والصوم اختلفوا فيه ، فبعض المذاهب يُجيزه إذا كان نذر، ولا يُجيزه إن كان قضاء، وبعض العلماء يتوسع في ذلك فيها خلاف طويل بين العلماء
وزكاة المال ما في أحد يُزكي عن أحد
الحج معناه أوسع، القائلون من أهل العلم بجواز الحج عن الغير كثير، بل هو قول الكافة، قول المعظم ، قد يكون هناك آحاد علماء منعوه لكن الذي عليه الفتوى، وعليه جماهير أو معظم العلماء، على أن الإنسان يحج عن أخيه، وهذا يدل على الحج له معنى آخر، كنا نتكلم في الأول عن الرحمة، التواصل، الأمة ، حتى الحج عن الغير ، حتى أن الإسلام في مسائله الشرعية فرّق بين الرجال والنساء، لكن سبحان الله في الحج يجوز أن تحج المرأة عن الرجل، ويحج الرجل عن المرأة، وهذا يدل على أن الإسلام عني كثيرا بقضية التقارب القلبي والجسدي في شعيرة الحج
الذي نريد أن نوصله لإخواننا المسلمين الذين يسمعونا في كل مكان: أن الإسلام إذا شرع لنا أن نحج عن الغير ، وأذن لنا به شرعا ، قالت يا رسول الله (( إن أبي أدرك الإسلام شيخا كبيرا لا يستطيع أن يحج ، أفأحج عن؟ قال : نعم )) صلوات الله وسلامه عليه، هذا إذن، وأذن أن يحج الرجل عن المرأة ، والمرأة عن الرجل، والرجل عن الرجل ، والمرأة عن المرأة من باب أولى
فنقول لكل مسلم يسمعنا بعد ذلك
أن الإسلام يُبين لنا في بعض أركانه العظام ، أذن لنا أن نهب أشياء من عباداتنا لغيرنا، فما بالنا نبخل عليهم بشيء أقل من العبادة، ولا يوجد شيء يوازي العبادة، فمال الدنيا لا يمكن أن يرقى إلى العباد، فالإسلام يأذن لي أن أفعل عبادة،ويكون ثوابها لغيري، وأنا أخذ ثواب الصلة إذا كان أحد يحج عن الغير، فكيف بعد ذلك أبخل على أخي بكلمة طيبة، أو أبخل على أخي برأي سديد، أو أبخل على أخي بمال أكتنزه،أو ابخل على أخي بمعروف أصنع له، وقد أعطاني الشرع الإذن في أن أتعبد و أقف في عرفات ، واغدوا وأروح ،وأهب حجي لغيري، هذا لمن حج عن غيره، هذا أمر مأذون فيه(35/7)
قال : لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخو لي، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: صلى الله عليه وسلم:"حج عن نفسك، (ثم ما منعه من المعروف) قال: ثم حج عن أخيك"
وهذا باب مفتوح، وهذا كله في أن الحج تتجلى فيه معاني سامية من العطاء للآخرين، ولهذا أثنى الله على الأنصار لكرمهم ، وشرفهم ، وقيامهم بواجب الأخوة للغير ، وهذا من أعظم المعاني الإسلامية التي يدل عليها الحج ، ودعا إليه الدين، وبها يتحد المسلمون
{ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون}
وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه إذا ذكر الأنصار يذكر فضلهم وإحسانهم ومنتهم على أنهم آووا الناس
قال:
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تُلاقي الذي يلقون منا لملتي
وهي أبيات لغيره لكن حكاها أبو بكر ليُبين فضل الأنصار.
نحن سُقنا الحديث عن الأنصار لنبين أن من أعظم المعاني المقصودة شرعا : العطاء للغير، الإيثار، وهذا يتجلى في الحج، ويتجلى في غير ه لكنه يتجلى في الحج بصورة أكبر، بل إن بعض قواعد الشرع المضطردة المتفق عليها بين الفقهاء يُلغى بعضها في الحج، فإن قال قائل كيف ذاك؟
قلنا: إن الإسلام، الشريعة، الفقه الإسلامي يقول: لا يُصلي أحد عن أحد.
وإذا حج أحد عن أحد، ماذا يحصل ؟
يطوف ثم ما الذي يُشرع بعد الطواف؟ الركعتين
عمن تقع الركعتان؟
تقع عمن حُج عنه
فالقاعدة التي لا يصلي أحد عن أحد تقع هنا ،لأنه يجوز تَبعا مالا يجوز استقلالا كما يقول الأصوليون ، فيصبح حتى الصلاة التي لا يجوز لأحد أن يصلي عن أحد تُستثنى تبعا في حال الحج، وهذا كله أستاذي الكريم يُبين المعاني السامية التي يكترفها الحج فقها وسلوكا، وعبادة،ودلالة.
قال الأستاذ عبد الر حمن:(35/8)
ذكرتم أن في الحج صورا كثيرة في العطاء ، من هذه الصور، وشاهدتم وشاهد كل حاج في هذا المكان ، كيف يُعطي ذلك الابن البار لوالده أو والدته عندما يحمله على كتفيه، وعاتقيه لكي يذهب به إلى المشاعر وإلى الجمرات وإلى غير ذلك ، ورأينا ذلك المعوّق الذي يساعده إخوته،وأقرانه، ورجال الكشافة مثلا، بل وتلك المرأة التي رأيتموها عندما قدمتم إلى هنا وهي تبذل الخير،وتعطيه
إن أردنا أن نتكلم بإنصاف الدولة أعزها الله وأيدها تُعطي للجميع حتى يتمكن الحجاج جميعا من أداء نسكهم،
ونحن من الله علينا بالحج سنين عديدة ،والحج في هذا العام تنظيما لا يكاد يرقى إليه أي تنظيم سابق ، خاصة في مسألة تنظيم الجمرات، هذه صورة نضعها في القمة لأنهم أولوا الفضل، والشرع جعل لأُلي الأمر مقام لم يجعله لغيرهم فنسأل الله أن يُثيب خادم الحرمين الشريفين وولي عهده،والقائمين في هذه البلاد المباركة على هذا الأمر(35/9)
ثم بعد ذلك نأتي للحجيج أنفسهم، لاحظنا في هذا العام أن كثيرا من حملات الحج أصبح هناك توعية كبيرة جدا للحجاج، والتوعية للحاج تنعكس على نفسه هو، فالحاج عندما يستجيب لرجل الأمن، يستجيب لمسئول التنظيم، يستجيب لشاب الكشافة........، وتعاونا جميعا مع المسئولين، على أن نُقدم الحج في صورته المُثلى ألقمنا أفواه الأعداء حجرا ، فنقول نحن نجتمع على فضل، وعلى حق،ونرجو ثواب الله ونخشى عقابه، وننصرف في خمسة أيام، في مكان ضيق، أشبه بأرحام النساء لكنه يتسع ويضيق كما يقول بعض أهل العلم، وحمل نبينا صلى الله عليه وسلم وهم مائة ألف، وحملنا ونحن اليوم أكثر من ثلاث ملايين ، والمشاعر هي المشاعر، والجبال هي الجبال، وحتى لو تقع وفيات بين الحين والآخر كما في بعض السنوات لكن إذا وضعنا النسبة لا تكاد تُذكر مع الثلاث ملايين ، مع أن الذين يحضرون للحج على الأقل أربعين في المائة منهم عجزة وكبار سن، أو قل حتى لا نُصبح مبالغين خمسة وعشرين في المائة منهم عجزة وكبار سن ، من الصعب عليهم أن يقوموا
لكن رضوان الله، وطلب الغاية، وأداء الفريضة ، هو الذي ساقهم إلى هذا المحفل
مع أنه يحصل في مواطن الفساد من المراقص، والملاعب أو غيرها، يحصل ما يحصل، مع أن جل من يحضر تلك الأماكن أشداء أقوياء، لم يحضره عجوز احدودب ظهره،ولا امرأة لا تستطيع أن تقوم بنفسها، هؤلاء لا يحضرون تلك الأماكن ، ومع ذلك يُنقل وفيات وأحداث وغيرها، الذي يعنينا : أن من العطاء هنا هذا العطاء الرسمي ، إن صح التعبير.
نأتي للعطاء الفردي: ما يحصل أثناء الطواف عندما تتعثر قدما امرأة ، فتسمع استغاثات الناس، وتفاعلهم جميعا في أن يحملوها ، ويشدوا أزرها حتى ينتشلوها هذا نوع من المشاعر تكون مكبوتة، فيأتي الحدث فيُترجمها إلى معاني سامية بجوار بيت الله العتيق.(35/10)
وتُرى في كل مكان ، حتى أحيانا تجد إنسان يرمي بست حصيات ،يفقد حصاة ،فما أن يقف لا يدري ماذا يفعل، إلا و أخ له يُعطيه حصاه، فُيكمل بذلك الحصى ، فينصرفا راشدين
قد لا يعرف أحيانا لغته، لكن بالأعين المليئة بالمشاعر الإسلامية يشكر بعضهم بعضا على هذا
ولا تكاد أن ترى فرحا أكثر من فرحة حاج أتم نُسكه
فأنت تنظر أخواتنا العجائز ، الأتراك مثلا، أو غيرهم من إخواننا المسلمين أيا كانوا، وهن راجعات من الحوض، من المرمى يهنئن بعضهن البعض فرحات يشددن من أزرهن، أين هذا مِن مَن عاد من أماكن أعاذنا الله وإياك منها، فرحات بالانتصار على الشيطان،والانتصار على أشياء عديدة ، وبقطع المفاوز، حتى وصلن إلى هذا المكان، ثم كأنهن يجتذبن حديثا غير مسموع، حتى يصلن إلى الجمرة الوسطى، ثم تزداد الفرحة لأنه لم يبق إلا جمرة واحدة، فإن انتهين منها ، لو قُدّر لهن أن يجرين لجرين، ثم يشدن بعضهن بعض، ثم يرجعن راشدات فرحات، هذه معاني عظيمة تدل على عظمة الإسلام ، وما يبثه في القلب، لا يأتي أحد هنا ، وهو يشعر أنه جاء لفريق يُناصره، ولا يدري يخرج مهزوما أو منتصرا ؟
ولا لأخ يعضده، لا يدري يخرج مغلوبا أو غالبا؟
و إنما أتى يرغب ما عند الله، فلا يخرج أحد من المشاعر، أي محفل دنيوي لابد أن يخرج أحد فائز، والآخر خاسر، أما هنا لا يخرج أحد خاسر، يخرج الناس كلهم فرحين تسعهم رحمة الله
قال الأستاذ عبد الرحمن:
ذكرتم كلام جميل شيخ صالح إن هذا النجاح يُحسب لكل الجهات للرسميين وللحجاج عموما، من مختلفي أماكنهم، ألا تعتقدون أن هذا يُشكل وعيا حضاريا ، مما يدل على أننا بإذن الله، وإن طالنا بعض الأخطاء في الفترات الماضية، كأمة ، أن هذا الحج، يقودنا بإذن الله إلى مسارات النهضة؟(35/11)
الصراع الآن يا شيخ عبد الرحمن صراع وجهاد ثقافي ، أكثر منه جهاد عسكري، والجهاد الثقافي مع القنوات الإعلامية المفتوحة ،ونقل الأحداث، الواقع أعظم الشهود، والصور لا يستطيع أن يُكذبها أحد، فنقل هذه المشاهد بإخائها وحياتها وفرح المسلمين بها، ورغم أنه في العام الماضي حصلت وفيات، من المفترض عقلا، أن يقل عدد الحجاج هذه السنة، لكن الناس تتعامل مع ربها لا تتعامل مع أرقام حسابية، فقدم الحجاج أكثر وأكثر، ووجودهم هذا العام بهذا الوضع ولله الحمد الأمني، والقيام بالشعائر التعبدية، يجعل غيرهم يعرف شيئا كثيرا عن الإسلام لا يكاد يعرفه
ولو ألفنا كتبا، و مطويات ورسائل، وفعلنا ما فعلنا لم يغني هذا كله عن ساعة واحدة ننقل فيها تلك المشاعر حيه
هذا يضج بالدعاء في وضع فيه المساواة بإزار ورداء قبل أن يحلوا من إحرامهم يدعون ربا واحدا، ويتوجهون إلى قبلة واحدة، وإن قرؤوا قرؤوا كتابا واحدا هو القرآن
مثلا يوم عرفة،مفتي عام المملكة الدرجة الرسمية مرتبة وزير، يلبس رداء وإزار، الذي يقود المفتي يلبس نفس لباس المفتي، من حج من أمراء الدولة يلبس لباس من يقود المفتي، والمفتي نفسه، الحجاج الذين خلفه كلهم يلبسون نفس اللباس، ضيوف الدولة الرسمين، ورؤساء الدول الإسلامية ، ورؤساء البعثات الذين في الصف الأول أو الثاني يلبسون نفس الرداء ،صاحب آخر نقطة، آخر مكان في عرفة، يلبس نفس الذي يلبسه المفتي والرؤساء ، والجميع لا تجد على رأسه شيء، لأن الذي حكمهم واحد هو شرع الله، وأي فرد فيهم لو أراد أن يُقلم ظفره لما استطاع لأنه يتعبد الله جل وعلا بهذا الأمر ، فهذا النوع من المساواة وإن كان مؤقتا بأيام معدودة لكن حتى يُبن للأمة أنه بالإمكان أن يكون هناك مساواة، وهذه المساواة لا يوجد رقيب عليها إلا الله
وهذه هي المساواة الحقيقية(35/12)
أما المساواة التي لا تكون إلا بالقانون فهذه مساواة مزيفة أيّا كانت ، لأنه متى اختل السلطان في ذلك البلد أو قل القانون ،أو لم يُفعّله القائمون عليه، ضاعت الحقوق ، وأكل الناس بعضهم بعضا.
قال الأستاذ عبد الرحمن:
عندما ذكرتم يا شيخ المظاهر الجميلة التي نراها هنا في المشاعر، وذكرتم نقل أيضا القنوات الإعلامية لها، نحن نقلنا عددا من الصور، اللقطات التي حقيقة تُبهج النفوس
بل أحيانا يشعر الإنسان بالأسى عندما يرى ذلك الكهل وقد خطت الدموع على وجنتيه ، ويرى كثيرا من المظاهر التي لو ربما رآها إنسان مسلم لم يقدم إلى هذه الأماكن مع استطاعته على ذلك لعزم على أن يأتي في العام القادم
حديثكم لؤلائكم الذين لم يأتوا إلى هذه الأماكن أن يأتوا إليها ، وأن لا تفوتهم الفرصة إن أطال الله في أعمارهم؟
نقول لهم: لا يحمل المرء على ظهره أثقل من ذنبه ،وكل بلاء سببه المعاصي يقول الله جل علا{ فكلا أخذنا بذنبه} ولا سبيل إلى غفرآن الذنوب إلا بالتوبة إلى الله ، ومن أعظم السبل التي جعلها الله فيها تُكفر الخطايا ، وتمح الذنوب ، وتزال المعاصي : القدوم إلى بيته
" الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "
"من حج البيت فلم يرفض ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
فالحج جعله الله جل وعلا سبيلا إلى تكفير الذنوب، ومحو الخطايا، ورفع الدرجات، وإعلاء شأن المسلم عند ربه تبارك وتعالى، فعلى هذا يُفهم أنه من ذا الذي يخلو من ذنب؟!
مُحال
فإذا أراد الإنسان بنفسه خيرا ، وعند الله قدرا، شد الرحال إلى بيت الكبير المتعال، وأسلم لله جل وعلا قلبه ، ورفع لله جل وعلا كفه، وذرف لله جل وعلا دمعته ، وخشع لله قلبه
هنالك تُمح خطاياه وتُزال، ولهذا جاء في الأثر أنه يعود كيوم ولدته أمه كما في الصحيحين
و"الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"(35/13)
وقفة للمرء مع نفسه، وتذكره لتلك الخطايا، والآثام تجعله يحث السير، ويسعى جاهدا إن كان يعقل، وأراد الله به خيرا، أن يأتي إلى هذه الأماكن المباركات، فيعبد الله جل وعلا فيها
ولهذا ثمة خبر يتداوله الناس يُروى بصيغ عدة ، معناه صحيح بصرف النظر عن وقوعه لمن وقع، وهو أن رجلا رأى رجلا يعصي الله عند الحرم ، فقال له : أنا أُريد أن أسألك سؤالا: الناس تأتي بذنوبها من بعيد لتضعها هنا، أنت عندما تحمل ذنوبك من هنا أن تضعها، أين تذهب؟!!
فإذا أحدهم عصى الله جل وعلا في هذه الأماكن، وأخذ ذنبه معه إلى أين سيذهب حتى يُغفر له؟؟!!!
هذه المواطن تُسكب فيها العبرات، تمحى فيها الخطايا، ولهذا الشيطان يكون في منتهى الاندحار في يوم عرفة، إلا ما رؤي يوم بدر، وهذا كله لما يرى من تجلي رحمة الله جل وعلا، وحتى الجمار قد يظن الناس قضية شيطان، هي شعائر يُذكر الله فيها
ولهذا النبي يرمي الجمرة ثم يأخذ ذات اليسار في الأولى، ثم يرفع يديه يدعو لأنه مظنة إجابة بمقدار ما تُقرأ سورة البقرة، ثم يأخذ الجمرة الوسطى ، ويغير الاتجاه، تنوع ، لأن الأرض شواهد ، تُخبر ، فيأتي ذات اليمين ويجعل الجمرة على يساره ويرفع يديه يدعو ، ثم بعد ذلك يرمي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ويمضي
كأنه يقول لنا:
أدعوا هنا، وادعوا هناك، ولا تعتقد أن الدعاء وحده هو الكافي، لابد من رحمة الله ، فلا حاجة أن تدعوا في الأخيرة ، فشيء عليك، وشيء يتكفل الله جل وعلا به، وهذه معاني مندثرة ،وكل يفتح الله جل وعلا عليه ما يفتح لاستخراج ما في الحج من كنوز، ودين الله جل وعلا وكتابه اجل وأعظم من أن يحويه الله في قلب رجل واحد يبثها للناس، لكن هذا يعلم شيئا ، وذاك يعلم أشياء
وقل لمن يدعي في العلم فلسفة
حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
قال الأستاذ عبد الرحمن:(35/14)
هنا فضيلة الشيخ في المنى وفي المشاعر انتصر هؤلاء الحجاج على أنفسهم وعلى الشيطان أيضا، ولكن الشيطان بالمرصاد لبني آدم إلى أن يورده موارد الهلاك، ما هي المواطن الأخرى والأسلحة الأخرى التي يمكن للإنسان المسلم أن يتغلب بها على الشيطان، ويبعده عن طريقه؟ في دقيقتين لو أذنتم
نقول ابتدءا، أنا أحب التأصيل: الشيطان عدو{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}
العاقل لا يترك عدوه ، حتى وأنت تقرأ القرآن، يأتيك عدوك، أطبق القرآن واذهب إلى عدوك
نحن الآن أين؟
في أول منى، هنا يا شيخ عبد الرحمن بعد قليل في غار، هذا الجبل نفسه كان فيه غار، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على أصحابه، معهم عبد الله بن مسعود، يقرأ عليهم { والمرسلات عرفا}
من الذي يقرأ؟ النبي عليه الصلاة والسلام
من الذي يسمع ؟ الأصحاب
من الذي نزل بالقرآن ؟ جبريل
خرجت حية، قال صلى الله عليه وسلم، "هذه عدو لكم اقتلوها"لأنها عدو قطع صلى الله عليه سلم قراءته وأمرنا بقتلها، فلم يُدركوها دخلت.
موضوع الشاهد: الشيطان أعظم عداوة من الحية، وإن كان بين الحية والشيطان نوع من العهد، ولذلك بن عباس كان إذا رأى الحية يقول: اقتلوا ذمة إبليس، اقتلوها.
لأنهم يقولون : إن إبليس قال للحية أدخليني الجنة ، وأنا أُؤدي في ذمتينقول بعد هذا كله : إذا تبين لنا أن الشيطان عدو ،وأول الطرائق للتخلص منه
{ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
" وقل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون"
ثم مخالفة المرء لهواه الذي يوسوس فيه الشيطان ، وينزغه
{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله}
{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف منت الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
فأولى حقائق التأصيل أن نعرف أن الشيطان عدو يجب أن نجتنبه، فإذا عرفنا أن الشيطان عدو، سهل بعد ذلك بعد أخذ العلم، بأن يتقي الإنسان الله جل وعلا فيما يقول.(35/15)
ومن الكلام المكرر، مادل القرآن عليه، وما دل القرآن عليه لا يضر تكراره، أنه يقف خطيبا يوم القيامة يتبرأ من أصحابه
{ وقال الشيطان لما قُضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}
نعوذ بالله من الشيطان وحزبه.
معرفة أنه عدو، ثم الاستعاذة ، ثم مخالفة هواه، ونزغات الشيطان.
قال الأستاذ عبد الرحمن:
جميل جدا أشكركم يا شيخ صالح في ختام هذا اللقاء الذي سُعدت كثيرا به، ولا أشك أن المشاهدين أيضا كانوا سعيدين بالالتقاء بكم عبر شاشة المجد ، والاستماع إلى حديثكم.
شكر الله لكم
تفريغ : يا حبذا الجنة(35/16)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
لمسة وفاء
خطبة من قديم الشيخ:
صالح المغامسي.
الحمد لله يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وهو على كل شئ شهيد ، يعلم مايلج في الأرض وما يخرج منها ، وهو الولي الحميد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خيرته من خلقه وصفوته من رسله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة ، حتى تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله وملائكته والصالحون من خلقه عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم واتبع نهجهم وسلك مسلكهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن فإن تقوى الله أزين ما أظهرتم وأكرم ما ادخرتم وأفضل ما أسررتم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساؤلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)).(36/1)
ثم اعلموا عباد الله أن من سنن الله الماضيه وحكمته البالغه ومشيئته النافذه أنه جعل الدار الآخرة دار محاسبة وجزاء وجعل هذه الدار دار الحياة الدنيا جعلها دار عمل واختبار وبلاء ...جعلها تبارك وتعالى داراً يبتلي فيها عباده ويختبر فيها خلقه ألا وإن الصبر أزين ما تزين به المؤمنون فهو الذي أمر الله به خير خلقه وصفوة رسله (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) وأخبر الله تبارك وتعالى أنه يجزي علية جزاء لا منتهى له (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ولما كانت هذه الدار دار ابتلاء كان لابد للمؤمن أن يتجمل برداء الصبر وإن رداء الصبر وانتظار فرج رب الأرض والسماء لهو رداء عظيم طال ما تزين به الأنبياء واكتسى به الأصفياء والأولياء على مر الدهور وكر العصور... صح عنه صلى الله عليه وسلم كما أخرج الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قلت يارسول الله" أي الناس أشد بلاء ؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد عليه بلاءه وإن كان في دينه رقه ابتلى على حسب دينه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ومايزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة "
أيها المؤمنون:إن طرق البلاء تتباين وأنواعه تختلف من شخص إلى آخر وهي علىكل حال تظهر مدى صبر العبد ومدى يقينه بفرج رب الأرض والسماء ومدى إيمانه بقضاء الله وقدرة خيره وشره لا إله إلا الله سبحان الله وبحمده .
كم من زوجين كريمين صالحين مرت عليهم سنين عديده في الزواج وهما يطمعان في ولد تقر به الأعين وتزال به الوحشه وتملأ به الغبطه لطالما اشتروا دواء بعد داواء... ولطالما طرقوا أبواب الأطباء ...ومع ذلك لم ينالوا شيئاً ولحظا.(36/2)
أيها الزواجان الكريمان: إن انتظار فرج رب الأرباب جل جلاله والصبر على البلاء مما أمركم الله به وإن لكما في نبي الله زكريا عليه الصلاة السلام أسوة حسنه بعد أن بلغ من الكبر عتياً فلما رأى آيات الله القاهره وأعطياته المجزلة على مريم ابنة عمران طمع ذلك النبي والعبد الصالح في فرج أرحم الراحمين جل جلاله فدعا الله بقلب نقي وصوت خفي في مكان خلي( رب هب لي من لدنك ولياً يرثي ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا )توسل إلى الله بضعفه وعجزه ووخط الشيب في رأسه تبرأ من حوله وقوته ولجأ إلى حول وقوة رب العالمين جل جلاله( قال ربي إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعاك ربي شقيا) توسل إلى الله الذي أنعم عليه سابقا أن ينعم عليه لاحقا(36/3)
أيها المؤمنون: إن التوسل إلى الله بإظهار العبد لفقره وتبرئه من حوله وقوته وطوله واستناده إلى حول وقوة جبار السموات والأرض جل جلاله لهو من أعظم الوسائل عند الله جلا وعلى فإن ذلك مما يرزق الله به العباد ويفرج الله تبارك وتعالى به الشدائد واعلموا أن مايدفع الله أعظم وأن ماعند الله من خير هو وأبر وأتقى وأكرم. سبحان الله وبحمده كم من أب رزق مولود قرت به عينه حتى إذا زالت به الوحشة واطمأنت إليه النفس وتمنى عليه الأماني وازدادت فيه الرغبات فجع بموته وأخبر بفقده.أيها المؤمن: تعز بهذا البشارة العظيمه عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقد "أخرج الإمام الحاكم في مستدركه بسند صحيح من حديث قرة بن إياس بن معاويه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل ذات يوم ومعه ابن له فقال عليه الصلاةوالسلام لذلك الرجل :أتحبه فقال الرجل: يارسول الله أحبك الله كما أحبه" يبين من شدة حبه لولده ثم فقده صلى الله عليه وسلم أياماً فسأل أصحابه قال: مافعل فلان قالوا: يارسول الله مات ابنه فلما صادفه صلى الله عليه وسلم قال له: أما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنه إلا وجدته أمامك، فقال الصحابة: يارسول الله أله خاصة أم لنا كلنا فقال صلى الله عليه وسلم ـ وهو المخبر عن ربه ـ قال: بل لكم كلكم "إن في هذا أعظم العزاء لمن ابتلي بفقد الولد وإن لله جل وعلا ما أعطى ولله ماأخذ فالله الله في الصبر وانتظار فرج رب الأرض والسماء لا إله إلا الله كم من مؤمن قعيد فراشه أسير بيته قد يئس منه الأطباء أقعده المرض وأشفق عليه الأحبه إن له في قول رسول الله صلى عليه وسلم "إن الرجل لتكتب له عند الله المنزله فلا يبلغها بعمله فما يزال الله يبتليه حتى يبلغ به منتهاه وله في أيوب عيه الصلاة والسلام وما فرج الله عنه وماحكا الله عنه في كتابه أجزل القدوة وأعظم الأسوة وله في أبي بكر رضي الله تعالىعنه يوم جاء إلى النبي صلى الله عليه(36/4)
وسلم فقال يارسول الله :كيف الصلاح في الأمه وقد أنزل الله جل وعلا قوله (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) فقال صلى الله عليه وسلم :يا أبا بكر ألست تحزن ألست تمرض ألست يصيبك الأواء فذلك ماتجزون به" إن في هذا تفريج كبير لمن ابتلي بكرب أو مرض من المؤمنين على أنه ينبغي للعبد أن لايقنط من رحمة الله وأن لاييأس من عفوه وفرجه فليسأل كاشف الغم وفارج الهم مجيب دعوة المضطرين أن يرحمه فإن الله أرحم من سؤل وأكرم من أعطى لا إله إلا الله كم من مؤمن كثير العيال قليل المال رقيق الحال تحتبس الدمعة في عينه إذا رأى منظر أولاده مع أولاد الجبران لما يرى من فرق بينهما لكنه لا يملك حول ولا قوة.
أيها المؤمن:إن الله بنى هذه الدنيا على غنا وفقر ...على شدة ورخاء... على عسر ويسر...
واعلم أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأريعين عاماً ولك أيها الؤمن في قول صلى الله عليه وسلم :لما ذكر أهل الجنه قال أهل الجنه ثلاثه: وقال في آخرهم وعفيف متعفف ذو عيال .
أيها المؤمنون :إن الصبر على المكاره وانتظار فرج الله تبارك وتعالى منقبة عظيمه وخصلة حميدة واعلموا أنه لايتم إيمان عبد بقضاء الله وقدره خيره وشره حتى يتم له الإيمان بأصول أربعة أولها:
علم الله جل وعلا علم الله للمعدوم والموجود وعلم الله للممكن والمستحيل وأن الله علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً).
وثانيها :الإيمان بأن الله كتب كل شي قبل أن يخلق الخلائق .كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر وبن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنه" فما من مصيبة تقع إلا وقد كتبها الله أزلا في اللوح المحفوظ.(36/5)
وثالث ذلك:الإيمان بمشيئة الله الشامله وقدرته النافذه. أغوذ بالله من الشيطان الرجيم:(وماتشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) .
أماخاتمها :فهو الإيمان بأن الله خالق كل شيء أوجده وكونه وصيره على هيئته (الله خالق كل شيئ وهو على كل شيء وكيل ) .
وصفوة القول/ أن الصبر رداءُُُُ جميل تزينوا به في العسر واليسر تزينوا به في السراء والضراء جعلني الله وإياكم ممن إذا أنعم عليه شكر وإذا ابتلي صبر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق الخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم... أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروة إنه هو الغفور الرحيم .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم واتبع سنتهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ...
أيها المؤمنين :فإن أعظم مايمكن أن تصاب به الأمه أن تفقد خيار رجالاتها وأهل العلم والمروءة الكامله فيها ولقد فجع الأمة عامه وأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصه بفقد رجل طال ماوقف في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الله على بصيره كذلك نحسبه ولا نزكي على الله أحدا فجعت أمة المسلمين بوفاة شيخنا الشيخ: عبد العزيز بن صالح رحمة الله تعالى عليه.(36/6)
وإن في الموت لعبرة لمن يعتبر ذلك أن ذلك الشيخ طال ماوقف في المحراب يصلي على أموت المسلمين ويدعو لهم بالمعفره والرحمه وقبل أيام معدودة يقدمه الناس فيصلون عليه ويدعون لهم بالمغفرة و الرحمه إنها سنة الله الماضية في الخلق فسبحان الحي الذي لا يموت سبحان من يفنا خلقه ويبقى وجه ،رحل ذلك الشيخ بعد أن ترك مآثر خالده وترك معالم بينه بعد أن دوب في محراب رسول الله عليه وسلم أكثر من أربعين عاماً يتلوا كتاب الله جل وعلا.
