مناهج التعليم الشرعية
بين أصالة التربية ودعوات التشكيك
دراسة تحليلية تبين أثر المناهج الشرعية في محاربة الغلو والتطرف
وتناقش دعاوى الطاعنين فيها
تأليف
فالح الفضلي
بسم الله الرحمن الرحيم
( على الشاب أن يعرف ما لوطنه وولاة أمره من الحق ، فهو بلد الإسلام الذي ولد فيه وعلى أرضه نشأ ، وأن عليه لولاة أمره الطاعة في المعروف ، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء لهدم الأمة من داخلها والإفساد في الوطن ) .
مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص71
( على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى لو كان ظاهرها الإصلاح والصلاح ، فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل ) .
مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص72
( شر الناس من يسعى في الأرض بالفساد وارتكاب الجرائم والتخريب على عباد الله ، والقتل والظلم لهم ، ويهلك النبات ويقتل الحيوان بدون وجه حق ، والله لا يرضى عن الفساد مطلقاً في الدين والدنيا بل يعاقب عليه ) .
مادة التفسير للصف الثاني الثانوي ص98
( النصيحة مشروعة لأئمة المسلمين وعامتهم ، وأئمة المسلمين هم ولاة الأمر من الملوك والأمراء والعلماء والوزراء والمدراء ، ممن لهم ولاية عامة أو جزئية ونصيحتهم وإعانتهم على الحق والإخلاص في أداء ما وكلوا به من عمل ، وتشجيعهم على ما فيه الخير لعامة المسلمين .. ) .
مادة الحديث للصف الثالث ثانوي ص100
( وحدة المسلمين وتماسكهم دليل على قوة الإيمان وسبب من أسباب النصر، وأن الخلاف والفرقة بينهم إنما يحصلان بسبب ضعف الإيمان ، فالمسلمون مأمورون بالاستمرار على طاعة الله ورسوله ووحدة الصف ونبذ الخلاف ، وإصلاح ما بينهم من التشاحن والتقاطع والتدابر ، والحرص على وحدة الصف وجمع الكلمة) .
مادة التفسير للصف الثالث الثانوي ص78
المقدمة(1/1)
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل ، فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
( يا أيها الذين الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فنحمد الله عز وجل أننا في بلد إسلامي يطبق شرع الله عز وجل وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج أصحابه والقرون المفضلة، وهو ما قلّ نظيره في هذا العالم أو انعدم بالكلية ، فلا جفاء أو غلو، ولا إفراط أو تفريط ، ولا انتقاء أو ازدواجية، دستور الدولة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
جاء في المادة الأولى لنظام الحكم : ( المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض ) .
وفي المادة الثانية : ( عيد الدولة .. هما عيدا الفطر والأضحى .. وتقويمها هو التقويم الهجري ) .
وجاء في قضية بيعة المواطنين للملك ما يأتي: ( يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله وله السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ) . وهذه هي البيعة الشرعية في القرون المفضلة .(1/2)
كما أن مرجع الحكم في كل القضايا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
ففي المادة السابعة : ( يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة ) .
ولهذا فإن نظام التعليم يسير أيضاً وفق نهج الدولة الإسلامي ، فقد جاء في المادة الثالثة عشرة : ( يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم محبين لوطنهم معتزين بتاريخه ) .
وبهذا نعلم أن المملكة رفعت بالإسلام رأساً، وانشرحت به صدراً، وسعدت به ، واقتحمت فيه عصر التكنولوجيا دون أن تمس نهجها الذي ارتضته فأثبتت للعالم أن ذلك ليس بمستحيل ولا ببعيد المنال ، إذا توفرت النية الخالصة والجدية في التطبيق، فأدهشت العالم بهذا الإنجاز الفريد ، وأصبحت حجة الله في أرضه من هذه الناحية ، حدثني أحد الأخوة من بعض البلاد العربية ، قائلاً : ( كان يحتج علينا بعض المستغربين في بلادنا ؛ بأننا لو طبقنا شرع الله لا يمكن أن نعيش في هذا العصر الذي يتطلب التنازلات الكثيرة والتخلي عن أمورٍ عديدة من الإسلام ، فلا نستطيع - مثلاً - أن نطبق القضاء الإسلامي والحدود والحجاب ومنع الاختلاط في هذا الوقت !! يقول صاحبي : أما الآن فقد أصبحنا نحتج عليهم بالمملكة العربية السعودية بعد أن شاهدنا تطورها الذي يفوق بلادنا مع تطبيقها للشريعة الإسلامية في كل شؤون حياتها ، فأصبحت حجتنا قوية على أولئك).(1/3)
والمملكة عندما تطبق شريعة ربها ، لا تطبقها على مضض أو تردد ولهذا نجد قرارات كثيرة معاصرة تصب في مصلحة المحافظة على الشرع والفضيلة ، وتواكب المستجدات في ذلك، وتغلق أبوابا قد تكون منافذ للفساد. قلت لأحد الأخوة من إحدى الدول القريبة : إن الشاب الصغير - دون سن الحادية والعشرين - لا يمكن أن يسافر إلا بما يثبت رضى والده ، والمرأة عندنا لا يمكن أن تسافر إلا مع ذي محرم ، ويُمنع أي شخص من مراجعة الدوائر الحكومية إذا كان متشبهاً بالكفار أو لا يلبس اللباس الوطني المحترم . فقال : والله لو كان عندنا في البرلمان من يطالب بذلك - مجرد مطالبة - لاعتبرناه من كبار الدعاة إلى الله عز وجل لِلَّهِ فقلت : كيف إذا علمت أن هذه القرارات تصدر من أعلى السلطات في البلد وهي المسؤولة عن تطبيق ومتابعة هذا النظام لِلَّهِ
المملكة بحياتها الاجتماعية المحافظة وبتطورها الرصين الهادئ الذي يخلو من الضوضاء وكثرة الاختلافات والمشاكل والسلبيات ؛ تمثل واحة خضراء في هذا العالم الذي أصبح بحراً هائجاً من التيارات المنحرفة والمشاكل المستعصية والأمراض الفكرية الفتّاكة ، وقد يصيب هذه الواحة الخضراء شيء من تموجات هذه التيارات السيئة ورذاذها، وقد يتأثر به بعض أفرادها ، لكنه يعتبر غريباً في هذا المجتمع وصوتا نشازا لا يمثل شريحة معينة ، وليس لديه قاعدة يتكئُ عليها ، ولهذا لا تستغرب إذا كان مآله الاضمحلال والزوال، سواء كان صوتاً يدعو إلى الفساد والانحلال ومحاربة الفضيلة ، أو صوتاً بدعياً ضالاً تنكّب طريقة السلف وعلماء هذا البلد .
ومن هذه الأصوات والأفكار المنحرفة فكر الخروج، والذي يتفاوت إلى درجات متعددة ؛ فهذا الفكر لم يكن وليد الساعة ولم ينشأ على أرض المملكة ، بل هو موجود منذ القدم، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقد ورد في الحديث عن الخوارج: " كلما قُطع قرن نشأ قرن آخر حتى يخرج في بقيتهم الدجال".(1/4)
وخروجهم لا يعني بالضرورة فساد المجتمع أو البلد الذي خرجوا فيه ويكفي أن تعرف أنهم خرجوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، بل خرج أولهم على النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : " يا محمد اعدل " لِلَّهِ وفي حديث آخر: " هذه قسمة ما أريد بها وجه الله " لِلَّهِ . فهذا لغروره وتيهه واستحواذ الشيطان عليه ؛ سوّلت له نفسه أن ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم ما يعتقده- لجهله - منكرا! فهل يجوز لمسلمٍ أن يقول بعد ذلك : إن سبب خروج هذا الشخص على النبي صلى الله عليه وسلم: " الخطاب الديني " أو " المناهج الدراسية " أو المواعظ ؟!
وهنا في المملكة - ولله الحمد - إذا خرج بعض الأفراد ممن يحملون فكر الخوارج ويقومون بأعمال إجرامية من سفك للدماء وقتل للأبرياء فإن المجتمع يستهجن هذا وينكره، ويضعه في إطاره، ويستدل عليه بالأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يمكن لأحد أن يقول : إن تمسكنا بالتوحيد والسنة سبب خروج هؤلاء !! أو إن خروج أولئك كان بسبب جرعات الموعظة والإيمان والعلم الشرعي !! لا سيما ونحن في الواقع المشاهد نجد هذا النوع يكثر في بلدان تقل فيها الموعظة والإيمان والعلم الشرعي ، بل إنه يزداد بشكل كبير في البيئة العلمانية التي تتنكب الإسلام بالكلية، وهذا مشاهد ومحسوس على مستوى العالم الإسلامي؛ لأنه يجد حجة لخروجه ، فهو ينمو ويعظم حجمه على ساقية الفساد وضعف السنة، فإذا اجتمع هذان وُجدت البيئة الملائمة لانتشار هذا الفكر، وكلما تمسك الأفراد بالسنة، وانتشر العلم الشرعي الصحيح في المجتمع، واتبع الشباب علماءهم الكبار، وابتعدوا عن المشبوهين؛ اضمحل هذا الفكر وتلاشى .(1/5)
ومع وضوح هذا الأمر فإنه - ومع الأسف - قد ظهر بعض الكتّاب في بعض الجرائد ، محاولين إلصاق هذا الفكر السيئ بالمناهج الشرعية التي تُدرس في المملكة منذ عشرات السنين، وكالوا لها الاتهامات الظالمة بعيداً عن الأمانة والموضوعية ، فاستعملوا أساليب الإجمال والتعميم ، وكان من المفترض والمنطق والأمانة أن يذكروا النصوص والفقرات التي تدل على صحة قولهم .
ذلك أنهم بحثوا في المناهج فلم يجدوا ضالتهم وما يدعم قولهم، فهربوا من هذا إلى الإطلاقات الجوفاء، والاتهامات الجائرة ،مع استخدام أساليب الإثارة والتهويل والإغراب، وأكثروا من تلك الأساليب في حملتهم حتى ظن البعض ممن لم يطّلع على المناهج أن فيها شيئا من الغلو والتطرف، ولو على سبيل القلّة والندرة !
وفي هذا الكتاب سيجد القارئ النصوص والفقرات من المناهج الدراسية الشرعية ( وبأرقام الصفحات ) التي تدل على عكس ما قال أولئك تماماً وسأثبت -وبالدليل القاطع إن شاء الله- أن مناهجنا الشرعية في المملكة لا تخلو - فقط - من فكر الغلو والتطرف ، بل هي أيضاً تحارب هذا الفكر صراحة، وتعالجه وتدفعه، بالأدلة الساطعة الواضحة المقنعة ، وأنها بريئة من هذه التهم الجائرة براءة الذئب من دم يوسف .
ولا يُفهم من كلامي أنني أبرئ المعلمين أيضاً أو بعض المعلمين ؛ فأنا لا أنكر أن هناك بعض المعلمين يحملون الفكر المتطرف وبذرة التكفير والحزبيات السيئة ، ولكن لا دخل للمناهج الشرعية في هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد ، فهؤلاء البعض - من المعلمين - وغير المعلمين أخذوا فكرهم هذا من بعض أساتذتهم في الجامعات ، ومن أشرطة ومراسلات ( وإنترنت ) وغير ذلك، وهم يُعالجون من قبل زملائهم الآخرين أصحاب المنهج المعتدل .
الحكمة والوسطية في مناهجنا الشرعية ومحاربة الغلو والتطرف(1/6)
لا شك أن الوسطية سمة بارزة في مناهجنا الشرعية ، لأنها مستمدة من الشرع المطهّر ، وهذه صفته البارزة [ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ... ] .
فالمناهج الشرعية تمثل ذلك وتدعو إليه في كل قضاياها التي طرحتها وسأذكر هنا بعض الفقرات التي ذكرت الوسطية وحثت عليها ، لأنه يصعب إبرازها في جميع المجالات .
فمما جاء في مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص59 : ( 5- العدل والتوازن والتوسط : فالشريعة مبناها على التوازن ، توازن بين طلب الدنيا والآخرة : فكما أن العمل للآخرة هو المطلوب الأسمى ، فالعمل للدنيا من الكسب وطلب الولد وغير ذلك مطلوب شرعاً ، وهو بالنية الصالحة والموافقة للشريعة يكون عملاً أخروياً ، وتوازن بين الحقوق والواجبات ، فكما أن لكل شخص حقوقاً ، فعليه واجبات ، وتوازن بين الرجل والمرأة ، وحق الصغير على الكبير ، وحق الروح وحق الجسد ، وحق النفس وحقوق الآخرين ) .
وجاء في ص60 : ( 8- اليسر والسهولة ورفع الحرج : الشريعة كلها مبنية على التيسير كما قال تعالى [ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ] ، فهي في أصل تشريعاتها وأحكامها لا حرج فيها ، كذلك فيما قد يعرض للعبد من حالات الضعف أو المشقة ، فإن الشريعة تخفف عنه من يسر إلى أيسر منه ، كالمريض يشق عليه القيام فإنه يصلي جالساً ، يقصر الصلاة ويفطر رمضان وغير ذلك قال تعالى [ وما جعل عليكم في الدين من حرج .. ] ) .
وفي مادة التفسير للصف الثاني الثانوي ص60 : ( الوسطية سمة من سمات الشخصية الإسلامية ، فليس في الإسلام غلو ولا تفريط ) .
وفي ص85 : ( 5- والوسط هو العدل والخيار ، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المثال الأكمل لمرتبة الوسط ، وإنما تكون هذه الأمة وسطاً بإتباعها له في سيرته وشريعته .(1/7)
6- من هداية الله تعالى لهذه الأمة وإكراماً لها وعناية بها ، أن جعلها أمة وسطاً بجميع معاني الوسط الطيب ، فهي أمة وسط في المكان والزمان والدين والأخلاق وكل شيء ، واختارها الله أمة وسطاً لتكون أمة القيادة للناس والقوامة عليهم ) .
وأما الحكمة في الدعوة إلى الله فهي صفة عامة وواضحة أيضاً في المناهج الشرعية .
جاء في مادة الحديث للصف الأول الثانوي ص16 : ( 12- من عوامل نجاح الدعوة أن تكون بحكمة ، ومن الحكمة أن يبدأ الداعي بالأهم فالمهم ، ألا ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى معاذاً رضي الله عنه بأن يتدرج مع أهل اليمن بادئاً بالأهم وهو الشهادتين ثم الصلاة ثم الزكاة .
13- استعمال الأساليب المناسبة في الدعوة من القول الحسن ، والتعامل الكريم والخلق المستقيم ، وحسن العرض ، ولين الجانب ، وعدم الغلظة والجفاء ، كل ذلك علامة الداعية الناجح في دعوته ، قال تعالى " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " ) .
وفي ص86 : ( 4- العلاقات الاجتماعية : والروابط بين الناس ينبغي أن تسودها الألفة والمحبة والأخوة والمودة ، وأن تكون خالية من الأحقاد والضغائن والغل والحسد ، هكذا يريدها الإسلام ويسعى إليها ، وعليه فالمسلم قلبه أبيض نقي خالٍ من الأمراض والشوائب التي تعكر صفو هذه العلاقات .
5- درء المفسدة مقدم على جلب المصالح في شريعة الله ، فكل كلام أو جدال أو فعل يؤدي إلى الوقوع في مفسدة يجب تركه والابتعاد عنه ) .(1/8)
وفي مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص65 : ( المسلم رجل علم وتعامل ودعوة: وهذه ميزة أخرى لشخصية المسلم أنه يسير في الحياة على علم وبصيرة ويتعامل مع الآخرين بما يجب أن يعاملوه به ، فينطلق في تعامله من محبة لهم وتمني الخير لهم ، والدعاء لهم بكل ما يصلح حالهم ويسعدهم في دنياهم وأخراهم فالمسلم ليس أنانياً لا يود الخير إلا لنفسه ، وليس حسوداً يتمنى زوال النعمة عن غيره ، وليس حقوداً يتمنى الشر للآخرين ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوته قائمة على ذلك ) .
وفي مادة التفسير للصف الثاني الثانوي ص106 : ( 6- الحوار والعلم بتفاصيله مع العلم القوي واليقين الراسخ ، والتسلح بالحجج والبراهين المؤيدة له ، سلاح فعال في يد المحاور الناجح ، والداعية المسلم خير من يستخدم هذا السلاح قال تعالى " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين") .
7- مشروعية المناظرة والمحاورة في إثبات العقيدة ، يقول الله تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " وقال تعالى آمراً موسى وهارون عليهما السلام في دعوة فرعون " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " ) .(1/9)
وفي منهج التوحيد للصف الأول الثانوي ص83 موضوع كامل في الولاء والبراء وقد فصّل المنهج فيه تفصيلاً بديعاً لا يدع لأي أحد ثغرة في الدخول من هذا الجانب ومما ذكر وبين : الفرق بين المداهنة والمداراة ، حيث إن المداراة قد يضطر لها الشخص لا سيما الحاكم أو المسؤول وولي الأمر ، فيختلط على البعض بأن ذلك من المداهنة أو الموالاة ، فمن أجل سد هذه الثغرة جاء المنهج بما يلي - وهو يحتاج إلى تأمل لأنه في قمة التحقيق والتأصيل : ( المداراة : هي درء المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له كالرفق بالجاهل بالتعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه ، والإنكار عليه ، بلطف القول والفعل لا سيما إذا احتيج إلى تأليفه ، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها : أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال : [ بئس أخو العشيرة ] فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه ، فلما انطلق الرجل قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا ، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة متى عهدتني فحاشاً ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره " . فالنبي دارى هذا الرجل لما دخل عليه مع ما فيه من الشر لأجل المصلحة الدينية فدل على أن المداراة لا تتنافى مع الموالاة إذا كان فيها مصلحة راجحة من كف الشر والتأليف ، أو تقليل الشر وتخفيفه ، وهذا من مناهج الدعوة إلى الله تعالى ، ومن ذلك مداراة النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين خشية شرهم وتأليفاً لهم ولغيرهم ) .(1/10)
وتحدثت مناهجنا الشرعية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودائماً تربطه بالحكمة والأسلوب الحسن، وتأتي بالأدلة على ذلك . ومن الدروس الأساسية في هذا الموضوع ما جاء في منهج الصف الثالث الثانوي في مادة الحديث حيث أخذت قضية الآداب التي يجب أن يلتزم بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر جزءاً كبيراً من الدرس ومما جاء فيه :
( - لا ينكر المنكر بدون علم ، وإلا وقع في محظورات شرعية ، قال تعالى : " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " .
- الحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب اللطيف مع إيضاح الحق ، قال تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " وقال سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام في بيان لفرعون : " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " . وقال سبحانه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " .
- مراعاة المصالح والمفاسد ، فلا يأمر أو ينهى إلا إذا غلبت المصلحة على المفسدة أما إذا غلبت المفسدة فلا يجوز الأمر والنهي لئلا يقع الآمر والناهي في منكر أكبر من المنكر الذي يريد إنكاره .
- ومنع المنكر بأيسر ما يندفع ، فلا يجوز أن يدفع المنكر بوسيلة أكبر من الوسيلة المناسبة لدفعه ) ص146 .
الرد على التكفيريين في مناهجنا الشرعية
جاء في منهج الحديث للصف الأول المتوسط ص83 : ( النهي عن تكفير المسلم : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيُّما أمرئ قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " ) .
وجاء في إرشادات الحديث :
(1- التحذير الشديد من تكفير المسلم بدون سبب يكفره .
2- من كفّر مسلماً بدون سبب فإن التكفير قد يرجع عليه .
3- تحريم الإسلام لجميع الأمور التي تفرق بين المسلمين ومن نسبة المسلم إلى الكفر .(1/11)
4- دل الحديث على تحريم عرض المسلم والاعتداء عليه بأي وصف من الأوصاف التي تخرجه عن دينه .
5- وجوب تطهير اللسان والمحافظة عليه من الألفاظ والكلمات التي توقع في الكفر .
6- على المسلم أن ينصح أخاه المسلم إذا رأى منه أمراً يخل بالدين بدل أن يسارع إلى رميه بالكفر ) .
وجاء في كتاب التوحيد للصف الثالث الثانوي ص 32 موضوع عن التكفير أخذ عدة صفحات أسهب المنهج خلالها في الرد على أهل التكفير وذكر تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع ونقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد عبد الوهاب والشيخ ابن سحمان رحمهم الله ، ومما جاء في الدرس : ( خطورة تكفير المسلم : تكفير المسلم أمر عظيم وخطير لا يجوز الإقدام عليه إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا " ) .
ثم ذكر المنهج أحاديث منها حديث أسامة المشهور ثم قال : ( التكفير حق الله : فلا نكفر إلا من كفره الله ورسوله ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأنه حكم شرعي ، فليس للإنسان أن يعاقبه بمثله كمن كذب عليك أو زنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله ، لأن الزنا والكذب حرام لحق الله تعالى ، وكذلك التكفير حق لله فلا نكفر إلا من كفره الله ورسوله ) .(1/12)
ثم ذكر المنهج شروط التكفير ثم موانع التكفير كالجهل ، ففصل المنهج فيه وبيّن أنه من أكبر موانع التكفير ، فجاء فيه : ( كمن نشأ في بادية بعيدة عن أهل العلم فأنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كالصلاة أو تحريم شرب الخمر ، ومثل من نشأ في بلاد يكثر فيها الشرك ولا يوجد من ينكر عليه فلا يكفرون حتى تقام عليه الحجة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : بعد أن ذكر بعض أنواع الشرك : " ... وإن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه " ، وقال الشيخ محمد عبد الوهاب " ... وإذ كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم " .
ب- الخطأ : ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشك".
ج- التأويل : وهو صرف اللفظ عن ظاهره ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن سبب عدم تكفير الإمام أحمد وغيره لمن قال بخلق القرآن بعينه " إن التكفير له شروط وموانع وقد تنتفي في حق المعين وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه " . وقال في موضع آخر عن نفس المسألة : " فالإمام أحمد رضي الله عنه ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ولا جاحدون لما جاء به ، ولكن تأولوا فأخطئوا وقلدوا من قال ذلك لهم " ) ص35 .(1/13)
ثم ذكر المنهج أيضاً من موانع التكفير الإكراه ، وختم البحث بموضوع كيفية إقامة الحجة ليقطع الطريق على التكفيريين الذين يسارعون بالقول بأن الحجة قد قامت على هذا الشخص أو ذاك بمجرد نقاش أو مناظرة بينهم وبينه ، فجاء في الدرس : ( لا يحكم على معين بالكفر إلا بعد قيام الحجة عليه وإصراره على الكفر الذي وقع منه ، وإقامة الحجة يختلف من بلد إلى آخر ومن زمان إلى آخر ومن شخص إلى آخر ومن كونه كلاماً نظرياً إلى تطبيق على شخص معين ويتلخص ذلك ببلوغ الحجة المعين وثبوتها ، وتمكنه من معرفتها وكل ذلك لا يتم إلا بوجود من يحسن إقامة الحجة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية " ... وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها : قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان " وقال الشيخ سليمان بن سحمان : " الذي يظهر لي والله أعلم أنه لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها وأما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ولا ما ذكره العلماء في ذلك ، فإنه لا تقوم به الحجة " ) ص36 .
