من علماء العربية
أحمد حسن أحمد كحيل
1329هـ-1420هـ
بقلم
تركي بن سهو بن نزال العتيبي
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على خيرِ المرسلينَ، أمَّا بعدُ:
فقد رغبَ إليَّ عددٌ من الزملاء الذين اطلعوا على ما كتبته عن أستاذي الشيخِ محمدِ عبدِالخالقِ عضيمة – رحمه الله تعالى – أن أكتبَ عن العالم الجليلِ الأستاذِ الدكتور أحمد حسن كحيل ، وقد كانت علاقتي بالدكتور كحيل علاقة التلميذ بأستاذه عرفته عن قرب ، ووقفت على كثير من صفاته الحميدة ، وقوة شخصيته ، وغزارة علمه ؛ وله جهود كبيرة في الدراسات العليا والإشراف على الرسائل ومناقشتها ، أما جهوده في التأليف والتصنيف فقد كانت قليلة ، وربما ظن ظانٌّ أنها لا تكفي للكتابة العلمية التي تفي بحقِّ الرجل ومكانته العلمية .
وبعد مدَّةٍ ليست بالطويلة بعد كتابتي عن الشيخ عضيمة طرأ أمران؛ كلٌّ واحد منهما يكفي أن يكون باعثاً على الكتابة ، أما أولهما : فمهاتفة رقيقة من الأستاذ الدكتور حسن شاذلي فرهود ، حدثني عما كتبته عن الشيخ عضيمة ، وطلب مني أن أكتب عن د.أحمد كحيل ، وذكر ما يدعو إلى ذلك .
أما ثانيهما : فمناسبة لا تقل أهمية عن اتصال الدكتور حسن شاذلي فرهود ، إذ زرت القاهرة بتاريخ 8/6/1427هـ؛ لحضور مناسبتين علميتين فيها ، وكنت في مكتب الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور شعبان صلاح وكيل كلية دار العلوم فإذا بالأستاذ الدكتور محمد عبدالعزيز عبدالدايم – أدام الله توفيقه – يخبرني أنهم سوف يصدرون كتاباً يجمعون فيه بحوثاً مهداة إلى أخي الأستاذ الدكتور علي أبو المكارم ، وهي مناسبة رائعة ؛ تستحق التقدير ، وهي من دواعي هذا العمل لأن أول رسالة اشترك في مناقشتها د.علي أبو المكارم في جامعة الإمام هي رسالة دكتوراه بإشراف الدكتور كحيل ، واجتمع الرجلان في لجنة واحدة مساء يوم 24/8/ 1407هـ ، ونال د.علي كعادته إعجاب جميع الحاضرين .(1/1)
ورغب إلي د. محمد عبدالدايم أن أسهم في هذا الكتاب فاهتبلتها فرصة ؛ تقديراً لمن مضى وحفظاً لحقٍّ من بقي، أكتب عن الأول وأهديه للثاني ، فلهما مني التقدير والمودة والوفاء، ولكل من كان دافعاً إلى الوفاء في وقت بحمد الله يكثر فيه الأوفياء .
لقد كان للأستاذ الدكتور أحمد كحيل مكانته العلمية ، وجهوده الكبيرة في التعليم ، وريادته في الكتابة عن نحو الأندلس ، وندرة ما كتب عنه ، هذه الأمور كلها مجتمعة كانت وراء هذا العمل.
أما هذا العمل فقد قسمته أربعة مباحث تتلو هذه المقدمة وهي :
المبحث الأول : اسمه ونسبه وحياته الاجتماعية:
ذكرت فيه اسمه، وأشرت إلى اتصال نسبه بالحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما ، وذكرت سنة ولادته وزواجه من ابنة شيخه عيسى منُّون ، وعن أولاده ودراسته ، وتدرجه الوظيفي وشيوخه وصفاته ، ورحلاته ، ووفاته .
المبحث الثاني : مؤلفاته :
تحدثت فيه عن أعماله العلمية التي ألفها ، وهي أربعة أعمال ، وله ثلاث مقالات منشورة في مجلات علمية .
المبحث الثالث : اختياراته النحوية والتصريفية :
وقفت على مادة لهذا المبحث تدل على شخصية علمية كبيرة ، وتدل على علم كبير ، ولذا قسمت الاختيارات أربعة أقسام، هي:
القسم الأول : اختياراته التصريفية .
القسم الثاني : موقفه من سيبويه تأييداً أو اعتراضاً أو إيراداً دون تعليق منه .
القسم الثالث : موقفه من قرارات مجمع اللغة العربية في القاهرة التي رأى الأخذ بها سبيلاً من سبل التيسير في اللغة واستعمالها .
القسم الرابع : موقفه من بعض المستشرقين ، وأعني به برجشترسر رداًّ عليه في مواضع كثيرة ، أو قبولاً لما يقوله ، أو تأصيلاً لما قاله برجشتراسر .
المبحث الرابع : جهود د. كحيل في الدراسات العليا:
عرضت فيه عرضاً سريعاً ومختصراً للرسائل التي أشرف عليها أو ناقشها ، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ؛ لكونها محصورة ومدونة.(1/2)
وأردفت ذلك بخاتمة مختصرة ، وأخيراً أشكر الله سبحانه وتعالى الذي هيأ لي تدوين مآثر وأستاذي العالم الرائد د. أحمد كحيل .
فجزى الله عنِّي كلَّ من كان سبباً لهذا العمل أو دافعاً أو قارئاً وناقداً كلَّ خيرٍ ، وأجزل لهم الأجر والمثوبة.
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى اللهُ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ .
المبحث الأول : اسمه ونسبه وحياته الاجتماعية .
اسمه :
هو الأستاذُ الدكتورُ / أحمد حسن أحمد كحيل ، وبه عرف، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي(1) رضي الله تعالى عنهما ، فهو قرشيٌّ هاشميٌّ.
أما اسمه على عنوان رسالته للدكتوراه فهو أحمد حسن أبو كحيل(2) .
مولدُه :
أشارَت الأوراقُ الرسميَّةُ إلى أنَّ الدكتور أحمد حسن كحيل ولدَ في تاريخِ 25/12 /1329هـ الموافق 16/2/1911م ، في قريةِ ( تَلْبَنْت قيصر ) مركز طنطا محافظة الغربية(3) .
حياته الاجتماعية وأولاده:
__________
(1) كما أفادنيه ابنه د. عبدالرحمن ، بناء على سلسلة النسب الموجودة عندهم ، والتي تنتهي بنسبهم إلى الحسين ، كما قد سمعت هذا عدة مرات من عددٍ من الزملاء الأساتذة الأزهريين ، الذين يذكرون أن د. كحيل هاشمي النسب.
(2) كذا على غلاف الرسالة ، وجاء في ثلاثة مواضع داخل الرسالة : أحمد حسن كحيل .
(3) سيرته بخط يده في ملفه للتعاقد في جامعة الإمام .(1/3)
درس د. كحيل في الأزهر ، وتزوج زكية عيسى منّون في منتصف عام 1946م(1) ، وهي ابنة شيخه عيسى منُّون(2) الذي كان يدرِّسُ في الأزهر ، كما كان شيخاً لرواق الشام فيه ، وهو فلسطينيٌّ من نابلس ، توفي عام 1379هـ .
وقد أنجبت للشيخ أولاده الخمسة ، وتوفيت عام 1398هـ الموافق 1978م.
للدكتور أحمد كحيل ثلاثة أبناء وبنتان ؛ وهم :
1- محمد ، وبه يكنى ، عمل مديراً عاماًّ بمصانع الصلب والحديد حتى إحالته على التقاعد.
2- الأستاذ الدكتور محمود ؛ ويعمل أستاذاً في كلية الصيدلة بجامعة القاهرة .
3- د. عبدالرحمن ، ويعمل طبيباً، وهو الآن استشاريُّ أطفالٍ .
4- د. أسماء وهي الآن على درجة ( مدرس ) في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
5- درية ، وتعمل مديرةً عامة بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة .
وأكبرهم أسماء ، ويأتي بعدها محمد ، ثم درّية ومحمود وعبدالرحمن .
دراسته :
حصل على الشهادة الجامعية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سنة 1938م
حصل على شهادة الماجستير عام 1942م .
حصل على شهادة العالمية العالية ( الدكتوراه ) 18/12/1944م(3) .
التدرج الوظيفي:
عمل مدرِّساً في المعهد الديني الأزهري في إحدى القرى التابعة لمركز ناصر في محافظة بني سويف حتى حصوله على الدكتوراه.
__________
(1) انظر إشارة د. كحيل إلى زواجه في مقالته عن الشيخ عضيمة قال : "ومضى علينا خمس سنوات حتى كانت سنة ألف وتسعمائة وست وأربعين فتزوجتُ في منتصف هذا العام ، وتركت له المنزل آسفاً " مجلة كلية اللغة العربية العددان الثالث عشر والرابع عشر 755. .
(2) انظر ترجمة الشيخ عيسى منُّون في الأعلام 5/109 .
(3) اعتمدت هذه التواريخ بناء على استمارة المعلومات التي دوّنها د. أحمد كحيل بخطه عند تقديمها للتعاقد مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .(1/4)
عين بعد حصوله على الدكتوراه مدرساً في كلية اللغة العربية في الأزهر ابتداء من تاريخ 19/12/1944م(1) .
رقِّيَ إلى درجة أستاذ في قسم اللغويات في كلية اللغة العربية ( تخصص النحو والصرف ) بتاريخ 14/6/1966م(2).
عمل أستاذاً في القسم ثم رئيساً له حتى تعاقده مع جامعة الإمام محمد بن سعود في رحلته الثالثة إلى السعودية .
شيوخُه :
قالَ د. أحمد كحيل – رحمَه الله تعالى – في مقالته التي كتبها عن الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة وهو يحكي حالهما معاً عند التحاقهما بكلية اللغة اللعربية بجامعة الأزهر : " والتحقَ بكليةِ اللغةِ العربيةِ ، وكانَ يحاضرُ في الكليةِ صفوةٌ من العلماءِ المبرِّزينَ في اللغةِ، مثلُ الشيخِ إبراهيمَ الجبالي ، والشيخِ سليمان نوار والشيخِ محمَّد محيي الدّينِ والأستاذِ أحمد نجاتي والأستاذِ عليِّ الجارم ، والدكتورِ عبدِالوهاب عزّام ، فتلقَّى العلمَ عن هؤلاءِ الصفوةِ في النحوِ والصرفِ والأدبِ والتاريخِ "(3) ، كما تلقى العلم عن شيخه ووالد زوجته عيسى منّون .
هؤلاء هم أبرز الشيوخ الذين تلقى عنهم الأستاذان د. عضيمة ود. كحيل علومهما في مرحلة الدراسة الجامعية ، وترقيا في التعلم في هذه الكلية حتى حصلا على شهادة الدكتوراه .
صفاته :
اتسمَ الشيخُ كحيل – رحمه الله تعالى – بسمات كثيرة من أهمها :
__________
(1) بناء على الوثيقة المصدَّقة من عميد كلية اللغة العربية في الأزهر، بتاريخ 15/7/1974م.
(2) انظر الوثيقة السابقة.
(3) مجلة كلية اللغة العربية العددان الثالث عشر والرابع عشر 753.(1/5)
حرصه على العلم الشرعي ، وتمكنه منه ، فقد دأب على فتح منزله كل يوم جمعة بعد الصلاة ، ليأتيه عدد من طلاب العلم ، وبعض الأساتذة المصريين ، فيبدأ اللقاء بتلاوة القرآن الكريم ، وتقويم قراءة الجميع ، ويرد عليهم الشيخ من حفظه تلاوة وتجويداً ، بعد هذا يعلق الشيخ على بعض القراءات التي وردت في الآيات التي قرئت ، ويبين الأحكام التي مرت ، وتبدأ الأسئلة في مختلف علوم الشريعة واللغة .
ولا أدل على تمكنه من العلم الشرعي أنه في تعاقده الأول للعمل في ثانوية طيبة بالمدينة المنورة اختارته لجنة الاختبارات عضواً للامتحان الشفوي لمقررات الشريعة بقرار من مدير المعارف آنذاك محمد بن مانع – رحمه الله - ، وستأتي الإشارة إليه عند الحديث عن عمله في المدينة المنورة.
وكانت تحال إليه أعمال علمية في تخصص التفسير على وجه الخصوص لتقويمها ، والنظر أحياناً في ترقيات أصحابها .
ومن سماته الكرم وحسن الضيافة ، فقد كان لا يتوانى عن دعوة المتعاقدين الجدد ، ويرحب بهم ، ويعرض عليهم خدماته ، والإقامة عنده حتى يجدوا سكناً ، وكان – رحمه الله – كريماً شهماً .
ومن سماته أيضاً الجد والصرامة في الحق ، وعدم اللين فيه أو التراجع عنه .
وكانت شخصيته مهيبة ، ومحببة من القلوب ، فيه تقوى وورع – أحسبه كذلك ، ولا أزكي على الله أحداً - ويقبل الشفاعة عنده ، أو يشفع عند غيره عند الحاجة ، ولا يتردد في ذلك ، ويكثر من ترداد : الخلق عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله .
وكانت له مواقف كثيرة ، تستحق التدوين والإشادة ، ومن أبرزها صحبته للشيخ عضيمة صحبة نادرة في هذا الزمان ، وكان الشيخ يصير إليه في كل أموره حتى الشخصية الدقيقة منها ، وهو الذي نقل إليَّ خبر وفاة الشيخ رحمهما الله تعالى في اليوم نفسه ، وكان يوماً صعباً على الدكتور كحيل .(1/6)
ومنها حرصه على طلابه الذين يشرف عليهم ، وعنايته بهم وتوجيههم في حياتهم العلمية والعملية(1) ، لا يألو جهداً ولا يدخر وسعاً .
رحلاتُه:
لم أقف على رحلات للدكتور كحيل إلى غير السعودية ، وكانت جميع رحلاته إلى السعودية لغرض العمل في مجال التدريس في أوقات مختلفة بين المدينة المنورة والرياض ، والذي وقفت عليه من هذه الرحلات هي:
الرحلة الأولى : إلى المدينة المنورة للتدريس في ثانوية طيبة :
__________
(1) مما يذكر هنا ما سجله الزميل د. عبدالرحمن العمار بخطه أن للدكتور كحيل فضلاً في توجيهه ، وقد تلقى عنه نصيحتين ثمينتين ، فكتب لي ما نصه: " بعد تعييني معيداً في كلية اللغة العربية في 14/9/1399هـ اخترت للتدريس في الصيف في دولة الفلبين وكنت وقتها أبحث عن موضوع للماجستير وكان ممن استشرتهم فضيلة الشيخ الدكتور أحمد حسن كحيل ، ولما علم بذهابي إلى الفلبين قال لي : يا ابني عبدالرحمن : اترك الذهاب إلى خارج المملكة حتى تحصل على الدكتوراه ؛ لأن ذهابك سيضعف نشاطك ، ويقلل من عزمك على مواصلة الدراسة ، فقلت له : إن مدة السفر شهران فقط ، فابتسم وقال : لا بأس "، وكتب عن النصيحة الثانية : " عندما تولى – رحمه الله – الإشراف على رسالتي في مرحلة الماجستير ، كان نعم المشرف ؛ أذهب إليه في سكنه في مواعيد محددة بمسائل مشكلة فأخرج وقد رفع الإشكال وزال الإبهام ،
جئته يوماً لأخبره بأن الله رزقني بنتاً فبارك ودعا لي ولها ، ثم قال : يا ابني عبدالرحمن: احمد الله واعلم أن الرزق يأتي مع الولد ، وأول ذلك تيسير أمرك في رسالتك ، وأنا يا بني كلما رزقت بولد جاءتني ترقية ، وما ذاك إلا بفضل الله ثم بقدوم الولد " .
ومثل هذا مرَّ عليَّ مع أستاذي الشيخ محمد عبدالخالق عضيمة رحمه الله تعالى.(1/7)
بدأت الدراسة في ثانوية طيبة يوم الثلاثاء 12/ من شهر ذي القعدة / 1362هـ، بالأساتذة الموجودين من السعوديين بفصلين دراسيين ، وسعت إدارة الثانوية ومعتمدية تعليم المدينة المنورة إلى التعاقد مع أساتذة من مصر ، وجاء عدد منهم ، في السنوات الأولى من بداية العمل في الثانوية، وكان من الرواد الأوائل الذين باشروا التدريس في هذه الثانوية د. أحمد حسن كحيل.
