( والذاريات ذروا*فالحاملات وقرا*فالجاريات يسرا*فالمقسمات أمرا*إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع*والسماء ذات الحبك*إنكم لفي قول مختلف)..صدر الله جل وعلا هذه السوره بقسمين/أولها:قسم متتابع. ثانيها:قسم منفرد. القسم المتتابع هو قوله تبارك وتعالى(والذاريات ذروا*فالحاملات وقرا*فالجاريات يسرا*فالمقسمات أمرا) فالفاء هنا عاطفه على ما قبلها. وجواب القسم هناهو قوله جل وعلا(إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع)ثم أقسم تبارك وتعالى قسما لوحده أي منفردا عن الأول غير متصل به وهو قوله جل وعلا(والسماء ذات الحبك*إنكم لفي قول مختلف)أما تفسير الآيات فإن العلماء رحمهم الله اختلفوا في معنى قول الله جل وعلا:والذاريات،والحاملات،والجاريات،والمقسمات.لكن جمهور المفسرين والذي عليه أكثر أهل التفسير أن المقصود بالذاريات الريح، ويؤيده من القرآن قول الله جل وعلا (تذروه الرياح)(فا لحاملات وقرا)هي السحب والذي تحمله هو الماء(فالجاريات يسرا)هي السفن تجري بيسروسهوله في البحرويؤيده من القرآن(وله الجوارالمنشآت في البحر كالأعلام)(فالمقسمات أمرا) المقصود بها عند جماهير العلماء الملائكه لكنهم يقولون ليس المقصود جميع الملائكه وإنما المقصود أربعة منهم وهم/أولاً:جبريل للوحي والحرب.
ثانياً:مكائيل للرحمه والغيث والرياح .
ثالثاً:إسرافيل للنفخ في الصور .
رابعاً:ملك الموت لقبض الأرواح .(23/3)
وإن قدمت ملك الموت على إسرافيل يكون أليق في الخطاب.ملك الموت لقبض الأرواح ترتيب زمني تاريخي وإسرافيل للنفخ في الصور.فهذه الأربعه كلها من مخلوقات الله ،وأقسم الله جل وعلا بها،وأداة القسم هنا هي الواو،وقد مر معنا وأنا أضطرللتذكير وقد مر معنا أن الواو هنا معناً للقسم وأما كعمل نحوي فإنها تجر ما بعدها ولذلك قال تعالى:( والذارياتِ ذروا*فالحاملاتِ وقرا*فالجارياتِ يسرا*فالمقسماتِ أمرا*إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع)الجواب هنا جواب القسم هو ما كان القرشيون ينكرونه من قبل وهوأن السورالمكيه نزلت على قوم ينكرون البعث والنشور فأهم قضيه عالجتها.السوره المكيه هي قضية الإيمان بالله واليوم الأخر ومن جملة الأثارالتي تدل على صحة هذا التفسير أي أن الجاريات هي السفن والحاملات هي السحب والذاريات هي الريح والمقسمات هي الملائكه ماروي عن أمير الؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعالى عنه وأرضاه أنه صعد المنبر ثم قال رضي الله عنه في أيام خلافته (أيها الناس،اسألوني قبل أتفقدوني فإنكم لن تسألوابعدي من هو مثلي)رضي الله عنه وأرضاه .فقام إليه رجل يقال له ابن الكواء فقال ياأمير المؤمنين . ماالذريات ذروا؟ فقال الريح .فقال فما الحملات وقرا؟ قال السحب قال ماالجاريات يسرا؟ قال السفن . قال فما المقسمات أمرا؟ قال الملائكه .فهذا الأثر يدل على صحة قول جمهورالمفسرين بماذكرناه. وبعض العلماء يقول(إن الذاريات ذروا ) هي المرأة عندما تحمل .وبعضهم حمله على غير ذلك لكننا نقف هنا بالذات عند ماقاله جماهير العلماء .لأن الأثار تدل عليه وكذلك من قبل يدل عليه كلام الرب جل وعلا كمابينا في ذكرنا لما يدل على الجاريات وعلى مايدل على الذاريات. قلناإن جواب القسم (إنما توعدون لصادق)(وإن الدين لواقع) مايوعدون أي البعث .والدين المقصودبه هنا الجزاء والحساب .وما يوعدون ما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم من البعث.هذا هو القسم الأول(23/4)
في الآيه وكون الرب جل وعلا يقسم بأربع من مخلوقاته هذا شرف لمن أقسم الله بها وفي نفس الوقت دلاله على أهمية القضيه ولذلك جعل الله الإيمان باليوم الآخر أمراً يترتب عليه الكفر والإيمان فمن ءامن بالله بوجود الله ولم يؤمن باليوم الآخر بالبعث والنشور فهذا لا يعتبر مؤمناً لكن ليس كل من ءامن باليوم الآخر يعتبر مؤمنا حتى يؤمن بمنطق الحساب والعقاب الذي أخبر به الرسل.فمثلاً:اليهود والنصارى يؤمنون باليوم الآخر ويؤمنون بأن هناك جنه ونار لكنهم يزعمون أن الجنه لهم والنار لغيرهم.قال الله جل وعلا(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيئ)وقال الله جل وعلا (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا)وقالوا (لن ندخل النار إلا أيام معدودات)وهذا كله إخبار منهم بأن هناك بعث ونشور وهم يؤمنون بالبعث والنشور لكنهم يؤمنون بأمور أخر منها أنهم يجعلون مع الله ءالهة أخرى فقد زعمت اليهود أن عزير ابن الله وزعمت النصارى أن المسيح ابن لله .فأركان الإيمان المنصوص عليها في حديث جبريل عليه السلام لابد من الأ تيان بها كلها حتى يحكم على أي رجل بأ نه مؤمن . ثم قال تبارك وتعالى :(والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك) هذا قسم آخر لكنه قسم غير متتا بع جاء لوحده وجملة يقال في معنى قول الرب جل وعلا(والسماء ذات الحبك)والسماء ذات الخلق الحسن أما أقوال المفسرين فإنها تصب في فهم واحد فاختلفوا رحمهم الله في معنى (الحبك)لأن اللغة تحتمل هنا أكثر من معنى فمنهم من قال إنها المقصود بها (والسماء ذات النجوم)من باب قولهم حبكت الشيء بمعنى زينته والنجوم زينة لماذا؟زينة للسماء ومنهم من قال إن الحبك هنا بمعنى الطرائق وهذا يؤيده القرآن (فوقكم سبع طرائق)ومنهم من قال (ذات الحبك)أي الشيء المحفوظ وهذا يؤيده قول الرب تبارك وتعالى عن السماء أنه جعلها سقفا محفوظا وإلى غيرها من الأقوال لكن هذه الأقوال كلها(23/5)
يجمعها أنها السماء ذات الخلق الحسن وهذا اختاره ابن جرير الطبري رحمه الله وكل من قال من المفسرين قولا غير هذا فإنه لايبعد عنه ويصيب فيه.ثم قال جل وعلا(إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك)هذه نقف عندها (إنكم لفي قول مختلف)قال العلماء قال بعضهم في قول مختلف أي مصدق ومكذب إن قلنا بهذا أن المعنى في قول مختلف أي مابين مصدق بالبعث ومابين مكذب له إن قلنا بهذا تصبح الآيه مخاطب بها من؟يصبح جميع الناس لأن لوقلنا الكفار الكفار لايصدقون بالبعث لكن عندما نقول إن المعنى من قول مختلف مصدق ومكذب يصبح المخاطب بالآيه عموم الناس وقال بعضهم وهم الأكثر قالوا في قول مختلف أي اختلفتم في النبي صلى الله عليه وسلم فمنكم من قال إنه شاعر ومنكم من قال إنه كاهن ومنكم من قال إنه ساحر ومنكم من قال إنه مجنون على هذا القول يصبح (إنكم)كاف الخطاب عائده على من؟على الكفار وكفار قريش في المقام الأول إذا قلنا إن المقصود بالإختلاف التصديق والتكذيب فهذا مرد الخطاب يصبح للجميع وإذا قلنا بما قال به الجمهور من أن المقصود بقول مختلف أي قلت شاعر وكاهن وساحر ومجنون فيصبح الخطاب ماذا؟الخطاب لكفار قريش(إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك)المعنى (يؤفك عنه من أوفك)أي يصرف عنه من يصرف ويدفع عنه من يدفع بقدر الله لكن يبقى هنا(عنه)عن جاره والهاء ضمير تعود على من؟تعود على النبوه وتعود على القرآن وتعود على البعث والنشور فالإيمان به يصرف عنه من يصرفه الله جل وعلا عن الإيمان هذا قول علماء التفسير هذه الآيه ونقول غير متجرئين والله تعالى أعلم إن هذا القول في نظرنا لايستقيم وأنا أقول والله تعالى أعلم إن المعنى لقول الرب تبارك وتعالى(إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أوفك)نقول لايمكن أن يقسم الرب على شيء لاينكره أحد مثلا الله قال(والذاريات ذروا)ثم قال(إنما توعدون لصادق*وإن الدين لواقع)لماذا أقسم الله؟لأنهم أنكروا البعث والنشور.لكن إذا(23/6)
أخذنا بقول المفسرين (إنكم لفي قول مختلف)معنى الآيه أن هؤلاء القرشيين اختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم هذا لايحتاج إلى قسم لأنهم لم ينكروا إختلافهم في الني صلى الله عليه وسلم ثم إننا إذا أخذنا التي بعدها(يؤفك عنه)وجئنا بالضمير فإن الضميرلايمكن أن يعود على قول مختلف يعود على القرآن يعود علىالنبوه يعود على البعث والنشور كما قال العلماء.وهذا تكلف في الخطاب فيصبح معنى الآيه فيما نظن والله أعلم أن معنى قول ربنا جل وعلا(إنكم لفي قول مختلف)أي هذا القول الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مختلف مغاير لما عدتموه من الأساطير والأقوال وهذا القول الذي هو الإيمان جملة يصرف عنه من يريد الله جل وعلا صرفه عنه فيصبح(إنكم لفي قول مختلف)أي في نبأ جديد مختلف عما عدتموه مما ينقل لكم من أساطير الأولين(يؤفك عنه من أوفك)أي يقبله من يريد الله ويصرف عنه ويدفع عنه من يريد الله تبارك وتعالى أن يصرفه ممن لم يكتب الله جل وعلا له الهدايه ولاأعلم أحدا قال بهذا القول من قبل لكن لايمنع من الجهر به لأنني قلت أننا في مجلس علم وأنت لايلزمك شيء من قبوله وقلت إن العلماء على قولين .1ـ قول الجماهير(إنكم لفي قول مختلف)المقصود أنكم اختلفتم في النبي صلى الله عليه وسلم .2ـ وآخرون قالوا أي مابين مصدق ومكذب فيكون مرد الآيه للناس .وعلى منهاج جماهير العلماء يكون المرد على كفار قريش والله تعالى أعلم أين مكمن الصواب هذه هي الوقفة الأولى في سورة الذاريات .الوقفة الثانيه: في قول الرب تبارك وتعالى (إن المتقين في جنات وعيون*ءاخذين ماءاتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين*كانوا قليلا من الليل مايهجعون*وبلأسحار هم يستغفرون)هذه الأربع ءايات فقط وأنا قلت أختار.ذكر الله قبلها أهل الكفر ثم ذكر الله جل وعلا أهل الإيمان في ءايات ظاهره لاتحتاج إلى تفسير (إن المتقين في جنات وعيون*ءاخذين ماءاتاهم ربهم)هذه (ءاخذين) تحتمل معنيين:ـ(23/7)
الأول:إما أن يكون المقصود ءاخذين وقت دخولهم الجنه فيصبح المعنى ما هم فيه من النعيم.والمعنى الآخر أن يكون حال عند ما كانوا في الدنيا الله يصف أحوالهم عندما كانوا في الدنيا يصف حال المحسنين عندما كانوا في الدنيا فيقول(ءاخذين ما ءاتاهم ربهم)إذا قلنا بهذا وهو أنهم ءاخذين ما ءاتاهم ربهم معناها في الدنيا فيصبح المعنى كانوا راضين عن الله ولأنهم رضوا عن الله أخذوا عنه أخذوا الأمر بتنفيذه والنهي باجتنابه والمصائب بالصبر والنعماء بالشكرهذا معنى ءاخذين ماءاتهم ربهم أخذوا الأمر بامتثاله وإنفاذه،وأخذوا النهي باجتنابه وأخذوا المصائب بالصبر،وأخذوا النعماء بالشكر،هذا إن قلنا إنها حال لهم في الدنيا ،وإن قلنا إنها حال لهم في الآخرة فآخذين ماءاتاهم ربهم هذه ظاهرة لاتحتاج إلى تفسير أي أنهم يتقلبون في نعم الرب تبارك وتعالى {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين}ثم ذكر الله جل وعلا صفة من صفاتهم وهي التي تقف عندها وقفة علمية لا وقفة وعظية {كانوا قليلاًمن الليل ما يهجعون*وبالأسحارهم يستغفرون}الله جل و علا هنا يخبرعن حال أهل النعيم فالأيه في سياق المدح وأنت تفسر لابدأن تستحضر سياق الآيه حتى لاتقع في حواجز اللغه (كانواقليلاً من الليل مايهجعون) هذه (ما) تحتمل معنيين . المعنى الأول:أن تكون نافيه.والمعنى الثاني :أن تكون صله بمعنى الذي . نطبق الأولي:إذا قلنا إنها نا فيه يصبح معنى الآيه (كانوا قليلاً من الليل لايهجعون)فيصبح أيهم أكثر هم مناماً أو قياماً ؟مناماً. فيصبح أن قيامهم في الليل قليل بالنسبه إلى النوم .هذا إذا قلنا إن(ما)هنا نافيه .وإن قلنا إنها صله يصبح المعنى (كانوا قليلاًمن الليل مايهجعون )يصبح أنهم أكثر الليل قائمين.قياماً بين يدي ربهم وقليلاً ماينامون.الآن أنت من حيث اللغة العربيه الأيه تحتمل كم معنى؟ معنيين.لأن(ما) في اللغه تأتي صله وتأتي نافيه.ولايعرف إلامن السياق العام،السياق العام في معرض المدح(23/8)
والثناء،فما دامت في معرض المدح والثناء،لايمكن أن تكون(ما)نافيه.فلا يعقل أن الله يثني على خلقٍ من خلقه وعدهم الجنان وأعطاهم مايشاءون بأنهم كانوا أكثرالليل نياماً. فحواجز اللغه هنا أخرجها السياق القرآني لأنه سياق مدح وثناء على تلك الفئه (كانواقليلاً من الليل مايهجعون* وبالأسحارهم يستغفرون ) والسحر آخر الليل وهو موطن التنزل الإلاهي وهو موطن إجابة الدعاء وقد قال العلماء رحمهم الله إن يعقوب لما قال لبنيه سوف أستغفر لكم ربي إنما كان ينتظر ساعة السحر لأنها أقرب وقد مرمعنا في دروس سابقه أن طاووس ابن كيسان رحمه الله أحد التابعين كان لاينام السحر وذهب ليزور أحدا ًيسأله عن مسأله في السحر فلما طرق الباب ردت عليه الجاريه أوالغلام فقال إن مولاي نائم .قال سبحان الله ماظننت أن مؤمناً ينام السحر .لأنه وقت عظيم فيه يتقرب الصالحون إلى ربهم جل وعلا .والنبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ (وصلاة الرجل في جوف الليل الأخر ثم تلا (تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا و مما رزقناهم ينفقون) الوقفه الثالثه:مع قول الرب تبارك وتعالى (هل أتاك حديث ضيف إبرهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلاًم قوم منكرون)قبل أن أشرع في التفسير نذكر القصة كامله على عجل ثم نبين ما يمكن أن نخوضه فيها تفسيرا.هنا يخبر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم بنبأ ضيف إبراهيم المكرمين وهم ملائكه كرام قيل إنهم جبريل وإسرافيل وميكال نزلوا من السماء في أصل مهمتهم أن يعذبوا قوم لوط ولوط عليه السلام ابن أخ لإبراهيم كانا يسكنان في أرض ببابل في العراق فلما تآمر القوم على إبراهيم وأحرقوه هاجر لوط بزوجته وابنتيه وكذلك إبراهيم تركوا أرض العراق فنزل لوط عليه الصلاة والسلام في أرض سدوم جهة الأردن حاليا في الضفه الشرقيه من الأردن ونزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام في القدس في بيت المقدس في أرض فلسطين فأصبحوا غير بعيدين(23/9)
بعضهما عن بعض.بالنسبه لإبرهيم وبالنسبة للوط.فلما جاءت الملائكه مرسلة لتعذب قوم لوط لأنهم أنكروا نبوة نبيهم وجاؤا بالفاحشة العظيمه مرت الملائكه وهي في طريقها على إبراهيم وكان إبراهيم آنذاك متزوجاً من ساره الحره وليس من هاجر الأمه وكان مع ساره في أرض بيت المقدس فلما جاءها كان إبراهيم يفتح بيته للضيفان فلذلك لم تستأذن الملائكه فدخلت البيت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام في صورة رجال غير معروفين فاستقبلهم وهو منكر لهم لأنه لايعرفهم ولما حيو كأنهم سلموا بطريقه غير معهوده (قالوا سلاما قال سلام قوم منكرون)فدخلوا عليه فبادر عليه الصلاة والسلام وكان عامة النعم التي يملكها البقر فعمد إلى عجل سمين فقربه إليهم وقدمه لهم على أنه طعام لضيفه لكن الملائكه لا تأكل ولا تشرب ولا توصف لا بذكوريه ولا بؤنوثيه ولم تقرب أيديهم الطعام فازداد خوفه قال الله(فأوجس منهم خيفه) فلما شعر بالخوف طمئنته الملائكه وأخبروه أنهم رسل من الله فلما زالوا عنه الخوف بشروه قال الله تعالى(فبشرناه بغلام عليم) وقال في ءاية أخرى (فبشروه بغلام حليم) فلما قال لهم البشاره كان الذي يتولى خدمة الضيوف إبرهيم بنفسه ومعه زوجته ساره فلما قالوا ذلك أحدثت الزوجه كردت فعل متعجبه أحدثت صوت قال الله جل وعلا(فأقبلت امرأته في صرة )هنا(أقبلت)ليست بمعنى مشيت وإنما أخذت في الفعل نظير قول الله (وطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنه ) أي أخذ يخسفان عليهما من ورق الجنه .فأقبلت المرأه في صرة يعني أظهرت صوتاً يقال صريرالباب يعني صوته (وصكت وجهها ) تعجباً (وقالت عجوز عقيم ) فذكرت سببين من أسباب منع الحمل :أولاً:عجوز .ثانياً:وعقيم قالت عجوز عقيم فأخبرت الملائكه إبراهيم وزجه أن هذا أمرالله (قالو كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم) فطمأن إبراهيم وقبل البشاره فلما ذهب عنه الروع والخوف سألهم لماذا قدمتم فأخبروه أنهم قدموا ليعذبوا قوم لوط فأدركته العاطفه(23/10)
والشفقه على ابن أخيه لوط (قال إن فيها لوطا) قالت الملائكه (نحن أعلم بمن فيها لننجيه وأهله) وأخبروه الملائكه بأنهم معهم حجارة مسومه أي معلمه عقاباً لأولئك المجرمين .هذا ماتدل عليه الآيه جمله .أما التفسير فسنعرض لبعض القضايا الهامه حوله.ونبدأ مستعينين بالله قول الرب جل وعلا (هل أتاك حديث ضيف إبرهيم المكرمين )هذا لغوياً يسمي إسلوب تفخيم حتى يتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع الخطاب كلمة (ضيف) تطلق على المذكر وعلى المؤنث وعلى المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع (المكرمين)المعنى أنهم مكرمون أصلاً ومكرمون عارضاً.كيف مكرمون أصلاً؟ لأنهم ملائكه والدليل على أنهم ملائكه مكرمون (كراماً كاتبين) أوبأوضح منها (وقالوااتخذالرحمن ولدا سبحنه بل عباد مكرمون)هذا نعت للملائكة هذا مكرمون أصلاً.كيف مكرمون عارضاً ضيوف على من؟على إبراهيم ومن شدة كرمه عليه السلام باشرإكرامهم بنفسه فهو الذي قدم الطعام وهو الذي أدخلهم وهو الذي حيا بهم (ألاتأكلون) وهذامن عناية الرجل بضيفه أن يباشر هو بنفسه إكرام الضيف .هذا معنى قول ربنا ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين*إذ دخلواعليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون) العامة تقول وأنا قلت هذا مراراً يقولون بينك وبين فلان عيش وملح...فيه شيء في التقاليد الموروثه إنسانياً اسمها حرمة المآكله العامه يقولون عيش وملح لكن بتعبير علمي يقال حرمة المآكله أي إنسان غالباً أنت وإياه جلستما على طعام واحد يصبح بينكما شيء من الحرمه ليس حرمة أنك ترى زوجته ويرى زوجتك ليس المقصود هذا.لكن المقصود أنك تغير تعاملك معه لأن هذا الأمر يغير فيك .هذا جبله إنسانيه موجوده عبر التاريخ وإذا أردنا أن نخوض في هذا إنسانياً نقول موسى عليه الصلاة والسلام كان ذكياً في الصغر فلما أراد فرعون أن يقتله قدمت بأمرآسيا قدم له جمر وتمر فعمد موسى إلى التمر يعرف أنه تمر يريد أن يأكله فجاء جبريل ووضع يد موسى على الجمر(23/11)
حتى يفهم فرعون أن موسى هذا لايفقه فلا يتعمد إلى قتله ولئن تحرق يد موسى قليلاً خير من أن يقتل. هذا كله يساق في العمليه كلها. لكن هذا ماهي علاقته بمحرمة المآكله؟ لما أصابت يد موسى الحرق أصبح غير قادر على أن يأكل في الصبا بنفسه فلا يستطيع أن يأكل مع فرعون يحتاج إلى وقت حتى يأكل فيظطر أن لايأكل مع الملك مع فرعون فلما اظطر موسى أن لا يأكل مع فرعون يصبح ليس هناك حرمة مآكله بين فرعون وبين موسى فإذا قدر الله بعد ذلك أن يزيل ملك فرعون على يد موسى لا يوجد لفرعون أي منقبه له على موسى ولا حتى حرمة المآكله ولا يوجد لفرعون أي مخرج على موسى أو مدخل على موسى ولا حتى حرمة المآكله هنا نبي الله إبراهيم يقول لما رءآهم لا يأكلون خاف. إنسان تريد أن تقدم بينه وبينك نوع من الحرمة فيرفض الأكل يصيبك الخوف فقال الله جل وعلا عنه منكرا لهم (قال قوم منكرون)بعد أن بين الله أنه راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون وقلنا إن الملائكه لا تأكل وهذا مر معنا كثيرا أن الملائكه أصلا لاتأكل ولا تشرب ولا تتناسل ولا تتناكح ولا توصف لابذكوريه ولا بؤنوثيه بل كما نعتهم ربهم وخالقهم (بل عباد مكرمون) ثم قال تبارك وتعالى (وبشروه بغلام عليم*فأقبلت إمرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) قبل أن أت عند البشاره أخرها قليلا وأدخل في قضايا أخرى:(فصكت وجهها) إذا أردت أن تفسر القرآن إجمع الآيات كامله لا تأخذ القرآن مجزء لن يفهم لأنه كله كلام الله فليس بعضه بأولى من بعض.هنا ساره ذكرت سببين لمنع الحمل وهما:
الأول:عجوز. الثاني:عقيم.(23/12)
عجوز على وزن فعول وهي صفة وزن يجتمع فيه المذكر والمؤنث يقال لرجل عجوز و للمرأه عجوز. وعقيم معناها واضح أي أنها امرأه عقيم أي لا تقبل أن تأتي بالولد هذا سببان . بقي سبب ثالث ذكره الله جل وعلا في هود وهو (وهذا بعلي شيخا) إذا كم سبب ذكرت؟ ذكرت ثلاثه. والله جل وعلا هذه الأسباب ذكرها متفرقه لكن ذكرها كلها لأن القرآن كله ينظر إليه منظار واحد فذكرت ساره ثلاثة أسباب أنها عجوز وأنها عقيم وأن بعلها شيخا (وهذا بعلي شيخا*قالوا أتعجبين من أمر الله)كما قال الله في هود (قالوا كذلك قال ربك إنه هوالحكيم العليم*قال فما خطبكم أيهاالمرسلون)قلنا هذه بيناها نعود للبشاره قال الله تعالى (وبشروه بغلام عليم) ساره أم إسحاق، وهاجر أم إسماعيل.هنا نأتي إلى قضيه قلت أنت طالب علم بما أنك طالب علم فيه أشياء ينبغي أن لا تجهلها نحن متفقون كل الملل كفار ومسلمون .اليهود والنصارى والمسلمون متفقون على أن إبراهيم الخليل أمر بذبح ابنه وأن الله جل وعلا فدى ذلك الذبيح.لكن السؤال من هو الإبن الذي أمر إبراهيم بذبحه ثم فداه الله جل وعلا بكبش عظيم؟ اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه السأله على قولين لاثالث لهما :الأول:قول أنه إسماعيل.(23/13)
والقول الثاني:أنه إسحاق.جمهور العلماء على أنه إسحاق. ولأجل ذلك أنا أردت التنبيه على القضيه هذه لأنه لايعقل أن إنسان يقرأ العلم ويجهل هذا. اختار ابن جرير الطبري رحمه الله شيخ المفسرين أنه إسحاق وهو المروي الثابت عن عبد الله ابن مسعود والروايه الصحيحه عن عبد الله ابن عباس وهو قول أمير الؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعن جملة من الصحابه وعن أكثر من عشرة من سادات التابعين على أن الذبيح هو إسحاق وذهب بعض العلماء الروايه الثانيه عن ابن عباس والإمام أحمد وبعض العلماء على أن الذبيح هو إسماعيل.وكل منهم له أدله،وقال الزجاج رحمه الله وهذا القول الثالث الله أعلم أيهما هو الذبيح لكثرة الإختلاف في المسأله وأنا أقول الحق والله إلىساعتي هذه لاأدري أيهما الذبيح فكلما ترجح قول صدم بأخر. قد يقول قائل (النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا ابن الذبيحين) هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك وقال عنه الذهبي أن سنده واه جداً فلا يقبل في مسأله كهذه.أما أقوال العلماء لماذا قالوا إسحاق؟ ولماذا ا قالوا إسماعيل فنحاول إجمالاً حتى تتبين. الله يقول ذكر أن قوم إبرهيم أرادوا أن يحرقوه ثم قال عنه في الصافات (قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) ثم دعا ربه (رب هب لي من الصالحين) قال الله (فبشرناه بغلام حليم*فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) بلغ معه الغلام الذي بشر به عند خروجه من أرض العراق دعا ربه أن يهب له من الصالحين وأن الله بشره هو نفسه الذي قال الله عنه (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك)الذين قالوا إنه إسحاق قالوا ليس في القرآن دليل واحد على أن الله بشر إبراهيم بإسماعيل المبشر في القرآن هو إسحاق (وبشرناه بإسحاق نبيا) فكل القرآن يدل على أن الذي بشر به بشاره هو إسحاق والقرآن يدل قالوا إن الذبيح هو المبشر به لأن الله قال (فبشرناه بغلام حليم*فلما بلغ معه)(23/14)
"بلغ"هذه فاعلها ضمير مستتر تقديره هويعود على المبشر به على الغلام هذا الذي دفع العلماء للقول أنه هو إسحاق ثم قالوا من أدلتهم قالوا إن الله يقول (فلما بلغ معه السعي) أي أنه عايش في كنف أبيه وإسماعيل لم يعش في كنف كان مع أمه في مكه إنما ولد ساره إسحاق هو الذي كان مع أبوه يغدوا ويروح أما إسماعيل كان لوحده مع أمه و إبراهيم جاء مكه ثلاث مرات مرتان لم يجد إسماعيل والمره الثالثه وجده في المرتين كان يقول غير عتبة الباب... ثبت عتبة الباب... والمره الثالثه وجده.هذا حجج من قال إنه إسحاق الذين قالوا إنه إسماعيل من أكثر من انتصر لهذا الرأي العلامه الشنقيطي رحمه الله تعالى صاحب أضواء البيان قال إنه لا يسوغ القول بأنه إسحاق وأن ظاهر القرآن يدل على أنه إسماعيل واحتج بآيتين الآيه الأولى أنه قال إن الله قال في الصافات (وبشرناه بغلام حليم*فلما بلغ معه السعي قال يا بني)وذكر الله الذبح كله ثم قال الله بعد أن ذكر الذبح (قال إن هذا لهو البلاء المبين*وفديناه بذبح عظيم*إن كذلك نجزي المحسنين*وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) يقول الشنقيطي رحمه الله إن قواعد القرآن تقتضي أنه لايمكن أن يعيد الله البشاره مره ثانيه فالمبشربه بالأول غير المبشربه بالثاني لإن الله قال(وبشرناه بغلام حليم)ولم يسمي ثم قال بعد الحدث قال (وبشرناه بإسحاق نبيا) قال لايمكن أن يكون إعاده للقضيه فجعل الواو واو عطف والعطف يقتضي المغايره طبعا يجاب عنه بأنه لايلزم أن تكون الواو واو عطف ممكن أن تكون الواو واو استئناف فتكون الآيه نزلت منفكه عن الأولى وقال رحمه الله تعالى والدليل الثاني أن الذبيح هو إسماعيل أن الله قال "فبشرناه" يخاطب ساره (بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)أين وجه الدلاله. قالوا وجه الدلاله هذا قول الشنقيطي وقاله قبله رحمه الله تعالى أقوام قال إن الله لايعقل أن يبتلي إبراهيم بذبح إسحاق وهو قد أخبره أن ذرية إسحاق يكون يعقوب.فما(23/15)
فيه معنى للإبتلاء لأن إبرهيم قبل أن يذبح سيعرف إنه لن يموت لأن الله قال (فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) فلن يأتي يعقوب حتى يكون إسحاق حي فكيف يموت ولم يأتي يعقوب إذاً هذا ليس إبتلاء إذاً ليس المقصود إسحاق ولكنه من؟ كيف يجاب عن هذا. نحوياً يستحيل المانع.العرب إذا عطفت تكرر حرف الجر تقول مثلاً:.مررت بصالح ثم مررت بعده خالد هذا لايستقيم لابد أن تقول إذا أردت العطف تقول: مررت بصالح ثم مررت من بعده بخالد إذا قلت الباء أعدت الخافض السبب في الخفض، فهذا يستقيم لغة. الله هنا قال:(فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق) لو كان المقصود العطف يعني كلها بشاره واحده كان يصبح الأيه (ومن وراء إسحاق بيعقوب) فلما حذفت الباء دلت على أن الأيه منفكه بمعنى أن البشاره فقط بإسحاق أما (ومن وراء إسحاق يعقوب) هذه غير داخله في البشاره لأنني قلت العرب إذا أرادت أن تعطف بخافض تكرر الخافض فإذ لم تكرر الخافض دل على أن الواو ليست عطفا وإنما هي واو للإستئناف كلام جديد طبعاً قد يأتي قائل يقول هذا لا.لا يلزم منه القاعده ويخرمها هذا الذي جعل الإنسان يتردد في أيهما الذبيحين لكن معلوم أنه لايتعلق بمعرفة أيهما الذبيحين عمل في حياتك اليوميه لكن الذي أردته عمدا من إيثار القضيه أن تعرف أولا أن في المسأله خلاف وأن كثيرين من العلماء قالوا بأنه إسحاق وكثيرين آخرين قالوا بأنه إسماعيل لكن المهم جدا أن تعرف أن لكل قوم دليلا وأشهر من قال من المفسرين أنه إسحاق ابن جرير إمام المفسرين وأشهر من قال من المفسرين أنه إسماعيل الحافظ ابن كثير رحمه الله والعلامه الشنقيطي رحمه الله ورحم الله جميع علماء المسلمين..الوقفة الأخيره من هذه السورة ذكر الله بعد ذلك أخبار الأمم والرسل وهذه مرت معنا كثيرا في تفسيرات سلفت لكن نقف إجمالاً قال الله تعالى ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) الريح العقيم:ـ التي لا تلقح شجرا ولا تثير سحابا (ما تذر(23/16)
من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) قلنا إن هذا لا يعني العموم فليس كل شيء أتت عليه جعلته كالرميم لأن الله قال (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) فأثبت وجود المساكن إلى أن نصل إلى قول الرب تبارك وتعالى (فتولى عنهم فما أنت بملوم*وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) آيه تحمل البشاره لمن أنزلت الآيه وهم أحياء. أين البشاره؟ قلت إذا أردت التفسير انظر لما قبل وما بعد. تأمل يا أخي.الله يقول لنبيه الآن الرسول ذكر الله في الآيه قضيه الإيمان بالبعث الأخر. ثم قال لنبيه (فتول عنهم فما أنت بملوم)فقول الله جل وعلا لنبيه(فما أنت بملوم)تشعر أن الله أعذر نبيه في دعوة أولئك الناس. صحيح أو غير صحيح؟صحيح الله يقول لنبيه(فما أنت بملوم)وقول الله جل وعلا قبلها(فتول عنهم)ماذا يشعر؟ أن الأمورانتهت أنت فعلت ماعليك دعوت... أنذرت... بلغت...(فتول عنهم)اتركهم فالمؤمنون الذين كانوا آنذاك أحياء ونزلت هذه الأيه وهم موجودون أخذوا ينتظرون العذاب على الكفار وأن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي بالنسبة إليه لأن الله اعذره وأمره أن يتولى قال:(فتولى عنهم فما أنت بملوم) وأعذره الله تبارك وتعالى.ثم لما أصابهم هذا الخوف أخبرالله أن الوحي مازال مستمراً فقال بعدها(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)يعنى لاتقطع البلاغ... استمر في تذكيرك فهذا يدل على أن الوحى آنذاك غير منقطع فأصبحت هذه الآيه كما قال علي رضي الله عنه وغيره أصبحت نوع من البشاره للمؤمنين (فتولى عنهم فما أنت بملوم *وذكرفإن الذكرى تنفع المؤمنين)هذا ماتهيأ إراده وتيسر قوله حول هذه السوره وأسال الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم .... ...(23/17)
(تأملات في سورة الطور)
الحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعاراً ودثاراً ولواء أهل التقوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله .صفيه من خلقه، وأمينه على وحيه . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .......أمابعد .أيها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات هذا هو اللقاء الثاني في هذه الدورة العلميه نٍسأل الله جل وعلا أن يبارك فيها وفيما يلقى فيها من دروس نافعه وهذا اللقاء خاص اليوم بتأملات في سورة الطور وهي سورة مكيه تناولت أصول العقيده الثلاث .....
ـ الوحدانيه
ـ إثبات الرساله
ـ البعث والجزاء(24/1)
وهذه السوره السورة بدأت بقسم على صدق البعث والجزاء وانتهت بالأمر لنبينا صلى الله عليه وسلم بأن يصبر وأن يقرن ذلك الصبر بالتسبيح كما أن هذه السوره الكريمه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بها في صلاة المغرب كما في حديث جبير ابن مطعم رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما قدم المدينه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فسمع النبي علية الصلاة والسلام يقرأ بها أي بسورة الطور في صلاة المغرب فكأنما كاد أن ينصدع قلبه كما أخبر بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه أما تفسيرها فإننا نقول ومن الله نستمد العون نستعدفع نقمته ونستجدي رحمته قال ربنا جل جلاله (والطور* وكتاب مسطور *في رق منشور * والبيت المعمور *والسقف المرفوع *والبحر المسجور *إن عذاب ربك لواقع *ماله من دافع )هذا قسم من الله جل وعلا كما مر معنا في ليلة أمس في قسم الله تبارك وتعالى ببعض مخلوقاته فأقسم ربناجل وعلا بالأمس في سورة الذاريات"بالذاريات" وأتبعها بقسم هذه الألف واللام في الطور إما أن تكون للجنس. أخروفي هذه السورة يقسم الله جل وعلا بالطور والطور أيها الأخ المؤمن في الأصل في اللغه هو الجبل الذي فيه نبت وشجر يسمى طور فكل شجر أنبت فهو طور وكل شجر لم ينبت فليس بطور لكن وإما أن تكون للعهد فإذا قلنا إنها للجنس فشاملة للجميع الجبال التي عليها نبت عليها شجر وإن قلنا إنها للعهد فإن المعهود هنا معهود ذهني وليس معهود لفظي ولماذا قلنا ليس معهودا لفظيا؟ لأنه ليس قبل هذه الآيه شيء . وإنما هو معهود ذهني مستقر في الأذهان والمعهود الذهني المستقر في الأذهان المتعلق بالطور هو الجبل الذي كلم الله جل وعلا عنده عبده ونبيه وصفيه موسى ابن عمران عليه السلام. قال الله جل وعلا (وناديناه من جانب الطور الأيمن*وقربناه نجيا) وقال الله تبارك وتعالى (وماكنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسي الأمر) وقال تبارك وتعالى في ءايات أخر سماه الله جل وعلا البقعه المباركه(24/2)
وسماه الله تبارك وتعالى الوادي الذي فيه هذا الجبل قال الله جل وعلا (واخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) هذا كله إخبار بأن الأرض التي فيها الجبل أرض مقدسه وهي طور سيناء وأن الجبل نفسه جبل مبارك كما أخبر الله جل وعلا لأن عند هذا الجبل نزل الوحي على رسول من أولي العزم من الرسل هو موسى ابن عمران وكلمه الله جل وعلا ونال موسى لذلك المكان المبارك مانال من فيض الله جل وعلا ورحمته وبركاته على ذلك النبي والصفي والكريم صلوات الله وسلامه عليه... إذاً يتحرر أن الطور في قول أكثر العلماء المقصود به هنا/ الجبل الذي كلم الله عنده موسى فهذا القسم الأول .. ثم قال جل وعلا (وكتاب مسطور* في رق منشور) جاءت كتاب منكره نكره فليست معرفه حتى نقول هل هي للعهد أو نقول هل هي للجنس لذلك اختلف العلماء رحمهم الله في المقصود بالكتاب هنا وأظهر الأقوال ينصرف إلى قولين .
القول الأول :ـ قول أن المقصود بالكتاب اللوح المحفوظ .(24/3)
القول الثاني :ـ هو الأشهر أن المقصود به كتاب الله القرآن الكريم الذي بين أيدينا (وكتاب مسطور ) أي مكتوب سطِّّّّّّّّّّّّر بمعنى كتب (في رق منشور ) الرق بفتح الراء مايكتب عليه والأصل أنه في الغالب يؤخذ من الجلد وكل شيء كتبت عليه من الصحف أو الورق يسمى رق أما الرق بكسر الراء فهذه في العبوديه واللمك ويؤخذ ويكتب عند الفقهاء في قضية الرقيق وما أشبه ذلك. أما رق بمعنى شيء مكتوب وسواء قلنا إنه اللوح المحفوظ أوقلنا إنه القرآن الكريم كلاهما مكتوب كما هو معلوم أن الله أول ماخلق خلق القلم فقال له اكتب كما في الحديث الصحيح . والمقصود من هذا الأظهر أن المقسم به هنا هو كلام الله (وكتاب مسطور*في رق منشور) ثم قال جل وعلا(والبيت المعمور) وهذا القسم الثالث البيت المعمور: هو بيت في السماء السابعه على أظهر الأقوال.قال العلماء فيما نقل من آثار يعضد بعضها بعضا أن هذا البيت موازي على الكعبه لو سقط منه شيء سقط منه شيء على الكعبه والعلماء منهم من يقول إن البيت المعمور :ـ المقصود به هنا الكعبه نفسها لأنها تعمر بالطائفين والعباد والراكعين والساجدين وما يكون حولها لكن في هذا السياق نرجح أنه البيت المعمور في السماء السابعه.لأن البيت المعمور بهذا النص بهذه التسميه وردت في الحديث قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في قضية الإسراء والمعراج (فإذا أنا برجل قد أسند ظهره إلى البيت المعمور) يقصد خليل الله إبراهيم،فلما ورد في السنه أن البيت المعمور هو بيت في السماء السابعه وجاء في أثر آخر أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يسبحون الله لا يعودون إليه إلى يوم القيامه. قلنا إن الأرجح أن يكون المقصود بالبيت المعمور هنا هو البيت الذي في السماء السابعه وقلنا ثمت رأي يقول أن البيت المعمور المقصود به الكعبه وكلا القولين وجيه لكن الأول فيما نعلم والله أعلم هو أرجح وهو قول أكثر المفسرين رحمهم الله . والذي يعنيننا أن(24/4)
الرب تبارك وتعالى لا رب غيره ولا إله سواه يعبد في الأرض ويعبد في السماء. وهذا معنى قول الله جل وعلا(وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض،وأنت إذا قرأت مثل هذه الآيات وعلمت أن الله يقسم بالبيت المعمور وأن هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك وأنه في السماء السابعه وأن الله جل وعلا يعبد تعلم يقينا أنه كم من عبد صالح غيرك يعبد الله لكن ليس لك ولا لغيرك إلا الله.فاالله جل وعلا غني عن كل خلقه بلا استثناء وكل خلقه بلا استثناء فقير إلى الله شاء أم أبى. فكل الخلق فقراء إلى ربهم تبارك وتعالى (ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)وهذا الذي يتركه أثر القرآن إذا تلوناه وقرءناه في نفوسنا.(والسقف المرفوع) السقف المرفوع:ـ أظهر الأقوال أن المقصود به السماء وهي مرفوعة عن الأرض وقد زينها الله جل وعلا بالنجوم وقد مر معنا في دروس سابقه أن الله جعل لها أبواب وجعل لها طرائق وجعل لها خزنه. قال عليه الصلاة والسلام(وطئت السماء وحق لها أن تئط والله مامن موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تجئرون إلى الله) جعلنا الله وإياكم ممن يخاف رغبا ورهبا.فالمقصود أن السقف المرفوع هو السماء وقد قال الله جل وعلا في آية أخرى(وجعلنا السماء سقفا محفوظا) والآيه إذا أردت أن تفسرها ووجدت لها قرائن تعضدها في كتاب الله فهذا دلاله وقرينه على أنك أقرب إلى الصواب لكننا لانجزم بشيء في الغالب إلا ماثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أوأجمع عليه الصحابه أوأجمعت عليه الأمة جمعاء.(والبحر المسجور)ثم أقسم الله تبارك وتعالى بخلق عظيم من خلقه هو البحر, والبحر من أعظم مخلوقات الله تبارك وتعالى بلاشك إذا رأه الرائي يتذكر عظيم قدرة الجبار تبارك وتعالى وقد نعت الله البحر هنا بأنه مسجور وكلمة مسجور(24/5)
تحتمل معنيين .
المعنى الأول:ـ أن يكون المملوء وهذا ظاهر المسجور بمعنى المملوء أي مملوء ماء وهذا ظاهر لاارتياب فيه.
والمعنى الثاني:ـ أن يكون المسجور بمعنى الموقد الذي يشتعل نارا .فإذا اخترنا الرأي الثاني وقد اختاره كثير من العلماء يكون المعنى أنه مسجور متى؟ يوم القيامه لأنه الآن ليس بمسجور فيما نرى وقد قال الله جل وعلا(وإذا البحار سجرت) أي أوقدت وقول الله جل وعلا إذا البحار سجرت قرينه على أن المقصود بالبحرالمسجور/البحر الموقد. لكن قلنا لانجزم به. البحر الموقد،واللغة تحتمل المعنيين،والمقصود من هذا كله قسم من الرب تبارك وتعالى ببعض مخلوقاته جل وعلا ببيان أن البعث والجزاء حق وبيان على وجه الأخص أن ما وعد به الكفار من العذاب كائن لا محاله ولهذا كان كثير من العصاه يخوف بصدر سورة الطور . كان كثير من العصاه يخوف ويرقق قلبه ويدعى إلى الله بقراءة سورة الطور عليه لأن الله يقول (والطور*وكتاب مسطور*في رق منشور*والبيت المعمور*والسقف المرفوع* والبحر المسجور*إن عذاب ربك لواقع*ماله من دافع) فأي أحد يعصي الله جل وعلا لن يحول بينه وبين عذاب الله شيء إلا أن تتداركه رحمة الرب تبارك وتعالى .ولذلك جبير ابن مطعم هذا لم يكن مسلما كان قرشيا كافرا في أول الأمر فلما قدم إلى المدينه للنظر في أسارى بدر والتفاوض دخل المدينه فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور والنبي عليه الصلاة والسلام أندى الناس صوتا بقراءة القرآن فلما سمعه يقرأ القرآن فاجتمع صوت النبي مع مايتلوه فلما قال:(إن عذاب ربك لواقع) قال خفت أن ينصدع قلبي وءامنت خوفا من أن يقع علي العذاب والمؤمن يعلم أن وعد الله حق فمن عصى الله يبقى في خوف إذا كان الله نعت المؤمنين بأنهم خائفون من ربهم فما بالك بالعصاه أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله .(إن عذاب ربك لواقع* ماله من دافع) والعصاه يوم القيامه لا يمكن أن يدفع عنهم عذاب الله جل وعلا أحد كائنا من(24/6)
كان لا شفيع ولا قريب ولا مال ولا ذو سلطان مماهو مقرر شرعا لايكاد يجهله مؤمن.(إن عذاب ربك لواقع*ماله من دافع)متى يكون هذا؟قال الله بعدها والقرآن محكم ءاياته يمهد بعضها لبعض قال الله جل وعلا(يوم تمور السماء مورا*وتسير الجبال سيرا)تمور السماء:ـ تضطرب...تموج...تتحرك...والسماء تأخذ طبقات ثلاث في يوم القيامه .أول الأمر:ـ تضطرب،تتحرك،ثم بعد ذلك يموج بعضها في بعض ثم بعد ذلك تتبدل كما قال الله جل وعلا (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات) وكذلك الجبال فإنها أول الأمر تسير كما يسير السحاب قال الله جل وعلا (وترى الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب)في الحاله الثانيه:ـ يتغير لونها أخبر الله جل وعلا أنها تصبح كالعهن المنفوش ثم بعد ذلك تصبح منبثه كما قال الله جل وعلا (فكانت هباء منبثا)تضمحل تنتهي تدك كما قال تبارك وتعالى (ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا*فيذرها قاعا صفصفا* لاترى فيها عوجا ولاأمتا) وهذا كله هذه الأحداث تقديم بين يدي يوم عظيم يوم لايوم من جنسه مثله أبدا يجيء فيه الجبارجل جلاله مجيئا يليق بجلاله وعظمته ويحشر الناس على أرض بيضاء نقيه لم يعص الله جل وعلا فيها طرفة عين ويخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا بهما غير ممولين لا يملكون من متاع الدنيا شيء يلجمهم العرق.. تدنوا منهم الشمس، ويزدحم بعضهم من بعض، ومنهم من خصه الله بأن يظله الله تحت ظل عرشه جعلني الله وإياكم من أهلها. ذلك كله أخبر الله جل وعلا عنه بالتمهيد الذي كان ينكره المشركون (يوم تمور السماء مورا*وتسير الجبال سيراً) ثم أخبر الله جل وعلا في ءايات متتابعة أن الويل لأهل التكذيب وأنهم يساقون إلى جهنم في ءايات ظاهرة البيان حتى قال الله جل وعلا في سلوب تهكم بهم "أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون"والحق أنه ليس بسحر وهم يبصرون فلما انتفى الاثنان بقي الثالث وهو أنهم مايرونه حق عندما يواجه الكفارالنار يوم القيامة يقال لهم(24/7)
"أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون"وكلا الأمرين منتف فلا النار سحر ولا هم لايبصرون بل يبصرون النار ولذلك بقي الأمر الثالث وأنهم يبصرون النار عياذاً بالله .فيصيبهم من الكرب مالله به عليم حفظنا الله وإياكم وأجارنا من حرها وشررها ثم يقال لهم:"اصلوها"أي ذوقوا حرها "فاصبروا أولاتصبروا سواء عليكم إنما تجزون ماكنتم تعملون"واستوى الصبر و الجزع هنا لأنه قد تقرر عقلا ونقلا وشرعاً أن الإنسان إذا ابتلي بشيء فهو إما أن يصبر وإما أن يجزع، فإذا جزع خسرالعاقبه وإذا صبر نال العاقبه نال عاقبة الخير هذا إذا كان مؤمناً وإن كنا كافراً فإنه إذا جزع خسر وإذا صبر فإن صبره يهون عليه الأمر حتى إن أعداءه لايستطعيون أن يشمتوابه إذا كان صابراً لأنهم يرون أن هذا الكرب لم يغير فيه ولأن لهذا الصبر إذا تحلى به الإنسان مؤمناً أوكافر يعينه على قهر ما أصابه من بلاء ولو نسبياً. أصبح الصبر ذا فضل على الجزع لكن يوم القيامه إذا دخل أولئك النار فالصبر والجزع بالنسبة لهم سواء فلاهم إن جزعوا يخرجون ولاهم إن صبروا يخرجون ولاهم إن جزعوا يخفف عنهم العذاب ولا إن صبروا يخفف عنهم العذاب ولذلك قال الله عنهم في آيه أخرى (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص) مايوجد مفر... مايوجد مخرج ...لايوجد لهم ملجأ، فالصبر والجزع يستويان في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها ثم ذكر الله تبارك وتعالى بعدها مايكون لأهل الطاعه والنعيم حتى قال فيما قال ربنا جل وعلا قال ( والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتنا هم من عملهم من شىء كل امرئ بما كسب رهين ) للعلماء رحمهم الله في معنى هذه الآيه قولان.......(24/8)
القول الأول :ـ وهو الأظهر وعليه الجمهور أن يكون المعنى أن الله جل وعلا يكرم من علت درجاتهم من أهل الجنة بأن يلحق بهم من ذريتهم من قلت درجته عنهم فيرفع الله درجة الأدنى- وليس في الجنة دانٍ- إلى درجة الأعلى لتقرعينه دون أن يبخس من درجة الأعلى شيء فلو أن إنساناً دخل هو وأبنائه الجنة وكانت درجة الوالد أعلى من درجة الولد فإن الله يرفع الولد إلى مقام أبيه لتقرعين الوالد بولده دون أن يبخس شيء من حق الوالد. قال الله (وما ألتنهم من عملهم من شيء ) والعكس إذا كان الابن في الأعلى والأب في الأدنى هذا القول الأول وهو الأظهر. القول الثاني :ـ أن معنى الآيه أن من المؤمنين من كان لهم أبناء ماتوا قبل البلوغ فليس لهم أعمال إلا الإيمان فلتقربهم أعين والديهم يرفعون إلى درجة أبائهم وأمهاتهم وليس القولين بعضهم عن بعض ببعيد ويمكن أن تحتوي الأيه كلا المعنيين ..والذي نريد أن نصل إليه إن من أعظم السعاده أن تدخل أنت وأهلك الجنة أنت ومن تحبهم في الدنيا وإن الله جل وعلا ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب وإنما هي الأعمال الرجل وزوجته وأبناءه وأمه وأبوه وإخوانه وإخوته وعماته وخالاته ومن حوله إذا كان بعضهم يحب بعضاً ويتمنوا أن يكونوا مجتمعين في الجنة كماهم مجتمعون في الدنيا فإن من أعظم ماينال به جميعاً تقوى الرب تبارك وتعالى فالذي يسعى في حيه أو في أسرته أوفي عائلته أو في مجتمعه الخاص يسعى لهدا يتهم إنما يسعى حقيقة لأن يجتمع بهم في الجنة ولقد قال الله (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) فكون الإنسان يجهد أولاً في نجاة نفسه ثم في نجاة من يحب هذا من أعظم القربات التي يتوصل بها إلى رحمة الرب تبارك وتعالى (والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) بعض العلماء يقول تقف هنا وتأتي ءايه (كل امرىء بما كسب رهين ) قال بعضهم هذه "كل امرئ بما كسب رهين" ليست خاصة بأهل الإيمان وإنما المقصود(24/9)
بها أهل الكفر ومعنى الآيه عندهم أي عند من قال هذا من العلماء قالوا: إن الإنسان قد يقرأ هذه الأيه فيتوهم أن مايجري من أحكام على أهل الجنه يجري على النار فقول الرب تبارك وتعالى (كل امرئ بما كسب رهين ) يدفع هذا الوهم والمعنى أن أهل الجنه لايبخسون شيئاً لكن ينالهم فضل الله فقد يعطى رجل من أهل الجنه مالا يستحقه بعمله كأن يرفع الولد إلى منزلة والده أويرفع الوالد إلى منزلة ولده لكن في النار لايجري هذا الحكم فلايعذب أحد إلا بمقدار مايستحق وهذا معنى قول الله (كل امرئ بما كسب رهين ) أي مرتهن بعمله، وقالوا إن الرهن لايأتي للمؤمنين والدليل أن الله جل وعلا قال (كل نفس بما كسبت رهينه * إلا أصحاب اليمين *في جنات يتسآءلون) وأياً كان المعنى فإنه معناً قوي يقصد به أن هذه التغير أريد به دفع الوهم (كل امرئ بما كسب رهين ) ثم قال الرب تبارك وتعالى عن أهل جنته ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون*قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين*فمن الله علينا و وقنا عذاب السموم*إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) هذا يخبر الله فيه أن أهل الجنة يتذاكرون مجالسهم التي كانت في الدنيا وإنني أسأل الله بكمال جماله وعز جلاله أن يجعلنا وإياكم ممن يتذكر هذا المجلس في جنات النعيم فالله يقول (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) مؤمنون قد كساهم الله جل وعلا أعظم الحلل وأنزلهم الله جل وعلا أجل المنازل وأفاء الله تبارك وتعالى عليهم من رحمته ودفع الله جل وعلا عنهم كل نقمته يتسابقون بعضهم إلى بعض يتجاورون... يتخاطبون... فإذا جلسوا في مجلس لا لغو فيه ولا تأثيم يتذاكرون برحمة من الله وفضل مامنَّ الله به عليهم في الدنيا فنقل الله جل وعلا وهو أصدق القائلين نقل كلامهم الذي سيكون يوم القيامه جعلني الله وإيكم منهم فقال عنهم (وأقبل بعضهم ) وهذا إقبال فرح (على بعض يتساءلون) فمما تذاكروه في الدنيا ( قالوا إنا كنا ) في الماضي ( إنا كنا قبل في(24/10)
أهلنا مشفقين ) خائفين... وجلين... من عذاب الله تبارك وتعالى والله جل وعلا لايأمن مكره إلا القوم الخاسرون والله جل وعلا لايقنط من رحمته إلا الضالون فالمؤمن/ الخوف والرجاء بالنسبة له كجناح الطائر والله جل وعلا لو أوكلنا إلى أعمالنا لهلكنا ولكننا نسأل الله أن يكلنا إلى رحمته وفضله وعفوه فإن الدنيا لاتطيب إلا بذكره جل وعلا، الدنيا لاتطيب إلابذكره والأخرة لاتطيب إلابعفوه والجنه لاتطيب إلا برؤيته سبحانه وتعالى،فالله يقول عنهم أنهم يقولون: ( إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) هذا الخوف الذي يعتريك ويتعري قلبك ويعتري قلب أختك المؤمنه في الدنيا هو سبب الأ من يوم القيامه أما من مشى ،انكب على ظهره ومشى يبحث عن الشهوات، وينقلب في الشبهات ويؤذي هذا، ويحارب هذا ويكفر بالله ويخرج من بار إلى بار، ومن حان إلى حانه ،ومن شاطئ عراة، ومن قناة إلى قناة ،ومن فضائيات إلى فضائيات إلى غيرها... يتلبس بالزنا واللواط والفواحش وغيبة العلماء أو غيبة الحكام أو أذية المسلمين أو أخذ الرشوه أو السرقه أو الزنا أو ما شابه ذلك من المعاصي ولا يخشى أحدا ولا يخاف ولا يرهب ومطمئن أن أحدا لن يتسلط عليه هذا لايمكن أن يأمن عند الرب تبارك وتعالى. الربيع ابن خثيم رضي الله عنه وقام الليل كله يقوم الليل يتلوا آيه واحده (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) وثبت في حديث صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة واحده ليلة يقرأ آيه واحده من كتاب الله (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) ما زال نبينا صلى الله عليه وسلم يقرأها حتى قام الليل بها إلى أن طلع الفجر صلوات الله وسلامه عليه. فهذا الخوف الذي يملأ قلوبنا نفرح به لأن الخوف من الله جل وعلا أعظم وسائل نيل الأمن يوم القيامه قال سبحانه (ولمن خاف مقام ربه جنتان) وقال جل ذكره (وأما من(24/11)
خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) ثم ذكر الجنه ونعيمها ثم قال (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يخافه سرا وإعلانا وغيبا وشهاده (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون*قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين*فمن الله علينا...) رحمه منه وفضلا وإحسانا ليس لنا فيه نصيب (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) لماذا؟ (إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) فدلت الآيه على أن الدعاء من أرجى الأعمال عند الرب تبارك وتعالى وكانت أم المؤمنين عائشه رضي الله عنها وعن أبيها وعن أمها تتأول القرآن فتدعوا فتقول:" اللهم قنا برحمتك عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم. لأن الله قال عن أوليائه (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم*إن كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) لما فرغ الرب جل وعلا في هذه السورة الكريمه من ذكر إثبات التوحيد وذكر مآل البعث والنشور بدأ جل وعلا يدافع عن نبيه صلى الله عليه وسلم فالقضية هنا قضية إثبات الرساله فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون) وهذا من أعظم دلائل تناقض الكفار فالمجنون هو الذي لا يفكر أبدا والكاهن صنعة تحتاج إلى نوع من الذكاء وإلى دقه وفطنه وهي كفر بالله لكن لا يجتمع إنسان مجنون وفي النفس الوقت يكون كاهن يستحيل هذا. ومن تناقض أهل الكفر أنهم نعتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن ومجنون وهاذان ضدان لا يمكن أن يجتمعان في إنسان واحد تقول إنسان بليد في الدراسه وأتى بالأول على زملائه هذا لايعقل على هذا الله جل وعلا يقول لنبيه فذكر... استمر في الدعوة إلى ربك والتذكير بآيات ربك... ولا تلتفت إلى ما يقول هؤلاء الكفار عنك (فما أنت بنعمة ربك) أي بفضل الله عليك ونعمته وإحسانه عليك ما أنت بكاهن ولا أنت بمجنون (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون) وكيف يكون كاهنا أو مجنونا من يدعوا إلى الواحد الأحد جل جلاله هذا يستحيل عقلا(24/12)
ونقلا (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) كل كلمة "ريب" وردت في القرآن بمعنى الشك إلا في هذه الآيه فهي بمعنى حوادث الدهر كل كلمة "ريب" وردت في القرآن فهي بمعنى الشك (الم*ذلك الكتاب لا ريب...) أي لا شك فيه ولكنها هنا بمعنى حوادث الدهر ومنه قول أبو ذؤيب الهذلي.
أَمِنَ المَنُون ورَيبِها تَتَفجعُ
والدهر ليس بُمعتبِ من يجزعُ
وقول الأعشى:ـ
أأرت رجلاً أعشى أَضربه
ريب المنونَ ودهرٌ مفندٌ خَبِلُ
فريب هنا بمعنى: حوادث الدهر.جملة من القرشيين يقولون هذا شاعر والحل فيه أن نصبر عليه نتربص به حوادث الأيام إما أن يموت وإما أن يهلك وإما أن يصيبه تلف فيعجز كما عجز من قبله من الشعراء، هذا ظنهم والعياذ بالله. ثم أخذ الرب تبارك وتعالى يحاكم أهل الإشراك بإسلوب منطقي عقلي كما سيأتي وسنأخذه آية آيه لنبينه بجلاء (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون*قل تربصوا فإني معكم من المتربصين*أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون) بدأ الله الآن جل وعلا يسوق الإعتراضات ثم يذكرها وتفند واحدة واحدة.فيه فرق يأخي مابين العقل ومابين الذهن.لاتسألني أين العقل وأين الذهن أنا لست طبيب لكن يوجد شيء اسمه ذهن وشيء اسمه عقل،فالذهن الشيء الذي تفهم به،والعقل هو الشيء الذي تتصرف من خلاله.وسنأتي بمثال واضح.قد يأتي إنسان يقول له العامه ذهين،ذهين بمعنى ذكي فطين فيستطيع أن يجري عمليه سرقه دون أن يكتشفه أحد فهذا يدل على ذكائه أو على عقله؟على ذكائه.لكن لايدل على عقل لأنه لوكان عاقلا لم يعص الله ولم يرمي نفسه في المهالك . فيوجد من القرشيين منهم أذكياء لكن لايمكن أن يكون هناك كافر يوصف بأنهم عاقل يستحيل ،لأنه من أعظم دلائل عدم عقله أنه كافر بالله.ولوكان له عقل لآمن بالله . فقد يكون كافر ذكيا فطنا كمن يصنع قنبله ،يصنع طائره... لكن لا يوصف بأنه عاقل .لكن لايمكن أن يوصف شخص كفر بالله وأنكر وجود الله يوصف بأنه عاقل هذا يستحيل أبدا.لأن(24/13)
العقل يدل على الرب تبارك وتعالى .فالله يقول هنا (أم تأمرهم أحلامهم بهذا) أحلام هنا بمعنى عقول .ومنه قول حسان رضي الله عنه وأرضاه
لابأس بالقوم من طول ومن عظم
جسم البغال وأحلام العصافير
أحلام العصافير:ـ أي عقول العصافير.
فالله يقول إن كانت عقولهم تأمرهم بهذا فبئس العقل عقلهم إن كانوا يجعلون من يؤمن بالله واليوم الآخر ويدعوا إلى التوحيد شاعرا أو كاهنا أو مجنون (أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون) قيل (أم)هنا بمعنى(بل) يعني(بل هم قوم طاغون) طغوا وتجاوزالحد فيما يقولونه . ثم قال جل وعلا (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون) (أم يقولون تقوله) معناها:ـ أمامهم خيار آخر أن يقولوا إن هذا الحديث الذي جئت به يامحمد صلى الله عليه وسلم أنت أتيت به من نفسك فيكون الرد عليهم إن كان هذا القول جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم من عنده فأنتم أبناء عمومه كلكم عرب كلكم فصحاء بلغاء فإن كنتم تزعمون أن محمدا جاء به من عنده فأتوا أنتم بمثله من عندكم.ولذلك قال جل وعلا(أم يقولون تقوله بل لايؤمنون*فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) لوكان جهدا بشريا لأمكنكم أن تأتوا بمثله (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) بقي ذكر الله خيارا آخر قال الله عندما ينكرون عليك أنك تقول لهم أن الله لارب غيره ولاإله سواه فسألهم(أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) فإنه ليس ثمت إلاافتراضات ثلاث .أولاً:ـ أن يكونوا خلقوا من غير شيء .ثانيا:ـ أو أن يكونوا هم خلقوا أنفسهم.ثالثا:ـ أو أن يكون خلقهم خالق هو الله .فأنت اسألهم هل هم خلقوا أنفسهم؟ هم يعترفون القرشيون أنهم لم يخلقوا أنفسهم ويعترفون أنهم ليسوا وجدوا هكذا وجدوا أنفسهم في الأحياء والشوارع والطرقات والمدن.وإنما نشؤا عن خلق من بعد خلق من آباء وأمهات .إذا لم يبقى من حيث التقسيم إلا الثالث وهو أن الله جل وعلا خالقهم (أم خلقوا السماوات والأرض) معنى الآيه هل هم خلقوا السماوات والأرض؟(24/14)
فإذا كانوا هم خلقوا السماوات والأرض لهم الحق أن يمنعوا النبوة منك لأنهم أصبحوا شركاء لله لكنهم هم يعترفون أنهم لم يخلقوا لا أرضا ولا سماء.(أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) ذكر الله افتراضاً بعده قال (أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون ) هل هم يملكون خزائن الله التي ينفق جل وعلا منها على عباده فيتسلط عليها فيمنعونك يامحمد ما أعطيناك من النبوة وهذا أيضاً ينكرونه هم يعلمون أنهم لايملكون خزائن الرب جل وعلا (أم هم المصيطرون) أي هل هم جبارون بحيث أنهم تسلطوا على رحمة الله فيصرفونها كيف يشاءون وهذا أيضاً غير واقع (أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين ) بقيت فرضية وهو أن يكونوا لديهم طريق لديهم سبب إلى السماء، فصعدوا إلى السماء فثبت لهم من الوحي الذي فوق أنك لست بنبي فلذلك ينكرون عليك الأمر(أم له البنت ولكم البنون ) أي أنهم هل الأمر كما يزعمون ؟ القرشيون نسبوا إلى الله البنات فرتكبوا بذلك محذورين....(24/15)
المحذور الأول:ـ أنهم نسبوا إلى الله الولد،والولد يطلق على الذكر والأنثى والله منزه عن الولد والمحذور الثاني:ـ أنهم مع إجرامهم وإفكهم نسبوا إلى الله الولد لم يردوا بأن ينسبوا إلى الله أفضل الولدين نسبوا إلى الله أدنى الصنفين فخصوا أنفسهم بالبنين وخصوا الله جل وعلا بالبنات فلهذا صار في الآية محذوران "أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون"أنت لاتطلب أجراًعلى دعوتك ولا على تبليغ رسالة الله حتى يصبح ذلك عائقاً لهم عن استجابة الدعوة إلى الله "أم عندهم الغيب"اطلعوا على اللوح المحفوظ فعلموا أنك لست بنبي وهذا أيضا محال "أم يريدون كيدا"هل يريد بذلك أن يكيدوا لك؟هذا إن فعلوه فإن الله يقول"ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله"ولذلك قال الله جل وعلا"أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون "وقد وقع هذا أنهم كادوا النبي فقتلوا يوم بدر."أم لهم إله غير الله"وهذه أجاب الله تبارك وتعالى عنها فنزه الله تبارك وتعالى ذاته العلية أن يكون له شريك أو أن يكون له ندا أوأن يكون له نظير أو أن يكون هناك إله يدبر الأمر ويصرفه غيره جل وعلا فقال تبارك وتعالى"أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون"والمؤمن لا يفزع قلبه لشيء إلا أعظم من فزعته من أحد يتخذ من دون الله تبارك وتعالى نداً ويدعى أو يرجى أو يهاب أو يخاف من غير الله أو شخص يتوسل إلى أحد يظن أن بيديه نفعا وضرا أو أن يكون في قلبك ناس ترجوهم تتمنى أن يكثروا سوادا أو جماهير أو محبين تجعلهم أحب إلى قلبك من حب ربك تبارك وتعالى إليك أو قوما تخاف بطشتهم أو همزهم أو لمزهم تخافهم أكثر من الله، المؤمن الحق ليس في قلبه أحد يهابه ويخافه ويرجوه ويأمن عليه ويعتمد عليه ويتوكل عليه ويؤمن به ويستعين به ويستغفره يرجوه لرحمته... يرجوه لرهبته... ويرجوه لرغبته غير ربه تبارك وتعالى، فالله لما ذكر هنا في رده على أهل الإشراك (أم لهم إله غير الله) لم يقل الله ليس لهم جاء بإجابة(24/16)
أعظم فقال الله تبارك وتعالى(سبحان الله عما يشركون) فنزه الله ذاته العليه أن يكون له شريك لارب غيره ولا إله سواه، ولهذا كان التوحيد من أعظم ماينجي العبد يوم القيامه فمن عظم توحيده عظمت نجاته يوم القيامه قال صلى الله عليه وسلم (إن الله سيخلص رجلا من أمتي يوم القيامه على رؤوس الخلائق ينشرله تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيقول له الرب أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول الله له أتنكر مما ترى شيئا فيقول لا يا رب فيقول الله جل وعلا إن لك عندنا بطاقه فيقول يارب فيها أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فيقول يا رب وما تغني هذه البطاقه أمام هذه السجلات فتوضع البطاقه في كفه والسجلات في كفه قال صلى الله عليه وسلم فرجحت البطاقه وطاشت السجلات ولايثقل مع اسم الله جل وعلا شيء )وهذا عبد قال العلماء رغم معاصيه ملأ قلبه توحيدا لله وخوفا ورجاء ومحبتا منه جعلنا الله وإياكم ممن يملأ قلبه بتوحيد ربه تبارك وتعالى.بعد هذه القضايا التي أخبر عنها ربنا جل وعلا قال الله تعالى في ختام الآيه (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) من كتبت عليه الضلاله لايمكن أن يهتدي والشخص والعياذ بالله إذا طبع على العناد لايقبل الحق وإن كان جليا لأن من الناس من يسأل وهو يريد إجابة معينة قبل أن يسألك فإذا أجبته أنت بخلاف مايريد لم يقبلها فالله جل وعلا يقول عن أمثال هؤلاء (وإيرواكسفا) قطعة من العذاب نازله عليهم ساقطه من السماء ماذا يقولوا؟يخرجونها يؤلونها ميمنة وميسره يقولوا سحاب مركوم هذا سحاب تراكم بعضه على بعض فنزل إلى الأرض لأنهم طبعوا على العناد. (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم )فقال الله لنبيه (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) وهذه الآيه منسوخة بآية السيف في براءة. (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ) كيدهم في الدنيا قد يغني عنهم شيئا بسيطا بأنهم يمتعون إلى حين(24/17)
إلى أن يأتي العذاب . لكن يوم القيامه قال الله (يوم لايغني عنهم كيدهم شيئا ولاهم ينصرون ) ثم قال سبحانه (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك) هذه (دون) تحتمل أمرين.أولا:ـ زماني .ثانيا:ـ ونوعي. والآية تحتمل الأمرين لاتعارض بينهما زماني ونوعي . أما معنى زماني ونوعي .الله تكلم عن عذاب الآخره ثم قال (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) (دون ذلك) يعني قبل ذلك أي قبل يوم الآخره وأقل من ذلك أقل من عذاب؟ أقل من عذاب الآخره. متى يقع هذا؟ يقع زمنا قبل الموت وفي عذاب القبر ويقع نوعا أن تصيبهم الأوجاع والأسقام وتشريد المؤمنين لهم وعذاب القبر هذا كله يقع زمنا قبل القيامه وهو في نفس الوقت أقل من عذاب يوم القيامه (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لايعلمون ) فلما أنهى الله جل وعلا دمغ حجج أهل الكفر. بشر نبيه وأمره بالاستعانة بأمرين قال له (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم*ومن اليل فسبحه وإدبار النجوم ) فأمر الله نبيه بأمرين حتى يعان على الدعوه ....