الاجتماع وطاعة ولي الأمر في مناهجنا الشرعية
وهذا الأمر تناولته المناهج الشرعية بشكل واضح ، وهي كعادتها تذكر القضية ثم تستدل لها من الأدلة الشرعية ثم الأدلة العقلية والواقع ، لكي تقنع وتزيل الشبهة ، فلا يكون كلاماً عاماً أو أوامر بحته وجافة ، وإنما دروس علمية تأصيلية ذات رصانة وشمولية ودقة ، ومما جاء في هذا الموضوع : ( لقد جُبل الناس على حب الاجتماع ، فالإنسان اجتماعي بطبعه ، والناس منذ القدم لا يعيشون إلا في جماعات ، وكل جماعة إن لم يكن لها قائد ينظم أمرها ويطاع فيها ويسمع أمره ونهيه فإن اجتماعها يعود إلى فرقة ، وإلفُها إلى تناصر وأنسها إلى وحشة ، قال الشاعر :(1/14)
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
فجاء الشرع والناس على ذلك ، فقرر هذا الواقع ورتب أمره وحوله من عادة إلى دين ، فقال تعالى آمراً بطاعة ولاة الأمر " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ) .
ثم تحدث المنهج عن اتساع دائرة الإمارة فذكر : ( وتتسع دائرة ذلك حتى تشمل كل من له ولاية شرعية صحيحة ، فإن له حق الطاعة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : [ من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ] ومن ذلك كل من له ولاية صحيحة كالوزير في وزارته ، والمدير في إدارته وغير ذلك ، لا يمكن أن يسير العمل المنوط بهم إلا بإعطائهم حق الطاعة ممن تحت أيديهم ) . مادة الحديث للصف الأول الثانوي ص57 .
ثم ختم الدرس بفقرة جميلة أيضاً ومفيدة : ( من الآثار الحميدة المترتبة على طاعة ولاة الأمر :
1- في ذلك امتثال لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويترتب على ذلك الأجر والثواب .
2- في ذلك تلاحم للأمة وتماسك واستمرار لوحدتها .
3- انتظام أمور الدولة سواء ما يتعلق بأمور الدين والدنيا .
4- إشاعة الأمن والاستقرار في ربوع البلاد .
5- سبب لقوة الأمة وهيبتها ونصرها على أعدائها في الداخل والخارج ) .
ص61
ولاشك أن هذا الأمر من أعظم ما يرسخ مبادئ الوطنية الحقة في نفوس الناس، حيث إن هذا الطالب يدرس هذا الأمر ويحفظ الأدلة الشرعية عليه ويقتنع بالواقع والعقل أيضاً ، ثم يختبر فيه الاختبار الشهري ، ثم يختبر فيه في نهاية الفصل ، وهكذا ، حتى يصبح ذلك هيئة راسخة له .(1/15)
وجاء في مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص146 : ( .. فجاء الإسلام ونظم الواقع تنظيماً دقيقاً ، وحوله من عادات وأعراف إلى دين يدينون به ، فجعل للإمام حقوقاً على الرعية ، وعلى الرعية حقوقاً على الإمام ، بكل دقة وتفصيل ليس لها مثيل في أنظمة البشر كلها .. ) .
وفي الحديث للصف الثالث ثانوي ص100 : ( النصيحة مشروعة لأئمة المسلمين وعامتهم ، وأئمة المسلمين هم ولاة الأمر من الملوك والأمراء والعلماء والوزراء والمدراء ، ممن لهم ولاية عامة أو جزئية ونصيحتهم وإعانتهم على الحق والإخلاص في أداء ما وكلوا به من عمل ، وتشجيعهم على ما فيه الخير لعامة المسلمين .. ) .
ولما تحدث المنهج عن موضوع الدعاء وبيان معناه وأهميته وفضله وآدابه وغير ذلك ، ذكر أمثلة على الدعاء ضمّنها الدعاء لولي الأمر :
( 1- الدعاء للنفس بخيري الدنيا والآخرة .
2- الدعاء لولي الأمر بالتوفيق والسداد والخير والصلاح ) حديث أول ثانوي ص133 .
ولما تحدث منهج الحديث للصف الثالث الثانوي عن موضوع ( الورع ) ذكر الورع الفاسد ثم ضرب له أمثلة، من ذلك : ( من يرى أنه لا يمكن أداء واجب المناصحة للسلطان الظالم إلا بالقتال الذي فيه من الفساد وسفك الدماء أضعاف ما عند الحاكم من ظلم .. ) .
وجاء في كتاب التوحيد للصف الثالث المتوسط ص19 : ( ولاة أمور المسلمين من الأمراء والعلماء لهم على الناس حق السمع والطاعة إذا أمروا بطاعة الله أو بما لا نهي فيه مما تطلبه المصلحة الشرعية .. ) .
وفي منهج الحديث للصف الثاني المتوسط ص22 موضوع وجوب طاعة أولي الأمر بالمعروف . ذكر المنهج حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " رواه البخاري ومسلم .
وجاء في إرشادات الحديث :(1/16)
1- دل الحديث على عناية الإسلام ورعايته لشؤون المسلمين ، ومن أهم مظاهر هذه العناية وجوب تعيين ولي أمر للمسلمين يقوم بشؤونهم ويكون مسؤولاً عنهم .
2- من مبادئ عقيدة المسلم اعتقاده بوجوب طاعة ولاة الأمر من الحكام والعلماء في المعروف .
3- طاعة ولي الأمر واجبة فيما أحبه الإنسان وكره ، ولها فوائد منها :
أ- أنها من أسباب تماسك المجتمع ووحدة الصف .
ب- من أسباب الأمن والطمأنينة .
ج- هيبة الأعداء .
د- فيها أجر من الله ، لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله تعالى ومن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
4- تحريم الطاعة إذا أمر العبد بمعصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
5- إذا أُمر العبد بمعصية من قبل ولي أمره شرع له مراجعته بالأدب والحكمة .
ثم خُتم الدرس بأمثلة تخدم هذا الموضوع .
إذن هناك دقة وشمولية في المناهج عند معالجتها للقضايا ، لأنها دروس علمية تأصيلية - كما ذكرت سابقاً - فلا تتناول القضايا بشكل عام أو مجمل .
ومما مر علي عند جولتي في المناهج الشرعية عند تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة .. " ذكر المنهج فوائد وأحكاما، ومما ذكر : ( 3- حفظ أوقات أهل العلم ومن ولي شيئاً من أمور المسلمين ، وعدم إشغالهم بما لا فائدة فيه وبما يمكن أن يقضى من دونهم ) تفسير ثالث متوسط ص27 .
وفي موضوع الصيد في كتاب الفقه للصف الثالث المتوسط ذكر المنهج بعض التوجيهات ، ومما ذكر : ( 2- على المسلم المحافظة على ما يأمر به ولي الأمر من منع الصيد في أوقات أو أماكن لما في ذلك من مصلحة طاعة ولي الأمر ، ولما في ذلك من تكاثر الصيد في وقت منعه أو المكان الذي مُنع الاصطياد فيه كمحازات الصيد ) . ص60 .(1/17)
وجاء في تفسير الثالث الثانوي ص78 : ( وحدة المسلمين وتماسكهم دليل على قوة الإيمان وسبب من أسباب النصر ، وأن الخلاف والفرقة بينهم إنما يحصلان بسبب ضعف الإيمان ، فالمسلمون مأمورون بالاستمرار على طاعة الله ورسوله ووحدة الصف ونبذ الخلاف ، وإصلاح ما بينهم من التشاحن والتقاطع والتدابر ، والحرص على وحدة الصف وجمع الكلمة ) .
حقوق الوطن في مناهجنا
وهذه القضية تتناولها المناهج بطريقتين :
الأولى : طريقة مباشرة ، بحيث تضمن الدرس فقرة أو فقرات تحث الطالب على الالتزام بحق الوطن وخدمته ومحبته .
والطريقة الثانية : غير مباشرة ، وإنما تشير في ثنايا الدرس إلى أهمية العمل مثلاً لخدمة الوطن والمحافظة على ممتلكاته وغير ذلك .
من ذلك فقرة تحث الطالب على خدمة وطنه واعتبرت ذلك من العمل بالعلم، وكان الدرس عن أهمية العلم .
فجاء في مادة الحديث للصف الأول الثانوي ص72 : ( خدمة أمته ووطنه في المجال الذي يحسنه ويتقنه وهذا من العمل بالعلم ) .
وجاء في ص99 : ( .. وهنا نشير إلى موقف الدولة السعودية المباركة إذ منعت الدعاية للتدخين في جميع وسائلها الإعلامية ) .
وجاء في مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص71 : ( على الشاب أن يعرف ما لوطنه وولاة أمره من الحق ، فهو بلد الإسلام الذي ولد فيه وعلى أرضه نشأ ، وأن عليه لولاة أمره الطاعة في المعروف ، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء لهدم الأمة من داخلها والإفساد في الوطن ) .
وفي الصفحة التي تليها جاء : ( على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى لو كان ظاهرها الإصلاح والصلاح ، فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل ) .(1/18)
وفي تفسير الصف الثاني الثانوي ص98 : ( شر الناس من يسعى في الأرض بالفساد وارتكاب الجرائم والتخريب على عباد الله ، والقتل والظلم لهم ، ويهلك النبات ويقتل الحيوان بدون وجه حق ، والله لا يرضى عن الفساد مطلقاً في الدين والدنيا بل يعاقب عليه ) .
مناهجنا الشرعية وقضية الجهاد والتعامل مع الكفار
إن قضية التعامل مع الكفار قد التزمت مناهجنا الشرعية بالوسطية فيها كعادتها في كل الأمور؛ فلا غلو أو شطط، ولا تميّع يفقدها مصداقيتها واعتدالها، ففي منهج التفسير للصف الثالث متوسط ص 69 عند شرح قوله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " . جاء في الكتاب ( صلة الآيات بما قبلها : لما نهى الله عن موالاة الكفار ، رخص لهم في نوع من الصلة مع الذين لم يقاتلوهم في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم وحذرهم من موالاة المحاربين بأي وجه من الموالاة ) .
وجاء في الفوائد والأحكام :
[ الكفار قسمان : غير محاربين [ مسالمون ] ، محاربون .
المسالمون هم الذين يلتزمون بالشروط التي ذكرها الله تعالى وهي :
1- ألا يقاتلوا المسلمين من أجل الدين .
2- ألا يخرجوا المسلمين من ديارهم ، وذلك بالتضييق عليهم وإلجائهم لترك بلادهم .
3- ألا يساعدوا عدو المسلمين عليهم بأي نوع من المساعدة ، قال تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم " .
والمحاربون هم الذين يخلّون بهذه الشروط ، فهم :
1- يقاتلون المسلمين في الدين .
2- يخرجونهم من ديارهم .
3- يساعدون عدوهم عليهم ، قال تعالى : " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم " .(1/19)
- الكفار المسالمون يجوز معهم نوع من التعامل ، قال تعالى : " أن تبروهم وتقسطوا إليهم " والبر يكون بالإحسان إليهم بطعام وكسوة ونحو ذلك ، خصوصاً إذا كانوا من الأقارب ، مع عدم محبتهم في القلب ، والإقساط يكون بالحكم بينهم بالعدل والإنصاف ، وعدم ظلمهم .
- لا تجوز موالاة الكفار بالمحبة أو المساعدة ضد المسلمين .
- عظمة هذا الدين ، وسمو ما جاء به من أحكام وأخلاق ، حيث أمر بالعدل حتى مع غير المسلمين ، قال تعالى : " إن الله يحب المقسطين " وقال تعالى : " ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى " ] .
وعند تفسير قوله تعالى : " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم .. " بيّن المنهج قضية التعامل مع الكفار وأنها ليست من الموالاة المحرمة التي ذكرت في الآيات السابقة ، لأن البعض يظن أن مجرد التعامل معهم يعتبر من الموالاة المحرمة .
فجاء في الفوائد والأحكام ص 35 ( عدم موالاة ومحبة الكافرين لا يمنع من التعامل معهم بالعدل ، بشرط أن لا يفضي إلى الموالاة والمحبة ) .
في كتاب التوحيد للصف الثالث المتوسط ص 135 ( باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه ) ذكر المنهج قوله تعالى : " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها .. " الآية 91 النحل . ثم ذكر حديث بريدة الطويل والذي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " .. اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً .. الخ " . فجاء من عناصر الموضوع : ( وجوب الوفاء بالعهد : دلت الآية على وجوب وفاء المسلم بعهده فإنه إنما يعاهد بالله تعالى وباسم الله تعالى ويشهد الله على عهده ، فلا يجوز أن ينقض عهده لأن ذلك خيانة لله ولأمانته وغفلة عن عظيم حق الله عليه).
وفي أسئلة المناقشة جاء فيه :(1/20)
1- هل يختلف الكافر من المسلم في استحقاقه الوفاء بالعهد المبرم معه ؟
2- ما عاقبة الغدر وقتل الأطفال ؟ ص138
وفي منهج الحديث للصف الثاني المتوسط ص 92 في إرشادات الحديث : ( على المسلم أن يسارع في رد المظالم التي عليه للآخرين ، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين قبل أن يفاجئه الموت فتؤخذ من حسناته في الآخرة ) .
والحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم " من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه" . فظاهر الحديث ظلم المسلم للمسلم لأنه قال " مظلمة لأخيه " ولكن ذكر المنهج غير المسلم لأن الظلم محرماً مطلقاً سواء وقع على مسلم أو على كافر .
وفي مادة التفسير للصف الثالث الثانوي ص89 عند شرح الآيات [58-62] من سورة الأنفال وهو قوله تعالى " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين " إلى قوله " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ... ". جاء في الفوائد والأحكام ما يلي :
( - في الآيات الكريمة يوجه الله عباده المؤمنين إلى قول الصدق ، والوفاء بالعهود والمواثيق ولو كانت العهود والمواثيق مع الكفّار ، فالوفاء بالعهد ، وأداء الأمانات من قيم الإسلام ، بل هي تكليف الله لعباده " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان " .
- إذا ظهرت أمارات الغدر والخيانة من أعداء الإسلام فإنه لا يجوز معاملتهم بالمثل وإنما يلزم إبلاغهم بنقض الاتفاق والعهد والرجوع إلى حالة الحرب ليكونوا سواء في الأمر .(1/21)
- السلم والمهادنة نوع من أساليب الجهاد في الإسلام ، ومرحلة للإعداد والاستعداد إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك ، بل إن القرآن الكريم يوجه إلى قبول الصلح إذا كان في مصلحة الإسلام والمسلمين ، أو كان سبباً لنشر دين الله وتعريف الناس به .
- يأمر الله عباده المؤمنين بالمحافظة على العهود والمواثيق إذا عقدوا صلحاً مع أعدائهم من الكفار مع أن من عادة أعداء الإسلام نقض العهود والمواثيق لأن الله قد تكفل بحفظهم ووقايتهم من غدر أعدائهم ومكرهم " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين " .
وفي كتاب التفسير للصف الثاني الثانوي ص102 عند شرح قوله تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي ... " . جاء ( لا يُكره أحد على الدخول في دين الإسلام ، فهو دين الفطرة بيّن واضح لا يحتاج أن يُكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام ، وشرح صدره ونوّر بصيرته دخل فيه على بيّنة ، ومن أعمى الله قلبه ، وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكروهاً مقصوراً ، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والقدوة الصالحة وسيلة لترغيب الناس في دين الله ) .(1/22)
وفي كتاب التوحيد للصف الأول الثانوي ص91 درس كامل في حكم الاستعانة بالكفار والعمل عندهم والإقامة بينهم . فصل المنهج فيه هذه القضايا تفصيلاً جيداً ومما جاء فيه : ( أنه يجوز استئجارهم للقيام ببعض الأعمال الجانبية التي لا تشكل خطراً على سياسة الدولة المسلمة كالدلالة على الطريق وما في معناه : كبناء المباني ، وإصلاح الطرق ، بشرط أن لا يكون في المسلمين من يصلح للقيام بهذا العمل ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلاً من بني الديّل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خرّيتاً - الخريت : الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف مع آل العاصي بن وائل وهو على دين كفار قريش فأَمِناه فدفعها إليه راحلتيهما " الحديث ) .
... وجاء أيضاً ( حكم الاستعانة بهم في القتال : في المسألة خلاف بين أهل العلم، والصحيح جواز ذلك عند الحاجة والضرورة إذا كان المستعان به منهم مأموناً في الجهاد ، قال ابن القيم في فوائد صلح الحديبية : ومنها أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة ، وفيه من المصلحة أنه أنفع لأنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم ، أما عند عدم الحاجة فلا تجوز الاستعانة بهم ، لأن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته ) ص92 .
ثم تحدث المنهج عن العمل عند الكفار والإقامة بينهم وذكر أنه يجوز تأجير المسلم نفسه للكافر للقيام بعمل غير الخدمة كخياطة الثوب وبناء الجدار ونحو ذلك لانتفاء الإهانة وذكر الدليل على ذلك من السنة .
وبعدها تحدث المنهج عن الإقامة في بلاد الكفار وفصل فيها تفصيلاً جيداً وذكر بعض الشروط .
وفي بعض المناهج موضوع الإحسان إلى الجار ذكر أقسام الجيران ومنهم الجار الكافر وأن له حقاً على جاره المسلم .(1/23)
وفي الجنايات ذكر المنهج تعريف القتل العمد فقال : ( أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن قتله ) ، وعند تعريفه للمعصوم قال : هو كل من لا يجوز قتله من مسلم أو ذمي ونحوهما . وذكر دية الكافر الذكر والأنثى .
وهكذا في كل القضايا التي تمر عليك في المناهج الشرعية تجد العدل والوسطية والوضوح والإقناع فلا إفراط ولا تفريط ، فموضوع التعامل مع الكفار - الآنف الذكر - موجود في المناهج الشرعية بهذه الطريقة المعتدلة قبل أحداث ( 11 سبتمبر ) بل منذ سنوات طويلة ، فلم يكن من اقتراحات الجرائد وكتّابها !
بعض كلمات واتهامات كُتاب الجرائد لمناهجنا الشرعية الرائعة
إليك بعض ما جادت به أقلام بعض كتّاب الجرائد في مناهجنا الشرعية العظيمة وهي بعض ما احتفظت به من قصاصات، وإلا فهناك شيء كثير من هذا النوع . وكلها تدل على أن مطالبتهم بتغيير المناهج والهجوم عليها ليس لأنها تحمل غلواً أو تطرفاً كما يدعون - وقد مر بك مايدل على برائتها من ذلك - بل وراء الأكمة ما ورائها لِلَّهِ وسيكتشف القارئ بعض أساليبهم التي تتسم بالتهويل والإثارة , والسير على قاعدة : ( اكذب ثم اكذب فربما تصدق ) لِلَّهِ
تقول انتصار العقيل : ( .. لكنه للأسف في السعودية لا يخرج عقولاً مفكرة بل عقولاً مبرمجة على ما هو قديم وسائد (!!) هدفه الكم وليس الكيف . أسلوبه الحفظ بلا فهم (!) العقول تحشى بل تدفس (!) بأفكار خردة (!!) مما يسبب تلبكاً فكرياً وعسراً فكرياً يفرز أفراداً سلوكهم متخلف متوتر غير حضاري ) !!!
الوطن 19 ربيع الأول
ويقول حمزة المزيني : ( أنا أعتقد أن هذه قضية يلعب فيها التعليم دوراً أساسياً وطوال خمسة وعشرين سنة ونحن معرضون لثقافة من نوع معين هذه هي نتائجها )
الرياض 15 ربيع الأول .(1/24)
ويقول خالص جلبي : ( الجهاد وأزمة مناهج التعليم لِلَّهِ .. وعندما تقع الانفجارات في الرياض والمغرب فهي قد وقعت منذ زمن بعيد في الثقافة بالتهام خلطة شديدة الانفجار في التفكير .. )
الوطن 22 ربيع الأول
ويقول أحمد الخريجي : ( 2- الإصلاح الحقيقي للنظام التعليمي في المملكة ليعكس أفكاراً اجتماعية ودينية وتاريخية وسياسية غير أحادية، التي تخالف ليس فقط حقوق الإنسان بالمغالطات الواردة في المناهج الدراسية وإنما أيضاً منافية لأبسط متطلبات الفرد الدينية والإنسانية .. ) الوطن 22 ربيع الأول
ويقول شخص يسمى عضوان : ( .. وإنما التوعية الثقافية والدينية أيضاً خللهما كبير وشاسع ، ماذا تعلمنا خلال دراستنا من الابتدائية حتى الثانوية غير أحكام الطهارة والصلاة )
الوطن 21 ربيع الأول
ويقول منصور عثمان في جريدة الجزيرة : ( نريد كتاباً يبادله الصغار اللعبة والحب والشيطنة .. لا كتاباً يابساً يبدأ بضرب زيد .. وعمر أو منهجاً يعاقب في أول الحصة بالعذاب وعقدة ذنب قاتله ، لا نريد لطفل السادس أن يبكي طوال السنة خائفاً من عذاب القبر ) !!
وقال كاتب سعودي في إحدى إذاعات أمريكا : ( نريد تغيير المناهج ، نحن قلة ونحتاج إلى حماية ) !!
وقال آخر : ( مناهجنا حشو وتلقين أم فكر وإبداع ؟ .. لا زلنا نعتمد على أسلوب التلقين وحشو المعلومات في مدارسنا بمناهج تهشم الدور العلمي والتقني ) .
وقال آخر : ( المناهج عندنا حفظ ولفظ ورفض .. سيكون الطريق شاقاً وطويلاً أمامنا ، فالصخور التي تدمي الأقدام تملأ هذا الطريق وإزالتها تحتاج إلى إرادة خارقة وإلى مراجعة في منتهى الصرامة لكل النتوءات في ثقافتنا التي أهال عليها المفكرون المعاصرون وصفاً أسودا لما فيها من صفات سلبية سنعود إلى ذكرها في حلقات عديدة قادمة ) !!
وقال ناعق : ( تغيير المناهج والمنهاج : عندما يُقال تغيير المناهج ، فإن كلمة تغيير ليست كافية ، نحتاج إلى تعديل جذري ) !!(1/25)
مع معالي وزير التربية والتعليم
قال معالي د. محمد الرشيد : ( وقد أثبتت المملكة العربية السعودية في ثنايا مناهجنا التربوية للبنين والبنات عشرات القيم الإسلامية الإنسانية الرفيعة التي يقوم عليها الإيمان بحقوق الإنسان كما يعرفه العالم المعاصر حتى إن الفتى السعودي والفتاة السعودية يخرجان من مرحلة التعليم العام وهما يعتقدان - حقيقة - أن حقوق الإنسان تكاليف ربانية قبل أن تكون أوامر أو نواهي حكومة أو نظام بل إننا وحدنا بفضل اتباع تعاليم ديننا وصلنا إلى أفق لا يسامينا فيه أحد ) مجلة المعرفة عدد 47/142هـ
أقول : حبذا لو أعاد الوزير نشر بعض هذه العبارات في الجرائد؛ ليُلجم أفواه الناعقين بالباطل ويزيل الشُبه عن القلوب، ويدافع عن المناهج التي تُدرس في الوزارة، خاصة مع بروز أطنان الافتراءات والكذب التي قذفتها الصحافة وكتّابها في الفترة الأخيرة .
المستوى التعليمي والحضاري في المملكة
بين افتراءات كتابنا ودهشة الغربيين
يحاول بعض الكتاب عندنا أن يصور المملكة بأنها متخلفة ويربط ذلك أيضاً بالتعليم لكي يتسنى له إدخال أفكاره ومقترحاته ، ولو قارنا بين كلامهم وكلام المنصفين الغربيين وغيرهم لوجدنا بوناً شاسعاً ، فأولئك يثنون الثناء العاطر ويعبرون عن دهشتهم الكبيرة تجاه المستوى الحضاري في المملكة، عكس كتابنا أصحاب الأهداف المريبة .
