الكَرَمِ
ذا مِرَّةٍ يَفتَحُ اللَّهُ الحُصونَ عَلَى ... يَدَيهِ لَيسَ بِفَرّارٍ وَلا بَرِمِ
فَما بَدا الفَجرُ إِلّا وَالزَّعيمُ عَلى ... جَيشِ القِتالِ عَلِيٌّ رافِعُ العَلَمِ
وَكانَ ذا رَمَدٍ فَارْتَدَّ ذا بَصَرٍ ... بِنَفثَةٍ أَبرَأَت عَينَيهِ مِن وَرَمِ
فَسارَ مُعتَزِماً حَتّى أَنافَ عَلى ... حُصُونِ خَيبَرَ بِالمَسلُولَةِ الخُذُمِ
يَمضِي بِمُنصُلِهِ قُدماً فَيَلحَمُهُ ... مَجرى الوَريدِ مِنَ الأَعناقِ وَاللِّمَمِ
حَتّى إِذا طاحَ مِنهُ التُّرسُ تاحَ لَهُ ... بابٌ فَكانَ لَهُ تُرساً إِلى العَتَمِ
بابٌ أَبَت قَلبَهُ جَهداً ثَمانِيَةٌ ... مِنَ الصَّحابَةِ أَهلِ الجِدِّ وَالعَزَمِ
فَلَم يَزَل صائِلاً في الحَربِ مُقتَحِماً ... غَيابَةَ النَّقعِ مِثلَ الحَيدَرِ القَرِمِ
حَتّى تَبَلَّجَ فَجرُ النَّصرِ وَاِنتَشَرَت ... بِهِ البَشائِرُ بَينَ السَّهلِ وَالعَلَمِ
أَبشِر بِهِ يَومَ فَتحٍ قَد أَضاءَ بِهِ ... وَجهُ الزَّمانِ فَأَبدى بِشرَ مُبتَسِمِ
أَتى بِهِ جَعفَرُ الطَّيّارُ فَاِبتَهَجَت ... بِعَودِهِ أَنفُسُ الأَصحابِ وَالعُزَمِ
فَكانَ يَوماً حَوى عِيدَينِ في نَسَقٍ ... فَتحاً وَعَود كَرِيمٍ طاهِرِ الشِّيَمِ
وَعادَ بِالنَّصرِ مَولى الدِّينِ مُنصَرِفاً ... يَؤُمُّ طَيبَةَ فِي عِزٍّ وَفِي نِعَمِ
ثُمَّ اسْتَقامَ لِبَيتِ اللَّهِ مُعتَمِراً ... لِنَيلِ ما فاتَهُ بِالهَديِ لِلحَرَمِ
وَسارَ زَيدٌ أَميراً نَحوَ مُؤتَةَ في ... بَعثٍ فَلاقى بِها الأَعداءَ مِن كَثَمِ
فَعَبَّأَ المُسلِمُونَ الجُندَ وَاِقتَتَلُوا ... قِتالَ مُنتَصِرٍ لِلحَقِّ مُنتَقِمِ
فَطاحَ زَيدٌ وَأَودى جَعفَرٌ وَقَضى ... تَحتَ العَجاجَةِ عَبدُ اللَّهِ في قُدُمِ(1/17)
لا عارَ بِالمَوتِ فَالشَّهمُ الجَرِيءُ يَرى ... أَنَّ الرَّدى في المَعالي خَيرُ مُغتَنَمِ
وَحِينَ خاسَت قُرَيشٌ بِالعُهُودِ وَلَم ... تُنصِف وَسارَت مِن الأَهواءِ في نَقَمِ
وَظاهَرَت مِن بَني بَكرٍ حَليفَتَها ... عَلى خُزاعَةَ أَهلِ الصِّدقِ فِي الذِّمَمِ
قامَ النَّبِيُّ لِنَصرِ الحَقِّ مُعتَزِماً ... بِجَحفَلٍ لِجُمُوعِ الشِّركِ مُختَرِمِ
تَبدُو بِهِ البِيضُ وَالقَسطالُ مُنتَشِرٌ ... كَالشُّهبِ في اللَّيلِ أَو كَالنّارِ فِي الفَحَمِ
لَمعُ السُّيُوفِ وَتَصهالُ الخُيولِ بِهِ ... كَالبَرقِ وَالرَّعدِ في مُغدَودِقٍ هَزِمِ
عَرمرَمٌ يَنسِفُ الأَرضَ الفَضاءَ إِذا ... سَرى بِها وَيَدُكُّ الهَضبَ مِن خِيَمِ
فِيهِ الكُماةُ الَّتي ذَلَّت لِعِزَّتِها ... مَعاطِسٌ لَم تُذَلَّل قَبلُ بِالخُطُمِ
مِن كُلِّ مُعتَزِمٍ بِالصَّبرِ مُحتَزِمٍ ... لِلقِرنِ مُلتَزِمٍ في البَأسِ مُهتَزِمِ
طالَت بِهِم هِمَمٌ نالُوا السِّماكَ بِها ... عَن قُدرَةٍ وَعُلُوُّ النَّفسِ بِالهِمَمِ
بِيضٌ أَساوِرَةٌ غُلبٌ قَساوِرَةٌ ... شُكسٌ لَدى الحَربِ مِطعامونَ في الأُزُمِ
طابَت نُفُوسُهُمُ بِالمَوتِ إِذ عَلِمُوا ... أَنَّ الحَياةَ الَّتي يَبغُونَ في العَدَمِ
ساسُوا الجِيادَ فَظَلَّت في أَعِنَّتِها ... طَوعَ البَنانَةِ في كَرٍّ وَمُقتَحَمِ
تَكادُ تَفقَهُ لَحنَ القَولِ مِن أَدَبٍ ... وَتَسبِقُ الوَحيَ وَالإِيماءَ مِن فَهَمِ
كَأَنَّ أَذنابَها في الكَرِّ أَلوِيَةٌ ... عَلَى سَفِينٍ لِأَمرِ الرِّيحِ مُرتَسِمِ
مِن كُلِّ مُنجَرِدٍ يَهوي بِصاحِبِهِ ... بَينَ العَجاجِ هوِيَّ الأَجدَلِ اللَّحِمِ
وَالبِيضُ تَرجُفُ في الأَغمادِ مِن ظَمَأٍ ... وَالسُّمرُ تَرعدُ في الأَيمانِ مِن قَرَمِ