الأول منهما:ـ الصبر.
والثاني:ـ التسبيح بحمد الله . فأما الصبر فإنه قلما أولا يمكن أن يدعوا أحد إلى الله حتى يؤذى فأمره الله جل وعلا باالصبر على مايناله من أذى المشركين وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم صابراً ولذلك عد من أول أولى العزم من الرسل الذين كانت لهم مواقف صبر غلبت على غيرهم من الأنبياء عليهم السلام جميعاً وهو عليه الصلاة والسلام أوذي فقال رحم الله أخي موسى أوذي أكثر من هذا فصبر وأراد الله أن يبين لنبيه قربه منه ونصرته إياه فقال (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا )ومعنى الأيه أي على منظر ومرأى من الله فإن الله يراك ويسمعك ويؤيدك وينصرك ويحفظك ويحرسك ويعينك ويوفقك. (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم * ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) ذكر الله ثلاثة مواضع ....
الموضع الأول:ـ إدبار النجوم ..(24/18)
الموضع الثاني:ـ ومن الليل أي بعض الليل ..
الموضع الثالث:ـ وحين تقوم ..
أما حين تقوم فاختلف العلماء فيها . فذهب ابن مسعود رضي الله عنه إلى عند ما تقوم من مجلسك .وبعضهم قال عند ما تقوم من النوم والذين قالوا عندما تقوم من النوم يؤيده ما روى البخارى في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال (من تعار من الليل ـ أي أوقظ إما بصوت أو بغيره قام من الليل يسميه الناس الأن أصابه قلق ـ من تعار من الليل فقال لاإله إلاالله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على شيء قدير الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولاحول ولاقوة إلا با لله ثم قال اللهم اغفرلي أودعى أستجيب له فإذا توضأ وصلى قلبت صلاته ) والحديث كما قلت في البخاري هذا معنى حين تقوم وقلنا ومن الليل وإدبار النجوم اختلف العلماء فيها وأظهر الأقوال أن القصود بها ركعتي الصبح القبليه التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما ( ركعتا الفجرـ أي سنة الفجرـ خير من الدنيا وما فيها ) هذا أيها المؤمنون ماتهيأ إيراده وقوله حول سورة الطور نفعنا الله وإياكم بما قلناه وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعوا القول فيتبعوا أحسنه..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .(24/19)
(تأملات في سورة القمر)
الحمد لله الذي خلق آدم من طين وأسيد له ملائكته المقربين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إله الأولين وإله الأخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ...... أما بعد.
أيها الأخوة المؤمنون فهذا بحمد الله وعونه اللقاء الرابع وسنقف خلاله مع سورة مكية هي الأخرى هي سورة القمر وعدد آياتها خمس وخمسون آيه وهي سورة مكية تعنى بما تعنى به السور المكيه عادة من الكلام في أصول العقيدة الثلاث . أولا: إثبات الألوهيه للرب جل وعلا . ثانيا: وإثبات الرساله لنبينا صلى الله عليه وسلم . ثالثا:وذكر البعث والنشور. فالقضايا التي تتناولها السور المكيه التي نحن بصدد الوقوف معها في تفسير الجزء السابع والعشرين من كتاب الله الكريم تتشابه تشابها كثيرا لأنها تعنى بقضايا واحده وعلى ذلك سبق الدروس مشابه لها فكما جرت العاده في تدريسنا ما اشتهرت معرفته وكثر الحديث عنه سواء منا أومن غيرنا غالبا لا نذكره لاشتهاره ولعلم الطالب به ونحاول أن نستثمر الوقت فيما ليس بغالب قدر الإمكان ونبقى مقصرين أينما حاولنا لكن الله المستعان أن ينفع بهذا القليل وأن يبارك فيه وأن يكتب لنا ولكم العون والتوفيق والسداد والإخلاص من قبل ومن بعد السورة اسمها سورة القمر وسميت بهذا الإسم لذكر القمر فيها قال الله جل وعلا في صدرها ( اقتربت الساعة وانشق القمر) والقمر ءاية من آيات الله ويقال له مع الشمس القمران ويقال لهما القمران كما بينا في أكثر من الدرس للتغليب لأن العرب إذا ثنت تختار شيئا أغلب في أحد ماثنته ثم تذكره باسم يجمعهما يقولون القمران على الشمس والقمر لأن القمر مذكر والشمس لفظها مؤنث فلا يقولون الشمسان يقولون القمران ويقولون المكتان على مكه والمدينه لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينه ويقولون العمران في حق الصديق(25/1)
رضي الله تعالى عنه وأرضاه وحق أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنهما لأن عمر اسم مفرد يمكن تثنيته وأبوبكر اسم مركب تركيبا إضافي فلا يمكن تثنيته فلذلك قالوا العمران ويقصدون الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما .و هذه السوره أي سورة القمر هي إحدى السور التي يقرن النبي صلى الله عليه وسلم بها مع أخرى في بعض المناسبات . ومما يقرن النبي صلى الله عليه وسلم به واشتهر في الصحيح والسنن ثلاث قرائن قرن عليه الصلاة والسلام بين "سبح والغاشيه" وكان يقرأ بهما في الجمع والأعياد وقد وافق يوم جمعة في حياته صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى بهم العيد" بسبح والغاشيه "ثم لما جاءت صلاة الجمعه صلى بهم صلاة الجمعه في نفس اليوم بسبح والغاشيه ولم يكن بينهما صلاه يعني صلى بهم صلاة العيد فقرأ" سبح والغاشيه" ثم لما جاءت صلاة الجمعه ظهرا صلى بهم الظهر وأعادها عليه الصلاة والسلام وقرن بين "سبح والغاشيه" هذه واحده . الثانيه كان يقرن عليه الصلاة والسلام في صباح الجمعه في فجر الجمعه غالبا مايقرن بين (آلم*تنزيل) السجده وبين سورة الإنسان (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) وهذه الثانيه والثالثه كان يقرن في الجمع والأعياد عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح وأصحاب السنن من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن . مابين سورة (ق*والقرءان المجيد ) وبين سورة (اقتربت الساعة وانشق القمر) فهذه بهذا يتضح أن سورة القمر إحدى القرائن الثلاث لنبينا عليه الصلاة والسلام التي قرن بها في صلواته وقد قال العلماء إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرن بين (ق) و(اقتربت الساعه) في الجمع والأعياد والمحافل الكبار هذه مايتعلق بما تقتضيه في فضيلة السورة أولا أما سبب التسميه فهذا ظاهر لأن القمر ورد ذكره فيها قال الله جل وعلا (اقتربت الساعة وانشق القمر*و إن يروا ءاية(25/2)
يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر* ولقد جاءهم من الأنباء مافيه مزدجر* حكمة بالغة فما تغن النذر)الخطاب هنا في الأصل لكفار مكه والقضيه المراد إثباتها هي قضية البعث والنشور ولن يكون بعث ونشور حتى تكون القيامه . ولن تكون قيامة كبرى حتى تكون قيامة صغرى . والقيامة الصغرى بالنسبة للفرد الواحد موته من مات قامت قيامته ثم القيامة الكبرى ثم الساعه وهو هلاك الناس ثم الساعه نفس الشيء تطلق على قيام الناس مرة أخرىهنا الله جل وعلا يخبر بقرب الساعه فقال تبارك وتعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر ) فلنترك (وانشق القمر ) جانبا ولنبدأ باقتربت الساعه الله جل وعلا هو الذي خلق الساعه هوالذي خلق القيامه مادام جل وعلا هو الذي خلقها هو أعلم بها متى تكون فقد أخبر جل وعلا أنها اقتربت فهذامن أعظم أدلة وكفى به دليلا أن الساعة اقتربت ولايرجى لدليل خارج القرآن إلا من باب الإستئناس إذا وجد دليل في القرآن فأعظم الأدله أن الساعة اقتربت قول الله ( اقتربت الساعه) وطالب العلم منظم في أدلته يسرد من القرآن ماهو ظاهر ثم ينتقل إلى سرد السنه ثم ينتقل إلى أقوال الصحابه و إلى إجماع الأمه وهكذا لكن يبدأ بالأصل العظيم وهو القرآن ولذلك نقول إن الساعة اقتربت بدليل أن الله قال (اقتربت ) أما الأدلة غير هذا الدليل فهذا كثير فمن الأدله العقليه أن هذه الأمه هي آخر الأمم ونبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء فليس بعد ذلك إلا أن تقوم الساعه قال صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعه كهاتين وأشار إلى إصبعيه السبابه و الوسطى ) والمقصود من هذا المثال أننا لوفرضنا أن هاذين الإصبعين يشيرين إلى الجدول الزمني فإن الفارق مابين مبعثه صلى الله عليه وسلم ومابين الساعه من زمن كالفارق مابين أعلى السبابه وأعلى الوسطى فهما يكادان يتقاربان في الطول والنبي عليه الصلاة والسلام بعث في هذه المرحله من قيام الساعه وهذا كله(25/3)
يدل على اقتراب الساعه ولذلك عبر عنها القرآن بقوله (اقترب للناس حسابهم ) وقال في ءاية أوضح (أتى أمر الله فلاتستعجلوه ) فعبر الله (بأتى) لتحقق وقوعه هذا شيء ولقرب وقوعه وهذا شيء آخر وقد جعل الله جل وعلا للساعة أشراطا مع أنه أخفى تبارك وتعالى وقتها لكن المقطوع به أنها لاتقوم إلا يوم جمعه لكن جعل الله لها أشراطا قال الله تعالى ( يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات ولأرض لاتأتيكم إلا بغته يسئلونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لايعلمون ) لكن الله جل وعلا جعل لها أشراطا وعلامات وأعلم الناس بهذه الأشراط والعلامات النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل جبريل كما تعلمون نبينا عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعه وجبريل يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام لايعلم متى الساعه لكن هذا من باب تعليم الناس قال أخبرني عن الساعه والرسول يعلم أن جبريل لا يعلم ويعلم أن هذا هو جبريل وإن كان في غير هيئته التي خلقه الله عليها لكن يعلم أنه جبريل فلذلك قال له مالمسئول عنها بأعلم من السائل معنى الكلام أي علمي وعلمك فيها سواء فلا أنا ولا أنت يعلم متى الساعه لكن الله قلنا جعل لها أشراطا وعلامات قال الله في كتابه (فقد جاء أشراطها) أي علاماتها وهذه الأشراط العلماء رحمهم الله تقصوا القرآن تقصوا السنه والآثار الصحيحه فتبين لهم أن هناك أشراطا اصطلح على تسميتها بعلامات صغرى وعلامات اصطلح على تسميتها بعلامات كبرى والعلامات الكبرى أصلا منها ما يأتي منتظما وراء بعضه البعض يبدأ من المهدي حتى قيام الساعه هذه تأتي سريعه ما قبل ذلك قد يأتي ببطء والله جل وعلا أعلم..فمن العلامات التي تدل على قرب الساعه مبعثه صلى الله عليه وسلم كما بينا في الحديث وقد قال عليه الصلاة والسلام أحاديثا تدل على قرب الساعه منها: فتح بيت المقدس وهذا وقع. ومنها مقتل(25/4)
أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأرضاه وفتح باب الفتنه وهذا وقع. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (لاتقوم الساعه حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) بصرى هي الآن محافظة حوران في سوريا غير بعيده عن دمشق هذه هي بصرى في اللفظ النبوي والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقوم الساعه حتى تخرج نار من أرض الحجاز) النار التي أخبر أنها صلى الله عليه وسلم هذه الآيه وقعت عـ 654ــام هجري أي في أواسط القرن السابع خرجت نار من المدينه من جهة الحره الشرقيه عند حرة بني قريظه هذه الحجار السود التي ترونها خرجت هذه النار فرأها من كان في مدينة حوران في سوريا ووقع صدق ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم ولذلك حرص العلماء على تدوين هذه الحادثه لأن فيها دليل على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلماء كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البدايه والنهايه وذكر غيره أن كثيرا من طلبة العلم آنذاك ممن هم في القرى النائيه حول المدينه كانوا يكتبون ويحررون الكتب ويقرؤن على ضوء تلك النار وقد سبقها رجفات وزلزلة شديده قال بعض من شهد تلك النار أن ارتفاعها في أول ظهورها كان كعلوا ثلاث منارات ولا ندري بالضبط كيف كانت المنارة آنذاك لكنها كانت بلا شك فيها شيء من الإرتفاع ثم أخذت تزيد واستمر أياما عديدة الذي نقصده ونعنيه في سياق هذا الخبر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من قرب قيام الساعه وهو عليه الصلاة والسلام عندنا وعند كل مؤمن صادق مصدوق لاشك في ذلك صادق فيما يقول مصدوق فيما يقال له صلوات الله وسلامه عليه. من أشراط الساعه: أخبر عليه الصلاة والسلام أن الساعة لن تقوم حتى تكلم السباع الإنس وهذا أصل الحديث فيما رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بسند صحيح أن أعرابيا يرعى الغنم وبينما يرعاها جاء ذئب فانتزع شاة منها فتبعه الراعي واستطاع أن يأخذ الشاة فأقعى الذئب(25/5)
على ذنبه وقال: اتق الله هذا الذئب يقول للراعي رزق ساقه الله إلي تنزعه مني فتعجب الأعرابي وقال سبحان الله ذئب مقعٍ على ذنبه أي على مؤخرته يكلمني كلام الإنس فقال الذئب: أعجب منه محمد صلى الله عليه وسلم في يثرب يحدث الناس بأخبار من سبق. فقام الأعرابي وأخذ غنمه وقدم على المدينه ثم وضع غنمه في زاوية من زواياها ثم دخل المسجد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس أن الصلاة جامعه فلما اجتمع الناس أمر النبي عليه الصلاة والسلام الأعرابي أن يقول لهم القصة كلها فقالها الأعرابي فقال صلى الله عليه وسلم(صدق والذي نفسي بيده لاتقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه ) وللحديث بقيه. هذا سيقع كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم إن متنا قبله أوشهدناه أيا كان الأمر فنحن نؤمن بكل خبر صح عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه هذه الأشراط كلها قد تكون ممهده للساعه أما أعظم الأشراط الذي يؤذن بقرب الساعه حقا/ خروج المهدي والمهدي قلنا في أكثر من درس رجل من ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان واسمه على اسم رسول الله محمد بن عبد الله وأهل السنة سلك الله بنا وبكم سبيلهم يقولون إن اسمه محمد بن عبدالله الحسني العلوي الفاطمي الهاشمي فهو حسني لأنه من ذرية الحسن وعلوي لأنه من ذرية علي وفاطمي نسبة إلى فاطمه وهاشمي لأن علي من بني هاشم وهو جده النبي صلىالله عليه وسلم لأمه . لأن أبناء الحسن من فاطمه وفاطمه أبوها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه .هذا يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا في زمنه يخرج الدجال فيقتتلان المهدي والدجال وفي قمة الصراع بينهما ينزل عيسى ابن مريم فيصبح ثاني الأشراط الكبرى بعد خروج المهدي خروج الدجال والدجال: شاب قطط أعور العين اليمنى أحمر كأن عينه عنبة طافئه كتب الله له نوع من السلطان فتنة للناس قال عليه الصلاة والسلام ( مامن فتنة من خلق آدم إلى أن(25/6)
تقوم الساعه أعظم من الدجال ) وقال عليه الصلاة والسلام ( إنه لا محاله أنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وإنه لا محاله خارج فيكم فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج وأنا ميت فكل حجيج نفسه) ثم أوصى صلى الله عليه وسلم بقراءة أوائل سورة الكهف لأن الله عصم بما جاء في آية الكهف أخبر أن أولئك الفتيه عصمهم الله من الطاغيه في زمانهم فمن يقرأ هذه السوره ويحفظ أولها يعصم من الطاغيه في زمانه وهو الدجال الذي إذا أدرك الدجال . هذا أنا أتكلم بإجمالا لأن هذا سبق الكلام عنه كثيرا . ثم في حياة الدجال ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إذا طأطأ رأسه يظهر كأنه تنزل منه قطرات ماء وليس فيه قطرات ماء لكن يظهر لمن رأها كأنه لِتَوهِ متوضيء فينزل ومعه حربة فيقتل الدجال فإذا قتل الدجال أسلم الناس. الأمر الأمر لعيسى ابن مريم فيمكث عليه الصلاة والسلام لايقبل الجزيه ولايقبل إلا الإسلام ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ثم يقال عليه الصلاة والسلام أي نبينا طوبى للناس في العيش بعد عيسى ابن مريم فإنه في حياته ينزع الله حمة كل ذات حمه أي شر كل ذي شر . ثم يمكث عيسى ماشاء الله ورد أنها سبع سنين وورد غير ذلك ثم بعد ذلك يبدأ الأمر ينتهي إلى النقصان كما اكتمل في عهد عيسى يبدأ في النقصان حتى تخرج الدابة تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت لايقبل الله جل وعلا توبة أحد كائنا من كان قال الله جل وعلا :( يوم يأتي بعض ءايات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا...) ثم يبدأ الناس يتناقصون دينيا حتى يأتي ذو السويقتين من أرض الحبشه فيهدم الكعبه وينزعها حجرا حجرا ويسلبها كنوزها ثم بعد ذلك يأخذ الإيمان في التلاشي ويرفع القرآن في ليلة ثم يبقى شرار خلق الله أعاذنا الله وإياكم من تلك الحقبه ثم يأمر الله ملكا يقال له إسرافيل أن ينفخ فينفخ فهذه نفخة الصعق الأولى وهي الساعة التي حذرها الله جل(25/7)
وعلا عباده هذا معنى قول الله (اقتربت الساعة) وسيأتي البعث بعد قليل ( وانشق القمر) قلنا إن القمر آيه منءايات الله وهو مسير بأمر الله في غدوه ورواحه وشروقه وغروبه وطلوعه ومغيبه ،هذا القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكه في الفتره المكيه طلب القرشيون منهءاية فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر فانفلق القمر بأمر الله فرقتين حتى رأى الناس حراء الجبل المعروف في مكه رأو الجبل بين الفرقتين فقال صلى الله عليه وسلم وكان بجواره أبي بكر اشهدوا في بعض الروايات أنهم كانوا في منى ومنى من مكه قال: اشهدوا فهذه حجه أقامها الله على القرشيين على قرب قيام الساعه وعلى صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال القرشيون بعضهم لبعض لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشه إنما سحر أعينكم فإذا كان السفار أي المسافرون الذين في غير مكه اسألوهم إن كانوا رأوا القمر فإنه انقدر على سحركم لايقدر على سحر غيركم فلما أقبل السفار من كل وجه سألوهم فقالوا نعم شهدنا القمر قد انفلق فرقتين مع ذلك كله لم يؤمنوا ولن يؤمن إلامن كتب الله له الإيمان ولذلك الله قال (حكمة بالغة فما تغن النذر ) قولهم سحركم ابن أبي كبشه أظهر المعنى هنا أبي كبشه هو زوج حليمه بما أنه زوج حليمه أصبح أبا للنبي عليه الصلاة والسلام من الرضاعه فقول القرشيين لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشه يقصدون النبي عليه الصلاة والسلام لكن هنا نسبوه إلى أبيه من الرضاعه ولم ينسبوه إلى أبيه من النسب هذه الآيه إحدى معجزاته صلوات الله وسلامه عليه ولا شك أن للنبي عليه الصلاة والسلام معجزات كثيره لا تعد ولا تحصى بل قال الشافعي رحمه الله الإمام المعروف إنه ماأعطي نبي نوعا من المعجزات إلا وأعطي النبي صلى الله عليه وسلم مثلها
قال شوقي:ــ
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له .
وأنت أحييت أجيالا من الرمم.(25/8)
يعني إذا كان عيسى كلم ميتا فإنك أحييت أمة من الموات. والعلماء عند قضية عيسى وإحيائه للموتى يقولون إذا كان عيسى قد أحيا الموتى فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حن له الجذع وموات الجذع في الأصل أعظم من موات الميت وأيا كان هذا لا يحسن التفضيل بين الرسل بهذه الطريقه لكن نقوله على وجه الإجمال ثم قال جل وعلا ( وإن يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) فلما قال لهم السفار: إننا رأينا القمر منفرق قالوا مازاد الأمر شيء هذا سحر محمد مستمر علينا وعليكم ومازالت الأمور عندهم في لبس وظنون لأنهم لايريدون أن يؤمنوا ( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) ثم قال جل وعلا ( وكل أمر مستقر) معنى (وكل أمر مستقر ) أي أمر في الدنيا سيكشف سينتهي إلى جلاء قال طرفه:
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبارملْم تُزَوَدِي .(25/9)
وكل أمر سينجلي مهما حاول الإنسان أن يخفي شيئا سيتضح وكل أمور إذا صبرت عليها ستنتهي بك إلى أحد الأمرين إما إلى خير أو إما إلى الشر هذا إذا أخذت الأيه بعمومها أما إذا أخذت الأية بخصوصها فإن المعنى كما قال العلماء ( وكل أمر مستقر ) أي أن أمر المسلمين إلى الجنه وأمر الكفار إلى النار أمر أهل الخير إلى خير وأمر أهل الشر إلى شر لكن الآيه تحتمل المعنيين وقلنا في قواعد التفسير إن الآية إذا احتملت معنيين ينزل على كلا المعنيين، ننزل المعنى على كلا المعنيين (ولقد جاءهم من الأنباء مافيه مزدجر* حكمة بالغة فماتغن النذر ) قلنا: أن هؤلاء القرشيين جاءتهم الكثير من الآيات لكن الله لم يكتب لهم الهدايه فماتغن الآيات كما قال الله ( وماتغن الآيات والنذرعن قوم لايؤمنون ) وقلنا: مرارا إن عبدالله ابن أبي بن سلول كان يحضر الجمعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول أخلص الناس وأفصح الناس وأعلم الناس فيستمع الخطبة كلها ثم عياذا باالله يخرج من المسجد كما دخل لم يتعظ بكلام سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه فاحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الهدايه ولا توجد نعمة أعظم من نعمة الهداية أبدا لأن النعم قسمان:ـــ
الأولى/خلق وإيجاد.
الثانيه/نعمة هدايه وإرشاد.(25/10)
وهذه سنتكلم عنها إن شاء في تفسير سورة الرحمن إن كتب الله لنا ذلك فنعود إلى ما نحن فيه. ويقول الله (حكمة بالغة فما تغن النذر) ثم قال لنبيه (فتول عنهم) وهنا (تول عنهم) بمعنى أعرض عنهم إعراضا رفيقا وبعض العلماء قلنا : مرت معنا مثل هذه الآيه يقول إن مثل هذه الآيات منسوخه بآية السيف وءاية السيف في سورة التوبة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الذي يعنينا هنا الله يقول لنبيه (فتول عنهم) ثم تقف ويبدأ خطاب جديد (يوم يدع الداعي إلى شيء نكر*خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر) الداع/ هو إسرافيل. (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) فيه نُكُر بضم الكاف وفيه نكْر بسكون الكاف وفيه مُنْكَر بزيادة الميم في الأول كم واحده؟ ثلاث، أما نكُر بضم الكاف فلم ترد في القرآن إلا في هذه السوره (يوم يدع الداع إلى شيء نكُر) وأما نكْر بسكون الكاف فالذي أذكره الآن أنها وردت ثلاث مرات. أما مُنكَر فقد وردت تقريبا ثلاثة عشر مره مالفرق بينهما نُكُر ونكر بالضم والسكون بمعنى واحد ودائما إذا كان التغيير في قلب الكلمه غالبا لا يضير ويضير أحيانا فتنقسم... أصبحت إلى كم قسم؟ إلى قسمين منكر لوحدها ونكْر ونكُر لوحدهما قلنا: إن النكْر بالسكون والنكُر بالضم كلاهما بمعنى واحد .إذا ما معنى نكُر أونكْر؟ وما معنى منكر؟ المنكر ضد المعروف الذي هو باطل الذي هو ضد الحق أي الشيء غير المشروع الذي لم يأذن به الله يسمى منكر. قال الله عن هذه الأمه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) المنكر أي الباطل وقال الله (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) أي باطل. أما النكْر فهو الشيء العظيم الذي تتهول منه الأنفس ولا يلزم أن يكون باطلا قد يكون عين الحق وسنأخذ الآيات التي ورد فيها النكْر أو النكُر أولها الآية التي بين أيدينا (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) أي إلى شيء عظيم وهو الحشر والحشرحق ليس(25/11)
بباطل لكنه أمر يشيب له الغلمان يشيب له الصبيان وتضع كل ذا ت حمل حملها فهو أمر مهول فعبر الله عنه بنكُر ونكُر كأنها أخف إذا جاءت بالسكون. مثاله في القرآن /إن الله ذكر قصة موسى مع الخضر فلما قتل الخضر الصبي الغلام قال له موسى (أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكْرا) هنا نكْر يعني شيء مهول شيء يتعجب منه الإنسان لكن هل كان فعل الخضر باطل أو حق؟حق لأنه قال (وما فعلته عن أمري) فعله بأمر الله وقال الله جل وعلا عن الملك الصالح ذي القرنين أنه قال الله جل وعلا له (ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا*قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكْرا) أي عذابا مهولاً مخوفا وتعذيب الله لأهل الكفر حق(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث) الأجداث هي القبور (كأنهم جراد منتشر) هذه آية القمر لكن الله قال في القارعه (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) يكون الناس كالفراش المبثوث يوم الحشر يوم القيامه فشبهم الله مرة بالجراد ومرة بالفراش والفراش والجراد ضدان.الجراد منتظم أما الفراش طائش يموج بعضه في بعض حول النار حتى يتساقط فيها ليس له وجه ففرق مابين الجراد وفرق ما بين الفراش لكن الله جل وعلا قال عنهم أنهم فراش وقال عنهم أنهم جراد إذا ما وظيفه العالم هنا؟ أن يجمع ما بين الآيتين.. وظيفة العالم هنا الذي يقرأ القرآن أن يجمع بين الآيتين لأنه ينبغي تصديق كلا الآيتين لكن العلم أن تجمع بينهما. يجمع بينهما بأن نقول أن الناس أول ما يخرجون يخرجون كالفراش طائشون لا يدرون أين يذهبون، لأنهم لم يبعثوا من قبل يموج بعضهم في بعض كما قال الله جل وعلا لايدرون أين يذهبون فإذا تكلم إسرافيل ونادى تركوا هذا الموج وانتظموا وتبعوا الداعي الذي هو إسرافيل فانتقلوا من حاله كالفراش إلى حاله كالجراد فحالتهم كالجراد المقصود بها الكثره والإنتظام وحالتهم كالفراش المقصود بها الإضطراب قال الله تعالى في طه ((25/12)
يومئذ يتبعون الداعي) الذي هو إسرافيل (لاعوج له) أي لاأحد يزوغ لاميمنه ولا ميسره وهذا الجراد يأتي منتظم إلى أرض خضراء مع بعضهم البعض والعرب تسمي مجموعة الجراد يسمونه رجل. رجل جراد يعني مجموعة جراد وقد جاء في الحديث (إن الله أنزل على داوود رجل جراد من ذهب) فالجراد المجتمع يسمى رجل والطير المجتمع يسمى سرب وهكذا لهم في كلامهم أشياء تصنيفيه ليس هذا وقتها لكن من باب الفائده هذا الجمع بين الآيتين (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) و"هذا" هنا يسمى مفهوم الآيه أن على المؤمنين يوم يسيرهل هذا منطوق أو مفهوم؟ مفهوم لأن المنطوق أن الكافرين يقولون هذا يوم عسر لكن مفهوم الآيه غير منطوقها نفهم من الآيه أنه على المؤمنين يوم يسير (يقولوا الكافرون هذا يوم عسر) هذا كله ذكره الله جل وعلا قلنا لإثبات أمر عقدي وهو البعث والنشور والمخاطب به في الأصل كفار مكه ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك ضرب لهم أمثله في أربعة أمم سابقه قوم نوح وقوم عاد وقوم صالح وقوم لوط هؤلاء أمم سبقت وذكر الله جل وعلا بعد ذلك قوم فرعون وأصبحوا خمسه لكنه فصل في الأربعة الأولى، والحق أنه مر معنا في دروس كثيره هؤلاء الأربعه لذلك أنا لاأفصل فيها إنما أتكلم عاجلا قال الله (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا) هذه (عبدنا) مركبه من كلمتين "عبد" و "نا"و"نا" هذه تسمى نا الداله على الفاعلين ويراد بها التعظيم والمقصود بها هنا الله فالإضافه هنا إضافة تشريف؛ وهذه "عبدنا" أرفع مقام إضافه في القرآن لماذا قلنا إنها أرفع مقام إضافه في القرآن؟ لأن العبوديه أعظم مطلوب من العبد. وإذا أضيفت هذه العبوديه إلى الله فقدوصل الإنسان إلى الشرف العظيم وقد نعت بها في صورة الإفراد نوح (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا) وذكر الله بها أيوب (واذكر عبدنا أيوب ) وذكر بها النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان الذى أسرى بعبده ) هؤلاء الثلاثه استحضرهم الآن ولا أدري(25/13)
الساعة إن كان في القرآن غيره لكن جاءت جمعا نعم (عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) الذي يعنينا أنها من أرفع المقامات والمقصود بها نوح (وقالوا مجنون وازدجر) وقد قلت في درس سابق إنك إذا كنت تقرأ القرآن بالعربية الصحيحه تقف على كلمة (مجنون) ثم تقول (وازدجر) لأن كلمة مجنون كلم أما ازدجر بالفعل. يعني الكفار قوم نوح ماقالوا مجنون وازدجرهم قالوا مجنون ماقالوا كلمة (ازدجر) قالوا: عن نوح أنه مجنون وازدجر هذه الواو تعطف على قالوا ماتعطف على مجنون وازدجروه بفعلهم يعني قالوا مجنون بلسانهم وازدجروه أي ازدجروا نوح بفعلهم والذي يتأمل قراءة الشيخ: سعود الشريم وفقه الله في مكه لو أخذت أي شريط لسورة القمر، الشيخ يقرأها هكذا (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون ) ويقف ثم يقول (وازدجر) وهذا من العلم بكلام الله تبارك وتعالى أنا لا أقول إنه لا يجوز أنا لا أتكلم عن ما يجوز وما لا يجوز أنا أتكلم عن مراقي العلم العاليه لا أتكلم عن عما هو جائز أو غير جائز لأن ازدجر بفعله ازدجروه بفعلهم وقالوا مجنون بلسانهم حتى لا يفهم أن ازدجر معطوفه على مجنون. (قالوا مجنون وازدجر) هذا قاله قوم نوح لنوح وقصة نوح مشهوره (فدعا ربه) دعا نوح ربه (أني مغلوب) مضطهد (فانتصر) سأل الله النصره سأله وكانت له دعوه فقالها مرة واحده ولذلك مر معنا في حديث الشفاعه أنه لما يقولون له الناس يوم القيامه استشفع لنا عند ربك. يقول قد كانت لي دعوة فقلتها فعجلت بها على قومي هذه الدعوه ثمرتها: أن تفهم جيدا الله جل وعلا لما خلق آدم خلق آدم وذريته على الفطره بقوا الناس مؤمنين إلى أن جاء قوم نوح فاتخذوا الأصنام جعلوا أقوام صالحين أصنام فبعث الله إليهم نوح فكان نوح أول الرسل إذاً الناس من نوح إلى آدم لم يكونوا كفار ومؤمنين كانوا كلهم مؤمنين. قال الله (كان الناس أمة واحده) أي على دين واحد تقدير الآيه فاختلفوا (فبعث الله(25/14)
النبيين مبشرين ومنذرين)عندما غلب نوح وآذوه قومه دعا الله فلما دعا الله أنزل الله السماء فأغرق أهل الأرض فلما أغرق أهل الأرض حمل نوح المؤمنين الذين معه في السفينه فمات كل من على ظهر الأرض إلا من كان على ظهر السفينه مع نوح أصبحت الأرض فيها مؤمنين وكفار أصبح فيها ماذا إذا هذا التطهير الثاني، التطهير الأول كان في بداية الخلق والتطهير الثاني كان في دعوة نوح (قال رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا*إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولايلدوا إلافاجراً كفارا) طب لوجاء إنسان الآن وقال: أنا أدعوا إن الله لايذر على الأرض كفارا؟ يجوز أولايجوز؟ لايجوز . لماذا لايجوز ؟ لأن الأحاديث دلت دلت على أن الكفر والإيمان يبقيان إلى قيام الساعه . فأنت تسأل الله مالا يكون لكن الله أخبر نوح (وأحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن) فهو يعلم أنه لن يؤمن أحد فدعا عليهم فأهلك الله الأرض لما أهلك الله الكفار وحمل نوح الذين كانوا مع نوح في السفينه هم المؤمنون كل من على ظهر الأرض اليوم من ذرية نوح ومن معه على السفينة قال الله جل وعلا (وءاية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) هذه ذرية في القرآن مخالفة لذرية في القرآن كله، ذرية هنا بمعنى /الآباء والأجداد لأن الذين حملوا مع نوح ليسوا أبناءنا نحن مخاطبون بالقرآن وإنما آبائنا والله يقول لقريش ويقول لمن يقرأ القرآن (وءاية لهم) أي لكل من يقرأ القرآن (أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) الفلك المشحون: سفينة نوح (ذريتهم) يعني أبائنا وأجدادنا هم الذين كانوا مع نوح في السفينه وهذا قلنا أن الذريه تأتي بمعنى الأبناء وهو الأكثر وتأتي بمعنى الآباء وهذا من دلائلها في القرآن (فدعاربه) فأنزل الله السماء لكن الله جل وعلا نكاية بقوم نوح أمر الأرض أن تخرج مافيها من ماء فانفجرت الأرض أربعين يوما تخرج عيونها والسماء تمطر قال الله (فالتقى الماء) أي جنس الماء . ماء السماء(25/15)
وماء الأرض (فالتقى الماء على أمر قد قدر) أين نوح؟ قال الله (وحملناه على ذات ألواح ودسر) هذه (ذات ألواح ودسر) تحتمل عشرات المعاني لكن لماذا قلنا إنها السفينه لأن الله قال في ءاية أخرى (فأنجيناه وأصحاب السفينه) أيسر شيء تفسر به القرآن أن يفسر القرآن با القرآن (ذات ألواح ودسر) تحتمل أشياء عديده لكن لما قال الله (فأنجيناه وأصحاب السفينه) عرفنا أن ذات الألواح والدسر هي السفينه (تجري بأعيننا) أي على مرأى منا ومنظر ورعايه (جزاء لمن كان كفر) بالبناء يسمى فاعله من الذي كفر؟ نوح والذين كفروا قومه. من الذي كُذب؟ نوح والذين كذبوا قوم نوح فالله قال (جزاء لمن كان كفر) للمكذوب للمغلوب للذي دعا وهو نوح عليه الصلاة والسلام وقد مر معنا أنه مكث في السفينه عليه الصلاة والسلام ثم يقولوا بعض المؤرخين أنه لما نزلت به السفينه على أرض الجودي وهذا لايلزم التصديق به لكن هذا من العلم الذي يستأنس به لما هبطت به السفينه أراد أن يتأكد وأنا قلت هذا في كثير من محاضراتي أراد أن يتأكد من السفينه أرسل حمامة تخبره هل الأرض حية أو ميته؟ فذهبت الحمامه ورجعت ومعها غصن زيتون تثبت له أن الحياه تدب في الأرض فلذلك جميع الأمم الآن اليهود والنصارى وغيرهم يجعلون من الحمام أو غصن الزيتون رمزا للسلام هذا المعنى السياسي لما تراه اليوم من الغصن والزيتون وسواء صح الخبر أو لم يصح هذا لا يتعلق به لا كفر ولا إيمان ولا جنة ولا نار هذا ماكان عن نوح عليه السلام ثم ذكر الله جل وعلا بعد ذلك عاد وقال جل وعلا (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر* إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر) هذا اليوم النحس كان يوم أربعاء بالنسبة لهم سماه الله جل وعلا هنا مستمر لكن الله لم يذكر في القمر مدة استمراره أين ذكر مدة استمراره؟ بالحاقه قال(سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) فإذا سئلت (يوم نحس مستمر) إلى كم مده ؟ تقول سبع ليال وثمانية أيام(25/16)
حسوما كل هذا يفسر القرآن بالقرآن (تنزع الناس ) مالذي تنزع الناس؟ الريح (كأنهم أعجاز نخل منقعر) قال هنا(تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) ماذا قال في الحاقه ؟(أعجازنخل خاويه) جاء في الحاقه بالتأنيث وهنا ذكر النخل بالتذكير قال(منقعر) ما قال(منقعره)النخل جمع يذكر ويؤنث هذا تخريج لكن التخريج الأصح أن يقال إن كلمة نخل فيها لفظ ومعنى فلفظها مذكر ومعناها مؤنث فلما قال الله (أعجازنخل منقعر) عمد إلى اللفظ ولما قال في الحاقه (أعجاز نخل خاويه) عمد إلى المعنى وحتى تطمئن نفسك كلمه معاويه في لفظها مؤنث التاء هذه تاء تأنيث ولكنها تطلق على معنى مذكر كحمزه حمزه لفظ مؤنث به تاء لكنه يطلق على رجل فهذا هو حل الإشكال في قول الله( أعجاز نخل خاويه) و(أعجاز نخل منقعر) ثم ذكر الله جل وعلا قوم صالح ،وقوم صالح وقوم عاد يتفقان في أنهم ديار متقاربه أوبتعبير أصح عرب عاد وثمود كانوا عرب من بقي من العرب قوم من؟ قوم شعيب وقوم من آخر شيء/ محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء أربعه ولايوجد نبي عربي غير هؤلاء الأربعه صالح وقد أرسل إلى قوم ثمود وشعيب وقد أرسل إلى أصحاب الأحقاف أصحاب الأيكه إلى مدين وهود وقد أرسل إلى عاد ومحمد صلى الله عليه وسلم وقد أرسل للناس كافه فهؤلاء الأربعه هم الأنبياء والمرسلون العرب فقط أما غيرهم ليسوا من العرب . نعود إلى الآيه ذكر الله بعد ذلك قوم صالح ،قوم صالح كانوا يسكنون الحجر والله يقول(وإنها لبسبيل مقيم) يعني في طريق ظاهره إلى الآن باقيه. قوم صالح طلبوا ءايه فأعطاهم الله الناقه وهذه الناقه قال لهم صالح: إنها لها شرب ولكم شرب يوم معلوم هذه الناقه كانت تظهر وتغب فإذا ظهرت شربت البئركله وإذا غابت يأتوا قوم ثمود فيشربون البئر يأخذون الماء ويذهبون للناقه يحلبونها. واليوم الذي للناقه لا يأتوا الناس ليشربون من البئر(ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) بالضاء أخت الصاد بمعنى كل قوم يحضرون(25/17)
(كل شرب) هنا أي كل حظ قسمة من الماء يحضرها صاحبها إن كانت للناقه وإن كانت لكم قبلها قالوا (أبشرامنا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر) وقالوا عنه أنه (كذاب أشر) مامعنى كذاب أشر؟ فيه كذاب طبيعي وفيه كذاب أشر. وهم يقولون إنه كذاب أشر . مامعنى الكذاب الأشر؟الكذاب الطبيعي الذي يكذب ليفر من معضله هذا كذاب طبيعي والذي يكذب لينشد أمرا عظيما يترفع على الناس هذا يسمى كذاب أشر. فمثلا/ أنت تدخل الدار فتجد في صحن الدار في الفناء رجل غريب فتقبض عليه تسأله ماذا تريد؟ فيكون أراد السرقه فلما رأك يخافك فيقول لك يأتي بأي حيله يقول أنا صديق لابنك يكذب... أو يقول أنا ممن يوزع فواتير الكهرباء جاء يضع فواتير الكهرباء... أو يقول أي شيء يخلص به منك، فهو لماذا كذب؟ حتى يخلص نفسه. ففيه شيء يدعوه للكذب أو لايوجد؟ يوجد حتى يريد أن يخرج من مأزق وقع فيه هم يقولون عن نبي الله صالح يعني ثمود تقول عن صالح تقول أنت نحن نحترمك ونقدرك" قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا" نحترمك ونجلك ونقدرك ولم تكن في معضله ولم تكن في محك حتى تكذب علينا وتزعم أنك رسول فإنك لاتزعم أنك رسول إلاتريد أن تتصدر وتعلوا علينا فأنت بزعمهم كذاب أشر قال الله (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) والسين هنا للمستقبل القريب. (إنا مرسلوا الناقه فتنه لهم) أي اختبار (فرتقبهم واصطبر*ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر*فنادوا صاحبهم....) وهو قدار ابن سالف. وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أشقى الأولين) والحديث صحيح نادوه لكن هل كان عقره للناقه برضا منهم أو بعدم رضى؟ برضى. تجزم أو لا تجزم؟ تجزم. لماذا؟ "فنادوا"هذه قويه . أقوى منها ترى أهم قدرات التفسير أن تستحضر القرآن سورة الشمس (كذبت ثمود بطغواها*إذ انبعث أشقاها*فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) قال الله (فكذبوه فعقروها) فأسند الفعل للجماعه ولم يسنده للفرد. وقال في القمر إن الذي(25/18)
عقرها واحد قال (فنادوا صاحبهم)الجمع بين الآيتين أنه عقرها برضا منهم وبهذا تستقيم الأدله. وأقول استحضار الآيات عند التفسير مهم وأنا قلت لطلابي كثيرا أن الحجاج ابن يوسف على طغيانه كان يقدر على استحضار القرآن جاءته امرأه ذات يوم قالت له: أيها الأمير أعفُ عن ولدي فإنه بريء والذي حدث كلا من النصف الأعلى فمكث دقيقتين أو ثلاث يستحضر القرآن ثم قال: اطلقوا ابنها أين حدث كلا من النصف الأعلى؟ القرآن ثلاثون جزءا ليس في الخمسة عشر الأول كله ما فيها حرف كلا لا يوجد في القرآن كلا هذه للزجر لا يوجد في الخمسة عشر جزءا الأول، والجزء السادس عشر يبدأ في سورة الكهف في قضية الخضر مع موسى (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صيرا) هنا يبدأ الجزء السادس عشر بعدها في مريم (...كفر بئاياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا*أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا*كلا سنكتب ما يقول...) ثم تأتي "كلا" كثيره في الأجزاء الأخيره من القرآن فالحجاج استحضر القرآن كله بفضل من الله هذا من أعظم ما يعينك على تفسير الآيات، أن إذا جاءك معنى إجمع ما يناسبه من القرآن حتى تستطيع الحكم على الآيه فالله هنا عبر بالمفرد وعبر في" الشمس وضحاها" بالجمع والجمع بينهما أن يكون اختاروا هذا الرجل فقام بما يريدون أن يعملوا به (فتعاطى فعقر) كما قال الله جل وعلا وأنا أتكلم على عجاله، ثم ذكرالله جل وعلا قوم لوط والذي يعنينا في قوم لوط أن الله عذبهم بأن جعل عاليها سافلها ما السبب؟ الله غالبا يعذب بجنس العمل فرعون قال:" أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي". كيف مات؟ غرقاً في الأنهار التي يزعم أنه يملكها. قوم لوط مع الشرك بالله جاءوا بالفاحشه العظيمه: وهي إتيان الذكران من العالمين وإتيان الذكران قلب للفطره فعاملهم الله جل وعلا في العذاب بجنس المعصيه فقلب عليهم الديار والأمم التي غيرهم مثل: عاد وثمود عذبت بالصيحه لم تعذب بالتقليب قال الله (فجعلنا(25/19)
عاليها سافلها) فقلب الله عليهم الأرض التي يسكنونها من جنس المعصيه التي كانوا عليها عياذا بالله وهي إتيان الذكران من العالمين وقال الله في قصة لوط (إلا آل لوط نجيناهم بسحر) وقد أخذ العلماء من هذا أن فضيلة السحر وهي واردة كثيراً لكن السحر من أفضل الأوقات ثم قال الله جل وعلا (ولقد جاء آل فرعون النذر*كذبوا بئآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) العرب أحيانا تطلق الجمع وتريد المثنى "النذر" هنا موسى وهارون طيب لو جاء إنسان وقال إن الله يقول(كذبت قوم نوح المرسلين) وما جاءهم إلا رسول فهنا يجاب عنها بأن التكذيب لواحد كالتكذيب للكل وهذا واضح. طيب لو جاء إنسان وقال يا أخ صالح أنت تقول أن الله يقول (ولقد جاء ءآل فرعون النذر) تقول أنه موسى وهارون لماذا لا يكون المقصود الرسل كلهم ؟ كيف يرد عليه؟ الله قال (ولقد جاء آل فرعون النذر) فالذين جاء هم فقط اثنان موسى وهارون. لو قال:"كذبت قوم فرعون النذر"قلنا جميع الرسل،حتى يكون فيه دقه في الخطاب (كذبوا بئآياتنا كلها) هنا "كلها" جاءت مع مجموعه لكن هذه الآيات كم؟ تسع ماهي؟ الله يقول (في تسع آيات إلى فرعون وقومه) وهذه التسع ءايات قال الله (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) هذه واحده (ونقص من الثمرات) هذه اثنان وقال (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) هذه خمس وأول اثنين سبع واليد يد موسى ومن قبل الآية الكبرى: وهي العصا فهذه تسع، قال (كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) ثم قال الله عودا على بدء يخاطب كفار قريش (أكفاركم خير من أولائكم) أصبحت "أولائكم" هذه تعود على جميع الأمم التي ذكرها الله في السوره إذا الله هنا الآن يقول للقرشيين أنتم واحد من ثلاث:ـ إما أن تقولوا إنا نحن الكفار أفضل من أولائك الأقوام فلذلك لا يعذبنا الله هذه واحده. (أكفاركم خير من أولائكم) أو تقولون (أم لكم براءة في الزبر) "الزبر" المقصود به هنا(25/20)
اللوح المحفوظ جمع زبور وهو الكتاب المقصود به هنا أن عندكم شهاده أن الله لن يعذبكم ولن ينكلكم براءه من الله هذه حالتان (أم يقولون نحن جميع منتصر ) وهذه هي التي اتكؤا عليها أنهم كانوا يعتزون بقوتهم فالاثنتين الأولى باطله لم يقولها القرشيون ماقالوا: نحن أفضل ولاقالوا عندنا براءه لكن كانوا يعتزون بجمعهم فقال الله (سيهزم الجمع ويولون الدبر) هذه الآيه لما أنزلت جعل الصحابه يقول بعضهم أي جمع؟ وأي دبر؟ ليسوا عارفين حتى جاء يوم بدر وهذا خطاب لكل من يتعجل من الشباب الدين يحتاج إلى صبر والله لايعجل لعجلة أحد من خلقه ومافيه بناء يقوم بين يوم وليله فجعل الصحابه عندما أنزل الله (سيهزم الجمع ويولون الدبر) في مكه يقولون أي جمع وأي حرب مافيه دلائل على أي شيء ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بدر فخرج عليه الصلاة والسلام في درع يثب فيها ويقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) فقال سعد بن أبي وقاص وعمر وغيرهما من الصحابه... فعرفنا تأويلها يومئذ فهزم الجمع وهزم الدبر كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا يتفرع إلى مسأله أن الغيب الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهذا نختم به المحاضره .أولا: غيب يتعلق بالأمم السابقه وقع من قبل وإنما أخبر عنه كإخباره عن الأقوام وأهل الكهف ويوسف وغيرهم ... ثانيا:وغيب أخبر عنه ووقع في حياته مثل هذه القضيه(سيهزم الجمع ويولون الدبر) وقعت في حياته... ثالثا:وغيب أخبر عنه ووقع بعد وفاته كإخباره عليه الصلاة والسلام عن فتح بيت المقدس وهلاك كسرى وهلاك قيصر إلى غير ذلك .....هذاماتيسر ماقلناه حول كتاب ربنا جل وعلا بسورة القمر أسأل الله جل وعلا لنا ولكم التوفيق والعون والهدايه وصلى الله وسلم على نبينا محمد...(25/21)
[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ] {البقرة:18} ... [صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ] {البقرة:171}
[فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ] {البقرة:23} ... [قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ] {يونس:38}
[وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا] {البقرة:35} ... [فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا] {الأعراف:19}
[وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ] {البقرة:36} ... [قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ] {الأعراف:24}
[وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ] {البقرة:49} ... [وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ]{الأعراف:141}
[وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً] {البقرة:51} ... [وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ] {الأعراف:142}
[وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ*فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ]البقرة:58-59 ... وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ*فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ الأعراف:161 – 162(26/1)
[ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ]{البقرة:61} ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ{آل عمران:112}
[إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ] {البقرة:62} ... [إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى] {المائدة:69}
[خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]{البقرة:63} ... [خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا] {البقرة:93}
[وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً] {البقرة:80} ... [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ]آل عمران:24
[وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ] {البقرة:95} ... [وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ] {الجمعة:7}
[وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ] {البقرة:48} ... [وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ] {البقرة:123}
[قُولُواآَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَإِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ..وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ]البقرة:136 ... [قُلْ آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَالنَّبِيُّونَ]آل عمران:84
نتبع(26/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثالث
من ألبوم
(أعلام القرآن)
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أمابعد:ـ
فهذا بحمد الله وتوفيقه اللقاء الثالث حول أعلام القرآن وقد سبق التأكيد على أن هذه اللقاءات تُعنَي بأعلام قرآنيه ذكرها الله جل وعلا في كتابه إما مدحا وإما ذما ونعرج عليها إلماما تاريخيا ومعرفيا قدر المستطاع ولانطيل في أي من تلكم الأعلام لأن الأعلام كثيرة ونحاول قدر الإمكان أن نأتي على أكثر الأعلام التي أوردها الله جل وعلا في كتابه وقد مر معنا ذكر جبريل عليه السلام والكوثر ويوم الفرقان وقارون وفرعون وهامان وغيرها.... وعرفات والمشعر الحرام وغيرها من الأعلام التي تكلمنا عنها لماما وسراعا ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
ـ أولى الأعلام في هذا اليوم:
يوم الجمعه قال الله جل وعلا (يَآأَيُّّّّّّّّّّّّّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) فيوم الجمعه علم على يوم يوم الجمعه علم على يوم كان يسمى قبل الإسلام بيوم العروبه ثم سمي في الإسلام بيوم الجمعه بنص القرآن كما في الآيه وكما في السورة التي سميت بهذه الآيه وهي سورة الجمعه.(27/1)
ـ أول جمعه أقيمت في الإسلام: أقامها أسعد بن زراره كنيته أبوأمامه رضي الله عنه وأرضاه أقامها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينه بعد أن آمن أهلها بعد بيعتي العقبه الأولى والثانيه وقبل وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينه بفتره أقام أسعد بن زراره رضي الله عنه وأرضاه جمع المسلمين وصلى بهم صلاة الجمعه وغدَّاهم أقام لهم غداء فكان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه ممن حضر تلك الجمعه فلما كبر حسان كان قائده من بنيه ابنه عبدالرحمن هو الذي يقوده لأنه كان قد عمي حسان في آخر عمره فكان حسان إذا دخل المسجد ومعه ابنه يقوده وأذن للصلاة الجمعه بين يدي الإمام يترحم حسان على أبي أمامه ويقول"اللهم صلي على أبي أمامه،اللهم اغفر له ....ويدعوا له" فيسمعه ابنه عبدالرحمن ويتعجب ثم تكرر هذا الموقف مرارا من حسان فقال:عبدالرحمن رضي الله عنه في نفسه إن هذا بي لعجز ـ يعني مالذي يمنعني أن أسأل أبي لماذا يترحم على أبي أمامه كلما أذن لصلاة الجمعه ـ فسأله فقال يابني: إن أول من صلى بنا الجمعه هو أسعد بن زراره أبوأمامة رضي الله عنه وأرضاه.(27/2)
ـ قلنا كان يسمى هذا اليوم في الجاهليه يوم العروبه والله جل وعلا أنبأ الأمم التي قبلنا أن هناك يوما عظيما مفضلا عنده جل جلاله فالأمم سعت في الحصول معرفة ذلك اليوم فظنت اليهود وزعمت أنه السبت فهُم إلى اليوم يعظمون يوم السبت ،وذهبت النصارى إلى أنه يوم الأحد ،فاليهود أخذوها على أنهم يرون أن الله انتهى من خلقه يوم الجمعه واستراح يوم السبت تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وناقل الكفر ليس بكافر نحن نورد الأسباب ،والنصارى تزعم أن الأحد أول أيام الأسبوع فلذلك ترى أنه هو اليوم الذي اختاره الله واصطفاه قال صلى الله عليه وسلم (نحن الآخرون السابقون الأولون يوم القيامه بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)أي أعطوا الكتاب من قبلنا وضلوا عن هذين اليومين فنحن وإن تأخرنا ظهورا كأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلاأننا أعلم بهذا اليوم منهم لما علمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
ـ المشهور عند أهل العلم: أن أول جمعه صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد خروجه من قباء إلى داخل المدينه لأنه عليه الصلاة والسلام نزل قباء في أول الأمر فالمشهور المنقول عن ابن اسحاق أنه صلَّى صلى الله عليه وسلم الجمعه في المسجد المعروف اليوم"مسجد الجمعه" هذا على الأظهر لكن لا يوجد دليل صريح فيما نعلم يدل على هذا لكن هذا المشهور المستفيض ،فهذا هو يوم الجمعه من حيث يومه.قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعه قال:"فيه خلق آدم ــ ولهذا قال العلماء:إنه سمي يوم الجمعه لأنه جمع فيه خلق آدم ــ وفيه تقوم الساعه" أي يوم الجمعه.
ـ وذلك يسن فيه أمور عده:ـ
ـ قرآءة سورة "آلم * تَنزيِلُ..."السجده والإنسان في فجرها.
ـ وقرآءة سورة الكهف في يومها .(27/3)
ـ وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وهذا ولله الحمد الثالثه أمر مستفيض بين المسلمين وكذلك أئمة الحرمين وغيرهم من أئمة المساجد يحرصون على قرآءة "آلم * تَنزيِلُ الْكِتاَبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالمِينَ" سورة السجده المعروفه وسورة الإنسان في فجر يوم الجمعه .
ـ ويقرأ في الصلاة يكثر الإمام من قرآءة " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى" وسورة الغاشية ومن دلالة محافظته صلى الله عليه وسلم على هذا أنه صلى بالناس يوم الجمعه فقرأ فيهما بسبح والغاشيه ثم كان عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم قد وافق عيدا فقرأ في الفجر بسبح والغاشيه مما يدل على أن لسبح والغاشيه حِكمةً لا نعلمها وإلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر في يوم العيد بسبح والغاشيه في الفجر يعني في صلاة العيد بسبح والغاشيه ثم يجتمع مع الناس في نفس اليوم في الجمعه فيصلي بهم صلى الله عليه وسلم ويقرأ بسبح والغاشيه فهذا ينبغي على الأئمه قدر الإمكان أن يحرصوا على عدم تركها نعم يقرأ بغيرها أحيانا ليبين للناس أنها ليست بواجبه لكن لايكثر الفصل بينهما لأن اتباع السنه أولى.
ـ فيها ساعة لايدعوا فيها رجل مسلم إلا استجاب الله جل وعلا له فيها.
ـ واختلف العلماء رحمهم الله في تحديدها لكن نقول جملة :ـ هي ساعة مخفيه لكن قال بعض العلماء : إنها من حين أن يرقى الإمام المنبر إلى آخر صلاة العصر.وقال بعضهم : إلا أن تنتهي الصلاة . وقال آخرون من العلماء : إنها آخر ساعه من يوم الجمعه أي قبل الغروب وبكل قال أهل العلم وكل له دليله وقلت هذا الموطن ليس موطن ترجيحات فقهيه قدر الإمكان وإنما إلمام بأعلام القرآن.
ـ يوم الجمعه صلاة الجمعه واجبه ليست بدلا عن الظهر وإنما الظهر بدل عنها لمن فاتته صلاة الجمعه ـ أعيد ـ صلاة الجمعه ليست بدلا عن الظهر وإنما الظهر بدل عمن فاتته صلاة الجمعه .(27/4)
ـ أهل العلم اختلفوا فيمن أدرك صلاة الجمعه لم يدرك الركوع مع الإمام لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام فمعظم العلماء يقولون إنه إن لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام فاتته الجمعه فيكملها ظهرا يكملها على أنها ظهر هذا عليه أكثر العلماء وإن كنت والحق لانرى دليلا قويا على هذه المسأله وهناك آراء لبعض الأئمه أنه يصليها جمعة ركعتين لأنه دخل بهذه النيه لكن كما قلت أكثر أهل العلم معظم العلماء على أنه يصليها ظهرا .
ـ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبلها خطبتين يجلس بينها كان يخطب قبل أن يتخذ المنبر متكئا على عصا ويروى أنه بعد أن اتخذ المنبر لم يتكئ على شئ وكان إذا خطب احمرت عيناه ووجنتاه صلى الله عليه وسلم كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم.(27/5)
ـ وكانت خطبته كلمات يسيرات قليلات لايطيل فيهن ويجعلها للمواعظ للرقائق لأن الجمعة يحضرها سائر المسلمين ليست محاضره معنون لها يحضرها من يريدها أهل زماننا في هذا العصر خرجت الجمعه عن نطاقها الشرعي تخرج عند إمام بنطاق أكثر ونطاق أقل فأصبحت من خلالها يقول الخطيب أراؤه السياسيه أو أراؤه الفكريه ومعلوم قطعا أن آراء الخطيب الفكريه والسياسية تحتمل الصواب والخطأ على حسب علمه بالسياسه وحسب قدراته الفكريه لكن قال الله قال رسوله هذا لايحتمل صوابا وخطأ والناس الحاضرون لايأخذون ويعطون معاك ويناقشونك هم يريدون شيئا يرققون قلوبهم يحضرها العامل... يحضرها المسلم الأمي... يحضرها الفقير.... يحضرها الغني.... يحضرها العالم.... يحضرها سائر الناس كل أهل حييك أهل منطقتك أهل المكان المستوطن فيه فإخراجها عن مراد الله ورسوله هو الذي جعل الناس تكثر فيهم قسوة القلوب لأنهم لايجدون وقتا يسمعون فيه الخطيب إلايوم الجمعه فإذا جاء يوم الجمعه أخرجهم الخطيب عن مايريدون وذكر لهم آراء سياسيه أو فكرية أوقضايا لاتعنيهم أو حتى إذا كانت تعنيهم لايملكون فيها حولا ولا طولا فيذهب الناس أهل الثقافه يناقشون رأي الإمام ورأي الإمام رأي فكري وقد يكون هذا الإمام لايعرف شيئا في السياسه قد يكون رجلا تقيا عالما فقهيا يملك ترقيق القلوب لكنه لايفقهه شيئا في الأمور الفكريه أو السياسه فيتكلم في أمور قد يكون قوله صواب وقد يكون قوله خطأ وليس عامة المسلمين محل تجربه ليس هذا موطن الحديث عن مثل هذه الأمور تقول أم هشام بنت الحارث رضي الله عنها وأرضاها ماحفظت سورة" ق~ " إلا من في النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة مايقرأ بها في صلاة الجمعه فسورة "ق" معروف فيها ذكر بدء الخلق والموت وإتيان الموقف العظيم وإزدلاف الجنه وبعد النار وما إلى ذلك حتى يكون في ذلك ترقيقا لقلوب الناس أما تلك الأمور لها مواطنها يتكلم فيها أهل العلم لايوجد مانع لكن فيه(27/6)
لقاءات فكريه فيه مجالس ثقافيه فيه مواطن فيه محاضرات يعلن عنها بهذا الإسم هذا حق لكن ينبغي أن يكون المقصود الأسمى لكل خطيب أن لايخرج الناس ويذكرون بلاغة الخطيب أو فصاحته أو علمه أو قدراته أو آراءه أو عظمته الفكريه هذا كله غير مقصود شرعا المقصود الأساسي أن يخرج الناس وقد ازدادوا إيمانا بالله وتعلقا به وتعظيما له جل شأنه أكثر من قبل أن يدخلوا الجمعه إذا استطاع الإمام أن يصل بالناس إلى هذا المستوى هذا الذي يقال أنه وفق في خطبته الجمعه قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بكلمات يسيرات.
ـ قال الله جل وعلا (يَآأَيُّّّّّّّّّّّّّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) هذه ذروا البيع ....وأنها نزلت خصوصا في قافلة أتت من الشام قادها .....والظاهر أن هذا كان في أول الإسلام يبتعون تلك التجاره فأنزل الله تلك المناسبه هذا أصل المناسبه والأمر الثاني أن يوم الجمعه يوم يجتمع الناس فيه فقال الله جل وعلا (وَذَرُوا الْبَيْعَ ) تذكرة بأمر أعظم وهو أنه سيأتي يوم عظيم يجتمع الناس فيه هو يوم المعاد وهذا اليوم نعته الله جل وعلا بقوله (لاَبَيْعٌ فِيهِ وَلاَخُلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّةٌ وَلاَشَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فيترك الإنسان البيع في الدنيا ويلجأ إلى الله في مثل هذا اليوم العظيم تذكرة لنفسه باليوم الذي يغدوا الناس فيه بين يدي رب العالمين والإنسان لابد أن يكون له باعثا من نفسه.
وَمَا عَاتَبَ الحُر الكَرِيم َكَنفْسِه ِ
وَالمَرءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصَّالِحُ(27/7)
لابد أن يكون في الإنسان باعث ناصح من نفسه هذا الباعث يتذكر يخرج الناس من أي جامع تقام فيه صلاة الجمعه أشتاتا وينصرفون غالب الناس يشتري بعض الأمور ثم ينصرف إلى بيته المقصود أن الناس يصدرون عن مكان واحد هو الجامع وينصرفون إلى أماكن عده سيأتي يوم يوافق الأول ينصرفون من مكان واحد هو أرض المعاد لكنهم لاينصرفون إلى أمكنه متفرقه وإنما ينصرفون إلى دارين قال الله ( فَرِيقٌ فِي الجَنَّّّّّّّّّّّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّّعِيرِ ) فكلما خرجت من الجامع الذي تصلي فيه الجمعه فاتعظ أنك ترجوا الله بهذا العمل أن تنصرف يوم القيامه إلى رياض جنته أدخلكم الله وإيانا إياها هذا هو المؤمل في أن الإنسان يحتسب العمل ويوظف نفسه للطاعة ويحتسب الأجر ويتذكر أيام الله جل وعلا ويربط مابين ماكلفه الله به شرعا في الدنيا وماكلفه الله به تبارك وتعالى في الآخرة.
قال صلى الله عليه وسلم أن يوم القيامه يكون يوم الجمعه قال (وما من دآبة إلا وهي مصيخه ـ أي منتظرة ـ النفخ في الصور يوم الجمعه ) فالخلائق سوى الثقلين تعلم أن يوم الجمعه هو اليوم الذي تقوم فيه الساعه وتدرك أن هذه اليوم يوم جمعه وإلا لاتصيخ آذانها وهي لاتعرف أن هذا اليوم يوم جمعه.(27/8)
ـ منَّ الله على هذه الأمه أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن هداها فالأمم قبلنا حاولوا أن يصلوا لكن لسوء طينتهم وغلبة شقوتهم ضلوا عن طريق الحق فقلنا ذهبت اليهود إلى أنه يوم السبت والنصارى إلى يوم الأحد وأنت ترى عالميا في الغرب اليوم أن يومي الإجازه عندهم هما يوما السبت والأحد وعندنا يوم الجمعه وقد قلت أذكر في قديما في أول الدروس في هذا المسجد قبل سنتين أنه وقفنا على أثر يدل على أن عمر رضي الله عنه وأرضاه هو أول من جعل للناس يوما يستريحون فيه غير يوم؟ غير يوم الجمعه الجمعه وقلنا أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما خرج إلى الشام ترك المدينه يذهب إلى الشام ليأخذ مفاتيح بيت المقدس ويستلم بيت المقدس صلحا فلما عاد استقبله أهل المدينه غلمان أهل المدينه أمير المؤمنين ولم تجري له عادة أنه يكثر السفر عن المدينه وعمر كان يهاب أن يخرج منها ومعلوم لديكم كان يقول (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وميتة في بلد رسولك ) صلى الله عليه وسلم فلما قدم استقبله الغلمان فأحب أن يكافئهم فقال لهم عمر رضي الله عنه وأرضاه إما أن أعطيكم أعطيات حلوى....أودنانير...أودراهم شئ ترضون به وإما أن أعطيكم يوم بدل من الكتاتيب فقالوا الغلمان لانريد الكتاتيب نريد يوم مافيه كتاتيب فالناس منذ أن كانوا يحبون أن يخرجوا عن المألوف يحبون أن يخرجوا من الشئ الذي تعود عليه يحبون أن يجدوا لهم يوم راحه هذا مايمكن أن يقال عن يوم الجمعه وهو العلم الأول وهو علم على يوم في لقائنا هذا.
ـ العلم الثاني :ـ(27/9)
على شخصين أحدهما كافر والآخر مؤمن وهما طالوت وجالوت ذكرهما الله جل وعلا في سورة البقره ولم يكرر ذكرهما في أي سورة أخرى والله تبارك وتعالى أحيانا يريد أن ينبه على الأشخاص وأحيانا يريد أن ينبه على الأحداث فإذا أراد أن ينبه على الأحداث أغفل ذكر الأشخاص ولوكانوا عظماء وإذا أراد أن ينبه على الشخص ذكر الشخص ولو لم يكن عظيما وإذا أراد أن ينبه على الأمرين ذكر الله جل وعلا الشخص والحدث هنا قال الله ( أَلْمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُم ُ) قال لنبي نكره ولم يذكر اسم ذلك النبي لأنه ليس المقصود حوار أولئك القوم مع نبيهم مع ذلك النبي وإنما المقصود الحدث التاريخي بنو إسرائيل مكثوا في أرض التيه أربعين عاما خلال الأربعين هذه مات هارون ثم مات موسى ثم عهد موسى بأمر النبوه من بعده إلى يوشع ابن نون فتاه ثم مكثوا ماشاء الله لهم أن يمكثوا قرابة سنين طويله خلال هذه السنين الطويله كان العماليق يحاربون بني إسرائيل ويتعرضون لهم فكان الإنهاك والقتل في بني إسرائيل أكثر فلما شعر بنو إسرائيل بالضعف لجأوا إلى نبي لهم قيل إن اسمه شمعون وقيل إن اسمه شوميل وقيل إن هذان الإسمان كلاهما لرجل واحد وهو الأظهر فسألوه أن يبعث الله لهم ملكا يقودهم لأن الناس لايمكن أن يجاهدوا أو يحاربوا أو يسوسوا أمرهم بدون شخص يأتمرون به هذا أمر خلاف العقل فهؤلاء من بني إسرائيل أرادوا قبل الجهاد ملك يقودهم في الجهاد (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) وهذا النبي إذا قلنا أنه شوميل أو شمعون كان قد اعتزلهم لما رأى من عصيانهم فأخذ عليهم المواثيق أنه إذا كتب عليهم القتال يقاتلوا قالوا نعم بل استغربوا ( وَمَالَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأبَْنَائِنَا...) فلما كتب الله عليهم القتال نكصوا فأخبرهم نبيهم أن الله(27/10)
قد بعث لكم طالوت ملكا طبعا في القرآن ( إِنَّ اللهَ ) لكن أنا قلت أن الآن هنا جاء في مصدر مؤول مفعول به نقول أخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا هنا اعترضوا بنوا إسرائيل كما مر معك في القرآن أسباط هؤلاء الأسباط منهم سبط جعل الله فيه الملك ومنهم سبط زي مانقول الآن فخذ في قبيله سبط جعل الله فيه النبوه طالوت هذا لم يكن من السبط الذي فيه الملك ولم يكن من السبط الذين فيهم النبوه فرده بني اسرائيل واعترضوا عليه ( قَالُوآ أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّّّّّّّّّّّّّّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) وقد قلت مرارا إنه لايمكن أن يوجد ملك مستحيل بدون عصبه هذه العصبه تختلف.(27/11)
ـ مالعصبه التي مع طالوت ؟ أن الله جل وعلا هو الذي ؟ هو الذي اختاره وكفا بها عصبه لكن في زماننا هذا مايوجد وحي من الله أن الله اختار فلان واختار فلان فلابد من عصبه دنيويا يقوم بها الملك والمقصود أن نبيهم أخبرهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وأخبرهم حتى يلين قلوبهم لأمر الله وطاعته قال وءاته بسطة في العلم والجسم علم عام بالشرع وعلم بالحروب وكانت الحروب آنذاك تعتمد اعتمادا كليا على القوه الجسميه ولهذا قال وءاتاه بسطة في العلم والجسم وقوله جل وعلا ( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) ردا على قولهم (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) بعد أخذ وعطاء أذعنوا بعد أن أخبرهم نبيهم أن ثمة آيات أعطاها الله جل وعلا لطالوت قال الله تعالى ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّهُمْ إِنَّ ءَايةَ مُلْكِهِ ) ملك من ؟ طالوت ( أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّّن رَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّبِّّّّكُمْ وَبَقِيةٌ مِّّّّّّّّّّّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّّّّّّّّّّّّّّّّؤْمِنِينَ).
ـ ماهو التابوت ؟ ماهي السكينه ؟
ـ ضرب العلماء فيها أوديه عديده جدا فوالله لايوجد شئ يعتمد عليه ممكن أن أنقله لكم كلها أقاويل منقوله عن مسلمة أهل الكتاب لايُدْري صحيحها من سقيمها قويها من ضعيفها لكن نقول جملة إن الله جل وعلا أعطى طالوت قرائن لايستطيع معها بنوا إسرائيل أن يردوا ملكه منها تابوت كان ينصرون به كيف هيئة التابوت لانعلم فيه سكينه قد تكون السكينه بمعناها العربي المعروف إن فيها طمأنينه وقد يكون غير ذلك كما قيل إنها ريح وقيل إنها طائر وقيل غير ذلك .(27/12)
(وَبَقِيةٌ مِّّّّّّّّّّّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ) قيل: عصا موسى وعصا هارون ورضاد من الألواح التي كان كتب فيها التوراة لموسى هذا محتمل لكنني لا أجزم به . أخذ طالوت الجيش يعبر بهم نهر الأردن لمقابلة العمالقه الذين يقودهم جالوت.