بلد الرسول قباؤه وعقيقه
قبر أبر على عظامك حاني
بلد الرسول قباؤه وعقيقه
قبر أبر على عظامك حاني
يبكيك فيه شيوخه ورجاله
عند الصلاة وحين كل أذان
يبكيك فيه منائر وأهلة
والمنبر الشرقي ذو الأركان
أنا لست أبكي فيك شخصا غائبا
بل أبكي فيك معاقل الإيمان
أبكي الإمامة والخاطبة والتقى
أبكي القضاء ونبرة القرآن
في ذمة الله الكريم وحفظه
وظللا خلد وارف وآمان
آلا وصلوا وسلموا على أعظم من أصبتم بفقده على نبي الهدى ورسول الرحمه فقد أمركم الله بذلك في كتابهك" إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"(36/7)
اللهم صلي وسلم على صفيك من خلقك وخليك من عبادك اللهم وارض عن أصحاب نبيك أجمعين بلا استثناء وخص اللهم منهم الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي اللهم وأرضى عن هذا الجمع المبارك معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم اللهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم وخص شيخنا بمزيد من الرحمة يا حي ياقيوم اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين،وابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك،فيؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر...
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
والحمد لله أولاًوأخيراً
أخواتكم
ALOKHBTAT(36/8)
** من نبأ المرسلين **
بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد ،خلق آدم بيده وأسجد له ملائكته ،وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.وأشهد أن لا اله الا الله وحد لا شريك له ،أفاض على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وأودع الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه وأشهد أن محمد عبده ورسوله نبي ما ترك خيرا الا دل أمته عليه ،ولا شر الا حذر أمته منه،ولا طائر يقلب جناحيه في السماء الا وأتاه منه علما ،بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ،حتى فاقاها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ،خير من صلى وصام وأفطر اللهم صلي وسلم وبارك وأنعم عليه ملا حضر وأمطر ،اللهم وعلى آله وأصحابه أئمة الدين ومصابيح الهدى ،ومنارات الدجى اللهم وعلى من تبعهم بإحسان وعلى طريقهم اقتفى الى يوم الدين..أما بعدأيها الأخوة المؤمنون ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.من مدينة رسول الله صلى الله عليه;وسلم ..من المدينة التي أرادها الله أن تكون مأوى ومثوى لخير خلقه وصفوة رسله..من الدمينة التي وصف الله أهلا بقوله :(والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم)..من المدينة التي شهد النبي صلى الله عليه وسلم منبرها وقال:((هذه طابة هذه طابة))من مدينة خير الخلائق ..من مدينة من أوضح الله به الطرائققدمنا اليكم أيها المؤمنون في مجينة جدة ،نقول هذا غير ممتنين به عليكم ولا على أحد ،بل لله العظيم;الحليم وحده المنة والفضل ولكننانقول من باب التشرف من مدينة التي قدمنا منها ،ومن باب الفرح بالوجوه الطيبة التي قدمنا اليها وأي ساعة أجمل من لقاء أحبة وتدارس صحيح الكتاب وصحيح السنة(37/1)
.أيها المؤمنون..في هذه الليلة الطيبة المباركة وتحت العنوان الذي أعلن تكون هذه المحاضرة بعنوان ((من نبأ المرسلين ))وإنه من باب التأصيل العلمي وحتى نكون جميعا على بينة مما يقول فإن الحديث يكون على جزءين الأول في ذكر بعض الحقائق العلمية عن رسل الله صلوات اللله وسلامه عليهم أجمعين .والأمر الثاني :في ما يمكن أن نستسقيه ونستفيده وندرسه من دروس وعبر،من سيرة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بلا استثناءأما الجزء الأول :فإن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم وأهبطه الى الأرض بعد الذي كان منه ،وزاد عليه ربه وهاد كان الناس ملة واحدة يعبدون الله وحده ولا يشركون به ثم استلتهم الشياطين وانحرفت بهم عن طريق الحق وتفرقوا أمما وشيعا وأضحوا على عبادة الأوثان وحاربة دين الرحمن ،فكانت حكمة الله بالغة ورحمته;بالعبدا ،أن أرسل الرسل ،قال الله جل وعلا :(كان الناس امة واحدة فبعث الله النبين مبشرين ومنذرين )كانوا على أمة واحدة أي على ملة واحدة ..فكان أول رسل الله نوح عليه الصلاة والسلام وقد اختلف أهل العلم في التفريق بين النبي والرسول فذهب جمع منهم الى أن النبي أوحي اليه بوحي لم يؤمر بتبليغه والرسول أوحي اليه بوحي أو أمرٍٍ وأمر بتبليغه وهذا وان قاله جمع من العلماء رحمة الله تعالى عليهم سلفا وخلفا الا أنه قد يكون بعيدا من الصواب ولعل الصواب أن يقال:ان النبي من اوحي اليه بأمر على شريعة من قبله ليقرر شريعة من قبله وأما الرسول فمن أوحي أوحي اليه بوحي جديد على غير شريعة من قبلع وان الانبياء والمرسلون مجتمعون على صدق الدعوة وهي الدعوة الى توحيد الله جل وعلا (وما أرسلنا قبلك من رسول الى أوحي اليه أنه لا اله الا انا فاعبدون)والله جل وعلا اقتضت حكمتة أن يكون رسله بشرا يقتضي امورا عدة :يقتضي أن يعتريهم ما يعتري البشر فهم يصحون ويسقمون ويأكلون ويشربون قال الله جل وعلا عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام (أفرأيت ما(37/2)
تعبدون أنتم واباؤكم الاقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين الذي هو يطعني ويسقين; واذا مرضت فهو يشفين)وقال الله جل وعلا عن عيسى بن مريم (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)ومقتضى بشريتهم ان يقتضي انهم يعملون ويشتغلون فيما جرت عادة البشر أن يعملوا فيه ..فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباء (نوع من التمر)فقال لنا صلى الله عليه وسلم عليكم بالاسود منه ،عليكم بالاسود منه فانه أطيبه ،فقلنا :يارسول الله كأنك كنت ترعى الغنم ،فقال صلى الله عليه وسلم وهل من نبي الا وقد رعاها >فجميع انبياء الله ورسله;رعوا الاغنام مما يقتضي ويدلل على انهم كانوا بشر وكلنا يعلم أن كليم الله موسى عليه السلام عمل أجيرا عند العبد الصالح -،على عفة فرجه ،واشباع بطنه;عشر سنين ،ثمانية اتفاقا وعشر وفاء (قال اني أريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين على ان تاجرني ثماني حجج فان اتممت عشرا فمن عنك وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين)فهذا مقتضى بشريته ومع كونهم بشر الا ان الله تبارك وتعالى ميز هؤلاء البشر أي الرسل ميزهم بامور تختلف عن غيرهم وسواهم من البشر اي لا يمكن ان تكون في بشر سواهم وان كان لابد من القول انه وان ميزهم الله بامور سياتي ذكرها الا ان هذا التمييز لا يخرجهم عن كونهم بشر ولا يعطيهم من صفات الالوهية ولا الرببية بشء فهم كما اخبر الله جل وعلا (قل انما انا بشر مثلكم).>فمما ميز الله به تعالى انبياءه ورسله وحيه تبارك وتعالى اليه..>فوحي الله جل وعى الى انبياءه ورسله هو الفرق بين جهد الانبياء والمرسلين وبين جهد المصلحين من غير المرسلين فان رسل الله لا يعتري قولهم خطأولا كذب ولا افتراء (ان هو الا وحي يوحى)(37/3)
أم جهد المصلحين والاخيار على متن الدهور فانه لا يمكن ان يسلم من الخطألأنهم وان كانوا مأجورين على ما فعلوه وعلى ماجتهدوا الا أنه وارد أن يكون باجتهادهم شيء من الخطأ أما أنبياء الله ورسله فهم معصومين بالتبليغ عن الله تبارك وتعالى فوحي الله جل وعلا اليهم له صفات ثلاث :قال الله جل وعلا :وماكان لبشر أن يكلم الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا; فيوحي باذنه ما يشاء )>>فاما قوله جل وعلا (الا وحيا)اي ينفث في روع ذلك النبيما لايشك في انه من عند الله جل وعلا كما روى ابن حبان في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم (ان روح القدس نفض في روعي ان نفسا لن تموت حتى تستكمل;رزقها وأجلها قاتقوا الله وأكثروا الطلب)أم كما قال صلى الله عليه وسلم فهذا مما نفث في روعه صلى الله عليه وسلم أن هذا وحي منعند الله جل وعلا.>>والهيئة الثانية في الوحي:أن يكلم الله جل وعلا ذلك النبي من وراء حجاب كما;اخبر الله في صريح القرآن أنه كلم نبيه موسى قال الله جل وعلا(وكلم الله موسى تكليما )وكلم الله كذلك ادم فان نبينا صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ادم انبي هو؟قال:نعم نبي مكلم ..وكلم الله جل وعلا نبينا نحند صلى الله عليه وسلم في ليلة الاسراء والمعراج ..>الهيئة الثالثة التي يكون عليها الوحي >>بواسطة الملك فالملك يأتي بالوحي من السماء فيخبره ذلك النب وغالبا ما يقوم بهذه المهمة جبرائيل عليه الصلاة ووالسلام قال الله جل وعلا:(نزل به الروح الامين على قلبك لتمون من المنذرين بلسان عربي مبين)فهذا وحي الله تبارك وتعالى الى رسله وهو الامر الاول والاعظم الذي ميز الله به الرسل عن سواهم من البشر..الأمر الثالث الذي ميز الله به رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ..أنهم يخيرون عند الموت فاذا دنا منهم ملك الموت ليقبض روحهم خيرهم بين الحياة والموت فيخترون لقاء الله ايثارا لما عند الله على ما في الحياة الدنيا ولذلك معلوم قصة موسى(37/4)
والملك لما جاءه وفقع موسى عينه لما خيره بين الحياة والموت .ونبينا صلى الله عليه وسلم وو صفوة الرسل وذروتهم عليه الصلاة والسلام معلوم أنه اكد عند موته كما روى الأئمة الثقات في كتب الأحاديث انه كان يقول :بل الرفيق الأعلى ،بل الرفيق الأعلى ،حتى روى البخاري في صحيحه في حديث عائشة رضي اللع تعالى عنها أنها قالن تحكي قصة وفاته صلى اله عليه وسلم قالت :فأخذته بحة شديدة ثم سمعته يقول :مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا)قالت أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فعلمت عندها انه كان يخير بين الحياة والموت والأثر الذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم انه في اخريات حياته لما شعر بدنو اجله بعد عودته صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع كان عليه الصلاة والسلام يكثر الذهاب الى البقيع مقبرة اهل المدينة فنام ساعة من الليل ومعه مولاه ابومويهبة فذهب الى اهل البقيع ودعا لهم واستغفر لهم وقال :ليهنأكم ما انتم فيه ان اصبح الناس فيه اضحت الفتن كقطع الليل المظلم ثم قال :يا أبا مويهبة اني خيرت;ما بين الخلد في الدنيا ثم الجنةفقال له ابومويهبة رضي الله تعالى عنه:يارسول الله بأبي أنت وامي فاختر الخلد في الدنيا ثم الجنة قال :لا يا أبا مويهبة اني اخترت لقاء ربي ثم الجنة صلوات الله وسلامه عليه فموضع الشاهد ان الانبياء يخيرون عليهم الصلاة والسلام عند موتهم ما بين الحياة والموت..(37/5)
كذلك مما خص الله به انبيائه ورسله أن الأرض لا تأكل أجسادهم اكراما من اله تبارك وتعالى لهؤلاء النبيين واولءك المرسلين فقد روى أبو داوود والنسائي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الانبياء رواه ابو داوود والنسائي وصححه الحافظ وابن خزيمة رحمة الله تبارك وتعالى على الجميعوهذا من اكرام الله لأولئك الصفوة واولئك النبيين واولئك المرسلون ..فمما يستأنس به في هذا الخبر ان الامام الحاكم روى في المستدرك ان موسى عليه الصلاة والسلام لما اراد ان بيسري بقومه من ارض مصر ضل الطريق فقال للملأ من بني اسرائيل ماهذا؟ فأخبره علماء بني اسرائيل ان يوسف عليه السلام قد اخذ عليهم العهد والميثاق انهم اذا خرجوا من ارض مصر ان يحملوا عظامه معهم وعظامه من باب اطراق الجسم وارادة الكل وقال اين قبره ؟قالوا لا يعلم قبره الا عجوز في بني اسرائيل فقال دولني عليها ؟فعتبها بين يديه وقال لها أين قبر يوسف ؟قالت:لا ادلك على قبر يوسف حتى تاتيني شرطي او حكمي؟قال:وماحكمك؟قالت ان اكون معك في الجنة .فكأن موسى استثقل هذا في اول الامر ثم قال لها :لك حكمك فدلته على محياه وأمرتهم ان يجففوها ثم حفروا فاذا هي عظام يوسف عليه السلام أي جسده كاملا فحملوه معهم قال صلى الله عليه وسلم :(فإذا الطريق مثل فلق الصبح أو مثل ضوء النهار يسترشد به).
فهذا من اكرام الله جل وعلا لأولئك النبياء والمرسلين الذين بلغوا الرسالة واظهروها..
وانبياء الله ورسله واجبنا كمؤمنين تجاههم الايمان بهم جميعا بدون استثناء فالايمان بهم جملة والايمان بهم تفصيلا مما اخبر به الله جل وعلا باسمه والكفر بواحد منهم كفر بهم جميعا قال الله جل وعلا:آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كلا ءآمن بالله وملائكته وكتبه ورسل لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)(37/6)
لأن الأنبياء والمرسلين انما يخبرون عن الله فان كذبت واحد منهم أو تشككت في قول واحد منهم فكأنما كذبت الاخرين ولذلك الله جل وعلا عدّتكذيب رسول واحد تكذيب بالرسل أجمعين قال جل وعلا (كذبت قوم نوح المرسلين)رغم انه لم يرسل اليهم الا نوح عليه من الله افضل السلام وازكى التسليم .
والانبياء المذكورون في القرىن الذين اتفقت الكلمة على انهم انبياء ورسل 25 نبيا ورسولا ذكرهم الله باسمائهم الصريحة في كتابه الكريم 18 وردوا في سورة واحدة (سورة الأنعام) والسابعة الباقون جاءت اسمائهم متفوقة في القرآن قال الله جل وعلا (وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف ومسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحى وعيسى والياس كل من الصالحين واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين)هؤلاء ثمانية عشر نبيا ورسولا جاء مصرحا بهم باسمائهم في سورة الأنعام أما السبعة الباقون فقد جاءت اسمائهم متفرقة في الكتاب المبين لذلك قال اهل العلم:
في تلك حجتنا فيهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
ادريس هود شعيبا صالح وكذا ذو الكفل آتات بالبستان قد زخموا..
صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين..
وهؤلاء الرسل منهم اربعة فقط من العرب كما في حديث ذر قال صلى الله عليه وسلم هود وشعيب وصالح ونبيك يا ابا ذر يقصد نفسه صلى الله عليه وسلم .فهولاء الأربعة من العرب اما غيرهم فمنهم من بني اسرائيل وهم اكثر ومنهم من غير ذلك من الأمم التي سبقت الأمة العربية من انبياء الله جل وعلا ورسله وهذا التأصيل العلمي الذي ذكرناها كان لابد من القول به قبل ان نخوض في قضية الاستكشاف لأنبياء الله جل وعلا ورسله ونبأهم ..(37/7)
ثم إننا نقول ان الخوض في سيرة اولئك الرسل ودراسته امر متعجب ويمكن ان يشرح له المحاضرمن عدة طرق كما فعل الحافظ بن كثير في قصص الانبياء فقد ذكر قصصهم على شكل السرد الموضوعي التاريخي كا نبي لوحده وقد يطلق الموضوع بطريقة أو اخرى لكن الذي نريد ان نبينه اننا سنطرقه من باب الاسترشاد في هذه المرحلة الزمنية في عمر الصحوة الاسلامية المباركة مما ينفع الله جل وعلا به عباده وخلقه اجمعين..
فنقول ايها المؤمنون..
ان اعظم ما يستسقى وتتضح به المعارل وتستنير به الأمور وتستوضح به الطروق من نبأ المرسلين اعظامهم واجلالهم لله تبارك وتعالى..(37/8)
ان تعظيم الله جل وعلا اجلاله تباركت اسماءه وجل ثناءه أمر تقضيه الفطر السليمة وجاءت به الشرائع القويمة وان الله تبارك وتعالى لا رب غيره ولا اله سواه ولذلك كل ما اراد الانسان بالله علما ازاداد تعظيما واجلالا فلما كان الرسل هم اعظم الناس علما بالله جل وعلا كان اولئك المرسلون هم اكثر الخلق واشد العباد اعظاما واجلالا لله تبارك وتعالى .لأنهم يعلمون في ذاته العى ويعلمون اسمائه الحسنى ويعلمون ما لله من خلقه وقوة وجبروت لا تكون لأحد غيره سبحانه وبحمده تبارك اسمه وجل ثناءه وهذا التعظيم ورد على هيئة امور عدة فمن ذلك قال الله جل وعلا:(وما قدرنا الله حق قدره )ولذلك جاء في حديث ابن مسعود ان حبرا من احبار اليهود قدم الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اننانجد في كتبنا او في علمنا ان الله جل وعلا يجعل السموات على اصبع والأرضين على اصبع والشجر على اصبع والماء والثرى على اصبع وسائر الخلق على اصبع ثم يقول :أنا الملك فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لما قاله الحبر اليهودي فأنزل الله جل وعلا قوله(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)ولقد فقه انبياء الله ورسله هذه المسأله فقها عظيما فكانوا يدعون اقوامهم ومن ارسلوا اليهم يدعونهم الى تعظيم الله جل وعلا واجلاله تارة بذكر الضد كما فعل مونح عليه الصلاة والسلام لما قال لقومه:(ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا الم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهم نورا وجعل الشمس سراجا والله انبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم اخراجا)(37/9)
كل ذلك ليلفت انتباههم الى تعظيم الله جل وعلا واجلاله وذكر ماله من عظمة وملكوت سبحانه تبارك وتعالى وبحمده ثم الأمر الثاني:يكون ان اولئك الأنبياء والمرسلون يتجردون من كل حول وطور ومن كل قوة ولا يدفعون لأنفسهم ذات مالا ولا حولا ولا قوة حتى يبينوا للباد ان الحول والطور والقوة من عند الله تبارك وتعالى وحده فهذا نوح يدفع في قومه ويقول لهم كما اخبر الله جل وعلا في القرآن (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك ولا اقول للذين تزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين)
ومن هنا تعلم ان غير المرسلين من ائمة الفرق الباطنية الضالة ومن ائمة الفرق التي تحارب اهل السنة تجد ان من صفاتهم التي يعرفون بها انهم يدفعون لأنفسهم حولا وعلمل وطولا لم يؤتهم الله جل وعلا اياه وما اتاه الله لأنبيائه المقربين ولا لرسله المبشرين ومع ذلك يزعم اولئك الأمة من اءمة الضلال انهم يزعمون انه يملتهم ظلم وبهتان على اولئك الأئمة يقول احدهم من أئمة هذا العصر في كتابه الشهير الحكومة الاسلامية يقول في صفحة 57 وان من أصول مذهبنا ان لأئمتنا منزلة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل وربما كان هذا الأمر لفطمة الزهراء تطاولوا على الأئمة كما تطاول النصارى على المسيح بن مريم فإن النصارى زعمت ان المسيح بن مريم اله هو عليه الصلاة والسلام لم يقل هذا ابدا (لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا ملائمة المقربون) فكما تطاول النصارى على المسيح تطاول اصحاب تلك الفرق على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيت النبوة ورضوان الله تعالى عليهم (وقالوا ليس لأولئك ذم فيه ولا علاقة به ولكنه من باب خداع الانس ولم شعثهم الى طرق الضلال..(37/10)
فتعظيم الله جل وعلا أنه مسترشد من انبياء الله ورسله وأأمل أيها المؤمن عندما يستفقد من هذا المولد العذب من نبأ المرسلين يجب أن نستقين الى مسألة تعظيم الله جل وعلا.
غن كثيرا من اخواننا العصاة غفر الله لهم وعفا عنا عنهم مما يدفعهم الى ارتكاب المحارم ويقصر بهم عن الطاعات انهم يجهلون قدر الله تبارك وتعالى ويغيب عنهم اطلاع الله تبارك وتعالى عليهم ويغيب عنهم مالله جل وعلا من عظمة ولذلك من افضل الطرق الى قرع قلوب هؤلاء ان يذكروا بما للح تبارك وتعالى من عظمة وجبروت ومالله تبارك وتعالى من سلطان وملكوت قال الله تبارك وتعالى ينأالى هذا ويشهد اليه (ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)وآيات القرآن المنثورة في كثير منها ما بقرع القلوب بذكر وحدانية الله جل وعلا وعظيم سلطانه وعظيم جبروته وملكوته(37/11)
الأمر الثاني الذي نستسقيه من نبأ المرسلين تعظيم اولئك الرسل لايات الله جل وعلا فكما عظموا ربهم وذاته العلية يعظمون ايضا آيات الله جل وعلا ومعلوم ان آيات الله وكلامه تبارك وتعالى منثور فيها دلائل وحدانيته وبراهين رببيته واسمائه الحسنى وصفاته العلى جل وعلا واموامره العلية ونواهيه تبارك وتعالى والئك الرسل يتعاملون مع هذه الايات في القرىن او فيما انزل عليهم من الزبور والتوارة والانجيل وصحف ابراهيم وصحف موسى يتعاملون معها بكل خشوع وبكل فرح وبكل خير وفرج من الله جل وعلا قال الله تبارك وتعالى ينعتهم ويصفهم ويثني عليهم (اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجدوا وبكيا)ويقول الله تبارك وتعالى(ويخرون الى الأذقان يبكون ويزدهم خشوعا)ويقول جل ذكره (وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا امنا فكتبنا مع الشاهدين)فما لنا لا نؤمن بالله وماجاءنا من الحق ونطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين هذا فعلهم وقولهم أما ثوابهم(فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا وذلك جزاء المحسنين) الناس اليوم يقول بعضهم لبعض ان الرجل القوي الشخصية يكون رجلا عزيز السمعة أي أن دمعته لا تقطر لأي سبب وهذا القول وان كان فيه شيء من الصحة الا انه خطأ على ادراجه فإن النبي صلى الله عليه وسلم ورسل الله من قبله هم اعظم الناس واقوى الناس شخصية واكمل الخلق بلا مرية ولا شك ومع ذلك تلك القلوب وتلك العيون لا تملك أمرها ولا تملك دمعها اذا تليت عليها آيات الله جل وعلا يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ عليه القرآن فقلت:يا رسول الله أأقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ،قال:اقرأه علي فإني أحب أن اسمعه من غيري .فأسمعه(37/12)
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يقرأ آيات من سورة النساء على مسمع رسولنا صلى الله عليه وسلم فلما وصل الى قول الله جل وعلا (فكيف اذاجئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)قال ابن مسعود:فسمعته يقول :حسبك فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله تعالى عليهم صلوا ذات يوم الفجر ورأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه النعروف بقوة شكيمته والمعروف بسلطته وأمير المؤمنين يوم ذاك ومع ذلك لم يتبين الصحابة ما يردده وما يتلوه عمر من كثرة بكائه ونحيبه رضوان الله تعالى عليه لما اخذ يقرأ آيات الله جل وعلا ويتلوها على مسمع ومرأى من المؤمنين فالبكاء من خشية الله جل وعلا مزية كانت لأنبياء الله ورسله وهي من المزايا التي ينبغي أن نسترشد بها.
أما الناس اليوم فمنهم شاعر غلب عليه الهيام والحب يفكر في حبيب طال سفره او غاب خبره حتى قال قائلهم:
رهبان المدينة الذين عهدتهم يبكون من حذر العذاب صعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا
هذا الذي هداه اليه تفكيره او شخص يبكي على صفقة خاسرة او درهم او دينار ضائع او تجد عبادا يبكون على ادنى من ذلك او اعظم منه او مشابه له ،،اما المؤمنون الذين يعرفون ما اعده الله من الثواب وما اعده الله للعاصي من العقاب والذين مر على اسماعكم قول الصادق المصدوق لما ذكر السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله قال صلى الله عليه وسلم يذكر اولئك السبعة(ورجل ذكر الله خاليا فاضت عيناه))(37/13)
أيها المؤمن :مثيب العين واحد من اثنين اما ان يقرأ الانسان وعند الله جل وعلا وعظيم سلطانه فتذرف منه الدمعة خوفا وظرفا مما سمعه أو يقرأ العبد ما ينبأ عن وعد الله جل وعلا،وما لله من صفات الجمال ونعوت الكمال فتذرف الدمعة شوقا الى الله تبارك وتعالى ومحبة وانتظارا لليوم الموعود الذي يبشر فيه المؤمنين ويجزون برؤية ربهم جل وعلا وهي السببين داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم ((ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ولذلك ينبغي للعبد ان لم يستطع البكاء ان يتباكى فقد كان الربيع بن خيثم رضي الله تعالى عنه وهو احد سلف هذه المة الصصالحة قام الليل كله يقرأ :(أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون )انما نبكي اذا غاب عنا فضل الله ورحمته انما نبكي اذا حل علينا فضل الله ورحمته نبكي في الأول حسرة ونبكي في الثاني فرحا ولذلك أحد ملوك بني العباس لما آلت ثغرة بني العباس الى الحطط والانهيار في آخر آيامها أحد خلفائهم أجبره القادة وأجبره الجنود على أن يتخلى عن الخلافو فوصل بهم المر الى اجراء القرعة لقضية يخلع او لا يخلع فالشاهد ان القرعة وقعت عليه بأن يخلع فلما أخبره القضي الموكل ياجراء القرعة قال :يا أبا عبد الله انعت اليك الخلافة اي اترك الخلافة.فقيل:أن ذلك الخليفة قال كلمة والله توزن بمثقال الذهب قال :اللهم ان كنت خلعتني من خلافتك فلا تخلعني اللهم من رحمتك وصدق الله العظيم القائل:((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)فلا تحسبن دمعتك لنظر ناظر ولا تعليق أحد ولا سخرية مستهزء لكن احتسبها عند الحي القيوم عند فاطر السموات والأرض والم ان الله جل وعلا ماعنده خير وابقى(37/14)
بقي تعقيب على التقطة الأولى وهي تعظيم الله جل وعلا حتى لا تفوت الفائدة نقول:من أهانه الله جل وعلا والذين اهانهم الله هم أهل الكفر فلا ينبفغي تعظيم اهل الكقر لأن تعظيم اهل الكفر مخالف لاجلال رب السموات والارض وكيف ترفع من قدر رجل الله جل وعلا أهانه وأخبر عنه اولئك كالانعام بل هم اضل ) ولذلك هناك من الكتّاب ولأدباء والشعراء من برزوا في هذا العصر في غير هذه البلاد لكن شهرتهم غطت الافاق كما هم معلوم من اسباب لاتخفى على احد فأصبح اولئك الكتّاب واولئك الشعراء يشار اليهم بالبنان ويعظمون رغم انهم والعياذ بالله لا يستحون يسخرون من الله جل وعلا ومن ذاته العلية يقول أحدهم كشف الله ستره واهانه الله جل وعلا:
الله في مدينة مشرد طريد الله في مدينة يبيعه اليهود(37/15)
هذا ابيات شعرية تنشر وتقال في العالم العربي او في العالم الاسلامي ومثل هؤلاء لا ينبغي للمؤمن ان يجلهم او ان يعظم لهم قدر اللهم الا ان يدرس اخبارهم وامرهم غرضا لله ودفاعا عن الحق.ودفاعا عن دين الله جل وعلا كما اننا نتمنى من اخواننا الاعبين عفا الله عنهم وغفر لنا ولهم عندما تغلبهم احيانا نشوة الفرح فيحملون المدربين على اعناقهم رغم ان جل اولئك المدربين قد يكونون من ائمة الكفر او قد يكونون كفارا اصلا وان حملهم على الأعناق تعظيما لهم وانه لا ينبغي لمؤمن ان يعظم اقواما لا يدينون يدين الحق ،الله جل وعلا اخبر ان ابراهيم تبرء من ابيه ونوحا تبرء من ابنه (وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له انه عدو الله تبرء منه ان ابراهيم لأواه حليم) وأكاد أجزم ان اخواننا اللاعبين عفا الله عنا وعنهم انما يفعلون هذا من باب الجهل دون العلم بالحكم ولو بلغهم هذا الأمر لما فعلوه ظنا حسنا بأولئك المؤمنين ايا كانت منازلهم وايا كانت مراتبهم قال صلى الله عليه وسلم يعلم أبا موسى ومعاذا (يسرا ولا تعسرا ،بشرا ولا تنفرا ،انما بعثت مبشرا ولم ابعث منفرا)صلى الله عليه وسلموعلى اخوانه النبيين ..