مِن كُلِّ مُطَّرِدٍ لَولا عَلائِقُهُ ... لَسابَقَ المَوتَ نَحوَ القِرنِ مِن ضَرَمِ(1/18)
كَأَنَّهُ أَرقَمٌ في رَأسِهِ حُمَةٌ ... يَستَلُّ كَيدَ الأَعادي بِابنَةِ الرَّقَمِ
فَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى ... أَرباضِ مَكّةَ بِالفُرسانِ وَالبُهَمِ
وَلَفَّهم بِخَمِيسٍ لَو يَشُدُّ عَلى ... أَركانِ رَضوى لَأَضحى مائِلَ الدِّعَمِ
فَأَقبَلوا يَسأَلُونَ الصَّفحَ حِينَ رَأَوا ... أَنَّ اللَّجاجَةَ مَدعاةٌ إِلى النَّدَمِ
رِيعُوا فَذَلُّوا وَلَو طاشُوا لَوَقَّرَهُم ... ضَربٌ يُفَرِّقُ مِنهُم مَجمَعَ اللِّمَمِ
ذاقُوا الرَّدى جُرَعاً فَاِستَسلَمُوا جَزَعاً ... لِلصُّلحِ وَالحَربُ مَرقاةٌ إِلى السَّلَمِ
وَأَقبَلَ النَّصرُ يَتلُو وَهوَ مُبتَسِمٌ ... المَجدُ لِلسَّيفِ لَيسَ المَجدُ لِلقَلَمِ
يا حائِرَ اللُّبِّ هَذا الحَقُّ فَامضِ لَهُ ... تَسلَم وَهَذا سَبِيلُ الرُّشدِ فَاِستَقِمِ
لا يَصرَعَنَّكَ وَهمٌ بِتَّ تَرقُبُهُ ... إِنَّ التَّوَهُّمَ حَتفُ العاجِزِ الوَخِمِ
هَذا النَّبيُّ وَذاكَ الجَيشُ مُنتَشِرٌ ... مِلءَ الفَضا فَاِستَبق لِلخَيرِ تَغتَنِمِ
فَالزَم حِماهُ تَجِد ما شِئتَ مِن أَرَبٍ ... وَشِم نَداهُ إِذا ما البَرقُ لَم يُشَمِ
وَاحلُل رِحالَكَ وَانزِل نَحوَ سُدَّتِهِ ... فَإِنَّها عصمَةٌ مِن أَوثَقِ العِصمِ
أَحيا بِهِ اللَّهُ أَمواتَ القُلوبِ كَما ... أَحيا النَّباتَ بِفَيضِ الوابِلِ الرَّذِمِ
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ الصُلحِ وَاِنتَظَمَت ... بِهِ عُقودُ الأَماني أَيَّ مُنتَظَمِ
قامَ النَّبِيُّ بِشُكرِ اللَّهِ مُنتَصِباً ... وَالشُّكرُ فِي كُلِّ حالٍ كافِلُ النِّعَمِ
وَطافَ بِالبَيتِ سبعاً فَوقَ راحِلَةٍ ... قَوداءَ ناجِيَةٍ أَمضى مِنَ النَّسَمِ
فَما أَشارَ إِلى بُدٍّ بِمِحجَنِهِ ... إِلّا هوَى لِيَدٍ مَغلُولَةٍ وَفَمِ
وَفِي حُنَينٍ إِذ اِرتَدَّت هَوازِنُ عَن ... قَصدِ السَّبيلِ وَلَم تَرجِع إِلى الحَكَمِ(1/19)
سَرى إِلَيها بِبَحرٍ مِن مُلَملَمَةٍ ... طامي السّراة بِمَوجِ البِيضِ مُلتَطِمِ
حَتّى اِستَذَلَّت وَعادَت بَعدَ نَخوَتِها ... تُلقي إِلى كُلِّ مَن تَلقاهُ بِالسَّلَمِ
وَيَمَّمَ الطّائِفَ الغَنّاءَ ثُمَّ مَضى ... عَنها إلى أَجَلٍ في الغَيبِ مُكتَتَمِ
وَحِينَ أَوفى عَلى وادِي تَبُوكَ سَعى ... إِلَيهِ ساكِنُها طَوعاً بِلا رَغَمِ
فَصالَحُوهُ وَأَدَّوا جِزيَةً وَرَضُوا ... بِحُكمِهِ وَتَبيعُ الرُشد لَم يَهِمِ
أَلفى بِها عَينَ ماءٍ لا تَبِضُّ فَمُذ ... دَعا لَها اِنفَجَرَت عَن سائِغٍ سَنِمِ
وَراوَدَ الغَيثَ فَاِنهَلَّت بَوادِرُهُ ... بَعدَ الجُمودِ بِمُنهَلٍّ وَمُنسَجِمِ
وَأَمَّ طَيبَةَ مَسْروراً بِعَودَتِهِ ... يَطوي المَنازِلَ بِالوَخّادَةِ الرُّسُمِ
ثُمَّ استَهَلَّت وُفُودُ الناسِ قاطِبَةً ... إِلى حِماهُ فَلاقَت وافِرَ الكَرَمِ
فَكانَ عامَ وُفودٍ كُلَّما اِنصَرَفَت ... عِصابَةٌ أَقبَلَت أُخرى عَلى قَدَمِ
وَأَرسَلَ الرُّسلَ تَترى لِلمُلوكِ بِما ... فِيهِ بَلاغٌ لِأَهلِ الذِّكرِ وَالفَهَمِ
وَأَمَّ غالِبُ أَكنافَ الكَديدِ إِلى ... بَني المُلَوَّحِ فَاِستَولى عَلى النَّعَمِ
وَحِينَ خانَت جُذامٌ فَلَّ شَوكَتَها ... زَيدٌ بِجَمعٍ لِرَهطِ الشِّركِ مُقتَثِمِ
وَسارَ مُنتَحِياً وادي القُرى فَمَحا ... بَني فَزارَةَ أَصلَ اللُّؤمِ وَالقَزَمِ
وَأَمَّ خَيبَرَ عَبدُ اللَّهِ في نَفَرٍ ... إِلى اليَسِير فَأَرداهُ بِلا أَتَمِ