وأذكر أنني قرأت لأحد الأكاديميين في دولة الكويت يثني على التعليم في المملكة وقال متسائلاً كيف يكون مستوى التعليم في الكويت ضعيفاً بهذا الشكل بحيث نحصل على إنذار من ( اليونسكو ) ؟ وكلية الطب لا تؤهل أطباء بشكل جيد، والمملكة تزج بأطباء ومهندسين على درجة عالية من الكفاءة ، مع أن افتتاح كُليتي الطب والهندسة عندنا قد سبقهم بفترةٍ طويلة !(1/26)
ويقول الأستاذ عبد العزيز الثنيان ( لكني أعجب من هؤلاء اللائمين للتعليم والناقدين للمناهج والعائبين للسياسة التعليمية في المملكة وهم من ثمار التعليم ، ويعلمون أن أمراءنا وعلماءنا ووزراءنا وجميع المسؤولين هم نتاج التعليم ، ويرون أبناءنا حين ذهبوا للغرب تفوقوا ونالوا الشهادات العليا ويشاهدون أولئك الأطباء السعوديين المهرة الذين نالوا الثقة وحظوا باحترام المجتمع وتقديره مع أن تعليمهم العام والجامعي كان في المملكة ، ويشاهدون المهندسين والفنيين في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة ، وقد أبدعوا وتألقوا مع أن تعليمهم العام كان في المملكة ، فلماذا يجلدون ذواتهم ويهزون أساسهم ؟ ألا يعلمون أن التعليم في المملكة يبني الأخلاق والقيم منذ الطفولة ويؤسس العقيدة والفضيلة منذ البداية ، وذلك ما تفقده مناهج الغرب والشرق .. وإذا سفهنا هذه الأخلاق وجهلنا هذه المبادئ كنا كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ، ولهذا لابد من الفخر بمنجزاتنا والمباهاة بمناهجنا والتمسك بتعليمنا وليعلم أولئك العائبون لتعليمنا أن القيم والأخلاق أهم من المال والاقتصاد ، وإذا تعلم أبناؤنا وبناتنا وفق مناهجنا الأصيلة سهل عليهم بعد ذلك التدريس ومزاحمة الآخرين ومجاراتهم ، لكن إذا فرغنا الطلاب والطالبات من الداخل فذاك الداء والبلاء ) المعرفة شوال 1420هـ .
وقد عبر الغربيون عن دهشتهم للمستوى الحضاري في المملكة ، وهاك بعض كلامهم :-
يقول ( ستيف بارتلنت ) عضو الكونجرس الأمريكي : ( أدهشني المستوى المتقدم الذي بلغته العربية السعودية في كافة المجالات ، وجمعها بين القديم والحديث ).
ويقول جاري ستراج الأمريكي : ( أدهشني التطور المذهل الذي وصلت إليه المملكة في زمن قياسي مقارنة بعمر الدول والشعوب ) .(1/27)
وفي مجلة ( لوبوان ) الفرنسية : ( إن ما تحقق للمملكة يعتبر قفزة إعجازية في تاريخ جيل واحد ، لقد استطاعت المملكة التعامل مع التقنية الأكثر تعقيداً ومعطيات المدنية الحديثة وتوظيفها في نهضتها دون المساس بعقيدتها الإسلامية ومبادئها أو بنيتها الاجتماعية ) .
وتقول صحيفة ( لومنر ) : ( إن المملكة العربية السعودية استطاعت في فترة قصيرة أن ترقى إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم ، بدون أن تفقد هويتها من خلال تمسكها بالدين الإسلامي ، وبأصولها الوثيقة ) .
وتقول صحيفة ( لوماتان ) الفرنسية : ( إن الحياة اليومية في السعودية متوازية بين الحداثة والتعلق الوراثي بالحضارة الإسلامية ، وهي على أية حال حضارة مارست هيمنة مطلقة في ميادين عديدة ، مثل الرياضيات والعلوم والأدب والفن ، على أن القفزة التي شهدتها هذه الحضارة في العصر الزراعي إلى العصر الصناعي بأقل من نصف قرن لا يشبهها إلا الطراز التكساسي، وفقط الدين هو الذي يحميها من ضلالات دالاس ) .
ويقول عمدة مدينة دالاس : ( ما تعيشه السعودية الآن يوضح قمة التوازن في التطور حيث استطاعت المملكة أن تواكب الحضارة العالمية مع محافظتها على عاداتها وتقاليدها الأصيلة ) .
ويقول المدير المالي لمؤسسة كولدويل بانكر الأمريكية : ( اعتبر المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المتقدمة حضارياً وصناعياً ، ومما زاد إعجابي بها محافظتها على القديم وعقيدتها الإسلامية ) .
وتقول باربرة بوش زوجة الرئيس جورج بوش : ( المملكة العربية السعودية هي أرض الاستقرار الذي يثير الإعجاب لِلَّهِ إن المملكة موطن للثقافة القديمة الفنية وهي الآن موطن لأكثر التكنولوجيات تطوراً ) .(1/28)
وتقول ميدل ايست دارجست البريطانية : ( إن قوة واستقرار نظام الحكم في المملكة العربية السعودية يرجع إلى التزام الدولة بالنهج الإسلامي ، وتمسك المجتمع بل وتطبيق الدولة للشريعة الإسلامية في كل منحى من مناحي الحياة في المملكة )
ويقول البروفيسور الأمريكي ديفيد لونج : ( وأن أحد الأشياء التي تبقي المملكة متماسكة في مواجهة التغيرات السريعة هو ثقافتها الدينية ، وروابطها العائلية القوية ولحمتها الاجتماعية ) .
وتقول تيم داون الأمريكية : ( أعتقد أن المملكة العربية السعودية هي في مصاف الولايات المتحدة تقدماً ، وليس فيها جرائم مثل ما هو حاصل لدينا في أمريكا، وفي اعتقادي أن التمسك بالدين الإسلامي ساعد على نمو البلاد واستتباب الأمن فيها) .
ويقول البروفيسور برنارد رايشن رئيس مجلس إدارة العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن : ( لقد حققت المملكة العربية السعودية تقدماً كبيراً في مجال التعليم وإنشاء الجامعات ، وخير مثال على ذلك ما هيأته الدولة للطلاب الذين أثبتوا قدرتهم وتفوقهم في مختلف التخصصات وأن من التقيت بهم من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية ، أستطيع أن أصفهم في أعلى المستويات من ناحية فهمهم وبحوثهم )(1).
مناهجنا الشرعية والأمن في المجتمع
بعد أن ثبت بالدليل القطعي أن مناهجنا الشرعية تحارب الغلو والتطرف من خلال النصوص والفقرات التي أوردناها سابقاً . لا بد أن نتساءل هل هذه المناهج أتت بثمارها على أكمل وجه ؟؟
__________
(1) انظر هذه الأقوال وغيرها في كتاب : المملكة العربية السعودية كما يراها الآخرون ، الناشر : طويق للخدمات الإعلامية .(1/29)
فأقول : نعم وبكل تأكيد؛ ويكفي أن تعلم أن التسعة عشر المطلوبين والذين نشرت أسماؤهم منذ وقت قريب هم في الجملة من الفاشلين دراسياً، وأن ثمانية منهم لم يحصلوا على الثانوية العامة، وأن من حصل على الثانوية العامة هم أربعة فقط كانوا من المتخرجين من الدراسة الليلية أو المعاهد التجارية أو غير ذلك ، مما يدل على التذبذب والفشل ، والبقية لم يدرسوا في المملكة أو ليسوا سعوديين .
وثبت أيضاً أن جميع هؤلاء من الذين ذهبوا إلى أفغانستان فترة طويلة ووقعوا في أيدي التكفيريين وشبهاتهم ووافق ذلك ضعف حصيلة هؤلاء العلمية الشرعية فأنتج هذا التصرف الإجرامي والخروج عن منهج أهل السنة على حد قول الشاعر :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فوافق قلباً خالياً فتمكنا
فاللوم يقع على من حثّهم على الذهاب إلى مراتع التكفير في أفغانستان، لا سيما وهم حدثاء أسنان، قليلو علم .
بل لو كان هؤلاء التسعة عشر من المتخرجين بدرجات عالية من الثانوية لما جاز اتهام المناهج بالإرهاب؛ لأنها خرجت الآلاف بل مئات الآلاف من الطلبة على مر السنوات يحملون الفكر المعتدل والدين الوسط ، فما نسبة التسعة عشر بين هؤلاء ؟!
بيد أنه كلما ظهر فكر تكفيري أو خروج أو خلل فكري أياً كان نوعه ، نجد أن من يحمله في غالب الأحيان لم يدرس مناهجنا ولم يأخذ العلم على علمائنا ، وسواء كان فكراً متطرفاً أو فكراً علمانياً خبيثاً فأولئك درسوا في أفغانستان هذا الفكر، وهؤلاء أخذوا فكرهم من الغرب من خلال الدراسة أو السفر وأغلب الذين يحملون الفكر الغربي في مجتمعنا والذي يحارب الفضيلة هم من أهل السفر إلى الخارج بكثرة أو من درس هناك ، وما حادثة اختطاف الطائرة - قبل فترة - عنا ببعيد ، حيث خطفها اثنان ممن عرفوا بالسفر إلى الخارج بكثرة، ويحملون الفكر التحرري عن الفضيلة والعادات الحميدة بل والشرع القويم .(1/30)
وأضيف أيضاً فأقول : إن مناهجنا الشرعية لا تحارب الفكر الإرهابي والغلو والتطرف فقط، بل تحارب الجريمة بشتى أنواعها وهي تعتبر من أعظم أسباب الأمن في المجتمع السعودي وقد ثبت بالدراسات العلمية الدقيقة والإحصائيات - وليس بالتقارير الصحفية الجائرة !- ثبت أن الجريمة تقل عندنا بشكل ملحوظ بحسب المستوى التعليمي ، يقول الدكتور محمد السيف : ( اتفقت الدراسات الإجرامية التي أجريت في المجتمع السعودي بأن المستوى التعليمي لغالبية الجانحين والمجرمين المحكوم عليهم في الإصلاحيات ودور الملاحظة متدنٍ ، حيث لم يتموا تعليمهم للمرحلة المتوسطة ، وأثبتت الدراسات الميدانية أن معظم المجرمين بدؤا انحرافهم وهم أحداث بالهروب من المدرسة أو الانقطاع عن التعليم بشكل مستمر . ومن خلال مراجعة كثير من البحوث المتخصصة بالجريمة والجنوح التي أجريت في المملكة تبين أن أكثر المشكلات التربوية المدرسية التي ترتبط بمشكلة الانحراف والجنوح في المجتمع السعودي تنحصر في الغياب والهرب من المدارس في فترة عمرية مبكرة ، لأن الانسحاب والانقطاع عن التعليم يوجد قصوراً في وظيفة المدرسة في المجتمع ، لأن للمدرسة دوراً مهماً وخطيراً في تدريب الأفراد وإعدادهم لفترة البلوغ وما بعدها وتسرب الطلبة أو انقطاعهم سبب رئيسي لضعف تعليمهم ، وبالتالي قصور في وظيفة المدرسة الاجتماعية ، وهي مد الأفراد ببعض القيم وترسيخ المبادئ وإيصالها إلى كافة الطلبة ، وقد توصلت الدراسات التي أجريت في علم اجتماع الجريمة بالمملكة إلى وجود علاقة وثيقة بين ضعف المستوى التعليمي وارتكاب الجنوح والجريمة بشكل عام .. )(1).
__________
(1) الظاهرة الإجرامية في ثقافة وبناء المجتمع السعودي ، للدكتور محمد السيف ، مدير مركز البحوث الأمنية في المديرية العامة لكلية الملك فهد الأمنية والمعاهد ص142 .(1/31)
وفي دراسة أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة أثبتت أن السجناء السعوديين ( يتميزون بنسبة أمية تبلغ 23.7% وأن 96% تقريباً دون الشهادة الثانوية )(1)
وأثبتت دراسة أجريت في إصلاحية الحائر بمدينة الرياض ( واشتمل مجتمع البحث فيها على مرتكبي جرائم متنوعة كالاعتداء على النفس والجرائم الأخلاقية والمخدرات والمسكرات وجرائم الأموال ، أن معظم مرتكبي الجرائم من ذوي المستويات التعليمية المتدنية كالابتدائي (36.6%) والمتوسط (16.8%)، وتنتشر الأمية بينهم بنسبة (24.5%) وكثير منهم يقرأون ويكتبون فقط (15.1%) وأكدت دراسة أخرى في إصلاحية الحائر بمدينة الرياض أن معظم المحكوم عليهم بالسجن من حملة الشهادة الابتدائية (38.1%) والشهادة المتوسطة (36.9%) وفي إصلاحيات النساء أشارت دراسة عن الخصائص الاجتماعية وأنماط الجريمة بإصلاحيات منطقة الرياض أن (50%) من النساء السعوديات المحكوم عليهن بالسجن أميات ، وأن (25%) يقرأن ويكتبن ، وأن الـ (25%) الأخرى كان تعليمهن متدنيا حيث يقتصر على الشهادة الابتدائية(2). والبيانات الإحصائية السابقة تبرهن على أن ضعف مستوى التعليم أو الإخفاق في المدرسة من العوامل الرئيسية في ترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق في المجتمع بسبب السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية التي تنبثق من الإسلام الذين تدين به الأمة عقيدة وخلقاً وشريعة وحكماً ونظاماً متكاملاً للحياة، والإخفاق في المدرسة على ضوء مبادئ السياسة التعليمية للمجتمع يترتب عليها عدم استفادة من أهداف المدرسة خاصة ما يتعلق بأهدافها التربوية والاجتماعية )(3).
__________
(1) الكتاب السنوي لمركز أبحاث مكافحة الجريمة 1993 قام بهذه الدراسة مدير مركز أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية الدكتور حمد المرزوقي .
(2) هذه الدراسة على النساء كانت قبل عملية الدمج .
(3) الظاهرة الإجرامية في ثقافة وبناء المجتمع السعودي للدكتور محمد السيف ص144 .(1/32)
وفي آخر دراسة أجريت على سارقي السيارات ثبت فيها : ( أن أغلبهم من المتدنيين في الدراسة ، وأن السرقة تقل حسب ارتفاع المستوى التعليمي بشكلٍ ملحوظ ، فالجامعيين منهم عددهم اثنان فقط من مجموع العينة البالغ (451) شخصاً ، أي بنسبة (0.4 % ) ثم يأتي أصحاب التعليم الثانوي وعددهم (32) بنسبة (7.1 % ) فقط ، علماً بأن معظم مرتكبي حوادث السرقة هم ما بين سن (18-24) عاماً أي بمستوى التعليم الثانوي والجامعي ، وكان من المتوقع أن يكونوا قد أنهوا المرحلة الثانوية ، وبعد ذلك تأتي المرحلة المتوسطة وقد استحوذ أصحابها على نسبة الثلث تقريباً من أصحاب السرقات حيث ارتكب (132) شخصاً السرقة ، ثم تأتي فئة المرحلة الابتدائية والأميين والذين يقرأون ويكتبون فقط؛ فبلغ عدد هؤلاء (285) شخصا،ً فحازوا على ما يقارب الثلثين من هذه السرقات(1).
ونستطيع أن نضيف إلى الدراسات السابقة التي أثبتت أن الانحرافات والجريمة تزيد كلما ضعف المستوى التعليمي للفرد في المملكة ، فنقول : إن الانحراف في العقيدة يزيد أيضاً كلما ابتعد الفرد عن الدراسة لا سيما في قضايا التكفير واستباحة الدماء المحرمة ، حيث ثبت أن أغلب أصحاب هذا الفكر من أصحاب المستويات المتدنية في الدراسة وأن أغلبهم لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة .
__________
(1) جريدة الرياض 18 ربيع الآخر 1424هـ .(1/33)
وقد يقول قائل : ربما يكون التعليم بشكل عام وفي جميع بلدان العالم يخفف من ارتكاب الجريمة . فأقول : لقد ثبت عند غيرنا أن العكس هو الصحيح، وأن الجريمة تزيد غالبا كلما قلّت الأمية وارتفع المستوى التعليمي !! قال علماء الجريمة عندهم: ( ليس هناك علاقة بين التعليم وانخفاض نسبة الجريمة ، بل إنه على العكس ، فالتعليم يزيد من ارتكاب فرص الجريمة حيث يزود الشخص المتعلم بأفكار مساعدة على اقتراف الجريمة بأساليب خفية لا يمكن اكتشافها )(1).
ويرى ( لمبروزو ) و ( فيري ) و ( بونجر ) : ( أن هناك علاقة وثيقة بين التعليم والجريمة وكان من آراء تلك المدرسة أن انخفاض عدد الأميين يصاحبه ارتفاع في نسبة المجرمين وأن للتعليم أثره على نوع الجريمة أو الطابع الذي تتخذه فقط إذ ينقلها من الطابع المتوحش العنيف إلى طابع يتّسم بالدهاء والحيلة ، ولا يعتمد على القدرات العضلية والجسمانية للمجرم )(2).
ويؤيد هذه الدراسات الاجتماعية لديهم ؛ أن الدول التي تتميز بالتعليم الجيد - على حسب مقاييسهم - تنتشر فيها الجريمة بشكل أكبر من غيرها وقد لاحظت شخصياً أن الدول التي ذكرتها مجلة المعرفة وأثنت عليها من الناحية التعليمية واعتبرتها من طلائع الدول في ذلك ، أنها من أكثر الدول في انتشار الجريمة مثل بلجيكا وهولندا ( الأرض المنخفضة ، التعليم مرتفع لِلَّهِ )(3)وفرنسا وألمانيا والدانمرك وأسبانيا ، فهذه الدول تعتبر من العشر الأوائل في ارتكاب الجريمة على مستوى القارة الأوروبية، أما أمريكا فإنها تشهد أعلى معدل في الجرائم وأن تكلفة الجريمة فيها تصل إلى (420) مليار دولار سنوياً .
__________
(1) مكافحة الجريمة في المملكة للدكتور خالد البشر ص365 .
(2) المرجع السابق ص 365 .
(3) هذا عنوان لمجلة المعرفة ( عدد 81 ) .(1/34)
وكذلك دول شمال أوروبا مثل السويد والنرويج وفلندا تعتبر من أفضل الدول تعليماً - عندهم - في نفس الوقت الذي تنتشر فيها جرائم الانتحار والشذوذ الجنسي والتحلل والاغتصاب بما لا مثيل له في العالم .
أما أكبر العصابات في العالم فهي ( المافيا ) في إيطاليا و ( الياكوزا ) في اليابان و ( فوري زاكوني ) في روسيا(1)وكل هذه الدول يعتبر فيها التعليم جيداً ومرتفعاً.
وبما أن الأمن هو هاجس جميع الدول لأهميته في استقرار المجتمع والمحافظة على أرواحه وممتلكاته ، فقد دعا كثير من العقلاء إلى تغيير الخطط الدراسية ، بحيث تصبح أكثر اهتماماً من الناحية التربوية والخُلقية ، والابتعاد عن الإكثار من العلوم العصرية، لأنه قد ثبت بالتجربة أن مكافحة الجريمة عن طريق الوسائل الحديثة من شرطة وغيرها لن تُفلح في تخفيف حدّة الجريمة إذا لم يكن معها عوامل تربوية مساعدة .
والمناهج الشرعية عندنا لا تقلل الجريمة من حيث غرس القيم في الناشئة فقط، بل إنها تقلل الجريمة من ناحية أخرى ؛ وهي رفع مستوى أداء رجل الأمن الذي بدوره يحارب الجريمة ويكافحها .
قال العقيد علي بن حميد الحميد في بحث له : ( أثبتت الدراسة وجود علاقة طردية بين التربية الإسلامية لرجل الأمن السعودي وأدائه الأمني ، فكلما زادت التربية الإسلامية زاد أداؤه الأمني، وإذا انخفضت التربية انخفض الأداء )(2).
وقد ثبت أن التربية الإسلامية عندنا تزيد بحسب ارتفاع المستوى الدراسي ، وتنخفض بانخفاضه .
قال العقيد علي بن حميد الحميد ( توجد فروق دالة إحصائياً بين ذوي المستوى التعليمي المرتفع وبين ذوي المستوى التعليمي المنخفض لصالح المرتفعين في درجات مقياس التربية الإسلامية لدى عينة الدراسة .. ) .
__________
(1) انظر كتاب العنف والجريمة للدكتور جليل وديع ص14 .
(2) التربية الإسلامية لرجل الأمن السعودي وأثرها في أدائه الأمني . رسالة ماجستير ص 303 .(1/35)
ثم وضح العقيد النقاط التي تبيّن درجة أداء رجل الأمن ، فقال : ( .. وهكذا فقد كانت كل الفروق دالة إحصائياً لصالح ذوي المستوى التعليمي المرتفع مما يعني أنهم أفضل أداء من ذوي المستوى التعليمي المنخفض لأنهم :
- أكثر انضباطاً وإنجازاً .
- أقل أخطاءً مهنية ومسلكية .
- أكثر تعاوناً واهتماماً بالعلاقات الإنسانية .
- أكثر طموحاً .
- أكثر ثقة بأنفسهم .
- وبذلك تحققت صحة الفرض السادس ) .
وختم الباحث دراسته بكثير من التوصيات أهمها التأكيد على التربية الإسلامية لدى رجال الأمن برفع مستواهم التعليمي ، وضرورة إلحاقهم بدورات دراسية وحثهم على إكمال دراستهم(1).
فلو كان لدى هؤلاء الكتّاب إنصاف لاحتفوا بمثل هذه الدراسات ولأشادوا بها ، ولطالبوا المسؤولين إلزام الطلاب إكمال دراستهم وعدم السماح لهم بترك الدراسة مهما كانت الأسباب ، ومنع أي طالب من السفر فترة طويلة خارج المملكة إلا من أنهى تعليمه الثانوي ، حيث حصل على قسط وافر من العلم الشرعي يُرجى أن يحميه من الانحرافات أياً كان نوعها .
__________
(1) انظر المرجع السابق .(1/36)
وأخيراً أقول إننا في نعمةٍ عظيمة يحسدنا كثير من الناس عليها ، ولكن كما قيل : ( شدة القرب حجاب ) لِلَّهِ فإن بعضنا لا يرى هذه النعمة ولا يلاحظها بل يحاول أن يبحث عن غيرها لأنه لا يعرف قدرها ولا أهميتها ، وصدق ابن القيم رحمه الله حين قال : ( من الآفات الخفية العامة : أن يكون العبد في نعمة أنعم الله بها عليه واختارها له ، فيملها العبد ويطلب الانتقال منها إلى ما يزعم بجهله أنه خيرٌ له منها .. فإذا انتقل إلى ما طلب ، ورأى التفاوت بين ما كان فيه وما صار إليه ، اشتد قلقه وندمه .. وأكثر الناس أعداء نعم الله عليهم ولا يشعرون بفتح الله عليهم نعمه ، وهم مجتهدون في دفعها وردها جهلاً وظلماً ، فليس للنعم أعدى من نفس العبد ، فهو مع عدوه ظهير على نفسه ، فعدوه يطرح النار في نعمه ، وهو ينفخ فيها لِلَّهِ فهو الذي مكنه من طرح النار ثم أعانه بالنفخ فإذا اشتد ضرامها استغاث من الحريق .. ) الفوائد ص258
المملكة والأمن الفكري
( الأمن الفكري هو القاعدة التي ترتكز عليها جوانب الأمن الاجتماعي الأخرى معيشية واقتصادية وسياسية وغيرها ، فإذا اختُرقت هذه القاعدة وأصاب مجال الفكر اضطراب وخلل ، ودمرته الأفكار الغازية ، وجرفته الفلسفات والنظريات التي تفقد المنطق السليم والحقائق اليقينية الهادية ، فإن هذا الفكر " فكر المجتمع وفكر الأمة " يتحطم ويمسخ ويصبح أشتاتاً ممزقة يحطم بعضها بعضا وعند هذا لا رجاء في نهوضٍ اجتماعي لهذا المجتمع لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً ولا سواها ... أما إذا التزم المجتمع بالإسلام منهجاً يعتمده في حياته ورسالة يحملها في المعترك الحضاري فإنه يحمي نفسه ضد الكوارث التي تتجه إلى أفكاره لضربها ، ويحقق الانسجام المتناغم بين مبادئه الفطرية الإنسانية وحقائقه الدينية وخططه وتنظيماته الحضارية ، مما يكسبه أمناً فكرياً ينشر آثاره على جوانب حياته كلها .(1/37)
والمملكة العربية السعودية حينما تبنت الإسلام رسالة للدولة والمجتمع في سياستها التعليمية التي تصوغ عقول الناشئة ، وفي أحكامها القضائية التي بها تقام الحقوق بين مقضي عليهم ومقضي لهم ، وفي نظامها العام الذي حاولت استبعاد ما يخالف الشريعة فيه حققت بذلك أمناً فكرياً للمجتمع السعودي قوامه عقيدة صافية ، وقناعة بالمنهج العلمي ، وحصانة ضد الأفكار الضارة ، وتفاعل متبادل بين الجمهور وعلماء الشريعة ، وولاة الأمر ، حيث تتحد الروح الوطنية بالولاء الديني ، وتمتشج الجهود العلمية والعملية لخدمة المجتمع وتحقيق المصالح بالتعبد والإيمان والخلافة الإنسانية المكلف بها الإنسان في هذه الأرض ...