تعاقدت مديرية المعارف آنذاك مع الشيخ أحمد كحيل ، وباشر العمل في ثانوية طيبة بتاريخ 27/12/1367هـ ، وكان اسمه – رحمه الله تعالى – مدرجاً ضمن أساتذة المدرسة حتى عام 1372هـ ، ودرَّس في هذه الثانوية خمس سنوات ( أستاذ ثانوي ) كذا ورد في سجلات هذه المدرسة(1).
أسهم د. كحيل إسهاماً كبيراً في التعليم ، وعمل في لجان الامتحان عضواً لامتحان المقررات الشرعية(2) . وهذه سمة من سمات الشيخ كحيل – رحمه الله تعالى – أعني عنايته بالعلم الشرعي ، وتمكنه منه .
الرحلة الثانية : إلى الرياض .
أما رحلته الثانية فكانت للعمل في كلية الشريعة في الرياض التابعة للرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية بتاريخ 5/7/1388هـ(3) , وهي التعاقد الأول له مع جامعة الإمام في وقت كانت إدارة للكليات والمعاهد العلمية ، وبقي في الكلية يدرس ويشترك في لجان الامتحانات النهائية ، بتكليف من نائب الرئيس العام للكليات والمعاهد العلمية حتى تاريخ 11/7/1391هـ ، وانتهى عقده بناء على طلبه .
الرحلة الثالثة: إلى الرياض أيضاً :
__________
(1) انظر : المصدر السابق 523.
(2) انظر : المصدر السابق 327 ، لجنة امتحان شهادة الثقافة لعام 1370هـ .
(3) اعتمد في هذه التواريخ وجميع التواريخ اللاحقة على صورة العقود الموقعة معه في ملفه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، والمحفوظ في شؤون المتعاقدين ، وبناء على طلب مني صورت لي هذه العقود، لضبط هذه التواريخ .(1/8)
تم التعاقد مع د. كحيل مرة ثانية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتاريخ 22/7/1394هـ ، واستمر في الجامعة يدرس النحو في مرحلة البكالوريوس ، والسنة التمهيدية في مرحلة الماجستير حتى نهاية عقده بتاريخ 12/11/1406هـ ، وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه ، كما شارك في مناقشة عدد آخر منها ، وكانت مدة العقد الأخير أكثر من اثني عشر عاماً ، قضاها كلها في التعليم والإشراف ومناقشة الرسائل وتقويم الأعمال العلمية ، واتسمت هذه المرحلة بإنتاج علميٍّ غزيرٍ في مجال الدراسات العليا ، وأشرف على عددٍ غيرِ قليلٍ من الرسائل .
وفاته :
انتقل د. أحمد حسن كحيل إلى رحمة الله يوم الأحد 20/8/1420هـ الموافق 28/11/1999م ، عن عمرٍ ناهز تسعين عاماً . ودفن في مقابر الإمام الشافعي بالقاهرة.
المبحث الثاني : مؤلفاته :
مؤلفات الشيخ :
أولاً : عني د. كحيل – رحمه الله – بالتعليم كما أسلفت ، وفتح داره لطلاب العلم والأساتذة ، وكان الناس يرتادونه بكثرة ، وكان يخصص لطلابه أياماً محدَّدة ، يلتقي بهم ، فيقرأ لهم أعمالهم ، وربما يطلب منهم أن يقرؤوا عليه ما كتبوا ، ويقوم النصوص العلمية تقويماً دقيقاً ، ويصحح لهم المسائل النحوية والتصريفية بعقلية حاضرة وعلمية باهرة.
وكان نتاجه العلمي الذي أخرجه أربعة أعمال هي :
1- النحو في الأندلس .
2- التبيان في تصريف الأسماء.
3- دراسات عربية وإسلامية في اللغة والدين والأدب .
4- الأسباب التي أوجبت الخلاف بين المسلمين لابن السيد دراسة وتحقيقاً بالاشتراك مع د. حمزة النشرتي .
وبالنظر في تواريخ هذه الأعمال يتضح أنها جهود جاءت في أوقات متباينة ، بل كانت متباعدة الزمن ، وهذا عرض لمضمونها :
أولاً : النحو في الأندلس :
هذا العمل كان موضوعاً لرسالته التي نال بها درجة الدكتوراه من قسم اللغويات في كلية اللغة العربية في الأزهر عام 1363هـ- 1944م .(1/9)
وتقع هذه الرسالة في ثلاثمائة واثنتين وأربعين صفحة ، كتبت بخط جميل ، ومحفوظة في مكتبة الرسائل في الكلية برقم 182.
وكانت هذه الرسالةً مرجعاً مهماًّ من مراجع الدرس النحوي في الأندلس لأكثر من خمسين عاماً ، وأفاد منها طلاب الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في النحو والصرف ، سواء أكانت رسائلهم تحقيقاً لكتب نحو أندلسية أم دراسةً للنحويين الأندلسيين.
وتضمنت مادة الرسالة بعد الافتتاح والمقدمة حديثاً مختصراً عن كلمة أندلس ؛ مدلولها واشتقاقها ، ، وتحدث عن طبيعة بلاد الأندلس وأثرها ، وفتح الأندلس ، ثم كتب عن العرب في الأندلس وعصور الأندلس السياسية والعلمية ؛ عصر الولاة وعصر بني أمية وعصر ملوك الطوائف وعصر المرابطين وعصر الموحدين وعصر بني الأحمر.
بعد هذا كتب – رحمه الله تعالى – عن علوم الأندلس ، ثم جاء باقي الرسالة في أربعة أبواب ، عناصر هذه الأبواب هي ، الباب الأول : وهو عن النحو في الأندلس ، وعرض فيه إلى منزلة النحو عند الأندلسيين ، وبراعة الأندلسيين في النحو ، وأثر الأندلسيين في النحو ، وتاريخ النحو في الأندلس ، وأولية النحو في الأندلس ، وكتب الكسائي في الأندلس ، ونحو الكوفة أسبق من نحو البصرة إلى الأندلس ، وكتاب سيبويه في الأندلس .
وعرض بعد هذا عصور النحو في الأندلس ، وقسمه ثلاثة عصور ، هي : العصر الأول ؛ النحو في القرن الثاني ، والنحو في القرن الثالث ، ومميزات النحو في العصر الأول ، وآثار العصر الأول في النحو ، وأشهر نحاة العصر الأول .
أما العصر الثاني فعرض فيه للنحو في القرن الرابع ، ثم الرحلة وأثرها ، والرحلة من المغرب إلى المشرق ، وأشهر الرحالة ، ودراسة النحو في القرن الرابع ، ومظاهر تكون المذهب الأندلسي في هذا القرن ووضع أسسه ، وأشهر نحاة القرن الرابع وآثارهم.(1/10)
ثم تناول النحو في القرن الخامس وأشهر نحاة هذا القرن وآثارهم ، بعد ذلك تحدث عن النحو في القرنين السادس والسابع ، واكتمال المذهب الأندلسي ، ومميزات النحو في هذين القرنين .
بعد هذا عرْضٌ لأخذ نحويي المشرق عن الأندلسيين؛ كالزمخشري وابن بري.
وعرض لاضمحلال الدراسة النحوية في آخر القرن السابع ، وبيَّن سبب ذلك ، وختم الحديث عن العصر الثاني بذكر أشهر نحاة القرنين السادس والسابع وآثارهم.
بعد ذلك تحدث عما سمَّاه العصر الثالث، وبدأه ببحث ضعف الدراسة النحوية في هذا العصر ومظاهر الضعف وأسبابه .
وفصَّل القول عن النحو في القرن الثامن ، وأشهر نحاة هذا القرن ، ثم النحو في القرن التاسع ، ونهاية النحو في الأندلس ، وعرض لنحويات الأندلس ، ثم ثقافة نحاة الأندلس .
ثم تحدث عن الرواية في الأندلس وأثرها ، وشعراء الأندلس ، ومؤلفات المشارقة التي عني بها الأندلسيون ، ومدارس النحو في الأندلس .
هذه هي موضوعات الباب الأول ، وتلاه الباب الثاني وعرض الشيخ فيه للمذهب الأندلسي وخصائصه ، والنحو بين البصرة والكوفة ، ومنهج البصرة ، ثم منهج الكوفة ، وموقف الأندلسيين من هذا الخلاف ، وموقف الأندلسيين من القياس ، والأسس التي قام عليها المذهب الأندلسي ، والعوامل التي طبعت النحو في الأندلس بطابع خاص ، والأدب وأثره في النحو ، والحديث والاستشهاد به ، والقراءات في الأندلس وأثرها في النحو ، وموقف نحاة الأندلسيين من القراء ، والمذهب الظاهري في الأندلس وأثره في النحو ، والفلسفة في الأندلس وأثرها في النحو ، وتعليلات الأندلسيين.(1/11)
أما الباب الثالث فقد خصَّصه للحديث عن آثار الأندلسيين في النحو ، وآراء الأندلسيين في بعض المسائل ومنها ، نصب ( غير ) في الاستثناء، وإضمار ( أن ) الناصبة في غير المواضع العشرة ، وعدم جواز تعدد الخبر لمبتدأ واحدٍ من غير عطف ، وامتناع تقدم جملة الحال المصدرة بالواو على عاملها ، وجواز تأخير الحالين عن أفعل التفضيل ، وموقع الجملة المعلق عنها العامل من الإعراب ، وتمييز المقادير المختلطة من جنسين ، وعدم اشتراط أن يكون الموصوف بإلا جمعاً منكَّراً ولا شبهه ، وجواز التعليق عن أحد المفعولين دون الآخر ، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء ناصبه ، وإعمال أن المفتوحة إذا خفِّفت في الظاهر والمضمر ، و ( لو ) لا تدلُّ على امتناعٍ ولا إثباتٍ ، وجواز تثنية المشترك وجمعه باعتبار معانيه المختلفة ، ونيابة المفعول الثاني في بابي ظن وأعلم عن الفاعل ، ووقوع جواب الشرط ماضياً لفظاً ومعنى إذا اقترن بالفاء وقد ، وعدم اشتراط كون الأعجمي علماً في لغته لمنعه من الصرف في العربية ، وفل وفلة ، واستدراكات الأندلسيين ، واشتراط اتحاد المفعول لأجله وعامله في الوقت والفاعل ، وشرط المجرور بحتى ، وشرط العطف بلا ، وشرط بدل بعض من كل ، وبدل الاشتمال ، وشرط إجراء القول مجرى الظن ، وشرط العطف بحتى ، وشرط صلة الموصول ، ومسألة الأفعال التي تلحق بالأفعال التي تعلق ومنها الفعل ( نظر ) بمعنى أبصر .
بعد هذا تحدث عن بعض أبحاث الأندلسيين في أصول النحو وقواعده العامة ، وبعض اصطلاحات الأندلسيين ، ومنها: أن ( لو ) لا تسمَّى شرطيةً إلا إذا كانت بمعنى ( إن ) وما الكافة والموطئة ، والنائب عن الفاعل .(1/12)
ثم عرض للتأليف والمؤلفات وتاريخ التأليف في النحو عند الأندلسيين ، وأزهى عصور التأليف في الأندلس ، ومنهج الأندلسيين في التأليف ، وموازنة بين الأندلسيين والمشارقة ، ونماذج من التأليف الأندلسي ؛ باب الأحرف الناصبة للاسم الرافعة للخبر لابن مالك من شرح التسهيل ، باب الأحرف الناصبة للاسم الرافعة للخبر لابن عصفور من شرح الجمل ، باب الأحرف الناصبة للاسم الرافعة للخبر لسيبويه، باب الأحرف الناصة للاسم الرافعة للخبر للمبرد من المقتضب ، باب ( لا ) العاملة عمل ( إنَّ) لابن مالك من التسهيل ، باب ( لا ) العاملة عمل ( إن ) لابن الحاجب من الكافية .
وتناول نظم النحو في الأندلس ، ونظم الألغاز النحوية ، وعناية الأندلسيين بالأفعال وتصاريفها ، وأول كتاب في تصاريف الأفعال .
ثم انتقل إلى النقد التأليفي ؛ وعرض لنقد الأندلسيين لنحاة المشرق ، ونقد الأندلسيين لنحاة الأندلس ، ورأي الأندلسيين في بعض نحاة المشرق ، ورأيهم في الزمخشري ، ورأيهم في ابن الحاجب ، والسر في حملتهم على الزمخشريِّ.
وتحدث عما ألف في موضوع المسائل النحوية فعرض لرسالة الأعلم الشنتمري ومسائل ابن السيد البطليوسي ، ورسالة لابن السيد البطليوسي .
وتناول آثار الأندلسيين وأماكنها ، والتعريف ببعض المؤلفات الأندلسية ؛ الكافية الشافية وشروحها ,قيمتها العلمية ، وموضوعات الكافية ، والفرق بين الكافية والخلاصة ، وشرح الكافية ، ونظام ابن مالك في الشرح وما امتاز به ، ومصادر الكتاب وقيمة الشرح العلمية ، وآراء ابن مالك في هذا الكتاب ، وأدب ابن مالك في مناقشاته.
وعرض للمقدمة الجزولية وأسلوبها وما تمتاز به ، وموضوعات المقدمة ، ومصادر المقدِّمة وشراح المقدِّمة ، والمباحث الكاملية في شرح المقدِّمة الجزولية ، وطريقته في الشرح وأسلوبه ، وقيمة المقدمة الجزولية العلمية وتوهمات الجزولي.(1/13)
وعرض لارتشاف الضرب من لسان العرب ومؤلف الكتاب ونظام الكتاب وموضوعاته ، وأسلوبه ومصادره وقيمته العلمية ، ونصوص من الكتاب ، وأسلوب أبي حيان في مناقشاته ، والتذييل والتكميل.
ثم تحدث عن المجالس والمناظرات ؛ بين أعرابيٍّ ونحويٍّ ، وبين السهيليِّ وابن خروف ، وبين ابن أبي الربيع ومالك بن المرحل .
وأخيراً خصَّص الباب الرابع لأعلام النحو الأندلسيين ، فذكر تراجم لبعض نحاة الأندلس ، منهم : أبو بكر الزبيدي ؛ فعرض لحياته وعصره وأساتذته ومنزلة الزبيدي العلمية ، ومنهجه في النحو، والزبيدي اللغوي ، وأسلوب الزبيدي وأدبه ، ومدرسة الزبيدي ، ومن عاصر الزبيدي من العلماء ، وآراء الزبيدي واختياراته ومؤلفات الزبيدي .
بعده تحدث عن ابن الطراوة ؛ حياته وعصره الذي عاش فيه وأدبه ومنهجه في النحو وآرائه واختياراته ، ومؤلفات ابن الطراوة .
ثم عرض للشلوبين وأساتذته ومنزلته العلمية ومنهجه النحوي وآرائه واختياراته ، ومدرسة الشلوبين ومؤلفات الشلوبين .
وترجم لابن مالك ، وذكر نسبه وحياته وشيوخه وثقافته ومنهج ابن مالك ، وبيَّن لم عدَّه أندلسياًّ ؟ وذكر شيئاً من آرائه ومظاهر توسّعه في القياس ، ومظاهر تشدّده فيه ، وذكر آراءه التي عدل عنها ، واختياراته ، والمآخذ عليه ومؤلفاته ، وأخلاقه ، وما دار بينه وبين ابن خلكان .
ثم عرض لأبي حيان ؛ فذكر نسبه وحياته وشيوخه وثقافته ومكانته العلمية ومنهجه النحوي ، وآراءه واختياراته وانتقاداته ، وناقش ما دار بين أبي حيان والنحويين, وبين أبي حيان وابن مالك ، ومدرسة أبي حيان ومؤلفاته ، وناقش العلاقة بين أبي حيان وابن تيمية ، وصفة أبي حيان وأخلاقه ، وأدبه .