وَيَمَّمَ اِبنُ أُنَيسٍ عُرضَ نَخلَةَ إِذ ... طَغا اِبنُ ثَورٍ فَاصماهُ وَلَم يَخِمِ
ثُمَّ استَقَلَّ اِبنُ حِصنٍ فَاحْتَوَت يَدُهُ ... عَلى بَني العَنبَرِ الطُّرّارِ وَالشُّجُمِ
وَسارَ عَمرو إِلى ذاتِ السَّلاسِلِ في ... جَمعٍ لُهامٍ لِجَيشِ الشِّركِ مُصطَلِمِ
وَغَزوَتانِ لِعَبدِ اللَّهِ واجِدَةٌ ... إِلى رِفاعَةَ وَالأُخرى إِلى إِضَمِ(1/20)
وَسارَ جَمعُ اِبنِ عَوفٍ نَحوَ دَومَةَ كَي ... يَفُلَّ سَورَةَ أَهلِ الزُّورِ وَالتُّهَمِ
وَأَمَّ بِالخَيلِ سيفَ البَحرِ مُعتَزِماً ... أَبُو عُبَيدَةَ في صُيّابَةٍ حُشُمِ
وَسارَ عَمرو إِلى أُمِّ القُرى لِأَبي ... سُفيانَ لَكِن عَدَتهُ مُهلَةُ القِسَمِ
وَأَمَّ مَديَنَ زَيدٌ فَاِستَوَت يَدُهُ ... عَلى العَدُوِّ وَساقَ السَّبيَ كَالغَنَمِ
وَقامَ سالِمُ بِالعَضبِ الجُرازِ إِلى ... أَبي عُفَيكٍ فَأَرداهُ وَلَم يَجِمِ
وَانقَضَّ لَيلاً عُمَيرٌ بِالحُسامِ عَلى ... عَصماءَ حَتّى سَقاها عَلقَمَ العَدَمِ
وَسارَ بَعثٌ فَلَم يُخطِئ ثُمامَةَ إِذ ... رَآهُ فَاحتازَهُ غُنماً وَلَم يُلَمِ
ذاكَ الهُمامُ الَّذي لَبّى بِمَكَّة إِذ ... أَتى بِها مُعلِناً في الأَشهُرِ الحُرُمِ
وَبَعثُ عَلقَمَةَ اِستَقرى العَدُوَّ ضُحىً ... فَلَم يَجِد في خِلالِ الحَيِّ مِن أَرمِ
وَرَدَّ كُرزٌ إِلى العَذراءِ مَن غَدَرُوا ... يَسارَ حَتّى لَقَوا بَرحاً مِنَ الشَّجَمِ
وَسارَ بَعثُ اِبنِ زَيدٍ لِلشَّآمِ فَلَم ... يَلبَث أَنِ انقَضَّ كَالبازي عَلى اليَمَمِ
فَهَذِهِ الغَزَواتُ الغُرُّ شامِلَةً ... جَمعَ البُعُوثِ كَدُرٍّ لاحَ في نُظُمِ
نَظَمتُها راجِياً نَيلَ الشَّفاعَةِ مِن ... خَيرِ البَرايا وَمَولى العُربِ وَالعَجَمِ
هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَولاهُ ما قُبِلَت ... رَجاةُ آدمَ لَمّا زَلَّ في القِدَمِ
حَسبِي بِطَلعَتِهِ الغَرّاءِ مَفخَرَةً ... لَمّا اِلتَقَيتُ بِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
وَقَد حَباني عَصاهُ فَاِعتَصَمتُ بِها ... في كُلِّ هَولٍ فَلم أَفزَع وَلَم أَهِمِ
فَهيَ الَّتي كانَ يَحبُو مِثلَها كَرَماً ... لِمَن يَوَدُّ وَحَسبِي نسبَةً بِهِمِ
لَم أَخشَ مِن بَعدِها ما كُنتُ أَحذَرُهُ ... وَكَيفَ وَهيَ الَّتي تُنجي مِنَ الغُمَمِ
كَفى بِها نِعمَةً تَعلُو بِقيمَتِها ... نَفسِي وَإِن كُنتُ مَسلوباً مِنَ القِيَمِ(1/21)
وَما أُبَرِّئُ نَفسي وَهيَ آمِرَةٌ ... بِالسُوءِ ما لَم تَعُقها خيفَةُ النَّدَمِ
فَيا نَدامَةَ نَفسي في المَعادِ إِذا ... تَعَوَّذَ المَرءُ خَوفَ النُطقِ بِالبَكمِ
لَكِنَّني وَاثِقٌ بِالعَفو مِن مَلِكٍ ... يَعفُو بِرَحمَتِهِ عَن كُلِّ مُجتَرِمِ
وَسَوفَ أَبلُغُ آمالي وَإِن عَظُمَت ... جَرائِمي يَومَ أَلقى صاحِبَ العَلَمِ
هُوَ الَّذي يَنعَشُ المَكرُوبَ إِذ عَلِقَت ... بِهِ الرَّزايا وَيُغني كُلَّ ذي عَدَمِ
هَيهاتَ يَخذُلُ مَولاهُ وَشاعِرَهُ ... في الحَشرِ وَهوَ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
فَمَدحُهُ رَأسُ مالي يَومَ مُفتَقَرِي ... وَحُبُّهُ عِزُّ نَفسي عِندَ مُهتَضَمِي
وَهَبتُ نَفسِي لَهُ حُبّا وَتَكرِمَة ... فَهَل تَراني بَلَغتُ السُّؤلَ مِن سَلَمي
إِنِّي وَإِن مالَ بي دَهري وَبَرَّحَ بي ... ضَيمٌ أَشاطَ عَلى جَمرِ النَّوى أَدَمي
لثابِتُ العَهدِ لَم يَحلُل قُوى أَمَلِي ... يَأسٌ وَلَم تَخطُ بِي في سَلوَةٍ قَدَمي
لَم يَترُكِ الدَّهرُ لي ما أَستَعِينُ بِهِ ... عَلى التَّجَمُّلِ إِلّا ساعِدي وَفَمِي