إن كثيراً من الذين يعيشون التذبذب العقدي والأزمات الفكرية ، سواء كانوا على مستوى الشباب المتعلم أو على مستوى المثقفين إنما هم - أو كثير منهم على الأقل - ضحايا مناهج تعليم تفقد التصور الإسلامي الصحيح الذي يصوغ الشخصية الفكرية صياغة متكاملة تنضجه ليتعامل مع الأفكار بعد ذلك من خلال قاعدة عقدية راسخة واضحة .. إنهم ضحايا مناهج تعليم زرعت في نفوسهم عناصر سامة ، فلم تستطع نفوسهم نتيجة فقدانها التصور الصحيح أن تطرد هذه العناصر وتلفظها ، ولم تستطع هذه السموم أن تقضي على كل بذر الفطرة وبقايا الإيمان التقليدي في نفوسهم فتحولهم إلى كفر مسخ مبتور الصلة بدينه وبأمته وبفطرته(1)، ومن ثم ظلوا ضحايا صراع نفسي وفكري لا يريم .
__________
(1) حتى الذين تمسخهم إلى درجة الكفر الصراح تبقى في طوايا نفوسهم عناصر مقلقة لحياتهم مصدرها ذلك الدين الذي هربوا منه ، يقول الطاهر لبيب : " إن صديقاً له شيوعياً عربياً قال له : إنني على الرغم من أنني أحارب الدين ولكنه قائم في حسّي ، فأنا إذا ركبت الطائرة دعوت ببعض الأدعية " لِلَّهِ(1/38)
كذلك فقد اقتضى تطبيق المملكة العربية السعودية للشريعة الإسلامية .. عدم السماح لأهل الكفر والضلال بإقامة أوكارهم التي من خلالها يبثُّون سمومهم ويجتذبون السذّج إلى موائدهم المأفونة ، كما فعلوا في البلاد الأخرى .. كمثل التبادل الثقافي الذي يتحول إلى استلاب ثقافي في المجتمع المسلم أمام المجتمع الآخر الذي له أهدافه الواضحة وتحفزه الحي لتحقيق هذه الأهداف بعكس مقابله لقد قامت هذه الحركات والمدارس على اختلاف أهدافها بجهود خطيرة في كثير من مجتمعات المسلمين تمثلت أول ما تمثلت في اختراق أفكار كثير من المثقفين والقادة والشباب ، فانحرفت بها من الولاء لدينها ومجتمعها إلى ولاء تائه أو ولاء لأعداء أمتها ، ومن الإيمان بقيام دينها وأمتها إلا اللهاث وراء شعارات من صنع أعدائها مما لا يخطر في بيانهم أن هذه المنظمات والحركات والمدارس المشبوهة أصبحت في كثير من بلاد المسلمين كأوكار المخدرات التي تتصيد البريء لتوقعه في فخها فلا يستطيع الإفلات منها ، ولذلك يتحاماها المخلصون لأوطانهم المنتمون لدينهم ..(1/39)
إن خلو المملكة من هذه المنظمات والحركات والمدارس المشبوهة من أعظم مميزاتها ومن أبلغ المؤثرات التي حفظت لها أمنها الفكري وسلامتها من الزيغ عن الولاء للدين أو الوطن ، حتى إن أي بادرة تشُم منها رائحة هذا الزيغ لدى متأثرٍ بالتغريب أو مقلدٍ لأهل التيه المستغربين من الشعراء والمثقفين تبدو - هذه البادرة - نشازاً تستوحش منها نفوس العامة ، وتنفعل بسببها القلوب ، ويكثر التساؤل حولها حتى تموت .. وللصفاء العقدي الذي حققه التعليم في مقررات العلوم الشرعية فقد وقى الله المجتمع السعودي بدرجة عالية كثيراً من المؤثرات الهادمة للفكر والسلوك التي ظهرت آثارها في كثير من المجتمعات التي فقد أهلها أو ضعف لديهم الفهم السليم للإسلام )(1).
مقارنة مع دول العالم
في جميع بلدان العالم تأخذ المناهج طريقتها ومضمونها من قيم المجتمع الذي تعيش فيه ، ومن التراث الذي تنتمي إليه مهما يكن ، سواء كان جيداً أم تافهاً ، وسوف أنقل عن دولٍ مختلفة في الثقافة والظروف بعض ما جاء في سياستها التعليمية.
ففي أسبانيا وهي من الدول المتقدمة في التعليم ترسخ في أذهان الطلاب في المرحلة الابتدائية ( تعريف الطلاب بميراثهم الثقافي حتى يتمكنوا من المشاركة في الحفاظ على هذا التراث وتحسينه ) انظر كتاب المعرفة ( التعليم من حولنا ) ص35 .
ومن أهداف النظام التعليمي البريطاني ( غرس احترام القيم الاجتماعية والوطنية والأخلاقية في نفوس الأطفال ) المصدر السابق ص140 .
ومن أهم وأول أهداف التعليم في إيران ( العقيدة : ترسيخ مبادئ وتعاليم الإسلام في إطار المذهب الشيعي الاثني عشري ) المصدر السابق ص96 .
__________
(1) كتاب تطبيق الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية وآثاره في الحياة - تأليف الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الزنيدي - صفحة 369 .(1/40)
وفي فيتنام يسيطر على التعليم عنصر النضال والقوة والمقاومة؛ لأنه جزء من شخصية البلاد ، ولهذا فلا تستغرب إذا قيل لك إنها تملك جيشاً يعتبر من أقوى الجيوش في العالم ، ويبلغ عدده مليونا ومائة ألف جندي لِلَّهِ ( انظر الموسوعة العربية العالمية).
بل وفي أعرق بلدان العالم علمانية تجد للدين حيزا في تعليمها ، ففي فرنسا مثلاُ للكنائس دور في التعليم عن طريق المنظمات التابعة لها، حيث إنها تسيطر على 20% من التعليم في فرنسا سيطرة تامة .
وفي بلجيكا - وهي تعتبر من أفضل الدول تعليماً وتأتي بعد فلندا في هذا الجانب - نجد أن التعليم فيها عبارة عن نظامين متوازيين ، فمدارس حرة تديرها الكنيسة الكاثولوكية، ومدارس حكومية، وتقدم الحكومة دعماً مالياً متساوياً لكلا التعليمين دون تفرقة . ( انظر الموسوعة العربية العالمية )
وفي الدول التي لها تراث عريق في الموسيقى والرقص حتى أصبحت مدرسة مستقلة لها إطارها وتأثيرها نجد أنها تولي ذلك الجانب اهتماماً بالغاً جداً كما في الدول الاسكندنافية وعلى رأسها ( فنلندا ) - وهي من أفضل دول أوربا من ناحية التعليم حسب مقاييسهم - وبما يسمى عندهم الفنون الجميلة ، وقد خصصت كليات وجامعات لخدمة هذا التراث ( الموسيقى والرقص والمسرح )(1).
وفي إسرائيل ينص النظام التعليمي فيها في المادة الثانية منه : ( على إرساء الثقافة اليهودية في النشء ) ولهذا حرص التربويون عندهم على كثافة المعلومات التوراتية المعطاة للطلاب ، وقد صرح ( بنفوريون ) أول رئيس وزراء في إسرائيل في مؤتمر عام 1956م فقال : ( لن يكون للحركة الصهيونية مستقبل بدون تربية وثقافة عبرية والتركيز على التوراة من أجل الصمود أمام التحديات ) .
__________
(1) خصصت ( فلندا ) جامعة كاملة لدراسة الموسيقى والفنون تتراوح الدراسة في ما بين 3-5 سنوات يحصل الطالب على درجات الليسانس والبكالوريوس والدكتوراه ( انظر مجلة المعرفة عدد 97 ) .(1/41)
ولهذا نجد الكتب المدرسية بل وحتى أدب الأطفال في إسرائيل يغذي العنصرية والكراهية للعرب بشكل واضح بل ويخلو من أبسط الآداب العامة فيصورون العرب بأنهم : قذرون وأنجاس لِلَّهِ
وقد ذكرت الصحف في شهر ربيع الأول توصية ندوة المناهج بضرورة تضمين المقررات الدراسية ما يتصدى للاتجاه الموجود في الكتب المدرسية لإسرائيل وبخاصة ما يتعلق بثقافة العنف وإبراز ما يسمى العرق اليهودي، والتي تحظى بدعم من حكومة الكيان وفيها أيضاً ادعاءات ضد الإسلام .
وقال وزير التربية والتعليم محمد الرشيد في محاضرة له عبر الهاتف عام 1421هـ : ( إن ما تحدثه الآلة الفكرية في الشعب الفلسطيني هو نتيجة تلقين المدرسة الإسرائيلية ) .
إذن كثير من بلدان العالم، بل جميع بلدان العالم تقريباً تهتم بتراثها وترسخه في النشء سواء كان التراث كبيراً أو صغيراً وسواء كان نضالاً وحروباً ، أو فنوناً ورقصا،ً وسواءً كان بغضاً لفئة معينة أو حباً لها فتخصص له المعلمين الأكفاء والكليات المتخصصة لوضع رسائل في الدكتوراه والماجستير حتى لو كان عبارة عن نغمات موسيقية أو رقصات معينة أو عبارة عن قيم دينية وطقوس وترانيم ربما لا يعرفون معناها !!(1)
__________
(1) أحد الكتاب لدينا أبدى حنقه وغضبه على التعليم الجامعي فقال متأسفاً : ( إن هناك نسبة كبيرة من الدراسات الجامعية لدينا متخصصة في العلوم الدينية فقط )!! فهل يريد هذا الكاتب رسائل دكتوراه يقضي فيها الباحث عدة سنوات في دراسة نغمات موسيقية أو رقصة ( فلكلورية ) حتى يرضى ، ألا يعجبه رسائل في القرآن والسنة والتوحيد والأخلاق والمعاملات والآداب ؟! ولكن لا يستغرب من هذا الكاتب حنقه على الدين لأن له روايات في الفسق والفحش بل والتطاول على الذات الإلهية - أخزاه الله - موجودة خارج المملكة.(1/42)
وكثير من بلدان العالم لو جمعت ما تحتفي به من تراث لا يخالف العقل لوجدته لا يزيد على بضع صفحات، ولو جمعت ما صح من نصوص دينية لم تخرج بكتيب صغير يتداولونها كابراً عن كابر .
فهل هذه البلدان تقارن بما لدينا نحن أمة الإسلام وعلى الأخص في المملكة حيث الإسلام الصحيح والصافي من الشوائب ، أليس لدينا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في كم هائل من العلوم الشرعية والتفصيلات التي لو أراد المسلم التعمق بها لأخذ سنوات طويلة حتى يستطيع أن يستوعب بعض فنونها .
ألسنا أمة توحيد وعقيدة وفقه عظيم وعلوم راقية فيها ما يحتاج إلى حفظ وفيها ما هو استنباط وفيها ما هو إبداع وقياس واجتهاد .. الخ .
أليس ما نملكه ثروة هائلة من الجمال والروعة تحتاج إلى جهود جبارة للمحافظة عليها في هذا العصر - عصر العولمة - وتعليمها للناس وتصديرها للخارج لترى المجتمعات الإسلام الصحيح وما فيه من حضارة وسمو ورفعة .
ألسنا مدرسة قائمة بذاتها: مدرسة التوحيد والسنة في العالم الإسلامي فضلاً عن العالم أجمع ، يشهد بذلك المنصفون والعقلاء من المسلمين والكفار، ولهذه المدرسة تأثير في جميع أنحاء العالم ، فإذا كانت الدول تجعل من سياستها العامة المحافظة على تراثها وتحاول تصديره إلى الخارج لا سيما إذا اعتبرت نفسها مدرسة راقية فيه - كما قلت - فما بالك بنا ونحن نملك أفضل ما هو موجود في العالم أجمع . ليس هو نغمة موسيقية ولا رقصة جسدية ولا زخرفة فخارية ولا طقوسا غبية !! بل هو دين الإسلام والتوحيد بعدله وشموليته وحكمته . لو كان تراثنا أمراً عادياً لكان الواجب المحافظة عليه أشد المحافظة والتوسع فيه لحفظه وتصديره لأنه هو الهوية الوطنية والخصوصية الذاتية ، فما بالك وهو تعاليم ربانية وسنة نبوية ورسالة خالدة وآداب عظيمة .(1/43)
إذن هذا هو واجبنا وقدرنا وما حبانا الله به من بين بلدان العالم ، فمن شكر النعمة الاحتفاء بها ، وليس التذمر منها ، والتأفف من كثرتها أو اتهامها بأنها سبب الإجرام أو سفك الدماء، أو أنها سبب للتخلف والجمود أو أنها أفكار خردة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وماذا نعلم أبناءنا طيلة اثنا عشرة سنة ، إذا لم يكن تعليم الصلاة والصوم والزكاة والحج والطهارة وفقه المعاملات والبيوع والنكاح والفرائض والأخلاق والآداب التي كلها تعتبر من تعاليم ديننا وتراثنا وشخصيتنا ، هل نعلمهم - كما تفعل كثير من بلدان العالم - الموسيقى والرقص وبعض الطقوس الغبية !! وهي ليست من تراث طلابنا ولا من هويتهم الإسلامية ولله الحمد .
فتراثنا ليس بضع صفحات من ( تلمود ) أو ( كتاب محرف ) أو تعاليم إمبراطور بائد !! بل هي وحي السماء على أرض الإسلام ، فواجبنا أعظم ومسئوليتنا أكبر تجاهه ، ومن يعتني بالإسلام ويدرسه إذا لم يعتن به من نزل في أرضهم وبلغتهم ورفعهم الله به وتوحدوا عليه واستفادوا منه في الدنيا والآخرة ؟! أضف إلى ذلك أن العلوم في الإسلام ثروة كبيرة وفيها تفاصيل تحتاج إلى وقت طويل لدراستها ، والطالب يحتاجها طيلة حياته وفي جميع حركاته وسكناته بل وبعد مماته .
وعلماء التربية يقيسون جودة المنهج بمدى تطبيقه على أرض الواقع في حياة الفرد، فكلما كان ألصق بحياة الفرد العملية كان أكثر جودة وأما ما يدرسه ولا يطبقه ولا يحتاج إلى تطبيقه فإنه يعتبر في مقاييسهم أمراً ثانوياً ليس جديراً بالاهتمام .(1/44)
وأما العلوم الأخرى كالرياضيات والكيمياء والفيزياء .. الخ فإن جميع بلدان العالم تقريباً مشابهة لطريقة التدريس لدينا ، فلا تدرس هذه العلوم في المرحلة الابتدائية بل حتى اللغة الإنجليزية لا تدرس في كثير من بلدان العالم إلا في المرحلة المتوسطة حتى لو كانت تلك الدول مستعمرة لبريطانيا من وقت قريب أو كانت مستعمرة لدولة تتحدث الإنجليزية؛ كما في اليابان حيث لا تدرس اللغة الإنجليزية للطلاب إلا في المرحلة المتوسطة ( المرحلة الابتدائية لديهم ست سنوات ) ، وسيأتي المزيد - إن شاء الله - في بيان هذا الأمر .
وقفات سريعة مع اتهامات كبيرة
أولاً : كمية العلوم الشرعية كثيرة :
أقول : إن هذا الكلام ليس بصحيح إطلاقا، ويكفي أن نعرف أن الطالب في المرحلة الثانوية يدرس ست حصص في مادة الرياضيات مقابل خمس حصص لجميع العلوم الشرعية ( القرآن الكريم والتفسير والتوحيد والحديث والفقه ) وأن اللغة الإنجليزية خصص لها أربع حصص وكذلك مادة الفيزياء أربع حصص والأحياء أربع حصص والكيمياء كذلك وحصتان للحاسب وحصة للجيلوجياء ، هذا في القسم الطبيعي في الصف الثاني والثالث ثانوي ، أما في الصف الأول الثانوي فقريب من ذلك حيث إن الرياضيات خصص لها خمس حصص وبذلك تتساوى مع جميع المواد الشرعية ، واللغة الإنجليزية خصص لها أربع حصص إضافة إلى حصص العلوم والحاسب واللغة العربية.
وأما القسم الشرعي ( الصف الثاني والثالث ثانوي ) فإن مواد اللغة العربية واللغة الإنجليزية تنافس العلوم الشرعية ، وتأخذ حيزاً أكبر منها .(1/45)
إذن المرحلة الثانوية وهي ثلاث سنوات يختم بها الطالب حياته الدراسية لا يأخذ من العلوم الشرعية سوى حصة واحدة لكل مادة ، فكتاب التفسير مثلاً للصف الثالث الطبيعي الفصل الثاني لا يتجاوز (70) صفحة، والحديث (64) صفحة، والتوحيد (45) صفحة، والفقه (46)، بينما مادة الكيمياء في هذا الفصل (200) صفحة والفيزياء (175) صفحة، والإحياء (140) صفحة، والرياضيات (270) صفحة، أما مادة الأدب فتتجاوز (100) صفحة، ومادة النحو والصرف (125) صفحة.
وأما في المرحلة الابتدائية والمتوسطة فإن جميع دول العالم تقريباً تدرس طلابها ثقافة المجتمع وعاداته وترسخ فيه المبادئ والقيم التي تؤمن بها، فلا يدرس الطالب مادة الكيمياء أو الفيزياء في تلك المراحل ، ولهذا لا تعتبر المواد الشرعية كثيرة ، لأنها جزء من ثقافة المجتمع ، كذلك لو نظرت إلى مادة الرياضيات وحدها لوجدت أنه قد خصص لها خمس حصص في الصف السادس والخامس والرابع الابتدائي ، وأربع حصص في الصف الثالث الابتدائي ، على أن مادة الرياضيات تعتبر كبيرة نسبياً مع مقارنتها ببعض الدول الأخرى ، وقد سألت بعض معلمي المادة من الإخوة المتعاقدين عن ذلك فبينوا أنها كبيرة وطويلة في المملكة ، بل أكّد البعض أن هناك موضوعات لا تدرس إلا في الجامعة عندهم ،مع قولنا إن ما لدينا من قيم ومبادئ مستمدة من الشريعة لا تقارن البتّة بما لدى الآخرين ، لا من حيث الأهمية ولا من حيث الجودة ولا من حيث كمية المعلومات والتفاصيل ، ونأسف أننا نضطر أن نقول مثل هذا الكلام ونقرره دائماً للرد على بني جلدتنا وليس على الغربيين ، بل أحياناً نأتي بكلام عقلاء الغربيين للرد على سفهائنا لِلَّهِ .(1/46)
والطالب في هاتين المرحلتين - لا سيما المرحلة الابتدائية - يحفظ بعض السور من القرآن الكريم ويدرس مادة التجويد ، على أن الحفظ يقل تدريجياً حتى يصل حفظ الطالب إلى سورة واحدة فقط خلال فصل دراسي كامل، وهي من السور القصيرة تقريباً مثل: ( الطلاق والتحريم والمنافقون والجمعة والصف .. ) .
وسوف أختم الرد في هذا الأمر بكلام العقلاء في ألمانيا ، عندما دعوا وبشدة إلى تقليل دراسة العلوم العصرية واستبدالها بعلوم الأخلاق والقيم بعد أن شاهدوا الجرائم والانفلات الأخلاقي لدى شبابهم بكثرة كاثرة ، وقد أثيرت هذه القضية إثر حادثة الطالب في المرحلة الثانوية عندما قتل سبع عشرة من معلميه وزملائه !
قال أولرايش : ( .. أن دراسات الجدوى الاقتصادية لم تعد تقتصر على المشروعات التجارية فحسب ، بل تغلغلت في التعليم ، وفي البحث العلمي وفي النظرة للتقاليد والموروث من القيم وفي اختيار شريك الحياة ... أصبح تناول الطعام عمل لِلَّهِ فإذا لم يتم صفقة فهو خسارة ، وأصبح وقت الانتظار دون استغلاله لتحديد مواعيد جديدة وقت ضائع ، وبناء على هذه القيم [ أو على الأصح اللا قيم الجديدة فإن الجلوس مع الأطفال لسؤالهم عما يفكرون فيه ومشاهدة البرامج التي يشغلون بها أوقاتهم على التلفاز والإنترنت لمعرفة ما فيها من مضامين .. تصبح تضييعاً للوقت وجهداً يذهب سُدى .. ] ) .
والسياسيون هناك دعوا من أجل القضاء على هذه الظاهرة إلى منع أفلام العنف ومراقبة ما يبثه الإنترنت ، وحظر الأغاني المحقرة لقيمة الإنسان .
وأما رجال الدين وعلماء الاجتماع فقالوا : ( ما يثير الاستغراب ليس حدوث هذه العملية الإجرامية الآن ، بل عدم حدوثها قبل ذلك بسنوات ، وعدم تكرارها كثيراً ، نظراً لما يعانيه الأطفال والشباب في المجتمعات الغربية من إهمال وضياع ) .(1/47)
وقال آخرون : ( إن الغرب لم يعد يفكر في الرب الخالق سوى في الأعياد الرمزية واتخذ بدلاً منه المال إلهاً له ، ومن لا يقبل بالعبودية للمال فليس له مكانة في هذا العالم ) !
وقالوا أيضاً : ( إن الهدف الجديد هو القدرة على الإنجاز والعطاء بسرعة أكبر وفي وقت أقصر ولا مجال للقيم والمبادئ والمثل بل صارت لا تساوي قيمة الورق الذي تدوّن عليه ، حتى لو كان الحصاد أطفالاً بلا قيم ولا معايير ولا هوية ، بل كائنات تصبح حلقة في ماكينة الإنتاج التي لا تتوقف ) !!
وخلصت مجلة المعرفة التي نقلت هذا الكلام .. إلى أنه لا بد أن نربي في الطلاب ( الحفاظ على الهوية الإسلامية التي فيها الكثير من القيم الفاضلة والهدوء الداخلي الناجم عن الإيمان بأن للكون رباً يراقبنا .. بحيث لا نرى يوما ما " روبرت شتارينهويزر " عربياً ) !.
