الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس (6)
منطق الأواني
بفيض تراجم عيون أعيان آل الكتاني
تأليف
الشريف محمد حمزة بن محمد علي الكتاني الحسني
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله الذي أكرم هذه الأمة بآل بيت نبيه الأطهار، الذين هم في ليل التاريخ بدور وأقمار، بضعة المصطفى التي يُرحم بها المسيئون والأبرار، المشير إليهم تعالى بقوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.[ الأنفال: 33]، إشارة يفهمها ذووا الاستبصار.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبي الرحمة ملتقى الأنهار، الفاتق من ظلام الجهل بدائع الأنوار، والهادي إلى طريق الحق العالمين الأغيار، القائل: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، وهو: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، كما ورد في صحيح الآثار.
أما بعد؛ فهذا مؤلف صغير الجِرم، كبير الفائدة، ضم بين لابتيه تراجم عيون أعيان آل البيت الأشراف الكتانيين، ممن لا يسع المؤرخ جهله أو إغفاله، ممن كانت لهم يد بيضاء في العلم والعمل، واشتهروا وصنفوا، وتلمذ لهم الأعلام، أو خلفوا وراءهم من الآثار ما بقي غرة في جبين الإسلام، بحيث يمثلون صورة مشرقة لبركات آل البيت الطاهرين، وورثة النبي الأمين: "وإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" كما في الحديث الشريف.
وفي هذه التراجم – مع اختصارها – ما استدركته على كبار المؤرخين – خاصة مؤرخي البيت الكتاني – من وفيات وأخبار وقفت عليها في مبعثرات الكنانيش، أو أقزاع الوثائق والمخطوطات. على أني اقتصرت في تراجمي على من مضى وفات، وطوته من الأيام الصفحات، نفضا للغبار عنهم، وإزكاء لأخبارهم، وإرشادا لطلبة العلم والمعارف، والباحثين في مختلف الفنون والعلوم والتاريخ نحوهم ونحو مؤلفاتهم.(1/1)
كما اعتنيت في الحواشي بذكر أهم مصادر ترجمة المذكورين صلبه، ليسهل الرجوع إليها، والبحث عن تفاصيل تلك التراجم، وربما اكتفيت في بعض الأخبار بأفواه الرجال؛ لانعدام المصادر المؤرخة لذلك، نظرا لإغفال مؤرخي المغرب – خاصة – ذكرهم، وعقوقهم نحوهم، لانشغالهم بالاقتصار في التراجم على من اعتنى بكسب المناصب، أو كانت له حظوة لدى حكام العصر، الأمر الذي كان هؤلاء الأشراف أبعد الناس عنه، وأزهدهم فيه.
مُناي من الدنيا علوم أبثُّها
دعاءٌ إلى القرآن والسُنَنِ التي ... وأنشرُها في كل بادٍ وحاضرِ
تناسَى رجالٌ ذكرَها في المَحاضرِ
وأرفقت كل صاحب ترجمة بصورته قدر المستطاع، لتبقى في ذهن القارئ، وليعيش تراجم الكتاب وهديهم وسمتهم، ونظرا لأن كثيرا من المتقدمين اعتنوا بذكر الصفات الخَلْقية للمترجمين، فوجدت أن الصور أصدق واصف لذلك.
كما رتبت تراجم الكتاب على حسب الوفيات، تسهيلا للقاريء والباحث الدارس في تاريخ هذا البيت الكريم. وقدمت للكتاب بمقدمة مختصرة ذكرت فيها أهم إنجازات الشرفاء الكتانيين في المغرب، والمحطات التي لا يمكن إغفالها عند التعريف بهم، والولوج لحيهم. وآثرت تسمية الكتاب:
مَنْطِقُ الأواني؛ بفيض تراجمِ عيونِ أعيانِ آل الكتاني
مقتبسا من قول الإمام الششتري رضي الله عنه:
حِبي معي في داري
واستعلى في المنار ... قريبْ ما هُو بعيدْ
وقالْ لي: ما تريدْ؟
قلت: الرضا يا باري
قالْ لي: سَبَقْ ضَمَاني ... عسى أموتْ شهيدْ
مِن قبل ذا الزمان
ما تنطقُ الأواني إلا بما سكَن(1/2)
على أنني إنما ذكرت في هذا المختصر عيون أعيان ساداتنا الشرفاء الكتانيين، ولم أذكر أعيانهم حصرا، وهو عمل آخر قمت به في كتاب: "النجم الثاقب، بذكر من مضى من علماء الكتانيين وصلحائهم وذوي المناقب" الذي يضم أكثر من مائة وعشرين ترجمة لمن وُسم منهم بعلم أو اشتهر بصلاح وعمل، أو وجاهة بين قومه، يسر الله تعالى إتمامه بمنه وكرمه. كما أفردتُ ذكر ألف من مؤلفاتهم وأماكنها، وتراجم مؤلفيها في كتاب سميته: "السبحة النورانية، بذكر ألف من المؤلفات الكتانية، وتراجم أصحابها ذوي المزايا السامية".
ومقصودي – بدءا وانتهاء – بهذا المؤلف وأضرابه؛ أن يكون وثيقة بين يدي أبناء أسرتي، ليعرفوا تراجم آبائهم وما كانوا عليه من صلاح وورع، وخدمة للإسلام والمسلمين، واعتناء زائد بالعلم والعمل به، علهم يقْفُون أثرهم، ويجدون هذا المسطور حصنا لهم حصينا من لوثات الحضارة الغربية المعاصرة، فيواكبوها متشبعين بتعاليم دينهم، معتنين بفقه شريعتهم، قائمين بالدعوة إلى الله تعالى أينما حلوا وارتحلوا، تخلقا وهداية.
ومستعينا بالله تعالى أقول، وأصول وأجول:
المقدمة
الكتانيون (الشرفاء) (1):
__________
(1) المراجع: "الدر السني" ص38، "نظم الدر واللآل"، "الدرر البهية" (2: 107)، "الرياض الريانية"، "المظاهر السامية"، "النبذة اليسير"، "ورقات من تاريخ المرينيين". ص401، "الشرفاء الكتانيون في الماضي والحاضر".(1/3)
ينحدر الشرفاء الكتانيون من أمير الناس يحيى الثالث؛ المدعو بالكتاني بن عمران بن عبد الجليل بن يحيى الثاني بن يحيى الأول؛ الذي بني في إمارته جامعا القرويين والأندلس، ابن محمد بن إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وسيدة النساء فاطمة البتول بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وقد عدهم النسابة عبد السلام بن الطيب القادري في الطبقة الأولى من الأشراف؛ فقال في "الدر السني فيمن بفاس من ذوي النسب الحسني" ص38: "هم من شعب الأدارسة الذين آثارهم واضحة غير دارسة، نسبهم أوصل نسب، وسببهم أوثق سبب".
وسبب تسميتهم بالكتاني: أن جدهم أمير الناس يحيى الثالث المذكور خيم لجيشه بخيام الكتان، حينما كان ملكا بزواوة، وكانت العادة أنه لا يخيم إلا بخيام الصوف أو الشعر، فأطلق عليه ذلك اللقب وعلى بنيه من بعده. وكانوا يسمون في الماضي بأمراء الناس نسبة لجدهم المذكور الملقب بأمير الناس، وبالزواويين؛ نسبة لزواوة التي استوطنوها فترة من الزمان، وبشرفاء عقبة ابن صوال؛ نسبة للمحل الذي استوطنوه أولا عند رجوعهم لفاس في القرن العاشر.(1/4)
وأول من انتقل من سلفهم لتلمسان هو: العارف عبد الجليل بن يحيى الثاني (ت 303)، وأول منتقل إلى زواوة: أمير الناس يحيى الثالث الكتاني (ت393)، وأول منتقل إلى منطقة شالة؛ قرب الرباط:محمد بن عبد الله بن هادي (ت542) على الأرجح، وأول منتقل إلى مكناس: موسى بن أبي بكر بن محمد (ت646)، وكانت لهم بها حظوة عند ملوك بني مرين، وتعظيم كبير من لدن أهلها. وفي هذه الفترة انتقل مجموعة من الكتانيين إلى بلاد جاوا بإندونيسيا، ونشروا الإسلام بها، ولهم قبور وضرائح معروفة بمنطقة "سورابايا" بها، بحيث الصغير والكبير بجاوا يعلم أن فضل انتشار الإسلام في تلك الناحية من العالم بفضل الرحالين الكتانيين إليها، كما ذكره الأستاذ الرحالة الهاشمي التونسي في مجلة "المقطم" الصادرة بتاريخ 13، 14 سبتمبر 1929. وأول عائد إلى فاس: محمد بن قاسم الكتاني(ت 949).
وينحدر جميع الشرفاء الكتانيين المعروفين الآن من والد الحي مولاي علي بن أبي القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن قاسم بن عبد الواحد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني (ت 1054)، من نجليه مَحمد وأحمد، وقد قسمت فروعهم الشجرة الكتانية الأخيرة التي أنشأها الدكتور علي بن المنتصر الكتاني والدكتور حمزة بن الطيب الكتاني إلى تسعة عشر قسما؛ أحد عشر منها ينتمون إلى الفرع الأحمدي؛ والمسمى بالطيبي كذلك؛ نسبة للقطب مولاي الطيب بن محمد الكتاني، وثمانية منها للفرع المحمدي، ويسمى كذلك الحلبي نسبة للشيخ الإمام أحمد بن عبد الحي الحلبي الذي زوج بنته السيدة فاطمة من الشيخ محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي المذكور.(1/5)
ويستقر غالب الشرفاء الكتانيين الذين يقدر عددهم بين ذكور وإناث بألف وخمسمائة فرد بالمغرب، ومنهم فرقة تقطن بسوريا، ينحدرون من الشيخ محمد المكي بن محمد بن جعفر الكتاني (ت1393/ 1973)، وفرقة تقطن تونس ينحدرون من الزعيم مولاي الطاهر بن أحمد الكتاني (ت 1258)، وقد تخلى خلفه عن لقب الكتاني، واشتهروا بلقب "إدريس"، ومنهم الوزير والسفير السابق، والوطني المكافح الأستاذ رشيد بن محمد بن أحمد بن مولاي الطاهر إدريس.
كما تواتر في البيت الكتاني منذ القدم الصلاح والارتكان لباب الله تعالى، والبعد عن الظهور وتولي المناصب الرسمية. غير أنه في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين اشتهر منهم مصلحون مجددون، كان لهم دور فاعل في إدارة عجلة التاريخ المغربي في تلك الفترة من النواحي الدعوية والعلمية والسياسية.
ويتميز البيت الكتاني باعتناء أفراده بالعلم والدين، والوطنية الصادقة، بحيث تعد مؤلفاتهم الآن بحوالي ثلاثة آلاف كتاب، معتمد بعضها في التدريس في مختلف جامعات العالم؛ في مجالات السياسة الشرعية، والتاريخ، والحديث، والاقتصاد، والهندسة...وغيرها. كما قام أفراده بأعمال وطنية خالدة على مستوى المغرب والعالم الإسلامي أجمع، وكان لأعلامه ارتباط وثيق مع مختلف زعماء الحركات الإسلامية والتحريرية بالمشرق والمغرب.
الكتانيون (العوام) (1):
وهم غير الشرفاء الكتانيين. وكان بيتهم من البيوتات المعروفة بفاس؛ ظهر فيهم علماء وكتاب ومؤرخون، وقد انقرض هذا البيت من فاس كما ذكره صاحبا "النبذة اليسيرة"، و"زهر الآس". غير أن الأستاذ عبد السلام ابن سودة يؤرخ لأبي خدة الكتاني (ت: 1180)؛ من الكتانيين العوام بفاس، في "إتحاف المطالع" (1: 25).
__________
(1) المراجع: "النبذة"ص31. "زهر الآس" (2: 122)، "تحفة الأكياس" (452)، "إتحاف المطالع"(1: 25).(1/6)
وبعد انتشار الطريقة الأحمدية الكتانية القرن المنصرم (الرابع عشر الهجري)؛ تسمى جمع من المحبين في الطريقة والعائلة الكتانية باسم "الكتاني"، وهم موزعون في أطراف المغرب، محصورة أسماء جلهم في كنانيش "جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة".
كما اشتهر جمع من أعلام المغرب والأندلس من قديم الزمان باسم "الكتاني"؛ حصر جملة من أسمائهم صاحبا "النبذة اليسيرة"، و"تحفة الأكياس".
الكتانيون (الفلسطينيون) (1):
بفلسطين بمدينة "طولكرم" عائلة كبيرة ينتمون إلى: "العارف الرباني والقطب الصمداني الشيخ محمد الكتاني"، المهاجر إلى فلسطين في حدود أوائل القرن العاشر الهجري، وله بها زاوية شهيرة. كما اشتهرت ذريته بالولاية والصلاح، ويعرفون في منطقتهم بأنهم مغاربة، وأشراف، وهم يدعون بأن أصلهم من فاس، وأنهم من أبناء عمومة الكتانيين الأشراف بها.
غير أن الوثائق التي بين أيديهم – وجلها صادره الكيان الصهيوني كما يذكرون – لم يبق منها سوى شجرة حديثة عليها تواقيع جملة من علماء ونقباء فلسطين والشام ترفع نسبهم إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني من نجله عبد الرزاق. وجل أصحاب العمود من الشيخ محمد الكتاني للشيخ عبد القادر الجيلاني مصريون لهم ألقاب!.
__________
(1) المراجع: شجرة نسب آل الكتاني بطولكرم. "السبحة النورانية"مخطوط.(1/7)
وفي رسوم البيت الكتاني أن السيد المسمى: الخياط الكتاني؛ من فرع الشرفاء الكتانيين المكناسيين المنقرض، هاجر في التاريخ المذكور إلى المشرق ولم يعد. فهل هو سيدي محمد الكتاني المذكور، ووقع خلط في الشجرة المذكورة أم لا؟، الله أعلم. كما أنه من خلال الوثائق يظهر أنه كان للكتانيين صيت دعوي كبير في القرن العاشر الهجري، وأنه كانت لهم زاوية وطريقة، ومن أهم أعلام تلك الحقبة: محمد بن قاسم الكتاني (949)، ونجلاه: عبد العزيز (997)، ومحمد الطاهر (أواسط القرن العاشر). فهل محمد الكتاني من مريديهم أم من أبنائهم؟، لا يوجد ما يثبت ذلك.
ويوجد بالمشرق عائلة "الكتاني" بالموصل بالعراق؛ وهم عرب، منهم الحافظ عبد العزيز بن أحمد الكتاني (ت466)، والشيخ أبو بكر محمد بن علي الكتاني (ت322) الصوفي الشهير، تلميذ الجنيد.
وكذلك توجد بلبنان عائلة الكتاني، وهم نصارى لا علاقة لهم ببيت الكتاني الأشراف بالمغرب.
الشجرة الكتانية(1):
عرف الشرفاء الكتانيون من قديم الزمان بالحرص الشديد على نسبهم، وقد حازوا أكثر من ثلاثين رسما يثبت نسبهم الشريف منذ الزمن المريني إلى الآن، ضمن جلها الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني (1323/ 1904) في كتابه المخطوط "الرياض الريانية في الشعبة الكتانية"، وقد حافظوا عليها جيلا بعد جيل، ومن الشيخ جعفر الكتاني انتقلت لنجله الشيخ محمد بن جعفر الكتاني، ومنه لأخيه الشيخ أحمد بن جعفر الكتاني، ومنه للشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. ثم صودرت في ضمن ما صودر من مكتبته عام (1376/ 1956)، وضمت إلى قسم الوثائق بالخزانة الملكية. كما ذكره العلامة محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني رحمه الله، وذكر أنه وقف عليها بالمحل المذكور.
ومن أهم شجرات ومشجرات البيت الكتاني التي حفظها لنا التاريخ:
__________
(1) المراجع: "الدر السني" ص38-40، "نظم الدر واللآل"، "الرياض الريانية"، "المظاهر"، "الشجرة الكتانية" إعداد د. حمزة بن الطيب الكتاني.(1/8)
مشجر الشيخ عبد السلام بن الطيب القادري. (ت1110)، وقد ضمنها كتابه "الدر السني". ويرجع تاريخها إلى سنة 1090.
شجرة الشيخ محمد الطالب بن حمدون ابن الحاج السلمي (ت1273)، وقد ضمنها كتابه "نظم الدر واللآل"، و"الإشراف على من بفاس من مشاهير الأشراف". ويرجع تاريخها إلى سنة 1259.
مشجر الشيخ محمد المأمون بن عمر الكتاني (ت1310)، وقد ضمنها في منظومته "نظم الدرر والجواهر في سلك نثر جمع المفاخر".
مشجر الشيخ إدريس بن أحمد العلوي الفضيلي (ت1316)، وقد ضمنها كتابه: "الدرر البهية". ويرجع تاريخها إلى سنة 1354.
مشجر الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني (ت1323/ 1904)، وقد ضمنها كتابه "الرياض الريانية".
مشجر الشيخ عبد الرحمن بن جعفر الكتاني (1334)، وضمنها منظومته: "الجوهر النفيس في النسب الكتاني النفيس".
شجرة الشيخ عبد الكبير بن هاشم الكتاني (ت1350/ 1930)، وقد ضمنها الشيخ عبد الحي الكتاني كتابه "المظاهر السامية".
شجرة الشيخ محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني (ت1419/ 1999)، ذيل بها على شجرة ابن هاشم الكتاني، وهي محفوظة لدى ورثته.
شجرة الدكتور علي بن المنتصر الكتاني (1421/ 2001)، وهي محفوظة لدى ورثته، وقد أضاف إليها النساء والرجال. وصحح بها بعض الشجرات السابقة. كما طبعت بالاشتراك مع الدكتور حمزة بن الطيب الكتاني الآتي الذكر.
الشجرة التي طبعت في لوحة واحدة عام (1414/ 1994)، وكتب عليها اسم "إنجاز الدكتور حمزة الكتاني"، ثم حينت عام (1424/ 2003)، وأضيف إليها النساء كذلك، وهي منسوخة من شجرة الوالد رحمه الله.
الزاوية الكتانية(1):
__________
(1) المراجع: "المظاهر" على الحاسوب، "عقد الزمرد والزبرجد" على الحاسوب، "الأنفاس العلية".خ.(1/9)
أول زاوية كتانية بنيت بفاس هي: "الزاوية الكتانية الكبرا" بحومة القطانين من عدوة فاس القرويين، حيث أسسها أبو المفاخر الشيخ محمد بن عبد الواحد الكتاني (ت 1289/ 1872)، شيخ الطريقة المحمدية الكتانية، وقد اعتنى مؤسسها بجعلها جامعة علمية تدرس بها مختلف العلوم الشرعية؛ خاصة علوم الأثر من حديث وسيرة وغيرهما.
وفي عهد الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني (ت1327/ 1909)، شيخ الطريقة الأحمدية الكتانية؛ ازدهرت الزاوية الكتانية، وأصبحت مأوى لعلماء المشرق الواردين على فاس، وزعمائه الفارين إليها؛ كعلي بن ظاهر الوتري، ومحمد بن علي الحبشي، وعبد الكريم مراد، وخير الدين التونسي...إلخ. فأضيف إليها تدريس العلوم العصرية؛ من جغرافيا وتاريخ..وغيرهما، وأصبح لها دور مهم في الحياة العلمية والدعوية والسياسية.
وفي عهد الطريقة الأحمدية الكتانية المذكورة؛ امتدت للزاوية الكتانية عدة فروع بالمغرب والمشرق، تزيد في حياة الشيخ أبي الفيض عن المائة، أهمها: الزاوية الكتانية بمراكش، والزاوية الكتانية بمكناس، والزاوية الكتانية بسلا، والزاوية الكتانية بالرباط. وكان للزاوية الكتانية بآزمور وزعير والرحامنة دور كبير في إلهاب الثورة المغربية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي.
كما توجد زاوية كتانية بدرب اللمطي بعدوة فاس الأندلس، وبها مدفن الشيخ محمد بن جعفر الكتاني صاحب "السلوة"، وجملة من ذريته وغيرهم. تأسست عام (1347/ 1929)، وكانت مفتوحة في زمن مؤسسها الشيخ محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني لدروس العلم والدعوة إلى الله تعالى.
الطريقة الكتانية(1):
__________
(1) المراجع: "المظاهر" على الحاسوب، "عقد الزمرد والزبرجد" على الحاسوب، "روض الأنفاس العالية".(ص27) خ، "ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد". رسائل العلامة عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني. مخطوطة بخزانة ورثته. "التعريف بالطريقة الكتانية" تأليف د. محمد حمزة بن علي الكتاني.(1/10)
عرف البيت الكتاني عدة شيوخ تربية كان لهم أتباع ومريدون على مدى تاريخه؛ ومن الشيوخ المربين الذين ازدهر بهم البيت الكتاني: عمران بن عبد الجليل بن يحيى الثاني (ت340)، وعبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني (ت490)؛ صاحب المدرسة الكتانية بقسنطينة بالجزائر، ومحمد بن قاسم الكتاني (949)، وعبد العزيز بن محمد الكتاني (997)، ومحمد الطاهر بن محمد الكتاني (أواسط القرن العاشر)، وعبد الله بن أبي طالب الكتاني (1163)، ومحمد بن محمد الكتاني الملقب بالحمدوشي (ت1214)، والطيب بن محمد الكتاني (ت1253)، والوليد بن هاشم الكتاني (ت ؟125)، والطائع بن هاشم الكتاني (ت1264)، وسليمان بن عبد الحفيظ الكتاني (ت1274)، ومحمد الزمزمي بن إبراهيم الكتاني (ت1295)..وغيرهم. غير أن الطريقة الكتانية بالمعنى المصطلح عليه تنقسم إلى: الطريقة الكتانية المحمدية، والطريقة الكتانية الأحمدية.
أ – الطريقة الكتانية المحمدية:
أسسها الشيخ أبو المفاخر محمد بن عبد الواحد الكتاني (ت1289/ 1872)، بفاس، وهي طريقة مستقلة، مبنية على الكتاب والسنة، مستغرقة في الذات المحمدية من حيث التخلق بشمائله صلى الله عليه وسلم، والتعرف على سيرته الزكية، والتبحر في معرفة السنة النبوية وكتب الحديث. ومن استغراق أتباع هذه الطريقة في السنة النبوية: أن كتب الحديث كانت تسرد وتشرح بها على طول السنة.
ولهذه الطريقة أوراد يومية؛ متمثلة في الورد اللزومي، وورد السحر وغيرهما، ولها أكثر من أربعين حزبا صوفيا يواظب عليها أتباعها.
وهي طريقة مستقلة، لا قادرية ولا شاذلية، انتشرت في فاس وضواحيها.
ونظرا لشدة اعتناء شيخ هذه الطريقة ومريديه بالسنة النبوية والحديث الشريف، وكثرة من تخرج بهم من أعلام الحديث في المشرق والغرب؛ فإنها تعد رائدة علوم الأثر والاجتهاد في المغرب في القرن الرابع عشر الهجري.(1/11)
وأهم شيوخ هذه الطريقة: أبو المفاخر محمد بن عبد الواحد الكتاني، وأبو المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني، وأبو المواهب جعفر بن إدريس الكتاني. وقد انقرضت بوفاة مؤسسها ومريديه، وظهور الطريقة الأحمدية الكتانية محلها.
ب – الطريقة الكتانية الأحمدية:
نسبة لمقام: "الأحمدية"؛ وهو: الاستغراق في باطنه صلى الله عليه وسلم. وقد عرفها مؤسسها الشيخ أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد بأنها: طريقة أحمدية محمدية صديقية، إبراهيمية أويسية. أما الأحمدية: فمن حيث استمدادها من باطنيته صلى الله عليه وسلم الأحمدية. وأما المحمدية: فمن حيث الوقوف مع ظاهر الشرع في العبادات والمعاملات، والاعتناء باتباع السنن المحمدية. وأما الصديقية: نسبة لمقام سيدنا أبي بكر الصديق في التصديق والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما الإبراهيمية: فنسبة لسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي كان أمة قانتا لله حنيفا، وأما الأويسية: فنسبة للتابعي الجليل سيدنا أويس القرني في استغراقه في الشمائل الباطنية للنبي. والاجتبائية: نسبة لمقام الاجتباء، وهو سرعة العروج في مقامات السلوك الكبرى.
وهي طريقة مستقلة؛ لا شاذلية ولا قادرية، أخذها مؤسسها مباشرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك يقول في تائيته الشهيرة:
أتينا بغزل الفتح من حضرة الغنى
فعنه أخذنا ما تدفق جهرة ... بإذن رسول الله شيخي وعمدتي
على صغر الأجرام حين شبيبتي
كما أنها طريقة اجتبائية، جذبية، مبنية على أركان أربعة: 1- التوبة مما جنته يداك من حين التكليف إلى وقتك. 2 – التزام مقام التقوى. 3 – أخذ الأعذار للناس. 4 – النظر بنظرة التعظيم لسائر المخلوقات.(1/12)
وهي تؤمن بأن الإسلام شريعة وعقيدة وأخلاق؛ بمعنى أنه: منهج حياة، وتشريع أمة، وليس طقوسا وحروفا تتلى. وبذلك كان للطريقة الكتانية – إضافة إلى دورها الروحي – الدور الأكبر في الإصلاح في المغرب في القرن الرابع عشر الهجري. فهي أول مطالب بالدستور، وواضع أول دستور مغربي عام (1324/ 1906)، وأول داعية لحرب الاستعمار الفرنسي، ومحارب له في شتى مناطق المغرب، بل استشهد مؤسسها وبعض كبار زعمائها من أجل الدفاع عن البلاد.
وللطريقة الكتانية مزيد اعتناء بالعلم والتعليم؛ حيث جعل مؤسسها من شروطها: مدارسة العلم بالزاوية الكتانية. وكان للزاوية الكتانية بفاس ودمنات وسلا ومراكش دور تعليمي كبير ساهم في إدارة العجلة العلمية والثقافية بمغرب القرن الرابع عشر الهجري. ولعلماء الطريقة الكتانية اختيارات علمية وفقهية خاصة؛ نظرا لحض الطريقة الكتانية على الاجتهاد والانفتاح على المذاهب الأخرى، والاستغراق في معرفة علوم الأثر. كما كان لهم مزيد اعتناء بإحياء السنن وإماتة البدع؛ نتيجة استغراقهم في المشربين المحمدي والأحمدي.
كما أنه للطريقة الكتانية فضل كبير في نشر علوم الحديث والإسناد، في المغرب، وربط المغرب بالمشرق عن طريق الرحلات المتعددة التي قام بها روادها خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، والتي اعتنوا فيها بلقاء زعماء السياسة والعلم بالمشرق، وربط صلات حميمة معهم، والتنسيق معهم في الإصلاح السياسي والاجتماعي.
وكان للطريقة الكتانية دور كبير في إزكاء روح الجهاد بين الشرائح المغربية ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، عن طريق زعمائها الذين حاربوا فرنسا؛ كعبد السلام بن الفاضل العلوي، وابن مؤمن بن العود الزموري، ودحد العلمي الزموري وغيرهم. وعن طريق الآلاف من الرسائل والمحاضرات التي كان يلقيها شيوخها. ولا تخفى الصلة الوثيقة بين شيوخها وبين الزعيمين موحا وحمو الزياني، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي.(1/13)
وأثناء الاستعمار الفرنسي؛ كان للطريقة الكتانية ومقدميها دور كبير في دعم المقاومة المسلحة ضد فرنسا، وإيواء المجاهدين المتابعين من طرفها، وكذلك حماية الثقافة الإسلامية والعربية بالمغرب والجزائر عن طريق مؤتمرات علمية ومؤتمرات للطرق الصوفية تحمي نفوذها التربوي والتعليمي في مناطق الأرباض والبوادي.
أما أثناء نفي الملك محمد الخامس فيما يصطلح عليه بـ: "الأزمة المغربية الكبرى"؛ فقد ألقى زعماء الطريقة الكتانية: محمد الباقر بن محمد الكتاني، ومحمد المهدي بن محمد الكتاني، ومحمد إبراهيم بن محمد الكتاني عدة بيانات، وأرسلوا عدة رسائل إلى رئيس فرنسا وهيئة الأمم المتحدة تستنكر نفي الملك محمد الخامس، وتدعو إلى إرجاعه ملكا على المغرب وإعلان استقلال البلاد.
وبعد الاستقلال؛ كان للطريقة الكتانية دور مهم في الدعوة إلى الحكم بالشريعة الإسلامية، ونشر الأخلاق والتعاليم الدينية في المدن والقرى والبوادي، وحرر زعماؤها بيانات بهذا الشأن. كما كان لزعيميها: محمد الباقر الكتاني وعبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني الدور الأساس في تأسيس رابطة علماء المغرب.
أما مشايخ الطريقة الكتانية؛ فهم: محمد بن عبد الكبير الكتاني، وعبد الكبير بن محمد الكتاني، وعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، ومحمد المهدي بن محمد الكتاني، ومحمد الباقر بن محمد الكتاني، ومحمد إبراهيم بن محمد الكتاني، ومحمد بن محمد الباقر الكتاني.
ولها زوايا وأتباع بالمغرب والجزائر، ومصر والأردن، واليمن والمملكة العربية السعودية..وغيرها.
وقد كان للشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت1345/ 1327) ورد خاص، ما زال أحفاده ومريدوهم يتلونه ويواظبون عليه بسوريا والحجاز.
المدرسة الكتانية بقسنطينة(1):
__________
(1) المراجع: "المظاهر" على الحاسوب، "النبذة"، "التاج" (1/ 92)، "عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية"ص65.(1/14)
بمدينة قسمطينة وعمالتها شرق الجزائر عدة ضرائح ومدارس عليها أوقاف وتوابع باهضة، مشهور نسبتها للشرفاء الكتانيين. منها: ضريح القطب الصالح مولاي عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني (ت490)، وعليه مزارة حافلة، وشهرة عظيمة، ولهذا الضريح خدام يخدمونه، وبجواره مسجد للخطبة هو أعظم مسجد بها، تصلى فيه الجمعة، وتعقد به الدروس، جدد بناءه صالح باي نحو سنة (1197)، ثم قتل ودفن فيه.
وبجوار هذا الضريح والمسجد مدرسة تنسب إليه؛ تسمى: "المدرسة الكتانية"، لها أوقاف وناظر، وبها مقابر لبعض أهل العلم وغيرهم.
ومن أهم من درس بهذه المدرسة وجامعها: أبو مدين شعيب التلمساني (ت589)، والعلامة المفتي المولود بن الموهوب، والشيخ عبد الحميد ابن باديس الذي أخذ بها ودرس بجامعها الأعظم.
المدرسة الكتانية بالرباط(1):
تعد المدرسة الكتانية بالرباط أول مدرسة وطنية حرة بعد دخول الاستعمار الفرنسي، كان تأسيسها سنة (1331/ 1914) تقريبا، وكان المقصود منها: تدريس العلوم العصرية الحديثة مع الاعتناء بالدروس الدينية واللغوية، وتزكية المواطنين بالروح الوطنية الخالصة، والأخلاق الإسلامية النبيلة، ومقاومة الاستعمار.
مؤسس المدرسة الكتانية بالرباط هو العلامة الصديق بن محمد الشدادي (ت1379)، عميد الطريقة الكتانية بالرباط، ومقرها كان أولا بالزاوية الكتانية بالرباط، ثم بالزاوية المعطاوية. وقد تخرج من هذه المدرسة جملة من العلماء والمثقفين في حقبة الحماية، والذين كان لهم دور مهم في محاربة المد الثقافي والسياسي والاستعماري بالمغرب.
__________
(1) المراجع: "ترجمة العلامة الصديق الشدادي" تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني.(1/15)
وممن درس بهذه المدرسة: محمد بن التهامي الرغاي، وقاسم الحاجي، ومحمد المكي الناصري، ومحمد بن محمد ملين. وكان مديرها المذكور معتنيا باستدعاء كبار العلماء لحضور امتحاناتها وأفواج الخريجين؛ أمثال: محمد المدني ابن الحسني، الذي له قصيدة شهيرة ألفها بالمناسبة، ومحمد بن عبد السلام السائح، ومحمد بن الحسن الحجوي.
الكلية الكتانية(1):
في أوائل القرن الرابع عشر الهجري (أوائل القرن العشرين الميلادي) تحولت المدرسة الكتانية بقسمطينة على يد العلامة المصلح الشيخ عمر بن الحملاوي إلى كلية شرعية، تدرس بها علوم الشريعة واللغة.
وقد وصف مقال بقلم الأستاذ محمد العربي الطائع؛ الأستاذ بجمعية السلام بقسنطينة بعنوان: "احتفال الكلية الكتانية القسنطينية بتم الدرس"، نشر بجريدة "الإصلاح" الجزائرية التي يصدرها الأستاذ الشيخ الطيب العقبي بتاريخ: رمضان 1366/ موافق: 2 – 8 – 1957 وقائع برنامج حفل تخريج طلبة السنة المذكورة بالتفصيل، وعدد فيه أساتذة الكلية الكتانية، وأهم ما ألقي بالحفل من الكلمات، والإشادة بدورها المهم في الإنعاش اللغوي العربي والديني بالجزائر.
ومعروف أن المدرسة الكتانية منسوبة إلى الإمام عبد الله بن الهادي بن يحيى الثالث الكتاني؛ جد الشرفاء الكتانيين، والمتوفى عام (490).
المؤسسة الكتانية للتعليم الحر بسلا(2):
__________
(1) "التاج المرصع بالجوهر الفريد" (1: 92).
(2) المراجع: أوراق خاصة بخزانة العلامة عبد الرحمن الكتاني رحمه الله.(1/16)
تأسست المؤسسة الكتانية للتعليم الحر بسلا فجر الاستقلال سنة (1376/ 1956)، وهي مدرسة خيرية مجانية، المقصود منها إدماج حفظة القرآن الريفيين في الحياة العامة، وتهييئهم للانخراط في التعليم الأكاديمي عن طريق تلقينهم للدروس العصرية، إضافة إلى الاعتناء بعلوم اللغة العربية والعلوم الدينية، وتزكية الروح الإسلامية والوطنية لدى روادها، عن طريق الدروس الخاصة والمهرجانات والمحاضرات، خاصة بعد استقلال المغرب وانتشار التيارات الفكرية الغربية.
مؤسس المؤسسة هو: العلامة عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني (ت1401/ 1980)، والذي يعد أحد رواد النهضة الثقافية بمغرب ما بعد الاستقلال.
جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة(1):
جمعية خيرية وثقافية، تأسست عام (1418/ 1998)، أسسها مجموعة من الشرفاء الكتانيين، من أجل توثيق العلاقات العائلية فيما بينهم، وترسيخ الجوانب الاجتماعية والثقافية. وكذلك هي جمعية ثقافية تعنى برفع المستوى الثقافي لأعضائها عن طريق محاضرات شهرية في مختلف مجالات المعرفة.
وللجمعية دور مهم في الحفاظ على التراث الكتاني من حيث احتواؤها على مكتبة تضم أكثر من ألف وخمسمائة مؤلف ووثيقة كتانية مخطوطة ومطبوعة، كما أنها تتحمل مسؤولية الحفاظ على الشجرة الكتانية وتراجم أفراد البيت الكتاني.
__________
(1) المرجع: برنامج عمل جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة.(1/17)
وللجمعية مقر بحي الرياض بالرباط، وهي تفتح أبوابها للباحثين في مختلف مجالات المعرفة. كما أن لها منشورات تتحد في التراث الكتاني وما كتب عن العائلة. صدر منها: "الشرفاء الكتانيون في الماضي والحاضر"، تأليف د. علي بن المنتصر الكتاني.الطبعة الأولى والثانية. و"نظم الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال" تأليف القاضي محمد الطالب بن حمدون ابن الحاج السلمي، تحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني، و"زهر الآس في بيوتات فاس" في جزأين، تأليف النسابة عبد الكبير بن هاشم الكتاني، ومعها: "تحفة الأكياس ومفاكهة الجلاس فيما غفل عنه صاحب كتاب زهر الآس في بيوتات فاس" تأليف النسابة محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني. كلاهما بتحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني.
المكتبة الكتانية(1):
أو الخزانة الكتانية: وهي مكتبة الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني(ت 1882/ 1962)، التي كانت موجودة بمنزله بحي أبي جيدة بفاس، تعد أكبر مكتبة خاصة في العالم في وقتها، تحتوي على جناح خاص بالمخطوطات، وجناح خاص بالمطبوعات، وجناح خاص بالمجلات والجرائد والدوريات، وجناح خاص بالوثائق والمستندات، وجناح خاص بالعملات النقدية، إضافة إلى باقة كبرى من الآثار والتحف التي تمتد أعمارها إلى مئات السنين؛ منها كرسي السلطان يوسف بن تاشفين المرابطي رحمه الله.
كما كانت تلك القاعة؛ والتي تبلغ حوالي ألف متر مربع موزع على طابقين؛ مقرا للمحاضرات والندوات والدروس العلمية، وفتحها صاحبها الشيخ عبد الحي الكتاني أمام رواد العلم والمعرفة والسياسة من مختلف الدول والأديان.