الدنيا أصلا قائمه على الإمتحان وقلنا مرارا إن الله مع خلقه يعني في ابتلاء الله لخلقه دوائر فأنت كلما نجحت في دائرة ضيقه اتسعت الدائر فإذا نجحت في دائره أوسع تزيد الدائره وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه والله يقول : ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون ) هذا كلام يطول شرحه لكن يعني على الإجمال أنا أتكلم هذا طالوت وهو بالجيش كانوا ثمانين ألفا ذهب ليحارب بهم فمر على نهر قال لهم:( إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) .(27/13)
قسمهم كم صنف ؟ ثلاثة أصناف قوم سيشربون وقوم لن يشربوا أبدا وقوم يطعم هنا بمعنى يذوق لأن يطعم ماتجي في اللغة يطعم بمعنى يشرب وإن قال بها بعض الفضلاء لكنه غير صحيح يطعم بمعنى يذوق (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) . هؤلاء الثلاثة أصناف الذين لم يشربوا بالكليه قطعا سيكونوا في الجيش والذين سيغرفوا غرفة باليد يعني ممكن يقبل وأما الذين شربوا من النهر واغترفوا غرفا كثيرا فهؤلاء لامكان لهم في جند طالوت هذه قيسها على الدنيا فالدنيا مثل النهر مثل ماذا ؟ مثل هذا النهر الذي اعترض بني اسرائيل فمن شرب منه بالكليه لا مكان له في الآخره ومن أخذ شيئا بالمقدار الذي يبلغه إلى الله سيصل في الآخره ومن لم يشرب منه أبدا انتفى عنها سيصل لكن الأوسط أفضل لأنه هدي ماذا ؟ هدي الأنبياء يقولون في الأمثال الدارجه وأنا قلت هذا مو تفسير أنا أتكلم الآن عن أعلام القرآن يقولون إن رجلا فقيرا رأى امرأة حسناء ولا أدري إن كان قلت هذا قبل أولا جميله جدا تفتن فقال لها أريد أن أتزوجك فوافقت وهو غير مصدق أنها تقبل به فأخذها إلى المأذون لما أخذها إلى المأذون فتن بها المأذون فعرض عليها نفسه فأقبلت وتركت الفقير فذهب الفقير فاشتكى المأذون على القاضي فلما أُحضر الثلاث فتن القاضي بها أعظم من فتنة المأذون فطلبها لنفسه فذهب المأذون والفقير يشتكيان القاضي للأمير للوالي فذهب وقال : أين هذا القاضي الذي يراد به الخير فيجبل الناس على الشر فلما رأه الأمير إزداد بها فتنه وطلبها لنفسه فذهب الناس إلى العامه حتى يستعينوا بهم إلى الأمير فكل رجل من العامه أخذ يطلبها لنفسه ففرت من أمامهم وهي تقول " أنا الدنيا الكل يطلبني ولست مكتوبة لأحد " فهمتم المثل الآن مو معقول أنه ودي أحدثكم عن حكاوي الصبيان في مسجد لكن القضيه قضية أن هذه هي الدنيا لايوجد أحد إلا ويتعلق بها وهي أصلا تفر من الجميع(27/14)
فكلما أتعبت نفسك وراءها أكثر تبتعد وإن تركتها ستأتيك وهي راغمه إن تركتها هي تأتيك وهي راغمه وإن أنت جريت ورآءها لن تنال منها إلا ماكتب لك كان رجل من الصالحين معه ناقه فيها خطام مسافر فدخل أدركته الصلاة وقد خرج الناس فأراد أن يصلي في مسجد نفرض أنه مثل مسجدنا خاف على الناقه فنادى غلام قال له اقبض لي الناقه حتى أصلي ركعتين وأعود فدخل يصلي هذه حقيقه مو مثل الاولى دخل يصلي هذا الغلام عرف أن الناقه مايمديه يسرق لأنه مايمديه يدسها هنا ولاهناك إلا خرج فأخذ الخطام وشرد به خرج الرجل وجد الناقه ولم يجد الخطام ولم يجد الغلام فعرف أنه سرقها فذهب إلى السوق ليشتري خطاما جديدا لناقته الذي سرق الخطام قبل أن يخرج الرجل من المسجد أخرج دينارين قال أكافئ بهما الغلام الذي انتظرني حتى أصلي فلما أخرجهم وهو أتى يبحث عن الغلام كما قلنا وجد الناقه بدون خطام بدون غلام رد الدينارين في جيبه ذهب إلى السوق ليشتري خطاما على الجهه الأخرى الغلام أخذ الخطام وأعطاه إلى مايسمى في زماننا هذا من يحرج واختفى قال له بيعه ولوبدينارين فأخذ يبيعه جاء الرجل يشتري خطاما وجد نفس الخطام واشتراه بدينارين وأخذ الخطام إلى أين ذهب الدينارين الآن إلى الغلام فقال الرجل : لاإله إلا الله سبحان الله والله أكبر يأبى ابن آدم إلا أن يستعجل الرزق قال : لو صبر لأخذ الدينارين حلالا . ألآن أخذ ماكتب له نفس الدينارين لكنه لأنه استعجل لم يأخذها حلالا أخذها حلالا أخذا ماذا ؟ حراما ولوصبر قليلا لأخذهما حلالا وهذا هو سؤ الظن برب العلمين جل جلاله.
كان الجيش ثمانين ألف مابقي أحد ماشرب إلا ثلاثمائه وبضعة عشر رجلا كما قلت في الدرس السابق هم عدد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في يوم بدر أقبلوا على جالوت وجنوده قال الله تعالى (وَلَمَّّّّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ).(27/15)
ـ قلنا إن الإبتلاءات لما نجحوا في اختبار النهر كان حريا بهم أن ينجحوا في اختبار جالوت لأن اختبار النهر مقدمه لما قبله كان في الجيش رجل يقال ايبشي ايبشي هذا والد داوود عليه السلام وعنده عشره من الولد جاء بسبعة منهم في المعركه أصغرهم من ؟ أصغرهم داوود داوود عليه الصلاة والسلام كان معه المقلاع تعرفون المقلاع ؟ المقلاع زي الجلد الطويل يوضع فيه حجر خلاص أشبه بالنبيله لكنه يدار دوران اللي دايم يعملها أبناء الإنتفاضه فوضع حجرا يقال في بعض الرويات ولاأجزم أنه كان وهو ذاهب إلى المعركه الحجر يناديه يقول خذني ياداوود تقتل بي عدوا الله فرد الحجر الأول رد الحجر الثاني رد الحجر الثالث الحجر الثالث أو الرابع أخذه معه فلما أخذه معه برز جالوت كالعاده فر الناس منه استأذن داوود جالوت فلم يأذن له لقصر قامته وصغر سنه ثم أذن له بعد الحاحه فضرب داوود جالوت بمقلاعه فقتله قال الله في محكم التنزيل ( وَقَتَلَ دَاوُ,دُ جَالُوتَ ) قلت في السابق أن أسباط بني إسرائيل انقسم فيهم ماذا؟ الملك والنبوه الملك في سبط والنبوه في سبط إكراما من الله لداود جمع الله جل وعلا في داود مافرقه في السبطين قال الله جل وعلا ( وَءَاتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ ) فجمع الله لداود الملك والنبوه عليه الصلاة والسلام من هنا نعلم أن طالوت وجالوت علمان أحدهما لمؤمن وهو طالوت والآخر لكافر وهو جالوت هذا يذكر بالملك.(27/16)
ـ وأول ملوك المسلمين من هو ؟ معاويه أول ملوك المسلمين معاوية من قبل معاويه يسمى ؟ يسمى خليفه قيل للإمام أحمد رحمه الله أكان معاويه خليفه قال لا إنما كان ملكا من ملوك المسلمين وقد اتفق الناس على أن معاويه رضي الله عنه هو أول ملوك المسلمين معاويه رضي الله عنه وأرضاه بصفته أول ملوك المسلمين نقول كيف إن الأمور تجري بقدر الله أمه هند بنت عتبه يهدي الله لنوره من يشاء مكثت مده تحارب الدين ثم هداها الله للإسلام قبل الإسلام كانت متزوجه من رجل قبل أبي سفيان والد معاويه كانت متزوجه من رجل يقال له الفاكه بن المغيره الفاكه بن المغيره هذا كان كريم فكان واضع خباء بجوار بيته يدخله الناس من غير استئذان فذات يوم كان الفاكه مع هند زوجته ثم قام لبعض شأنه فجاء رجل ضيف دخل المجلس لم يجد الفاكه فرأى هندا دون أن تراه فر هاربا خرج قابله الفاكه وهو راجع فظن أنه كان على علاقه مع زوجته هند بنت عتبه فدخل عليها فضربها يسألها عن الرجل وهي تحلف أنها لم ترى شيئا فأوجعها ضربا هذا في مكه هذا قبل الإسلام في مجتمع جاهلي كان يحرص على قضية الشهامه والعرض أبوها عتبه أخذها لوحدها "خَلَصُوا نَجِيًّّّّّّّّّّّّّّا " بتعبير القرآن قال لها : يابنتي والإنسان لابد أن يكون واضح مع أبنائه وبناته لن تحل مشكله وأنت مغمغم على الموضوع ماعاد يفهم شئ ولذلك بعض الفضلاء يأتيك يستشيرك يخفي نص الموضوع ما يمكن أن أعطيك إشاره أو رأي دون أن أفهم الموضوع بالكامل فقال له : يابنتي إن كان هذا الفاكه قدر رماك حقا فيه بينك وبين ذلك الرجل علاقه فأخبريني أنا أدس له من يقتله فينتهي الموضوع وإن كان كاذبا في دعواه فأخبريني فأنا أحتكم إلى كهان العرب فقالت ؟ يا أبتاه حلفت له بما يكون يحلفون به من أصنام الجاهليه أنه ماحصل شئ فصدقها أبوها وهي من بيت يعني فلما صدقها أبوها ذهب إلى الفاكه وقال له إنك رميت ابنتي بأمر سوء فنحتكم أنا وأنت إلى أحد كهان(27/17)
العرب وافقوا أخذوا معهم وفد الفاكه من بني مخزوم وعتبه بن أبي ربيعه من بني عبد مناف أخذت هند معها نسوة يسلينها في الطريق حتى وصلوا إلى أحد كهان اليمن قبل أن يصلوا إلى الكاهن تغير وجه هند فخاف أبوها أن تكون قد تراجعت فسألها قالت يا أبتاه والله إن الأمر كما أخبرتك بالأول لكننا نفد على رجل يكذب أو يصدق يعني هذا الذي نأتيه كذلك مالذي يدريه فاختبر أبوسفيان الكاهن قبل أن يعرض عليه القضيه فنجح في الإختبار طبعا مافيه داعي نخبركم بالإختبار بعد ذلك عرضت عليه النساء وفيهن هند فكان هذا الكاهن يمشي يضرب النساء حتى وصل إلى هند فقال:" انهضي لارسحاء ولازانيه ولتلدن ملكا يقال له معاويه" ففرح الفاكه وتشبث بها فرمته من يدها قالت : والله لن يكون منك يعني يولد معاويه بس مايأتي منك فلما رجعوا إلى مكه تزوجها أبوسفيان ابن الحارث فبقيت هذه في نفسها مقولة الكاهن فكانت إذا لعبت معاويه معاويه كان ضخم ويمشي يراه أبوه أبوسفيان ويقول إن ابني هذا سيصبح ملك فتقول هند ثكلته إن لم يملك العرب والعجم فحكم معاويه حتى ملك العرب والعجم عُمِّر رضي الله عنه وأرضاه بلغ من العمر سبعا وسبعين سنه حتى كان آخر أيامه يخطب وهو قاعد لأنه كثر لحمه واشتهر بحلمه.
ـ والدنيا تتقلب فأحيانا يجي معلم هذه فوائد عامه يشد على الطلاب مايأمل في الطالب أي شئ مايترك كلمه إلا يقولها فيه ترى أنت ماتدري أن هذا الذي أنت اليوم تهينه أربع وعشرين ساعه وتسخر منه ماتدري غدا ماذا يصبح قد تأتي أنت بين يديه.(27/18)
ـ معاويه رضي الله عنه لما أسلم وجاء المدينه جاء أحد ملوك العرب أسلم متأخر جاء المدينه وأسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعامل الناس على قدر منازلهم خاصه حديثي عهد الإسلام فهذا الملك من ملوك العرب زعيم في قبيلته قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاويه خذه إلى بيت فلان يعني يستريح في بيت فلان ومعاويه في تلك الأيام توه من المسلمين المتأخرين وتوه مهاجر ولم يكن له صيت فلما دخل مع هذا قال معاويه : لرجل أردفني كان شمس سأله قال: أنت من أرداف الملوك هذه كلمه عند العرب إن فيه ناس خاصين به قال : لا قال: خليك مكانك قال : طيب أعطيني نعل معاويه يقول له أعطيني نعل قال: لا أعطيك نعل ايش يكفيك أن تستظل على أنفه العرب أول تستظل بظل الناقه يعني الناقه وهي ماشيه لها ظل طبعا الظل يمشي لأن الناقه تمشي قال : خلاص يعني اجعل وطاءك على الظل مافيه داعي تلبس نعال يقول معاويه أخذته حافي والشمس حاره حتى أوصلته كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم مرت الأيام حكم معاويه دخل هذا على أنه واحد من الرعيه على من ؟ على معاويه فأكرمه معاويه وأعطاه أصلا معاويه كان حليما لكن هذا موضع شاهد لاتدري أين يضع الله جل وعلا أمره في الخلق المقصود أن طالوت وجالوت علمان من أعلام القرآن أحدهما لأحد المؤمنين وهو طالوت والآخر لأحد الكفار وهو جالوت .
ـ والعلم الثالث :ـ
أبولهب وهذا مر معنا في بعض الدروس لكني أتكلم عنه إجمالا أبولهب الوحيد الذي كني في القرآن كما قال السيوطي في الإتقان لايوجد أحد ذكر بكنيته في القرآن إلا أبولهب وهو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ وهنا نتكلم فوائد متعدده قبل أن شرع في الكلام عن أبي لهب: النبي عليه الصلاة والسلام كان له عشره أعمام وعدة عمات اختلف الناس في ضبطهم قيل أربعه وقيل غيرها نبدأ بالعمات من العمات :ـ(27/19)
صفيه وصفيه هذه أم من ؟ أم الزبير بن العوام وهي متفق على أنها أسلمت ، وضباعه بنتها ضباعه ، ومن عمات النبي صلى الله عليه وسلم عاتكه وهي التي مرت معنا في يوم الفرقان أنها رأت ماذا؟ رأت الرؤيا وعاتكه اسم تكرر كثيرا في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وقلنا إنه تسع من النساء يدلين في النسب الشريف اسمهم عاتكه منهن ثلاثة من قبيلة سليم فقط ثلاثه لهم دور في أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وجداته اسمهن عاتكه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم يوم حنين مفتخرا أنا ابن العواتك من سليم عواتك جمع عاتكه وهاذان بعض عماته من الثابت ، وقال له عمه يقال لها أروى ولكن اختلف هل ثبتت أم لم تثبت فلا يوجد كثير أخبار عن عماته.
أما أعمامه فعشره أدرك الإسلام منهم أربعة :ـ العباس ، وأبوطالب، وحمزه ، وأبولهب . أسلم حمز وأسلم العباس متأخرا كنية حمزه أبوعمارة وكنية العباس أبوالفضل وعبدالعزى لقبه أوكنيته أبولهب واسمه عبد العزى وإنما كني ولقب بأبي لهب لأنه كان جميلا جدا وكانت وجنتاه تشرقان كاللهب كالضياء فسمي بأبي لهب من هذا الباب والرابع أبوطالب واسمه عبد مناف أبوطالب وأبولهب كلاهما لم يسلما إلا أن أباطالب كان ينصر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول :ـ
وَلَقَد عَلِمتُ بِأنَّ دِينَ مُحمَّدٍ
مِن خَيرِ أَديَانِ البَرِيَّةِ دِينَا(27/20)
ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهره إلا أنه مات على الكفر وبعض الناس في عصرنا يجعل من قضية موت أبي طالب فرصه للقدح في الناس والمعنى بتوضيح أكثر أنه يقول أن أبا طالب مات على الإسلام وإن قلنا إنه يوجد من العلماء من قال بهذا لكنه يقول: إنه الذين لايقولون بأن أباطالب مات على الإسلام هؤلاء يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه تهمه عظيمه للناس لايوجد مؤمن يبغض النبي صلى الله عليه وسلم مايجتمع أصلا إيمان مع بغض النبي صلوات الله وسلامه عليه لكن نقول إن النصوص التي بين أيدينا تدل على أن أباطالب مات على الكفر هذا أمر ظاهر متظافر ونحن لسنا أرحم برسول الله من الله جل وعلا الذي اختار أن يموت أبوطالب على الكفر هذا أبوطالب . بقينا في أبولهب الذي هو موضوع القضيه .(27/21)
ـ أبولهب لما أنزل الله جل وعلا على نبيه ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) وقف صلى الله عليه وسلم على الصفا فنادى في قريش "يا صباحاه " ثم بين لهم ما أنذر كان المفترض أن يكون عمه أول الناس نصرة له على الأقل يسكت كما سكت أبوطالب لكنه قال له والناس حاضرون وهو عمه قال : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا وانصرف فتفرق الناس مع أبي لهب وكانت له زوجه يقال لها أم جميل تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ ) تبت بمعنى :ـ خابت وخسرت وهلكت وقلنا مرارا في درسنا في هذا المسجد المبارك وغيره إن هذه الآيات من أعظم إعجاز القرآن لأن الله أخبر فيها أن أبالهب سيكون مصيره إلى النار ومع ذلك لم يسلم أبولهب لا ظاهرا ولا باطنا ولم يستطع أن يقول ولو كذبا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ومات شر موته أبولهب هذا قبل أن أعرج على فوائد القصه كانت له جاريه اسمها ثويبه لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم جاءته ثويبه تخبره أن آمنه زوجت أخيه عبدالله ولدت غلاما ففرح أبولهب وأعتقها فلما مات رآه العباس ابن عبدالمطلب رأى أخاه أبالهب في المنام فسأله مافعل الله بك قال : لم أرى بعدكم إلاشرا إلا أنه في كل يوم اثنين يخفف عني بأنني أُسْقى من هذا الموضع مابين الإبهام والسبابه لأني أعتقت ثويبه جاريتي لما بشرتني بمولد محمد صلى الله عليه وسلم فانظر كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه على العكس الآن من الصوره تفهم كذلك أن الله جل وعلا عزيز ذو انتقام فهذا عم النبي صلى الله عليه وسلم أخو أبيه ولهذا قبل أن أبين الإنتقام الله جل وعلا قال : ( قُلْ يَآأََيُّّّّّّّّّّّّّّّّهَا الْكَافِرُونَ ) ( قُلء إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) ( قُل يَآ أَيُهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّّّّّّّّّّّّّ مِّن دِينِي ) (قُل....) (قُل....) إلى غير ذلك مما لايخفى عليكم (قُلْ(27/22)
يَاعِبَادِيَ الَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّذِينَ أَسْرَفُوا.....) لكن الله جل وعلا يعلم نبيه الأدب فما قال الله لنبيه قل يا أبالهب خاطب الله أبالهب مباشرة ونحى نبيه جانبا حتى لايقال إن محمدا يسئ الأدب مع عمه ـ واضح ـ حتى لايقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يسئ الأدب مع عمه لأن العم صنوا الأب أخو الأب وحق الأب عظيم ولهذا قلت مرارا إن من كرامة الله لنبيه أن أباه مات وهو صغير لأنه لايبقى لأحد يمشي صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أعلى منه له حق أبوه ميت وأمه ميته وهما لهما الحقان ولوقدر أنهما لوعاشا عاشا كافران لوقدر هذا فإنهما يبقى لهما حق كما كان حق والد إبراهيم على إبراهيم لكنه صلى الله عليه وسلم عاش يتيما الأبوين حتى لايبقى لأحد عليه فضل اللهم إلا عمه العباس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم العباس ويجله تعظيما وورث أبوبكر وعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه لعمه العباس وكان عمر رضي الله عنه يستسقي بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وإذا دخل فرش له بجواره وأجلسه لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم فنقول للعم حق كما أن للخاله حق عظيم بالنسبه لقضية الوالده موضع الشاهد قال الله ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ ) تكفل الله بالجواب والرد على أبي لهب ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وسيله في الخطاب.(27/23)
ـ موضع الشاهد: قلت إن أبالهب لما نازع الله وحاربه قال الله جل وعلا له ذلك ولم ينفعه قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفعه ذلك من قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا ينبغي أن يعلم أن الله جل وعلا عزيز فلا ينبغي لأحد أن يقع في قلبه السخريه من آيات الله أو رسله أو محاولة أن ينازع الله جل وعلا في شئ . كان فيه رجل قديم اسمه:ـ محمد بن زكريا الطبيب أعاذنا الله وإياكم منه هذا الرجل تلي عليه قول الله جل وعلا ( قُلْ أرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعَينٍ ) فقال : عياذا بالله مباشره قال :تأتي به الفؤوس والمعاول فأذهب الله جل وعلا في ساعته ماء عينيه فبقي حياته كلها أعمى قال يستهزئ بالقرآن (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعَينٍ ) قال: تأتي به الفؤوس والمعاول يعني : نحفر فما أن أكملها إلا وذهب ماء عينيه فاصبحتا بيضاويتين وبقي أعمى إلى أن مات فالله جل وعلا يقول في ذاته العليه:"إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) والمؤمن الحق يراقب الله جل وعلا في كل شيء حتى لو وقعت منه المعصيه ولا يسلم من المعاصي أحد كلنا خطاء تقع منه وهو منكسر تقع منه وهو خائف تقع منه وهو وجل تقع منه وهو يخشى الله و يخشى عذابه هذا هو المؤمن شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالفرس المعقود في مكان ما. فمهما ذهب يعود إلى نفس مربطه .والمكان الذي فيه حبله هذا المؤمن الحق، أما منازعة الله هذا هو عين الوبال ومحل السفال عياذً بالله ،قيل للإمام أحمد رحمه الله أطلبت هذا العلم لله ؟ قال :الله عزيز لا أستطيع أن اقول هذا إنما أقول هو شيء حببه الله إلي فصنعته هو شيء حببه الله إلي فصنعته ولم يقل وهو أحمد أنني طلبت هذا العلم لله ،هذا مايتعلق بالفائدة من القصة وهي أهم مافي القضية أن الإنسان يراقب الله جلا وعلا ولا يتكل على شيء من أمور الدنيا .
ـ رابع الأعلام وهو الأخير :ـ(27/24)
علم على مكان قال الله جل وعلا : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاَ وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) بكة هنا بمعنى / مكه ،بكة بمعنى / مكه وهي علم على مكان كما هو معلوم .
ـ مكه ذكر الله جل وعلا في القرآن المدينه وسيأتي الخبر عنها وذكر مكه بتعبير الباء بعض العلماء يقول إن جرت لغة العرب أن الباء تحل بدل من الميم يقولون طين لازب بالباء ويقولون طين لازم بالميم وقال بعض العلماء إن بكة اسم للموضع الذي فيه البيت وقال ءاخرون لا بكة اسم للمسجد والصحيح إن شاء الله أن بكة اسم لمكة كلها هذه البلده بإجمال نتكلم لا أتكلم عن البيت العتيق نتكلم عن مكة:ـ
ـ من خصائصها:ـ
ـ أن الله جل وعلا حرمها يوم خلق السموات والأرض وهذا من أعظم دلائل اسصطفاء الله لتلك البقعة قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ) ولم يحلها جل وعلا لأحد من الخلق إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم حلا مؤقتا ساعة من نهار في يوم الفتح لما انتهى الفتح ردها الله جل وعلا حرام ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( قال : فمن أخبركم أن النبي قاتل فيها أخبروه أن الله أحلها لنبيه ساعة من نهار ) هذا الأول.
ـ الأمر الثاني :ـ حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره عن الله أنه لايعضد شوكها ولا ينفر صيدها ولا تأخذ لقطتها إلا لمعرف إلا لمنشد فالإنسان إذا رأيت أي شئ في مكة اتركه على ماهو عليه.(27/25)
ـ من عظمتها عند الله أن الله جل وعلا لم يبحها لأي أحد من الجبابره عبر التاريخ كله حبس عنها الفيل ولهذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم كرامة الله له لما دخلت القصواء مكة قال عليه الصلاة والسلام إن الله حبس الفيل على مكة وسلط عليها محمد وأصحابه ولما بركت القصواء ومر معنا هذا في درس سورة الفتح في يوم الحديبيه وقال الصحابه خلعت القصواء قال صلى الله عليه وسلم :( والله ماخلعت القصواء وماذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل) وأهل الفيل قدموا بالفيل يريدون مكة مع أنه بالعقل الذين أتوا أبرهة وجيشه كانوا على أي مله ؟ كانوا نصارى أهل كتاب وقريش كانت وثنيين كان القرشيون وثنييون ومع ذلك نصر الله الوثنيين على أهل الكتاب هنا لكرامة ماذا ؟ لكرامة مكة وإلا الأصل أن أهل الكتاب أقرب إلى الملة من الوثنيين كما في آية :( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ...) لكن الله جل وعلا حبس الفيل عن مكة أين مايوجهه يوجهه إلا إلى الكعبه فلا يقدر على هذا إلا الله قال : ( أَلَمْ تَر َكَيْفَ فَعَلَ رَبُّّّّّّّّّّّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ )
وكلمة ضل في اللغة / تأتي على ثلاث معان:ـ
ـ تأتي ضل بمعنى ضد الإيمان ضد الهدايه العامه التي هي هدايه الإيمان وهذا أكثر استعمال القرآن ومنه قول الله تعالى : ( غَيْر ِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الْضَّآلِّينَ )
ـ وتأتي ضل بمعنى عدم إصابة هدف محدد ومنه قول أبناء يعقوب عن أبيهم : ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) لايقصدون أن أباهم كان كافرا لأنهم لو قالوا هذا كفروا لكنهم يقصدون أن أباهم ما أصاب الصواب في قوله إن يوسف مازال حيا .(27/26)
ـ وتأتي ضل في القرآن بمعنى اضمحل وأصبح هباء ومنه قول الله جل وعلا هنا: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ) وقوله سبحانه في السجده :( وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي إذا ذبنا واضمحللنا في الأرض وذهبنا هباء منثورا أننا سنعاد المقصود أن الله سلط عليهم الطير وقد قلنا في درس سابق إن الأصل في الطير أنه مصدر أمان فلايوجد أحد يخوف بالطير فلما أرادوا أن إلى أعظم مكان آمن وهو الكعبه أن يهدموه سلط الله عليهم الخوف من حيث لايحتسبون فأضلتهم الطير وهم يعتقدون أنهم في أمن ليست ريح يخوفون بها ولا كواسر وسباع ضواري تأكلهم وإنما طير من الطيور فلما أصابهم الإطمئنان بعث الله جل وعلا عليهم حجارة من سجيل.
ـ جعل الله جل وعلا في مكة بيته الحرام وهو أول بيت وضع للناس ولايوجد في الشرع بيت يطاف حوله إلا البيت العتيق .
ـ وسمي بالعتيق :ـ لأن الله جل وعلا أعتقه من الجبابره أن يصلوا إليه أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا البيت لا يسلط عليه كافر إلى قيام الساعه لا يسلط عليه كافر إلى قيام الساعه ولهذا الحملات الصليبيه دخلت بيت المقدس ووصلت إلى أطراف الجزيره وأفتتحت الشام مع فضل الشام وماجاء فيه لكن لم تستطع أي حمله صليبيه أن تصل إلى مكة ولن تستطيع إلى قيام الساعه لأن مكة بيضة الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ عهدا من ربه ألا يسلط على المسلمين من يستبيح بيضتهم أعطاه الله جل وعلا هذا العهد فلو جبلت أمم الأرض من أقطارها على أن يدخلوها لن يستطيعوا أن يدخلوها هذا خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أن يؤذن بقيام الساعه يأتيها ذو السويقتين من أرض الحبشه يهدمها ويقلعها حجرا حجرا ويستخرج كنوزها أي الكعبه بعد ذلك لا يطاف بالبيت أصلا ولايقال لاإله إلا الله ولايبقى على الأرض أحد مسلم ثم على هؤلاء هم شرار الخلق تقوم الساعه.(27/27)
ـ جعل الله جل وعلا بيته وجعل شعائر عظمى مر معنا منها المشعر الحرام ـ ومنى ـ والصفا والمروه ـ ومقام إبراهيم كما قال الله:( فِيهِ ءَايَاتٌ بَينَاتٍ مَقَامُ إِبَرَاهِيمُ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنا ).
ـ منع الله شرعا أن يدخلها الكفار قال الله جل وعلا :( إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِم هَذا ) فلا يحل لأحد أن يدخل رجلا مشركا أي كان من أهل الكتاب أو وثني أو غيره أن يدخل مكة بخلاف المدينه لايوجد دليل شرعي على أن الكفار يمنعون من دخول المدينه لكنا كما قلنا مرارا هذا رأي رآه ولاة الأمر وفقهم الله أن لايدخلها أحد غير المسلمين والأمر عليه وإلا لايوجد مانع شرعي يمنع دخول أهل الكفر إلى المدينه لأن أبولؤلؤة المجوسي مجوسي من اسمه وعابد نار وقتل عمر رضي الله عنه كان يعمل حدادا داخل المدينه وعمر رضي الله عنه لما بلغه أنا أبا لؤلؤه هو الذي قتله كان يعرف أنه مجوسي قال : الحمد لله الذي لم يجعل موتي أو قتلتي على يد رجل سجد لله فهو يعلم أن أبا لؤلؤه كان كافرا وأنه كان يسكن المدينه قال الله تعالى : (:( إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِم هَذا ) هذا من خصائصها هذا جملة مايمكن أن يقال عن البلد الحرام وتعظيمه من أعظم تعظيم شعائر الله .
ـ جعل الله من خصائصها أن الصلاة في مسجدها بمائة ألف ولايوجد هذا إلا في المسجد الحرام وجمهور العلماء على أن الصلاة في أي موطن في مكة في المسجد أو حتى في البيوت لأهل الأعذار الصلاة فيها بمائة ألف صلاة وأما المدينه فالصلاة في المسجد بألف في المسجد النبوي فقط دون الصلاة في أي مكان خارج المسجد .خارج المسجد لا تحسب الصلاة بألف صلاة واختلف الناس في ساحات المسجد الموجد الآن والصواب أن ساحات المسجد هذه الصلاة فيها بألف .(27/28)
ـ لأن الفقهاء من الحنابله يقولون إن رحبة المسجد أي المحيطه به لا تخلوا من أحد حالين :ـ
ـ إماأن تكون مسورة ولها أبواب فتلحق حكما بالمسجد .
ـ وإن لم تكن مسورة وليس لها أبواب فلا تلحق بالمسجد والساحات التي حول الحرم النبوي مسورة ولها أبواب فالصواب أنها تلحق حكما بالمسجد لكن من أتى إليها يدخل المسجد فإذا ازدحمت كما يصلي الناس التراويح والأعياد في الساحات فهذه إن شاء الله داخله في المسجد حكما .والصلاة فيها بألف صلاة.
قلنا جمهور العلماء على أن مكة الصلاة فيها بمائة ألف صلاة في سائر أنحيتها.
ـ بقينا في السيئه: المشهور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن السيئه في مكة بمائة ألف لكن أكثر أهل العلم على خلاف هذا لأن الله قال في آيات محكمات ( وَجَزَاؤُ سَيِّئَةٌ سَيِّّئَةٌ مِّثْلُهَا ) فلا يرد محكم القرآن برأي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لكن السيئه فيها تغلظ كيفا ولا تغلظ كما أي لايكثر عددها لكن قد تكثر تغلظ كيفية كما بينا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا بإمرأة أخرى وإن كان كل حراما المقصود من هذا هذه مكة بلد الله الحرام الذي عظمه الله جل وعلا يوم خلق السموات والأرض وقلت أنني في هذه الأعلام أعطي إطلالات تاريخيه ماقدر الله لنا أن نقوله فيها...
هذا ماتيسر إراده وتهيأ إعداده والله المستعان وعليه البلاغ وصلى الله على محمد وعلى آله....(27/29)
من 36 إلى 48
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحبُ ربُنا ويرضى وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ خلق فسوى وقدّر فهدى ، وأشهدُ أن سينا ونبينا مُحمداً عبدهُ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ....
........ أما بعد ....:
فهذا اللقاء الرابع المُتعلق بسورة الإسراء وكُنّا قد انتهينا في اللقاء الثالث إلى قول ربنا جل وعلا ( ولا تقفُ ما ليس لك بهِ علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كُلُ أُولئك كان عنهُ مسؤلا )
وذكرنا أن الآية دلت على وجه الخصوص بسورة أولية على أن القول على الله جل وعلا بلا علم من الأمور المحرمة إنّ كان القولُ بلا علم على إطلاقهِ ممنوع فكيف بالقول على الله وذكرنا قصة عامر ابن الضرب وقُلنا إنّ ّعامراً كانت العربُ تفدُ إليهِ وتحتكم فجاءهُ قومٌ يسألونهُ في ميراث خُنثى ثُمّ إنّهُ حار فيهم أربعين يوماً وهم آنذاك كانوا أضيافة فقالت لهُ جاريةٌ عندهُ أتبع الحُكم المبال فأخذ بقولها .
قال الإمام الأوزاعي مُعلقاً على القصة : إذا كان هذا رجلٌ في الجاهلية لا يرجوا جنة ولا يرجى ناراً توقف في الحُكم أربعين يوماً لمّا لم يثبُت عندهُ فكيف بمن يتجرأ على القول على الله تعالى بلا علم وهذا في ذالك عضهِ وعبرة لكُل أحد .
ثم قال ربُنا ( إنّ السمع والبصر والفُؤاد كُلُ أُولئك )
الإشكال عند اللغويين التعبير بأُولئك عمّا لا يعقل وهُم يقولون في أغلبهِم أن أُولئك تُطلق على العُقلاء لكن كفى الاستخدام القرآني دليلاً على أنها تُستخدم لغير العاقل فالقرآن أو اللفظ القرآني هو الذي يقوم مقام الاستشهاد ولا يُستشهد للقرآنِ بقول أحد.
على أنّ جواب الإشكال بصورةٍ أوضح من جهتين :
أنّ الله جل وعلا أقام السمع والبصر والفُؤاد مقام العُقلاء لأنها شواهدُ على أصحابها و مسؤلةً عن ذاتها ، مسؤُلةٌ عن ذاتها وشواهدُ على أصحابها .
والأمر الثاني :(28/1)
عُرف في بعض كلام العرب إطلاقهم أُولئك على غير العُقلاء ويحتجُ القائلون بهذا بقول جرير:
ذُم المنازل بعد منزلة اللوَا ..... والعيش بعد أُولئك الأيامِ
فالأيامُ غيرُ ماذا ؟ غيرُ عاقلة وعبّر عنها بأولئك لكنّ المانعين يقولون إنّ البيت أصلهُ
والعيش بعد أُولئك الأقوامِ
فإذا كانت الرواية الصحيحة بعد أُولئك الأقوام فلا دليل في بيت جرير لأن الأقوام عٌلاء أو غير عُقلاء ؟
عُقلاء فالتعبير عنه بأُولئك مُلائم لكن على القول أن الرواية الصحيحة
والعيش بعد أُولئك الأيامِ
أصبح الاستشهاد قائم لماذا ؟ لأن الأيام غيرُ عاقلة.
لكنّ نقول أياً كان فإنّ الله جل وعلا أقام السمع والبصر والفؤاد مقام العُقلاء لأنها مسؤُلةٌ عن ذاتها وشواهدُ على أصحابها .
( إنّ السمع والبصر والفؤاد كُلُ أُولئك كان عنهُ مسؤلا )
ثم مضى الأدب القرآني المبدوء أولاً بآية :
( وقضى ربُك ألا تعبدوا إلا إياه ) ثم جاءت سلسلة من مكارم الأخلاق يُدعى إليها ومن سيء الأخلاق يُنهى عنها كقولهِ تعالى ( ولا تقربوا الزنى )
هُنا قال ( ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلُغ الجبال طولا )
الإنسانُ يحيَ بين جمادين ما بين أرضٍ يمشي عليها وما بين جبالٍ تُحيط بهِ فالله جل وعلا يقول لنبيهِ والمخاطب أُمته من باب و الوادِ المعروف إياك أعني واسمعي يا جارة المقصود أنك مهما علوت وارتفعت فإنك لن تستطيع أن تخرق الأرض وكلمة تخرق لفظاً تحتملُ معنيين :
الخرق المعروف .
والخرق الآخر بمعنى قطعها .
وقد جاء في كلام العرب أن الخرق بمعنى بمعنى القطع يعني لن تستطيع أن تمضي في الأرضِ كُلها ( إنك لن تخرق الأرض )
يُصبح المعنى لن تستطيع أن تقطعها جميعها وحملهُ على الأول أقرب وهو الخرق المعروف من الدَوس فيُصبح المعنى (لا تمشِ في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلُغ الجبال طولا )(28/2)
نهى اللهُ نبيهُ عن الكبر وعن مشيةِ الفخر والخُيلاء فإذا قُلنا مَشية بفتح الميم فهذا اسم مرة تقول ضربتهُ ضربة أي ضربةً واحدة أما على وزن فعلِه بكسر الميم فهو اسم هيئة مِشية بمعنى اسم هيئة .
المقصُود نهى اللهُ نبيهُ عن مِشية الجبارين المُتكبرين ذوي البطر الذين يختالون في الأرض فرحاً وبطراً هذا المنهيُ عنه .
( إنك لن تخرق الأرض ولن تبلُغ الجبال طولا )
كلمة طولا عند النحويين تمييز مُحّول من فاعل ومعنى الكلام لن يبلُغ طولُك الجبال .
ما معنى (ولن تبلُغ الجبال طولا ) ؟
أي لن يبلُغ طولُك الجبال ـ تقول في الكلام العادي يا بُني ـ ازدانت المدينةُ مدخلاً
ما أصلُها ؟ ازدان مدخلُ المدينة .
تقول طاب عمرٌ نفساً ما أصلُها ؟ طابت نفسُ عمر
فالتمييز هُنا مُحوّل عن فاعل مثلهُ قولهُ جل شأنهُ : ( إنك لن تخرق الأرض ولن تبلُغ الجبال طولا )
أي ولن يبلُغَ طولك الجبال .
والمقصود المنهيُ عن الكبر وأصلهُ شيء في النفس يقع فإذا وقع في النفس ولو كان ذرة نجم عنهُ أثرٌ في الظاهر وبحسب تمكُن ذالك الكبر في القلب يكونُ ذالك الأثر فمن اُلجم بلجام التقوى منعهُ ما في قلبهِ من طلب العلو منعتهُ التقوى منه ومن لم تمنعهُ التقوى أنطلق في عنانهِ ومضمارهِ كما قال فرعون ( أنا ربكُم الأعلى ) لماذا قال فرعون أنا ربكُم الأعلى لأنهُ لا لجام لتقوى عندهُ يمنعهُ من أن يقول هذا القول [ واضح ]
و إلا بذرةُ الخير والشر في كُل أحدٍ موجودة .
( إنك لن تخرق الأرض ولن تبلُغ الجبال طولا كُلُ ذالك كان سيئةُ عند ربكَ مكرُوها )
قُرأت سيئةًً وقُرأت سيئةُ على قراءة سيئةً يُصبح المعنى (كُلُ ذالك كان سيئةً عند ربكَ مكروُها ) فتنصرف كُل إلى ماذا ؟
إلى ما نهى الله جل وعلا عنه .(28/3)
أمّا على قراءة سيئةُ ( كُلُ ذالك كان سيئةُ ) يُصبح كان سيئةُ تخصيصاً من كلمة من كلمة كُل لأن ما أمرناك بهِ ونهيناك عنه أمرناك بمحاسن الأخلاق ( أتي ذَا القُربى حقهُ ) ( بالوالدين إحسانا ) ونهيناك عن سيئها ( لا تقربُوا مال اليتيم ) ( لا تقربُوا الزنا ) ( لا تقتلُوا أولادكُم ) ما مضى من آيات فيُصبح ( كان سيئةُ ) أي ما مضى مُخصص السيئة منه بأنهُ مكروهٌ عند الله فيُفهم منه أن غير السيئ ليس مكروهً عند الله .
... ... ( كُلُ ذالك كان سيئةُ عند ربكَ مكرُوها ذالك )
جُملة ما علّمناك .
( ممّا أوحى إليك ربُك من الحكمة )
وهُنا نربط الآية بما حرّرناه في السُنة في أول اللقاء حول سورة الإسراء
قُلنا إنّ قلب النبي صلى الله علية وسلم مُلأ ماذا ؟
إيماناً وحكمة وعقّبنا على ذالك بأن الحكمة أجلُ ما يُعطاهُ بنو ءادم بعد الإيمان ، أجلُ ما يُعطاهُ بنو ءادم بعد الإيمان ..
على هذا قولُ الله جل وعلا : ( ذالك ممّا أوحى إليك ربُك من الحكمة ) يعضُد هذا الاستنباط من السُنة وهي أن الحكمة أعظمُ شيءٍ بعد الإيمان ...
ثم بين الله جل وعلا والحكمةُ عند البعض تقوم على ثلاثة أركان تقوم على ثلاثة أركان :
العلم
والحلم
والأناة
الحكمة تقوم على ثلاثة أركان :
العلم
والحلم
والأناة
نقول قال ربُنا (ذالك ممّا أوحى إليك ربُك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتُلقى في جهنّم ملُوماً مدحورا ) قبلها بآيات قال في فاصلة ما بين آياتٍ وآيات قال ( أُنظر كيف فضّلنا بعضهُم على بعض ولا الآخرةُ أكبرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلاً ) بعدها آية سأترُكها ( وقضى ربُك ألا تعبدُوا إلا إياه )
ما بين هاتين الآيتين قال ( لا تجعل مع الله إلهٍ آخر فتقعُدُ مذموماً مخذولاً )
هُنا ماذا قال ؟
قال (ذالك ممّا أوحى إليك ربُك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتُلقى في جهنّم ملوماً مدحورا )
بدايةً كم وصف تحرّر ؟
أربعة
كم وصف ؟(28/4)
أربعة في الآية الأُولى قال ( مذموماً مخذولا) هذان كم ؟ وصفان .
وفي الآخرة قال ( ملوماً مدحورا )
سُنبيّن ما معنى مذموم ، ما معنى ملُوم ، ما معنى مدحور ، ما معنى مخذول ؟
ثم نُبيّن لماذا قال الله ( ملوماً مدحورا ) وقال ( مذموماً مخذولا) ...
أمّا الملوم ــ أُكتُبوا ــ الملوم من يُقال لهُ لما فعلت كذا وكذا الملوم من يُقال لهُ لما فعلت كذا وكذا من قبيح الأفعال .
وأمّا المذموم فهو من يُخبر بقبيح ما فعل لا يُسأل إنّما يُخبر بقبيح ما فعل يُخبر بقبيح ما فعل .
وأمّا المخذول فهو الضعيفُ الذي لا ناصر له ،وأمّا المخذول فهو الضعيفُ الذي لا ناصر له .
وأمّا المدحور فهو المطرود المُبعد عن كُل خير ، وأمّا المدحور فهو المطرود المُبعد من كُل خير.
الآن نجمع شتات الآيات بدايةً لغوياً نقول إن القعُود يعني العجز قعد عن الشيء أي عجز عنه قال الحُطيئة يهجو أحدهم :
دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها
وأقعُد فإنّك أنت الطاعمُ الكاسي
فالتعبير بلفظ أُقعد على أن هذا المهجو عاجزٌ على أن ينال مراتب الشرف ويُنافس في الإطعام والكسوة والخيرات شبّههُ بالنساء [ واضح]
وأقعُد فإنّك أنت الطاعمُ الكاسي
هنا مطعوم مكسي هذا أصل الكلام ، فالعرب تستخدم أٌقعد في العجز ولهذا قال الله في النساء أخبر عن المُجاهدين من جعل ضدهُم ؟ القاعدين جعل ضدهُم من القاعدين .
و المرأة إذا كبُرت وقعدت وأصبح ليس لرجال مأربٌ فيها سمّها الله القواعد [ واضح]
هنا ربُنا يقول ( لا تجعل مع الله إلهٍ آخر فتقعُدُ) يعني تُصبح عاجزاً تُفاجىء ( لا تجعل مع الله إلهٍ آخر فتقعُدُ مذموماً مخذولاً ) والآية التي بين يدينا ( فتُلقى في جهنّم ملوماً مدحورا )
نقول الآن بعد أن حرّرنا الأربعة وذكرنا نقول ما يلي :
يُنبهُ الله في الآيتين وإن جاءتا مُتفرقة على أن التوحيد راس الدُين ورأس الحكمة ، على أن التوحيد راس الدُين ورأس الحكمة ومبدأُ الأمرِ ومُنتهاه .
في الآية الأُولى:(28/5)
رتّب الله آثار الشرك الدُنيوية في الآية الأولى رتب الله آثار الشرك في الدُنيا قال ( لا تجعل مع الله إلهٍ آخر فتقعُدُ مذموماً) من الناس ( مخذولاً من ربك ) أين ؟ في الدُنيا .
وفي الآية الثانية:
أعاد الله الآيات بقولهِ (فتُلقى في جهنّم ملوماً مدحورا ) فذكر جهنّم يُبين لك أن الآثار هُنا أين ؟ في الآخرة أن الآثار في الآخرة فذكر آثار الشرك في الآخرة .
إذاً لا يوجد تكرار كما يفهمهُ البعض بادي الرأي وإنّما نهى الله عن الشرك في الآية الأُولى ورتب عليه الآثار الدنيوية وذكر الشرك ونهى عنه في الآية الثانية ورتب عليه الآثار الأُخروية قال (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتُلقى في جهنّم ملوماً مدحورا )
ثم قال الله ( أفأصفاكُم ربُكُم بالبنين وأتخذ من الملائكة إناثا إنكُم لتقولون قولاً عظيما )
هذا عودٌ على بدء
وذكر ما كانت بعض العرب تزعُم أن الملائكة بناتُ الله وعبارة أتخذ تُوحي أن القُرشيين القائلين بهذا لا يقولون أن الله ولد بناتً لكنّهم يزعمون أن الله خلق الملائكة على هيئة بنات ثم أتخذهُم بناتً له خلقهُم إناثاً ثم أتخذهُم بناتٍ لهٌُ لأن لفظ أتخذ لا يُساعد على القول أنهم يدّعون أن الله ولد البنات تعالى الله على كُل حال عمّا يقول الظالمون علواً كبيرا .
فالله جل وعلا يقول ( أفأصفاكُم ربُكُم بالبنين وأتخذ من الملائكة إناثا)
هذا استفهام انكاري توبيخي
كيف تجرؤن على أن تنسبوُا للهِ الولد جُملةً ثم تنسبوا إليه أبخس الولد وهو الأُنثى كيف تجرؤن على أن تنسبوُا للهِ الولد من حيث الجملة ثم كيف تجرؤن على أن تنسبوا إليه أبخس الولد وهو الأُنثى الذي عادةً ما تأنفون منهُ أنتُم و تتبرأون منه ( أفأصفاكُم ربُكُم بالبنين وأتخذ من الملائكة إناثا إنكُم لتقولون قولاً عظيما )(28/6)
وهذا التعبير القرآني فغيه شدّة إنكار ومُبالغة في الرد عليهم أي لو كانت لكُم قلوبٌ تفقه وعقُولٌ تعقل عظيم هذا القول لما صدعتُه بهِ لهذا قال الله (إنكُم لتقولون قولاً عظيما )
ثم قال : ( ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكروا وما يزيدهُم إلا نفورا )
تصريف الرياح ما معناه ؟
انتقالُها من مكان إلى مكان.
والمعنى أن القرآن فيهِ وعد ووعيد وأوامر ونواهي وقصص وزواجر فاللهُ جل وعلا لم يجعلهُ على نسقٍ واحد وصرّف فيهِ الآيات كُلُ ذالك ليكون دعوةً لهُم لأن يتعضوا ويعتبرُوا لكن لكنّ لمّا فُطرت قلُوبهُم على الشرك عياذاً بالله ما زادهُم هذا التصريف في آيات اللهِ إلا نفوراً وبُعداً عن ماذا ؟ عن الحق .
( ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكروا وما يزيدهُم إلا نفورا )
ثم عاد الله جل وعلا لإبطال دعواهُم بتعددُ الآلهة :
( قُل لو كان معهُ آلهةٌ كما يقولون لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سُبحانهُ وتعالى عمّا يقولُوا الظالمون علواً كبيرا * تُسبّح لهُ السماوات السبع ومن فيهنّ وإن من شيءٍ إلا يُسبح بحمدهِ ولكن لا تفقهون تسبيحُهم إنهُ كان حليماً غفورا )
تصوّر الآيات جُملةً على النحو التالي :
هؤلاء القُرشيون يقولون بتعددُ الآلهة ثم إنهم في تعددُ الآلهة هؤلاء يزعمون أنهُم عندما يعبدُون تلك الآلهة التي اتخذُوها إنّما هي هذهِ الآلهة شُفعاء لهُم عند من ؟ شُفعاء لهُم عند عند الله هذا زعم .
الله جل وعلا أراد أن يرُد عليهم بُطلان قولهم بوجود تعددُ الآلهة فقال ربُنا ( قُل ) والقرآن كُلهُ مأمورٌ مُحمدٌ صلى الله علية وسلم أن يُبلّغه لكنّ إذا جاء ( قُل ) في القرآن دلّ على زيادة اختصاص دلّ على زيادة اختصاص ويُربي في المؤمن فقه الأولويات .
( قُل لو كان معهُ آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغُوا إلى ذي العرش سبيلا )(28/7)
بدايةً لو حرفُ امتناعٍ لامتناع أصلاً لا تُوجد آلهة حتى تجد سبيلاً إلى ذي العرش فالأمرُ برُمتهِ باطل إلا في ألسنتكُم لكن الآن هنا تصور فرضي كيف يرُد الله عليهم .
و إلا لولا حرفُ امتناعٍ لامتناع ( قُل لو كان معهُ آلهةٌ) هل مع الله آلهة ؟
حاشا وكلا ليس مع الله آلهة إذاً ما دام لا يوجد مع الله آلهة لا يُمكن أن يُوجد طلب سبيل إلى الله .
فهمتُم
فالأمرُ برُمتهِ غير موجود إلا في قلُوب هؤلاء الكفرة فيقول الله ( قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغُوا إلى ذي العرش سبيلا )
ابتغاء السبيل المقصود منهُ : طلبُ السعي إلى شيءٍ ما.
والآية هُنا تحتمل معنيين: وهنا حاول أن تُركزَ قليلاً كيف أبطل الله تعدُد الآلهة :
الأول :
ــ حاول أن تفهمها قبل أن تكتُبها ــ
ربُنا يقُول لهُم لو فرضنا جدلاً بحسب منطقكُم الكافر أن هُناك آلهة ثانية هذهِ الآلهة ــ نحمل الآن الرأي الأول على أن كلمة(إذاً لابتغُوا إلى ذي العرش سبيلا ) أي سبيل رغبة وخُضوع ـ
أنتُم لماذا تعبدون هذهِ الآلهة ؟
قالُوا نعبُدها حتى تكون شفعاء بيننا وبين الله فالله جل وعلا يقول إذا كانت هذهِ الآلهة بزعمكُم تخضعُ لي وتتشفّع لكُم عندي فقطعاً هذا يمنع بتاتاً أن تُسمّى ماذا ؟ أن تُسمّى آلهة .
لأن الإله لا يكونُ خاضعاً لأن الإله لا يكونُ خاضعاً
ــ نجيب مثال من واقع الناس اليوم ــ
أنت تعرف رجُلا يعمل في الديوان الملكي فأعطيتهُ أوراق ليعرضها على الملك فهذا الذي في الديوان الملكي الموظف هو وسيطٌ لك عن الملك صحيح حتى يعرض موضوعك على الملك لابُد هُو نفسهُ أن يكون خاضعاً لمن ؟ يكون خاضعاً للملك ويتشفّع لك عندهُ في ذُل وتواضُع حتى يقبل الملكُ شفاعته إذاً قطعاً هذا الشفيع ليس بماذا ؟ ليس بملك .
لأن الملوك لا تخضعُ بعضها لبعض [[ واضح ]](28/8)
قطعاً هذا الشفيع ليس بماذا ؟ ليس بملك إذاً بطل ما زعموهُ بطل ما ادعوه ُأنتُم تقولون أن هذهِ المُعلّقة حول الكعبة أو التي تعبدونها حول الكعبة أو غيرها هي شُفعاء بينُكم وبين الله وتقولون إنها آلهة ( وقالوا ءألهتُنا خيرٌ أم هو ) على عيسى ابنُ مريم يُسمّونها آلهة فكيف تُسمّونها آلهة وهي تخضعُ لغيرها الإله لا يخضعُ لأحد فبطل دعواكم أنها آلهة .
هذا على القول (إذاً لابتغُوا إلى ذي العرش سبيلا ) سبيل ماذا ؟ خضوع وتذلُل ومحبة [[ واضح ]]
القول الثاني :
( لابتغُوا إلى ذي العرش سبيلا ) ليس سبيل تذلُل وخضوع على العكس سبيل مُغالبة ومُنازعة
أي لو كانت هذهِ الآلهة ــ هذا التفسيرُ الآخر ــ لو كانت هذهِ الآلهة آله كما تزعمون أنتُم فالآلهة لها قُدرة لها سُلطان فسُتنازعُ الله جل وعلا في سُلطانه وأيُ شيءٍ حولهُ تنازُع ينجُم عنهُ خلل أيُ بلد فيها أربعة خمسة رُؤساء يحدُث خلل في نظامها لأن كُل رئيس يُريد أن يُمضيَ كلامهُ تسمعون الآن أُمراء الحرب في الصومال ما يُمكن يصيرون أُمراء على بلدٍ واحد لابُد أن يحصُل نزاع فلابُد أن يكون حتى يستقرّ أمر لابُد أن يكون الحاكم واحد وأنتُم ترون بأعيُنكم أن الكون مُنتظم شمسهُ وقمرهُ وليلهُ ونهارهُ لا يوجدُ فيهِ أيُ خلل ولا أيُ فساد فدّل عقلاً على أن الإله ماذا ؟ واحد .
...وهذهِ الرأيان كُلُ القرآن يشهدُ لهذا ويشهد لهذا ...
أمّا القول الأول:
على التذلُل والخضوع يشهد عليهِ آية ( أُولئك الذين يدعُون يبتغُون إلى ربهِم الوسيلة أيهُم أقرب ويرجون رحمتهُ ويخافون عذابهُ ) ــ في نفس السورة .
والقول الثاني:
وهو الأرجح والعلمُ عند الله يشهد لهُ قول اللهِ جل وعلا ( لو كان فيهِما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا )
وقولُ اللهِ جل وعلا ( ولعلا بعضهُم على بعض سُبحان اللهِ عمّا يصفون )
فبكلا الطريقين أو بكلا الرأيين الناجمين عن فهم الآية يبطُل دعوى الكُفّار القُرشيين أن مع الله جل وعلا آلهة(28/9)
[واضح ] فيُصبح الآيات تُبطلُ جميع ما زعمهُ القُرشيون الأوائل .
قال الله :
(قُل لو كان معهُ آلهةٌ كما يقولون )
وقولُ الله جل وعلا ( كما يقولون) هذي إطناب زيادة المقصُودُ منها أن هذا أمرٌُ مُحال أن يقولهُ عاقل لكن هُم تجرأُُوا وقالوه.
(إذاً لابتغُوا إلى ذي العرش سبيلا )
...... من حيث الصناعة النحوية .....
إذاً أُتي بها لتأكيد الجواب إذاً أُتي بها لتأكيد الجواب هو جواب لولا المُمتنع تحقيقهُ هو جواب لولا المُمتنع تحقيقهُ لأن لولا حرفُ امتناعٍ لامتناع .
ثم أنشأ اللهُ جُملةً آيةً تُنزّهُ الله عما يزعمهُ هؤلاء الكفرة قال الله جل وعلا :
( سُبحانهُ وتعالى عمّا يقولون علواً كبيرا)
قال بعضُ أهل العلم كبيراً هُنا بمعنى الكامل بمعنى الكامل .
والمقصُود أن الله جل وعلا يُنزّهُ ذاتهُ العليّة عمّا زعمهُ هؤلاء الكُفّار وما تبنّوهُ من مُعتقدٍ فاسد وأن الله جل وعلا تعالى أن يكون لهُ شريك تعالى أن يكون لهُ شريك .
ثم ذكر الله آيات تدُلُّ على وحدانيتهِ قال :
( تُسبحُ لهُ السماواتُ والأرضُ ومن فيهِنّ وإن من شيءٍ )
يدخُل فيها الجمادات والحيوانات والنباتات.
(إلا يُسبحُ بحمدهِ )
ولمّا كان هذا التسبيحُ من لدُن كُل الأشياء دقيقاً لا يصلُ إليهِ أحد قال ربُنا :
( ولكن لا تفقهون)
ولم يقُل ولكن لا تعلمون وإنّما عبّر بلفظ تفقهون لأنها مسألةٌ دقيقة ( ولكن لا تفقهون تسبيحهُم )
(تُسبحُ لهُ السماواتُ السبعُ ومن فيهِنّ )
فقد مرّ معنا مراراً " أنّ نوحاً عليهِ السلام لمّا حضرتهُ الوفاة دعا بنيهِ فقال إنّي أوصيكُم باثنتين : بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع و الأرضين السبع لو كُنّ كحلقةٍ مُفرغة لقصمتهُنّ لا إله إلا الله ،
وبـ سُبحان الله وبحمدهِ فإنها صلاةُ كُلُ شيءٍ وبها ــ ماذا ؟ ــ يُرزق الخلق "
والحديث عند أبي داود بسندٍ صحيح .(28/10)
فإنها صلاةُ كُلُ شيءٍ وبها يُرزق الخلق والمقصُود شاهد على أن التسبيح وقد قال العُلماء وهذا مكرُور مُقرّر لديكُم أن الله جل وعلا يُسبح لهُ الحُوت في بحرهِ والطير في وكرهِ بل ( وإن من شيءٍ إلا يُسبحُ بحمدهِ ) .
قال ربُنا :
(تُسبحُ لهُ السماواتُ السبعُ ومن فيهِنّ وإن من شيءٍ إلا يُسبحُ بحمدهِ ولكن لا تفقهون تسبيحهُم إنهُ كان حليماً غفورا)
لما اختار الله هذين الاسمين الجليلين ختم بهما هذهِ الآية ؟
قُلنا في أول الدرس في اللقاء الأول حول سورة الإسراء أن الله قال ( لنًُريهُ من ءاياتنا إنهُ هو السميعُ البصير ) قُلنا لماذا اختار الله كلمة ( السميع) ؟
ــ استذكارٌ لما سلف ...
لأنهُ سمع دُعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مُنقلبهِ من الطائف ولجوءهِ إلى ربهِ وبصير قُلنا لأن الإسراء كان في الليل فيُبيّن أن الله جل وعلا حافظٌ لنبيهِ [ واضح ]
هُنا قال الله :
( إنهُ كان حليماً غفورا)
لماذا قال ( حليماً ) وقدّمها ؟
لأن مقالتكُم هذهِ أيُها المشركون تستوجب العذاب العاجل تستوجب ماذا ؟ العذاب العاجل لكنّ حلم الله عليكًُم أخّر عنكُم العذاب لكنّ حلم الله عليكًُم أخّر عنكُم العذاب .
أما قولهُ ( غفورا) فهذا فتحُ بابٍ لهُن أن يأُبوا ويتوبُوا فتحُ بابٍ لهُن أن يأُبوا ويتوبُوا أي أن المقالة التي تزعمُونها والمُعتقد الذي تبنيتمُوه تستحقون عليهِ العقاب العاجل لكنّ حلم الله أخّر عنكُم العذاب والأمرُ عند الله أعظمُ من ذالك فإن باب التوبة مفتوح لهذا قال( إنهُ كان حليماً غفورا)
وهذا ظاهرة جلية لمن أراد أن يتدبر القرآن .
ثم قال ربُنا وهو أصدقُ القائلين :(28/11)
( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يُؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا وجعلنا على قلُوبهِم أكنّةً أن يفقهُوه وفي أذانهِم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ولّوا على أدبارهِم نفورا نحنُ أعلمُ بما يستمعون بهِ إذا يستمعون إليك وإذ هُم نجوى إذ يقولُ الظالمون إن تتّبِعونَ إلا رجُلاً مسحُوراً )
الله يقول ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ )
تحتمل معنيين :
ذكرتهُ وحدهُ أي وصفتهُ بصفات التوحيد والتمجيد وأنهُ لا إله معه وهذا القول يدلُ عليهِ ظاهرُ القرآن ( إنّهُم كانوا إذا قيل لهُم لا إله إلا اللهُ يستكبرون ) أي إذا ذكرت ربك موحداً إياهَ نافياً عنهُ الشرك (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ولّوا على أدبارهِم نفورا )
لم يقبلُوا منك هذا القول ونفروا عنك .
والأمر الثاني المعنى الثاني :
ــ ولا مانع من الأخذ بالمعنيين ـ
أن يكون المقصُود (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ) أي كان حديثك عن اللهِ وحدهُ غير مُختلطٍ بأمور الدُنيا غير مُختلطٍ بأمور الدُنيا لكن قُلنا أن الأول أقوى في حق أهل الكُفر ودليلهُ أن الله يقول ( ذالكُم بأنهُ إذا ذُكر اللهُ وحدهُ كفرتُم وإن يُشرك بهِ تُؤمنوا فالحُكمُ لله العلي الكبير )
والمقصُودُ أن هؤلاء الكفرة يقول الله (حجاباً مستوراً) هذهِ مفعول أصلُها فاعل يعني حجاباً ساتراً .
لكنّ أهل العلم يقولون هل كان الحجاب حجاب بصر أم حجاب على القلب ؟
ظاهرُ الآية أنها حجابٌ على القلب .
ومن قال بأنهُ حجابٌ على البصر احتجّ بالقصة المعروفة :(28/12)
أن أُم جميل لمّا أنزل الله جل وعلا ( تبّت يدا أبي لهبٍ وتب ) أتت إلى أبي بكر وبجوارهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فهر ــ يعني حجر كبير ـ وتُريدُ أن ــ في زعمها ــ تضرب بهِ النبي صلى الله علية وسلم فقال أبو بكر رضي اللهُ تعالى عنه يُحذر النبي علية الصلاةُ والسلام قال إنّها لن تراني وقرأ آيات منها هذهِ الآية(وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ولّوا على أدبارهِم نفورا) .. إلى أن قال (حجاباً مستوراً)
فلمّا جاءت سالت أبا بكر قائلةً أنهُ بلغني أن صاحبك يهجوني فأخبرها أنهُ لا يهجوها فقالت :
مُذمماً أبينا ودينهُ قلينا وأمرهُ عصينا
شوف تقول مُذمماً واسمهُ مُحمد صلى الله عليه وسلم يعني ما كأنهُ الكلام يقع عليهِ
الذي يعنينا من هُنا أن الذين قالوا بحجاب الرُؤيا قالوا بهذا لكن هذي حالة فردية لا أظُنّها تأخُذ الحُكم وإنّما هؤلاء لما في قلُوبهم من الكُفر منعهُم اللهُ جل وعلا أن يفقهوُا كلامهُ وان يعتبروا بعضاتهِ وان يتعضوا بآياتهِ .
( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ولّوا على أدبارهِم نفورا نحنُ أعلمُ بما يستمعون بهِ إذا يستمعون إليك وإذ هُم نجوى إذ يقولُ الظالمون إن تتّبِعونَ إلا رجُلاً مسحُوراً )
وردت في هذا آثار منها:
أن بعض قُريشٍ كان إذا أمسى يأتي إلى بيت النبي صلى الله علية وسلم وهو يقرأُ القرآن فيتخذُ مكاناً لا يرى فيهِ أحد يسمعُ منهُ قرأت النبي علية الصلاة والسلام ففعل هذا بعضٌ صناديدهِم ثم لمّا انصرفُوا آخر الليل جمعهُم الطريق فأخذُوا يتناجون فيما بينهُم ويتلاومون على أنهُم قبلُوا أن يسمعُوا قالوا لو رآنا عامةُ الناس لاحتجّوا بنا ولهذا مكثوا على هذا يومين أو ثلاثة ثم تعاهدوا ألا ألاّ يفعلُ فأخبر الهُ نبيهُ بهذا (نحنُ أعلمُ بما يستمعون بهِ إذا يستمعون إليك وإذ هُم نجوى إذ يقولُ الظالمون إن تتّبِعونَ إلا رجُلاً مسحُوراً )(28/13)
ولا ريب أن قولهُم (إن تتّبِعونَ إلا رجُلاً مسحُوراً ) واحداً من الأمثال التي ضربُوها و إلا قالوا إن النبي كاهن وأن النبي مجنون وإن النبي غيرُ ذالك كُل ذالك يحاولُ أن يردُوا بهِ ما سمعُوه من كلام الله لذالك قال الله مُتعجباً من صنيعِهم.
( أُنظُر كيف ضربُوا لك الأمثال فضلّوا )
أي لم يجدوا حيلة ولم يهتدوا سبيلاً في وصفك ولهذا قال الله بعدها ( فلا يستطيعون سبيلا ).
بقيت نُقطة مُهمة في هذا الأمر كُلهِ :
القلوب أوعية وخيرُ ما مُلئت بذكر الله والإنسانُ في قلبهِ يجدُ في قلبهِ ميلاً إلى شيءٍ ما فمن كان على الفطرة وُرُزق العلم وعرف السُنة وأحكم فهم القرآن يجدُ في نفسهِ ميلاً إلى تلك المجالس التي يُعظم فيها الله ومن كان في قلبهِ ضدُ ذالك كُلهِ لم يبق قلبهُ على الفطرة ولم ينهل من رحيق السُنة ولم يتدبّر القرآن ولم يرجُوا جنّةً ولم يخش نارا جُبل قلبهُ وطُبع ( فلّما زاغوا أزاغ اللهُ قلُوبهُم ) جُبل قلبهُ وطُبع على حُب الهوى و الانصرافِ إلى الأحاديث التي لا يكونُ فيها ذكرُ لرب جل وعلا .
وينجُم عن هذا قسوةُ قلبٍ لا يعلمُها إلا الله
وقد قال بعضُ أهل الفضل إنّ من أعظم الطرائق لمعرفة أين قلبُك من الله ؟
أن تجد راحة قلبك في المجالس التي يُعظمُ الله جل وعلا فيها ويُذكر .
وأنت ترى في زماننا هذا على وجه الخصوص أن كثيراً من الناس شُغل بما فيهِ صوراف مادية محسوسة تجاوزت حدها كانصراف البعض في سوق الأسهُم وإن كان أصلُ التجارةِ مُباح .
والأمرُ الثاني وهو أشدُ و أنكى :
الانصراف إلى الأقوال والمناظر التي تستهوي من تستهويهِ بما يُسمى بالفيديو كلب أو الأفلام أو الأغاني والتسابُق بما يُسمّى تلفزيونات الواقع أو غيرها ويُصبحُ شُغل الإنسان الشاغل ليل نهار في تلك الأمور وبعضُها ولو مثقال ذرة حرام لكن نحنُ نتكلمُ عمّا غلب عليهِ الطبع وانصرفت إليهِ النفس .(28/14)
فكُلّما زاد تعلُّق القلب عياذاً بالله بمثل هذه الصوراف كان بمنأىً عن الله
ولمّا كان بمنأىً على أن يرق قلبهُ إلى ذكر الله وإلى المجالس التي يُعظم فيها الله دلّ هذا على قُربهِ من طرائق أهل الإشراك وبُعدهِ عن رحمة الرب تبارك وتعالى .
وما نعى الله جل وعلا على أحد شيءً بأعظم من نعيهِ أن يشمئز قلبُهُ إذا ذُكر الله وهذا والعياذُ بالله مُنتهى الكُفر
... ... لا عرفناه لا بُكرةً ولا أصيلا
ــ هذا دُعاء ــ
لا عرفناه لا بُكرةً ولا أصيلا.
قال الله جل وعلا :
( وإذا ذُكر اللهُ وحدهُ اشمأزت قلُوبُ الذين لا يُؤمنون بالآخرة وإذا ذُكر الذين من دُنهِ إذا هُم يستبشرون )
وهذا نعي على قلوبٍ لا تحنُ ولا ترق إذا ذُكر الله جل وعلا والقرآنُ قبل أن نخوض في قواعدهِ النحوية وطرائق البُلغاء ومسالك الفُقُهاء يجب أن نفقه أن الله أنزله حتى يُؤثر في قلوبهِم ولهذا قد تمُرّ عليك ومرّ معنا علمياً كما قال الزركشيُ وغيرهُِ مرّ معنا آيات منسوخة ( ولا تقربوا الصلاة وأنتُم سُكارى ) أنت تعلم أن هذهِ الآية منسوخة لا يُعمل بها وكم في القرآن من آياتٍ منسوخة لكن لماذا بقيت لفظاً ؟
لأنها كلامُ من ؟ كلامُ الله فهي وإن كانت منسوخة عملاً لا نعملُ بها لكن كفانا شرفاً أن نعرف أنها كلامُ الله فيكون لها تأثير وواقع على قلُوبنا والإنسانُ يجبُ عليهِ أن يكون عليهِ رقيباُ حسيباً من نفسهِ يرقى بنفسهِ إلى معالي الأمور ويجعلها تقربُ دائماً من القرآن تتأدبُ بآدابهِ وتعملُ بأحكامهِ وتُؤمنُ بمُتشابهةِ .