هَذا يُحَبِّرُ مَدحي في الرَّسولِ وَذا ... يَتلُو عَلى الناسِ ما أُوحيهِ مِن كَلِمِي
يا سَيِّدَ الكَونِ عَفواً إِن أَثِمتُ فَلي ... بِحُبِّكُم صِلَةٌ تُغنِي عَنِ الرَّحِمِ
كَفى بِسَلمانَ لِي فَخراً إِذا انتَسَبَت ... نَفسي لَكُم مِثلَهُ في زُمرَةِ الحَشَمِ
وَحسنُ ظَنِّي بِكُم إِن مُتُّ يَكلَؤُني ... مِن هَولِ ما أَتَّقي فِي ظُلمَةِ الرَّجَمِ
تَاللَّهِ ما عاقَني عَن حَيِّكُم شَجَنٌ ... لَكِنَّنِي مُوثَقٌ في رِبقَةِ السَّلَمِ
فَهَل إِلى زَورَةٍ يَحيا الفُؤادُ بِها ... ذَرِيعَةٌ أَبتَغيها قَبلَ مُختَرَمِي
شَكَوتُ بَثِّي إِلى رَبِّي لِيُنصِفَني ... مِن كُلِّ باغٍ عَتِيدِ الجَورِ أَوهكمِ
وَكَيفَ أَرهَبُ حَيفا وَهوَ مُنتَقِمٌ ... يَهابُهُ كُلُّ جَبّارٍ وَمُنتَقِمِ(1/22)
لا غَروَ إِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنهُ فَقَد ... أَنزَلتُ مُعظَمَ آمالي بِذي كَرَمِ
يا مالِكَ المُلكِ هَب لِي مِنكَ مَغفِرَةً ... تَمحُو ذُنُوبي غَداةَ الخَوفِ وَالنَّدَمِ
وَامْنُن عَلَيَّ بِلُطفٍ مِنكَ يَعصِمُني ... زَيغَ النُّهى يَومَ أَخذِ المَوتِ بِالكَظَمِ
لَم أَدعُ غَيرَكَ فِيما نابَني فَقِني ... شَرَّ العَواقِبِ وَاِحفَظنِي مِنَ التُّهَمِ
حاشا لِراجيكَ أَن يَخشى العِثارَ وَما ... بَعدَ الرَّجاءِ سِوى التَّوفيقِ لِلسَّلَمِ
وَكَيفَ أَخشى ضَلالاً بَعدَما سَلَكَت ... نَفسِي بِنُورِ الهُدى في مَسلَكٍ قِيَمِ
وَلِي بِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ مَنزِلَةٌ ... أَرجُو بِها الصَّفحَ يَومَ الدِّينِ عَن جُرُمِي
لا أَدَّعي عِصمَةً لَكِن يَدِي عَلِقَت ... بِسَيِّدٍ مَن يَرِد مَرعاتَهُ يَسُمِ
خَدَمتُهُ بِمَديحي فَاعتَلَوتُ عَلى ... هامِ السِّماكِ وَصارَ السَّعدُ مِن خَدَمِي
وَكَيفَ أَرهَبُ ضَيماً بَعدَ خِدمَتِهِ ... وَخادِمُ السَّادَةِ الأَجوادِ لَم يُضَمِ
أَم كَيفَ يَخذُلُنِي مِن بَعدِ تَسمِيَتِي ... بِاسمٍ لَهُ في سَماءِ العَرشِ مُحتَرَمِ
أَبكانِيَ الدَّهرُ حَتّى إِذ لَجِئتُ بِهِ ... حَنا عَلَيَّ وَأَبدى ثَغرَ مُبتَسِمِ
فَهوَ الَّذي يَمنَحُ العافِينَ ما سَأَلُوا ... فَضلاً وَيَشفَعُ يَومَ الدِّينِ في الأُمَمِ
نُورٌ لِمُقتَبِسٍ ذُخرٌ لِمُلتَمِسٍ ... حِرزٌ لِمُبتَئِسٍ كَهفٌ لِمُعتَصِمِ
بَثَّ الرَّدى وَالنَّدى شَطرَينِ فَانبَعَثا ... فِيمَن غَوى وَهَدى بِالبُؤسِ وَالنِّعَمِ
فَالكُفرُ مِن بَأسِهِ المَشهورِ في حَرَبٍ ... وَالدِّينُ مِن عَدلِهِ المَأثُورِ في حَرَمِ
هَذا ثَنائِي وَإِن قَصَّرتُ فيهِ فَلي ... عُذرٌ وَأَينَ السُّها مِن كَفِّ مُستَلِمِ
هَيهاتَ أَبلُغُ بِالأَشعارِ مدَحتَهُ ... وَإِن سَلَكتُ سَبيلَ القالَةِ القُدُمِ(1/23)
ماذا عَسى أَن يَقُولَ المادِحُونَ وَقَد ... أَثنى عَلَيهِ بِفَضلٍ مُنزلُ الكَلِمِ
فَهاكَها يا رَسُولَ اللَّهِ زاهِرَةً ... تُهدِي إِلى النَّفسِ رَيّا الآسِ وَالبَرَمِ
وَسمتُها بِاسمِكَ العَالي فَأَلبَسنَها ... ثَوباً مِنَ الفَخرِ لا يَبلى عَلى القِدَمِ
غَرِيبَةٌ في إِسارِ البَينِ لَو أَنِسَت ... بِنَظرَةٍ مِنكَ لاستغنَت عَنِ النَّسَمِ
لَم أَلتَزِم نَظمَ حَبّاتِ البَديعِ بِها ... إِذ كانَ صَوغُ المَعانِي الغُرِّ مُلتَزمِي
وَإِنَّما هِيَ أَبياتٌ رَجَوتُ بِها ... نَيلَ المُنى يَومَ تَحيا بَذَّةُ الرِّمَمِ
نَثَرتُ فِيها فَرِيدَ المَدحِ فَاِنتَظَمَت ... أَحسِن بِمُنتَثِرٍ مِنها وَمُنتَظِمِ