صلىالأمر الثالث الذي يستسقى من حياة انبياء الله ورسله تعظيمهم أو صفة ظنهم بوعد الله جل وعلا فيها سواد في حياتهم الخاصة أو في حياتهم العامة اي في شؤون المسلمين جميعا .(37/16)
أما في حياتهم الخاصة فخذ مثلا نبي الله يعقوب فإنه ابتلي اولا بفقد يوسف ثم ابتلي بفقد بنيا مين ثم ابتلي ببقاء بعض ابنائهم في ارض مصر وهو في كرب وهم وغم وحزن وبعض بنيه حوله مخبرين عنه انه شيخ هرم قد اصابه الهذيانن مع ذلك كان على ثقة بوعد الله جل وعلا في حياته الخاصة كان يقول لهم (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم)ثقة عظيمة في وعد الله تبارك وتعالى ولقد صدق الله يعقوب وعده فجمعه ببنيه وانزله المنزلة والمقام الكريم وادخله ارض مصرا معززا مكرما قال الله تبارك وتعالى (ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا )وقال فب قبلها (ادخلوا مصرا ان شاء الله آمنين)
فهذا من عظيم الثقة في وعد الله تبارك وتعالى ونبي الله موسى عليه الصلاة ولسلام لم لحقه فرعون وهامان وجنودهما واصبحوا على مقربة منهما وعاين اصحاب موسى الموت والقتل عيانا رأوا فرعون وجنوده ورأوا البحر اما ضرب الرقاب واما الغرق فقالوا كما اخبر الله (قال اصحاب موسى انا لمدركون )بقي حال النبي الكريم الواثق بوعد الله جل وعلا ونصره وعظيم الثقة بربه قال (كلا )أي لن يكون ما قلتموه لكن يكون ما ظننتموه لا يكون ماحس بتموه لما يا موسى قال (كلا ان معي ربي سيهدين )فلما كان على عظيم الثقة في نصر اللح جل وعلا جاء الأمر الرباني
والوحي الالهي قال الله جل وعلا له (اضرب بعصاك البحر)فضرب فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فنجى الله جل وعلا موسى ومن معه وأغرق فرعون وجنوده نصرا لنبيه وكلميه موسى وتحقبقا لوعد الله له واثباتا ان موسى كان على حق عظيم عندما اوثق برب الارباب ومجري السحاب وهازم الاحزاب سبحانه وبحمده .(37/17)
نوح عليه السلام تكالب عليه قومه ،آذوه فعلوا به ما فعلوا لما آيس منهم لجأالى الله جل وعلا فقال (رب اني مغلوب فانتصر )كلمة واحدة دعا فيها مجموعة في ستة احرف (فانتصر)كلمة لاغيرها فلما قالها على يقين من نصر الله قال الله جل وعلا (فدعا ربه اني مغلوب فانتصر ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر وحملناه على ذلت الواح ودسر تجري بأعيننا )لما(جزاء لمن كان كفر)أي نصره بهذا الذي كذبه قومه وازدجروه وحاربوه وحاربوا دين الله جل وعلا وآياته فأوحى الله تبارك وتعالى إلى
نبينا محمد صلى اله عليه وسلم يخبره من بعثه ابو سفيان بعد غزوة احد عند حمراء الاسد ان ابا سفيان سيعود ليكرر الكرة عليهم وليستأصل شفعتهم فلما يُلقى عليه ذلك الخبر يقول صلى الله عليه وسلم وكما اخبر الله عنه وعن اصحابه (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)ولذلك روى اليخاري في الصحيح ان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال (ان هذه الكلمة قالها ابراهيم عليه الصلاة والسلام لما اراد قومه ان يلقوه في النار قال حسبنا الله ونعم الوكيل وقالها محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله تعالى عنهم لما قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم)(37/18)
فمما يستشهد من نبأ المرسلين ثقتهم بوعد الله ونحن ان اخلصنا لله النية وصدقنا لله العمل واخذنا بشريعة الله جل وعلا لنكن على ثقة في نصر الله تبارك وتعالى وليس شرط ان يصل في زمن انا وانت فيه لكنه ياتي لامحالة بمؤمنين يرفعه الله تبارك وتعالى فالله قال وقوله حق(انا الله يدافع عن الذين ءامنوا )وقال تبارك وقوله حق (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )فالثقة بوعد الله جل وعلا ونصره يجب ان تغرس في قلبي وقلبيك ويجب ان نكون جميعا على عقيدة صافية أكيدة واثقة بنصر الله تبارك وتعالى وان تأخر النصر فلحكمة ربانية فان بعد الليل فجرا فالله جل وعلا يقول:(فإن مع العسر يسرا ان مع العسر يسر)
مما يستشهد ويستسقى من خبر المرسلين وهو امر لاينتهي انهم كانوا يحاولون ويسعون في ربط العباد بربهم جل وعلا ما بعثوا وما ارسلوا الا ليعلقوا العباد بالله تبارك وتعالى ويجعلون صلتهم بالواحد الاحد الفرد الصمد تبارك اسمه وجل ثناءه
نبينا محمد صلى اله عليه وسلم يدخل عليه ابن عمه وصاحبه وحبيبه علي بن ابي طالب ومعه زوجته زوجة علي امرأ شربت من نبينا صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت محمد رضي الله عنها وصلى الله على ابيها وقد اثر الرحى في يدها فيطلبان منه خادما من السبي يحمل الكل او شيء من الكل عن فاطمة رضي الله عنها ،ترى ماكان جوابه صلى الله عليه وسلم قال:(الا أدلكما على خير من خادم )ما هو يارسول الله علقهما بالواحد الاحد قال:(اذا اتيتما الى فراشكما واويتما الى مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين واحمدا الله ثلاثا وثلاثين وكبرا اربع وثلاثين فهو خير لكما من خادم )(37/19)
خليل الله ابراهيم كان يعوذ اسماعيل واسحاق ،وفي هذا تربية للابناء على التعلق باللع جل وعلا فما الذي يمنعني ويمنعك وانت المؤمن الغيور الذي لانشك في لحظة في انك تتبع محمد صلى الله عليه وسلم ان تمسح بيديك على راي ابنك او ابنتك او غيرهما ممن لك عليهما وتقول (اعيذكما بكلمان الله التامة من كب شيطان وهامة ومن كل عين لامة )اول اانر سيسألك ابنك يا ابت لما تقول لي هذا فتخبره بفعل المعصوم صلى الله عليه وسلم فيتعلق ذلك الابن الصغير بربه ويحب ذلك الابن الصغير نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا ريب انها وصية عظيمة في غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الابناء وفي غرس الهدي النبوي الكريم في وضوح النشأ وتربيتهم تربية اسلامية صحيحة .(37/20)
ومنه تعلقهم بالله وثقة اولئك النبيين في حالة الامر الى الله جل وعلا نبينا صلى الله عليه وسلم في هجرته كما روى اصحاب السير يدركه سراقة بن مالك حتى اذا غازطت قواما فرس سراقة في الارض وفي تلك الحالة الرهيبة والنبي صلى الله عليه وسلم خارلاج طريد من قومه ومعه دليله وتحسس الطرق الى المدينة في غمرة ذلك الامر يقول صلى الله عليه وسلم لسراقة (يا سراقة كيف انت وقد لبست سوارى كسرى )احاله الى الله جل وعلا وهذا يندرج تحت قولنا الثقة بالله جل وعلا فيتعجب سراقة انت رجل طريد شريد اين انت من كسرى وقيصر ولو تعلمون ماكن لكسرى وقيصر من السلطة ومن هيبة في قلوب الناس آنذاك لستعظمتم الأمر لكن ذهب كسرى وقيصر هان الآن الهيبة في القلوب لأن الخبر ليس كالمعاينة ونبينا صلى الله عليه وسلم نفسه لما كان عنده عدي بن حاتم يدخل عليه الأعراب رجل يشتكي قطاع الطرق ورجل يشتكي الفقر ورجل يشتكي غير ذلك وعدي يسمع ويقول صلى الهل عليه وسلم لعدي (لا يمنعن من الدين ما سمعته ثم يخبره بأن هذا الدين سيظهره الله جل وعلا ويقول له :(والله ليسمين الله دينه حتى تخرج المرأة من الحيرة حتى تأتي مكة لا تخشى الا الله جل وعلا)وليأتين الما لحتى لا يجد من يأخذه ولتملكن سوارى كسرى وقيصر فيقول :يا رسول الله كسرى بن هرمز ؟لعله شك فيقول صلى الله عليه وسلم :نعم كسرى بن هرمز أي بنفسه وبعينه فيقول عدي بن حاتم من الذين دخلوا على كسرى في ملكه ويكون عدي ممن شاهد المرأة تأتي من الحيرة الى مكة ثم يقول عدي بقيت واحدة وهي اثارة المال فوالله لتأتين .
وقد اخرج البيهقي في السنن حديث باسناد جيد ان هذا الأمر قد تم في خلافة عمر بن عبد العزيز رجمة الله تبارك وتعالى عليه .
ايها امؤمنون:
مما يستسقى ايضا من نبأ المرسلين أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .(37/21)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر الدين بل لنه بالنسبة لنا امة محمد صلى الله عليه وسلم امر قيض الله الخيرية به قال الله جل وعلا (كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) فجعل من شروط خيريتها امرها بالمعروف ونهيها عن المنكر ولذلك كان انبياء الله ورسله انما يعملون بهذا الجانب العظيم يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولما كان الا شراك بالله وعبادة الاوثانواتخاذ الانداد دون الله هي اعظم المنكرات على الاطلاق،كان انبياء الله ورسله بهذا الامر علانية (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )(والى مدين اخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره )
فكانوا ينهون الأمم وينهون أقوامهم أن يعبدوا مع الله شيئا ويصعد نبينا صلى الله ليه وسلم على جبل الصفا ويدعو قومه الأقربين والأبعدين ويقول :(قولوا لا اله الا الله) ويقول لعمه لعمه وهو على فراش الموت(يا عماه كلمة احاج لك بها عند الله قل لا اله الا الله )
لما كان في قوم لوط فاحشة اللواط انتشرت كان لوطا عليه الصلاة والسلام ينهى عن هذا المنكر ويقول لقومه علانية (أتاتون الذكران من العالمين)
لما كان شعيب رضي اللع تعالى عنه قومه قد بخسوا الكيل والميزان قال لهم شعيب ينهاهم عن ذلك (قال يا قومي اعبدوا الله مالكم من اله غيره ولا تنقصوا الميال والميزان اني اراكم بخير واني اخاف عليكم عذا يوم محيط ولكننا نقول مع هذا ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بواعث قد لا يكون هذا مجال بيانها وشرحها لكن المهم ان تكون غيور على دين الله فالحمد لله في هذه البلاد هيئة رسمية تدفع السلطان تسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وواجب هذه الهيئة علينا واجب عظيم اولا:الدعاء لهم بأن يوفقهم الله ويسدد خطاهم وان يعينهم الله جل وعلا على ما حملهم من امانة.(37/22)
الثاني :حسن الظن بهم وان قد يصيب بعضهم او خطأ في معالجتهم في بعض الآمور .
الثال:التطوع معهم ومساعدتهم فيما يأتونه بأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عونهم عالى الكتابة عونهم بتوزيع الأشرطة النافعة المصرحة بها ،عونهم في نشر ما يعين على اداء هذه المهمة الى غير ذلك من المجالات التي لا يمكن حصرها في قضية الامر بامعروف والنهي عن المنكر ولقددعانا نبينا صلى الله عليه وسلم الى هذا الأمر وبين ان مراتب ثلاث:
تغير باليد وتغيير باللسان وتغيير بالقلب مما يدل على ان الناس تتفاوت مراتبهم قدراتهم تتفاوت مراتبهم تتفاوت وجهاتهم في الناس فما املك من تغيير لاتملك انت وربما ما تملكه انت قد لا املكه انا وسأعرض انا في ناحية واجيبها ولا تجيبها انت تلك الناحية والعكس صحيح ،المهم أن يرتدي الانسان لباس لا بد منه هو لباس الحكمة وهو وضع الأمور في مواضعها الصحيحة والاسترشلد باراء اهل العلم واهل الخبرة والثاقت بلغنا الله واياكم الصواب والسداد في القول والعمل.
مما يسترشد من اخلاق النبيين واخلاق المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم ما فطرهم الله عليه من خلق قويم عظيم ،الخلق القويم مدعاة لان يحيك الناس واذا احبك الناس سهل عليك ان تصل الى قلوبهم ،سهل عليك ان تدعوهم الى الله واذا اردت ان تعرف الخلق العظيم فحسبك ان تريخ مطايا قكرك وحسبك ان تلقي عصا خبرك في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم كيف والله جل وعلا قد بعثه بقوله(وانك لعلى خلق هظيم) كيف والله جل وعلا وصفة بقوله (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بامؤميم رءوف رحيم) ورحم الله شوقي بقول :
زانتك بالخلق العظيم شمائل,,,, يبري يهن ويولع الخلفء
فاذاخطبت فللمنابر هزة,,,, تعلو الندي وللقلوب بكاء
واذا رحمت فأنت ام ارءم,,,, هذا في الدنيا هم الرحماء
واذا ملكت النفس قلت بذلها,,,, ولو ان ما ملكت يداك شاء
واذا حملت الماء لم يورد ولو,,,, ان القيا صر والملوك ظماء(37/23)
واذا ظنيت فخير زوج عشرة,,,, واذا ابتنيت فدونك الابناء
واذا وفيت رأى الوفاء مجسما,,,, في بردك الاصحاب والخلفاء
انت الذي نظم للبرية دينهم،،,, ماذا يقول وينظم الشعراء
المصلحون اصلبع جمعت يدا ,,,,هي انت بل انت اليد البيضاء
صلى عليك الله ما صحب الدجى,,,, حادي وحنت للثرى وجناء
فنبينا صلى الله عليه وسلم جعله الله ذروة الذروةوصفوة الصفوة صلى الله عليه وسلم ولذلك كانت ام المؤمنين رضي الله تعالى عنها عائشة بنت ابي بكر :ملهمة في قولا لما سئلت عن خلقه قالت:أقرأت القرآن قيل نعم قالت:كان خلقه القرآن فأتيني بخلق نهى الله جل وعلا عنه كان به صلى الله عليه وسلم بل عليه الصلاة والسلام المطهر من كل عيب ونقص بشري والله جل وعى فطره على الخلق العظيم ونحن باذنه جل وعلا اتباعه صلى الله عليه وسلم والمقتفون اثره والمتبعون هوي ونحن اولى الناس به صلى الله عليه وسلم فينبغي ان نستهدي بهديه يقول عليه الصلاة والسلام (الدين المعاملة)ويقول عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه مايحبلنفسهفان رأيت احد من اخوانك المؤمنين على معصية فلا تخاطبه وانت كالشامت به فان الذي اضله قادر على ان يضلك وان الذي هداك قادر على ان يهديه ولكن بالكلمة الطيبة بالابتسامة المقبولة بالقول السديد اللهم الا ان كان مجاهرا نصح مرات وكرات .(37/24)
فهذا قد هتك ستر الله عنه افتستر انت عليه ولكن ان رايته لأول وهلة وبخاصة اولئك الشباب الذبن في مقبل العمر الق لا بد ان تؤمن ونؤمن ان للشباب شيء من المرح شيء من الفرح لا بد من الله جل وعلا ذكر اولاد انبياء اولاد يعقوب عليه السلام قالوا ياأبانا ارسله معنا غدا يرتع ويلعب وهؤلاء اولاد نبي فكيف بولدي وولدك لكن بأسلوب حسن وبالكلمة الطيبة فربما شاهد مسلسلا او شاهد لا عبا او شاهد فنانا تأثر به لأول وهلة لكن ان جلست معه وابنت له طرق المعصوم صلى الل عليه وسلم انا لااظن ابدا ان مئمن يقول لا اله الا الله تخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيستكبر او يستنكر الا اللهم من طبع في قلبه النار فأت الناس من باب هديه صلى الله عليه وسلم من باب خلقه صلى الله عليه وسلم من باب صفته صلى الله عليه وسلم كل مسلم لا تقل له انت في النار مباشرة قل يا اخي لقد بلغنا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم عن قدوتي وقدوتك عن من بعثه الله هاديا وبشيرا ونذيرا افنى عمره في الدعوة الى الله انه كان يقول لباس المؤمن الى انصاف كعبين ان ام يستجب فتبقى في قلبه فان لم يكن بعد شهر يكن بغذن الله بعد سة أقل القيل يذهب وهو يراجع حساباته لكن ان فاجأته بالنار لأول وهلة لا يجب تحذيره انه من اهل النار كيف تريد منه انه يخاطبك ؟كيف تريد منه ان يكلمك سيكلمك بأغلظ القول سيرد عليك قولا قد لا تقبلهولا يعني ان تحفظ الاحاديث في كتب ولا تقال للناس معاذ اللع ان نقول هذا ولكن العلم العام شيء والنصيحة الفردية شيء ىخر فمن سيرته صلى الله عليه وسلم حسن معاملته لمن حوله لا يكون من حولك اشقى الناس بك من احبك لا بد ان تحبه من اكرمك لابد ان تحسن اليه اولو الفضليحتاجون الى معاملة معينة الضعفاء والفقراء من الناس تشبث بهم فإنهم اقرب الى الله من غيرهم ان كاوا مؤمنين (ولا أقول للذين تزدري اعينكم لن يوتيهم الله خير)والله تبارك وتعالى يقول لنبيه (واصبر(37/25)
نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا )
فالمقصود ان الخلق القويم كان هو خلق الانبياء والمرسلين ولما كان الحديث عن الاسترشاد بخلقهم كان حتما ولزام علينا ان نستشهد بخلق النبيين وبخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أخيرا ايها المؤمنون :
نقول في هذه المحاضرة من نبأ المرسلين كوصية عامة هناك امور تفيت وهناك أمور يمكن ادراكها فأما ما فات وليس لك به حول ولا طورفمن السفه أن أكلفك أو أن يكلفنا أحد أن تحاول ادراكه وقد فات أما مايمكن ادراكه فانه ينبغي أن نسعى جميعا لادراكه وان من الأمور التي مضت وليس بيدي ولا بيدك ولابيد غيرنا سبيل اليها أن نكون صحابة لرسولنا صلى الله عليه وسلم فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضى الى ربه وأصحابه رضوان الله عليهم أفضوا الى ربهم بعد أن نصروا دين الله وعزروه ووقروه ونصروه واتبعوا انور الذي أنزل معه فهذا الأمر ليس من المعقول أن نسعى فيه أوأن ندعو الله به فان هذا أمر قد مضى والله لايحب الاعتداء في الدعاء (انه لا يحب المعتدين) لكن الأمر الذي يمكن ادراكه شرف اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فهذا باذن الله ان أخلصت النية لله مايمنعك من اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم مما الذي يصدك عن اقتفاء أثر الأنبياء والمرسلين وقد سمعت منه وقد يهيأ الله لك رجلا خيرا مناينبأ خير مما تظن ما الذي يمنعك ويصدك انت تقتفي اثر الانبياء والمرسلين قال الله جل وعلا (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)ثم يقول هذه البشارة ولعلني مصوقا في توصيلها اليك ولكن ان كنت سبقت اليك فاجعلها من التذكير وان لم تكن سبقت اليك فاجعلها من التبشير خرج صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الى المقبرة ذلت يوم الى البقيع فقال:السلام عليكم دار قوم مؤمنين انتم السابقون ونحن اللاحقون ثم التفت الى(37/26)
اصحابه وقال وددت لو اني رايت اخواننا قالوا يارسول الله السنا اخوانك قال:لا بل انتم اصحابي ولكن اخواني قوم لم ياتوا بعد وانافرطهم على الحوض -اي سابقهم الى الحوض-قالوا يارسول الله كيق تعرف من ياتي بعدك من امتك فقال صلى الله عليه وسلم ارايت ل كان لاحدكم خيل غر محجلة في خيل دهم بهم اكان يعرف خيله قالوا:بلى يارسول الله قال :فان اخواني ياتون يوم القيامة غر محجلين من اثر الوضوء وانا فرطهم على الحوض فهذا باب رحمة مفتوح لكن اين المتبعون هذا باب رحمة نفتوح فاين المهتدون هذا سبيل الى رضزان الله جل وعلا مالذي يمنعنا من ان نسلك طريق الأخيار مالذي يمنعنا ان نسلك طريق الأبرار انها ا اخي غمضة عين وتومت ثم ان اخلصت النية فالجنة كان ابو حاقظ يمر على السوق وهو احد ائمة السلف الكبار فيقال له هلا اشتريت لحما قال:ليس معي نقود قال نصبر عليك حتى تملك النقود قال :ان كانت المسألة صبر فانا اصبر حتى ادخل الجنة .
ثقة بان الله جل وعلا اعد الجنة للمؤمنين اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ان الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين قيها لا يبغون عنها حولا)
ختاما أيها المؤمنون :
شكرا لكم حضوركم وشكرا الله لكم اصغائكم واسال الله جلت قدرتا ان ينفعنا واياكم بما علمنا وان يعلمنا ما ينفعنا..
تم تفريغ شريط ((من نبأ المرسلين)) بحمد الله وتوفيقه.
فان اصبت فهذا من فضل الله ،وان أخطأت فمن نفسي والشيطان..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين..
اختكم:
((أم أويس))(37/27)
نور التوحيد : للشيخ صالح بن عواد المغامسي
( الوجه الأول )
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا . واشهد ان لاآله الله وحده لاشريك له ..خلق فسوى وقدر فهدى واخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى ..واشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته ، ادى الآمانه وبلغ الرساله ونصح الأمه فجزاه الله بأفضل ماجزا به نبياً عن أمته ..اللهم صلي وسلم وبارك وانعم عليه وعلى آله وصحابه وعلى سائر من اقتفى اثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ...أما بعد ..(38/1)
فسبحانك اللهم ربنا وبحمدك لا آله إلا انت ماعبدناك حق عبادتك ..سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت ماعرفنا قدرك وماقدرناك حق قدرك ...سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت الحي الذي لايموت والإنس والجن يموتون ...سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت تعلم مثاقيل الجبال ومكايل البحار وأنت الله لا آله إلا انت العزيز الجبار .. سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت الخير كله بيديك والشر ليس إليك ..مصير كل أحدٍ عليك ورزق كل احدٍ عليك ..سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت رددت موسى إلى أمه وأرجعت يوسف إلى أبيه ..ونجيت إبراهيم أغثت ذا النون وجمعت ليعقوب بنيه ..سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت امرتنا فلم نأتمر ونهيتنا فلم ننزجر ولاحول ولاقوة لنا إلا بك ..سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت لا نستطيع ان نأخذ إلا مااعطيتنا ولا ان نتقي إن لم تقينا ..انت خالقنا ورازقنا وربنا ومولانا لا آله إلا انت ...سبحانك اللهم وبحمدك لاعلم لنا إلا ماعلمتنا أنك انت العليم الحكيم خلقتنا ولا قدرة لنا ورزقتنا ولاقوة لنا وهديتنا إلى الإسلام من غير ان نسألك فلا تحرمنا اللهم الجنة ونحنُ نسألك ...سبحانك اللهم وبحمدك لا آله إلا انت حنت إليك قلوبنا واشتقت إلى لقاءك أفئدتنا نسألك اللهم بعز جلالك وكمال جمالك أن تغفر لنا في الدنيا والآخرة .....(38/2)
ايها الاخوة المؤمنون ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..أمابعد .. فهذه موعظة قبل أن تكون محاضرة وتذكرة قبل أن تكون بيانا وتقرُباً إلى الله جل وعلا قبل ان يكون درسا ..جعلنا عنوانها ( نور التوحيد ) ولقد تأصل في قلوب العارفين والأئمة المهديين وعقول المنصفين من المؤمنين ..تأصل عند هؤلاء جميعا أنه لاشيئ أعظم من الحديث عن الله تبارك وتعالى وبما أن ربنا جل جلاله وعز شأنه لايعدله شي فإن الحديث عن الله تبارك وتعالى لايعدله شيئ ابدا ..( قل أي شيئ أكبر شهادةً قل الله شهيدٌ بيني وبينكم * وأوحي إلي هذا القرأن لإنذركم به ومن بلغ )...(38/3)
ايها المؤمنون الحديث عن الرب تبارك وتعالى حديث تحبه قلوب المؤمنين فبه البلغه والموعظه والذكرى ، ونور التوحيد ..كما قلنا إنما هي موعظه وبلغه إلى الرب تبارك وتعالى ..نستفتح بالذي هو خير ..قال الإمام يحيى ابن عمار .. احد المحدثين رحمة الله تعالى .. قال ..العلوم خمسة ..علم هو حياة الدين وهو علم التوحيد ..وعلم هو قوت الدين وهو العظه والذكر..وعلم هو دواء الدين وهو علم الفقه ..وعلم هو داء الدين وهو ذكر أخبار ماوقع بين السلف ..وعلم هوهلاك الدين وهو علم الكلام ....وهذا التأصيل العلمي من هذا المحدث ظاهر الصحة بلا ريب ..فإن علم الكلام يخرج الإنسان مما اراده الله جل وعلا منه ..فيشتغل بأقوال الفلاسفه وتنظير أهل المنطق ويخوض ميمنة وميسره في عالم الفكر المتأرج بعيداً عن هدي الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم ..وكفى بذلك خيبةً وخسرانا ، وأما الإشتغال بإخبار السلف الصالح وماوقع بينهم رحمة الله تعالى عليهم جميعا ..فإنه يقسي القلب ويجعل من المرء القاسي البعيد زماناً ومكاناً عن اولئك الأخيار يجعله من حيث لايدري حكماً بين أئمة المهديين وصحابةٍ مرضيين واتباعٍ لهم في الدين سابقةٌ لاتُلحق ..ومثل هذا يقسي القلب وحسب المؤمن ان يستمع إلى أقول أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال ( إني لأرجوا الله أن أكون انا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله جل وعلا فيهم ( ونزعنا مافي صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار) ) أما علم قال عنه دواء الدين وهوعلم الفقه ذلك أن الإنسان احوج مايكون إلى أن يعلم الحلال والحرام حتى يستبين له الحرام والمكروه فيجتنبه ويستبين له المباح فيخير فيه ويستبين له المسنون فيسابق إليه ويستبين له الواجب فيأتيه راضياً بقضاء الله جل وعلا وقدره مستسلماً لإمر الله تبارك وتعالى ونهيه ...ثم قال رحمة الله وعلم هو قوت الدين وهو العظة والذكر ..ذلك أن المؤمن(38/4)
مهما بلغ حاله وصلح عمله في أحوج الأمر إلى ان يذكّر ويوعظ ولذلك قال الله جل وعلا لنبيه ( وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا ) وقال العرباض ابن ساريه رضي الله عنه ..وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منه القلوب وذرفت منها العيون
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس ان موسى عليه السلام وقف خطيباً يعظ في بني إسرائيل حتى إذا رقت القلوب وذرفت العيون ...إلى نهاية الحديث ....
والمقصود انه مامن مؤمن إلا وهو محتاج إلى الوعظ والتذكير وهذا الذي سماه المحدث يحيى إبن عمار ..سماه قوت القلوب ..وقال في أول الأمر رحمة الله ..وعلم هو حياة الدين الا وهو علم التوحيد ولاريب ان التوحيد هو حياة الدين كله ..لإنه أول شيئ يدخل به المرء المله ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى أهل اليمن وقال له فليكن أول ماتدعوهم إليه شهادة أن لا آله إلى الله ،لإنه لا يقبل أن يدخل انرءٌ في الدين فيجري عليه أحكام الشرع ويطالب بإمر وينتهي عن نهي حتى يقيم التوحيد اولاً فجعل الله جل وعلا القول بالتوحيد والنطق به والإعتقاد به المدخل الأعظم لدينه تبارك وتعالى ، كما جعل كما جعل في الخاتمه ان من كان آخر كلامه الإعتقاد بالتوحيد والتلفظ به كان حقاً على الله أن يدخله الجنه ..قال صلوات الله وسلامه عليه من كان آخر كلامه في الدنيا لا آله إلا الله دخل الجنه ..وعلى النقيظ من ذلك ..جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشرك بالله جل وعلا وجعل الأنداد أعظم الكبائر وأعظم السيئات ، كما أن توحيد الله جل وعلا أعظم الحسنات بلا ريب ، قال صلى الله عليه وسلم وقد سأله عبدالله إبن مسعود يانبي الله أي الذنب أعظم ؟؟ قال أن تجعل لله نداً وقد خلقك ...(38/5)
ولقد نعى الله على أهل الإشراك من اليهود والنصارى وكفار قريش وسائر الكفرة انهم جعلوا لله ندا ، كل ذلك نعى الله جل وعلا على من صنعه أعظم النعي ،يؤكد هذا أن الله مابعث نبياً ولارسولاً إلا وجعل التوحيد اعظم مايدعوا به اممهم ولهذا كانت الخصومه قائمه مابين الأمم وبين رسلهم في قضية توحيد الله وإفراده تبارك وتعالى بالعباده ، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ ..اتدري ماحق الله على العباد ؟؟قال ..قلت ..الله ورسوله أعلم ، قال حق الله على العباد ان يعبدوه ولايشركوا به شيئا ، ويؤكد هذا أن الله مابعث نبياً ولارسولاً إلا وألزمه هذا ..قال العلماء رحمهم الله عند تفسير قول الله جل وعلا ( وسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلةً يعبدون ) قالوا يروى عن إبن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما اسري به إلى المسجد الحرام تقدم جبريل فأذن قم أقام ثم أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالنبيين إماماً ، فصلى خلفه النبيون والمرسلون سبعة صفوف ...ثلاثةٌ منهم من صفوف المرسلين واربعة من الأنبياء خلفه مباشرة ..إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وموسى وعيسى عليهم أجمعين صلوات الله جل وعلا وسلامه ..
فلما انفتن صلى الله عليه وسلم من صلاته قال لهم إن الله قد أوحى إلي أن أسألكم ..هل ارسلكم الله جل وعلا أن يعبد أحدٌ غير الله ؟؟ فقال له انبياء الله ورسله وهم شهداءعلى ماوكل الله جل وعلا إليهم قالوا ..إن الله جل وعلا أوحى إلينا أن ندعوا بدعوةٍ واحدة أن لا آله إلا الله ( وأن مايدعون من دونهِ الباطل ) فتفقت كلمة الأنبياء والمرسلين من لدن أدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، على ان دين الخلائق كلهم الذي يقبله الله جل وعلا منهم هو توحيده تبارك وتعالى وإفراده بالعبادة وحده جل وعلا دون سواه ..قال إبن القيم رحمه الله ..