__________
(1) المراجع: "فهرس الفهارس" (1/ 21)، وجريدة "السعادة" العدد الصادر بتاريخ: 5 شوال 1343هـ.(1/18)
وقد كان صاحبها – المشهور بنهمه في جمع الكتب ومطالعتها، وصرفه حر ماله من أجل اقتناء نوادرها – رتبها ترتيبا عصريا، واعتنى بفهرستها وتيسيرها لأيدي الباحثين. كما أرخ لها ووصفها مؤرخ الرباط محمد بن مصطفى بوجندار في جريدة "السعادة" عدد 5/ 10/ 1343.
ثم تشتت تلك المكتبة عام (1376/ 1956) إثر النكبة التي أصابت صاحبها، وتوزعت بين منهوب ومصادر. وهي موزعة الآن بين: الخزانة الملكية بمراكش، والخزانة الحسنية بالرباط، والخزانة العامة بالرباط؛ تحت رمز: (خ.ع.ك)، وخزانة علال الفاسي، وخزانة محمد الفاسي الخاصتين!.
كما توجد عدة خزائن علمية كتانية سوى المكتبة المذكورة: أهمها: خزانة الإمام محمد بن جعفر الكتاني؛ وقد ضمت للخزانة العامة بالرباط، تحت رقم: (ج.ك)، إثر إهدائها من طرف بعض حفدة الشيخ للخزانة المذكورة.
والخزانة الباقرية بسلا، نسبة للشيخ محمد الباقر بن محمد الكتاني، وخزانة الشيخ محمد المهدي الكتاني، بسلا كذلك، وخزانة العلامة محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني بالرباط، وخزانة الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني بالرباط. وجلها كان مفتوحا في وجه الباحثين. إضافة إلى خزانة جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة.
درب الكتاني:
بفاس العتيقة بحومة السبيطريين، من جهة جامع القرويين، درب مسمى بدرب الكتاني، قرب سوق الكتب.
وبحومة قبة السوق من مكناس يوجد درب عتيق يسمى بدرب الكتاني يرجع إلى القرن الثامن الهجري.
حي الكتاني:
بفاس العتيقة، بحي سيدي أبي جيدة: يوجد حي شعبي يسمى بحي الكتاني، وأصله أرض كانت في ملك الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني.
قرية الكتاني:
توجد بدمشق بضاحية الغوطة؛ قرية تسمى بقرية الكتاني؛ نسبة إلى الإمام محمد بن جعفر الكتاني (ت1345/ 1927)، وهي بالقرب من ضريح السيدة زينب، ويطلق عليها كذلك: قرية بيت سحم.
تراجم عيون أعيان البيت الكتاني(1/19)
عبد الجليل بن يحيى الثاني الإدريسي (1)
منهم؛ وهو من أجداد الشرفاء الكتانيين: عبد الجليل بن يحيى الثاني بن يحيى الأول بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأمير الإدريسي، دفين البليدة من أحواز تلمسان، وصفه مؤرخوه بـ: "الإمام الولي الصالح، العارف بالله، المتبرك به حيا وميتا". انتقل من فاس إلى تلمسان بسبب مطاردة ابن عمه يحيى الجوطي له، وبها توفي عام (303)، ودفن بأحوازها، وله بها مزارة شهيرة.
عمران بن عبد الجليل الإدريسي(2)
ومنهم: عمران بن عبد الجليل بن يحيى الثاني بن يحيى الأول بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أجداد البيت الكتاني، الأمير الجليل. وصفه مترجموه بالعارف بالله، الصالح، وأنه: كان من أهل الولاية والصلاح، والخير والفضل والنجاح، والمعرفة بالله، والنصح لعباد الله.
توفي عام (340هـ)، ودفن بالسوق الفوقاني من تلمسان، وكان قبره هناك معروفا إلى أن محاه الفرنسيون يوم دخولهم إليها، وبنوا طريقا في محل قبره رضي الله عنه. وله عقب في تلك المنطقة غير الكتانيين.
يحيى الثالث الكتاني(3)
ومنهم: يحيى الثالث الكتاني بن عمران بن عبد الجليل بن يحيى الثاني بن يحيى الأول بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمير زواوة، وآخر ملوك الدولة الإدريسية بالمغرب.
__________
(1) المراجع: "الرياض الريانية" (89)،"النبذة" (ص167)، "المظاهر" (ص32).
(2) المراجع: "النبذة" (ص167)، "المظاهر" (ص32) .
(3) المراجع: "نظم الدر واللآل" (ص66)، "الدرر البهية" (2: 108)، "الرياض الريانية" (ص90)،"النبذة" (ص169)، "المظاهر" (ص34) .(1/20)
فر مع من فر من بني عمه في وقعة "حجر النسر" التي أراد فيها موسى بن أبي العافية المكناسي اقتلاع شأفة آل البيت من المغرب، وانتقل إلى بني حسن، ثم منها إلى زواوة التي ولاه أهلها الإمارة عليهم، ولقبوه بأمير المؤمنين، وبأمير الناس، وعظموه وذويه، ولقبوهم بأمراء الناس.
وكان أول من خيم لجيشه بخيام الكتان، حيث كانت العادة أن يخيم للجيش بخيام الصوف أو الشعر، فلقب من أجل ذلك بالكتاني، وسار اللقب فيما بعد على ذويه. قال شيخ الإسلام جعفر بن إدريس الكتاني
فجدنا يحيى وبالكتاني
سببه: جعل الخبا كتانا
وقت إمام له فيما قد سلف
كذا تلقى ناظم اللآلي
نسبته قائمة البرهان
جرى على من بعد حتى الآن
وفي "كنوز" قد أتانا مؤتلف
عن بعض أعيانهم الكمال
قال صاحب "النبذة اليسيرة": "وكانت له بزواوة بعد وصوله إليها المنزلة الفاخرة، والمكانة الباهرة، واشتهر فيها بصراحة النسب، وسمو الحسب، وكان لأولاده بها الصيت العظيم، والجاه العميم، ولقبوا هناك بأمراء الناس؛ لما كان لهم من النفوذ التام، والتصرف العام، والإعزاز والإكرام، والتعظيم والاحترام...". توفي بزواوة بعدما عمر طويلا، ودفن بها عام (393هـ).
عبد الله بن هادي الكتاني(1)
ومنهم: عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني: شيخ مربي، وعارف مصلح، وصفه مترجموه بـ: الولي الصالح، الإمام القطب، ذو السر الظاهر، والنور الباهر، والبركات والآيات، والكشف وخوارق العادات...إلخ.
توفي عام (490هـ)، ودفن بقسنطينة بالجزائر، وبني عليه ضريح ومسجد جامع يعد أكبر مساجدها، ومدرسة تدرس فيها العلوم الشرعية إلى الآن. وقد جدد بناءه الأمير صالح باي المتوفى عام (1197 هـ)، ودفن به. وله ولذريته بقسنطينة وعمالتها عدة ضرائح وزوايا ومدارس عليها أوقاف وتوابع باهضة..
__________
(1) المراجع: "النبذة" (170)، "المظاهر" المقدمة (مخطوط).(1/21)
علي بن موسى الكتاني(1)
ومنهم: علي بن موسى بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني: من أجداد البيت الكتاني، علامة متبحر، فقيه متضلع. كان من أهل مكناسة الزيتون، ومن أعلام القرن السابع الهجري بها. وكان للسلاطين المرينيين مزيد اعتناء به واهتبال.
وصفه مترجموه بأنه: "كان من أهل الفقه والنباهة، والظهور والوجاهة، علامة ماهرا، وطودا شامخا باهرا"..وهو الذي رفع نسبه بلديه النسابة عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المكناسي في كتابه "اللآلي المستضيئة النورانية لنفي ظلام التلبيس في نسب إدريس بن إدريس"، وأثنى عليه وعلى قدره.
قال صاحب "نظم الدر واللآل": "وكان لهم – أي: الكتانيين – فيها – أي: مكناس – الصيت الشهير بصراحة النسب، وعلو المكانة، وعظيم الحظوة عند ملوك بني مرين...".
توفي بمدينة مكناس وأقبر بها عام: (698 هـ).
محمد بن علي الكتاني(2)
ومنهم: محمد بن علي بن موسى بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني: فقيه علامة صالح من أهل مكناس، وصفه مترجموه بأنه: "كان من أهل الفقه والذكاء والصلاح، والعفة والنزاهة والفلاح. ذا فضل ودين، وميل إلى طريقة السلف المهتدين"..
وكانت له حظوة عند معاصريه من ملوك بني مرين. توفي – رحمه الله – بمكناس – على الأرجح – عام (777، أو 779).
عبد العزيز بن محمد الكتاني(3)
__________
(1) المراجع: "نظم الدر واللآل" (ص68)، "النبذة" (ص173)، "إتحاف أعلام الناس" (5/ 451 ).
(2) المراجع: "النبذة" (ص173)، "التاج" (1: 98).
(3) المراجع: "الدر السني" (ص39)، "الإشراف" (1: 212)، "نظم الدر واللآل" (ص117)، "الدرر البهية"(2: 109)، "الرياض الريانية" (ص103)،"النبذة" (ص55، 179).(1/22)
ومنهم: عبد العزيز بن محمد بن قاسم بن عبد الواحد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني: من صلحاء فاس في القرن العاشر الهجري، عارف صالح، مرشد إلى الله تعالى. وصفه مترجموه بـ: "الولي الكبير، الصدر الشهير، السيد الفاضل، الماجد الكامل المعظم، العارف بالله، الدال عليه في سره ونجواه، ذو الكرامات الظاهرة، والخوارق الباهرة، والجذب والأحوال، والوصول إلى درجات الكمال...".
كان يعتريه الحال في جل أموره، ويخبر بمغيبات، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وله كرامات نقلها الناس بالتواتر. وعليه وعلى ذريته أوقفت الدار التي بعقبة ابن صوال بفاس. وسموا من أجلها: بشرفاء عقبة ابن صوال، في كرامة ذكرها مؤرخوه. ويعتبر المترجم وأخوه الطاهر ووالدهما محمد بن قاسم معالم الطريقة الكتانية في القرن العاشر الهجري.
توفي في زيارة لمكناس عام (997هـ)، وينسب إليه بأحوازها ضريح شهير، يعرف بضريح: سيدي عبد العزيز؛ عليه هيبة عظيمة، والناس عاكفون على زيارته والتبرك به، وينسبون له كرامات..
علي بن أبي القاسم الكتاني(1)
__________
(1) المراجع: "الإشراف" (212)، "نظم الدر واللآل" (117)، "الدرر البهية" (2: 109)، "الرياض الريانية" (ص103)،"النبذة" (ص181).(1/23)
ومنهم: علي (الجامع) بن أبي القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن قاسم بن عبد الواحد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني: هو الجد الجامع لجميع الشرفاء الكتانيين المعروفين الآن، يتصلون به من ولديه: أحمد ومحمد. يكنى بأبي الحسن، ويلقب بأبي الحي. وهناك عقد شرف له ولولديه المذكورين مؤرخ بـ: 2/ 11/ 1102. شهد عليه ثمانية عشر من شهود فاس وأصحاب الأسنان العالية أن: "علي بن أبي القاسم: لم يزل شريفا معظما، موقرا محترما، جليل القدر، كبير الخطر، ممن حاز نسبة الشرف حوزا صحيحا، وامتاز به امتيازا صريحا، وسلم شرفه الأكابر التسليم التام. وهو كذلك على تلك الحالة إلى أن توفي – رحمة الله عليه – وخلف ولديه: سيدي محمد وسيدي أحمد على الحالة الموصوفة، من غير طاعن ولا معارض، ولا مدافع ولا منازع ولا مناقض...".
وكانت وفاته بفاس عام (1054).
محمد بن أحمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد بن أحمد بن علي الجامع: من أفاضل البيت الكتاني وأعلامهم في القرن الثاني عشر الهجري. علامة مؤرخ نسابة، عابد صالح ناسك. أخذ عن الشيخ عبد القادر الفاسي وولديه محمد وعبد الرحمن ومن عاصرهم، واحترف مهنة الأذان تبركا على عادة ذويه وأسلافه.
ترك عدة مؤلفات اعتمدها المؤرخون فيما بعد؛ منها: "نصرة العترة الطاهرة من أبناء علي وفاطمة الزاهرة"، فرغ منه عام (1104)، و"التنبيه من الغلط والتلبيس في بيان أولاد سيدي محمد بن إدريس" في ثلاثة كراريس من القالب الرباعي، فرغ منه عام (1114). توفي في تاسع جمادى الأولى سنة خمس وعشرين ومائة وألف (1125).
__________
(1) "نظم الدر واللآل" (ص118)، "الدرر البهية" (2: 109)، "النبذة اليسير" (ص232)، "المظاهر السامية" (ص60)، "التاج" (1: 93). مخطوط.(1/24)
محمد الفضيل بن العربي الكتاني(1)
ومنهم: محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: السيد النقيب، من كبار الأشراف وفضلائهم، ممن يشار بالصلاح والخير إليهم، ذو حسب ومروءة، وصيانة وحياء، وعفاف وديانة.
وهو الذي تزوج من السيدة الصالحة فاطمة بنت الإمام مداح النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ أحمد بن عبد الحي الحلبي، تصديقا للرؤيا المنامية التي رأى فيها أن الله تعالى خاطبه بقوله: "وعزتي وجلالي لأجعلن من ذريتك الشرفاء!". وهو جد الفرع الحلبي من البيت الكتاني الذي تناسل منه علماء وصلحاء ومصلحون؛ كصاحبي "السلوة"، و"زهر الآس" وغيرهما.
توفي بفاس عام (1133)، ودفن بروضة الشيخ أحمد بن عبد الحي الحلبي بالقباب جهة ضريح الشيخ الدراس بن إسماعيل.
عبد الله بن أبي طالب الكتاني(2)
ومنهم: عبد الله بن أبي طالب بن علي بن محمد بن علي الجامع: من مشايخ الطريقة الشاذلية وصلحائهم بفاس القرن الثاني عشر، شيخ مربي، سالك مسلك.
سافر للمشرق وحج، ولقي جملة من الأخيار، كالشيخ العارف سيدي علي عزوز بزغوان قرب تونس، بقصد زيارته والأخذ عنه. فلما دخل عليه؛ قال له: "لست بصاحبي، وشيخك هو: سيدي محمد ابن الفقيه بفاس!". فلازم الشيخ محمد ابن الفقيه الزجني الحسني بفاس، وأخذ عنه، وصار من أخص تلامذته، وأعزهم عليه، وأكبرهم لديه. وأقامه في الزاوية برشم العيون من فاس مقامه من نفسه، فكان خليفته فيها في حياته، ثم صار خليفة له بعد وفاته إلى أن توفي.
__________
(1) "نظم الدر واللآل" (124)، "الدرر البهية" (2: 115)،"الرياض الريانية" (113، 117)، "سلوة الأنفاس" (2/ 171)، "النبذة" (ص248)، "المواهب الفتحية" (مخطوط) ص21.
(2) المراجع: "الرياض الريانية" (ص111)، "سلوة الأنفاس" (1/ 299)، "النبذة" (243)، "المظاهر السامية" (ص59)، "التاج" (1: 103).(1/25)
وبزاوية سيدي محمد ابن الفقيه برشم العيون تصدر للتوجيه والدعوة إلى الله تعالى بالتي هي أحسن، والتربية الاجتماعية، وأخذ عنه الطريقة الزجنية الوازانية الشاذلية زمرة من أهل فاس وغيرها.
وكان فاضلا زكيا، نزيها خيرا، دينا وجيها، طاهرا مطهرا، عفيفا ماجدا، ممجدا لطيفا، ذا رأي وعقل وفهم، يربي ويؤدب ويهذب، حتى توفي بفاس عام 1163، ودفن بزاوية شيخه ابن الفقيه بحومة رشم العيون من فاس. ومن الجدير بالذكر؛ أن الشرفاء الكتانيين كانوا جميعهم من أصحاب الشيخ ابن الفقيه.
محمد بن عبد الوهاب الكتاني(1)
ومنهم: محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن علي الجامع: عالم فاضل، فقيه مشارك، مدرس زاوية الشيخ ابن الفقيه الزجني، من أهل القرن الثاني عشر الهجري.
أخذ عن أعلام فاس وقته. وتربى أولا بالشيخ المربي سيدي أحمد الصخاوي، ثم بالشيخ العارف سيدي محمد ابن الفقيه الزجني، ولازمه، وتصدر لتلقين العلم لتلامذته وغيرهم. توفي أواسط القرن الثاني عشر الهجري.
الطيب بن محمد الكتاني(2)
ومنهم: الطيب بن مَحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد بن علي الجامع: من أشهر صلحاء وشيوخ التربية بفاس القرن الثالث عشر الهجري، اشتهرت كراماته عند الخاص والعام، ووصفه مترجموه بـ: الإمام العارف، القطب المربي.
__________
(1) المراجع: "الرياض الريانية" (ص111)، "سلوة الأنفاس" (1/ 295)، "النبذة" (ص241) ، "التاج" (1: 100).
(2) المراجع: "الإشراف" (1: 216)،"الدرر البهية" (2: 113)،"الرياض الريانية" (ص118)، "الشرب المحتضر" (ص15)، وفيات الصقلي (ص37)، "سلوة الأنفاس" (2/ 241)، "النبذة" (ص193)، "التاج" (1: 105)، "إتحاف المطالع" (1: 154).(1/26)
أخذ تبركا عن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي وغيره، وأخذ عنه: الشيخ محمد بن عبد الواحد الكتاني، والقطب محمد بن عبد الحفيظ الكتاني، والوزير محمد بن إدريس العمراوي، والعلامة محمد الزكي العلوي، وقاضي الجماعة الطالب بن حمدون ابن الحاج السلمي...وغيرهم.
وقيل فيه: "آخر أولياء هذه الحضرة الذين أذن الله تعالى لهم في قضاء الحوائج، وكانوا يتصرفون جهرة، ويبيعون ويشترون مع الناس ولا يبالون؛ هو: مولاي الطيب الكتاني رضي الله عنه!".
وقد كانت له حظوة عند أهل زمانه، بحيث: "أقر بولايته كل معاند، وانقاد لجنابه البر والفاجر والمقر والجاحد". وكان للسلطان المولى عبد الرحمن بن هشام – رحمه الله – مزيد اعتناء به، واعتقاد وتقريب، وله معه حكايات عجيبة، وكان لذريته المولى محمد (الرابع) بن عبد الرحمن، والمولى الحسن الأول اعتناء بزيارته، خاصة عند الخروج من فاس أو الدخول إليها.
ولأهل وقته فيه قصائد ومدائح؛ منها قول الوزير محمد بن إدريس العمراوي:
ف سائلا في باب كل مقرب
وإذا ذكرت الصالحين وفضلهم
ڑ
ڑ
والهج بذكر ذوي الثناء الطيب
يوما؛ فحيهلا بذكر الطيب
وقوله:
دركت آمالي بصحبة ماجد
ووجدت من ربي وفاء ضمانه
أأخاف ضيما بعدما علقت يدي
ڑ
ڑ
جم المكارم واسع العرفان
وظفرت من دهري بكل أمان
بعلى الولي الطيب الكتاني
وقال فيه الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني في "الكمال المتلالي" ص81: "القطب المشاكلة قطبانيته لأبي الحسن الشاذلي".
قال صاحب "النبذة اليسيرة": "وأحواله ومناقبه هنالك، لو أفردت بمجلدات لكانت حقيقة بذلك، ولو اهتدى إلى جمعها وتقييدها المخالطون له والمعاصرون؛ لتعجب منها ومن كمال تصرفه فيها الناظرون...".
وممن أفرده بالترجمة: الوزير محمد بن إدريس العمراوي، والعلامة المأمون بن عمر الكتاني في كتابه: "الغمام الصيب في ترجمة القطب مولاي الطيب"، والعلامة محمد الطاهر بن الحسن الكتاني.(1/27)
توفي بفاس ثالث جمادى الثانية سنة 1253، وحضر جنازته العام والخاص، ودفن بإزاء أخيه القطب سيدي محمد الحمدوشي الكتاني بروضة الشرفاء الكتانيين جهة مصلى باب الفتوح.
الطائع بن هاشم الكتاني(1)
ومنهم: الطائع بن هاشم بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن علي الجامع: من شيوخ الطريقة الخلوتية بالمغرب، فقيه علامة صالح، عارف مربي، من أهل القرن الثالث عشر، يعرف بـ: حمامة المسجد؛ لطول ملازمته لجامع القرويين الأعظم بفاس. توفي بفاس في التاسع والعشرين من جمادى الأولى عام (1264).
إدريس بن الطائع الكتاني(2)
ومنهم: إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: عالم علامة، فقيه مشارك، عدل موثق ضابط، مجاهد في سبيل الله تعالى شهيد، من أهل الخير والصلاح. أخذ العلم بجامعة القرويين عن عبد السلام الأزمي، ومحمد بن عبد الرحمن الفلالي الحجرتي وغيرهما، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد الحراق.
كان تقيا نقيا، عفيفا زكيا، عدلا مرضيا، موصوفا بالخير والبركة، وكان أهل فاس يقصدونه، ويعتقدونه، وله بعض فتاوى وتقاييد.
شارك في حرب الإسبان غزاة تطوان عام 1276، وقاتل قتالا شديدا، واعتقل من طرف الإسبان، ثم فكه السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن بن هشام منهم بمال عال، وعاد إلى أهله بفاس مصابا بجراحات قيل: كانت السبب في وفاته.
__________
(1) "نظم الدر واللآل" (75)."الدرر البهية" (2: 112)، "الرياض الريانية" (ص122)، "سلوة الأنفاس" (2: 251)، "النبذة" (ص181)، "إتحاف المطالع" (1: 198).
(2) المراجع: "الدرر البهية" (2: 117)، "الرياض الريانية" (ص124)،"سلوة الأنفاس" (2: 194)، "النبذة اليسيرة" (ص294)، "إتحاف المطالع" (1: 229)،"شجرة النور" (رقم 1613)، "فاس عاصمة الأدارسة" (85).(1/28)
وكان خروجه رفقة أخيه المنتصر استثناء في ذلك الوقت، الذي لم يكن يلزم فيه العلماء والأشراف بالانخراط في سلك الجيش. وإنما كان خروجه للجهاد مع أهله لقوة الروح الإسلامية والوطنية التي كان يمتلكها، بحيث ترك زوجته وأبناءه وأحفاده، ليمثل العالم الصادق، الذي يقربه علمه إلى الله تعالى، ولا يتعيش به، فكان إماما ومثالا نادرا من علماء فاس عبر التاريخ. وقد خصه بالترجمة حفيده الثالث الإمام محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني في مؤلف مستقل، وقف فيه على وثائق هامة في الموضوع.
توفي بفاس في 17 ربيع الثاني عام 1281، ودفن بروضة الشرفاء الكتانيين المحاذية لروضة الشرفاء الدباغيين بالقباب، قبالة باب الفتوح.
محمد بن عبد الواحد الكتاني(1)
ومنهم: محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: مؤسس الزاوية الكتانية الكبرى بحومة القطانين من فاس، شيخ مربي، عارف بالله تعالى، رحالة مؤلف مسند، يعرف لدى مترجميه بأبي المفاخر، وبإمام الأئمة، ويعد شيخ النهضة الحديثية بمغرب القرن العشرين.
ولد بفاس عام 1234، وأخذ بها عن جملة من شيوخ التربية العارفين؛ كالقطب مولاي الطيب الكتاني، والعارف مولاي الطائع بن هاشم الكتاني، وسيدي محمد بن عبد الحفيظ الدباغ، ثم التزم الشيخ محمد بن قاسم القندوسي.
__________
(1) المراجع: "وفيات الصقلي" ص123، "الدرر البهية" (2: 110)، "الشرب المحتضر" (رقم 97)، "الرياض الريانية" (ص125)، "سلوة الأنفاس" (1: 125)، "المظاهر" (الفصل الثاني)، "النبذة" ص211، "شجرة النور" (1/ 403)، "معجم المؤلفين"، (10/ 265).(1/29)
وسافر للحج ثلاث مرات، أولها عام (1268) وأخذ عن جملة من صلحاء ورموز العرفان بالمشرق؛ كمحمد بن علي السنوسي، ومحمد صالح السباعي، وعبد الباقي بن قيوم الزمان النقشبندي، وغيرهم، وتلقى عنهم ما عندهم من الأوراد والأسرار، وانقلب إلى وطنه مملوء الجراب بما تحمله من الأسرار والمعارف، وأنواع الخوارق.
ثم تصدر للمشيخة بفاس، وأخذ عنه بها نخبة من أهلها، وتربع لإرشاد المريدين أولا بمسجد أبي عمران بعقبة ابن صوال، ثم بضريح سيدي القفصي وغيرهما، متفرغا لإيصال السالكين، وإرشاد المريدين، ونشل المنقطعين بطرق القوم كلها؛ من قادرية وشاذلية ورفاعية وخلوتية ونقشبندية، ثم استقل بطريقته المحمدية الكتانية ذات الأوراد والأذكار الخاصة.
ثم أسس الزاوية الكتانية الكبرى عام: 1372، والتي جعلها معهدا علميا وتربويا تدرس به علوم الحديث والآثار، إلى جانب علوم التربية والتصوف، فتخرج منها أعلام التصوف، ودعاة الاجتهاد، وحفاظ الحديث.
ثم حج ثانيا عام 1279، وثالثا عام 1286، وتحصل على إجازات روحية وإسنادية كثيرة من أعلام المشرق والمغرب.
وكان مشربه: الاستغراق والتعظيم في الجانب النبوي؛ بحيث كان له اعتناء بتوجيه تلامذته لشرح وسرد كتب الحديث والأثر في الزاوية الكتانية، والاعتناء بالاعتماد عليهما في الاستنباطات الفقهية والعلمية والصوفية؛ وعدم التقليد الأعمى في الفقه وغيره؛ بحيث مثل تلامذته الجيل الأول للنهضة الحديثية والأثرية بالمغرب.
قال عنه العلامة محمد بن المختار التاشفيني في "اللؤلؤ المكنون": "وهو أعجوبة زمانه؛ قد ألف تآليف عديدة، وصنف تصانيف مفيدة نظما ونثرا، من المواهب الإلهية التي ترد عليه، ولا ينقل كلام أحد؛ إلا آية من القرآن، أو حديثا نبويا...".(1/30)
كما يعد المترجم أحد أبرز حملة راية الإسناد من المشرق إلى المغرب في القرن الثالث عشر الهجري، وأحد الرحالين الذين أنشأوا علاقات استفاد منها المغرب علميا وصوفيا وسياسيا في القرن الرابع عشر.
قال عنه شيخ حضرموت والحجاز الإمام أبو بكر بن عبد الله العطاس: "إن هذا من الأفراد الذين أدركوا أطوارا قل من أدركها من هذه الأمة!". وحدث عنه نجله الشيخ أبو المكارم عبد الكبير الكتاني قال: "سمعته مرة يبكي وينوح؛ قال: على علوم عنده لم يسأله عنها أحد ولا وجد من يبثها له!".
ألف تآليف تزيد عن الأربعين؛ منها: (42) حزبا صوفيا، و"العلوم المحمدية"، و"رحلة الفتح المبين في وقائع الحج وزيارة النبي الأمين" في مجلد ضخم، ومؤلف في إشارات حروف الهيللة، و"الحكم"، و"نصرة الفيض الأصلي في الرد على من أنكر التحليق بالمسجد النبوي في محل التجلي"، و"المقامات في الإشارات على حروف الهيللة"...وله أشعار ومطولات وموشحات باللهجة العامية والفصحى شرحها نخبة من أعلام تلامذته؛ كـ:"التائية" في السلوك، و"الهمزية" في المدح النبوي، وميمية في المدح النبوي...وغير ذلك.
توفي ليلة الأحد 26 ذو القعدة الحرام عام 1289، ودفن في الزاوية الكتانية الكبرا بحومة القطانين من فاس، وحضر جنازته خلق لا يحصون كثرة.
المأمون بن عمر الكتاني(1)
ومنهم: محمد المأمون بن عمر بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: علامة مشارك، مدرس لغوي، أديب شاعر مؤرخ، مؤلف مفكر، من أهل القرن الرابع عشر.
__________
(1) المراجع: "الدرر البهية" (2: 119)، "النبذة اليسيرة" (289)، "المظاهر" (ضمن الفصل الثالث)،"التاج" (1: 114)، "إتحاف المطالع" (1: 316)، "مظاهر يقظة المغرب الحديث" (1: 326)، "المصادر العربية لتاريخ المغرب" (2: 106)، تحقيق "نصيحة أهل الإسلام" لمحمد بن جعفر الكتاني، تحقيق د.محمد حمزة بن علي الكتاني ص12، "السبحة النورانية (ص46).(1/31)
أخذ عن جملة من أعلام فاس؛ كمحمد بن عبد الرحمن الفلالي، وجعفر بن إدريس الكتاني، وغيرهما. وعنه أخذ جملة من العلماء؛ منهم: أحمد بن المهدي البوعزاوي.
كان مدرسا في جامع القرويين الأعظم، وظهر نبوغه وحرية فكره مبكرا، بحيث كان صاحب فكر إصلاحي، وينتقد صوفية زمانه وشطحاتهم، وركونهم للكسل وترك العمل والاستعداد لحماية البلاد ضد الغزو الأجنبي، ويدعو إلى تصوف السلوك والعلم والتربية، ويقول: "إن كان الصلاح مثل صلاح أهل وازان؛ فنعم أنا أحبه، وإن كان الصلاح مثل صلاح بابا إدريس الزعري؛ فلا أريده".
وكان يعد من نبغاء جيله، وهو صاحب كتاب "هداية الضال المشتغل بالقيل والقال"، في شرح بيتي ابن فارس اللغوي:
ذا كنت في حاجة مرسلا
فدع عنك كل رسول سوى
ڑ
ڑ
رسولا وأنت بها مغرم
رسول يقال له: الدرهم
تحدث فيه عن صناعات أهل فاس، وأنواعها، ثم عن أرباب الحمايات الأجنبية، وتوسع في التشنيع عليهم؛ بحيث يعد أول كاتب مغربي تحدث عنهم في كتاب. كما توسع في الحديث عن التجارة بين المغرب وأوروبا، إضافة إلى إشباعه الحديث في الجوانب الأدبية واللغوية والفقهية التي غطاها الكتاب، ولم يغفل ومضات تاريخية مهمة تعكس المجتمع الفاسي الذي كان يعيش فيه.
ومن تآليفه كذلك: "الغمام الصيب في مناقب القطب مولاي الطيب"؛ أي: الكتاني، لم يتمه، وأرجوزة في 135 بيت، ذكر فيها معاصريه من الشرفاء الكتانيين وأنسابهم، سماها: "نظم الدرر والجواهر، في سلك نثر جمع المفاخر"، ومؤلف فيمن أسلم من أهل فاس، وقصيدة رائية في حوالي ثلاثمائة بيت في المدح النبوي، ومجموع أشعار.(1/32)
تصدر للتدريس بجامع القرويين، وانخرط في خطة العدالة مدة من الزمان، غير أنه أصابه الجذب في أواسط عمره، واشتد به إلى قرب وفاته، ثم صحا من جذبه آخر عمره، ولازم العبادة والزهد إلى أن توفي عن (59) عاما ليلة الجمعة 18 محرم فاتح عام (1310)، ودفن بروضة الشرفاء الكتانيين قرب قبة مولاي عبد العزيز الدباغ بالقباب.
مريم بنت الحسن الكتانية(1)
ومنهم: مريم بنت الحسن بن عمر بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: عالمة مطلعة، عابدة صالحة زاهدة، ذات عبادات ومجاهدات، وفوائد علمية. من عالمات فاس المدرسات القلة. كانت – رحمها الله – حافظة لعدة متون علمية، و"دلائل الخيرات"، مواظبة على الأذكار والصلوات، مراقبة لله تعالى في السكون والحركة.
وكان لها اعتناء بالفقه، والمباحثة في أمور دينها، تعرف أبواب العبادات على مذهب مالك معرفة كبيرة، مطلعة على غيرها من أبواب الفقه، تبحث عن مسائله في شروح مختصر خليل وغيرها. وكانت النساء ترجع إليها في أمور دينها. وهي أخت العلماء الأجلة: محمد والطاهر وعمر وعبد الرحيم أبناء الحسن، وبنت أخت شيخ الإسلام جعفر بن إدريس الكتاني. توفيت – رحمها الله – بفاس عام (1317).
تاجة بنت الطائع الكتانية(2)
__________
(1) المراجع: "التاج" (1: 127).
(2) المراجع: "المواهب الفتحية" (ص55).(1/33)
ومنهم: تاجة بنت الطائع بن هاشم بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن علي الجامع: ولية صالحة، عارفة مربية ناسكة، من أهل القرن الرابع عشر. كانت عابدة قانتة، صاحبة أذكار، محافظة على أداء صلواتها، عارفة بالله تعالى، ملازمة للشريعة والسنة بالرغم من كبر سنها، وصفها مترجموها بأنها: "نفيسة زمانها، ورابعة أوانها". أخذت عن والدها العارف مولاي الطائع بن هاشم الكتاني، وأخذ عنها حفيدها العلامة محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني وغيره نساء ورجالا. وهي تعد من النساء المغربيات القلائل اللواتي كان لهن دور في الوعظ والإرشاد، والإلمام بالمسائل العلمية.
توفيت بفاس في الساعة العاشرة ليلا من يوم الأربعاء 17 ذي القعدة الحرام عام 1318، وأقبرت داخل حوش مولاي الطيب الكتاني، بالقباب، عند مصلى باب الفتوح، وكانت لها جنازة عظيمة؛ حضرها العلماء والقضاة والأشراف، وغيرهم ممن لا ينحصر.
جعفر بن إدريس الكتاني(1)
ومنهم: جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: شيخ الإسلام، ومفتي المغرب، الفقيه المشاور، أحد رواد النهضة العلمية والفكرية زمن السلطان الحسن الأول.
__________
(1) المراجع: مقدمتا كتابي المترجم: "الدواهي المدهية للفرق المحمية"، و"أحكام أهل الذمة" كلاهما بتحقيق وتقديم الدكتور محمد حمزة بن محمد علي الكتاني، "الدرر البهية" (2: 118)، "النبذة" (301)، "عقد الزمرد والزبرجد" الجزء الأول، "الفكر السامي" (2: 308)، "مختصر العروة الوثقى" (ص98)، "الدليل المشير" (ص422)، "فهرس الفهارس" (1: 176)، "شجرة النور" (1: 433)، "المدهش المطرب" (1: 173)، "الأعلام" (2: 122)، "إتحاف المطالع" (1: 365)، "المطبوعات الحجرية بالمغرب" ص168.(1/34)
ولد بفاس حدود عام 1246، وأخذ بها عن كبار مشيختها، وعرف بنبوغه المبكر، وتصدر للتدريس في ريعان شبابه بجامع القرويين والزاوية الكتانية الكبرا وغيرهما من مساجد وزوايا فاس، كما اشتغل بالعدالة في سماط العدول، والخطابة والإمامة بجامع الرصيف وجامع أبي الجنود ومسجد الحوت الذين تواتر على إمامتهما آباؤه..وغيرها.
ونظرا لنبوغه فقد قربه ملوك المغرب؛ خاصة المولى محمد بن عبد الرحمن والمولى الحسن الأول، والمولى عبد العزيز، وصدروه في مجالس إقراء الحديث بالضريح الإدريسي، والمجالس العلمية بالقصر الملكي بفاس، بحيث تلمذ له جمع من أمراء البيت العلوي.
وبالرغم من رفضه تولي خطة القضاء في أي من مدن المغرب؛ فقد ظل المرجع في جميع الأحكام التي تستأنف عند السلطان الحسن الأول العلوي وعند ولده السلطان عبد العزيز دهرا طويلا، فلا يوقعانها ما لم بمحصها هو ويحكم فيها.
وكان أحد رجال مجلس الشورى الذي أسسه المولى الحسن الأول، وأعضاؤه هم: أحمد بن الطالب ابن سودة، وأحمد بن محمد ابن الحاج، والطيب ابن كيران، وعبد الله بن إدريس البدراوي. بحيث يعد من الأعمدة الفكرية في عصر المولى الحسن الأول – خاصة – والذي كان عصر نهضة فكرية وعلمية وحضارية، بعث فيها الملك المذكور بعثات علمية إلى أوروبا، وأسس مصانع للسلاح وغيره، ونظم الجيش المغربي.
كان الشيخ جعفر الكتاني إماما من أئمة العلم في جميع الفنون، مجتهدا محصلا، محدثا حافظا، أديبا شاعرا ناثرا، متصوفا صالحا عارفا بالله تعالى. وكان يعرف في عصره بمالك الصغير، أو خليفة الإمام مالك؛ نظرا لتبحره في الفقه، ومعرفته بأساليب الاستدلال، وحفظه لنصوص المذهب، مع ميله للآثار، واعتنائه بنوازل الوقت؛ وهو الفقيه المشاور، بحيث يعد من مجتهدي المغرب في بداية القرن الرابع عشر الهجري، بل شيخ مجتهدي ذلك العصر.(1/35)
وكان محدثا حافظا، له اعتناء كبير بعلم الحديث سندا ومتنا، حفظا وضبطا ونقدا، بحيث درس وسرد صحيح البخاري وصحيح مسلم وحدهما بالزاوية الكتانية بفاس أكثر من عشرين مرة.
وكان المترجم – رحمه الله تعالى – سيفا مصلتا على رقاب المتجنسين بجنسيات الأعداء من الأجانب (أهل الحمايات)، فقد ملأ المنابر فتاوى بردتهم ووجوب قتلهم ما لم يتوبوا، ومصادرة أموالهم، ودفنهم في غير مقابر المسلمين، وكتب في ذلك كتابه الشهير: "الدواهي المدهية في الفرق المحمية". وهو مطبوع بدار البيارق بالأردن.