صَدَّرتُها بِنَسِيبٍ شَفَّ باطِنُهُ ... عَن عِفَّةٍ لَم يَشِنها قَولُ مُتَّهِمِ
لَم أَتَّخِذهُ جُزافاً بَل سَلَكتُ بِهِ ... فِي القَولِ مَسلَكَ أَقوامٍ ذَوي قَدَمِ
تابَعتُ كَعباً وَحَسّاناً وَلِي بِهِما ... في القَولِ أُسوَةُ بَرٍّ غَيرِ مُتَّهَمِ
وَالشِّعرُ مَعرَضُ أَلبابٍ يُروجُ بِهِ ... ما نَمَّقَتهُ يَدُ الآدابِ وَالحِكَمِ
فَلا يَلُمنِي عَلى التَّشبِيبِ ذُو عَنَتٍ ... فَبُلبُلُ الرَّوضِ مَطبُوعٌ عَلَى النَّغَمِ
وَلَيسَ لِي رَوضَةٌ أَلهُو بِزَهرَتِها ... في مَعرَضِ القَولِ إِلّا رَوضَةُ الحَرَمِ
فَهيَ الَّتِي تَيَّمَت قَلبي وَهِمتُ بِهَا ... وَجْداً وَإِن كُنتُ عَفَّ النَّفسِ لَم أَهِمِ
مَعاهِدٌ نَقَشَت في وَجنَتيَّ لَها ... أَيدِي الهَوى أَسطُراً مِن عَبرَتِي بِدَمِ
يا حادِيَ العِيسِ إِن بَلَّغتَني أَمَلي ... مِن قَصدِهِ فَاقتَرِحْ مَا شِئتَ وَاِحتَكِمِ
سِر بِالمَطايا وَلا تَرفَق فَلَيسَ فَتىً ... أَولى بِهَذا السُّرَى مِنْ سَائِقٍ حُطَمِ
وَلا تَخَف ضَلَّةً وَاِنظُر فَسَوفَ تَرى ... نُوراً يُريكَ مَدَبَّ الذَّرِ فِي الأَكَمِ(1/24)
وَكَيفَ يَخشى ضَلالاً مَن يَؤُمُّ حِمى ... مُحَمَّدٍ وَهوَ مِشكاةٌ عَلَى عَلَمِ
هَذِي مُنايَ وَحَسبي أَن أَفوزَ بِها ... بِنِعمَةِ اللَّهِ قَبلَ الشَّيبِ وَالهَرَمِ
وَمَن يَكُن راجِياً مَولاهُ نالَ بِهِ ... ما لَم يَنَلهُ بِفَضلِ الجِدِّ وَالهِمَمِ
فاسجُد لَهُ وَاِقترِب تَبلُغ بِطاعَتِهِ ... ما شِئتَ في الدَّهرِ مِن جاهٍ وَمِن عِظَمِ
هَوَ المَليكُ الَّذي ذَلَّت لِعِزَّتِهِ ... أَهلُ المَصانِعِ مِن عادٍ وَمِن إِرَمِ
يُحيي البَرايا إِذا حانَ المَعادُ كَما ... يُحيي النَّباتَ بِشُؤبُوبٍ مِنَ الدِّيَمِ
يا غافِرَ الذَّنبِ وَالأَلبابُ حائِرَةٌ ... في الحَشرِ وَالنارُ تَرمِي الجَوَّ بِالضَّرَمِ
حَاشَا لِفَضلِكَ وَهوَ الْمُسْتَعاذُ بِهِ ... أَن لا تَمُنَّ عَلى ذِي خَلَّةٍ عَدِمِ
إِنّي لَمُستَشفِعٌ بِالمُصطَفى وَكَفى ... بِهِ شَفِيعاً لَدَى الأَهْوَالِ وَالقُحَمِ
فَاقبَل رَجائِي فَما لي مَن أَلوذُ بِهِ ... سِواكَ في كُلِّ ما أَخشَاهُ مِن فَقَمِ
وَصَلِّ رَبِّ عَلى المُختارِ ما طَلَعَت ... شَمسُ النَّهارِ وَلاَحَتْ أَنجُمُ الظُّلَمِ
وَالآلِ وَالصَّحبِ وَالأَنصارِ مَن تَبِعُوا ... هُداهُ وَاعْتَرَفوا بِالعَهدِ وَالذِّمَمِ
وَامنُن عَلى عَبدِكَ العانِي بِمَغفِرَةٍ ... تَمحُو خَطاياهُ في بَدءٍ وَمُختَتَمِ(1/25)
وقال عمر بن الوردي المتوفي سنة 749 هـ مخاطباً ولده :
اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكر لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل
واترك الغادة لا تحفل بها ... تمس في عز رفيع وتجل
وافتكر في منتهى حسن الذي ... أنت تهواه تجدأمراً جلل
واهجر الخمرة إن كنت فتى ... كيف يسعى في جنون من عقل
واتق الله فتقوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً ... إنما من يتقي الله البطل
كُتِبَ الموت على الخلق فكم ... فلَّ من جيش وأنفى من دول
أين نمرود وكنعان ومَن ... ملك الأرض وولَّى وعزل
أي من سادوا وشادوا وبنوا ... هلك الكل ولم تغن القلل
أين أرباب الحجى أهل النهى ... أين أهل العلم والقوم الأول
سيعيد الله كلاً منهم ... وسيجزي فاعلاً ماقد فعل(1/1)
يابني اسمع وصايا جمعت ... حكماً خُصَّت بها خيرُ الملل
اطلب العلم ولاتكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا ... تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن ... يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سار على الدرب وصل