هو دين رب العالمين وشرعهُ *** وهو القديم وسيدُ الأديانِ(38/6)
هو دينُ آدم والملائكِ قبلهُ *** هو دين نوحٍ صاحبِ الطوفانِ
هو دينُ إبراهيم وأبنيهِ معاً *** وبهِ نجا من لفحت النيرانِ
وبهِ فدا الله الذبيح من البلا *** لما فداهُ بأعظم القربانِ
هو دينُ يحيى مع أبيه وأمهِ *** نِعم الصبيُ وحبذا الشيخانِ
وكمال دين الله شرع محمدٍ *** صلى عليهِ مُنزل القرأنِ
فالرسل أجمعون والأنبياء معهم والصالحون والاخيار على هذا الطريق إلى أن يلقوا الله ، لإن الله جل وعلا
لايقبل من أحد صرفاً ولا عدلاً حتى يقيم توحيده تبارك وتعالى ، ولهذا كانت عناية الرسل والأنبياء والصالحين من بعدهم عند الموت أنهم يوصون من بعدهم بإن يفروا من الشرك وأن يلتزموا توحيد الله بالعباده وإفراده جل وعلا بالعباده دون سواه لعلم أولئك الأخيار والمتقين الأبرار أنه لاينفع عند الله جل وعلا عمل مالم يقيم العبد قول ومعنى ولفظ وعقيده توحيد الرب تبارك وتعالى ، قال سبحانه ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهً واحداً ونحنُ له مسلمون ) اللهم آمنا بمثل ماآمنوا به ...(38/7)
وماأكد اولئك الأبرار والمتقون الأخيار على هذا الأمر إلا لعلمهم ويقينهم وماعلمهم الله أياه أن أعظم الأمر وأجل السيئات وأكبرها الذي لايغفره الله جل وعلا أن يجعل أحداً من المخلوقين ، مخلوقاً غير الله تبارك وتعالى نداً ، ولهذا اثنى الله جل وعلى على ذاته العليه في كتابه وعرف خلقه تبارك وتعالى بإسماءه وصفاته حتى يعبدوه على بينةٍ من الأمر أخبرهم جل وعلا بكمال قدرته وعظيم صنعته ، وجلال مشيئته وبلغت حكمته حتى لايبقى عذر لمعتذر ولاحجه لمحتج ..في أن الله جل وعلا لم يبين لهم كثيراً من اسماءه وصفاته وإنما بينها الله حتى تقوم الحجه على العباد وينقطع عذر أهل الأعذار ويعلم كل أحدٍ ان الله جل وعلا لارب غيره ولا آله سواه يقول سبحانه منعياً على من اتخذ مع الله جل وعلا نداً ( قل ءأنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له اندادً * ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في أربعة ايام سواءً لسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أأتيا طوعاً أو كرها قالتا اتينا طائعين * فقاضهن سبع سماوات في يومياً وأوحى في كل سماءٍ أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا* ذلك تقدير العزيز العليم )
لا يقدر على هذا إلى الله وهذا من أعظم الأدله والبراهين على كمال صنعته وعظيم وحدانيته وجلال الوهيته لارب غيره ولا آله سواه ولذلك كان التوحيد نور يقذفه الله جل وعلا ويلقيه في قلوب من يشاء ..يقول الله جل وعلا ( الله نور السماوات والأرض مثل نورهِ كمشكاةٍ فيها مصباح * المصباح في زجاجة الزجاجه كأنها كوكبٌ دري يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لاشرقيه ولاغربيه يكاد زيتها يضيئ ولم يمسسه نار نورٌ على نور يهدي الله لنورهِ من يشاء ) نسأل الله جل وعلا أن يهدينا وأياكم لنوره ..(38/8)
ايها المؤمنون هذا هو التوحيد على وجه الإجمال ، إفراد الله تبارك وتعالى بالعباده وحده دون سواه وقد بينا انه اول ماطالبت به الرسل اممهم وأعظم ماختم به المتقون وصاياهم ..أن من كان آخر كلامه من الدنيا لا آله إلا الله دخل الجنه وبه يدخل المرء إلى دين الرب تبارك وتعالى وهو الخصومه التي قامت بين الرسل واممهم على رسل الله أفضل الصلاة والسلام ..
على انه ينبغي أن يعلم أن لهذا التوحيد لوازم ولهذا التوحيد نور يقذفه الله في القلوب ومن أعظم لوازم توحيد الرب تبارك وتعالى محبته جل وعلا محبتاً لا يقارن بها محبة غيره كائناً من كان ..قال الله جل وعلا ( ومن الناس من يتخذ من دون الله انداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله )
فبين جل وعلا أن صفاة عباده المتقين وأولياءه المؤمنين عظيم المحبة لربهم تبارك وتعالى ، وليس العجيب أن يحب العبد ربه ولكن المؤمل والفوز والسعادة أن يحب الرب عبده وأن عبداً أحبه الله لن تمسه النار أبدا ..قال الله جل وعلا في كتابه العظيم ( وقالت اليهود والنصارى نحنُ أبناء الله وأحباءه ) قال الله جل وعلا جواباً عليهم ( قل فلما يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق ) قال العلماء في تفسيرها لو كان أحباء الله لماعذبهم ، وقد جاء في الأثر الصحيح ( أن الله لايقلي حبيبه في النار ) وهذا لايقع من افراد الناس وآحاد العوام أنهم يعذبون من يحبون فكيف يقع من رب العالمين الرحمن الرحيم جل شأنه وعز ثناءه ..
والمقصود أن محبة الرب تبارك وتعالى تكون اولاً بمحبة العبد لربه جل وعلا ومحبة العبد لربه المنزله التي شمر إليها العاملون وتنافس فيها اولياء الله المتقون وتسابق فيها على مر الدهور وكر العصور الصارحون السابقون ، فمحبته جل وعلا تنال بإداء الفرائض على أكمل وجه ثم بإتيان النوافل ..وفي الحديث القدسي الصحيح(38/9)
( ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ) وهذه الأربع كلهن كناية عن كمال التوفيق من رب العالمين جل جلاله وإذا احب الله عبداً وفقه في الدنيا والآخرة ..رزقه الشهادة عند الموت ورزقه التوفيق وحسن الأختيار في طرائقه إلى الله جل وعلا ..الهمه الله الصبر على المحذور وبين الله جل وعلا له الحرام فيتقيه والواجب فيأتيه والسنن فيسابق إليها . أضاء الله جل وعلا له طريقه وانار الله جل وعلا له مسلكه وساقه الله جل وعلا إلأيه سوقاً جميلاً ، ومحبة الله قال العلماء أنما تنال بإن يحرص الإنسان على أتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أقواله وافعاله واخلاقه ( قل إن كنتم تحبون الله فتبعوني يحببكم الله ) فمن أكبر الدلائل وأجل القرائن على أن العبد يحب الله حرصه على إتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم إينما كانت وحيثما نزلت ، يتلبس بها في المنشط والمكره والعسر واليسر ، يسابق في ذلك قرناءه وخلانه ، ومن يراهم من الناس رجاء ماعند الله جل وعلا من الخير لإنه لايعدل الفوز بمحبة الرب تبارك وتعالى شيئ والعبد إذا احب الله جل وعلا كان مهيئاً إلى ان يحبه الرب تبارك وتعالى ، وهذا اعظم لوازم توحيد الله ، فإذا وقر في الإنسان محبة الله جل وعلا وفق ودل ذلك على أنه معظم لله موحد بربه سبحانه وتعالى ، وهذه منزله كلٍ يدعيها وكلنا يطلبها ولكن الحياة ميدان عمل ومركب شامل يتسابق فيه الأخيار ..فتسابقوا أيها المؤمنون والمؤمنات كل مايقربكم من الرب تبارك وتعالى ..ءاتو الفرائض بلا تون ، وتسابقوا في النوافل عل الله جل وعلا أن يحبكم فأن محبة الله جل وعلا منزلة وأي منزلة وهي أعظم مايطلبه الطالبون وأجل مايسعى إليه المؤملون ،لإنها من أعظم نورٍ يقذفه الله الله جل وعلا في قلوب الموحدين من عباده ..(38/10)
ايها المؤمنون ، من لوازم التوحيد أن تعلم أن بالتوحيد ينجوا العبد في الدنيا والآخرة ، فلا منجي أعظم من التوحيد ..توحيد الله جل وعلا في القلوب ..وحسن الظن به تبارك وتعالى وصدق التوكل عليه مع حسن الإعتماد عليه جل وعلا في كل أمر هو من أعظم المنجيات ، الرب تبارك وتعالى له اولياء واعداء واولياءه واعداءه كلهم يقر أن الله جل وعلا هو المفزع عند حلول الكرب ..قال الله جل وعلا ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) وأنما التفرقه بين اولياء الله واعداءه عند عدم حلول الكرب فإن الله سلك الله بنا وبكم سبيلهم يحبون ربهم في كل آن وحين ويلجئون إليه في السراء والضراء يحمدونه على السراء ويلجئون إليه في الضراء ، أما أعداء الله فهم على أقسام عده لكن لايقال عدد إلا لمن كفر بالله اصلا ولم يدخل الدين ولم يؤمن بالله لارب غيره ولا آله سواه ..فهؤلاء رغم صنيعهم هذا إذا وقعوا في الكرب وحلت بهم النازلة وداهمهم الخطب لجئوا إلى الله جل وعلا ..قال الله جل وعلا يصور حالهم
( وإذا مس الإنسان ضرٌ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍ مسه ) أما أولياء الله المتقون فهم يفزعون إلى ربهم جل وعلا في كل آنٍ وحين ..التوحيد مستقر في قلوبهم في البر والبحر في العسر واليسر في المنشط والمكره في السراء والضراء وهم في المساجد وخارجها مابين أهلهم وعند قرائنهم في كل مكان يحلونه وكل زمان يمر عليهم والتوحيد باقٍ في قلوبهم ..يعلمون أنه لا ملجئ من الله جل وعلا إلا إليه ..حققه يونس لفظاً وحالاً ومقالا(38/11)
( فنادى في الظلمات أن لا آله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فستجاب الله دعاءه واحسن الله عاقبته وكشف الله كربته وآمن له قومه ..وقدمه الله جل وعلا أعظم تقديم وذكره في الكتاب الكريم إلي يوم الدين ..قدم توحيد الرب جل وعلا وهو يستغيث بربه صلوات الله وسلامه عليه وهذه سنن الاخيار وطرائق الأبرار
كما أن التوحيد منجي في الدنيا منجي في الآخرة ..يقول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح وغيره ( أن سيخلص رجل من أمتي على رؤوس الخلائق يُنشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ، فيقول الرب جل وعلا له ياهذا أظلمك كتبتي الحافظون ؟؟فيقول لا يارب ..يقول الله أتنكر مماتراى شيئا ..يقول لا يارب ..يقول الله جل وعلا إن لك عندنا بطاقة ..فيقول يارب وماتغني هذه البطاقة أمام هذه السجلات ..فيقول الحي الذي لا آله إلا هو في البطاقة أشهد أن لا آله إلا الله وأن محمد رسول الله ..فيقول الرجل يارب وما تغني هذه البطاقة أمام هذه السجلات ..قال صلوات الله وسلامه عليه مخبراً وهو لاينطق عن الهوا فتوضع السجلات في كفه وتوضع البطاقة في كفه فطاشت السجلات ورجحت البطاقة ولا يثقل مع أسم الله شيئ ))
قال العلماء رحمهم الله في شرح هذا الحديث هذا دليل عظيم على أن هذا الرجل إن كان فردا حقق التوحيد في قلبه أعظم تحقيق وآمن حقاً أنه لا آله إلا الله وأنه لا ملجئ من الرب تبارك وتعالى إلا إليه وهذه منازل في القلوب يتفاوت الناس فيها ...(38/12)
ألم يقل صلى الله عليه وسلم ( أن رجل ممن كان قبلكم أوصى بنيه انني إذا مت فحرقوني ثم ذروا ماحرقتموني أيه في الفلات والهواء ..ففعل بنوه مثل الذي اوصى ,,فجمع الله جل وعلا ماتفرق منه ثم أقامه بين يديه فقال له ربه جل وعلا وهو أعلم ياعبدي ماحملك على ماصنعت ,,قال يارب مخافتك وخشيتك فغفر الله جل وعلا له مع أن العمل الذي صنعه باطل بتفاق المسلمين ..لكن صلحت نيته وعظمة خشيته من الرب تبارك وتعالى فحقق بنيته مالم يحققه بعمله والله جل وعلا يقول(38/13)
( يوم تبلى السرائر ) وتوحيد الله جل وعلا مكمنه القلوب تطوى عليه الأفئدة وتكنه الصدور ويوم القيامة يتبين من بكى ممن تباكى ..الم يقل الله جل وعلا ( يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلة فقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) يدعى قوم إلى السجود كما أمر الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيقبل الناس على ثلاثة طوائف ..قوم يرفظون بالبته وهذا والعياذ بالله صنيع أهل الكفر ..وقوم يقبلون تصنع ورياء ..وقوم يقبلون تقرباً إلى الله جل وعلا ..فإذا كان يوم القيامة وكشف الرب جل وعلا عن ساقه خر أهل الموقف سجدا ..على ثلاثة طوائف أما أهل الكفر فلا يسجدون اصلا ..وأما أهل الإيمان جعلنا الله وأياكم منهم فيسجدون ويمكنون من السجود وهذا من دلالة قبول الله لسجودهم في الدنيا ..وآخرون اعاذنا الله وأياكم يهمون أن يسجدوا فيجعل الله جل وعلا أظهرهم طبقاً واحدا فلا يتمكنون من السجود فهؤلاء المنافقون الذين كانوا يسجود لغير الله في الدنيا ..نعوذ بالله من الخذلان والحرمان ..ايها المؤمنون كما أن التوحيد من أعظم المنجيات في الدنيا والأخرة فإنه توحيد الله جل وعلا من أعظم مايحقق به المرء مقصوده في الدنيا والآخرة ..وعقلاً إذا كانت الجنة تنال بالتوحيد فمن باب أولى أن ينال مافي الدنيا من أماني وغايات بتوحيد الرب تبارك وتعالى ,,إذا كانت الجنة تنال بتوحيد الله فإنما أماني الدنيا أهون وأقل شأن من نعيم الجنة فدل ذلك عقلاً ونقلاً على أن كل غايات الدنيا تنال إذا أذن الله جل وعلا بتوحيد الرب تبارك وتعالى ..وللعلماء في قول الله جل وعلا على لسان نبيه يوسف
( قال اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ) للعلماء أوجه عده في تفسير الآية منها ..أن يوسف عليه الصلاة والسلام أستعجل الخروج والفرج فقال للغالم الذي غلب على ظنه أنه سينجو أذكرني عند ربك أي عند الملك ....(38/14)
][®][^][®][ نور التوحيد ][®][^][®][
فأنساه الشيطان ذكر ربه أي فعل يوسف خلاف الأولى واتخذ سبباً وان كان مشروعاً الا انه لا ينبغي له وهو نبي ان يصنع ذلك قال الله جل وعلا ( فلبث في السجن بضع سنين ) وهذا كما قلت أحد أوجه التفسير وبعض العلماء يرده لكننا نستأنس به هنا ولا نجزم به والغاية من ذلك ان تعلم ان كل مطلوب أنما يتحقق مع الأخذ بالأسباب بصدق التوكل على الله الواحد الغلاب .. اذا كان المؤمن يعلم يقيناً إنما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه وان الله جل وعلا يقول ( ان الله يدافع عن الذين امنوا ) وان الله جل وعلا انطق الصبي في مهده حتى يبين براءة جرير رحمه اله كما في الحديث الصحيح ..
المقصود من هذا كله ان الإنسان اذا حسن ظنه بالله جل وعلا وعظم يقينه بالرب تبارك وتعالى يسر الله جل وعلا له الأسباب التي تحقق له المطلوب ولم يكله الله جل وعلا الى نفسه ( أي الى نفس الرجل ) ولا الى غيره ... واذا أراد الله بعد رحمه نجاه الله جل وعلا له أسباب التمكين الم يقل الله عن ذي القرنين ( ويسألونك عن ذي القرنين قل ساتلوا عليكم منه ذكرا * انا مكنا له في الأرض ) فالفاعل يعود الى الرب جل جلاله ولولا تمكين الله تعالى له لما ستطاع ان يخط في الأرض خطوه واحده ( انا مكنا له في الأرض واتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا ) فهيأ الله جل وعلا له الأسباب ثم هداه الرب تبارك وتعالى لان يأخذ بالأسباب حتى بلغ أقصى الشرق و أقصى الغرب عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام ..(39/1)
والمقصود جملة أن توحيد الله جل وعلا به تتحقق الغايات ويحسن المأمول وهذا الذي ينبغي على المرء تحقيقه في قلبه قبل أن يحققه بجوارحه وفي ملأ الناس .. والعبد بابتلاء ويختبر كما أختبر كعب بن مالك رضي الله عنه و أرضاه لما كان ما كان من أمره في غزوة جيش العسرة لما مُنع بقدرة الله من الذهاب مع الجيش فلما كانت الأيام التي أجل النبي صلى الله عليه وسلم كلامه معه وأرجاء أمره إلى الله جاءه رسول من ملك الروم وهذا كله ابتلا و اختبار يقول فيه ملك الروم : أنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك فألحق بنا نصلك , فقدم التوكل على الله على مغريات الدنيا ونجح في الابتلاء وأخذ الخطاب وألقاه في التنور فحترق فما هي إلا أيام معدودات و ليالي متتابعات وإذا بمنادي يناديه يا كعب بن مالك أبشر قد فرج الله جل وعلا عنك .. وهذا كله من تحقيق التوحيد والاعتماد على رب العالمين جل جلاله والله جل وعلا يبتلى ويختبر حتى لا يصل إلى غاياته ولا إلى مراده الشرعي إلا من ابتلاء الله وامتحنه وخلص منه كما يخلص الذهب من كير الحديد ...
أيها المؤمنون ..
آلا وإن من كمال التوحيد أن تعلموا أن الله جل وعلا الأسماء الحسنى والصفات العلى قال سبحانه : (( ولله الأسماء الحسنى فدعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسماءه )) ويتحرر من هذا أمران
...
أولهما : أن من أعظم الدلالة على تحقيق التوحيد دعاء الرب تبارك وتعالى في كل آن وحين دعاء مسألة ودعاء عبادة دعاء بالحال ودعاء بالمقال ..(39/2)
وقف نبيكم صلى الله عليه وسلم وليس بينه و بين فراق الدنيا إلا بضعة أشهر وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الأجل قريب وأن الرحيل قد حان لأن الله أنزل عليه (( اليوم أكملت لكم دينكم )) وقف وليس بينه وبين الموت إلا قرابة سبعين يوماً أو أكثر وقف صلى الله عليه وسلم على ناقته القصواء يدعو الله يوم عرفة .. قال من رآه يدعو صلوات الله وسلامة عليه رافع يديه كاستطعام المسكين ... صلوات الله وسلامة عليه يدعو الله بلسانه ويدعو الله بحاله صلى الله عليه وسلم فحقق التوحيد وهو الدعاء هنا عبادة ومسألة مقالاً وجالا صلى الله عليه وسلم ولا غرو في ذلك ولا عجب فهو صلى الله عليه وسلم أمام الموحدين وسيد المتقين عليه من ربه أفضل صلاة وأتم تسليم فتحقيق هذا الأمر على كل آن وحين إظهارك لله فقرك ومسكنتك وحاجتك إصرارك مع الاستغفار مداومتك على السؤال كل ذلك من أسباب قربك من الله جل وعلا .. ومن قرائن توحيدك لربك سبحانه وتعالى عقدك لأناملك بالتسبيح تذكر الله وتهليله ثم بين الفينة والفينة تقطع ذكرك بسؤال الرب من خيري الدنيا والآخرة تقول كما قال الله نعت الأخيار (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) تتذكر ذنباً سابقاً فتذرف عيناك يجل قلبك تزدرف إلى الله بأن يستر عليك في الدنيا والآخرة تذكر قريباً لك قد مات ولت أيامه وخلا زمانه فتسأل الله جل وعلا له يعلمك أن الله جل وعلا يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد .. وكم انتفع مقبورٌ من دعاء حي على وجه الأرض لا ما يصنع كثير من الناس اليوم في بعض البلدان بأنه يذهب إلى أهل القبور وهو لا يجد نفعاً أو ضرا وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ... والمقصود من ذلك إذا تحقيق عند العبد أن الله جل وعلا هو القادر فإنه سيكثر من الدعاء والإلحاح على رب العالمين .. وكلما ضعف يقين العبد بأن الله هو القادر قل دعاؤه وقلت مسألته و التجاؤه إلى الله(39/3)
وسؤاله ربه تبارك وتعالى وهذه كلها قرائن تبين للعبد أين هو من مقام توحيد رب العالمين جل جلاله .. هذا الذي يتحرر أولاً من مسألة الأسماء والصفات : أما الذي يتحرر آخر فعلم يا أخي أن وجهة الله جل وعلا أعظم الوجوه وأكرمها وأن اسمه تبارك وتعالى أعظم الأسماء وأحسنها ... إن صفاته جل وعلا أعظم الصفات وأجلها (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وله جل وعلا صفات جلال وصفات جمال فمن صفات جلاله جل وعلا وكماله أنه الحي الذي لا يموت .. أذل الله بالموت كل مخلوق أهان به الكياسرة والقياصدة والملوك و الأمراء و الأغنياء والفقراء وأهل المسكنة ... الأنبياء والمرسلين الأبرار والفجار .. المؤمنين والكفار .. (( كل شيء هالك إلا وجهه )) (( كل من عليها فإن ويبقى وجهه ربك ذو الجلال و الإكرام )) .. فهو جل وعلا الملك الواحد المدبر المتصرف يقول صلى الله عليه وسلم في دعاءه { أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والأنس و الجن يموتون } ومن علم أن الله أذل عبادة بالقهر علم أن العزة الكاملة للرب تبارك وتعالى بل ما من صفة كمال إلا والله جل وعلا له هذه الصفة وما من صفة نقص إلا والله جل وعلا منزه عنها كل التنزه فهو جل وعلا تقدس لم يلد ولم يولد وتنزه لم يتخذ صاحبه ولا ولد ولما قالت النصارى في ربها جل جلاله أن المسيح ابن الله وقالت اليهود أن عزيز ابن الله وقال القرشيون عن الملائكة بنات الله بين الله جل وعلا أن هذا من أعظم & وأجل الكفر وأنه أمر ترتج له الجبال وترجف له الأرض ..(39/4)
قال الله (( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئاً إدا )) ... هذا الأمر & (( تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا )) وثم قال جل وعلا يربي قلوب عباده يصفي أفئدة أولياءه يبين لخلقه جميعاً كمال غناه … (( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا )) يتخذ الولد من يحتاج إلى المعين من يحتاج إلى النصير من يحتاج إلى من يسليه من يحتاج إلى يعضده ولذلك نعمة الولد عنصر كمال في المخلوق لكن الله جل وعلا غني عن كل هذا ولهذا قال سبحانه (( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا )) لماذا ياربنا (( إن كل من في السموات والأرض )) وكل من ألفاظ العموم الملائكة والأنبياء والمرسلين الجن – الأنس غيرهم ممن نعلم ومما لا نعلم (( إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) لا يأتون وفق مشيئتهم بل الله خلقهم وهو الذي يعلم عددهم وهو الذي جبلهم على أن يأتوا بين يديه(( إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ))(39/5)
ومثل هذه الآيات من وعيد القرآن وقوارعه يرجف لها قلب المؤمن تجعله على بينه من ربه يخشى لقاء الله تبارك وتعالى بمثل هذا توعظ قلوب المؤمنين وإن من أعظم أخطاءنا في صحوتنا المباركة أن يلجأ الناس إلى الأناشيد أو المسارح أو التمثيليات يريدون أن يغيروا بها أفئدة الناس لا يغير القلب إلا كلام الرب تبارك وتعالى ثم كلام رسوله صلى الله عليه وسلم قد يرخص بعض العلماء باتخاذها في مواطن وسائل ترفيه مباحة قد يقول هذا بعض الفضلاء من العلماء لكن ينبغي على المؤمن أن يجعل من قلبه لا يتأثر بشيء أعظم من كلام الله و من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ألم يقل الله (( فبأي حديثاً بعده الله وآياته يؤمنون )) ألم يقل الله جل وعلا (( آلا بذكر الله تطمئن القلوب )) فالمؤمن ذو القلب الحي يطمئن قلبه إذا ذكر الرب تبارك وتعالى جعلنا الله وإياكم ممن تطمئن قلوبهم بذكره سبحانه .. كما أن من صفات جلاله جل وعلا أنه تبارك وتعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ... يدبر الأمور .. يصرف الدهور ويحكم ما يشاء ولا ينازعه أحد كائن من كان في سلطانه .. في السماء عرشه وفي كل مكان رحمته وعلمه وسلطانه فهو جل وعلا يقول من ذاته العلية (( كل يوم هو في شأن )) قال أهل الفضل من العلماء يغفر ذنباً .. يفرج كرباً .. يستر عيباً يغني فقيراً .. يجبر كسيراً .. يقيم دولة يهلك أخرى .. يحي عبداً يميت آخر .. يحكم ما يشاء و يفعل ما يريد وهذا كله من التوحيد الدال على كمال قدرته تبارك وتعالى ..
فرجت بلقيس من أرض اليمن إلى أرض فلسطين خوفاً على ملكها فمنحها الله جل وعلا الهداية فهذا لا يقدر عليه إلا الله تبارك وتعالى وهو يقول (( والله يحول بين المرء وقلبه )) وهذا كله من كمال صفات الجلال له سبحانه وتعالى ...(39/6)
أما صفات الجمال فإن من أعظمها صفة الرحمة قال الله جل وعلا يخاطب نبيه في قرآنه الذي يتلى (( فنبأ عبادي أني أنا الغفور الرحيم )) قال بعض السلف هذه أرجى آية في كتاب الله جل وعلا (( فنبأ عبادي أني أنا الغفور الرحيم )) فمن صفات جماله جل جلاله أنه أرحم من سؤل و أكرم من أعطى قال صلى الله عليه وسلم { إن الله كتب كتاباً فهو عنده تحت العرش أن رحمتي غلبت غضبي وأن رحمتي تسبق غضبي } والمؤمن إذا علم أن الله أرحم الراحمين علم بداهة أنه لا يهلك على الله إلا هالك فلا يستقر عياذاً بالله في النار إلا من شقيت طينته وساءت سريرته وخبث معدنه ولم يرد ما عند الله جل وعلا من الفضل وإن كان أظهره للناس عياذاً بالله على أن العاقل المؤمن المرجو الذي يرجو رحمة الله يتخذ الأسباب التي تجعله قريب من رحمة الله يقول سبحانه (( إن رحمة الله قريب من المحسنين )) فتوحيد الله هو ذروة الإحسان وهو أعظم أسباب نزول الرحمة على العبد ثم رحمة من حولنا من الناس رحمتك لزوجتك رحمتك لأولادك رحمتك لجيرانك رحمتك لمن تحت يديك في العمل في منزلك أو من تحت يديك رحمتك لصغير عندما يسألك وللجار عندما يطلبك ولعامة للمؤمنين عندما يكون لهم حوائج عندك ... تصنعها وأنت تحتسب هذا الصنيع عند أرحم الراحمين جل جلالة .. هذا من أعظم الدلائل أن التوحيد مستقر في قلبك لأنك إذا وحدت الله علمت له نعوت الجمال .. وإذا علمت ان الله نعوت الجمال علمت أن من أعظم نعوت جماله جل وعلا .. صفة الرحمة .. وإذا علمت أن من صفات جماله صفة الرحمة .. سعيت إلى أن يرحمك الله جل وعلا أن يغيثك يقول صلى الله عليه وسلم { أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء } وقال صلوات لله وسلامه عليه {الراحمون يرحمهم الله} ويقول عليه الصلاة السلام(ألا أخبركم وأنبائكم بأهل النار جعضري جواض مستكبر ) لأنه لا توحيد كامل في قلبه ..يعنف هذا ويقسو على هذا ..ويرد زوجته ولا يبيت إلا وقد أغضب أهله(39/7)
وأبنائه وعق أمة وأباه أو صنع ما صنع بممن حوله ..ثم يسأل لله جل وعلا الرحمة ..ولله جل وعلا أبتلاه وأختبره ما علمه إياه فلم ينجح في الا ابتلاء ..
وأعظم ما يقربك إلى الله في صفة الرحمة رحمتك بوالديك لأن الله جل و علا لم يجعل لأحد من الخلق كلهم حق عليك أعظم من حق والديك فحقهما عظيم مسطور في الكتاب ومسطور في السنة وهما سبيلان عظيمان بأن تنزل عليك رحمة الرب تبارك وتعالى ..
كما ينبغي أن يعلن أن من أسباب رحمة لله جل وعلا كثرة الاستغفار يقول جل وعلا على لسان نبيه صالح ( لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ) فكثرة الاستغفار من أعظم أسباب أن تنزل على العبد رحمة الله جل وعلا ..من صفات جماله جل وعلا صفة اللطف وأنه جل وعلا لطيف بعباده وقد قال العلماء إن قدر الله لا ينفك عن لطفه أو أن لطف لله لا ينفك عن قدرة ..فما من قدر ينزل على العبد إلا وفيه لطف لله علمه العبد أو لم يعلمه ..فعلى قدر تقبل العبد ورضاه بقدر لله يكون بعد ذلك توالي نعم لله بلطفه على عبده فهذا نبي لله يوسف أخرج من كنف أبيه المحب ورمي في غيابت الجب ..هذا المقدور صحبه لطف لله أن الله جل وعلا أخرجه من غيابت الجب وأسكنه ردهات القصور ثم ابتلى وأدخل السجن هذا المقدور رزقه لله معه لطف آخر أن كان سبب أن يلتحق بالغلامين فيروا الرؤيا ثم يكون تعبيره سبب لخروجه من السجن وسبب في حوزته على كرسي الوزارة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما حكى لله عنه ( عن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم )(39/8)
فمن صفات جماله جل وعلا لطفه تبارك وتعالى بخلقه علم هذا من علمه وجهل هذا من جهله ..من صفات جماله جل وعلا نصرته جل وعلا لأوليائه والنصرة غير اللطف وإنما يأتي بعدها ..وإنما نصر لله بجماله وجلاله كثير من خلقه ممن حققوا التوحيد على أكمل وجه وهذا باب مستفيض كنصرته نبيه صلى الله عليه وسلم في الغار وغيره ونصرته جل جلاله لكليمه موسى ونصرته ليوشع بن نون وغير ذلك من أولياء لله الذين نصرهم لله جل وعلا في أكثر المواطن ...
خاتمة المطاف أيها المؤمنون أن نقول إن التوحيد من أعظم العطايا ..ومع ذلك له وفيه ما يخدشه ومن أعظم ما يخدشه او قد يذهبه الرياء عافانا الله وإياكم منه وهو الشرك الأصغر الذي يدب في هذه ألامه كدبيب النمل والنبي صلى الله عليه وسلم ارشد أمته ان تستغفر لله جل وعلا وقد اثر عن ابن عمر رضي الله عنه انه كان يقول بين الصفاء والمروى ( ربي اغفر وارحم وألطف وتكرم وتجاوز عما تعلم انك تعلم ما لا نعلم انك أنت الأعز الأكرم ) فيدخل في قوله رضي الله عنه وعن ابيه انك تعلم ما لا نعلم قضيه ما يصنعه الإنسان رياء أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله وهذا لا شك ان المؤمن محتاج في كل ان وحين الى ان يجدد نيته ويقول ( اللهم إني أعوذ بك ان أشرك بك وأنا اعلم وأستغفرك لما تعلم )
والأمر الثاني مما يخدش فيه قال بعض العلماء رحمهم الله كلمة في هذا الباب جامعه مانعه قالوا ( ان من أعظم أوديه الباطل الغلو في الأفاضل ) فيأتي الإنسان الى عبد يرى عليه إمارات الصلاح من العلماء او الدعاة او الناصحين او العباد او ما أشبه ذلك او من الأنبياء المرسلين كل بدرجاته او من آل البيت فيغلو فيه غلواً يخرج القائل والغالي من دين الله جل وعلا او على الأقل يخدش في دينه يخدش في توحيده ويقلل من كمال عبوديته للرب تبارك وتعالى ..(39/9)
وما رايته من احد فيه خير فلا تمدحه وهو يسمعك فالله جل وعلا ان كان فيمن تراه في هذا خيراً فثق ان الله لن يضيعه وان كان الذي تراه ليس فيه خير فثق انه لن يخفي على الله فلا تشغل نفسك به ولا تغلو في أي أحدا تراه إما لجمال صوت او لمظهر بكاء او بلاغه لسان او ما أشبه ذلك .. أحب بقدر وابغض بقدر فالأمور مطوية والموعد الله والانصراف الى الجنة أوالى النار..