وحين حاولت فرنسا احتلال شنجيط (موريطانيا) كتب في ذلك رسالة شهيرة، يوجب فيها قتال السلطان للفرنسيين، واستنفاره الرجال لحماية البلاد.
كما ترك – رحمه الله تعالى – مؤلفات كثيرة تقرب من المائة؛ وصفها صاحب "المدهش المطرب" بأنها "متقنة نفيسة"؛ منها: "النوازل"، وحواشي على صحيح البخاري ملأها فقها محررا، و"الدواهي المدهية للفرق المحمية".ط، و"أحكام أهل الذمة".ط، وترجمة الشيخ محمد بن عبد الواحد الكتاني في مجلد نفيس، وتأليف في حكم التدخين، ووفيات علماء القرن الثالث عشر المسمى: "الشرب المحتضر"، و"التحذير من خطة القضاء"، وحاشية على جامع الترمذي، وحاشية على شرح التاودي ابن سودة على الزقاقية، و"الرياض الريانية في الشعبة الكتانية"، ومواهب الأرب في السماع وآلات الطرب"....وغيرها.
كما كان له دور مهم في إحياء التراث المغربي، وتحقيق وتصحيح ونشر مجموعة من أمهات المؤلفات؛ ك: "إتحاف المقنع بالقليل" لأحمد الهلالي، وحاشية المكودي على "الألفية"، في اللغة، وحواشي ابن كيران على "التوضيح"...وغيرها.
توفي بفاس يوم الجمعة 21 شعبان عام 1323، وشيع في جنازة مهيبة خرج جل أهل فاس فيها، ودفن داخل قبة الإمام الدراس بن إسماعيل بالقباب قبالة باب الفتوح.(1/36)
محمد بن عبد الكبير بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: شيخ الطريقة الأحمدية الكتانية، يعرف عند مترجميه بمجدد الإسلام بالمغرب، وحجة الإسلام، والشيخ الأكبر، والختم الأكبر. أبو الفيض الشهيد.
ولد بفاس في ربيع الأول عام 1290، وأخذ عن أعلامها. وأخذ طريق التصوف عن والده الشيخ عبد الكبير الكتاني، وعليه اعتمد.
وأسس طريقته الأحمدية الكتانية عام 1308، وأصبح يظهر من العلوم ما أبهر شيوخه فمن دونهم، سواء من علوم الظاهر ومن علوم الباطن، وانتسب إلى مقام الختمية الأحمدية الكبرى. ثم تصدر للتدريس والدعوة إلى الله تعالى بالزاوية الكتانية بفاس، وأصبح يخرج إلى القبائل المجاورة لفاس والنائية، داعيا إلى الله تعالى ومرشدا ومسلكا بحيث أصبح يعد أتباعه في زمانه بمليون شخص. ثم نزل إلى الصحراء؛ فاستغل حساده بفاس خروجه إليها، وأشاعوا عنه الانحراف في العقيدة، ومحاولة الانقلاب على الملك.
فاضطر إلى الرحلة إلى مراكش عام 1314 لتوضيح موقفه للسلطان المولى عبد العزيز، فبرأه من مسألة الانقلاب، وأحال قضية الانحراف العقدي إلى العلماء، فكان الاتفاق على أن تكون بينه وبينهم مناظرة، والتي استمرت عدة أشهر انتهت بانتصاره وتبرئته مما نسب إليه. ثم عاد إلى فاس في السنة الموالية 1315، منتصرا جارا أمامه جلباب العزة والفخار.
__________
(1) المراجع: "المظاهر"مطبوع على الحاسوب، "النبذة" ص213. "معجم الشيوخ".(1/ 44)، "معجم المؤلفين"، (10/ 185)، "معجم المطبوعات" (1546)، "الأعلام" (6/ 214)، "إتحاف المطالع" (1/ 381)، "من أعلام المغرب العربي في القرن الرابع عشر" (61)، "العلماء الذين لم يتجاوزوا سن الأشد" (ص207).(1/37)
وكان منهجه في الفقه: الاجتهاد المطلق، بحيث كان له دور مهم في إدخال كتب الاجتهاد إلى المغرب. كما كان محدثا حافظا؛ يعد نادرة وقته في علوم الحديث، بل كان أعلم من كل ذي علم في علمه. وكان له إلمام كبير واعتناء بفلسفة التشريع، وإبراز الحكمة من الأوامر الإلهية، والأحكام الفقهية، ويعدها روح الشريعة الإسلامية التي لا قوام لها بدونها. بحيث انفرد عن أهل عصره بذلك.
أما التصوف؛ فكان مستغرقا في مقام الأحمدية، يكتب في المعارف اللدنية على طريقة الحاتمي والجيلي وابن سبعين، إليه المرجع في فك غوامض أقوالهم، وحل مقفل علومهم، يستدل لغوامض علوم الباطن بالكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، حتى قال في رسالته "الولاية الذاتية" بعد حديثه عن استغراقه فيها أولا: "ولو دمنا على ذلك الحال؛ لغيرنا القوانين الملكية من حيث الترتيب الشرعي، لأنه يصير كل من جالسنا عارفا، لا بالمعرفة المنقولة عن فلان وفلان، بل معرفة لو سمعها الحكيم الترمذي والحاتمي؛ لقالا: هذه ضالتنا. وألقى كل منهما عصا التسيار وجلسا، وكان التلاميذ يرون أن ذلك هو البداية، مع أن ذلك كان من أقصا نهايات العارفين...".
وكان له مزيد اعتناء بالشمائل النبوية المحمدية والأحمدية؛ بحيث جل مؤلفاته في الكمالات المحمدية، والتي تعد مدرسة مهمة في الفكر الإسلامي ندر من بحث فيها من العارفين عن طريق العلم اللدني، وعلم الباطن.
وفي عام 1320 قربه المولى عبد العزيز مستشارا له؛ لانفراده علما وذكاء، وسعة نفوذه في أوساط القبائل والمدن المغربية. وفي عام 1321 سافر للمشرق بنية الحج، والتقى فيه بزعماء الدول التي زارها، وزعماء الإصلاح والعلم، واطلع عن كثب على مؤامرات ومخططات الاستعمار ضد العالم الإسلامي، وربط علاقات بمملكة أفغانستان، والخلافة العثمانية، وخديوي مصر عباس باشا.(1/38)
ثم عاد إلى المغرب السنة الموالية مرسخا الفكر الإصلاحي، وكتم ما كان معتنيا بإظهاره من علوم الحقائق وبثها أمام الملأ، وتفرغ لإصلاح البلاد وتحصينها ضد الاستعمار المحدق بها.
كما جعل زاويته الكتانية محطا لأرحال المفكرين والمتفتحين المغاربة، والمشارقة الفارين من المشرق؛ كعبد الكريم مراد، وخير الدين التونسي وغيرهما.
وفي هذه الفترة برز الدور الإصلاحي للشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني، خاصة بعد مواقفه من احتلال فرنسا شرق المغرب (توات، والقنادسة)، ورسمه للخارطة المغربية الجزائرية، وموقفه من احتلال فرنسا لمدينتي وجدة والدار البيضاء، ودعائه من أجل ذلك إلى الجهاد ضد المستعمر الفرنسي، وكذا دعوته إلى ترسيخ نظام الملكية الدستورية، عن طريق إحداث البرلمان، وتدوين دستور للبلاد يكون للشعب الحق من خلاله المشاركة في إدارة البلاد وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية الغراء.
وفي هذا المضمار؛ أنشأ جملة من المفكرين والعلماء مشاريع لدستور مغربي، كما قدم المترجم الدعم المادي والمعنوي لجريدة "لسان المغرب" الصادرة بطنجة، وهي تعد أول جريدة وطنية مغربية. ثم أصدر جريدة "الطاعون" التي كانت مخصصة ضد الهجوم الفكري الغربي الذي كانت تمثله جريدة "السعادة".
ونظرا لانشغال وزراء العهد العزيزي بمصالحهم الخاصة، وانقطاع كل سبل التفاهم بينه وبينهم، مع ظهور بوادر ضياع المغرب عن طريق احتلال أطرافه دون مقاومة، وانهيار ميزانيته الاقتصادية، ولم تجد في ذلك نصيحة الناصحين ولا جهود المترجم الإصلاحية؛ فقد شارك الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني في بيعة السلطان عبد الحفيظ بن الحسن الأول ملكا على المغرب، وخلع المولى عبد العزيز. غير أن الشيخ الكتاني أصر على اشتراط بيعة المولى عبد الحفيظ بشروط الشورى، وجهاد المستعمر، ورفض قرارات الجزيرة الخضراء...وغيرها. فتمت البيعة عام 1325 تحت تلك الشروط.(1/39)
وفي هذه الفترة نشط الشيخ الكتاني في دعوة أتباعه إلى جهاد فرنسا، وحرر مئات الرسائل التي تعد مرجعا هاما في أدب المقاومة المسلحة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي، تدعو لمقاومة الغزو، وأخذ الأسباب، والاعتماد على الله تعالى.
وكان لأتباعه في قرى الشاوية وزعير والرحامنة دور مهم في صد العدوان الأجنبي عن المغرب، كما كان لأتباعه في قبيلة زمور الشلح وكروان، وآيت يوسي وآيت صغروشن دور كبير في وقف ثورة أبي حمارة وحسرها في جبال الأطلس إلى انتهائها، مع دورهم الرائد في مقاومة الجيوش الفرنسية الزاحفة نحو فاس.
وكان ملكا المغرب المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ يعتمدان عليه في إيقاف ثورات وتمردات القبائل المغربية ضد النظام؛ لما كان له من النفوذ القوي بينهم.
وفي عام 1326 عقد الشيخ الكتاني مؤتمرا بمكناس بين القبائل البربرية في الأطلس والشمال، يدعو إلى تنازلها عما بينها من الدماء، وعن مبدأ الثأر، واتحادها في صد الهجمة الاستعمارية ضد البلاد، كان له أكبر الفضل في إيقاف التطاحن والحرب الأهلية بين القبائل المغربية.
كما حرض جملة من زعماء القبائل على الاستعداد للحرب ضد فرنسا؛ من أبرزهم: القائد والمجاهد الكبير محمد بن حمو الزياني (موحا وحمو الزاياني) رحمه الله.(1/40)
ونظرا لرفض المولى عبد الحفيظ شروط بيعته، واعتباره إياها تحجيرا لسلطاته، وتطاولا عليه؛ فقد ساءت العلاقة بين الشيخ الكتاني والمولى عبد الحفيظ، مما هيأ لدهاقنة الاستعمار الفرنسي ورواده الولوغ في الماء العكر، والإيقاع بين الشيخ والسلطان، حتى تمت الفاجعة الكبرى باعتقال الشيخ الكتاني في إحدى خرجاته الدعوية بضواحي فاس، واتهامه بمحاولة الثورة على النظام وإعلان الجهاد. ثم ألقي إلى السياط إلى أن سقط شهيدا في 14 من ربيع الثاني عام 1327/ 1909. قال الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله: " اقترن استشهاد هذا العالم الجليل باستشهاد أمة كاملة؛ وهي: أمة المغرب".
لقد كان الشيخ أبو الفيض مجددا بما تعنيه الكلمة من معنى، وكان فيلسوفا متفتح العقل، ذا اطلاع نادر ومعرفة بسياسة الوقت، والحروب الأوروبية والشرقية، وكان حر الفكر والضمير، يجاهر بأفكاره في المجالس الخاصة والعامة، غير هياب ولا وجل.
كما أجمع مترجموه أنه كان آية في الصلاح والعبادة، شديد الخشية من الله تعالى، لا يترك قيام الليل ولا صيام الأيام الفاضلات، ولا يكاد يجالسه المرء إلا ويجد له كرامة أو كرامات. وكان يرى الزهد في خروج الدنيا من القلب لا من اليد، فكان يتجمل في الثياب بما لا طاقة لأحد به أحيانا، وأحيانا يلبس المرقعات. وكان شديد جمال الوجه واعتدال البدن، بحيث كان يرتدي اللثام أحيانا، فسمي من أجل ذلك بصاحب اللثام.
وقد تلمذ للشيخ الكتاني الآلاف في المشرق والمغرب، كان منهم الزعماء والعلماء، والمصلحون والمجاهدون...وغيرهم.(1/41)
وترك أكثر من ثلاثمائة مؤلف، وعشرة آلاف رسالة إرشادية. ومن مؤلفاته: "روح الفصوص"؛ من أغرب ما ألف، ويقع في مجلد ضخم، و"حياة الأنبياء"؛ في مجلدين، و"ختمة البخاري" من سبعة وعشرين علما، أملاه من حفظه في جامع القرويين عند ختمه شرح صحيح البخاري من الضحى إلى الظهر، وطبع عام 1318، و"هداية أهل الخصيصة بشرح حديث الخميصة" في مجلد ضخم ناقش فيه الإمام البخاري وغيره، و"المواقف الإلهية في التصورات المحمدية"، و"الأمالي في علم الأمهات" تحدث فيه عن بضع وتسعين علما، و"الرسالة الستينية في علوم شيخ التربية" تحدث فيه عن 66 علم من علوم شيخ التربية، و"البحر الخيضم في شروط الاجتماع بالنبي الأعظم"، و"رسالة المؤاخاة"، و"سفينة المحبة"...وغير ذلك.
وكان له اعتناء باستقدام العلماء من المشرق للمغرب، وإبراز العلماء المغمورين من أجل إنعاش الحياة العلمية بالمغرب، بل اشترط في طريقته تدريس العلوم الشرعية في عموم الزوايا الكتانية، وفتح في الزاوية الكتانية بفاس دروسا في الجغرافيا والتاريخ وغيرهما من العلوم العصرية، قام بها نبغاء من المهاجرين المفكرين من علماء وزعماء المشرق الوافدين على المغرب.
كما ترك الشيخ أبو الفيض شعرا يغلب عليه الطابع الصوفي الفلسفي والعشقي، جمعه الدكتور إسماعيل المساوي في ديوان ضمنه حوالي (3400) بيتا في أطروحة للدكتوراة نوقشت بجامعة مراكش عام 2001.
توفي الشيخ أبو الفيض – كما سبق – شهيدا في سجن أبي الخصيصات بفاس، إثر جلده خمسمائة جلدة بأمر من السلطان عبد الحفيظ، في 14 ربيع الثاني عام 1327، ودفن بمقبرة باب الساكمة وأخفي قبره، بحيث لا يعلم إلى الآن.(1/42)
عبد الكبير بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: أبو المكارم، من دعاة الاجتهاد، ورواد الإصلاح الديني والسياسي بالمغرب في القرن الرابع عشر، مشارك في جل العلوم، وشيخ طريقة مربي، ومجاهد سياسي. يلقب بجبل السنة والدين.
ولد بفاس عام 1268، وأخذ عن والده الشيخ أبي المفاخر محمد بن عبد الواحد الكتاني، وابن عمه جعفر بن إدريس الكتاني، وغيرهما من أعلام المغرب، ومحمد عليش، وأحمد زيني دحلان المكي، وعبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي الهندي...وغيرهم من أعلام المشرق.
كما أخذ السلوك خاصة عن والده، والشيوخ: محمد مظهر النقشبندي، ومحمد بن عبد الحفيظ الدباغ، ومحمد منتظر الطرابزوني، ومحمد بن قاسم فنجيرو، والشريف عبد السلام بن علي ابن ريسون...وغيرهم.
ورحل للحج والزيارة مرتين؛ عام 1286، و1295، وأخذ بالمشرق والمغرب، وأخذ عنه المئات، والآلاف من طلبة العلم والمريدين. وكان بيته وزاويته مأوى الوافدين إلى فاس من كبار العلماء والمفكرين من المشرق والمغرب.
وكان له اعتناء عظيم بالسنة والحديث، محكما السنة في أحواله أقوالا وأعمالا، حتى تجسدت به، لا مذهب له ولا طريقة دون الكتاب والسنة، وختم صحيح الإمام البخاري ما بين دراسة وتدريس أكثر من خمسين مرة، وأتم سماع وإسماع الكتب الستة في الحديث الشريف كلها، ويستحضر أحاديثها كأصابع يديه، بحيث يعرف الناس له منة إحياء السنة وكتبها بفاس، والقيام عليها قيام النقاد المهرة. وجل كتبه تدور على هذا الجانب.
__________
(1) "المظاهر" ج2، "النبذة" ص214، "شجرة النور" (1/ 437)، "معجم الشيوخ"، (2/ 74)، "الأعلام" (4/50)،"فهرس الفهارس" (2/ 20)، "ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد" (ص222)، "إتحاف المطالع" (2/ 410)، "سل النصال" (ص11)، "من أعلام المغرب" (ص61 حاشية).(1/43)
كما كان شيخا مربيا، بحيث يعد شيخا للطريقتين المحمدية الكتانية، والأحمدية الكتانية، إضافة إلى أربعين طريقة كان يلقن أورادها بفاس وغيرها، معتنيا بتربية المريدين وتقريبهم إلى الله تعالى.
وكان منهجه في التربية؛ الاعتناء بالأحكام الشرعية، وتتبع السنن النبوية المعروفة والمضمرة، والتعريف بها، والحض عليها وعلى تتبعها، ومراقبة النفس في الحركات والسكنات، ومحاسبتها...فكان اعتناؤه بالتصوف السلوكي. ومن أهم ما ميزه به مترجموه: استغراقه في محبة النبي صلى الله عليه وسلم: "فاق فيها جميع أقرانه، وجل أهل عصره – فيما رأينا – وأوانه". كما قال صاحب "النبذة اليسيرة".
وحينما هوجمت البلاد من طرف الجيوش الفرنسية ودقت ساعة التحرير الكبرى؛ قام بأدوار هامة لصالح البلاد والعباد وصار يغذي الثورة الوطنية الكبرى التي قام بها ولده أبو الفيض الشهيد بمختلف أنواع التغذية، وناهيك منها بدروسه القيمة ورسائله العديدة إلى مختلف المدن والقرى والمداشر، وإخباره عن سير الحركات التحريرية القائمة بالبلاد، تلك الأخبار التي كانت تنعش الآمال وتعيد الاطمئنان إلى النفوس المستضعفة، ويتلقاها مراسلو الصحف العربية والأجنبية بمزيد العناية والاهتمام، وتثير بعد نشرها دهشة كبرى في الأوساط الرسمية بفرنسا، وتعرقل المساعي الاستعمارية، وتقلل الثقة التي كان يضعها الدبلوماسيون الفرنسيون في وزراء السوء في الحكومة المغربية. وقد أبدت جريدة "السعادة" رغبتها الملحة في تخلي الشيخ عبد الكبير الكتاني عن ترويج تلك الإشاعات التي كانت تعدها خطيرة جدا على مصالح فرنسا بالمغرب، وذلك في عددها المؤرخ بيوم الجمعة 8 جمادى الأولى 1307هـ موافق 28 مايو 1909م.(1/44)
ومن يراجع تأليفه في أسباب رضى الله عن العبد - الذي يعد من الوثائق الهامة في تاريخه الوطني- ير مقدار حنقه على أولئك الذين ناداهم منادي التحرير فلم يجيبوا، ونوع الحملات التي شنها عليهم والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تنشأ عن سكوتهم، وكيف دعا إلى عقد مؤتمر مغربي، يحضره ممثلون عن جميع عناصر الأمة، يقع الاتفاق فيه على تكسير الأغلال والقيود التي تعرقل سير الأمة في مدارج الرقي والسعادة، وتدرس طرق الخلاص من وهدة الاستعمار التي سقطت فيها مدينتنا البيضاء ووجدة، وأصبح المغرب كله وشيك الوقوع فيها، وقد وضع هذا الكتاب أسس ما يجب أن يتفق عليه المؤتمرون؛ كاتخاذ مجلس للشورى، وبذل الجائز والمستحيل للظفر بالأعتدة الحربية الجديدة، ودعوة المسلمين لبيع جميع ما في دورهم من الكماليات التي أنتجتها معامل الكفار، ودفع قيمتها في شراء الآلات الحربية التي يتوقف عليها سير الحركة التحريرية، وأخيرا: مقاطعة البضائع الأجنبية. ذاكرا أنها أول عمل يجب على المغاربة أن يقوموا به إذا أرادوا ضمان سيادتهم واستقلالهم، ومبشرا لهم بنصر الله وتأييده إن هم أجمعوا على ذلك وأخرجوه من حيز القول إلى حيز العمل، ومنذرا لهم بسخطه وعقابه إن هم حادوا عنه وسلكوا غير السبيل السوي الذي خطه لهم.
وهكذا كان هذا الإمام المصلح يعرج بأمته في معارج الرقي والتقدم، ويبني سدا من فولاذ بينها وبين مواطن الخراب والدمار. ولكن قادة الاستعمار كانوا يعملون على تحطيم ما يعترض طريقهم من سدود، سائرين بالمغرب نحو الكارثة العظمى، والداهية الكبرى بخطى سريعة، إلى أن ألقي عليه القبض وعلى عائلته ورجال فدائيين من الطريقة الكتانية، وهم في طريقهم إلى جبال الأطلس عام (1327هـ)...(1/45)
وبعد الإفراج عنه؛ واصل عمله لصالح دينه ووطنه غير هياب ولا وجل، رغما عن استشهاد ولده الإمام محمد، فكان من الذين شملهم قوله سبحانه: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}، [آل عمران:146]. وقد حاول بعد استرجاعه بعض قوته التي أنهكها السجن أن يخرج إلى جبال الأطلس ليتزعم حركة المقاومة، ولكن جيش الرقابة العتيد الذي كان محاطا به، حال بينه وبين ذلك؛ فاقتصر على توجيه شخصيات بارزة للقيام بهذا الواجب المقدس، كتلميذه وتلميذ نجله الشيخ أبي الفيض العالم الجليل الشريف عبد السلام بن الفاضل العلوي المتقدم ذكره في وصل التلاميذ.
وآخر عمل قام به؛ هو: الرحلة الإرشادية التي كانت نهايتها مدينة الصويرة، وتسمى عند أتباع الطريقة الكتانية بـ: "رحلة الوداع"؛ لأنه كان يودعهم فيها، وكان لها فضل كبير على الحركة الإسلامية بالمغرب، لأنه حارب فيها اليأس الذي أصاب الناس من الاحتلال الأجنبي، وأوقد فيهم جذوة النشاط، ودعا إلى مواصلة الكفاح والعض بالنواجذ على تعاليم الإسلام، بحيث أصبح يعد مجدد الإسلام بالمغرب، لا مجدد الطريقة الكتانية فحسب!!!.
وقد ترك – رحمه الله – حوالي خمسين مؤلفا، وخمسة آلاف رسالة كان يبعثها داعيا إلى الله تعالى وناشرا للعلم، وحاضا على الجهاد ضد المستعمر. منها: "المشرب النفيس في ترجمة قطب المغرب مولانا إدريس بن إدريس"، و"الانتصار لآل النبي المختار، والرد على بحث الشيخ القصار"، ومؤلف في المبشرين بالجنة، وآخر في أسباب رضى الله عنه العبد، ورضى العبد عن الله تعالى، ورسالة في تحريم التدخين، وأخرى في شيبه صلى الله عليه وسلم، ومؤلف حافل في نصرة السنة سماه: "تحديد الأسنة في الذب عن السنة"، وكتاب "نجوم المهتدين في دلائل الاجتماع للذكر على طريقة المشايخ التأخرين، برفع الأرجل من الأرض والاهتزاز شوقا لرب العالمين".ط. وقرظه كبار علماء المغرب.(1/46)
توفي – رحمه الله – صبيحة يوم الخميس 26 ربيع الأول عام 1333، ودفن بالزاوية الكتانية الكبرا بالقطانين بفاس، وحضر جنازته الخاص والعام.
عبد الرحمن بن جعفر الكتاني(1)
ومنهم: عبد الرحمن بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: أحد نبغاء جيله، علامة مدرس، مشارك في مختلف علوم الشريعة، متضلع من الفقه والحديث والأدب، مؤرخ نسابة مسند، من نبغاء شعراء فاس، وأحد خدمة التراث المغربي.
ولد بفاس عام 1297، وتربى في كنف والده الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني، وأخيه الشيخ محمد بن جعفر الكتاني، وكان القارئ بين يديه في جميع ما يقرئه من الكتب، وهو عمدته في العلم. وأخذ كذلك عن زوج عمته عبد الكبير بن محمد الكتاني ونجله محمد بن عبد الكبير الكتاني، وغيرهم من أعلام فاس. كما استجاز كبار علماء فاس والمشرق فأجازوه، كما استجاز له أخوه الإمام محمد بن جعفر الكتاني جميع من استجازه بالحجاز عند زيارته لها عام 1321.
وكان متضلعا من سائر العلوم الشرعية، ذا معرفة بالفقه والحديث والآثار، والنحو واللغة والأدب..وغيرها. سريع الفهم، واسع الاطلاع، عميق الإدراك، ممن يرجع إليهم في وقته، وصفه الشيخ محمد الباقر بن محمد الكتاني في "التاج" بقوله: "بلغ درجة الإمامة في علوم الفقه والحديث والأدب، ومؤلفاته أدل دليل على ما أقول...ولو عمر لكان أبرز علماء عصره!".
__________
(1) المراجع: "النبذة" (319)، "عقد الزمرد والزبرجد" (1/ 259)، "التاج" (1/ 121)، "الأعلام" (3/ 303)، "إتحاف المطالع" (2/ 415)، "معجم المؤلفين" (5/ 133)، مقدمة "ديوان شاعر فاس العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني" جمع وتحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني، "السبحة النورانية" (68)، "المطبوعات الحجرية بالمغرب" ص169، "العلماء الذين لم يتجاوزوا سن الأشد" (ص208).(1/47)
وكان – رحمه الله – أحد أعيان أدباء المغرب وشعرائهم، وكانت بينه وبين الشيخ جمال الدين القاسمي – عالم الشام – مساجلات شعرية، ورسائل مبدعة. قال عنه أخوه الإمام محمد بن جعفر الكتاني في "النبذة" بأنه كان: "شاعرا مفلقا، ناظما ناثرا مغلقا...وشعره كثير جدا..."، وقال صاحب "التاج المرصع": "وشعره الرائع يفاخر به المغرب أئمة الأدب الأقدمين بالأندلس ومصر...". ومن شعره:
لكت الندى حتى عمرت يَبابَهُ
فما هَرَم يحكي نداك ولو غدا
فلو كان عينا كنت أنت سوادها
ولو كان إنسانا لكنت حياته
ولو كان روضا كنت باسمَ زهره
تبارك ما أولاك ربك من ندى
فلازلت محروس الجناب على المدى
ومد على علياك قهرا قبابه
على مُقتَفيه قد أفاض عُبابَهُ
ولو كان عمْرا كنت أنت شبابه
ولو كان بُرا كنت أنت لُبابَهُ
ولو كان بيتا كنت والله بابه
يزيل أسى العاني وينفي تبابه
ولازلت تولي كل عاف حُبابَه
ومنه: قوله اشتياقا لأخيه وأهله المهاجرين إلى المشرق:
ما لي على هجر الأحبة من جلدْ
ظعنوا فمنهم مقلتي هطالة
كيف التصبر عنهمُ لموله
جمع الإله شتاتنا بكمُ على ... تالله لا يقوى لبعدهمُ خلَدْ
وجوانحي فيها الغرام لقد وقد
بهمُ وكيف يطيب بعدهمُ البلد
عجَل بطيبة بالأهالي والولد
تصدر للتدريس بجامع القرويين الأعظم، وغيره من مساجد وزوايا فاس؛ فأخذ عنه بها جمهرة من الأعلام، وعين - إضافة إلى التدريس بجامع القرويين - أحد مفتي فاس عام 1326 هو ومجموعة من كبار العلماء، ونصبه المولى عبد الحفيظ ضمن كبار العلماء الذين يحضرون الدروس الحديثية بالقصر الملكي بفاس، ورشح أثناء بداية عهد الحماية ضمن لجنة من كبار العلماء تشرف وتراجع الأحكام القضائية التي يصدرها قضاة فاس، غير أنه تهرب من هذا المنصب، بعدا منه عن مخالطة الاستعمار الفرنسي في أي شئ.(1/48)
وكان المترجم صاحب دين متين، وعبادة ومجاهدة، وولاء للمؤمنين، وبراءة من أعداء الإسلام؛ بحيث لم يتعامل مع الاستعمار الفرنسي وأذنابه قط، وزهد في جميع المناصب التي عرضت عليه، وآثر الخمول والانزواء، والتدريس والعبادة والعلم. وقد حاول جاهدا الهجرة للمشرق غير أن قلة ذات اليد منعته.
ترك الشيخ عبد الرحمن بن جعفر الكتاني عدة مؤلفات وصفها الإمام محمد بن جعفر الكتاني في "النبذة" بأنها: "رائقة، محررة فائقة". ووصفها صاحب "التاج" بأنها: "تدل على إمامته". منها: "الحسام المنتضى المسنون على من قال: إن القبض غير مسنون".ط. منظومة نصر فيها سنة القبض في الصلاة. و"الجوهر النفيس، في النسب الكتاني النفيس"، منظومة أرخ فيها وترجم لأفراد البيت الكتاني، وتأليف فيمن أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، وحاشية على شرح الأزهري على "الآجرومية"، و"كشف النقاب عن موافقة سيدنا عمر بن الخطاب"، وتأليف فيمن بدل النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم من الصحابة، و"إظهار ما بطن من حب الوطن"، يعني: المدينة المنورة. وتشطير قصيدة ابن جابر الأندلسي في التشوق إلى المدينة المنورة، في (722) بيت، وفهرس شيوخ العلامة حميد بن محمد بناني، وكناشة مليئة بالفوائد.
كما جمع ما وقف عليه من شعره والدنا العلامة الدكتور علي بن المنتصر الكتاني في ديوان يتضمن حوالي (3000) بيت. كما ترك – رحمه الله تعالى – سلسلة رسائل مرسلة بينه وبين أخيه الإمام محمد بن جعفر الكتاني، وابن أخيه محمد الزمزمي بن محمد الكتاني جمعت في مجلد، تتضمن وفيات وفوائد علمية وتاريخية بالغة الأهمية؛ خاصة أخبار فاس والمغرب قبيل وبعيد دخول الاستعمار الفرنسي، وتشكل صورة حية لكاتبها.(1/49)
كما عني الشيخ عبد الرحمن بتحقيق وإصدار عدة كتب تراثية مهمة؛ منها: كتاب والده: "إعلام أئمة الأعلام وأساتيذها، بما لنا من المرويات وأسانيدها"، وكتاب أخيه الإمام محمد: "نصيحة أهل الإسلام بما يدفع عنهم داء الكفرة اللئام"، وكتاب الإمام الحسن بن مسعود اليوسي: "مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص"، و"مفتاح الأقفال ومزيل الإشكال" لأبي عبد الله السجلماسي، و"شرح الشيخ الطيب ابن كيران على خريدة الشيخ حمدون ابن الحاج" في المنطق، و"نشر البنود على مراقي السعود"، و"هدى الأنوار على طلعة الأسرار" كلاهما لعبد الله العلوي الشنجيطي، ومجموعة من مؤلفات الشيخ ماء العينين الشنجيطي...وغير ذلك.
توفي بفاس عن 37 عاما فقط، إثر سقوطه عن فرس على صدره في التاسع من صفر عام 1334، ودفن داخل قبة الإمام الدراس بن إسماعيل بالقباب قبالة باب الفتوح.
فضيلة بنت إدريس الكتانية(1)
ومنهم: فضيلة بنت إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: العالمة العارفة بالله تعالى، الشيخة المدرسة، مربية المريدات والمقدمات، ووالدة الإمامين محمد وعبد الحي ابني عبد الكبير الكتاني.
ولدت بفاس حدود عام (1270)، وتربت في حضانة والدها الفقيه المجاهد أبي العلاء إدريس بن الطائع المسلطن الكتاني، وأخيها شيخ الإسلام جعفر بن إدريس الكتاني، ثم تزوجت بالإمام عبد الكبير بن محمد الكتاني، وأخذت عنه.
تعد هذه المرأة من فريدات النساء المغربيات عبر التاريخ، لما تميزت به من وسع المعرفة، إضافة إلى الشهرة بالولاية والصلاح، والتصدر لتربية المريدات وتعليمهن، وتلقينهن الأوراد، عدا الشهرة التي عرفت بها في زمانها، خاصة بعد ازدهار طريقة ابنها الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني.
__________
(1) المراجع: "ترقية المريدين"، و"التاج" (1/ 119).(1/50)
وقد أفردها بالترجمة نجلها الشيخ عبد الحي الكتاني بكتاب: "ترقية المريدين بما تضمنته سيرة السيدة الوالدة من أحوال العارفين"، تطرق فيه إلى ذكر بيتها وبيئتها، ونشأتها ومعارفها، وأخلاقها وسلوكها، وأعمالها الإصلاحية في المجال الدعوي والإسلامي، بحيث تعد من رواد النهضة في القرن الرابع عشر الهجري. كما ذكر حفيدها الشيخ محمد الباقر الكتاني في كتابه "طبقات الكتانيين طريقة" العشرات ممن أخذوا وأخذن عنها، علماء وصلحاء ومربين وعارفين بالله تعالى.
توفيت بفاس بتاريخ 6 رجب الفرد عام 1334، وحضر جنازتها أكثر من عشرة آلاف شخص، ودفنت بالزاوية الكتانية الكبرا.
أحمد بن جعفر الكتاني(1)
ومنهم: أحمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: من رجال الطبقة الأولى من علماء القرويين، مدرس مشارك في كل العلوم، أديب ناظم ناثر، صوفي عارف بالله، مستغرق في الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤلف مكثر.
ولد بفاس في شهر ذي القعدة الحرام عام 1291، وأخذ عن أعلام بيته وغيرهم. وسافر للحج عام 1323، والتقى بكبار أعلام المشرق، فاهتبلوا به، وأخذوا عنه وأخذ عنهم، واستجازهم واستجازوه.
وصحب كثيرا من أهل الفضل والكمال، والاستغراق في شهود الجلال والجمال، واستمد منهم واستفاد، ونال البغية والمراد، واكتسب منهم العشق في الجناب المحمدي والهيام فيه، وزاد بما أربى على كل متعشق فيه، وألف الدواوين والمؤلفات في مدح الجناب النبوي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) المراجع: "النبذة" (ص312)، "عقد الزمرد والزبرجد" (2/ 356)، "سل النصال" ص24، "إتحاف المطالع" (2: 430)، "الأعلام" (1: 108).(1/51)
ارتقى مولاي أحمد بن جعفر إلى علماء الدرجة الأولى من رجال القرويين عام 1337، ولازم التدريس والإفادة من صغره، وكان له كرسي للتدريس بجامع القرويين الأعظم، كما كان له تلامذة وأشياع يلازمونه ويتبعونه، أصبح بعضهم من رواد الحركة الوطنية فيما بعد.
كان الشيخ أحمد بن جعفر الكتاني متضلعا من سائر العلوم الشرعية، صنف فيها ودرس، وأفتى وتصدر، مع استقامة ونزاهة، وانزواء عن الناس، وحياء وتؤدة. وكان متمسكا بالمذهب المالكي، عاضا عليه بالنواجذ، معتنيا بعلوم الحديث والأثر، مع العبادة وقيام الليل، وصيام الأيام الفاضلة، والاستغراق في محبة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله استغراقا انفرد به عن أهل زمانه. ونظرا لهذه المكانة العلمية وسموها؛ وصفه الشيخ محمد الباقر الكتاني في "التاج المرصع" بأنه: "بلغ الإمامة في العلوم الاثني عشر من علوم الشريعة، وعلم التصوف الطاهر النقي".
كما تميز الشيخ أحمد الكتاني بشدة ولائه للمسلمين، وبراءته من غير المسلمين؛ بحيث لما دخل الاستعمار فاس، تجهز للجهاد بالسلاح والتدريب، ورفض تعليق علم فرنسا على منزله رغم ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك الرفض من مخاطر لا تحمد عقباها حينه. ولازم منزله مدة طويلة، بحيث لم يتعامل مع الوضع الجديد، ولم يقابل وجهه وجه فرنسي قط.