وختم الرسالة بالخاتمة ، وبعدها أمل ورجاء ، ونظراً للعاطفة الجياشة في الخاتمة والأمل والرجاء أنقلهما بنصِّهما فقال في الخاتمة :
"بسم الله الرحمن الرحيم(1/14)
الحمد لله رب العالمين ، وبه نستعين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين وآله الطيبين وصحبه المخلصين ؛ وبعد :
فقد كنت منذ مراحل التعليم الأولى مولعاً بتاريخ الأندلس ، وأدب الأندلسيين ، وكنت حينما أقلب صفحات تاريخهم ، وأتنقل بين آثار حضارتهم أشعر أن نفسي تتجاذبها نزعتان متباينتان : سرورٌ وألم ، سرور اللذة العقلية والتيه والفخر بمجد الآباء والأجداد ، وألم الحسرة على الفردوس المفقود والملك الضائع والمجد الدارس !!
وأي قلبٍ لا يهفو إلى تلك الجنان ، وأي نفس عربيَّةٍ لا تثور أشجانها ، وتهتاج مشاعرها ، ويعتلج الهمُّ والأسى في صدرها، تستغرق في تاريخ الماضي ، وتستعرض حوادثه ، فترى الدولة العربية ذات سلطان ومنعة وحضارة ومجد يرهبها عدوّها ، ويخشى بطشها ، فيتملقها ، ثم إذا بهذه الدولة تصبح هباء ، وهذا الملك يصير عفاء ، ويخرج العرب من هذا الأقليم كما خرج آدم من جنات النعيم !!
ولكن كان يعزيني علمي بأن العرب قد أدّوا رسالتهم في الحياة ، فخدموا العلم والفن ، وتركوا وراءهم آثاراً خالدة ، تنطق ببراعتهم ، وتشهد بعلو كعبهم في كلِّ ناحية من نواحي الحياة .
وإذا كنت قد أحببت الأندلس والأندلسيين فقد أحببت آثارهم ، وكل ما يتصل بتاريخهم بسبب ، فشغفني أدبهم حباًّ ، وأعجبت به أيما إعجاب .(1/15)
وما كان يجول في خاطري أن لهم آثاراً في النحو كآثارهم في الفنِّ والأدب ، بل ما كان أبعد ذلك عن خاطري ، إذ كنت أعتقد أن البيئة التي يخصب فيها الأدب ، ويزدهر لا ينمو فيها النحو ولا يزكو ، وما كنت أعتقد أن هؤلاء الذين كانوا يتهادون بين الأشجار والأزهار ويعيشون بين الكؤوس والأوتار ، ويشدون شدو الحمائم ، ويناجون النسائم في البواكر والآصال ، وقد ألانهم الترف وعلتهم نضرة النعيم ، ما كنت أعتقد أن هؤلاء تفيض قرائحهم إلا بالشعر الذي يحاكي فطرتهم في لينها وترفها ، وطبيعتهم في رقة نسيمها ، وشذا عطرها ، أما النحو فلا شكَّ أنهم يمجونه ، ولا يستسيغونه فلما أمعنت في دراسة النحو ، وقرأت شيئاً عن أعلام النحاة ، راعني أن أكثر هؤلاء النحاة الذين تتردد أسماؤهم في كتب النحو أندلسيون ، وقد أظهروا في هذا الميدان لباقة وقدرة وبراعة جعلتهم في صفوف إخوانهم المشارقة.
حفز فيَّ ذلك إلى أن أتعرف تاريخ النحو في الأندلس وآثار الأندلسيين فيه ، وما كان أشد أسفي حينما لم أجد أحداً من العلماء عني ببحث المذهب الأندلسي ، وبيان خصائصه وأطواره كما عنوا ببحث مذهبي البصرة والكوفة .
وكل ما ألف في هذا البحث إنما هو تراجم موجزة لنحاة الأندلس منثورة في بطون الكتب .
رأيت حينئذ أن واجب الوفاء لهؤلاء الأئمة يقتضينا أن نسد هذا الفراغ ، وأن نكمل هذا النقص .
فلما انتهيت من دراستي وكلفت إعداد رسالة علمية رأيت أن أقوم بهذا البحث وفاء لهؤلاء الأعلام.
ولقد شجعني على اختياره طرافة الموضوع وجدته .
وقد قامت في سبيلي عقبات تثني عزيمتي وتردني عن غايتي .
ومن هذه العقبات أني لم أجد أحداً من الباحثين طرق هذا الموضوع قبلي ، ولا حام حوله ، فيمهد لي السبيل ، وينير لي الطريق إلى غايتي.(1/16)
ثم إني استرشدت من كبار الأساتذة وبعض الباحثين فلم أجد ما يشفي علَّتي ، ولا ما يروي غلَّتي ، وقد كانت المراجع أصعب العقبات ، إذ كان أكثرها خطِّياًّ أو مطبوعاً في أوربة ، وقد قست عليها الحرب ، كما قست على غيرها من الكائنات فقبرتها في بطون المغارات ، وكان الحصول عليها دونه خرط القتاد .
ولكني استعنت بالله ، وتذرعت بالصبر والعزم ومضيت في بحثي غير وانٍ ولا متردِّدٍ ، فإذا بكلِّ صعبٍ – بمعونة الله – يذلَّل ، وكل عقبة تمهَّد ، وإذا بي أصل إلى غايتي فأجد لذَّة أنستني كلَّ ألمٍ ذقته في سبيل بحثي .
وها هو ذا البحث أقدِّمه للقارئ ، وكلِّي ثقة بأنه سيشعر بما صادفت من صعاب ويقدر ما بذلت من جهود.
وما قصدت بهذه الرسالة إلا خدمة اللغة ، والوفاء لرجالها العاملين ، وعلاج هذه الناحية من البحث التي أغفلها الباحثون ، فإن أكن قد أحسنت الإحسان كله فبتوفيق الله وحسن نيتي ، وإلا فهو جهد المقل ، وحسب القارئ شرف غايتي ونبل قصدي.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة فتكلمت في المقدمة عن طبيعة الأندلس وحضارتها العلمية ، وأطوارها السياسية ، وفي الباب الأول تناولت تاريخ النحو في الأندلس وفي الباب الثاني شرحت المذهب الأندلسي وخصائصه وفي الباب الثالث تكلمت عن آثار الأندلسيين في النحو من آراء ومؤلفات ، وفي الباب الرابع ترجمت لبعض أعلام الأندلس ، ولا يغيب عن ذهن القارئ أني حينما أذكر النحو في الأندلس فإنما أعني النحو بمعناه العام ، الذي يشمل التصريف كما هو المعروف عند المتقدمين ، وبهذا عرفه ابن عصفور فقال : علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها.
وقبل أن أختم كلمتي أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل من أسدى إليَّ معونة من أساتذتي ومن رجال العلم والأدب .
وبعد فالحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
غرة شعبان 1363هجرية(1/17)
21/يوليه/1944ميلادية أحمد حسن كحيل(1) "
أما الأمل والرجاء الذي كتبه في آخر الرسالة فقد جاء فيه ما نصُّه : "
أملٌ ورجاءٌ
"وبعد " فإنه لمما يملأ القلب أسى وحسرة أن تظل كنوز الأندلسيين وآثارهم العلمية ثاويةً في بطون الخزائن مطمورة في أجواف الكهوف والمغارات ، تقاسي الظلام الداكن والجو الخانق، وهي التي طالما تدفق منها النور الباهر الغامر والضوء المشرق المتألق ، وانبعث منها إلى النفوس نسيم عطريٌّ عليلٌ فيملؤها نشوةً وحياة .. فلي أمل أتوجَّه به إلى القائمين بشؤون الأزهر عامَّةً وكلية اللغة العربية خاصَّة في أن يعملوا على نشر هذه الكنوز الدفينة ، وبعثها في صورة تليق بها حتى يعم نفعها ، ونجني ثمارها .
وإن الأزهر لن يقوم برسالته وكلية اللغة لن تؤدي الأمانة التي في عنقها ما لم تتضافر الجهود وتتعاون الهمم على إحياء هذا التراث الكريم حتى نصل ماضينا بحاضرنا ، ولن يعفينا من التبعة التعلل بقلَّةِ المال فكلُّ صعبٍ في هذا السبيل يذلّل ، وكل عقبة تمهَّد مع الصدق في النية والإخلاص في العمل .
والله الموفق والمعين . وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أحمد حسن كحيل(2) "
الكتاب الثاني : التبيان في تصريف الأسماء :
هذا الكتاب موضوعه ظاهر من عنوانه فهو في تصريف الأسماء ، وطبع في حياة المؤلف – رحمه الله تعالى – عدة طبعات ، كان آخرها الطبعة السادسة سنة 1398هـ – 1978م ، قبل ثلاثين عاماً .
__________
(1) كحيل ) كذا في هذا الموضع من الرسالة ، وبه عرف ، ولكن كتب على الغلاف ( أبو كحيل ) .
(2) وهذا اهو الموضع الآخر . انظر التعليق السابق .(1/18)
قال د. كحيل في مقدمته لهذا الكتاب : " فهذا كتاب نعرض فيه " لتصريف الأسماء " محاولين بسط أصوله ، وتوضيح ما غمض من مسائله ، والكشف عما أبهم من مذاهبه وطرائقه ، مع عرض لآراء الأئمة وحججهم ، واختيار الرأي الذي يساير اللغة في نموها وتقدمها ، ولا يقف بها جامدة هامدة.
وسنحرص على أن نقدم ذلك في أسلوب بيِّنٍ واضح يتجنب الفضول من القول ، والتعسف في الرأي ، والتكلف في العلل ، حتى لا نشق على الدارس ، ولا نجهد القارئ ، وحتى لا يُمَلَّ هذا الفنُّ ويزهد فيه" .
لقد جمع د. كحيل في هذا الكتاب الذي وقع في ثلاثمائة وأربع وثمانين صفحة أصول مسائل تصريف الأسماء في كتب الصرف المتقدِّمة ، ولم يكن مقتصراً عليها، بل عرَّج على قرارات المجمع ، وأفاد منها ، وناقش المعاصرين وعارض بعضهم ونقض حجج بعضهم ، بأسلوب علميٍّ رصينٍ سهلٍ واضحٍ ، اعتمد على المتقدمين ، ولم يغفل أفضل ما عند المعاصرين ، ولم يكن مقلِّداً للآخرين ، بل كان رائده الحقَّ ، يأخذ به ، ولا يرده عنه عصبية أو تقليد .
نعم لقد كان د. كحيل في هذا العمل رائداً ، وعالماً ، وعرض لمسائل هذا الباب من التصريف عرض العالم المدرك لكلياته وجزئياته ، فرحمه الله وغفر الله وأكرم نزله ، وجعل الجنة مأواه.
جاء بعد المقدِّمة حديثه عن معنى الصرف والتصريف ، ونشأة هذا الفنِّ ، وأهم المؤلفات فيه ، وتحدث عن تصريف الأسماء، وأن الأسماء المبنية والحروف والأفعال الجامدة لا يدخلها التصريف .(1/19)
بعد هذا قسم العمل تسعة مباحث تضمن المبحث الأول الحديث عن أبنية الأسماء ، والمبحث الثاني تناول قسمة الأسماء إلى جامدة ومشتقة؛ فتحدث عن تعريفهما ، وأنواع الجامد ، والمصادر ، بعد هذا عرض في المبحث الثالث للمشتقات ، أما المبحث الرابع فتكلم فيه عن المذكر والمؤنث ، والمبحث الخامس عرض فيه للمقصور والممدود ، والمبحث السادس عن التثنية والجمع ، والمبحث السابع عرض فيه لمسائل التصغير ، أما المبحث الثامن فناقش فيه مسائل النسب وقواعده ، كما خصَّص المبحث التاسع للحديث عن الابتداء والوقف .
كل هذا بأسلوب واضح سهل ، وختم المباحث بمسائل وتطبيقات واسعة ومتنوعة، أورد بعد بعضها أمثلة للإجابة الصحيحة ، ثم يضع أسئلة لما رأى أنه محتاج إلى ذلك.
الكتاب الثالث : دراسات عربية في اللغة والدين والأدب:
طبع هذا الكتاب في القاهرة في مطبعة السعادة 1392هـ ، ويقع في مائتين وست وثمانين صفحة ، قال د. كحيل في مقدمته : " فهذه دراسات لنصوص عربيةٍ ، تهدف إلى الكشف عن معناها ، وبيان مدلول كلماتها وتطورها اللغوي ، ومدى مطابقتها للأصول العامة التي اصطلح عليها اللغويون والنحويون ، وهل اتسعت الأقيسة النحوية لكل تلك النصوص أو ضاقت ببعضها ؟ "(1) .
وأشار إلى أن هذا المنهج الذي سار عليه هو نهج الأسلاف من النحويين المتقدِّمين فقال : " ونحن في منهجنا هذا لسنا مبتدعين ، فقد نهج هذا النهج من الدراسة ، ورفع أعلامه ، ومهَّد سبيله ، جهابذة اللغة وأئمة النحو ، ونهجه المبرد في الكامل وابن الشجري في أماليه ، وابن هشام في بعض مؤلفاته ، فنحن ننهج نهجهم ، ونحيي تراثهم ، وننهل من مواردهم "(2) .
__________
(1) دراسات عربية 3 .
(2) دراسات عربية 3.(1/20)
بعد هذا بيَّنَ منهجه في كتابه فقال : " وقد جعلت مؤلفي هذا : مقدِّمة وأربعة مباحث : فأما المقدِّمة فقد تكلمت فيها بإيجاز عن مصادر النحو السماعية التي اعتمد عليها النحاة في وضع قواعد اللغة وقوانينها ، ودرست في المبحث الأول سورة الرحمن ، وعنيت في هذه الدراسة بأمرين : الأول : التطور اللغوي للمفردات ، والثاني : القراءات المختلفة وتوجيهها.
وفي المبحث الثاني تناولت موقف العلماء من الاستشهاد بالحديث ، وعرضت نصوصاً من الحديث الشريف يخالف ظاهرها الأقيسة التي اصطلح عليها النحاة ، وبيَّنت قصور هذه الأقيسة وضيقها عن بعض النصوص.
وفي المبحث الثالث تناولت قصيدة كعب بن زهير في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بالشرح والتحليل اللغوي ، وعنيت بإعراب النصِّ ، وبيان مدى موافقته الأقيسة العربية ، أو مخالفته لها .
أما المبحث الرابع فقد تكلمت فيه على ( كاد ) و ( كان ) والضمائر ، وتناولتها من جوانب قلما تناولتها منها كتب النحو ، وإنما عرضت لها كتب اللغة وكتب التفسير وعلوم القرآن في بحوث منثورة "(1) .
الكتاب الرابع : التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم واعتقاداتهم ؛ لابن السيد البطليوسي المتوفى سنة 521هـ .
حققه ودرسه د. كحيل بالاشتراك مع الدكتور حمزة النشرتي ، وطبع في القاهرة سنة 1398-1978م .
__________
(1) المصدر السابق 3-4.(1/21)
وموضوع هذا الكتاب كما ذكر ابن السيد – رحمه الله تعالى التنبيه على المواضع التي منها نشأ الخلاف بين العلماء حتى تباينوا في المذاهب والآراء ، ورد أسباب الخلاف إلى ثمانية أوجه ، كل ضرب من الخلاف متولد منها متفرع عنها: الأول منها اشتراك الألفاظ والمعاني ، والثاني الحقيقة والمجاز ، والثالث : الإفراد والتركيب ، والرابع : الخصوص والعموم ، والخامس الرواية والنقل ، والسادس الاجتهاد فيما لا نصَّ فيه ، والسابع الناسخ والمنسوخ والثامن الإباحة والتوسع ، وذكر من كلِّ نوعٍ من هذه الأنواع أمثلة تنبه قارئ الكتاب على بقيتها ، إذ كان استيفاء جميع ذلك من المتعذر على من حاوله.
والجدير بالإشارة هنا أن د. حمزة النشرتي من خيرة طلاب د. كحيل ، ومن أكثرهم وفاء له وتقديراً ، عمل في عدد من الجامعات المصرية والسعودية أستاذاً للنحو والصرف ، ورئيساً لقسم اللغويات في كلية اللغة العربية ؛ جامعة الأزهر في شبين الكوم ، ثم عميداً لها .