والمقصود ان من أعظم أوديه الباطل الغلو في الأفاضل وانتم تعلمون ان بعض من طوائف المسلمين ما ضلت وهلكت وبعضهم خرج من الدين بغلوهم في أحاد المؤمنين غلوهم في الأفاضل حتى بلغوا بهم منازل لم يعطها لله جل وعلا احد من الخلق ثم نافسوا في أئمتهم فالله من السلطان والكمال والجلال وهذا كله بدا به درجه درجه حتى انتهى بهم الأمر الى ما وصلوا إليه أعاذنا الله وإياكم من الغلو في الدين والمقصود ان المؤمن لا يعظم الا ربه وينظر الى الخلق نظره إنصاف يقول هذا لا اعلم ما اعلم الا خيراً .. نسال الله لفلان القبول لا يثني عليه أمام ملأ من الناس لا يبالغ في السلام عليه ولا في تعظيمه خاصة في المساجد لأنها إنما بنيت وشرعت وأسست ليعظم الله جل وعلا وحده دون سواه ..
هذان أمران مهمان فيما يخدش توحيد العبد لربه تبارك وتعالى ..
مما يخدش التوحيد الجهل بالرب تبارك وتعالى فيريد الإنسان ان يحسن فيسي من حيث أراد الإحسان .. فجهله بالعلم الشرعي يجعله يتلفظ ألفاظ ويقول أقوال يحسب انها صحيحه وهي بعيده عما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لامته ولهذا فالعلم الشرعي تجلو به الشبهات كما ان اليقين والإيمان بالله تزاح به الشبهات ..(39/10)
بلغنا الله وإياكم من الخير كله عاجله واجله ووقانا الله وإياكم شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وجعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول ويتبع أحسنه وقد قلت في مقدمه كلامي انها هي موعظة اقرب منها الى ان تكون محاضره وبلغه اقرب منها ان تكون درساً ولعل الله ان يتقبل منا ومنكم ويستر علينا وعليكم في الدنيا والاخره .. سبحان رب العزة عما يصفون وسلا م على المرسلين والحمد لله رب العالمين .(39/11)
في مقدمة هذا اللقاء نتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي على مجيئه وتكبده مع كثرة أشغاله وارتباطاته فأسأل الله عز وجل أن لا يحرمه الأجر والثواب فليتفضل شيخنا مشكوراً مأجوراً ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيهِ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ وعلى سائر من اقتفى أثرهُ واتبع منهجهُ بإحسانٍ إلى يوم الدين ..
فحياكم الله في هذا الدرس العلمي الذي عنوانهُ {{ وقفاتٌ علمية مع سورة الزخرُف }}
والطريقةُ سيقرأ أخونا الشيخ عبد المجيد ثم نُعلّق مع كل وقفه وأُعيد وأُكرر أن الدرس وقفات علمية قد يتخللهُ بعضُ الأسئلةٍ لطُلاب العلم الحاضرين لأن المُخاطب بهِ أولاً وأخيراً هم طُلاب العلم .
نعم تفضل شيخ عبد المجيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسُولهِ نبينا مُحمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
أما بعد
فهذهِ وقفاتٌ علميةٌ مع بعض آياتٍ في سورة الزخرف المقصُود منها الإثراءُ العلمي من هذهِ الآيات المُباركات .
الوقفة الأولى :
وتُعنى بالتعريف بالسورة الكريمة وسبب تسميتها بسورة الزخرف
الحمدُ لله
سورة الزُخرف سورةٌ مكية وهي من سياق سبع سورٍ مُتتابعات تُسمّى هذهِ السور المُتتابعات بسور آل حم كما تُسمّى بديباج القرآن تبدأُ بغافر وتنتهي بالأحقاف كُلهُن مبدوءة بقول الله جل وعلا ( حم )
سبع سور مُتتابعات تُسمى ديباج القرآن لأنها لم تتضمّن أحكاما كُلهُن مكية صُدرت جميعاً بـ ( حم ) بعضُ أهل الفضل يقول الحُواميم والأفضلُ أن يُقال سورُ آل حم ..(40/1)
وسببُ تسميتها بسورة الزخرف لورود كلمة الزخرف فيها وكلمة الزخرف إضافةً إلى ورُودها في هذهِ السورة لبيان حقارة الدُنيا وردت كلمة الزخرف في القرآن قبل سورة الزخرف ثلاث مرات في ثلاث مواضع :.
قال الله جل وعلا في الأنعام : ( يُوحي بعضهُم إلى بعضٍ زُخرف القول غُرورا ) .
وقال تباركت أسمائهُ وجل ثنائهُ في يونس : ( حتى إذا أخذت الأرض زُخرفها وازيّنت ).
وقال تبارك وتعالى في الإسراء : ( أو يكون لك بيتٌ من زُخرف فترقى في السماء ولن نُؤمن لرُقيك حتى تُنزل علينا كتاباً).
وورد كلمة زخرف في الإسراء وفي يونس وفي الأنعام ووردت في هذهِ السورة المباركة وبها سُميّت سورة الزخرف .
الزخرف في اللغة: كمال الزينة مع الحُسن ، وإذا قيل شيءٌ مُزخرف أي شيءٌ مُزين .
أُعيد
ما هي السُور التي تُسمّى ديباج القرآن ؟
سكت القوم
آل حم تبدأ بغافر وتنتهي بالأحقاف وسُميت بآل حم لأن كُلهُنّ تبدأ بـ (حم ) وخلُوها من الأحكام يدلُ على أنها سورٌ مكية ، خلُوها من الأحكام يدلُ على أنها سورٌ مكية .
نعم
الوقفة الثانية :.
مع قول الله تعالى ( إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون )
وسيفُصّل الشيخ حفظهُ الله حول معنى الفعل جعل في القرآن .
تسمعون بالمعتزلة وهي فرقة تقول ــ تُنسب للإسلام ــ تقوم على بنود خمسة مُعتقدات خمسه عندهم :
نقول تعرفون المعتزلة وأنا هنا أتكلم درس علمي لا ينفع يا بُني أن تقول المعتزلة ضُلاّل المعتزلة بعيدون ، نعم المعتزلة ضُلاّل بعيدون متفقُون لكن لن تستطيع أن تُدافع عن رأيٍ حتى تتصف بصفتين :
1/ تقتنعُ بهِ . 2/ وتفهمهُ .
فلا بُد أن تفهم ما تُدافع عنه ولابُد أن تكون مُقتنعاً بهِ ، فليس كُل شيءٍ فهمتهُ اقتنعت بهِ تفهم الصورة جيداً لكنك لا تقتنع بهم ، تفهم المثال لكنّهُ غير مُقنع .(40/2)
فحتى تكون مُقتنعاً في دفاعك عن أهل السُنة سلك الله بنا وبكم سبيلهُم والرد على المعتزلة لا بُد من أمرين اقتناعُك بمذهبك في طريقة أهل السُنة مع فهمك لأقوالهم وفهمك لأقوال مُعارضيهم حتى تتمكّن .
المعتزلة فرقة لها أمور تقوم على خمس أشياء في الأكثر :
على التوحيد يُسمُنونهُ التوحيد .
والعدل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والمنزلة بين المنزلتين .
من ضمن ما قالتهُ المعتزلة أن القرآن مخلوق وهذا من أعظم خلافهم مع أهل السُنة زعموا أن القرآن مخلوق لهم أدلة منها :
أن الله قال ( إنّا جعلناهُ قرآناً عربيا ) الآية التي بين أيدينا في الزخرف ( حم * والكتاب المُبين * إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً )
ماذا قالوا ؟
قالوا انتُم تُكابرون الله يقول ( وجعل الظُلمات والنُور )
ما معنى (وجعل الظُلمات والنُور ) ؟
خلق الظُلمات والنور. والله جل وعلا يقول ( خلق منها زوجها ) ويقول في آية أُخرى ( وجعل منها زوجها )
ما معنى ( وجعل منها زوجها ) ؟
خلق منها زوجها .
فيقولون في مخاطبتهم لنا علام الكبر الله يقول (إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً) وجعل بمعنى خلق فلماذا تُناكفون وتقولون إنّ القرآن غير مخلوق ، هذا الإشكال ؟
ما العلم ؟
حل الإشكالات هذا .
قبل أن نتكلم عن الفعل جعل نأتي بنظائر حتى لا تُصبح المسألة مسألة عاطفة ، في أفعال وكلمات في اللُغة لا يظهر معناها إلا من سياق الجملة لا يظهر معناها إلا من سياق الجملة ، بمعنى أنها في كل سياقٍ لها معنى في كل سياقٍ لها معنى ولن أقول أمثلهُ فصيحة أنتُم عرب .
الآن أنت واقف وزميلُك يستعجل بك هيا نذهب الموعد فات قلت لهُ أنظرني ،
ما معنى أنظرني ؟ ــ أجيبوا ــ
أمهلني جاء ذكرُها في القرآن ( أنظرُونا نقتبس من نوركم ) ما معنى ( أنظرُونا نقتبس من نوركم ) ؟
أمهلُونا أنتظرُوا علينا حتى نصل إليكم ناخذ منكم نور .
وأضح طيب .(40/3)
الآن تطرح قضية على زميلك يأتيك رجل وأنت عندك ابنه فتاة فيقول لك أُريد أن أخطُب ابنتك منك فقُلت لهُ سأنظُر في الأمر ما معنى سأنظُر في الأمر ؟
أُفكّر فيهِ نظرتُ في الأمر أتفكرُ فيهِ إذاً نظر الأولى غير نظرَ الثانية واضح .
مع أن الفعل واحد وهو ماذا وهو نظر لكن نظرتُ في الأمر عندما تعدت بحرف جر غير نظر من غير تعدٍ لازم هذيك أصبحت بمعنى أمهلني وهنا أصبحت أتفكر وأتدبّر .
قال الله جل وعلا ( أولم ينظُرُوا في ملكوت السماوات والأرض ) يعني يتدبرُوا .
نأخُذ مثال ثاني :
تقول لرجُل إلى ما تنظُر فقال لك أنظُر إلى تلك الكتابة المُعلّقة حلقات كذا وكذا طبعاً أنا ما أشوف المهُم أن مكتوب حلقة الظاهر ما فهمت ما يقول صالح نظرتُ إلى النظر بعين الباصرة الحقيقة بعين الباصرة تقول نظرتُ إليك أي أبصرتُك والفعل هو نفسهُ الفعل ماذا ؟ نظر . واضح الآن طيب .
الله جل وعلا يقول ( لتذكرُوا نعمة ربكم إذا استويتُم عليهِ ) ما معنى استويتُم عليهِ ؟
ركبتُم علوتم .
ويقول وهو أصدقُ القائلين في القرآن ( ولمّا بلغ أشدهُ واستوى ) هل في عاقل يقول ولمّا بلغ أشدهُ وركب ، ما معنى استوى ؟
كمُل نضُج .
ويقول جل وعلا : ( ثم استوى إلى السماء فسوّاهُن سبع سماوات ) هنا ليست بمعنى علا وليست بمعنى كمُل بمعنى انصرف إلى وقصد ، والفعلُ واحد استوى لكن من استعمالهِ عرفنا أن لهُ عدة معاني واضح هاذي .
قلت جنّب العاطفة تماماً
الآن نعود فننظُر لاستخدامهِ في القرآن حتى نحكُم عليهِ فنقول إذا تأملنا الفعل جعل في القرآن وجدنا لهُ أحوالاً تقريباً ثلاثة :
// حالٌ بمعنى خلق وهذا إذا تعدى إلى مفعولٍ بهِ واحد إذا تعدى الفعل جعل إلى مفعولٍ بهِ واحد يُصبح بمعنى خلق قال ربُنا ( وجعل منها زوجها ) أين المفعول ؟ زوج .(40/4)
وقال جلّ وعلا ( وجعل الظُلمات والنور ) أين المفعول ؟ الظُلمات لا يأتي أحد يقول النور النور معطوفه مفعول بهِ واحد فإذا جاء الفعل جعل مُتعدياً إلى مفعول بهِ واحد يُصبح بمعنى خلق .
// وقد يتعدى إلى أكثر من مفعول فإذا تعدى إلى أكثر من مفعول لا يلزم أن يُصبح بمعنى جعل يُصبح بمعنىً يدُل عليهِ السياق قال الله جل وعلا ( وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا ) من الذين جعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا ؟
المشركون زعموا أن الملائكة إناثاً ثم قالوا أنهُم بناتُ الله تعالى الله عمّا يقول الظالمون علواً كبيرا
الآن هل أحد يفهم أن معنى (وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا) أنهُ معناها أن القرشيون خلقوا الملائكة ــ أجيبوا ــ في أحد يفهم كذا مُستحيل ولا القرشيون أرادوا هذا لكن معنى جعلوا هنا سمّوا ما معنى جعلوا ؟ سمّوا .
أين الدليل ؟ الدليل القرآن يُفسّرُ بعضهُ بعضاً قال الله تعالى ( وإنّ الذين لا يُؤمنون بالآخرة ليسمّون الملائكة تسمية الأُنثى ) وهو قولهم ( وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا ) واضح .
الله جل وعلا يقول على لسان أهل الإشراك في ردهم على نبينا صلى الله عليه وسلم لمّا جاء بالتوحيد قالوا كما قال الله في ص ( أجعل الآلهة إلهاً واحدا ) هل أحد فهم أن معنى قول قُريش كما حكى الله في كتابهِ ( أجعل الآلهة إلهاً واحدا ) أن قُريش تقول إنّ مُحمداً صلى الله عليهِ وسلم خلق الآلهة وخلق ربهُ هذا لا يقول بهِ أحد جعل هُنا ليست بمعنى خلق وإنّما بمعنى صيّر وأتخذ .
نعود الآن نُطبق على الآية التي بين أيدينا
( إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً )
عربياً صفة أخرجها لأنها من التابع والتابع يأخُذ حُكم المتبوع لا علاقة لنا بهِ ( إنّا جعلناهُ قرآناً) كم مفعول ؟ ما في علم إلا بلُغة اثنين الهاء وقُرآناً ( إنّا جعلناهُ قرآناً ) أي صيرناهُ قرآناً عربياً واضح .(40/5)
فهُنا ليست بمعنى خلق إنما صيّر وكونهُ مُصيّر لا يعني أنهُ مخلوق هذا بحسب حالهِ من قبل ، فنرجع إلى بقية القرآن ماذا قال عن القرآن ؟
قال ( إنّا أنزلناهُ في ليلة القدر ) وقال ( تنزيلٌ من الرحمن الرحيم ) وقال ( وإنّهُ لتنزيلُ رب العالمين )
ففهمنا أن القرآن منزلٌ غيرُ مخلوق .
واضح فبهذا يُرد على قول المُعتزلة أن جعل بمعنى خلق واضح الآن .
قُلنا تتعدى إلى كم ؟؟؟ إذا تعدت إلى مفعول واحد بمعنى خلق ،، وإذا تعدت إلى مفعولين ننظر إلى السياق فأحياناً تكون بمعنى سمّى وأحياناً تكون بمعنى صيّر واتخذَ ثم يكون ذالك المُصير والمُتخذ بحسب حالهِ من قبل .
ومُحكم القرآن يُثبت أن القرآن مُنزلٌ غيرُ مخلوق ومن أدله أُخرى إحنا سنرُد على المعتزلة و إلا فالأدلة أكثر :
أن الله جل وعلا من صفاتهِ أنهُ يتكلم بما شاء متى شاء إذا شاء والكلامُ صفةٌ من صفاتهِ والكلامُ في الذات كالكلام في الصفات ، والكلام في الصفات كالكلام في الذات ، فكما أن للهِ ذاتاً ليست كذات غيرهِ فلهُ جل وعلا صفات تليقُ بجلالهِ وعظمتهِ ليست كصفات غيرهِ وهو جل وعلا يتكلمُ بما شاء فالكلامُ صفةٌ من صفاتهِ والقرآن من كلامهِ بنصّ كلامهِ قال جل وعلا ( فأجرهُ حتى يسمع كلام الله ) الله يقول (حتى يسمع كلام الله ) فثمّ القرآن كلامهُ ولا محيد عن كلام ربنا والعرب تقول أو أهل الأصول يقولون :
والاجتهادُ في محل النصِ
كتارك العينِ ــ لماذا ؟ قُلتها مراراً في الدرس هذا
والاجتهادُ في محل النصِ
كتارك العينِ لأجل القصِ
ترى أيُها المباركون العلم فهم وأنتُم بإذن الله أفهم مني بس فقط أنا عارف ماذا أريد أن أقول وأنتم تعرفون لا تدرون الدرس عن ماذا .(40/6)
ليس الفرق يعني أنتُم أي شخص لو جاء يتكلم مكاني في شيءٌ يعرفهُ سأقف أنا كما تقفون أنتُم فلا تعجل في العلم يعني لا يُصيبك شيء من اليأس والا بس العلم يحتاج إلى صبر مهما قبل أن أنتقل للوقفة الثانية أنا أعطي فائدة في قضية الصبر :
السيل من النُقط ــ قبل أن أشرح والاجتهادُ في محل النصِ ــ بس يحتاج إلى حتى تجمّعهُ
تعرفون أبا حنيفة رحمةُ الله تعالى عليه إمام عظيم كان أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة بعد ذالك يتيم أُمهُ كانت تقول لأبنها الذي هو يعقوب أبو يوسف كنيتهُ يأبى يوسف مُكنىً وهو صغير لأنهُ يتيم تأتيه عند حائك خياط تبيه يتعلم هذا يعطيه دانق دانق ما يُذكر في ذاك الزمان ريال هلل ريال قروش الآن دانق في اليوم بس أهم شيء يجيب أكل لقمه في ذالك اليوم وراضية أبو حنيفة كأنهُ جلس عندهُ مرة مرتين توسم فيهِ الزكاة صار ياخذُهُ من الحائك يضعهُ في الحلقة صار خصام بين أم الولد بين أم أبي يوسف وبين أبو حنيفة فجاءت أمام الناس أنت ما ضيع ولدي إلا أنت و .. سبتهُ قال أبو حنيفة من مثل أبو حنيفة في الفراسة قال اذهبي عني يا رعناء أن ابنكِ يأكُل ــ ذحين شوف فقير يتيم ضعيف ما عنُ دانق جالس في حلقة الشمس فلقتهُ ــ قال إن ابنكِ يأخذُ الفالوذج بدهن الفستق ،، الفالوذج نوع من الحلوى في ذالك الزمن ما يوجد إلا عند الأثرياء أما الفالوذج بدهن الفستق ما يوجد إلا في بيت الخليفة مرتين ثلاث أربعة في السنة ما يوجد ما حد شاف .
الآن تقرأ في كتب حقت الطبخ تشوف في القنوات في تلك الأزمنة بالسماع قالت والله إنك شيخٌ خرب لأنها هي تنظُر إلى أمامها لأنهُ ولد ضعيف جالس ما يتيم ويقول لها رجل كامل قواه العقلية إن ابنك يأكل الفالوذج بدهن الفستق .
مات أبو حنيفة ، ماتت الأم صار أبو يوسف قاضي القُضاة هو يحكي ماذا يقول ؟(40/7)
يقول والله جلستُ مع الرشيد أمير المؤمنين على مائدتهِ فجيْ بطعامً لا أعرفهُ فقربهُ الرشيد مني وقال يا أبا يوسف كُل قُلت ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا لا يُصنعُ عندنا إلا قليلاً كُل منه هذا فالوذج بدهن الفستق ، قال فضحكت فتعجب الخليفة قال ما يُضحكُك ؟ قال خيراً يا أمير المؤمنين ، قال أخبرني وأخبرهُ بالقصة قال أنا كُنت يتيم وحصل كذا وكذا وقال أبو حنيفة أني أنا جالس أكل فالوذج بدهن الفستق فقال الرشيد رحمة الله تعالى عليه هارون قال لقد كان أبو حنيفة يرى بعيني عقلهِ ما لا يراهُ غيرهُ بعيني رأسهِ .
فكُل مجدٍ تُريدهُ لا بُد فيهِ مع التقوى إلى الصبر والله أعلم .
نعم .
الوقفةُ الثالثة :.
مع قول الله تعالى ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم )
وستُعنى هذهِ الوقفة بالمعنى اللغوي لكلمة أُم مع بيان الآية إجمالا .
الله يقول وإنهُ عائد الضمير على من ؟
على القرآن ( في أمُ الكتاب لدينا لعليٌ حكيم )
في يا أُخي أم الكتاب اللوح المحفوظ ، ما أُم الكتاب ؟ اللوح المحفوظ .
وفيهِ أقدار بيد الملائكة مكتوبة بيد الملائكة وبعضُ أهل العلم يقول إنّ ما في أم الكتاب لا يقبل التبديل وهذا حق الذي في أم الكتاب في اللوح المحفوظ لا يقبل التبديل
أمّا المكتوب بيد الملائكة فرُبما أصابهُ بعضُ التبديل وهذا نقول لهُ شواهد قال الله تعالى ( يمحو الله ما يشاءُ ويُثبت وعندهُ أم الكتاب ) ( يمحو الله ما يشاءُ) فيما بين يدي الملائكة (ويُثبت وعندهُ أم الكتاب) أي اللوح المحفوظ .
ما معنى قول الله : ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم ) ؟
نبدأ باللغويات :
الأُم في اللُغة إزاء الأب ، ما الأُم في اللُغة ؟ إزاء الأب ويُطلقُ في حقيقتهِ على الوالدة التي ولدت ثم أنتقل إلى إطلاقها على أكثر من ذالك :(40/8)
تُطلق على الوالدة القريبة وهي أُمك مُباشرةً ،، وعلى الأُم البعيدة وهي مثل الجدات ولهذا يُقال عن حواء أنها أُمنا لأنها ولدتنا أجمعين وإن كانت ولادة غير مُباشرة بعضُ اللغويين كالخليل ابنُ أحمد يقول إن الأُم كُل شيءٍ ضُمّ إليهِ ما حولهُ فهو أم .
أُعيد
كُل شيءٍ ضُمّ إليهِ ما حولهُ فهو أم هذا من الناحية اللغوية .
أمّا كلمة أم في القرآن فوردت على معانٍ عدة نذكرُ بعضاً منها :
1/ وردت بمعنى الأُم التي ولدت ومنهُ قول الله تعالى ( فرجعناك إلى أُمّك كي تقرّ عينُها ولا تحزن ) ولا ريب أن أُم موسى هي التي ولدته هذهِ واحدة .
2/ ورد في القرآن الأُم بمعنى أصلُ الشيء قال الله تبارك وتعالى ( هُنّ أُم الكتاب ) أي أصلُ الكتاب .
3/ وجاءت بمعنى المآل قال الله تعالى ( فأُمهُ هاوية ) أي منقلبهُ إلى الهاوية .
هذهِ كم ؟ ثلاثة .
4/ وجاءت بمعنى الضئر ما الضئر ؟ المُرضع قال الله جل وعلا ( وأُمهاتكُم اللآتي أرضعنكُم ) ليس أُمك التي ولدتك وإن الأُم الضئر هنا المُرضعة هذي كم ؟ أربعة .
5/ وجاءت الأُم مقصُود بها مكة قال الله جل وعلا ( لتُنذر أُم القرى ) .
6/ وأُم الكتاب هي ماذا ؟ الفاتحة أم الكتاب هي الفاتحة .
7/ وأُطلق ذالك كذالك على أُمهات المؤمنين اللاتي هُنّ أزوجُ من؟ نبيُنا صلى الله عليه وسلم .
هذا معنى كلمة أُم في اللُغة على وجه التوسُط..
قال الله تعالى : ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم ) للُعلماء رحمهُم الله قولانِ في معنى الآية :
** قولٌ يقول معنى قولهِ ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم ) أي أن هذا القرآن منسوخٌ في اللوح المحفوظ منسوخ أي مكتوب في اللوح المحفوظ ويدلُ عليهِ قول الله جل وعلا ( فلا أُقسُم بمواقع النجوم وإنهُ لقسمٌ لو تعلمون عظيم إنهُ لقرآن كريم في كتابٍ مكنون لا يمسّهُ إلا المطهرون )
وقولهُ جل وعلا ( بأيدي سفرة كرامٍ بررة ) هذا شواهد .(40/9)
** وقال آخرون ليس المقصود أنهُ منسوخٌ في اللوح المحفوظ وإنما المقصود أن ذكرهُ في اللوح المحفوظ ذكرٌ عليٌ وجلي .
والمعنى الأول والعلمُ عند الله أقربُ للصواب .
نعم
الوقفة الرابعة :
مع قول الله تعالى ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً أن كُنتُم قوماً مُسرفين )
وسيُبينُ فيها معاني الضرب في القرآن .
كلمة الضرب في اللُغة تأتي بمعنى النوع والصنف ، وتأتي في اللُغة بمعنى الرجُل الخفيف اللحم القليل اللحم .
قال طرفه :
أنا الرجلُ الضربُ الذي تعرفونني
خشاشٌ كرأس الحية المتوقدِ
علمياً هل يجوز الاستشهاد بقول طرفه أو لا يجوز ؟
يُستشهد بهِ لأنهُ من العصر الجاهلي لكن لو قُلنا في الاستشهاد قال المُتنبي أو قال أحمد شوقي لا يجوز الاستشهاد لأنهم بعد زمن الاحتجاج ، والاحتجاج تقريباً إلى مئة وعشرين سنة .فالجاهليون أقوى حجة بشعرهم فعندما نحتاجُ إلى شيءٍ نستشهدُ بهِ نرجع إلى شعر ماذا إلى شعر الجاهلية .
نعود فنقول هذا في اللُغة .
أما في القرآن فقد ورد الضربُ على معانٍ منها :
السيرُ في الأرض ــ من يأتي بالآية ؟ ــ تفضل
( فإذا ضربتُم في الأرض ) السفر أحسنت
غيرُها
( وآخرون يضربون في الأرض ) أحسنتُم
( فأضربوا فوق الأعناق ) هذهِ التي بعدها ( لا يستطيعون ضرباً في الأرض ) أي سيراً في الأرض هذهِ واحدة .
وتأتي الضرب بمعنى الإيذاء ويكون في القرآن على نوعين ضربٌ بالسيف وهي ما قال أخوكم قبل قليل ( فأضربوا فوق الأعناق ) واضح أنها بالسيف ،،
ويكونُ بالسوط أو بالشيء اليسير أو باليد ومنهُ قول الله تعالى في تأديب النساء ( واضربُهن ) .
وتأتي ضرب في القرآن بمعنى الالتصاق واللزوم قال الله تعالى ( ضُربت عليهم الذلة ) وقال جل ذكرهُ ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ).(40/10)
أمّا هنا ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً ) أي أفنُعرض والمقصودُ من الآية أن القُرشيين أسرفوا على أنفُسهم في الذنوب وردوُا كلام الله وكلام رسُولهِ فالله جل وعلا يقول لهم إنّ إعراضكُم ليس مسوغاً أن نترُك إنذاركُم ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً ) صفحاً هاذي صفحة العُنق والإنسان إذا أعطى صفحة عُنقهِ لأحد كأنهُ أعرض عنه وإعطاؤك صفحة العُنق لشيء يكونُ بأحد سببين :
إمّا كبراً وهو الأغلب .
وإما تغافُلاً وهو الأقل .
لكنهُ يقع يقع إمّا كبراً وإمّا تغافُلاً يعني يكون الشيء موجود وأنت تتغافل عنهُ لا تعلم عنه .
لكنّ العُلماء هنا اختلفوا في معنى الذكر على قولين :
// قال بعضهم ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً ) أي القرآن والمواعظ والذكر.
// ونُسب إلى ابن عباس رضي اله تعالى عنهما أنهُ أراد أن معنى الذكر هنا بمعنى ذكرُ العذاب أي أفنتركُ عذابكم لكونكم كُنتم مُسرفين .
و أياً كان المقصود فإنّ المعنى من الآية إجمالاً يُقارب قول الله جل وعلا ( أيحسبُ الإنسانُ أن يُتركى سُدى ) قريبٌ من قول الله جل وعلا ( أيحسبُ الإنسانُ أن يُتركى سُدى )
نعم
الوقفة الخامسة :
( وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجُلٍ من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون )
(ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون )
الآن تتعلم من الآية أعاننا الله وإياك كيفية الرد على المُخالف .
القرية إذا وردت في القرآن بمعنى المدينة والله يقول هنا ( وقالوا ) أي القرشيون (لولا نُزّل هذا القرآن على رجُلٍ من القريتين عظيم)(40/11)
يقولون إنّ مُحمداً نشأ يتيماً وأولى أن لا يُنزّل القرآن على يتيم وكانوا يقولون يزعمون أنهُ كان ينبغي ــ سوء أدب مع الله ــ أن يُنزّل القرآن على رجُلٍ عظيمٍ من القريتين وقصدُوا بالقريتين مكة والطائف ، وقيل أنهم قصدُوا بالرجلين عروة ابن مسعود والوليد ابن المغيرة أياً كان المقصود من الرجال .
هم يقولون أن مُحمداً لا يستحقُ أن يُعطى النبوة والرسالة ويُختم بهِ الأنبياء فالله جل وعلا كيف رد عليهم ؟
قال( وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجُلٍ من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك ) هذا استفهام إنكاري ثم قال بعدها ( نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا )
الآن هم هؤلاء القائلون بهذا القول يعترفون أن الذي وزّع الأرزاق وقسّمها هو من ؟ هو الله .
القرشيون مؤمنون أن الذي قسّم الأرزاق وجعل هذا غنياً وهذا فقيراً وهذا حُراً وهذا عبداً وهذا خادماً وهذا مخدوم وهذا سيداً وهذت تابعاً يؤمنون أن الذي يفعل هذا هو الله ويؤمنون أن الأرزاق من الله فالله يقول لهم ( نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا ).
فإذا كان الله جل وعلا ــ هذا المقصود من الآية ــ مسائل الرفق العادي لم يكلها إليكم فكيف يكل إليكم تقسيم النبوة فهمتُم .