ومن أهم ما يميز سيرته: أن الحركة الوطنية المغربية تأسست في مكتبه بمنزله، ومنه خرجت، حين اجتمع نجله العلامة محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني رفقة أصدقائه؛ ومنهم: علال بن عبد الواحد الفاسي، ومحمد غازي، وأقسموا على المصحف الشريف على تحرير البلاد من نير الاستعمار، والدفاع عن الشريعة الإسلامية والأسس الوطنية به.(1/52)
كما يعد الشيخ أحمد الكتاني أحد شعراء فاس وأدبائها الأفذاذ، نظم ونثر، وغالب شعره في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله الشريفة، بحيث ألف في ذلك عدة دواوين تضم عشرات القصائد، متضمنة مختلف أنواع النسيب وضروب الشعر. ومن شعره قوله من قصيدة في المدح النبوي
لم يُخلق القلب إلا
والعين لم تك إلا
والفم ما كان إلا
والسمع ما كان إلا
قده مال كغصن
جيده روض بهي
والأنف أقنى أشم
ووجنتاه كورد
والطرف منه كحيل
والخد منه أسيل
وريقه برؤ سقمي
إذا ماشاه طويل
لحب طه الرسولا
لترى منه الجمالا
لكي يقول الكمالا
لكي به يتملا
بأحسن الطيب فائح
جبينه الفجر واضح
من فوقه النور طافح
بين الأزاهر نافح
تخجل منه الكواكب
لذي الصبابة جاذب
يا ليتني منه شارب
تطول منه المناكب
وفي مجال التأليف؛ يعد – رحمه الله تعالى – من المكثرين، بحيث ترك ما يدنو من مائة مؤلف في مختلف مجالات المعرفة؛ منها: شرح همزية البوصيري، وشرح صحيح الإمام البخاري؛ المسمى: "المنهج المليح في شرح مقفل الصحيح"، و"الفتح المبين في الكلام على آية: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}"، و"أعظم المناهل على الشمائل"، و"المنهل الفسيح على بردة المديح"، شرح لبردة البصيري، و"الوتريات في الأمداح النبويات"، و"الفتح الرباني على توحيد رسالة ابن أبي زيد القيرواني"، و"كشف الأغلاق عن حكم العارف الحراق"، و"الائتسا في فضل النسا"، و"المدد الفائض على خمرية ابن الفارض"، و"عنوان الشرف الأسمى في الإمامة العظمى"...وغير ذلك. كما شارك – رحمه الله تعالى – في التوقيع على عدة نوازل وفتاوى مصيرية لكبار علماء المغرب، كان لها الدور في الحركة الإصلاحية قبيل الاستعمار.(1/53)
توفي – رحمه الله – دون الخمسين من عمره، في السادسة صباحا من يوم الأحد 23 جمادى الأولى عام 1340، وشيعه حوالي عشرين ألفا إلى مرقده الأخير داخل قبة سيدي الدراس بن إسماعيل بالقباب قبالة باب الفتوح، عند رجلي صاحب الضريح. وقد أفرده نجله أبو المزايا محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني بمؤلف في مجلد سماه: "والدي كما عرفته".
حبيبة بنت محمد الكتانية(1)
ومنهم: حبيبة بنت محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: عالمة فقيهة عارفة، صالحة عابدة. ولدت بفاس عام 1303، وأخذت عن والدها الإمام محمد بن جعفر الكتاني، واعتنت بحفظ القرآن الكريم ومهمات المتون، إضافة إلى سعة المعرفة والاطلاع، بحيث كانت ترشد النساء في الحجاز والشام، وتعلمهن أمور دينهن، وكانت الذراع الأيمن لوالدها، وأمينة سره.
وتحصلت على إجازات من مختلف أعلام الوقت، كوالدها، وجدها الشيخ جعفر الكتاني، وابن عمتها الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني، والحبيب أحمد بن حسن العطاس...وغيرهم.
كما كتبت عدة رسائل لشقيقيها الشيخين محمد الزمزمي ومحمد المكي، وعمها الإمام أحمد بن جعفر الكتاني وغيرهم من أفراد عائلتها تدل على معرفة ونجابة وتعليم.
هاجرت للمشرق رفقة والدها وأسرتها عام 1328، فاستوطنت المدينة المنورة، ثم منها دمشق عام 1336، وبها استمرت في نشاطها إلى أن فاجأها المنون شابة عذراء بدمشق في جمادى الأولى عام 1344، ودفنت مأسوفا عليها بسفح جبل قاسيون بها.
__________
(1) المراجع: "عقد الزمرد"، (2/ 505).(1/54)
محمد بن جعفر الكتاني(1)
ومنهم: محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: شيخ الإسلام، وحافظ عصره، السياسي المجاهد، والصوفي الكبير، مؤرخ فاس. ولد بفاس حدود عام 1273، وبها نشأ وتربى، وأخذ عن علية أعلامها. كما التقى بأئمة من شيوخ التربية في المغرب والمشرق، ورحل إلى مختلف البلاد العربية واستجاز أعلامها، وأذن بتسليك وتلقين ما يربو عن واحد وأربعين طريقة صوفية؛ كالكتانية، والدرقاوية، والتجانية، والباعلوية، والرفاعية...وغيرها.
وتصدر للتدريس وهو ابن ثماني عشرة سنة، وتصدر بجامع القرويين الأعظم وغيره من مساجد وزوايا فاس لتدريس مختلف العلوم الاثني عشر من علوم الشريعة؛ خاصة الفقه والحديث، ثم ارتقى إلى الرتبة الأولى من رتب علماء القرويين، وصار أستاذ كرسي بها.
كما كان الشيخ محمد بن جعفر الكتاني مشاركا في الحركة الإصلاحية في زمن المولى الحسن الأول، عن طريق تحريره لعدة فتاوى مهمة حول التجارة مع الدول الأجنبية، وبيع سلعهم، يرفعها للملك باسم كبار علماء البلاد.
وفي عهد المولى عبد العزيز ألف كتابه: "نصيحة أهل الإسلام بما يدفع عنهم داء الكفرة اللئام"، وهو نصيحة قدمها للمولى المذكور واصفا بها أوضاع البلاد وأسباب انتكاس الأحوال، وكيفية الخروج من الأزمة المغربية، حين زار السلطان وشرح له أحوال البلاد وقدم الكتاب له.
__________
(1) المراجع: مقدمتا كتاب المترجم: "نصيحة أهل الإسلام"، الأولى بقلم د. إدريس الكتاني، والثانية بقلم د. محمد حمزة بن محمد علي الكتاني، "النبذة"، و"عقد الزمرد" الجزء الأول والثاني، "فهرس الفهارس" (1: 515)، "شجرة النور" (1: 436)، "الفكر السامي" (4: 441)، "المدهش المطرب" (1: 77)، "الأعلام" (6: 300)، "إتحاف المطالع" (2: 444)، "سل النصال" (ص43)، "من أعلام المغرب" (ص64)، "أعلام دمشق في القرن الرابع عشر" (1: 413).(1/55)
وفي عام 1321؛ حج حجته الأولى، وزار في طريقه مصر، ثم الحجاز ثم بلاد الشام، ودخل القدس ودمشق، وبيروت، ولقي من أهلها وأعلامها إقبالا كبيرا، وأخذ عنهم وأخذوا عنه.
ثم حج ثانية وهاجر بأهله إلى المدينة المنورة عام 1325، إثر تردي الأوضاع بالمغرب وخشية دخول الاستعمار. وبعد سنة عاد للمغرب إثر بلوغ نبأ الثورة الحفيظية، والحركة الإصلاحية التي قام بها ابن عمته وتلميذه الإمام محمد بن عبد الكبير الكتاني.
غير أنه ما لبث أن وجد عدم انضباط أحوال البلاد، وصادف محنة ابن عمته المذكور واستشهاده، وكان المتشفع في إخراج بقية أبناء عمه من السجن عام 1327.
وفي إطار شفاعته قربه المولى عبد الحفيظ، وجعله على رأس كبار علماء المغرب الذين يسردون الحديث بالقصر الملكي، وجعل بيده الحل والربط في مختلف القضايا العلمية. ثم استدعاه للدعاء للجيش الخارج من فاس لمقاتلة الثائر الجلالي الزرهوني المعروف بأبي حمارة، فدعا للجيش قبيل صدوره، فما عاد إلا وأبو حمارة مقيد في سلاسله. الأمر الذي زاد من اعتقاد الملك المذكور في المترجم.
وبعد أن أيس من أحوال المغرب؛ هاجر مرة ثانية للمدينة المنورة عام 1328، واستوطنها إلى عام 1336، وفي تلك الفترة قام بنهضة علمية كبرى بالحرمين الشريفين، ودرّس مختلف الكتب العلمية، وتعمق في دراسة المذاهب الأربعة وغيرها دراسة تحقيق وتوسع، فأخذ عنه جل أعلام الحجاز والواردين عليها في تلك الفترة، واعتقدوه ولازموه.
وكان للإمام محمد بن جعفر الكتاني حظوة كبرى عند الخلافة العثمانية، بحيث تلمذ له وزير الحربية وقائد الجيش الرابع الجنرال أحمد جمال باشا، واعتبره شيخا له في السلوك، وكان يحترمه احتراما ما عليه من مزيد، ونال من الخلافة العثمانية ظهير التوقير والاحترام هو وأسرته.
كما حظي باحترام كبير من لدن أشراف الحجاز وحكامه، خاصة الشريف حسين، وتلمذ له نجلاه الملك فيصل والملك عبد الله، وابن عمه الشريف حيدر...وغيرهم.(1/56)
وإثر ثورة أشراف الحجاز على الخلافة العثمانية عام (1336هـ)؛ اعتمدته الخلافة واسطة للصلح بينها وبين أشراف مكة.
ثم إثر فتنة الحجاز سافر مستوطنا دمشق بطلب من الدولة العثمانية عام 1336، فاستقبل من رجالاتها استقبال الأفراد، وأقبل عليه الخاص والعام. وقام بها بنهضة دينية إصلاحية، حيث تربى عليه نخبة البلاد، ودهق من توجيهاته الصوفية والأخلاقية والدينية أعلامها، خاصة رواد الإصلاح الديني والعلمي: علي الدقر، وهاشم الخطيب، وعبد القادر المغربي.
وفي نفس الإطار؛ كان للإمام الكتاني عمل واسع في المجال السياسي، فبالإضافة إلى علاقته المتميزة بقادة الدولة العثمانية، والوساطة بينها وبين عناصر المجتمع السوري؛ كانت له حظوة كبرى في زمن تلميذه الشريف فيصل بن الحسين الذي تولى حكم سوريا عام(1336)، والذي كان يزوره في منزله ويوكله في تنصيب مفتي سوريا.
وعند دخول الاستعمار الفرنسي سوريا عام (1338)، واعتقال زعماء الوطنيين وحكمه بالإعدام على جمهرة كبرى من مجاهدي الشام؛ جعله وجهاء البلاد واسطة بينهم وبين جنرالات فرنسا من أجل إطلاق سراح الثوار، وتخفيف الضيق عن البلاد وأهلها.
وفي تلك الفترة (1340 – 1344) كانت ثورة الريف بالمغرب على يد تلميذ المترجم الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وثورة ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي على يد صديقه وتلميذه الشريف أحمد الشريف السنوسي وقائده عمر المختار؛ فكان الإمام الكتاني يمد الزعيمين المذكورين بالأموال والسلاح، فيرسلها عن طريق قنوات خاصة إليهما، وكانت ثورة الريف بالمغرب وكذلك ثورة الأطلس مبنية على كتابه: "نصيحة أهل الإسلام" يخطبون به في الجوامع والجيوش، فكان يرسل لهما مئات النسخ منها، وكان في هذا الإطار بينه وبين الزعيمين المذكورين سلسلة طويلة من الرسائل المكتوبة بالحبر السري من أجل الحفاظ على سريتها. وكان عن طريقها ينشر أخبار المجاهدين في مختلف الصحف المشرقية.(1/57)
وفي هذا الإطار؛ استدعت الدولة العثمانية المترجم لزيارة الأناضول عام (1341)، فمكث أسبوعين، استقبل فيها عن طريق المجاهد أحمد الشريف السنوسي استقبالا فخما، وعرض عليه الجنرال مصطفى كمال أتاتورك – قبل انقلابه على الخلافة – استيطان تركيا في أي محل شاء، وخول له – استثناء – زيارة أي مكان بها.
كما ربط المترجم في تلك الفترة علاقات مع بعض زعماء المسلمين – خاصة الدول المستقلة – ومنهم: الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، وكانت بينه وبينه مراسلات، يحضه فيها على التزام الشريعة الإسلامية والرفق بالرعية.
ثم عاد المترجم إلى فاس عام 1345، وما إن استقر بها حتى استأنف نشاطه الديني بجامع القرويين عن طريق شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل الذي لم يدرس قط في تاريخ المغرب، وكان شرحه هذه المرة على طريقة الاجتهاد المطلق، يذكر نصوص وفتاوى أعلام المذاهب الأربعة، ثم يذكر الراجح عنده، ويتكلم على الأحاديث كلام حافظ ناقد. كما لم يكن يغفل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الحضور إلى طريق الهدى والرشاد، بحيث أحدث ثورة إيمانية ودينية بفاس حينه. وكان يحضر دروسه بالقرويين مختلف طبقات المجتمع، بحيث كانت تشد الرحلة إليه، وكان يمتلئ جامع القرويين عن آخره، وقد حزر حضور درسه بحوالي عشرة آلاف شخص. وبالرغم من أن دروسه لم تزد عن الشهرين فقط – نظرا لمرضه ووفاته – فقد كان لها تأثير كبير.
كان الإمام محمد بن جعفر الكتاني عالم عصره، المتضلع من جميع العلوم الشرعية، تلمذ له كبار علماء الهند والحجاز والشام، ومصر والمغرب والجزائر، وتونس وموريتانيا...وغيرهم، بل لازم بعض المستشرقين دروسه؛ ك:سرديرا الإسباني، وفلورين الفرنسي.(1/58)
وكان فقيها حافظا مجتهدا، تخرج به جمهرة من فقهاء المغرب والمشرق المفتون، وكان منفردا عن علماء المغرب بتبحره في المذاهب الأربعة، وإحاطته بمذاهب المجتهدين، إضافة إلى معرفته الغائرة بعلم الأصول، والنحو، واللغة...وغيرها من أدوات الاجتهاد. بله حفظه للآثار والأحاديث، بحيث كان شيخ حفاظ عصره ومحدثيه مشرقا ومغربا، متضلعا من علم الحديث، حافظا للمتون والأسانيد، نقادة عارفا بالعلل. وكان أحد من تدور عليهم دائرة علم الإسناد في عصره، روى عنه واستجاز أعلام المشرق والمغرب، وألف عدة فهارس وأثبات.
ويعد المترجم والد علم التاريخ بالمغرب، برز بكتابه: "سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بذكر من أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس"؛ الذي أرخ فيه لأعلام فاس ومعالمها، ورجالاتها، وألفه على طريقة التحليل العلمي الحديث، والتحقيق الفقهي الراقي، بحيث لم يؤلف في تاريخ المغرب ولا المشرق كتاب بأسلوبه الفقهي – التاريخي الدقيق، وكل من أرخ بعده لمدينة من مدن المغرب عالة عليه، إما تلميذ له أو لبعض تلامذته.
كما كان سياسيا ماهرا، بالرغم من ولوجه في العظائم، ومقاومته للاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي بالمغرب والمشرق، ومجاهرته في نصح ملوك الإسلام؛ فقد حافظ على علاقاته الطيبة مع الجميع، وكان يعد موجها ماديا وروحيا لزعيمي التحرير بليبيا والمغرب: أحمد الشريف السنوسي، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي بكل سرية وثبات، الأمر الذي دفع جريدة الزمان الباريزية الفرنسية تقول يوم وفاته بتاريخ 19/ 3/ 1927: "لقد مات أكبر عدو لفرنسا بالمغرب"!.(1/59)
وألف تآليف عديدة تربو عن الثمانين، اعتمدت في مجالاتها، منها عدا ما ذكر: "الرسالة المستطرفة في مشهور كتب السنة المشرفة"، و"نظم المتناثر من الحديث المتواتر"، و"الأزهار العاطرة الأنفاس بترجمة قطب المغرب وتاج مدينة فاس إدريس بن إدريس باني فاس"، و"إعلان الحجة وإقامة البرهان على منع ما عم وفشا من استعمال عشبة الدخان"، و"النبذة اليسيرة النافعة التي هي لجملة من أستار مزايا الشعبة الكتانية رافعة"...وغيرها.
توفي بفاس في 16 رمضان الأبرك عام 1345، وشيع في محفل لم تشهد فاس مثله، بحيث قدر حضور جنازته بأكثر من مائة ألف من جميع طبقات فاس إلى مدفنه بروضة الشرفاء الكتانيين بالقباب، قبالة باب الفتوح. ثم اضطر أهله إلى نقل رفاته داخل فاس، فأدخل إليها في يوم الاثنين متم ربيع الثاني عام1347 في محفل رهيب منتصف الليل، حضره عشرات الألوف، ودفن بزاوية خصصت له بحومة الصفاح بفاس الأندلس، وإثر فتح قبره من أجل نقله فاحت روائح المسك والطيب وانتشرت بالقباب كلها، ووجد طريا لم تؤثر فيه الأرض شيئا.
محمد الطاهر بن الحسن الكتاني(1)
ومنهم: محمد الطاهر بن الحسن بن عمر بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: من كبار علماء فاس، مشارك في جميع العلوم الشرعية، خطيب داعية إلى الله تعالى، عارف بالله، من رجال التصوف والولاية والصلاح البارزين.
__________
(1) المراجع: "التاج" ج1 مخطوط. و"طبقات الكتانيين طريقة"، و"رياض السلوان" ص148، و"الأعلام" (1/ 108)، و"إتحاف المطالع" (2/ 450)، و"سل النصال" (ص49)، و"من أعلام المغرب العربي" (67)، "المطبوعات الحجرية بالمغرب" ص170.(1/60)
ولد بفاس عام 1299، وأخذ بالقرويين عن أعلامها، والتزم طريقة ابن عمه الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني. كان من كبار علماء وقته، فقيها مفتيا، مدرسا بجامع القرويين وغيره من مساجد وزوايا فاس، متضلعا من علوم الحديث واللغة والأدب، والسيرة النبوية، مؤرخا مؤلفا، شاعرا مبدعا كتب في مختلف مواضيع الشعر.
وكان مبرزا في علم التوثيق، ماهرا في الفرائض، يقضي جل أوقاته في نشر العلم تدريسا وتأليف، وفي العبادة ليلا ونهارا، زاهدا في الدنيا ومناصبها وما إليها.
وكان الناس يحضرون من بعيد لسماع خطبه المنبرية التي كان يلقيها بمسجد المنية بفاس كل جمعة؛ لما اشتملت عليه من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولما تضمنته من حملات شعواء على أهل البدع والضلالة. كما كان أحد المدرسين الوطنيين الذين درسوا بالمدارس الحرة التي كانت تنافس مدارس الاستعمار، من خلال تدريسه بالمدرسة الناصرية التي كانت من أوائل المدارس الحرة بفاس.
تولى عدة وظائف غير رسمية؛ كالتدريس بجامعة القرويين، والزاوية الغازية، والعدالة بسماط عدول فاس، والخطابة بجامع المنية بها، والإفتاء.
وترك ما يدنو من مائة مؤلف في مختلف فنون المعرفة؛ منها: "الأجوبة المرضية عن الأسئلة الحديثية والفقهية"، و"الأزهار الندية في الأحاديث القدسية"، و"شرح الحكم الكتانية" للشيخ أبي الفيض، "وبلوغ المرام، في التعريف ببعض العلماء الكرام"، و"بهجة البصر بذكر بعض أعيان القرن الرابع عشر"، و"البدور المتبعة في مناقب الخلفاء الأربعة"، و"الجواهر الثمينة في فضائل المدينة"، و"الجواهر الملمة لما اتفق عليه من أحاديث الأئمة"، و"الدرر المنتشرة، في النهي عن تعظيم يوم العنصرة"، وكتاب في سيرة الطريقة الأحمدية الكتانية، و"شرح المرشد المعين"، و"مطالع السعادة، في اقتران كلمتي الشهادة"ط، و"نيل الابتهاج، بتخريج أحاديث مدخل ابن الحاج"...وغير ذلك.(1/61)
توفي بمدينة فاس يوم الجمعة 2 صفر عام 1347، ودفن بروضة أولاد بناني خارج باب الفتوح.
عبد الكبير بن هاشم الكتاني(1)
ومنهم: عبد الكبير بن هاشم بن المكي بن هاشم بن الفضيل بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: نسابة المغرب في وقته، مؤرخ موثق، فقيه أديب مشارك، من أبرز مؤرخي المغرب في القرن الرابع عشر.
ولد بفاس صباح يوم عرفة عام 1266، وأخذ عن والده المولى هاشم بن المكي الكتاني، ووالدته الشريفة العارفة تاجة بنت مولاي الطائع بن هاشم الكتانية، وابن عمه جعفر بن إدريس الكتاني – وهو عمدته وإليه ينتسب...وغيرهم. كما أخذ سلوكا ووردا عن والدته العارفة المربية تاجة بنت الطائع بن هاشم الكتانية، وابن عمه الشيخ محمد بن عبد الواحد الكتاني وغيرهما من الأشياخ. وتحصل على الإجازة العامة من ابن عمه الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني في الرواية والتدريس.
شغل الشيخ عبد الكبير بن هاشم الكتاني بعض الوظائف؛ كالتدريس، والعدالة بسماط عدول فاس، ثم الكتابة بدار المخزن مع السلطان المولى الحسن الأول، وسافر معه مرتين، ووجهه لقضاء أغراض مخزنية بقبيلتي الشياظمة وحاحا، ثم لمراكش وقبيلة سكساوة والشاوية، ثم أنزله المخزن على سائر عمال قبيلة دكالة، ثم إلى تادلة وغيرها من جهات المغرب.
ثم عاد إلى فاس ولازم الشهادة بها، إلى أن كلفه قاضي مقصورة الرصيف بالنظر في شأن تفويت أهل المحاجر وأعمال المخارجة والانتقال. ثم زهد في جميع ذلك، ولزم بيته متفرغا للبحث العلمي والتأليف؛ فألف مؤلفات نفيسة تعد وحدها موسوعة لتاريخ وأنساب فاس خاصة، والمغرب عامة.
__________
(1) المراجع: "الدرر البهية" (2: 116)، "النبذة اليسيرة" (ص271)، "زهر الآس"(1/ 6)، والترجمة بقلم المحقق. "المواهب الفتحية" ص94، خ. "مختصر العروة الوثقى" (ص36)، "التاج" (1/ 136).خ. "الأعلام" (4/ 50)، "إتحاف المطالع" (2/ 459)، و"سل النصال" ص66.(1/62)
وكان – رحمه الله – من الفقهاء العدول المبرزين الموثقين، مع ما له من حسن العبارة منطوقها ومفهومها، وكان مقصودا للإشهاد وزمام التركات، والمحاسبات والمناقشات، ممن يعول عليه في ذلك، وكانت له دراية عجيبة في علم الحساب والفرائض، ويرقم الفرائض وزمام التركات والمحاسبات وما أبهم من الأموال بالقلم الفاسي، رقما داخلا وخارجا، وصائرا وباقيا وواجبا، ولم يبق هذا الرقم إلا عنده وعند نزر يسير من العدول.
وانتهت إليه في زمانه معرفة أشكال (تواقيع) عدول فاس وقضاتها الأقدمين، كما كان منفردا بعلم الأنساب والتاريخ، وصفه مترجموه بـ: "إمام نسابي المغرب"، ممن يشار لهم باليد الطولى، مع مزيد التحقيق والتدقيق، وإن سئل عن تاريخ من تواريخ الإسلام، أو ملك من ملوكه، وعن دولته؛ إلا ويجيب عن ذلك فورا من غير مراجعة، بحيث كان يرجع إليه كبار علماء ومؤرخي المغرب في وقته. زيادة على ما اشتهر به من معرفة قبائل المغرب المستوطنين مدينة فاس قديما وانقرضوا.(1/63)
ترك الشيخ عبد الكبير بن هاشم الكتاني عدة مؤلفات أبدع في جلها، وأتى بما لم يسبق إليه، مع أسلوبه السلس والمعتمد على التثبت واعتماد الوثائق في جميع ما يجلبه من الأخبار؛ منها: "زهر الآس في بيوتات فاس"، في ثلاثة مجلدات، طبع في مجلدين بتحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني، رحمه الله تعالى، كعدد أول للموسوعة الكتانية لتاريخ فاس – منشورات جمعية الشرفاء الكتانيية للتعاون والثقافة، ويعد من أعجب ما ألف في تاريخ فاس، اقتصر فيه على ذكر عوامها، وتراجمهم، وتفريعاتهم، وأصولهم ومفاخرهم. و"الشكل البديع في النسب الرفيع" في عدة أجزاء استقصى فيه أشراف فاس وأنسابهم وتراجمهم وفروعهم، و"رفع الحجاب الأقصا عن بعض عرب المغرب الأقصى"، في مجلد ضخم اختصره العلامة محمد بن الحسن الحجوي، و"نبذة التشوق للذة التعنق" في آداب الجماع والدخول بالزوجة، و"الإنسان المعجب في اللسان المطرب" في فن الموسيقى، و"الأنفاس العالية في بعض الزوايا الفاسية"، وكناشة كبرى في عمود الشرفاء، مع شجرة كل قبيلة، وجواب للعلامة محمد بن الحسن الحجوي في شأن عرب معقل، و"لواقح الأزهار، ونفائس الأنهار، وكشف الأستار، المتفضل بها على أهل الاستبصار" في التصوف والفلسفة، و"إيصال القبائل لعمود الأوائل"، وشجرة الشرفاء الكتانيين، وشجرة الشرفاء العراقيين، و"خطباء القرويين"، و"تاريخ خلفاء الإسلام"...وغير ذلك.
توفي بفاس بعد زوال يوم الأحد 8 رمضان عام 1350 عن سن تناهز 84 سنة، ودفن بزاوية سيدي امحمد ابن الفقيه الزجني بحومة رشم العيون من فاس.
خديجة بنت محمد الكتانية(1)
__________
(1) المراجع: "عقد الزمرد والزبرجد" (2/ 574).(1/64)
ومنهم: خديجة بنت محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: عالمة فقيهة مطلعة. ولدت بفاس يوم 22 صفر الخير عام 1294، وأخذت العلم عن والدها وكبار آل بيتها، وهاجرت إلى المدينة المنورة عام 1331، ثم منها إلى دمشق عام 1336، وعادت للمغرب عام 1345.
كانت الشريفة خديجة الكتانية عالمة مطلعة، مؤلفة ناسخة لعدة كتب، حفظت القرآن الكريم وضبطته على والدها، وكذلك حفظت مهمات المتون، وتحصلت على الإجازة من والدها وجدها، وبعض كبار علماء المشرق، وأخذ عنها جملة من أعلام بيتها؛ كابن أخيها الشيخ محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني وغيره. وكانت النساء ترجع إليها في مختلف المسائل الفقهية، وبينها وبين مختلف أهل بيتها مراسلات محفوظة.
وقد اضطرتها الحرب العالمية الأولى إلى الابتعاد عن زوجها العلامة مولاي الفاطمي العراقي الذي عاد للمغرب من الحجاز عام 1332، وذلك بين عامي 1332 – 1345، فكانت بينهما مراسلات طويلة رائعة، تعكس بلاغتها ورقتها، وهي محفوظة بمكتبة شقيقها الشيخ محمد الزمزمي الكتاني.
كما كانت – رحمها الله – أديبة، حافظة للشعر وقصص الأدباء، مفيدة المجالسة، إضافة إلى معرفتها لأخبار الوقت وتاريخ رجالات أسرتها، واستقامتها الدينية والأخلاقية التي لا مثيل لها، وملازمتها للذكر والتذكير، والصلوات الخمس في جماعة. كما تركت عدة كنانيش بخط يدها لا تخلو من فوائد وإجازات وكتب منتسخة.
توفيت بفاس في 29 ربيع الأول عام 1351، ودفنت بضريح والدها الإمام محمد بن جعفر الكتاني بحومة الصفاح من عدوة فاس الأندلس، وكانت لها جنازة حافلة، حضرها أعيان فاس.
محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني(1)
__________
(1) المراجع: "المواهب الفتحية"(ص99)، "الأعلام" (6/ 215)، "إتحاف المطالع" (2/ 493)، "تحفة الأكياس". الترجمة بقلم المصحح (ص279).(1/65)
ومنهم: محمد بن عبد الكبير بن هاشم بن المكي بن هاشم بن الفضيل بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: من أبرز المؤرخين والنسابة في مغرب القرن الرابع عشر الهجري، فقيه عدل موثق، حيسوبي فرائضي، واسع الاطلاع، كثير التأليف.
ولد بفاس عام 1295/ 1881، وأخذ العلم وتربى على يد جده المولى هاشم بن المكي الكتاني، وجدته العارفة تاجة بنت الطائع بن هاشم الكتانية، ووالده النسابة عبد الكبير بن هاشم الكتاني – وهو عمدته وإليه ينتسب...وغيرهم من كبار علماء فاس.
ولازم والده كثيرا، وأتقن عليه علوم الأنساب والتوثيق، والتاريخ والعدالة، وهو الأمر الذي هيأ له الاطلاع على مئات الوثائق؛ فتكونت لديه قاعدة صلبة في معرفة أنساب وتاريخ فاس وأهلها خاصة، والمغرب عامة. ولم يكن له اعتناء بالوظائف الرسمية، فزهد عنها – كعادة سلفه – وعن أسباب الشهرة، واكتفى بالعدالة والشهادة والتوثيق في سماط عدول فاس.
كان المؤرخ محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني من أبرز علماء التوثيق والأنساب والتاريخ بفاس، جمع وقيد ودون في تاريخها وعوائلها، وأوقافها وقضاتها وعدولها ما لم يتهيأ لأقرانه، مع مشاركة في مختلف العلوم الشرعية، واطلاع واسع، ودين صلب، ومحافظة على المبادئ والمثل الإسلامية العليا، دون محاباة ولا مداهنة. ودقة في التقييد والبحث، إليه انتهى علم التوثيق في وقته؛ وهو أمر يراه القارئ والباحث ظاهرا جليا في طي مؤلفاته، مما هيأ لكتاباته أن تكون صادقة في مضمونها، نادرة في مواضيعها وأسلوبها ودقتها، مرجعا في بابها؛ ليصبح أحد المجددين في مجاله، والأئمة المرجوع إليهم.
كما تتجلى في مؤلفاته غيرته على المعالم الإسلامية، والنسب الشريف الذي كثر فيه الأدعياء وقته، فتراه يمحو ويكشف الزيف بأسلوب موضوعي علمي رفيع، تتخلله القسوة أحيانا.(1/66)
وكذلك يتجلى تجديده وفكره الموضوعي في تصوفه الطاهر، البعيد عن القصص الغريبة، والكرامات التي تجعل سيرة أصحابها أقرب إلى الأسطورة منها إلى الواقع.
كما تظهر في كتاباته حسرته على ما آل إليه المغرب في زمنه من إهمال الجوانب الدينية والأخلاقية، والأمانة العلمية، فهو يقارن – في غير ما موضع – بين حال المغرب قديما وحديثا، ويتمنى لو بقي قادته وعامته في مستوى المسؤولية التي كانوا عليها من قبل.
ومن أهم المؤلفات التي تركها: "تحفة الأكياس، ومفاكهة الجلاس، فيما غفل عنه صاحب زهر الآس في بيوتات أهل فاس"، ذيل به على كتاب والده المذكور، وطبع ذيلا له بتحقيق العلامة الدكتور علي بن المنتصر الكتاني – رحمه الله تعالى – كعدد ثان من الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس، و"الدر الفريد، في سبيل الخير مفيد" في تاريخ أحباس وأوقاف فاس، و"تحفة الانشراح والانبساط فيمن تولى خطتي القضاء والعدالة بفاس العليا والسماط"، وتأليف في ترجمة الشيخين محمد بن عبد الكبير بن محمد الكتاني ووالده، و"لواقح الأزهار الندية، فيمن تولى وأقبر من القضاة والعدول بهذه الحضرة الفاسية" في ثلاثة أسفار، و"المواهب الفتحية في ذكر الأخوة الأربعة أبناء السيدة فاطمة الحلبية" في سفر ضخم...وغير ذلك.
توفي بفاس يوم السبت 27 جمادى الأولى عام 1362 عن 67 عاما، ودفن بروضة الشرفاء الكتانيين بالقباب قرب روضة الشيخ أحمد بن عبد الحي الحلبي رضي الله عنهم.
عمر بن الحسن الكتاني(1)
__________
(1) المراجع: "إتحاف المطالع" (2: 526)، ""طبقات الكتانيين طريقة"، و"إتحاف المطالع" (2/ 526)، و"رياض السلوان بمن اجتمعت بهم من الإخوان" (ص114)، و"السبحة النورانية" (ص92)...وغيرها.(1/67)
ومنهم: عمر بن الحسن بن عمر بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: عالم فقيه مؤرخ، أديب كاتب مشارك. ولد بفاس عام 1301، وأخذ بها عن أعلامها، كما تحصل على إجازات من طائفة من أعلام العصر. وكان من العلماء المشاركين، والأدباء الأفذاذ، مؤرخا كاتبا شاعرا، كثير المذاكرة والحكايات اللطيفة، والنوادر الأدبية.
استوطن مدينة الرباط، وتقلب في بعض الوظائف؛ كالعدالة بها، وكاتبا بدار النيابة بطنجة، ثم عين عام 1332 بالمكتب السياسي بإدارة الشؤون الشريفة بالرباط، ثم كاتبا بالقسم الحُبُسي بالإدارة المذكورة. وفي عام 1334 عين كاتبا بمجلس الاستئناف الشرعي بالأعتاب الشريفة، ثم كاتبا بالمراقبة الحُبُسية بمدينة الجديدة، وفي عام 1339 عين كاتبا بالمحكمة العليا، ثم عضوا بمجلس الجنايات بالأعتاب الشريفة...وغير ذلك.
زار عدة دول أوروبية، كما زار السنغال وغيرها، وتحصل على وسام من الملك محمد الخامس وآخر من باي تونس.
ترك عدة مؤلفات؛ منها: "السراج المنير، في الصلاة على البشير النذير". و"مطالع الأفراح والتهاني، وبلوغ الآمال والأماني، في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني" في مجلدين كبيرين.
توفي بمدينة الرباط آخر جمادى الأولى عام 1370، ودفن بمقبرة العلو بها.
محمد الزمزمي بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: عالم بالمذاهب الأربعة، مشارك في جل العلوم الشرعية، رحالة داعية إلى الله تعالى، مفكر مجاهد.
__________
(1) المراجع: "النبذة" (ص402)، "عقد الزمرد"، "الأعلام" (6: 131)، "إتحاف المطالع" (2: 531)، "سل النصال" (ص147)، "من أعلام المغرب" (ص100)، "أعلام دمشق في القرن الرابع عشر" (2: 667).(1/68)
ولد بفاس 13 جمادى الثانية عام: (1305)، وأخذ بها عن علية علمائها، وحج عام 1321 وأخذ عن كبار علماء المشرق، ثم هاجر مع والده للمدينة المنورة المرة الأولى عام 1325 ثم المرة الثانية عام 1328، ثم انتقل مع والده لدمشق الشام عام 1336.
وفي عام (1343) رحل زائرا وداعية لله تعالى في الهند، ومر في طريقه بالعراق التي التقى بأعلامها، وأخذ عنهم، وزار مختلف مدنها ومعاهدها العلمية ومزاراتها. ثم وصل للهند، وزار مختلف مدنها وولاياتها؛ ككراتشي، وبومبي، وأزمير شريف، ودلهي...واعتنى بلقاء علمائها وصلحائها، وزعماء المسلمين بها؛ كعبد العلي بن الشيخ نسيب علي، وحكيم عبد الوهاب الأنصاري، وأنور شاه الكشميري، والزعيم الكبير ميا محمد شطاني. وفي تلك الزيارة كان طالبا للعلم، وداعية إلى الله، وناشرا للمعارف والروح الإسلامية المقاومة للاستعمار.
وفي عام 1345 عاد للمغرب مستوطنا بها، مملوءا من علم المشرق وتجربته العلمية والحضارية، غير أنه لقي من طرف الاستعمار الفرنسي وأذنابه مضايقات عظيمة لولاها لاستفاد المغرب كثيرا من علمه ومعرفته، وأفكاره الإصلاحية.
ثم سافر للهند مرة ثانية عام (1353)، ومر في طريقه بمصر وسوريا ولبنان وفلسطين التي اجتمع فيها بكبار رجالاتها العلميين والسياسيين، وزار في الهند بومبي، وحيدر أباد، وبنكلور، وميسور، والتقى بكبار أعلامها كمحمد أنور شاه الكشميري، والتقى بكبار علمائها ورجلات السياسة المسلمين، وشارك في الإصلاح العلمي والسياسي بها.(1/69)
كان الشيخ محمد الزمزمي الكتاني من رجال الطبقة الأولى من علماء المغرب، بل متميزا بحكم رحلته الواسعة، وطول فترة طلبه العلم، وعظم مقدار من لازم وتتلمذ عليه في مختلف المذاهب والفنون الإسلامية. وبالرغم من ذلك لم يكن يبخل بعلمه ومعارفه في أي محل زاره أو رحل إليه، أو حل به، فأخذ عنه أعلام من الحجاز والشام والعراق، والهند والمغرب، واستفادوا منه، واستجازوه في العلم والتصوف.
كما كان له نشاط سياسي كبير، خاصة في الفترة قبل رجوعه المغرب عام 1345؛ فقد كان ذراع والده الأيمن في جميع نشاطاته السياسية، والواسطة بينه وبين جميع الملوك والرؤساء، والزعماء الذين تعرف إليهم.
وفي هذا الإطار؛ كانت تربطه بحكام الحجاز: الشريف الحسين بن علي ونجليه فيصل ملك سوريا والعراق، وعبد الله ملك الأردن، وابن الثاني الملك طلال ملك الأردن كذلك، والشريف علي حيدر علاقات وطيدة.
كما كان للخلافة العثمانية مزيد اعتناء بالمترجم، بحيث استدعي ضيفا على تركيا عام (1341)، ومنحته الدولة العثمانية وسام العظمة لجهوده من أجل القضايا الإسلامية.