وأعظمُ من ذالك الآيات التي يُخبرُ الله فيها عن ثنائهِ على نفسهِ ومدحهِ لذاتهِ العلية هذا الذي يُدنيك من طرائق من مسالك الكمال يُدنيك من الكبير المُتعال يُقرّبُك من ربك ويجعلُك على صراطٍ مُستقيم بيّن إذا كان القرآن هو الشيءُ الذي تأنسُ إلى تلاوتهِ وتُحبُ أن تسمعهُ .(28/15)
وقد قُلتُ في دروسٍ مُتفرقة كما أن من أخطائنا في التربية أن نُربي أنفُسنا على أن لا نسمع إلا لقارىء أو قارئين أو ثلاثة وهذا وإن كان أحياناً قد لا نستطيعُ الإنفكاك منه لأن الصوت الحسن لهُ دور " زيّنوا القرآن بأصواتكُم " لكن من أراد المُنتهى في الكمال بصرف النظر عمّن يتلو العبرةُ بالذي يُتلى وهو القرآن العبرةُ بالذي يُتلى وهو القرآن .
من هُنا يُفهم هذهِ الآيات في سياقهِا الحقيقي أن الله جل وعلا ينعى على أهل الإشراك بُغضهُم للهِ حتى إنهُم لا يجدُون لهُم مكاناً في مواطن يُعظم الله جل وعلا فيها فينفرون ويبتعدون وينسبون فاعلها إلى السحر .
وعلى النقيض من ذالك أهل الإيمان إذا سمعوا القرآن حنّت قلُوبهم ذرفت عيُونهُم اقشعرّت جلودهُم لأنهُ لا كلام بعد كلام الله .
(وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ولّوا على أدبارهِم نفورا نحنُ أعلمُ بما يستمعون بهِ إذا يستمعون إليك وإذ هُم نجوى إذ يقولُ الظالمون إن تتّبِعونَ إلا رجُلاً مسحُوراً أُنظُر )
وهذي مسوقة على سبيل التعجُب والإنكار .
( أُنظُر كيف ضربُوا لك الأمثال) أي تشتتوا لا يدرون ماذا يقولون فيك يُبهرهُم كلامُك يعلمون عظيم خطابك لكنّهُم زاغوا فأزاغ الله قلُوبهم ولهذا قال الله جل وعلا ( أُنظُر كيف ضربُوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا)
أي لن يجدوا حيلةً ولا طريقة لوصفك الوصف الحق لأن الوصف الحق أنك نبيٌ ورسول وهؤلاء حال كُفرهُم وفجورهُم وبُغضهِم لربهِم أن يصفوك بالوصف الذي وصفك اللهُ جل وعلا بهِ .
إلى هُنا ينتهي خطابُنا لأن الآيات التي بعدها مُرتبطة بعضُها ببعض
( وقالوا أءذا كُنّا عظاماً ورُفاتاً أءنا لمبعوثون خلقاً جديدا )
فنُجمل ما حرّرناهُ سابقاً من أن الله جل وعلا ذكر في هذهِ الآيات المُباركة جُملةً من الآداب ختمها بقولهِ أنها من أعظم ما أعطاهُ نبيهُ ( ذالك ممّا أوحى إليك ربُك من الحكمة )(28/16)
ولمّا كان التوحيدُ راسُ الدين و مبدأُ الأمرِ ومُنتهاه وراسُ الحكمة أيضا حذّر اللهُ جل وعلا نبيهُ منه وذكر الأضرار الناجمة عنهُ ـ أي عن الشرك ـ الأضرار الناجمة عن الشرك دينياً ودُنيوياً حرّرناها في موضعها كما سمعتُم ..
هذا ما تيسّر إيرادُهُ وتهيأ إعدادهُ وأعان اللهُ جل وعلا على قولهِ وصلى اللهُ على مُحمدٍِ وعلى آلهِ والحمدُ للهِ رب العالمين ...(28/17)
الإسراء 7
من الآية ( 82) حتى الآية( 89)
الحمدُ لله الذي أحسن كُل شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له إلهُ الأولين وإلهُ الآخرين ،، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليهِ وعلى آلهِ الطيبين الطاهرين وبعد
فقد انتهينا فيما سلف إلى قول الله جل وعلا ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا )
واليوم نستفتحُ قول ربنا جل وعلا :
( ونُنّزلُ من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
هذا القرآن بهِ أحيى الله جل وعلا القلوب وجعلهُ أعظم مُعجزةٍ لنبيهِ صلى الله عليه وسلم يعودُ الحديث عنه حيناً بعد حين في هذهِ الآيات العظيمة من سورة الإسراء السورة المكية ليُبين لهؤلاء القرُشيون أن دعواكم في نبذ هذا القرآن أو طلبكُم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتري غيرهُ أمرٌ لا سبيل إليهِ فيُكّرر عليهم ما يغيظ قلوبهم ويُثبت قلب نبيهِ ( ونُنزّل ) إشعارٌ إلى أن الأمر مُتتابع
( من القرآن )
هل هي بيانية أو بعضية ؟
بكُلٍ قال العُلماء ورجّح ابنُ القيم رحمةُ الله تعالى عليهِ على أن من هنا بيانية فيُصبح بهذا المعنى كُل القرآن شفاء ورحمه .،
وإذا قُلنا بأنها بعضية يُصبح المعنى أن القرآن كُلهُ رحمه بالاتفاق وكلهُ شفاء لأمراض القلوب من الشك والجهل والريب بالاتفاق لكن القضايا تكمن الخلاف يكمن في هل هو شفاءٌ كلهُ لما يُصيب الأبدان من جراحاتٍ وأسقامٍ وأضرابها هذا الذي فيهِ النزاع ؟؟
فذهب بعضُ العلماء إلى أنهُ كلهُ شفاء وجعلوا من هنا بيانية وأخذوا بعموم الآية ونُنزل من القرآن ما هو شفاء ورحمه.
لكن هل يلزم من قول البعض أن من بعضية أن بعض القرآن ليس بشفاء ؟؟
هذا لا يلزم
وقد قال ابنُ عطيةَ بهِ رحمةُ الله تعالى عليه في المحرر الوجيز أنه لا يلزم أن يكون ذالك قدحاً في القرآن ...(29/1)
والذي تطمأنُ إليه النفس أن يُعلم أن القرآن رحمة وشفاء بلا شك لكل أمراض القلوب المعنوية ولا يُوجد رحمة أعظم منه لآن فيه الهدى والنور لكن ما يتعلّق بأمراض الأبدان فهذهِ تبع وليست مقصودة ولو كانت مقصُودة لما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة أن يتطببُ عند بعض من عُرف بالطب عند العرب
لأنهُ لا يُعقل أنهُ يجوز العدول عن الأمثل إلى ما هو دُونهُ
فكما أنهُ لا يجوز لأحد أن يبحث عن دواء بقلبه وريبهِ وجهلهِ وشكهِ أعظم من القرآن فكان القرآن كذالك في نفس المنزلة لمرض الأبدان لما جاز لأحد أن يذهب إلى الأطباء لكن القرآن أُنزل لأمراض الشك والريب والجهل وليكون رحمة تنفع المؤمن في دُنياه وأخرتهِ فالذي نُرجّحهُ أن ( من ) هنا بعضية والعلمُ عند الله .
( ونُنزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيدُ الظالمين إلا خسارا )
الخسارة التي ينالها الكافر زيادةً بسبب القرآن ليست ناجمة عن القرآن نفسهِ وإنما ناجمة عن كُفر الكافر أي أن عدم أهليتهِ لتقبُل رحمة الله هي التي جعلتهُ يزدادُ خسارا .
كيف يزدادُ خُسرانا ؟
أن القرآن يُصبحُ أعظم حُجةً عليهِ فيزداد خُسرانهُ لأنهُ يلقى الله جل وعلا بلا حُجة وقد قامت عليه الحُجج والشواهدُ والبراهين كما أثبت الله
وهذهِ الآية ظاهرة .
ثم قال الله ( وإذا أنعمنا على الإنسان )
أي جنس الإنسان في أصلهِ و إلا يُوجد من عباد الله من هو شاكرٌ ضال
(وإذا أنعمنا على الإنسان و نئا بجانبهِ )
أمّا جُملة (ونئا بجانبهِ) توكيد لجُملة (أعرض ) فالإعراضُ أيُها الأخُ المُبارك يكون أولاً بصفحة والوجه فإذا زاد الإنسانُ كبرا وعظمُ الطُغيان في نفسهِ أعطاك ظهرهُ فانتقل من الإعراض بصفحة الوجه إلى الإعراض بالكُلية..
فيكون ما بعد توكيداً لما قبل وهذا معنى قول الله (وإذا أنعمنا على الإنسان ونئا بجانبهِ )(29/2)
ومثلُ هذهِ الآيات وإن كانت تُعرّفُك ببعض البشر إلا أنها تدلُك من باب أولى على أنهُ قد يوجد في الناس من تُحسُ إليه ويُقابلُ إحسانك بالإساءة أو بالجحُود .
أُعلمهُ الرماية كُل يومٍ
فلمّا أشتد ساعدهُ رماني
وكم علّمتهُ نظم القوافي
فلّما قال قافيةً هجاني
فإذا كان الناسُ في تعاملُهم مع ربهم تبارك وتعالى يُعرضون بعد الإنعام فمن باب أولى أن يوجد منهُم من يُعرض عنك بعد أن تتفضّل عليهِ بشيءٍ من الإحسان .
(وإذا أنعمنا على الإنسان ونئا بجانبهِ وإذا مسّهُ الشرُ كان يئوساً )
لماذا دب اليأسُ في قلبه ؟
لجهلهِ بالله ، لجهلهِ بالله و إلاّ من عرف الله حقاً لا يُمكنُ أن ييأس من رحمتهِ أو أن يقنط من روحهِ لكن ذالك القنوط واليأس دبّ إلى قلبه لجهلهِ بالله ولهذا قال الله (وإذا مسّهُ الشرُ كان يئوساً )
قال الله بعدها : ـ حتى يُبين أن ليس الناس جميعاً على هذا المنوال والمنحى ــ
قال ( كُلٌ يعملُ على شاكلتهِ )
التحرير اللغوي للمسألة :
الشَكل أيُها المُبارك بالفتح معناها المثيل والنظير والضرب الشَكل بالفتح فتح الشين معناها المثيل والنظير والضرب ومنه قول الله جل وعلا ( وآخرُ من شَكلهِ أزواج ) في سورة { ص} ومنه قول الله جل وعلا ( وآخرُ من شَكلهِ أزواج ).
أما الشِكل بكسر الشين فهي الهيئة أما الشِكل بكسر الشين فهي الهيئة.
( قُل كُلٌ يعمل على شاكلتهِ )
الألفاظ التي قالها السلف في معنى الآية تتباعد وإن كان المعنى قد يكونُ قريباً والذي يظهرُ لي والعلمُ عند الله أن الله يقول لهُم كلٌ ــ يعني ــ ينبغي أن يُناسب عملهُ سريرتهُ ما هو عليهِ من الأخلاق والطباع ينبغي أن يوافقهُ العمل وفي هذا حثٌ لأهل الفساد إن كُنتُم تقولن أنكُم مستقيموُ الأنفُس فيجبُ عليكم أن تصلُح أعمالكم لأن من صلحُت سريرتهُ وجب أن يكون شكلهُ أي نظيرهُ وضريبةُ ومثيلهُ من العمل موافقاً لتلك الشخصية موافقاً لتلك الشخصية .(29/3)
( قُل كُلٌ يعمل على شاكلتهِ فربكُم أعلمُ بمن هو أهدى سبيلا )
وهذهِ مرت معنا في القلم .
على أن العُلماء بعضهُم إذا ذكر هذهِ الآية يتكلم عن قضية عفو الله جل وعلا ورحمتهِ وفضلهِ .
حُكي أن الصحابة رضي الله عنهُم في تدارسُهم للقرآن أخذُوا يتباحثون أيُ آيةٍ في كتاب الله أرجى :..
فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه قرأتُ القرآن كله من أولهِ إلى آخرة فلم أرى آيةً أعظم وأرجى من قول الله ( قُل كُلٌ يعمل على شاكلته ) ثمّ علّل قال فإن ما يُشاكلُ العبد العصيان وما يُشاكلُ الرب ــ من يُجيب ؟ على وزنها ؟ ــ الغُفران فإن ما يُشاكلُ العبد العصيان وما يُشاكلُ الرب الغُفران لأن الغُفران أليقُ بالرب كما أن العصيان أقرب إلى العبد .
وهذا يُروى كذالك عن عليٍ بوجهٍ آخر أنها أرجى آية في كتاب الله لأنهم قالوا إن الله جل وعلا سبقت رحمتهُ غضبهُ ،، في نفس الرواية قال عُمر رضي الله تعالى عنه قرأتُ القرآن كُلهُ من أولهِ إلى آخرة فلم أرى آيةٍ أعظم وأرجى من قول الله جل وعلا بسم الله الرحمن الرحيم ( حم * تنزيلُ الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب ) قال قدّم غُفران الذنب على قبول التوبة قدّم غُفران الذنب على قبول التوبة .
فقال عُثمان وأنا قرأتُ القرآن كُلهُ من أولهِ إلى آخرة فلم أرى آيةٍ أرجى من قول الله جل وعلا ( نبأ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ) .
وقال عليٌ رضي الله تعالى عنه وأرضاها قرأتُ القرآن كُلهُ من أولهِ إلى آخرة فلم أرى آيةٍ أرجى من قول الله ( قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفُسهم لا تقنطوا من رحمة الله )
كم قول الآن ؟
أربعة لأمةٍ كبار ، في رواية أُخرى لعلي .
قال القرطبيُ رحمهُ الله وأنا ـــ من القائل ؟ القرطبي ـــ وأنا قرأتُ القرآن كُلهُ من أولهِ إلى آخرة فلم أرى آيةٍ أرجى من قول الله ( الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهُم بظُلمٍ أُولئك لهُم الأمنُ وهم مهتدون ) .(29/4)
ولكُلٍ دليلهُ وهذهِ عظمة القرآن أنهُ كتابٌ مفتوح تجري في مضمارهِ أقدامُ العُلماء .
نعود إلى الآية ( قُل كُلٌ يعمل على شاكلتهِ فربكُم أعلمُ بمن هو أهدى سبيلا )
قال الله بعدها :
( و يسئلونك عن الروح )
الصياغة هنا تلحظُها أيُها المُبارك أن فيها تجهيل لمن سأل فلم يرد لهُ ذكر لماذا ؟
لأن سبب سؤالهِ التعنُت و المراء الذي طائل من وراءهٍِ ولهذا جل وعامل عاملهم أجابهم لكنهُ عاملهم بأن تجاهلهم ولم يذكرُهم .
وفي الصحيح وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهُ عبدُ الله ابنُ مسعود فمرّ على ملأٍ من اليهود ــ هذا على القول أن هذهِ الآية مدنية ،، وقول آخر أنها نزلت مرتين ـــ فمرّ على يهود فقال بعضهُم لبعضٍ سلوه لا تسألوه سلوه فسألوهُ يا أبا القاسم ما الروح ؟
فاتكأ صلى الله عليه وسلم على عسيب نخل قال ابن مسعود فعلمتُ انهُ يُوحى إليهِ ثم قال تلا عليهم الآية ( و يسئلونك عن الروح قُل الروح من أمرِ ربي وما أُوتيتُم من العلم إلا قليلا )
سنتكلّم عن هذهِ الآية من وجوه :.
الأول :
ما المقصُود بالروح ؟
قال بعضُ العلماء أن الروح المقصُود بهِ هنا القرآن وحُجّتهُم أن الله سمّى القرآن ماذا ؟ روحاً قال الله جل وعلا ( وكذالك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ) .
وقال بعضهم أن الروح هنا بمعنى عيسى ابن مريم ويُصبح السؤال عن عيسى ومن أدلة ذالك أن الله جل وعلا سمّى عيسى ابن مريم ( وروحٌ منه ) في تسميتهِ لعيسى عليه السلام .
وآخرون قال إنّ الروح هنا ملكٌ عظيمُ الخلقهِ وعنوا بهِ قول الله جل وعلا ( يوم يقوم الروح والملائكةُ صفا ) .
وقولٌ آخر إنهُ ملكٌ عظيمٌ جليلٌ هو من ؟ هو جبريل ( فأرسلنا إليها روحنا ).
كم قول أيُها المُبارك ؟
أربعة ، أربعة
الذي يترجح والعلم عند الله :
أن الروح هنا بمعنى القرين للبدن التي هي النفس القرين للبدن إذا ذُكر البدن تذكر التي هي ماذا النفس ؟
( و يسئلونك عن الروح قُل الروح من أمرِ ربي)(29/5)
أحياناً نقول نحنُ أن هذا من فرائد ماذا ؟ العلم
سُنعطيك واحدة أظُنّها من فرائد فرائد العلم "
ما معنى ( قُل الروح من أمر ربي ) ؟
هذا اختصاص علمي وليس اختصاص خلقي .
أعيد
قول الله جل وعلا ( قُل الروح من أمر ربي ) اختصاص علمي وليس اختصاص خلقي .
ما معنى اختصاص علمي وليس اختصاص خلقي ؟
الآن كون ءادم عليه السلام خلقهُ الله بيدهِ هذا اختصاص خلقي فخصّ الله جل وعلا ءادم بخصيصه لم يُعطها سائر الخلق لأنه خلقهُ بيدهِ حتى نبينا صلى الله عليه وسلم لم يخلقهُ الله بيده هذا اختصاص ماذا ؟اختصاص خلقي .
وأمّا الروح فليس لها مزية في خلقها عن سائر المخلوقات لكن لها اختصاص علمي في أن الله جل وعلا أخفى كُنهها فلا يعرفُ سرّها أحد ..
إذاً قول ربنا جل وعلا ( من أمر ربي ) مقصُود بهِ أن هذهِ الروح خصّها الله بالاختصاص العلمي وليس الاختصاص الخلقي .
واضح الآن.
ظاهر ؟
جلي ــ ترى أنتُم حكمٌ لمن غيركُم إن لم يكُن ظاهر نُبين ـــ
هذا معنى قول الله ( و يسئلونك عن الروح قُل الروح من أمرِ ربي)
ثم قال الله ( وما أُوتيتُم من العلم إلا قليلا )
وما هنا نافية قطعاً وفيها دلالة على فضل العلم وعلى أن علم بني ءادم مهما امتد فيه ضآلة جداً أمام علم الله وأعظم شاهدٍ عليه قضية موسى والخضر وذالك الطير الذي نقر في البحر فقال الخضرُ لموسى " ما نقص علمي وعلمُك من علم الله إلا كما أخذ هذا الطائرُ بمنقارهِ من البحر "
.
قال الله بعدها :
( ولأن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) وهو ماذا ؟ القرآن . ( ثم لا تجدوا لك علينا بهِ وكيلا )
هذا من مشيئة الله التي لم تقع ولم يأذن الله بها ، لكن القضية هي بيان أن الله جل وعلا صاحبُ الفضل المحض على رسولهِ صلى الله عليه وسلم ولكن القرآن سيُرفع متى ؟
آخر الزمان سيُرفع في آخر الزمان .
( ولأن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجدوا لك علينا بهِ وكيلا * إلا رحمةً من ربك )(29/6)
يجبُ أن نقول أن الاستثناء هنا منقطع الاستثناء هنا منقطع.
والمعنى يُصبح : لكن رحمة الله جل وعلا عليك واسعة فلا يُمكن أن يقع مثلُ هذا الأمر .
( إن فضلهُ كان عليك كبيرا )
هذا تعميم وفضلُ الله جل وعلا واسعٌ جداً على نبيهِ دلّت عليهِ آياتٌ عده أعظمُها وأقربُها منّا ما هو قول الله قبلها بآيات ( عسى أن يبعثك ربُك مقاماً محمودا ) وإنزالُ الكتاب وكونهُ عليهِ الصلاةُ والسلام ختم الله بهِ النبوات ورحلة الإسراء والمعراج التي تكلم الله عنها في أول السورة كُلُ ذالك مُندرج في قول الله جل وعلا (إلا رحمةً من ربك إن فضلهُ كان عليك كبيرا )
ثم قال الله وهي الآيات التي نختمُ بها :
( قُل لأن اجتمعت الأنسُ والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهِ ولو كان بعضهُم لبعضٍ ظهيرا )
كما أنّ ذات الله لا يُشبهها ذات فكلامُ الله لا يُشبههُ كلام
لما قدّم الله الإنس هنا على الجن ؟
قُلنا مراراً يُنظر في السياق الذي من أجلهِ جاءت الآية لمّا ذكر الله الخلق قال ( وما خلقتُ الجن ولإنس إلا ليعبدون ) والجن أسبقُ خلقاً من الإنس خلق اللهُ الجآن قبل بني ءادم فقدمهُم .
فلمّا ذكر الله القوة قال ( يا معشر الجن والإنسِ إن استطعتُم أن تنفُذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسُلطان ) قدّم ماذا ؟ قدّم الجن .
ولمّا كان الإنسُ أفصح لساناً وأعظم بياناً قدّم اللهُ الإنس في مثل هذا الموقف ( قُل لأن اجتمعت الأنسُ والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهِ ولو كان بعضهُم لبعضٍ ظهيرا ).
يقولون إن أبا العلاء المعري المُسمي نفسهُ رهين المحبسين ، ما المحبسان ؟(29/7)
العمى ومكوث البيت رجلٌ كُفّ بصرهُ وهو صبي فأقبل على العلم ينهلُ منه وساعدهُ كونهُ كفيفاً أن يحفظ لماذا ؟ لأن الكفيف لا تتشعّب لا يتشعّب ذهنهُ فهو لا يرى شيئاً يُزاحمُ حفظهُ فيكون أقدر من غيرهِ على الحفظ ، أقبل على العربية وشعر العرب وتاريخهم وأيامهم حتى بلغ فيها شؤاً بعيداً وكان أحياناً يشُوبهُ شيءٌ من الإلحاد فيقولون أنهُ ذات يوم أراد أن ينظم أبياتاً يُعارضُ فيها القرآن فذكر أبياتاً يقوم محورُها على ذكر الفتاه في أن الوالدين يحفظان الفتاة ويُحرزانها ثم لا تلبث أن تموت وهي غادةٌ كعاب صغيره رغم حرص الوالدين على بقائها فتنتقل من حرز الوالدين إلى القبر ويُسمّي القبر حرزٌ حريزُ ثم قال في آخر بيتٍ :
يجوزُ أن تُبطئ المنايا ولكن الخُلد في الدُنيا لا يجوزُ
أو قال :
يجوزُ أن تُبطئ المنايا والخلدُ في الدُنيا لا يجُوزُ
حتى يستقيم البيت ، ثم انهُ تذكر قول الله ( إنّ في ) ذكر قول الله جل وعلا في سورة هو ( وما نُؤخرهُ إلا لأجلٍ معدود يوم يأتي لا تكلّمُ نفسٌ إلا بإذنهِ فمنهُم شقيٌ وسعيد )
فجثا على رُكبتيهِ وبكى بُكاءً طويلاً ثم رفع رأسهُ وقال " سُبحان من تكلم بهذا في القدم سُبحان من هذا كلامهُ "
وهذهِ شهادة مُعتبرهُ لا لرجُل لفضل الرجُل نفسهِ قُلنا هو أقرب للإلحاد لكن لكونهِ رجُلاً عالماً بالعربية وسبك الكلم وإمام مُقدّم في هذا الباب فالاعتراف من مثلهِ لهُ وضعهُ واعتبارهُ في أنّ كلام الله جل وعلا لا يعدلهُ كلامٌ أبداً ،،
تلا قول الله ( وما نُؤخرهُ إلا لأجلٍ معدود يوم يأتي لا تكلّمُ نفسٌ إلا بإذنهِ فمنهُم شقيٌ وسعيد ) فبكى بُكاءً شديداً وجثا على رُكبتيهِ ثم رفع رأسهُ وقال " سُبحان من تكلم بهذا في القدم سُبحان من هذا كلامهُ "
الذي يعنينا أيُها المباركون:
أن كلامُ الله جل وعلا لا يُمكن أن يُنازع ولا أن يُعارض ولا أن يلحق شأوهُ أحد كائناً من كان.
وقد قال ربُنا وهو أصدقُ القائلين(29/8)
( قُل لأن اجتمعت الأنسُ والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهِ ولو كان بعضهُم لبعضٍ ظهيرا * ولقد صرّفنا لناسِ في هذا القرآن )
وعد ووعيد وأخبار وأوامر وشرائع ( من كُل مثل ) لكن من غلب عليه الكبرُ والعناد بدهيٌ أن يُعرض ( فأبى ) أي امتنع ( فأبى أكثرُ الناسِ إلا كفورا)
أي رداً لقول خالقهم وصداً عن هداية باريهم وهذا يقعُ أصلاً بقدر الله ممّا يدّلُ على أن الله جل وعلا خالقُ كُل شيء وهو مالكهُ ولهُ تبارك وتعالى عليه السُلطان الأعظم .
كُنّا قد ذكرنا أيُها المُباركون قضايا العتاب وأختمُ بها هذا اللقاء لأنني ضربتُ الذكر عنها نسياناً لا صفحاً في لقاءٍ قد سبق ..
تأصيل المسألة
بعد أن فرغنا لأن ما بعدها من الآيات مُنسجمٌ لوحدهِ ( وقالوا لن نُؤمن لك حتى تفجُر لنا من الأرض ينبوعا )
فنختم بقضايا الحديث عن على وجه الإصغاء على قضية العتاب في القرآن :
العلماء في هذا على ثلاثة أقسام :
// قسمٌ ينفيهِ ويستحي أن يُسمّي كلام الله لنبيهِ عتاباً .
// وقسمٌ في بعض الحيان يُثبتهُ إثباتاً غير مقبول كقول الزمخشري في تفسيره لقول الله جل وعلا ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقُوا وتعلم الكاذبين ) قال هذهِ كناية عن الجناية لأن العفو مُلازمٌ لها .
قال أبو حيّان في تعقُبهِ على الزمخشري قال وقول الزمخشري هذا ممّا يجبُ اطراحهُ فضلاً على أن يُرد عليهِ لأن هذا سوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم .
// وآخرون يأخذون طريقاً وسطا يقولون وقع في القرآن عتاب لنبي صلى الله علية وسلم لكن المقصُود بهِ ــ أي هذا العتاب ــ بيان أنهُ صلى الله عليه وسلم كان من المُمكن أن يأخُذ الأولى والأفضل وليس هناك خطاٌ يُلامُ أو يُعاتب عليهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ ...
والآن سنقف على بعض ما عاتب الله بهِ نبيهِ سواءً في الكتاب والسُنة أو فيما دلّ الأمرُ عليهِ ..(29/9)
قال الله جل وعلا ( استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم )
عبد الله ابن أُبي على وجه الإجمال قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان هناك شبه إجماع على أن يُؤمّر فلمّا قدم النبي علية الصلاة والسلام المدينة انصرف الناسُ عنه بقيت في صدرهِ لشيءٍ كتبهُ الله أخذ يُظهر حُب يهود مرّت سنُون يُظهر النفاق ، ولغ في عرض عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، جاءت السنة التاسعة من الهجرة خرج النبي صلى الله علية وسلم إلى تبوك لمّا عاد أشتد مرضُ الوفاة على عبد الله ابنُ أُبي جاء ابنهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعاد النبي علية الصلاةُ والسلام عبد الله أبنُ أُبي في مرضهِ الذي مات فيهِ ،
أراد النبيُ أن ينجو بهِ قال قد كُنتُ نهيتُك عن حُب يهود فقال هذا الوقح [ قد كان أسعدُ ابنُ زُراره يُبغُضهم فمه ]
ما معنى العبارة ؟؟
الفاسق الفاجر إذا جئت تُحاورهُ لا يستقيم معك في الحديث يذهب بك ميمنة وميسرة.
النبيُ أراد ما لحق من النفاق وما أصابك من سوء الخاتمهِ إنّما أصلهُ تعاطُفك الشديد وحُبك لليهود وبُغضُك لأهل الإيمان ولم يُرد أن حُبك لليهود سببٌ في ماذا ؟ في الوفاة لأن الإنسان حب اليهود أو أبغضهُم سيموت .(29/10)
هذا الفاجر حوّل الخطاب يقول مُجيباً النبي صلى الله علية وسلم إنّ اسعد ابنُ زُراره صحابي جليل كان يُبغضُ يهود ومع ذالك لم ينجو من الموت يعني مات قبلي أراد أن يقول إنّ حُب اليهود أو بُغضهم ليس لهُ علاقة بالموت والنبي يعلم هذا لكنّهُ أراد أن يخرُج بالخطاب عن مسارهِ تركهُ صلى الله عليه وسلم لأن الله يقول ( فذّكر إن نّفعت الذكرى ) عاد إلى مقامهِ مات عبدُ الله ابنُ أُبي جاء إليهِ في ملأٍ من الصحابة أخبرهُ بوفاة أبيهِ وطلب الابنُ من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يُعطيهُ قميصهُ ليكفّنهُ فيهِ فأعطاهُ قميصهُ فكُفّن عبدالله ابن أُبي في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مات على الكُفر ونزل صلى الله عليه وسلم وصلى عليهِ من قبل .
أمّا الصلاة فلم يكن قد ورد النهي ( ولا تُصلي على أحدٍ منهُم مات أبدا ) نزلت بعدها .
يبقى سؤال : لماذا أعطى النبي صلى الله علية وسلم قميصهُ لعبد الله ابنُ أُبي ؟
والجواب ذو شقين :
الأول ..
إجابةٍ لابنهِ والمروءات يجبُ أن يُنافس فيها أهلُ الفضل ويستحي ذوُ الفضل أن يردُ السائلين فأجاب رجُلاً مُؤمناً إلى سؤلهِ هذا الأول .
والأمر الثاني ..
وهو الأهم والأبرز في يوم بدر كان من الأسارى العباس من العباس ؟ عمُ النبي صلى الله علية وسلم كان طويل القامة عظيم الجُثة لمّا أُسر لم يكُن عليهِ إلا ما يستُر عورته فأرادُ لهُ قميصاً وثوباً فلم يجدُ قميصاً أو ثوباً يُلائمُ جسدهُ إلا قميص عبد الله ابن أُبي فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر ثوب عبدالله ابن أُبي وأعطاهُ عمهُ فأصبح لعبد الله ابن أُبي يدٌ على من ؟ على النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى النبيُ قميصُهُ لعبد الله يوم وفاتهِ ليُكافئهُ على تلك اليد.
قال سُفيان ابنُ عيُنه رحمهُ الله كانت لهُ يدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحب رسول الله أن يُكافئهُ عليها ..(29/11)
ـــــ هذا خرجنا نحنُ بالموضوع لكن نعودُ إلى الموضوع نفسهِ ـــ
الله يقول لنبيهِ ( استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة )
هذهِ الآية تتضمّن الخبر والإنشاء لأن كلام العرب خبرٌ وإنشاء فالخبر ما يحتملُ التصديق أو التكذيب ، والإنشاء ما يكون فيهِ الطلب .
والآية معناها :
استغفرت لهم أو لم تستغفر لهم لن ينفعهُم استغفارُك شيئاً فهذا الخبر ،، وقول الله استغفر هذا ماذا ؟ هذا أمر فالنبيُ صلى الله عليه وسلم خُيّر فاختار ما يُناسبُ سجيتهُ وشفقتهُ ورحمتهُ هذا من جُملة الآيات التي فيهنّ ظاهرُ العتاب لسيد ذوي الألباب صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
هذا ما ذيّلنا بهِ هذهِ الحلقة المُباركة تكلّمنا فيها عن ما أرجأنا الحديث عنهُ في لقاءٍ ماضي عن العتاب القرآني لنبينا صلى الله عليه وسلم وهو طويلٌ جداً عرّجنا على بعضهِ ونُكملُ بعضهُ حيناً آخر ..
وصلى الله على مُحمداً وعلى آلهِ والحمدُ لله رب العالمين
والسلامُ عليكمُ ورحمةُ الله وبركاتهُ(29/12)
توجيهات إجتماعية
محاضرة لفضيلة الشيخ / صالح بن عواد المغامسي
إمام وخطيب مسجد قبأ ..
والمحاضر بكلية المعلمين بالمدينة المنورة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا ,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له , أراد ما العباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه , ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه ,
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصراً , وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأنا ً وذكراً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .................. أمَا بعد ,.,.
(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ))
ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد أن أدبه ربه بالوقوف بين يديه في الليل ألبسه جلَ وعلا في النهار أعظم الأخلاق وأكمل الصفات وهداه إلى أفضل الطرائق فتجمل بها صلى الله عليه وسلم كلها فهو في بيته خير زوج , وهو لأحفاده خير جد , وهو لأمته أعظم قائد وهو في المسجد أجل إمام , وهو على المنبر أفصح خطيب , وهو صلى الله عليه وسلم في ذلك كله عبدٌ متواضع لله يعرف فضل الله جل وعلا عليه " لاتطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه ,
فإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرحماءُ
وإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمة ووفاءُ
وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما
جاء الخصوم من السماء قضاءُ
وإذا بنيت فخير زوج عشرة
وإذا أبتنيت فدونك الأبناءُ
وإذا حميت الماء لم يورد ولو
أن القياصر والملوك ضِماءُ
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى
فالكل في دين الآله سواءُ
لو أن إنساناَ تخيَر ملة
ماأختار إلا دينك الفقراءُ(30/1)
المصلحون أصابع جمعت يدا
هي أنت بل أنت اليد البيضاء
صلى عليك الله ماصحب الدجى
حادٍ وحنت بالفلا وجناءُ
واستقبل الرضوان في غرفاتهم
بجنان عدن آلك السمحاءُ
* * *
الكبر : أيها المؤمنون أسوء الخصال كلها , أمر تفرد به الرب تبارك وتعالى في الحديث القدسي :" الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ", والله جل وعلا له بعض الصفات من نازعه فيها قصمه الله , ومن نأى عنها وبعد قرُب من الله ألا ترى يا أُخي أن السجود موضع ذلة لايقبله أحد ولمَا كان السجود موضع ذله لايقبله أحد لايجوز فعله إلا للواحد الأحد , قال الله جل وعلا لنبيه :" كلا لاتطعه واسجد واقترب " فكلما تذلل الانسان بين يدي الله أقترب من الله, فإن لبس عياذاً بالله رداء الكبر فإنه يكون أبعد ما يكون عن الله مصروفاً عن آيات الله لايعبؤ الله جل وعلا به ,
وقف الصحابي الجليل عبدالله بن عمر يبكي بعد أن خاطبه عبدالله ابن عمر بن العاص ’ فقيل له : مايبكيك يا أبا عبدا لرحمن ؟ قال : إن هذا وأشار إلى عبدالله بن عمر بن العاص أخبرني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لايدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر "
وما عصى إبليس وهو أول العاصين لله ما عصى ربه إلا لما استقر في قلبه من الكبر( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ).
فأعظم القضايا الاجتماعية أو أعظم ما ينبغي أن يتخلص المؤمن منه وهو يخالط إخوانه المؤمنين أن ينزع عن نفسه رداء الكبر , والإنسان لو ترك على سجيته لبقي يحب أن يعظم يمدح ويثنى عليه ويرى الناس حوله صغاراً , لكنه إذا ألجم الإنسان نفسه بلجام التقوى وعلِم أن مرده إلى الله (( أولم يرى الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ))(30/2)
إذا علم الإنسان أنه عبد مخلوق من لحم ودم وعصب وأن مرده إلى الله وستأويه حفرة وسيسأله الملكان وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولانفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً وأنه لن يأخذ إل ما أعطاه الله ولن يتقي إلا ما وقاه الله جفت الأقلام وطويت الصحف ,إذا عرف ذلك كله عرف قدره وتواضع لله كما تواضع الأخيار من الأتقياء والأبرار من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا .
فالكبر أيها المؤمنون رداء ينبغي لكل مؤمن أن ينزعه عن نفسه وكما ينزع الإنسان الكبر من نفسه ينزع داء الحسد : فإن الله جل وعلا جعل هذه القلوب أوعية وأعظم القلوب قرباً من الله من سلمت من الشرك وعمرت بالتوحيد , وسلمت من البدعة وعمرت بالسنة , وسلمت من الحسد وعمرت بالمحبة للغير ومعرفة قدر الناس وإنزال الناس منازلهم , هذا المؤمن هو الموفق المسدد , والحسد مركب في كل جسد لكن الله لا يحاسب على أنه موجود في أجسادنا إنما يحاسب إذا أثمر ذلك الحسد عن قول أو فعل حرمه الله أو حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا جاءت الاستعاذة منه مقيدة في كتاب الله قال الله جل وعلا (( ومن شر حاسد إذا حسد )) ولم تأتي على إطلاقها , وإبليس حسد أبانا آدم على ما أفاءه الله عليه مع الكبر الذي في قلبه , وقابيل حسد أخاه هابيل لمَا قبل الله قربان الثاني ولم يقبل قربانه فكان ذلك الحسد في قلبه سبباً في قتله لأخيه ((إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين )) ونبيكم صلى الله عليه وسلم طاب حياً وميتاً لم يكن يحمل في قلبه الحسد صلوات الله وسلامه عليه لأنه يعلم أن الله وحده هو الذي يخفض ويرفع , وهو الذي يعطي ويمنع , وهو الذي يقطع ويصل جلَ جلاله , والإنسان إذا رأى نعمة من نعم الله على غيره لايشتغل بذلك الغير وإنما يسال الذي وهبه أن يهبه مثلها , سل الله والله جل وعلا يحب الملحين عليه بالسؤال وبني آدم لو سألته يغضب , والمقصود أيها(30/3)
المؤمنون :
ينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه ألا يكون في قلبه حسد على المؤمنين , قال صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الألفة والمحبة بين هذه الأمة ما بين عباد الله المسلمين قال : " لاتحاسدوا ولاتباغضوا ولاتناجشوا وكونوا عبادالله إخواناً المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايخذله ولايحقره وحسب أمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم " وهذه الأخيرة مردها إلى الأول وهو رداء الكبر الذي بيناه , والمؤمن إذا كان عظيم الثقة بالله يحسن الظن بربه ويعلم أن المقادير بيد الله قلما يكون في قلبه حسد أما إن كان لايعرف ربه إلا قليلاً كان يغلب عليه الظن أن العطايا مردها إلى أمور مادية وليس مردها إلى العلي الكبير فيستوطن الحسد في قلبه عياذاً بالله , والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وهو في الأقران أكثر وفي النساء أشد لكن ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يوطن نفسه أو توطن المرأة نفسها ألا يكون في قلبها حسد لإخوانها أو أخواتها المؤمنات .(30/4)
ثالث ماينبغي أن يتداركه المرء: الظلم :والله جل وعلا حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما , وقد بعث صلى الله عليه وسلم حبيبه معاذ بن جبل إلى اليمن وهم يومئذ أهل كفر قال له : واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب , وكم يقع الظلم مابين صاحب العمل والأجير الذي يعمل عنده مابين الرئيس والموظفين الذين بين يديه , كم يقع الظلم مابين سيد البيت مع زوجاته , كم يقع الظلم من الزوجة مع الخادمات في البيت , كم يقع الظلم من المعلم إلى طلابه , كم يقع الظلم في البيع والشراء , كم يقع الظلم على هيئة ألفاظ وأقوال ولا يشعر الإنسان بها ويخطها الملك أحدهما يخطها والآخر يشهد عليها ويوم القيامة يجد كتاباً لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , وأعظم الظلم أن يظن الإنسان أنه بظلمه يصنع خيراً , قال الله جل وعلا : (( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)) , روى الإمام البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ الكبير بسنده عن محمد بن سيرين رحمه الله , قال محمد :كنت عند الكعبة فسمعت رجلاً يقول : اللهم اغفر لي وإن كنت أظن انك لا تغفر لي ’ فقال له محمد : يا هذا ما سمعت أحد يدعو بدعوتك هذه , فقال صاحب الدعوة : إنك لاتدري ما خبري , إني كنت قد أعطيت الله عهداً أنني إذا تمكنت من عثمان بن عفان إلا لطمته على وجهه ولحيته فقُتل عثمان قبل أن ألطمه فلمَا وضع عثمان على سريره في بيته وجاء الناس يصلون عليه قال : دخلت في زمرة من يصلي على عثمان حتى وجدت خلوة فكشفت عن وجهه وكفنه ولطمته تحقيقاً لعهدي فما رفعت يدي إلاَ ويدي قد شلت ويبست كأنها خشبة قال ابن سيرين : فأنا رأيت يده يابسة كأنها عود ,(30/5)
وتأمل يا أُخي أن يصل الإنسان أحياناً في الضلالة أن يعطي الله عهداً على أن يؤذي مؤمناً وهذا ممن قال الله فيهم )( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً )) يأتي للأمر ويزعم أنه قربه إلى الله وهو لا يقود إلا إلى الضلال المبين , ولا يقود إلا إلى الهلاك لأنه معارض لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم , والذين قتلوا عثمان رضي الله عنه وأرضاه قتلوه وهم يزعمون أنهم يتقربون إلى الله جل وعلا بقتله لكن لمَا غلبت عليهم أزمة الشبهات حرموا من نعمة العقل والهداية والتوفيق فقادتهم تلك الشبهات إلى ما قادتهم إليه ,
وغاية الأمر يا أُخي أن تعلم أن الظلم من أعظم ما يعجل الله جل وعلا به العقوبة في الدنيا والآخرة , والإنسان إذا كان يعرف المعنى الحقيقي للوقوف بين يدي الله تخلَص من مظالم الناس ولم يقع منه مظلمة في دينار ولا درهم , قال الله جل وعلا :(( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )) .(30/6)
يقول الله في آية كثير ما يسأل الناس عنها (( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل أمرىء منهم يومئذ شأن يغنيه )) , لماذا يفر المرء من هؤلاء ؟ إن الإنسان يوم القيامة لايفر ممن لايعرفه إنما يفر ممن يعرفه وهذا والله من دقائق العلم وفرائد الفوائد لماذا ؟ لأن الشخص الذي لاتعرفه يسكن في مكان نأءٍ عنك قلما أن تكون قد ظلمته لكن الذي يخالطك أنت عرضة إلى أن تظلمه فإذا جاء يوم القيامة ورأى الرجل أحداً كان يخالطه ويعرفه يفر منه لماذا يفر ؟ خوفاً من أن يكون قد ظلمه في الدنيا فيؤخذ من حسناته وهو أحوج مايكون يومئذ إلى الحسنات , فيكون فرار الانسان عن خلطائه عن أمه عن أبيه عن اخوته عن عشيرته عن جيرانه لأنه يخشى أن تكون يوما ما قد وقع في الدنيا أخطأ في حقهم ويوم القيامة لادينار ولا درهم و إنما هي حسنات وسيئات وكل أحد أحوج مايكون إلى شعرة من حسنات (( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) .(30/7)
مما ينبغي من المؤمن أن يتخلص منه : أن يكون لسانه كثير الخوض في أعراض المؤمنين : نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القدوة كما بينت في أول الخطاب وقف على ناقته يوم عرفة يقول : إن دماؤكم واموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا والله جل وعلا يقول :(( ولاتقف ماليس لك بعلم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً )) , ويقول صلى الله عليه وسلم: في تربيته لمعاذ " ثكلتك أمك يامعاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " , وجميل من المرء أن يتحلى بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سباباً ولا لعاناً وإنما كان صلى الله عليه وسلم جميل القول مهذب النطق أحسن الله جل وعلا تعهده وتربيته , تقول أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها في وصفه " يابني أقرأت القرآن ؟ قال : نعم , قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ".
هذه أربع أو خمس مما ينبغي على المرء أن يجتنبه وليست القضية فقط في التخلية بل لابد من التحليه , كما نتخلى عما حرم الله ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم نتحلى بتلك الاخلاق الكرام والصفات العظام التي كان عليها نبينا صلى الله عليه وسلم وأعظمها :
بذل الندى وإطعام الجائع : فإن سادة الناس في الدنيا الاسخياء وسادتهم يوم القيامة الاتقياء وإذا كان الانسان يبذل نداه ويقري ضيفه ويكرم جاره ويعطي كان قريباً من الله قريباً من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم(30/8)
حج يزيد ابن المهلب فلما قدم إليه الحلاَق في يوم النحر حلق له رأسه فأعطاه يزيد ألف دينار وهي لايعطى في العادة لمن يحلق , فقال له الحلاق دعني حتى أخبر أمي فرحاً أنه أعطي هذا المبلغ فقال يزيد : أعطوه ألفاً أخرى فقال الحلاق : والله لاأحلق لإحدٍ بعدك , فقال يزيد أعطوه ألفاً ثالثة , والمقصود أن التاريخ حفظ ليزيد بن المهلب هذا العطاء وأكرم منه من تأسى به يزيد وهو رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد كان يعطي عطاء من لايخشى الفقر عليه الصلاة والسلام .
وتأسى به أصحابه , جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه أيام خلافته فقال :
ياأمير المؤمنين جزيت الجنة ... أكسو بنياتي وأمهنه ... وكن لنا من الزمان جنة ... أقسمت بالله لتفعلنه ,
قال عمر : وإن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال : إذن أبا حفص لأمضينه , قال : وإن مضيت يكون ماذا ؟ قال : إذن أبا حفص لتسألنه ... يوم تكون الاعطيات جُنة ...وموقف المسؤول بينهنه ... إما إلى نار وإلا جنة , فخلع عمر رضي الله عنه قميصه وبكى حتى بلل لحيته وأعطاه القميص وهو يقول : خذه فوالله الذي لاإله إلا هو لا أملك غيره . والمقصود قال نبيكم صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام , وقال الله من قبل " فلا اقتحم العقبة * وماأدراك مالعقبة * فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة * ", وقال عن أولياءه الصالحين : " ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكوراً"(30/9)
من خصال المؤمنين التي ربى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عليها العفو عن الناس : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور " , فعلت به قريش الافاعيل فلما مكنه الله جل وعلا من رقابها قال : ماتدرون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم , قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . , والانسان من جميل طباعه أن ينافس في الخير , وقد ورد أن أبا سفيان ابن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الخمسة الذين يشبهون في هيئتهم نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الصحابي الذي كان في أول أمره كثير الهجاء للنبي عليه الصلاة والسلام فلما كان كثير الهجاء أهدر النبي دمه فلما تاب وأسلم ذهب إلى إحدى أمهات المؤمنين وسألها كيف يعتذر , قالت له : إتِ إليه وقل له : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين كما قال أخوة يوسف ليوسف , فإن نبيك عليه السلام لايحب أن يكون أحد أفضل منه , فجاء أبو سفيان وقال مثل ما قال أخوة يوسف ليوسف تالله لقد آثرك الله علي وإن كنت لمن الخاطئين , فقال صلى الله عليه وسلم كما قال يوسف : يغفر الله لك وهو أرحم الراحمين ", والمقصود أن العفو عند المقدرة من أعظم شيم العظماء , وثمت قاعدة أيها الأخ المبارك في الحقوق الشرعية لاسبيل إلى أخذ ولا عطاء , " إن كنت صاحب سلطة أميراً محافظاً مديراً قاضياً , هذه أمور تطبق فيها ما أنت ملزم به لأنها اشياء لاتملكها لكن نحن نتكلم في الاشياء التي تملكها (( " في الاشياء التي تملكها اصنع في كل أحد وقف بين يديك ماتحب أن يصنعه الله بك إذا وقفت بين يديه ")) , فإن مثل هذه الصنائع من أعظم ما تستنزل به وتستجدي رحمة الله جل جلاله فتعامل مع من يؤمل فيك ماترجو الله أن يتعامل به معك وأنت تؤمل فيه , لكن أقطع علائق قلبك من الخلق كلهم , لاتعفو عن أحد رجاء أن يعفو عنك ذات يوم هذا إن فعلته جائز لكن نحن لانتكلم في ماهو ممنوع أو ماهو مباح(30/10)
, نتكلم فيما هو يقرب من العلي الكبير جل جلاله , وماالدنيا إلا انفاس محدودة وأيام معدودة ثم الوقوف بين يدي الله جل وعلا , فينبغي أن تكون أعمال العبد مطية للوصول إلى الله جل وعلا , قال الرب تبارك وتعالى : " ياأيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه " جعل الله لي ولكم يوم لقائه أعظم أيامنا وأحسنها .
نعود فنقول أيها المؤمنون مع بذل الندى العفو عند المقدرة , وقد ورد في بعض الآثار أن حملة العرش الذين يحملون عرش الرحمن يقولون في دعائهم وذكرهم " سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك , والأربعة الآخرون يقولون : " سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك " .
وكلنا ذو خطأ وما أحوجنا إلى عفو الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من لايرحم لايُرحم " , وقال :" أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " . وأولى الناس بأن نرحمه الوالدان لأن الله جل وعلا أوجب لهما الرحمة وبيَن عظيم حقهما ثم ضِعاف الناس كلما كان الانسان فيمن حولك ضعيفاً كان أولى بالرحمة , والغريب الذي ليس من ديارك أولى بالرحمة من المقيم فيها وكل أحد بحسب ضعفه يكون أولى بالرحمة من غيره , فلو لك عمات كُثُر أحداهن أضعف من الباقيات توجب صرف الرحمة أكثر لمن كانت أحوج إليها وهذا من سنن الله جل وعلا في خلقه ولاأظنه يماري فيه أحد .
مما كان فيه عليه الصلاة والسلام من خلق عظيم العدل بين الناس: وبالعدل قامت السموات والأرض ومن العدل بين الناس يعدل الانسان في حكمه إن كان قاضياً , يعدل الانسان في قوله إذا طلبت منه شهادة , يعدل الإنسان في سائر شأنه إذا كان ذا ولاية على زوجات أو على أبناء فيعدل في أبناءه في العطايا ويعدل بين زوجاته في المبيت ويعدل في كل شي بحسبه ويعدل حتى في قوله مع خصومة وأعداءه , قال الله جل وعلا :" ولايجرمنكم شنئان قوم ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى ".(30/11)
وعبدالله بن رواحه ذهب إلى خيبر يخرص نخلها فقال : يامعشر يهود جئتكم من أحب الناس إليَ يقصد النبي صلى الله عليه وسلم وإنكم لمن أبغض الناس إليَ ولكن لن يدفعني حبي له وبغضي لكم أن أجور , ينبغي على أن أعدل فقالت له يهود : بالعدل قامت السموات والأرض " .
والإنصاف اليوم في الناس قليل والناس إذا أحبوا أحداً نسبوا له كل فضل وإذا أبغضوا أحدا نسبوه لكل نقص وقالوا فيه مالم يفعل والعاقل لايغلو في أحد لامحبة ولا ذماَ فلا تغلوا في أحد من العباد كائناً من كان ولو رأيت عليه من أمارات الصلاح والبكاء وأمثال ذلك الشيء الكثير فإن الله جل وعلا أوكل السرائر إلى نفسه , ولا تغلو في ذم أحد فإنك لاتدري أن الله جل وعلا ستر محاسنه وأظهر معايبه فحكمت عليه من وجها دون أخر ولكن المؤمن العاقل الحصيف الذي يخشى على سيئاته أن تزداد وعلى حسناته أن تذهب لايتكلم إلاَ بقصد ولا يحكم إلاَ على بينة ويتكلم بضبط قوله مخافة أن يلقى الله فيكون قد شط في قوله إذا كان هذا العدل وذلك العفو وبذل الندى فقد بينَا ذم الكبر وضده التواضع لعباد الله وأحب الناس إلى العباد وأقربهم من الخلق من كان متحلياً متجملاً بخلق التواضع والنفوس جبلت على أنها تبغض من كان مستكبراً .(30/12)
الحجاج بن يوسف الأمير الأموي يقول على ظلمه يقول : ثلة من أهل الكوفة لو أدركتهم لضربت أعناقهم وهو لم يدركهم ( يعني جاء الكوفة وقد ماتوا ) قيل له : من أيه الأمير ؟ قال : فلان " سمى رجلاً " وكلهم ذمهم بالكبر قال : اما أحدهم عياذاً بالله فصعد المنبر فخطب خطبة بليغة فلمَا فرغ منه قال له أحد الحاضرين : كثَر الله من أمثالك , فقال ذلك المتكبر الفاجر : لقد كلفت ربك شططاً , أي يصعب على الله أن يخلق غيري , قال : وآخر كان يقف في قارعة الطريق فجاءته أمرأة تسأله وهي قالت لاتعرفه ياعبدالله أين طريق فلان ؟ ’ قال : ألمثلي يقال : ياعبد الله ورفض أن يجيبها , وذكر رجلاَ ثالثاً ضاعت له ناقة فقال يمين الله إن لم يرد الله عليَ ناقتي لن أصلي ولن أصوم " فرد الله عليه ناقته فقال كفراً :" قد علِم ربي أن يميني كانت صرماً يعني ماضية ", هذا وأمثاله موجود كنبته في كل أحد لكن من الخلق جعلنا الله وإياكم منهم من إلجمها الله بلجام التقوى فقلبت ورضيت أن تكون عبداً لله جل وعلا ومن العباد من أطلق لها العنان وهؤلاء الذين أطلقوا لها العنان درجات في الذروة من أولئك الذين أطلقوا لإنفسهم العنان ( فرعون عندما قال " أنا ربكم الأعلى " , والنمرود عندما قال : أنا أحيي وأميت (<(30/13)
فما السبيل إلى كسر النفس السبيل إلى كسر النفس عظيم العلم بالله جل وعلا فإن العبد كلما كان بالله أعرف كان من الله أخوف , والله جل وعلا أيها الأخ المبارك حجب عنا جميعاً أن نرى بعيننا الباصرة ذاته فلم نرى الله ومكننا جل وعلا أن نرى مخلوقاته فمن رأى مخلوقات الله بعين البصيرة وتفكَر فيها فدلته مخلوقات الله على عظمة الخلاق جل جلاله فعرف ربه وعبده وذل بين يديه واستكان عنده يكرمه الله في الآخرة بأن يرى الله بعينه الباصرة وهذا منطلق كل مؤمن قال الله عن أهل طاعته :" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " فهؤلاء أقوام أخذوا يتفكرون في المخلوقات فدلهم ذلك التفكر على رب البريات فعظموا الله فهؤلاء يكافئهم الله يوم القيامة بأن يمكنهم جل وعلا من أن يروا وجهه الأكرم جل وعلا ولا عذاب أعظم على أهل النار من كونهم محجوبين عن رؤية وجهه الواحد القهار " قال الله عن أهل معصيته " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " فنعود فنقول أيها المؤمن أن التواضع من أعظم أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه , هذه الأمور التي وازنا بينها مابين التخليه والتحلية تحتاج في المضي عليها إلى صبر " وبالصبر تبلغ ماتريد وبالتقوى ينال لك الحديد " فمن رزق الصبر قدر على أن يعطي مما يحب وأن يصبر على مايكره .
قال الله جل وعلا :" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " , وفي جملة من الآثار ( لن تنال البر حتى تصبر على ماتكره وحتى تنفق مما تحب فإذا أنفقت مما تحب وصبرت على ما تكره وصلت إلى منازل عالية عند الله جل وعلا "(30/14)
كما أن مما يعين على التحلي بهذه الأخلاق تذكر أرض المحشر والوقوف بين يدي الله " فإن الله ذكر الأوصاف الحميدة قال جل وعلا :" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ومايلقاها إلا الذين صبروا ومايلقاها إلا ذو حظ عظيم " , وحتى يكون لدى الإنسان حظاً عظيماً من الصبر لابد أن يعرف الآخرة حقاً فكل من أدرك بعيني بصيرته وبصره عظمة الوقوف بين يدي الله هانت عليه أمور الدنيا وهذه الدنيا إن نازعت أهلها فيها أجتبذتك كلابها وإن استغنيت عنها فزت بخيري الدارين واعلم يا أخي أنه لن يموت أحد حتى يستوفي رزقه يقول صلى الله عليه وسلم:(إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها) وهذا لايمنع من السعي المباح ولا ينافي ذلك الشرع في حديث عمر :(لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) فأثبت لها صلى الله عليه وسلم الغدو واثبت لها صلى الله عليه وسلم الرواح ,
نقول بالصبر وبالتفكر في اليوم الآخر ثم بالمعرفة بمنهاج أولياء الله المقربين وعباد الله الصالحين ولهذا قصَ الله على نبيه في القرآن جلائل الاخبار وأدبه بعظيم العظات حتى يتأسى بأولئك الأخيار الذين من قبله ذكر له ثمانية عشر نبياً جملة في الآنعام ثم قال له " أولئك الذين هدى الله فبهداهم أقتده " فأخذ صلى الله عليه وسلم بهديهم فجمع إلى ماعنده من الفضائل ماكان عند أخوانه عليه الصلاة والسلام من الفضائل فأصبح عليه السلام في الذروة العليا والدرجة الأسمى من الأخلاق كلها وعبادة الله صلوات الله وسلامه عليه .(30/15)
وثمة محبطات في الطريق إلى الله فالإنسان إذا كنت ذا حلم وصفوك بأنك ضعيف وإذا كنت ذا عفو وصفوك بأنك عاجز وإذا كنت ذا كرم وصفوك بأنك مسرف ومايزال في كل مجتمع فئام من الناس يثبطون أهل الحق ويصفون الأشياء على غير وصفها ويسمونها بغير اسمها لكن ل لا يوجد عاقل يترك الاستسقاء والنهل من معين محمد صلى الله عليه وسلم ويأخذ عن غيره فالعاقل يعلم أن الهدي كله محصور في هدي محمد صلوات الله وسلامه عليه ومن تبع هذا النبي في هديه .
فإن كان ممن حولك يبين لك ضعف شخصيتك ويدعوك إلى أن تكون قوياً حسب رأيه فهذا خلاف هدي الأنبياء والتمسك بهدي الأنبياء لاشك أنه خير وأبقى من التمسك بصنيع غيرهم كائناً من كانوا فإن الله أيد أنبياءه بالوحي والأنبياء بوحي الله إليهم معصومون من أن يقعوا في الخطأ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
بقيت واحدة وهوأن الإنسان يسأل الله جل وعلا التوفيق في غدوه ورواحه فو الله لن يقدر أحد أن يعبد الله كما أراد الله إلا بتوفيق من الله , قال الله جل وعلا :" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولاتغدو عيناك عنهم " قال بعض أهل العلم في تفسيرها : أن أفضل ماقيل في قول الله جل وعلا :" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ", أنهم إذا أصبحوا سألوا الله التوفيق وإذا أمسوا استغفروا الله جل وعلا من التقصير فهم مابين سؤال الله أن يوفق ويعين وييسَر ومابين استغفار الله أن يسد الخلل ويغفر الذنب ويتجاوز عن الزلل وربك على هذين قادر , هو الله لاإله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه " كما بين جل وعلا في كلامه وكتابه .(30/16)
أيها الأخوة المباركون طول الكلام ينسي بعضه بعضاً وهذه ما تيسَر قوله ووعظه في هذا المقام المبارك وما تبقى من الوقت نجعله للأسئلة على أنني في المقام الأول أقول قبل أن أنهي : أن الله يقول :" إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين " فنسأل الله جل وعلا أولاً :أن يتقبل من الملك فهد رحمه الله رحمة واسعة بناء هذا المجمع الذي صلينا فيه وأقمنا المحاضرة فيه ولم يقتصر نفعه على إقامة الصلوات وإلقاء المحاضرات وفي هذا عبرة أن الملك رحمه الله مات وزال ملكه لكن المسجد الذي بناه لله بإذن الله لم يزل باقياً فكل ما كان لله يبقى , وأما عطايا الله جل وعلا لعباده دنيوياً فإنما هي متاع إلى حين هذا أولاً .
الأمر الثاني : اشكر لأخي سعادة المحافظ فضله وخلقه وكرمه وحضوره المحاضرة الدال على نبل أخلاقه وإسلامية منهجه وفي هذا تشجيع للناس لأن الناس إذا كان سادتهم ووجهائهم والقائمون بالأمر فيهم يتقدمونهم إلى الخيرات تأسوا بهم .
كما أسأل الله جل وعلا أن يشكر المشائخ والشيخ حسين وجميع المعنيين في اللجنة الثقافية على حسن ظنهم بأخيهم وكريم دعوتهم وأسأل الله جل وعلا لهذه الوجوه الطيبة التي أراها والتي لم أراها من أخواتنا المؤمنات المكتسيات بحلل الحياء والحجاب ، أسأل الله لنا جميعاً أن يحرم وجوهنا على النار وأن يجعل مجلسنا هذا شاهداً لنا يوم نلقاه وأن يعيذنا جل وعلا أن نريد بقولنا أو أي شيء نصنعه أحداً غيره جل وعلا وأن يجعلنا ممن خلصت نيته وسدد الله قوله وأصلح الله عمله إن ربي لسميع الدعاء .
وهذا ما تيسر وعفواً إن أطلت وعذراً إن قصرت فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
اختكم / ظلال وارفة
متندى القطوف الدانية ..(30/17)
تأملا ت في سورة النساء ج2
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق فسوى وقدر فهدى ، وأخرج المرعى ،فجعله غثاءً أحوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبياً عن أمته اللهم صلي عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره واتبع منهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد . أيها الأخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
حديثنا اليوم إكمال لما فسرناه من كتاب ربنا في الدرس الماضي من سورة النساء , ووقفنا عند قول الله عز وجل : (( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً{163} وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً{164} رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{165} )) .
هذه الثلاث الآيات هي التي سيدور عنها الحديث في هذا اللقاء المبارك إن شاء الله تعالى .
ومبدئياً نقول :
إن الإنسان وهو يسير إلى ربه لابد له منهج يسير عليه ولابد له من نفس الوقت من أئمة يقتدي بهم , وحتى يكون المسير إلى الله جل وعلا حقاً على بينةٍ وعلى صراط مستقيم لا بد أن يكون المنهج مِن مَن ؟(31/1)
مادمنا نعبد الله لا بد أن يكون المنهج الذي نسير به إلى ربنا يكون من لدن ربنا وإلا لن نستقيم في السير على صراطه ولا في الطريق إليه .
الأمر الثاني : ينبغي أن يكون القدوة والإمام الذي نضعه نصب أعيننا لابد أن يكون معصوماً حتى لا تختلف علينا الأهواء والزيغ . ولا معصوم إلا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
ولذلك عندما يكون الإنسان وهو يتحدث وهو يعمل وهو يقول وهو يفعل يحتج بفعل الأنبياء والمرسلين لا تجد لأحد طريقاً عليه لأن الله جل وعلا عصم الأنبياء والمرسلين من الزيغ ومن الضلال فهم عليه الصلاة والسلام لا يصدرون من آرائهم إنما يصدرون من وحي الله جل وعلا إليهم , فإذا اجتهدوا في أمر ليس فيه وحي لا يقرهم الله جل وعلا على خطأ إذا أخطؤا .
كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام أعرض عن عبد الله بن مكتوم رضي الله عنه نزل القران يعاتبه : ((عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2})) . أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له أسرى يوم بدر واستشار أصحابه أنزل الله جل وعلا : (( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ )) الأنفال 67. إلى غير ذلك من الدلائل التي لا تحتاج إلى كثير شواهد ،وعظيم قرائن .
المقصود قص الله جل وعلا في كتابه الكريم بعض من أخبار رسله وبعضا طواه عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعنا .
وفي الآيات التي تلوناها التي بين أيدينا التي هي موضوع درس اليوم يتكلم الله جل وعلا عن جملة من أنبياء الله ورسله ممن اصطفاهم الله وأنبأهم , وكل المذكورين في هذه الآية هم رسل وليسوا أنبياء فقط . بمعنى بعثوا إلى أقوام ودعوا إلى الله جل وعلا بشرع جديد .
هؤلاء الرسل أوحى الله جل وعلا إليهم قال سبحانه : )) إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )) .(31/2)
الوحي : هو الفارق الأعظم بين الأنبياء وبين المصلحين من البشر . نحن نعترف أن البشرية شهدت علماء ومصلحين وقادة عبر تاريخها الطويل في كل الأمم ولكن هؤلاء القادة والمصلحين والأئمة في أي ملة لن يسلموا من خطأ لأنهم غير موحى إليهم وليسوا بمعصومين , لكن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الوحي كفل لهم العصمة فهذا هو الفارق العظيم بين أنبياء الله ورسله وبين من شهدتهم البشرية عبر تاريخنا الطويل .
نسمع بسقراط وأرسطو وغيرهم وأفلاطون في الحضارة اليونانية وغيرهم , نعم كان كثير منهم أجلاء فيهم عقل فيهم حكمه أسسوا حضارة لكنها لم تسلم ولن تسلم من زلل ما دامت جهداً بشرياً . أما جهد أنبياء الله ورسله فهو فرقان ووحي ينزل من الله لا يقبل أنصاف الحلول لأنه (( مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )) هود 1, قال الله جل وعلا في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : (( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} )) النجم .
نأتي لهؤلاء الأنبياء سنقف على مجمل سيرتهم عبر ما سردهم الله جل وعلا , منهم من مر معنا ومن مر معنا في دروس لاحقة لا حاجة للتكرار ومن لم يمر معنا سنقف عنده لنتبين بعض سيرة حياته وكيف نقتدي به , مع البيان الشافي أنهم جملة بعثوا بدين واحد وهذه أهم قضية ولذلك قال الله : (( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )) البقرة 285.(31/3)
(( إِنَّا أَوْحَيْنَا )) " إن " هذا كلام رب العزة . والنون للتعظيم " نا " الدالة على الفاعلين لتعظيم الرب جل جلاله , تسمع في الأوامر الملكية في السعودية مثلا : " نحن فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية " ثم يأتي الأمر هذه " نحن " للجماعة لكنها تقال في السياق اللغوي للتعظيم . ويجوز إطلاقها على البشر ويجوز إطلاقها على الله , لكنها في حق الله بلا شك أعظم منها في حق البشر كما تقال فلان حكيم والله جل وعلا حكيم , لكن فرق ما بين حكمة العباد وحكمة رب العباد جل جلاله , إن اتفقا في المسمى لا يتفقان في دقائق الوصف .
(( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) وأوحينا الفعل" أوحى " كذلك أسند إلى " نا " الدالة على الفاعلين لبيان العظمة الإلهية .
(( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) المخاطب هنا النبي صلى الله عليه وسلم نبينا محمد مع اليقين أنه عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء لكنه قدم هاهنا لعلو شرفه وجليل منزلته وعلى أنه أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بلا شك .
وحتى يستفيد الإنسان فالإنسان إذا خطب أو ألقى محاضرة أو أرد أن يقول درساً كطالب علم مثلا يحاضر أو شيء من هذا يقول : " وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأولهم يوم القيامة شأنا وذكرا " .
يقول : " وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا ـ من حيث الزمن هو آخر الأنبياء ( أنا آخر النبيين وأنتم آخر الأمم ) ـ آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأولهم يوم القيامة وأرفعهم شأنا وذكرا صلوات الله وسلامه عليه .(31/4)
(( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) ثم جاء الله بكاف التشبيه " كما " أي كالذي (( كَمَا أَوْحَيْنَا )) ثم ذكر الله جملة من الأنبياء على ما سيأتي بيانهم على التفصيل . (( كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )) نوح عليه الصلاة والسلام أول رسل الله جل وعلا إلى الأرض , وقد أثنى الله جل وعلا عليه في القرآن وأسماه ((عَبْداً شَكُوراً )) الإسراء 3 . والأصل أن الله خلق الناس على فطرة واحدة منذ أن كان أبوهم آدم عليه السلام , مكثوا على هذا الحال كما يقول ابن عباس وجمهرة المؤرخين عشرة قرون ثم اجتالتهم الشياطين صرفتهم عن طاعة الله فبعث الله جل وعلا وأرسل أول ما أرسل أرسل إليهم مَن ؟
نوح عليه الصلاة والسلام والدليل على أنه أول الرسل ثابت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قيام الناس وحديث الشفاعة قال : ( إن الناس يأتون نوحاً ويقولون يا نوح أنت أول رسل الله إلى الأرض وسماك الله في كتابه عبدا شكورا ) . فهو أول رسل الله إلى الأرض بالاتفاق , وهو أطول الأنبياء عمراً عاش ألفا وتزيد قيل إنها ألف ومائه وخمسين , وما ذكره الله جل وعلا في كتابه أن الله قال : (( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً )) العنكبوت 14 . هذا العمر الدعوي وليس عمر حياته كلها قول الله جل وعلا : (( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً )) يدعو إلى الله بدليل أن الله قال بعدها : (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ )) . (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ )) و (( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ )) هذه كلها دلالة على أن نوحاً عاش بعد هذه المدة ويحسب معها المدة التي كانت قبل أن ينبأ صلوات الله وسلامه عليه , والمقصود أنه شيخ المرسلين وهو الأب الثاني للبشر بعد آدم والأب الأول للأنبياء صلوات الله وسلامه عليه .(31/5)
(( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )) ولم يذكر الله جل وعلا من النبيين الذين بعد نوح عليه الصلاة والسلام .