إعطاء النبوة أعظم من إعطاء الأرزاق وقسمة النبوة بين الخلق أعظم من قسمة المعيشة فالله يقول لهم أنتم مقرون أن الأرزاق إنّما قسّمها بينكم هو الله فكيف يُعقل أن تنسبُ إلى الله وتُطالبُ بشيءٍ لا يُمكن أن تنالوه فإذا كان الله لم يكل إلى أحدٍ من خلقهِ أن يُقسّم أرزاق الناس طعاماً وشراباً وإيواءً وسُكنى فكيف يكلُ الله إلى غيرهِ أن يُقسّم النبوة والنبوة أعظم من أرزاق الناس واضح .
( نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ )
كما هو ظاهر اختلاف المال .
(ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا)(40/12)
سُخرياً هذي بمعنى الخدمة مبرأة من الاستهزاء مبرأة من ماذا ؟ من الاستهزاء .
يعني المقصود أن الله جل وعلا جعل الناس بعضهم لبعضٍ خدم حتى تقوم الحياة فما تُحسنهُ أنت لا يُحسنهُ غيرك وما يُحسنهُ غيرك لا تُحسنهُ أنت لكن تأمل قول الله (نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا) نبه الأدنى على الأعلى نبه بالأدنى على الأعلى .
(ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا)
ثم قال الله ( ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون )
أختلف العلماء في معنى الرحمة هنا والذي أراه والعلم عند الله أن المقصود بها الجنة لأنهُ لا يظهر الفرق بين رحمة الله وما يجمعون إلا إذا كان شيءٌ خالد وشيءٌ غيرُ خالد والجنةُ نعيمُها خالد بخلاف متاع الدُنيا فإنهُ مهما عظم فإنهُ غيرُ خالد.
فيُصبح معنى قول الله( ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون ) يعودُ على الجنة في أظهر أقول العُلماء .
قبل أن ننتقل للوقفة التي بعدها نسأل عن مسألة معاني كلمة أُم في القرآن ؟
حاول لا تقرأ لا تُراجع راجع ذهنياً حتى لو ما تُجيب ترى هذا العلم يعني حاول تعني بهِ
تفضل .. من الضئر ؟المُرضعة ،، أُم القرى ما هي ؟مكة .
مُقابل للأب الوالدة ،، زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كلكم بدأتُم بالأسهل ،
أصلُ الشيء ( وهُنّ أُم الكتاب ) أحسنت
،، المصير والمآل ( فأمهُ هاوية )على قول هذا .
وقلنا إن الضرب في اللُغة ما هو يأتي على معانٍ منها ::
..... لا هذا في القرآن الآن أنا أتكلم في اللغة النوع وقُلنا غير النوع صح النوع،،
قليلُ اللحم مثلُك يعني الرجل القليل اللحم، قال طرفة :
أنا الرجلُ الضربُ الذي تعرفونني
خشاشٌ كرأس الحية المتوقدِ
وطرفة أحد شُعراء الجاهليين وقُلنا يُستشهد بقولهِ مات صغيراً كم عمرهُ؟ 28 ، 26 .
من غيرهُ من شعراء الجاهلية ؟
عنترة مطلعُ مُعلّقتهِ ؟:
هل غادر الشُعراء من مُتردمٍ
أم هل عرفت الدار بعد توهمِ
أين كان يسكن ؟ في الجُو القصيم حالياً يعني عين الجوى يقول :(40/13)
هل غادر الشُعراء من مُتردمٍ
أم هل عرفت الدار بعد توهمِ
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمِ صباحٍ دار عبلة واسلمي
غيرهُ ؟
أمرؤ القيس ، مطلع مُعلقتهِ ؟
قفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسقطِ اللوا بين الدخُولِ فحوملِ
غيرهُ؟
أنا أتكلم عن المُعلّقات لبيد ابن ربيعة ، ما الذي يمتاز بهِ لبيد عن بقية شعراء المعلّقات ؟
أدرك الإسلام فأسلم
الحمدُ للهِ الذي لم يأتني أجلي
حتى أكتسيتُ من الإسلامِ سربالا
عُمّر طويلاً يقولون أنهُ وصل إلى 140 عام أو أقل أو أكثر المُهم جاوز المئة حتى ملّ
أنت الحين تخرُج المسجد يُقابلك واحد يجي يسلم عليك أول كلمة يقولها كيف حالك ؟ صح هو طفش من كلمة كيف حالك يقول:
ولقد سأمتُ من الحياة وطولها
وسؤال هذا الناس كيف لبيدُ
ومُعلّقتهُ أقوى المُعلّقات لُغةً نعود يكفي هذا منهُم الأعشى ، ومنهم غيرُ ذالك نكتفي بهِ ونأخُذ وقفةً أُخرى
نعم يا عبد المجيد
الوقفة السادسة :.
مع قول الله تعالى ( ولنّ ينفعكُم اليوم إذ ظلمتُم أنّكُم في العذاب مُشتركون )
حيث تُعنى الوقفة ببيان أحول النار أعاذنا الله منها .
النار هي الخزيُ الأعظم وما فرّ هارب من شيءٍ مثل النار وكلُ بلاء دون النار فهو ماذا ؟ عافية لأن الخزي الأكبر في النار .
هنا الله جل وعلا يُنكل بأهل النار قائلاً : ( ومن يعشُ عن ذكر الحمن نُقيض لهُ شيطاناً فهو لهُ قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهُم مُهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين )
ثم قال الله : (ولنّ ينفعكُم اليوم إذ ظلمتُم أنّكُم في العذاب مُشتركون )
المقصود من الآية أن أهل النار عياذاً بالله محرومون حتى من التأسي .
ما معنى التأسي ؟(40/14)
التأسي والتسلي أن يرى الإنسانُ مُصيبة غيرهِ فيتعزى بها عن مُصيبتهِ وهذا من أعظم ما يُهوّن مصائب الدُنيا وأيُ أحدٍ في الدُنيا لديهِ مُصيبة أو أراد أن يرى أحداً أعظم منهُ لوجد ، أو أحداً نظيراً لهُ في مُصيبته لوجد تقول الخنساء وقد فقدت أخاها صخراً :
يُذكّرني طلوع الشمس صخرا
وأذكرهُ لكُل مغيب شمسِ
ولولا كثرةُ الباكين حولي
على إخوانهم لقتلتُ نفسي
ولا يبكون مثل أخي ولكن
أُسلي النفس عنهُ بالتأسي
فمن أعظم ما يُخفف المصائب التأسي أن الإنسان يتذكر أن مثلُ هذهِ المُصيبة لكنّ الله جل وعلا حتى هذا النوع يحرمُ أهل النار منه فلا يجدون تأسيه قال الله : (ولنّ ينفعكُم اليوم إذ ظلمتُم أنّكُم في العذاب مُشتركون ) .
مع أن الاشتراك في المُصيبة ينفع في الدُنيا أو لا ينفع ؟
ينفع لكنّ عذاب الآخرة عياذاً بالله لو أشترك فيهِ أهلُ الأرض جميعاً لا ينفع إذاً ما المعنى والمقصُودُ من الآية ؟
نفي وجود التأسي في أهل النار .
نعم
الوقفة الأخيرة :.
مع قولهِ تعالى ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منهُ يصدّون )
حيث تُعنى الوقفة بما يلي :
أولاً :بيانُ ضارب المثل.
ثانياً : الجمعُ بين الإفراد والجمعِ في الآيةِ التي بعدها .
ثالثاً : إظهارُ المعنى الأرجح لقولهِ سُبحانهِ ( وإنّهُ لعلمٌ لساعة فلا تمترُنّ بها ).
(واتّبعونِ هذا صراطٌ مُستقيم).
هذه الآيات نختم بها وهي هامةٌ جداً في أن تتصورها علمياً لا يمكن فهم القرآن بغير السُنة بغير السيرة ،
سورة الزخرف قُلنا إنّها سورة مكية من السور المكية سورة مريم وسورة مريم فيها ثناءٌ على من ؟ على عيسى.
أُعيد
من السور المكية سورة الزخرف و من السور المكية سورة مريم و فيها ثناءٌ على عيسى وإخبارٌ أنّ النصارى عبدة من ؟ عبدة عيسى مع ثناء الله على عيسى واضح .
من السور المكية سورة الأنبياء قال الله في الأنبياء ( إنّكُم وما تعبُدون من دون اللهِ حصبُ جهنّم أنتُم لها واردون )(40/15)
كان هناك صراع ما بين النبي صلى الله علية وسلم والملأ من قُريش فذات مرة كان هُناك رجلٌ قرشي اسمهُ عبدُ الله ابنُ الزُبعرا عبدُ الله هذا أسلم بعد ذالك ــ يعني حتى لا أحد يقع فيه ــ أسلم بعد ذالك لكنّهُ قبل إسلامهِ كان بليغاً فصيحاً رجُلٌ ذو جدل فجلس مع المكيين فالمكيون يقولون إنّ مُحمد صلى الله عليه وسلم يقول ( إنّكُم وما تعبُدون من دون اللهِ حصبُ جهنّم) فقال لقُريش الوليد وأبي جهل قال سكتُّم ؟ قالوا سكتنا ، قال لا تعرفون تردون قالوا كيف نرُد !، قال مُحمد ألم يُثني على عيسى قالوا نعم ، قال مُحمد يقول إنّ الآلهة ومن يعبُدها في النار نحنُ نرضى أن نكون مع ألهتنا في النار إذا كان عيسى مع من يعبُدهُ أين ؟ في النار فيكفينا فخراً بكلامهِ أن نكون نحنُ وألهتنا والنصارى وعيسى في النار وكلامُ مُحمدٍ مُتناقض ـ هذا كلامهُ هو ــ يقول لكم إنّ عيسى نبي ومُرسل ومُصدّق ويقول في نفس الوقت إنّ عيسى في النار ففرح القُرشيون بكلامهِ وضجّوا .
الآية فيها قراءتان :
قال الله تعالى : ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منهُ يصِدّون ) بالكسر ( ويصُدّون ) الضم معناها يضجّون بالحديث .
فإذا قُلنا أن الآية بقراءة ( يصُدّون ) أصبحت منه أي بسببه .
وإذا قلنا (يصِدّون) بالكسر تُصبح منه هنا أي عنهُ أي يُعرضون عنه .
نعود
لمّا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا وفرح القُرشيون أنزل اللهُ جل وعلا قولهُ : ( إنّ الذين سبقت لهُم منّا الحُسنى أُولئك عنها مُبعدون ) مع أنهُ ليس لعبد الله ابن الزبعرا حُجّة فيما قال لأن الآية لأن تتكلم عن غير العاقل ( إنّكُم وما تعبُدون) .
نأتي الآن للآية
الله يقول ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً ) من الذي ضرب المثل ؟
عبد الله ابن الزبعرا السهمي ضرب المثل بعيسى .
قال الله (إذا قومك منهُ يصدّون )
أي يضجّون يصدون أي يُعرضون عنك .(40/16)
( وقالوا ) أي في مثلهِم ( أألهتُنا خيرٌ أم هو ) يعني نقبل أن يكون ألهتُنا مثلُ عيسى في الحال قال الله ( ما ضربُوه لك إلا جدلاً ) لأنهُ لا يقوم حُجّة لأن (ما) في قول الله تعالى (إنّكُم وما تعبُدون من دون اللهِ) تدلُ على غير ماذا ؟ على غير العاقل .
لكن يبقى إشكال أين الإشكال ؟
الإشكال إنّ الله قال ( ما ضربُوه ) والواو واو الجماعة ونحنُ قُلنا أن اللي ضرب المثال من ؟ واحد هو عبدالله ابنُ الزبعرا ، كيف الجمع الجمع أن يُقال هناك أمران :
الأمر الأول :
أن العرب جرى في كلامها أنها تُطلقُ الفرد وتُريدُ الجماعة وتُطلقُ الجماعة وتُريد الفرد عندما نقول أن العرب في كلامها تُطلقُ الجماعة وتُريدُ الفرد لابُد من ماذا ؟ لابُد من مثال
لمّا يأتي إنسان يجلس على كُرسي ويقول هذا أسلوب العرب في كلامهم وكُل ما مرّت آية أسلوب العرب في كلامها هذا ما يكفي يأتيك طالب يقول أين الدليل ؟ لأن العلم لا يقوم على العاطفة .
العرب تُطلقُ الجمع وتُريدُ الفرد قال قائلهم :
بسيف بني عبسٍ وقد ضربوا بهِ
نبا بيدي ورقاء عن رأس خالدِ
معنى البيت : كان هناك رجُل اسمهُ ورقاء ابنُ زُهير جاء رجلٌ اسمهُ خالد فقتل زُهيراً ووالدُ من ؟ والدُ الرجُل الذي اسمهُ ورقاء فغضبت قبيلتهُ بنو عبس فجاء ورقاء هذا ينتقم لأبيه وأخذ السيف وهو رجُل واحد وأراد أن يضرب خالداً لكنّ السيف نبأ ، ما معنى نبأ ؟ أخطأ لم يُصب والعربُ تقولُ لكُل سيفٍ ما أحسن أدبكُم لكُل سيفٍ نبوة و عالمٍ هفوة ولكُل صديقٍ جفوة ولكُل جوادٍ كبوة .
فالجواد إذا عثر قال كبا والصديق إذا بعُد يُقال جفا والسيف إذا لم يُصب يُقال نبأ والعالم إذا أخطأ يُقال هفا ولا يسلم أحدٌ من ذالك .
نعود
معنى القضية :هذا يُريد أن يسخر من بني عبس فجمع ما بين الأمرين الذين يُريد إثباتهُما في القصة قال :
بسيف بني عبسٍ وقد ضربوا بهِ
تكلم عن الجماعة ثم أفرد قال :بيدي ورقاء ورقاء رجلٌ واحد .(40/17)
نبا بيدي ورقاء عن رأس خالدِ
يعني ما أصاب رأس خالد فهذا من الأدلة على أن العرب تذكرُ الجمع وتُريد بهِ الإفراد .
والأمر الثاني:
قُلنا إنّ العرب تفعل هذا أن الإنسان إذا أيد قولاً يُصبح كالمُشارك فيهِ والجاهليون فرحوا بقول عبدالله ابن الزبعرا فكانوا شُركاء معهُ في القول قال اللهُ جل وعلا ( إن انبعث أشقاها ) وقال ( فعقرُوها ) فذكر فرداً وذكر جماعة لأنهُم كانوا راضين عن صنيع من عقر الناقة واضح.
الذي ضرب المثل هو عبدُ الله ابن الزبعرا قال الله ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منهُ يصِدّون ) ( وقالوا أألهتُنا خيرٌ أم هو ما ضربُوه لك إلا جدلاً بل هُم قومٌ خصمون)
ثم قال الله بعدها بآيتين :
( وإنّهُ لعِلمٌ لساعة) وفي قراءة ( وإنّهُ لعَلَمٌ لساعة ) وفي قراءة(إنّهُ لعِلم ) المشهورة عندنا
( وإنّهُ) الضمير في أنهُ يعود على ماذا ؟ يعود على عيسى هذا أرجح الأقوال ولا ينبغي أن يُقال بغيرهِ وإن كان بعضُ العُلماء قال بغيرهِ لكنّهُ بعيد جداً فنُبقيه على عيسى .
( وإنّهُ لعِلمٌ لساعة) يحتملُ معنيين :
// الجمهور على أن معنى ( وإنّهُ لعِلمٌ لساعة) أي أنهُ أمارة وعلامة من علامات الساعة أي نزول عيسى علامة من علامات الساعة وهذا يُؤيدهُ القرآن وتُؤيدهُ السُنة .
// وقال آخرون وهو منسوبٌ أظنّهُ لمُجاهد أو لغيرهِ لكنّهُ بعيد قال أن المعنى قُدرة عيسى على إحياء الموتى دلالة على قُدرة الله في إحياء الناس لأن الذي أعطى عيسى القُدرة هو من ؟ هو الله لكنّ هذا القول قُلنا بهِ لأن بعضُ العُلماء قال بهِ لكنّهُ بعيد والصواب أنهُ أمارة من أمارات الساعة .
الآن أُعيد
قُلنا ضاربُ المثل واحد وحكاهُ الله عن الجماعة وهذا يتأتى لكم سبب ؟
لسببين لهُ شواهد من أمرين الشاهد الأول : أن من أساليب العرب أن تُطلق الفعل على الجماعة وتُريد بهِ الفرد.
والأمر الثاني أن من كان موافقاً لقول يُعدُ مُشاركاً فيهِ .(40/18)
هذا ما تيسّر وقفة علمية إذا كان هُناك أسئلة يا شيخنا يوسف لا بأس **
أحسن اللهُ إليك وكتب الله أجرك ورفع اللهُ قدرك يا شيخ كثير من الأسئلة يا شيخ تسأل بما أنّ الدرس علمي يسألون عن طريقة طلب العلم وخاصةً في اللُغة العربية وفي التفسير ويسأل كثير من الأخوة عن دروس الشيخ فدروس الشيخ موجودة في مُنتدى محاسن التأويل وأيضاً مُنتدى نورين موجودة الدروس التي ألقاها الشيخ
فهذا سؤال شيخ يقول أحدُ الأخوة أنا شابٌ جديد على الزواج لأنني بعد الزواج تركت الدروس العلمية فما نصيحتكم لي في الطالب ؟؟
هذا يتصل أفضل هذا سؤال شخصي يعني قد لا يهم الجميع وقد يكون لشاب يعني ظرفٌ مُعين يُعالج إذا عرفناه، أما قضية الطلب الطلب يحتاجُ إلى شيءٍ من التعب لكن إذا كان هُناك في الدرس يعني أُناس جادون في طالب التفسير فمن هذا اليوم يقتنون كُتباً سأقولها يقرأونها بشغف كثيراً ويًُحررون منها مسائل {{ البرهان في علوم القرآن لزركشي }}
{{ المُحرّر الوجيز لأبن عطية }} هذا تفسير
{{ شرح المُعلّقات السبع لزوزني }}
قدر الإمكان يقرأ في كتاب الشنقيطي رحمةُ الله تعالى عليهِ {{ أضواء البيان للشنقيطي }}
خمسّ{{ بتفسير ابن كثير }}
نبدأ بهذهِ الخمس ست أشهُر بعد ست أشهُر نتكلم عن مرحلة ثانية في الطلب إنّ شاء الله تعالى .
أحسن الله إليك يقول ما تفسير قول الله عز وجل ( ليس لك من الأمر شيء )؟؟؟
إي نعم الأمر كلهُ للهِ إلا ما أعطاهُ لنبيهِ وليس لأحدٍ من الأمر إلا ما أعطاهُ الهُ إياها .
أحسن الله إليك هذا السؤال الأخير لأني أعرف أن الشيخ مشغول ورآه برنامج ولكن يقول هذا يا شيخ كما تعلم أنهُ سيُقام مُلتقى بعنوان سفينة النجاة في نهاية هذا الأسبوع يوم الجُمعة وكم يحتاج الإنسان المُستقيم مثل هذهِ المواضيع يا شيخ كلمة تُوجههُا للشباب في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشايخ هذا الزمان؟؟؟(40/19)
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لا يخفى على أمثالكُم أنهُ شعيرة عظيمة بها قوامُ الدين ويحتاجُ إلى أُمور :
أولها : القناعة بأنه حاجةُ الناس إلى هذا.
ثُم الطريقة المُثلى في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر .
الحماس وحدهُ لا يكفي بل لا ينبغي لوحدهِ لابُد أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المٌُنكر مصحوباً بالعلم والذي فهمتهُ من الشيخ يوسف وفقهُ الله أن هناك عُلماء أفاضل سيُشاركون في هذا تجدون عندهم إن شاء الله الخير العميم .
بس أنا أُريد أن أخرُج من المسجد قبل أن يُؤذّن حتى لا أدخُل في النهي ترى يعلم الله أنهُ يُشرفني أن تحضرُوا لي ويُشرفني أن أُلقي درساً عليكُم ويُشرفني أن أُسلّم عليكم لكن أنا عندي برنامج في القناة وأُريد أن أنصرف سريعاً و إلاّ والله فخرٌ لمثلي أن يُسلّم ويُصافح أمثالكُم ثم إن النهي شرعاً الخروج من المسجد بعد الأذان فأنا أُريد أن أنصرف قبل أن يُؤذن حتى لا أستطيعُ بعد ذالك أن أُخالف الشرع وأمشي ..(40/20)
(وما قدرُ الله حق قدره)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلن تجد له ولياً ومًرشدا واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وسع الخلائق خيره ولم يسع الناس غيره واشهد أن سيدنا ونبينا محمدً عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
فُسبحانك اللهم ربنا وبحمدك ولك الحمد أنت وحدك من يجبرُ كسرنا ويجمعُ شتات امرنا ويُثبتُنا على طريق ديننا نستغفرُك ربُنا ونتوب إليك ونستعينُ بك ونحنُ نزدلفُ إليك لذكرك في بيتٍ من بيوتك .
أيُها المؤمنون
إن كل مجلسٍ فيه حكمةٌ تُنشر أو سُنةٌ تُحيى أو علمٌ يُذكر فانه مجلسٌ يفدُ إليهِ العُقلاء ويؤُمهُ الفُضلاء ولكن أعظم المجالس أثرا وارفعها درجةً واجلّها بركة المجلسُ الذي يُذكرُ فيه الله ربُ العالمين جل جلاله كما أن الله جل وعلا لا أحد مثله فانه لا مجلس أبداً كمجلسٍ يُعظمُ الله فيه ويُذكر جل وعلا الذكر الحسن ويُثنى بهِ ويُثنى عليه جل وعلا بما هو أهلهُ من المحامد ..
أيُها المؤمنون
لما كان عبدة الأوثان والعاكفون على الأصنام قد جعلوا مع الله جل وعلا شريكاً ولم يعرفوا لربهم قدرا كانت قلُوبهم تشمأزّ وأنفُسهم تنفُر إذا ذُكر غير الله قال الله جل وعلا ( وإذا ذُكر الله وحدهُ اشمأزّت قلُوب الذين لا يُؤمنون بالآخرة وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون )
وقال جل ثنائهُ وتباركت أسمائهُ ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا )(41/1)
على هذا يتبين أننا في هذا المجلس المُبارك نتفيأُ ظلال آيةٍ كريمة نعت الله جل وعلا بها مُنكراً أحوال قومٍ ساووا بين الخالق والمخلوق جعلوا الآلهة والأوثان والأصنام التي لا تُسمعُ ولا تُبصرُ ولا تنفعُ ولا تضرُ ولا تملك موتاً ولا حياةً ولا نشورا جعلوها أنداداً مع ربهم تبارك وتعالى .
قال الله جل وعلا وقولهُ الحق : ( ما قدروا الله حق قدرهِ إن الله لقويٌ عزيز ) وعلى هذا يتبين أن من علم حقيقة قدر الله جل وعلا فهو الفائزُ بجنات النعيم .
أيُها المؤمنون
هذا الشأنُِ العظيم والمنزلُ الكريم والمطلبُ الجليل لهُ شواهد تدلُ عليه كما أن هُناك قرائن تدلُ على من نئى عنه وبعُد عنه وقبل ذالك وهذا هُناك طرائق تُرشدُ إليه وتدلُ عليه وهي التي بها نستفتحُ خطابنا هذا ...
أيُها المؤمنون
من أعظم ما يُعين العبد على معرفة قدر ربه تبارك وتعالى أن يتأمل في شواهد وحدانيته ودلائل ربوبيته مُستصحباً الفطرة السليمة التي أودعها الله جل وعلا في قلب كُل أحدٍ في أن يعرف ربه ، قال الهدهد لمّا رأى قوم بلقيس يعبدون الشمس ويأنفون من عبادة خالقها قال ( ألاّ يسجدوا للهِ الذي يُخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تُخفون وما تُعلنون * الله لا إله إلا هو ربُ العرش العظيم )
فبموجب فطرته التي خلقهُ الله تعالى عليها أنكر هذا الطائرُ على بلقيس وعلى قومها أن يسجدوا لغير الرب تبارك وتعالى وإذا استصحب الإنسانُ تلك الفطرة السليمة مع ما أفاء اللهُ جل وعلا عليه من العلم مما أنزلهُ الله في كتابه وسُنة نبيهِ صلى الله عليه وسلم وتأمل في شواهد وحدانيتهِ و دلائل ربُوبيتهِ تبارك وتعالى قادهُ ذالك إلى العلم بالله ،
فالله الذي خلقنا من العدم وربّانا بالنعم وهدانا للإسلام .(41/2)
ذكر الله جل وعلا كثيراً من أخبار خلقهِ في طيات كتابهِ ، أخبر جل وعلا أنهُ حملهُم بفضلهِ في البرّ والبحر ورزقهم جل وعلا من الطيبات وما كان لهُم أن يصلُوا إلى ذالك لولا فضلهِ .
ثم أخبر جل وعلا أنهُ بأكبادهم الغليظة وأنفُسهم السقيمة وعقُولهم التي لا تعي تجدهُم عياذاً بالله إذا ركبوا في البحر فمسّهم ما يمسّوا من الضُر لجأوا إلى الله وحده فلّما أمنوا جعلوا لله وحدهُ أنداداً يعبدونها قال الله جل وعلا ( وإذا مسكُم الضُرّ ضل من تدعون إلا إياها فلّما نجاكُم إلى البر أعرضتُم وكان الإنسانُ كفُورا * أفأمنتُم أن يخسف بكُم جانب البر أو يُرسل عليكم حاصباً ثم لا تجدوا لكُم علينا وكيلاً * أم أمنتُم أن يُعيدكُم فيهِ تارةً أُخرى فيُغرقكُم ويُرسل عليكم قاصفاً من الريح فيُغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكُم علينا بهِ تبيعا )
أخبر جل وعلا انهُ يُنشىء السحاب ثم يُؤلف بينه ثم يجعله رٌُكاما ،،
أخبر جل وعلا أنهُ يحكُمُ ما يشاء ويفعلُ ما يُريد .
ومن أعظم دلائل وحدانيتهِ وشواهد ربُوبيتهِ :
أنه جل وعلا وحده من يخلُق وغيرهُ شاء أم أبى فهو مخلُوق وقد قُلنا مراراً في دروسٍ عدة أن القرآن يقوم على مبدأٍ عظيم كل من يستطيع أن يُثبت أن هناك خالقاً غير الله فليعبُد هذا لكن لا احد يخلُق إلا الله فوجب ألا أحد يُعظم التعظيم الكامل وألاّ يُعبد أحدٌ من دون الله أبدا .
على هذا أُسست دعوةُ الأنبياء صلواتُ الله وسلامهُ عليهما أجمعين
لا خالق إلا الله فبالتالي لا معبُود إلا الرب تبارك وتعالى لأنه لا أحد غيرهُ يخلُق .(41/3)
غابت هذه الحقيقة عن كفار قريش جاء العاص ابن وائل السهمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدهِ عظامٌ قد أرمت ثم نفث فيها في يومٍ رائح ثم قال يا محمد أتزعم أن ربك يُحيى هذهِ بعد ما أرى أي بعد ما أصبحت عظيماً باليا فقال صلى الله علية وسلم وهو البملغُ عن ربه قال نعم يُميتُك الله ثم يُحيك ثم يبعثك ثم يُدخلك النار فأنزل العلي الأعلى قوله : ( أو لم يرى الإنسان أنّأ خلقناهُ من نُطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مٌبين * وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يُحي العظام وهي رميم * قُل يُحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكُل خلقٍ عليم * الذي جعل لكُم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتُم منه توقدون ) إلى أواخر سورة يس التي فيها أجلت البراهين على أن الله جل وعلا وحدهُ يخلُق وبالتالي لا يُعبدُوا ولا يُعظم التعظيم الكامل إلا هو سُبحانه وتعالى .
غايةُ الأمر :
أن يُعلم أن التأمُل في شواهد وحدانيتهِ ودلائل ربوبيته يدلُ على عظمتهِ جل وعلا وبالتالي يستقرُ في القلُوب وفي العقول أن الله جل وعلا عظيمٌ قدرهُ جليلُ الشأن تنزّه عن الصاحبة والولد وتقدّس فلم يلد ولم يُولد .
من الطرائق التي يصلُ بها المرء إلى أن يعظم ربهُ جل وعلا حق التعظيم :
التأمُل في سير الصالحين وأخبار السابقين مّمن ذكر الله جل وعلا أنهُم عرفُوا قدره وعظّمُوه تبارك وتعالى حق التعظيم قال الله تبارك وتعالى : ( إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرتُ لك ما في بطني مُحررا فتقبّل مني إنك أنت السميعُ العليم * فلّما وضعتها قالت ربي أني وضعتُها أُنثى واللهُ أعلمُ بما وضعت وليس الذكرُ كالأُنثى وأني سميتُها مريم وأني أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم )
أهلُ الله المحبون له المعظمون له يتدرجون في حظوظهم يبدأُن من الحظ المُباح ثم ينتقلون إلى أعلى الفلاح .(41/4)
هذه امرأة كان همُها أن يكون له ولد رأت طيراً يُطعمُ طيراً فحنّت إلى الولد فطرةً فسألت ربها أن تحمل فرزقها الله الولد فلّما اطمأنت على أنها رُزقت حملاً دون أن تدري أيكون ذكراً أم أنثى بدأت تتخلى عن حظها المُباح وتدرّج إلى أعالي الفلاح فنذرت ما في بطنها أن يكون للهِ ( قالت ربي إني نذرتُ لك ما في بطني مُحررا ) والمعنى حظي من الولد من بُهجة النفس والأُنس والخدمة والنُصرة لا أُريدُهُ ولا أحتاجه لكنّني أبتغي من هذا الولد أن يكون خادماً لك في بيتك فانتقلت من حظٍ مُباحٍ إلى أن تجعل من ابنها أن يكون خادماً للهِ جل وعلا في مسجدهِ .
ما يُريدهُ الوالدان من أبنائهم لا تُريدهُ تُريد من ابنها أن يكون خادماً لرب وهذا أمرٌ ليس لزاماً عليها بل قد لا يرقى إليه أحدٌ في زماننا لكن المقصود التنبيه على أن للهِ جل وعلا عباداً فطرهم الله جل وعلا على تعظيمه ومحبتهِ وعلى إيثار ربهم جل وعلا على كُل أحد فقال الله جل وعلا عنها ( قالت ربي إني نذرتُ لك ما في بطني مُحررا ) أي خالصا .