في أزدياد العلم إرغام العدا ... وجمال العلم إصلاح العمل
جمِّلِ المنطقَ بالنحو فمن ... يحرم الإعراب بالنطق اختبل
انظم الشعر ولازم مذهبي ... في اطراح الرفد لا تبغ النحل
فهو عنوان على الفضل وما ... أحسن الشعر إذا لم يبتذل
أنا لا أختار تقبيل يدٍ ... قطعها أجمل من تلك القبل
ملك كسرى عنه تغني كسرة ... وعن البحر اجتزاء بالوشل
اطرح الدنيا فمن عاداتها ... تخفض العالي وتعلي من سفل
عيشة الراغب في تحصيلها ... عيشة الجاهل فيها أو أقل
كم جهول بات فيها مكثراً ... وعليم بات منها في علل
كم شجاع لم ينل فيها المنى ... وجبان نال غايات الأمل
فاترك الحيلة فيها واتكل ... إنما الحيلة في ترك الحيل
لا تقل أصلي وفصلي أبداً ... إنما أصل الفتى ماقد حصل
قد يسود المرء من دون أب ... وبحسن السبك قد ينفى الدغل
إنما الورد من الشوك وما ... ينبت النرجس إلا من بصل
قيمة الإنسان ما يحسنه ... أكثر الإنسان منه أم أقل(1/2)
بين تبذير وبخل رتبة ... وكلا هذين إن زاد قتل
ليس يخلو المرء من ضدٍّ ولو ... حاول العزلة في رأس الجبل
دارِ جارَ السوء بالصير وإن ... لم تجد صبراً فما أحلى النُّقَل
جانب السلطان واحذر بطشه ...لا تعاند من إذا قال فعل
لا تل الأحكام إن هم سألوا ... رغبة فيك وخالف من عذل
إن نصف الناس أعداءٌ لمن ... ولي الأحكام هذا إن عدل
قصِّر الآمالَ في الدنيا تفز ... فدليل العقل تقصير الأمل
غِبْ وزُرْ غِبِّا تزد حبَّاً فمن ... أكثر الترداد أقصاه الملل
لا يضر الفضل إقلال كما ... لايضر الشمس إطباق الطفل
خذ بنصل السيف واترك غمده ... واعتبر فضل الفتى دون الحلل
حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل
فبمكث الماء يبقى آسناً ... وسرى البدر به البدر اكتمل(1/3)
لامية العميد الطغرائي :
وقال العميد أبو إسماعيل الطغرائي المتوفى سنة 513 هـ :
أصالة الرأي صانتي عن الخَطَلِ ... وحلية الفضل زانتني لدى العَطَلِ
مجدي أخير ومجدي أولا شرعٌ ... والشمس راد الضحى كالشمس في الطَّفَلِ
فيم الإقامة بالزوراء لاسكني ... بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناء عن الأهل صفر الكف منفرد ... كالسيف عري متناه عن الخلَلِ
فلا صديق إليه مشتكى حزني ... و لا أنيس إليه منتهى جذلي
طال اغترابي حتى حنَّ راحلتي ... ورحلها وقر العسالة الذبلِ
وضج من لغب نضوي وعج لما ... ألقى ركابي ولجَّ الركب في عَذَلي
أريد بسطة كفٍّ أستعين بها ... على قضاء حقوق للعُلى قبلي
والدهر يعكس آمالي و يقنعني ... من الغنيمة بعد الكدِّ بالقَفَلِ
وذي شطاط كصدر الرمح معتقل ... بمثله غير هياب ولا وَكِلِ
حلو الفكاهة مر الجدِّ قد مُزِجت ... بشدة البأس منه رقة الغُوَلِ
طردت سرح الكرى عن ورد مقلته ... والليل أغرى سوام النوم بالمُقَلِ
والركب ميل على الأكوار من طرب ... صاح وآخر من خمر الكرى ثَمِلِ
فقلت أدعوك للجُلَّى لتنصرني ... وأنت تخذلني في الحادث الجَلَلِ
تنام عني وعين النجم ساهرة ... وتستحيل وصبغ الليل لم يَحُلِ
فهل تعين علي غي هممت به ... و الغي يزجر أحياناً عن الفَشَلِ
إني أريد طروق الحي من إضم ... وقد حماه رماةٌ من بني ثُعَلِ
فسر بنا في ذمام الليل معتسفاً ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحُلُلِ
فالحب حيث العدا والأسد رابضة ... حول الكناس لها غاب من الأَسَلِ
نؤم ناشئة بالزع قد سقيت ... نصالها بمياه الغُنجِ والكُحُلِ
قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما بالكرائم من جُبنٍ ومن بُخُلِ
تبيت نار الهوى منهن في الكبد ... حرى ونار القرى منهم على القُلَلِ
يقتلن أنضاء حب لا حراك بهم ... وينحرون كرام الخيل والإبِلِ
يشفى لديغ العوالي في بيوتهم ... بنهلة من غدير الخمر والعسلِ(1/1)
لعل إلمامه بالجزع ثانية ... يدب منها نسيم البرء في عللي
لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت ... برشقة من نبال الأعين النُّجُلِ
ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني ... باللمح من خلل الأستار والكَلَلِ
ولا أخل بغزلان تغازلني ... ولو دهتني أسود الغيل بالغِيَلِ
حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً ... في الأرض أو سلَّماً في الجو فاعتزلِ
ودع غمار العلى للمُقدِمين على ... ركوبها واقتنع منهن بالبَلَلِ
يرضى الذليل بخفض العيش مسكنة ... والعزُّ عند رسيم الأينق الذُّلُلِ
فأدرأ بها في نحور البيد جافلة ... معارضات مثاني اللجم بالجدَلِ
إنَّ العُلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النُّقَلِ
لو أنَّ في شرف المأوى بلوغ منىً ... لم تبرح الشمس يوماً دارة الحملِ
أهبت بالحظ لو ناديت مستمعاً ... والحظُّ عني بالجهَّال في شُغُلِ
لعله إن بدا فضلي ونقصهمُ ... لعينه نام عنهم أو تنبه لي
أعلل النفس بالآمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمَلِ
لم أرتض العيش والأيام مقبلة ... فكيف أرضى وقد ولت على عَجَلِ
غالى بنفسي عرفاني بقيمتها ... فصنتها عن رخيص القدر مبتذلِ
وعادة السيف أن يزهى بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بَطَلِ
ماكنت أوثر أن يمتد بي زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسُّفَلِ
تقدمتني أناس كان شوطهم ... وراء خطوي لو أمشي على مهلِ
هذا جزءاً امرئ أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الأجلِ
فإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحلِ
فاصبر لها غير محتال ولا ضجر ... في حادث الدهر ما يغني عن الحيلِ
أعدى عدوك أدنى من وثقت به ... فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
فإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجلِ
وحسن ظنك بالأيام معجزة ... فظن شراً وكن منها على وجلِ
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعملِ
وشان صدقك عند الناس كذبهم ... وهل يطابق معوج بمعتدلِ(1/2)
وصية الإخوان
لسيدنا الإمام عبدالله بن حسين بن طاهر بن محمد بن هاشم العلوي
أُوصِيكُمُ يا مَعْشَرَ الإِخْوان** عَليكُمُ بطَاعَةِ الدَّيَّانِ
إيَّاكُمُ أن تُهمِلُوا أوقَاتَكُمْ **فتَندَمُوا يَومَاً عَلى ما فَاتَكُمْ
فإِنَّما غَنِيمَةُ الإِنسانِ **شَبَابُهُ و الخُسْرُ في التَّوَانِي
مَا أَحْسَنَ الطَّاعَاتِ للشُّبَّانِ **فَاسعَوا لتَقْوى الله يَا إِخْواني
و أَعْمِرُوا أوقَاتَكُم بالطَّاعَةِ **والذِّكرِ كَلَّ لَحظةٍ و سَاعةِ
فَمَنْ تَفُتْهُ سَاعَةٌ في عُمْرِهِ ** تَكُنْ عَلَيهِ حَسْرَة في قَبرِهِ
و مَنْ يَقُلْ إِنِّي صَغِيرٌ أَصْبِرُ **حَتَّى أَخَافَ اللهَ حِينَ أَكْبِرُ
فَإِنَّ ذَلكَ غَرَّهُ إِبْلِيسُ ** و قَلْبُهُ مُقَفَّلٌ مَطْمُوس
لا خَيرَ فِي مَنْ لَمْ يَتُبْ صَغِيرَا ** و لَمْ يَكُنْ بِعَيْبِهِ بَصِيرَا
و إِنْ أَرَدْتَ سُنَّة النَّبِيِّ ** فَاجْتَنِبَنَّ قُرَنَاءَ السُّوءِ
و اخْتَرْ مِنَ الأَصْحَابِ كُلَّ مُرْشِد ** ِإِنَّ القَرِينَ بِالقَرِينِ يَقْتَدِي