أما أنا فأقول : هل نبدأ بعد ذلك من حيث بدأ الآخرون حتى نصاب بما أصيبوا به من ضياع وجرائم وتفكك ، أم أن العاقل من اتعظ بغيره ؟ وهل من يقترح تقليل المواد الشرعية يعتبر ناصحاً للمجتمع أم يريد أن يفتح ثغرات هائلة لا يمكن ترقيعها ، ومشاكل لا نستطيع التغلب عليها ... فالله المستعان .
ثانيا : الحياة المعاصرة والعلم الحديث في مناهجنا الشرعية
ذكرت هذا الأمر لأنني قرأت لبعض هؤلاء الكتّاب أن مناهجنا لا تدعو إلا لما هو قديم وبائد لِلَّهِ ، وأنها تنظر للعلوم الحديثة بنظرة الريبة والشك ، لهذا تغفل عنها ، ولا تحاول الاستشهاد بها ، وأنها تقليدية وجافة ، وغير متجددة وتغرس في أذهان الطلاب بغض كل ما هو جديد ، ولا تعالج أو تذكر ما استجد من أمور الحياة لِلَّهِ(1/48)
وهذا أيضاً من الإفك البيِّن؛ فحين تتصفح مناهجنا الشرعية ستجد الكثير من الاستشهادات من العلوم العصرية ، بل إن المنهج فسّر بعض الآيات القرآنية بالعلوم الحديثة والاكتشافات ، وأحياناً تجد دروساً قد يقول فيها البعض: هذه مكانها مادة العلوم وليس الفقه أو الحديث !!
أضف إلى ذلك أن مناهجنا الشرعية - كما هو الإسلام - تحث على الأخذ بالعلم المادي المفيد ، بل وتتأسف هذه المناهج على تأخر المسلمين في هذا الجانب وسأذكر بعض ما يدل على ذلك .
ففي مادة الحديث للصف الأول الثانوي ص66 ، لما تحدث المنهج عن العلم في الإسلام ذكر فضله وأنواعه ، ثم ذكر أنواع العلوم : ( 1- منها المحمود : كعلم الشرع - وهو أشرف العلوم - والعلوم التي بها قوام أمر الدنيا ، كالطب والصناعات النافعة ونحوها ) .
ثم بيّن آداب المتعلم في ص72 فذكر أموراً عدة منها : ( خدمة أمته ووطنه في المجال الذي يحسنه ويتقنه ، وهذا من العمل بالعلم ) .
وفي مادة التفسير للصف الثالث الثانوي ص69 : ( ولكن وا أسفاه فقد أضحى المسلمون اليوم من أجهل الشعوب بسنن الله في الأكوان ، وبالعلوم والمعارف التي تعين على تقدم الحضارة المدنية ، وخالفوا ما رسمه لهم دينهم من أن لهم زينة الدنيا وطيباتها وسعادتها وملكها ، وأن عليهم أن يقوموا بما يرضيه سبحانه من اتباع الحق والعدل ، وكل ما تقتضيه خلافتهم في الأرض ) .
... وفي منهج التفسير للصف الثالث الثانوي ص145 : ( هذه العلوم الكونية التي تبحث في صميم تهيمن الكون ، وفي نواميسه ، وسننه ، وفي قواه ومدخراته ، وفي أسراره وطاقاته ، لو اتصلت بتذكر خالق هذا الكون ، وذكره والشعور بجلاله وفضله لتحولت إلى عبادة لخالق هذا الكون ، ولاستقامت الحياة بكثرة العلوم واتجهت إلى الله .. ) .(1/49)
وجاء في كتاب التوحيد للصف الثالث المتوسط ص154 : ( عظمة العالم المنظور : إذا تأمل الإنسان في عالم الشهادة حوله بما فيه من أناس وحيوانات ونباتات وجمادات ، وما هي عليه من عظيم الخلق وإتقان الصنع ، وأنها كلها تسير نحو تحقيق غاياتها التي أوجدها الله لها " الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى " وإذا تأمل في حركة هذا الكون بأفلاكه ومجراته وما فيه من قوانين ضوئية وجاذبية وغيرها فإنه يشعر بالخشوع والتعظيم لخالقها ومدبرها سبحانه ) .
وعند تفسير قوله تعالى : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب " .
جاء في المقرر للصف الثالث الثانوي ص10 : ( الحكمة في تبديل جلود الكفار : أن أعصاب الألم في الطبقة الجلدية ، وأما الأنسجة والعضلات ، والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف ، وكما هو معلوم في الطب أن الحرق اليسير الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألماً شديداً بخلاف الحرق الشديد الذي يجاوز الجلد إلى الأنسجة فإنه مع شدته وخطورته لا يحدث ألماً كثيراً والله أعلم ) .
وفي ص55 من المقرر نفسه وعند تفسير قوله تعالى : " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصّعد في الماء .. " : ( ضرب الله مثلاً لضيق النفس المعنوي الذي يجده من دعي إلى الحق وقد ألف الباطل وركن إليه بضيق النفس الذي يجده من يصعد إلى طبقات الجو العليا ، وأنه كلما صعد إلى طبقة أعلى شعر بالحاجة إلى الهواء ، وبضيق في النفس نتيجة الهواء المحتاج إليه ) .
وليس الاستشهاد بالعلم الحديث في مقرر التفسير فحسب ، بل تجد هذا كثيراً في المواد الشرعية الأخرى ، خصوصاً الفقه ، لدرجة أن بعض الموضوعات تكاد أن تكون لمادة العلوم ، مما يدل على أن الشرع نفسه يحتوي على كل متطلبات الحياة ، وأنه يستوعب جميع العلوم ويشير إليها ويحث عليها ، بل ويرتب الأحكام من حل أو تحريم - في كثير من الأحيان - حسب ما يثبت في تلك العلوم من ضررٍ أو نفعٍ أو غير ذلك .(1/50)
فعندما تحدث المنهج عن الأطعمة المحرمة ذكر لحم الخنزير ثم أخذ يستشهد بالطب الحديث على الحكمة من تحريمه ، كما جاء في ص18 : ( والخنزير محرم : لحمه وشحمه وكل أجزائه لأنه خبيث مستقذر ، ومن خبثه أنه يأكل النجاسات بل أشهى مأكولاته فضلات الإنسان والحيوان ، كما أنه يترتب على أكله أضرار عديدة أثبتها الطب الحديث من أهمها :
أ- كثرة الديدان في لحمه ، وهذه بدورها تسبب أضراراً عديدة لمن يأكل لحمه ، ومن الأمراض التي يسببها أكل لحم الخنزير : مرض التريخينيا الخطير [ جاء في الحاشية : دودة تدخل إلى الإنسان نتيجة أكل لحم الخنزير وتعيش في عضلات الوجه والصدر مسببة آلاماً شديدة وتورماً في مكان الإصابة ] .
ب- أنه يأكل الفئران الميتة ، وهي تشتمل أجنحة دودة تسمى الحلزونية .
ج- أن أكل لحمه يسبب ارتفاعاً في نسبة الكولسترول في الدم ، وكذا أثره في إحداث أمراض القلب . [ جاء في الحاشية : الكولسترول هو مادة دهنية معقدة لها دور هام في جسم الإنسان ، لكن زيادتها في الدم تجعلها تترسب على جدران الأوعية الدموية في الداخل من الداخل مما يسبب انسداداً لها فتحدث الجلطات].
د- أن لحمه عسر الهضم ، لأن أليافه العضلية محاطة بخلايا شحمية عديدة .
ه- أن تناول لحم الخنزير له أثر على إضعاف الغيرة على المحارم ، لأنه حيوان عديم الغيرة ، وللطعام تأثيره على أكله .
قال الله تعالى : " قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير ، فإنه رجس ... " .(1/51)
وقبل ذلك تحدث المنهج عن مادة [ النيكوتين ] وبين ضررها الطبي الذي يترتب عليه تحريمها ، ثم تحدث المنهج عن المخدرات في معرض حديثه عن الأطعمة المحرمة فذكر تعريفها وأنواعها قال في ص25 : ( .. ويمكن أن تصنف إلى نوعين حسب وصفها الطبيعي أو تصنيفها ، النوع الأول : المخدرات الطبيعية وهي المواد المخدرة النباتية مثل الحشيش والأفيون والقات ، النوع الثاني : المخدرات التصنيعية وتشمل : أ- المواد المستخلصة من المواد المخدرة الطبيعية ، ويجري عليها عمليات كيميائية لتصبح في صورة أخرى أشد تركيزاً وأكبر أثراً مثل المورفين والهيروين والكوكايين .
ب- العقاقير المصنعة من مواد كيميائية لها نفس تأثير المواد المخدرة الطبيعية أو ما يصنّع منها ، تصنع على شكل كبسولات أو حبوب أو أقراص منها ما هو منوّم مثل السيكنال ومنها ما هو منبّه مثل الكبتاجون والإمفيثامين وما هو مهدئ مثل الفاليوم وما هو مهلوس مثل " إل . إس . دي " ) .
ثم ذكر المنهج الحشيش والأفيون والكوكايين والقات وبيّن مضار كل نوع على حدة ، ومما ذكر من مضار القات حسب ما أثبته الطب :
1- زيادة خفقان القلب .
2- ارتفاع ضغط الدم .
3- النزيف في الفم بسبب طول تخزينه فيه .
4- التهاب في الفم وفي غشاء المعدة .
5- العنف والاضطراب والتوتر العصبي .
6- كثرة التصرفات غير الإرادية مع كثرة السهر والأرق .
وختم الدرس في أسئلة المناقشة وهي تشبه أسئلة مادة العلوم ، ففي ص37 :
س3 : أكمل الفراغات بما يناسبها من العبارات التالية :
- مادة نباتية منبهة تحتوي على مواد سامة ... ... ... ...
- مادة مخدرة عبارة عن مسحوق أبيض تستخرج من نبات الكوكا ... ... ... ...
- مادة مخدرة تستخرج من نبات الخشخاش ... ... ... ...
- مخدر يستخرج من ورق نبات الخشخاش ... ... ... ...
أ- الكوكايين ب- الحشيش ج- القات د- الأفيون
وذكر المنهج أيضاً الأطعمة المختلفة من محرم ، وتحدث عن الجلاتين والأجبان وأنواع الزيوت ، وفصل في ذلك .(1/52)
وتحدث المنهج أيضاً عن المخدّر في التداوي والعمليات الجراحية وحكم جواز ذلك ، وتحدث عن تذكية الحيوان ، وأنواع التذكية ، وصور قتل الحيوان المعاصرة مثل الصعق الكهربائي والرمي بالرصاص وإغراق الدجاج بالماء ثم تعليبه ، وتحدث أيضاً في مسائل الزينة عن عمليات التجميل الحديثة .
وفصل الأحكام فيها مثل عمليات شد الوجه وعملية القشر الكيميائي أو استعمال الهرمونات لتضخيم الثديين وغير ذلك .
ثم تحدث المنهج عن التزيين بأدوات التجميل الحديثة ، وصبغ الشعر واتخاذ الزينة ( انظر كتاب الفقه للصف الثالث متوسط ص83 ) .
وتحدثت المناهج عن حوادث السيارات وأنواع الجناية فيها بتفصيل بديع فذكر منهج الفقه للصف الأول الثانوي درساً كاملاً في ذلك ص33 ذكر فيه بعض التوجيهات المهمة في قيادة السيارة مثل تجنب السرعة الزائدة ، وتفقد السيارة وألا نمكن منها الصغار أو من لا يحسن قيادتها ومراعاة أنظمة المرور والضوابط والتقيد بإرشادات السير وعدم الانشغال أثناء القيادة .. الخ .
ثم فصل المنهج في الحوادث التي تحصل وحكم كل نوع مثل الانقلاب بسبب تفريط السائق كتجاوزه السرعة المسموح بها . ومثل اصطدام سيارة بشخص وألقته فقامت سيارة أخرى فدهسته وقضت عليه ، أو دفع إنسان شخص آخر تحت عجلة سيارة أو سار عكس خط السير وأصاب إنسان أو أتلف شيئاً وذكر أيضاً أشياء كثيرة مثل الحوادث بسبب البهائم وغير ذلك .(1/53)
ولما ذكر المنهج في الصف الأول ثانوي في مادة الفقه الحدود ذكر قضية المخدرات لأن عقوبة مهربه القتل ، وتحدث عن ذلك بصفحتين ، ثم ذكر المفترات وبين حكمها كل ذلك مسايرة للقضايا المستجدة . وحصل مثل ذلك كثير جداً مثل قضايا البيوع حيث تحدث المنهج عن بيع التقسيط وبيع المرابحة والسلم والقروض المصرفية والشيكات وجمعية الموظفين والإيجار المنتهي بالتمليك ، والبطاقات المصرفية ( مثل الماستر كارد ، أو بطاقات أمريكان اكسبرس ، وبطاقات فيزا ، وغيرها كثير ) وكلما استجد أمر في هذه المواضيع تطرق إليها المنهج ، والأمثلة في كل الدروس هي من واقع الحياة المعاصرة مثال ذلك ( إذا أسلم في سيارة ذكر نوعها ( كابرس ، هايليكس ، مرسيدس ) وموديلها ( 2001 ، 2002 ) ومميزاتها ( أوتوماتيك ، عادي ) وكل ما له أثر في الثمن ) الفقه للصف الثاني الثانوي ص21 .
وعلى هذا فإن اتهام المناهج بعدم أخذها للمستجدات وعدم مسايرتها للحياة المعاصرة فرية من هؤلاء الكتّاب ، وكذلك قولهم بأنها تنظر للعلوم الحديثة نظرة الشك والريبة .
ثالثا: الحث على العمل وعدم التواكل في مناهجنا الشرعية
ذكرت هذا الموضوع بعد أن قرأت لبعض الكتاب أن مناهجنا لا تحث على العمل ولا تدعو الشباب إليه بل تدعوهم فقط إلى العمل الأخروي بل تحث على التواكل والزهد مطلقاً لِلَّهِ
ولاشك أن مناهجنا بريئة من هذه التهمة ، بل إنها من أولها إلى آخرها تحث على العمل والكسب والجد والاجتهاد ، واستثمار هذا الكون وعمارته والاستفادة منه .(1/54)
جاء في مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص116 : ( ... وعليه فينبغي إحياء هذا الكون وعمارته باستخدام ذلك التناسق العجيب وفق ما أراد الله تعالى ... ولعمارة هذا الكون وإقامة الحياة فيه يوجه الإسلام إلا أن تكون جميع النشاطات الممارسة في هذه الحياة وفق دين الله تعالى .. وخلاصة الأمر : أن الحياة في نظر الإسلام استثمار ما أودعه الله في الكائنات من طاقات استثماراً صالحاً وفق دين الله عز وجل ) .
وفي ص127 : ( 8- الإسلام دين الحركة والنشاط والعمل ، لا دين الكسل والخمول والفتور ، فإذا زاد العمل وترتب عليه نشاط في غير معصية الله زاد الفضل فيه، فهؤلاء الذين أخذوا برخصة الفطر وخدموا إخوانهم ونصبوا بيوتهم وأوجوا الظل ذهبوا بالأجر والثواب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .. ] .
9- المؤمن الحق هو الذي يبحث عما يسعده في الدنيا والآخرة فلا يكون خاملاً كسولاً بل يسعى جاداً ليستثمر جميع لحظات عمره ، وحينئذ تكون حياته كلها عبادة لله عز وجل يثاب عليها .
10- الإسلام دين شامل ليس فيه فضل لأمور الدنيا عن الآخرة ، وهذا العمل المذكور في الحديث عمل دنيوي محض ، قد رتب الله تعالى على فعله الأجر والمثوبة لما فيه من خدمة الآخرين والتعاون على الخير ، فصار قربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى ) .
وفي ص23 : ( يدعو الإسلام إلى حفظ كرامة المسلم ، ويحثه على جمع المال من عمل يده ، وأن يتأفف به عن السؤال فيرتفع عن مذلة السؤال ، وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلاً أعطاه أو منعه .. ] .(1/55)
وجاء في مادة الفقه للصف الثالث المتوسط في أول موضوع : ( أولا : الأمر بطلب الرزق والمعاش : ومما يدل على ذلك 1- قوله تعالى : " وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " . 2- قوله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلاً أعطاه أو منعه .. " . 3- قوله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقه") .
وفي موضوع ( رعاية الآباء للأبناء ) للصف الثاني الثانوي في مادة الحديث ص170 : ( د- تعويدهم الأخلاق الحميدة والصفات الطيبة ، فالابن يُعلّم الرجولة والشجاعة والصدق في القول والعمل وحب التضحية والفداء ، والكرم ، والبنت تُعلّم الحشمة والحياء والوقار ، والأعمال المنزلية وما يلائمها وهكذا .
هـ- تنمية مهاراتهم وقدراتهم كل بما منحه الله من المواهب والقدرات ، فالذي يميل - مثلاً - إلى الأمور الصناعية تنمي فيه هذه الموهبة ، ولو على شكل لعب في بداية عمره ، وهكذا .. ) .
وجاء في مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص49 : ( لمّا تحدث المنهج عن صور استغلال الفراغ ذكر أموراً عدّة منها : [ التفكير في مصالح نفسك ومصالح وطنك وأمتك ، والعمل النافع المنتج ، وكتابة البحوث .. ] ) .
وفي الحديث للصف الأول المتوسط ص18 : ( أن فعل الأسباب لا ينافي التوكل على الله سبحانه ، فقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين ، ومع هذا استخفى عن المشركين في الغار ) .
وجاء في ص75 : ( المسلم نافع لنفسه ولغيره يعمل ليكف نفسه عن السؤال ويغني أهله ويتصدق على غيره من المحتاجين ) .
وجاء في ص51 : ( أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن يحرص المسلم على إتقان عمله أياً كان من وضوء وغيره ) .
والمناهج جميعها تحث على العمل وتمجد الكسب وما نقلته هنا عبارة عن مقتطفات سريعة .(1/56)
رابعاً: مناهجنا الشرعية وتنمية الذكاء والتفكير الإبداعي
ومن العجب أن بعض الكتاب هاجم مناهجنا الشرعية قبل فترة بحجة أنها تحتاج إلى ذكاء خارق وبأنها صعبة جداً في بعض موضوعاتها كالفرائض وعلم الأصول وبعض أنواع البيوع والزكاة وغير ذلك ، والآن يهاجمها بحجة أنها ( حفظ ولفظ ) لِلَّهِ ولا تنمي الذكاء أو التفكير الإبداعي !!
فأقول : أما التفكير والتأمل فإن الشرع حثنا عليه في كثير من الآيات ، قال تعالى : " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " النمل 44
وقال تعالى : " إنا أنزلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون " يوسف 2
وقال تعالى : " إن في ذلك لآيات لقومٍ يعقلون " النمل 12
وقال تعالى : " .. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الجاثية 13
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحفز العقل حيث يلقي السؤال على أصحابه ويتركهم برهة للتفكير في الجواب، بل وأحياناً يدخل بيته ويجعلهم يبحثون عن الجواب .
وجاء من ذلك في مناهجنا : ( حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم : حيث أثار انتباه أصحابه بالسؤال ثم أجابهم ) حديث أولى متوسط ص13
وجاء أيضاً : ( مشروعية السؤال لإثارة انتباه المستمع ليحفظ ما يلقى إليه ) حديث أولى متوسط ص34 ، وغير ذلك كثير في المناهج .
وجاء في تعريف العملية الإبداعية عن ( سميث ) : ( بأنها التعبير عن القدرة على إيجاد علاقات بين أشياء لم يسبق أن قيل إن بينها علاقات ) .
وهذا أقرب إلى مفهوم القياس في العلوم الشرعية .
ويرى ( هافل ) أن الإبداع : ( هو القدرة على تكوين تركيبات أو تنظيمات ) . وذكر المختصون بأن المنتج الإبداعي قد يكون محسوساً كما في عالم الصناعات وقد يكون غير محسوس ولا مادي كابتكار أساليب جديدة أو توليد أفكار جديدة نافعة حيال المشاكل المختلفة .
وهذا يشبه إلى حد كبير الاجتهاد في العلوم الشرعية؛ بل هو نفسه.(1/57)
ومما جاء في كتاب لمحات عامة عن التفكير الإبداعي للدكتور عبد الإله الميزان: وصايا لتنمية مهارة التفكير الإبداعي ، وأول تلك الوصايا تسجيل الأفكار قبل نسيانها ثم استشهد بالإمام البخاري حيث كان يقوم من الليل ويوقد السراج ويدون الفكرة التي طرأت على تفكيره ثم يطفئ السراج، ثم تأتيه فكرة أخرى فيقوم ويوقد السراج ويدون الفكرة حتى قيل أنه كرر ذلك في بعض الليالي عشرين مرة .
وجاء في الوصية الثانية تمرين الدماغ مع الأشخاص الآخرين لا سيما الأذكياء وذلك عن طريق المناظرة والمجادلة معهم، ثم قال: ( إن المناظرة والمجادلة تعمل على تنشيط عمل خلايا المخ بصورة رائعة ) .
إذن قضية التفكير الإبداعي وتنمية الذكاء موجودة في تراثنا الإسلامي بشكل واضح جداً ، بل إن بعض علوم الشريعة لا يستطيعها إلا الأذكياء ذوي المهارات العقلية الكبيرة كعلم الحديث والمصطلح والفرائض والأصول وخاصة مبحث القياس.
وقال معالي الدكتور محمد الرشيد : ( .. فالرياضيات لغة العلم ، وصدق من قال : إن العدد يسود الكون ويقود العالم . ونحن نقرأ في كتاب ربنا " وأحصى كل شيء عدداً " .. أما على مستوى الرؤية الحضارية فقد نلحظ معاً أنه كان ثمة متلازمة حضارية تبدو في ضفيرة واحدة ، كان الاهتمام بالعلوم الطبيعية وبالرياضيات خاصة يتواكب دوماً مع خط الصعود الحضاري ، بل لعل هذا التقدم الرياضي العلمي هو الذي كان يمهد دوماً لعملية السبق الحضاري ، كما تسبق البواعث الحضارية كلا الأمرين معاً ، وإذا تحرينا الدقة فيما يتصل بالبواعث نجد أن أصل التطور العلمي للرياضيات عند المسلمين إنما بدأ مع القرآن الكريم وذلك فيما ورد فيه من الأحكام الدقيقة في تقسيم المواريث يضاف إلى ذلك ما ورد فيه مما يتعلق بالأعداد والكسور ) . مجلة المعرفة العدد (45) ذو الحجة 1419هـ .(1/58)
وقد كتب شاكر السليم مقالا مطولا في جريدة الجزيرة قبل مدة بعنوان : مناهج التربية الإسلامية ودعم التفكير ، أوضح فيه هذا الجانب، ومما ذكر:
( علم التجويد : من أهم العلوم التي تحرك الذهن؛ إذ ينمي مهارة غائبة عن ذهن كثير من التربويين وهي دقة الملاحظة ، ومن يكون خاملاً في ملاحظته للكلمات والأحكام - وتتبعها من خلال كلمات القرآن الكريم ، ومن ثم يطبقها حال قراءته وبسرعة لن يجيد القراءة وسيكون فكره أكثر خمولاً .. ) ثم تطرق إلى علم الفرائض فقال : ( علم الفرائض : الذي أتعب المعلمين فهمه وإدراكه ، لن يفهمه إلا الفطن الذكي الذي يعمل التفكير عند كل كلمة يقرؤها في كتبه . وموضوعات الزكاة في الفقه لا يفهمها إلا الذكي الفطن والتي تفوق مسائل( س ، ص ) في الرياضيات في واقعيتها . وموضوعات المعاملات والعبادات أيضاً ومسائل الربا وغيرها في الفقه من أبرز مواضيع الذكاء ) .