هذه هي أعمال د. كحيل العلمية المنشورة ، وله مقالات وقفت على ثلاثة منها هي :
1- الطريق إلى عربية فصحى ميسرة في رأي ابن خلدون
منشورة في مجلة أضواء الشريعة ، التي تصدر عن كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، العدد الثاني ( 1392هـ 1972م ) من ص32 – ص123 .
2- النحو والفقه الظاهري
منشورة في العدد السادس من المجلة المذكورة سابقاً ( 1395هـ -1975م) من ص 328- ص334 .
3- مقالة تأبين الشيخ عضيمة بعد وفاته
منشورة في مجلة كلية اللغة العربية ، العددين الثالث عشر والرابع عشر ( 1403-1404هـ ) من ص753- 758.
المبحث الثالث : اختياراته النحوية والتصريفية :(1/22)
أشرت عند حديثي عن كتاب التبيان إلى أن د. كحيل – رحمه الله – كان ذا رأي واختيار ، وكان يرجح ، ويأخذ بما يرى أنه الأقوى ، دون اعتماد على مدرسة معينة ، أو مذهب معيَّنٍ ، بل كان يورد أقوال المتقدمين ، ويختار منها ، ويثني على قرارات المجمع بإشارته إلى بعضها ، ولم يقتصر على هذا بل تعقب برجشتر اسر في محاضراته التي ألقاها على طلاب جامعة القاهرة عن التطور النحوي للغة العربية، ونشرت فيما بعد.
لم يكن د. كحيل ناقلاً للنصوص مرتباً ومعيداً لما قاله الآخرون ، ولكنه – رحمه الله – كان ذا رأي واختيار ، وقد جعلت هذه الاختيارات تحت الأقسام الأربعة الآتية :
القسم الأول: اختياراته التصريفية الدالة على شخصيته وتمكنه:
المسألة الأولى : وضع الصرف :
ذهب بعض المؤرخين لتاريخ الصرف إلى أن معاذاً الهراء أول من وضع علم الصرف ، ورأى د. كحيل غير هذا فقال :" أما قول بعض العلماء : إن معاذ بن مسلم الهراء الكوفي هو أول من وضع التصريف ، وإن الكوفيين كانوا أسبق من البصريين في ذلك الفن فغير سديد ؛ لأنَّ معاذاً توفي سنة 187هـ بعد سيبويه المتوفى سنة 180هـ بعد أن خلَّف لنا سيبويه في كتابه تراثاً ضخماً من الدراسات النحوية والصرفية ما زالت إلى اليوم مصدراً لكلِّ دارسٍ ، ومنهلاً لكلِّ واردٍ "(1) .
وقال – رحمه الله – متعقِّباً السيوطيَّ : " قال السيوطيُّ : ومن هنا لمحتُ أنَّ أولَ من وضع التصريف معاذ هذا .
وكيف يلمح السيوطيّ ذلك ؟ إلا إذا كان يقصد التصريف الذي هو التمرين والتدريب فقد يكون غير بعيدٍ عن الحق ، وإذا كان يقصد القواعد فقد جانبه الصواب ؛ لأن سيبويه البصري وهو معاصر لمعاذ وتوفي قبله جمعها في كتابه مستوفاة كاملة ، وروى منها ما روى عن شيوخه ، فلابدَّ أن تكون هذه القواعد مرت قبل سيبويه بمراحل حتى نضجت وكملت في كتابه "(2) .
المسألة الثانية : علة كثرة استعمال الثلاثي:
__________
(1) التبيان 14 .
(2) التبيان 15 .(1/23)
الاسم يكون ثلاثياًّ ورباعياًّ وخماسياًّ ، ويصل بالزيادة إلى سبعة ، ولكن أكثرها استعمالاً هو الثلاثيُّ ، وعلَّل لكثرة الثلاثي من الأسماء بقوله : " ولهذا كان الثلاثيُّ أكثر استعمالاً ودوراناً على الألسنة ؛ لخفته بقلَّةِ حروفه ، ولاعتداله بسبب حجز حشوه بين فائه ولامه ، ويليه الرباعيُّ في الخفَّةِ والاستعمال "(1) .
وعلَّق – رحمه الله على قوله : ولاعتداله في الهامش بقوله : " فليست كثرةُ الثلاثيِّ لقلَّةِ حروفه ، بل لاعتداله أيضاً ، وإلا لكان الثنائيُّ أكثر استعمالاً . الخصائص 1/55." (2) .
المسألة الثالثة : الكثرة في الاستعمال لا تدل على أصالة المستعمل :
ذهب د. كحيل إلى أن كثرة الاستعمال ليست دليلاً على أصالة المستعمل ، واعتلَّ لذلك فقال : " وأنكر جمهرة العلماء ما ذهب إليه الأخفش من تفريع المضموم على الساكن ؛ لأنه يخالف المعهود في التفريع ، وهو أن يكون للتخفيف ، وإذا لم يكن بدٌّ من التفريع فالأَولى أن يكون المضموم أصلاً ، والساكن فرعاً حتى تتحقق الحكمة من التفريع ، أما كثرة الاستعمال فلا تدل على أصالة ؛ لأنَّها مرتبطة بالخفّةِ لا بالأصالةِ ، فقد يكون الأصلُ ثقيلاً مهملاً كما في يقول ويقْوُل "(3) .
المسألة الرابعة : بناء فُعْلَل ليس فرعاً لبناء فُعْلُلٍ:
__________
(1) المصدر السابق 18.
(2) المصدر السابق 18هـ1، والمراجع داخل علامة التنصيص هي للدكتور د. كحيل ، وسوف أحافظ عليها كما هي ، أما إذا وثقت شيئاً من عندي فسوف يكون في الهامش.
(3) التبيان 25 .(1/24)
أورد الخلاف في كون بناء فُعْلَلٍ بضمِّ أوَّلِه وسكونِ ثانيه وفتحِ ثالثِه بناء سادساً من أبنيةِ الرباعيِّ ، أو أنَّه فرعٌ عن فُعْلُلٍ، ورجَّح رأي الكوفيين الذين ذهبوا إلى أصالته فقال : " والصحيحُ مذهب الكوفيين والأخفش ، فقد نقل أئمةُ اللغةِ الفتحَ ، والقولُ بفرعيَّته على الضمِّ تكلُّف ، وممَّا يؤكد صحة مذهبهم أن العرب ألحقوا بهذا البناء ألا ترى أنَّ سُؤْدَداً وقُعْدَداً وعُنْدَداً ألفاظٌ ملحقة بفُعْلَلٍ بالفتح بدليل فكِّ الإدغام ، والملحق دليل على ثبوتِ الملحقِ به "(1) .
المسألة الخامسة : زيادة النون في بناء هُنْدَلَعٍ :
يرى د. كحيل أن بناء هُنْدَلَعٍ رباعي مزيدٌ فيه ، وليس خماسياًّ ، فقال : " والأَولى أن يُجْعلَ هُنْدَلَعٍ من الرباعيِّ المزيد فيه ، فيكون وزنه فنعللاً ، بزيادة النون ، وإن كان فنعلل قليلاً نادراً؛ لأنه إذا تردَّد الحرفُ بين الأصالةِ والزيادةِ ، وكانَ في كلٍّ يؤدي إلى وزنٍ نادرٍ ، فالأولى الحكم بالزيادة لأنَّ أبنيةَ المزيدِ أكثرُ من أبنيةِ المجرَّدِ ، فيدخل في أوسع البابين "(2) .
المسألة السادسة : المصدر من فعَّل مهموز اللام :
ذهب د. كحيل كما ذهب غيره من الصرفيين إلى أن مصدر فعَّل مهموز اللام يجيء على التفعلة فقالَ : " وإن كانَ مهموزَ اللامِ ، نحو : خطَّأَ وهنَّأَ ؛ فالأكثرُ حذفُ ياءِ تفعيلٍ، وتعويضُ تاءٍ عنها في الآخرِ ؛ فتقولُ في المصدرِ : تخطئةً وتهنئةً ، ويقلُّ ثبوتُ الياءِ ، نحو : جزَّأَ تجزيئاً "(3) .
المسألة السابعة : اسم المرة :
__________
(1) التبيان 27.
(2) المصدر السابق 29 .
(3) المصدر السابق 45 .(1/25)
تحدث عن صياغة اسم المرة واسم الهيئة ، وأشار إلى أن المصدر قد يكون بالتاء ، فحينئذ لا تدل التاء على الوحدة التي تكون دليلاً على المرة فقال : " فإن كان المصدر العام فيه التاء ساغ الاكتفاء بها ، نحو : عزَّيتُه تعزيةً ، ولكنَّ الأكثرَ الإتيانُ بالوصفِ لدفعِ اللبسِ ، فتقولُ : تعزيةً واحدةً، واستقامةً واحدةً، وإذا كانَ لغيرِ الثلاثيِّ مصدرانِ؛ أحدُهما أشهرُ وأغلبُ فالمرّةُ تأتي على الأشهرِ"(1) .
المسألة الثامنة : تحويل اسم الفاعل صفة مشبهةً :
تحدث عن تحويل اسم الفاعل صفة مشبهة ، وذكر أنه إن كان من الفعل اللازم فذلك جائز بلا خلافٍ ، وإن كان الفعل متعدِّياً ففيه خلاف ذكره ورجَّح جوازه فقال : " أمَّا المتعدِّي لأكثرَ من واحدٍ فإنَّه لا يجوزُ إضافتُه لمرفوعِه باتفاقٍ ، فلا يحوّلُ صفةً مشبّهةً ، أمَّا المتعدِّي لواحدٍ فقط ففي إضافتِه إلى مرفوعِه خلافٌ ؛ الجمهورُ يمنعونَ خوفَ التباسِ الفاعلِ بالمفعولِ ، فلو قلْتَ : راحمُ الأبناءِ أو ظالمُ الأصحابِ ، ربَّما توهمَ أنَّ الأبناءَ مرحومون لا راحمون ، والأصحابُ مظلومون لا ظالمون .
والصحيحُ جوازُ ذلك إن أُمِنَ اللبسُ ، ومنه قولُه تعالى : " إنَّ ربَّك واسعُ المغفرةِ " وقولُ الشاعرِ :
ما الراحمُ القلبِ ظلاّماً وإن ظُلِمَا ولا الكريمُ بمنَّاعٍ وإن حُرِمَا"(2) .
... المسألة التاسعة : حد المقصور القياسي والممدود القياسي :
__________
(1) المصدر السابق 54.
(2) المصدر السابق 79 .(1/26)
ذكر ضابط المقصور القياسي كما قاله الصرفيون وهو كل اسم معتل اللام له نظير من الصحيح، وأورد عليه اعتراضاً فقال: " هكذا ضبطَ المتأخِّرونَ المقصورَ القياسيَّ بما ذُكِرَ، وكذا الممدودَ بما يأتي ، وفيه قصورٌ ، لأنَّه لا يشملُ بعضَ أنواعِ المقصورِ والممدودِ القياسيَّينِ نحو: فُعْلَى بضمِّ الفاءِ أنثى أَفْعَلِ التفضيلِ ككُبْرَى ، وفَعْلاءَ أنثى أفعلَ صفةٍ مشبّهةٍ دالةٍ على لونٍ أو عيبٍ كحمراءَ وعوراءَ. وقد أجاب الأمبابيُّ في تقريرِه عن ذلك القصورِ: بأنَّ هذا الضابطَ إنما هو بالنسبة لغير ألفي التأنيثِ المقصورةِ والممدودةِ لتقدُّمِ الكلامِ على ما ينقاسان فيه من الأوزانِ في بابِ التأنيثِ . ولذلك رأى الرضيُّ حتى يتجنَّبَ هذا القصورَ أن يقولَ في ضبطِهما : المقصورُ القياسيُّ : مقصورٌ له وزنٌ قياسيٌّ، كما تقولُ مثلاً : كلُّ اسمِ مفعولٍ من باب الإفعالِ فهو على مُفْعَلٍ فهذا وزنٌ قياسيٌّ، فإذا كانت اللامُ حرفَ علَّةٍ قلبت ألفاً"(1) .
المسألة العاشرة : مدُّ المقصورِ :
... أورد الخلاف بين البصريين والكوفيين في مدِّ المقصور فقال: " وقد أجابَ البصريُّون عن ذلك بأنَّ غَنَاءً في البيتِ الأوّلِ(2) يروى بالفتحِ بمعنى النفعِ والكفايةِ ، وعلى تسليمِ أنّه روي بالكسرِ ، فهو مصدرُ غَانيت غِنَاءً ، أي: فاخرْتُ بالغنى ، فهو ممدودٌ قياسيٌّ ، ويضعِّفُ هذا التخريجَ اقترانُ غناءٍ بالفقرِ ، وقالوا في البيتِ الثاني(3) : إنَّه لم يعلم قائلُه ، وفي الآيةِ أنّها قراءةٌ شاذَّةٌ .
__________
(1) التبيان 110هـ1، وانظر قول الرضي في شرح الشافية 2/325.
(2) يعني به قول الشاعر :
... سيغنيني الذي أغناك عنِّي ... فلا فقرٌ يدومُ ولا غِناءُ
... وقد أورده في الصفحة السابقة . انظر : التبيان 115.
(3) يعني به قول الشاعر:
... يا لك من تمرٍ ومن شيشاء ... ينشب في المسعل واللهاء
انظر : التبيان 115.(1/27)
والظاهرُ مذهبُ الكوفيين لورود السماع به ، وما قالَه البصريون في ردِّه تعسُّفٌ"(1) .
المسألة الحادية عشرة : الخلاف في ياء النسب:
أورد الخلاف في ياء النسب فقال : " جمهور النحاة على أنَّ ياء النسب حرفٌ معنى دالٌّ على النسبِ، كما أنَّ تاء التأنيث حرفٌ دالٌّ على معنى للتأنيث . وقد نسبَ إلى الكوفيِّين أنَّهم قالُوا : إنَّ ياءَ النسبِ اسمٌ في موضعِ جرٍّ بالإضافةِ، وظهرَ إعرابُ المضافِ على المضافِ إليه؛ لكونِ المضاف إليه في صورةِ الحرفِ، فهو كجزءٍ من المضافِ . واحتجُّوا بقولِ العربِ: رأيتُ التيميَّ تيمِ عديٍّ؛ روي بجرِّ تيمٍ الثاني بدلاً من الياء في التيميّ، وردّ ذلك بأنَّه على تقديرِ مضافٍ، حذفَ وبقيَ المضافُ إليه على جرِّه، والأصلُ: رأيتُ التيميّ صاحبَ تيمِ عديٍّ.
وهذه الياءُ المشدّدةُ لا يجوز تخفيفُها؛ لئلا تلتبسَ بياءِ المتكلِّمِ المضافِ إليها، وقال المبردُ : إنَّ تخفيفَها في حشوِ الشعرِ لحنٌ، وإنَّما يجوزُ في القوافي . ابن يعيش 5/141المقتضب للمبرد 3/133حاشية يس على التصريح 2/323"(2) .
... المسألة الثانية عشرة : استحالة البدء بالساكن :
__________
(1) التبيان 116.
(2) التبيان 238هـ1.(1/28)
تحدث عن أن البدء بالساكن متعذِّرٌ ، ويكاد يكون مستحيلاً ، وعلَّق على هذا بقوله: " وما يعتقَدُ من أنَّ بعضَ اللغاتِ يبتدأ فيها بالساكن فهو وهمٌ؛ لأنَّك إذا تأملتَ وجدتَهم يحرِّكونَ الأولَ بحركةٍ مختلسةٍ، هي كسرةٌ خفيفةٌ . وكانَ ابنُ جنّيٍّ يرى الابتداءَ بالساكنِ في اللغةِ العربيةِ متعسِّراً لا متعذِّراً، وقال: قد جاءَ في الفارسيةِ مثل: شتر وسطام بسكون الشين والسين، وقال الرضيُّ معقِّباً على ابنِ جني : والظاهر أنَّه مستحيلٌ ، ولابدَّ من الابتداءِ بمتحرِّكٍ ، ولما كانَ ذلكَ المتحرِّكُ في شتر و سطام في غايةِ الخفاءِ ظنَّ أنَّه ابتدئ بساكنٍ ، وليس كذلك ، بل هو معتمِدٌ قبلَ ذلك الساكنِ على حرفٍ قريبٍ من الهمزةِ مكسورٍ . هكذا نسبَ الرضيُّ هذا الرأيَ لابن جني، ولكن ظاهر كلام ابن جني في المنصفِ يدلُّ على أنَّ الابتداءَ بالساكنِ ليس في الطاقة فهو يقولُ: اعلم أنَّ ألفَ الوصلِ همزةٌ تلحقُ في أوّلِ الكلمةِ توصلاً إلى النطقِ بالساكنِ وهرباً من الابتداء به إذا كان ذلك غير ممكنٍ في الطاقةِ فضلاً عن القياسِ . المنصف 1/53 شرح الشافية 2/251 شرح المفصل 9/ 136-137 "(1) .