فَصُحْبَةُ الأَخْيَارِ لِلقَلْبِ دَوَا ** تَزِيدُ لِلقَلْبِ نَشَاطَاً وَ قُوَا
و صُحْبَةُ الأَشْرَارِ دَاءٌ و عَمَى ** تَزِيدُ لِلقَلْبِ السَّقِيمِ سَقَمَا
فَتُبْ إِلَى َموْلاكَ يَا إِنْسَانُ ** مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفُوتَكَ الزَّمَانُ
يَا أَيُّهَا الغَافِلُ عَن مَولاهُ ** اُنْظُرْ بِأَيِّ عَمَلٍ تَلْقَاهُ
أَمَا عَلِمْتَ المَوتَ يَأْتِي مُسْرِعَا ** و لَيسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى
و لَيسَ لِلإِنْسَانِ مِنْ بَعْدِ الأَجَلْ ** إِلا الَّذِي قَدَّمَهُ مِنَ العَمَلْ
يَا أَفْلَسَ النَّاسِ طَوِيلَ الأَمَلِ ** مُضَيِّعَ العُمْرِ كَثِيرَ الحِيَلِ
نَهَارُهُ أَمْضَاهُ في بَطَالَهْ ** و نَوْمُهُ فِي اللَّيْلِ بِئْسَ الَحالَهْ
فَادْعُ لَنَا يَا سَامِعَاً وَصِيَّتِي ** بالعفوِ الخِتَامِ بالشَّهَادَةِ
و الحَمْدُ لله لَهَا خِتَامَا ** ما نَادَى للصَّلاة أو أَقَاما
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِي الإِمَامِ ** ما نَاحَ طيرُ الأيكِ و الحَمَامِ
وَ آلِهِ مَا انْبَلَجَ الصَّبَاحُ ** و صحبه ما هبَّت الرياحُ
ُ
ِ
(1/1)
بِالعَفْوِ وَالخِتَامِ بِالشَّهَادَةِ
مَا نَادَى لِلصَّلَاةِ أَو أَقَامَا
مَا نَاحَ طَيْرُ الأَيْكِ وَ الحَمَامِ
وَ صَحْبِهِ مَا هَبَّتِ الرِّيَاحُ
وصية الإخوان
أُوصِيكُمُ يا مَعْشَرَ الإِخْوانِ
إيَّاكُمُ أن تُهمِلُوا أوقَاتَكُمْ
فإِنَّما غَنِيمَةُ الإِنسانِ
مَا أَحْسَنَ الطَّاعَاتِ للشُّبَّانِ
و أَعْمِرُوا أوقَاتَكُم بالطَّاعَةِ
فَمَنْ تَفُتْهُ سَاعَةٌ في عُمْرِهِ
و مَنْ يَقُلْ إِنِّي صَغِيرٌ أَصْبِرُ
فَإِنَّ ذَلكَ غَرَّهُ إِبْلِيسُ
لا خَيرَ فِي مَنْ لَمْ يَتُبْ صَغِيرَا
و إِنْ أَرَدْتَ سُنَّة النَّبِيِّ
و اخْتَرْ مِنَ الأَصْحَابِ كُلَّ مُرْشِدِ
فَصُحْبَةُ الأَخْيَارِ لِلقَلْبِ دَوَا
و صُحْبَةُ الأَشْرَارِ دَاءٌ و عَمَى
فَتُبْ إِلَى َموْلاكَ يَا إِنْسَانُ
يَا أَيُّهَا الغَافِلُ عَن مَولَاهُ
أَمَا عَلِمْتَ المَوتَ يَأْتِي مُسْرِعَا
و لَيسَ لِلإِنْسَانِ مِنْ بَعْدِ الأَجَلْ
يَا أَفْلَسَ النَّاسِ طَوِيلَ الأَمَلِ
نَهَارُهُ أَمْضَاهُ في بَطَالَهْ
فَادْعُ لَنَا يَا سَامِعَاً وَصِيَّتِي
و الحَمْدُ لله لَهَا خِتَامَا
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِي الإِمَامِ
وَ آلِهِ مَا انْبَلَجَ الصَّبَاحُ ... عَليكُمُ بطَاعَةِ الدَّيَّانِ
فتَندَمُوا يَومَاً عَلى ما فَاتَكُمْ
شَبَابُهُ و الخُسرُ في التَّوَانِ
فَاسعَوا لتَقْوى الله يَا إِخْواني
والذِّكرِ كَلَّ لَحظةٍ و سَاعةِ
تَكُنْ عَلَيهِ حَسْرَة في قَبرِهِ
حَتَّى أَخَافَ اللهَ حِينَ أَكْبِرُ
و قَلْبُهُ مُقَفَّلٌ مَطْمُوسُ
و لَمْ يَكُنْ بِعَيْبِهِ بَصِيرَا
فَاجْتَنِبَنَّ قُرَنَاءَ السُّوءِ
إِنَّ القَرِينَ بِالقَرِينِ يَقْتَدِي
تَزِيدُ لِلقَلْبِ نَشَاطَاً وَ قُوَا
تَزِيدُ لِلقَلْبِ السَّقِيمِ سَقَمَا
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفُوتَكَ الزَّمَانُ
اُنْظُرْ بِأَيِّ عَمَلٍ تَلْقَاهُ(1/2)
و لَيسَ لِلإنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى
إِلَّا الَّذِي قَدَّمَهُ مِنَ العَمَلْ
مُضَيِّعَ العُمْرِ كَثِيرَ الحِيَلِ
و نَوْمُهُ فِي اللَّيْلِ بِئْسَ الَحالَهْ
بِالعَفْوِ وَالخِتَامِ بِالشَّهَادَةِ
مَا نَادَى لِلصَّلَاةِ أَو أَقَامَا
مَا نَاحَ طَيْرُ الأَيْكِ وَ الحَمَامِ
وَ صَحْبِه مَا هَبًّتِ الرِّيَاحُ(1/3)