وأقول أيضاً : يكفي أن يكتب المعلم الحديث على اللوح ويطلب من الطلاب استنباط الفوائد والمسائل الفقهية منه فإن ذلك ينشط أذهان الطلاب ويجعلهم أكثر إعمالاً لعقولهم فيستنبطون ويقيسون ويبدعون وهذا كثيراً ما يحصل في مدارسنا ولله الحمد . ولهذا كثيراً ما يأتي في أسئلة المناقشة في المناهج الشرعية : استنبط - قارن - استخرج .. وكل هذه الكلمات وغيرها مما يحث عليه أصحاب البحوث في مجال الإبداع .
وخلاصة القول : إن مناهجنا الشرعية بريئة من تهمة المساعدة على خمول فكر الطلاب ، وقد جعل المختصون اللائمة على مادة الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء وغيرها في طريقة تدريس هذه المواد لدينا ، وذكروا أمثلة على ما ذهبوا إليه(1).
__________
(1) انظر كتاب التفكير العلمي لدى طالب التعليم العام في المملكة العربية السعودية . الواقع والطموحات، إعداد مجموعة من الدكاترة . تقديم الوزير د.محمد الرشيد .(1/59)
وبعضهم قال : ( إن الطالب ليس ضحية المناهج ، ولكنه ضحية المعلم القادم من الجامعة بحصيلة لا تتجاوز الثانوية ، كما إن الإعلام أصبح منافساً للتعليم في إشغاله عن دورسه وبالتالي لن يُبدع ولن ينتج ، فالمسؤولية مشتركة بين جميع الجهات لإنتاج جيل متطور واع على قدر المتطلبات الفكرية والحضارية القادمة )(1).
خامساً: الإقبال على العمل المهني واليدوي لدى الطلاب
ليس للمناهج الشرعية دخل في هذا الأمر إلا من حيث تشجيع الطلاب على العمل اليدوي وتمجيد العمل المهني ، وقد قامت به على أكمل وجه كما مر في معرض بياننا عن العمل والحث عليه في المناهج . فليس مطلوبا من مادة الفقه أن يتعلم الطالب فيها أعمال صناعية أو مهنية مثلاً ، ولكن أوردت هذا الموضوع لأن بعض الكتّاب حاول أن يُلصق هذه التهمة بالمناهج الشرعية من حيث إلحاحه على أنها كثيرة وأخذت حيزاً من العلوم الأخرى .
فأقول: إن هذه فرية واضحة لأنه قد مر سابقاً أن المرحلة الثانوية ، تعتبر فيها العلوم الشرعية قليلة بجانب مواد الرياضيات والعلوم الأخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مادتي الرياضيات والعلوم يدرسا للطلاب في المرحلة الابتدائية جنباً إلى جنب مع العلوم الشرعية ، وتأخذ جزءاً كبيراً من المناهج .
__________
(1) انظر المرجع السابق ص102 .(1/60)
أما عدم إقبال الطلاب السعوديين على العمل اليدوي والمهني أو الصناعي بشكل عام فيعود ذلك لأسباب عديدة، منها: أن المجتمع لا يرغب بمثل هذه الأعمال وينظر إليها نظرة احتقار ، وليست القضية مرتبطة بالمجتمع السعودي بل في جميع دول العالم تقريباً ، ولهذا فإن من يحصل على درجات عالية يحق له إكمال دراسته الجامعية، ومن كان معدله أقل أجبر على الذهاب إلى المعاهد المهنية، وأقرب مثال على ذلك جمهورية مصر العربية، وهي الطريقة المتبعة في كثير من بلدان العالم كألمانيا وأمريكا وبريطانيا وكثير من البلدان . ولهذا حصلت النظرة الدونية للأعمال المهنية ، وربما العكس ، أي بسبب هذه النظرة كانت تلك النتيجة .
يقول السفير البريطاني السابق: ( يكره الإنجليز على سبيل المثال العمل في وظيفة الجرسون وجامع القمامة ، لكن تصنيف السعوديين للوظائف متزمت بطريقة غير عادية ، فهم لا يرفضون كل الأعمال اليدوية الوضيعة فحسب ولكنهم أيضاً ينفرون من القيام بأي عمل فيه التزام وانضباط ، فالسباكة عمل يدوي وتنظيف الطريق عمل وضيع وهم يستعملون غير السعوديين في هذه المهن(1).
ويؤكد الدكتور نايف الرومي هذه النظرة بقوله : ( وبمعنى آخر فإن معظم الشعب السعودي يحتفظ بهذا الفهم السلبي للعمل المهني ، وبتعبير آخر فإن الوظيفة غير المهنية بالنسبة لمعظم السعوديين رغم قلة دخلها تحظى بالتفضيل عن وظيفة عمالية مهنية )(2).
__________
(1) انظر كتاب إنهم لا ينتجون ، تأليف الدكتور نايف الرومي ص14 .
(2) المرجع السابق ص39 .(1/61)
ومما يدل على ذلك من حيث الواقع أن المملكة توسعت في المعاهد المهنية منذ خمسة وعشرين عاماً ومع ذلك كانت النتائج في هذا الجانب ضعيفة ولا تفي باحتياجات سوق العمل ، فمن الصواب والإنصاف أن يوجه اللوم أولاً إلى المعاهد المتخصصة في هذا الجانب والتي أنيط بها هذا الواجب ، ويُنظر في الأسباب التي جعلتها لا تقوم بدورها على أكمل وجه ، ومحاولة علاجها والرفع من مستواها .
قال د. المقرن : ( لقد أدركت حكومة المملكة العربية السعودية أهمية الاستثمار في الموارد البشرية عن طريق نشر التعليم وبرامج التدريب ، وذلك لتوفير العمالة السعودية الماهرة للقطاعين العام والخاص ... تأسست المؤسسة العامة للتعليم المهني عام 1980م وأسس فرعاً جديداً في المدارس الفنية والمهنية حيث عمل صانعو سياسة التعليم في المملكة على نشر هذه المدارس المهنية وشجعوا الطلاب على الالتحاق بها ، بهدف تمكين الخريجين من امتلاك المهارات التي يتطلبها سوق العمل ، إلا أن هذا التوسع في المدارس أو المعاهد المهنية لم يحقق ما كان مخططاً له مما دفع وزارة التخطيط في المملكة العربية السعودية إلى انتقاد التعليم المهني بعجزه عن تلبية احتياجات سوق العمل في المملكة العربية السعودية )(1).
وهناك أسباب كثيرة أخرى ، لعل من أهمها عدم الحاجة الملحة للشباب السعودي ، فالحاجة أم الاختراع ، وبسبب الرفاهية والترف في الأسرة السعودية - بشكل عام - واستغناء الشاب بوالده فإنه لا يتجه إلى العمل الحرفي ، ولهذا فإن أغلب دول مجلس التعاون الخليجي تعاني من هذه المشكلة وربما بحجم أكبر مما هو عندنا كما في الكويت والإمارات وقطر ، بل أن بعض دول الخليج لا يلتحق الشباب في السلك العسكري أيضاً وينفرون منه فتجد كثير من العسكر لديهم من الجاليات، وبالذات الجالية الهندية ، ولعل الزمن والحاجة كفيلان بتغيير هذه النظرة .
__________
(1) انظر المرجع السابق ص18 .(1/62)
ولكن ثمة أمر لابد من التنبه له وهو قلة المصانع والأماكن التي تستقطب الأيدي الحرفية والعلمية ، وقد طالعتنا الصحف قبل فترة بوجود خريجين من الجامعات في تخصصات علمية نادرة لم يجدوا وظائف مثل حاملي ( البكالوريوس في الكيمياء ) .
ومن الملاحظ - بشكل عام - أن الأعمال المهنية إذا سلمت من النظرة الدونية وكانت هناك حاجة ملحة في البلد بحيث تُستقطب الأيدي العاملة مباشرة دون انتظار نجد أن كثيرا من الشباب يتجه إليها كما في قسم الهندسة ، فنجد المهندسين السعوديين الآن يملئون المصانع والشركات وهم في زيادة ولله الحمد , وفى هذا العام " 1424 " أنهت الوزارة عقود عدد كبير من معلمى الحاسب , فتقدم لها (850) سعودي وكانت تتوقع أن يتقدم لها (250) معلم حاسب سعودي , وهناك أيضاً اتجاه كبير نحو الطب والصيدلة والتمريض وإن شاء الله خلال سنوات سيكون هناك اكتفاء ذاتي في هذه التخصصات .
وخلاصة الكلام: ينبغي عدم التهويل من هذه القضية أو ربطها بالتعليم العام فضلاً عن المناهج الشرعية ، بل يجب وضعها في إطارها الصحيح وحجمها الحقيقي، ولا ينبغي أيضاً استعجال النتائج ، فالأمور في هذه الناحية تتجه للأفضل يوماً بعد يوم لا سيما بعد مشروع ( السعودة ) الكبير .
مستوى المعلمين العملي والأخلاقي
لن أطيل في ذلك لأن أغلب الناس يعلمون أن المعلمين وموظفي قطاع التعليم بشكل عام هم من أفضل القطاعات في الدولة خُلقاً وعملاً ولله الحمد، ولهم سمعة طيبة في المجتمع وقد شهد لهم بذلك الوزير د.محمد الرشيد في أكثر من مناسبة ، ومما قال : ( .. وأحمد الله أن أكثر معلمينا على خير كثير رأيتهم بعيني وسمعتهم بأذني وشعرت بالاعتزاز بهم وبما يتحلون به من خُلقٍ حسن واقتدار وكفاية .. ) مجلة المعرفة شهر رجب 1423هـ العدد [76] .(1/63)
وليست شهادة الوزير هي الوحيدة بل يشهد للمعلمين - خصوصاً معلمي مواد العلوم الشرعية - جميع قطاعات الدولة ومؤسساتها ، فتشهد لهم المحاكم أنهم أقل الناس ذهاباً إليها في جريمة أو مشكلة ، وتشهد لهم مراكز الشرطة أنهم لا يدخلونها إلا في كفالة قريب أو شخص ، ويشهد لهم رجال مكافحة المخدرات أنهم لا يعرفونهم وليس لهم طريق إليهم ، وتشهد لهم المراكز التجارية وشركات السيارات والبنوك وغيرها بأنهم أكثر الناس ترويجاً لسلعتهم ، ومن أقل الناس تخلفاً عن السداد، وتشهد لهم السياحة الداخلية أنهم هم أهلها فلا ينفقون أموالهم في بلاد الكُفر أو الفسق ، ومن ناحية الجد والعمل والإخلاص والمثابرة - فنحسبهم والله حسيبهم - أنهم في أعلى المستويات في ذلك .
أسباب الضعف الدراسي !!
إن الضعف الدراسي قضية تشمل جميع المواد، إلا أنه في المواد الشرعية يعتبر أقل بكثير من المواد الأخرى ، والسبب يعود إلى حيوية وسهولة العلوم الشرعية ، لأن الطالب يمارسها مباشرة في حياته ويشعر بالحاجة إلى كل موضوع ، ودرس يتعلمه ، فكل درس منها له جانب تطبيقي بخلاف دروس كثيرة في الرياضيات ( س ، ص ) أو الخطوط المتوازية أو مثلث قائم الزاوية . لأن هذه كثير من الطلاب لا يحتاجونها في حياتهم وربما لن يحتاجونها طيلة حياتهم إذا لم يتجهوا إلى تخصصات في الهندسة، وكذلك لا يشعر الطالب بحاجة ملحة لتعلم اللغة الإنجليزية بخلاف ما لو درس موضوعا في الوضوء أو الصلاة فإنه سيحتاج إلى تطبيقه مباشرة وبصفة مستمرة، وكذلك لو درس موضوعا في البيوع، لا سيما وهي تدرس في المرحلة الثانوية، أو مواضيع آداب النكاح وأحكامه وهو يدرسه في مرحله متقدمة حيث يقبل على الزواج .(1/64)
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نجد أن شخصية معلم المواد الشرعية تتسم كثيراً بالمهابة والمحبة لدى الطلاب ، مما يجعلهم أكثر استفادة من الحصة وأقل مشاغبة، فعندما تدخل على معلم العلوم الشرعية تجد الإنصات والتفاعل والنقاش بين الطلاب والمعلم بخلاف كثير من المواد الأخرى حيث يشعر الطالب أو كثير من الطلاب بعدم حاجتهم لتلك المادة؛ فتكثر المشاغبات وعدم الانتباه وقد يؤثرون الصمت حتى تنتهي الحصة دون تفاعل أو فهم .
ولكن أيضاً لآراء الوزارة وقراراتها المستعجلة دور في هذا الضعف في المواد بشكل عام، ومادة الرياضيات واللغة الإنجليزية بوجه خاص .
فقبل سنوات أُصدر قرار يجعل الطالب ينجح في المواد إذا حصل على 70% من درجة النجاح ( لا ينطبق هذا القرار على مواد العلوم الشرعية واللغة العربية ولله الحمد ) بمعنى أن الطالب إذا حصل على 28 أو 30 درجة من مائة فإنه سوف ينجح في المادة تلقائيا،ً ولا يحتاج إلى دور ثاني ( في المرحلة المتوسطة له فرصة في مادتين ، ومادة واحدة في المرحلة الثانوية ) . وهذه الدرجات يستطيع أن يحصل عليها الطالب بسهولةٍ كبيرة من خلال أعمال السنة وبضع درجات من الاختبارات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة لِلَّهِ
فتجد الطلاب بعد القرار يذاكرون بعض المواد ويهملون مادة أو مادتين لضمان النجاح فيها ، ويقع اختيارهم في الإهمال على أصعب المواد التي يشملها القرار الجديد ( الرياضيات واللغة الإنجليزية ) .(1/65)
فأصبحت هذه المواد أشبه بالمواد الاختيارية ولا يبالي الطلاب بها، مما أوجد ضعفاً شديداً وإهمالاً بشكل كبير، لا سيما وبعض المعلمين عندما شعروا بتوجه الوزارة إلى مساعدة الطلاب بهذا الشكل الذي يكاد يكون ترفيعاً آلياً زادوا الدرجات وعملية النجاح (1) ، وقبل ذلك ضعف الأداء في الحصة لضعف تفاعل الطلاب مع المعلم لعدم شعورهم بأهمية مثل هذه المواد ولسهولة النجاح فيها .
ومع الأسف؛ إن الوزارة عندما شعرت بضعف الطلاب في مادة اللغة الإنجليزية والرياضيات بسبب هذا النظام الجديد خرجت صيحات تنادي بتدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية ليُرفع من المستوى الذي أضعفته هي بنفسها.
ومما يوضح أن مشكلة الضعف في مادة اللغة الإنجليزية ليس لأنها لا تدرس في المرحلة الابتدائية وإنما بسبب الترفيع الآلي وجعلها شبه اختيارية وغير ذلك من الأسباب , أن الضعف يشمل مادة الرياضيات أيضا؛ فهل ستقرر على الأطفال قبل الدراسة ؟!
وكان من المفترض أن يُعدل عن قرار ( التنجيح الآلي ) الذي أُصدر، ويعاد هيبة وأهمية هذه المواد لدى الطلاب ولا تُجعل شبه اختيارية !
__________
(1) ومن التناقض أن الأدلة والحجج التي صاحبت هذا النظام الجديد قولهم: إن أغلب الطلاب ليسوا بحاجة إلى إتقان وتعلم اللغة الانجليزية والرياضيات، حيث أن حاجة البلد لا تزيد عن خمسة بالمائة فقط من خريجي الثانوية في تخصصات الطب والهندسة والعلوم، فمن الاجحاف والظلم أن نجعل الطالب يعيد عاما كاملاً من أجل مادة ليس بحاجة إليها طيلة حياته!!. ولكنّهم لما أرادوا تطبيق اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، كانت الحجة أن الأمة كلها بحاجة إلى ذلك، الكبار والصغار والنساء و الرجال، لا يستطيعون العيش في هذه الحياة إلا بتعلم اللغة الإنجليزية وليس تعلّم فحسب بل وإتقان كبير لها حتى على مستوى مخارج الحروف واللهجة!!.(1/66)
أضف إلى ذلك أن الوزارة حاربت شيئاً اسمه الحفظ(1)وحاربت الواجبات واعتبرتها طريقة قديمة وساذجة لِلَّهِ مع أن الواجبات تربط الطالب بالدروس وتجعله يذاكر ويقرأ الكتاب ويستخدم القلم ويمر على كل فقرة وجملة بأناةٍ وتؤدة وليس بسطحية واستعجال ، فيحفظ ويفهم ويستوعب ، فالآن ليس هناك نظام للواجب ، والطالب لا يرتبط بالكتاب والمراجعة - تقريباً - إلا أيام الاختبارات، وأذكر أنه قبل سنوات كان معلم اللغة الإنجليزية يعطي الطلاب واجبات كثيرة في المرحلة المتوسطة ، ويجعلهم يكثرون من الكتابة والقراءة مما يرفع مستواهم، أما الآن فأصبح الإهمال واضحا جداً ، بل إن مذكرة الواجبات طالها الإهمال بشكل كبير لأن الهدف الأساسي وهو الواجب قد اضمحل فيها ، وكانت هي أداة تربط بين المدرسة والمنزل.
كذلك قلّصت الوزارة الاختبارات الشهرية وجعلها اختباراً واحداً فقط ، فتمر فترة طويلة الآن لا يختبر فيها الطالب ، وقبل ذلك كانت كل ستة أسابيع يختبر الطالب في جزء من الحصة ، فالطالب يشعر أن كل درسٍ سوف يسأل عنه بعد فترة قريبة فيهتم ويتابع ويتقن دروسه أولاً بأول ولا يحاول أن يسوّف أو يهمل، أضف إلى ذلك أن الوزارة كانت تحاول أن تقضي على هيبة الاختبارات، فالآن عندما قلّص الاختبارات زادت الهيبة والخوف ، وضعف المستوى بشكل أكبر .
كما أنه قد ألغيت عقوبة الضرب بشكل قاطع(2)فضعفت الهيبة وكثر الاستهتار، وصاحب هذا القرار تهجم على المعلم استمر عدة أشهر، مما زاد في إضعاف هيبة واحترام المعلم وقلّص الثقة به لِلَّهِ
__________
(1) والآن لا حفظ ولا فهم لِلَّهِ
(2) أنا شخصياً مع إلغاء الضرب ولكن بشكل جزئي فلو جعل الضرب من صلاحيات إدارة المدرسة وفي حدود معينة وسن معين ومنعه من المعلم لجمع بين الرأين ولكانت الفائدة كبيرة والسلبيات قليلة .(1/67)
وخُتمت القضية بالهجمة الجائرة على المناهج نفسها؛ فحقروا من شأنها وأضعفوا الثقة بها والتقدير لها ، واتهموها بأنها سبب لكل بلاء ، صاحب ذلك صمت الوزارة - مع الأسف - .
والخلاصة أن السبب المباشر للضعف في التعليم هو القرارات الارتجالية؛ حيث جُعلت أغلب المواد خصوصاً ( الرياضيات والإنجليزي ) شبه اختيارية، وألغيت أو حوربت الواجبات ومهارة الحفظ، ثم قُلّصت الاختبارات الشهرية، وألغيت عقوبة الضرب، فضاع التعليم ، وتفرّغ الطلاب للفضائيات والأفلام والإنترنت وانشغلوا بها بدلاً من المذاكرة والمراجعة وكتابة الواجبات .
بعض محاسن مناهجنا الشرعية
أولاً : الأخلاق النبيلة :
أما قضية الأخلاق وأهميتها فهذا أمر لا مراء فيه؛ لأن الإسلام جاء لذلك ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ومناهجنا الشرعية مستمدة من الدين الإسلامي الصافي ، فلا ريب أن تهتم بهذا الجانب .
جاء في مادة الحديث للصف الأول الثانوي ص81 : ( يهدف الإسلام إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي الأمور وسمو الأخلاق وعلو الآداب ، وينأى بأفراده عن كل خلق سيئ أو عمل مشين ، ويريد أن يكون المجتمع مجتمع محبة وألفة تربط بين عناصره الأخوة والمودة ... ) .
وجاء في ص86 : ( العلاقات الاجتماعية والروابط بين الناس يجب أن تسودها الألفة والمحبة والأخوة وأن تكون خالية من الأحقاد والضغائن والغل والحسد ، وهكذا يريدها الإسلام ويسعى إليها ، والمسلم قلبه أبيض نقي خال من الأمراض والشوائب التي تعكر صفوة هذه الأخلاق ) .
وجاء أيضاً : ( حسن الخلق وصاحبه في أعلى الجنة ، ويحصل عليه من كانت صفاته حميدة وخلقه حسناً وتعامله كريماً مقتدياً بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي مدحه الله تعالى بقوله : [ وإنك لعلى خلقٍ عظيم ] ) .(1/68)
وجاء في مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص64 : ( وهكذا نجد النصوص الشرعية متواترة في الحث على الأخلاق والتمسك بها والتزامها، فالمسلم الحق هو صاحب الخلق الكريم والسلوك المستقيم والصفات مثل الصدق والكرم والتواضع وغض البصر عن المحارم والبعد عن الفواحش والصبر والحياء وغيرها ) .
فالأخلاق في المناهج أمرها عظيم وشامل ودقيق، تهتم بالأخلاق التي يجب أن تسود في المجتمع المسلم من محبة ومودة وتعاون ، وتحذرهم من الأخلاق التي إذا سادت ضرّت المجتمع بشكل كامل من غل وحسد وضغينة .
تربط ذلك كله بالشرع والأدلة الواضحة ثم تتناول الأخلاق بمفرداتها وتبرز أهمها وتدقق في ذلك ، فالأخلاق في المناهج ليس أمراً مجملاً أو هلاميا غير واضح المعالم بل تقوم بتحديده بدقة وتحث عليه وتذكر الأدلة له ثم تضع النقاط على الحروف في جميع أجزائه ولا تترك شاردة ولا واردة إلا ذكرتها .
خذ مثالا على ذلك : خلق الصدق، وهو بالمكانة الرفيعة ويعتبر من أهم الأخلاق وأعظمها ، فيبدأ المنهج بتعريف الصدق ثم يبين مكانته وأهميته مع ذكر الأدلة الشرعية عليه .
فمما جاء فيه: ( الصدق من أعظم خصال الخير ، وهو من مكارم الأخلاق التي جاء الشرع بتأكيدها والأمر بها ، فهو خلق رفيع يتمثله الأفاضل من الناس ويتنكب عنه الأراذل ، ولذلك كان وصفاً ملازماً للأنبياء عليهم السلام ، وضده ما كان ملازماً للمنافقين وأشباههم ) .(1/69)
ثم بين المنهج أقسام الصدق بشمولية فجعله ثلاثة أقسام : صدق بالقلب وصدق بالأفعال والصدق بالأقوال ، ثم يذكر ثمرات الصدق ، وبعدها يذكر ما يضاد الصدق وهو الكذب ، فيعرفه ويبين الأدلة على تحريمه ، وعقوبة الكاذب وأنواع الكذب ثم مساوئه وما يؤول إليه ، ثم لا ينسى أن يرد على المقولة المشهورة: " كذب أبيض مباح وكذب أسود حرام " !! ولا يكتفي بذلك لأنه يعالج الأمراض والأخطاء، فيذكر الوسائل المعينة للتخلص من عادة الكذب للطلاب ، فذكر عدة وسائل منها : ( 6- أن يتجنب ما يدعوه إلى الكذب ومن ذلك فعل القبيح الذي يدعوه للاعتذار، وكثرة المواعيد التي تدعو للإخلاف ومجاراة الأصدقاء الكاذبين ، أو الذين يستمعون إلى الكذب ويشجعونه عليه ) .
وهكذا يعالج قضايا الأخلاق بشمولية ودقة ، وبطريقة شيقة جميلة ويختمها ببعض الأسئلة المنوعة .