المسألة الثالثة عشرة : اجتماع همزة الوصل مع الحرف المحذوف :
__________
(1) المصدر السابق 299هـ1 .(1/29)
تحدث عن أن همزة الوصل في الأسماء التي لحقتها عوضاً عن الحرف المحذوف منها ، وأشار أن بعض هذه الأسماء ليست محذوفة اللام فعلَّل لذلك بقوله:" نعم بعض هذه الأسماء مثل ابنم وامرئ و ايمن ليست بمحذوفةِ اللامِ، ولحقتها همزةُ الوصلِ . وقد قيلَ في تعليل ذلك: إنَّ النونَ في ابنم، والراءَ في امرئٍ تبعت حركتُهما حركةَ ما بعدَهما فيجري عليها حركاتُ الإعرابِ، كما يجري على ما بعدهما فصارتا كحرفِ إعرابٍ، وكأنَّ اللامَ حذفت، وعلى كلٍّ فهو التماسُ علَّةٍ لما وقع . وبعضُهم يقول: إن اللامَ فيهما حذفت، وأتي بهمزةِ الوصلِ، ثم رجعت اللامُ، وبقيت الهمزةُ دون حذفٍ، وهو تكلُّفٌ . على أنَّه قد اختار بعضُهم أنَّ اللامَ محذوفةٌ في ابنم، والميم زائدةٌ"(1) .
المسألة الرابعة عشرة : الخلاف في أصل اسم :
عند حديثه عن همزة الوصل في الأسماء عرض لمسألة من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، وهي مسألة الخلاف في أصل كلمة ( اسم ) ، ورجَّح رأي الكوفيين ، وبيَّن ما يرد عليهم من اعتراض وأجاب عنه ، فقال:" وهذا رأي البصريين(2)، ويرى الكوفيون رأياً هو أقربُ إلى الحقِّ، وهو أن أصلَه وَسْمٌ – بسكونِ السينِ - لكون الاسم علامةً على المسمَّى ، فحذفت الفاءُ، وبقيت العينُ ساكنةً ، فجيءَ بهمزةِ الوصلِ، قالَ الرضيُّ : ورأي الكوفيّين أقربُ من قول البصريين، من حيث المعنى، لأنَّ الاسمَ بالعلامة أشبهُ ، لكن تصرفاتِه في التصغير والتكسير كسُمَيٍّ و أسماء وغير ذلك؛ كقولهم: تسمّيتُ وسمّيت، والسمي تردُّ قولَ الكوفيين، إلا أن يقولوا: إنَّه حدثَ قلبٌ مكانيٌّ، فجعلَ الفاءَ في موضعِ اللامِ، لما قصدوا تخفيفَه بالحذفِ ، إذ موضعُ الحذفِ اللامُ ، ثم حذف نسياً . ورد في تصرفاته في موضعِ اللام إذ أنه حذف في ذلك الموضعِ . شرح الشافية 2/258"(3) .
__________
(1) التبيان 302 هـ2.
(2) أن اسم أصله سمو عند سيبويه .
(3) المصدر السابق 304هـ3 .(1/30)
المسألة الخامسة عشرة : الوقف بنقل الحركة :
الوقف بالنقل: هو الوقف بنقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى الساكن قبله ، فتقول في جاء بكرٌ : جاء بكُر ، وله شروط ذكرها الصرفيون ، ويختلف الوقف على المهموز عن الوقف على الصحيح ، ولغة أهل الحجاز حذف الهمزة بعد نقل حركتها ، والوقف على الهمزة بالإسكان أو الروم أو الإشمام أو التضعيف فيقولون : الخبْ ، وفي المنصوب المنون يقلبون التنوين ألفاً ، ولا يرى د. كحيل الوقف بنقل الحركة عند الحجازيين ، بل يراه وقفاً بالسكون ، والقول بالنقل تكلفٌ ، فقال :" هكذا يقرِّرُ العلماءُ(1)، وأرى أنَّه لا داعيَ لأن نتكلفَ النقلَ، بل نقرِّرُ أن لغةَ أهلِ الحجاز الفرارُ من الهمزةِ، وأنهم يحذفون الهمزة ، ويعاملون ما قبلَها معاملةَ آخر الكلمةِ "(2) .
القسم الثاني : موقفه من سيبويه :
كان للدكتور كحيل موقفٌ واضحٌ في التعاملِ مع النصوص التي نقلها عن سيبويه، فلم يكن متابعاً لها محتجاًّ بها دائماً، أو معتذراً لها ، وإنما كان يحتكم إلى ما يراه صواباً ، ولهذا كان موقفه منها موقف الاحتجاج بها حيناً ، أو الدفاع عنها ، أو الأخذ بغيرها حيناً آخر ، أو أنه يوردها من غير أن يعلق عليها حيناً ثالثاً ، وذلك إذا كانت المسألة بيِّنةً لا تحتاج تعليقاً ، ونظمت موقفه تحت ثلاثة أنواع هي:
النوع الأول : الدفاع عن سيبويه والاحتجاج بأقواله:
لقد كان د. كحيل أحياناً يحتج بأقوال سيبويه ، ويراها مستنداً يعتمد عليه في توجيه ما يرى رجحانه ، ويدافع عما ينقله عنه ، ومن ذلك :
المسألة الأولى : الاستدراك على سيبويه في بناء فِعِلٍ :
__________
(1) يعني الوقف بالنقل .
(2) التبيان 332هـ1.(1/31)
استُدرِكَ على سيبويه أبنيةٌ جاءت على فِعِلٍ ، لأنه ذكر أنه لم يرد منه إلا لفظةٌ واحدةٌ، فأورد د. كحيل قول سيبويه فقال: " حتّى قالَ سيبويهِ : لم يرد منه في الأسماءِ ولا الصفاتِ إلا إِبِلٌ ، وقد استدرك على سيبويه ألفاظٌ ، فمن الأسماء : إِطِل للخاصرة ، وإبِط وإِقِطٌ " لغة في أَقِطٍ ، وحِبِرةٌ – صفرة الأسنان – وحِبِكٌ ، ومن الصفات : امرأةٌ بلز وأتان إبد ؛ ولود "(1).
وعلَّق على هذا بقوله: " استُدْرِكَ على سيبويه ألفاظٌ أخرى أحصاها السيوطي في المزهر وفي النكت ، وأكثرُ هذه الألفاظ لم يثبت أو غيرُ صحيحٍ ، وقال ابنُ عصفور في الممتع : فإما إطل فلا حجَّةَ فيه ؛ لأنَّ المشهور إطْل بسكون الطاءِ ، فإطل بكسرِ الطاءِ يمكنُ أن يكونَ مما اتبعت فيه الطاءُ الهمزةَ للضرورة ، لأنَّه لا يحفظُ إلا في الشعر في نحو قول الشاعر:
له إِطلا ظبي وساقا نعامةٍ .... البيت(2)
وكذلك حِبِرةٌ بكسرِ الحاءِ والباءِ، والأفصحُ والمشهورُ فيها حبَرةٌ بفتح الباء ، وكذلك بلز المشهور فيها بلزٌّ بتشديد الزاي ، فيمكن أن يكون بلز مخفَّفاً منه "(3) .
المسألة الثانية : الاستدراك على سيبويه في مجيء فِعَلٍ وصفاً :
نقل نصاًّ عن سيبويه عن فِعَلٍ هو قوله : " لا نعلمُه جاءَ صفةً إلا في حرفٍ معتلٍّ يوصفُ به الجمعُ ، وهو قولُهم : قومٌ عدىً .
__________
(1) المصدر السابق 20 .
(2) صدر بيت من البحر الطويل لامرئ القيس . وروايته في الديوان : أيطلا ، ولا شاهد فيه حينئذ. انظر : الديوان 21.
(3) التبيان 20هـ2.(1/32)
علّق عليه د. كحيل بقوله : " استدركَ على سيبويه : ( ديناً قِيَماً )(1) ، و ( مكاناً سِوىً ) (2) ، ورجلٌ رِضىً، وماءٌ روىً، وماءٌ صرىً، وسِبىً طيبة ، وردَّ ذلك ابنُ عصفورٍ في الممتعِ بأنَّ قيماً مصدرٌ وصفَ به مقصورٌ من قيامٍ ، وسوى اسمٌ للشيءِ المستوي وصف به ، وسبى طيبة لم يطابق موصوفَه ؛ لأنَّ طيبة مؤنثٌ ، وموصوفُه مذكَّرٌ ، وإذا كانت الصفةُ كذلك حكمَ لها بحكمِ الأسماء ، وكذا ماء روى وصرى يوصف بهما المفردُ والجمعُ . الممتع 17 ، وسيبويه 2/313"(3) .
المسألة الثالثة : مصادر الثلاثيِّ بين القياسِ والسماعِ :
عرض لمصادر الثلاثي أهي قياسيَّةٌ أم سماعيَّةٌ ؟ وللحاجة إلى أن تكون مطردةً فقال:" يرى بعضُ العلماءِ أنَّ مصادرَ الثلاثيِّ وردت في كلامِ العربِ على أوزانٍ كثيرةٍ متباينةٍ لا ضابطَ لها ، ولا قياسَ يجمعُها ، ولذلكَ فهي سماعيَّةٌ، ويجبُ أن نقف عند المسموعِ ، فلو وردَ فعلٌ لم يدرَ كيفَ نطقَ العربُ بمصدرِه لم يجز النطقُ به على قياسِ أمثالِه ، وهذا رأيٌ فيه تعويقٌ للغة عن بلوغِ الكمالِ والوفاءِ بحاجاتِ الإنسانِ المتجدِّدةِ.
ويرى الفرَّاءُ أنَّها قياسيَّةٌ ، ومعنى القياسيَّةِ أنَّه يجوزُ القياسُ على الكثيرِ الشائعِ سواء وردَ السماعُ بخلافِه أم لا ، أي أنَّه يسوغُ لك في كلِّ فعلٍ ثلاثيٍّ أن تأتيَ بمصدرِه على الوزن الغالب في أمثاله، وإن سمع له وزنٌ على خلافِ هذا الوزنِ ؛ لأنَّ ما قيسَ على كلامِ العربِ فهو من كلامِهم ، فمثلاً : علم ، فعلٌ ثلاثيٌّ متعدٍّ ، وقياس مثله أن يكونَ مصدره على فَعْلٍ، فلك أن تقول في مصدرِه : عَلْمٌ بفتحِ الفاء وسكونِ العينِ ، وإن كان قد سمع له مصدرٌ آخرٌ هو عِلْم .
__________
(1) الأنعام 161 .
(2) طه 58.
(3) المصدر السابق 20هـ3.(1/33)
ويرى سيبويه أنَّ مصدرَ الثلاثيِّ قياسٌ ، ولكن معنى القياس عنده أنَّه إذا ورد فعلٌ ، ولم يعلم كيف تكلَّمَ العرب بمصدرِه ، فإنَّك تأتي بمصدرِه على الوزن الغالب المقرر في أمثاله ، أمَّا إذا سمع له مصدرٌ على خلاف القياس فإنَّه يكتفى به ، ولا يجوزُ القياس ، فالفعلان عَلِمَ وشَكَرَ لا يأتي مصدرُهما قياساً على فَعْلٍ ، فلا يقالُ : عَلْم وشَكْر ، كما هو مقتضى القياسِ ؛ لأنّه قد سمع فيهما عِِلْمٌ وشُكْرٌ وشكورٌ .
وسيبويهِ وقفَ موقفاً وسطاً ، وراعى الحاجةَ الملحّةَ ، وقد وافق سيبويهِ الأخفشُ وجمهورُ النحاةِ"(1) .
المسألة الرابعة : مصدر الفعل الثلاثي اللازم :
أشار د. كحيل إلى أن الثلاثي إذا دلَّ على لونٍ فالغالب في مصدره أن يكون على فُعْلةٍ ، ثم أورد قول سيبويه فيما خرج عن هذا فقال: " قالَ سيبويهِ : قالوا : البياضُ والسوادُ؛ تشبيهاً بالصباحِ والمساءِ ؛ لأنَّهما لونانِ مثلهما . أ هـ ، وجعلَ بعضُهم العيوبَ كالألوانِ في مجيئِها على فُعْلَةٍ ، نحو : الأُدْرَةِ ( عظم الخصيتين ) والنُفْخَةُ ( انتفاخُ البطنِ ) ولكن مجيءَ العيوبِ على ذلكَ قليلٌ . سيبويه 2/ 222 ، شرح الشافية 1/ 161 "(2).
المسألة الخامسة : بناء اسمي الزمان والمكان :
تحدث عن صياغة اسمي الزمان والمكان ثم عقَّب عليه بقوله :" وقد جاءت بعضُ الكلماتِ بالكسرِ شذوذاً ، والقياسُ الفتحُ ، وهي: مَشْرِقٌ ، ومَغْرِبٌ ، ومَرْفِقٌ ، ومَنْبِتٌ ، ومجزِرٌ ، ومسقِطٌ ، ومظنَّةٌ ، وكلماتٌ سمع فيها الكسرُ والفتحَ ، وهي: المفرَِقُ ، والمحشَِرُ ، والمسجَِدُ ، والمنسَِكُ" .
__________
(1) التبيان 35.
(2) المصدر السابق 37هـ3.(1/34)
... وعلق في الهامش بقوله:" يرى سيبويهِ : أنَّ هذه الأسماءَ لم يقصد منها الدلالةُ على زمانِ الفعلِ أو مكانِه، و إنَّما هي أسماءٌ لأماكنَ خرجت عن مذهبِ الفعلِ : فالمسجِدُ بالكسرِ اسمُ مكانٍ بني للعبادةَ سجدَ فيه أو لا ، ولو أردت موضعَ السجودِ ، وموقع الجبهةِ من الأرضِ، سواءٌ في البيت المخصَّصِ للعبادةِ أم في غيرِه، قلت: مسجَدٌ بفتحِ العينِ لا غير 2/248 "(1).
... المسألة السادسة : تصغيرُ ما آخرُه ألفُ التأنيثِ الممدودة:
يرى الصرفيُّون أنَّ ألفَ التأنيثِ الممدودةَ في نيَّةِ الانفصالِ عندَ التصغيرِ، وأنَّ التصغيرَ واقعٌ على ما قبلها، ثم حكى د. كحيل رأيَ سيبويه في هذه المسألةِ فقالَ :" سيبويهِ لا يعدُّ ألفَ التأنيثِ الممدودةَ في تقديرِ الانفصالِ مطلقاً مثلَ التاءِ، بل يشترطُ أن يسبقَها مدَّةٌ ثالثةٌ، وإلا فإنَّه يحذفُ المدَّةَ الثالثةَ، مثل: جلولاء وبراكاء وقريثاء؛ فيقول: جُلَيْلاءُ وبُرَيْكَاءُ و قُرَيْثَاءُ؛ بياءٍ ساكنةٍ مخفَّفةٍ، وذلك لأنَّ لألفِ التأنيثِ الممدودةِ شبهاً بألفِ التأنيثِ المقصورةِ، وشبهاً بتاءِ التأنيثِ، فاعتبرَ شبهَها بالتاءِ في عدمِ السقوطِ وتقدير الانفصالِ، واعتبرَ شبهَها بالألفِ المقصورةِ في حذفِ المدَّةِ الثالثةِ، كما تحذفُ ألفُ حبارى في التصغيرِ عندَ ثبوتِ الألفِ المقصورةِ همع 2/178سيبويه 2/117 "(2).