كما كان الواسطة بين والده وبين الزعيمين المجاهدين الكبيرين أحمد الشريف السنوسي، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي، وكان يبعث إليهما بالسلاح والعتاد، وكتُبَ والده في الحض على الجهاد، ونصائحه، وينشر أخبارهما في مختلف الجرائد المشرقية. واستمرت علاقته بهما إلى بعد وفاة والده، ثم بين أبنائه وأبنائهما.
وكان للشيخ الزمزمي الكتاني دور مهم في الحياة السياسية والدينية بسوريا، عن طريق إرشاداته لحكامها وقادتها، وإصلاحه بين الطوائف الإسلامية المتنازعة، خاصة فيما يعرف بفتنة التجانيين بها، وكان له فضل وتوجيه وإرشاد مجموعة من علمائها ومصلحيها.(1/70)
ونفس الدور قام به المترجم في زياراته المتكررة للهند، حيث كان في كل حل وترحال داعية إلى التمسك بعرى الإسلام، ونبذ التعصب والتفرقة، ومحاربة الاستعمار الغاشم، والدعوة إلى العلم والتعليم والإصلاح الديني والدنيوي.
أما عند استيطانه المغرب؛ فبالرغم من مضايقات العظيمة التي ووجه بها؛ فقد كان له دور في الإرشاد والإصلاح عن طريق دروسه العامة والخاصة، وعن طريق أبنائه وإخوانه الذين رباهم ووجههم فكانوا دعامات مهمة في الحركة الوطنية، وحركة الجهاد ضد المستعمر الفرنسي.
وفي كل بلد حلها أو زارها الشيخ الزمزمي كان داعية للقضية المغربية، معرفا بها في مختلف المحال والبلاد التي زارها، ومختلف الأوساط التي التقى بها، كاشفا مخططات فرنسا وأذنابها من العلمانيين والإباحيين في المغرب، ومحرضا على دعم المجاهدين والوطنيين الصادقين بالسلاح والمال والمؤونة، الأمر الذي أسهم إسهاما كبيرا في التعريف بالقضية المغربية في مختلف المحافل الدولية.
واستمر الشيخ الزمزمي في تلك الفترة في نشاطه الإصلاحي؛ عن طريق إعداده لعدة مشاريع تخدم – خاصة الجانب العلمي – مستفيدا من تجاربه وخبرته، ومعرفته بمختلف أساليب التدريس الناجعة، والخطط الإدارية الصائبة، ومثال ذلك: مشروعه لإصلاح التعليم بالقرويين، ومغربته، وإخراجه من الأزمة التي حل بها نتيجة سياسة "الإصلاح" الفرنسية التي فرضتها عليه.
وكان المترجم – رحمه الله تعالى – صوفيا صالحا، عابدا ذاكرا، سالكا مسلكا، مأذونا في تسليك أكثر من أربعين طريقة صوفية.(1/71)
ومن أهم ما يميز المترجم: تأريخه للعالم الإسلامي في القرن العشرين، بحيث كتب مذكرات وكتابات حوت تاريخ العالم الإسلامي من الهند للمغرب، وأهم ما في تلك الفترة من أحداث دامية وثورات، وأحوال المجتمعات التي زارها، وعلاقاته بالحكام والزعماء والعلماء والصوفية الذين تعرف إليهم. وقد جمع تلك الكتابات حفيده الدكتور علي بن المنتصر الكتاني في ثلاثة مجلدات سماها: "حياتي"، أو: "عقد الزمرد والزبرجد في سيرة الابن والوالد والجد". وكان أحد الأفراد من مسندي المغرب؛ أخذ رواية ودراية وأسرار التصوف عن أكثر من مائة شيخ، ولم يقتصر على المراسلة، بل زاد بالزيارة وشد الرحلة، فانتفع بهم كما انتفعوا به.
وبالرغم من حياة الضيق التي واجهت المترجم أثناء مقامه بالمغرب؛ فقد تولى عدة مناصب علمية. منها: الإمامة والتدريس بعدة من مساجد وزوايا فاس؛ كزاوية والده بالصفاح، ومسجد الحوت، وزاوية سيدي أحمد الشاوي وببيته...وغيرها من المحال. كما كان عضوا بالمجلس العلمي بفاس.
كما ترك عدة مؤلفات؛ منها: رحلتان للهند وديوبند، ومذكرات شخصية، ومجموعة المراسلات مع أعلام المشرق والمغرب وملوكهما، وديوان جمع فيه عيون القصائد في الأمداح النبوية، ورسالة في محنة الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد، وكناشة حافلة ملأها بمختلف الفوائد في جل الفنون، علاوة على كتاب "عقد الزمرد الزبرجد" السابق الذكر، وغير ذلك.
توفي رحمه الله تعالى بدمشق فجأة، أثناء زيارته لها، يوم 26 صفر الخير عام 1371، وشيع في جنازة حضرها مئات الألوف من سائر طبقات المجتمع، ودفن بروضة الشرفاء الكتانيين بمقبرة الباب الصغير بها.
عبد الأحد بن عبد الحي الكتاني(1)
__________
(1) المراجع: "المظاهر السامية" ، "إتحاف المطالع" (2/ 551)، "السبحة النورانية" ص93، وأشعار ومصادر متفرقة تطرقت للمترجم.(1/72)
ومنهم: عبد الأحد بن عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: علامة مشارك، فقيه نوازلي قاض، أديب شاعر مفلق. ولد بفاس حدود عام (1328/ 1910)، وأخذ عن علية أعلامها، وتحصل على إجازات كثيرة من أعلام العصر مشرقا ومغربا.
وعرف بمشاركته الواسعة في مختلف مجالات المعرفة؛ خاصة النوازل والأدب، مع فصاحة اللسان، وجمال الهيئة، واتساع الإدراك، والحيوية والنشاط. وله أشعار رائقة، ألفها في مواضيع شتى، وأخرى ساجل بها الأديب القاضي أحمد بن العياشي سكيرج الفاسي، بحيث يعد من علية شعراء فاس وقته. ومن شعره: مرثية في ابن خال والده وشيخه الإمام محمد بن جعفر الكتاني؛ مطلعها:
في كل يوم أصطلي بمآتمي
أفي كل يوم أجتدي صوب جارف
وأصلى لظى اللوعات في كبد الحشا
أفي كل يوم ذاهب إثر ذاهب
قضى الدهر أن أحيى حليف صبابتي
قضى الدهر أن أضحى غليل تفكري
قضى الدهر أن أفري حبال تهتكي
روائع أنكاد من الهر يممَتْ
مكارم فاقت أنجم الأفق بهجة
مكارم لو يَفْتَرُّ ثغر فعالها
تسنمْنَ غرب الحسن حيث عنتْ لها
إلى دوحة الكتانيين تجمعتْ
إذا زعم الداعي سواها فهذه
ألا يا بني الإسلام مات ابن جعفر
ڑ
ڑ
وأركب متن الكاربات الكواظمِ
من العبَرات الداميات السواجم
من الزفرات الموجعات القواصم؟
وفي كل حين داهم إثر داهم؟
سمير اغترابي في فيافي الصيالمِ
موثق أوصال الجوى متراكم
بسمر الليالي الداهيات القواتم
بجحفلها الجدَّار نحو المكارم
وأخفى السنا منها وميض اللهاذم
تجاوز فعل المرهفات الصوارم
قياصرُ عُربان الدنا والأعاجم
شواردها المعطات عن إلف راغم
ينزهها التصديق عن زعم زاعم
محمد من نسل البتول وهاشم(1/73)
كما تولى الشيخ عبد الأحد الكتاني عدة مناصب إدارية؛ منها: الأستاذية بمعهد الدراسات العليا بالربط، والقضاء بعدة محال. وكتب مقالات، وألقى محاضرات، وألف وكتب. وكان – خلافا لوالده – بعيدا عن النشاطات السياسية.
ترك عدة مؤلفات؛ منها: "بين التصوف والفلسفة"، وترجمة والده الشيخ عبد الحي الكتاني طبعت في مقدمة كتابه "فهرس الفهارس"، و"حفلة الزيارة للمدرسة التجارية العلمية وما قيل فيها"، وديوان شعر في مجلد، ومجموعة نوازل قضائية...وغير ذلك.
توفي شهيدا أثناء قضائه بالدار البيضاء إثر إصابته بطلقات نارية – خطأ من قبل الفدائيين المغاربة – يوم السبت 24 ربيع الأول عام 1374/ 1954، أثناء فتنة نفي السلطان محمد الخامس، ثم أرسل قاتلوه اعتذارا لذويه بأنهم أخطأوا ضحيتهم!، ففقد به المغرب نابغة من نوابغه في ريعان شبابه.
عبد الرحيم بن الحسن الكتاني(1)
ومنهم: عبد الرحيم بن الحسن بن عمر بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: علامة مشارك مؤرخ، أديب شاعر، رحالة متجول، داعية إلى الله تعالى. ولد بفاس عام (1304)، وأخذ بها عن أعلامها. والتزم في طريق التصوف ابن خالته الشيخ أبا الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، وهو معدود من رجال طريقته.
عين عدلا بسماط عدول فاس، ثم بالنظارة بتازا، ثم مدرسا بالجامع الكبير بتازا. ورحل إلى بلاد السنغال، وبقي بها تاجرا وداعية مدة اجتمع فيها بعدة شخصيات علمية وصوفية وجهادية كبرى؛ أبرزها الشيخ أحمد بنبا الذي زاره بمعتقله بها، وحصلت بينهما محادثات مهمة أورد بعضها الشيخ محمد الباقر الكتاني في كتابه: "طبقات الكتانيين طريقة"، كما تجول داعية وناشرا للعلم في مختلف مدن وقرى المغرب.
__________
(1) المراجع: ""طبقات الكتانيين طريقة"، و"إتحاف المطالع" (2/ 548)، "سل النصال" (157)، و"السبحة النورانية" (ص93)...وغيرها.(1/74)
وكان له إلمام بالتاريخ والوفيات، واعتقاد في الصالحين، وكتب عدة مقالات في جريدة "السعادة" مترجما لعدة أعلام ممن توفوا حياته، يترجمهم ترجمة طنانة، ويصف جنائزهم، ومحال دفنهم والصلاة عليهم، ويعدد شيوخهم؛ بحيث يستفاد من مقالاته عدة تراجم علمية عالية.
كما كان أحد شعراء المغرب المبرزين؛ رثى ومدح ووصف، وزاول مختلف ضروب الشعر، ومن شعره قوله:
حكتْ؛ فغار البدر من وجناتها
وبدَت؛ فأخجلت الشموس بخدها
ڑ
ڑ
والثغر منها كالجواهر والدرر
وبلحظها الفتاك تسبي من نظر
Oٹڑ
ترك الشيخ عبد الرحيم الكتاني عدة مؤلفات؛ منها: ديوان شعر، وكناش علمي، ورحلة إلى بلاد السودان، و"مقصورة المفاخر في عد أشياخي ذوي المفاخر"؛ منظومة في 380 بيت، ومجموعة تراجم لأعلام القرن الرابع عشر الهجري، وغير ذلك.
ثم لازم في آخر عمره مدينة فاس، وتوفي بها عن غير عقب من الذكور يوم الأحد عشري قعدة عام 1374، ودفن بروضة الشرفاء الكتانيين بالقباب، خارج باب الفتوح.
محمد المهدي بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد المهدي بن محمد بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: علامة مشارك، محدث مسند، مجاهد وطني غيور، من مشايخ الطريقة الكتانية، وأعلام الفكر والإصلاح المعاصرين بالمغرب.
__________
(1) المراجع: "المظاهر" ج2، "النبذة" (ص."ترجمة الشيخ محمد المهدي الكتاني".خ، ونشرت بجريدة "الشعب" بالرباط: 5-27 ربيع الأول 1380، تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني، و"الأعلام" (7: 115)، و"إتحاف المطالع" (2/ 570)، و"سل النصال" (ص176)، و"من أعلام المغرب العربي" (72). و"الأنفاس النورانية" الذيل بقلم المحقق (ص127)...وغيرها.(1/75)
ولد بفاس عام (1307)، وبها نشأ، وأخذ عن والده الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، وجده عبد الكبير بن محمد الكتاني وغيرهما من أعلام المغرب. كما تحصل على إجازات علمية من مختلف أعلام المشرق والمغرب.
حج مع والده عام 1321، فزار في طريقه مرسيليا ونابولي، ووقف على مدى تقدم أوروبا الصناعي والاقتصادي والاجتماعي، ودخل القاهرة، والتقى بكبار زعمائها وعلمائها؛ خاصة الخديوي عباس باشا، والتقى بشريف مكة المكرمة، الشريف عون. وأثناء عودته عرج على الجزائر، فزار مدارسها، وشاهد آثار الاستعمار الفكري والثقافي والافتصادي بها.
ثم حج ثانيا عام 1350، وزار الحجاز ومصر والشام، والتقى بكبار علمائها وزعمائها؛ كالشريف أحمد السنوسي، والشيخ محمد المكي بن محمد الكتاني، والشيخ بدر الدين بن يوسف البيباني...وغيرهم.
يعد الشيخ محمد المهدي الكتاني من العلماء الأفذاذ في المغرب، والفقهاء الميالين إلى الاجتهاد والأثر في كافة اختياراتهم، والصوفية الذابين عن المشرب السني والسلفي للتصوف. أملى أفكاره في مؤلفاته الرابية على الثلاثين، والتي قرظها له كبار العلماء.
كما يعد أحد محدثي المغرب ومسنديه البارزين، الذين تحصلوا على إجازات من أعلام المشرق والمغرب، ويعد من الأفراد الذين تحصلوا على علو سام في الإسناد.
ونظرا لسموه الديني والعلمي والإصلاحي؛ فقد كان يتوصل برسائل من أعلام المشرق والجزائر وتونس، تخص مختلف المجالات العلمية والسياسية.
شارك الشيخ محمد المهدي والده الشيخ أبا الفيض في الحركة الجهادية والإصلاحية التي قام بها، وحضر معه مؤتمر القبائل المغربية بمكناس عام 1326، الذي ألف فيه الشيخ أبو الفيض بين قبائل المغرب، واتفقوا على جهاد المستعمر الفرنسي والإسباني، كما سافر داعية ومصلحا إلى مختلف قبائل ومدن المغرب، ولقي أثناء ذلك ترحيبا وإقبالا من أهلها.(1/76)
كما كان من ضمن من اصطلوا بمحنة والده الشيخ أبي الفيض عام (1327)، فاعتقل وأوذي في سبيل الله.
وفي عام 1333 بعد وفاة جده الشيخ أبي المكارم عبد الكبير الكتاني تقلد مشيخة الطريقة الكتانية على خط والده وجده من حيث عدم مهادنة الاستعمار ولا مجاملته، واضطر في سبيل ذلك إلى الهجرة من فاس إلى الرباط عام 1337، ثم منها إلى سلا. ثم تنازل زهدا عن مشيخة الطريقة لشقيقه الإمام محمد الباقر الكتاني عام 1357.
وفي عام 1350/ 1930 أظهر سخطا على الظهير البربري، اعترفت به لجنة العمل الوطني بأوروبا في جريدة الجامعة العربية الصادرة بفلسطين، وفي سنة 1364/ 1944 أيد كتابة وثيقة الاستقلال التي قدمها قادة الحركة الوطنية، وزار القصر الملكي مرتين للإعلان عن هذا التأييد.
وفي سنة 1371/ 1951، أبرق إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية معلنا تأييده للجامعة العربية في موقفها من القضية المغربية، باسمه واسم أتباع الطريقة الكتانية، ونشرت برقيته بجريدة "الرأي العام".
وفي سنة 1373/ 1953 أبرق إلى رئيس حكومة فرنسا ووزير خارجيتها معلنا معارضته لما كان يسمى بحركة القواد والباشوات، ونشرت برقيته بجريدة "منبر الشعب" بطنجة، وجريدة "المعرفة" بتطوان وغيرهما.
وكانت له مواقف وطنية مهمة في مختلف القضايا والأزمات التي مر بها المغرب، ووقع على عرائض بذلك الخصوص، خاصة عند نفي الملك محمد الخامس الذي كان على اتصال وثيق به منذ بيعته بفاس، وأنعم عليه الملك المذكور وعلى إخوته بظهير التوقير والاحترام، كما أنعم عليهم بذلك المولى يوسف من قبل، والمولى عبد الحفيظ، والمولى عبد العزيز رحمهم الله.(1/77)
كان منزل الشيخ محمد المهدي الكتاني مجمعا للعلماء والزعماء، ومنتدى علميا زاهرا يأوي إليه طلاب العلم والمعارف، إضافة إلى المريدين وأهل الزاوية. وكان دمث الأخلاق، كثير الفكاهة، واسع المعرفة والعلوم، مرجعا من مراجع المغرب علما ودعوة وتاريخا.
ألف تآليف كثيرة في مختلف مجالات المعرفة، خاصة الحديث والتصوف والتاريخ؛ منها: "الجوهر الثمين في تراجم أمهات المؤمنين"، وفهرسة تضمنت نصوص إجازات العلماء له، وتأليف في تفضيل مذهب السلف على مذهب الخلف في الآيات المتشابهة، ونصيحة عامة للمسلمين في عدة مجلدات، كلاهما قرظه كبار علماء الطريقة الكتانية، وتقييد في أصل مواسم الصالحين، و"وفيات القرن الرابع عشر الهجري"، و"بيني وبين الرافعي"؛ يعني: فيلسوف المغرب مَحمد بن أحمد الرافعي الجديدي. ومؤلف في أن الطريقة الكتانية لا تعترف إلا بأتباعها الناهجين نهج الكتاب والسنة، وبراءتها من المتبعين لأهوائهم وشهواتهم، والمتكلين على الفضائل...وغيرها.
توفي بمدينة سلا زوال يوم الخميس 21 صفر عام 1379، ودفن بالزاوية الكتانية بها.
عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني(1)
ومنهم: عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: حافظ المغرب، وأحد رواد النهضة الثقافية والحديثية في مغرب القرن العشرين، ورجل من رجال التصوف البارزين، ومقاوم للاستعمار الفرنسي قبيل دخوله، وسياسي محنك أثناء فترة الحماية.
__________
(1) المراجع: "المظاهر السامية" ج2، "النبذة" ص222. "فهرس الفهارس".(1/ 1)، تأليف عبد الحي الكتاني، والترجمة بقلم ابنه العلامة الشهيد عبد الأحد بن عبد الحي الكتاني، "قدم الرسوخ فيما لي من الشيوخ" ص145، "رياض السلوان" (ص43)، "الدليل المشير" (ص148)، "الأعلام" (6/ 187)، "إتحاف المطالع" (2/ 578)، "من أعلام المغرب العربي في القرن الرابع عشر" (65)، "فهرست الشيوخ والأسانيد" (ص204).وغيرها.(1/78)
ولد بفاس في جمادى الثانية عام 1302/ 1983، وأخذ عن كبار علمائها ومن كان يفد على الزاوية الكتانية الكبرا من أعلام المشرق وإفريقيا، ورجالاتها السياسيين. وحصل له اغتباط وإقبال على العلوم الحديثية وأدواتها، من اصطلاح وأصول، وفقه وتصوف، وتاريخ بأنواعه، وجرح وتعديل وأنساب؛ فجعلها عش الغرام، حتى بها عرف واشتهر. واستكتب الكتب الغريبة النادرة من الخزائن المغربية وغيرها، وقيد وضبط، وحبب الله إليه لقاء الشيوخ والمعمرين؛ فكان لهم عليه إقبال، وما بخلوا عليه بشئ من فوائد رحلاتهم وتنقلاتهم، واستكثر من الرواية واستجازة الرحالين والمسندين، وكاتب أهل الآفاق البعيدة؛ فحصل على أمر عظيم في هذا الباب بحيث استجاز أكثر من خمسمائة شيخ في المشرق والمغرب، وانفرد بعلو الإسناد وعلومه في وقته، وكتب في سبيل ذلك كتابه "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات".
وعين بظهير ملكي عام 1320 مع كبار علماء الطبقة الأولى الذين يقرؤون الحديث بالضريح الإدريسي صبيحة كل يوم، وهو لما يتجاوز 20 عاما من عمره؛ وهم: جعفر بن إدريس الكتاني، وأحمد ابن الخياط، ومحمد بن قاسم القادري، وعبد الرحمن بن القرشي الإمامي، وعبد السلام الهواري، والعباس التازي، وأحمد بن الجيلاني الأمغاري، ومحمد بن محمد العلوي...وغيرهم.
وترقى إلى الرتبة العلمية الأولى من رتب علماء القرويين عام 1325/ 1907، وهي أعلى الرتب العلمية بالقرويين، وهو لما يتجاوز 23 عاما من عمره.
وفي عام 1330/ 1912 رشح لمنصب شيخ الإسلام بالمغرب، وهو المنصب الذي كان يفترض خلقه إثر بدايات حكم المولى يوسف بن الحسن رحمه الله، غير أن المشروع لم يتم.(1/79)
وكان الشيخ عبد الحي الكتاني يعد معجزة علمية في عصره، نظرا لنبوغه المبكر، ووسع علومه وإنجازاته وتشعب مواضيعها، بل رفض أي وظيف يشغله عن نشاطه العلمي والدعوة إلى الله، حاشا الإشراف على مكتبة جامع القرويين التي عمل على إنقاذها وسعه.
كما أسس مكتبة علمية كبرى، فتحها لعموم الباحثين والدارسين، اهتبل بها علماء المغرب والمشرق، وكتبت عنها مقالات، حوت نفائس الكتب والآثار والنقود، والدوريات والمجلات والوثائق، منها نهل جل من بحث في التاريخ المغربي، والفقه الإسلامي في عصره.
حج مرتين؛ أولهما: عام 1323، وزار مصر والحجاز والشام، ولقي إقبالا منقطع النظير من حكام وعلماء ووجهاء تلك البلاد التي زارها، جعلهم يصفونه بأعلى الأوصاف، ويتلمذون عليه كبارا وصغارا، وعاد إلى المغرب محملا بعلم المشرق مادة وكتبا وإجازات.
ثم حج مرة ثانية حدود عام 1351، وزار أثناء هذه الرحلة مختلف دول أوروبا التي اجتمع فيها بأمير البيان شكيب أرسلان، وأعجب كل منهما بالآخر، رغم الحملات الدعائية المغرضة التي كان يقوم بها أعداؤه. ثم زار مصر والحجاز وفلسطين، ولبنان وسوريا، وزار مختلف المرافق والمعاهد العلمية والتاريخية، وتلمذ له كبار أعلامها وصغارهم، وافتخروا باللقاء به، والاستفادة من علومه.
ثم عاد إلى المغرب مرة أخرى حاملا النهضة العلمية والحضارية من المشرق إلى المغرب، وهكذا بقي إلى نهاية عمره نبراسا علميا وضاء، يحتاج إليه كبار علماء ومثقفي المسلمين والأوروبيين، ويحجون إلى منزله، ويكاتبونه بآلاف الرسائل في جميع المواضيع إلى وفاته رحمه الله.
وما ترك التدريس قط، لا في الزاوية الكتانية بفاس، ولا جامع القرويين الأعظم، ولا جميع خرجاته الدعوية والإرشادية والعلمية التي كان يقوم بها إلى مختلف مدن وقرى المغرب، والجزائر، وتونس وإيطاليا، وأوروبا والمشرق، ومختلف البلاد التي زارها.(1/80)
وفي سبيل نشاطه العلمي؛ شارك في عشرات الندوات والمنتديات والمؤتمرات العلمية في المشرق والمغرب وأوروربا، وكان عضوا فعالا في مجمع اللغة العربي وغيره من المؤسسات العلمية والثقافية البارزة.
وكان الشيخ عبد الحي الكتاني من أهم من أدخل علم الحديث الشريف وكتبه المغرب، وأحد رواد الاجتهاد والانفتاح على المذاهب الإسلامية، ومختلف التيارات الفكرية العالمية، شديد الاعتناء بكتب الحديث والاجتهاد، وتراجم أصحابها، وتسبب له ذلك في مناظرات طويلة بينه وبين بعض كبار العلماء في المغرب.
غير أنه كان يمثل الجانب المحافظ لعلماء المغرب؛ فلم يؤده انفتاحه على الغير إلى فقدان رصيده الثقافي والعلمي، وعدم الالتزام بالأوامر والنصوص الشرعية، فكانت له مواقف صارمة ضد المدارس الأجنبية، والأفكار الدخيلة إلى المجتمع المغربي، والتي كان يعدها قنطرة إلى العلمانية واللادينية في البلاد، خاصة أفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وتلامذتهما من رواد الفكر بالمشرق، الأمر الذي فتح عليه – فيما بعد – باب العداوة مع الحركة الوطنية وروادها الحزبيين.
عرف الشيخ عبد الحي الكتاني بنشاطه السياسي الدؤوب بجانب نشاطه العلمي والمعرفي، والدعوي والصوفي، بحيث سخر معارفه للسياسة، وسياسته للمعارف. غير أن السابر للخط السياسي للشيخ عبد الحي الكتاني يجده دائرا على نفس مبادئه المحافظة التي نشأ وترعرع فيها.
فقد شارك شقيقه الشيخ أبا الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني في جميع نشاطاته الإصلاحية؛ كالدعوة إلى الإصلاح الإداري بالمغرب، وإحداث الدستور والمجالس النيابية، واستقبال رواد الفكر الحر الذين فروا من جور الدولة العثمانية إلى المغرب، والدعاية لهم، والكتابة في مجلاتهم، وفتح الزوايا الكتانية لدروسهم.(1/81)
وشارك في دعوة القبائل المغربية للجهاد ضد المستعمر الأجنبي، عن طريق عشرات الرسائل التي كان يبعثها لهم من أجل جهاد فرنسا، بل وكان يرحل بنفسه إلى مختلف الجهات النائية والوعرة من أجل هذا الهدف الوطني السامي، وتثبت الوثائق أنه شارك بنفسه في بعض المعارك التي دارت بين الجيش المغربي والجيش الفرنسي أثناء الدولة الحفيظية.
وأثناء البيعة الحفيظية عام (1325/ 1907) كان أحد أهم العوامل لإنجاحها؛ فقد جمع العلماء من أجل بيعة السلطان عبد الحفيظ بن الحسن، ووجه رسائله إلى مختلف القبائل المغربية من أجل ضمان البيعة، بل ذهب بنفسه إلى مراكش من أجل تأمين الطريق للسلطان عبد الحفيظ إلى فاس، والتقى بمحلته بمشرع الشعير، وكان أكبر رفقائه.
وألف في سبيل ذلك كتابه: "مفاكهة ذوي النبل والإجادة حضرة مدير جريدة السعادة" في إطار الحملة الإعلامية والفكرية التي كانت تقوم بها الطريقة الكتانية وروادها ضد الحملة الإعلامية الإستعمارية ممثلة في جريدة "السعادة"، وشرح في هذه الرسالة – التي طبعت مرارا وترجمت لعدة لغات – أفكاره وأسباب القيام بالدعوة الحفيظية، وفلسف فيها مفهوم البيعة وإمارة المؤمنين، بحيث يعد من أهم الوثائق في التشريع الإسلامي.
غير أنه ابتلي فيمن ابتلي في محنة شقيقه الشيخ أبي الفيض واعتقل بسجن أبي الخصيصات بفاس عدة أشهر، لقي أثناءها عكس ما كان يفترض أن يلقاه نتيجة نشاطه الوطني والإسلامي المخلص، سواء من طرف المخزن، ومن طرف وجهاء المغرب؛ فأيقن أن البلاد تحتاج إلى إصلاح ديني واجتماعي وأخلاقي وحضاري، لا إلى إصلاح عسكري، وأن الاستعمار داخل لا محالة.(1/82)
وأثناء الحماية الفرنسية (1312/ 1356) حافظ الشخ عبد الحي الكتاني – كما جل الطبقة المثقفة والسياسية بالمغرب – على علاقات ودية مع سلطات الحماية، وتحصل بسبب ذلك على نفوذ كبير استثمره في كافة نشاطاته الدعوية والعلمية، وجعله مطية لنشر أفكاره وعلومه عن طريق مختلف جولاته للمدن والبوادي المغربية والجزائرية، وزياراته لمختلف دول العالم من أجل حضور المؤتمرات العلمية الدولية؛ كمؤتمر المستشرقين في روما، الأمر الذي كان له دور عظيم في إنعاش الثقافة المغربية وتعريف العالم بها.
وأسس في هذا المضمار مؤتمر الطرق الصوفية، الذي كان يروم عن طريقه إحداث كتلة من الطرق الصوفية على غرار مجمع الطرق الصوفية بمصر، تقوم بالمحافظة على الإسلام واللغة العربية والمبادئ الدينية في مختلف مناطق المغرب والجزائر وتونس.
كما كانت له حملات ضد ما يعرف بإصلاح جامعة القرويين وإدخال النظام، حيث اعتبر ذلك الإصلاح إفسادا لها، وهبوطا بمستواها إلى الحضيض. وعند فرض النظام على جامعة القرويين عام (1350/ 1930) كان أول المنسحبين من التدريس، واكتفى بدروسه غير النظامية.
كما قاد عام 1345/ 1927 وما بعدها الحملة التي قام بها علماء المغرب ضد البدع والمنكرات التي تفشت في المجتمع، وأقام دروسا ومنتديات في هذا الإطار، وألف كتابه "تبليغ الأمانة في مضار الإسراف والتبرج والكهانة".
وعندما انحلت دولة الخلافة في المشرق عام 1925، واعتلت أصوات العلمانيين مدعية بأن الإسلام لا يصلح نظام حكم في كل زمان ومكان؛ ألف كتابه "التراتيب الإدارية في الحكومة النبوية" الذي أثبت من خلاله أن كل صغيرة وكبيرة في النظام الإداري في الدول الحديثة كان له أصل من حكومة النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة من بعده. وعد هذا الكتاب صيحة في وقته.(1/83)
وهكذا كانت للشيخ عبد الحي الكتاني صولات وجولات من النواحي العلمية والثقافية يذب بها عن معالم الشريعة الإسلامية؛ كنظام حكم، ونظام مجتمع، وأخلاق وتربية تشهد لها كافة إنجازاته ومؤلفاته التي صدرت في حياته.
وكان الشيخ عبد الحي الكتاني يحظى باحترام وتقدير كبيرين من ملوك المغرب؛ المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ والمولى يوسف، والملك محمد الخامس، حملهم جميعهم على إصدار ظهائر التوقير والاحترام له، واستدعائه في كافة المناسبات الوطنية والخاصة.
غير أنه نظرا لخط الشيخ عبد الحي الكتاني المحافظ، وتشبثه بالطرقية والتصوف في زمن طغت فيه الأفكار السلفية والتقدمية، وحربه التي لا هوادة فيها ضد المد الثقافي الأجنبي بالمغرب؛ فقد كثر أعداؤه – خاصة من طرف بعض رواد الحركة الوطنية الذين استغلوا تناقضات المجتمع من أجل تشويه صورة الشيخ عبد الحي الكتاني في كافة المحافل – وفي الوقت الذي كان يعدهم فيه صغار طلبته، ومنخدعين بالثقافة الغربية والعلمانية، كانوا يصفونه بأسوأ التهم؛ من العمالة للاستعمار والشعوذة والخرافة...
الأمر الذي اشتد مع اقتراب رواد الحركة الوطنية من القصر الملكي، وتبني الملك محمد الخامس لأفكار الحركة الوطنية وتقريبه لبعض روادها اختلافا مع الأفكار التي كان يدعو لها الشيخ عبد الحي الكتاني وينافح عنها بصفته زعيما دينيا يضم تحت جناحه كافة الطرق الصوفية وعلما القرويين.
وعند تنحية الاستعمار الفرنسي الملك محمد الخامس عن عرش أسلافه عام (1372/ 1953)، وتنصيبهم ابن عمه محمد بن عرفة ملكا على المغرب، كان الشيخ عبد الحي الكتاني واحدا ممن بايعوا ابن عرفة – كجل العلماء والرسميين الذين تولى كثير منهم مناصب بعد الاستقلال – فكانت بيعته القميص الذي علق به أعداؤه شتى التهم والعظائم.(1/84)
ثم ما إن عاد الملك محمد الخامس إلى ملك المغرب عام (1375/ 1955) محملا بمعاهدة "إكس ليبان" ووثيقة الاستقلال، حتى اضطر الشيخ عبد الحي الكتاني إلى الهجرة لفرنسا مستوطنا مدينة نيس، نظرا لانتشار ظاهرة الثأر في البلاد وانعدام الأمان، إلى أن توفي بها.
لقد كان الشيخ عبد الحي الكتاني – بالرغم من اختلاف المواقف حوله من الناحية السياسية - نادرة التاريخ المغربي؛ فقد كان موسوعة علمية، ومكتبة متنقلة، ترك ما يربو عن خمسمائة مؤلف في مختلف مجالات المعرفة، ومائة ألف رسالة إلى مختلف الآفاق، كما كان فقيها مجتهدا، ومحدثا حافظا، وصاحب فكر حر بثه في مجتمعه والتقطه تلاميذه المعدودون بالآلاف.
كما يعود للشيخ عبد الحي الفضل الأول في إحياء التاريخ المغربي، والحفاظ على عشرات المكتبات وآلاف المؤلفات التي كادت تتلف لولا بذله من أجلها النفيس، وحفظها في مكتبته التي فتحها لعموم الباحثين في حياته. ويعد من أجل ذلك رائد التنقيب في المخطوطات، ومؤسس علم المكتبات في المغرب.
أما علم الإسناد؛ فيعد محييه وباعث نهضته في العالم الإسلامي في القرن الأخير، شهد له بذلك علماء المشرق والمغرب، خاصة ما أودعه في كتابه "فهرس الفهارس والأثبات".
وكان شيخ طريقة مرموقة، له كلام عال بلغة خاصة الخاصة، ضمنه كتابه: "وسيلة الولد الملهوف إلى جده النبي الرحيم العطوف". وكان رجل سياسة، سبر أغوارها، واطلع على التاريخ الدبلوماسي الأوروبي والعالمي والإسلامي، وكاتب الملوك والزعماء المسلمين والأجانب وكاتبوه، وغامر في ذلك السبيل مغامرات قل من تجرأ عليها. إضافة إلى ثروته الهائلة ونفوذه الكبير، وتلامذته الذين يقدرون بعشرات، بل مئات الألوف، من إندونيسيا إلى المغرب، ومن أوروبا إلى تخوم إفريقيا. بحيث لا يعرف عالم من علماء المغرب على دور تاريخه تيسر له من ذلك ما تيسر للشيخ عبد الحي الكتاني.(1/85)
توفي الشيخ عبد الحي الكتاني مغربا في مدينة نيس بفرنسا، يوم الجمعة فجرا 12 رجب الفرد عام 1382، ودفن بمقبرة المسلمين بها.
محمد الباقر بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد الباقر بن محمد بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: من شيوخ الطريقة الأحمدية الكتانية، بل يعد مؤسسها الثاني، ومن نبغاء المغرب وعلمائه، ومناضليه ضد الاستعمار الفرنسي، محدث حافظ، فقيه أثري، مشارك في جل العلوم الشرعية، مؤرخ أديب شاعر، صالح مصلح. أبو الهدى.
ولد بفاس عام (1319)، وأخذ بها، وبالرباط وسلا اللتين انتقل إليهما عام 1338، 1340، عن أعلامها؛ كجده أبي المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني، وعمه عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، وأبي شعيب الدكالي، ومحمد المدني ابن الحسني، ومحمد المكي البطاوري...وغيرهم.
وحج عامي 1337، و1357، وأخذ عن أعلام الحجاز ومصر؛ كالشيوخ عمر بن حمدان المحرسي، وعبد القادر بن توفيق الشلبي، وبدر الدين البيباني، وبخيت المطيعي، ومحمد بن إبراهيم السمالوطي، وتدبج مع الشيخ زاهد بن حسن الكوثري...وغيرهم.
وتصدر لتربية المريدين بالزاوية الكتانية بسلا، ولمشيخة الطريقة الكتانية، ولتدريس العلم بالجامع الأعظم منها، ومسجد الشراطين، ومسجد سيدي أحمد حجي، والزاوية الكتانية بالرباط وسلا، ومختلف الزوايا الكتانية بالمغرب.
__________
(1) "ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد"المقدمة بقلم المحققة الدكتورة نور الهدى بنت عبد الرحمن الكتاني، "إتحاف المطالع" (2/ 584)، "سل النصال" (197). "من أعلام الفكر بالعدوتين الرباط وسلا" (2/ 101)، "من أعلام المغرب في القرن الرابع عشر" (ص152)، "تشنيف الأسماع"، "السبحة النورانية" ص88، "لحظة الحسان، بترجمة الإمام محمد الباقر الكتاني"، و"نصب المآثر لترجمة جدي الإمام محمد الباقر" كلاهما من تأليف د. محمد حمزة بن علي الكتاني.خ.(1/86)
وكان طول فترة الاستعمار الفرنسي ممنوعا من الرحلة إلى الأرياف والقبائل من أجل الدعوة إلى الله تعالى، خشية أن يدعو الناس للثورة والجهاد ضد الاستعمار. وبالرغم من ذلك؛ فقد كان له – عن طريق مريديه ورسائله – دور مهم في مقاومة الاستعمار الفرنسي، سواء عن طريق مقاطعة بضائعه، وعن طريق المقاومة السلمية والمسلحة.