وقد جاءت المناهج بآداب رفيعة وأخلاق جميلة كثيرة جداً ، وضعت لها دروسا خاصة ، وأخذ كل موضوع حيزاً كبيراً من المنهج ، منها ما جاء في آداب الزيارة وآداب المجالس وآداب السلام وحقوق الجيران وآداب الضيافة وآداب النوم وحقوق الزوجين وحقوق الأولاد والعفة والمحاسبة وحق الوالدين والأقارب وبيان معنى الاستقامة والشخصية المسلمة وقضايا الإنفاق والمال وحقوق الراعي والرعية والصبر والتوبة وآداب الطعام والشراب وقضايا الورع وآداب السفر وآداب التعامل مع الخدم وغيرها .
وعالجت الكذب والغضب وآفات اللسان وأمراض القلوب والمعاصي والذنوب والإسراف والغش ، وآداب قضاء وقت الفراغ والأمانة .(1/70)
ومن موضوع الجار وحقوقه في الصف الثالث الثانوي مادة الحديث أخذ خمس صفحات ، وبعده مباشرة جاء موضوع التحية وآدابها وأخذت خمس صفحات أيضاً، ثم الزيارة وآدابها أربع صفحات ، ومما جاء فيها : ( أنواع الزيارة : زيارة مشروعة محمودة أو زيارة محرمة وزيارة مباحة )، وفصل المنهج في كل نوع ، ذكر آداب الزيارة من اختيار الوقت المناسب للزيارة وترك الإثقال والتجمل وحسن الملبس والهيئة عند الزيارة، ومنها : ( 5- من حق صاحب الدار أن يعتذر عن استقبال أي شخص وعلى من اعتذر إليه أن يقبل العذر طيبة به نفسه ويرجع سامح الخاطر ولا يحمل في نفسه على أخيه شيئا بسبب ذلك بل يقدر له اعتذاره ، فلربما أن الوقت غير مناسب ، قال تعالى [ وإذا قيل لهم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لهم ] .
6- على الزائر إذا دخل الدار أن يغض بصره ويحفظ سمعه ، ولا يسأل عمّا لا يعنيه ، ويجلس حيث يجلسه صاحب الدار ، ولا يخرج حتى يستأذن ، وإذا خرج فليسلم ) .
ثم تحدث المنهج عن الاستئذان ومشروعيته والحكمة منه والأدلة عليه وختم الموضوع بأحكام وآداب الاستئذان ، ومما جاء فيه : ( هـ- يستأذن الرجل إذا دخل على غرفة أبيه أو أمه أو أخته ونحو ذلك .
و- المرأة في الاستئذان كالرجل، وبعض النساء يتساهلن في ذلك فيدخلن البيوت بلا استئذان ، وهذا من الأخطاء الشائعة ) .
وهكذا في جميع القضايا والآداب والأخلاق ، تعلم المناهج الشباب آداباً سامية لا يمكن أن يتعلموها في مكان آخر بهذا التفصيل والدقة والشمولية .
وبعد ذلك ألا يحق لنا أن نسأل الكاتبة في جريدة الرياض : هل كلامها كان صحيحاً عندما قالت عن مناهجنا : ( أن العقول تدفس بأفكار خردة مما يسبب تلبكاً فكرياً وعسراً فكرياً يفرز أفراداً سلوكهم متخلف متوتر لا حضاري ) ؟!.(1/71)
ما هو ( الغير حضاري ) ؟! هل هو تلك المناهج ، وهي بهذا الشكل الرائع ؟ أم من يحاربها ( ويدفس ) كلاماً ( خردة ) يدل على تلبكه الفكري وتخلفه الحضاري وسوء فهمه للتقدم والرقي ، وربما مدى حنقه على الآداب الإسلامية وعلى الفضيلة؟!!
ثانياً : المحافظة على البيئة والصحة العامة والاهتمام بالنظافة:
في مادة الحديث للصف الأول المتوسط ص41 الحديث الخامس عشر : تحريم قضاء الحاجة في الطرقات وفي أماكن الجلوس ، جاء بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا اللعّانين : قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : " الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم " .
ثم ذكر إرشادات الحديث ومنها :
1- دل الحديث على حرص الإسلام على الطهارة والنظافة ، إذ منع من يقضي حاجته أن يقضيها في الأماكن التي ينتفع من الناس بالجلوس وغيره .
2- أن قضاء الحاجة في هذه الأماكن من إيذاء الناس .
3- تحريم قضاء الحاجة في الأماكن المذكورة في الحديث مثل الحدائق والطرقات وغيرها لما في ذلك من إيذاء الناس .
4- على المسلم أن يحترم الأماكن العامة كالطرقات والحدائق وأماكن المنتزهات وغيرها .
5- يلحق بقضاء الحاجة كل صور الإيذاء كرمي القمامات وإحداث الحفر في الطريق وغير ذلك .
6- حرص الإسلام على تثبيت قواعد الصحة العامة لما في قضاء الحاجة في الأماكن العامة ما يتسبب في انتشار الأمراض .
وفي الحديث السادس عشر للصف الأول المتوسط من نفس المنهج جاء بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنه نهى أن يُبال في الماء الراكد " .
وفي إرشادات الحديث ما يلي :
1- العناية بالصحة العامة للناس ، إذ أن البول في الماء الراكد يضر بالصحة لنقله الأمراض .
2- دل الحديث على الحرص على حماية البيئة من التلوث .
3- تحريم التبول في الماء الراكد الذي لا يجري مثل مياه البرك ونحوها .(1/72)
4- ينبغي للمسلم أن يحافظ على الماء فهو ثروة عظيمة لا غنى للإنسان عنها ، ومن شُكْر الله على هذه النعمة البعد عن تلويثها .
وفي الحديث الرابع والأربعون جاء موضوع اتخاذ أسباب السلامة وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم ، وأغلقوا الأبواب ، وأوكوا الأسقية ، وخمروا الطعام والشراب " .
فجاء في إرشادات الحديث ما يلي :
1- حث الإسلام على اتخاذ أسباب الصحة والسلامة .
2- ينبغي للمسلم الحرص على فصل الأسباب المشروعة التي تمنع وقوع الخطر .
3- من الخطأ عدم إطفاء النار والناس نيام ، أو ليس عندها إلا الأطفال فإن ذلك يؤدي إلى حدوث الحرائق .
4- من أسباب الصحة والسلامة تغطية الأواني وعدم تركها مكشوفة حتى لا يقع فيها وباء .
وفي مادة الحديث للصف الثاني المتوسط ص120 حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك عن الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له " رواه البخاري .
فجاء في إرشادات الحديث :
1- دل الحديث على أن المسلم ينبغي أن يكون محباً للخير لجميع المسلمين ، فيزيل عنهم ما يؤذيهم في طرقهم وأمكنتهم العامة .
2- بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل خير يعمله الإنسان يؤجر عليه ولو كان هذا العمل صغيراً في نظر الإنسان .
3- على المسلم أن يتحلى بالنظافة ، سواء كان في جسده أو بيته أو مدرسته أو طريقه أو سوقه وغير ذلك .
4- المسلم لا يؤذي الآخرين فيضع الأوساخ في طريقهم أو حدائقهم أو غيرها بل إذا رأى ذلك أزاله .
ثم جاء في أسئلة المناقشة :
- ما وعيد من يؤذي الناس في طرقاتهم وأمكنتهم العامة ؟
- بماذا تنصح من يلقون العلب الفارغة والزجاج الفارغ في الشوارع ؟ ] .(1/73)
وجاء في مادة الحديث للصف الأول المتوسط ص53 موضوع في أهمية السواك ومما جاء فيه : ( أن حرص الإسلام على استعمال وسائل النظافة ومن أهمها نظافة الفم ، ثم ذكر فوائد السواك وأوقاته المؤكدة، وبعدها قال : [ تحصل سنة السواك لمن تسوك بغير الأراك من أعواد الأشجار ، وكذا استعمال الفرشاة والمعجون ) .
وجاء موضوع السواك مستقلا في كتاب الفقه للصف الأول المتوسط ومما جاء فيه ( استخدام فرشاة الأسنان والمطهرات الحديثة : لما كان المقصود من مشروعية السواك تنظيف الفم وتطييبه ، فإن كل ما يحقق هذا المقصد له حكم السواك وفرشاة الأسنان والمعاجين الحديثة تساهم بقوة في تنظيف الفم وتطييبه ولذلك فإن لها حكم السواك في المشروعية ، إلا أننا لا نستغني عنه خصوصاً والسواك يمكن اصطحابه في كل حين خاصةً عند أداء الصلاة بخلاف غيره واستخدام عود الأراك أفضل من غيره لما فيه من مواد طبيعية منظفة ومطهرة ولأنه أيسر تناولاً ، وأقل كُلفة ، وبه يكون اتباع السنة ) ص25 .
وقد ذكر المنهج الحكمة من مشروعية السواك وذكر :
- فيه تنظيف للأسنان واللثة واللسان مما يعلق بها من بقايا الطعام .
- فيه وقاية للأسنان من التسوس والفساد .
- فيه وقاية للّثة من الأمراض وتقوية لها .
وفي نهاية الدرس ختمه ببعض التوجيهات منها :
- لا يجوز للمسلم أن يلقي بالشعيرات الساقطة من السواك في المسجد . ص26
وقضية النظافة والطهارة أمرها واضح في المناهج لأن الشرع شدد فيها وجعلها من واجبات الدين ونوّع وسائل النظافة وجعلها متكررة ودقيقة كالوضوء، وجاء في منهج الفقه للصف الأول الثانوي ص7 ما يلي :
- الإسلام يدعو إلى الطهارة .
- جَعْلُ الشرع الطهارة شرطاً لصحة الصلاة .
- حث الشرع على الاغتسال وخاصة يوم الجمعة .
- حيث الشرع على السواك ونظافة الفم .
- حيث الشرع على إزالة الشعر الذي يسبب الروائح الكريهة والأوساخ .(1/74)
- نهى الشرع عن تلويث الطرق وأماكن اجتماع الناس وجلوسهم بالنجاسات .
- حب الله للمتطهرين كما قال تعالى : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " .
ونهى الشرع عن النجاسات وأمر باجتنابها .
ومما جاء في منهج الصف الأول المتوسط في مادة الفقه ص12 ما يلي :
- تطهير الثوب المتنجس : يغسل بالماء ، ويفرك ويعصر حتى تزول النجاسة .
- تطهير الفُرُش : تغسل بالماء أو بالمنظفات الحديثة وتُفرك حتى تزول النجاسة
وفي الصف الأول الثانوي في مادة الحديث ص10 جاء ما يلي :
- أمر المسلم بأن يكون منظره حسناً ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتطهر ويتنظف ويسرح شعره ويدهنه ، ولكن هذا لا يعني المبالغة في هذا الأمر بحيث يطغى على اهتماماته ، فعليه بالتوازن بمعنى أن يهتم في نظافته ولكن لا يبالغ - كما ذكر - حتى لا ينحرف إلى حد غير مرضي .
وجاء أيضاً :
- دين الإسلام دين الطهر والنظافة الظاهرة والباطنة فكما يريد الإسلام نظافة الظاهر من النجاسات والأوساخ فهو يحرص على طهارة الباطن من الأدران والأحقاد والحسد ونحوها . ص79 .
وفي الصف الثالث الثانوي ص132 ، موضوع متكامل في قضية النظافة ، وفيه تفاصيل جيدة تناسب سن الطلاب والمرحلة التي يدرسون فيها .
ثالثاً : الرفق بالحيوان :
ولا يظن ظان أن مثل هذا الأمر يعتبر إقحاماً في المناهج الشرعية وأن مكانه غير كتب العلوم الشرعية ، فأقول : هذا الظن خاطئ لأن المناهج الشرعية عندنا تمثل الإسلام ، وهذه القضايا من الدين فنجد أدلة واضحة من الشرع على كل قضية ، فالإسلام دين حياة متكامل ولا يخص قضايا العبادات فقط ، بل رتب على مثل هذه الأمور الثواب والعقاب ، وسيمر على القارئ ما يدل على ذلك وأغلبه في المرحلة المتوسطة تمشياً مع سياسة التعليم العامة في الدولة حيث نص على ترسيخ هذه الأمور في أذهان الطلاب في هذه المرحلة .(1/75)
فجاء في مادة الحديث للصف الثاني المتوسط ص118 الحديث المعروف والذي فيه أن رجلاً سقى كلباً فشكر الله له فغفر له . وفيه " وفي كل كبد رطبة أجر " .
ففي إرشادات الحديث ما يلي :
1- عظمة هذا الحديث الحنيف حيث أوجب الإحسان إلى كل حي ، حتى الحيوانات .
2- أفاد الحديث أن الإحسان إلى الحيوان ، فضلاً عن الإنسان سبب من أسباب دخول الجنة .
3- إيذاء الحيوان محرم وسبب في دخول النار، ومن أمثلة ذلك التقصير في إطعامها وشرابها أو بضربها وغير ذلك .
وجاء في أسئلة المناقشة :
- ماذا يجب علينا تجاه الحيوان ؟
- ( الرفق بالحيوان قد يكون سبباً في دخول الجنة ) اشرح هذه العبارة ] .
وفي مادة الفقه للصف الثالث المتوسط ص49 في موضوع سنن الذكاة وآدابها جاء فيه : للذكاة سنن وآداب ينبغي على المذكي مراعاتها ، من أهمها ما يلي :
1- إحسان الذبح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أوجب الإحسان على كل شئ ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم .
ومن الإحسان في الذبح ما يلي :
أ- أن تكون الذكاة بآلة حادة .
ب- أن يمر الآلة على محل الذبح بقوة وسرعة ، ليكون أسرع في خروج الروح ، فلا يتعذب الحيوان .
ج- الرفق بالحيوان المراد ذبحه ، فلا يُجرُّ بشدة أو يرمى على الأرض بعنف ونحو ذلك .
د- قطع الودجين كليهما مع الحلقوم والمريء ليكون أسرع في خروج روحها .
ثم ذكر المنهج ما يكره في الذكاة وما يحرم فقال : يكره في الذكاة ما يلي :-
1- أن يُحِدَّ الذابح السكين والذبيحة تنظر ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يُحِدُّ شفرته وهي تلمزها ببصرها ، فقال : " أفلا قبل هذا أم تريد أن تميتها موتتين " .
2- أن يذبح البهيمة والأخرى تنظر إليه ، لأن في ذلك تعذيباً لها .(1/76)
3- أن يسلخ الحيوان أو يكسر عنقه قبل أن تخرج روحه ، لأن في ذلك تعذيباً له.
4- أن يذبح بآلة كالّة أي غير قاطعة ، لأن في ذلك تعذيباً للحيوان .
ويحرم في الذكاة ما يلي :
1- حبس الحيوان وجعله هدفاً للرماية مثل أن يربط ويرمى بالسهام أو الرصاص حتى يموت ، ويسمى هذا الفعل صبر البهائم ، وهو منهي عنه بما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مرّ بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا . رواه البخاري ومسلم ، وعن أنس رضي الله عنه ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم " رواه البخاري ومسلم .
2- ذبح الحيوان مباح الأكل لغير أكله ، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل عصفوراً فما فوقه بغير حقها سأله الله عز وجل عنه يوم القيامة ، قيل يا رسول الله وما حقها ؟ قال : " حقها أن تذبحها فتأكلها ، ولا تقطع رأسها فيرمي بها " رواه النسائي.
وفي مادة الحديث للصف الأول المتوسط ص111 الحديث التاسع والأربعون : " النهي عن لعن الحيوانات : عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار عن ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة " قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد " .
جاء في إرشادات الحديث :
1- دل الحديث على اهتمام الإسلام بكل حي .
2- تحريم لعن الحيوانات وغيرها .
3- النهي عن إيذاء الحيوانات حتى ولو كان بالسب واللعن .
رابعا : المزاح والفرح واللعب:(1/77)
قد يستغرب البعض ذكر هذا الموضوع هنا ويتساءل عن السبب في إيراده في هذا الكتاب فأقول إن السبب أن الهجمة الشرسة على مناهجنا كانت شاملة وقوية وبجميع الوسائل ، ومما ذكروا أن مناهجنا تخلو من إباحة الفرح واللعب وأن اهتمامها في إخافة الأطفال والشباب من مناظر القبور والموت ومنظر الثعابين والديدان والظلمة في القبر .. الخ ، وليس فيها أي لمسة تدل على إباحة أو حث على الرياضة والمسابقات والمزاح . هكذا قالوا في عدة مقالات قديمة وحديثة لذا ذكرت هذا الموضوع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
جاء في منهج الحديث للصف الثاني المتوسط ص102 ، حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " رواه مسلم .
ومما جاء في إرشادات الحديث :
- طلاقة الوجه والابتسامة من المعروف والخير ، فالمسلم لا يبخل بها على إخوانه المسلمين .
- فضل الله واسع وعطاؤه كبير ، جعل الأجر الكثير على العمل القليل .
وفي نفس المنهج ص107 موضوع من آداب الضحك :
- مراعاة الإسلام للفطرة البشرية إذ لم يحرم الضحك لما في النفس من حاجة إليه بل هذّبه وأبعده عن الصفات الذميمة ونهى عن كثرة الضحك لأنه يميت القلب .
- التبسم في وجه إخوانك المسلمين صدقة تؤجر عليها لما في ذلك من غرس الألفة والمحبة .
وفي مادة الفقه للصف الثاني المتوسط ص101 موضوع العيدين ، ومما جاء فيه :
- العيد في الإسلام يجمع بين العبادة وبين إظهار الفرح والسرور وتبادل الطيبات والمباحات فليس مجرد عبادة ولا مجرد عادة وإنما يجمع بين خيري الدنيا والآخرة .(1/78)
وفي مادة الحديث للصف الثالث الثانوي ص91 موضوع المزاح وآدابه ، يتكون من خمس صفحات ، ومما جاء فيه : ( اعتاد الناس في قديم الدهر وحديثه أن يخلطوا حياتهم بشيء من الدعابة ، تضفي على حياتهم شيئاً من اللطف والإنس وهذا صار مع الأصحاب والأقران ، ومع الأهل والأولاد ، وغيرهم ، لا يكاد يخلو من ذلك أحد ، لكنهم فيه بين مقلّ ومستكثر ) .
ثم بين المنهج أقسام المزاح وجعله على ثلاثة أقسام محمود ومذموم ومباح فقط.
- مزاح محمود : وهو ماله غرض صحيح ، مقرون بنية صالحة ، منضبط بالقواعد الشرعية ومن أمثلة ذلك ، ممازحة الرجل والديه بأدب ، أو أهله وولده ، أو ممازحة القرين ، فيه إدخال السرور على قلبه فهذا يثاب عليه المرء .
ثم ذكر المنهج ضوابط وآداب المزاح مثل النية الصالحة والتزام الصدق وختم الآداب بقوله: ( الاحترام والتقدير للآخرين ، وإنزال الناس منازلهم ومعرفة نفسية المقابل ، فليس كل الناس يتقبل المزاح ، وقد قيل : لا تمازح صغيراً فيجترئ عليك ، ولا كبيراً فيحقد عليك ) .
ثم تحدث المنهج عن الأمور التي يجب اجتنابها في المزاح مثل الكذب والإفراط فيه والأذى والإضرار بالآخرين مما يولد الأحقاد والضغائن أو المزاح بالأمور الشرعية وختم الدرس بصور من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم ) .
وجاء في مادة التفسير للصف الثالث الثانوي ص124 ، عند تفسير قوله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " ما يلي: ( أمر سبحانه بالفرح بفضله ورحمته ، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها وشكرها لله تعالى وقوتها وشدة الرغبة في العلم والإيمان ... ) .(1/79)
وفي مادة الفقه للصف الثاني الثانوي ص159 موضوع في المسابقة شمل خمس صفحات من الكتاب ، ومما جاء فيه : ( المسابقات الجائزة : وهي المسابقات في الأمور المباحة ، كسباق الخيل والإبل والسباق على الأقدام ، والسباحة والمصارعة المباحة ، وسباق الدرجات والمسابقات العلمية ، والثقافية وغير ذلك ) ثم ذكر الأدلة على ذلك من القرآن والسنة بعدها ذكر دفع العوض في المسابقات المباحة وذكر منها: ( سباق الخيل والإبل والرمي ويلحق بها ما كان من جنسها كأنواع المسابقات بالأسلحة الحديثة من البنادق والمدافع والدبابات والطائرات الحربية ونحو ذلك ) .
ثم تحدث عن المسابقات المحرمة وختم الموضوع بضوابط وتوجيهات فيما يباح من الألعاب منها :
( أن يسود اللعب جو من المحبة والإخاء ولا يؤول اللعب إلى التقاطع والتدابر والنزاع والخصام ) ص162 .
خامساً : الأدب مع الخدم :
والمناهج الشرعية تحث على الأدب مع الخدم والرفق بهم وحسن معاشرتهم ، سواء كانوا مسلمين أو كفارا . وقد جعلت موضوعهم بجانب موضوعات الدعاء والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها .
وقد خصصت لهم المناهج درساً كاملاً في الصف الثالث الثانوي ومما جاء فيه: ( ثم يحتاج المرء إلى أن يعينه في أي عمل من الأعمال وتختلف هذه المعونة فمثلاً في العمل المطلوب :
أولاً : الأحكام والآداب العامة لكل مستخدم في عمل :
1- حسن المعاملة ، وذلك من خلال التعامل بأدب ولطف والتزام الأخلاق الحسنة التي أتى بها الشرع ، وتجنب ذميم الأخلاق من سب وشتم وسخرية وغيرها،. والقدوة التامة في كل ذلك رسو الله صلى الله عليه وسلم ، يقول أنس رضي الله عنه : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قالي لي : أف ، ولا لِمَ صنعت ؟ ولا ألا صنعت ؟ .(1/80)
2- إعطاؤه أجرته كاملة حسب ما تم الاتفاق عليه ، والأحسن في مثل ذلك كتابة عقد يوضح به العمل وأجرته ويشهد عليه للبعد عما قد يحصل من التنازع والاختلاف وحرمان العامل من أجرته أو بعضها منكر عظيم وكبيرة من الكبائر لا يتهاون بها إلا من لا أخلاق له ، قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصيمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره . رواه البخاري . كما أن تأخير أجرته داخل فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : [ مطل الفقير ظلم ] ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر . وعن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا : [ أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ] رواه ابن ماجه .
ثانياً : الأحكام والآداب الخاصة : وذكر منها :
2- رحمتهم والشفقة عليهم ، والتجاوز عن زلاتهم والعفو عن هفواتهم وترك تحقيرهم وإذلالهم والاعتداء عليهم بالضرب ونحوه؛ فإنه ليس يخلو أحد من غلط وتقصير والتجاوز خلق محمود ومن كان ذلك من سمته وخلقه فهو أحرى أن يتجاوز عنه عند اشتداد حاجته ، قال تعالى [ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ] ، وهذا فضل عظيم لمن هذه صفته ..
4- عدم تكليفهم ما لا يطيقون ، فهم بشر لهم حدود وطاقة لا يمكنهم مجاوزتها، فلا يجوز تجاهل هذا الأمر لما يترتب عليه من الأذى والضرر .. ) .
سادساً : قضايا المرأة في مناهجنا الشرعية :
هذا أيضاً كثير في مناهجنا، وكلها مبنية على أحكام الإسلام وما به من احترام للمرأة وصيانة لها ، وقد خصصت المناهج موضوعات كاملة في ذلك . وإليك مقتطفات سريعة لما جاء في بعض الدروس :
((1/81)
زعم الغرب أنهم السابقون إلى الاعتراف بكرامة المرأة ومساواتها للرجل وهذا ليس مبنياً على أساسٍ صحيح ، فالإسلام هو الذي سبق الشرائع في هذا ولا تزال شرائعهم الدينية والمدنية تميز الرجل عن المرأة ) .