فلّما وضعت إذا بها تُصاب بالدهشة أن المولود أنثى فهو أمرٌ متوقع لكن كان انصراف ذهنها في الأول إلى أن يكون المولود ذكرا فلما كان المولود أُنثى قالت مُعتذرةً إلى ربها ( قالت ربي إني وضعتُها اُنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكرُ كالأُنثى )فلّما فاتها أن يكون ذكراً وليس هذا بيدها لجأت لشيء الذي بيدها وهو التسمية فسمتها مريم بمعنى خادمه عند الرب لمّا فات حظُها من كونهِ ذكراً ما أرادت أن يفوت حظُها من الاسم ( قالت ربي إني وضعتُها أُنثى والله أعلمُ بما وضعت وليس الذكرُ كالأُنثى وأني سمّيتُها مريم وأني أُعيذها بك وذُريتها من الشيطان الرجيم )(41/5)
هذا أنموذج ذكرهُ الله جل وعلا من بيوتٍ صالحات أصحاب أعمالٍ زاكيات كيف أن قلُوبهم فُطرت جُبلت على تعظيم ربها تبارك وتعالى وعلى هذا نقول إن التأمُل في سير الصالحين وأنباء الغابرين وأنباء السابقين ممّن زكى الله أو زكى رسُولهُ صلى الله علية وسلم يُعين على أن يُعظم المرءُ ربهُ تبارك وتعالى ويعي ما للهِ من كمال الجبروت وجلال النعوت وأن الله جل وعلا وحده الحيُ الذي لا يموت .
من الطرائق إلى تعظيم الرب تبارك وتعالى :
التأمُل والتدبُر في أسمائهِ الحُسنى وصفاتهِ العلى فإن الله يقول وقولهُ الحق : ( ولله الأسماء الحُسنى فادعُوهُ بها وذرُوا الذين يُلحدون في أسمائهِ سيُجزون ما كانُوا يعلمون )ربُنا تبارك وتعالى لهُ الاسم الأعظم والوجهُ الأكرم والعطيةُ الجزلا لا يبلغُ مدحتهُ قولُ قائل ولا يجزي بآلائه أحد .قال القُرشيون لنبيُنا صلى الله عليه وسلم يا مُحمد أُنسُب لنا ربك فأنزل الله
( قُل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يُولد )
تدبُر الأسماء الحُسنى يُعظمُ به اللهُ جل وعلا في القلب وهذا من أجل الركائز .
ومن أسمائهِ جل وعلا العُظمى الجليلة أُسم {الله } فهذا الاسم لم يتسمّى بهِ أحد حتى ممّن نازعوا الله في أُلوهيتهِ وربُوبيتهِ كقول فرعون ( أنا ربُكم الأعلى ) أو ما قالهُ النمرُود أو ما قالهُ غيرهُما منعهُم الله أن يُسلطوا على هذا الاسم العظيم الجليل فيتسمّوا بهِ .
قال الله جل وعلا على لسان الملائكة : ( وما نتنزلُ إلا بأمر ربك لهُ ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذالك وما كان ربُك نسياً ربُ السماوات والأرض وما بينهُما فاعبدهُ واصطبر لعبادتهِ )(41/6)
ثم قال جل شأنهُ وهو أصدقُ القائلين ( قال هل تعلم لهُ سميا ) أي لا أحد تسمى بهذا الاسم العظيم الذي تسمّى الله جل وعلا بهِ ولهذا صدّرهُ الله جل وعلا في أعظم آيةٍ في كلام الله ( اللهُ لا إله إلا هو الحيُ القيوم ) بدأت بلفظ الجلاله الذي هو علمُ الأعلام وفي فواتح آل عمران
( ألم * اللهُ لا إله إلا هو الحيُ القيوم )
ومن هنا ذهب بعضُ العلماء إلى أنهُ اسمُ الله الأعظم وليس المقامُ مقام بسط لكن إخبار بعض أسماء الله الحُسنى وصفاتهِ العُلى .
ألا وإنّ من أسماء الله الحُسنى وصفاتهِ العُلى { الحي القيوم} وهذان الاسمان جاء ذكرهُما سوياً في كلام الله في ثلاثة مواضع في فاتحة آل عمران ومن قبلها في آية الكُرسي ومن بعدهما في سورة طه وأما يُمكن أن يُقال حول معناهُما :. فإن الله جل وعلا حيٌ حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال وأنهُ تبارك وتعالى هو الحيُ حين لا حي وهو الحي يُحي الموتى .
أمّا القيوم فكُلُ أحدٍ غير الله فقيرٌ إلى الله والله جل وعلا غنيٌ عن كُل أحد ربُنا جل جلالهُ مستوٍ على عرشهِ استواءٍ يليقُ بجلالهِ وعظمتهِ ومع ذالك هو سُبحانهُ مُستغنىٍ عن العرش ومُستغنىٍ عن حملة العرش ومُستغنىً عمّن يطوفون حول العرش ومن يطوفُ حول العرش ومن يحملُ العرش والعرش كُلهُم وغيرهُم فقراء إليهِ تبارك وتعالى كُل الفقر
( يا أيُها الناس أنتُم الفُقراء إلى الله واللهُ هو الغنيُ الحميد ).
من الطرائق أيُها المؤمنون التي يصلُوا بها المؤمنُ إلى تعظيم الله :
أن يعلم الضعف في العباد فإن رُؤياك لنّقص في الخلق يسوقُك لأن ترى الكمال في الخالق .
شُجّ رأسُ نبيُكم صلى الله عليه وسلم يومُ أُحد وسال الدمُ على وجهه حتى يرى الناس وجه نبيهم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وهو يعتريهِ ما يعتري وجوه المخلوقين فيقعُ في القلوب والعقول أن الوجه الذي لا يحول ولا يزول هو وجه الله الحيُ القيوم .(41/7)
يرى الإنسان النقص حتى في الملائكة يقولُ الله جل وعلا عنهم بلسانٍ مقالهم ( وما منّا إلا ولهُ مقامٌ معلوم ) ويقولُ جبريل ( وما نتنّزلُ إلا بأمر ربك ) فنحنُ وإن كُنّا ملائكةٍ كراما وخلقاً عظاما لما لنا من المنزلة والقوة فإن لنا مقام لا نتعداه وأُمور لا نتجاوزُها ولا نملكُ لأنفُسنا حولاً ولا طولاً ولا قوة حتى في تنزُلنا من السماء إلى الأرض وهي بالنسبة لهم أمرٌ هين كطرائقنا المُعتادة التي نسيرُ عليها إلا أنهُ لا يُمكنُ أن يقع إلا بأمرٍ من الله .
بل إنّ الذين يعصون ربهُم في الأرض لا يعصونهُ إلا بإذنهِ القدري جل جلاله
( ولو شاء ربُك لجمعهُم على الهُدى )
( ولو شاء الله لجعل الناس أُنةً واحدة )
( ولو أنّنا نزّلنا عليهم الملائكة وكلّمهُم الموتى وحشرنا عليهم كُل شيءٍ قُبلاً ما كانوا ليُؤمنوا إلا أن يشاء الله )
فلا الذين أطاعوهُ جل وعلا أطاعوهُ بفضلهِم ولا الذين عصوه جل وعلا عصوه بقُدرتهم ولا الذين أطاعوه زادوا في مُلكهِ ولا الذين عصوه أنقصوا شيئاً من مُلكه .
فهو جل وعلا لا تنفعهُ طاعة طائع ولا تضرهُ معصيةُ عاصٍ لهُ الأسماء الحُسنى والصفاتُ العُلى
والمقصُود أن رؤيا النقص في الخلق يدلُ العبد على كمال خالقهِ تبارك وتعالى .
يُفتن المُسلمون بنبيهم صلى الله عليه وسلم يُنصر بالرُعب مسيرة شهر يُصيبُ الوجل والخوف أعدائهُ ومع ذالك يأتيهِ الموت وهو على فراشهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ ويرى السواك فلا يقدر أن يقول أعطوني السواك يُرينا الله الضعف في نبيهِ حتى نرى كمال القوة في ربنا جل جلاله ، فإذا كان هذا حالُ سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فما بالُك بحال من دونهِ حتى تعلم عظيم قُدرة ربك جل وعلا .(41/8)
ولهذا قال الله ( ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) وقال ناعيً على أهل الكتاب ( وما قدروا الله حق قدرهِ إذ قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء بهِ موسى نوراً وهُدى لناس تجعلونهُ قراطيس تُبدُونها وتُخفون كثيرا وعُلّمتُم ما لم تعلمُوا أنتُم ولا آباءكُم قُل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون )
والمقصُود هذهِ الحقيقة الرابعة في أن الإنسان إذا رأى النقص في غيرهُ من المخلوقين أو في نفسهِ رأى الكمال والعزة والجلال في ربهِ تبارك وتعالى .
ممّا يزيدُ المؤمن يقيناً بعظمة ربهِ :
رُؤياه لأفضال ربهِ على خلقهِ ذالك الفضلُ الخاص إن كُنّا حررنا في الأول الفضل العام بما حمل الله به الناس في البرّ والبحر يرى العبدُ فضل الله جل وعلا الخاص على بعض خلقهِ كيف أنّ الله جل وعلا اصطفاهم واجتباهم وما كان لهُم أبداً أن يصلوا إلى ما وصلوا إليهِ من العطاء ولن ينالوا هذهِ المنح الربانية والعطايا الإلهية إلا بفضل الله جل وعلا .
اختلف الناس في المسيح عيسى ابن مريم شرّقوا فيه وغرّبوا قالت فيه اليهود ما قالت ، وزعمت النصارى فيهِ ما زعمت قال الحقُ تبارك وتعالى عنه
( إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليهِ وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل )
فما المسيح إلا عبدٌُ لكنهُ قيد بأن الله جل وعلا انعم عليه فنعمة الله عليه هي التي جعلته آيةً لناس مُحتفىً به في السماوات العُلى وينزلُ في آخر الزمان هذهِ كُلها عطايا ربانية ومنحٍ إلهية والله يقول
( الله أعلم حيثُ يجعلُ رسالته )(41/9)
يرى العبد ما أفاء الله على خليله إبراهيم وكيف كان إبراهيم عبدٍ مُجتبى وحبيباً مُصطفى ونبياً مُرتضى صلواتُ الله وسلامهُ عليه أثنى الله عليه حتى على ألسنة أعدائهِ وخُصومه ( ما كان إبراهيمُ يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مُسلما وما كان من المُشركين * إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوهُ وهذا النبي والذين أمنوا واللهُ وليُ المؤمنين ) كُلها آيات تدلُ على عظيم قدرهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
قبل أن تُبحر في معرفة فضل إبراهيم وعلو منزلتهِ استبق إلى ذالك بأن تعلم أن الله جل وعلا هو الذي تفضل عليه ونظير هذا أن تنظُر فيمن أتاهُم الله القدرة فإذا رأيت عظيم قُدرتهم تأملت في حق قُدرة ربك جل وعلا .
قال الله جل وعلا على لسان نبيهِ سُليمان ( أيكُم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مُسلمين قال عفريتٌ من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقويٌ أمين قال الذي عندهُ علمٌ من الكتاب ) سواءً كان إنسياً أو جنياً أو سُليمان أو غيرهم ( قال الذي عنهُ علمٌ من الكتاب أنا آتيك بهِ قبل أن يرتد إليك طرفُك فلّما رآهُ ) أي رأى سُليمان العرش (فلّما رآهُ مُستقرٍ عندهُ قال هذا من فضل ربي )
أيُها المُبارك :
إذا كانت قُدرةُ مخلوق أن يأتي بعرش بلقيس من أرض اليمن إلى أرض فلسطين فكيف بقُدرة الله جل جلاله .
هذا ممّا يقود العبد ويسُوقهُ إلى معرفة بعض العلم إلى ربهِ تبارك وتعالى ..(41/10)
وعلى الجناب الآخر والنظير مثله يتأمل العبد لمن أهلكهُم الله من عصوه .من الأُمم الغابرة والأزمنة السابقة من نازعوا الله في ربُوبيتهِ وحاربوا أولياؤهُ وكذبوا رُسلهُ كيف أن الله جل وعلا أذاقهم ما أذاقهم ممّا يُدلّلوا على عظيم جبروتهِ وسُلطانه ( ولا تحسبن الله غافلٍ عمّا يعمل الظالمون إنّما يُؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار ) وليس هلاكُ عادٍ وثمود والمؤتفكات وغيرهم بخافٍ على أحد حتى يُحرّر ويُسطّر لكنّها كُلها تدلُ على عظمة الجليل العظيم الأجل تبارك وتعالى ..
من الطرائق التي يعلمُ بها العبد عظمة ربهِ :
أن يتأمل في كلامهِ جل وعلا ( قُل لأن اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهِ ولو كان بعضهِم لبعضٍ ظهيراً )
فالقرآنُ تحدى اللهُ بهِ بلاغة البُلغاء وفصاحة الفُصحاء .
قالوا إن أبي العلاء المعري الأديب اللغوي المعروف كان آية في الفهم والذكاء والحفظ يحفظُ أشعار العرب وكثيراً من مُفردات لُغتها وأيامها وتاريخها بدا لهُ لمّ وصل إلى هذهِ المرحلة أن يُنازع القرآن وأن يُنشىء قُرآناً يُباهي كلام الله فكتب أبياتً ختمها بقولهِ:
أن الموت لا يُبطىء والخُلد في الدُنيا لا يجوز ثم تذكر عظمة الله فتلا قول الله جل وعلا :
( إنّ في ذالك لآيةً لمن خاف عذاب الآخرة ذالك يومٌ مجموعٌ لهُ الناسُ وذالك يومٌ مشهود وما نُؤخّرهُ إلا لأجلٍ معدود يوم يأتي لا تكلّمُ نفسٌ إلا بإذنهِ فمنهُم شقيُ وسعيد )
فجثا على رُكبتيهِ وبكاء بُكاءً طويلاً ثم رفع رأسهُ وأخذ يقول : سُبحان من هذا كلامهُ سُبحان من تكلم بهذا في القدم.
وهذهِ شهادةٌ لها اعتبارُها لأنها جاءت من رجُلٍ يعلم حقائق اللُغة ودقائق البيان وأساليب الرعب في سبك كلامها اعترف بالعجز التام أمام كلام ربنا وتعالى وأصدق منهُ خبراً قولُ الله ( قُل لأن اجتمعت الأُنسُ والجنُ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهِ ولو كان بعضهُم لبعضٍ ظهيرا )(41/11)
هذهِ أيُها المباركون جُملة من الطرائق ذكرنا بعضها ولا يتسعُ الوقت لذكر أخر منها ....
ونُعرجُ بعد هذا على الأمارات والعلامات التي يغلبُ على الظن فيما يظهرُ لناس وكلُ أحدٍ مسؤلٌ عن سريرتهِ فيما يغلبُ على الظن أنها تدلُ على أن العبد يعرفُ لله جل وعلا حق قدره أو شيءٍ عظيماً من ذالك كُلهِ .
أعظمُها :::
توحيدهُ تبارك وتعالى فإنّ من وحدّ الله فقد عرف قدره وتوحيدُ الله جل وعلا الحسنةُ التي ليس بعدها حسنة كما أن الشرك السيئةُ التي ليست بعدها سيئة ولا مصلحة بعد التوحيد ولا مفسدةَ بعد الشرك فمن وحد الرب تبارك وتعالى ولم يجعل للهِ نداً في قلبهِ فقد عظّم الله جل وعلا وقد عرف قدرة .
فالمخاطبون بقول الله جل وعلا (ما قدروا الله حق قدرهِ ) هم أُولئك الذي جعلُوا للهِ أنداداً ساووا تلك الأنداد بربهم تبارك وتعالى جعلُوا من لهُ الأمر كُله كمن لا يملكُ من الأمر شيء تعالى الله عمّا يقول الظالمون علواً كبيرا .
ثم تأتي بعد ذالك أُمورٌ لسلوك المرء في الحياة تدلُ على تعظيمه لربهم تبارك وتعالى ومنها على سبيل الإجمال والطريقة السردية لا الترتيب الأبجدي :
الوجل عند ذكر الرب تبارك وتعالى فإنّ وجل القلوب عند ذكر علاّم الغيوب من دلائل معرفة العبد بربهِ تبارك وتعالى وهذا كنهُ ما أثنى الله بهِ على عبادهِ الصالحين وأولياءه المُتقين في كتابهِ .
ذالك أن القلب إذا كان يجد مع محبة لذالك الذكر يفرحُ كُل الفرح ويُحبُ كل المحبة مجلساً يُعظم الله فيه ويُذكرُ الله فيه فإنّ ذكر الله حياةُ الضمائر وأُنسُ السرائر وأقوى الذخائر فالمؤمنُ إذا كان يجدُ في نفسهِ فكلُ امرئٍ حسيبُ نفسهِ يجدُ في نفسهِ حُب المجالس التي يُذكر الله فيها ويُحبُ أن يُعظّم الله ويُبجّل ويُحمد ويُثنى عليه جل وعلا بما هو أهلهُ مع وجلهِ وشوقهِ إلى ربهِ تبارك وتعالى إذا ذُكر الله هذا من القرائن والبراهين على أن ذالك العبد يُعظم الله رب العالمين ..(41/12)
كما أن من قرائن تعظيم اللهِ جل وعلا ومعرفة قدرهِ:
أن يُقدم المرء ما قدّمهُ الله وأن يُعظم المرء ما عظّمهُ الله وأن يتحرّى الإنسانُ العمل فيما وصىّ اللهُ جل وعلا بهِ هذهِ هي القلُوب التي عرفت ربها حقاً فإذا كان الإنسان قد جعل في طريقهِ في مسلك حياتهِ في غدّوهِ ورواحهِ ومُخالطتهِ لناس يُعظّم من عظّم الله ويُبجّل من بجّل الله فيُعظّمُ المُصلين لأنهُ يرى فيهم القُرب من الله بصرف النظر عمّن هم ويأتي بالوصايا الإلهية فلا يُقدّمُ على والديهِ أحدا فإذا عظّم والديهِ لا يُعظّمهُما على أنهُما أبواه وإنّما يُعظّمهُما لأن الله جل وعلا وصى عليهما في كلامهِ لأن الله جل وعلا وصى عليهما في كلامهِ.
ثم يزدلف ويُطبّق عملياً ما وصى الله جل وعلا بهِ فيجعلُ للوالدة ما لا يجعلُ للوالد ولو كانت الوالدة أشدّ قسوةً عليهِ من والدهِ ولو كان والدهُ حفياً بهِ لكنّ أُمهُ لا تصلُ في حنانها عليهِ إلى والدهِ يطرّحوا ذالك جانباً ويُقدّمُ ما قدّم الله وقدّم رسُولهُ صلى الله عليه وسلم .
ثم هذا الأمر يظنّهُ البعضُ خطاباً عارضاً لكنّهُ قرينة خفيه على أنك تُعظّمُ ربك وأنت تصدرُ إليهما تذكر قولُ الله : ( وأخفض لهُما جناح الذُل من الرحمة ) فأنت لا تخفضُ جناحك لأنهُما كبيران وإنّما تخفضُ جناحك امتثالاً لأمر ربك تبارك وتعالى تزدلفُ إليهما وقبل أن تُخاطبهُما بخطابك تتذكر أن ربك الذي خلقك وصاك بهما ولو صنعت هذا الصنيع مع والديك ومع كُل أحد وفق شرع اللهِ وأخذت بوصايا الله فإنك لن تغلب من عصى الله فيك بأعظم من أن تُطيع الله فيهِ إنك لن تغلب من عصى الله فيك بأعظم من أن تُطيع الله فيهِ فإنّ إتباع وصايا الله لا يقودُ إلا للفلاح .
لكن أين يكونُ الخطأ ؟؟(41/13)
يدخلُ الشكُ في المرء في أن هذا الطريق ليس بصحيح فيبحث عن طرائق أُخر يبتدعُها هو قد لا تكون بدعةٌ بمعنى البدعة المحضة ولكنّها فراراٌ عن منهج اللهِ ويُطبقُ منهجه وهو يظنُ أنهُ سيصلُ إلى مقصُودةِ ولن تصل إلى مقصُودك الشرعي إلا بالطريق التي اختصها الله جل وعلا لك وهنا يتميز من هو واثقٌ من منهج اللهِ عمّن هو غيرُ واثقٍ من منهج الله فإذا خاطب الإنسانُ والديهِ مثلاً المرة بعد المرة وخفض لهُما الجناح ولم يتغيرا لجأ إلى طريقٍ آخر يقول هذان والدان لا ينفعُ معهُما مثلُ هذا الخطاب فيبحث عن طرائق أُخر كأنهُ يقولُ ولو لم يُصرّح ودون أن يفعل ذالك عمداً كأنهُ يقول دون أن يشعُر أنني سأخططُ منهجاً أفضل من منهج الله .
يتعاملُ الإنسانُ مع ولاة أمرهِ وقد وصّاهُ الله جل وعلا بطاعتهِم فإذا رأى هنةً هُنا أو هُناك غيّر طريقته و أراد أن يخرُج عن وضع السمع والطاعة بحُجة أنهُ يُريد الإصلاح و لا يُمكنُ أن يكون هناك إصلاحٌ حق على أي مستوٍ إلا بإتباع شرعِ اللهِ جل وعلا وهذا وأمثالهُ منازل يُختبر فيها الناس وليس الأمر مقصُوراً على طاعة ولاة الأمر والوالدين لكن في شتى شؤون حياتك مع خصمك مع عدوك مع رئيسك في العمل مع جارك في الحي مع كُل خلقهِ جعل الله وصايا لكُل أحد فالزم ما وصّى اللهُ جل وعلا بهِ تنل ما وعد اللهُ جل وعلا إياك ما وعدك الله إياه أمّا إذا خرجت عن طريق الله فلا تنتظر ما وعدك الله بهِ وقد خالفت طريقتهُ ومنهجهُ تبارك وتعالى .
قالُو إنّ أمير المؤمنين عُمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه مرّ على حائطٍ للأنصار ــ أي بُستان ـ وفيهِ رفاق شباب يشربون الخمر فتسلق السُور ودخل عليهم فقالوا يا أمير المؤمنين جئنا بواحدة شُرب الخمر وأنت جئت بثلاث :
تجسست والله قد نهى عن ذالك ،،
تسوّرت والله قد نهى عن ذالك ،،
لم تستأذن واللهُ قد نهى عن ذالك ،،
فعاد وهو يعلمُ خطأه لكنّهُ أكبر حُجتهم لأنهُم قارعوه بالقرآن .(41/14)
قال حافظ :
وفتيةٍ أُولعوا بالراح وانتبذُوا
لهم مكانً وجدّوا في تعاطيها
ظهرت حائطهُم لمّا علمت بهم
والليلُ مُعتفرُ الأرجاء ساجيها
قالُوا مكانك قد جئنا بواحدةٍ
وجئتنا بثلاثٍ لا تُباليها
فأت البيوت من الأبواب يا عُمرُ
فقد يُذلُ من الحيطان آتيها
ولا تجسس فهذي الآيُ قد نزلت
بالنهي عنه فلم تذكُر نواهيها
فعُدت عنهُم وقد أكبرت حُجتهم
لمّا رأيت كتاب الله يُتليها
لوما أنفت وإن كانوا على حرجٍ
من أن يحُجك بالآيات عاصيها
إنّنا نُطأطئ رقابنا لأمر الله وأمر رسُولهِ صلى الله عليه وسلم فإن ذلّت رقابُنا لأحد فوالله ما ذلّت إلا لأن الله أمرنا بهذا وإن امتنعنا عن شيء فلأن الله جل وعلا أمرنا أن نمتنع عنه هذا هو العبدُ الحق العبدُ الصالح العبدُ الذي يعرفُ عظمة أمر سيدهِ تبارك وتعالى خالقنا ومولانا لا رب لنا غيرهُ ولا إله سواه ...
من براهين تعظيم الله :
حُسنُ الظن برب العالمين جل جلاله .
جاء في الأثر أن موسى عليه السلام سأل ربهُ يا رب إني أراهم يقولون يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعلامّ خُصّ هؤلاء بأن ذُكرُوا معك فأوحى اللهُ جل وعلا إليه يا موسى أمّا إبراهيم فما خُيّر بين اثنين أنا أحدهُما إلا اختارني ،،،،
وأمّا إسحاق فقد جاد لي بنفسهِ وهو بغيرها أجود ،،،،،
وأمّا يعقوب فكُلّما ازددتهُ بلاءً ازداد حُسن طنٍ بي،،،،
ووالله من يعرفُ عظمة الله وسعة رحمتهِ لا يملكُ إلا خياراً أوحدا هو حُسن الظن برب العالمين جل جلالهُ .نحنُ نُذنب وليس لنا إلا الله يغفرُ ذنُوبنا ،،،،،،، نحنُ نُطيعُ الله بتوفيقهِ وليس لنا إلا الله يُثيبُنا على طاعتنا ولنا عيوب تلبّسنا بها وليس لنا إلا الله يسترُها فمن أحسن الظن بربهِ تبارك وتعالى كان الله جل وعلا لهُ كظنّهِ بربهِ تبارك وتعالى ..
والمعنى كما جاء في الحديث "" أنا عند حُسن ظن عبدي بي أو أنا عند ظن عبدي بي فليظُنّ عبدي بي ما شاء ""(41/15)
ومن عرف الله وسعةَ رحمتهِ لا يملكُ إلا أن يُحسن الظن بربهِ .
اجتمع أبناء يعقوب عليهِ شيخٌ كبير شابت لحيتُهُ واحدُودب ظهرهُ وعميت عيناه ومع ذالك يذكرُ يوسف ( فتولى عنهُم وقال يا آسفا على يوسف وابيضت عيناهُ من الحُزن فهو كظيم * قالوا تاالله أنك لفي ظلالك القديم ) تمرُ أقوام وأحداث إلى أن يقول الله جل وعلا عنهم ( قال إنّي لأجد ريح يُوسف لولا أن تُفنّدُون * قالوا تاالله أنك لفي ظلالك القديم * فلّما أن جاء البشير فالقاهُ على وجههِ فارتد بصيرا )ماذا قال لهم ؟؟
ذكرهم بحُسن ظنّهِ بربهِ قال الله ( قال ألم أقُل لكُم إني أعلمُ من الله ما لا تعلمون )
وإنّني أُخاطبُ كُل مُبتلى والله إنّ الله أرحمُ بك من نفسك وأن الله جل وعلا قادرٌ على أن يغيثك وأن ما أنت فيهِ هو خيرةُ الله وخيرةُ الله لك خيرٌ من خيرتك لنفسك خيرةُ الله لك خيرٌ من خيرتك لنفسك ويحتاجُ المرء مع ذالك إلى أن يُكثر من ذكر الله ويُصّبر نفسهُ ويرى سير الأخيار والأبرار الذين صبرُوا على ابتلاء ربهم تبارك وتعالى ...
من القرائن الدّالة على أن العبد يعرف ربهُ ويعرف لهُ حق قدرهِ :
التذلُل وعدمُ التكبُر على الخلق قال الله لنبيهِ
( ولا تمشِ في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلُغ الجبال طولا كُل ذالك كان سيئهُ عند ربك مكروها )
يُحبُ الله من عبادهِ أن يتواضعُوا ولا يعلو أحدٌ على أحد مُتكأًً على نسبٍ أو مالٍ أو جاهٍ أو حسب وهذه دعاوى كُلاٌ يدعيها حتى إذا اختلط الناس بعضهُم ببعض تميز أُولئك الأخيار الأبرار الذين يعرفون أن ما هُم فيهِ نعمة من الله جل وعلا أنعم بها عليهم .
حتى الضلالة والهُدى ينظرون إلى أهل الضلالة نظرة من يُريد أن يُنقذهُم ممّا هُم فيهِ .
قال أحدُ الصالحين من السلف:
قد كُنتُ أعذرُ في السفاهة أهلها
فأعجب بما تأتي بهِ الأيامُ
فاليوم أعذرهم وأعلمُ أنما
سُبلُ الضلالةُ والهُدى أقسامُ(41/16)
نختمُ أيُها المؤمنون بالشواهد عياذاً بالله على أن العبد لا يعرفُ قدر ربهِ عافانا الله وإياكم من هذا البلاء :
أعظمُ ذالك :
الشركُ بالله فمن أشرك مع الله غيرهُ لم يعرف لههِ جل وعلا قدره البتة ولهذا حكم الله على هؤلاء بأنهُم خالدون في النار لا يُمكن أن يخرجُوا منها حتى إذا استسقُوا إنّما يُسقون ماءً حميما وعلى هذا فالشركُ باللهِ جل وعلا كما بيّنّا آنفا مفسدةٌ لا تعدلُها مفسدة رتب الله جل وعلا عليها أربعة أُمور : ــ اثنان في الدُنيا واثنان في الآخرة ــ
قال الله جل وعلا ( لا تجعل مع الله إلهً آخر فتقعُد مذموماً مخذولا ) هذا في الدُنيا .
وقال بعدها بآيات ( فلا تجعل مع الله إلهٍ آخر فتُلقى في جهنّم ملوماً مدحورا ) .
فهذهِ الأربعة رتبّها الله جل وعلا نكالاً على من أشرك بهِ .
فإذا انتهينا ممّن تلبس بالكُفر يأتي دونهم من عرف قدر الله من حيث الأصل ويأتي عُصاة المؤمنين الذين ما قدروا الله جل وعلا حق قدرهِ لكنّهم لم يخرجوا عن دائرة الإيمان ...
ومن القرائن على هذا نسأل الله لنا ولكم العافية سأقولها سرداً لا يستطيعُ الإنسانُ أن يذكُرها فُراداً :
قسوةُ القلب .
تكبُر على الخلق .
البُعد عن قيام الليل .
بخسُ الناس حقوقهُم .
وظلمُ العباد وهذا تبعٌ للأول ، فبخسُ الناس حقوقهم وظلمهُم من أعظم الدلائل على أن العبد لا يعترف بسُلطان اللهِ جل وعلا عليه .
المُجاهرة بالمعاصي ، يقولُ اللهُ موبخاً من عصاه ( ألم يعلم بأن الله يره )
اليأس من رحمة الرب تبارك وتعالى .
القنوط من روحهِ جل وعلا .
هذهِ و أضرابها قُلت أعتذرُ عن التفصيل فيها تدلُ من حيث الإجمال على أن العبد ما عرف قدر ربهِ تبارك وتعالى ...
خاتمةُ المطاف أيُها المؤمنون :
كُلنا نملكُ أشياء لا يلبث أن تنفذ والله جل وعلا وحدهُ من لا تنفذ خزائنهُ والله جل وعلا وحدهُ من لا تنفذ خزائنهُ وحريٌ بعبدٍ نفذت خزائنهُ أن يسأل رباً لا تنفذ خزائنهُ .(41/17)
الإلحاحُ على الله جل وعلا في الدُعاء وانقطاعُ العلائق إلى الرب الخالق جل جلالهُ وأن يجمع الإنسانُ شتات أمرهِ ويضعها بين يدي اللهِ وأن يفزع الإنسانُ إلى ربهِ في المُلمّات مع شُكرهِ تبارك وتعالى في حال السراء قرائنُ عظيمة على أن العبد يعرفُ ربهُ جل وعلا .