المسألة السابعة : عدم ردِّ الهمزةِ في قائمٍ وبائعٍ والتاء متعد إلى أصلها عندَ التصغير:
__________
(1) المصدر السابق 86، وهـ2.
(2) المصدر السابق 216هـ2.(1/35)
التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ، وسيبويه لا يرد الهمزة في قائم وبائع إلى أصلهما من الواو والياء ، بل يصغرهما على قُويئم وبويئع ، وكذلك لا يرد متعد إلى أصله بل يصغره على متيعدٍ ، وعلَّل ذلك د. كحيل بقوله:" ولعلَّ ذلك لضعفِ العلَّةِ الباعثةِ على التغييرِ، ألا ترى أنَّ العينَ في قائمٍ قلبت ألفاً، ثم همزةً مع وجودِ الألفِ الزائدةِ فاصلةً بينها وبينَ الفتحةِ قبلَها، والواوُ في متَّعِدٍ قلبت تاءً خوفاً من مخالفةِ الماضي للمضارعِ مع أنَّ المخالفةَ حاصلةٌ في كثير من الأفعالِ مثل : قال يقولُ . فكان هذا التغييرُ لمجرد التخفيفِ"(1).
... المسألة الثامنة : تصغير ( عند ) :
من الظروفِ ما لا يصغَّرُ ، ومنها عند ، واحتج لهذا بقول سيبويه فقال:" قالَ سيبويه 2/136: ولا تحقَّرُ عند، كما تحقَّرُ قبلُ وبعدُ ونحوُها، لأنّك إذا قلت: عند فقد قلَّلتَ ما بينَهما، وليس يرادُ من التقليلِ أقلُّ من ذا"(2) .
المسألة التاسعة : الغرض من النسب :
ذكر د. كحيل الغرض من النسب ، ثم أشار إلى أنَّ المرادَ إضافةُ المنسوب إلى آل المنسوب إليه أو من أهله ، فيضاف إليهم ، واحتج لهذا بصنيع سيبويه فقال :" ولذلكَ يسمِّي سيبويهِ بابَ النسبِ بابَ الإضافةِ ، ويقصد الإضافةَ اللغويةَ؛ لأنَّك حينما تنسبُ شخصاً لقبيلةٍ ، أو بلدٍ فقد عزوتُه إليه ، وأضفته ، ويسمِّي ياءَي(3) النسب ياءي الإضافةِ فيقولُ : اعلم أنّك إذا أضفتَ رجلاً إلى رجلِ فجعلتَه من آلِ ذلك الرجلِ ألحقتَه ياءي الإضافةِ . فإن أضفتَه إلى بلدٍ فجعلته من أهله ألحقت ياءي الإضافة سيبويه 2/69 : (4).
... المسألة العاشرة : حركة همزة الوصل:
__________
(1) المصدر السابق 219 هـ3.
(2) المصدر السابق 234هـ2.
(3) الأصل : ياء ، خطأ طباعيٌّ.
(4) المصدر السابق 237هـ1.(1/36)
همزة الوصل يؤتى بها للتوصل إلى النطق بالساكن ، والأصل أنها متحرِّكة ، وهذا ما رجّحه د. كحيل ، وعلَّق عليه بقوله :" هذا رأيُ سيبويه ، ويرى الكوفيُّون أنَّ همزة الوصلِ الأصلُ فيها السكونُ؛ لأنَّها حرفٌ ، فأتيَ بها ساكنةً، فالتقى ساكنان ، فحرِّكَت بالكسرِ على الأصلِ في التخلُّصِ من الساكنين . وهذا رأيٌ لا يتفقُ مع الغرضِ الذي جيء بالهمزةِ من أجلِه، وهو التوصلُ إلى النطقِ بالساكنِ، فكيف نأتي بساكنٍ ثم نحركه ؟ ولم لا يجيءُ من أوِّلِ الأمرِ متحرِّكاً . و ما نسب إلى الكوفيين اختاره ابن جني في المنصف 1/53"(1) .
النوع الثاني : إيراد قول سيبويه والأخذ بغيره :
لم يكن الدكتور كحيل – رحمه الله – متعصِّباً للبصريين أو لسيبويه ، أو لأحد من النحويين ، بل كان حرّاً في اختياره، ومما يدلُّ على أخذه بالأقوى أو الأرجح ما جاء من حذفِ تاءِ التعويضِ، فقالَ :" وذهبَ سيبويه إلى [ أن ] (2) التعويضَ جائزٌ لا لازمٌ ، فيجوزُ عندُه تركُ التاءِ في السعةِ ، واستدلَّ بقولِه تعالى : " وإقام الصلاة ".
ويرى الفرَّاءُ أنَّ التعويضَ لازمٌ إلا إذا أضيفت الكلمةُ فيجوزُ تركُ التاءِ ؛ لأنَّ المضافَ إليه قامَ مقامَ التاء، قال الله تعالى : " وإقام الصلاة " ومذهبُ الفراءِ في هذا أصحُّ ؛ لأنَّ الحذفَ لم يثبت إلا مع الإضافةِ"(3) .
النوع الثالث : إيرادُ قولِ سيبويهِ دونَ أن يعلِّقَ عليه :
هذا نوع آخر ، يظهر موقف الدكتور كحيل من العلماء المتقدِّمين ، وذكر أقوالهم ؛ في عدد من المسائل ، إسناداً للعلم ، وتعريفاً بأصولِ المسائلِ ، ومن أمثلةِ هذا :
المسألة الأولى : مصدر الفعل فعَّل :
__________
(1) المصدر السابق 307هـ1 .
(2) ساقط من المطبوع .
(3) التبيان 44.(1/37)
أورد الأوجه التي يرد عليها مصدر الفعل فعَّل ، إن كان صحيحاً أو معتلاًّ ، وإن كان مهموزاً ، ثم قالَ : " ظاهرُ كلامِ سيبويه أنَّ الحذفَ واجبٌ في المهموزِ ، فلا يقال عنده : خَطَّأَ تخطيئاً . الرضي الشافية 1/ 164 "(1).
المسألة الثانية : مجيء المصدر على مفعول :
عرض لمسألة مجيء المصدر على زنة مفعول ، وأورد شواهد وأمثلة له ، وأورد إنكار سيبويه له ، ولم يعلق على قول سيبويه ، وإن كان ظاهر كلامه أنه يرى خلافه ، فقال:" كما وردَ المصدرُ على صورةِ اسمِ المفعول ، وجعلوا من ذلك قوله تعالى : "فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون" أي : الفتنة بأيكم ، ومن ذلك: معسورٌ وميسورٌ، في قولهم : دعه إلى ميسوره ، ودع معسورَه ، أي دعْه إلى وقتِ يسرِه ، ودع وقتَ عسرِه ، وأنشد ابنُ بريّ :
فقدْ أفادَت لهم حلماً وموعظةً لمن يكونُ له أربٌ ومعقولُ(2)
أي : عقلٌ .
وأنكرَ سيبويهِ مجيءَ المصدرِ على مفعولٍ ، وقال : ما وردَ من ذلك فهو اسم مفعولٍ حقيقةً ، ففي الآية : الباءُ زائدةٌ ، أي : أيكم المفتون ، وميسورٌ ومعسورٌ صفتانِ للزمانِ ، أي : زمن ميسورٌ فيه ومعسورٌ فيه , ومعقولٌ : مفعولٌ ، كأنَّه عقلٌ له شيءٌ ، وحبس عليه عقلُه ، أي العقل المشدود القوى. ( اللسان مادة عقل وعسر ، وسيبويه 2/250)"(3).
المسألة الثالثة : بناء اسم التفضيل من الثلاثي المزيد بالهمزة:
ذكر د. كحيل شروط صياغة اسم التفضيل ، ومنها أن يكون الفعل ثلاثياًّ ، ثم قال :" وأجازَ سيبويهِ بناءه قياساً من الثلاثيِّ المزيدِ بالهمزةِ في أوَّلِه ، لقلَّةِ ما يحدثُ فيه من التغييرِ ، إذ تحذفُ الهمزةُ ، ويردُّ للثلاثيِّ ، ويبنى منه أفعل ، فتخلف همزةُ التفضيل همزةَ الإفعال ، ومن ذلك قولُ العرب حين سمعوا قولَ حسَّانَ:
فشرُّكما لخيرِكما الفداءُ
__________
(1) المصدر السابق 45هـ1.
(2) من البحر البسيط لكعب بن مالك . وفي ديوانه : لبٌّ . انظر : الديوان 203.
(3) التبيان 71 .(1/38)
هذا أنصفُ بيتٍ قالته العربُ ، بنى أنصفَ من أنصف ، ومن ذلك قولهم : هو أعطاهم للدينارِ والدرهمِ ، وأولاهم المعروف ، وأنت أتقنُ في عملِكَ ، وأنت أكرمُ لي من فلان.
وبعضُ النحويين فصَّل؛ فقالَ : إن كانت الهمزةُ لغير التعدية ساغَ بناء اسم التفضيلِ ، نحو : هذا المكانُ أقفرُ من غيره ، وهذه الليلةُ أظلمُ الليالي ، وإلاّ فلا .
وشذَّ على هذا قولِهم : هو أعطاهم للدِّينارِ، وأولاهم للمعروفِ ، لأنَّ الهمزةَ في الفعلِ للتعديةِ .
وجوَّز الأخفشُ بناء اسم التفضيل من كلِّ فعلٍ ثلاثيٍّ مزيدٍ فيه ، وهو ضعيفٌ ؛ لظهور فساده ولعدم السماع "(1) .
فقد أورد رأي سيبويه والأخفش وغيرها ، ولم يعلق على رأي سيبويه ، وضعَّف رأي الأخفش .
... المسألة الرابعة : فتح عين الكلمة الساكنة المعتلة في جمع المؤنث:
إن كانَ المجموع جمعَ مؤنثٍ صفةً وجب إسكانُ عينِه فرقاً بين الاسم والصفة ، ما لم يكن مضعَّفاً أو معتلَّ العين فيجب إسكانه ؛ فراراً من ثقل تحريك أول المثلين في المضعف ، وتحريك حرف العلة في المعتل ، فإن كان معتلَّ العينِ بعدَ حركةٍ غيرِ مجانسةٍ فالإسكانُ واجبٌ إلا في لغةِ هذيل، وقال د. كحيل :" تخصيصُ لغةِ هذيلٍ بما سكنَ [ فيه ](2) حرفُ العلَّةِ بعدَ حركةٍ غير مجانسة هو ما ذهب إليه ابنُ مالكٍ وكثيرٌ من النحويين، ولكنَّ ظاهرَ كلامِ الرضيِّ في الكافيةِ وشرَّاحِ الشافيةِ أنّه في لغة هذيل يحرَّكُ حرفُ العلّةِ بالفتحِ سواء كان قبله حركةٌ غيرُ مجانسةٍ أم مجانسةٌ، فيجوز في: دَوْلاتٍ و ديمات فتحُ الثاني . ولكن ظاهرَ كلامِ سيبويه يؤيدُ ابنَ مالك حيث قال : لا يتحرَّك الواو في دولاتٍ"(3) .
المسألة الخامسة : النسب إلى نحو ابنم :
__________
(1) المصدر السابق 81-82.
(2) تكملة يقتضيها السياق .
(3) التبيان 136هـ1.(1/39)
ما حذفت لامه وعوِّض عنها همزة الوصل في أوله لك في النسب إليه الوجهان ؛ تركه على حاله ، أو رده إلى أصله ، فتقول في النسب إلى ابن واسم ابني واسمي أو بنوي وسموي ، وعلَّق على هذا د. كحيل فقال :" قالَ سيبويه 2/82 : وسألتُ الخليلَ عن الإضافةِ إلى ابنمٍ فقالَ : إن شئتَ حذفتَ الزوائدَ، فقلت : بَنَوِيٌّ؛ كأنّك أضفت إلى ابنٍ وإن شئتَ تركتَه على حالِه فقلتَ : ابنميٌّ ، كما قلت: ابني و استي "(1) .
القسم الثالث : موقفه من قرارات المجمع(2) :
للمجمع قرارات كثيرة ، ومنها قرارات وفق فيها ، ورزقت السيرورة ، وتقبلها الناس بسهولة ويسر ، وأخذت مكانها من قواعد اللغة ، دون تزيد أو ترداد ، وبنيت هذه القرارت على دراسات علمية أصيلة في الدرس النحوي والتصريفي ، وعالجها الحذَّق من النحويين والصرفيين ، فجاءت على أحسن حالٍ، ونالت من القبول أعلاه ، ولم يأتها من يعترضها أو يغض من قيمتها ، وما ذاك لأنها قرار مجمع ، ولكنها إقرار مجمع عليه من أهل الاختصاص من النحويين على وجه الخصوص ، فهم أهل هذا العلم ، وهم أساطينه على مدى ثلاثة عشر قرناً أو تزيد ، وكان لأهل النحو موقفٌ واضحٌ ورأيٌ قويٌّ ، فما كان منها صحيح البناء سليم القاعدة قبلوه ، وما كان منها غير ذلك لم يتجاوز حجرات تلك المجامع .
والدكتور كحيل يمثل الرعيل المتقدِّم من النحويين في العصر الحاضر ، له رأيه وشخصيته الفذة ، وله آراؤه النيرة ، وله تسديداته الصائبة ، لم يكن متعصِّباً للقديم لكونه قديماً ، و لا مندفعاً مع الحديث لكونه حديثاً ، بل كان ذا رأي واختيار . وهذه بعض رؤاه في موافقة بعض قرارات المجمع ، ومنها:
المسألة الأولى: الاشتقاق من أسماء الأعيان :
__________
(1) المصدر السابق 268هـ1.
(2) المراد به مجمع اللغة العربية في القاهرة .(1/40)
الأصل في الاشتقاق أن يكون من المصدر ، وقال د. كحيل :" معظمُ الاشتقاقِ إنَّما هو من المصدرِ ، وقد يكونُ من أسماءِ الأعيانِ ، مثل : نرجستُ الدواءَ ، فهو منرجسٌ وفلفلْتُ الطعامَ، فهو مفلفلٌ، وأورقَ الشجرُ، فهو مورِقٌ، وذهَّبْتُ الأناء، فهو مذهَّبٌ ، مشتقةٌ من: النرجسِ والفلفلِ والورقِ والذهبِ .
وأئمةُ اللغةِ على أن يقتصرَ في الاشتقاقِ من أسماءِ الأعيانِ على السماعِ ، وأجازَ المجمعُ اللغويُّ العربيُّ القياسَ على ما سمعَ للحاجةِ الداعيةِ إلى ذلك"(1) .
المسألة الثانية : قياسية المصدر الصناعي :
تحدث الدكتور كحيل عن المصدر الصناعيِّ فقال :" وإنما كثرَ في كلامِ العلماء بعد القرنِ الثاني الهجريِّ حينَ تشعَّبَتِ العلومُ، وتعمقَ العلماءُ في البحث ، واضطرُّوا إلى وضعِ صيغٍ تدلُّ على ما يحيطُ باسمِ الجنسِ من أحوالٍ ، وقد توسَّعُوا في ذلكَ ، فكونوا هذه المصادرَ من النسبةِ إلى الأجناسِ و المشتقَّاتِ ، والأسماءِ التي تقومُ مقامَ الأدواتِ ، ككم ، وكيف ، وما ، قالوا : خشبيَّة ، وذهبيَّة ، وقابليَّة ، وفاعليَّة ، ومفهوميَّة ، وكيفيَّة ، وماهيَّة .
وهذه الصيغُ لم تعرفْ بالمصادر الصناعيةِ إلا عند المتأخرين من العلماء ، وبعضُ المتقدمين كان يسمِّيها : نظائر .