مادة التفسير للصف الثاني الثانوي ص148
( اهتم الإسلام بالمرأة وجعل لها مكانة سامية ومنزلة رفيعة ويظهر في هذا الحديث اختصاصها ببعض الأحكام والمزايا ) مادة الحديث للصف الثاني الثانوي ص29
( العلم حق للجميع للرجل والمرأة ، فينبغي للمرأة أن تحرص على الذي تعرف به أمور دينها ) المصدر السابق ص30
( التملك للمال من حق الرجل والمرأة ، ولكل منهما ماله ، وله حق التصرف فيه ) المصدر السابق
( مظاهر خاطئة للرجولة والشجاعة : ب- الغلظة على الأطفال والنساء من أولاد وزوجات وغيرهم ) المصدر السابق ص76
( ويبرز تكريم الإسلام للمرأة في جميع شؤون حياتها منذ ولادتها وحتى بعد وفاتها، ومن صور التكريم :
- عظم الأجر برعايتها صغيرة محبوبة ..
- .. أمر الإسلام باستشارتها فيمن تقدم لخطبتها ..
- أمر بتكريمها ورعايتها من قبل زوجها ، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي " ) المصدر السابق ص154
بيان:
قد يقول قائل : إنك نقلت وجهاً جميلاً للمناهج في قضايا طاعة ولاة الأمر والتعامل مع الكفار ، والوسطية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والوسطية في الدعوة ، والجهاد ... الخ .(1/82)
وربما يكون هناك أمور في ثنايا المناهج تدل على عكس ما قلت وقررت في ذلك يستفيد منها فكر الغلو والتطرف . فأقول بلغة الواثق والحريص -إن شاء الله- على ألا يكون في مناهجنا الشرعية شيئ يدل على غير ذلك ، أو أمر لا يمثل الإسلام الصحيح بعدله وسماحته وحكمته . أقول : أتحدى جميع الكتّاب الذين خاضوا في مناهجنا بالباطل واتهموها زوراً وبهتاناً بالغلو والتطرف وأنها سبب للإرهاب .. أقول: أتحدى هؤلاء جميعاً أن يأتوا بموضوعٍ أو درسٍ أو فقرةٍ واحدة أو سطرٍ واحد يدل على غير ما قلت وقررت في مناهجنا الشرعية العظيمة ، ودون ذلك خرط القتاد .
وسوف أعطيهم فرصة عدة أشهر يعقدون الاجتماعات ويقيمون الندوات ويبحثون في الكتب الدراسية ولا مانع من الاستعانة بالخبراء الأجانب والمفكرين من خارج البلاد للبحث عن سطرٍ واحد يدل على غلوٍ أو تطرف والمناهج حسب ما يقولون كثيرةٍ جداً لِلَّهِ فليأتوا بفقرةٍ أو جملةٍ مما اتهموها به .
وأما إذا كان مقصدهم من الاتهام وسببه حث المناهج على الفضيلة ومحاربة الأهواء والضلالات والفساد ، وترسيخها للعزة والكرامة الإسلامية في نفوس النشئ، وبيانها لصفاء الإسلام وسموه على غيره من الأديان ؛ فإني أقول بكل فخر واعتزاز : إن مناهجنا الشرعية من أولها إلى آخرها تدل على ذلك وتحث عليه ولا يؤثر على القافلة - بعد ذلك - نبح الكلاب !!
الخلاصة
وخلاصة القول في مناهجنا الشرعية أنها أفضل المناهج في العالم أجمع، وأنها اتسمت بالشمولية والوسطية والاعتدال ، وأنها طبقت سياسة الدولة التعليمية بحذافيرها ، وراعت بشكل كبير المراحل الدراسية فحدثت كل مرحلة من الطلاب بما يعقلون وبما يناسبهم .(1/83)
وحاربت الغلو والتطرف والاعتداء والتكفير والضلال والفسق والكفر والشرك ، واتسمت أيضاً بالحيوية والجمال والاختصار، مع السهولة والدقة وخدمت الجوانب المعرفية الأخرى وحثت على إتقان العمل وشجّعت التكسّب ، وحثت على التفكير والتأمل والإنتاج .
- وحذرت من المخدرات والمسكرات والمفترات والدخان ومن الجرائم بشتى أنواعها .
- وعلمت النشء الإيمان الصحيح والعقيدة الصافية وحذرتهم من الشعوذة والخرافة والجاهلية والسحر والتنجيم والكهانة والعرافة والتمائم .
- شرحت للطلاب التفسير الصحيح للآيات المستمد من الكتاب والسنة ، بعيداً عن شطحات الصوفية وتأويلات المتفلسفة من معتزلة وجهمية وأشعرية .
- دعت إلى الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل وإلى الوسطية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- ودعت إلى طاعة ولاة الأمر ومحبة بلاد الإسلام عموماً والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص .
- حثت الطلاب على التمسك بالأخلاق الفاضلة وبر الوالدين واحترام الجيران وحقوق الضيف والأقارب والأبناء والإخوان ..
- دعتهم إلى التعامل بالحسنى مع الخدم ومع الأطفال بل والحيوانات والنباتات والبيئة بشكل عام .
- علمت الطلاب أحكام الأسرة والحقوق الزوجية وآدابها .
- علمت الطلاب أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج .. الخ .
- شرحت لهم بشكل موجز ومفيد أحكام البيوع وأحكام الجوار والصلح والسبق والإعارة وآداب التجارة والشركات ...
- علمتهم أحكام الجنايات والديات وحوادث السيارات ..
- أعطت الطلاب حظاً لا بأس به من قواعد جامعة نافعة شاملة مثل قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، والعادة محكمّة ، والأمور بمقاصدها .. الخ .
- علمتهم أحكام الجهاد الصحيح وكيفية التعامل مع الكفار من مستأمنين ومحاربين وغيرهم .
- علمت الطلاب آداب المجالس وآداب السلام وآداب الزيارة والنفقة والنوم والوقت والمزاح والطعام والسفر ..(1/84)
- حذرتهم من الغضب والكذب وآفات اللسان وأمراض القلوب والمعاصي بشتى أنواعها ...
- حثتهم على التحلي بالأمانة والصدق والعفة والشجاعة والاستقامة والجدية والصبر وغير ذلك الكثير والكثير ..
- حفَّظتهم قسماً لا بأس به من كتاب ربهم عز وجل ومن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
فمن يُعلم الطلاب هذه المعارف والعلوم والآداب إذا لم يتعلموها في الاثني عشرة سنة ، وماذا يتعلمون أفضل من هذه الأمور طيلة تلك السنوات ؟
ولمن نتركهم لكي يعلمهم هذه الأخلاق والعقائد ؟ هل نتركهم لهؤلاء الكتّاب الأُجراء الذين حاربوا المناهج الشرعية وهي بهذا الشكل وهذا المضمون الرائع ؟ هل نتركهم لصاحب " مذكرات نبيلة عبيد " !! وهالة سرحان نموذجاً !! هل نتركهم لهؤلاء يعلمونهم : ( ملكات الجمال ) و( في بيتنا ملتحي لِلَّهِ ) و( الشاكوش ) و ( الوسامة ) و ( صورة الفنان في زمانه ) و ( كرت أحمر ) يتحدث به عن فواحشه وفسقه .
أم نتركهم لصاحب : ( طلاق الممثلة نيكول كيدمان ) و ( امرأة ساخنة ) و( أغنية الحب ) و ( المجرم الدلوعة لِلَّهِ ) و ( الإرهاب والكعب العالي ) !!!
هل نتركهم لهؤلاء يعلمونهم الأخلاق ، وهم الذين حاربوا الفضيلة بكل شراسة، ودعوا إلى الرذيلة وإلى الاختلاط والمعاكسات ( واعتبروها حرية ) !!(1/85)
هل نتركهم لهؤلاء الذين جاهروا بالمعصية وكتبوا مذكراتهم لما كانوا شباباً ومغامراتهم الجنسية وفسقهم وفجورهم على الملأ وفي صفحات الجرائد وللأسف(1).
هل نتركهم لهؤلاء وهم من علامات الساعة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا تحدث الرويبضة فانتظر الساعة . قالوا : من الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم بأمور العامة " .
هل نتركهم للجرائد وهؤلاء كتابها وإنتاجها ، وهي التي هاجمت المناهج؟ أليست هذه الجرائد هي التي مجدت القصيمي المرتد الزنديق واعتبرته : (الثائر النجدي) ( على ماذا يثور ) ؟! وأسموه المصلح الاجتماعي الكبير !! والمجدد في الفكر !!
- أليست بعض هذه الجرائد هي التي حاربت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل شراسة وخبث ولفقت التهم لها وشوّهت صورتها أمام الناس .
- أليست بعض هذه الجرائد هي التي دعت إلى السينما وإلى انخراط فتياتنا العفيفات في التمثيل والغناء والفحش وقالوا : ( نحن في المملكة لسنا جذابين للعالم الآخر ) !!
- ألم تحارب هذه الجرائد الغيرة والشرف وتدعو الفتيات إلى التبرج والخروج عن سلطان الأهل وما هو سائد وبائد على حد قولهم !!
- أليست هذه الجرائد هي التي تُظهر صور الفنانات والفاسقات بشكل مثير ومستهجن واعتبرت فعلها فتحاً في الصحافة السعودية !!
__________
(1) نحمد الله عز وجل أن من انتقد مناهجنا الشرعية هم على هذا المستوى من التحلل والتفاهة ، فلم ينتقد مناهجنا الشرعية شخص يُحترم رأيه من أهل المروءة وذوي الهيئات وممن عرفوا بالعلم والصلاح ، وهذا أيضاً دليل على جودة المناهج وفضلها , على أننا لو قدرنا عدد هؤلاء الكتاب الذين أبدوا حنقهم , وهاجموا المناهج الشرعية لوجدنا أنهم لا يزيدون على العشرين شخصا , فهم لا يمثلون المجتمع ولا البلد ولكن - ومع الأسف - صوتهم كان صاخبا جدا ومزعجا لِلَّهِ " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " .(1/86)
- ألم تدعو هذه الجرائد إلى الاختلاط وقالت ( لا للعزاب عقدة اجتماعية ) ( وهل نحن مجتمع مريض ) نفصل بين الجنسين ؟!!
- ألم تكتب هذه الجرائد : امرأة شجاعة تقود السيارة ، وحثّت الفتيات على الخروج عن طاعة ولي الأمر ، والبعد عن الحشمة والعادات الأصيلة .
فالهدف من حملة الجرائد وكتابها على المناهج واضح جداً ، وهو محاربة الفضيلة بشتى صورها ، وتفريغ المناهج من محتواها بحيث تصبح مادة ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة ، فلا تصحح فكراً ولا تقوّم سلوكاً ولا تأمر بمعروف , ولا تنكر منكرا , مناهج ليس فيها من الشرع سوى العمومات والإطلاقات التي يؤمن بها حتى اليهود والنصارى .
وتصبح المناهج مسالمة وضعيفة بحيث تخلو من عنصر العزّة والكرامة لِلَّهِ وتبتعد عن محتوى الولاء والبراء بالكلية ويصبح الطالب لا يعرف الوجهة التي يذهب إليها ولا الفكر الذي يحمله ، بل مذبذبا بين هؤلاء وهؤلاء لا يعرف الحق من الباطل ولا الصواب من الخطأ وكل الأمور لديه ( سيان ) وكل المذاهب والضلالات والأفكار صحيحة وصائبة !!
ثم لماذا لا يحارب بعض هؤلاء الكتّاب وبعض هذه الجرائد المناهج ، وهي التي ترسخ الشرف والفضيلة في المجتمع ؟! لماذا لا يحاربونها وهي من أكبر الأدلة على نهج هذا البلد القويم وسياسته الشرعية وتبني ولاة أمره للشرع دون انتقاء أو تحفظ ؟ لماذا لا يحاربون هذه المناهج وهي التي تدك حصونهم وتفضح ألاعيبهم أليس فيها موضوع كامل عن المذاهب الهدّامة ؟! وأول تلك المذاهب : العلمانية حيث بينت هذه المناهج الشرعية تاريخ العلمانية ، ونظرياتها وبعض أفكارها وذكرت من تلك الأفكار :-
- فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساسٍ مادي .
- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق النموذج الغربي لِلَّهِ .
- اقتباس الأنظمة من المناهج اللادينية في الغرب !! .
- تربية الأجيال تربية لا دينية ولذلك تكون التربية الدينية اختيارية في نظم التعليم.(1/87)
- الدعوة إلى إسقاط أحكام الشريعة في بلاد المسلمين .
- إخضاع كل موروث سابق للنقد والقصد من ذلك هدم الدين !! .
كتاب الحديث للصف الثاني ثانوي ص200
أليس في المناهج صفات المنافقين حيث قالت : ( من صفات المنافقين انتهاز الفرص التي تتاح لهم ، لتشكيك المسلمين بدينهم ، وإثارة البلبلة بينهم - من صفات المنافقين السعي لأذية المسلمين بشتى الطرق والوسائل التي يستطيعونها واحتقارهم والاستهزاء بهم ) تفسير ثالث متوسط ص110 .
أليس في هذه المناهج : ( المنافقون هم العدو الحقيقي للمسلمين ، وخطرهم أكبر من خطر العدو الخارجي لأنهم يعيشون معهم .. قال تعالى : " هم العدو " ) .
أليس في هذه المناهج تحريم الاختلاط والخمور والأفلام الخليعة ، وتحريم السفر بقصد الفسق ..
أليس فيها حثٌ على الحجاب والحشمة للفتيات ، وترك التبرج والسفور .
أليس فيها احترام الوالدين وعدم الخروج عن طاعتهم ، واحترام العادات والتقاليد الحميدة ، لماذا لا يحارب هؤلاء المناهج ؟! أليست هي من أهم معاقل التوحيد والسنة ؟ أليست حصنا من حصون الشرف والفضيلة ، أليست سورا عظيما تصد الأفكار المنحلّة بشتى أنواعها ؟ إنها أولى أولياتهم وأهم مهماتهم في هذه الفترة ، فإذا كسروا هذا الحصن سهُل عليهم الدخول في المجتمع وتغيير دينه وسلخه من كل الفضائل .
إذن ليس من المستغرب محاربة هؤلاء للمناهج ، بل المستغرب حقاً لو أنهم لم يحاربوها ولم يستغلوا تلك الفرصة السانحة للنيل منها ؟!(1/88)
وسوف يحاربون ويتهجمون على غيرها ففي جعبتهم الكثير والكثير لِلَّهِ نعم سيهاجمون مجلس الشورى(1)والقضاء وكل مؤسساتنا وسيدعون إلى ترك إغلاق المحلات عند الأذان وترك أخذ الزكاة ، والتخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسوف .. وسوف .. ولكنهم يسيرون بخطواتٍ تدريجية - أخزاهم الله - ويكفيك أن تنظر في منتدياتهم السرية على الإنترنت لتعرف مقدار حنقهم وحقدهم على البلاد وولاة الأمر وتهجمهم عليهم وعلى سياستهم المحافظة .
هل هم أهل الوطنية ( الحقّة ) وبعض هؤلاء يستعدون الأجانب والأعداء على بلدهم ويقومون بالمقابلات المشبوهة ضد دولتهم ، ويستغلون الحملات الأجنبية ضد مجتمعهم وولاة أمرهم ؟
هل هم حريصون على مصلحة البلد والشعب ؟! هل نادوا إلى تطوير المصانع وإنشائها - مثلا - و الاهتمام بالزراعة ، وإعداد القوة والتمسك بالفضيلة .. كلا إن همّهم : فن المرأة وتبرج المرأة ، وحرية المرأة ، وإن شئت فقل حرية الوصول إلى المرأة لِلَّهِ ومحاولة تغيير قيم المجتمع ومثله العليا ، فهم يهاجمون أفضل ما عندنا ، وينتقدون أهم مميزاتنا، وما اعترف به عقلاء الغرب من أنه عظيم وجميل لدينا .
هؤلاء النفر الذين يتكلمون بألسنتنا ويتحدثون بلغتنا ، الذين أعمت أبصارهم مظاهر الحضارة الغربية وحجبت عقولهم هذه الزخارف عن كل ما هو طيبٌ وجميل في تراث أمتهم ، حتى بلغوا من العقوق لأمتهم ، والكفر بمجد أسلافهم ، حداً جعل أحدهم ينظر إلى كل فضيلة قام بها أهل التوحيد والشريعة بعين السخرية والازدراء ، وهو في الوقت نفسه ينظر بل ويعتز بأي عملٍ قام به أصحاب الفوضى الأخلاقية والانحلال ، وأصحاب الحياة المادية الجافة ، إن هؤلاء الأبناء العاقين لأمتهم هم الذين حذر منهم الشاعر بقوله :
وإذا تنكر للبلاد رجالها ... صاروا أضر لها من الأعداء
__________
(1) جاء في إحدى الجرائد عنوان مقالة : ( عضو سابق يفضح أساليب العمل في مجلس الشورى ) !!(1/89)
هؤلاء المستعمرون فكرياً ليس لما هو جيد في الغرب ، بل لما هو أحقر وأقذر ما لدى الغرب الكافر لِلَّهِ هؤلاء لشدة فسقهم وإعراضهم عن الله قُذف في قلوبهم مرض الشك والريبة ، وعشعشت في مخيلتهم الشبهات والشهوات ، فأعقبهم الله نفاقاً في قلوبهم وزادهم رجساً إلى رجسهم .
هؤلاء الذي يلهجون ليل نهار بزخارف الحضارة الغربية والعادات الأجنبية السيئة مهما كانت ومهما بلغت من انحراف وشذوذ ، لقد جابوا دول الفجور ، وجاسوا خلال الديار ، وحضروا أسواق الانحلال - باعترافهم - وشربوا حتى الثمالة من تلك المستنقعات القذرة الآسنة ، فرجعوا يتقيئون ذلك على أرض الصفاء والنقاء ، أرض التوحيد والشرف والفضيلة - مع الأسف .
وقد استعملوا - في حربهم تلك على الفضيلة - كل الأساليب الخبيثة والماكرة وحاولوا التصيد بالماء العكر ورفعوا عقيرتهم كلما حصلت فتنة أو ضغوط خارجية ، يستغلون الفرص ويتحينون الغرة وأوقات الضعف والفتور .
فهل نستبدل الذي أدنى بالذي هو خير من أجل هؤلاء المأفونين المنافقين واقتراحاتهم اللعينة ؟! وقد قال الله جل وعلا محذراً من هؤلاء : " ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " ، أبعد أن أصبحنا حجة الله في أرضه نرجع القهقرى ونكون " كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً " أننكص على أعقابنا ونتخلى عن مبادئنا لأول فتنة ، وأدنى ضغوطٍ ومحنة ؟! هل يصبح حالنا كحال قوم ثمود " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " فعذبهم الله ، ألم يحذرنا الله جل وعلا من هؤلاء ومن الاختلاف فيهم فقال : " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا " ، وقال أيضاً : " المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون " ، وقال جل وعلا : " استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " .(1/90)
فصار من المتعين على أهل العلم والفضل محاربتهم ومجاهدتهم , فهم أضر على الأمة من الأعداء خارج البلاد ، قال جل وعلا : " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير " .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي : كل منافق عليم اللسان " . وقال الحسن البصري : ( يا سبحان الله لِلَّهِ ما لقيت هذه الأمة من منافق ومارق ، مرق من الدين فخرج عليها - يقصد الخوارج - صنفان خبيثان قد غما كل مسلم ) .(1/91)
قال ابن القيّم : ( وأما النفاق فالداء العضال الباطن ، الذي يكون الرجل ممتلئاً منه ، وهو لا يشعر ، فإنه أمر خفيّ على الناس ، وكثيراً ما يخفى على من تلبّس به ، فيزعم أنه مصلح وهو مفسد .. وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم بالقرآن وجلّى لعباده أمورهم ، ليكونوا منها ومن أهلها على حذر .. لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله فإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً ، لأنهم منسوبون إليه ، وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة . يخرجون عداوته في كل قالبٍ يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو في غاية الجهل والإفساد . فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ؟! وكم من حصنٍ له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟! وكم من علمٍ له قد طمسوه ؟! وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه ؟! وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها ، وكم عمُّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها ؟ فلا يزال الإٍسلام وأهله منهم في محنة وبلية ، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية . ويزعمون أنهم بذلك مصلحون .. " ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " ، " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " . لبسوا ثياب أهل الإيمان ، على قلوب أهل الزيغ والخسران ، والغل والكفران . فالظواهر ظواهر الأنصار والبواطن قد تحيزت إلى الكفار . فألسنتهم ألسنة المسالمين ، وقلوبهم قلوب المحاربين ويقولون " آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين " . رأس مالهم الخديعة والمكر ، وبضاعتهم الكذب والختر .. قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها ، وغلبت القصود السيئة على إراداتهم ونيّاتهم فأفسدتها . ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك فعجز عنه الأطباء العارفون .. " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " .(1/92)
ومن علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزقته كل تمزيق ومن تعلّق شرر فتنتهم بقلبه ألقاه بعذاب الجحيم ، ومن دخلت شبهات تلبيسهم في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق . ففسادهم في الأرض كثير ، وأكثر الناس عنه غافلون . أحسن الناس أجساما ، وأخلبهم لسانا ، وألطفهم بياناً وأخبثهم قلوباً ، وأضعفهم جناناً . فهم كالخُشب المسندة التي لا ثمر لها ، قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها ، لئلا يطأها السالكون . " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحضرهم . قاتلهم الله أنى يؤفكون " )(1).
الخاتمة
وأخيراً أقول في مناهجنا الشرعية الجميلة الحكيمة الصافية المعتدلة المقنعة .. والتي استمدت طريقتها من الإسلام بعدله وشموليته وحكمته .. وساعدت في وحدة هذه الجزيرة المترامية الأطراف بشعبها الكبير ، والذي كان قبل فترة ذا اتجاهاتٍ مختلفة وقبائل متناحرة وطوائف متعددة .. وحدتهم هذه المناهج بالحكمة والموعظة الحسنة ، وفق منهج إسلامي قويم وعقيدة ربانية توافق العقل والمنطق الرصين .
__________
(1) انظر مدارج السالكين ج 1 ص 361 .(1/93)
وحدتهم منهجاً وسلوكا ، فترك كثير من الأبناء الموروثات الخاطئة والسلوكيات السيئة - بعد اقتناع - وأصبحوا وحدةً واحدة متحابين في الله مع بعد المسافات بينهم وعمق الاختلافات السابقة لديهم ، حتى أصبح من المناظر المألوفة لدينا وجود حلقة علم عند شيخٍ واحد والحضور عدد غفير من طلبة العلم ، الذين كان من المستحيل أن يجتمع أجدادهم هذا الاجتماع ؛ لاختلافهم وتشتت مشاربهم فحققت هذه المناهج فيهم الوحدة الفكرية والأمن الفكري وأصبح تصورهم ورأيهم منسجماً وموحداً في كثير من القضايا القديمة والمستجدة ، يظهر ذلك جلياً من خلال الأحداث والفتن ، فلهم نصيب - إن شاء الله - من قوله تعالى : " وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم " ، وقوله تعالى : " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " .
وأخيراً أقول في مناهجنا الشرعية :
وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ ... طويت أتاح لها لسان حسود
وأقول :
ما يضر البحر أمسى زاخراً ... إن رمى فيه غلامٌ بحجر
وأقول أيضاً :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل(1/94)