ثم قال سبحانه : (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ))
بيان هؤلاء على النحو التالي :
ذكر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد مرت معنا سيرته وهو الأب الثاني للأنبياء ويطلق عليه أبو الأنبياء من باب التجوز إذا أطلقت أبو الأنبياء يراد بها إبراهيم وإذا قيل شيخ الأنبياء يراد بها نوح عليهم الصلاة والسلام , وإذا قيل كليم الله يراد بها موسى مع أن الله كلم محمداً وكلم آدم لكن إذا قيل كليم الله تنصرف إلى موسى عليهم الصلاة والسلام , وإذا قيل شيخ المرسلين تنصرف إلى نوح لأنه الأبُ الأول للأنبياء ولأنه أطولهم عمراً , وإذا قيل أبو الأنبياء تنصرف إلى إبراهيم لأن إبراهيم ما بعده جميع الأنبياء كانوا من ذريته قال الله تعالى : (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب )) هذا يفيد الحصر إلا أنه يشكل أن لوطاً ابن أخي إبراهيم عليهم الصلاة والسلام .(31/6)
(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ )) إسماعيل الابن الأكبر لمن؟ لإبراهيم من زوجته هاجر وهاجر كانت جارية عند من ؟ عند سارة فجارية أمه وسارة حرة . لما لم تنجب سارة أهدت إبراهيم هاجر فلما ولدت إسماعيل أصابها ما يصيب النساء من الغيرة فما طاقت أن تمكث هي وسارة في مكان واحد , فهاجر إبراهيم بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع أي إلى مكة ووضعها في مكة بأمر الله في القصة المشهورة ومضى عنهما , رجع إلى أين ؟ رجع إلى مصر إلى زوجته سارة . لما رجع إلى سارة أنجبت له سارة إسحاق وجاء في الآية : (( إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ )) . فصار إسحاق الابن الثاني لمن ؟ لإبراهيم .(31/7)
لما ترك إبراهيم إسماعيل في واد غير ذي زرع التي هي مكة اليوم تركه ولم يترك معهم إلا شيئا يسيراً من زاد وماء ثم فني الإثنان فلما فني الإثنان والقصة المشهورة أن بعثت ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل . وجود الماء يجلب القبائل جاءت قبيلة جرهم وهي قبيلة قحطانية من العرب العاربة تزوج منهم إسماعيل بعدما شب وبلغ مبلغ الرجال تزوج منهم , بعدما تزوج منهم ماتت أمه قبل أن يأتي أبوه ماتت أمه هاجر بعد أن تزوج من قبيلة جرهم ثم مكث ما شاء الله ,جاء إبراهيم يبحث عن زوجته وابنه , لما جاء عرف أن الوالدة توفيت أي والدة إسماعيل , فسأل عن ابنه كان إسماعيل وقتها في الصيد فلما دخل على المرأة الجرهمية التي تزوجها إسماعيل في أول الأمر سألها عن إسماعيل قالت : " خرج يصطاد لنا " فسألها عن حالهم فذكرت شيئا عسيراً ولم تحسن الخطاب وقالت : " نحن في ضيق وشدة كرب ولم تذكر شيئا حسنا " فقال لها إذا جاء إسماعيل فأقرئيه مني السلام وقولي له : " غير عتبة بابك " . جاء إسماعيل من الصيد كأنه آنس شيئا , قال لزوجته : " هل من خبر ؟ " أخبرته القصة رجل كبير أخذت تصف إبراهيم وهي لا تدري أنه والد إسماعيل . هل قال شيئاً أخبرك بشيء ؟ أخبرته بالقصة , قال : " ذاك أبي وقد أمرني أن أطلقك فالحقي بأهلك فطلقها " , ثم تزوج امرأة أخرى من نفس جرهم لأنه ما كان فيه قبيلة إلا جرهم , فلما تزوج وافق أن جاء إبراهيم بعدها بفترة وكان إسماعيل في الصيد فقابل المرأة الزوجة الجديدة سألها عن حالهم أين إسماعيل قالت : " في الصيد " سألها عن حالهم أخبرته بأنهم : " بأحسن حال " فدعا لهم بالبركة وقال : " إذ جاء زوجك فأقرئيه مني السلام وقولي له ثبت عتبت بابك " , لما جاء إسماعيل سأل زوجته وأخبرته الخبر قال : " ذاك أبي وقد أمرني أن أبقي عليك " , ثم جاء في المرة الثالثة وحصل ما حصل من بناء الكعبة .
هذا من؟ هذا إسماعيل عليه الصلاة والسلام .(31/8)
حث الأبناء على الصلاة من هدي الأنبياء
نعته الله جل وعلا في القرآن بأنه : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55} )) مريم . المقصود أن إسماعيل كان يحث أهله على الصلاة وهذا أعظم الفوائد في هدي الأنبياء .
حث الأبناء على الصلاة من هدي مَن؟ من هدي الأنبياء هذه الغاية من ذكر الأنبياء . نأخذ من كل نبي الفائدة المرجوة . حث الأبناء على الصلاة من هدي الأنبياء . فالإنسان وهو يعمل يوقظ أهل بيته يتذكر هذه الآية يتلوها : (( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ )) ويأمر أهله بالصلاة وينادي علَّ الملكين أن يكتباها له .
إسحاق عليه الصلاة والسلام تكلمنا عنه وقلنا إنه والد يعقوب ويعقوب هو مَن ؟ هو إسرائيل .
(( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ )) الأسباط أبناء يعقوب على الأظهر . اختلف فيهم : جمع سبط والأظهر أنهم أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام , إذا قلنا إنهم أولاد يعقوب فهم إخوة مَن ؟ إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام وقيل إن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب هذا أظهر ما قيل في أن الأسباط وهم أخوة يوسف تاب الله جلا وعلا عليهم وهناك أقوال غير ذلك .
(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى )) الأصل أن عيسى عليه الصلاة والسلام في الترتيب ليس بعد يعقوب والأسباط وإنما عيسى آخر الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وفي هذا فائدتان :(31/9)
الفائدة الأولى : أن الله ذكر عيسى مقدماً هنا لأن الخطاب هنا أصلا موجه للنبي عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب بني إسرائيل لأن مر معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجادل من ؟ نصارى نجران قلنا إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجادل نصارى نجران والآيات قريبة مما قبلها تتكلم عن النصارى فتقديم عيسى هنا لمناسبة الآية بما قبلها هذا واحد .
الفائدة الثانية : بما أن عيسى ليس الأول فهذا دليل على أن " الواو العاطفة " لا تفيد الترتيب . وإن كان في المسألة أقوال للعلماء لكن " الواو العاطفة " لا تفيد الترتيب .(31/10)
ثم قال الله جل وعلا : (( وَعِيسَى وَأَيُّوبَ )) أيوب عليه الصلاة والسلام من ذرية يعقوب أي من بني إسرائيل . وقد جعله الله جل وعلا قدوة ومثالاً وموعظة للصابرين . وهو عبد صالح ونبي مرسل بنص القرآن كما في هذه الآية , هذا النبي ابتلاه الله جل وعلا بعد أن كان حسن الخلقة ابتلاه الله بمرض في الظاهر والباطن , ومكث في المرض عليه الصلاة والسلام ثمانية عشر عاماً وهو صابر محتسب حتى كان ذات يوم فقد أبناءه طبعاً في الفترة هذه فقد بعض أهله تخلى الناس عنه لم يبقى له إلا صاحبان وزوجته . وكانت بارة فيه وغضب عليها مرة فحلف بالله أن يضربها إن شفاه الله مائة جلدة , إذ أن الإنسان مع المرض يحدث منه أشياء عاجلة , بقي له صاحبان خرجا من عنده ذات يوم وأخذا يتحدثان فيه , رواه أبو يعلى والحاكم في مستدركه بسند صحيح وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة , خرجا من عنده ثم أخذا يتحدثان عنه فقال أحدهما للأخر : " ألا ترى أن أيوب قد أذنب ذنباً عظيما وإلا يمكث ثمانية عشر عاماً ولم يشفه الله ؟ ـ حتى تعلم أن الناس في تقبلها للآخرين يبقى مهما بقي تصورها ماذا ؟ تصور ضيق والأمور مردها إلى الله تنظر حسب ما ترى , ولا يمكن أن يعطى إنسان العلم كله , هذان صاحبان حميمان ومع ذلك يقولان عنه هذا القول وهو نبي مرسل ـ لما رجعا إليه ما صبرا أخبراه قالوا : " إننا تحدثنا في شأنك وقلنا إنك أذنبت ذنباً عظيماً وإلا لا يعقل أن تمكث في البلاء ثمانية عشر عاما لا يشفيك الله " , فقال عليه السلام : ( لا أدري ما تقولان إلا أنني أمر على الرجلين ـ وهنا تأمل كيف يعظم أنبياء الله ربهم ـ أمر على الرجلين يتنازعان فيحلفان الإثنان بالله فأعلم أن أحدهما كاذب ـ لأنه لا يعقل أن يصدق الاثنان وهما متنازعان ـ فأذهب إلى بيتي فأكفر عن أحدهما كراهية أن يذكر الله إلا بحق ) , فخرجا من عنده , وكان عندما يقضي حاجته تذهب معه زوجته , أخذته ليقضي(31/11)
الحاجة وأوصلته إلى منتهى المكان الذي تريد أن يقضي فيه الحاجة وتركته يتكئ عليها لضعفه , ثم انتظرته كالعادة , وهو في الطريق أصابه ما أصابه من الهم فسأل الله جل وعلا كما قال الله جل وعلا عنه : (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )) الأنبياء 83 , وفي الآية التي في سورة " ص" : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )) 41. ففجر الله من تحته عيناً وقال له اشرب واغتسل (( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ )) فركض (( هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )) فشرب فبرئ باطنه كل وجع داخلي انتهى , واغتسل فبرئ ظاهره . فأصبح تام الخلقة حسن الوجه فرجع معافى إلى من ؟ إلى زوجته , لكنها لم تعرفه , فقالت : " يا فلان أمر معك هذا النبي المبتلى فوالله إنه عندما كان غير مريض من أشبه الناس بك " فقال لها : ( أنا نبي الله أيوب ) . رجع معها صلوات الله وسلامه عليه .مكثه ثمانية عشر عاما من أعظم وأجل أنواع الصبر ولذلك لما نعته الله جل وعلا في القرآن قال : (( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) .
قال العلماء الربانيون :
" إن نِعم الثناء من الله ليس بالأمر الهين " . أن يقول الرب الجليل جل جلاله عن أحد عباده (( نِعْمَ الْعَبْدُ )) إلا لعلم الله بسريرة ذلك العبد وأنه أهل لهذا الثناء والمدح الإلهي . وقد من الله على أيوب عليه الصلاة والسلام بهذا العطاء .(31/12)
زيادة في الخير كان له أندران يعني بيادر كبيرة فيها قمح وشعير , فجاءت سحابتان ـ وهذا حديث صحيح ـ فأفرغت إحداهما على مكان القمح ذهبا وعلى مكان الشعير فضة فضلاً من الله جل وعلا عليه وإكراما لصبره صلوات الله وسلامه عليه . من مات من ذريته وأولاده وأهله أحياهم الله جل وعلا إكراماً له .فالله جل وعلا إذا أعطى لا يسأله أحد عما يفعل تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا .
قال سبحانه : (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{83} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا )) هذه لأيوب (( وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ{84} )) أي لمن صنع في صبره صنيع من ؟ صنيع أيوب . هذا أيوب عليه الصلاة والسلام .
قال الله جل وعلا : (( وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ )) أما يونس عليه الصلاة والسلام فهو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام بعثه الله جل وعلا إلى أرض نينوى من أهل الموصل من بلاد الموصل في أرض العراق حالياً . هذا النبي خرج مغاضباً في قصة مشهورة مرت معنا مراراً لا حاجة لذكرها لكن الذي يعنينا أنه عليه الصلاة والسلام قال الله جل وعلا عنه : (( وَذَا النُّونِ )) أي وصاحب الحوت (( إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) الأنبياء 87 .
وجاء في السنة كما في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى ) هذا الحديث مشكل لأن له مفهومين :(31/13)
المفهوم الأول : أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام لا يقل أحدكم ( أنا خير ) " أنا " هذه عائده على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قلنا بها يصبح المعنى لا يفضل أحد بيني أي النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الأنبياء . وهذا بعيد في ظني لأن النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من كل الأنبياء ولا حاجة لتأكيد يونس لوحده وإن قال به فريق من العلماء .
أما المفهوم الثاني : وهو الأرجح معناه لا يقل أحد من الناس عن نفسه يرى صلاحه وتقواه وصلاته و صيامه أنه أفضل من يونس . طيب ما لذي يدفع الناس لأن يقول أحدهم أنا أفضل من يونس . ما ذكره الله جل وعلا عن يونس من نوع عتاب فإن الله قال في كتابه : (( وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ )) القلم 48 , فقالوا هذه الآية تشعر أن يونس ليس بذلك الكمال , فيأتي إنسان يرى في نفسه الكمال العظيم فيظن أنه خير من يونس . فقال عليه الصلاة والسلام حسماً للباب : ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى ) . فيونس عليه الصلاة والسلام نبي مرسل قلنا أرسله الله إلى أرض نينوى من أرض الموصل من أرض العراق حالياً .
(( وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ )) أما يونس بيناه أما هارون فهو الأخ الأكبر لموسى عليهم الصلاة والسلام وكان فرعون لما اشتكاه الأقباط أنه إذا أفنى بني إسرائيل لا يبقى لهم خدم أصبح يقتل عاماً ويبقي عاماً , فولد هارون في العام الذي لا قتل فيه وولد موسى في العام الذي فيه قتل .
هارون كان أكبر من موسى وجعله الله جل وعلا رسولاً نبياً بشفاعة موسى قال الله جل وعلا : (( وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً{53} )) مريم . وقال الله عن موسى (( وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً )) الأحزاب 69.(31/14)
جاء في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه رأى في السماء الخامسة : ( ورأيت رجلاً تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا يا جبرائيل قال : هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران ) .
كان هارون سمحاً ليناً ولذلك كان محبباً في بني إسرائيل .
وافترقت بني إسرائيل على ولايته لمّا ذهب موسى يكلمه ربه كما سيأتي . هذا هارون ابن عمران عليه الصلاة والسلام .
ثم قال الله : (( وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ )) سليمان ابن داوود وسيأتي بيان داوود عليهم الصلاة والسلام ، أما سليمان قلنا إنه ابن داوود وقد منّ الله جل وعلا عليه بأن استجاب دعائه عندما قال : ((رب اغفرلي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أنك أنت الوهاب )) إذا جئت تسأل الله فلا تسأل الله على قدر ما تظنه في الناس ولكن اسأل الله على قدر ما تظنه في ربك . الله جل وعلا أعظم مسؤول .هذا سليمان يفقه هذه جيداً فلما سأل ربه سأل ربه على قدر ما يعلمه عن ربه لا ما قدر ما يستحقه , فنحن لا نستحق شيئا لكننا نسأل الله على قدر علمنا بعظمة ربنا وجلال قدرته وأن خزائنه لا تنفد سبحانه وتعالى .
فهذا النبي الصالح قال : (( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )) ص 53 , فمن الله جل وعلا عليه وأعطاه ما سأل فسخر الله تعالى له بعدها (( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ )) ص 36 .
حتى أصبح في الأمثال يقال : " ملك سليمان " كناية عن الملك العظيم الذي لا يعطى لأي أحد وهذا فضل من الله جل وعلا له .
ثم قال سبحانه : (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) داوود والد من ؟ والد سليمان وهذا دلالة كذلك على أن الواو لا تعني الترتيب وإن كانت هذه : (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) ممكن أن تكون واو استئنافيه .(31/15)
داوود عليه الصلاة والسلام أحد أنبياء بني إسرائيل وهو الذي يسمى عند النصارى اليوم : " ديفيد " . وكلمة " كامب ديفيد " معناها مخيم داوود . داوود عليه الصلاة والسلام أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل وعلى يديه قتل جالوت (( وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ )) البقرة 251 , كما قال جل وعلا .
هذا النبي لما مسح الله جل وعلا كما عند الترمذي بسند صحيح على ظهر آدم وخرج من ظهر آدم ذريته رأى آدم كل نسمة كائنة من ذريته إلى يوم القيامة . فرأى فيما رأى منهم غلاما أزهر فيه " وبيص " نور بين عينيه , قال : ( يا رب من هذا ؟ ) ـ طبعاً هو أبو البشر لكن لا يعرفهم هذا عالم الأرواح الأول ـ قال له ربه : (( هذا رجل من ذريتك يكون في آخر الزمان يقال له داوود )) ، قال : ( كم جعلت عمره ) قال : (( ستين عاماً )) فقال : ( يا رب زده أربعين ) فقال الله : (( إلا أن يكون من عمرك )) فوافق آدم , وكان الله قد أعطى آدم ألف عام , فلما جاء ملك الموت ليقبض آدم نسي آدم أنه أعطى ابنه داوود أربعين عام . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته ) فأتم الله الألف لآدم والمائة لداوود عليهم الصلاة والسلام .
هذا النبي قال الله عنه : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) ص 17 , كلمة (( ذَا الْأَيْدِ )) جمع الله له قوة القلب وقوة البدن في الطاعة .
الإنسان أحيانا يكون عنده رغبة في الطاعة لكن الكسل يكون بدني مثلاً مهدود ، رجل كبير، شاب مريض ،قادم من عمل مضني متعب فالرغبة لا يطيقها البدن , وأحيانا يكون في الإنسان عافية وقدرة لكنه نائم يعني ما كان وراءه تعب لكن ما عنده قلب يريد أن يقوم الليل , فاجتمع في داوود قوة القلب على الطاعة وقوة البدن . وهذا من أفضال الله جل وعلا على عباده .(31/16)
لو أراد شخص في يوم واحد أن يطبق سنة داوود عليه الصلاة والسلام ما لذي يلزمه ؟
(( ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) منّ الله عليه بخصلتين حسن الصلاة وحسن الصيام قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) . الآن آذان المغرب يؤذن الساعة السابعة وصلاة الفجر تكون الساعة الرابعة أي أن الليل تسع ساعات بالضبط ، لو أراد شخص في يوم واحد أن يطبق سنة داوود عليه الصلاة والسلام ما لذي يلزمه ؟
ينام بعد صلاة العشاء إذا اعتبرنا الليل من بعد صلاة العشاء تصبح سبع ساعات لأنه ما فيه قيام ليل إلا بعد صلاة العشاء فكان ينام نصف الليل،هذه السبع ساعات ثلاث ساعات ونصف فإذا نام الساعة التاسعة يقوم الساعة الثانية عشر والنصف ويصلي إلى كم يبقى من السدس؟ الآن إذا وصل إلى الساعة الثانية عشر والنصف هذا نصف الليل في أيامنا هذه إذا اعتبرناه من اثنا عشر ونصف إلى أربعه كم ساعة ؟ ثلاث ساعات ونصف إذا قسمت على ستة ثلاثة في ستين مائة وثمانين ونصف ثلاثين مائتان وعشره ، مائتان وعشره دقيقه لو قسمت على ستة يصبح فيها حوالي أربعين أو خمسه وثلاثين دقيقه فتبقى الخمسة وثلاثين دقيقه قبل أربعه يصبح يبدأ يقوم اثنا عشر ونصف وينتهي الساعة الثالثة وخمسه وعشرين دقيقه . هذه قل ما يطيقها أو يفعلها أحد في عصرنا مرة في العمر هذا النبي كان يصنعها كل ليلة وقال صلى الله عليه وسلم : (وأحب الصيام إلى الله صيام داوود كان يصوم يوما ويفطر يوما ) وتمام الحديث وهو في الصحيحين : ( وكان لا يفر إذا لاق ) لأنه كان يجاهد في سبيل الله ولا يفر صلوات الله وسلامه عليه .(31/17)
أعطاه الله جل وعلا حسن الصوت ولذلك لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( أعطي مزمارا من مزامير آل داوود ) . كان إذا قرأ الزبور , والزبور هو الكتاب الذي أعطاه الله داوود عليه السلام والزبور كله مواعظ , وقال بعض العلماء ليس فيه أي حكم شرعي وإنما كله رقائق ومواعظ تذكر بالله ، كان يتلوها بصوت حسن فتجتمع الطير تنجذب إلى صوته وقراءته للزبور فتمكث إذا طال بعضها يموت جوعا ينسى الأكل وهو مؤتلف منسجم مع ترتيل داوود .
قال الله: (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) والزبر في اللغة : الكتاب المجموع بعضه إلى بعض . (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) الزبور الكتاب الذي أنزله الله جل وعلا على داوود عليه السلام وقلنا إنه مواعظ كله وحكم . الآن أنظر إلى التفكير ما بين أهل الدنيا وأهل الآخرة .
سنأتي بفائدة أدبية حتى أريك الفرق بين الناس :
تسمعون بالفرزدق أبو فراس شاعر أموي كان من أهل الفسق جاء ذات يوم على كلمة زبور ، جاء ذات يوم عند مسجد يقال له مسجد بني زريق في الكوفة هذا المسجد يجلس عنده شعراء ينشدون شعر , فذكر رجل ينشد شعراً ذكر شعر للبيد بن ربيعه ، لبيد له معلقه :
عفت الديار محلها فمقامها
بمنٍ تأبد غولها فرجامها
*فيها بيت يقول:
وجل السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
يتكلم عن السيل عندما يأتي يمسح الوادي كأنه يعيد كتابتها من جديد , هذا الشاعر واقف يتكلم والفرزدق عابر فقال :
وجل السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها(31/18)
سجد هذا الفرزدق , فلما سجد ورفع رأسه قالوا : ما هذا يا أبا فراس ؟ قال : أنتم تعرفون جَيِّد القرآن فتسجدون وأنا أعرف جيد الشعر فأسجد له . الآن هذا يبين لك أن عقلية الناس تختلف من شخص إلى شخص . الفرزدق لا ينقصه ذكاء وإلا ما يقول هذا الشعر لكن لا يوجد قلب يتعلق بماذا ؟ يتعلق بالآخرة . الناس كلها ترى منظر واحد لكن كيف ترى هذا المنظر ؟ كلما كان قلبك أخروياً ربطته بالآخرة . سليمان بن عبد الملك خرج ومعه عمر بن عبد العزيز وهما واضع يده بيد بعض أمير المؤمنون سليمان ومعه عمر ماشين في الطائف , والطائف معروف البرق والرعد فيها , جاء رعد وبرق انتفض سليمان ـ والذي يعرف جبال الهدا والشفا يعرف هذا ـ فلما رأى البرق والرعد قال عمر : " يا أمير المؤمنين هذا صوت رحمته فكيف إذاً بصوت عذابه ؟ " هذا الذي أنت خائف منه صوت رحمه يأتي منه مطر فكيف إذاً بصوت عذابه . فربطها رحمه الله بالآخرة مباشرة وإلا المنظر يبقى واحد لكن الناس الذي يرونه تلقي المنظر، تلقي الكلام ، تلقي الخطاب ، يختلف من زيد إلى عمرو لأن الناس يتفاوتون في إدراك الأشياء بحسب قلوبهم .
قال الله جل وعلا : (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) ثم قال سبحانه : (( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) . الله هنا يقول لنبيه هؤلاء رسل قصصناهم عليك . ممن قصه الله جل وعلا صالح ، وشعيب ، وهود ،وهم غير مذكورين في هذه الآية (( وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )) طبعا لا نعرفهم لأن الله لم يقصصهم على نبيه (( وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) إفراد موسى عليه السلام هنا بالذكر تشريف له صلوات الله وسلامه عليه .
موسى أعظم أنبياء بني إسرائيل .(31/19)
وهو كليم الله وصفيه قال الله عنه : (( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي )) الأعراف 144 .
فيه شيء في اللغة يسمى مفعول مطلق يأتي على ثلاثة أنواع :
إما يأتي مبيناً للعدد تقول مثلا : " ضربت فلان ستاً " أي ست ضربات .
وإما مبيناً للنوع تقول : " أكرمت زيداً إكراماً كثيراً " أي كثير الإكرام .
وإما أن يأتي مؤكداً يؤكد حدوث الفعل كما في هذه الآية : (( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) هذا تأكيد أن الله كلم موسى أما كيف كلمه لا ندري . لكن كلمه بلا شك . لأنه فيه فرق حادت عن الصواب وقالت إن الله لم يكلم موسى .
متى كلم الله موسى ؟
كلم الله موسى في بدء النبوة عندما خرج من أرض مدين وأظنه مر علينا هذا كلمه الله عند جبل الطور وكان لا يدري أنه نبي ولا يدري أنه رسول فكلمه ربه .
الحالة الثانية : كلمه الله جل وعلا عندما وعده تبارك وتعالى قال تعالى : (( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ{142} وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي )) الأعراف .
هذه (( لَن تَرَانِي )) نذكر منها فوائد مهمة إن صح الخطاب :(31/20)
هذه " لن " للنفي وقد مرت معنا ، ظهرت فرقه يقال لها المعتزلة سأخصص الحديث عنها الآن . تقول إن الله جل وعلا لا يُرى في الآخرة ومن حججهم هذه الآية يقولون إن الله قال لموسى (( لَن تَرَانِي )) بمعنى لن تراني أبداً , فقالوا يستحيل أن يُرى الله في الآخرة . ونحن معشر أهل السنة نؤمن أن الله جل وعلا يُرى في الآخرة لدلالة الكتاب ودلالة السنة قال الله جل وعلا : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23})) القيامة , وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) في حديث الصحيحين وفي غيرهما .
نأتي لقضية المعتزلة وهذا من باب الفوائد .
المعتزلة فرقة ظهرت في أواخر القرن الأموي وازدهر قولها وسلطانها في عصر بني العباس أيام المأمون والمعتصم أخو المأمون .
تقوم أركان المعتزلة على خمسة بنود :
أولاً : التوحيد . الثاني : الوعد والوعيد . الثالث : العدل . الرابع : المنزلة بين المنزلتين . الخامس : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . طبعاً حسب فهمهم هم .
لماذا سموا المعتزلة ؟
قالوا من أسباب تسميتهم أن الحسن البصري رحمه الله وهذا مر معنا كثيرا كان يدرس في الحلقة وجاءه رجل سأله يا أبا سعيد ما تقول في مرتكب الكبيرة ؟ كان في أيامها فيه جدال صراع بين الناس هل مرتكب الكبيرة يكفر أولا يكفر؟
كان الخوارج يقولون : إن مرتكب الكبيرة يكفر كفراً أكبر مخرج من الملة فيستبيحون قتله . وأهل السنة يقولون إن مرتكب الكبيرة فاسق لكن الكبيرة لا تخرجه من الملة وبالتالي لا يستبيحون قتله .
فجاء رجل يسأل الحسن البصري رحمه الله وكان من أعلام الناس , فبينما الحسن يريد أن يجيب ظهر رجل في الحلقة اسمه واصل بن عطاء من أعظم من أسس مذهب الاعتزال فقام وقال هو في منزلة بين المنزلتين .(31/21)
سنرد عليهم عقلاً هم جاؤوا بها عقلاً سنرد عليهم عقلاً , فقال : هو في منزلة بين المنزلتين ، ما معنى منزلة بين المنزلتين ؟ قام وجلس تحت سارية ثانية يشرح : ما معنى منزلة بين المنزلتين ؟ ـ طبعاً إي إنسان يقوم يشرح الآن حتى لو إي واحد الآن زعل علي في الدرس وجلس هناك يتكلم لا بد واحد أو اثنين يروحوا وراه يشوفوا ماذا يقول ـ لما ذهبوا ناس معاه قال الحسن رحمه الله : " اعتزلنا واصل " فسموا بالمعتزلة .
قرر واصل مذهب الاعتزال . واصل هذا من أفصح خلق الله رغم أنه كان فيه لظغه ما يعرف ينطق حرف الراء ما تجيء على لسانه هذا شيء ليس في يده من الله , يجلس يتكلم بالساعات ولا أحد يعرف أن فيه لظغه في الراء لا يأتي ولا بكلمة فيها راء , هذا إنسان يعرف في اللغة أشياء لا تعقل يتكلم بالساعات يقول الحمد لله القديم بلا ابتداء الباقي بلا انتهاء يذكر يعظ بالله ويصف ويشرح ويتكلم ويخرج وأنت لا تدري أنه ما يأتي بالراء لأنه ما قال ولا كلمة بالراء لقوة بلاغته , ومع ذلك أضله عقله ، لأنه حكم على الناس بأن الفاسق ترد شهادته وأنه منزلة بين المنزلتين .
من أعظم ضلاله أنه قال وبئس ما قال : " إن علياً رضي الله عنه والحسن والحسين وعمار حاربوا عائشة وطلحة والزبير " . ورد هو كل النصوص التي جاءت في فضل هؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم , وقال : " بالعقل واحد فيهم فاسق وواحد ظالم وواحد مظلوم ". قال : " وأنا ما أدري من الظالم ومن المظلوم إذاً لا أدري من الفاسق ؟ فقال : " لو شهد عندي عليٌ والحسن والحسين وعائشة وطلحة والزبير وعمار لما قبلت شهادتهم ولا في حتى في بقل ولا بصل لأنهم فساق ترد شهادتهم " . هل يقول هذا عاقل ؟ وهو يزعم أن مذهبه قام على العقل .
الآن سنبين بالعقل أن مذهبه باطل .(31/22)
قالوا له : اشرح ما معنى منزلة بين المنزلتين ؟ قال : بسيطة أنا ما أقول مثل الخوارج إنهم كفار يقتلون في الدنيا ولا أقول مثل ما تقولوا أنتم أهل السنة أنهم مؤمنين مسلمين أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم , قال : " في الدنيا تجري عليهم أحكام أهل الإسلام فهم مسلمون وفي الآخرة كفار مخلدون في النار تجري عليهم أحكام أهل الكفر لأنهم لم يتوبوا ـ وهذا معنى الوعد والوعيد عندهم يقول الله ملزم على أن يعذبهم لأن الله عدل ما يترك واحد ما يعذبه وهو قد عصاه ـ هذا معنى منزلة بين منزلتين معناها : تجري عليه في الدنيا أحكام أهل الإسلام ما يقول مثل الخوارج نقتله وفي الآخرة قال مستحيل كافر مباشرة إلى جهنم ويخلد فيها ولا يدخل الجنة أبدا " . الآن بالعقل بلاش يا آية و بلاش يا حديث , عندما نجري عليه أحكام الدنيا وهذا سيموت طب الميت المسلم كيف تجري عليه أحكام الدنيا يغسل ويكفن ويصلي عليه هذه أحكام الدنيا على المسلم , صلينا عليه وهو مرتكب الكبيرة على مذهب واصل ماذا نقول في الدعاء اللهم اغفر له وارحمه وعافه ونحن عارفين إنه كافر داخل النار ما صار دعاء , فصار هو يدعوا على المسلمين دعاء يعلم أنه باطل وأنه عبث وهذا أكبر دلالة على أن المذهب كله باطل . هذه جابت دليل أن الزمخشري أحد أئمة الاعتزال يقول : " إن الله لن يرى في الآخرة " وله تفسير اسمه تفسير " الكشاف " يباع موجود في المكتبات هذا التفسير آية في البيان الرجل كان فصيحاً لكنه ضيعه بما فيه من مذهب الاعتزال والدعوة إليهم , هذا المذهب قلنا كان في عصر بني أميه ثم انتشر في عهد بني العباس تبناه المأمون ومات ثم كتب لأخيه المعتصم أن يتبنى المذهب فتبناه المعتصم وبسببه أوذي وعذب الإمام أحمد رحمه الله حتى جاء الواثق أو المتوكل أحدهما اختلط علي فألغى مذهب الإعتزال وتبرأ منه وأعاد مذهب أهل السنة بعد أربعة عشر عاماً من انتصار المذهب ثم بعد ذلك ظهر المذهب كرة(31/23)
أخرى في دولة بني بويه دوله شيعية عام 334 هـ وجعلوا القاضي عبد الجبار أحد أئمة المعتزلة جعلوه قاضي القضاة في ذلك العصر , هذا إجمالاً على مذهب الإعتزال .
قال الله سبحانه : (( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) ثم قال الله : (( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) أي هؤلاء الرسل يبشرون الناس بالجنة وينذرونهم من النار وهذه الغاية الأساسية لمن ؟ للأنبياء والرسل . لماذا ؟ (( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )) إذا موضع الشاهد أن الله لا يعذب من لم تقم الحجة عليه لأن الله جل وعلا قال : (( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) .
هذا مجمل ما أردنا بيانه ونسأل الله أن يبارك فيما قلناه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(31/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .....
أما بعد
كنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله ـ جل وعلا ـ :
{ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون }
ووافقت أن كان ذلك في آخر الحلقة مما نجم عنه أن المعنى لم يتحرر تحررا كاملا ، فكان لزاما أن نستفتح به لقاءنا هذا ...
فنقول أولا المسلك اللغوي ، فلو انتهينا من المسلك اللغوي نعيد معنى مجمل الآية ، فنحرر ما قاله المفسرون ثم نذكر رأينا إن كان لنا رأي غير ما قالوا.
الله ـ تعالى ـ يقول : { وإذ قال } أي اذكر إذ قال ، لأن إذ هنا ظرفية تحتوي الحدث .
{ إبراهيم } أبو الأنبياء ، وأفضل خلق الله بعد نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قال عليه الصلاة والسلام : ( فأقوم مقاما يرغب إلي فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم ) فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ( حتى إبراهيم ) قرينة ظاهرة على أن إبراهيم أفضل الخلق بعد نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
{ لأبيه وقومه } قدم ذكر الأب ليبين عظيم تبرئ إبراهيم من الأصنام ، والخطاب لقوم يعبدون الأصنام فأخبرهم ـ تعالى ـ عن خليل الله إبراهيم .
أما القوم بأن إبراهيم أب لهم فيحتاج إلى إعادة نظر ، أما من حيث أصله فنعم ، ولكن ليس صحيحا ـ تاريخيا ـ أن ننسب الناس لكل أب لهم بمعنى لابد من شخصية ما فاصلة ما بعد وما قبل ،
ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ارموا بني إسماعيل ) ولم يقل
( بني إبراهيم ) لأنه لو قلنا : ارموا بني إبراهيم لدخل بنو إسرائل معنا ، وأصبحنا وإياهم لسنا أبنا عمومة ،
ولكن قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ارموا بني إسماعيل )(32/1)
حتى يخرج بنو إسحاق ، لأن بني إسحاق منهم يعقوب ، ويعقوب منهم بني إسرائيل ، ومن إسحاق كان العيس ، ومن العيس كان الروم ، فلو نسبنا الناس إلى إبراهيم ـ كما جرى عليه بعض المفسرين دون أن يلحظ هذا في معنى الآية ـ يقع الخطأ والخلط في فهم الآيات ، وهذا لا يتضح الآن إلا إذا أكملنا تحرير الآيات ، وأنا أقول سأبدأ بداية تروي في قضية اللغة .
{ إنني برآء } برآء لغة في بريء كان أهلها عالية نجد يستخدمونها آن ذاك كما يقولون ( طويل وطوال ) يقولون ( بريء وبرآء ) .
{ مما تعبدون } مما هذه مكونة من ( من وما ) ادغمت في بعضهم البعض فأما ( من ) فحرف جر ، لكن ( ما ) تحتمل هاهنا أن تكون :
* إما مصدرية . * وإما أن تكون موصولة .
ــ فإذا قلنا إنها مصدرية فيصبح المعنى ( إنني برآء من عبادتكم لغير الله ) لأن عبادة مصدر من الفعل عبد ، وهنا ( ما ) تصبح مصدرية
ــ وإن قلنا أنها موصولة يصبح المعنى ( إنني برآء من معبوداتكم ) موصولة أي من الذي تعبدونه .
ولا يتحرر من هذا كبير اختلاف ، فإبراهيم بريء منهم بسبب عبادتهم لغير الله .
{ إلا } هذا استثناء المنقطع في قول الجمهور وهو الحق بمعنى لكن .
لكن {الذي فطرني } أي خلقني { فإنه سيهدين } يبقى إشكال هنا أن السين جاءت هنا ولم تأتي في آية الشعراء حيث قال تعالى :
{ الذي خلقني فهو يهدين }
قال الشيخ الهروي ـ أمتع الله به حي مازال موجودا في مكة ـ قال بعد عناية ودراسة فيها : ( الذي يظهر أن هنا جيء بالسين لا للتسويف لكن للتأكيد ، لأنه هناك في آية الشعراء ذُكر أن الأصنام عدوة له )
{ قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ** أنتم وآباكم الأقدمون **
فإنهم عدو لي ......}
أما هنا فأراد إبراهيم أن يخبر بالبراءة من قومه ومن آلهتهم فجيء بالسين للتأكيد لا للتسويف ، ثم قال كلمة نرددها الآن
:( والله أعلم بأسرار كتابه )(32/2)
{ إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } إلى الآن لا يوجد خلاف بين العلماء في المعنى لأنه ظاهر .
{ وجعلها } الجاعل إبراهيم على الصحيح ، وقد ذكرنا في اللقاء الماضي أن الخلاف في فاعل ( جعل )
هل هو عائد على لفظ الجلالة أم أنه عائد على إبراهيم ؟
{ وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون }
هنا يأتي الاختلاف في المعنى
المفسرون من حيث الجملة يقولون : ( إن هذه الكلمة العظيمة وهي البرآءة من الشرك وأهله ، وموالاة الله ـ جل جلاله ـ وهي في كلمة التوحيد لا إله إلا الله هذه الكلمة جعلها إبراهيم علامة وشعارا لقول دينه ، وجعلها باقية في عقبه رجاء أن قومه إذا حادوا عن الطريق رجعوا إلى تلك الكلمة )
{ بل متعت هؤلاء وآباءهم }
( هؤلاء ) أي المعاصرين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
( آباءهم ) أي الذين لم يشهدوا نبوته من آباء من كان حيا زمن النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
والمعنى أي متعتهم بالنعم والعطاء ، ومن كثرت عليه النعم وطول الأمل يقسو قلبه ، فحادوا عن الكلمة التي جعلها إبراهيم باقية في العقب
{ حتى جاءهم الحق } أي القرآن { ورسول مبين } أي محمد
ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
نعود إلى قوله تعالى :
{ وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون }
هذا الذي عليه أهل التفسير ، ونقول : إن المعنى هنا غير واضح لأننا نؤصل بأن هناك انفكاك وانقطاع تام بنص القرآن مابين نبوة إبراهيم ورسالته ومابين كفار مكة ، ولا يمكن أن يؤخذ القول هذا وجعل الأمر كالطريق الواحد ـ محال ـ لأن الله ـ جل وعلا قال في آيات محكمة :
{ وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير }
ومر معنا في اللقاء الذي قبله أن الله ـ تبارك وتعالى ـ قال
: { أم آتيناهم كتاب من قبله فهم به مستمسكون }(32/3)
وقلنا أن هذا دليلا نقليا على أنه ليس لديهم كتاب يخبرهم عن شيء فنفى الله عنهم النذارة ونفى الله عنهم الكتب انقطع اتصالهم الديني بإبراهيم ، فيكون قول الله ـ جل وعلا ـ فيما يبدو لي :
{ وجعلها كلمة باقية في عقبه } أي في خواص عقبه في أقرب أهله إليه في إسماعيل وإسحاق ومن كان معاصراً له آن ذاك في العراق وبلاد الشام ، حتى يكون سببا في نشوء هذه البيئة الصالحة فتكون مؤثرة في من جاورهم ، وقلت في اللقاء الماضي أن من القرائن على صحة هذا الرأي أن الله لم يذكر أنه استأصل من كفر بإبراهيم بالكلية ، لم يرد في القرآن ـ فيما نعلم ـ ولا في السنة ـ فيما نحفظ ـ أنه جاء ذكر أن الله استأصل خصوم آل إبراهيم بالكلية ، فالله ذكر أنهم لما حاولوا حرقه ذكر أنه ـ سبحانه ـ نجاه ولم يذكر هلاكهم ، ولما ذكر النمرود ـ والنمرود فرد ـ وإبراهيم أصلا مر على العراق مر على الشام ، ومر على مكة وعلى مصر ..... كل هذه الديار طافها ولم يكن له بيضة معينة ـ بيضة بمعنى حوزة بمعنى مكان مستقر واحد ـ يستأصل أهله بينما كان طوافاً ولذلك تبنته الأمم كلها .....
فنقول على هذا إن قول ربنا : { بل متعت هؤلاء } أن ( بل ) هنا ـ نعم بالاضراب الانتقالي متفقون ـ لكنها ليست للإبطال ، لأننا لو قلنا أنها لإبطال أصبح هناك إلتصاق فهو يبطل المعنى ، لكن ( بل ) هنا للانتقال بمعنى يصبح الكلام بعد أن ذكر الله خبر إبراهيم يقول لنبيه :
( أما هؤلاء وآباؤهم فقد متعتهم بما شئتُ أن أمتعهم بدون نبي أو رسول ) ولا علاقة لهم بإبراهيم ....
{ حتى جاءهم الحق } أي القرآن .
{ ورسول مبين } أي أنت يا محمد .
ثم قال الله ـ تعالى ـ : { ولما جاءهم الحق } الكلام الآن عن كفار قريش ، ولا علاقة لإبراهيم بالمسألة .
{ قالوا هذا سحر وإنا به كافرون } وهذا مر معنا بأنهم وصفوا القرآن بأنه سحر بما ينجم عنه ـ بزعمهم ـ من التفريق بين الرجل وزوجته ، والوالد وولده ...(32/4)
ثم قال الله عنهم : { وقالوا } أي القرشيون
{ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم }
الجار والمجرور ـ نحويا ـ تملك قوة في ضعفها ،
الآن المرأة أين قوتها ؟
في ضعفها ،
بعض الضعفاء قوتهم في ضعفهم كما لو يأتيك مكان لا يوجد فيه مقعد وتأتي معك بصبي صغير
أين قوة الصبي الصغير ؟
في ضعفه ، لأنه من السهل أن تجد له مكانا ...
مثلها الجار والمجرور ،
فهم قالوا : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم }
فلو سُئلت : ما إعراب كلمة عظيم ؟؟
تقول : صفة لكلمة رجل ،
والمعنى ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل عظيم من القريتين ) ومعلوم قطعا وجوب الاتصال ما بين الصفة والموصوف ،
ما الذي فصل بينهما ؟
الجار والمجرور ( من القريتين ) فالضعف لأنه شبه جملة أقحمها هنا ويعطي من الصياغة اللفظية والسبك بما لا مزيد عليه ...
{ من القريتين } القريتان المقصودتان هنا ( مكة والطائف ) بالاتفاق .
وكل قرية في القرآن تعني مدينة ، فقول الجغرافيين ليس له علاقة برب العالمين ، فتعريفهم للقرية بأنها كذا وكذا .... فهذا اصطلاح لا مشاحة فيه ، لكن القرية في اللفظ القرآني المدينة قال تعالى :
{ لتنذر أم القرى ومن حولها }
كانوا يزعمون ـ في قول جمهور أهل العلم ـ أن القرشيين كانوا يزعمون أن القرآن هذا أحق بذي رجلان :
الأول : عروة بن مسعود ـ من أهل الطائف ـ .
والثاني : والوليد بن المغيرة ـ من أهل مكة ـ .
وأيا كان من قصدوا هم ـ حتى في هذه الطريقة التي قالوها وهي باطلة في أصلها ـ أخطؤا في أنهم لم يعرفوا ما هو المعيار في قدر الرجال ،
لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى بالمقاييس غير الشرعية كان أفضلهم صلوات الله وسلامه عليه .
نعود فنقول :
إنهم قالوا : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم }(32/5)
مر معنا أن الجواب الإلهي يتحرى ويتوخى إقحام الخصم ، وبينا في قضية { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } أنهم جمعوا بين نقيضين أنهم ارتقوا بالملائكة وفي نفس الوقت وصفوهم بأنهم إناث ...
هنا يقول الله لهم : { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } معنى الآية ـ مباشرة ـ : أن الله يقول لهم : ( أنتم تعترفون الأرزاق إنما يقسمها الله وهذا لا خلاف فيه عندكم ، ومعلوم أن عطاء النبوة أعظم من عطاء الأرزاق ، فإذا كنا لم نسند إلى أحد من الخلق تقسيم الأرزاق فكيف نسند إليه تقسيم النبوة ؟! )
فهذا هو المعنى المقصود من الآية ...
إذا كلمة { رحمة } في الأول بمعنى النبوة ...
{ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ }
اللام للتعليل ، ولهذا نصب الفعل ..
{ بعضهم بعضا سخريا } أي أن الله ـ جل وعلا ـ لم يجعل الناس على منزلة واحدة ، خادم ومخدوم أمير ومأمور ملك ومملوك عبد وحُر ، حتى تستقيم الحياة ، وعلى هذا طُبعت الدنيا وجُبل الكون حتى يستقيم الأمر ويندفع الناس جميعا ..
{ ورحمة ربك خير مما يجمعون }
أما ( الرحمة ) هنا فالصواب ـ عندنا ـ أنها بمعنى الجنة
ثم إن هذه الآية ممهدة للآيات والمقاطع التي بعدها وهي قضية إظهار حقارة الدنيا ، فلما أراد الله أن يظهر حقارة الدنيا قال مخاطبا عباده
((ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر برحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون *وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ))
لابد من تقدير شيء ما في المسألة
والتقدير ((لولا أن يكون الناس أمة واحدة )) التقدير لولا كراهة أن يأتي الناس الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن ...
المعنى :
الله جل وعلا يبين أن الدنيا إعطاؤها للكافر يدل على حقارتها عنده
مجرد أن الله جل وعلا أذن للكافر أن ينعم في الدنيا
هذا دلالة على أنها حقيرة عند الله(32/6)
لأن الكفار ليس أولياء لله
فتنعهم في الدنيا يدل على أن الدنيا ليست بشيء
ليست**ليست بشيء
فالله جلا وعلا يقول مخافة أن الناس يظنوا أن الكفر هو سبب في النعيم
لو كان هذا الأمر صنعته لظن الناس أنه السبب بأنهم كفار
فأصبح الناس لذلك كلهم كفار رجاء أن ينعم لهم
لكن كراهة أن يظن الناس ذلك منعنا الأمر على اطلاقه بدون تقيد
((ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر برحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ))
(معارج) جمع معراج بمعنى السلالم
مرت معنى قبل في آيات سابقة
(يظهرون ) يصعدون .
(( وليبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون *وزخرفا ))
هذا كله المقصود منه اظهارالمتاع الذي يعيشه الناس في حياتهم
((وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ))
ثم بين الله جل وعلا أن الحقيقة التي لامناص منها
أن المتاع الباقي هو متاع الآخرة
فقال ربنا (( والآخرة عند ربك ))
وليس هذا محل خلاف لكن يأتي محل تساؤل
لمن ؟
فجاء الجواب القرآني (( والآخرة عند ربك للمتقين ))
ثم قال الله(( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ))
(يعش) هنا جملة شرطية بمعنى يعرض ويصد .
جواب الشرط (نقيض له )
(نقيض) بمعنى نهيء وهو فعل مستقى من اسم جامع
وأصل التقدير ذلك الذي يحيط بغشاء مخ البيضة
(( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ))
((وإنهم )) أي الشياطين ((ليصدونهم عن السبيل )) عن الهدى
(( فيحسبون أنهم مهتدون )) وهذا قمة البلاغة
فإن قال قائل ألا يكون هذا عذرا لهم أنه يتأول على جهل
يقال في الجواب على هذا لايعد هذا عذرا لأن جهلهم هنا بسبب اعراضهم عن ذكر الله
لأن جهلهم بسبب اعراضهم عن ذكر الله .
(( حتى إذا جاءنا )) وفي قراءة ابن نافع (( حتى إذا جاءانا ))
(( قال ياليت بني وبينك بعد المشرقين))
لماذا قال بيني ويبنك ؟
ولماذا قال بعد المشرقين ؟
(أما بيني وبينك)
كان يغني عنها أن يقول بيننا(32/7)
لكن أراد قمة البراء منه ويسعى حثيثا لتخلص منه ففصل حتى في الألفاظ
((قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين ))
معلوم أن هناك مشرقان ومغربان
والأمر لتغليب ومر معنا نظائره
لكن لماذا اختار المشرقين دون المغربين ؟!
قال بعض أهل العلم من اللطائف
أن المشرق
ق يكون منه ظهور قرن الشيطان
يكون منه ظهور قرن الشيطان
فلهذا قال(( ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ))
اسلوب ذم لأن بئس فعل ماضي جامد ...
(( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ))
هذا من أعظم ماعذب الله به أهل النار
لأن الله قطع عنهم حتى التأسي بغيرهم
فإن المصائب في الدنيا يهونها أن تجد أحدا مثلك أو أعظم منك
في المصيبة
لكن أهل النار حرمهم الله جل وعلا من التأسي الذي يخفف منه العذاب
وهذا له نظائر في كلام الناس وأحوالهم
فإنكم تسمعون تقرؤون عن الخنساء
صحابية يقال لها تماضر كان لها أخ غير شقيق يسمى صخر
وكان بارا بها وكانت وفية به
وقد جرت عادت الفضلاء والعقلاء أنا الإنسان إذا أحسن إليهم سبقا دون نعمة يريدها فقد طوق أعناقهم
وتقول العوام في أمثالها الأول لا يلحقه شيء
صاحب النعمة الأولى لايدرك
وهذا صخر أثنى على أخته الخنساء قبل أن يعرف قدرتها الشعرية
وقبل ان يموت قطعا وقبل أن ينال منها فضلا فهو غير شقيق
فلما وقع من قلبها هذه المكانة بجله لها
مات في حروبه فلما جاءت ترثيه قالت فيه رثاء جما
قذى بعينيك أم بالعين عوار أم ذرفت اذ خلت من أهله الدار
ثم أطنبت في ذكره إلى يومنا هذا والناس تردد
هباط أودية شهاد أندية حمال ألوية للجيش جرار
إلى آخر القصيدة
ما العلاقة بين الآيات والأبيات ؟
العلاقة التأسي
قالت في مقطوعة لها
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل مغيب شمسي
ولولا كثرت الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
و ما يبكون مثل أخي ولكن أعزي نفسي بتأسي
فالتأسي بمن ترى حولها من أخوات وقريبات وجارات فقدن أخوانهن
كما فقدت أخاها جعلها تتأسى(32/8)
فالتأسي بالغير نوع مما يخفف به الكلأ والمصيبة والجرح
هذا محروم منه أهل النار
قال الله جل وعلا ((ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم ))
اشتركتم في الظلم فخفف عنكم تحملتم الأعباء بعضكم عن بعض فما قمتم به من ظلم ربما مات فأصبح بينكم تعاون في تحمل أعبائه
لكن ليس ثمة تعاون في تحمل البلاء
قال الله جل وعلا
(( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ))
نعوذ بالله من جهنم وحرها بالكلية
هذا ما تيسر حول هذه الآيات ذات المقاطع الواحد ه
الآن نعيد الكره في قراءتها تاريخيا بعد أن قرأناها تفسيريا
لأن مابعدها منفك عنها
نعود لقضية إبراهيم عليه الصلاة والسلام
هذا ينفعنا تاريخا في أن نقول
أنك تسمع بأن الله جل وعلا قال في القرآن (( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر))
ولقد رجحت في اللقاء الماضي بأن آزر لقب له وأن اسمه تارخ
لماذا اختلف العلماء ؟
من حيث الصناعة العلمية يجب أن تعلم أنه في الغالب لا يمكن أن يكون هناك اختلاف إلا لوجود سبب قوي له .
ومن سبق كانوا أتقى منا وأشد علما وأعلم باللغة
فلا يمكن أن يكون حملهم على الأقوال مجرد هوى
عندما لايكون لك إلا خال واحد فإنك لاحاجة أن تسميه إذا تحدثت عن خالك
أما إذا كان من يحوط بك يعرف أن لك عدة أخوال فلابد أن تعينه باسمه
حتى تميزه عن باقي أخوالك
فالذين قالوا إن آزر ليس أبا لإبراهيم بل هو عم له
قالوا إن الله قال ((وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر)) قالوا لو كان أبوه لصلبه
لا حاجة لأن يسميه لأنه ليس للإنسان إلا أب واحد
فأما الذين قالوا أن اسمه آزر قالوا هذا صريح القرآن ولا انفكاك عنه
ومن أعظم الأدلة على أنه أبوه لصلبه أن الله ذكره في عدة مواضع
ولم يقل أنه عمه (ولم يقل أنه عمه)
فلو قال أنه عمه لأمكن أن يصبح لقولهم حجة قوية
لكن الله جل وعلا ذكر أبا إبراهيم في مواطن عدة
ولم يقل في واحدة منها أنه عم
دل على أنه أب له لصلبه
هذه واحدة(32/9)
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ترك إسماعيل وهو الأكبر وإسحاق وترك العيس
من ذرية اسماعيل جاء نسل ينسب إلى عدنان
من عدنان إلى إبراهيم مات آباء وأجداد قطعا
لكن لا يوجد دليل ثبت على أسمائهم
أما من عدنان إلى هاشم
جد النبي صلى الله عليه وسلم
فهذا متفق عليه بين علماء الأمه
أحيانا يمر معك في تكرار التاريخ كلمة معد وعدنان
وتطلق أحيانا بمعنى واحد
لماذا ؟!
لأن ليس بين معد وعدنان أحد فمعد الإبن المباشر لعدنان
فيقال معدي ويقال عدناني والمعنى واحد
والمعنى واحد
قال روح بن زباع
يوم اليمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معديا (فماذا ) فعدناني
أعيد
هذا روح بن زباع هرب روح من عبد الملك بن مروان فأهدر دمه
فأصابه خوف
قال : قد ما أدرك الناس من خوف ابن مروان
أي عبد الملك
واضح !
لما أصابه خوف يقول أنا إذا قابلت رجلا من أهل اليمن قلت أنا يمني
أي قحطاني من العرب العاربة
فإذا لقيت رجل عدنانيا قلت أنا عدناني أي من العرب المستعربة
فجاء الشاهد أنه قال
يوم اليمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معديا( ما قال فمعديا)
قال فعدناني
لأن معد هو اين عدنان
هو ماذا؟
هو ابن عدنان
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الخطباء والكتاب في مدحه
الصلاة والسلام على سيد ولد عدنان
هذه اللفظة تنبه إليها الشعراء
أحيانا أيها المبارك تكون المعلومة والمعنى مطروح
من يستله ويصوغه هذا هو العاقل
الخامة واحده لكن التعامل مع الخامة هو الذي يفرق الناس
هو الذي يفرق الناس ويفاضل بينهم
التعامل مع ماذا ؟
مع الخامة
إن كانت في العلم كمعلومة أو كانت في اللفظ
فالنبي صلى الله عليه وسلم اطبق الناس على أنه من ولد عدنان
فجاء ابن الرومي الشاعر العباسي فقال :
إن الناس إذا انتسبوا يفتخرون
بمن ؟
بآبائهم
فيقول فلان أنا من قبيلة قريش أنا هاشمي أنا قرشي
أنا من بني سهم
كل بحسبه
فقال أما عدنان ففخرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم منها
فهذا فخر والد بولد لا ولد بوالد(32/10)
قال ابن الرومي في آخر البيت :
كما علت برسول الله عدنان
كما علت برسول الله عدنان
فالذي جعل مزية عدنان على قحطان هو أن النبي صلى الله عليه وسلم
فهذا إن أطنبت في الفهم يريك الله جل وعلا أن رحمته مقسمة
فالعدنانيون ليسو عرب عاربة فعوضوا بأن منهم محمد صلى الله عليه وسلم
والقحطانيون ليس منهم النبي صلى الله عليه وسلم
فعوضوا بأنهم عرب عاربة
فعوضوا بأنهم عرب عاربة
ومثل هذا قد تظنه ليس كثير علم
لكن هذا إذا كان متوقدا في ذهنك وأنت تسير في الحياة
يجعلك تقل الطمع
لماذا تقل الطمع ؟
تعلم أنه من الصعب أن تجمع الحسنيين
من الصعب أن تجمع الحسنيين
إذا الله قال لنبيه ((وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين))
((هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ))
هذا يجعلك حتى في مسيرتك لا تحاول أن تكون كل شيء محال
فاتخذ شيئا جما وامضي عليه وتقلده واجعل ما بقي فروعا وحواشي
لا تهدم ذلك الحلم الذي تريده
فإن الذي يريد كل شيء لن يحصل على شيء
خرج حسين ابن علي ينشد الخلافة والحسين إذا تكلم يقول جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أمي يقول عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم ((بضعة مني ))
من فقه المسألة ؟
ابن عمر
قال له وهو يودعه إنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولن يعطيكم الله الملك والنبوة
لن يعطيكم الله النبوة والملك
لن يكون لك حظ فيها
فوقع كما قال ابن عمر حُرم الحسين باستشهاده في العاشر من محرم
من الوصول إلى الحكم
فيأتي الاستثناء
الاستثناء يكون في الخواتيم
لأن الأمور إذا تمت (ماذا ) انتهت
المهدي من ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم لكنه علامة من علامات الساعة
يكون بها الخواتيم
وهذا من سنة الله في خلقه
كم تفضل المشرق على المغرب في أن الشمس تشرق منه
فإذا جاءت الشمس من المغرب
ماذا يحصل ؟؟
تقوم الساعة
هذا ماتيسر إيراده وتهيء إعداده وأعان الله على قوله
وصلى الله على محمد وعلى آله
والحمد الله رب العالمين(32/11)
لقاء الشيخ صالح المغامسي في معكم على الهواء بتاريخ 15 /3 /1428 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رب العالمين والصلاةُ والسلام على نبينا مُحمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
أخوة الإيمان في كُل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
ليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشهِ و معادة وأقرب إلى نجاتهِ وسعادتهِ من تدبُر القرآن وإطالة النظر فيهِ وجمع الفكر على معاني آياتهِ فإنها تُطلعُ العبد على معاني الخير والشر وعلى حال أهلها وتُريهِ صورة الدُنيا في قلبهِ وتحضُرهِ بين الأمم وتُريهِ أيام الله فيهم فيرى غرق قوم نوح ويعلم صاعقة عاد وثمود ويعرف غرق فرعون وخسف قارون ، بتدبُر القرآن يعيشُ المرءُ مع الآخرة حتى كأنها فيها ويغيبُ عن الدُنيا حتى كأنهُ خارجٌ عنها فيصيرُ في شأن والناسُ في شأنٍ آخر ((وإذا تُليت عليهم آياتهُ زادتهُم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون )) لقد أنزل الله القرآن من فوق سبع سماوات لتدبُر والتعقُل لا لمُجرد تلاوتهِ والقلبُ لاهِ غافل (( كتابٌ أنزلناهُ إليك مُباركٌ ليتدبرُوا ءاياتهِ وليتذكر أُولي الألباب ))
أخوة الإيمان مع القرآن الكريم الذي نسأل الله العلي القدير أن يجعلهُ ربيع قُلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا { آياتٌ وعظات } هذا هو عنوان حلقة هذا اليوم من برنامج معكم على الهواء في حلقةٍ على الهواء مُباشرةً من إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية نُرحبُ كثيراً بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ صالح .
حياكم الله شيخ خالد وحي الله الأخوة المُستمعين والأخوات المُستمعات وأسأل الله لي ولكُم التوفيق والسداد(33/1)
اللهُم آمين ونسأل الله العلي القدير أن ينفع بكم وأن يجعل ذالك في موازين حسناتكُم كما نسألهُ عز وجل أن يجعل القرآن ربيع قُلوبنا نور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا .
اللهم آمين
فضيلة الشيخ صالح مرةً أُخرى يتجدد الترحيب بكُم وأهلاً بكُم في إذاعة القرآن الكريم وشُكراً لكم على قبول دعوة البرنامج ونسألهُ عز و جل أن ينفعنا دائماً بما نقول ونسمع إنهُ على كُل شيءٌ قدير ..
حفظكم الله { آياتٌ وعظات } هذا هو عنوان هذا الأسبوع من برنامج معكم على الهواء يتساءل البعض عن كيفية الإجابة عن الأشكال الظاهرة من قولهِ تعالى عن نبيهِ شُعيب (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) بينما قال سُبحانهُ في سورة الشعراء (( كذّب أصحابُ الأيكة المُرسليِن * إذ قال لهُم شُعيبٌ ألا تتقون ))
فضيلة الشيخ صالح وجه الإشكال لمّا قال في سورة هود ((أخاهُم )) ولم يقُل ذالك في آية الشُعراء نبدأ بهذهِ الوقفة حفظكُم الله ثم يتدرج الحديث معكُم عن باقي الآيات وباقي العضات في هذهِ الحلقة المُباركة ؟؟؟
الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيهِ كما يُحبُ ربُنا ويرضى وأشهدُ أن لا إله إلا الله شعارٌ ودثارُ ولواءُ أهل التقوى وأشهدُ أ، سيدنا ونبينا مُحمدٌ عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وعلى سائر من أقتفى أثرهُ واتبع منهجهُ بإحسانٍ على يوم الدين أما بعد ....
فما ذكرتمُوه من الإشكال الظاهر في قول الله جل وعلا (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) مع قوله سُبحانهُ وتعالى (( كذّب أصحابُ الأيكة المُرسليِن * إذ قال لهُم شُعيبٌ ألا تتقون )) فلم يذكُر الله نسبتهُ إلى الأخوة والجواب عن هذا الإشكال :(33/2)
أن الله جل وعلى في الآية الأولى والتي هي في سورة هود نسبهُم الله جل وعلا إلى القبيلة أو إلى المكان فكلمة مدين تُعنى بالقبيلة التي ينتسبُ إليها شُعيب وقومهُ وتُطلق كذالك على المكان الذي هُم فيهِ ونُسبتُها إلى القبيلة أقوى إذاً مدين هذا رجُل تنتسبُ إليهِ أُمة من الأُمم ولا يخلوا شُعيبٌ أن يكون واحدٌ من أبناء أحفاد مدين فهو يجمعهُ مع قومهِ أُخوة النسب فلمّا نسب الله جل وعلا قوم شُعيبٍ إلى جدهم ذكر بأن شُعيباً أخاهُم فقال (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) والتقدير واذكُر إذ أرسلنا إلى مدين أخاهُم شُعيباً .
أمّا في سورة الشُعراء فقد نسب اللهُ أُولئك القوم إلى المُعتقد الذي يعبدُونهُ وهي تلك الشجرة التي أتخذُها من دون الله فلمّا نسبهم الله جل وعلا إلى الأيكة وعبّر عنها هُنا بالأيكة نسبهُم إليها نفى عنهُ جل وعلا عن نبيهِ الأخوة فقال ((إذ قال لهُم شُعيبٌ )) لأنهُ لو قال هنا أخوهم لفُهم أنهُ أخوهُم في العقيدة وهذا مُنتفي وعلى هذا يترتب أن على المؤمن أن يكون على مُباينه ومُفاصلة ظاهرة عن أهل الباطل وعن أهل الكفر وأن مُعتقد الإنسان أعظم ما يملكُهُ فينؤ بنفسهِ على أن يشوب مُعتقدهُ أيُ شائب وهذا من بلاغة القرآن والتدقيق اللفظي فيهِ وعلى أنهُ حقٌ مُنزلٌ من لدُن حكيمٍ خبير وبهذا كما هو ظاهر يزول الإشكال ..
نعم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي أيضاً قبل قليل وردت هذهِ الآية ((أصحابُ الأيكةُ )) هنا وهُناك في آيةٍ أُخرى ( الأيكة ) هل هُناك ؟؟؟
ليس هُناك فرق إنّما هذا لفظاً يُطلق على اثنين والمُراد بها الشجرة الكبيرة التي كانوا يعبدُنها من دون الله .
أجدها مُناسبة طيبة وأنتُم تستعرضون هذهِ الآية وتتحدثون عن هذهِ الإشكالية والفروق الحديث أيضاً عن بني الله شُعيب ؟؟؟(33/3)
نبيُ الله شُعيب عليهِ الصلاة والسلام هو أحدُ أنبياء عرب ومعلومٌ أن أنبياء الله جل وعلا أكثروا من مئة ألف وهؤلاء المُباركون لم يكُن منهُم من أُمة العرب إلا أربعة " هود ، وشُعيب ، وصالح ، ونبيُنا صلى الله عليه وسلم " وكُلهم بُعثوا في جزيرة ..
شُعيبٌ يُعرف عند جمهرةِ أهل العلم بأنهُ خطيب الأنبياء لأنهُ كان قد أُوتي بياناً واضحا وحُجةً بالغة وكذالك الرُسل أئمةُ بيانٍ وفصاحةُ لسانٍ وبلاغة يبلغُون عن الله رسالاتهِ وينصحون لهُ في برياتهِ لكن كان في شُعيبٍ عليهِ الصلاةُ والسلام حضٌ أكبر من البيان كما قال الله تبارك وتعالى عنهُ (( واستغفروا ربكُم ثم تُوبوا إليهِ إنّ ربي رحيمٌ ودود * قال يا شُعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقول وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطُك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز )) فكان جوابهُ كما حكى الله عنه (( قال يا قومِ أرهطي أعزُ عليكم من الله و أتخذتُمُوهُ وراءكُم ظهرياً إنّ ربِي بما تعملون مُحيط ))
إلى غير ذالك مّما ذكرهُ الله جل وعلا ممّا فيهِ من الدلائل الظاهرة والبراهين الواضحة على قُدرة بيان هذا النبي الكريم صلواتُ الله وسلامهُ عليه .
ويظهر كذالك ــ بما أن الحديث عن شُعيب ــ أن أنبياء الله كانوا يجمعون الفقه في الدعوة فيبدأون بمسالة العقيدة فيدعون إلى توحيد الله والخوف من لقاء الله ويُحذّرون أُممهُم من اليوم الآخر ثم إنّ كُل نبيٍ يتحدث عن الخطيئة الكُبرى التي تلبس بها قومه فلمّا كان التطفيف في الكيل والميزان الخطيئة التي تلبس بها قومٌ مدين قدّمها شُعيبٌ عليهِ الصلاةُ والسلام ولمّا كان جريمةُ إتيان الذُكران من العالمين هي الجريمة التي باء بها قوم لوط قدّمها لوطٌ عليهِ الصلاةُ والسلام وعلى هذا فإنّ كُل إنسانٍ يبدأُ أولاً بمسالة العقيدة ثم ينتقل بعد ذالك للُمنكر الظاهر البيّن فشاداً في قومهِ فيبدأ بالأعظم والأجلّ ..(33/4)
هذهِ الطريقةُ المُثلى التي كان أنبياءُ الله جلاّ وعلا يدعون على منوالها ومنهاجها .
نعم بارك الله فيكم فضيلة الشيخ صالح وكيف يزرع المُؤمن المُسلم هذهِ العقيدة في قلبهِ وهو يعني مُعرّ لبعض الفتن ؟؟؟
المُؤمن يُدرك انهُ لن يقوم بأي عملٍ على الوجه الأكمل حتى يحسُن إيمانهُ ويعظُم بذالك الأمر فالإنسانُ إن لم يكُن على قناعةٍ تامة وعلى علمٍ جليل بما يدعُو إليهِ جاءت دعوتهُ هشة من أراد أن يدعُ الناس على هذهِ العقيدة العظيمة لابُد أن يكون هو أولاً على يقينٍ من توحيدِ ربهِ تبارك وتعالى ،،
ثم يأتي بعد ذالك استثمار ما حولهُ يبدأُ أولاً بكلام الله جل وعلا فقد بيّن الله جل وعلا فيهِ الأهمية الكُبرى لمسألة التوحيد ثم يأتي لكلام سيد الخلق صلى الله عليهِ وسلم وما فيهِ من عظاتٍ بالغة " ما حقُ اللهِ على العباد ؟ أن يعبُدُوهُ ولا يُشركوا بهِ شيئاً " كما في حديث مُعاذ ثم يأتي في كلام أهل العلم من السلف والخلف رحمةُ الله تعالى عليهم ،،
ثم بعد ذالك ينظُر في هذا الكتاب المنثور بين أيدينا الذي خلقهُ الله جل وعلا كما انهُ هناك كتاباً مسطوراً وهو القرآن فإنّ هناك كتاب منثور وهو الكون وما فيهِ من آيات ودلائل تدلُ على قُدرة الجبّار جلّ جلالهُ وعلى أنهُ تبارك وتعالى أحقُ من عُبد وأجّلُ من شُكر وأنهُ لا ينبغي أن تُصرف العبادةُ إلى غيرهِ :
تأمل في نبات الأرض وأنظُر
إلى آثار ما صنع المليكُ
عيونٌ من لُجينٍ شاخصات
على ورقٍ هو الذهبُ السبيكُ
على كُثب الزبرجد شاهدات
بأنّ الله ليس لهُ شريكُ
جزاكم الله خير فضيلة الشيخ لكن ذكرتُم قبل قليل الدعوة الهشة كيف هي الدعوة الهشة لماذا هشة وهو مُسلم ومُؤمن بالله سُبحانهُ وتعالى وهو يتعمّق في بحُور هذا القرآن العظيم ؟؟؟(33/5)
لا لابُد أن يُصاحب هذا التبحُر يقيناً بما يقول فليس كُل من حفظ متناً أو قرأ علماً أو تلا آيةً بلغت يقينهُ فيها مبلغا فلابُد أن تُرث القراءة يقين عند المرء لابُد أ، يكون الإنسانُ يجد ثمرة ما يقرأهُ في قلبهِ أولاً كم منّ صاحب علم قرأ متوناً ونظر في أقوال العُلماء ورُبما حفظ أحاديث ورُبما أكمل حفظ القرآن لكنّهُ ليس مُقتنعاً بما يدعُ إليهِ ولا بما يقولهُ فينجُم عن ذالك بلا شك ضعفاً في يقينهِ هو . وأنّا لمثلهِ أن يدعُ الناس بعد ذالك على بصيرةٍ وعلى بينهِ أو أن يجد الناس لقولهِ قبولا.
ففاقدُ الشيء لا يُعطيهِ ،،،
وكُلُ إناءٍ بما فيهِ ينضح .
أحسن اللهُ إليكم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي نحنُ معكم أيُها الأخوة والأخوات ونحنُ نعيش هذهِ الدقائق في رحاب القرآن الكريم سائلين الله سُبحانهُ وتعالى أن يجعلنا ممّن قال فيهم صلى الله عليهِ وسلم " ما أجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونهُ بينهم إلا نزلت عليهم السكينه وغشّتهُم الرحمة وحفّتهُم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ،،
فضيلة الشيخ يتواصل الحديث عن هذا القرآن العظيم ولعلّنا ننتقل إلى سورةٍ من سور هذا القرآن الكريم وهي سورة يوسف وتعلمون أنها السورة حوت قصة نبينا يوسف عليهِ السلام بأكملها ولم تأتي مُجزئة في سورٍ عديدة وقد حوت أيضاً على عظات عدة لعلّي أترُك لك الحديث عن هذهِ السورة العظيمة بما فيها من التنبيهات والفوائد العظيمة حظكُم الله .؟؟؟
تُدرك يا شيخ خالد كما يُدرك الأخوةُ المُستمعُون والأخوات المُستمعات أن الحديث عن سورة يوسف يطول لكنّنا سنقتصر على بعض الفوائد من هذهِ السورة الكريمة .(33/6)
يوسُف نبيُ الله ابنُ نبي اللهِ ابنُ نبي اللهِ ابنُ خليل اللهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وعلى آبائه هذهِ السورة كما ذكرتُم جاءت كاملةً في سورةٍ واحدة ولم تأتي مُجزئة نظير سورة إبراهيم نظير قصة إبراهيم ، أو نظير قصة موسى فهذهِ جاءت مُتفرقة في عدة سور بخلاف سورة يوسف عليهِ الصلاة والسلام .