كما رفع عرائض ضد الاستعمار الفرنسي منادية بالاستقلال وإرجاع محمد الخامس إلى ملكه حين نفيه عام (1373/ 1955)، باسمه واسم الطريقة والأسرة الكتانية، وباسم علماء سلا، وشارك بمحاضراته ودروسه ومؤلفاته في هذا الاتجاه.
كما شارك الشيخ محمد الباقر الكتاني في عدة جمعيات علمية ودعوية؛ منها: جمعية علماء الإصلاح والإرشاد، ورابطة علماء المغرب التي كان أحد مؤسسيها الأوائل، بل كان جمعها التحضيري الأول بمنزله بسلا، ودعا من خلال مؤتمرها التأسيسي بنزل باليما بالرباط عام 1382/ 1962 إلى نبذ القانون الوضعي، وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد.
كما ربط الشيخ محمد الباقر الكتاني علاقات وطيدة مع زعماء الإصلاح بالمشرق، وبعض ملوكه؛ ك: الملك إدريس السنوسي، ومحمد المكي الكتاني، والشيخ محمد زكي إبراهيم، والأستاذ سعيد رمضان، كان لها دور مهم في تنسيق العمل الدعوي الإسلامي بين المشرق والمغرب. كما كان منزله مضافة يأوي إليها خيرة الوطن من العلماء والدعاة المخلصين، ومن يفدون عليه من أعلام المشرق.(1/87)
وللشيخ محمد الباقر الكتاني دور مهم في إحياء الطريقة الأحمدية الكتانية، وفتح فروع لها بالمشرق، والحفاظ على تراثها من الضياع، وجمع رسائل وتراجم ومؤلفات شيوخها، وفتح زوايا لها بالمغرب، والتعريف بعلومها وأدوارها الإصلاحية. كما كان له دور مهم جدا في توضيح عبارات مؤسس الطريقة الكتانية، وتقريب معناها للعموم، وله في سبيل ذلك مئات الرسائل، وعشرات المؤلفات. إضافة إلى أذكار وتوسلات أضافها لأذكار الطريقة الكتانية لم يغفل فيها مآسي الأمة الإسلامية، بحيث يعد مجدد الطريقة الكتانية، بل مؤسسها الثاني، ولذلك كانت تنسب إليه الطريقة الكتانية الباقرية التي هي أقرب في عباراتها لفهم العامة، وهي صورة مبدعة من الطريقة الأحمدية الكتانية.
كان الشيخ الباقر فقيها أثريا، يدعو إلى العمل بالحديث، ونبذ التعصب المذهبي، وكان يميل إلى الاجتهاد ويعمل به، كما كان له اعتناء كبير بالحديث وعلومه، حافظا له، ساردا لكتبه، خادما لها، بحيث يعد حافظ المغرب وأحد مسنديه في القرن المنصرم بعد عمه الشيخ عبد الحي الكتاني. وقد دافع عن أفكاره في جل مؤلفاته وكتبه.
كما يعد أديبا مبرزا من أدباء المغرب المعاصرين، سواء بنثره الذي ينحو فيه منحى التشبيه والسجع، وأشعاره التي تبلغ خمسة عشر ألف بيت ضمنها المدح والرثاء، والحنين وغيرها من ضروب الشعر.
ويعد أحد أهم مؤرخي المغرب؛ عن طريق عشرات المؤلفات التي ضمنها جوانب مهمة من التاريخ وتراجم الرجال، بل يعد أحد مؤرخي فترة ما قبل الحماية الفرنسية القلائل، خاصة من الوجهة السياسية.
وللشيخ محمد الباقر روح إسلامية ووطنية جياشة، وجرأة في إبداء آرائه والانتصار لها، لا يخاف في الله لومة لائم.(1/88)
ترك تآليف تناهز المائتين، في التفسير والفقه والحديث، والتصوف والتاريخ والأنساب والسياسة؛ منها: "اختصار الموطأ"، واختصار "جامع الترمذي"، و"طبقات الكتانيين طريقة"، في ثماني مجلدات، و"دائرة العلوم والمعارف الكتانية" في ثماني مجلدات، ترجم فيها والده وذكر علومه، و"التاج المرصع بالجوهر الفريد، في ترجمة الشيخ الإمام محمد الكتاني الشهيد" في ثلاثة مجلدات، و"ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد" طبعت في مجلد، و"الكواكب الزاهية في أعلام الشعبة الكتانية الوافية"، و"شرح الورد الكتاني"، و"إيقاف النبلاء على تراجم جماعة من عالمات النساء"، و"بدائع النفائس، في اتصالنا بالفهارس"، و"التبيان لفضائل القرآن"، و"الأجوبة الفقهية والحديثية والصوفية"...وغيرها.
توفي فجأة بسبب مرض القلب بسلا في 29 شعبان عام 1384/ 1964، وشيع في جنازة مهيبة حضرها العلماء والقضاة ومشايخ الطرق الصوفية، والسياسيون، إلى مرقده الأخير بالزاوية الكتانية بسلا.
محمد الماحي بن عبد الكبير الكتاني(1)
ومنهم: محمد الماحي بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: عالم مدينة الصويرة، ومربيها، وداعيتها الصالح، وأبو المواريث بها، جامع بين الفقه الشرعي ومعرفة القانون الوضعي، وله إلمام كبير في علم الموسيقى.
__________
(1) "طبقات الكتانيين طريقة"، "من أعلام المغرب العربي" ص180.(1/89)
ولد بفاس عام 1321، وتربى في حجر والده الشيخ أبي المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني، وأخيه الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. ثم انتقل لسكنى مدينة الصويرة، فأخذ عن أعلامها؛ كأحمد القرمودي، وسعيد العيسى، ومحمد بن محمد التناني...وغيرهم. ثم شد الرحلة لفاس وأخذ عن علية أعلامها؛ كمحمد بن جعفر الكتاني، وأخيه عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، وعبد الله بن إدريس الفضيلي العلوي، ومحمد بن أحمد ابن الحاج السلمي المرداسي، ومحمد بن رشيد العراقي الحسيني...وغيرهم. وتحصل على إجازات من عدة من أعلام المغرب والمشرق.
ثم عاد إلى مدينة الصويرة، وكان منذ رجوعه إليها مولعا بتدريس الحديث والسيرة النبوية، والفقه والتوحيد، والتصوف والنحو والصرف بمختلف مدارسها. وقد امتازت دروسه بالجدية والعبارات السهلة، وانتفع بها عدد عديد من الطلبة وجمهور المواطنين.
وكان يقوم برحلات إلى قبائل حاحة والشياظمة، ودكالة وعبدة قصد نشر العلم والدعوة إلى الله تعالى، والإجابة عن أسئلة المواطنين في العبادات والمعاملات. وهي رحلات كانت تستغرق الشهر والشهرين، يذكرها الآن مواطنو تلك القبائل بكل تقدير واعتبار.
كما كان يتوفر على ثقافة قانونية بجانب ثقافته الإسلامية الشرعية، اكتسبها من ولوعه بمراجعة القوانين الوضعية والمراسيم الملكية، أثناء عهد الحماية وبعده، حملت المجتمع الصويري على الرجوع إليه في كتابة الوثائق.
وكان معتنيا بعلم الموسيقى الأندلسية إلى درجة كبرى، لحد أنه كان يرأس رجالها بالصويرة، وله فيها كتابات مفيدة.
ورغما عن كون وزارة العدل في عهد الصدر الأعظم أسندت إليه منصب أبي المواريث بالصويرة؛ فقد كان مولعا بالتجارة، قضى فيها أكثر من عشرين سنة، وكان أحد العلماء القلائل في هذا العصر الذين انفردوا بالجمع بين التجارة والعلم. وانخرط أخيرا في سلك رابطة علماء المغرب، وصار يعقد دروسه باسمها.(1/90)
توفي بمدينة الصويرة إثر مرض لم يمهله إلا يوما واحدا، وكانت له جنازة حافلة بعد عهد الصويرة بمثلها، وذلك قبيل زوال يوم الجمعة 15 جمادى الثانية عام 1389/ 1969.
أحمد بن إبراهيم الكتاني(1)
ومنهم: أحمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: قاض بالمجلس الأعلى، خبير دولي في حقوق الإنسان. ولد بفاس يوم عرفة من عام 1346/ 1928، فكان يسمى من أجل ذلك: بأحمد عرفة. وأخذ عن مختلف أعلام فاس؛ خاصة الفقيه الرجراجي. ثم تابع دراسته الثانوية بثانوية مولاي إدريس بفاس، ثم حصل على الإجازة في الحقوق، ودبلوم المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالرباط.
تدرج في الوظيف الرسمي بعدة محال، منها في مدينة "بوذنيب" شرق البلاد، ثم ولج سلك القضاء ليصبح - فيما بعد - وكيلا عاما بمحكمة الاستئناف بالرباط (وكانت وقتئذ ثلاث محاكم اسئناف بالمغرب فقط: مراكش، والرباط والدار البيضاء)، ثم عين وكيلا عاما لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
وأصبح علاوة على منصبه المذكور خبيرا وممثلا للمغرب لدى هيئة الأمم المتحدة بلجنة حقوق الإنسان بنيويورك وجنيف بين السنتين: 1389/ 1969 – 1392/ 1972. بحيث يعد أول ممثل للمغرب في اللجنة المذكورة. ثم عين قاضيا بالمجلس الأعلى للنقض والإبرام. وكان محل ثقة كبيرة من طرف الملك الحسن الثاني؛ نظرا لنزاهته واستقامته، وإخلاصه في العمل.
ترك الأستاذ أحمد الكتاني عدة مؤلفات وأبحاث في مجال القضاء وحقوق الإنسان، كما ترك عدة مقالات نشرت بمجلة "رابطة القضاة" الصادرة بالرباط.
توفي في العاشر من أكتوبر عام 1972 بالدار البيضاء، وشيع في جنازة حافلة لمرقده الأخير، بحيث كان يوم وفاته يوما مشهودا.
__________
(1) المراجع: ورقة بقلم ابن أخت المترجم الدكتور عبد العظيم ميكو، "التكملة الصافية".(1/91)
محمد المكي بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد المكي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: رئيس رابطة علماء سوريا، المصلح الكبير، والزعيم السياسي، والصوفي العارف بالله تعالى، يعرف عند مترجميه بشيخ الإسلام. ولد بمدينة فاس عام 1312، وأخذ بها عن أعلامها.
ثم هاجر مع والده للمدينة المنورة عام 1325، ثم عام 1328، وأخذ بها عن أعلام الحجاز. ثم انتقل رفقة والده وأهله لدمشق عام 1336، التي لازم بها – إضافة إلى دروس والده – دروس نخبة من أعلامها؛ خاصة بدر الدين بن يوسف البيباني، ومحمد أمين سويد، ومحمد توفيق الأيوبي..وغيرهم.
وفي عام (1341) زار تركيا بدعوة من المجاهد أحمد الشريف السنوسي رفقة والده وشقيقه، وقلدته الدولة العثمانية وسام "العظمة" لجهوده في نصرة المجاهدين في ليبيا والمغرب وغيرهما.
وفي عام (1343) زار الهند داعية وطالبا للعلم رفقة شقيقه الأكبر الشيخ محمد الزمزمي ومر في طريقه على العراق.
ثم عاد إلى فاس مع والده عام 1345/ 1927 حيث مكث بها أقل من سنة رجع بعدها إلى دمشق ليستقر بها باقي عمره ناشرا للعلم، وباثا للتوجيهات الإسلامية، فظل يقرئ فيها شتى العلوم من حديث وفقه وتوحيد وتصوف، ويلقن الأوراد والطرق الصوفية، ويربي الأجيال في منزله بحي العمارة، وبالجامع الأموي، وبجامع مازي، والتكية السليمانية وغيرها من المحال والمدن التي واظب على زيارتها في جميع بلاد الشام. ثم تولى منصب مفتي المذهب المالكي بسوريا.
__________
(1) المراجع: "النبذة" (ص408)، "عقد الزمرد"، "الدليل المشير" (ص394)، "من أعلام المغرب العربي" ص262، "إتحاف المطالع" (2: 620)، "تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر" (2: 909)، و"من هو في سوريا" (632)، "أعلام دمشق في القرن الرابع عشر" (297)، "فهرست الشيوخ والأسانيد" (ص297).(1/92)
وكان ذا اهتمام كبير بالقضايا الإسلامية، ومحاربة الاستعمار بشتى وجوهه، فأسس في دمشق "جمعية الكف الأسود"، واختار لها أربعين رجلا من كبار رجالات السوريين العقلاء، والناهضين بالقضايا الإسلامية عامة، ولدعم المجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر والمغرب، والإنكليزي في فلسطين، والإيطالي في ليبيا، فجمع شبان الأحياء في دمشق ودربهم على الخيول والأسلحة للجهاد في سبيل الله ضد الفرنسيين، وأعد حوالي خمسمائة خيال، سميت بعد ذلك بـ: "رابطة شبان دمشق".
ولما أنشئت المقاومة الشعبية عام 1376/ 1955 اشترك فيها، وتدرب مع زملائه من العلماء على حمل السلاح والرمي، وساهم فعليا في محاربة الصهايبنة في فلسطين بإرسال الرجال والأسلحة والعتاد. وبعد انقضاء القتال في فلسطين استمر هو وجماعة من قادة فلسطين في قض مضاجع اليهود في مواطنهم الهامة بنسف المطارات وأماكن الأسلحة، وبإرسال الفدائيين لهذا الغرض.
كما أسس "جمعية تحرير المغرب العربي" لدعم المجاهدين الجزائريين، والتي سميت فيما بعد: "جمعية أنصار المغرب وتحريره"، وعين أشخاصا عليها، وعند استقلال الجزائر عين معظمهم في مناصب هامة بالدولة. كما عمل في دعم الجهاد الجزائري مشروع "الفرنك"، المعتمد على إرسال السلاح بدل الأموال، بحيث قال الجزائريون أنفسهم فيما بعد: "كانت هي السبب في انتصارنا".(1/93)
كما أسس "رابطة علماء سوريا" عام 1365، ووجه أعمال الرابطة بتوحيد الصف في سوريا ضد الاستعمار وأعوانه، فاكتسبوا بذلك النجاح الكامل في الانتخابات بالمجلس النيابي، حيث امتلأ المجلس بمرشحي رابطة العلماء، وصدرت عنها إذ ذاك بيانات متعددة مهمة؛ من أهمها: مؤتمر علماء سوريا في يومي 24، و25 ذي القعدة عام 1376، لبحث قضية الجزائر والمذابح التي يقوم بها الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، طبع نصه في مجلة "التمدن الإسلامي" وقتها. كما كان أول من نادى بتأسيس "رابطة العالم الإسلامي" والدعاية لها في العالم، بل مؤسسها الفعلي.
وفي عام 1382/ 1962 زار المغرب بدعوة رسمية من جلالة الملك الحسن الثاني، حيث استقبل في المغرب استقبالا كبيرا، وخاطبه الملك الراحل الحسن الثاني بقوله: "إني أعلم المكانة السامية التي تحتلونها في قلب كل عربي بالجمهورية السورية، نتيجة لكفاحكم المتواصل لصالح الإسلام والمسلمين، ولا أدل على ذلك من كون جميع الحكومات المتعاقبة على الحكم في سورية تتطلب نصائحكم وبركتكم!". ودعاه الملك الراحل للرجوع للمغرب ليستفيد المغاربة من توجيهاته ونصائحه وحنكته السياسية، وعند زيارته لمنطقة سوس استقبله جميع علمائها واستجازوه في علم الرواية والإسناد.
كما مثل الشيخ المكي الكتاني المغرب وسوريا في الندوات والمؤتمرات الإسلامية والعربية؛ منها: أول مؤتمر إسلامي اشترك به في القدس الشريف، وكان أول مؤسس فيه بالاشتراك مع مفتي القدس الحاج أمين الحسيني – رحمه الله تعالى – حيث كانت الحركة دائمة للوفود والمؤتمرات والثورات، حتى إن الحاج أمين الحسيني أخذ شعار الشيخ الكتاني الذي سمى به حركته الفدائية أثناء الاستعمار الفرنسي لسوريا، وسمى بها حركته بفلسطين: "حركة الكف الأسود".(1/94)
وفي عام 1353، زار الهند رفقة شقيقه الشيخ محمد الزمزمي الكتاني، وزار بها عدة مدارس علمية إسلامية، خاصة جامعة ديوبند التي التقى بها بإمام الهند الشيخ محمد أنور شاه الكشميري وأخذ عنه، والتقى بها بعدة زعماء مسلمين، ومكث بها فترة داعيا ومربيا ومرشدا.
كما كان المترجم دائم الزيارة للملكة العربية السعودية التي ربط بها علاقات وطيدة مع ملوكها: عبد العزيز، وسعود، وفيصل، وكان دائم التوجيه والنصيحة لهم، بما كان له بالغ الأثر في الحركة الإصلاحية والدينية بها.
كما ربط علاقات مع رئيس مصر جمال عبد الناصر، كان من ثمرتها: تأسيس الجمهورية العربية المتحدة، والتي انحلت فيما بعد بسبب نكوص الرئيس المصري عن العمل الإسلامي.
وفي عام 1383 أشرف على ميثاق وطني يضم جميع الأحزاب السياسية والحركات والجمعيات الإسلامية بسوريا، ووضع مناهج جديدة في ميدان التعليم من شأنها الحفاظ على الوجود الإسلامي بالبلاد.
كان الشيخ مكي الكتاني فريد وقته، فإضافة إلى ملكته العلمية التي ورثها عن والده الإمام محمد بن جعفر الكتاني وغيره من كبار علماء المشرق؛ خاصة في علم الأصول، فقد كان صوفيا كبيرا، مرشدا مربيا، يعرف عند أهل الشام بالقطب وبالغوث، كثير التجول من أجل الدعوة إلى الله تعالى، لا يهاب في سبيل ذلك أحدا، بحيث أخذ عنه وتخرج جل شيوخ التصوف بسوريا وصلحائها.
وكان يعد من كبار علماء الرواية والإسناد في عصره، بفضل أئمة العلم والحديث الذين استجازهم فأجازوه بالمغرب والحرمين الشريفين، وسورية والعراق، ومصر وتركيا والهند...والذين يقارب عددهم المائة.(1/95)
وكان سياسيا محنكا، مارس السياسة وخاض عبابها، غير أنه سخر كل نفوذه من أجل خدمة دينه والقيم الإسلامية، بحيث ترك المناصب كلها وراء ظهره، فقد عرض عليه زمن الوجود الفرنسي بالشام أن يتولى رئاسة الدولة؛ فأبى، ثم طلبوا منه أن يختار الوضع الذي يريده في الحكم، من ملكية أو جمهورية أو غير ذلك؛ فأبى رغبة في عدم التمشي تحت ظل المستعمر الأجنبي، وتجريد نشاطه لوجه الله تعالى.
ترك الشيخ مكي الكتاني آلافا من التلاميذ بالمشرق والمغرب، وعدة مؤلفات؛ منها: تعليق على كتاب "العلم المحمدي" لوالده، ونصيحة عامة، ومجموعة كبرى من المقالات والاستجوابات التي نشرتها صحف المشرق والمغرب، ورحلة للمغرب عام 1382 دونها له ابن عمه العلامة عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني.
توفي بدمشق إثر عملية جراحية في 26 ذي القعدة الحرام عام 1393، وشيع في محفل لم تشهد دمشق مثله إلى روضة الشرفاء الكتانيين بمقبرة الباب الصغير بها.
محمد الناصر لدين الله بن محمد الزمزمي الكتاني(1)
ومنهم: محمد الناصر لدين الله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: علامة محدث مطلع، وطني مجاهد، خطيب مفوه، داعية إلى الله تعالى.
ولد بالمدينة المنورة عام 1334، وانتقل مع أهله إلى دمشق عام 1336، والتي تلقى بها تعليمه الابتدائي، ثم منها لفاس عام 1345 حيث تربى بها وترعرع في كنف والده أبي الفداء محمد الزمزمي الكتاني، وجده الإمام محمد بن جعفر الكتاني، وانخرط في سلك طلبة علماء القرويين إلى أن تحصل على شهادة العالمية. كما تحصل على إجازات في الرواية والإسناد من جمهرة من أعلام المشرق والمغرب.
__________
(1) المراجع: "النبذة" (ص456)، "من أعلام المغرب العربي" ص268، "إتحاف المطالع" (2: 624)، ومقدمة كتابه "عيون الآثار فيما تواتر من الأحاديث والأخبار" بقلم نجله الدكتور أسامة الكتاني.(1/96)
عاش في فاس عالما مدرسا في جامع الرصيف الذي كان يمتلئ في دروسه – على صغر سنه – امتلاءه يوم الجمعة، وشارك في مختلف المباريات الأدبية التي حصل فيها على الجائزة الأولى، ولازم الكتابة في الصحافة الوطنية كأديب وطني مرموق.
ولما منعه الفرنسيون من مواصلة التدريس بجامع الرصيف بفاس، انتقل إلى مدينة تطوان عام 1360، فانخرط في سلك أساتذة معهد مولاي المهدي، والمعهد الخليفي، كما أصبح أحد محرري جريدة "الوحدة" المغربية التي كانت لسان حزب الوحدة.
وتخرج عليه في المعهد المذكور مجموعة من الأساتذة الذين نالوا وظائف سامية؛ كالوزارة وغيرها، وعين على رأس كتاب وزارة العدل بالحكومة الخليفية عام 1361، وأصبح يدعى بـ: "شاعر الخليفة". وكان يلقي بالمسجد الكبير والزاويتين الكتانية والريسونية دروسا إسلامية يحضرها العلماء والزعماء والوزراء، وجمهور غفير من المواطنين.
وفي عام 1366/ 1946 التمس الأستاذ عبد الرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية حينه من المترجم أن يشتغل معه بالجامعة على رأس قسم شمال إفريقيا الذي كان ينوي إحداثه بها؛ فوافق على المقام بمصر قصد خدمة قضايا شعوب المغرب العربي التي كانت تشكو من الاستعمار.
وهكذا أقام المترجم بالقاهرة نحو خمسة عشر عاما خدم فيها قضايا استقلال المغرب والجزائر وتونس خدمة كبرى، بالتنسيق والتعاون مع مختلف الزعماء والمجاهدين، وعلى رأسهم الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي كانت تربطه به علاقة متميزة، امتدت جذورها من جد والده لجده لوالده، ثم إليه، وكان مكتبه ومنزله مقصدا لزعماء المغرب العربي ورواد حركته الوطنية، ومقصدا لدعاة الإسلام الذين يزورونه بالجامعة.
ولما أسس الزعيم الخطابي لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة؛ كان عضوا فيها ممثلا لحزب الشورى والاستقلال.(1/97)
كما نشر المترجم مجموعة من المقالات في بعض كبريات الصحف المصرية والمشرقية، في تمجيد قضايا التحرير، وكان يذيع بهذا الصدد حديثا أسبوعيا من إذاعة "صوت العرب".
وفي مصر تحصل الأستاذ الناصر الكتاني – إضافة إلى شهادة العالمية من جامعة القرويين – شهادة الماجستير في العلوم الشرعية من دار العلوم بالقاهرة.
وعند استقلال المغرب عزم على الرجوع إلى وطنه لخدمة القضايا الإسلامية، فوقع اختيار جامعة محمد الخامس بالرباط عليه ليكون أستاذا بها عام 1380/ 1960، وكانت له بها دروس مهمة، حيث كانت تقع بينه وبين الطلبة الذين كانوا ضحايا الدسائس الأجنبية مناقشات حادة يرجعهم أثناءها إلى طريق الصواب، وطلبته بها يبلغون الآلاف.
ثم أصبح أستاذا بدار الحديث الحسنية بالرباط، من أول إنشائها عام 1384/ 1964، وأخذ عنه بها ما يربو عن خمسمائة طالب، إضافة إلى دروسه العلمية بمسجد مولاي سليمان بالرباط وغيرها من المساجد الكبرى التي كان يتطوع لإلقاء الدروس بها ابتغاء مرضاة الله، ودروسه أيضا بدار الإذاعة والتلفزيون في شهر رمضان والمناسبات الدينية الأخرى.
وكان للعلامة الناصر الكتاني جهد دعوي مهم على مستوى المغرب والعالم الإسلامي، فقد كان أول داعية لإشهار الحرب النفطية ضد أمريكا والغرب من حيث تزعمه للعريضة التي تطالب الدول الإسلامية المصدرة للنفط بعدم بيعه لأمريكا وكل الدول المساندة لها إثر فاجعة عام 1387/ 1967 التي احتل فيها اليهود المسجد الأقصا، وقع عليها كبار العلماء وزعماء الأحزاب المغربية الذين كان يطوف عليهم بنفسه، وقد أذاعتها وكالة أنباء المغرب العربي ونشرتها الصحافة المصرية.
كما كان داعية إلى تعريب التعليم، وتنقيته مما شابه من لا دينية وانحراف عن التعاليم الإسلامية، وله في سبيل ذلك مواقف مشهورة.(1/98)
كان المترجم طودا من أطواد العلم، وبحرا من بحور المعرفة، مشاركا في العلوم الاثني عشر؛ من تفسير وحديث وفقه، وأصول ولغة، ونحو وصرف، ومعان وبيان وبديع، ومنطق وأدب، وله مزيد تبحر في الحديث وعلومه "لا يوجد إلا عند كبار أئمة الحديث الأقدمين" كما قال صاحب "من أعلام المغرب"، كما كان يميل في الفقه نحو الاجتهاد واتباع الأثر، متأثرا فيه بمذهب ابن حزم واجتهادات ابن تيمية، وكان له اطلاع منفرد على تاريخ الإسلام، خاصة تاريخ أئمة آل البيت ومحنهم، فقد كان يميل فيهم إلى مذهب الزيدية.
وكان إضافة إلى علمه وصلاحه أديبا من الطراز الأول، "من النوع الذي يذكرك بأدباء العرب قبل الإسلام" كما قال صاحب "من أعلام المغرب"، بحيث كان في شبابه يتحصل في المسابقات الأدبية على الرتب الأولى في المغرب والمشرق، وعرف بتطوان بـ: "شاعر الخليفة"، وله ديوانا شعر ضمنهما مختلف الضروب الشعرية.
ترك الشيخ الناصر الكتاني – إضافة إلى تلامذته الذين يعدون بالآلاف – عدة مؤلفات قيمة؛ منها: "عيون الآثار فيما تواتر من الأحاديث والأخبار".ط، و"قيد الأوابد في فنون العلم والفوائد".ط، وديوانان شعريان، وفهرس كتاب "سلوة الأنفاس" لجده الإمام محمد بن جعفر الكتاني.ط، و"الأحاديث المختارة من مسند الإمام أحمد"، ومحاضرات في التفسير، وأخرى في شرح مسند الإمام أحمد، ومحاضرات عن الكامل لابن المبرد، ومحاضرات في علم البيان، ومحاضرات في شرح "الموطأ"...إلى غير ذلك من المؤلفات والمجاميع، إضافة إلى سلسلة مهمة من المقالات العلمية والدعوية والأدبية نشرت في مختلف مجلات وجرائد مصر وسوريا والمغرب.
عاجلت المنية المترجم وهو في الطريق بين مدينتي سلا والقنيطرة، إثر حادث مروع، وذلك في فاتح ذي الحجة عام 1394/ 1974، وشيع في جنازة مهيبة إلى ضريح الإمام عبد الله بن ياسين في طريق زعير خارج الرباط، حيث أوصى أن يدفن فيه.(1/99)
أبو بكر بن عبد الحي الكتاني(1)
ومنهم: أبو بكر بن عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: علامة فقيه مشارك، قاض نوازلي أديب، مؤلف.
ولد بفاس عام (1330/ 1912)، وأخذ بها عن أعلامها. وأجازه والده واستجاز له كبار علماء المشرق والمغرب.
وعرف بنبوغه المبكر، وسعة اطلاعه وعلاقاته مع مختلف علماء المشرق والمغرب، خاصة محدث مصر العلامة أحمد بن محمد شاكر الذي أثنى عليه في بعض كتبه.
استوطن القاضي أبو بكر الكتاني فاسا، ثم منها الرباط وسلا ومكناس، وتولى عدة مناصب علمية وإدارية؛ منها: القضاء في عدة مدن مغربية، ورئيسا للمحكمة الإقليمية بمكناس، وعضوا بالمجلس الأعلى للقضاء بالرباط.
وكتب الشعر، وألف وحاضر، ومن مؤلفاته: "النوازل"، ورحلة للحج نشر بعضها في جريدة "السعادة"، وديوان شعر.
توفي بمدينة الرباط في 27 ربيع الأول عام 1397، ودفن بروضة الشهداء بالعلو.
عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني(2)
ومنهم: عبد الرحمن بن محمد الباقر بن محمد بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن أحمد بن علي الجامع: علامة مشارك، خطيب مصلح، من دعاة الطريقة الكتانية، من أهل سلا.
ولد بمدينة فاس حدود عام 1344/ 1926، ومنها استوطن مدينة الرباط ثم سلا، وأخذ عن أعلامهما والوافدين عليهما؛ وعرف منذ نعومة أظافره بنهمه على العلم والتعلم، وميله إلى حرية الفكر والإصلاح، وشدة تمسكه بالدين وغيرته عليه.
__________
(1) المراجع: "إتحاف المطالع" (2/ 632)، "من أعلام المغرب العربي" (ص92 الهامش).
(2) المراجع: "من أعلام المغرب العربي"، المقدمة بقلم حفيد المؤلف الدكتور حمزة بن علي الكتاني، ومقال للحاج أحمد معنينو بمجلة "الإرشاد" العدد (6)، بتاريخ 13 – 10 – 1981، "مجلة سلا الغد" العدد (32) بغير توقيع. وغيرها.(1/100)
شارك والده الشيخ محمد الباقر الكتاني في جميع نشاطاته الطرقية والسياسية والوطنية، وأشرف على تحرير عدة عرائض ورسائل مطالبة باستقلال المغرب، وبإرجاع الملك محمد الخامس من منفاه إلى المغرب، وبالدعوة إلى تطبيق النظام الإسلامي بدل القانون الوضعي، والدعوة إلى تعريب التعليم في المغرب وحرب كافة التيارات الدخيلة إليه.
وعرف الشيخ عبد الرحمن الكتاني بنشاطه الدؤوب، بحيث أسس عدة جمعيات وشارك في أخرى؛ كجمعية علماء الإصلاح والإرشاد التي كان يرأسها شرفيا الملك محمد الخامس شخصيا، وجمعية الدفاع عن حفظة القرآن، واللجنة المركزية لمساندة الكفاح الفلسطيني..وغيرها.
ويعد الشيخ عبد الرحمن الكتاني مؤسس رابطة علماء المغرب وداعيتها الأول، رام من خلالها إنشاء هيئة للعلماء تحمي وضعيتهم في المجتمع، وتعمل على الدفاع عن القضايا الإسلامية داخل وخارج البلاد. وكان له دور كبير في جمع العلماء من كافة أطراف المغرب وتحفيزهم للمشاركة في الرابطة التي كان أول اجتماع لها في منزله بسلا. وشغل منذ سنة 1963م منصب رئيس فرع رابطة العلماء بالرباط وسلا، بالإضافة إلى عضوية المجلس الأعلى للرابطة، وعمله مستشارا دائما لها.
كما أسس الشيخ عبد الرحمن المؤسسة الكتانية للتعليم الحر بمدينة سلا، والتي كان يدرس فيها أبناء الأرياف بالمجان، شريطة أن يكونوا من حفظة القرآن الكريم، وكان مقصوده من هذه المدرسة: المحافظة على حفظة القرآن الذين أهملوا فجر الاستقلال ولم يعد لهم مكان في الوظيفة العمومية ولا التعليم. وتخرج من هذه المدرسة أجيال من الطلبة تقلدوا مختلف المناصب العلمية والإدارية، وحضر في الاستشارات الملكية لعلماء المغرب مرارا.(1/101)
عرف الشيخ عبد الرحمن الكتاني بجرأته في الحق وعدم خوفه في الله لومة لائم، إضافة إلى خدمته للناس بحيث يعد فريد نوعه في هذا الجانب. كما عرف بقلمه السيال، ومقالاته الإصلاحية الكثيرة التي كان ينشرها في مختلف مجلات وجرائد المغرب؛ خاصة: "الميثاق"، و"الإيمان"، و"الإرشاد"، و"دعوة الحق"...
وكان له نهم كبير في العلم والتعلم والتعليم، بحيث كان منذ بزوغ الفجر إلى الليل يدرس في مختلف مساجد سلا؛ كالجامع الأعظم، ومسجد سيدي أحمد حجي، والزاوية الكتانية وغيرها، إضافة إلى دروسه بالمؤسسة الكتانية التي كان يعتني بتدريس العلوم الاثني عشر بها.
ورحل إلى الحج مرتين: عام: 1392/ 1972، و1397/ 1977، وزار ولايات الاتحاد السوفياتي الإسلامية، والجزائر داعيا إلى الله تعالى ومربيا، وعند دخوله لسوريا ومصر عام (1397) لقي من أعلامها وعامتها وخاصتها احتفاء عظيما.
وكان – رحمه الله تعالى – عضوا نشيطا في الطريقة الأحمدية الكتانية، بل يعد شيخا من شيوخها، ومنظرا من منظريها، ورمزا من رموزها. وكان في سبيل ذلك يسافر إلى شتى القرى والقبائل النائية بالبلاد، داعية ومربيا ومرشدا، ومصلحا بين مختلف الفئات المتنازعة.
والشيخ عبد الرحمن الكتاني من الرعيل الأول المدافعين عن القضايا الإسلامية، والوحدة الوطنية المغربية، خاصة مسألة الوحدة الترابية، والتي دافع من أجلها في عدة مقالات ومحاضرات عن مغربية الصحراء. بل شارك بنفسه – وبالرغم من مرضه وإعيائه – في المسيرة الخضراء، وشكر له دوره البطولي فيها، ودعا عبر موجات الأثير إلى الانسحاب الإسباني من كافة التراب المغربي.
وقد تحصل المترجم على عدة أوسمة ملكية تقديرا لجهوده العلمية والإصلاحية؛ منها: وسام العرش من درجة فارس، ووسام المسيرة الخضراء.(1/102)
كما ترك عدة مؤلفات تبلغ الأربعين؛ منها: "من أعلام المغرب العربي في القرن الرابع عشر وجهودهم من أجل الصحوة الإسلامية"ط، و"بحوث تحليلية نقدية في الفكر الإسلامي"ط، وتحقيق لكتابي والده: "روضات الجنات في مولد خاتم الرسالات"، و"يواقيت التاج الوهاج في قصة الإسراء والمعراج" بالتعاون مع شقيقه الشيخ محمد بن محمد الباقر الكتاني، ورحلة للحجاز، وأخرى للاتحاد السوفياتي، و"تحديد النسل في الإسلام"، و"مجموع الفتاوى الفقهية والحديثية"، و"الأسرة في الإسلام"، و"محمد الكتاني شهيد الاستقلال"، و"سلسلة عظماء الإسلام"، و"جهاد الطريقة الكتانية وأعمالها الإصلاحية"...وغير ذلك.
توفي – رحمه الله تعالى – بسلا في 23 محرم الحرام، عام 1401/ 1980، ودفن في محفل رهيب لم تشهد سلا مثله، في الزاوية المباركية بباب احساين.
محمد الطائع بن محمد الكتاني(1)
ومنهم: محمد الطائع بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: علامة قاض عدل، وطني مجاهد، كاتب شاعر أديب.
ولد بدمشق عام (1337)، فترعرع بها آخذا عن والده الإمام محمد بن جعفر الكتاني، وأخويه محمد الزمزمي ومحمد المكي، ثم انتقل مع أهله إلى مدينة فاس عام 1345، والتي استقر بها ونشأ. وبفاس انخرط في سلك طلاب جامعة القرويين، حيث درس بها وبغيرها من معاهد فاس على كبار علمائها.
ومنذ صغر المترجم وهو منخرط في خلايا الحركة الوطنية عن طريق حزب الشورى والاستقلال؛ فقد شارك في التدريس بالمدارس الوطنية، والتوعية بقضايا الأمة الكبرى، والمشاركة في مختلف الخلايا الجهادية المقاومة للاستعمار الفرنسي، بحيث اعتقل عام 1357/ 1937، ضمن سبعين وطنيا وحكم عليه بالسجن سنتين مع الأشغال الشاقة، قضى طرفا منها بجحيم سجن كلميمة الشهير.
__________
(1) المراجع: "النبذة" ص430، "تراجم الكتانيين" مخطوط.(1/103)
وفي فترة الاستعمار عين مبعوثا رسميا من طرف الملك محمد الخامس لعدة رؤساء عرب؛ وخاصة رئيس سوريا شكري القوتلي لتبيين ما يلقاه المغرب من تعنت فرنسي وقهر، وشرح تفاصيل الأزمة المغربية.
وعند استقلال البلاد عام 1376/ 1956 عين قاضيا بعدة مناطق بالبلاد، ثم رئيسا للمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، ثم عضوا بالمجلس الأعلى للقضاء، الذي مكث به إلى تقاعده مثالا للنبل والعدل والاستقامة، حيث فتح مكتبا للمحاماة.
كان المترجم عالما نوازليا، فقيها مشاركا متضلعا، مثالا للاستقامة والعفة، والغيرة على الإسلام والوطن. وكان إضافة إلى جانيه العلمي والديني والأخلاقي أديبا شاعرا متميزا، وكاتبا بليغا، عرف بدقة أسلوبه، وعذوبة كلماته، وسعة خياله. كتب عدة مقالات في الجرائد والمجلات المغربية، كما حاول كتابة القصة والرواية.