فالجوء إلى الله تبارك وتعالى واستغفارهُ وكثرةُ التوبة تُعين على طاعة الرب جل وعلا .
وهذهِ فائدةُ نختمُ بها :
ذكر القرطبيُ رحمه الله :
أن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم اجتمعوا يتدارسون القرآن فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه لقد قرأتُ القرآن كُله من أولهِ إلى أخرهِ فلم أرى آيةً أرجى من قول الله ( قُل كلٌ يعملُ على شاكلتهِ ) ثم قال الصديق قال فإن شاكلة العبد العصيان ولا يُشاكلُ الرب إلا العُصاه أي أن الله جل وعلا حقيقٌ بهِ أن يغفر كما أن العبد عُرضة لأن يعصي الله جل وعلا ..
فقال عُمر رضي الله تعالى عنه لقد قرأتُ القرآن كلهُ من أولهِ إلى أخرهِ فلم أجد آيةً أرجا من قول الله ( حم * تنزيلُ الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب ) قال إن الله قدّم غُفران الذنوب على قبُول التوبة ...
قال عُثمان رضي الله عنه وأرضاه قرأتُ القرآن كلهُ من أولهِ إلى أخرهِ فلم أجد آيةً أرجا من قول الله تعالى ( نبىءعبادي أني أنا الغفُور الرحيم )وقال عليٌ رضي الله عنه وأرضاه و قرأتُ القرآن كُله فلم أجد آية أرجا من قول الله ( قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفُسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً )
قال القرطبيُ رحمه الله بعد أن حكى هذا الخبر والأقوال الأربعة قال : وأنا ــ أي القُرطبي ــ وأرجا آية في كتاب الله قول الله ( الذين أمنوا ولم يلبسُوا إيمانهُم بظلم أُولئك لهم الأمنُ وهو مهتدون )
هذا ما تيسر إيرادُهُ وأعان الله جل وعلا على قولهِ وأعتذرُ إن قصّرت وعفواً إن أطلت فما أردتُ إلا الخير ما استطعت(41/18)
ما بقي من الوقت قبل الآذان وبعدهُ نُجيبُ على أسئلتكُم لأنهُ قد يكون في الأسئلة مطالب لم تفي بها المُحاضرة
سُبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ للهِ رب العالمين
****** جزا الله فضيلة الشيخ خير الجزاء ******
أمّا الأسئلة الموجة لفضيلة الشيخ :
فيقول السائل لا حرمكُم الأجر كيف لي أن أُعلّق قلبي بخالق الخلق سُبحانه وأترُكُ الخلق ؟
نحنُ ذكرنا نُتفً منهُ في المُحاضرة والإجابة عنه قد تطول لكن ازدد علماً بالله تجد نفسك لا تزدادُ تعلُقاً إلا بالله ازدد علماً بالله تجد نفسك لا تزدادُ تعلُقاً إلا بالله .
نعم
يقول أنا شابٌ أُذنب وأتوب وفي كل توبةٍ أُعاهد الله على أن لا أعود إلى هذا الذنب مرةً أُخرى ولكن سُرعان ما أعود إليهِ ثم أتوب منه مع العزم على عدم العودة إليهِ ومع ذالك أعود إلى ذنبٍ أول
سؤالي يا شيخ أخشى أن أكون قد أخلفتُ عهد الله فأكون ممّن قال الله فيهم ( فأعقبهُم نفاقاً في قلُوبهم إلى يوم يلقونه ) فماذا علي أن أفعل وهل رجوعي وعودتي إلى نفس الذنب مع مُعاهدتي لله عز وجل على عدم العودة يعني أن الله قد أعطاني فُرص للتوبة وأنا لم أستغلها فكان العقابُ من الله لي بالإمساكُ بهذا الذنب ؟
الجواب فيه تفصيل أما أن تكون ممّن قال الله فيهم ( فأعقبهُم نفاقاً في قلُوبهم إلى يوم يلقونه ) فأرجوا الله أن لا تكون لا نحنُ ولا أنت منهم نسأل الله لنا ولك العافية.
أما قضية الأمر نفسهُ فهذا يُنظر فيه أصلُ المرء إذا أذنب ليس لهُ إلا أن يستغفر قال الله ( والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفُسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ) .(41/19)
والأمر الثاني أن تحاول أن تنسى هذا العمل فقد يتلبس الإنسان بمعصية لا يستطيع الإنفكاك عنها من قريب وثمّة طرائق أُخرى لإقصائها وهو أن يُكثر من العمل الصالح وأن يأتي بأعمال صالحة تُرقق القلب قال الله ( إنّ الحسنات يُذهبن السيئات ) وأن يحرص على برّ الوالدة على وجه الخصوص فهي من أسباب التوفيق هذا وجود انكسار في القلب هذا كلهُ بإذن الله يُعينك ولو بعد حين على التخلُص من تلك المعصية نسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل وأن يُثبتنا عليه..
يقول أحسن الله إليكُم أُبتليتُ بأن تعلّقتُ بشابٍ مثلي وفقدتُ بذالك السيطرة على قلبي حتى أني أُشغل بالتفكير فيه حتى في الصلاة وحتى في قراءة القرآن فضيلة الشيخ إني أكتُب هذه الكلمات وبي من الندم والحسرة على خسارة أعظمُ لذةً كُنتُ أحسبُ أني أجدُها لذة الطاعة شيخي هلاّ دللتني وفقك الله على شيءٍ أتشبث به حتى ينجلي هذا الأمر ؟
إنّا لله وإنّا إليه راجعون قُل إنّا لله وإنّا إليه راجعون
لا توجد مُصيبة أعظم من أن يتعلّق قلب العبد بغير الله على هذا من ابتُلي بشيءٍ من هذا فليقُل بقلبٍ صادق إنّا لله وإنّا إليهِ راجعون لأن الله يقول ( والذين إذا أصابتُه مُصيبةٌ قالوا إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون أُولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمه ) وقل اللهم أجرني في مُصبتي وعوضني خيراً منها والله إنّ فقد الأولاد والأموال والزوجة والوالدين لا يعدل فقد الإنسان قلبهُ في أن يتعلّق قلبهُ بغير الرب تبارك وتعالى لكن لا نُريد أن نُقّرعك ونُكثر عليك اللوم فثمّةً طرائق قد لا يحسُنُ نشرُها على الملأ فلو استطعت أن تتصل بنا هاتفياً أو بغيرنا ممّن تظُنّ به الفضل يُرشدوك إلى طرائق لأن هذهِ قضية عين قضية فرديه وقد يكون فيك مكامن قوة في الصلاح والإيمان لو استُغلّت جيداُ يُعينك الله بها على أن لا يتعلّق قلبُك بغير الله جل وعلا .
نعم(41/20)
يقول أحسن الله إليكم شخصٌ يحفظ القرآن كاملاً وكان يرُاجعه ثم إنه لم يُراجعهُ حتى الآن منذُ سبع سنين فماذا تُوصيهِ علماًُ أنه قد نسي ؟
يُراجع القرآن يُحاول أن يجعل لنفسهِ جدولاً ويراجع فيه كلام ربه تبارك وتعالى إنسان يحفظ القرآن ثم يتركهُ لا يُترك أي شيء إلا لشيء أحسن منه فهذا الذي كان يحفظ القرآن ثم تركه لأي شيءٍ ذهب لا يوجد فنسأل الله جل وعلا أن يُعيدهُ إلى صراطه المُستقيم وأن يمُّن عليه بمراجعة القرآن .
أحسن الله إليكم يقول ورد في قول أحد الصحابة أنهُ قال كُنّا نتعلم الإيمان قبل القرآن فماذا يقصد بالإيمان ؟
نعم الإيمان هنا معرفة الله تبارك وتعالى وتعظيمه محبتهُ الخوف منه والرجاء فيه هذا كلهُ من دلائل الإيمان ثم يتعلّمون القرآن المقصُود به هنا الأحكام الشرعية لأن الإنسان إذا كان مُؤمناً حقاً سهُل عليه أن يعمل بتلك الأحكام أمّا إن كان يعلم تُلك الأحكام ويعرفُها ولا يُوجد إيمانٌ ولا علمٌ بالرب تبارك وتعالى فإنهُ لن يجد في نفسهِ باعثاً إلى أن يعمل بتلك الأحكام .
يقول كيف يُنمّي الإنسان في قلبهِ الأعمال القلبية كالتوكل والخشية والإخلاص وغيرها ؟
يختلف بعضُها بسؤال الله جل وعلا وبعضُها بمُدارستها بعضُ آيات القرآن التي فيها أعمال القلوب مع مشايخهِ أو أهل العلم في هذا الشأن وبعضُها بمحاولة التأمُل في الواقع وأحوال الناس وربط ذالك بآيات الكتاب المُبين هذا كُلهُ ممّا يُعينهُ على أن يُخلص قلبهُ النية لربه تبارك وتعالى وتعظم أعمال القلوب في قلبه .
أحسن الله إليكم يقول يستدلُ بعضُ القُبُوريين بأن الولي لهُ القُدرة على الخلق مُستدلاً بقوله ( تبارك الله أحسن الخالقين ) بأنّ الله أثبت عدة خالقين فما هو الرد على هذه الشُبهة ؟(41/21)
لا أحد أبداً يخلقُ إلا الله ( هل من خالقٍ غيرُ الله ) استفهام استنكاري أي لا أحد يخلقُ غير الله هذا أمرٌ أجمع الناسُ عليه حتى عبدة الأوثان وكُفّار قريش لم يكُن يقولوا أن أحداً يخلقُ غير الله.
قال الله تبارك وتعالى عنهم ( أم خُلقُوا من غير شيءٍ أم هُم الخالقون )
أحسن الله إليكم جاءت أسئلة كثيرة كُلها تسأل كيف يجد الإنسان رقة قلبهِ عند قراءة القرآن ؟
الباب الأول : اليقين أنهُ كلام الله من قرأهُ وهو يعلم أنهُ كلام الله حقاً وكُلنا يعلم ذالك لكن كُلّما ازداد الإنسانُ علماً بأن هذا كلامُ الرب تبارك وتعالى كان أقرب إلى أن يرقّ قلبهُ إذا قرأ آيات القرآن .
أحسن الله إليكم يقول امرأةً تُؤخر الصلوات عن وقتها وتُصلي هذي الصلاة في آخر الليل وأيضاً تُؤخر الغُسل لمُدة يومين وقد قمتُ بنُصحها فغضبت وطالبت بالطلاق فما الحل في ذالك مع العلم أنها قد قرأت بعض الكُتب في سوء المعصية إلى آخره ؟
هذهِ قضيةٌ فردية الأصلُ أنها تُطلّق لكن كما قُلت لا أستطيع أن أحكُم دون أن لأنها قضية بين اثنين ومثل هذا لو كان اتصل بمشايخٍ فُضلاء في الرياض الشيخ عبد الله الجبرين ، الشيخ عبد الكريم الخضير وأمثالهُما من أساطير العلم في هذه المدينة المُباركة يجد عندهم جواباً شافياً بس لا يكون في مسجد عام إنّما يذهب إليهما أو إلى أحدهما أو إلى غيرهما من أمثالهما فيجلس معه ويوضح لهُ الأمر بالكُلية وسيجد عندهما من العلم والرأي والمشورة ما ينفعهُ الله جل وعلا به .
جاءت أيضاً أسئلة كثيرة تسأل عن السبيل إلى قيام الليل ؟(41/22)
التخفيف من الأوزار في النهار يُعين على الوقوف بين يدي الواحد القهّار في الليل .كان بعضُ مشايخُنا يمشي في الطريق يذهب إلى الحرم ماشياً فلحقهُ أحدُ طلبة العلم وهذا الشيخ متّع الله به اسمهُ عبد الله عُمر في الستين من عمره وهو ذاهب إلى الحرم سألهُ أحدُ الناس يا شيخ كيف أحفظُ القرآن كيف أكونُ مُجيداً لحفظ القرآن ؟ فقال الشيخ وفقهُ الله قال قُم بهِ في الليل تحفظه أعظم طريق لتدبُر القرآن وحفظهِ وبقاءهِ في الصدر أن يقوم الإنسان به في الليل .
ومّما يُعينُ على قيام الليل مسألة أن الإنسان يتخفف من الذنوب والمعاصي في نهاره بل يترُكها بالكُلية لكن الذنوب ثقل كلّما خفف الإنسانُ منها قدُر على أن يقف بين يدي ربهِ جل وعلا في فلق الأسحار والناس في هذا يتفاوتون تفاوتاً كثيرا والمهم حضور القلب وأن يكون الإنسان يشعُر بذنبهِ ومعصيته وانكسارهِ بين يدي خالقه ويُلّح على ربهِ في الدُعاء ويسأل الله جل وعلا في تلك الساعات من فضلهِ ويتقرّب إليه تبارك وتعالى أن يرحمهُ هذا كلهُ بإذن الله إذا وجد ولو يسيراً منهُ في الليل كان الإنسانُ على خير عظيم وصراطٍ مًستقيم
يقول أحسن اللهُ إليكم أنا شابٌ مُلتزم ومكثتُ أكثر من شهرٍ لا أُصلي الفجر في المسجد وأندم على ذالك أشدُ الندم ثم أرجعُ على ما أنا عليه فما هو الحل ؟
الندم وحدهُ لا يكفي وإن كان مطلوباً لكن كما قُلت هذهِ الأسئلة أكثرُها قضايا فردية لابُد أن هناك خلل ما عقوق والده يحرمك من خيرٍ عظيم مُعاملتك لأجير من يغسلُ لك سيارتك والله تأخير الراتب شهر واحد عشرة أيام ينعكس عليك ينعكس على علاقتك بربك تبارك وتعالى والله تبارك وتعالى حكمٌ عدل وقد وضع طرائق تدلُ إليهِ وتُرشد إليه تبارك وتعالى فالمرء إذا كان يعلمُ قُدرة الله عليهِ خاف فيمن جعلهُم الله جل وعلا بين يديهِ .(41/23)
قُلنا مراراً في تفسيرنا للقرآن الله يقول ( يوم يفر المرء من أخيهِ وأُمهِ ,ابيهِ وصاحبتهِ و بنيهِ لكُل امرئٍ منهُم يوم إذاٍ شأنٌ يُغنيهِ )
تأتي الأسئلة تقول لماذا قدّم الله الأخ لماذا أخّر الله الأُم لماذا قدّم ؟؟؟
هذا ليس سؤالاً في مكانهِ لكن السؤال الذي في مكانهِ؟ لماذا يفر المرء من هؤلاء كلهم يوم القيامة حُكم عدل يوم ميزان يوم يقتصُ لكُل صاحب مظلمة والإنسانُ غالباً يظلمُ من يظلم من يحتك بهم كثيراً زوجتهُ أولادهُ أبويهِ عاملهُ خادمهُ من يعمل عندهُ في الدار الأجير هؤلاء الذي تُخالطهُم وتُعاملهُم ينشأ عنك بينك وبينهم مظلمة ....
مثلاً هذا يزيد يسكُن في الرياض وأنا أسكُن في المدينة لا يوجد معاملة بيني وبينه لأجل هذا إذا رأيتهُ يوم القيامة لا أخشى منه ولا يخشى مني لأني لا أتذكرُ أن هُناك معاملةً بيني وبينهُ أكون قد ظلمتهُ فأفرّ.
لكنّ الإنسان إذا رأى قرابتهُ وأهل بيتهُ ومن يخالطونه يفرّ خوفاً من أن يُطالبهُ بحقوقٍ ضيعُوها فيأتي المرء وقد ظلم أجيرهُ وقد ظلم خادمتهُ وأطلق لسانهُ على جاره أو قال في أحدٍ ما ليس فيهِ أو خصم من رجُلٍ ظلماً أو استغّل وظيفتهُ فرشى أو ارتشى ثم يأتي إلى المسجد فيقول الإمام قرأتهُ لا تجلب الخشوع هذا الإمام يحتاج تغيير هذا هذا المسجد هذا هذا والسرّ والقضية ليست قضية إيمان وليست قضية مسجد مُضاء أو مُكيف القضية قضية قلب القرآن هو القرآن لكنّ لمّا يأتي إنسان لا يعمل بالقرآن لا ينتظر أبداً أن يخشع عند قراءة القرآن لكن من يعمل بالقرآن يُكرمهُ الله جل وعلا ولا مُلزم على الله يُكرمه الله بأن يخشع إذا قرأ القرآن يُعظّم القرآن كتعظيم كما ذكرنا في خبر عمر إن الإنسان يأخذُوا آيات الله فيُعظمُها ويترُك رأيهُ وهواه ويدر رقبتهُ لأوامر الله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم .(41/24)
زيدُ ابن حارثة كان متزوج من زينب بنت جحش والإنسان لا يجدُ أحد يخالطهُ ويحتكُ بهِ وتنفعُ بينهم الكلفة بين الزوجة فلما طلقها في القصة المعروفة أمرهُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب ـ أي زيدُ ـ ليخطُب زينب له ـ أي لنبي عليه الصلاة والسلام ـ يقول زيدٌ فذهبتُ إليها فوجدتُها تُخمّرُ عجينتها فلّما رأيتُها استعظمتُها وهي زوجتهُ سبق أن عاشرها و ضاجعها على فراشٍ واحد ومع ذالك وقعت في قلبهِ موقعً عظيمً قال لماذا قال لأنني علمتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فأدار لها ظهره وأصبح يُكلمها وهو يُلقّيها ظهره ولم يكتفي بأن تتحجب وتتخمّر وأن تختمر أن سمعت أنه موجود كل ذالك تعظيماً لأمر الله وتعظيماً لأمر رسولهِ صلى الله عليه وسلم .
ثم حاول أيها المُبارك أن تُصاحب عملك استشعاراً للجزاء قبل أن تُعطي من عمل أجيراً عندك وأنت تمشي إليه قبل أن تُخرج المبلغ الذي اتفقتما عليه تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعطُوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه )
قبل أن تُوقف سيارتك في موقف جارك تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يُؤمن من لا يأمن جارهُ بوائقه "
هذا وأمثالهُ طبّقهُ في حياتك اليومية تدخُل المسجد تقفُ بين يدي الله يرزُقك الله جل وعلا طرائق القُربى من لدُنه لأنك عظّمت أمرهُ في النهار فيرزُقك الله جل وعلا حظاً عظيماً في الوقوف بين يديه في الليل .
يقول السائل أحسن الله إليكم أنا شابٌ في بداية التزام فبماذا تنصحُونني كما أردتُ من فضيلتكُم الدُعاء بالثبات على الهداية ؟
الزم قراءة القرآن وصُحبة الصالحين والترُدد على المساجد نسأل الله أن يُثبتنا وإياك على هذا .
يقول شيخي الفاضل أنا شابٌ مُلتزم ولكن قد لا أستطيعُ السيطرة على نفسي في الخلوات ؟(41/25)
اتقِ الله ما استطعت لكن لو وقعت في خطأ لا يدفعّنك هذا إلى ترك الطاعات ينبغي أن يُراقب الله جل وعلا جلياً جليلاً في الخلوات وهذا أمرٌ عظيم عظّمهُ الله لكن لو وقعت منك خطيئة أو معصية لا تمنعنّك من إتيان الطاعات والبقاء على ما أنت فيه علّ الله جل وعلا أن يدفع بالأثر الناجم عن الطاعة تلك المعصية ويتوب عليك .
أحسن الله إليكم يقول ما الفائدة المرجوّة من التأمُل في أحوال السلف الصالح مع أنّنا قد لا نستطيع القيام بما قاموا بهِ ؟
تشبهُوا إن لم تكونوا مثلهم
إنّ التشبُه بالكرام فلاحُ
هذا الرأي مما تُشحذ به الهمم ينظُر الإنسان في أحوال أهل الخير ولهذا قصّ الله جل وعلا على نبيه صلى الله عليه وسلم كثيراً من أخبار الأنبياء والرُسُل قبله وقال جل ذكرهُ وتبارك اسمهُ ( أُولئك الذين هدى الله فبهُداهُم اقتده )
فالتأمُل في سيرة السلف الصالح والأنبياء والمُرسلين في المقام الأول ومن أثنى الله عليهم في كتابه من غير الأنبياء والمُرسلين كل ذالك ينجمُ عنهُ أثرٌ جم وخيرٌ عظيم .
أحسن الله إليكم يقول بالأمس حدث خسوفاً للقمر فهل يدُل حدوث الخسوف على عدم رضا الله عز وجل على عبادهِ ؟
لا يلزم من هذا لكن هذا ابتلاء من الله تبارك وتعالى أن يُسارع الناس للخيرات يُسابق الناس في الطاعات والله يقول وهذا من دلائل معرفة قدر الله جل وعلا وقد فاتنا أن نُنبّه عليها أن الناس يتفاوتون في النظر إلى مثل هذا الخسوف أو الكسُوف إذا وقع لكن من عرف أن هذهِ الأمور مُسيّره بقُدرة الرب تبارك وتعالى الله يقول ( وما منعنا أن نُرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وأتينا ثمود الناقة مُبصرة فظلموا بها وما نُرسلُ بالآيات إلا تخويفا وإذ قُلنا لك إنّ ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرُؤيا التي أريناك إلا فتنةً لناس والشجرة الملعونة في القرآن ونُخوّفهُم فما يزيدهُم إلا طُغيناً كبيرا )(41/26)
يرى العاقل الخسوف ويقرأ قول الله جل وعلا ( ونُخّوفهم فما يزيدهُم إلا طُغياناً كبيرا ) ويأخُذ قول النبي صلى الله عليه وسلم " أنهُما آيتان يُخّوف اللهُ بهما عباده " فيحاول أن يكسر قلبهُ في ذالك الحين فراراً ممّن يكون ممّن قال الله فيهم ( ونُخّوفهم فما يزيدهُم إلا طُغياناً كبيرا ) نسأل الله لنا ولكم العافية .
أحسن الله إليكم يقول أرجوا من فضيلتكُم أن تُبين لنا معنى قولهُ تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهُوا ) فإنّ كثيراً من الناس لا يُطبق السُنة في كثيرٍ من أحوله ؟
الآية هذهِ عامة قال العُلماء جمع اللهُ السُنة كُلها في آيةٍ واحدة ( وما أتاكم الرسول فخذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهُوا )
فما نهى الله عنه يُنتهى عنه بالكُلية أمّا ما أمر الله به فيُنظر ما أتانا الرسُول صلى الله عليه وسلم بهِ فيُنظر فبعضهُ فعلهُ على صيغ الوجوب وبعضهُ فعلهُ على صيغ السُنن وبعضهُ دلّت السُنة على أنهُ كراهةً تنزيه فيُعامل كُل حدثٍ بعينهِ أما الآية نفسُها فليس فيها دليلٌ تفصيلي وهذا من الأخطاء في فهم القرآن مُحاكمة الناس على أشياء الأصل فيها عدم فقه القائل بالدليل نسال الله العافية .
أحسن الله إليكم يقول ولله الحمد كما ترى في هذا المسجد وغيرها مُستقيمون كُثر هل من كلمةٍ في رفع الهمّةٍ لدعوةِ إلى الله جل وعلا لإصلاح الناس بعد إصلاح أنفُسهم ؟
من أراد أن يعرف أين مقامهُ عند الله فلينظُر فيما أستعملهُ الله جل وعلا فيهِ .(41/27)
وإنّ من أعظم ما يُمكن أن يدّخرهُ المرءُ لنفسهِ بعد وفاتهِ لحظات يُعرّف العباد فيهم بربهِم تبارك وتعالى إن دخلت مجلساً أو أتيت قوماً أو زُرت أحداً فلا يكُن همُك شيء أعظم من أن تُحبّبهُم في ربهم تبارك وتعالى أن يخرُج الناس بعد أن يخرُج من لقيتهُ بعد أن التقى بك وقد ازداد حُباً وتعظيماً وإجلالاً لله لا أن يقول إنك طليقُ اللسان قوي البيان لديك معلومات تفقهُ في علم كذا هذا كلهُ لا ينبغي أن يكون مقصُوداً ولو جاء تابعاً لا تلتفت إليه لكن المُهم أن يُعظّم الله جل وعلا على لسانك فيُعظّموا الناس ربهُم تبارك وتعالى على يديك والإنسان إذا أدرك هذا المُبتغى سعى في الدعوة إلى الله وكفى بقول الله ( ومن أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنّني من المُسلمين )
أحسن الله إليكم يقول إذا كانت الدعوة إلى الله تستلزم الاختلاط بغير المُلتزمين مما يُؤدي إلى ضعف إيمانهُم فهل أفضل اختلط بهم أم اتركهُم ؟
كلمة الاختلاط تختلف فلا ينبغي مُخالطتهُم أكلاً وشُرباً وغدُواً وروحاً هذا لا يُعقل لكن إذا كان الاختلاط عارض ينجُم فيه الدعوة الكلمة الطيبة مُشاركتهُم أفراحهم الوقوف معهم في أحزانهم هذا أمرٌ محمود ويختلف الناس علاقتهُ بأبويه علاقتهُ بجيرانهِ علاقتهُ بمن يسكُنُ عمارته علاقتهُ بأقربائهِ كلُ فريقٌ من هؤلاء لهُ حقٌ مخصوص ومُحدد شرعاً ينبغي أن يُنظر إلى الأمر بجدية تُرجح المصالح وتُبعد المفاسد .
أحسن الله إليكم يقول ما نصيحتكُم لمن يأتي إلى المُحاضرات مُبكراً حرصاً من القُرب من الشيخ ولكن إذا جاءت الصلوات فرُبما لا يأتي إلا والإمام في التشهُد ؟(41/28)
هو يُحمد على الأول إنهُ أتى مُبكراً الباطل لا يمنع قبول الحق كونهُ يأتي للمُحاضرات مُبكراً هذا أمرٌ محمود وأما إتيانه لصلاة مُتأخراً فلا شك أنهُ غيرُ محمود فنقول لهُ كما أتيت للمُحاضرات مُبكراً فإن القدُوم إلى الصلاة أعظم وأجلّ بلا شك فإن المُنافسة على الصف الأول ممّا رغّب النبي صلى الله عليه وسلم فيه فابقِ على الحظ الأول وازدد إليه الحظ الثاني فإنهُ أولى وأحرى .
أحسن الله إليكم يقول ما هي نصيحتكُم لطالب العلم في اقتناء أفضل التفاسير ؟
هذا يختلف بحسب منزلتهِ الآن أنا لا أدري السائل هل قرأ شيئاً لم يقرأ شيئاً ماذا قرأ ميُولهُ لغوية تاريخية عقدية يختلف لكن عموماً يختارُ الإنسان كل من الكتُب متنوعة الأساليب في التفسير ثم يحاول أن يُكثر من القراءة فيها كثيراً حتى يصل إلى مرحلةٍ ما تُهيأ لهُ بعد ذالك أن يقرأ أكثر فأكثر وقُلت مثل هذهِ الإجابات تصعُب لأننا نتكلمُ عن حالٍ فردية والناس تتفاوت قُدراتهُم تفاوتاً كبيراً ...
أحسن الله إليكم يقول قدّم الله السمع على البصر في كثير من الآيات إن في سورة السجدة حين ذكر نكوس رؤوس المشركين قالوا ( أبصرنا وسمعنا ) ؟
نعم هذهِ مسألة يتدارسها العُلماء وإنني قائلٌ إن الإنسان في مسألة السمع يُمكنُ للإنسان أن يسمع ما لا يرغب أما البصر فالغالب أنهُ لا يرى إلا ما يرغبهُ فأنت تستطيع أن تُحدد بصرك فلا ترى إلا شي تُريده .
تُريد أن تُبصر هذا العمود مثلاً ولا تُريد أن تنظُر إلى هذا هذا أمرٌ مقدورٌ عليه لكن بالنسبة لسمع فأنت كُل ما حولك تسمعهُ ولهذا قالوا قدّم الله جل وعلا السمع وأفردهُ أكثر من البصر .(41/29)
وأما قول ما ذكره الله جل وعلا على لسان أهل الإشراك فإنهُم كانوا يسمعون النقل وهو القرآن ولا يُؤمنوا بهِ وجاء في القرآن ( وكشفنا عنك غطاءك فبصرُك اليوم حديد ) فإذا جاء يوم القيامة ما كانوا يسمعون عنه رأوهُ بماذا رأوهُ بأعيُنهم وهُنا يُقدّمون البصر ( قالوا ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون ).
نعم .
أحسن الله إليكم يقول أو هذا سؤال من النساء تقول ما حُكم لبس البنجابي الفضفاض ؟
أسئلوا غيري إذا كان في البيت لا حرج مع والدتها وأخواتها فلا حرج فيه إن شاء الله أما المجامع العامة فتختلف .
أحسن الله إليكم يقول إذا كان ولدي لا يُصلي إلا الجُمع فماذا أفعل معهُ وهو كبير ؟
هذا ولدُك تُحاول نُصحهُ وإرشادهُ محاولة التأثير عليه تدُل عليه من لهُ كلمة عنده بأن يدعونهُ إلى صراط الله المستقيم .
أسأل الله بأسمائه الحُسنى وصفاتهِ العُلى أن يهدي لك ابنك .
بعضٌ من الشباب الذين ظاهرهم الصلاح نراهم أو نسمع عنهم أنهم من أسوء الناس أخلاقاً مع زوجاتهم ومع أهليهم فما نصيحتكم لهؤلاء ؟(41/30)
إن شاء الله يكون هذا لو وُجد يوجد قليل لكن كما قُلنا تعظيمُ الأمر النبوي " خيركُم خيركُم لأهلهِ " إذا تكلّمنا بلُغة الناس ليس محموداً أن يُظهر الإنسانُ رُجُلتهُ على امرأة ليس منّا يُفرح بهِ ولا يدلُ على قوة شخصية ولا على علو قدر النبي صلى اله علية وسلم تظاهر عليه نساؤه تهابهُ أعدائهُ ويتظاهر عليه نساؤه فقال صلى الله عليه وسلم اعتزل في مشربه شهراً كاملاً قبل أن تأتي آية التخيير ( إن كُنتنُ تُردن الحياة الدُنيا وزينتها ) فلّما أعتزلهم صلى الله عليه وسلم وقد البيت في ختام تسعه وعشرين يوم قابلتهُ عائشة رضي الله عنها وأرضاها المرأة أصلاً تجد في نفسها دلالٌ على زوجها خاصةً إذا كانت تثق بعقلهِ فلّما عاد بدل أن تُظهر فرحتها بهِ قالت باقي يوم يعني أنت جيت بدري فقال صلى الله عليه وسلم إن الشهر يكونُ تسعةً وعشرين ويكونُ ........(41/31)