لكنّنا نبدأ بالقضية الأولى بالفائدة الأولى التي حوتها تلك السور طبعاً نحنُ لا نُرتب حسب الأهمية لكن حسب وضع البرنامج عموماً فقد تكلّمنا عقدياً في قضية شُعيب فلا حاجة لأن نُعيدها في مسألة يوسف نعم أو نُكّررها ..
فنقول من أعظم ما حوتهُ القضية :
أن الإنسان لا يتعجّل في الوصول إلى الثمرة..
فإنّهُ قد قيل ما بين رُؤيا يوسف وما بين تحقيقها أكثر من أربعين عام الله يقول (( ورفع أبويهِ على العرش وخرّوا لهُ سُجدا وقال يا أبتِ هذا تأويلُ رُؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا )) وقد رآها علية الصلاة والسلام وهو صغير يافع وبين هذهِ الرؤيا وبين تحقيقها أحدث بل حلقات من أحداثٍ داميات وكم حصل فيها من مواطنُ حزن ومواطنُ فرح عاش هذا النبيُ الكريم ثم انتهى بهِ المآل إلى ما انتهى إليهِ ،،،،،
من هنُا نأتي لطلبة العلم على وجه الخصوص بما أنّا نتكلم عن القرآن والقرآنُ وعاء العلم الأعظم نقول ينبغي على العاقل أن يتأنّى في الوصول وأن لا تكون الدُنيا همّهُ وأن يعلم أن الذي يمشي على خطوات ثابتة ويتدبّر العلم تدريجياً ويأخُذه مُؤصلاً ويجنح بنفسهِ خطوةً خُطوة لا يستعجلُ ظهوراً ولا يبحثُ عن أضواء سيصلُ بحمد الله جل وعلا ورعايتهِ إلى مقصدهِ ومرادهِ .
ولنضرب مثلاً
نعم(33/7)
تعلم أيُها الأخُ المُبارك عن أبي حنيفةً النُعمان أول الأئمة الأربعة ظهوراً رحمهُ الله كان لأهُ تلميذ يُقال لهُ أبو يُوسف وأبو يُوسف كان يومها غُلاماً صغيراً يتيماً تجنح أُمهُ إلى أن تجعلهُ يعملُ عند حائك حرصاً منها على أن ينال دانقاً يقتاتُ بهِ و الدانقُ أيُها المُستمعُ الكريم آنذاك أقل ما يُمكن أن يُترك كالهلل والقروش وما يُسمّى بالفلس في دول الخليج يعني شي زهيد تماماً لكنّ المرأة كانت تنظُر إلى أن هذا هو البُغية هو الغاية بينما كان أبو حنيفة رحمةُ الله تعالى عليهِ ينظُر إلى يعقوب الذي هو أبو يوسف ينظُرُ إليهِ على أنهُ سيكونُ ذات يومٍ رجُلٌ ذا بال في العلم فكانت هذهِ المرأة تأتي إلى أبي حنيفة في حلقتهِ وتذُمّهُ وتقولُ ما أضاع ابني إلا أنت وما جعل الغُلام يفرُّ عن موطنهِ إلا أنت فيقول خلي منك يا رعناء ــ هذا أبو حنيفة يقول لها ــ [ والله إنّ ابنك ليأكُل الفالوذج بدهُن الفُسق ] هذا الفالوذج نوعٌ من الحلوى لم يكُن يوجد آنذاك إلا في بيوت الأثرياء أما الفالوذج الممزوج بدُهن الفُستُق فهذا لا يُوجد إلا في بيوت الخُلفاء ولا يُوجد إلا على أحيان يعني ليس دائماً ، فلمّا قال أبو حنيفة لأُمي أبي يوسف هذا الكلام قالت إنك شيخٌ كبرت وخرّفت فمضت عنه وأصرّ أبو حنيفة أن يدرُس أبا يوسف عندهُ ثم مضت سنون مات أبو حنيفة ماتت الأم تقلّد أبو يوسف القضاء في العراق حتى أصبح قاضي القُضاة في الدولة فكان يأكلُ على مائدة الرشيد أمير المُؤمنين ماذا يقول أبو يوسف ؟؟(33/8)
يقول أكلتُ يوماً على مائدة الرشيد فقُدّم لهُ طعام فقال لي يا أبا يوسف كُل فهذا قلّما يوجد في قصرنا قُلتُ أصلحك الله ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا فالوذج بدُهن الفُستق فتذكر أبو يوسف الحادثة وضحك فتعجّب الرشيد قال ما الذي يُضحكُك يا أبا يوسف ؟ قال خيراً يا أمير المؤمنين قال أخبرني فأخبرهُ بالقصة فقال عندها هارون الرشيد قال يا أبا يوسف [ إنّ أبا حنيفة كان يرى بعيني عقلهِ ما لا يراهُ غيرهُ بعيني رأسهِ ] أي بعيني بصرهِ.
.يستشرفُ المُستقبل عندما قرأهُ جيداً .
إذاً يوسف علية الصلاةُ والسلام مرّ بحلقات داميةِ ثم آل بهِ الأمر أراد لهُ إخوتهُ أن يضيع في غيابات الجُب فيُخرجهُ اللهُ من غيابات الجُب إلى دهاليز القصُور تتأمرُ عليهِ امرأةُ العزيز فتُودعهُ السجن فيُخرجهُ الله جل وعلا من غياهب السجن إلى أن يُصبح عزيزاً على مصر .
هذهِ الفائدة الأُولى والعُظمى
الفائدة الثانية :
أن الإمامة في الدين لا تُنال إلا بالتقوى والصبر قال الله جل وعلا (( وجعلنا منهُم أئمةً يدعون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون ))
وقال عن يوسف عليه الصلاةُ والسلام لمّا أظهرهُ الله وعفا عن إخواتهِ قال بعد أن قال لهُ أخوتهُ (( أءنّك لأنت يوسُف قال أنا يوسف قال أنا يوسُف وهذا أخي قد منّ اللهُ علينا )) فنسب الفضل إلى بارية وخالقهِ جل جلالهُ ثم قال (( إنّهُ من يتقِ ويصبرِ فإنّ الله لا يُضيعُ أجر المُحسنين ))
فأسند الأمر كلهُ إلى الأسباب التي وضعها الله لرفعةِ والعلو وعلو الشأن ألا وأنّ من أعظمها أمرين :
تقوى الله جل وعلا *** والصبر
فبالتقوى والصبر تُنالُ الإمامة في الدين .
دلت الأحداث أن ّالإنسان إذا ضاق الأمر وبلغ مُنتهاه فآخرُ لحظةٍ في مُنتهى العُسر هي أولُ لحظةٍ في أول اليُسر .
سُبحان الله
فآخرُ لحظةٍ في مُنتهى العُسر هي أولُ لحظةٍ في أول اليُسر .
وراء مضيق الخوف مُتسعُ الأمرِ
وأولُ مفرُحٍ بهِ غايةُ الفجر(33/9)
الم ترى أن الله ملّك يوسفاً
خزائنهُ بعد الخلاص من السجنِ
وصل يوسف إلى مُنتهى أحداث الله أُلقي مع المُجرمين ،، يأكلُ ويطعم ويعبدُ رهبِ في غياهب سجنهِ
وكان داعية
وكان داعية حتى في السجن لكن كما قُلت أيُها المُبارك نحنُ ضربنا عنها الذكر صفحاًَ لأننا تكلّمنا عن قضية شُعيب ،، ثم بعد ذالك انتقل إلى أن أصبح على الكُرسي الذين يتعاملون مع الله بحق رابحون لا محالة .
يجب أن نُحسن الظن بربنا تبارك وتعالى حُسن الظنُ بالله يُرثُ حُسن العاقبة في الدُنيا والآخرة نسأل الله للجميع التوفيق
هذا ما يُمكن أن يُقال أيُها المُبارك حول فوائد سورة يوسف وقد اختصرتُها حتى لا تكون الحلقة كُلّها عن سورة هذا النبي الكريم ..
لكن نتعشم أن يكون الحديث عنها أطول وأطول رغبةً مني ومن أيضاً المُستمعين الكرام حفظكُم الله إذا اخذتُم فائدة أُخرى حفظكُم الله .؟؟؟
نأخُذ فائدة أُخرى ،، من الفوائد التي دلّت عليها هذهِ السورة:
أن الإنسان لا يُضيرهُ أن ينظُر الناس إليهِ نظرة نقص إن كان عظيماً في ذاتهِ فيوسف عليهِ الصلاة والسلام بيعِ بثمنٍ بخس
جميل
والله يقول (( شروه )) أي باعُوه (( بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة )) وقال (( وكانوا فيهِ من الزاهدين ))
نعم
فزهدُوا فيهِ وهو نبيُ الله وأُدخل السجن وهو نبيُ الله فالمؤمنُ الحق عظمتهُ في ذاتهِ ليست في غيرها وقد قُلنا مراراً في دروسٍ سلفت وأيامٍ خلت لنا نأتي بمثال من السُنة يشهد لهذا :(33/10)
النبيُ صلى الله عليه وسلم كما تعلمُ أيُها المُبارك في هجرتهِ مرّ ومعهُ أبو بكرٍ وعامرُ ابنُ فُهيرة وعامرُ ابنُ أُريقط مرّوا على أم معبد امرأةُ جلدةٌ برزةٌ من خُزاعة تُطعم الناس جهة الآن يعني عندنا في بلادنا المُباركة وادي قديد بين طرق الهجرة بين مكة والمدينة لمّا مرّوا عليها وصل بهم الأمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألها عن الشاه فأخبرتهُ أنها شاةٌ عازب يعني لم تذهب مع الغنم لعجزها قال هل تأذنين لي أن أحلبها قالت نعم فلّما ناخ صلى الله عليه وسلم الشاة ومسح على ضرعها وسمّ الله درّت
ما شاء الله
لمّا درّت لأنهُ عظيم صلى الله عليه وسلم لم يقُل لأبي بكر أحلب لنا حتى يُبين لأم معبد أنهُ النبي أو يقول لعامر الخادم أحلب لنا أو يقول لدليل أحلب لنا لو كان غيرهُ لفعل هذا حتى يُميز نفسهُ عن أصحابهِ لكنّه صلى الله عليه وسلم عظيم خلب لهم أو لم يحلب ، شرب أول القوم أو شرب أخرهم حيث ما هو فهو صلى الله عليه وسلم عظمتهُ أعطاهُ اللهُ إياه في ذاتهِ عليهِ الصلاة والسلام فيما أكرمهُ اللهُ بهِ من النبوة والرسالة.
فمثلُ هذا لا يحتاج أن يدعُ أضواءً أن تُسلّط عليهِ أو صحفيين يكتبون عنه أو ما إلى ذالك هو صلى الله عليه وسلم كأخيهِ يوسف عظمتهُم في أنفُسهم فيوسف نبيُ الله ابنُ نبيُ الله ابنُ خليل الله وهو في السجن وهو عند أبيهِ وهو يُباع بثمنٍ بخس وهو على كُرسي العرش وفي كُل الأحوال كريمٌ على الله تبارك وتعالى عظيمُ الشأن عند ربهِ هذا ما يُمكن أن يُقال.
فأنا أُوصي نفسي وغيري بأن يكون اعتزازُ المرء بربهِ وأن يكون غناه في نفسهِ وأن يكون على ثقةٍ بأن الله جل وعلا وحدهُ من يُبت من يشاءُ بفضلهِ ويُقّرُ من يشاء بعدلهِ كما أنهُ تبارك وتعالى لا يسألهُ مخلوقٌ عن علّة فعلهِ ولا يعترضُ عليهِ ذو عقلٍ بعقلهِ . نعم(33/11)
نعم بارك الله فيكم أيضاً بس فائدة أخيرة قبل أن ننتقل إلى محاور أُخرى حفظكُم الله عدم اليأس والقنوط كما حث الله؟؟؟
نعم عدم اليأس والقنوط وهذا قد يكون قُلناهُ في مُدرج ما قُلناهُ من قضية الصبر إلى الوصول لأنهُ لن يكون صبرٌ حتى يكون هناك عدمٌ يأسٍ وقنوط
و لكن تخصيص ذالك
كما قُلت أنت قضية يعقوب تقصد
نعم
أيهِ تنبهت الآن قضية يعقوب الذي يرفع البلوى هو الله .
سُبحانهُ
ويعقوب أُبتلي بيوسف أولاً ثم أُبتلي بفقد بنيامين ثم أُبتلي بفقد الابن الأكبر الذي رفض أن يرجع قٌال (( لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي )) ولهذا قال (( عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً )) جميعاً هذي أكثر من واثنين قصد يوسف وبنيامين و رُوئيل على قول من يقول أن أسمهُ رُوئيل هؤلاء الثلاثة كانوا ابنائهُ عليهِ السلام كلُهم فقدهم واحداً بعد الآخر فقد الأبناء لكنّة لم يفقد ثقتهُ وحُسن ظنّهِ بربهِ قد جاء في الأثر " أن يعقوب كلّما ازددتهُ بلاءً ــ حديث قُدسي ــ كلّما ازددتهُ بلاءً ازداد حُسن ظنٍ بي "
وقد قُلنا أن حُسن الظن بالله يُورث حمداً عظيماً أسأل الله أن يجعلني من يُحسن الظن بهِ ويجعل منقلبهُ ومآلهُ إلى خير .
بارك الله فيكُم فضيلة الشيخ حفظكُم الله نتواصل مع المُستمعين الكرام هذا عدد من الفاكسات والتي سنُخصص لها في ختام هذهِ الحلقة للرد عليها لأنها تحوي بعض الآيات ويطلبون تفسيرها أو الشرح عنها إذا أذنتُم لنا لكن أتواصل معك فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في أيضاً المدينة المنورة يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( يا بني ءادم لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يُؤمنون ))(33/12)
هذهِ الآية حافلة بالمعاني والعظات نُريد إلقاء الضوء عليها وتجليتها علمياً أيضاً ووعظياً ونحنُ في هذا الموضوع آياتٌ وعظات ؟؟؟
فلنبدأ بالنداء في الآية قال الله جل وعلا ((يا بني ءادم)) النداء في القرآن يختلف من حالٍ إلى حال
أحياناً يكون نداء عام كقولهِ سُبحانهُ (( يا أيُها الناس أعبدوا ربكُم)) ،
وقد يكون نداءً لتقرير الواقع (( يا أهل الكتاب )) فهم أهلُ كتابٍ فعلاً ،
قد يكون النداء لتنبيهِ والتذكير (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي )) لتنبيهِ على أنهُم أبناءُ نبي ويُنسبُون إلى نبي وهو يعقوب فيُنبههُم ويُذكّرهُم بأن يذكروا النعمة على أبيهِم الذي ينتسبُون إليهِ ،،
قد يكون نداء كرامة وهذا في حق أهل الإيمان (( يا أيُها الذين ءامنوا اتقوا الله )) فهذا نداء كرامة و (( يا أيُها الذين ءامنوا كُتب عليكُم الصيام )) هذا نداء كرامة .
يكون نداء يجتمعُ الناس فيهِ جميعاً نسبتهُم إلى أبيهم وهذا يندرج في نداء الواقع وهو الذي بين أيدينا ((يا بني ءادم)) فنسبنا الله جل وعلا إلى أبينا ءادم و ءادم أبو البشر خلقهُ الله جل وعلا بيدهِ وأعطاهُ خصائص منها :
أنهُ خلقهُ بيدهِ ،، نفخ فيهِ من روحهِ ،، أسجد لهُ ملائكته ،، علّمهُ أسماء كُل شيء هذهِ لم تُعطى لأحدٍ غيرهِ عليهِ الصلاةُ والسلام وقد صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ءادم كان نبياً بل قال عليهِ الصلاةُ والسلام لمّا سُئل أكان ءادم نبيا ؟؟ قال " كان نبياً مُكلّما " أي أن الله جل وعلا كلّمهُ وإن كان التكليم في اصطلاحهِ الشرعي إذا أُطلق ينصرف إلى نبي اللهِ موسى صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
(( يا بني ءادم لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة )) المقصود بالأبوين هُنا ءادم وحواء وهذا يُسمّى عند اللغويين مسألة التغليب والتغليب أيُها المُبارك يكون لهُ أسباب فعندما نقول الأبوان نقصد الأب والأُم في القرآن هُنا المقصود ءادم وحواء .
نعم(33/13)
فقُدّم الأب على الأُم لذكوريهِ لأن الذكر أفضل من الأُنثى كما نقول الحسنان ونقصد الحسن والحُسين في التغليب والتغليبُ هُنا معيارهُ أن الحسن أكبرُ من الحُسين ،، ونقول المكتان ونقصدُ مكة والمدينة وإنما قُلنا المكتين لأن مكة أفضل من المدينة ،، ونقول العُمران ونقصدُ بهما شيخا الإسلام أبا بكر وعُمر رضي الله تعالى عنهُما وإنّما غلّبنا عُمر لأن أبا بكر مُركب تركيب إضافي لا يتأتى تثنيتُهُ وعُمر اسمٌ مُفرد يُمكنُ تثنيتُهُ عُمر مُفرد مفرد يعني لا نقصد أنهُ غير مُثنى ولا جمع لا ، نقصدُ بمفرد هنا أنّهُ غير مُركب وأبو بكر اسم مُركب تركيب إضافي أبو وكلمة بكر وهو الفتى من الإبل على هذا قيل العُمران .
الذي يعنينا هُنا قال الله ((لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))
اختلف الناس وأنت قد أذنت لي بأن أتكلم بما فيها من مسائل علميهِ .
نعم أبداً تفضل على أساس نستفيد حفظكم الله والمُستمع أيضاً.
اختلف الناس في الجنة التي أُخرج منها ءادم ؟؟؟
والصوابُ والحق الذي عليهِ جمهور أهلُ السُنة أنها جنةُ عدن التي وعدنا اللهُ إياها والدليلُ على ذالك الدليل الظاهر على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر " أن الناس يوم القيامة يأتون الجنة فيجدونها مُغلقة فيأتون أباهُم ءادم فيقولون يا أبانا أستفتح لنا الجنة "
وجهُ الشاهد: أن النبي صلى الله عليهِ وسلم أخبر أنّ ءادم يقول وقتها " وهل أخرجكُم من الجنة إلا خطيئة أبيكم " فهذا دليل على أن الجنة التي وُعدنا بدخولها برحمة الله هي جنةُ عدنٍ الني أُخرج منها أبونا ءادم .
نعم
قال آخرون .. إنّ الجنة التي أُخرج منها ءادم هي جنةٌ إمّا في الأرض أو في السماء الدُنيا وليست الجنة المعهودة المعروفة التي انصرف الحديث إليها ولهم حُجج منها :(33/14)
دخول إبليس إليها فقالُ لو كانت جنة عدنٍ لما تمكن إبليس من دخولها وهذا يُمكن أن يُجاب عنهُ بأن إبليس دخلها دخول مذلة فقد ورد وإن كانت هذهِ أثار منقولة عن بني إسرائيل لكنّ هذا ممّا قال عليهِ الصلاة والسلام فيهِ " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " بل أقول على علم أنّ هذا لهُ شواهد قوية صحيح أنّا لا نعلم نصاّ في كتابٍ ولا سُنّة صريح واضح يدلُ عليهِ لكن قولهُ جل وعلا (( اهبطوا منها )) وقولهُ جل وعلا (( وقاسمهُما أني لكُما من الناصحين )) كُلها قرائن على أن إبليس في غالب الأمر دخل الجنة .
يعني أُدخل الجنة مذلةٍ على هيئة في خياشيم الحية كما قيل والعلمُ عند الله .
الذي يعنينا هذا الجواب عن قولهم أن الجنة لن تكون جنة عدن كما قالوا أن ءادم أُخرج منها والجنة الأصل فيها الخلود لكن هذا يُجاب عنهُ :
بأن الخلود فيها إنما يكونُ بعد البعث والنشور .
على العموم نحنُ نقول أنها جنةُ عدن التي وعدنا الله جل وعلا إياها .
الله يقول ((كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما ))
السوءة تُسمّى سوءة وهي العورة لأن الإنسان يسوءهُ أن تظهر عورتهُ لناس فظهورها لناس أمرٌ يسوء .
لكن ثمّة أمر هنا وهو العظة من هذهِ الآية :
أن الشيطان لمّا أراد أن يضُر بالأبوين دخل عليهما من باب نزع الحياء منهما فلمّا أراد منهُما أن ينظُر كُلٌ منهُما إلى عورة الآخر وأن يتحلّلا ويخرُجا من نطاق اللباس والارتداء والستر إبليس فهم من هذا أنهُ إذا وقع منهُما هذا يسهُل عليهِما المعاصي .(33/15)
ومن هُنا نفهم أن أعداء الأُمة اليوم ومن يُنافس الأُمة أو من يُنازعُ الأُمة في أخلاقها بالذات يعمد إلى قضية الحياء فيحُول أن يأتي لناس من باب أنهُم إذا استمرأُ النظر إلى وجوه المومسات استمرأُ النظر إلى قضية المرأة تظهر شبهة عارية في الشاشات هذا يكسر حاجز المعصية صحيح فيهون الأمرُ على الناس فلهُم عُمدة في هذا وهو إبليس ولنا عُمدة أن الله أخبرنا عن هذا (( كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما )) فأولُ خيطٍ بدأ إبليس أن يحُل عُقدتهُ مع الأبوين قضية الحياء .
فإّذا ازدلفنا أيُها المُبارك إلى قضية الحياء فالحياء عند بعض أهل العلم مُقسّم :
منهُم من يقولون حياء الجناية :. وحياءُ الجناية أن تقع من العبد معصية ثم يقع منهُ ندمٌ عليها فيُرثهُ ذالك حياءً من ربهِ ويضربون لهُ مثلا فيقولون ..
أن ءادم عليهِ السلام لم ينظُر إلى السماء حياءً من ربهِ بعد أن أُهبط من الأرض .
وهُناك حياء الإجلال كما وقع لبعض الصحابة لأنهُم كانوا يستحيون النظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهُ قول الشاعر:
أهابُك إجلالاً وما بك بُلغةٌ
علي ولكن ملءٌ عينٍ حبيبُها
هذا النوع الثاني وهو حياء الإجلال .
ومنهُ حياء أن الإنسان أحياناً يستقلُ الأمر مع غيرهِ فيستحي أن يسأل الإنسان شيئاً يسيراً كمن يدخُل على ملكٍ أو أميرٍ أو ذي سُلطان ويستحي أن يسألهُ أمراً هيّن لكنّ هذا الحياء وإن كان محموداً بين الناس أمّا مع ربنا جل وعلا فإنهُ ينبغي على العبد أ، يسأل الله جل وعلا ما قلّ وكثُر لأنّنا جميعاً فُقراء إلى ربنا تبارك وتعالى وقد جاء في الأثر أن الله قال لموسى " يا موسى سلني علف دابتك وملح عجينتك وشسع نعلك " وهذا يدلُ على عظيم فقر العباد أجمعين إلى ربهم تبارك وتعالى .(33/16)
((لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما )) ثم قال الله (( إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم))
المخلوقات التي تعقل ثلاثة :
الإنس والجن والملائكة يجتمع بعضُها مع بعض في أشياء وتختلف في أشياء .
بالنسبة لنا معشر الإنس نحنُ لا نرى الملائكة ولا الجن والجنُ يتفقون معنا في أنّهُم يتناكحون ويتناسلون والملائكة تختلف في أنهّم لا يتناكحون ولا يتناسلون ،،
الجن ّيتفقون معنا أنّنا جميعاً مُكلفين في حين أن الملائكةُ غيرُ غيرُ مُكلفين . وهذا منهُ ينجُم أن الجنّ يروننا ولا نراهم كما أنّنا أيضاً لا نرى الملائكة (( إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يُؤمنون ))
الإنسان إمّا أن يكون وليهِ أولياء من الملائكة إذا كان مُسارعاً في الخيرات ، وإمّا أن يكون لهُ أزٌ من الشياطين أعاذنا الله إذا كان بعيداً مُعرضاً عن ذكر ربهِ تبارك وتعالى . نعم*
بارك فيكم فضيلة الشيخ لا زلنا معكم أحبتنا في الله في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية ونتواصل معكُم من خلال هذا البرنامج وموضوع هذهِ الحلقة آياتٌ وعظات مع فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي بارك الله فيكم لعلّك أستأذنُك في بعض
تفضل
أستأذنُك في استعراض بعض الفاكسات التي وصلتنا أو حقيقة هذي أُختكُم المُحبة صفية تقول يا شيخ صالح حفظك الله ما هو الأفضل حفظ القرآن أم قراءتهُ تلاوةً بتدبُر ؟؟؟
لا تعارُض أيُها الأُخت المُباركة بين الاثنين يُمكن الجمع تضعين أوقات تُراجعين فيها حفظكِ وتضعين أوقات تقرأين فيها بتدبُر ولا يوجدُ مانعٌ بين الأمرين إذا وُفقتي في ترتيب الوقت ولا بُد من الاثنين تقرأين بتدبُر وأن يكون القرآن في صدرك وهذهِ منقبةٌ عظيمة أسأل ألله أن يرزُقكِ إياها .(33/17)
نعم بارك الله فيكم هذي إحدى الأخوات وهي سامية محمد الشهري تطلُب قراءة الفاكس كاملاً لعلي أقتطف منهُ تقول أتمنى قراءة الفاكس تأثير القرآن في نفوس المؤمنين بمعانية لا بأنغامهِ ولا بمن يتلون بهِ أو يتأوهُ بهِ .. إلى أن تقول يا شيخ صالح حفظك الله ورعاك أشكل علي آية في كتاب الله الكريم وهي (( وإنّ منكُم إلا واردُها )) فما التفسير الشافي الكافي لهذهِ الآية ؟؟؟
الحديثُ هنا أيُها الأُخت المُباركة عن الصراط قال الله تعالى في سورة مريم (( وإنّ منكُم إلا واردُها )) يردُ الناسُ النار أي يسيرون على الصراط ودُعاء المُسلمين المؤمنين يومئذٍ وهو دُعاء النبيين " اللهم سلّم سلّم " فيمُر الناس على الصراط بحسب أعمالهم في الدُنيا منهم من يمُر كأجاود الخيل ومنهُم من يمُر كالريح ومنهُم من يمُر كالبرق ومنهُم من يمشي مشيا ومنهُم من يحبوا حبوا هذا هو التفسير الصحيح في قول الله جل وعلا (( وإنّ منكُم إلا واردُها كان على ربك حتماً مقضيا)) لأن الله قال بعد ذالك (( ثم نُنجّي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا)) نعم.
بارك الله فيكم أتواصل معكُم أيضاً ومع الفاكسات أيضاً حفظكُم الله ثم نعود إلى بعض أو بقية محاور هذا البرنامج أخواتكُم في اللهِ فتيات الدعوة أسماء وعزيزة من الزلفي كتبن هذهِ الرسالة :
كان القرآن ولا يزال المُعجزة الباقية الخالدة كما أراد الله سُبحانهُ وتعالى لهُ أن يكون وها هو في كُل عام تظهرُ كنوزهُ ويبدوا على العالم منهُ إعجازهُ فهو المُتجدد الذي لا تُبليهِ الأيام والمُعجز الذي لا يظهرُ عليهِ أحدٌ من الأنام قضى اللهُ بحفظهِ وقيّض لهُ من يجمعهُ في صدرهِ وتعهدهُ الله سُبحانهُ وتعالى وتعهد الناس بتلاوتهِ والتعبُد بهِ فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكُم بمن يُفسّر القرآن وفق هواه . والسلام عليكم ؟؟؟
كتابُ اللهِ جل وعلا مُعجز
جاء النبيُون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيمٍ غير مُنصرم(33/18)
آياتهُ كُلّما طال المدى جُددٌ
يزينهُنّ جلال العتق والقدمِ
الذكرُ آيةُ ربك الكُبرى التي *** فيها لباقٍ المُعجزاتِ فناءُ
ولا يجوزُ لأحدٍ أبداً أن يُفسّر القرآن بهواه من أُعطي حظاً من علم وقُدرةً من آلةٍ علمية وعرف ناسخهُ ومنسوخة وأسباب نزولهِ وأطلّع على لُغة العرب وقرأ أساليب كلامها في شعرها ونثرها وعلم أصول الفقهِ وأدرك كثيراً من الواقع وجمع حظاً من هذهِ العلوم كُلها أصبح مُؤهلاً بعد ذالك إذا رُزق التوفيق أن ينظُر في كلام الله قال علي رضي الله عنهُ لمّا سُئل هل أختصّ النبيُ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ قال " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يُؤتيهِ اللهُ من يشاء في كتابهِ" .
وهذا الفهم هذا مبنيٌ على آلةٍ عُلمية تُؤهل العبد أو الأمة من النظر في كلام اللهِ جل وعلا . نعم**
نعم بارك الله فيكم أمينة الصافي تقول ذكر الله تعالى إسحاق بخصائص وميزات تفوقُ أخاهُ إسماعيل فنرجو توضيح ذالك وذكرت قول الله سُبحانهُ وتعالى : (( واذكُر عبادنا إبراهيم وإسحاق )) وكذالك أيضاً ذكرت قول الله (( واذكُر إسماعيل و اليسع وذا الكفل )) ... إلى آخر الآية ؟؟؟
كُلهُم أنبياءُ الله
الحمدُ لله
وإسماعيلُ وإسحاق ابنان لخليل الله جل وعلا إبراهيم والله جل وعلا ذكر إسماعيل ووصفهُ بأنهُ صادق الوعد وبأنهُ كان عند ربهِ مرضيا ، ووصفهُ بأنهُ كان يأمُر أهلهُ بالصلاةِ والزكاة. وصف إسحاق بأنهُ كان ممّن مُنّ عليهِ بخالصة وهي ذكرى الدار وكُلٌ منهُم ذو فضلٍ في نفسهِ وعلى غيرهِ وهُما نبيان كريمان من أنبياء الله الكرام صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
أمّا إسماعيل فهو جدُ العرب المُستعربة ، وأمّا إسحاق فهو والدٌ ليعقوب وهو جدٌ لبني إسرائيل .
ولا يعني يحسُن النظر بهذا المقياس في ظني إلى أنبياء الله وإن قال الله (( تلك الرُسل فضّلنا بعضهُم على بعض )) لكن يكون النظر بذكر مناقب كُلٌ أحدٍ لوحدهِ لا بالموازنة بينها . نعم **(33/19)
نعم بارك الله فيكم ولكنّني أنا أيضاً أسأل مثلي مثل هؤلاء الأخوة والأخوات يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( النبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم وأزواجهُ أُمهاتُهم )) أولاً لو تحدثتُم عن مُناسبة الآية لما قبلها ولماذا أطلق ولم يُحدد فيما تختصُ بهِ الآية ؟؟؟
هذهِ الآية من سورة الأحزاب (( النبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم وأزواجهُ أُمهاتُهم )) كان الله جل وعلا قد قال قبلها (( ادعُوهم لآبائهِم هو أقسطُ عند الله ))
وفي هذا يُخاطب بهِ أولاً زيدُ ابنُ حارثة رضي الله تعالى عنه الذي كان يُعرف بزيد ابن مُحمد فكأن زيداً قد سُلب شيءً أُعطيهُ من قبل لأن الله جل وعلا نفى قضية الأدعياء التي كانت موجودة قال الله (( ما جعل اللهُ لرجُلٍ من قلبين في جوفهِ )) وبيّن أنهُ لا يجوزُ للأدعياء أن يكونوا أبنائهم على هذا ذالك الشعورُ بنوعٍ من النقص الذي ربُما كان في قلب زيد جاءت آياتٌ عامة للمؤمنين فهذا النبيُ الكريم والرسول الخاتم هو للأُمة كُلها (( النبيُ أولى بالمؤمنين )) والإطلاقُ هنا أن الولاية لهُ صلى الله عليهِ وسلم لا تُحدد بشيء بمعنى أنّهُ لا يوجدُ أحدٌ لديهِ من الحرص بنا والشفقة علينا منه صلى الله عليه وسلم فهو صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ كما نعتهُ ربهُ (( بالمؤمنين رءوفٌ رحيم )) وهو صلى الله علية وسلم الحريصُ على أُمتهِ قال عليهِ الصلاةُ والسلام وقد خرج من المقبرة " وددتُ لو أني رأيتُ إخواني قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك ؟ قال: بل انتُم أصحابي ولكنّ إخواني لم يأتوا بعد وأنا فرطهُم على الحوض قالوا يا رسول الله كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أُمتك؟ قال أرأيتُم لو أن لأحدكُم خيلاً غُراً مُحجلةٍ في خيلٍ دُهمٍ بُهم أكان يعرفُ خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنّ إخواني يأتون يوم القيامةِ غُرٌ مُحجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض "
موضعُ الشاهد منه:(33/20)
ها هو صلى الله عليهِ وسلم وهو حيٌ يُرزق ويخرجُ من المقبرة ومع ذالك كما ترحّم على الموتى تذكّر من سيأتي بعده وهذا تحقيق لقول الله جل وعلا (( النبيُ أولى بالمؤمنين ))
وقد جاء في البُخاري حديث في هذا الباب يُخبر النبي صلى الله علية وسلم أنهُ وليُ كُلُ مؤمن وهذا ممّا يدلُ على كمال رسالتهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ ورفيع منزلتهِ عند ربهِ ومّما يُوجبُ علينا معشر المؤمنين أن نُحبهُ ونُعزّرهُ ونوقرهُ صلواتُ الله وسلامهُ عليه وأن نمتثل لأمرهِ وأن نجتنب نهيهِ ونتبع هديهُ ونلتزم سُنته بهذا تتحقق مسؤولية ولايتهُ صلى الله وسلامهُ عليهِ على الوجه الأكمل .
أمّا قول الله جل وعلا إذا أذنت (( وأزواجهُ أُمهاتهُم )) فهذا الحديث الذي ذُكر في الآية يتحدث عن أُمهات المؤمنين ونحنُ نعلم أن البرنامج المُبارك هذا يسمعهُ الرجال.
جميل وهي فُرصة طيبة للحديث عنها نعم
وهي فرصة طيبة لمُقابلة أخواتنا المؤمنات ــ لأن لا يمكن أن نقول لناس افعلوا ، اتركوا ولا نضعُ قدوة أُمهاتُ المؤمنين نساء اختارهُنّ الله أن يكُنّ أزواجاً لسيد الخلق صلى الله عليهِ وسلم وهُنّ أزواجهُ في الدُنيا وأزواجهُ في الآخرة :.
أولهُن :
خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهذهِ المرأة عظيمةُ الشأن جليلةُ القدر قال صلى الله عليه وسلم من حُبهِ لها تقول عائشة لمّا رأت حُبهُ لها " ما غرتُ على أحد كما غرتُ من خديجة " وقد قالت لهُ مرة ــ أي عائشة ــ " وهل كانت إلا عجوزاً في غابر الأزمان قد أبدلك اللهُ خيراً منها ، قال لا والله ما أبدلني الله خيراً منها لقد ءامنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس " ثم قال " وكان لي منها الولد " وكان صلى الله عليهِ وسلم يُحبها حُباً جمّا ولمّا ماتت دفنها ولم يُصلي عليها لماذا لم يُصلي عليها ؟(33/21)
لأنها ماتت في مكة ولم يكُن يومها إذٍ شُرعت الصلاةُ على الميت ولم يتزوج عليها في حياتها صلى الله علية وسلم فلم يجمع معها غيرها .
ثم من أُمهات المؤمنين الصديقة بنتُ الصديق حبيبةُ حبيب الله عائشة بنتُ أبي بكر رضي اللهُ تعالى عنها و أرضاها وهي البكر الوحيدة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بكرا وهذهِ الصديقة أُبتليت كما هو معلوم بحديث الإفك فبرأها الله جل وعلا من فوق سبع سماوات وهي من أعلم نساء الصحابة بل تفوقُ بعض رجالات الصحابة علماً أخذت عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً جمّاً رضي الله عنها وأرضاها .
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنتُ حُيي ابن أخطل وهي يهودية كانت تحت رجُلٍ من اليهود فلمّا كانت معركةُ خيبر وانتصر صلى الله عليه وسلم وقعت في أسر بعض الصحابة في سبي بعض الصحابة ثم اصطفاها النبيُ صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها مهراً لها صداقاً هذهِ الصحابيةُ الجليلة زوجةُ نبينا صلى الله عليهِ وسلم جاء في الأثر أن النبي وجد على وجهها أثر من ضربة فسألها فأخبرتهُ أنها رأت رُؤيا أن هلالاً يسقُطُ في حجرها فلمّا أخبرت زوجها غضب وصفعها على وجهها فأثرت الصفعةُ على خدها حتى ندبت وقال لها تتزوجين هذا النبي الذي في يثرب فكان الأمر كما قال في تأويل رُؤياه أُسرت سُبيت ثم أعتقها النبيُ صلى الله عليهِ وسلم وجعل عتاقها صداقها وتزوجها صلواتُ الله وسلامهِ عليهِ ولمّا عيّرتها بعضُ أُمهات المُؤمنين بأنها يهودية قال ــ يعني أجيبي من عيّرك ــ قولي " والله أني لبنتُ نبي وعمي نبي وتحتُ نبي " لأنها كانت من ذُرية هارون وعمُّها موسى عليهما الصلاةُ والسلام وهي تحتُ نبينا صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
من أُمهات المُؤمنين رضي الله عنها وأرضاها بنتُ عُمر ابنُ الخطاب رضي اللهُ عنها وأرضاها ومنهُن جُيرية ومنهُنّ زينب بنتُ جحش وغير ذالك مّما لا يخفى .(33/22)
الذي يعنينا الذي نُريد أن نُصلهُ لناس أنّهُنّ هؤلاء الفُضليات يختلفن في مواهبهنّ مثلاً زينب كانت كثيرة الصدقة ، وعائشة رضي الله عنها كانت كثيرة العلم ، و خديجة كانت عظيمة النُصرة لنبينا صلى الله عليهِ وسلم ، صفية أُثر عنها كثرت العبادة رضي الله عنها وأرضاها ..
هذا يدُل على أن المرأة تنظُر القدر الذي تُحسنهُ من أمرٍ ما تعبُدي أو ما ينفعُ الناس فتحاول قدر الإمكان أن تجنح إليهِ والإنسانُ العاقل يُحاول أن يأتي الصنعة أو الأمر الذي يُتقنُهُ ويُحسنُهُ ويغلبُ على ظنّهِ أنهُ ينفع الناس فيهِ .
في زماننا هذا تجدُ المرأةُ المُسلمةُ نوعين من محاولةِ انتقاصها :
إمّا من قومٍ لم يفقهُ الدين باسم التشدُد يُضيقون عليها الخناق حتى لا يُريدونها أن تخرُج من بيتها ولا أن تعبُد ربها على وجهِ أكمل ولا أن تُقدم شيئاً لمُجتمعها بحُجة الخوف عليها وهؤلاء حسُنت نيتهُم لكنّهُم ما فقهُ معنى الشرع .
وآخرون عياذاً بالله إنّما أرادُ أن يجعلوا منها طُعمةً لرجال وأن يُخرجُها عن نطاق الشرع فهؤلاءِ بئس العمل عملهُم نيتاً وفعلا .
لكنّنا نقول إنّ الله جل وعلا دلّ كتابهُ العظيم وسُنةُ نبيهِ صلى الله عليهِ وسلم على أن ّالله جعل للأُنثى خصائص لم يجعلها لرجال فإذا كانت مسيرةُ الأُنثى تتفقُ مع خصائصها كانت مسيرةً موفقه قال اللهُ جل وعلا : (( وليس الذكرُ كالأنثى ))
هذا ما يُمكن قولهُ حول قول الله جل وعلا (( و أزواجهُ أُمهاتهُم )) .
بارك الله فيكُم وأسأل الله سُبحانهُ وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا أتواصل إذا أذنت لي مع المُستمعين الكرام هذا أحدُ الأخوة يقول ما هو تفسير قول الله تعالى (( قال يا نوحُ إنّهُ ليس من أهلك إنهّ عملٌ غيرُ صالح )) ما علاقة ذالك بعدم صلاح بعض الأبناء في وقتنا الحاضر لبعض الصالحين ؟؟؟(33/23)
نعم هذا الكلام عن أحد أبناء نوح ونوح عليهِ الصلاة والسلام شيخُ المُرسلين وأولهُم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وأطولهُم عُمراً وأهلُ التفسيرُ يقولون كان لهُ أبناء حام وسام و يافث وكنعان وعلى قولهم هذا الحديث في الآيات عن كنعان (( قال يا بُني اركب معنا قال سآوي إلى جبلٍ يعصمُني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللهِ إلا من رحم وحال بينهُما الموجُ فكان من المُغرقين وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بُعداً للقوم الظالمين ))
لمّا رست السفينة تذكر نوحٌ ابنهُ أصابتهُ شفقةُ الوالد فأخذ يُناجي ربهُ وهو يعلم أن لهُ عند ربهِ كرامة وهو شيخُ المُرسلين يتلقى الوحي وعبدٌ صالح وعبدٌ شكور بنص القرآن قال الله جل وعلا أنهُ قال (( قال ربِ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحق وأنت أحكمُ الحاكمين )) فالله جل وعلا وعدهُ أن يُنجّي أهله
نعم
فقال الله جل وعلا لهُ ((إنّهُ ليس من أهلك )) لأنهُ خرج بالكُفر.
والذين يُريدون أن يفقهُ القرآن لا يُطبقُ هذا على أبناءهم لأن المعصية غير الكُفر فقول الله جل وعلا ((إنهّ عملٌ غيرُ صالح )) وفي قراءة (( إنّهُ عَملَ غيرُ صالح )) المقصودُ منها الكُفر والكُفر هو الذي تحدُث بهِ المُفارقة والمُفاصلة بين الابن وأبيه فلا يتوارثان أمّا مُجرد المعاصي ولو كانت كبائر التي لا تُخرج من الملة فهذهِ لا تُخرج من الملةِ وبالتالي لا تنطبقُ عليها الآية لكن يحسُنُ أو يجبُ على الآباء السعي في صلاح أبناءهم على الوجه الأتمّ والنحو الأكمل ، فالله جل وعلا خاطب هذا النبي الكريم بقولهِ ((إنّهُ ليس من أهلك )) لأنهُ كفر فغلبت مُفارقةُ الكُفر على بنوة وأُبوة النسب والاختلاف العقدي هو الفيصلُ بين الناس.نعم **(33/24)
بارك الله فيكم وأتواصل معكم أيضاً يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم )) هذهِ الآية لها مُناسبة ولها أيضاً فوائد كثيرة فلعلّكُم شرحتُم المقصُود من هذهِ الآية حفظكم الله ورعاكم ؟؟؟
نعم هذهِ الآية في سورة الأحقاف
نعم
تتكلم عن الجن والجنُ مرّوا على النبي صلى الله عليهِ وسلم وهو يقرأ القرآن فأعجبهُم تلاوتهُ أراد الله بهم خيراً ءامنوا قال الله (( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنِّ يستمعون القرآن فلّما حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قُضي ولّو إلى قومهم مُنذرين قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مُصدقاً لما بين يديهِ يهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مُستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم ويُجركُم من عذابٍ أليم ))
فالآية تتحدث عن مُؤمني الجن جنُ نيصبين الذين وافقوا النبي صلى الله عليهِ وسلم وهو يقرأُ القرآن عند عودتهِ من الطائف إلى مكة.
لكن أيُها الأخُ المُبارك هنا مسألة تُقال أو تُثار في بعض كُتب التفسير وهي مسألة أن الله هنا قال على لسان الجن (( يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم ))
تُلاحظ يا شيخ خالد
نعم
أنهُ لم يقُل تدخلون الجنة على هذا اختلف العُلماء هل مُؤمنو الجن يدخلون الجنة أو لا يدخلون ؟
نعم
بناءً على هذهِ الآية ؟؟
والأقوال فيها :
// قال بعضهُم أنهُم تُغفر لهُم الذنوب ولا يدخلون الجنة وهذا القول وإن قال بهِ بعضُ الفُضلاء إلا أننا نراهُ بعيداً وقد استبعدهُ أيضاً الشيخُ المُفسّر الحافظُ ابنُ كثير رحمةُ الله تعالى عليهِ .
// قال بعضُ العلماء أنهم يدخلون الجنة لكن هُم في ربض الجنة يعني لا يصلون إلى قلبها .
// وقال آخرون أنهُم يدخلون الجنة لكنّهُم يُعاملون بالمثل في الدُنيا نحنُ لا نراهُم وهو يروننا يقول بعضُ العلماء في الجنة يدخلون الجنة ونراهُم ولا يروننا وهذا يحتاجُ إلى دليل ولا أعلم في هذا دليلاً .(33/25)
والصوابُ أنهُم يدخلون الجنة والدليل على أنهُم يدخلون الجنة أن الله قال في آية إمتنان (( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان * فبأي ألاء ربكُما تُكذبان )) ونحنُ مُتفقون على أن المُخاطب بها الجن والإنس .
قال الحافظ ابن كثير كلاماً مفادهُ أنهُ لا يُمكن أن يمُنّ الله جل وعلا عليهم بمقام فضل ثم يحرمهُم إياه في قولهِ جل وعلا (( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان *)) هذا امتنان من العلي الكبير عليهم على الإنس والجن فلا يُمكن أنت الله تبارك وتعالى يُمنيهم ويعدهم إذا خافوا مقامهُ بالجنّة ثم لا يدخلهم إياها وقد أدوا ذالك العمل هذا بعيدٌ جداً .
فنقول إن ّالذي عليهِ جماهيرُ أهلُ العلم أن مُؤمني الجن يدخلون الجنة مثلهُم مثلُ الإنسِ بسواء قال الله جل وعلا (( حورٌ مقصوراتٌ في الخيام * فبأي ألاء ربكُما تُكذبان * لم يطمثهُنّ إنسٌ قبلهُم ولا جان )) فهذهِ دليل ظاهر على أنهُم يدخلون الجنة والعلمُ عند الله تعالى
بارك الله فيكم وفي علمكم أتواصل معكم فضيلة الشيخ صالح المغامسي حفظكم الله هذا يقول " من صلى الفجر أربعين يوماً يُدركُ تكبيرة الإحرام خلف الإمام يُؤمن من النفاق " هل هذا الحديث صحيح وهل هناك حديث شبيهِ بهذا المعنى وما هو فضل صلاة الفجر في جماعة ؟؟؟
صلاةُ الفجر من أوكد الصلوات قال الله قد أفردها (( وقرآن الفجر إنّ قُرآن الفجر كان مشهودا)) أما ممّا ذكرهُ السائل في هذا حديثان :
حديث يقول " من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كُتبت لهُ براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " هذا بعضُ أهل الصناعة الحديثيهِ حسّنهُ .
وحديث من صلى أربعين يوما يعني له كذا يعني نص مُعين يعني مُكافأة مُعينة لكن هذا الحديث ضعّفهُ أكثروا العلماء لا نعلم أحداً حسّنهُ الثاني أما الأول "من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كُتبت لهُ براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " هذا يوجد من العُلماء من حسّنه والعلم عند الله .(33/26)
صلاةُ الفجر يعني كما قُلنا في دروسٍ عدة هي آخرُ صلاة صلاّها النبي صلى الله عليهِ في يوم بدر وآخرُ صلاة صلاّها الصحابة رضي الله عنهم والمؤمنون والنبي صلى الله عليهِ وسلم حيٌ أفردها الله في كتابهِ (( وقرآن الفجر)) " من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبُنكُم الله بشيءٍ في ذمتهِ" إلى غير ذالك من النصوص العظيمة التي تدلُ عليها وعلى أخواتها من الصلوات الخمس .
بارك الله فيكم عفواً هذهِ إحدى الأخوات تقول أنا امرأة مسحورة منذُ ثماني سنوات ولها يعني قصة وفي كربٍ شديد لكن تقول أرجوا الدُعاء لي بظهر الغيب من الشيخ صالح بأن يرفع اللهُ عني هذا المرض ويفُك سحري ويرزُقني الذُرية الصالحة تقول جزاكم الله خير يا شيخ بماذا تنصحوني في مسألة النوم وأنا أرقي نفسي وأُحافظ على الذكر لكن ما زلتُ أُعاني من الألم والمرض والضعف ؟؟؟
إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون كل ما أساء المؤمن فهو مُصيبة ...
أسأل الله الذي في السماء عرشهُ وفي كُل مكانٍ رحمتهُ وسُلطانهُ أن يكشف عنك الضُرّ والبلوى وأقول لك إن كانت والدتُكِ حية فأطلُبي من والدتكِ أن تدعُوا لكي دُعاء الوالدة لهُ شأن ومقام عظيم عند الله جل وعلا فإن كانت الوالدة موجودة فاطلُبي منها أن تدعُوا لكِ كذالك أنتي ادعُ لنفسكِ كثيراً ويُمكن أن تقولي في دُعاءكِ تأخُذين بما ورد تقرأين على نفسكِ آية الكُرسي وخواتيم البقرة وما جاء كما تعلمين أكيد اطلعتي على كثيراً مما يُقال في هذا لكن قولي في دُعائكِ { اللهُم يا ولي نعمتي وملاذي عند كُربتي اجعل هذا الأمر الذي أخافهُ برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم }
أُعيد لكِ الدُعاء إن كُنتِ تكتُبين قولي { اللهُم يا ولي نعمتي وملاذي عند كُربتي اجعل هذا الأمر الذي أخافهُ برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم }(33/27)
إلى غير ذالك ممّا ورد من أدعيةٍ مأثورة أسأل الله أن يكشف عنّا وعنكِ وعن المُسلمين جميعاً الضُرّ والبلوى .
نعم بارك الله فيكم ونحنُ نتواصل معكم ومع المُستمعين الكرام ومع هذهِ الآيات الكريمات المُباركات ونحنُ في رياض القرآن الكريم وفي إذاعة القرآن الكريم على الهواء مُباشرةً أنتقل إلى أحد الإخوة يقول قال الله تعالى (( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرهِ أن تُصيبهُم فتنةٌ أو يُصبهُم عذابٌ أليم )) نريُدّ شرحاً للآية وما هي الفائدة العُظمى عندما يتصبر المُسلم عند المُصيبة ؟؟؟
نعم المقصود بالأمر هنا الإسلام ..
نعم
من حيث الجملة وهديُ النبي صلى الله عليهِ وسلم ولا يُتصور أن مُسلماً يعلمُ هدي النبي صلى الله عليهِ وسلم في شيء ويقعُ في قلبهِ ثبوت ذالك الهدي وتقوم عندهُ الأدلة والبراهين والحُجج على أن هدي النبي صلى الله عليهِ وسلم في هذا الأمر كذا وكذا ثم يصدُ عنه هذا ممّن قال الله فيهم (( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرهِ أن تُصيبهُم فتنةٌ أو يُصبهُم عذابٌ أليم)) وقد قال بعضُ العُلماء أن قضية أو هنا قد تكون فتنة في الدُنيا بصرفهِ عن الدين أو أنهُ قد يُؤخّر لهُ العذاب في الآخرة وليس هناك مجال لإطالة تفسير الآية لكن قضية الصبر على البلاء هو طلب هذا الظاهر .؟
أي نعم
ينبغي الإنسان يُحسن الظنّ بربهِ وبعضُ أهل الفضل يقول إذا وقع في قلب المؤمن اليقين بأنهُ لا يرفع البلوى إلا الله تُرفع إذا وقع في قلب المؤمن اليقين بأنهُ لا يرفع البلوى إلا الله تُرفع عند ذالك تُرفع والعلم عند الله .
وقد لا أجزمُ بهذا القول كُليةً لكن أحياناً الإنسان يُربيهِ الله جل وعلا ويُخلّصهُ من الذنوب بما يبتليهِ بهِ . نعم **
نعم بارك الله فيكم آية أُخرى بعثها أحد الأخوة يقول قال الله تعالى (( يجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء )) ما المقصود بهذهِ الآية وهل الأرض كانت مسكونة من قبل ؟؟؟(33/28)
ظاهرُ القرآن أن الأرض كانت مسكونة من قبل من قِبل الجن وهذا هو ظاهرُ قول الملائكة الذي حكاهُ اللهُ جل وعلا في القرآن (( قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحنُ نُسبح بحمدك ونُقدّسُ لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )) فظاهرُ الآية أن ثمّةَ من كان يسكُنُ الأرض ولمّا كان أبونا ءادم لم يكُن أحدٌ من قبلهِ نُنسب إليهِ دلّ ذالك على أنهُ من غير الإنس فلم يبقى إلا الجن لكن مع ذالك نقول هذا ظاهرُ القرآن ونتأدب ولا نستطيعُ أن نجزم بهِ .
نعم بارك الله فيكم هذي إحدى الأخوات تقول إذا وصل الإنسان بالصبر على عدم الإنجاب وصل بهِ إلى درجة الرضا على قضاء الله وما كتبهُ عليها هل عليهِ ذنب إذا لم يدعُو بذالك أي أني لا أدعُو الله بالذُرية لنني راضية بذالك وأرجوا الثواب في الآخرة ؟؟؟
والله يا أُختي لا أنصحُكِ بعدم الدُعاء كونك تكونين راضية لا يمتنع معهُ الدُعاء فإنّ زكريا عليهِ الصلاةُ والسلام لن نكون لا أنا ولا أنت ولا غيرُنا من أهل عصرنا أفضل منه ولا شك أن زكريا كان راضياً بقضاء الله وقدرهِ ومع ذالك دعا الرضا بقضاء الله وقدرهِ منزلة عظيمة لكنني أنصحُكِ أنت تدعو فإذا دعوتي فالإنسان لا يدري أين الخير أكثري من قول ربنا ءاتنا في الدُنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، قولي ربِ هب لي من لدُنك ذرية طيبة إنك سميعُ الدُعاء ، توسلي إلى الله جل وعلا بأسمائهِ الحُسنى وصفاتهِ العُلا وهذا كُلهُ كما أخبرتُكِ لا يتعارض مع الرضا بقضاء اللهِ جل وعلا وقدرهِ أسأل الله بمنّهِ وكرمهِ وسُلطانهِ العظيم أن يمُنّ عليك بالذُرية الطيبة الصالحة .
بارك الله فيكُم هذي أم عبد الرحمن الفارس أرسلت بهذهِ الرسالة تحمل سبع خطوات من أجل قراءة مؤثرة للقرآن الكريم تقول : أولاً أن يقصد القارىء التدبُر والتفكُر وأن يخشع قلبُه ويهتدي بنور القرآن .(33/29)
ثانياً : تعظيم القرآن باستحضار جلالة قدرهِ وعلوّ منزلتهِ وجزيل إنعام اللهِ على من قرأه .
ثالثاً : الاستعاذة بالله من كيد الشيطان فإنّ الشيطان يسعى لصد القارىء من أمرين :
تدبُر كلام الله والتأثُر بهِ ،،، ثانياً : الانتفاع بالتدبُر والاهتداء بهِ .
رابعاً : الحذر من هجر تدبُر القرآن فإنّ ترك الخشوع في قراءتهِ سبب لقسوة القلب .
خامساً : الترتيل والترسُل في القراءة فتكون همّهُ عرض المعاني على القلب عسى أن يتأثر أو يخشع وليس همّهُ متى يختم القرآن .
سادساً : إطالة النظر في مقصُود الآيات .
سابعاً : أن يفرح بتدبُرهِ فإذا تأثر بآية وأنتفع قلبهُ فلا يتجاوز هذهِ الآية حتى تنطبع معانيها في قلبهِ وينشرح صدرهُ بها .
تعليقكُم بارك الله فيكم ؟؟؟
هذا حسنٌ
جميل
لكنني أقول هذهِ الأشياء النظرية محمودة لكن ينبغي أن يقع في القلب أولاً تعظيمُ الله جل وعلا وتعظيم كلامهِ والبُعد عن الكلفة وما ذكرتهُ الأُخت المُباركة في مُجملهِ حسنٌ ومقبول لكن كما قُلت كم من علمٍ نظريٍ يعني قد يعجزُ الإنسانُ عن تطبيقهِ لكن للأعمال الصالحة والخوف من مقام الله وصلاح السريرة وحُسن الطوية دورٌ عظيم في أن يُتقن العبدُ قراءة كلام اللهِ جل وعلا .
نعم بارك الله فيكم معنا اتصال أو مًداخلة تفضل نعم
أعود مرة ثانية إليكُم ريثما يتم الاتصال أو المُشاركة هذا أحد الأخوة ولكن أتواصل معكم حفظكُم الله ولكن لعلي أستعرض بعض الآيات الكريمات إذا سمح الوقت ونحنُ في ختام هذا الوقت والدقائق معدودة لكن يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( أفلا يتدبرُون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها )) ما المقصُود بالأقفال حفظكُم الله ؟؟؟
هذا استفهام إنكاري ذكره الله جل وعلا في هاذهي الآيات المُباركة (( أفلا يتدبرُون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها ))(33/30)
الجهل بالله يحجب عن تدبُر القرآن ، سوءُ النية يحجب عن تدبُر القرآن ، ظُلمُ الناس يحجب عن تدبُر القرآن ، يكون الإنسان يجعل من القرآن زاداً دُنيوياً محضا هذا يحجب عن تدبُر القرآن .
تدبُر القرآن منزلة رفيعة يُؤتاها من وفقه الله جل وعلا وفطر قلبهُ على خوف الله جل وعلا وعلم يقيناً أن هذا كلام ربهِ يقول اللهُ جل وعلا (( قُل ءامنوا بهِ أولا لا تُؤمنوا إنّ الذين أُوتوا العلم من قبلهِ إذا يُتلى عليهِم يخرّون للأذقانِ سُجدا * ويقولون سُبحان ربنا إن كان وعدُ ربنا لمفعولا * ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهُم خشوعا ))
تدبُر القرآن الحق ليست قضايا حقائق اللُغة وأسرار البلاغة لكن تدبُر القرآن الحق أن يُورث عملاً أن يُورث قلباً خاشعاً وعيناً دامعة وكبداً رطبة يعرفُ بذالك كُلهِ العبد أين مواطن رضوان الله فيسعى إليها ويعلم منها أي مواطن غضب الله جل وعلا فيفرّ منها فلا يُحبُ أن يراهُ الله حيث نهاه ولا أن يفقدهُ الله جل وعلا حيث أمره إذا وقع هذا من العبد يكون هناك تدبرٌ عظيمٌ لكلام الرب جل وعلا أو فلنقُل قد أحسن هذا العبدُ تدبُر القرآن . نعم **
نعم بارك الله فيكم هذي أم عبد العزيز من جدة حفظكم الله تقول لقد ذكر بعضُ أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى المقامات وجُمع لهُ أعظم صفات الأنبياء من قبلهِ تسأل تقول أرجوا فضيلتكُم تكرُماً منكُم وإحساناً لنا أن تذكرُوا لنا أشرف المقامات التي ذُكر لرسول الله صلى الله عليهِ وسلم أو ذُكر في القرآن الكريم ومنها مثلاً مقام العبودية في سورة الإسراء ومقام التحدي ومقام التنزيل بارك الله فيكم ؟؟؟(33/31)
النبيُ صلى الله عليه وسلم خاتم الرُسل وأفضلُ الأنبياء قال عليه الصلاةُ والسلام " ما من نبيٍ يومئذٍ ءادم فمن سواه إلا وهو تحت لوائي " أعظمُ مقامٍ أعطاهُ اللهُ جل وعلا إياه هو المقام المحمود وقد أشار الله إليهِ في سورة الإسراء بقولهِ (( ومن الليل فتهجد بهِ نافلة لك عسى أن يبعثكُ ربُك مقاماً محمودا ))
هذا أعظمُ المقامات وهي الوسيلة قال عليهِ الصلاةُ والسلام " فهي درجةٌ لا ينبغي أن تكون إلا لعبدِ صالح وأرجوا أنا أن أكون أنا هو "
من دلائل إكرام اللهِ جل وعلا لنبيهِ قول الله جل وعلا (( وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقُ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو أتنا بعذاب أليم )) قال اللهُ جل وعلا يُبيّن مقام نبيهِ عنده (( وما كان الله ليُعذبهُم وأنت فيهم )) وعلى القول بأنهُ أقسم بهِ جل وعلا فهذا مقام رفيع لهُ صلى الله عليه وسلم قال الله في سورة الحجر (( لعمرُك إنّهُم في سكرتهِم يعمهُون )) كما أ، من دلائل اصطفائه جل وعلا أقسم بالأرض التي يطأُها نبيهُ فقال جل وعلا (( لا أُقسمُ بهذا البلد * وأنت حلٌ بهذا البلد )) على وجهِ من أوجه التفسير في معنى كلمة حل .
هذهِ بعضُ المقامات التي أعطاهُ الله جل وعلا نبيهُ الكريم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وهو أعلى الأنبياء درجة وأرفعهُم منزلة صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ.
أحيانا الله في الدُنيا على سُنتهِ و أماتنا الله على ملتهِ ونسأل الله أن يحشًُرنا يوم القيامة في زُمرتهِ ...
بارك الله فيكُم فضيلة الشيخ صالح ونحنُ في ختام هذهِ الحلقة عن ماذا تود أن تختم هذهِ الحلقة وهذا الموضع المُهم حقيقةً ؟؟؟(33/32)
نُريد أن نختم بالوصية لأنفُسنا ولغيرنا بتقوى الله فإنّ تقوى الله جل وعلا الزادُ الذي بهِ يسود المُؤمن في أمر دُنياه وأخرتهِ وصّى اللهُ بها خلقهُ أجمعين بلا استثناء (( ولقد وصينا الذين أُتوا الكتاب من قبلكُم وإياكُم أن اتقوا الله )) تكفل الله لأهل تقواه بالأمن ممّا يخافون وبالنجاة ممّا يحذرون وبالرزق من حيث لا يحتسبون (( ومن يتقِ الله يجعل لهُ مخرجا ويرزقهُ من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبُهُ إنّ الله بالغُ أمرهِ قد جعل اللهُ لكُل شيءٍ قدرا ))
نسأل الله جل وعلا أن يرزُقنا وإياكم التقوى وأن يُوفقنا وإياكم لما يُحبُ ويرضى ..
عفواً هذا اتصال ثم نعود نُختم الحلقة تفضل يا أبو أحمد
السلامُ عليكم ورحمة الله
عليكم السلام
أُحييكم وأُحيي فضيلة الشيخ صالح أنا اسمي أحمد أتمنى لكم التوفيق وأدعو لكُم بالتسديد والحقيقة إذا سمحت لي في نصف دقيقة أن يعني أحمد إلى الشيخ صنيعهُ في التفسير لكن سيما أنا أذكُر كلمة للحسن أنا أود من السيخ أن يُعلق عليها الحسن البصري
نعم
لمّا قال إنّ الله أنزل كتابهُ ليُعمل بهِ فاتخذ الناس تلاوتهُ عملا صار مُجرد التلاوة عند كثيرين هو العمل دون تدبُرهُ أو تأمُل في المعنى يعني لمّا نسمع للشيخ وكلامه في تفسير سورة يوسف والمعاني الجميلة التي أثارها وكان الأستاذ خالد يُثيرها معهُ تجعل الإنسان فعلاً يقف عند معاني وآثار عظيمة أنا أدعو لمثل هذا مثلاً حتى في كُل السور التي نُكررُها سورة الكهف التي نقرأُها كُل جُمعة ما هي الدروس والفوائد ولماذا
شكراً(33/33)
السؤال الأخير لفضيلة الشيخ لماذا لا يُوجد كثير من أهل العلم والفضل والذي هُم ذا قُدرة وبلادنا وبلاد المُسلمين تزخرُ بهم ممّن يُحاول أن يُفهم الناس القرآن ليُلامس جرُحهم فيُداويها ويأتي إلى هُمومهِم ويُخففها ويأتي إلى مثلاً سلواهُم فيزيدهُم سعادة وغير ذالك من المعاني التي يحملُها كتابُ الله في دفع الظُلم مثلاً في محبة الخير في نشر الفضيلة أتمنى لكم التوفيق وأُشير وأشدُ على أيديكُم وأدعو لكُم من خالص قلبي الحقيقة بالتوفيق ولفضيلة الشيخ صالح الذي نُشهدُ الله على الهوا أننا نُحبهُ اسأل الله أن يجمعنا وإياها على خير وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهُ
شكر الله لك يا شيخ أحمد شُكراً جزيلاً والله إنّنا إن قيل للإنسان شيء من الفراسة فإنّا لا نُزكيك على الله لكن والله نحسبُك أنك صادقاً فاهماً مُدركاً لما تقول وهذهِ منزلة عظيمة رزقنا الله وإياك إياها وثبّتنا الله وإياك عليها وما دعوتُم إليهِ أيُها الشيخُ المُبارك الفاضل هو الذي يجبُ أن نحمل جميعاً همّهُ يجب أن يفيء الناس إلى القرآن يجب أن يفيء الناس إلى العمل بالقرآن وما نقلتهُ بارك اللهُ فيك عن التابعي الجليل الحسن البصري هي كلمةٌ عظيمةٌ جليلة من رجُلٍ معروف بالصدق والصلاح فيما نُقل عنه رحمةُ الله تعالى عليهِ وهو أبي سعيد الحسن البصري .(33/34)
الذي يعنينا أنه ينبغي أن يفقه الناسُ القرآن ويعملوا بهِ ويعلموا أنهُ لا نجاة للأُمة إلا بكتاب الله وسُنة نبيها صلى الله عليهِ وسلم لكنّهُ إذا وقف الناس فقط عند تلاوتهِ وإتقان قرأتهِ وتنافسوا في ذالك فقط وظنُوا أن ذالك هو المُنتهى فلم يفقهُوا شيئاً فكلامُ الله جل وعلا أو كتابهُ ما أُنزل لنضعهُ في مؤخرة السيارات أو على مكاتبنا أو خلف كراسينا إذا أُلتُقطت لأحدنا صورة أو ما أشبه ذالك كلامُ الله يجب أن يستوطنُ القلوب يجب أن يُعمل بهِ يجب أن يكون هو الحاكمُ على أمرنا كُلهِ وهو المُسيّرُ لنا وما السُنةُ إلا في آيةٍ واحدة قال الله جل وعلا (( وما أتاكُم الرسول فخذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهوا )) لكن لا يُمكن أن يُفقه الكتاب من غير السُنة فهُم مُتلازمانِ تلازُماً تاما " تركتُ فيكُم ما أن تمسكتُم بهِ لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسُنة نبيهِ " كما قال صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
رزقنا اللهُ وإياك والمُسلمين العلم النافع والعمل الصالح .
بارك الله فيكم يا شيخ صالح وأسأل الله سُبحانهُ وتعالى أن ينفع بكُم وأن يجعل ذالك في موازين حسناتكُم ...
أمين
بودي أن يطول اللقاء ولكن يبدوا أنك على موعد بعد مغرب هذا اليوم بمشيئة الله تعالى في جامع الحسن بن علي في البديعة في مدينة الرياض أسأل الله سُبحانه وتعالى أ يُسدد الخُطى وأن يجعل ذالك عملاً مُباركاً إنهُ على كُل شيءٍ قدير...
اللهم آمين
أيُها الأخوة والأخوات إلى هُنا ونأتي إلى ختام هذهِ الحلقة من برنامج معكم على الهوا آياتٌ وعظات ضيف الحلقة فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة(33/35)
جزا اللهُ الشيخ خير الجزاء وجعل ذالك في موازين حسناتهِ كما نسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بما سمعنا وأن يُبارك لنا في القرآن والسُنة وبما فيهما من الآيات والحكمة وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء هُمومنا وذهاب أحزاننا إنهُ على كُل شيءٍ قدير
اللهم آمين(33/36)
تأملات في سورة يونس (1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره،واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.أمابعد ....فهذا واحد من اللقاءات المتجدده مع كتاب ربنا جل وعلى وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي ماأردنا أن نعلق عليه من سورة التوبة ونشرع اليوم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة يونس واختيار بعض الآيات منها للتعليق عليها كما جرت العادة وقبل أن شرع فيها نستذكر بعضاً مما ذكرناه في سورة التوبة وقد بينا أن الله جل وعلا قال فيها (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله....)وقلنا إن إنما/أداة من أدوات الحصر وقلنا إن الله جل وعلا هنا جعل الزكاة الشرعية منصرفة إلى ثمانية أقسام عدَّى في بعضها باللام وعدَّى في بعضها بفي والفرق بالتعدية باللام والتعديه بفي أن اللام تقتضي التمليك أما في فلا تقتضي التمليك وحتى تظهر المسألة لوأن إنسانا أراد أن يخرج زكاة ماله فأراد أن يعطي فقيرا فإنه يلزمه شرعا أن يسلم الفقير المال بنفسه يعني يصل المال إلى الفقير بأي واسطة كانت فلابد أن يملكه الفقير حتى تصبح هذه الزكاة وصلت وهذا مقتضى قول الرب جل وعلا(إنما الصدقات للفقراء.....)أما التعديه بفي فلا يلزم أن يقبضها من صرفت له بنفسه فمثلا لو وجد مجاهدون متطوعون كما في الزمن القديم مثلا فأراد إنسانا أن يزكي فاشترى بزكاة ماله فرسا فوضع الفرس في حظيره تعطى للمجاهدين هذا يكفي لايلزم تسليمها إلى مجاهد بعينه هذا الفرق بين الأمرين وقلنا اختلاف العلماء في قوله جل وعلا(وابن السبيل)ورجحنا أنه المجاهد المتطوع في أصح(34/1)
أقوال العلماء وللعلماء في ذلك كما قلنا أقوالا عدة وتكلمنا عن مسجد الضرار وقلنا إن الله يقول(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون)وقلنا إن المكان المعتبر في الشيء أصل تأسيسه.فالمسجد هذا رغم أنه بني مسجدا لكن لما أسس لغير الغاية المنشودة من المساجد أسس ضرارا وكفرا لم ينفعه أنه مسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه واحراقه ولايقال أن تغير نيته فلو كان كذلك لبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو غيرهما من وجهاء الصحابه وأقاموا فيه الصلوات وغيروا الطريق التي من أجلها أنشيء لكن ماأنشيء على باطل يبقى منشأ على باطل وماأنشيء على حق يبقى منشأ على حق ولو دخله بعض.(لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين)وقلنا إن الصحيح إن المقصود هنا/مسجد قباء(من أول يوم)أي أول يوم في الهجرة وليس معنا أول مسجد أسس في العالمين فإن أول مسجد أسس في العالمين هو المسجد الحرام لكن أول مسجد أسس في الإسلام هو مسجد قباء من الفوائد اللغويه إن الله قال(لاتقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه)بعدها (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)وهذه كلمتان متشابهتان لم يفصل بينهما فاصل (فيه)بعدها مباشره(فيه رجال يحبون أن يتطهروا)هذه إحدى الفوائد اللغويه في القرآن ومثلها قول الله في الأنعام(وقالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ماأوتي رسل الله)بعدها (الله أعلم حيث يجعل رسالته...)فجاء لفظ الجلاله لايفصل بينهما بفاصل إلا المعنى فتقف عند قول الله جل وعلا (وقالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ماأوتي رسل الله)بعدها تقف وتقول (الله أعلم حيث يجعل رسالته) هذه كفائده(34/2)
الفائدة الثانية:جاءت ثلاث هاءات في القرآن متواليه.لايفصل بينهما فاصل وهي قول الله جل وعلا(أريت من اتخذ إلهه هواه)فإلهه مختومه هاءين والكلمه التي بعدها مبدوءة بهاء.فأصبحت ثلاث هاءات متواليه.هذه كفوائد تعينك وتحفز همتك على تدبر كلام الله وتدبر كلام الله أيا كان فهو نافع.لأن الإنسان لابد أن يشغل نفسه بحق أو بباطل حتى لو ذهنيا يفكر فلإن تنقضي الأعمار في التفكر في كتاب الوحد القهار خير من أن تنقضي في شيء آخر أيا كان وهذا سر أن علم القرآن أشرف العلوم هذا ماتكلمنا عنه في الأسبوع الماضي اليوم نتكلم عن سورة يونس وسورة يونس عدد آياتها فوق المائة وكنا قدمنا في الدرس الأول أو الثاني من هذه اللقاءات أن العلماء يقسمون القرآن جملة كسور إلى أربعة أقسام:ــ
1/ يسمى السبع الطوال..