أما عن قياسية المصدر الصناعي فقال : " ما ورد عن العربِ من المصادرِ الصناعيةِ قليلٌ – كما بينا – لا يصلحُ أن يكونَ أساساً للقياس عليه ، ولكن طريقةَ تكوينِه – وهي زيادةُ ياءِ النسبِ وتاء النقلِ على كلِّ لفظٍ – قياسٌ مطّردٌ لا شكَّ في ذلك ، لهذا رأى المجمعُ اللغويُّ العربيُّ قياسيةَ المصدرِ الصناعيِّ للحاجةِ إلى ذلك في هذا العصرِ الحديثِ الذي كثرت فيه المخترعاتُ ، وتشعبت الفنونُ والعلومُ ، فقرَّرَ أنّه :
إذا أريدَ صنعَ مصدرٍ من كلمةٍ يزادُ عليها ياءُ النسبِ والتاءُ"(2) .
__________
(1) التبيان 32هـ2.
(2) المصدر السابق 57-58.(1/41)
المسألة الثالثة : بناء فعَّالٍ صيغة مبالغة من المتعدي واللازم:
اختلف الصرفيون في قياسية صيغ المبالغة ، ومنها صيغة فعَّال ، ورأى الدكتور كحيل قياسيتها وفاقاً لما رآه المجمع فقال :" وقد رأى المجمعُ اللغويُّ أنّه قد وردَ في اللغةِ على فعَّالٍ ألفاظٌ كثيرةٌ من المتعدِّي واللازمِ تصلحُ أساساً للقياسِ ، فقرَّرَ أنَّ صيغةَ فعَّالٍ تأتي للمبالغةِ قياساً من الثلاثيِّ المتعدِّي و اللازمِ"(1) .
المسألة الرابعة : قياسية اسم الآلة :
تحدث د. كحيل عن قياسيةِ أسماء الآلة فقال:" وقد اضطربَت أقوالُ العلماءِ حولَ قياسيةِ أسماءِ الآلةِ ، هل الصيغُ كلُّها قياسيّةٌ ؟
أو كلُّها سماعيّةٌ ؟ أو بعضُها ، وهو مِفْعَلٌ ومِفْعَالٌ قياسٌ دونَ مِفْعَلَةٌ ؟
وإذا كانَت كلُّها - أو بعضُها – قياسيةٌ ، فهل تصاغُ من المتعدِّي فحسب ، أو تصاغُ من اللازمِ والمتعدِّي ؟
والقولُ الراجحُ في ذلك أنَّ الصيغَ الثلاثَ : مِفْعَلٌ ، ومِفْعَالٌ ، و مِفْعَلةٌ قياسيَّةٌ؛ لكثرةِ الواردِ منها في كلامِ العربِ ، وأنَّها تصاغُ من الثلاثيِّ المجرَّدِ المتعدِّي واللازمِ الدَّالِ على علاجٍ حسيٍّ .
وهذا رأيٌ يجعل اللغةَ تساير الحضارةَ الإنسانية ، ولا يقفُ بها جامدةً دون التقدُّمِ و النموِّ ، ولهذا أخذ به المجمعُ اللغويُّ . ( مجلة المجمع 1/221 ) "(2) .
... المسألة الخامسة : النسب بغير الياء :
استعملت العرب صيغاً للنسب بغير الياء ، فقالوا : لابنٌ لصاحب اللبن ، وتامر ؛ لصاحب التمر ، ولبَّان وتمَّار لبائعمها ، وعرض الدكتور كحيل لعدد من الصيغ الدالة على النسب ، ثم ناقش قياسيتها فقال : " هل الصيغ المذكورة قياسية ؟
__________
(1) التبيان 63-64.
(2) المصدر السابق 91-92.(1/42)
وأكثرُ هذه الصيغ استعمالاً فَعَّالٌ ، ومع كثرتها يرى سيبويه أنّها غيرُ مطردةٍ ، وليست قياسيةً ، قال في فَعَّالٍ : وذا أكثر من أن يحصى ، وليس في كلِّ شيءٍ قيلَ هذا ، ألا ترى أنّك لا تقولُ لصاحبِ البُرِّ : بَرَّارٌ ، ولا لصاحبِ الفاكهةِ : فَكَّاهٌ ، ولا لصاحبِ الشعيرِ : شَعَّارٌ ، ولا لصاحب الدقيق : دَقَّاقٌ .
ويرى المبرِّدُ أنَّ صوغَ فَعَّالٍ للنسبِ قياسٌ ، وقالَ : وكلُّ من رأينا ممن ترضى عربيّتُه يقول لصاحبِ البرِّ : بَرَّارٌ ، حتى صار لكثرةِ استعمالِه لا يحتاجُ فيه إلى حجةٍ من شعرٍ ولا غيرِه ( المقتضب للمبرد الهامش 3/161) .
ولعلَّ الذي منعَ سيبويه من القياسِ خوفُ اللبسِ ، فلا يقال بَرَّارٌ لبائع البر لالتباسه بما اشتق من البِرّ ، ولا لبائع الفاكهة فَكَّاه لالتباسه بما اشتقَّ من الفَكَهِ بمعنى التَّفَكُّهِ ، ولا لصاحب الشعير شَعَّار لالتباسه بما اشتقَّ من الشِّعرِ .
والعلماءُ وخاصَّةً المتأخرين يؤيّدون رأيَ المبردِ ، وقد أخذَ المجمعُ اللغويُّ به فقرَّرَ : أنه يصاغُ فَعَّالٌ قياساً للدلالةِ على الاحترافِ أو ملازمةِ الشيءِ ، فإذا خيفَ اللبسُ بين صانعِ الشيءِ وملازمِه كانت صيغةُ فَعَّالٍ للصانعِ ، وكانَ النسبُ بالياءِ لغيرِه فيقالُ: زَجَّاج لصانع الزجاج ، وزجاجيٌّ لبائعه ( مجلة المجمع اللغوي 1/151) "(1) .
القسم الرابع : موقفه من آراء بعض المستشرقين :
ألقى برجشتر اسر محاضرات في التطور النحوي للغة العربية بالجامعة المصرية عام 1929م ، ثم طبعت بعد ذلك ، اطلع عليها د. كحيل ، وأيد ما جاء فيها في عددٍ من المواضع ، وناقشها في مواضع أخرى ، ورد عليها ، وأكد صحة بعضها بعزوه إلى من قاله من أهل النحو المتقدِّمين ، وكان كل ذلك بأدبٍ جمٍّ ، لا يخرجه الحق عن طور العلماء ولا عن سمتهم ، وهكذا كان كما عرفته – رحمه الله - ، وجعلت هذه المواضع في نوعين هما :
__________
(1) التبيان 275-277.(1/43)
النوع الأول : الرد على بعض آراء برجشتر اسر :
المسألة الأولى : الأسماء بين الثنائية والثلاثية :
اشتهر عند الصرفيين أن أقل الأسماء هو الثلاثيُّ ، ويكون الاسم رباعياًّ وخماسياًّ ، وذكر د. كحيل رأي برجشتر اسر في أن أقدم الأسماء في اللغات هي الأسماء الثنائية ، فنقل عنه قوله: " يرى بعضُ الباحثين من المستشرقين وعلماءِ اللغاتِ السامية أنَّ أقدمَ الأسماءِ صيغةً في اللغات السامية هي الأسماءُ الثنائيةُ ، واللغةُ العربيةُ قد حافظت على بنائها الأصليِّ في كثيرٍ منها ، غير أنها استحدثت من بعضها صيغاً جديدةً بزيادةِ حرفِ علَّةٍ ، أو همزةٍ أو هاءٍ، فقالوا في جمع أخت : أخوات ، وجمع أب: آباء .
ويجعلُ هؤلاء الباحثون الواوَ في أبوك وأخوك وحموك حركةً ممدودةً، والاسمَ ثنائياًّ، وتمدُّ الحركةُ في حالِ الإضافةِ ، وتقصرُ مع التنوينِ ، مثل : أبٍ وأخٍ وحمٍ وفمٍ، وابنٌ أصلُه في اللغاتِ الساميّةِ بِنٌ بكسرِ الباءِ ، ألحقُوا به تاءَ التأنيث فصار بنت ، أمّا ابنٌ فهو مستحدَثٌ في العربيّةِ ، وعلى قياسه ابنة ، وإذا جمعَ ابنٌ يجمعُ الأصلُ وهو بنوٌ ، وتبدلُ كسرةُ الباءِ فتحةً ، فيقال : بنون ، وهذا ما حدثَ في اللغةِ العبريَّةِ ، وهو إبدالٌ قديمٌ في اللغاتِ الساميةِ.
واستٌ في العبريّةِ ست ، ومن ذلك: يدٌ ودمٌ وشفةٌ وسنةٌ وأمةٌ ، والهاء التي ترد في الجمع: أستاهٌ وشفاهٌ وعضهاتٌ ومياهٌ وشياهٌ علامةُ الجمع كما هي في الآراميةِ"(1).
__________
(1) التبيان 17هـ4 ، وانظر : التطور النحوي للغة العربية 95-97.(1/44)
ثم رد عليه د. كحيل بقوله : " وهذا رأيٌ غير ممحَّصٍ ؛ إذ أنَّ هذه الهاءَ ترَدُّ في التصغيرِ ، فيقال : سُنَيهةٌ وشُفَيهةٌ وعُضَيهةٌ ، فهل هي علامة تصغيرٍ أيضاً ؟ وقالوا : سنواتٌ وعضواتٌ ، فهل الواوُ علامةُ الجمعِ ؟ وأسلمُ من هذا الكلامِ القائمِ على الحدسِ أنَّ أصلَها ثلاثيٌّ حذفَ منه ما يرَدُّ في التثنيةِ والجمعِ ، ثمّ قالُوا : وقد تكرّرُ الكلمةُ الثنائيةُ فيصبحُ الاسمُ في ظاهرِه رباعياًّ مثل : كوكبٍ؛ أصلُها كبكب كما في اللغةِ المهريّةِ ، وأبدلت الأولى واواً في بعضِ اللغاتِ الساميةِ ، ومن هذه الأسماء قرقر وسلسلة وليل أصله ليلى ، كما هو في السريانية ، ويدل على ذلك الأصل جمعه على ليالٍ أي فعالل من الرباعي ، وبعضُ علماءِ العربيةِ القدامى ذهبَ إلى هذا الرأيِ في الأسماءِ الرباعية مثل ابن جني "(1).
المسألة الثانية : بناء فعَّال في النسب :
للعرب منهج آخر في النسب غير إلحاق ياء النسب آخر الاسم ، وذلك باستعمال بعض الصيغ التي تدل على النسبة ، ومنها صيغة فعَّال مثل بزَّازٍ وعطَّارٍ وجمَّالٍ ، ثم علَّق على هذا بقوله:" ذهب برجشتر في محاضراته ( التطور النحوي ) إلى أنَّ اللغة العربية تأثرت في بناءِ فعَّالٍ في النسب باللغةِ الآراميَّةِ نحو: نجَّار وطبَّاخٍ، وأنَّ أقدمَ الألفاظِ معرَّبٌ من الآراميةِ وهو نجَّارٌ، ثمَّ قاسَ العربُ عليه . وليس له من دليل على هذا إلا وجود نجَّارٍ في اللغةِ الآراميةِ، بينما يوجدُ عشراتُ الألفاظِ في اللغة العربية على وزنه ، ولاشكَّ أن هذا تعسفٌ"(2).
النوع الثاني : ذكر بعض آراء برجشتر اسر :
المسألة الأولى : أصالة بناء فَعْلٍ :
__________
(1) المصدر السابق 17هـ4 .
(2) التبيان 275هـ2، وانظر التطور النحوي 105.(1/45)
أشرتُ سابقاً إلى أنَّ د. كحيل تحدَّثَ عن دلالةِ كثرةِ الاستعمالِ في الاستدلالِ بها على تفريعِ المضمومِ على السَّاكنِ ، وإيرادِه رأي الأخفش في المسألة ، ثم علَّق عليه بقوله : " يرجِّح بعضُ المستشرقين أنَّ الساكنَ العينَ أصلٌ ، والمضمومَ فرعٌ ؛ لأنَّ هذا هو الموجود في اللغة الآكدية والعبرية ، يقول برجشترأسر : إنَّ أكثرَ الأسماء التي وزنُها فُعُلٌ قد تكون على فُعْلٍ أيضاً نحو : أُذُنٍ واُذْنٍ ، وهي في الأكدية والعبرية أصلها السكون ، فنرى من ذلك أن أُذْن بالذال الساكنة هي الأصل ، وأنَّ ( أُذُن ) المتحركة مقلوبةٌ منها ( انظر : التطور النحوي(1) ) "(2) .
الأخفش بنى رأيه في هذه المسألة على أن مضموم العين فرع عن الساكن، وأشار الدكتور كحيل إلى ما قاله برجشتراسر .
ولا يمنع أن يكون لأهل العربية آراء توافق آراء غيرهم ، وكل رأي أصل في تقعيد لغته.
المسألة الثانية : فتح العين الساكنة إذا كانت من حروفِ الحلقِ:
أوردَ د. كحيل رأيَ الكوفيين في أنَّ باب ( فَعَلَ ) مفتوحَ العينِ فرعُ الساكن ( فَعْل ) ، وجعلوا ذلك قياساً مطَّرداً ، فكلُّ ما كانَ على فَعْلٍ بفتحِ الفاءِ وسكونِ العينِ وعينُه حرفُ حلقٍ؛ فإنَّه يجوزُ فتحُ عينِه لمناسبةِ حرفِ الحلقِ ، ثم علَّقَ على هذا بقولِه : " يرى رأيَ الكوفيين المستشرق برجشتراسر يقول : ومن الزيادةِ زيادةُ فتحةٍ بعدَ عينِ بعضِ الأسماءِ التي وزنُها فعْلٌ أو فعَلٌ ، إذا كانَ أحدُ الحرفينِ الأخيرينِ حلقيّاً "(3) .
المسألة الثالثة : أهمية الاشتقاق في ترقي اللغة ونموها.
استشهد بقول برجشتراسر على أهمية الاشتقاق ، فقال د. كحيل عن المشتق : " المشتقُّ عند اللغويين أعمُّ منه عند الصرفيين والنحويين ، وعند الصرفيين أعمُّ منه عند النحويين .
__________
(1) ص69.
(2) المصدر السابق 25هـ1 .
(3) المصدر السابق 26هـ1.(1/46)
والاشتقاقُ بمعناه اللغويِّ كانَ مصدراً لثراء اللغة العربية ، ومعيناً لا ينضب ، مما جعل اللغة العربية تفي بحاجاتِ العصور ، وصار كلُّ شاعرٍ وأديبٍ يجدُ فيها ضالته ، يقول المستشرق برجشتر في محاضراته : أكثرُ اللغاتِ الساميةِ أمسكت عن اشتقاق الأسماء الجديدة في زمانٍ قديمٍ جداًّ إلا على القليل من الأوزان كالمصادرِ والأنسابِ ، وأصبحت جملة أسمائها محدودة ، لا يزادُ عليها إلاّ القليلُ في المدَّةِ الطويلةِ، فاشتقاقُ الأسماءِ فيها ميِّتٌ أو قريبٌ من الميِّتِ ، واللغةُ العربيَّةُ تشتقُّ الأسماءَ الجديدةَ الكثيرةَ على الأوزانِ المتنوعةِ ، وكلُّ شاعرٍ كان يجوز له أن يرتجلَ الأسماءَ الجديدةَ على الأوزانِ المعروفةِ "(1) .
المسألة الرابعة : بناء أفعل مرتجل في العربية :
يقولُ الباحثُ برجشتراسر في محاضراته عن التطورِ النحويِّ : إنَّ وزنَ أفعلَ في معنييه الدلالةِ على التفضيلِ أو اللونِ والعيبِ لا يوجدُ في أية لغةٍ من اللغات السامية حتى الحبشية ، فهو مرتجلٌ في العربيَّةِ جديدٌ ، فأفعل إذا كان للتفضيل هو أكثرُ تخصيصاً وتحديداً من بين سائرِ أبنيةِ الاسم ، فاختراعُ العربيّةِ له من علاماتِ ميلِها إلى التخصيصِ والتعيينِ ، وأفعل مع ذلك مما يسهِّلُ تركيبَ الجملةِ ، والتعبيرُ عن الأفكارِ المشكلةِ بالتركيباتِ المشتبكةِ مثال ذلك : " هذا أكثرُ من أن يحصى " ، "وأنتمْ أحوجُ إلى هذا منكم إلى ذلك "، ولا يوجدُ مثلُها في سائرِ اللغاتِ الساميَّةِ"(2) .