ومن مؤلفاته: ديوان شعر مطبوع على آلة الستانستيل، قسمه على خمسة أغراض: المدح، والإسلاميات، والوطنية، والمقاومة، والفكاهة، ومتنوعات. كما ترك عدة أبحاث مهمة في ميدان القضاء والنوازل الشرعية، خاصة في ميدان الإرث والمعاملات، بحيث حل إشكالات عجز قضاة المغرب طول الفترة الأخيرة من الاستعمار وبداية الاستقلال عن حلها، كما ترك دراسات وأبحاثا مهمة في الأدب والشعر؛ منها: دراسة حول شعر جميل صديق الزهاوي.
وقد تسبب السجن والاضطهاد الذي لقيه في سجون الاستعمار الفرنسي في إصابته بعدة أمراض، حتى قضى نحبه بالدار البيضاء عام 1404، ودفن بروضة الشرفاء الكتانيين بمقبرة الشهداء بها.
محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني(1)
__________
(1) المراجع: "العلامة المجاهد محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني: حياة علم وجهاد"، "أعلام المغرب" (1: 194)، "إسعاف الإخوان الراغبين" (ص135)، "أعلام من المغرب العربي" (ص1195).(1/104)
ومنهم: محمد إبراهيم بن أحمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: أبو المزايا، أستاذ الأجيال، علامة بحاثة مشارك، أحد مؤسسي الحركة الوطنية بالمغرب، والمجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي، ورواد إحياء التراث المغربي.
ولد بفاس يوم الجمعة 10 رمضان عام 1325، وأخذ بها عن والده الإمام أبي العباس أحمد بن جعفر الكتاني وغيره من أعلامها، كما تحصل في الرواية على إجازات من عدة أعلام من المشرق والمغرب.
وبعد انتهائه من الدراسة بجامعة القرويين رفضت السلطات الفرنسية منحه درجة العالمية نظرا لمواقفه الجهادية ضد الاستعمار، ولم يتحصل على تلك الشهادة إلا بعد الاستقلال، وذلك عام 1376/ 1957، وكتب على ظهرها وزير التربية الوطنية حينه: "نجح حامل هذه الشهادة في امتحان العالمية، ومنع منها لأفكاره الوطنية إلى أن حق الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا!".
كان المترجم نهما على المطالعة ومجالسة العلماء منذ الصغر، بحيث تعرف إلى طبقة شيوخ شيوخه فمن دونهم، وأخذ عن الواردين من العلماء على المغرب.
وكان – بالرغم من نشاطه الجهادي الوطني آتي الذكر – بحاثة منقبا عن المخطوطات والتراث المغربي، بحيث يعود له الفضل - هو وزمرة من العلماء كمحمد بن عبد الهادي المنوني ومحمد بن أبي بكر التطواني وشيخهم الشيخ عبد الحي الكتاني – في إحياء الكتاب المغربي والتعريف به، والتنقيب عن المكتبات المغربية النائية، والتعريف بمحتوياتها، بل وتحقيق جملة من كتب التراث.
إضافة إلى رحلاته المتكررة إلى الجزائر وتونس ومختلف دول أوروبا – خاصة إسبانيا – منقبا عن ذخائر الكتب المغربية والأندلسية والإسلامية، ناسخا لها، وواصفا لمضمونها، بحيث يكاد يكون أول والج لهذا الميدان بتلك السعة في المغرب.(1/105)
كما شارك الشيخ أبو المزايا في مختلف المؤتمرات العلمية والثقافية في العالم، وألقى محاضرات تعريفية بالإسلام، وكيفية الحفاظ على النص القرآني، وتاريخ الفقه والفكر الإسلامي، وفلسفة التشريع، والتراث والكتاب العربي والمغربي والإسلامي.
وكان للمترجم نشاط كبير في التدريس ونشر العلم، ابتداء بالمدارس الحرة التي أسسها أو شارك في إدارتها والتدريس فيها؛ كمدرسة المنية، والمدرسة الناصرية وغيرهما، والتي كان المقصود منها صد الهجمة الثقافية الأوروبية على المغرب. وانتهاء بتدريسه بمختلف كليات وجامعات مغرب ما بعد الاستقلال، وإشرافه على العشرات من الدراسات الجامعية التي أقيمت في ذلك الحين.
وكان الشيخ أبو المزايا أحد كبار المجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي، ابتداء بتأسيس الحركة الوطنية في منزل ومكتب والده عند اجتماعه هو وعلال الفاسي، ومحمد غازي وتعاهدهم على المصحف الشريف على العمل على استقلال البلاد وطرد العدو المستعمر، والحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للمغرب.
ثم بربط العلاقات مع مختلف الشباب الثائر؛ كمحمد القري، وعبد العزيز ابن إدريس، والمختار السوسي، والصديق العلوي..وأضرابهم، وكان نشاطهم مبنيا على ثلاثة جوانب: جانب فكري ممثل في الحركة السلفية، وجانب سياسي ممثل في المظاهرات والعرائض وربط العلاقات مع مختلف الحركات التحررية بالعالم الإسلامي، وجانب ميداني ممثل في تكوين الخلايا التنظيمية والفدائية.
وبعدما نجح أولئك الشبان في ضم أحد القواد الذين جندتهم فرنسا لمحاربة المجاهد ابن عبد الكريم الخطابي إليه، اتسع مجال التحرك والعمل ليشمل كل القطاعات، وتم ربط الاتصال بخلايا الرباط وتطوان وغيرهما.(1/106)
وساهم هؤلاء الشباب في حركة مجلة "الشهاب" التي أسسها عبد الحميد بن باديس، وكانوا من وراء الحركة التي تزعمها جماعة من الأعيان لإدخال إصلاحات على عادات المجتمع وأعرافه التي كانت تعوقه عن التطور، خاصة بدع الإسراف والخرافات والسحر.
ولما استصدرت المندوبية السامية الظهير البربري عام 1350/ 1930، الذي يفصل البربر عن حكم الشريعة الإسلامية تمهيدا لتنصيرهم وفرنستهم؛ كانت الحركة الوطنية قد استوت على ساقيها وأصبحت قادرة على مواجهة المشاريع الاستعمارية جهارا لا في الخفاء. فنظمت في فاس وسلا والرباط وغيرها حركة احتجاجية، وشنت حملة دعائية معادية لفرنسا في الشرق والغرب، أضرت بسمعتها وأوقفتها في قفص الاتهام.
ومن أهم الأعمال الوطنية التي أسهم فيها: السعي في إنشاء صحافة عربية حرة، حرم المغاربة من إنشائها منذ دخول الاستعمار، لتواجه سموم الصحافة الرسمية؛ خاصة "السعادة"، فأسس رفقة الأستاذ سعيد حجي، والأستاذ محمد اليزيدي لجنة المطالبة بحرية الصحافة، التي أنشأتها كتلة العمل الوطني في شهر سبتمبر 1356/ 1936.
كما ربط الاتصال بين الحركتين الوطنيتين بالمغرب والجزائر، التين كانت تمثلهما كتلة العمل الوطني المغربي، وجمعية علماء المسلمين الجزائريين، وفي هذا الإطار قام المترجم برحلة أولى إلى تلمسان لحضور المؤتمر الخامس لطلبة شمال إفريقيا المسلمين، المنعقد بها عام 1935/ 1355، ثم دعته الجمعية إلى حضور مؤتمرها السنوي بمدينة الجزائر. كما قام برحلة ثانية إليها سنة 1950/ 1370، وحضر أثناء تلك الزيارة كثيرا من المهرجانات، كما اجتمع بالعديد من قادة الرأي والسياسة بالجزائر، وعرفهم بمواقف المغاربة من أجل تحرير البلاد، وبإشارته رحل الشيخ البشير الإبراهيمي إلى فرنسا واجتمع بالملك محمد الخامس بها.(1/107)
وفي كل الأحداث التي شهدها المغرب، ما بين حركة الاحتجاج على صدور الظهير البربري، إلى حركة المقاومة وظهور جيش التحرير وطرد المستعمر؛ كان الشيخ إبراهيم الكتاني إما واحدا من صناعها، وإما واحدا من المنكوبين بنارها؛ فسجن سنة 1936/ 1356، وسنة 1937/ 1357 التي قضى فيها سنتين، شطر منها بسجن كلميمة دونه في كتابه: "من ذكريات سجين مكافح"، أو: "أيام كلميمة".ط، وفي 23 ماي 1943/ 1363 اعتقل من جديد بدعوى التستر على أعوان يعملون لحساب الألمان والطليان، ورغم توسط الملك محمد الخامس وتشفعه فيه؛ حوكم المترجم ورفيقه قاضي الدار البيضاء رشيد الدرقاوي سريا في محكمة عسكرية فرنسية، فصدر الحكم بسجنهما ثلاثة أعوام، ونفيهما سنتين، ومصادرة أملاكهما. وبسبب هذا الاعتقال؛ لم يتمكن من إمضاء عريضة المطالبة بالاستقلال المقدمة إلى الملك وممثلي دول الحلفاء يوم 11 يناير 1944/ 1364.
ولما تجددت المظاهرات والاصطدامات بالمغرب في أواخر سنة 1952/ 1373، إثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد، اعتقل إبراهيم الكتاني مرة أخرى، وعرف السجون الاستعمارية بكرامة وتاسينت وأغمالون كردوس، ولم يسرح إلا في أوائل سنة 1955 عندما لاحت تباشير انفراج الأزمة المغربية.
وبين كل سجنة وسجنة كان المترجم مثال الحركة الدائبة، ينظم الخلايا السياسية، ويحرك المشاعر الوطنية بما يكتب ويؤلف ويخطب ويلقي من دروس، ويربي من ناشئة تربية قوامها الإسلام والعروبة.
كان المترجم – رحمه الله تعالى – أحد أئمة العلم المبرزين، ورواد الثقافة الأعلام، فقد كان متضلعا من مختلف العلوم الشرعية، خاصة الأصول والفقه، سيال الذهن، قوي الحفظ والاستحضار، نابغة مقداما، ميالا للاجتهاد وأهله.(1/108)
فقد كان داعية للاجتهاد ونبذ التقليد الأعمى، مع التقدير الكبير للمذاهب الأربعة وأتباعها الأولين، وتعمق في فكر ابن حزم والظاهرية وفقههم، وكتب عنه ونشر، بحيث يكاد يكون أول من عرف بالإمام المذكور في العالم الإسلامي في وقته، وجمع طبقات المجتهدين وأعداء التقليد فضمن منهم خمسة آلاف ترجمة في خمسة مجلدات، تعد أكبر موسوعة في تاريخ الاجتهاد والمجتهدين.
كما يعد الشيخ إبراهيم الكتاني أحد رواد السلفية المعاصرة بالمغرب، غير أنه – في العموم – حصين مما وقعت فيه من أفكار تثاخن العلمانية، حارب من أجل أفكارها، ونشر مبادئها، وشن حربا ضروسا على كل ما كان يعتبره بدعة وخرافة، وألف في سبيل ذلك ونشر، وألقى محاضرات في مختلف المناسبات. بحيث يعد على رأس الطبقة التي تلت أبا شعيب الدكالي وابن العربي العلوي، مع تميزه بالاستقامة، وسعة المعرفة، والتأليف والتصنيف.
وقد كان – رحمه الله – داعية إلى تعريب التعليم والدوائر الرسمية، ألف في سبيل ذلك ونشر، ووقع على العرائض المطالبة بذلك، كما كان من كبار الداعين إلى أسلمة القوانين المغربية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ويعتبر أن المغرب لن يستقل استقلالا حقيقيا إلا بأسلمة قوانينه، والرجوع إلى دينه الحنيف، ونشر في سبيل ذلك، وألف "النظرية العامة للشريعة الإسلامية"، وضمن تلك الأفكار مختلف الكتب والمقالات التي نشرها في مختلف المجلات والجرائد، أو حاضر بها في مختلف المناسبات والمؤتمرات.
كما كان عابدا زاهدا في الدنيا ومناصبها، بعيدا عن الدعوى والشهرة، والمناصب الزائفة، بحيث لم يتقلد طول عمره سوى المناصب العلمية والدعوية، أو الجهادية، بل توفي وهو لا يملك حتى منزله الذي يقطنه. الأمر الذي جعله أحد العلماء الزهاد الذين لا يرجون من علمهم وعملهم سوى رضا الله تعالى.(1/109)
تقلد الشيخ أبو المزايا عدة مناصب – إضافة إلى إدارته لعدة مدارس وطنية أثناء الاستعمار – منها: إماما وواعظا بمسجد بوعقدة بفاس، وواعظا بجامع القرويين قبل صلاة الظهر بكتاب "الترغيب والترهيب". ثم محافظا بقسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط بعد الاستقلال، مع متابعته لنشاطه السياسي بحزب الاستقلال الذي كان عضوا في لجنته المركزية ومجلسه الوطني، ومنذ ذلك الحين أسدى لوطنه المحرر خدمات جلى في ميادين السياسة والعلم، بمثل التفاني الذي قدم به إليه تضحيات وهو محتل.
وقد عين في العديد من اللجان الحكومية التي أسست للنظر في إصلاح التعليم والتشريع، كما مثل المغرب في العديد من المؤتمرات والمناظرات والتجمعات الثقافية التي عقدت في الداخل والخارج. كما كان أستاذا محاضرا بكليتي الحقوق والآداب بالرباط وفاس، والمدرسة الإدارية، ثم عين عضوا في الأكادمية الملكية المغربية.
"وبحكم خبرته الطويلة وتمرسه بالقضايا؛ صار كعبة تهوي إليها أفئدة الباحثين والدارسين في الشؤون المغربية والأندلسية، والمعتنين بجوانب متميزة من أمور الثقافة الإسلامية؛ كالحركة السلفية، والمذهب الظاهري الذي يعد أكبر متخصص فيه في العالم الإسلامي"...على حد قول الأستاذ عبد الوهاب ابن منصور.
وللمترجم – رحمه الله – مقالات وبحوث عديدة منشورة في كثير من الصحف والمجلات المغربية والمشرقية، ولا تمر مناسبة أو تحل ذكرى دون أن يدعى للكتابة عنها أو الحطاب فيها، كما أن له عشرات المؤلفات أكثرها مخطوط. "وتمتاز آثاره بدقة البحث، ووفرة المعلومات، ونصاعة الأسلوب" كما قال الأستاذ ابن منصور.(1/110)
ومن أهم مؤلفاته: "طبقات المجتهدين وأعداء التقليد في الإسلام"، في خمسة أجزاء، ألفه في خمسين عاما، و"الدعوة إلى استقلال الفكر في الإسلام" في مجلدين، و"فضل جامعة القرويين في الدفاع عن السيادة الوطنية خلال العصور" في مجلدين، و"النظرية العامة للشريعة الإسلامية" في جزأين، و"كيف استطاع المسلمون المحافظة على النص القرآني" في مجلد، و"مؤلفات ابن حزم بين أنصاره وخصومه".ط، و"الكتاب المغربي وقيمته".ط، و"سلفية الإمام مالك".ط، و"والدي كما عرفته" في مجلد، و"أبو شعيب الدكالي وطلائع الحركة السلفية بالمغرب" مجلد، و"اختصار البدور الضاوية في أعلام الزاوية الدلائية" للحوات، و"اختصار المزايا فيما أحدث من البدع بأم الزوايا" للناصري، و"اختصار الدواهي المدهية للفرق المحمية" لجده الشيخ جعفر الكتاني، وحاشية على شرح الشيخ محمد بن عبد القادر بناني على استمارة الشيخ الطيب ابن كيران...وغير ذلك.
توفي الشيخ إبراهيم الكتاني فجأة بمنزله بالرباط، يوم الأحد 29 جمادى الأولى عام 1411/ 1990، وشيع في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير بروضة الشهداء بمقبرة العلو بالرباط.
علي بن الغالي الكتاني(1)
ومنهم: علي بن الغالي بن محمد بن الغالي بن عبد الحفيظ بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد بن علي الجامع: رجل أعمال من الدرجة الأولى، وطني مجاهد، سياسي مقتدر، محسن شهير. ولد بفاس عام 1337، وتربى في كنف والديه، حيث حفظ القرآن الكريم على يد ثلة من علماء القراءات، ثم دخل مدرسة عربية حرة بفاس، وتلمذ على كثير من العلماء الشباب المؤسسين للحركة الوطنية؛ كابن عمه محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني وأضرابه، ثم انخرط في سلك طلبة جامعة القرويين.
وإثر وفاة والده اضطر للانقطاع عن الجامعة والاشتغال بالتجارة، ففتح متجرا لبيع الثياب وهو مازال في أول شبابه، وجعله ناديا للطلبة والمثقفين، ورجال الحركة الوطنية.
__________
(1) المراجع: "التكملة الصافية" مرقون.(1/111)
وفي عام 1367/ 1947 انتقل لسكنى الدار البيضاء، حيث فتح عليه في ميدان التجارة بجانب نشاطه السياسي والوطني عضوا في حزب الشورى والاستقلال، بحيث يعد من الرعيل الأول للحركة الوطنية بالمغرب، والمتخرجين من مدارسها، حيث كان مجاهدا مناضلا نشطا من أجل استقلال البلاد والحفاظ على هويتها.
وبعد الاستقلال عين عضوا في المجلس الاستشاري، ونجح في الانتخابات النيابية ليصبح عضوا في البرلمان، وكان أول رئيس لغرفة الصناعة والتجارة بالدار البيضاء، ورئيسا مؤسسا للغرفة الاقتصادية الفتية، ومندوبا للبلدان العربية والإفريقية في أشغال الأمم المتحدة المتعلقة بالتجارة الدولية: الكات (G.A.T.T). كما عين عضوا في مجلس جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
كان المترجم عضوا نشطا في العديد من الجمعيات الخيرية، وعمل الإحسان، بحيث قام ببناء عدة مساجد ومصالح خيرية في أطراف المغرب، كما قام بعدة تبرعات خيرية لصالح الدعوة الإسلامية بالأندلس وغيرها، وكفل العشرات من الأسر المحرومة والمعوزة، كما طبع نسخة من المصحف الشريف.
واهتم المترجم بقطاع النسيج غداة الاستقلال، ليصبح أحد رواد تلك الصناعة في المغرب، كما أنشأ المجموعة البنكية: "وفا بنك" (Wafa Bank)، واهتم في نشاطه الاقتصادي - كذلك – بقطاعات التأمين والإنعاش العقاري والفلاحي، مؤسسا بذلك مجموعة: (S.O.P.A.R) التي تمثل اليوم مجموعة مالية وصناعية هامة بالمغرب.
وهكذا بقي المترجم – رحمه الله تعالى – مثالا للمجاهد العامل على الرفع من مستوى بلاده عمليا من حيث الناحية السياسية والاقتصادية، بحيث كان يعد على رأس الطبقة الأولى من أثرياء المغرب، وسخر كل ثروته وجهده للرفع من مستوى البلاد عن طريق دعم وإنعاش البنية التحتية للاقتصاد المغربي بمشاريع استمرت بعد وفاته عَلَما على إخلاصه وتضحيته.(1/112)
توفي بالدار البيضاء في 18شوال عام 1414، ودفن يوم الجمعة بروضة الشرفاء الكتانيين التي أسسها ملحقة بمسجد جامع بناه حذاء مقبرة الشهداء بها، وصلي عليه بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء – والذي كان تبرع في بنائه بما يعادل مليوني دولار – وحضر جنازته ولي العهد حينئذ الأمير سيدي محمد، والعلماء، وأعضاء الحكومة، وممثلوا الأحزاب السياسية والهيئات النقابية بالمغرب، ووفود العائلة الكتانية، ورجال الأعمال.
محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني(1)
ومنهم: محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: محدث الحرمين الشريفين، موسوعة علمية، سياسي فاعل، وداعية إلى الله تعالى في مختلف دول العالم.
ولد في الثاني عشر من ربيع الأول عام اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف ( 1332 – 1914 ) بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ثم انتقل مع أسرته من المدينة المنورة إلى دمشق الشام عام 1336؛ حيث حفظ القرآن الكريم وتلقى أساسات العلم، وحضر الكثير من دروس جده؛ خاصة في شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل التي كان يحضرها نجباء العلماء والطلبة.
ثم في عام 1345 انتقل مع أسرته إلى فاس؛ وحضر بها دروس كبار علمائها، وفي هذه الفترة – وهو ابن 17 عاما فقط – خرج في مظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي، فاعتقل وضرب بالسياط، كما كان يشارك في خلايا الحركة الوطنية الأولى، وينشر الوعي في أوساط المجتمع ضد الاستعمار وأطماعه.
__________
(1) المراجع: "معجم فقه السلف": نهاية الجزء الأخير. "عقد الزمرد" ج3، والذيل على الأعلام للزركلي. تأليف منير أباظة ومطيع (الحافظ ص270). "فتح السد". "النبذة" بقلم المحقق الأستاذ عصام عرار الشريف الحسني ص451، "من أعلام المغرب" (ص263) الحاشية، "هدي الساري" (ص206)، "الشهد المنصهر بترجمة الإمام محمد المنتصر".(1/113)
وفي عام 1352 زار رفقة والده الشام. ومنها ذهب إلى مصر ومكث يدرس بها بالأزهر مدة من عامين؛ أخذ فيهما عن عدد من أعلامها؛ كمفتي مصر محمد بخيت المطيعي الحنفي، ومحمد بن أحمد أبو زهرة، وأحمد بن محمد شاكر، وأحمد بن رافع الطهطاوي وغيرهم، والتقى بالإمام المصلح حسن البنا. ثم عاد إلى المغرب، واشتغل بالدراسة والتدريس والإصلاح الاجتماعي والسياسي.
وبعد تمكنه من فقه المالكية؛ اتجه إلى فقه الظاهرية مطالعة وبحثا ونقدا، ودرس محلى ابن حزم في مدة من اثنتي عشرة عاما جرد فيها مسائله جردا، وبحثها واستخرج عللها وقارنها بالمذاهب الأخرى، وكان شيخاه في هذه المرحلة: ابن عمه: محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني، ومحمد بن عبد السلام السائح الرباطي.
وفي عام 1362/1942 أسس حزب الخلافة، وانضم إليه في حزبه صديقه وشيخه الشيخ أحمد ابن الصديق الغماري بطريقته الصديقية الدرقاوية...وقد بنى فكرة هذا الحزب على إحياء الخلافة الإسلامية في المغرب بزعامة الملك محمد الخامس، وطرد الاستعمار، وتحكيم الشريعة الإسلامية، وضمن أفكاره في كتاب "فتية طارق والغافقي" الذي يعد مشروعا كاملا لنظام الدولة الإسلامية. غير أن حركته لم يكتب لها النجاح بسبب ما عانته من محاربة ما يسمى بالحركات الوطنية الأخرى التي كانت تشي به وشايات كاذبة إلى الملك محمد الخامس، فاضطر إلى حل حزبه وإدماجه في حزب الشورى والاستقلال عام 1370/ 1950، بيد أن أفكاره لم تفشل؛ فقد أحياها على أرض الواقع كما يأتي لاحقا.(1/114)
واستمر في حياته العلمية والثقافية؛ فأسس ودرس في عدة مدارس بفاس وسلا وطنجة، وشغل مديرا لبعضها، كذلك، ودرس العلوم الشرعية والفكر الإسلامي في مختلف مساجد المغرب الكبيرة، وعمل فقيها ضابطا بمحكمة الاستئناف الشرعي العليا بالرباط، وأستاذا للفقه المالكي والحضارة الإسلامية بمعهد الدراسات المغربية العليا في قسم الحقوق بالرباط. واشتغل أثناء ذلك بالدعوة إلى الله تعالى والتعليم؛ وأسلم على يديه مجموعة من الرهبان واليهود والقسس، وكانت داره مقصدا للمثقفين والمستشرقين منهم خاصة، لما اتسمت به ثقافته من موسوعية وعمق.
ثم رحل إلى دمشق الشام عام 1375/1955، ليستقبله أهلها وأعلامها بكل حفاوة وتقدير، ودرس في جامعة دمشق التفسير والحديث والفقه المقارن بكلية الشريعة، وعين رئيسا لقسم علوم القرآن والسنة في عموم كليات سوريا، ودرس بجامع دمشق وبمنزله بحي الميدان، وكان مفتيا للمالكية بدمشق.
واستمر في الشام داعية إلى الله تعالى، والتقى بزعماء القيادات الإسلامية في العالم، كأبي الأعلى المودودي، ومفتي باكستان محمد شفيع الديوبندي العثماني، ومحمد الطاهر ابن عاشور التونسي، ومحمد البشير الإبراهيمي، وكانت بينهما صحبة ومودة خالصة وتعاون.
ووضع يده في يد عمه شيخ الإسلام بسوريا، أبي الفيض محمد المكي بن محمد بن جعفر الكتاني مؤسس رابطة علماء سوريا، فعملا على إصلاح البلاد، ومساعدة الحركات التحررية في العالم الإسلامي، وتوجيهها الوجهة الإسلامية، وكذا وضع يده في يد الأستاذ الكبير مصطفى السباعي، ونشر مقالات عدة في مجلته "المسلمون" وغيرها.
وعمل مع عمه المذكور على توحيد سوريا ومصر عام 1381/1961 بالاتفاق مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر.(1/115)
ثم اضطرته الظروف إلى الهجرة من الشام إلى مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية حيث اصطفاه الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز آل سعود مستشارا له، لما وجد فيه من الروح الإسلامية الجياشة، والعلم العميق المتمكن. وعمل في الحجاز في سلك التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي كان أحد مؤسسيها؛ أستاذا للتفسير والحديث والفقه، والمذاهب الإسلامية والاجتماعية المعاصرة في كلية الشريعة وكلية الدعوة، ودرس الحديث في كلية الشريعة وكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ثم بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وعضوا ومستشارا برابطة العالم الإسلامي. وكان مواظبا على التدريس بالحرمين الشريفين.
وقد أشار على الملك فيصل – رحمهما الله تعالى – بعدة إشارات وجد منه فيها القبول التام؛ منها فكرة: "منظمة المؤتمر الإسلامي"، التي كان ينوي عن طريقها جمع الدول الإسلامية في هيئة واحدة تكون مقدمة للخلافة الإسلامية الجامعة. وقد تمت هذه الفكرة؛ غير أنها لم تستمر كما أراد، نظرا لاستشهاد الملك فيصل – رحمه الله تعالى - بعد ذلك.
كما حاول الصلح بين المغرب والجزائر في أزمة الحدود الشهيرة التي كادت تندلع الحرب بينهما بسببها، حيث أرسله الملك فيصل للتوسط بين البلدين الشقيقين من أجل المصالحة.
وقد اقترح على الملك المذكور فكرة "الدينار الإسلامي"؛ عملة نقدية يتوحد عليها العالم الإسلامي في مقابلة الدولار الأمريكي، وأن لا تقبل الدول التعامل إلا بهذه العملة، غير أن هذا المشروع أقبر باستشهاد الملك المذكور.(1/116)
وهو صاحب فكرة: "موسوعة الفقه الإسلامي" في مصر، بل يعد من أول من دندن حولها في العالم الإسلامي، وكان المقصود منها: تيسير الوصول إلى مظان الفقه الإسلامي؛ خاصة المذاهب الفقهية غير المتبوعة والمنقرضة، وذلك لتيسير إحياء الحكم بالشريعة الإسلامية كما كان الحال في أيام الخلافة الإسلامية المزدهرة. وبسبب توجيهاته أسست: "موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي"، التي سميت من بعد: "موسوعة الفقه الإسلامي".
ولما استوطن سوريا؛ نقل تلك الفكرة؛ فعملت جامعة دمشق على إصدار أول مؤلف من نوعه في هذا الميدان؛ وهو كتابه: "معجم فقه الظاهرية" في مجلدين باسم موسوعة الفقه الإسلامي، ثم ألف:"معجم فقه السلف: صحابة وتابعين وعترة " في تسعة أجزاء طبعتها جامعة أم القرى عام 1406.
وقد عمل – كذلك – في مجال الدعوة إلى الله تعالى في مختلف القارات الخمسة، وأسلم على يديه وبسببه جمع كبير من غير المسلمين، وألقى محاضرات كثيرة في التعريف بالإسلام والمسلمين. وتقديرا من الأندلسيين للمترجم – رحمه الله تعالى - سمت حكومة مدينة قسطلة الأندلسية الشارع الرئيس بها باسمه؛ تقديرا لجهوده في إرجاع القومية والهوية الأندلسية إلى الشعب الأندلسي.
وأعماله العلمية والوطنية كثيرة جدا يخطئها الحصر، كل ذلك حملا لهموم الأمة الإسلامية، ومحاولة لإخراجها من ربقتي الجهل والظلم، على مبدأ العلم والجهاد الذي هو – كما ذكر في مقدمة كتابه "فتية طارق والغافقي" – كجناحي طائر لا يطير إذا فقد أحدهما.(1/117)
ترك مؤلفات كثيرة في مختلف الفنون منها سوى ما ذكر: تقديم وتحقيق لكتاب جده: "الرسالة المستطرفة".ط. و"فاس عاصمة الأدارسة". ط. و"ترجمة الإمام مالك". ط. وترجمة الحافظ ابن حزم الأندلسي.و"تخريج أحاديث كتاب "تحفة الفقهاء" في فقه الأحناف" لأبي الليث السمرقندي، بالتعاون مع العلامة الدكتور وهبة الزحيلي.طبع في مجلدين. و"شرح وتخريج مسند الإمام أحمد". أتم منه ستة عشر جزءا. و"المعذبون في الله في القرون الفاضلة". و"المعقب في رجال الحديث". عقب فيه على الحافظ ابن حجر وغيره من أئمة علم الرجال. ومؤلف في إثبات التدوين في القرن الأول الهجري، والرد على المستشرقين الذين ادعوا أن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني.طبع في مقدمة تخريجه لأحاديث "تحفة الفقهاء".و"مسند الإمام بقي بن مخلد الأندلسي". جمع. و"مسند الإمام ابن حزم الأندلسي". جمع. و"مراحل تبع". في الأدب والتاريخ والعبر. في عدة مجلدات، و"كتاب الأموال في الإسلام"، و"نظام الخلافة الإسلامية"...وغير ذلك.
توفي بالرباط يوم الثلاثاء الثامن من صفر الخير لعام تسعة عشر وأربعمائة وألف الموافق 2 – 6 – 1999، ودفن اليوم الموالي – وهو يوم الأربعاء – في مقبرة الشهداء بالعلو، بمدينة الرباط.
علي بن المنتصر الكتاني(1)
__________
(1) المراجع: "عقد الزمرد"بقلم المحقق والمذيل الدكتور علي الكتاني. ج 3 ص 820."رجل في أمة". "وداعا مولاي علي الكتاني". محمد خليدي. جريدة "العصر" المغربية. العدد 153. الجمعة 13 الخميس 19 أبريل 2001 ص 8. "من لك يا قرطبة بعد رحيل الدكتور الداعية مولاي علي المنتصر الكتاني رحمه الله ؟". د. محمد سعيد صمدي. جريدة "المحجة المغربية". العدد 153. 2 – 4 – 1422 / 24 – 5 – 2001. ص 15. "في أية ظروف مات الرجل الذي أعاد الأذان إلى مسجد قرطبة ؟" جريدة "الأسبوع" المغربية. العدد 153/591 الجمعة 18 محرم 1422 / موافق 13 أبريل 2001 السنة الثالثة والثلاثون. ص9 .(1/118)
ومنهم: والدنا محمد علي بن محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: العلامة التقني المؤرخ، مقعد علم الطاقة الشمسية، ورائد علم الأقليات الإسلامية في العالم، المصلح المجدد، الموسوعة المتنقلة والأمة في رجل.
ولد في مدينة فاس بالمغرب بتاريخ فجر يوم السبت 6 رمضان عام 1360 الموافق27 /9/1941، تربى التربية الدينية على والده وفي الكتاب، ونال شهادتي البكالوريا بكلا اللغتين العربية والفرنسية من مدارس دمشق عام1379، وتحصل على دبلوم الهندسة الكهربائية من معهد البولي تكنيك بجامعة لوزان – سويسرا أوائل عام1383، ثم تابع دراسته في لوزان في الطاقة النووية لمدة ستة شهور، ودرّس فترة في المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط – المغرب، وتحصل على شهادة الدكتوراه متخصصا في الطاقة من جامعة كارنيجي بمدينة بيتسبرغ – ولاية بنسلفانيا – الولايات المتحدة الأميركية عام 1385/ 1976 وهو لما يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، في موضوع: الذبذبات في مادة البلازما.
ثم التحق مدرسا في عدة جامعات أمريكية وعربية؛ كجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومعهد ماساشيوستس للتكنولوجيا M.I.T، بالولايات المتحدة الأميركية، وجامعة الملك عبد العزيز بالرياض، وجامعة الملك فهد للعلوم والتقنية بالظهران والتي كان أحد مؤسسيها، كلاهما بالمملكة العربية السعودية، وتحصل على رتبة أستاذ ذي كرسي عام 1972 وهو لما يتجاوز 31 عاما.(1/119)
وكذلك عمل أستاذا زائرا في مختلف جامعات العالم في مجال الطاقة والعلوم والتكنولوجيا، وكان له الفضل في تأسيس علم هندسة البلازما Plasma Engineering وألف في مجاله عدة كتب؛ خاصة كتابه بنفس الاسم والذي يعد مرجعا علميا ودراسيا في مختلف جامعات أميركا و أوروبا، وألف كتاب: التحويل المباشر للطاقة Direct Energy Conversion والذي بدوره يدرس في عدة جامعات عالمية بأمريكا وأوروبا.
واستطاع بفضل هذين الكتابين وعشرات الدراسات العلمية الأكاديمية أن يؤسس لعلم الطاقة الشمسية، ويفلسف لعلم الطاقات المتجددة؛ من طاقة مياه وطاقة رياح، ليصبح والد هذا المجال عالميا، وتصبح دراساته اتجاها علميا رائدا في مختلف معاهد العالم بخصوص الطاقات المتجددة؛ خاصة الطاقة الشمسية، وتعتمد في مختلف مجالات البحث العلمي، حيث مقصده منها: إيجاد بديل للطاقات الملوثة للبيئة مثل البترول والغاز الطبيعي.
وأنجز في هذا المجال عدة إنجازات هامة؛ منها مؤتمر الطاقة الشمسية المنعقد في الظهران عام 1975 – 1395 والذي يعتبر أكبر مؤتمر للطاقة الشمسية يقام في العالم الثالث، حضره أكثر من 300 عالم وباحث عالميين، قدموا مئات البحوث الهامة في مجال الطاقة الشمسية، وعين الدكتور علي الكتاني رئيسا لهذا المؤتمر، والذي ألف حوله كتاب: الطاقة الشمسية والتطورHeliotechnique and Development باللغة الإنجليزية، بالاشتراك مع الدكتور جوزيف سوسو، في مجلدين ضخمين، 1800 صفحة.
ومن إنجازاته العلمية: مشروع دوحة سلوى؛ الذي يؤمن الطاقة الكهربائية لجميع دول الخليج العربي بتكلفة زهيدة جدا، مستغلة بذلك طاقة الرياح والشمس والماء، وألف في موضوعه بحثا هاما قدمه يدا بيد للملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود. وعلى ضوئه تم بناء الجسر الشهير بين المملكة العربية السعودية والبحرين.(1/120)
كما شغل الدكتور الكتاني عضوا ورئيسا لعدة المنظمات العلمية العالمية، منها تعاونية البحر الأبيض المتوسط للطاقة الشمسية؛ التي كان نائبا لرئيسها، واتحاد مراكز الأبحاث العالمي الذي كان عضوا به. كما أنجز بحثا مطولا حول الطاقة في العالم العربي بطلب من منظمة الأوبك. طبع في الكويت، وهيأ دراسة حول الطاقة في الدول النامية هو وتسعة يعدون أكبر علماء الطاقة في العالم بطلب من هيئة الأمم المتحدة، طبعت ضمن منشورات المنظمة المذكورة.
أما بخصوص التكنولوجيا على مستوى العالم الإسلامي؛ فقد قام بالتنسيق بين مختلف دول العالم الإسلامي بخصوص العلوم والتكنولوجيا والتنمية من خلال وظيفته مديرا عاما للمؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والني مقرها بجدة بالمملكة العربية السعودية في الفترة بين عامي 1401 – 1408 (1981 – 1987 )، وعمل على تأسيس عدة جامعات ومعاهد علمية في العالم الإسلامي، وبعث عشرات المنح الدراسية للدول المتطورة صناعيا من أجل النهوض بالمستوى العلمي للمجتمع الإسلامي.
وأنجز عدة أبحاث علمية فاعلة؛ منها: دليل الجامعات الإسلامية، بالإنجليزي، ودليل الأكاديميات والمعاهد العلمية بالعالم الإسلامي، بالإنجليزي، كلاهما طبع في حوالي 500 صفحة، كما قام في هذا المضمار بالمشاركة والإعداد لعشرات المؤتمرات على المستوى الإسلامي، خاصة: مؤتمر التكنولوجيا في العالم الإسلامي المنعقد بعمان عام 1405 – 1985، وصدرت من خلال ذلك عدة أبحاث هامة في مجال العلوم والتقنية والتنمية، على المستوى الإسلامي.(1/121)
وتعرف من خلال ذلك على مجموعة من قادة وزعماء الدول الإسلامية؛ خاصة الرئيسين المجاهدين الشهيدين ضياء الحق رئيس باكستان، وطرغد أوزال رئيس تركيا، ورئيس وزراء سرواك داتو باتنجي، ورئيس وزراء ماليزيا محاضر، وسمو الأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن سابقا... وغيرهم من زعماء المنظمات الدولية والإسلامية الذين وجد في التعامل معهم دفعا لمشروعه الإسلامي الرائد على مستوى التكنولوجيا والتنمية، والدعوة الإسلامية بين الأقليات المسلمة في العالم.