2/ يسمى المئون جمع مائه..
3/ المثاني...
4/ يسمى المفصل ويقال له/ المحكم..(34/3)
هذا التقسيم السبع الطوال والمئون وإذا نصبت أو جرت تقول: المئين والمثاني والمفصل هذه الأربع العلاقه بينها وبين سورة يونس أن سورة يونس عند قوم من العلماء من السبع الطوال وعند ءاخرين: من المئين فسورة يونس لا تنفك إما من المئين وإما من السبع الطوال ومرد هذا الإختلاف نحن قلنا في دروس سابقه أن السبع الطوال هي: البقره، آل عمران، النساء، المائده،الأنعام، الأعراف..هذه الست متفق عليها على أنها من السبع الطوال بقينا في السابعه من العلماء من يرى أن التوبة والأنفال سورة واحده كما مر معنا فهذا يجعل التوبة والأنفال هي السابعه وعلى هذا يكون عدد سور المصحف بهذا الترتيب مائه وثلاثه عشر ومن لا يرى أن التوبة والأنفال سورة واحده وهذا هو الذي عليه الجمهور يجعل السابعه من السبع الطوال يجعلها يونس فيقفز التوبه ويقفز الأنفال هذه السبع الطوال قلنا بعد الطوال يأتي المئون..المئون عند العلماء ما جاوزت أو قاربت المائة آيه ومن طرائق العلم أن الإنسان نقول مرارا لا بد أن يفهم تصور عام للعلم الذي يريد أن يدخل فيه أما الإكتفاء بالجزئيات لا يمكن أن يبني علما فلا بد أن تتصور المسأله عموما ثم حتى الجهل بالجزئيات لا يضر لكن إذا كان الإنسان يفقهه الجزئيات ويجهل الكليات هذا ليس بعلم، العلم أن تفهم الأمور بكلياتها مثلا رجل غريب من غير السعوديه فتريد أن تصف له مثلامسجد نفرض المسجد الذي على الطريق يسمى جامع النزاوي نفرض تريد أن تصف له تقول له عند دوار القبلتين مثال هو أولاً هذا ليس بجواب أول شيء تقول له في السعوديه ثم تقول له في المدينه ثم تقول له في الجهه الغربيه من المدينه ثم تقول له عند دوار القبلتين فلا تبدأ بالجزئيات. الجزئيات لا تقدم علما فإذا أردت أن تعرف كلام الله يجب أن تعرف أولا أنه مائة وأربعةعشرسورة وأنه مقسم إلى أربعة أقسام من حيث جمع السور بعضها إلى بعض وأنه مقسم من حيث النزول إلى مكي ومدني ومقسم من(34/4)
حيث الحكم إلى ناسخ ومنسوخ ومقسم من حيث الإيمان إلى محكم ومتشابه ومقسم من حيث الجمله إلى عام وخاص إذا فهمت هذا تفهم القرآن أما أن يدخل الإنسان من جزئيات لن يفقه شيئا في دين الله هذه معلومات تقال في كتب مسابقات ثقافيه يجيب عليها إنسان يقرأ ورقة تقويم يستفيد معلومه يدخل مسابقة يأتي السؤال الذي قرأه في التقويم فيجيب فيقول الناس فلان عالم أو هذا مثقف هذا ليس بعلم العلم الشرعي الذي يتصدر به الإنسان للناس ينبغي أن يكون مؤصلا بهذه الطريقه فقلنا إن القرآن يقسم إلى السبع الطوال وذكرناها ثم المئين ثم يقسم إلى المثاني فيأتي السؤال المئين عرفنا لماذا مئين لأنها تصل المائه والطوال لماذا طوال؟ لطولها بقينا في المثاني / معنى ثنى الشيء كرره إذن تسمى المثاني بالمثاني لأنها تقرأ في الصلوات أكثر من غيرها هذا القسم الثالث .والقسم الرابع المفصل وقد بينا اختلاف العلماء في بداية المفصل قيل من" ق" وقيل من "الحجرات "الذي يعنينا أن المفصل سمي بالمفصل لأنه كثيرا مايفصل فيه مابين سوره بقول(بسم الله الرحمن الرحيم) جاء في مسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس بسند صحيح أن المفصل يسمى المحكم ويسمى المفصل بالمحكم لأنه لا يدخله النسخ كثيرا لأنه مسائل عقديه لاتقبل النسخ.النسخ يأتي في الأحكام والأحكام في السور المدنية في البقرة في أمثالها في الأعراف في الأنعام يأتي النسخ أما أحكام العقائد أن الله جل وعلا واحد وأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول واليوم الآخر بعث هذا لايقبل النسخ يسمى محكم أو يسمى مفصل أتينا الآن إلى سورة يونس قلنا إن العلماء يتراوح قولهم مابين أنها من السبع الطوال أو من المئين وهي بحسب ترتيب المصحف لابحسب النزول أول سورة في القرآن سميت باسم نبي. والقرآن بالنسبه للأعيان ورد فيه أسماء سور بأسماء أنبياء وسور للقرآن بأسماء قوم صالحين لم تثبت نبوتهم فما ورد بأنه أسماء أنبياء أول سورة يونس وتعقبها مباشرة(34/5)
سورتان هود ويوسف أصبحت ثلاثة طبعا لاأحد يقول" طه" ولا"يس" لاختلاف العلماء في( طه ويس ) ثم بعدها "إبراهيم" وهو الرابع بقيت اثنتان "محمد" صلى الله عليه وسلم ولها اسم ثان هي" سورة القتال" وسورة "نوح" إذن أسماء الأنبياء التي أطلقت على السورست ثم جاءت سور باسماء قوم صالحين لم تثبت نبوتهم مثل أول سورة" آل عمران" فإنهم قوم صالحين بالإتفاق(إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران ...)وسورة "مريم "بعدها بعده سور سورة "لقمان"فمريم ولقمان وآل عمران هؤلاء قوم صالحون ليسوابأنبياء اللهم أن يقال إن من آل عمران عيسى ممكن لكن إذا قلنا بالجمله فإنهم قوم صالحون هذه سورةيونس مما يتعلق بالسورة أنها اسم للنبي اشتهرت قصته ولايوجد داع لقول قصة يونس لأنها معروفه ونحن نتكلم هنا في درس علمي لافي درس وعظي لكنها سميت بهذا الاسم لأن الله ذكر اسم هذا النبي فيها فقال (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلاقوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)قلنا في دروس سبقت إن سنن الله لا تتبدل ولاتتغير فإذا استثنى الله شيئا ينبه على أنه خارجا عن سنته فإذا خرج الشيء عن سنة الله التي جرت في الخلق لا يجوز لأحد أن يستشهد بها من الدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في أصح قولي العلماء حارب وقاتل ومكة سنة الله في خلقه أنها محرمة فقال صلى الله عليه وسلم يرد هذا الباب يردم هذه الفجوه قال:" إن الله حرم القتال فيها فإن احتج أحد "هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم"بقتالي فيها فقولوا... أي قولوا له:" إن الله أحلها لنبيه ساعة من نهار ولم يحلها لك .هذا دلاله على أن السنه لايستشهد بها قلنا مراراأن الإيمان .
1/إيمان اضطراري.
2/إيمان اختياري.
وقلنا إن الله لايقبل الإيمان الإضطراري أبدا والإيمان الإضطراري له حالتان .(34/6)
الحالة الأولى :ـ عامه لم تأتي وهي طلوع الشمس من مغربها .والدليل عليه قول الله تعالى (يوم يأتي بعض ءايات ربك لاينفع نفسا)مفعول به مقدم(إيمانها)فاعل يعني لاينفع الإيمان النفس .
والحاله الثانيه:ـ إذا حق العذاب ونزل فلا يقبل كما قال فرعون (ءامنت أنه لاإله إلا الذي ءامنت به بنواسرائيل وأنا من المسلمين)ومع ذلك لم يقبل الله منه إيمانه هذه الحاله العامه السنه الكونيه العامه أخرج الله منها قوم يونس لحكم أخفاها الله لكن أثبتها أثبت الواقعه قال الله (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها )أي معنى الآيه إذا آمنت قريه وقت حقوق العذاب لايقبل (لولا كانت قرية)يعني لايوجد قرية ءامنت فنفعها إيمانها ثم سمى ربنا فقال(إلاقوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )ولهذا اختلف العلماء هل إيمانها هذا يقبل في الآخره أولايقبل والصواب إن شاء الله أنه يقبل مادام الله أكرمهم في الدنيا سيكرمهم في الآخره وقلنا إن يونس أحد أنبياء الله من بني اسرئيل ولاحاجة للإخبار عن قصته لإشتهارها نأتي الآن إلى هذه السورة قلنا إنها أول سورة بدأت باسم نبي كما أنها أول سورة ذكر فيها الحلف الذي أمر الله به نبيه أن يحلف وقد أمر الله نبيه أن يحلف في ثلاثة مواضع في القرآن على شيء واحد وهو تحقيق البعث وهذا فيه دلاله على من قال إن كثرة الحلف ليست بقادح يعني بعض الناس يقول كثرة الحلف لاتصلح لكن هذا فيه رد قالوا إن الله أمر نبيه أن يحلف ثلاثة مرات أول مرة في سورة يونس (ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين)هذا في يونس والثانيه في سبأ(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب...) والثالثه في التغابن (زعم الذين كفروا ألن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن)وكل القسم جاء بكلمه (وربي)إلاأنه في يونس قال الله (قل إي وربي)هذه (إي) عند النحويين حرف جواب بمعنى نعم إلا أن(34/7)
النحويين يقولون إنها لايؤتى بها إلا إذا جاء بعدها قسم معنى الكلام أنك لوأردت أن تقول إي فقلتها فلابد أن تلحقها بقسم هذا مايتعلق عن السورة اجمالا ثم نختار كالعاده آيات منها الآيه الأولى قوله جل وعلا (وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم...)الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والبشاره أمر معروف لكن العلماء رحمهم الله اختلفوا في معنى قوله جل وعلا(قدم صدق عند ربهم)على أقوال كل يعضدها دليل قال بعض العلماء:" قدم الصدق":ـ المقصود به الجنه يعني المكان والمدخل أو المقام وحجة هؤلاء قول الله جل وعلا (وقل ربي أدخلني مدخل صدق..)فقالوا إن المدخل والقدم كلها بمعنى واحد والمقصود بالآيه هنا الجنة وهذا يظهر أنه بعيد .الأمر الثاني قالوا:ـ إن المقصود بها شفيع قبلهم وهذا الشفيع هو الذي يجعل هؤلاء المؤمنين يتكئون على شيء قبل أن يصلوا إلى ربهم وهؤلاء قالوا إن المقصود به شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم واحتجوا بما جاء في السنه الصحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال(أنافرطكم على الحوض)ومعنى فرطكم أي سابقكم إلى الحوض هذه حجة من قال أن القدم هنا الشفيع وبعضهم أبعد قليلا وهوقول الحسن البصري رحمه الله أبوسعيد الإمام المعروف قال إن "قدم الصدق" وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وجه الدلاله عنده أن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مصيبه وصبر المؤمنين على هذه المصيبه هي قدم صدق عند الرب هذا القول الثاني وتفرع عنه قول الحسن البصري كما بينا القول الثالث:ـ أن قدم الصدق المعنى ماكتب الله في الأزل في القدم أن هؤلاء كتب الله لهم الجنه من قبل وهؤلاء حجتهم آية الأنبياء (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون)فقول الله جل وعلا (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى)دليل على أن الحسنى سبقت لهم من قبل فقالوا إن معنى قول ربنا جل وعلا (وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدق)أن المقصود بها ماكتبه الله جل وعلا في الأزل من أن لهم الجنه(34/8)
وهذا قوله قول قوي جدا القول الرابع: أن المقصود بقدم الصدق:ـ العمل الصالح وهذا هو قول مقاتل بن سليمان أحد أعظم المفسرين واختاره الإمام الطبري رحمه الله وحجة هؤلاء أنه جاء في كلام العرب أن العرب تكني عن النعمه باليد تقول فلان له علي يد يعني له علي نعمه وتقول عن الثناء الحسن تكني عنه باللسان جاء في القرآن(واجعلي لسان صدق في الآخرين)معنى لسان صدق يعني ثناء حسنا في الآخرين وتكني بالقدم عن السعي وهذا ثابت عندهم وفيه أشعار لهم كقول حسان : إليك قَََََََدمُنا وخَلْفُنا لأوَلِنا تابِع ....(34/9)
فالمقصود منها أن السعي هو القدم لكن لما قال قدم صدق أصبح السعي بالعمل ..بالعمل الصالح وهو الذي يظهر والله تعالى أعلم لكن قلنا إنك لست ملزما بقول من يملي عليك فما تختاره لك فيه إمام سابق هذه الآيه الأولى ثم قال سبحانه وتعالى لما ذكر أهل الجنه قال (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) دعواهم هنا بمعنى دعاؤهم لكن يأتي الإشكال من جهتين الإشكال الأول :ـ أن الجنه بالإتفاق ليس فيها تكليف ليس فيها عمل فكيف يقال (دعواهم فيها)هذا أجابت عنه السنة أنهم يلهمون التسبيح كما يلهم أحدكم النفس الآن صوره طبيعه الإنسان يتنفس بصورة طبيعيه يلهم إلهام صوره طبيعيه مافيه أحد يتكلف النفس هذا شيء يقع بصورة طبيعيه من الله فأهل الجنة يلهمون التسبيح من غير كلفه كما يلهم أحدنا النفس لكن قال بعض العلماء وهذا لادليل عليه لكنه موجود قالوا إنهم إذا اشتهوا شيئا يقولون سبحانك الله فيأتيهم مايشتهيه وهذا غير بعيد لكن لا نملك دليلا على صحته أورده وقلنا إن الغيب لايتكلم فيه إلابنص ظاهر، هذا اشكال بسيط .الإشكال الثاني:ـ عندما نقول الآن سبحانك اللهم هل أنت طلبت شيء ومع ذلك سماه الله جل وعلا دعاء نأتي إلى مسألة تقع في رمضان سنوياً وهو أن الإمام إذا أثنى على الله مثلا نصلي وراء مشايخنا حفظهم الله الشيخ الحذيفي وإخوانه من الأئمه يدعون..(اللهم اهدنا فيمن هديت) إلى أن يقول الإمام (اللهم إنه لايعز من عاديت ولا يذل من واليت)أو يقول "ربا وجهك أكرم الوجوه "أو يثني على الله فيقول من في الحرم سبحانك...وقد قلنا مرارا في هذا المسجد وفي غيره إن هذا القول لايوجد أي دليل عليه لأن الثناء على الله نوع من الدعاء وإذا دعاالإمام فإن موقف المأموم واحد من اثنين إما أن يسكت وإما أن يؤمن ولايوجد شيء في الدعاء أن يقول الإمام شيئا ويقول المأموم سبحانك لايوجد في السنة فيما نعلم ولافي القرآن دليل على(34/10)
أن الإمام إذا قال شيئا يقول المأموم سبحانك.المأموم حاله مع إمامه واحد من اثنين إما أن يؤمن وإما أن يسكت أما قول سبحانك أوحقا أونشهد كما يقول بعض إخواننا المصريين فهذا لايوجد عليه دليل من أدلتنا عموما على أن الدعاء يأتي بمعنى الثناء هذه الآية فإن الله قال(دعواهم فيها)أي دعاؤهم فيها سبحانك اللهم وهذا ليس فيه طلب ومن السنه كثير منها أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا عند حلول الكرب بهذه الكلمات (لا إله إلا الله العظيم الحليم لاإله إلا الله رب العرش العظيم لاإله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم)وليس في هذه طلب فلا يلزم من الدعاء أن يكون طلبا بل إن من الطلب أن تثني على الله وأنت أمثل حتى مع العامه الآن تخرج من المسجد تقابل رجل يشحذ حتى هؤلاء الشحاذين يختلفون فيأتي إنسان يقول أنامسكين يريد ريال فيه آخر يقول أعطني ريال فيه آخر أعطني لله لايسمي فيه آخر يقول لك أنت أنت رجل كريم أنت طيب مامعنى أنت طيب ،أنت كريم،أعطني فالثناء نوع من الدعاء وممايدل عليه من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي (خيرالدعاء دعاء يوم عرفه وخير ماقلت أنا والنبيون من قبلي -الآن يتكلم عن الدعاء- قال:(لاإله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)هذا مدح وثناء على الله فسماه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء.الثالث ماثبت بعدة طرق عند النسائي وعند أحمد أن سعدا بن أبي وقاص رضي الله عنه مر على عثمان بن عفان فلما مر سلم فلما سلم نظر إليه عثمان وملأ عينيه منه يعني نظر عثمان في سعد وحدق فيه النظر ولم يرد السلام فذهب سعد إلى عمر رضي الله عنه فقال ياأمير المؤمنين هل حدث في الإسلام شيء قال لا لماذا تسأل قال إنني مررت على عثمان فسلمت عليه فملأ عينيه مني ولم يرد السلام فبعث عمر إلى عثمان واستدعاه وقال له مامنعك أن ترد السلام على أخيكزقال لم أره فحلف سعد أنه سلم وأن(34/11)
عثمان رءاه وحلف عثمان أنه لم يرى سعدا ولم يدري أن سعدا سلم عليه طبعا لايمكن أن يكون أحدهما كاذب فحلف الإثنين ثم تراجع عثمان وقال استغفر الله وأتوب إليه تذكرت الآن وهذا دليل أنك لاتعجل على الناس قال تذكرت الآن لكنني كنت أفكر في مسألة إذا تذكرتها تصيبني غشاوة قال إنني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول سأدلكم على دعوة وسكت فكمل سعد قال أنا أكمل لك القصه فأراد أن يقول لنا الدعوه ثم جاء أعرابي فشغله فمضى قبل أن يخبرنا بها فأسرعت وراءه سعد يسرع وراء الرسول صلى الله عليه وسلم قال فلما أراد أن يدخل الدار يعني البيت فضربت بقدمي على الأرض بقوة حتى أشعره أن أحدا وراءه فلما ضرب سعد الأرض بقوه التفت صلى الله عليه وسلم قال: مه .مه /كلمه للإستفهام تقولها العرب قال أبو إسحاق وهذه كنية سعد(أبوإسحاق)قال نعم يارسول الله ثم قال يارسول الله إنك أردت أن تقول لنا دعوة فجاء الأعرابي فشغلك فقال نعم دعوة أخي ذي النون(لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)مادعى بها مسلم في كرب إلااستجاب الله له.موضع الشاهد من القصه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى قول ذي النون (دعاء)وقد سماه الله من قبل في القرآن دعاء قال الله:(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى)اسماه الله نداء دعوة ذي النون ماذا فيها(لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)فليس فيها طلب وإنما فيها ثناء على الله يتحرر من هذاكله من هذه الشواهد أن قول دعوة(سبحانك اللهم)فيها نوع من المسألة (وتحيتهم فيها سلام)هذه التحيه المقصود بها إجمالا لكن قلنا إن القرآن مايجمل في موقف يفسر في موقف ثاني السلام هنا تحية الله لهم والدليل (سلام قولا من رب رحيم)وتحية الملائكه لهم ودليلها (سلام عليكم بما صبرتم فنعما عقبى الدار)وتحيتهم في بعضهم لبعض وهذا دليله حياتهم في الدنيا لأنهم إذا كانوا يسلمون على بعضهم في الدنيا فمن باب أولى أن يكون بينهم سلام في(34/12)
الآخره (وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)وقلنا إن الرجل إذا أراد أن يحرر خطبه أو أراد أن يحرر محاضره أو أراد أن يحرر شيء فمن المناسب أن يقول (الحمد الذي جعل حمده أول آية في كتاب رحمته )أي في الفاتحه "وآخر دعاء لأهل جنته"أي قوله تعالى(أن الحمد لله رب العالمين)الآيه الثالثه التي سنقف عندها قول ربنا جل وعلا(وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ماكانوايعملون)هذه الآيه هي إحدى آيتين في القرآن باستقراءنا والله أعلم قد تجد غيرها التي وردت فيها كلمة واحدة ترددت ثلاث مرات وجاءت عليها الثلاثة الأحوال النحويه أي أن هذه الأيه إحدى كلمتين في القرآن كلمة (الضر)إحدى كلمتين في القرآن جاءت في ءاية واحدة ومرت عليها الأحوال الثلاث قال الله (وإذا مس الإنسان الضرُ..)إعراب الضر هنا/فاعل (فلما كشفنا عنه ضرَّه)وقعت مفعول به منصوب(مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍّّّّّّّ)فمر عليها الرفع والنصب والجرولايوجد حاله للإسم غير هذه الثلاث إما أن يرفع وإما أن ينصب وإما أن يجر والكلمه الثانيه في البقرة الله يقول (الحجُّّّّّّّّّّّّّّ أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحجَّ فلا رفث ولافسوق ولاجدال في الحجِّ)هذا كفائده نحويه وقد تجد أنت في القرآن غيرها لكن هذا الذي وجدته أنا نعود للآيه الآيه تتكلم عن الإنسان وهنا(أل)للإستغراق للجنس وقلنا إن (أل)إما أن تأتي للإستغراق والجنس وإما تأتي للعهد فإذا جاءت للعهد تنقسم إلى قسمين :
1ـ عهد لفظي.
2ـ عهد ذهني.(34/13)
عهد عقلي شيء في العقل أو عهد لفظي وإذا جاءت للجنس وهو أكثر ماتأتي في القرآن يقصد بها الإستغراق يعني جنس الإنسان فكلام الله هنا عن كل إنسان الله يقول(وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما...)يعني لايفتأ يدعوا ربه على كل حال(فلما كشفنا عنه ضره)أي معناه (مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ماكانوا يعملون)هذا يسمى يابني اطلاق .س/هل كل أحد إذا مسه الضر ودعاالله وكشف الله عنه ضره يغفل عن الله؟مستحيل ليس كل أحد فالمسلم المؤمن الصادق في إيمانه لايمكن أن يغفل وإذا احتج أحد عليك بالآية؟ترد عليه بالقرآن.وقلنا إنه يجب أن ينظر إلى القرآن على أنه كله كل لايتجزأ.ماأطلقه الله هنا قيده في هود قال(ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور)هذا نفس الإطلاق الذي في يونس ثم استثنى جل وعلا(إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير)فيصبح هذا المؤمن مستثنى من هذا الإطلاق الذي في سورة يونس بالقرآن ومستثنى بالسنه في حديث(عجبا لأمر المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيرا له)هذا الإستثناء الذي أطلقه الله جل وعلا في يونس قيده تبارك وتعالى في هود وقيدته السنه نأتي للمعنى /المعنى أن الإنسان بطبيعته كافرا أو مؤمن إذا جاءه الضر يلجأ إلى الله وهذه حاله يستوي فيها أهل الكفر مع أهل الإيمان ولكن الإبتلاء يكون بعد رفع الضر فالله يقول عن جنس الإنسان عموما(فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)نسأل الله العافيه فمن الناس أعاذنا الله وإياكم من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنه انقلب على وجهه والمؤمن يعبد الله على كل حال مؤمنا بالله راضيا بقضاء الله وقدره ويعلم أن خيرة الله له خير من خيرته لنفسه وأن ماأصابه لم يكن ليخطئه وماأخطأه لم يكن ليصيبه وأن ماكان لك سيأتيك على ضعفك ومالم يكن لك لن(34/14)
تناله بقوتك جفت الأقلام وطويت الصحف،وحرم النبي صلى الله عليه وسلم على الأمه أن تقول لو لأن لو تفتح عمل الشيطان والمؤمن يرضى بقضاء الله وقدرته والرضا بالقضاء والقدر هو الحياة الطيبه التي قال الله عنها لأهل الإيمان (فلنحيينه حياة طيبة)فالرضا بقضاء الله وقدره هو معنى الإيمان الحق وكم من منحه يعني عطيه في طيي محنه والحبل إذا اشتد انقطع والسحاب إذا تراكم همع يعني ينزل ماء فالأمور كلما ازداد ضيقها دل على قرب الفرج والإنسان لايدري ماهو مكتوب لكن يستقدر الله الخير ويرضين بقدر الله ويأخذ بالأسباب ويتوكل على الله فإن جاءه مايؤمل فالحمد لله وإن لم يأته مايؤمل فكذلك الحمد لله لكن لايعم يقول الحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل النار ويعلم أن خيرة الله له خير من خيرته لنفسه هذا كفائده إيمانيه كفائده دنيويه لاتؤمل في الناس خيرا أكثر من اللازم فقد تحسن إلى إنسان فلا يكافئك على إحسانك فلا تتعجب لأن الإنسان إذا وجد من الناس من الله يكشف عنه الضر فيمر كأن الله لم يكشف عنه شيئا إذا كان هذا تعامله مع خالقه من باب أولى أن يكون تعامله مع عبد مثله ومخلوق مثله أردى من ذلك وأسوأ والعاقل أصلا لايؤمل مافي أيدي الناس شيئا يزرع الجميل ولو في غير موضعه فإن الجميل يحصد في أي مكان وينفع والعرب تقول :لايذهب العرف بين الله والناس ،إن أضاعوه الناس يبقى عند الله لكن الذي يعنينا في الآيه أن من دلائل أهل الإيمان أن لهم مع الله طريقين وكل طريق لهم فيه مطيه فطريق الإبتلاء مطيتهم فيه الصبر وطريق النعماء مطيتهم فيه الشكر والحمد ،وهما في كلا الحالتين معترفون مقرون لله جل وعلا بالحمد والفضل والمنة... هذا ماأردنا بيانه هذه الليلة على عجل حول سورة يونس .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين.(34/15)
تأملات في سورة [ الأعراف ]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون فهذا هو اللقاء الأول في هذا المسجد المبارك ، حول تفسير كلام ربنا جل وعلا و قبل أن نشرع فيما نود تفسيره نبين أمورا بأن هذه التفسيرات أشبه بالتأملات والتعليقات على كتاب رب العالمين جل جلاله ، والمقصود الأسمى منها الناحية العلمية وتبقى الناحية الوعظية فيها تبعا للناحية العلمية ، فالمخاطب بهذا الدرس طلبة العلم في المقام الأول ولهذا فإن التفصيل في بعض القضايا أمر ملح ، فليس المقصود الوعظ المحض وإنما المقصود إيجاد جيل علمي يفقه كلام الرب تبارك وتعالى ومتى وجد هذا الجيل تبوء الصدارة في الأمة ونفع الناس لأنه لا يعقل أن يتصدر إنسان لتعليم الناس وهو يجهل ما جاء في الكتاب العظيم من آيات بينات وعظات بالغات يهذب الله بها خلقه ويرشد الله جل وعلا بها عباده ولقد قال الله جل وعلا في كتابه " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكِر " قال العلماء في تفسيرها : إن من تفسيرها أن علم التفسير علم يعان عليه صاحبه . وهو أجل العلوم وقد بينا هذا كثيرا في دروس سابقة نشرت وإنما أجدد التذكير بها ، على أننا ونحن نفسر سنقف عند آيات معينة نختارها من السورة التي نفسرها وربما تستغرق السورة الواحدة عدة دروس وربما تستغرق السورة درسا واحدا بحسب ما فيها والله جل وعلا ذكر أن كتابه مثاني أي يثني .. يذكر .. يفصل ما كان فيه إجمالا ويبين ما كان فيه مبهما ، ويبسط الله جل وعلا الحديث عن موضوع ، ثم يقوله باختصار في سورة أخرى وهكذا ... فعلى هذا سنقف عندما نرى أن(35/1)
الوقوف عنده ملزم ، وما كان غير مكرر في القرآن فهذا يجب الوقوف عنده فمثلا : في سورة يوسف لم تتكرر قصة يوسف إلا في سورة واحدة فلا ينبغي تجاوزها إذا وصلنا إلى السورة بخلاف غيرها كقصة موسى مثلا : وردت في عدة سور من القرآن الكريم .
هذه مقدمة يظهر من الواجب التذكير بها ، أما السورة التي سنبدأ بها هذه الدروس سورة الأعراف .
ونبدأ بسورة الأعراف لأننا انتهينا في المدينة إلى سورة الأنعام ، فنستهل هنا سورة الأعراف وإن كنت قد بدأت في المدينة قبل أسبوع تفسير الجزء السابع والعشرين وأنهيناه ، والآن نبدأ بسورة الأعراف في هذا المسجد المبارك ونمضي بها إلى ما شاء الله تبارك وتعالى .
وقبل أن نشرع في اختيار الآيات من السورة يجب أن تعلم أنه حتى تفقه القرآن تبدأ به بنظرة كلية ثم تصغر هذه النظرة حتى تصل إلى الزبدة التي تريدها ، وسورة الأعراف من حيث الجملة سورة مكية إلا بضع آيات منها وهي قول الله تبارك وتعالى:" واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر .." فهذه القصة ذكر أنها نزلت في المدينة ، أما السورة إجمالا فهي سورة مكية ، والقرآن المكي له خصائص تختلف عن القرآن المدني لأن القرآن المكي يهتم بقضايا ثلاث :
1ـ إثبات التوحيد والربوبية والألوهية لله .
2ـ ذكر صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
3ـ البعث والنشور وأهوال اليوم الآخر .(35/2)
هذه هي قضايا القرآن المكي على وجه الإجمال ويندرج فيها قضايا : كتذكير الله بنعمه على خلقه وهذا يندرج في إثبات التوحيد ، أما القرآن المدني : فإن أكثره تشريع وأحكام وفقهيات كما في البقرة وآل عمران وحديث عن السير والغزوات التي كانت في أيامه صلوات الله وسلامه عليه في المدينة ، وقد بينا في دروس سابقة أن القرآن المكي والقرآن المدينة أو السور المكية أو السور المدينة ، أو بتعبير أقل اختصارا الآيات المكية والآيات المدينة ، في تسميتها هذه خلاف طويل بين العلماء لكن المقصود بالمكي : ما نزل قبل الهجرة .
والمقصود بالمدني ما نزل بعد الهجرة ،هذا أرجح الأقوال على هذا قلنا مرارا إن قول الله جل وعلا :" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " آية مدنية رغم أنها نزلت في جوف الكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم آخذ بعضدتي باب الكعبة أنزل الله جل وعلا قوله :" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " فخرج إلى الناس ونادى عن بني شيبة وأعطاهم مفتاح الكعبة تنفيذا للآيةفالآية نزلت في مكه بل في الكعبه لكنها تسمى آية مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة ، فسورة الأعراف من حيث الجملة سورة مكية وهي من أطول سور القرآن المكي وعدد آياتها مائتان وست آيات .
قلنا : إنها جملة مكية إلا بضع آيات منها ، هذه السورة بدأها الله جل وعلا في إثبات صدق هذا الكتاب وما فيه من خير عظيم وختمها بقوله تبارك وتعالى :" إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " وختمها بآية سجدة وبحسب ترتيب المصحف هذه الآية ـ آية السجدة في الأعراف ـ جاءت آخر آية في السورة لكنها من حيث ترتيب المصحف هي أول سجدة في القرآن .
وما بين فاتحة السورة ومابين خاتمتها تضمنت السورة جملة من القضايا منها :(35/3)
خلق آدم عليه السلام،أبو البشر وما ذكر الله ـ جل وعلاـ فيها من قصته مع إبليس،ثم بعد ذلك خاطب الله ـ جل وعلا ـ بني آدم بصفة أن آدم أبوهم ، خاطبهم - جل وعلا- وناداهم بأربع نداءات :
1ـ " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا .."
2ـ " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة .."
3ـ " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد .."
4ـ " يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي .." إلى آخر الآية .(35/4)
وذكرهم الله - جل وعلا- بأربع نداءات ، ثم إنه - جل وعلا- فصل ما أجمله في الأنعام لكن هنا التفصيل ليس بترتيب النزول ، أنا أتكلم عن ترتيب المصحف و إلا الأعراف سورة مكية والأنعام سورة مدنية ، فعلى هذا سورة الأعراف جاء فيها ما أجمله الله في الأنعام ، الله في الأنعام ذكر الرسل جملة :" وتلك حجتنا آتيناه إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين " هؤلاء ذكرهم الله جملة ثم جاء في الأعراف بحسب ترتيب المصحف بدأ يفصل فلم يذكر في الأنعام قصة نوح ولا موسى ولا غيرهما ، ثم بدأ يفصل بدأ بالأعراف ففصل فيها قصة نوح وقصة هود إلى عاد وقصة صالح إلى ثمود وقصة لوط إلى أهل سدوم وقصة شعيب إلى أهل مدين وقصة موسى إلى فرعون وبني إسرائيل ، فهؤلاء ستة من الأنبياء ذكر الله - جل وعلا- خبرهم تفصيلا فيصبح ترتيب المصحف أنه أجمل في سورة الأنعام ، وفصل في سورة الأعراف ، ثم ذكر الله - جل وعلا- في السورة بعضا من آياته الدالة على عظيم خلقه وأعاد فيها أن أحدا لا يملك نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، تأكيدا للتوحيد ، هذا كله عن سورة الأعراف جملة ، بعد هذا التصور الكامل عن السورة ننتقل إلى اختيار بعض الآيات المتعلقة بتفسيرها
قال الله جل وعلا : بسم الله الرحمن الرحيم :" المص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين "(35/5)
هذا أول السورة وأنا لا أبدأ تفسيرا قبل أن أفسر أول آية في السورة نفسها لأنها مفتاح ، قد نتجاوز بعض الآيات نعم ، لكن أول آية في السورة لا بد من تفسيرها لأنها مدخل ( المص ) هذه من الحروف المقطعة وقد مرت معنا في دروس سابقة وأنا أتكلم إجمالا باعتبار التدريس العام ، مرت بأنها من الذي اختص الله بعلمه هذا قول جمهور العلماء وهو الأظهر .
" كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين "
معنى الآية : هذا كتاب وحذف المبتدأ لدلالة الخبر عليه على قول الكسائي ومن تبعه ، والمعنى أن هذا الكتاب المقصود به : القرآن ، وقد نُكٍّرت هنا ( كتاب ) لدلالة التعظيم ، أي أن هذا الكتاب أعظم من أن يعرف ، فإذا عرف في آية أخرى فباعتبار علانيته واشتهاره ،(35/6)
" كتاب أنزل إليك " المخاطب في المقام الأول هنا النبي صلى الله عليه وسلم :" فلا يكن في صدرك حرج منه " فسر ( الحرج ) بأحد تفسيرين: 1/ فسر بالشك ، فيصبح معنى الآية هذا كتاب من الله فلا يكن في قلبك شك منه . وإذا قلنا بهذا التفسير يصبح هذه الآية لها قرائن كقوله تبارك وتعالى :" فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك .." لكن اختار جمهور العلماء على أن المراد بالحرج هنا الضيق ، فيصبح معنى الآية فلا يكن في صدرك ضيق منه ، هذا الضيق لا يفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم جبل على ضيقة الصدرهذا محال ، لأن الله هيئه صلى الله عليه وسلم لأن يختم الله به النبوات ويتم به الرسالات ، وليس في القرآن أصلا ما يدعوا للضيق في المؤمنين ، إذا أين ينجم الضيق ؟ينجم الضيق من أن هذا القرآن آياته واضحة ظاهرة بينة لا تحتاج إلى دليل لا تحتاج إلى إثبات أنها من عند الله فالعرب أفصح البلغاء وأبلغ الفصحاء ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، أين ينجم الضيق؟ ينجم الضيق مثالا: كالطالب الذي عندك تعلمه فأنت لا يصيبك الضيق ولا الحرج ولا الغضب على طالب لم يفقه مسألة صعبة وإنما يصيبك الحرج والضيق على الطالب الذي لا يفهم المسألة الواضحة، المسألة الواضحة التي بينة ظاهرة لا تحتاج إلى علم فيأتي إنسان لا يفقها يصيبك ضيق أو حرج في صدرك ، فالضيق الذي يصيبه صلى الله عليه وسلم من أن دلائل نبوته قاهرة ومعجزاته ظاهرة ومع ذلك لم يؤمنوا به ونجم عن هذا ضيق في صدره فالله يقول له : فليكن صدرك منشرحا بهذا القرآن لأنه أجل كتاب وأعظم منزل به الهداية والرحمة لكل أحد ، أراد أن ينتفع به وإن لم ينتفع به قومك وكذبوه وردوه عليك،" كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه " ثم ذكر العلة من إنزاله " لتنذر به " فاللاام هنا :لام التعليل ولهذا جاء الفعل بعدها منصوبا:" لتنذر به وذكرى للمؤمنين " لم يقل الله هنا تنذر به من ؟ أي(35/7)
لم يقل الله من المنذَر في القرآن لكن لما ذكر الذكرى قال :" وذكرى للمؤمنين " إذا من المنذر بالقرآن ؟ أعظم قواعد العلم :أن القرآن يفسر بالقرآن ، والله يقول :" فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدّا " المحذوف هنا هو الموجود في سورة مريم " لتنذر به قوما لدّا " أي لتنذر به الكافرين، وذكرى للمؤمنين ، والإنذار في اللغة : هو الإعلام المقرون بالتهديد، على هذا تنجم قاعدة أن كل إنذار إعلام وليس كل إعلام إنذار، فإن قال قائل : إن الله قال في آية أخرى أنه يُنذر بالقرآن المؤمنين ، قال الله جل وعلا :" إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم " فيجاب عن هذا بأن الإنذار على قسمين :
1/ إنذار عام 2/ إنذار انتفاع .
الإنذار العام ينصرف إلى الكفار، أما إنذار الانتفاع ينصرف إلى المؤمنين " لتنذر به وذكرى للمؤمنين " هذه هي الآية الأولى .
ثم قال الله جل وعلا :" فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين " فأخبر الله جل وعلا أن اثنين يسألان يوم القيامة :
1/ المُرسَلون 2/ المُرسَل إليهم .(35/8)
لكن الله لم يقلهنا ماذا يسأل هؤلاء ولا ماذا يسأل أولئك ؟ فأين قال الله ماذا يسأل المرسلون ، وماذا يسأل من أرسل إليهم ؟ هنا الله يقول :" فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين " لكنه لم يقل ماذا يسألون ؟ أما الجواب : فإن الله قال عن الأول :" فلنسئلن الذين أرسل إليهم " قال عنها في سورة القصص :"ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" فيكون السؤال للأمم ماذا أجبتم المرسلين؟وهو من تفسير القرآن بالقرآن.هذا حل الإشكال الأول:"فلنسئلن الذين أرسل إليهم" بقي حل الإشكال الثاني قال الله : " ولنسئلن المرسلين " ماذا يسأل المرسلين ؟ قال الله في سورة المائدة :" يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " فالإشكال ( الإجمال ) الذي وقع في الأعراف فصل في موضعين : 1ـ فصل في القصص . 2ـ وفصل في المائدة . وهذا من تفسير القرآن بالقرآن " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم .." الله جل وعلا حكم عدل يوم القيامة يحشر الناس على أرض بيضاء نقيه لم يعص الله جل وعلا فيها قط ، وليس في تلك الأرض معلم لأحد ، الآن تتفق مع زميلك مع جارك مع أخيك على أن تلقى به في مكان ما فتجعل له أمارة مستشفى إشارة علامة دار مبنى محل تجاري بينك وبينه تذهب إليه هذا المكان المعلم هو سبب التقائكما ، يوم القيامة يحشر الناس على أرض بيضاء نقية ليس فيها معلم لأحد ليس فيها شئ بارز تجتمع عنده الناس، والناس يحشرون حفاة عراة غرلا بهما ليس معهم شئ ، إذا كان في الدنيا فيه ملك صوري تملكه بيديك ثيابك دابتك سيارتك ، في يوم القيامة يخرج الناس لا يعلمون شيئا الله يقول في القرآن :" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث " وقال في سورة أخرى :" كأنهم جراد منتشر " ولا يستقيم الجراد مع الفراش لأن الجراد منتظم والفراش يموج بعضه في بعض ، والجمع بين الآيتين أن الناس عندما يخرجون ، يخرجون أول الأمر(35/9)
كالفراش لا يعرفون أين يذهبون ، فإذا تقدمهم إسرافيل وهو الداعي قال الله :" يومئذ يتبعون الداعي " انتظموا خلف إسرافيل فأصبحوا انتقلوا من حالة الفراش إلى حاله الجراد،هذا كله يكون يوم القيامة،يوم القيامة له أهوال عظيمة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :لابن عباس : ومع أنني على ما قلت عني لو أن لي ملء الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع .
مما يكون يوم القيامة الميزان ، وأهل السنة يقولون سلك الله بنا وبكم سبيلهم يقولون أنه ميزان حقيقي له كفتان وله لسان ، والله جل وعلا يقول :" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " والله يقول هنا :" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه " والقصد بكلمة الحق : أن لا جور فيه ولا ظلم ولا بخس ولا رهق ، ميزان حق يكفي أن الله جل وعلا قائم عليه وهوتبارك وتعالى أعدل الحاكمين ، وأحكم العادلين . على هذا اختلف العلماء ما الذي يوزن ؟ مع اتفاقهم جملة أهل السنة على أنه يوجد ميزان له كفتان لكن ما الذي يوزن على أقوال أشهرها :
1ـ أن الذي يوزن العمل نفسه .والذين قالوا بهذا القول احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم :" الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان " وموضع الشاهد أنه قال أن:" الحمد لله تملأ الميزان " وهذا معناه أن العمل نفسه يوزن وقال صلى الله عليه وسلم :" اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غايتان أو فرقان من طير صواف تحاج على أصحابها " فهذا من أدلة من قال أن الذي يوزن هو العمل .(35/10)
2ـ وقال آخرون أن الذي يوزن صحائف العمل وهؤلاء احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي بسند صحيح :" إن الله سيخلص رجلا من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيقول له ربه أتنكر مما رأيت شيئا فيقول لا يا رب ، فيقول الله جل وعلا له :أظلمك كتبتي الحافظون فيقول :لا يا رب ،فيقول الله :إن لك عندنا بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله،فيقول: يا رب وما تغني هذه البطاقة مع هذه السجلات ، فتوضع البطاقة في كفه والسجلات في كفه ،قال صلى الله عليه وسلم :" فطاشت السجلات ورجحت البطاقة " وفي زيادة عند الترمذي :" ولا يثقل مع اسم الله شئ " فهذه أدلة من قال أن الذي يوزن صحائف العمل .
3ـ القول الثالث : أنه يوزن صاحب العمل ، وهؤلاء احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :" يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة ( والمقصود الكافر) فلا يزن عند الله جناح بعوضة ثم قرأ عليه الصلاة والسلام :" فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " هذه أحد أدلة من قال أن الذي يوزن صاحب العمل واحتجوا كذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحك الصحابة من رِجل عبد الله ابن مسعود ، قال صلى الله عليه وسلم :" أتعجبون من دقة ساقيه فلهما أثقل في الميزان من جبل أحد " أي رجلا ابن مسعود أثقل في الميزان من جبل أحد ، هذه أدلة من قال أن الذي يوزن صاحب العمل .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله جمعا بين الأدلة قال : لا يبعد أن يوزن هذا تارة وهذا تارة وهذا تارة ،والأظهر والله تعالى أعلم أنه يوزن العمل وصاحبه وصحائف الأعمال جمعا بين الأحاديث وجمعا بين الآثار وهذا هو الذي تستقيم به الحجة وتستقيم به الآيات والله تعالى أعلم .(35/11)
" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون" والذي يعنينا هنا كخطاب قرآني أن يعني الإنسان بأعماله الصالحة وأن يسعى فيما يثقل به الميزان ومن أعظم ما يثقل به الميزان حسن الخلق ، الذي تتعامل به مع الناس، قال عليه الصلاة والسلام :" الدين معاملة " ولم يكن صلوات الله عليه وسلامه عليه فظا وغليظا في خطابه وليس الدين مجرد ركعات تؤدى في المساجد وإن كانت الصلاة في الذروة الأعلى من الدين ، ولكن الدين جملة معاملة مع إخوانك المؤمنين ، مع والديك مع أبنائك .. مع زوجاتك .. مع جيرانك .. مع عامة المسلين تحب لهم ما تحب لنفسك .. تؤثرهم على نفسك .. تقبل اعتذارهم وتقبل عثراتهم .. وتقدم الصورة المثلى لما أمر الله به في كتابه وما أمر به رسولهم صلى الله عليه وسلم كما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، أي أنه يطبق القرآن صلوات الله وسلامه عليه ومن الخطأ العظيم الذي نقع فيه أن نعتقد أن اتصالنا بالدين وقف على أشهر معينة كرمضان أو مساكن معينة كالمساجد وإنما يعبد الله جل وعلا بكل لسان وفي كل مكان ، وأخوة الإسلام تفرض علينا مطالب شتى في تعاملنا ، نكون بها إن شاء الله عباد الله إخوانا كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم .
قال الله جل وعلا كذلك في هذه الآيات :" ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين "(35/12)
هذه تكلمنا عنها في تفسر سورة البقرة وأنا أتكلم إجمالا ، خلق الله جل وعلا أبينا آدم من قبضة قبضت من الأرض، وورد أن الله بعث ملكا يقبض هذه القبضة ، فلما جاء الملك ليقبضها ، قالت له الأرض : أعوذ بالله منك ، فرجع الملك إلى ربه ،فقال له ربه: ما صنعت وهو أعلم ، قال يا رب : استجارت بك فأجرتها ، فبعث الله ملكا آخر وهو أعلم فلما جاء ليقبض قبضة من الأرض، قالت الأرض : أعوذ بالله منك ، فرجع إلى ربه، فسأله ربه كما سئل الأول فأجاب كما أجاب الأول ،فبعث الله ملكا آخر،وهذا الفرق في العلم ،فلما جاء ليقبض من الأرض قبضة، قالت له الأرض : أعوذ بالله منك كما قالت لأخويه، فقال لها الملك: وأنا أعوذ بالله ألا أنفذ أمره لأن الله أمرني أن أقبض قبضة ، فقبض قبضة من الأرض مجتمعة مختلطة فلذلك تفاوت طبائع الناس فحملها إلى الله تبارك وتعالى، من هذه القبضة الترابية خلق أبانا آدم لكن هذه القبضة الترابية مزجت مع ماء فأصبحت طين ثم تركت مدة فأصبحت صلصال ( فخار ) وكلها ذكرها الله جل وعلا في القرآن ، قال :" خلقناكم من تراب " وقال :" خلقناكم من طين " وقال : "من صلصال كالفخار " فذكر الله في القرآن المراحل الثلاثة التي مر بها خلق أبينا آدم ،ثم أكرم الله جل وعلا آدم بأن نفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شئ كما هو نص القرآن وقد بينا هذا مفصل في موضعه ثم قال جل وعلا هنا :" ولقد خلقناكم ثم صورناكم " لكن الله لم يقل في الأعراف هل صور آدم على هيئة حسنة أم على هيئة غير حسنة فأين أثبت الله حسن خلق آدم ؟ في سورة التين " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "(35/13)
ولهذا قال بعض الفقهاء لو أن رجلا قال لامرأته أنت طالق إن لم يكن وجهك أحسن من القمر، أنها لا تطلق ولو كانت من أقبح الناس وجها لأن لله يقول " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " ثم وقع من أبينا المعصية بالأكل من الشجرة ، وأهبط إلى الأرض، فلما أهبط إلى الأرض جاءت النداءات الربانية الإلهية إلى بني آدم فناداهم الله في الأعراف بأربع نداءات :
قال في الأولى " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير " ، هذه الآية مسوقة في سياق الامتنان ، واللباس هو اللباس الضروري الذي تستر به العورة ، والرِّيَش : هو اللباس الزائد عن الضروري الذي يجمل به الإنسان " قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم " أي عوراتكم ، وسميت العورة سوءة لأن العاقل يسوءه أن تظهر عورته للناس ، فالله يقول في باب الامتنان على عباده " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا " لباسا ضروريا ولباسا زائدا تتزينون به ، فلما ذكر الله اللباس الحسي ذكر اللباس المعنوي فقال الله جل وعلا " ولباس التقوى ذلك خير " أي خير من كل شئ خير من كل الباس ، "ولباس التقوى " أن يكون الإنسان مكتسيا بتقوى الرب تبارك وتعالى في قلبه ، يخشى الله تبارك وتعالى ويخافه يجتنب نواهيه ويأتي أوامره ، هذا هو المؤمن حقا الذي ارتدى خير لباس ،
إن الجمال معادن ومناقب ليس الجمال بمئزرٍ
فاعلم إن رُديت بُردا إن الجمال معادن ومناقب أورثنا حمدا
فاللباس الحسي يبلي يبيد ولا ينفعك في الآخرة ، تستر به عورتك في الدنيا، أما لباس التقوى هو الذي عليه معيار العقاب والحساب والثواب يوم القيامة.(35/14)
وقال الله :" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم .." سنتكلم كلام علمي وكلام وعظي حول هذه الآية " يا بني آدم " هذا خطاب ويسمى نداء علامة ويسمى نداء كرامة إذا قال الله :" يا أيها الذين آمنوا " وإذا قال :" يا أيها الناس " أو " يا بني آدم " هذا نداء علامة لأنه يشترك فيه المؤمن والكافر ، وإنما عُلِّموا بنسبتهم إلى أبيهم " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان " وهو العدو الأول " كما أخرج أبويكم من الجنة " الأبوان هنا آدم وحواء وإنما سميا أبوان رغم أن حواء امرأة من باب التغليب وقد قلنا في دروس عدة مكررة أن العرب إذا تكلمت عن اثنين وأرادت أن تثني تُغلب ، لكن معيار التغليب تختلف من مثنى إلى مثنى فقالوا في الأبوين الأبوان ، غلبوا الرجل على المرأة لأن الذكر أفضل من الأنثى ،وقالوا في المدينة ومكة المكتان ، لأن مكة أفضل عند الجمهور من المدينة وقالوا في الحسن والحسين الحسنان ، لأن الحسن أكبر ، وقالوا في الشمس والقمر القمران القمر مذكر والشمس مؤنث
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
فلو كل النساء كمن فقدن لفضلت النساء على الرجال(35/15)
لأن القمر مذكر قالوا القمر ، فهنا قول الله جل وعلا :" لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليرهما سوءاتهما " لما ذاقا من الشجرة حصل أن بدأت السوءتان لآدم وحواء فعلما أنهما وقعا في أمر عظيم ،من هنا تعلم أن هذا القرآن أنزله الله هداية للناس فأول طريق للمعاصي نزع الحياء من قلب المؤمن ، فأول ما أراده إبليس حتى يغوي آدم وزوجته وذريته لجأ إلى أول قضية أن يريهما عورتهما فإذا كشفت السوءتان في مكان ظاهر واستمرأ النظر إليها تصبح النفس والعياذ بالله هين لين عليها ما ترى فتسمر أ كل الفواحش فتنساق بعد ذلك إلى المعاصي من غير أن تعلم ،ولهذا تعلم أن ما صنعه الشيطان قديما يضعه شياطين الإنس حديثا فأكثر ما يسعى إليه القائمون على القنوات الفاجرة أن يبثوا أشياء تكشف من خلالها العورات حتى تعتاد الأسرة المسلمة أبا وأما وأحفادا وأبناء أن ينظروا إلى تلك العورات وأن يصبح أمرا بدهيا مستساغا لدى الأسرة ككل ، أن تنظر إلى الفواحش والإغراءات وما يكون من اتصالات محرمة وكشف العورات إما عن سبيل رقص أو سبيل غناء أو سبيل تمثيل أو غير ذلك فتصبح الأسرة والعياذ بالله بعد ذلك أي معصية تهون وتسهل على الجميع ويصبح أمر الله جل وعلا عياذا بالله هينا لينا على تلك القلوب فمن أراد الله جل وعلا أن يعصمه أول ما يعظم فيه مسألة الحياء في قلبه والإنسان إذا جبل على الحياء يقول عليه الصلاة والسلام :" الحياء لا يأتي إلا بخير " والإنسان قد ترى أنت بعض الناس على مسألة تستغرب كيف يصنعها والفرق بينك وبينه ليس العلم ، فهو يعلم وأنت تعلم لكن الفرق بينك وبينه أن مسألة الحياء شجرة نابتة في قلبك والحياء في قلبه غير موجود ،لما ذهب الحياء من نفسه من قلبه سهل عليه أن يأتي المعاصي قال صلى الله عليه وسلم :" كل أمتي معافى إلا المجاهرين يبيت أحدهم يستره ربه على معصية فإذا أصبح قال يا فلان ، أما علمت أن البارحة فعلت(35/16)
كذا وكذا، يقول صلى الله عليه وسلم يمسي يستره الله ويصبح يكشف سترالله عنه " نعوذ بالله من فجأة نقمته وزوال نعمته ، وهذا الذي يصل هذه المرحلة طبع على قلبه تماما كمن يذهب إلى حانات الغرب وبارات الشرق فيقع في المعاصي والفجور وبنات الزنى وأشباه ذلك ثم والعياذ بالله مع أن الله قد ستر عليه يصور نفسه ثم يأتي بتلك الصورويجمع أقرانه وخلطائه وأثاله ليعرض عليهم تلك الصور و ويريهم إياها ، هذا قد يصل إلى حد الكفر لأن في الغالب لا يصنع امرؤ مثل هذا إلا وهو يستحل ما حرم الله ، وإن كنا لا نكفر أحدا بعينه ، لكن نقول : إن هذا من أعظم الدلائل على ذهاب الخشية من القلب واستيلاء الشيطان على تلك القلوب يقول صلى الله عليه وسلم :" من ابتلي من هذه القاذورات في شئ فليستتر بستر الله عليه " والمؤمن يسأل الله دائما الستر والعافية ومحو الذنوب في الدنيا والآخرة ، لكن المقصود من الآية أن نبين أن من أعظم طرائق إبليس لإغواء الناس أن ينزع عنهم لباسهما كما قال الله :" ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " فالله كتب أن الإنس لا ترى الجن ، والجن ترى الإنس ، وقد قلنا في دروس سابقة أن العرب تسمي الجن خمسة أسماء أو ست . يسمون الجن العادي : جني فإذا كان مما يسكن البيوت يسمونه عمار وإذا كان مما يتعرض للصبيان يسمونها أرواح فإذا كان فيه شئ من التمرد يسمونه شيطان فإذا ازدادت تمرده يسمونه عفريت (ذكر هذا الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى )(35/17)
" إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " يستنبط من هذه الآية أن عقد الولاية ما بين الإنس والشيطان قائم على عدم الإيمان لأن الله قال :" أولياء للذين لا يؤمنون " فعدم الإيمان بالله عقد بين الإنسي والشيطان ، ثم قال تبارك وتعالى :" يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بئاياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " حتى قال الله جل وعلا بعد ذلك بآيات " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها " " كذبوا بآياتنا " أي لم يصدقوا الرسل " واستكبروا عنا " أي لم ينقادوا لها " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة .." الإنسان تخرج روحه من جسده ، بعد أن تكون هذه الروح قد ألفت الجسد فإذا خرجت كانت روح مؤمنة تفتح لها أبواب السماء وإن كانت روح كافرة أو منافقه أغلقت في وجهها أبواب السماء عياذا بالله ، فالله يقول هنا :" إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء " هذا الجزاء الأول وهذا قبل البعث ، ثم قال :" ولا يدخلون الجنة " يعني : بعد البعث ، على هذا الآية نص على أن الكافر لا يدخل الجنة " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .." الجمل الحيوان المعروف ، سم الخياط : الخرم الذي في الإبرة ، فالخرم الذي في الإبرة من أضيق الأشياء والجمل من أعظم المخلوقات جسما ، والمقصود من الآية : تعليق على الاستحالة فكما أنه محال أن يدخل الجمل في هذه الخلقة العظيمة في سم الخياط ، فمحال أن يدخل الكافر الجنة . " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " ولن يلج الجمل في سم الخياط " وكذلك نجزي المجرمين * لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش(35/18)
وكذلك نجزي الظالمين " لما ذكر الله حال أهل الكفر ذكر حال أهل الإيمان والأصل في القرآن أنه يبدأ بالكفار ويختم بالمؤمنين ، قال سبحانه :" والذين آمنوا وعملوا الصالحات " جعلنا الله وإياكم منهم " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " ذكر الله جل وعلا هنا " لا نكلف نفسا إلا وسعها "وقد استنبط العلماء من هذه الآية وأمثالها قاعدة فقهية : وهذه القاعدة تقول : لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة فمثلا الله جل وعلا جعل من واجبات الوضوء غسل اليدين إلى المرفقين فلو أن أحد الناس من حادث مثلا قطعت يده ، فهذا ليس عنده يد ، لذا يسقط عنه واجب الوضوء للعجز لأنه لا يوجد له يد أصلا وقد يكون العجز أقل من ذلك ، الإنسان يجب عليه أولا أن يتوضأ بالماء فإذا عجز عن الوصول إلى الماء أو أضره الماء رغم وجوده هذا الواجب يسقط وينتقل إلى مسالة أخرى إلى التيمم حتى قد يصل أحيانا أنه يصلي بدون وضوء بدون تيمم إذا كان عاجزا فلا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة وهذا معنى قول الله :" ولا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " ثم قال سبحانه :" ونزعننا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " الناس يبقون بشر مهما بلغوا في الارتفاع في الطاعات لا يخرجهم عن كونهم بشر والنبي صلى الله عليه وسلم في الذرة من البشر وهو يقول عليه الصلاة والسلام :" أنا أغضب كما تغضبون " ولما قيل له إن إحدى أمهات المؤمنين حاضت في الحج غضب وقال حلقى قعرى تغير كلامه صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر رضي الله عنه نقل أنه يغضب وعمر رضي الله عنه كل الناس يغضبون . فالإنسان مهما بلغ يبقى بشرا إلا أن نبينا صلى الله عليه وسلم معصوم وغيره من الناس غير(35/19)
معصوم ، على هذا أحيانا يبقى في الصدر شيء ، ولو خفيف تبقى مؤمن تدخل الجنة لكن في الصدر بينك وبين زيد شئ . الله من إكرامه لأهل الجنة قبل أن يدخلوا الجنة وهم ماضون ذاهبون إلى الجنة يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار هذا الغل الباقي القليل الذي باقي في القلوب ينزعه الله منهم قبل أن يدخلوا الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم :" يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص منهم بينهم مظالم كانت بينهم في الدنيا " قال علي رضي الله عنه أمير المؤمنين المعروف حصل بينه وبين الزبير بن العوام شئ من سوء التفاهم ، وكاد يقتتلان في المعركة فذكر علي الزبير بقول للنبي صلى الله عليه وسلم فترك الزبير أرض المعركة ، قناعة منه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فتبعه رجل يقال له ابن جرموز فقتله ، وممن نازع عليا طلحة بن عبيد الله صحابي جليل أحد العشرة المبشرين وقد أحنى ظهره يوم أحد حتى يرقى النبي عليه الصلاة والسلام على ظهره ، فقال عليه الصلاة والسلام أُوجب طلحة يعني وجبت له الجنة ، ومع ذلك كان هناك سوء تفاهم بسيط ما بين طلحة والزبير وعلي كل منهم يرى الصواب معه ، وكلهم في المحل الأعلى من الصحابة قال علي رضي الله عنه : إني لأرجو الله أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم :" ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار " فالكمال عزيز والصحابة رضي الله عنهم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم والله رضي عنهم وشهد برضاه عنهم في كتابه ولا ينبغي لعاقل أن يدخل فيما كان بينهم كلهم مجتهد رضي الله عنهم وأرضاهم نسأل الله أن يرزقنا جوارهم مع نبينا صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم " وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " هذا الكلام يقوله أهل الجنة ، اعترافا منهم بأن الهداية من الله جعلنا الله وإياكم برحمته ممن يقولها في الجنة ، وهذا يؤكد على أمر عظيم على أن من يطلب الهداية فليطلبها من الله(35/20)
ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم :" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ولا يشمت الإنسان بأحد خوفا من أن ينتكس كما انتكس غيره ، وإنما المؤمن يسأل الله السلامة ولا يشمت بأحد ويأل الله غفران الذنوب وستر العيوب ورحمته حتى نلقاه ." ولقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا " أي هؤلاء المؤمنين نودوا " أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" يوجد باء عوض ويوجد باء سبب أي باء تختص بالعوض وباء تختص بالسبب مثال : لو ذهبت إلى المتجر وسألت صاحب المتجر بكم هذا القلم؟قال : بريال ، فأعطيته ريال فأعطاك القلم فهذا الريال عوض عن القلم بمعنى مكافئ له الريال مكافئ لهذا القلم ولو هذا القلم أحسن كان أصبح الريال أكثر من ريال يصبح مثلا بعشرة ، فهذه باء عوض، تسأل إنسان بكم اشتريت هذا القلم يقول لك بريال يصبح هذه الباء باء العوض .يوجد باء أيها الأحبة اسمها باء السبب تأتي لصاحب متجر فيسألك: من أين أنت ؟ فتقول له مثلا من جدة ،ويكون هو قد سكن جدة قديما ،فتسأله :من أي حي؟يقول : من النزلة مثلا .. يكون هو ساكن النزلة قديما .. فتطلب ماء فيقول هذا الماء خذه لأننا أنا وأنت كنا نسكن في حي واحد فسكنك الحي الذي سكن فيه صاحب المتجر سبب في الحصول عن الماء ، مثال آخر/ تعفوا عن إنسان لأنه صاحب أخيك ، يحصل لك سيارة يأتي إنسان يصدم سيارتك فتنزل غاضبا فعندما ترى من صدمك تعرف أنه صاحب لأخيك فتعفوا عنه، أنت عفوت عنه لأنه أعطاك عوض بل لأن صداقته لأخيك سبب في عفوك عنه يقول الله جل وعلا :" أورثتموها " أي الجنة " بما كنتم تعملون " هذه الباء سببية : أعماكم سبب في دخول الجنة و إلا الأعمال لا يمكن أن تكون عوضا عن الجنة لأن الجنة أكبر من أعمالنا ، لكن قال بعض العلماء من السلف كلمه جميلة في هذا الباب قالوا : إن المؤمنين ينجون من النار بعفو الله ويدخلون برحمة الله ويرثون(35/21)
منازل غيرهم بأعمالهم الصالحة ثم ذكر الله جل وعلا ما يكون يوم القيامة وذكر تبارك وتعالى عدة نداءات
النداء الأول : نداء أصحاب الجنة لأصحاب النار.
والنداء الثاني : نداء أصاب الأعراف لأصحاب الجنة .
والنداء الثالث : نداء أصحاب الأعراف لأصحاب النار.
والنداء الرابع : نداء أصحاب النار لأصحاب الجنة .
في هذه السورة الذي سميت سورة الأعراف لأن الله ذكر فيها الأعراف ولم يرد ذكر أصحاب الأعراف في القرآن إلا في هذه السورة ، قال الله :" ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعد ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون "(35/22)
هذا النداء الأول يكون من أصحاب الجنة إلى أصحاب النار ، أن أصحاب الجنة يفتخرون على أصحاب النار بأنهم وجدوا ما وعدهم الله من النعيم حقا ، فيسألونهم هل وجدتم ما وعدكم الله من الجحيم حق فيقولون نعم ،فيستمعا الفريقان بعد ذلك إلى مؤذن يؤذن يقول : أن لعنة الله على الظالمين ،قال طاووس بن كيسان رحمه الله عن هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي المعروف قال : يا أمير المؤمنين اذكر يوم الآذان قال وما يوم الآذان قال : يوم أن الله يقول :" فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " فصعق هشام رحمه الله فقال طاووس بن كيسان : سبحان الله هذا ذل الصفة فكيف بذل المعاينة أي صعقت وأنا مجرد وصف لك اليوم فكيف لو عاينته ورأيته بعينك ثم قال الله جل وعلا :" وبينهما " أي بين الجنة والنار " حجاب " هذا الحجاب جاء مفسرا في سورة الحديد " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " قال الله جل وعلا :" وبينهما حجاب وعلى الأعراف " مكان مرتفع " رجال " الله أعلم بهم قيل أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهذا قول حذيفة واختاره أكثر المفسرين وقيل : أنهم أنبياء وقيل: أنهم ملائكة ولا يوجد نص نجزم به ونفيء إليه " و بينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " يعني : يعرفون أهل الجنة ويعرفوا أهل النار .
" بسيماهم " أي بعلاماتهم ، فإن الله قال عن أهل الجنة " تعرف في وجوهم نظرة النعيم " وقال عن أهل الكفر : "ونحشر المجرمين يومئذ زرقا " أي أعينهم زرقا فيعرف المجرمون بزرقة أعينهم ويعرف المؤمنون جعلني الله وإياكم منهم بما عليهم من نظرة النعيم .(35/23)
هؤلاء أصحاب الأعراف عندما يقفون عليها معهم نور هذا النور يجعلهم يطمعون أن يدخلوا الجنة ، فيقفون حكما بين الفريقين قال الله :" ونادوا أصحاب الجنة " المنادِي : أصحاب الأعراف ، والمنادَى : أصحاب الجنة ، " أن سلام عليكم " وتقف ثم ينقطع الكلام " لم يدخلوها " والمعنى أن أصحاب الأعراف لم يدخلوها في أظهر الأقوال " وهم يطمعون " أي ويطمعون في دخولها ، وهذا الطمع الرغبة في دخولها حث عليها أنهم مازالوا يملكون النور ولم ينقطع ثم بعد أن يرون أهل الجنة تصرف أبصارهم من غير إرادة منهم إلى أهل النار قال الله :" وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " إذا رأوا أهل النار وما فيهم من عظيم الجحيم والنكال والحميم تعوذوا بالله واستجاروا به " قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " ثم قال الله جل وعلا :" ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم " أي رجالا كانوا في الدنيا على الكفر يصدون عن سبيل الله " قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء " أي الضعفاء الفقراء المساكين ـ المطاوعة في لغة العصرـ " أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته " كنتم تقسمون في الدنيا أنهم لن ينالوا رحمة ولا مغفرة " أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " ثم قال الله جل وعلا " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء " جعلنا الله وإياك في هذه الحالة ممن ينادَى لا ممن ينادِي فإن الله جل وعلا بقدرته يجعل لأهل النار إطلاعا على أهل الجنة فإذا رأوها أحوج ما يكونوا إليه أهل النار الماء قال الله جل وعلا :" ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" فيجيبهم أهل الإيمان قالوا : " إن الله حرمهما " الماء والرزق " إن الله حرمهما على الكافرين " فلا يوجد شئ يحتاجه أهل النار أول الأمر أكثر من(35/24)
احتياجهم إلى الماء لأنهم إذا استسقوا في النار يسقون ماء حميما كما قال الله :" فقطع أمعاءهم " فقد أخذ العلماء من هذه الآية أن من أفضل القربات إلى الله سقي الماء ، وقد قال العلماء : إنه ثبت في الصحيح أن الله جل وعلا غفر لرجل لأنه سقى كلبا فكيف بمن سقى مؤمنا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، ولما قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما يابن عم رسول الله ما أفضل الصدقة ؟ قال : أن تسقي الماء أين أنت من قول الله :" أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين " ثم ذكر الله بعضا من نعوت الكافرين ، قال" الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون " وليس الله ينسى أبدا قال :" علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " ولكن هذا في لغة العرب يسمى المشاكلة في الكلام وإنما يتركهم الله جل وعلا من غير نصرة من غير ظهرة من غير معين حتى يتساقطون في جهنم ، ثم بين جل وعلا عظيم كتابه قال :" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل " أي في الدنيا " قد جاءت رسل ربنا بالحق " فيتمنون أمرين " فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا " وهذه قطعها الله بقوله " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " وطلبوا أمرا ثانيا " أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل " وهذه قطعها الله جل وعلا عنهم أن الله لن يخرجهم من النار " قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " فلما ذكر الله تبارك وتعالى حال الفريقين وذكر الحالة الثالثة وهي حالة أهل الأعراف عرف الله جل وعلا بذاته العلية والقرآن أيها المؤمن كله فاضل ، لكن آياته فيها فاضل وفيها مفضول ، أما كونه فاضل فلأن القرآن كله من عند الله وأما كونه فاضل ومفضول فإن من آيات الله ما تتكلم عن الله فجمعت الفضل(35/25)
من وجهتين الوجه الأولى : لأنها كلام الله ، والوجه الثانية : أن تتحدث عن الله، وليس هناك أعلم من الله ،ولذلك من أراد أن يرق قلبه وتدمع عينه فليقرأ ما تكلم جل وعلا عن ذاته العلية كخواتم سورة الحشر وأوائل سورة الحديد ، وهذه الآيات التي في سورة الأعراف وفي الفرقان يتكلم الرب جل وعلا عن ذاته العلية أو آية الكرسي فكل آية تحدث الله فيها عن ذاته العلية فإن الله جل وعلا لا أحد أعلم به منه قال الله جل وعلا :" ولا يحيطون به علما " وقال :" أأنتم أعلم أم الله " فالآيات التي يتحدث فيها الرب جل وعلا عن ذاته العلية هي أعظم آيات القرآن قدرا لأن جمعت المجد من طرفين كونها من الله وكونها تتحدث عنه جل جلاله قال الله :" إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين . ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين " هذه مجمل ما تكلم الله جل وعلا به عن ذاته العلية .(35/26)
(تأملات في سورة الأنفال)
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وعلى أصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد. فإننا نستعين الله جل وعلا في تفسير كلامه جل وعلا كرةً أخرى... وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى سورة الأعراف وسنشرع اليوم في تفسير سورة الأنفال على أننا قبل أن نشرع فيها نذكر ببعض مما كنا قد تأملناه حول سورة الأعراف التي تمت دراستها عبر درسين، وكنا قد ذكرنا في اللقاء الماضي أن الله جل وعلا ذكر ثلة من أنبيائه ورسله بسورة الأعراف بدءاً بنوح وانتهاءً بموسى عليهم السلام ووقفنا عند اثنين منهم هما لوط وموسى عليهم الصلاة السلام وذكر نا عن قوم لوط أن الفطرة انتكست عند هم فكانوا يأتون الذكران من العالمين ولذلك لم يكن بينهم وبين رسولهم أخذ ولاعطاء فإن الله جل وعلا ذكر أن الأنبياء أخذوا وأعطوا وتحاوروا مع من بعثوا إليهم من الأمم فقوم ثمود قالوا لصالح:(ياصالح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا...)