المسألة الخامسة : فعول هو الأصل زيدت عليه الميم لبناء اسم مفعول.
__________
(1) المصدر السابق 31هـ1، وانظر : التطور النحوي 101.
(2) التبيان 80هـ1 ، وانظر : التطور النحوي 104-105.(1/47)
تحدث د. كحيل عما ينوب عن بناء مفعول في الدلالة على اسم المفعول ، فذكر عدداً من الأبنية التي تنوب عن صيغة مفعول ، ومنها: فعول بفتح الفاء، نحو: رَكُوبٍ وجَزُورٍ ، وعلَّق عليه بقوله :" يرى بعض المستشرقين أنَّ ( فَعُول ) هو الأصلُ زيدت فيه الميمُ الكثيرةُ الاستعمالِ في هذه الأسماءِ، وفعول هي اسمُ المفعول في العبريَّةِ، وفي الآراميَّةِ فَعَلٌ(1) بفتحِ العينِ"(2) .
المسألةُ السادسةُ : بناءِ اسمِ الآلةِ :
اسم الآلة يصاغ من الفعل للدلالة على ما يستعان به في ذلك الفعل ، وعلَّق على هذا د. كحيل بقوله :" أسماء الآلةُ وأسماءُ المكانِ من اللغاتِ الساميَّةِ الأصلِ، فمفتاحٌ موجودٌ في العبريَّةِ والأكديَّةِ، غير أنَّ حركةَ الميمِ في بعض اللغات الساميَّةِ كسرةٌ، وفي بعضِها فتحةٌ، وكذلك كلمةُ مسكِنٍ يوجدُ في العبريةِ و الأكديةِ و الآرية على أوزانٍ متقاربةٍ .
ويرى برجشتر أنَّ وزنَ مفعالٍ أصلُه فِعالٌ ألحقت بها الميمُ، وفعالٌ أقدمُ وزنِ لأسماءِ الآلةِ، منه: سِنَانٌ ونطاقٌ والوعاءُ و اللسانُ ، لكن لم يذكر برجشتر دليلاً على أنَّ (فعال) أصلُ مِفعالٍ"(3) .
المسألة السابعة: لحاق تاء التأنيث الاسم والفعل والحرف.
__________
(1) كذا في التبيان 70 ، وفي التطور النحوي غيرها د. رمضان عبدالتواب إلى فعيل ، وعلق عليها بقوله : في الأصل : ( فعل) والصواب ما أثبتناه ، بدليل كلمة الممدودتين الآتية بعد . التطور النحوي 104هـ2. ومن المعلوم أن د. كحيل نقل عن المحاضرات قبل نشرها في كتاب ، ونقله عن الأصل صحيح .
(2) التبيان 70هـ2.
(3) المصدر السابق 91هـ1، وانظر : التطور النحوي 100.(1/48)
تاء التأنيث تلحقُ الفعلَ لتدلَّ على أنَّ الفاعلَ مؤنَّثٌ ، وتلحق الاسم المؤنث، وعلَّق د. كحيل بقوله:" قد تلحقُ الحرفَ كربَّ إذا كانَ المجرورُ بربَّ مؤنَّثاً ، ومن ثمَّ إذا عطفَ بها قصةٌ على قصةٍ فيقالُ: ربَّتَ وثمّتَ . أمّا تاءُ بنتٍ وأختٍ وكلتا وثنتان، فليست لمحضِ التأنيثِ ، بل هي بدلٌ من اللامِ في حالِ التأنيثِ ، ولذا سكنَ ما قبلَها . شرح الكافية للرضي 2/151، ويرى الباحثُ المستشرق برجشتر في كتابه التطوّرِ النحويِّ أنَّ التاءَ هي علامةُ التأنيثِ في اللغةِ الساميَّةِ الأمِّ، وكثيراً ما كانت الفتحةُ قبلَ التاءِ، تحذفُ، فيسكنُ ما قبلَ التاءِ في اللغةِ السامية الأم، ولم يبقَ من ذلك في العربيّةِ إلا القليلُ، نحو: بنتٍ وأختٍ وثنتان وكلتا(1). فالتاءُ عندَه علامةُ تأنيثٍ، وهذه الكلماتُ ثنائيّةٌ لا ثلاثيّةٌ كما سبقَ"(2).
... المسألة الثامنة : جموع القلة من سمات العربية.
عند الحديث عن تقسيم جموع التكسير إلى جموع قلة وجموع كثرة علَّق عليها د. كحيل بقوله:" جموعُ القلَّةِ من خواصِّ اللغةِ العربية فلا توجدُ في إحدى اللغات السابقة، وهي تدلُّ على ما تمتازُ به العربيةُ من الدقةِ والميلِ إلى التحديدِ والتخصيصِ . انظر التطور النحوي"(3).
__________
(1) انظر: التطور النحوي 114-116.
(2) التبيان 95هـ1.
(3) المصدر السابق 140هـ2، وانظر : التطور النحوي 111.(1/49)
... هذه بعض اختيارات د. كحيل ، أردت من عرضها تبيين شخصيته – رحمه الله تعالى _ فلم يكن مقلِّداً ، أو ناقلاً لنصوص الآخرين دون رأي ، ولم يكن متجانفاً عن علم جاء من مستشرق أو غير مستشرق ، بل وقف من الجميع موقف المدقِّق الذي يبحث عن الحق ، ويأخذ به ، ويرجح ويدلّل ، وله اختيارات أخرى لم أدونها لئلا يطول هذا العمل ، فيخرج عن الغرض الذي قصدته منه ، والتعريف بعلمٍ من علماء العربية في العصر الحاضر ، لم تخل رسالة من الرسائل التي أشرف عليها من تعليقاته التي كان يمليها على الطلاب ، ومن تقويمه للنصوص التي كانت تعرض عليه بنظر ثاقب ، وخبرة قوية في مراجعة هذا العلم، ودراية بحدوده ومصطلحاته ولغة أهله ، فرحمه الله رحمة واسعة .
المبحث الرابع : د. كحيل في الدراسات العليا:(1/50)
أسهم د. كحيل إسهاماً واسعاً في مجال الدراسات العليا إشرافاً ومناقشةً ، وذلك في كلية اللغة العربية في الأزهر ، وفي كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وسوف أدوِّن إسهامه في الدراسات العليا في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام ، وهي الجامعة التي أدركتُه فيها ، ودرست عليه مقرر النحو في الدراسات العليا ، وأشرف على رسالتي للدكتوراه ، وجهده مدوَّنٌ في سجل رسائل الكلية ، كما أن الجامعة قدرت جهوده تقديراً كبيراً ، فقد كان النصاب المحدد للإشراف على الرسائل هو أربع رسائل ، ويجوز عند الحاجة لمجالس الكليات زيادة رسالة خامسة ، ولكن الدكتور د. كحيل استثني من هذا كلِّه ، وأعطي ست رسائل ، بناء على قرار مجلس الجامعة استثناء من النصاب المحدَّد للإشراف وذلك بقراره رقم ( 134 – 1402/1403هـ ) فقرَّر الموافقة على زيادة النصاب المقرر للإشراف على الرسائل للدكتور أحمد كحيل إلى ست رسائل(1) .
وهذه الرسائل التي أشرف عليها أو كان عضواً في مناقشتها كانت رسائل ماجستير أو دكتوراه ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:
أولاً : رسائل الماجستير التي أشرف عليها في قسم النحو والصرف وفقه اللغة في كلية اللغة العربية بالرياض .
1- إتحاف ذوي الاستحقاق ببعض مراد المرادي وزوائد أبي إسحاق : لمحمد المكناسي؛ دراسة وتحقيقاً:
تقدم بها : أحمد بن عبدالله الدويش ، ونوقشت بتاريخ 18/5/1406هـ .
2- الدراسات اللغوية والنحوية في الشام حتى نهاية القرن الرابع الهجري .
تقدم بها : عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي ، ونوقشت يوم 14/4/1401هـ .
3- شرح المقرَّب المسمّى بالمثل لابن عصفور ؛ دراسةً وتحقيقاً .
__________
(1) كانت الرسالة المستثناة التي مثلت الرسالة السادسة عند د. أحمد كحيل هي رسالة الدكتوراه للزميل د. صالح بن حسين العائد .وكانت الموافقة على هذا التسجيل بتاريخ 14/7/1403هـ .(1/51)
تقدم بها : عبدالرحمن بن محمد العمار ، ونوقشت يوم 8/6/1403هـ.
4- دراسة الشواهد القرآنية في كتاب أوضح المسالك لابن هشام .
تقدم بها عبدالعزيز بن عبدالمحسن أبانمي ، ونوقشت يوم 11/8/1403هـ.
5- دراسة الشواهد القرآنية في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري.
تقدم بها عبدالله بن محمد المنصور ، ونوقشت يوم 23/7/1402هـ.
6- المرزوقي النحوي من خلال كتابه شرح ديوان الحماسة .
تقدم بها محمد بن عبدالعزيز الحمود ، ونوقشت يوم 25/7/1402هـ .
ثانياً : رسائل الدكتوراه التي أشرف عليها :
1- شرح كافية ابن الحاجب للرضي ؛ القسم الأول دراسة وتحقيقاً
تقدم بها د. حسن بن محمد الحفظي ، ونوقشت يوم 24/8/1407هـ .
2- القياس النحوي وأثره
تقدمت بها د. فائزة بنت عمر المؤيد ، ونوقشت يوم 24/8/1405هـ.
3- ثمار الصناعة للدينوري ؛ دراسة وتحقيقاً .
تقدم بها د. محمد بن خالد الفاضل ، ونوقشت الرسالة يوم 21/8/146هـ.
4- شرح كافية ابن الحاجب للرضي القسم الثاني ، دراسة وتحقيقاً .
تقدم بها د. يحيى بشير مصري ، ونوقشت الرسالة يوم 14/5/1405هـ.
ومن الرسائل التي أشرف عليها رسالتي لنيل درجة الدكتوراه ، وكانت بعنوان شرح المقدمة الجزولية الكبير للأستاذ أبي علي الشلوبين دراسة وتحقيقاً ، حتى انتهى عمله في الجامعة ، ولم أكن أنهيت الرسالة آنذاك ، فأكمل الإشراف عليها الأستاذ توفيق محمد الجوهري سبع ، رحمهما الله وغفر لهما وجزاهما عني خير الجزاء.
ثانياً : رسائل الماجستير التي اشترك في مناقشتها عضواً في قسم النحو والصرف وفقه اللغة في كلية اللغة العربية بالرياض :
1- آراء أبي عمرو بن العلاء النحوية واللغوية جمعها ودراستها .
تقدم بها : حسن بن محمد الحفظي ، ونوقشت يوم 29/1/1402هـ.
2- أبو بكر بن الأنباري ( حياته ، وجهوده اللغوية )
تقدم بها : علي بن محمد نور المدني ( بحريني الجنسية ) ، ونوقشت يوم 21/11/1400هـ .(1/52)
3- تحقيق القسم الأول من كتاب "سفر السعادة وسفير الإفادة لعلم الدين الهمداني.
تقدم بها محمود سليمان عبيدات ( أردني الجنسية ) ونوقشت يوم 5/5/1401هـ.
4- دراسة نحوية لكتاب مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب .
تقدم بها يحيى بشير مصري ( سوري الجنسية ) ، ونوقشت يوم 1/1/1402هـ.
ثالثاً : رسائل الدكتوراه التي اشترك فيها عضواً مناقشاً :
1- أسلوب الشرط في العربية مع تحقيق ثلاث رسائل نحوية في باب الشرط .
تقدم بها أحمد بن محمد الشريف ( سوري الجنسية ) ونوقشت يوم 30/7/1405هـ .
2- النهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك ؛ دراسة وتحقيقاً.
تقدم بها د. صالح بن سليمان العمير ، ونوقشت يوم 30/8/1404هـ
ثالثاً : رسائل ناقشها خارج جامعة الإمام منها : شرح الجزولية للأبذي ؛ دراسة وتحقيقاً ، تقدم بها د. سعد بن حمدان الغامدي ، وكانت بإشراف الأستاذ الدكتور محمد بن إبراهيم البنا ، وشارك في المناقشة د. محمود محمد الطناحي ، وذلك في عام 1406هـ
وقد أشرف على عدد غير قليل من رسائل الماجستير والدكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ، لطلاب مصريين وغير مصريين؛ ومنها رسالة الدكتوراه التي تقدَّم د. عبدالله بن علي الشلال ، ورسالة الدكتوراه التي تقدم بها د. عبدالعزيز اللهيب ، وغيرهما من أساتذة قسم اللغويات في كلية اللغة العربية في الأزهر الشريف.(1/53)
هذا جزء من جهود د. أحمد كحيل في مجال الإشراف على الرسائل ومناقشتها ، أما التدريس فقد درَّس مقرر النحو في السنة التمهيدية لمرحلة الماجستير ابتداء من عام 1402- 1403هـ ، بالإضافة إلى مقررات أخرى في المرحلة الجامعية، وهي جهود كما ترى كبيرة ورائعة ، فلم يأل الشيخ جهداً ، ولم يدخر وسعاً في التوجيه والإرشاد والنقد والتعليم ، وكان يمثل الرعيل الأول من العلماء العاملين ، لما امتاز به من علم في اللغة وعلوم الشريعة ، وإدراك لرسالته في التربية والتعليم ، وكان – رحمه الله تعالى – أنموذجاً في كل حياته ، غفر الله له وأسكنه فسيح الجنان.
خاتمة :
هذه نبذة من سيرة الدكتور أحمد حسن كحيل ، كما خبرته وعرفته عن قرب ، عمدت إلى الأوراق الرسمية لتتحدث عن الجوانب النظامية في حياته ، ورحلاته ، وعمدت إلى كتبه أستنطق آراءه ، وأتخيل شخصيته ، وأستحضر الكثير من خصائص ذلك الرجل – رحمه الله – فقد كان عالماً خيراً محباًّ للعلم مقدِّراً لأهله ، وأكبر دليل على هذا إعجابه الكبير بالدكتور علي أبو المكارم بعد أن شاركه مناقشة إحدى الرسائل التي أشرف عليها ، فأكنَّ له المودّة ، وأظهر الاحترام والإعزاز ، وحقَّ له ذلك ، وإنما يعرف الكبارُ الكبار ، ولله درهم من رجال.
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المراجع :
التبيان في تصريف الأسماء ؛ تأليف د. أحمد حسن كحيل ، الطبعة السادسة ، 1398هـ 1978م ، مطبعة السعادة القاهرة .
التطور النحوي للغة العربية ؛ برجشتر أسر ، أخرجه وصحَّحه وعلق عليه د. رمضان عبدالتواب ، 1402هـ1982م ، والناشر مكتبة الخانجي ، ودار الرفاعي بالرياض.
دراسات عربية في اللغة والدين والأدب؛ تأليف د. أحمد حسن كحيل ، 1392هـ-1972م ، مطبعة دار السعادة ، القاهرة.
دليل رسائل الماجستير والدكتوراه في كلية اللغة العربية بالرياض ؛ إعداد د. أحمد بن حافظ الحكمي .(1/54)
ديوان امرئ القيس تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف بمصر 1958م.
ديوان كعب بن مالك الأنصاري تحقيق سامي مكي العاني ط الأولى ، منشورات مكتبة النهضة ببغداد 1386هـ-1969م.
الكشاف التحليلي لمجلات الجامعة ( جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) إعداد علي بن شويش الشويش ، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1417هـ.
مجلة كلية اللغة العربية ؛ العددان الثالث عشر والرابع عشر1403-1404هـ
مدرسة طيبة الثانوية 50عاماً ؛ تأليف وإعداد محمد بن صالح البليهي ، الطبعة الأولى 1416هـ، شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر ؛ جدة.
النحو في الأندلس : رسالة للحصول على درجة العالمية ( الدكتوراه ) ، إعداد أحمد حسن أبو كحيل ، 1363هـ 1944هـ ، محفوظة في مكتبة كلية اللغة العربية برقم 182، جامعة الأزهر ، القاهرة .(1/55)