ونتج عن جهوده في المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية؛ تأسيسه للأكاديمية الإسلامية للعلوم والتي مقرها بعمان – الأردن، وذلك عام 1407 – 1987، والتي تضم كبار علماء المسلمين في مستوى العلوم والتكنولوجيا، والتي تولى منصب أمينها العام ونائب رئيسها، وهي تقوم بإعداد مؤتمرات دورية تخص العلوم والتقنية في العالم الإسلامي، ومن أهم الدراسات التي أصدرتها الأكاديمية بإشراف وإنجاز الدكتور الكتاني: الصحة والتغذية والتنمية في العالم الإسلامي. باللغة الإنجليزية.
كما عمل من خلال عضويته في منظمة العواصم والمدن الإسلامية - والتي مقرها بجدة بالمملكة العربية السعودية - على ضم دولتين من دول أميركا اللاتينية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهما: غوييانا وترنداد، وذلك من خلال نشاطاته المتواصلة في مجال الدعوة إلى الله تعالى في تلك القارة، وما كان له من علاقة وطيدة بعدة دول بها على المستويين الشعبي والقيادي، كما عمل على إدخال مدن غير إسلامية ولكن لها تاريخ إسلامي عريق في منظمة المدن والعواصم الإسلامية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.(1/122)
أما على مستوى الأقليات الإسلامية؛ فقد عمل الدكتور الكتاني على تجديد الدعوة الإسلامية في العالم غير الإسلامي، حيث ابتدأ اعتناؤه بها منذ دخوله الجامعة بلوزان ثم الولايات المتحدة، وبها أسس عدة مراكز إسلامية، ثم عند مقامه بالمملكة العربية السعودية قام بإعطاء النصائح لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة لكي تقوم بمسح عام للأقليات الإسلامية بالعالم يتبعه مساندة علمية مدروسة لهذه الأقليات، وكان أول ما صنفه كتاب: المسلمون في المعسكر الشيوعي.
ثم قام عام 1393 – 1973 بجرد عام للمسلمين في أوروبا وأمريكا باسم رابطة العالم الإسلامي، وفلسف لعلم الأقليات الإسلامية في عدة من كتبه؛ أهمها: المسلمون في أوروبا وأمريكا في مجلدين، والأقليات الإسلامية في العالم اليوم. باللغة الإنجليزيةMuslim Minorities in The World Today وآخر مختصر باللغة العربية، وكلا الكتابين يعتبر أهم مرجع في بابهما لا يستغني عنهما باحث في الأقليات الإسلامية، بل الكتاب الثاني يدرس في عدة جامعات ومعاهد إسلامية عالمية؛كالجامعة الإسلامية بباكستان، والمراكز الإسلامية في أمريكا وأستراليا.كما أنجز بالتعاون مع الأستاذ أحمد مختار امبو: موسوعة الأقليات الإسلامية في العالم في عدة مجلدات. باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، علاوة على عشرات الأبحاث والمؤلفات التي ألفها في هذا المجال.(1/123)
إضافة إلى عشرات بل مئات الجمعيات والمراكز الإسلامية التي أسسها في مختلف دول القارات الخمس، وكان له الفضل في إدخال الإسلام إلى عدة مناطق في العالم فقد منها أو لم يوجد قط، خاصة في نيوزلندا وكاليدونيا الجديدة، الذين يعتبر أول من أوجد الإسلام بهما، كذا عشرات المؤتمرات التي أسسها أو شارك فيها بخصوص الأقليات الإسلامية في العالم، والدروس التي ألقاها في مختلف الجامعات والمراكز الإسلامية العالمية التي كانت تستدعيه لإلقاء دروس تنظيمية وتفقيهية في مجال الدعوة الإسلامية في العالم غير الإسلامي، حتى تخرج على يديه مئات الدعاة من مختلف دول العالم، كما نظم جميع الجمعيات الإسلامية في أستراليا تحت اسم: إتحاد الجمعيات الإسلامية في أستراليا. والذي يضم الآن أكثر من 800 ألف مسلم. ليكون عدد من أسلم على يديه أو تنظم من مسلمي العالم أكثر من مليوني مسلم.
وإذا ذكر الإسلام في الأندلس(إسبانيا) – فلا يمكن أن يغفل عنه الدكتور علي الكتاني، الذي كان أحد أول من أدخل الإسلام إلى تلك الربوع المسلوبة، وقد ابتدأ نشاطه الإسلامي بها منذ عام 1393 – 1973، وتكثف منذ عام 1400 – 1980، حيث عمل على استرجاع مسجد القاضي أبي عثمان الشهير بقرطبة، ثم أسس عدة مراكز إسلامية بقرطبة ومالقة وغيرهما، ثم أسس الجماعة الإسلامية بالأندلس، وقام عن طريقها بإنشاء عدة فروع للجماعة بمختلف المدن الكبرى لمنطقة الأندلس بإسبانيا، ودخل الإسبان على يديه للإسلام أفواجا.
وأقام عدة مؤتمرات إسلامية؛ منها: أعوام 1404، 1405، 1406، وعمل على ربط أندلسيي المهجر المسلمين بأندلسيي الداخل، وإرسال عدة بعثات من مسلمي الأندلس إلى مختلف الجامعات الإسلامية لتعلم اللغة العربية والفقه الإسلامي.(1/124)
كما فلسف للقومية الأندلسية الإسلامية الحديثة في عدة مؤلفات ومحاضرات ومقالات، خاصة كتابيه: إنبعاث الإسلام في الأندلس. في 560 صفحة، طبعة الجامعة الإسلامية بباكستان، والصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم: جذورها ومسارها. طبع ضمن منشورات كتاب الأمة بقطر.
ثم - وطبقا لنظريته في توطين الإسلام في الأراضي المتواجد بها – أسس أول جامعة إسلامية بأوروبا الغربية منذ سقوط غرناطة؛ وهي: جامعة ابن رشد الإسلامية بقرطبة. وعين رئيسا لها، لتفتح الباب لعدة جامعات إسلامية شارك في تأسيسها في أوروبا الغربية، سواء بفرنسا أو هولندا أو بلجيكا، حتى تأسست كنفدرالية اتحاد الجامعات الإسلامية بأوروبا، ليكون مجددا ورائدا في هذا المجال.
وعمل من خلال هذه الجامعة التي بذل فيها ماله وعمره وجهده إلى أن توفي بها شهيدا – رحمه الله تعالى – على نشر الوعي الإسلامي بين الإسبان، وإحياء لغة الألخاميادو ( الأعجمية ) – وهي: اللغة اللاتينية المحلية المكتوبة بالحروف العربية، حيث أول حروف كتبت بها اللهجات اللاتينية غير الفصحى كانت الحروف العربية – ومعلوم ما في إحياء مثل هذه الثقافة من معنى، خاصة في دول ترمي إلى العودة إلى ثقافتها الأصيلة، والتميز عن الدول المجاورة لها.
كان الدكتور الكتاني واسع الثقافة، لا تتحدث في فن إلا ويدلو بدلوه فيه، يتقن اللغات: العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، تأليفا ومحاضرة وخطابة ومطالعة، وله معرفة وإلمام بخمس لغات أخر؛ هي: الأمازيغية، والألمانية، والبرتغالية، والإيطالية، والسويدية. لا يكاد يترك المطالعة والكتابة، قوي الهمة شديد الغيرة على الإسلام وقضاياه. وكان فاعلا منجزا، له قدرة هائلة على الابتكار وصنع النظريات، مع الهمة العالية في تطبيق وشرح وتوضيح أفكاره ونظرياته.(1/125)
أقام عدة مؤتمرات وشارك في عشرات الندوات بخصوص أوضاع المسلمين في مختلف دول العالم، وكان له دور رائد في التوعية الدينية ببلاده المغرب، وكذلك المشاركة في الجمعيات الخيرية، بل أسس: مؤسسة الإغاثة الإسلامية في المغرب، بالتعاون مع هيأة الإغاثة الإسلامية في جدة – المملكة العربية السعودية، والتي عملت على كفالة عشرات الأيتام والأرامل بالمغرب، كما كان عضوا في مؤسسة آل البيت ومنتدى الفكر العربي بعمان – الأردن، بل كان عضوا في الأمانة العامة لهذا الأخير. وأسس عدة جمعيات تعاونية وثقافية؛ منها: جمعية الشرفاء الكتانيين للثقافة والتعاون. وبالرغم من كل هذه المجهودات وهذا النفوذ؛ كان غاية في التواضع وهضم النفس.
ترك ما يزيد عن مائتي مؤلف وتحقيق؛ منها سوى ما ذكرنا: الشجرة الكتانية ( في النسب الكتاني ) في مجلد ضخم. خ، موسوعة التراجم الكتانية. خ، الشرفاء الكتانيون في الماضي والحاضر. ط، مجموعة كبرى من الأبحاث في خصوص علم الطاقة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، موسوعة المقالات المكتوبة حول الإسلام بالأندلس منذ عام: 1980 – 2000. خ، العلامة المجاهد محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني – حياة علم وجهاد. ط، جمع وتحقيق وتذييل كتاب جده الإمام محمد الزمزمي الكتاني: عقد الزمرد والزبرجد في سيرة الابن والوالد والجد (حياتي) 3 مجلدات، والذي هوتاريخ للشرق الأوسط في القرن الرابع عشر الهجري. خ، تحقيق رحلة ابن بطوطة في مجلدين. ط، تحقيق كتاب نظم الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال ( الكتانيين) للعلامة الطالب ابن الحاج. ط، جمع وتحقيق ديوان العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني. خ، موسوعة الشعر الأندلسي المضمن للكلمات العامية. جزأين. خ، المنتقى من الشعر الكتاني جزأين. خ، مجموعة كبرى من الأبحاث بخصوص الأقليات الإسلامية في العالم. مجموعة من الأبحاث الفكرية والدعوية... وغير ذلك كثير.(1/126)
كما تلقى عدة جائزات تقديرية علمية وفكرية من مختلف الجامعات والمعاهد والمنظمات الإسلامية والعالمية، واختير ضمن تراجم كتاب العباقرة في القرن العشرين الميلادي: The International Who’s Who of Intellectuals، أحد بضع وثلاثين عالما فقط، واختاره مركز التراجم الأمريكي الذي يعنى بتراجم نبغاء الألفية الميلادية الثانية: American Biographical Institute.
توفي رحمه الله تعالى بقرطبة – إسبانبا، فجأة وفي ظروف غامضة وهو مستعد للرجوع لبلاده المغرب، سحر ليلة الثلاثاء 15 محرم الحرام عام 1422 الموافق 10 أبريل عام 2001، ونقل جثمانه من الغد للرباط – المغرب، حيث شيع جثمانه في جنازة مهيبة ظهر يوم الخميس الموالي، ليدفن في مقبرة الشهداء.
ملكة بنت عبد الرحمن الكتانية(1)
ومنهم: ملكة بنت عبد الرحمن بن محمد الباقر بن محمد بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الواحد بن عمرو بن إدريس بن محمد بن علي الجامع: متخصصة في الاقتصاد والبنوك الإسلامية.
ولدت بمدينة سلا عام 1952/ 1372، ودرست بها الابتدائي والثانوي، ثم تحصلت على الإجازة من كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط بامتياز. ثم نالت شهادة الدراسات العليا (الماجستير) من نفس الجامعة باللغة الفرنسية في موضوع: "بنك أصلي: البنك الإسلامي": Une Banque Original La Banque Islamique تحدثت فيه عن نظام البنوك الإسلامية الحديثة، بدراسة نقدية مسهبة، ثم اقترحت أخيرا مشروعا لبنك إسلامي عصري، موافق لأحكام الشريعة الإسلامية، ومنزه عن التجاوزات التي تعرفها البنوك الإسلامية المعاصرة. وقد طبعت تلك الأطروحة بمطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء عام 2002.
__________
(1) المراجع: ظهر كتابها ""بنك أصلي: البنك الإسلامي": Une Banque Original La Banque Islamique".(1/127)
إضافة إلى إلمام الأستاذة ملكة الكتاني بالعلوم الشرعية والفقهية التي تحصلتها من والدها العلامة عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني، كما تحصلت على الإجازة في الرواية من عدة أعلام؛ منهم: جدها الشيخ محمد الباقر بن محمد الكتاني، وعم جدها الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. كما تقلدت – رحمها الله تعالى – مناصب سامية في مكتب الصرف بالرباط.
عرفت الأستاذة ملكة بالنبوغ والجدية، إضافة إلى استقامتها وشدة تمسكها بمبادئها وأفكارها، والوقوف إلى جانب المحتاجين والمتعلقين بها، والغيرة الشديدة على الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب. كما عرفت بنشاطها الدؤوب في ظل الطريقة الكتانية، واعتنائها بإقامة ليالي المولد الشريف والمناسبات التابعة لنشاطات الطريقة بحيث كانت تخدم مريدي الزاوية والواردين عليها بنفسها ومالها.
توفيت – رحمها الله – بسلا، في 14 محرم الحرام عام 1423/ 2002، ودفنت بروضة سيدي مول القمري قرب الجامع الأعظم بها.
وإلى هنا انقضى – بحمد الله تعالى – ما رمنا جمعه من تراجم السادة الكتانيين رضي الله عنهم، والذين بذلوا النفس والنفيس من أجل إعزاز أمة الإسلام، والمساهمة الفعالة في بناء الصرح الفكري والفقهي للأمة، عن طريق العمل والتأليف، والمشاركة القوية في مجريات الأمور والحياة العامة، فرحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
وإني في هذه العجالة – مع تقصيري في ذكر آخرين كان لهم القدح المعلى فيما ذكر – لأعترف بالعجز والتقصير، العائدين إلى قلة المصادر التي بين يدي – نسبيا – وشح المعلومات التي تتحدث عن جهاد رجالات هذه الأسرة المباركة، خصوصا مع ما انطوى عليه أفرادها من هضم النفس، وقلة أو عدم تدوينهم حياتهم وجهادهم طمعا فيما عند الله تعالى، ورجاء في عدم ضياع الثواب.(1/128)
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكان الفراغ منه في رباط الفتح من المغرب الأقصى، أوائل عام 1425 للهجرة، رزقنا الله خيرها ووقانا ضيرها بمنه وكرمه، على يد أفقر العبيد وأحوجهم إلى رحمة مولاه: محمد حمزة بن محمد علي بن محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني الإدريسي الحسني.
مراجع الكتاب
"إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس" . تأليف عبد الرحمن بن زيدان العلوي . طبع غير تام بالمطبعة الوطنية في الرباط في خمسة أجزاء .
"إتحاف المطالع بوفيات القرن الثالث عشر والرابع". تأليف عبد السلام ابن سودة. تحقيق د. محمد حجي. منشورات دار الغرب الإسلامي.
"أحكام أهل الذمة" تأليف جعفر بن إدريس الكتاني. تحقيق وتقديم الدكتور محمد حمزة بن محمد علي الكتاني. طبعة دار البيارق – الأردن.
"إسعاف الطلبة الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين". تأليف محمد بن الفاطمي ابن الحاج السلمي. طبعة دار النجاح الجديدة.
"أعلام المغرب" تأليف عبد الوهاب ابن منصور. المطبعة الملكية.
"أعلام دمشق في القرن الرابع عشر" تأليف د. عبد اللطيف فرفور.
"أعلام دمشق في القرن الرابع عشر" تأليف منير أباظة ورياض المالح. طبعة دار الفكر الإسلامي.
"أعلام من المغرب العربي". تأليف محمد الصالح الصديق. إصدارات موفم للنشر والتوزيع – الجزائر.
"أوراق خاصة بخزانة العلامة عبد الرحمن الكتاني.
"الإشراف على من بفاس من مشاهير الأشراف" تأليف محمد الطالب بن حمدون ابن الحاج. تحقيق د.جعفر بن الحاج السلمي. منشورات جمعية تطوان أسمير.
"الأعلام" . تأليف خير الدين الزركلي .طبعة دار العلم للملايين.(1/129)
"الأنفاس النورانية في الرحلة الحجازية" تأليف محمد الطيب بن محمد المهدي الكتاني. اعتناء وتذييل عبد الله الكامل بن محمد الطيب الكتاني. الذيل بقلم المحقق.
"التاج المرصع بالجوهر الفريد في ترجمة الشيخ الإمام محمد الكتاني الشهيد". تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني. 3أجزاء مخطوط.
"التعريف بالطريقة الكتانية" تأليف د. محمد حمزة بن علي الكتاني. مخطوط.
"التكملة الصافية في تراجم العائلة الكتانية". تأليف د. حمزة بن الطيب الكتاني. مطبوع على الآلة الراقنة.
"الدر السني فيمن بفاس من ذوي النسب الحسني" تأليف عبد السلام بن الطيب القادري. طبعة حجرية.
"الدرر البهية في الأنساب الحسنية والحسينية" تأليف إدريس بن أحمد العلوي الفضيلي. طبعة وزارة الأوقاف المغربية.
"الدليل المشير إلى فلك الاتصال بالحبيب البشير" تأليف أبي بكر بن أحمد الحبشي باعلوي. توزيع الكتبة المكية. مكة المكرمة.
"الدواهي المدهية للفرق المحمية". تأليف جعفر بن إدريس الكتاني. تقديم وتحقيق د. محمد حمزة بن علي الكتاني. محمد الحسن بن علي الكتاني. طبعة دار البيارق/ عمان الأردن.
"الرياض الريانية في الشعبة الكتانية". تأليف الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني. تحقيق: د.علي بن المنتصر الكتاني. والأستاذ الحسن بن علي الكتاني. مطبوع على الحاسوب.
"السبحة النورانية في ذكر ألف من المؤلفات الكتانية وتراجم أصحابها ذوي المزايا السامية" تأليف د. محمد حمزة بن علي الكتاني. مخطوط.
"الشجرة الكتانية" إعداد د. حمزة بن الطيب الكتاني.
"الشرب المحتضر والسر المنتظر من معين أهل القرن الثالث عشر" تأليف جعفر بن إدريس الكتاني. تحقيق د. محمد حمزة بن علي الكتاني. الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس (5). طبعة دار الكتب العلمية.
"الشرفاء الكتانيون في الماضي والحاضر". تأليف د. علي بن المنتصر الكتاني. منشورات جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة. العدد (1).(1/130)
"الشهد المنصهر بترجمة الإمام محمد المنتصر (الكتاني)". تأليف الدكتور محمد حمزة بن علي الكتاني. طبع في مقدمة كتاب "فاس عاصمة الأدارسة" – الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس (3)، تأليف محمد المنتصر بالله الكتاني.
"العلامة المجاهد محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني: حياة علم وجهاد". تأليف وجمع د.علي بن المنتصر الكتاني. مطبعة النجاح الجديدة عام 1992.
"العلماء الذين لم يتجاوزوا سن الأشد"، تأليف علي بن محمد العمراني. سلسلة نوابغ العلماء(1). دار العاصمة للنشر والتوزيع.
"المصادر العربية لتاريخ المغرب" . تأليف محمد (الكتاني) بن عبد الهادي المنوني .منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط . في ثلاثة أجزاء.
"المظاهر السامية في النسبة الشريفة الكتانية". تأليف الحافظ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. تحقيق د.علي بن المنتصر الكتاني. مطبوع على الحاسوب.
"المواهب الفتحية في ذكر الأخوة الأربعة أبناء السيدة فاطمة الحلبية" تأليف محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني (مخطوط).
"النبذة اليسيرة النافعة" في تاريخ البيت الكتاني. تأليف الإمام محمد بن جعفر الكتاني. تحقيق محمد الفاتح الكتاني. ومحمد عصام عرار الحسني. طبع بدمشق.
"تاريخ العبر، وديوان المبتدأ والخبر" تأليف عبد الرحمن ابن خلدون.
"تحفة الأكياس ومفاكهة الجلاس فيما غفل عنه صاحب زهر الآس في بيوتات فاس". تأليف محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني. تحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني. طباعة دار النجاح الجديدة. الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس (2).
"تراجم البيت الكتاني". تأليف: د. علي بن المنتصر الكتاني.مخطوط.
"ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد" تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني. مطبعة الأمنية.
"ترجمة الشيخ محمد المهدي الكتاني".خ. تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني.
"ترجمة العلامة الصديق الشدادي" تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني.(1/131)
"ترجمة العلامة عبد الرحمن الكتاني". "مجلة سلا الغد" العدد (32) بغير توقيع.
"ترقية المريدين بما تضمنته سيرة السيدة الوالدة من أحوال العارفين". تأليف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. مرقون بتحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني.
"تشنيف الأسماع بشيوخ الرواية والسماع" تأليف محمود سعيد ممدوح.
"ديوان شاعر فاس العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني" جمع وتحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني. مرقون.
"رسائل العلامة عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني". مخطوطة بخزانة ورثته.
"روض الأنفاس العلية في بعض الزوايا الفاسية". تأليف عبد الكبير بن هاشم الكتاني. مخطوط.
"زهر الآس في بيوتات فاس". تأليف عبد الكبير بن هاشم الكتاني. تحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني. طباعة دار النجاح الجديدة. الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس (1).
"سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال" تأليف عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة. تحقيق د.محمد حجي.طبعة دار الغرب.
"سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس". تأليف محمد بن جعفر الكتاني. تحقيق: محمد حمزة بن علي الكتاني، وعبد الله الكامل الكتاني. وحمزة بن الطيب الكتاني. طبعة دار الثقافة.
"شجرة النور الزكية في طبقات المالكية". تأليف محمد مخلوف. تحقيق عبد المجيد الخيالي. طبعة دار الكتب العلمية – لبنان.
"طبقات الكتانيين طريقة" تأليف محمد الباقر بن محمد الكتاني. مخطوط.
"عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية". تأليف مصطفى محمد حميداتو. منشورات الأمة – قطر.
"عقد الزمرد والزبرجد في سيرة الابن والوالد والجد" في تاريخ البيت الكتاني. تأليف الشيخ محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني. تحقيق د.علي بن المنتصر الكتاني. مطبوع على الحاسوب.
"فاس عاصمة الأدارسة ورسائل أخرى" تأليف محمد المنتصر الكتاني. تحقيق د. محمد حمزة بن علي الكتاني. الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس (3).(1/132)
"فتح السد عن بعض أسانيد الإمام الجد" تأليف د. محمد حمزة بن علي الكتاني. مرقون.
"فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات" تأليف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. تحقيق د. إحسان عباس. طبعة دار الغرب.
"فهرست الشيوخ والأسانيدللإمام السيد علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي الحسني". جمع وترتيب محمد بن علوي المالكي. من غير ذكر المطبعة.
"في أية ظروف مات الرجل الذي أعاد الأذان إلى مسجد قرطبة ؟". جريدة الأسبوع الصحفي المغربية. العدد 153/591 الجمعة 18 محرم 1422 / موافق 13 أبريل 2001 السنة الثالثة والثلاثون. ص9 .
"كنوز الأسرار في آل النبي المختار" تأليف محمد بن أحمد المقري التلمساني.
"لحظة الحسان. بترجمة الإمام محمد الباقر الكتاني". تأليف محمد حمزة بن علي الكتاني. مخطوط.
"مختصر العروة الوثقى". تأليف محمد بن الحسن الحجوي. تحقيق د.محمد بت عزوز. طبعة دار ابن حزم، ومركز التراث الثقافي المغربي.
"مظاهر يقظة المغرب الحديث" تأليف محمد المنوني. طباعة مطبعة الأمنية – الرباط.
"معجم الشيوخ" تأليف عبد الحفيظ بن طاهر الفاسي. تحقيق عبد المجيد الخيالي. طبعة دار الكتب العلمية.
"معجم المؤلفين". تأليف عمر رضا كحالة. مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي – بيروت.
"معجم فقه السلف: صحابة وعترة وتابعين" تأليف محمد المنتصر الكتاني. منشورات جامعة أم القرى – مكة المكرمة.
"مقال للحاج أحمد معنينو بمجلة "الإرشاد" العدد (6). بتاريخ 13 – 10 – 1981 في ترجمة العلامة عبد الرحمن الكتاني.
"من أعلام الفكر بالعدوتين الرباط وسلا" تأليف: عبد الله الجراري. مطبعة الأمنية - الرباط.
"من لك يا قرطبة بعد رحيل الدكتور الداعية مولاي علي المنتصر الكتاني رحمه الله ؟". د. محمد سعيد صمدي. جريدة المحجة المغربية. العدد 153. 2 – 4 – 1422 / 24 – 5 – 2001. ص 15.
"من هو في سوريا" لمكتب الدراسات السورية.(1/133)
"مولاي علي بن المنتصر الكتاني: رجل في أمة وأمة في رجل". منشورات إفريقيا. إشراف محمد خليدي.
"نصب المآثر لترجمة جدي الإمام محمد الباقر" تأليف د. محمد حمزة بن علي الكتاني.مخطوط.
"نصيحة أهل الإسلام" تأليف محمد بن جعفر الكتاني. تحقيق د.محمد حمزة بن علي الكتاني.طبعة دار البيارق - الأردن.
"نظم الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال" تأليف القاضي محمد الطالب بن حمدون ابن الحاج السلمي. تحقيق د. علي بن المنتصر الكتاني. منشورات جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة. العدد(2).
"هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري". تأليف عبد العزيز بن فيصل الراجحي. منشورات مكتبة الرشد – الرياض.
"وداعا مولاي علي الكتاني". محمد خليدي. جريدة العصر المغربية. العدد 153. الجمعة 13 الخميس 19 أبريل 2001 ص 8.
"ورقات عن حضارة المرينيين". تأليف محمد بن عبد الهادي المنوني. طباعة منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. سلسلة بحوث ودراسات رقم 20..
"وفيات الصقلي" تأليف محمد الفاطمي بن الحسين الصقلي. تحقيق د. أحمد العراقي. مطبعة آنفو برنت- فاس.
الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا . تأليف أحمد بن خالد الناصري . بإشراف ولدي المؤلف جعفر ومحمد . طبعة دار الكتاب بالدار البيضاء.
الاغتباط بتراجم أعلام الرباط . تأليف محمد بن مصطفى أبي جندار الرباطي . نسخة بخط المؤلف مصورة وموزعة في الأسواق .
تاريخ تطوان . تأليف محمد داود .طبعة المطبعة المهدية – تطوان .
تحفة الأكياس . ومفاكهة الجلاس . فيما غفل عنه صاحب كتاب زهر الآس في بيوتات أهل فاس . تأليف محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني . تحقيق د.علي بن المنتصر الكتاني . طبعة دار النجاح الجديدة . العدد الثاني من الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس .
جريدة "السعادة".(1/134)
الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي.تأليف محمد بن أحمد الكنسوسي. تقديم وتعليق وتحقيق أحمد بن يوسف الكنسوسي. غير مذكور اسم الناشر.
دليل مؤرخ المغرب الأقصى . تأليف عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة .طبعة دار الكتاب – الدار البيضاء . في جزأين .
الروضة المقصودة . والحلل الممدودة . من مآثر بني سودة . تأليف أبي الربيع سليمان بن محمد الحوات الشريف العلمي . تحقيق ذ.عبد العزيز تيلاني .مطبوعات مؤسسة أحمد ابن سودة الثقافية . في مجلدين.
شجرة نسب آل الكتاني بطولكرم.
عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد . تأليف السلطان أبي الربيع سليمان بن محمد العلوي .تقديم واعتناء محمد العابد بن عبد الله الفاسي . طبعة المطبعة الجديدة بطالعة فاس.
الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي . تأليف محمد بن الحسن الحجوي .طبعة المكتبة العلمية – المدينة المنورة.
مؤرخو الشرفاء . تأليف ليفي بروفنصال .تعريب عبد القادر الخلادي . طباعة دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر – الرباط .
المصادر العربية لتاريخ المغرب . تأليف محمد (الكتاني) بن عبد الهادي المنوني .منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط . في ثلاثة أجزاء.
معجم المطبوعات المطبوعات العربية والمعربة. تأليف يوسف إلياس سركيس. طبع بمصر.
ورقة بقلم الدكتور عبد العظيم ميكو في ترجمة القاضي أحمد بن إبراهيم الكتاني.
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
مقدمة الموسوعة
الكتاب الأول: "الشرب المحتضر"
مقدمة التحقيق
الناحية السياسية
من الناحية العلمية
من الناحية الصوفية
كتاب "الشرب المحتضر"
منهج المؤلف
مراجع "الشرب المحتضر"
مزايا الكتاب
النسخ المعتمدة في التحقيق
عملي في التحقيق
ترجمة المؤلف
اسمه ونسبه
ولادته ونشأته
تصدره للتدريس ونشاطه العلمي
حاله
تلامذته
مؤلفاته
وفاته
المقدمة
1 – سيدي يحيى بن محمد بن الطيب القادري
2 – العربي بن علي القسنطيني(1/135)
3 – سليمان بن أحمد الفشتالي
4 – محمد التاودي بن الطالب ابن سودة
5 – عبد القادر بن أبي جيدة الفاسي
6 – محمد الهادي بن زيان العراقي
7 – محمد بن عبد المجيد الفاسي
8 – علي بن أويس الحصيني
9 – عبد الواحد بن أحمد الفاسي
10 – أبو القاسم بن حَمُّ الوزير
11 – عبد الوهاب التازي
12 – عبد القادر (قدور) الشرايبي
13 – محمد بن أحمد بنيس
14 –محمد (الحَمْدُوشي) بن مَحمد الكتاني
15 – عبد القادر بن أحمد ابن شقرون
16 – محمد بن طاهر الهواري
17 – الطيب بن عبد المجيد ابن كيران
18 – إدريس بن زين العابدين العراقي
19 – العربي بن أحمد ابن سودة
20 – يحيى بن المهدي الشفشاوني
21 – محمد بن عمرو الزروالي
22 – أحمد بن المختار التجاني
23 – عبد القادر الزموري
24 – سليمان بن محمد الحوات
25 – حمدون بن عبد الرحمن ابن الحاج
26 – محمد بن أحمد الصقلي
27 – محمد بن محمد ابن منصور
28 – الولي الصالح سيدي محمد اللهبي
29 – عبد الرحمن بن إدريس العراقي
30 – عبد الله بن إدريس العراقي
31 – أحمد شَقُّوربن محمد العلمي
32 – أحمد بن التاودي ابن سودة
33 – محمد بن محمد الصادق ابن ريسون
35 – العباس بن أحمد بن التاودي ابن سودة
34 – محمد بن محمد ابن إبراهيم الدكالي
36 – عبد السلام بن أبي زيد الأزَمِي
37 – الفضيل بن محمد العمراني
39 – سيدي الخضر بن الفضيل العمراني
40 – عبد الحفيظ بن عَدُّ العمراني
41 – الوليد بن هاشم الكتاني
42 – حماد بن عبد الحفيظ الكتاني
43 – الطيب بن محمد الكتاني
44 – علال بن محمد السلاسي الهزَّاز
45 – عبد الواحد بن أحمد ابن سودة
46 – إدريس بن عبد الله البكَرْاوي
47 – محمد بن أحمد السنوسي
48 – المهدي بن عبد المجيد العراقي
49 – علي بن عبد السلام التسُولي
50 – محمد الأمين بن محمد العلوي الزيزي
51 – عمر بن محمد الدباغ
52 – احساين الأقرع بن محمد الفَلُّوسي
53 – محمد ابن سعد التلمساني
54 – العياشي الخميري(1/136)
55 – العربي حُجَيْرة السلاوي
56 – عاشور الوَدْغِيري
57 – عبد الله (الوليد) بن العربي العراقي
58 – محمد بدر الدين بن الشاذلي الحَمُّومي
59 – قَدُّور بن محمد السلاسي الهزاز
60 – أبوبكر بن الطيب ابن كيران
61 – أحمد بن محمد الصقلي (الأصغر)
62 – العربي بن حَمُّ الطاهِري
63 – المكي اجباري
64 – أحمد الفران
65 – الصالح بن محمد بناني
66 – مَحمد ابن بوعزة
67 – أحمد أغيلان (الغِوَان)
68 – الحاج الداوُدي التلمساني
69 – العربي ابن إبراهيم
70 – عبد الواحد بن علال الدباغ
71 – محمد بن الطيب الصقلي
72 – عبد الهادي بن عبد الله العلوي
73 – محمد بن عبد اللطيف جسوس
74 – محمد بن عمرو البرادعي
75 – الطالب بن حمدون ابن الحاج
76 – محمد بن حمدون ابن الحاج
77 – العربي بن محمد المومناني التكناوتي
78 – محمد بن عبد الرحمن الحجرتي
79 – عبد الحفيظ الأمراني (النفناف)
80 - أحمد البدوي بن أحمد ازْوِيتن
81 – أحمد المَرْنيسِي
82 – محمد بن عبد القادر الحياني (بوخبزة)
83 – بوعزة المهّاجي
84 – الطيب بن محمد المنجري
85 – المنتصر بالله بن الطائع الكتاني
86 – عبد السلام بن أحمد الفاسي
87 – الحسن الدرمامي
88 – سيدي أبو بكر بن محمد ازويتن
89 – محمد بن قاسم القندوسي
90 – حَدُّ بن عمر السوسي
91 – محمد بن عمر الدباغ
92 – عمر بن الطالب ابن سودة
93 – محمد الحداد المسْفِيوي (سيدي الحاج)
94 – محمد بن عبد القادر الداودي
95 – محمد فَنْجِيْرُو
96 – إبراهيم بن محمد الصقلي
97 – محمد بن عبد الواحد الكتاني
98 – التقي بن عبد الكبير العلوي
99 – عبد السلام بن الطائع بوغالب
100 – محمد بن عبد الحفيظ الدباغ (بوطربوش)
101 – بابا إدريس الزعري
102 – المعطي القصاب
103 – محمد بن عبد السلام العلمي
104 – المهدي بن الطالب ابن سودة
105 – أحمد (زروق) بن عبد الغني ابن شقرون
106 – محمد بن عبد الرحمن المدغري العلوي
107– محمد ابن الهاشمي(1/137)
108 – عبد الله الوازاني البقالي
الكتاب الثاني: "منطق الأواني"
تمهيد
المقدمة
الكتانيون (الشرفاء)
الكتانيون (العوام)
الكتانيون (الفلسطينيون)
الشجرة الكتانية
الزاوية الكتانية
الطريقة الكتانية
أ – الطريقة الكتانية المحمدية
ب – الطريقة الكتانية الأحمدية
المدرسة الكتانية بقسنطينة
المدرسة الكتانية بالرباط
الكلية الكتانية
المؤسسة الكتانية للتعليم الحر بسلا
جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة
المكتبة الكتانية
درب الكتاني
حي الكتاني
قرية الكتاني
تراجم عيون أعيان البيت الكتاني
عبد الجليل بن يحيى الثاني الإدريسي
عمران بن عبد الجليل الإدريسي
يحيى الثالث الكتاني
عبد الله بن هادي الكتاني
علي بن موسى الكتاني
محمد بن علي الكتاني
عبد العزيز بن محمد الكتاني
علي بن أبي القاسم الكتاني
محمد بن أحمد الكتاني
محمد الفضيل بن العربي الكتاني
عبد الله بن أبي طالب الكتاني
محمد بن عبد الوهاب الكتاني
الطيب بن محمد الكتاني
الطائع بن هاشم الكتاني
إدريس بن الطائع الكتاني
محمد بن عبد الواحد الكتاني
المأمون بن عمر الكتاني
مريم بنت الحسن الكتانية
تاجة بنت الطائع الكتانية
جعفر بن إدريس الكتاني
محمد بن عبد الكبير بن محمد الكتاني
عبد الكبير بن محمد الكتاني
عبد الرحمن بن جعفر الكتاني
فضيلة بنت إدريس الكتانية
أحمد بن جعفر الكتاني
حبيبة بنت محمد الكتانية
محمد بن جعفر الكتاني
محمد الطاهر بن الحسن الكتاني
عبد الكبير بن هاشم الكتاني
خديجة بنت محمد الكتانية
محمد بن عبد الكبير بن هاشم الكتاني
عمر بن الحسن الكتاني
محمد الزمزمي بن محمد الكتاني
عبد الأحد بن عبد الحي الكتاني
عبد الرحيم بن الحسن الكتاني
محمد المهدي بن محمد الكتاني
عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني
محمد الباقر بن محمد الكتاني
محمد الماحي بن عبد الكبير الكتاني
أحمد بن إبراهيم الكتاني
محمد المكي بن محمد الكتاني
محمد الناصر لدين الله بن محمد الزمزمي الكتاني(1/138)
أبو بكر بن عبد الحي الكتاني
عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني
محمد الطائع بن محمد الكتاني
محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني
علي بن الغالي الكتاني
محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني
علي بن المنتصر الكتاني
ملكة بنت عبد الرحمن الكتانية
فهرس المراجع
فهرس الموضوعات(1/139)