*قالوا لصالح :(قد كنت فينا مرجواً قبل هذا)(36/1)
*وقال قوم شعيب كذلك قريباً منه. إلى غير ذلك مما ذكره الله من محاورات الرسل لأممهم وأما قوم لوط مما انتكست الفطرة عندهم، لم يكن لديهم عقل يحاورون من خلاله قال الله عنهم أنهم قالوا:(وماكان جواب قومه إلاَّ أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )فعاملهم الله جل وعلا بلمثل قال الله تبارك وتعالى:(فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود)وهذه الأيه في هود ثم ذكرنا بعضاً مما كان من خبر نبي الله موسى مع فرعون وآله أوفرعون وملائه وذكرنا أن الله جل وعلا قال عنهم(وقالوا مهما تأتنابه من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين*فأرسلناعليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدَم...)فهذه خمس آيات،وقال قبلها جل وعلا:(ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات)هذه اثنتان مع الخمس سبع آيات وبقيت اثنتان هما .الأول:العصا . والثاني:اليد . فهذه تسع آيات التي قال الله جل وعلا عنها أنه بعث بها موسى إلى فرعون وملائه والقرءآن ينظر إليه جمله واحدة ويفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاًوكله كلام رب العالمين جل جلاله. كما ذكرنا أن قول ربنا جل وعلا: (وأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) أن كلا من كلمتي آيات وكلمه مفصلات أعطت معنا فقلنا إن كلمه آيات دلت على أمر خارج عن المألوف لأن الجراد والقمل والضفادع يوجد في كل زمان ومكان لكن الله جل وعلا جعل وجودها في زمن موسى آيه له خارقه عن المألوف وقوله تبارك وتعالى "مفصلات"يدل على أنها كانت لم تكن جملة واحدة وإنما كانت يتبع بعضها بعضا وكان بينهم مرحله زمنيه ثم قلنا إن الله جل وعلا قال: (ووعدنا موسى ثلاثين ليلة......)وقلنا إن القاعده في ذكر الأيام والليالي أن الأيام تحسب بها المنافع الدنيويه فالمزارعون مثلا إنما يحصدون بناء على البروج الشمسيه وليس لهم علاقة بالأهلة وأما الأهلة والليالي فإنما يحسب بها المناسك الدينيه قال(36/2)
الله جل وعلا: ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) وهذه قلنا فيها فائدة كبرى أن يعرف الإنسان أن ما يتعلق بالأيام فيه المنافع الدنيويه وما يتعلق بالليالي فيه المنافع والمناسك الدينيه ثم قلنا إن الرب تبارك وتعالى قال : ( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين * ولما جاء موسى لميقاتنا....) فذكرنا أنه كان هناك ميقاتان:ــ
فالأول: ميقات مكاني..
والثاني: ميقات زماني..(36/3)
الميقات المكانيي:الوادي المقدس أو بتعبير أقرب جبل الطور قال الله جل وعلا في سورة القصص:(وما كنت بجانب الغربي إذا قضيناإلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين)والجبل الطور هو الجبل الذي كلم الله عنده موسى مرتين المرة الأولى: في أول أيام الوحي..والمرة الثانية: في وقت الميقات الذي وعده الله جل وعلا إياه هذا هو الميقات المكاني أما الميقات الزماني فإن الله كلم عبده موسى بن عمران في اليوم العاشر من ذي الحجه فإن الله وعده ثلاثين يوماً عند جماهير العلماء هي ثلاثين شهر ذي القعده ثم زاده الله عشراً قال الله:(فتمت ميقات ربه أربعين ليله)فاليوم الأربعون:هو اليوم العاشر من ذي الحجة المتمم لثلاثين ذي القعده وعشرذي الحجه ثم قلنا:(فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربي أرني أنظر إليك)رغب عليه السلام في مقام الرؤيا بعد أن أعطي مقام التكليم فقال الله جل وعلاله:(لن تراني) وقلنا إن رؤية العبد المؤمن للرب جل وعلا تكلمنا عنها في الدنيا وفي الأخره وقلنا يحرر الخطاب على أنه يقال: أن رؤية الله جل وعلا في الدنيا جائزة عقلاً ممتنعة شرعاً ومعنى قولنا جائزة عقلاً: أنه يمكن بقدرة الله أن يعطي الله عباده قدره على أن يروا ربهم في الدنيا لأن الله على كل شيء قدير فهذا لاينافي العقل لكن أخبر في كتابه أن هذا لن يقع إذ قال لكليمه موسى:(لن تراني)فقلنا إن وإن كانت جائزة عقلاً إلا أنها ممتنعه شرعاً هذا في الدنيا أما في الأخرة: فقد قلنا مادامت جائزة عقلاً في الدنيا فمن باب أولى أن تكون جائزه عقلاً في الأخره لأن الأبصار في الأخره أقوى منها في الدنيا قال الله جل وعلا(فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ...) ولكنا قلنا : إنها في الدنيا ممتنعة شرعاً ونقول في الآخرة واقعة شرعاً للمؤمنين في الجنة وقد نص القرآن والسنه على هذا قال الله جل وعلا في سورة القيامه:( وجوه يومئذ ناضره ) بالضاد أخت الصاد والمعنى تعلوها النظره (إلى(36/4)
ربها ناظره ) أي تبصر ربها من غير إحاطه لأن الله يقول:( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) فالله جل وعلا لايدركه بصر خلقه على هذا ماتحرر... وقلنا: إن من العلماء من قال أنها ممتنعة في الدنيا والآخرة وهذا قول (المعتزلة) وقلنا نص عليه جار الله الرمخشري في تفسيره المشهور باسمه: (تفسير الكشاف) فإنه قال إن العباد لايرون ربهم لافي الدنيا ولافي الآخرة واحتج بحرف النفي (لن) وقلنا الجواب العلمي أن يقال أن الله جل وعلا قال عن اليهود أنهم لايتمنون الموت فقال عنهم:( ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ) أي الموت ومع ذلك قال الله عن أهل النار واليهود قطعاً من أهل النار قال :( وقالوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) يتمنون الموت فدل على أن (لن) هنا تجري على أحكام الدنيا لاتجري على أحكام الأخرة ثم إن النصوص الصريحة في رؤية المؤمنين لوجه ربهم لايمكن تأويلها ولادفعها بحال في رؤية وجه ربهم تبارك وتعالى منها آيه القيامة التي مرت معنا ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغير هما (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)منَّ الله علينا وعليكم برؤية وجهه الكريم ثم قلنا بعد ذلك أن الله جل وعلا قال لموسى: (يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما ءاتيتك وكن من الشاكرين) وقلنا إن هذه الكلمه [على الناس]ليست على إطلاقها وإن من الآله العلميه في تفسير كلام الله أن يكون الإنسان مطلعاً على اللغة مطلعاً على الأحاديث مطلعاً على التاريخ فقول الله جل وعلا لموسى: (إني اصطفيتك على الناس) لا يمكن أن تكون على اطلاقها لعموم الناس لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى عليه السلام بالإتفاق فموسى عليه السلام أفضل أهل زمانه أما من قبله فإبراهيم أفضل من موسى بل إن موسى عليه السلام من ذريه إبراهيم جميع الأنبياء الذين من بعد إبراهيم من(36/5)
ذرية إبراهيم باستثناء لوط على الخلاف أنه ابن أخيه لأن الله قال: (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب) وما بعث نبي من الأنبياء كما بُينَ هذا في غير درس ولا أُنزل كتاب من السماء إلا على رجل من ذرية إبراهيم المقصود أن موسى عليه السلام أفضل أهل زمانه لكنه ليس أفضل من كان من قبل فإبراهيم أفضل منه ولا أفضل من بعد لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل كلهم. هذا ما انتهينا إليه حول سورة الأعراف ونشرع اليوم إن إنشاء الله تعالى في تأمل خمس آيات من سورة الأنفال وقد جرت العاده أننا نقدم السوره بأكملها قبل أن نشرع في تفسيرها سورة الأنفال سور مدنية ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : أن قول الله جل وعلا: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ...)هذه مكيه والله أعلم . لكن السورة في جملتها سورة مدنية وهي من أوائل السور المدنية التى نزلت . ومن أواخر السور المدنية التي نزلت سورةالتوبة.وكلتا السورتين عنيتا بالغزوات بالذات سورة الأنفال . فسورة الأنفال تكلمت عن بدر ولذلك يقولوا بعض العلماء إنها سورة (مدنية بدرية)أما التوبة فتكلمت عن غزوة تبوك وجيش العسرة وهذا كان في السنة التاسعة والنبي صلى الله عليه وسلم مات في العاشرة على هذافالتوبة من آخر ما أُنزلَ جملة من السور المدنية والأنفال من أوائل ما نزل من السور المدنية (مدنية بدرية ) وحتى نفقهه هذه السورة نزلت بعداختصام المسلمين في غنائم بدر وحتى تكون أنت في إطارعلمي حول السورة الرسول علية الصلاة والسلام خرج بأصحابه إلى بدر وكان أول أمره يريد عير قريش وقال لأصحابه لعل الله أن ينفيكموها ))أي يهبها لكم فلما نجا أبو سفيان بالعير وجاءت قريش تحاد الله ورسوله التقى الجمعان في يوم الفرقان في بدر في الموضع المعروف ما بين مكة والمدينة .وهوإلى المدينة أقرب، وقعت المعركة وهي أول معركة وقعت في الإسلام (يمكن أن تطلق عليها غزوة(36/6)
بالمعنىالحقيقي)وكان قبلها بدرالصغرى لكن لم يقع فيها قتال ووقعت تلك المعركة وأعلى الله فيها كلمة الإسلام ونصرالله جل وعلا محمداًصلى الله عليه وسلم وأصحابه وردالله القرشيين ردهم على آدبارهم فغنم المسلمون غنائم هذه الغنائم أن الجيش بعدالغزوة في آخر الغزوة انقسم إلى ثلاثه أقسام:.
1/قسم أخذ يحرس النبي صلى الله عليه وسلم خوفاًعليه أن يأتيه أحد من المشركين.
2/وقسم أخذ يجهزعلى من بقي ويتبع فلول أهل الإشراك.
3/وقسم أخذ يجمع الغنائم.فلما انتهى الأمرووقع من وقع من القرشيين في الأصل وقتل منهم من قتل وفر منهم من فر انقضت الحرب ووضعت الحرب أوزارها اختصم المسلمون في الغنائم ممن يأخذها هل أولى بها من حرس النبي عليه الصلاة والسلام أومن جمعها أومن تبع فلول أهل الإشراك.فلما اختصموا فيها لجأواإلىالنبي صلى الله عليه وسلم يسألونه فقال الله:((يسألونك عن الأنفال))قبل أن نشرع في تفسيرالأية النفل هو: الزياده علىالأصل،فالغنيمه:زيادة علىالنصرفي المعركه لأن المطلوب الأول في المعركه النصر فالغنيمه زيادة عليها وولد الولد زيادة على الولد،
ولذلك قال الله عن يعقوب لأن من ذرية اسحاق قال عن إبراهيم (ووهبنا له يعقوب نافلة )أي زيادة على اسحاق لأن اسحاق بن إبراهيم ،فوهب الله يعقوب زياده لإبراهيم على إسحاق الذي هو ولده،فأصبح وهبه ولد الولد والسنن التطوع (صلاة التطوع )زيادة على الفريضة ولذلك تسمى الأولى فريضة ويسمى مايزاد عليها نافله قال الله تعالى:(ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) فهذا أصل كلمة:نافله في اللغة وإيرادها في الشرع إذاً السؤال هنا عن أي نافلة؟ عن الغنائم والغنائم زيادة على النصر نقسم معنى الغنيمه ومعنى الفيء؟(36/7)
الغنيمة:مايناله المسلمون من عدوهم بسعي وإيجاف خيل وركاب. وماناله المسلمون من عدوهم من غير سعي ولاإيجاف خيل ولاركاب كخراج الآراضين أو جزية الجماجم هذا يسمى فيء .إذاً يوجد قسمان يناله أهل الإسلام هما الغنيمة والفيء والمقصود بالأنفال: غنيمة المسلمين يوم بدر بإجماع العلماء أن قول الله جل وعلا:(يسألونك عن الأنفال) أي ماغنمه المسلمون يوم بدر وقلنا إن هذه السوره(مدنيه بدريه) نأتي لكلمة (يسألونك) وردت في القرءآن مراراً مرة بدون واو ومرة بالواو قال الله جل وعلا في البقرة(يسألونك عن الأهلة) وقال جل وعلا في البقرة أيضاً:(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) وقال جلا وعلا:(يسألونك عن الخمر والميسر...) هذا كله بدون واو وقال جلا وعلا في المائدة :(يسألونك ماذا أحل لهم...) وقال تبارك وتعالى الأعراف (يسألونك عن الساعه...) وقال جل ذكره في الأنفال:( يسألونك عن الأنفال...)وقال تبارك وتعالى في الإسراء:( يسألونك عن الروح) وقال جل وعلا في الأحزاب:( يسألك الناس عن الساعه) وقال تبارك اسمه في النازعات (يسألونك عن الساعه) فهذه سؤلات وردت من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم من غير واو وجاءفي القرءآن يسألونك مقرونة بالواو قال الله تعالى في البقرة:(ويسألونك ماذا ينفقون) وقال جل وعلا في البقرة :(ويسألونك عن اليتامى) وقال جل ذكره في البقرة: (يسألونك عن المحيض) وقال جل ذكره في الكهف :(يسألونك عن ذي القرنين) وقال تبارك وتعالى في طه:(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا)فهذا ماتحرر بالواو وما قبلها تحررمن غيروا وبعض العلماءيقول:إن الفرق بينهما:أن يسألونك إذا لم تكن مقترنه بواو يكون السؤال قد وقع من الصحابه وإما إذاكان مقترناًبالواو فإن الله يخبر به لعلمه جل وعلاأنه سيقع والله أعلم .وأنا أقول إذا قلت والله أعلمأو سكت،معناه:أنالاأرجح في المسألة إذا لم نرجح معناه: أن الأمر لم يثبت لدينا بياناً شافياًفيه كدليل(36/8)
والله أعلم، هذامعنى حول كلمه:(يسألونك)كان المفترض:(الله يقول:(يسألونك عن الأهله)الله قال بعدها (قل هي
مواقيت للناس والحج)و(يسألونك ماذا ينفقون)(قل ماأنفقتم من خير فللوالدين والأقربين )(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا)(ويسألونك عن الروح)(قل الروح من أمر ربي) يأتي الجواب مباشرة.لكن هنا:.قال الله (يسألونك عن الأنفال)ولم يأتي جواب جاء الجواب بعد أربعين آية،أي في الآيه(41)قال الله:)واعلمواأنماغنمتم من شيءفأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم ءامنتم بالله وماأنزلناعلى عبدنا يوم الفرقان يوم يلتقى الجمعان والله على كل شيء قدير)جاءالجواب بعد أربعين آية وهذا من تربية الله للصحابة؛لماذا؟الخطأمن الرجل العظيم ليس كالخطأمن هو أقل منه ترى شاب يلعب بالكرة والمغرب يؤذن لايجوز لكن لأنه شاب تأتيه بيسرلأنك تعرف من عين القدر ومن عين الشرع هذاشاب،فتأديه باللين لكن لايقبل أن تأتي رجل إمام مسجد والآذان يؤذن وهو يلعب كرة.ما يمكن أن تقبل.فيكون تأنيبك للأمام ليس كتأنيبك لشاب... صفوة الأمة هم أهل بدر.والنبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: أما علمت أن الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم )والبدريون هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، المهاجرون/الذين تركوا ديارهم وأهليهم في مكة من أجل نصرة الدين.والأنصار/الذين قبلوا أن يأتوا هؤلاء من مكة فيؤونهم ويحمونهم ويتقاسمون معهم الأموال والله يقول:((والذين تبوءا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)) فهم هؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم من المهاجرين والأنصار أعظم أصحاب النبيين على الإطلاق وهم صفوة الأمة والرسول صلى الله عليه وسلم قال في ليلة بدر ينظر إليهم ثلاث مائة وأربعة عشرا رجلاً قال اللهم ))إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في(36/9)
الأرض أبداً)) فهم رضي الله عنهم وأرضاهم خير أهل الأرض بعد النبيين والمرسلين. فهؤلاء الصفوة يأتي منهم أنهم ما إن تنتهي المعركة يختصمون فيما بينهم على الغنائم أمر لايقبل . فرباهم الله جل وعلا وعاتبهم عتاباً شديداً قال: ((يسألونك عن الأنفال)) ولم يقل هي كذا وكذا وكذا(قل الأنفال لله وللرسول )) أي ليس لكم فيها أي اختصاص والصحابه يعلمون أن كل شيء أمره لله وللرسول عليه الصلاة والسلام يحكم فيه لكن أراد الله أن يؤدبهم(قل الأنفال لله والرسول فاتقوا)إذا علمت هذا أن الله قال في حق بدر (أهل بدر)(فاتقواالله) وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب :((ياأيها النبي اتق الله )) إذاًلا يستكبر أحد عن كلمة اتق الله ولا يوجد أحد فوق مستوى النقد كل إنسان عرضه للخطأ وكل إنسان يخطئ يُنقد ويقال له أخطأت ولو كان منزلته أيا كانت،لكن كيف تنقده يختلف، فلا تأتي لإمام مسجد أمام عشرات الناس يصلون وراءه والمئات وتقف تنقده أمام الناس ،هذا ليس من النصيحة في شيء ،ولا تأتي لمعلم أمام طلابه وتوبخه أو تنهره أمام طلابه ولا تأتي لأمير ولا حاكم في خطبة جمعه،تنقده لتذهب هيبته في الناس ولاتأتي لأب تنقده أمام أولاده ولاأم أمام بناتها،من أخلص النية في النقد سيوفق في الطريقه السليمه التي ينقد بها،لكن هنا لماذا اختلف الأمر لأن المعاتب هنا الله،فألمسألة تختلف جذرياً،ليس اختلاف كفؤ لكفؤ ليست نقد كفؤاً لكفؤ،وإنما هذا عتاب من الله لأهل بدر فقال الله جل وعلا لهم:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"أنتم انتصرتم على المشركين والأهم أن تنتصروا على ما في النفوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس الشديد بالصرعه وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"انتصار الإنسان على هوى نفسه وعلى شهواته وعلى حبه للمال ولحب لأن يكون أفضل من غيره وما يدفعه للإستئثار بالشيء هذا الذي ينبغي أن ينتصر(36/10)
عليه فإذا انتصر الإنسان على شهواته نفسه وحبه للكبروالاستعلاءعلى الغيرحقق الإنتصارالعظيم فالله يقول لنبيه ولأصحابه:(فاتقواالله وأصحوا ذات بينكم ) فالصلح:وصفه الله جل وعلا بأنه خيرويقع على عدة طرائق:أولاً: يقع الصلح مابين أهل الإيمان وأهل الكفر ودليله من نفس السوره(وإن جنحوا للسلم فا جنح لها وتوكل على الله) وهذا مرده لولي أمر المسلمين.ثانياً: وصلح يقع مابين فئتين من أهل الإسلام تحترب فيسعى ما بينهمافي الصلح قال الله تعالى:(وإن طائفتان من المؤمنين اقتلوا فأصحوا بينهما).ثالثاً:وصلح يقع مابين الزوج والزوجه قال الله فيه: (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما....)رابعا: وصلح يقع ما بين الرجل والرجل في خصومات ماليه وهذا لابد فيه من التنازل أي صلح لا بد فيه من التنازل إن لم يتنازل كلا الطرفين عن بعض حقه لا يسما صلح والسعي بين الناس في الصلح من أعظم طرائق الخير قال الله جل وعلا: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقه أو معروف أو إصلاح بين الناس) فالسعي في الإصلاح حتى مما يجوز الكذب فيه شرعا فالصلح بين الناس مما يجوز الكذب فيه شرعاً... فنعود إلى قول ربنا جل وعلى: (فأصلحوا ذات بينكم)أي كونوا أمة متحابة متآلفة لا تفرق بينكم الدنيا ولا الغنائم وهذا تربيه لصفوة الأمة وهم أهل بدر من لدن العليم الخبير جل جلاله (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله والرسول إن كنتم مؤمنين) قبل أن نأتي الآية التي بعدها ننتقل إلى الآية الإحدى والأربعين التي فسرت هذه الأية ثم بعد ذلك بين ألله جل وعلا قسمة الغنائم فقال: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم ءامنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير)هنا قسم الله الغنائم ،حب المال فطرت عليه النفوس،الله يقول:(وتحبون(36/11)
المال حباًجماً)وقال:(وإنه لحب الخير لشديد)وتفسير الخير هنا/المال والله يتكلم عن الإنسان فلا يعقل أن كل الناس يحب الخير الخيرالمعروف الذي هو ضد الشر،لكن الله هنا يتكلم عن المال،(وإنه لحب الخير لشديد)ولذلك لما علم الرب جلاوعلا أن النفوس جبلت على حب المال كان المال الذي يأتي للمسلمين على ثلاثة طرائق:.وكل هذه الثلاث تولى الله جل وعلا بنفسه تقسيمها ولم يكلها إلى أحد ولا إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.وهذه الثلاث:.أولاً:الميراث.ثانياً:الغنيمة في الحرب.ثالثاً:الصدقات(الزكاة)والجزيه تدخل في الغنيمه.فهذه كلها تولى رب العالمين تقسيمها فالله جل وعلا قسم المواريث وأعطى كل ذي حق حقه،وقسم جل وعلا الغنائم.قال(واعلموا أنما غنمتم...)إلى آخر الآيه.وجاء إلى الزكاة الشرعية وقال:(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)فهذه الثلاثة.(المصادر المالية)لم يكل الله تقسيمها لأحد وتولى جل وعلا تقسيمها بنفسه لعلمه تبارك وتعالى بحب الناس وتقاتلهم على المال جعلنا الله وإياكم ممن المال في يده وليس في قلبه ، الذي يعنينا / أن هذا الأمر تولى الله جل وعلا قسمة الغنائم . فجعلها تبارك وتعالى ، جعل الخمس لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)وقد اختلف العلماء في التوزيع لكن نختار منها قول مالك رحمه أنه يسند أمرها إلى الإمام فيعطي القرابة مايراه مناسبا ًلهم ويقسم الباقي ويضعه في المجاهدين الذين معه ، بالطريقة التي يراها مناسبة وقالوا : إن هذا فعل الخلفاء الأ ربعة من بعده صلى الله عليه وسلم نأتي هنا إلى قضية : تقسيم الغنائم على ذوي القربى ، والمقصود بذوي القربى/ قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الله ))واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذي القربى)) أي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم(36/12)
، واختلف العلماء في قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتم تقسيم خمس الغنائم عليه ،على ثلاثة أقوال :ـ أولاً:قول أنهم قريش كلهم.باعتبارأن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش وهذا أضعف الأقوال .ثانياً:وقول آخر: أنهم بنوهاشم فقط وهذا قول مالك رحمه الله والأوزاعي ومن تبعهما من العلماء . ثالثاً:وذهب الإمام أحمد والشافعي وكثير من العلماء وهو الصحيح إن شاء الله أن المقصود بهم بنو هاشم وبني المطلب وليس عبدالمطلب . تفصيل هذا علمياً :.أن النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، هذا هاشم ابن عبد مناف هذا عبد مناف والد هاشم ترك أربعة: ترك هاشماً وعبد شمس ونوفل والمطلب ، ليس عبد المطلب ، هؤلاء أربعة أبوهم واحد.هو عبد مناف،أصبحوا إخوة الأربعة النبي صلى الله عليه وسلم جاء من هاشم فالآن بنو هاشم استحقوا الخمس لأن نسب النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أمر معروف.بقينا في الثلاثه:.
1/المطلب.
2/ونوفل.
3/عبد شمس.(36/13)
تركوا أبناءلما جاءت قريش وحاصرت بني هاشم في شعب بني طالب حاصرت النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته من بني هاشم في الشعب وكان لهم ثلاثة أبناء عمومه لهم بنو المطلب،وبنو عبد شمس وبنو نوفل.بنو عبد شمس وبنو نوفل اتفقوامع قريش،بقينا في بني المطلب فقد دخلوا مع بني هاشم في الشعب ليناصروهم،فحفظها النبي صلى الله عليه وسلم لهم،فلما جاء يقسم الغنائم بعد خيبر جاءه من ذرية عبد شمس عثمان بن عفان رضي الله عنه وجاءه من ذرية نوفل/جبير بن مطعم رضي الله عنه وقالا يارسول الله لما وزع الغنائم أعطى بني المطلب وأعطىبني هاشم قالارضي الله عنهما يارسول الله:كونك تعطي بني هاشم هذه لا نعترض لأن الله عزهم بك لكن ما دمت أعطيت إخواننا من بني المطلب فنحن وبني المطلب إخوة فلماذا فرقت بيننا؟فقال صلى الله عليه وسلم:(إن بني المطلب لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام)لأنهم دخلوا معهم في حصار الشعب.ثم شبك بين أصابعه،وقال:إنما بنوالمطلب وبنو هاشم شيء واحد.فأصبح هذاالحديث حجه ظاهره في أنهم يعطون من الخمس كما يعطي بنوهاشم.وفيه مثل يقول:إذا جاء سيل الله بطل سيل معقل.فما دام هذا الحديث نص في الموضوع يعتذر الذين قالوا أنها محصورة في بني هاشم أوعامة في قريش كلها.هذا توزيع الغنائم كما أمر الله جل وعلا وقد بيناه. نعود للسورة الآن .قال جل وعلا ذلك ، بعد أن ذكرنا قضية بدر. وقلنا إن معركة بدر هي أول معركة بين أهل الحق وأهل الباطل .بين المسلمين وبين الكفار. والنبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر بعد أن ألقي فيه الجمع منهم وأخذ يسألهم هل وجدتم ماوعد ربكم حقاً ، فأني قد وجدت ماوعدني ربي حقا،فجاءه عمررضي الله عنه وقال يارسول الله : كيف تكلم أقوام قد جيفوا فقال: يا عمر ماأنت بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لايملكون جوابا قال حسان :
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا
أصبت وكنت ذا رأي مصيب(36/14)
لكن كتب الله عليهم ما كتب عياذاً بالله هذه معركة بدر وهذه سورة الأنفال التي نزلت تبين الموقعة وتذكر جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تلك المعركة.نعود للسورة نفسها ثم قال الله جلا وعلا انتهى من هذه القضية يربي عباده الصالحين على الإيمان قال:"إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون*الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون *أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم"ذكر الله جل وعلا هنا أصحاب المنازل العالية من أهل الإيمان،المقربون ، أهل الدرجات الرفيعة ،أهل الإيمان الحق الذين اصطفاهم واجتباهم سواء من النبيين أو من أتباعهم إلى يوم الدين.فلم يذكر الله أعياناًًًًًًًًًًًًً باسمائها وإنما ذكر صفات يتحلون بها،جعلتهم مؤمنين حقاً،فقال في أولها " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " والوجل هو الخوف والمعنى: أنهم يصيبهم من الخوف والوجل والطمع والرغبة فيما عند الله ما تقشعر له الأبدان وترتجف له القلوب ثم لا تلبث قلوبهم أ ن تسكن وجوارحهم أن تهدأ بعد ذكر الرب تبارك وتعالى وهذا من أعظم دلائل الإيمان أن يجل قلب المؤمن إذا ذكر الله تبارك وتعالى وهذا من أعظم دلائل الإيمان أن يجل قلب المؤمن إذا ذكر الله تبارك وتعالى فإذا خوف بالله خاف وإذا ذكربالله ذكر وإذا اتعظ بالله وعظ وإذا قيل له اتق الله لم تأخذه العزة بالإثم هذا الذي قال الله عنهم (إنما الؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم....)ثم قال: وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا) فالإيمان يزيد وينقص ينقص بالمعاصي ويزيد بالطاعات وأن مما يزيد إيمان المؤمن تلاوة كلام الرب جلا وعلا بل هذا من أعظم مايزيد الإيمان قال الله تعالى:(وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين إلاخساراً) والمؤمن ينبغي عليه أن يكون يومه خيرمن أمسه وغده خيرمن يومه،(36/15)
يزداد إيماناًكلما تلى هذا الكتاب العظيم وعلم أن هذا القول قول الله جل وعلا وهذه مناقب ذكرها الله جلا وعلا في الأنبياء وذكرها الله جل وعلا في الرسل وذكرها الله جل وعلا في العامة.قال الله في الأنبياء:(أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم ءايات الرحمن خروا سجداًوبكيا)وقال جلا وعلا عن أهل العلم:"قل ءامنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً* ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا* ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) وقال الله عن عامة الناس (إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءآمنا فاكتبنا مع الشاهدين *ومالنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين* فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهارخالدين فيها وذلك جزاء المحسنين)) فالمؤمن يحاول قدر الإمكان أن يرقى بنفسه إلى مستوى من وصفهم الله ونعتهم من أهل الدرجات العالية ممن وعدهم الله جنانه ومغفرته والرزق الكريم ،جعلني الله وإياكم منهم. ثم قال جل ذكره ( وعلى ربهم يتوكلون ) وهذا متصل بما قبله فإن من رزق الإيمان ومعرفة الله وما لله من كمال عظيم الرحمة وكمال القدرة وجلال العطاء وأن الله جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه يجيب من دعاه ويؤي من لجأ إليه وأنه لا ملجأ ولا منجأ منه تبارك وتعالى إلاإليه صدق توكله على الله ، فذكر الله جل وعلا في الأول ثلاثة من صفات القلوب وهي:أولاً:الوجل أي الخوف . ثانياً:ثم ذكر زيادة الإيمان ثالثاً:ثم ذكرالتوكل وكلها أعمال قلوب . ثم انتقل جل وعلا إلى أعمال الجوارح وقال:(والذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) والصلاة أعظم ما افترضه الله جل وعلا على عباده وخلقه بعد(36/16)
الشهادتين بها يتقرب العبد إلى ربه ولذلك فرضت الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج فلما كان صبيحتها كما قال سعيد بن جبير وغيره. صبيحة ليلة الإسراء المعراج بعد أن زالت الشمس يعني عند حلول وقت الظهرنزل جبريل من السماء فأم النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت فكانت أول صلاة فرضت من الصلوات الخمس صلاة الظهر أمَّ بها جبريل نبينا صلى الله عليه وسلم ليومين متتاليين صلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في أول وقته ثم صلى به كرة أخرى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في آخر وقتها وقال له بعد ذلك وهو يعلمه الصلاة ما بين هذين الوقتين أي ما بين هذين كله كله صلاة. والمؤمنون حتى في الصلاة يختلفون: من الناس والعياذ بالله من لا يصليها وهذا محال أن يطلق عليه مؤمن ومن الناس والعياذ بالله من يصليها في بيته من غير عذر ومنهم من يأتي إلى الجماعة ومنهم من هو أرقى درجة وأرفع منزله يسابق إلى التكبيرة الأولى قال صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي بسند حسنه العلامة الألباني رحمه الله:(( قال من صلى لله أربعين يوماً يدرك التكبيرة الأولى .(أي تكبيرة الإحرام ) كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق)) وفقنا الله وإياكم لهذا العمل ثم قال جل وعلا يختم أعمالهم ((ومما رزقناهم ينفقون )) فالإنفاق مما آتاك الله حسن ظن بالرب جل وعلا وأن الله قادر على أن يعوضك وقد جاء في الأثر. لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قال:ورجل تصدق بصدقه فأخفاهاحتىلا تعلم شماله ماتنفق يمينه ثم لما ذكر الرب تبارك وتعالى صفاتهم ونعوتهم والسرائر أمرها إلى الله،ذكر الله جل وعلا ما أعد لهم فقال عنهم(أولئك هم المؤمنون حقاً)ولا يعني ذلك أن من لم يبكي بخشية الله ليس بمؤمن، لأن الله يتكلم هنا عن أهل المنازل العالية ولايتكلم عن الإيمان الذي يفرق به من الإيمان والكفر فربما رجل هذه الخمس(36/17)
تجتمع فيه بعضها،ولا يجتمع فيه كلها فلا يقال عنه/أنه ليس بمؤمن،كل من شهد أن لاإله إلا الله وأن محمداًرسول الله ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا فالأصل أنه مؤمن،ثم أهل الإيمان يتفاوتون والأعمال قرينة الإيمان لا انفكاك بين الإيمان والعمل الصالح.ثم قال الله(أولئك هم المؤمن حقاً لهم درجات عند ربهم..)أي لهم درجات عالية في الجنة، والجنة لها ثمانية أبواب في صورة أفقية ويأتي عليها يوم وهي كضيض من الزحام وفي داخل الجنة درجات متفاوتة ولقد سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه عن أهل الدرجات العلى فقال الله جل وعلا كما في الحديث القدسي(أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي،فلم تسمع أذن ولم ترى عين ولم يخطر على قلب بشر)وقال الله في سورةالسجدة(فلا تعلم نفس ماأخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)والله لو أن ملكاً من ملوك الدنيا أجرى مسابقة وقال لمن يفوزبها أعطيه جائزة يتوقعها لتسابق الناس إليها لعلمهم أن هذا الملك لايمكن أن يعطي جائزة وضيعة يعير بها وأن الناس يتوقعون أن ينال هذا الفائز أعظم شيء مادام الملك قد أخفاه لأن الملك سيعطي على قدر ملكه فكيف إذا كان المانح والمعطي ومخفي الجائزة رب العالمين جل جلاله،من بيده خزائن السموات والأرض وله جل وعلا السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى فقال الله:(أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي)"فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" كما في الآية.ثم قال:(ومغفرة) دلالة على أن هؤلاء الذين هم المؤمنون حقاً لا يمكن أن يكون قد خلوا من الذنوب كلها هذا محال لا يمكن أن يوجد أحد خلى من الذنوب كلها،كلنا متكلم وسامع ومن قبلنا ومن بعدنا كلنا ذو خطأ ولن ندخل الجنة بأعمالنا لكن المؤمن شبه النبي صلى الله عليه وسلم كالفرس المعقود حبله في مكان ثابت مهما بعد يعود إلى مكانه ، مهما نأى يعود إلى مكانه كذلك المؤمن ،فالمسلم مهما نأت به(36/18)
المعصية أحياناً يفئ إلى ربه ويرجع إلى مولاه ويجدد التوبة ويسأل الله غفران الذنوب ويأتي بالحسنات علَّ الله أن يكفر بها ما سلف من الخطايا قال الله:(( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى لذاكرين)) وإن كنت قد ابتليت بنوع من المعاصي فليس الحل أن تبقى على أن تبقى على تلك المعاصي وتداهن أهلها وتبقى معهم الحل :
أن تتوب وترجع ولأن تلقى الله وأنت خلطت عملاً صالحاً وآخرسيئاً خير لك من أن تلقى الله وليس لك من العمل الصالح شيء ، والمؤمن حصين عاقل يعلم أن الله يغفر الذنوب ويقبل التوبة والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأن أغفر الذنوب جميعاًً فاستغفروني أغفر لكم) فالله جل وعلا وسعت رحمته كل شيء وباب توبته مفتوح وهو جل وعلا يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل فلا انفكاك من التوبة والأوبة والرجوع إلى الله جل وعلا ثم قال سبحانه :((ورزق كريم )) وهذا الرزق جاء بعضه في القرءآن قال الله عن أهل الجنة: ((كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهرة )) يقطف أحدهم الثمرة فما أن يقطفها وتقع في يده إلا وتحل محلها أخرى مثلها تماما فإذا أخذوا الثانية ورجعوا إلى الثالثة قالوا : ((هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها ))كما قال الله ((ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيهاخالدون))اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أنت ربنا لا إله إلا أنت لا رب لنا غيرك ولا إله سواك أنت خالقنا ورازقنا ، ولي نعمتنا وملاذنا عند كربتنا ، نسألك اللهم في هذه الليلة المباركة أن تصلي على محمد وعلى آله وأن تسلم تسليماً كثيرا وأن تغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها سرها وعلانيتها أولها وآخرها اللهم تب على من تاب من يارب العالمين(36/19)
اللهم تب علينا جميعاً ياذا الجلال والإكرام اللهم من حضر درسنا هذا يريد أن يتقرب إليك ويسدرف إليك فاللهم تب عليه وأعنه على نفسه يا ذا الجلال والإكرام وأكرم مجيئه يا حي يا قيوم وارزقه التوبه النصوح الصادقه إليك يا ذا الجلال والإكرام اللهم إن لنا من الذنوب والخطايا ما لا يعلمه غيرك ولا يعرفه سواك فاغفر اللهم لنا ذنوبنا أجمعين ياذا الجلال و الإكرام واجعلنا اللهم مباركين أينما كنا لا إله إلا أنت اغفرلنا ولوالدينا ولمن له حق علينا ورزقنا اللهم من فضلك واغننا بفضلك عمن سواك اجعلنا اللهم من افقر خلقك إليك واغنا عبادك بك لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين (سبحان ربك رب العزة عما يصفون *وسلام على المرسلين * والحمد لله ربالعالمين ) .(36/20)
تأملات في سورة التوبه(1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلىآله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره وتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ...أما بعد..فهذا هو اللقاء المتجدد حول تأملات لنا لكتاب ربنا جل جلاله وقد كنا قد انتهينا إلى سورة الأنفال وسنشرع اليوم إن شاء الله تعالى في تأملات في سورة التوبة سائلين الله جل وعلا التوفيق لما يحبه ويرضاه والعون والسداد على التأمل فيها ...على أنني أكرر ما أقوله دائما إن المخاطب في مثل هذه التأملات هم طلبة العلم في المقام الأول ولهذا يهمنا جدا أن نعرج على مافي الآيات من مسائل علميه يحسن تدوينها والمقصود من هذه الدروس وأضرابها المقصود من ذلك كله إنشاء جيل قرءآني يتدبر القرآن وهذه مساهمة لا أكثر ولا أقل في إحياء جيل ينشأ على تدبر القرآن لأن الله جل وعلا نعى إلى أهل الإشراك إغفالهم عن القرآن بقوله (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)فإننا نقول مستعينين بالله جل وعلا سورة التوبه سورة مدنيه وعدد آياتها/مائتان وتسع وعشرون آية وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن كما ثبت عند البخاري في صحيحه في كتاب التفسير من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه (أن سورة براءه من آخر مانزل) وليس المقصود بأنها آخر ما نزل كآيه وإنما كسورة مجمله هي آخر ما نزل وإلا كآيه قد عرجنا عليه في مسائل عدة .اختلاف العلماء في آخر مانزل منهم من قال (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) وهو الأظهر.ومنهم من قال إنها آية المائدة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وقيل غير ذلك لكن هذين هما المشهوران الذي يعنينا أن سورة التوبه هي آخر مانزل وقبل أن نشرع في تفسير الست(37/1)
الآيات الأول منها نقدم اجمالا عن هذه السورة، النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله جل وعلا عليه القرآن أول ما أنزل (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فكان لم يؤمر صلى الله عليه وسلم بأن يبلغه إلى الناس كان يقرأه بينه وبين نفسه ومن سنة الله في خلقه التدرج وعدم اعطاء الشيء دفعه واحدة فمن رام شيئا دفعه واحدة سيسقط عما قليل ولكن الله جل وعلا له سنن لاتتبدل ولا تتغير والله لايعجل لعجلة أحد من خلقه والله يقول لعبده (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) فلا يعطى الإنسان العطايا مره واحدة وإنما يتدرج فيها على هذا بنيت الدنيا... على هذا أجرى الله السنن في الكون، فهذا النبي الكريم أنزل عليه (اقرأ باسم ربك الذي خلق)ولم يقل له (ادع الناس) ولم يقل له"اتل القرآن على الناس"ولم يقل له شيء من ذلك فلما نزل من ذلك الجبل خائفا وجلا وضمته زوجته خديجه رضي الله عنها وءآوته واطمأنت نفسه أنزل الله جل وعلا عليه (يا أيها المدثر* قم فأنذر) ينذر من؟أنزل الله عليه(وأنذر عشيرتك الأقربين) الذين حوله ولم يؤمر بأكثر من هذا ثم بعد ذلك أمر بالعرب الذين في مكه وحولها قال الله (لتنذر أم القرى ومن حولها) والقرآن يجب أن يفهم مقرونا بالسنة لأن من أخطاء من وقع في كتاب ربنا جل وعلا أنهم فهموا القرآن مجزوءا ولم ينظروا إلى سيرته صلى الله عليه وسلم وسنته حتى يفهم القرآن ومن أراد أن يفهم القرآن من غير السنه ومن غير سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فلن يفهم شيئا وهذا هو الذي وقع فيه الخوارج الأولون لما حاربوا حتى الصحابه لأنهم يفهموا مراد الله على ماأراده الله من رسوله صلى الله عليه وسلم فالله يقول(لتنذر أم القرى ومن حولها)لكن لايقصد الله بهذا نهاية النذارة وإنما التهيئه تدريجيا ثم أمره الله بأن ينذر العرب قاطبة ثم لما مكن الله له في الأرض صلوات الله وسلامه عليه وعقد صلح الحديبيه مع أهل مكة واطمأن من مقاومتهم أخذ صلى(37/2)
الله عليه وسلم يأتي بعالمية الدعوة ويراسل الملوك والزعماء آنذاك ليحقق قول الله جل وعلا(تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقوله جل وعلا(وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين) في ظل هذا المفهوم يفهم الإنسان المقصود من سورة التوبة هذه السورة قلنا إنها من آخر مانزل في عام تسع من الهجره في شهر رجب خرج النبي صلى الله عليه وسلم بجيش العسرة إلى تبوك وقد قلنا في أكثر من درس أن هذه الغزوة سميت في القرآن بغزوة العسرة قال الله جل وعلا (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) وسماها النبي صلى الله عليه وسلم في السنه/ غزوة تبوك ولذلك الإمام البخاري رحمه الله لما تكلم عنها قال "باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة"حتى يجمع بين تسمية السنه وتسمية القرآن. المقصود في عام تسع من الهجرة خرج صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة إلى تبوك هذا الظرف الذي كان في جيش العسرة، كان فيه شح في المال وظهور في الثمار وحرا في المناخ أصاب الناس فتن فانقلبت الناس، كانوا أقسام في اتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم .منهم المثبطون، المحبطون، الناصرون، البكاؤون...فرق شتى فنزلت هذه السورة تبين حال المجتمع المدني وقت أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة واستنفر الناس إلى غزوة العسرة بينتهم بجلاء فكشف الكثير من الأسرار كما سيأتي ثم بعد ذلك بعد عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك لما عاد من... تخوم البلغاء وأذعن له الروم عامة بمعنى أنه لم يحصل حرب لكن اطمأن صلى الله عليه وسلم أن الروم لن تغزوه فرجع من تبوك لما لم يجد قتالا رجع إلى المدينة أراد صلى الله عليه وسلم أن يحج في العام التاسع ثم قال: إن العرب تحج وهي عراة وأنا لاأريد أن أحج على هذا الوضع فأمر أبا بكر رضي الله عنه أن يخرج بالناس حاجا .أمير على الحج لأن مكه كانت قد فتحت في العام الثامن ونحن نتحدث في العام التاسع فبعث النبي صلى(37/3)
الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج ثم بعد ذلك اتبعه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ليظهر في الناس مقدمة سورة براءه فمقدمة سورة براءه الآيات الأول من سورة براءه الخمس الأول أوالست الأول من سورة براءه وإن كانت في مقدمة السورة إلا أنها من آخر مانزل في نفس السورة ،لأن السورة تكلمت عن المنافقين وعن حالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مابين رجب إلى ذي الحجه ثم جاءت مقدمة السورة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها في المقدمه فالقرآن ترتيبه الآن الذي نقرأه ليس على ترتيب نزوله من أهم مايجب أن تعلمه أن ترتيب القرآن على مانقرأه ليس على ترتيب نزوله فالفاتحه مثلا أول القرآن لكنها ليست أول سورة فالآيات الخمس من سورة العلق هي أول مانزل، فترتيب القرآن ليس ترتيبا حسب النزول وإنما لحكمه توقيفيه آرادها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه كان يملي الكتبه ويقول افعلوا كذا... واتركوا كذا... وضعوا الآيه في مكان كذا... والسورة بعد كذا... فترتيب القرآن ترتيب سور المصحف ترتيب توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم نفذه الصحابه .الذي يعنينا هذا هو المناخ العام لفهم سورة التوبه إذا ينجم عن هذا أن سورة التوبه ذكرت مواضيع عدة لكنها يمكن أن يقال أن موضوعين رئيسيين تضمنتها سورة التوبة:ـ الموضوع الأول :ـ علاقة المسلمين بالمشركين وأهل الكتاب.(37/4)
الموضوع الثاني:ـ كشف أسرار المنافقين وحال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينه وفي جيش العسرة على وجه الخصوص .هذان الموضوعان الرئيسيان اللذان تعرضت لهما سورة التوبه قال الله جل وعلا (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين *فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين*وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم...)إلى آخر الآيات إلى أن قال الله (وإن أحد من المشركين استجارك...) الأيه السادسه هي سنتكم عنها في لقاء هذا اليوم أول ما يلفت النظر في هذه السوره أنها ليست مصدره بالآيه الشهيره (بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم) ولذلك اختلف العلماء لماذا لم تصدر سورة براءه بـ (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم) على أقوال عده:ــ
أشهر هذه الأقوال ثلاث:ــ
وسنبدأ بالأضعف ثم الأقوى ثم ما نره راجحا على عادتنا في التفسير..
*أما الأضعف: فقد قيل إن من أسباب عدم ذكر( بسم الله الرحمن الرحيم) في أول سورة براءة أنها جرت عادة العرب أنه إذا كان ما بين قوم وقوم عهد فأراد أحدهم أن ينقضه كتبوا إليهم كتابا غير مصدر بالبسمله وهؤلاء يعنون بكلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) (باسمك اللهم) هذا قول ذكره العلماء وهو أضعف الأقوال...
القول الثاني:ــ(37/5)
ما رواه الحاكم في المستدرك وأحمد في المسند من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:ــ أن ابن عباس سأل عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال له: لما جعلتم سورة الأنفال وهي من المثاني وبعدها سورة التوبة وهي من المئين ولم تجعلوا بينهما (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه لابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا نزلت عليه السوره أو الآيه يقول ضعوها في مكان كذا في سورة كذا بعد كذا وكذا وإن سورة الأنفال من أول ما نزل بالمدينه وإن سورة التوبة من آخر مانزل فمات النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يبين لنا هل هما سورة واحده أم لا فاختلف الصحابه فمنهم من قال إنهما سورة واحده ومنهم قال إنهما سورتان فلم يفصلوا بينهما وجعلوا بينهما فرجه حتى يعرف أنهما سورتان منفصلتان ولم يكتب بينهما (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى يبقى قول من قال إنهما سورة واحده يعني/ الصحابه تراضوا على هذا القول أنهم جعلوا بينهما فرجه حتى يرضوا من قال أنهما سورتان ولم يكتبوا (بسم الله الرحمن الرحيم) بينهما حتى يرضوا من قال: أنهما سورة واحده هذا القول اختاره العلامه الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان وقال: كعادته قال: مقيده عفى الله عنه وهو أظهر الأقوال عندي "عند الشنقيطي رحمه الله" هذا بناء على صحة الحديث والحديث رواه الحاكم كما قلت وقال صحيح على شرطيهما ولم يخرجاه (أي على شرطي البخاري ومسلم) ولم يخرجاه معناه/ لم يذكراها في الصحيحين هذا على صحة الحديث وقلت رواه أحمد في المسند ورواه البيهقي في السنن لكن قال الألباني رحمه الله: إن الحديث ضعيف وأغرب منه قال العلامه أحمد محمد شاكر محقق كتاب المسند قال: إن الحديث موضوع لا أصل له وهذا صعب أن يقال لكني لم أطلع إلى الآن على نص كلامه لكن كلامه مثبت في مكان آخر. قال: إن الحديث موضوع لا أصل له والحق أن المتن يؤيد قول أحمد محمد شاكر رحمه الله لأن(37/6)
الحديث فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يبين لنا هل هما سورة أو سورتان هذا صعب أن يقال فمتن الحديث يساعد على قول العلامه أحمد محمد شاكر أن الحديث لا أصل له وقلت: إن الألباني رحمه الله يقول إن الحديث ضعيف أما من رأى صحة الحديث من العلماء كالترمذي حسنه أخذ به وذهب إلى أنه ما دام حسنه فهو صحيح عنده والأثر مقدم على العقل مقدم الأثر على الرأي عند كثيرين فلذلك اختار الشنقيطي رحمه الله القول بأن أظهر الأقوال هو هذا القول المحكي عن عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه...
القول الثالث:ـــ(37/7)
مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعن سفيان بن عينيه المحدث المشهور وهذا القول هو الذي عليه أكثر العلماء وهو الذي نراه ونرجحه ونختاره والله أعلم، وهو أن سورة براءة نزلت بالسيف و (بسم الله الرحمن الرحيم) فيها أمان ورحمه والأمان والرحمه لا يتفق مع السيف وسورة براءة نزلت بالسيف والبراءه من أهل الإشراك وقوة الحجه على المنافقين وهذا لايتفق مع قوله جل وعلا (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا مجمل الأقوال الثلاثه التي ذكرها العلماء رحمهم الله في قضية لماذا لم تصدر سورة براءة بقول الرب جل وعلا (بسم الله الرحمن الرحيم) وخلاف العلماء فيه بقية... الأقوال يجب أن لا ينظر فيها لأنها بعيده جدا فيما نحسبه عن الصواب والله تعالى أعلم نعود إلى السوره:ـ قال الله في أولها: قبل أن نذكرها تفسير تفصيلي نقول: هذه السورة من أسمائها سورة الفاضحه وهذا مروي عن ابن عباس لأنها فضحت أحوال أهل النفاق وقد قال سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس أحد مشاهير التابعين خرج على الخليفه عبد الملك بن مروان فقتله الحجاج بن يوسف بأمر من عبد الملك بن مروان في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث طبعا أنا أؤكد على من هم المفسرون وأذكر طرفا من أخبارهم لأنك تدرس تفسير فينبغي أن تعرف الأحاديث المعينه في التفسير والعلماء الذين تصدروا أهل التفسير وسعيد بن جبير هذا عرض القرآن على ابن عباس من أوله إلى آخره ثلاث مرات ، يستوقفه عند كل آيه ولما قتل الحجاج سعيد بن جبير بعد ذلك بسنين قال الإمام أحمد رحمه الله: قتل الحجاج سعيدا وما من أحد من أهل الأرض إلا وهو مفتقر إلى علم سعيد وقلنا إن سبب قتل الحجاج لسعيد بن جبير أنه خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث على عبد الملك بن مروان الخليفه الأموي المعروف الذي يعنينا أن سعيد بن جبير يقول: سألت ابن عباس عن سورة براءة فقال: هي الفاضحه ما زال ينزل ومنهم... ومنهم... ومنهم... يعني يذكر الله فيها(37/8)
المنافقين (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا....) إلى آخر الآيات فما زال ينزل ومنهم ومنهم ...حتى خفنا ألا تدع أحد منهم فلذلك سميت بالفاضحه لأنها فضحت أحوال أهل النفاق عياذا بالله هذا ما يتعلق بتسمية السورة وقد أوصل الزمخشري رحمه الله في كتابه [الكشاف] عدد أسماء السورة إلى أربعة عشر. والزمخشري عالم لغوي شهير لكن عقيدته عقيدة المعتزله فجار الله الزمخشري رحمه الله وعفا عنه من مشاهير المعتزله ودافع عن مذهبهم دفاعا صلبا وإن كان من أفذاذ العلماء في اللغه والذي يعنينا الآن الرجل مات وأفضى إلى ما قدم الذي يعنينا العلم وقد ذكر أربعة عشر اسما في السوره لكنها كلها يدور في فلك واحد كلها يدور حول قول سعيد ابن جبير أنها الفاضحه هذا ما ذكرناه في سبب عدم تصدر السوره (بسم الله الرحمن الرحيم) وقلنا إن من أسمائها الفاضحه قال الله فيها: ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) يوجد مُتَبَرِئْ ويوجد مُتَبَرَأْ منه فالمُتَبَرِئْ/" الله ورسوله..."
والمُتَبَرَأْمنه/" من الذين عاهدتم من المشركين..."
البراءه/ الإنفكاك والتخلص من الشيء ولا تكون البراءه من شيء إلا إذا كنت لا تريده بالكليه وهي أعظم صفات الإنفكاك من الأشياء فأنت إذا تعاملت مع أحد وأخذت صك براءه فلا يستطيع خصمك أن يطالبك بأي شيء لانفكاك تماما عنه فالله جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس هذه طبعا براءه: خبر لمبتدأ محذوف تقديره/"هذه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين" النبي عليه الصلاة والسلام كان الناس حوله ثلاثة أقسام:ــ
1/ أهل حرب.. 2/أهل ذمه.. 3/ أهل عهد..
1/أهل الحرب:ـــ
الذين يحاربونه والذين مازال بينهم وبينه حروب....
2/أهل العهد:ـــ
الذين في الأصل هم محاربون لكن يوجد عهد لمده معينه....
3/ أهل الذمه:ـــ(37/9)
غير مسلمين يعيشون تحت حكم المسلمين، كاليهود الذين كانوا أفرادا في المدينه هؤلاء يسمون أهل ذمه.
الخطاب هنا ليس موجها لا لأهل الحرب ولا لأهل الذمه موجه لأهل العهد (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) هذه البراءة فيها (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) معنى الآيه يأخي: أن من كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد أو لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فقد جعل الله لهم أربعة أشهر هذه الأربعة أشهر حرم الله فيها على المسلمين قتال أهل الإشراك قال لهم (فسيحوا في الأرض) الخطاب/ للمشركين سيحوا في الأرض أي اقبلوا وادبروا...سافروا...اذهبوا كيفما شئتم..لن ينالكم أذى من المسلمين هذا بأمر من الله لكن بعد الأربعة أشهر ينتهي الأمان..كما سيأتي..(37/10)
(فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ثم قال الله (واعلموا أنكم غير معجزي الله) أي وإن أذن الله قدرا وشرعا أن تبقوا أربعة أشهر تسيحون في الأرض إلا أن ذلك لا يعني أبدا خروجكم وانفكاككم عن سلطان الله لأن هذا العطاء من الله أصلا (وأن الله مخزي الكافرين) الخزي في الكافرين واقع لامحاله في الدنيا والآخره واقع في الدنيا/ بالحرب والقتل والأسر وبما يقع فيه من التعذيب والنكال. ويقع في الأخره قطعا/بشيء واحد هو عذاب النار(فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)يجب أن تعلم أن المخاطب بها :المشركين لذلك لايجوز نزع الآيه من سياقها والاحتجاج به وقد قرأت مرة لأحدهم يكتب عن السياحه وعلى أنه يجوز للمؤمن من السياحه مطلقا في أي ديار فقال فإن السياحه مباحه قال الله جل وعلا (فسيحوا في الأرض) وهذا إخراج النص من سياقه ووضعه في موضع غير موضعه هذا (فسيحوا في الأرض)مخاطب بها/المشركون والمقصود أنه لكم أمان من الله .أن تبقوا في الأرض أربعة أشهر أعطاكم الله إياها حتى يراجع المرء منهم حسابه ويتدبر في أمره ربما يفيء على أمر الله،بعد ذلك ينتهي الأمان الذي أعطاهم الله جل وعلا لهم ثم قال الله (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الكافرين بعذاب أليم) الأذان في اللغه/ هو الإعلام ،هذا الأذان تولاه علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه النبي صلى الله عليه وسلم قدمنا أنه بعث أبو بكر رضي الله عنه أميرا على الحج فلما وصل أبو بكر رضي الله عنه إلى ذو الحليفه بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعده علياً وأبو بكر رضي الله عنه حج بالناس وهو على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العظباء أميرا على الحج في العام التاسع فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة سورة براءة أعطاها لعلي رضي الله عنه فأخذها علي رضي الله عنه حتى لحق بأبي بكر رضي الله(37/11)
عنه لذي الحليفه المسماه اليوم (بأبيار علي) طبعا لا علاقه لعلي بها وإنما التسميه هذه جاءت متأخره أما على عهد الصحابه والتابعين لم تسمى (أبيار علي) وإنما هذه سميت متأخره للرجل اسمه علي مجهول لا يعرف لكنها مذكوره في التاريخ القديم الذي يعنينا وصل علي رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال أبو بكر لعلي وهذا من أدب الصحابه بعضهم مع بعض قال له: أمير أم مأمور فقال علي رضي الله عنه: بل مأمور هذه البراءه لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من أهل الإشراك وأن يبين حاله مع مشركي العرب، والإسلام دين واضح لا خداع فيه ولا تمويه لما أمر الله نبيه أن يفعل هذا جرت العاده أن مثل هذه الأمور لا يبلغها إلا الرجل بنفسه أو رجل من عصبته ولا شك أنه من حيث القرابه والعصبه واللصوق بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن عليا أقرب للنبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر رضي الله عنه وإن كان أبو بكر أفضل من علي رضي الله عنه قطعا لكن علياً ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر بل ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من كل أحد لأنه زوج ابنته وتربى في حجره وابن عمه وقد قال الإمام أحمد رحمه الله لم يجمع لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص ما جمع لعلي رضي الله عنه وهو الذي تولى غسله عليه الصلاة والسلام فالصحابه الذين من آل البيت كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أيام وفاته كانوا إما يحملونه صلى الله عليه وسلم يعني العباس كان مسند يده ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأسامه كان يسكب الماء لكن كان الذي يباشر الماء علي رضي الله عنه ولما نزلوا في حفرته عليه الصلاة والسلام كان علي من باشر دفنه صلوات الله وسلامه عليه فعلي من حيث القرابه ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم من كل رجل وإن كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وله مزيه لكن تأخر إسلام العباس جعل لعلي تلك المنزله فالرسول صلى الله(37/12)
عليه وسلم حتى يبين للعرب الذين لهم أعراف وعادات يحكمها النظام القبلي القديم أبقاه النبي صلى الله عليه وسلم وبعث عليا بالبراء بفواتح سورة براءة مع أبي بكر رضي الله عنه فكان الأمير هو أبو بكر رضي الله عنه وإنما تبليغ البراءه مسند إلى علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه الله يقول :(وأذان من الله ورسوله إلى الناس) الآن لم يقل الله ما هو الآذان ما هو الإعلام (إلى الناس) ذكر الله الزمن تشويقا (يوم الحج الأكبر) واختلف العلماء رحمهم الله بما هو المقصود بيوم الحج الأكبر على أقوال: لكن هذه الأقوال تزدحم أخيرا في قولين وقولنا دائما من قواعد العلم..ضيق المسافات حتى تصل إلى قمة الهرم فذكرت أقوال عده تضيق منها من قال :أنه يوم عرفه وهو منقول عن كثير من الصحابه والذي عليه أكثر العلماء وأهل التحقيق أنه يوم النحر وسمي يوم الحج الأكبر لأنه لا تجتمع أعمال الحج في يوم كما تجتمع في يوم النحر والذي يظهر والله أعلم أنه يوم الحج الأكبر هو يوم النحر الآن إلى هنا لم يقل الله ما هو الأذان قال الله:(وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله..) والغايه المجمله من الآيه براءة الرب جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم من أهل الإشراك وهذا يدل على أنه ليس بين المؤمن والمشرك في الأصل أي عقد من الولايه وبين كل مؤمن ومؤمن عقد من الولايه بأصل الإيمان فمهما اختلفت اللغات والجنسيات وتباعد الديار وما أحدثه الإستعمار من فرقه إلا أن الله يقول: (إنما المؤمنون إخوه) فأنت ومنهم في أقصى الشرق أو في أقصى الغرب إخوان في المله والدين ولو أن أخاك من أمك وأبيك لا قدر الله كان كافرا فليس بينك وبينه أي ولايه لا ترثه ولا يرثك والله يقول عن إمام الحنفاء إبراهيم:(فلما تبين له) أي أن أباه (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) والمقصود من هذا أن الله جمع المؤمنين بتوحيده وخالف بينهم(37/13)
وبين أهل الإشراك لأنهم أشركوا فقال الله:(وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله) هذه البراءه لم يكن وحدها التي ذهب بها علي وإنما أمر علي أن ينادي في الناس بأربعة أمور: 1/أن لا يطوف بالبيت عريان وكانت قريش تسمى نفسها الحمس ويقولون لمن يقدم عليهم من خارج مكه لا يجوز أن تطوف في ثياب فأنت واحد من أمرين:ــ إما أن تشتري ثوبا قريشا أو تأخذ ثوبا من أحد قريش أو أن تطوف عريانا فكان الناس بعضهم يطوف عراة على فقه قريش فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن ينادي بألا يطوف بالبيت عريان..2/ أن لا يدخل مكه بعد هذا العام مشرك وهذه قالها الله في كتابه: ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) فلا يقرب المسجد الحرام مشرك..3/ من كان له عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده إلى مدته.4/ أنه لا يدخل الجنه إلا نفس مؤمنه..ختم الله لنا ولكم بالإيمان وأدخلنا الله وإياكم الجنه.هذه هي التي أذن بها علي رضي الله تعالى عنه في الحج (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله...)نأتي عند "ورسوله" وقلنا هذا الدرس علمي هذه "ورسوله" الواو هنا تحتمل احتمالين:ـالإحتمال الأول/ أن تكون عاطفه والإحتمال الذي عليه القراءه اليوم وهي أن تكون:ـ استئنافيه فإن كانت عاطفه فلها من حيث التصور احتمالان: الإحتمال الأول/ والإعتقاد به كفر أن يقرأها القاريء (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسولِه..) فتعطف الرسول صلى الله عليه وسلم على المشركين فيصبح معنى الآيه في غير القرآن أن الله متبرأ من المشركين متبرئ من رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قرأها أعرابي بهذه الصوره/ سمع رجلا يلحن لا يعرف قواعد اللغه وعنده أعرابي قليل الفقه الرجل العامي يقرأ: (أن الله برئ من المشركين ورسولِه) فقال الأعرابي: برئت(37/14)
من رسول الله برئت فيمن برأ الله منه هذا السبب كان فيه سبب أحد أسباب قيام علم النحو فإن أبا الأسود الدولي يقولون/ أنه لما سمع هذا الأعرابي ذهب إلى علي رضي اله عنه وأخبره الخبر فقال له: انحُ للناس نحوا فصنع علم النحو طبعا هذه لا يقولها مسلم إلا جهلا ولا تجد مسلما يعتقدها أو يقولها هذا الإحتمال الأول من حيث النحو لكنه لا يمكن أن يقع شرعا..الإحتمال الثاني/أن تكون رسوله معطوفه على لفظ الجلاله فتؤتى بالنصب فيصبح المعنى (أن اللهَ برئ من المشركين ورسولَهُ) فتصبح "ورسوله" معطوفه على لفظ الجلاله والمعنى هنا يستقيم وبه قراءة..الحاله الثالثه:ـ (أن الله بريء من المشركين) وتقف وتأتي الواو استئنافيه كلام جديد والمعنى: ورسوله كذلك بريء من المشركين.وهنا الواو تسمى استئنافيه وحق الاسم هنا أن يرفع لأن مابعد واو الإستئنافيه يعرب مبتدأ . (فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله)والخطاب للمشركين.(وبشري الكافرين بعذاب أليم)ثم قال الله جل علا (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد )هذه الآية قبل أن أفصل فيها تسمى آية السيف.طبعا عرفنا أن فيه سور من القرآن لها أسماء لكن ينبغي أن تعلم أن هناك آيات من القرآن لها أسماء وأنا سأراجع اليوم معكم أربع من آيات القرآن المسماه أشهر آية في القرآن مسماه :آية الكرسي وهي قول الله جل وعلا (الله لاإله إلا هو الحي القيوم....) الآية الخامسه والخمسون بعد المائتين من سورة البقره ثم بالترتيب :آية الدين أو آية المداينة اسم واحد وهي الآية الثانيه والثمانون بعد المائتين من سورة البقره (يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ...)إلى آخر الآية.والآية الثالثة:آية المباهلة الواحدة والستون أوالثالثة والستون من سورة آل عمران .(فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل(37/15)
تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)الآيه الرابعه:ـ آية السيف وهي الخامسه من سورة براءة.سميت آية السيف لأن الله أمر فيها بالقتال وقال بعض العلماء /إن هذه الآية ناسخة لكل مافي القرآن من أمور الكف والإعراض الله يقول (فاصفح عنهم وقل سلام)وقال (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا)وأمر نبيه بالصبر لكن قالوا هذه الآية ناسخه لكل ذلك وقال بعضهم إن آية سورة محمد (فإما منا بعد وإما فداء)ناسخه لآية السيف .وقال آخرون : إن آية السيف ناسخه لسورة محمد والحق أن لا أحدهما تنسخ الأخرى . وإنما العمل بهما جميعا وكل منها توضع في موضعها الذي سيظهر في سياق الكلام .الذي يعنينا أن هذه الآيه اسمها آية السيف وهي الآيه الخامسه من سورة التوبة.قال الله تعالى(فإذا انسلخ الأشهر الحرم )انسلخت / يعني مرت وانتهت.لكن ماهي الأشهر الحرم؟تحتمل معنين :الأول :ـ الأشهر الحرم التي في الذهن"ذوالقعده ـ وذوالحجةـ ومحرم ـ ورجب" ثلاثة سرد وواحد فرد ، ثلاثة سرد"ذوالقعده ـ وذوالحجه ـ ومحرم"وواحد فرد "رجب"هذا في الذهن.الثاني:ـ اللفظ الآن في (فإذا انسلخ الأشهر الحرم)يعود على الأربعة أشهر التي مرت معنا (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) فالعودة إلى المذكور أصح من العودة إلى المقدر . فنعيد هذه الأربعة إلى قول الله جل وعلا (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر...)وأخذت كلمة حرم لأنه هو الذي حرم فيها على المسلمين قتال المشركين من هذا المعنى أخذت كلمة "حرم".(فإذا انسلخ الأشهر الحرم) ربنا يقول (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)من هنا أخذ العلماء أن هذه الآيه اسمها آية السيف لكن يوجد في القرآن عام وخاص ويوجد في القرآن ناسخ ومنسوخ وبينهما فرق دقيق لايظهر إلا بالتطبيق لكن عموما النسخ لايقع في الأخبار ويقع التخصيص في الأخبار ،النسخ يقع في الشرائع لكن التخصيص لايقع بين شريعه وأخرى هذا من حيث الإجمال.أما(37/16)
من حيث التفصيل العام له ألفاظ اللفظ العام له من أشهر ألفاظه "كل"كلمة "كل"من أعظم ألفاظ العموم في القرآن وهي أم الباب يتبعها أدوات الشرط "من" ويتبعها بعد ذلك الأسماء الموصوله"الذي"ثم المضاف إلى معرفة...أمور طويله نبقى في الثلاث الأوائل.أما التخصيص فيقع على قسمين:الأول:ـ مخصص متصل.الثاني:ـ مخصص منفصل. سأضرب مثال على المخصص المتصل والمخصص المنفصل سنأخذه في آية السيف.المخصص المتصل:الله يقول (كل شيء هالك)هذه "كل"من ألفاظ العموم لكن هذا العموم خصص بقول الله تبارك وتعالى (كل شيء هالك إلا وجهه)فوجه الله ـ تعالى الله عما يقول الظالمون ـ ليس بهالك لأن الآية خصصته من كلمة"كل" خرج منها بحرف الإستثناء "إلا" استثني وجه الله تبارك وتعالى .فالإستثناء طريقه من طرائق التخصيص .فكل من ألفاظ العموم وخصص وجه الله جل وعلا من ألفاظ العموم هذا التخصيص وقع كله في آية واحدة لذلك اسماه العلماء تخصيص متصل .والشق الثاني:تخصيص منفصل هو الذي بين أيدينا يقول الرب جل وعلا (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) سأبدأ من النهايه (حيث وجدتموهم )يدل عموم على أن المشرك يقتل في أي مكان .لكن هذا الكلام لايصح هذه الآيه مخصصة بآية أخرى أنه توجد أمكنه لايجوز قتل المشرك فيها (في الحرم المكي)الله يقول (ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) إذا كيف يجمع مابين الآيتين ؟ أن يقال أن آية التوبة عامه وآية البقرة مخصصة لعموم آية التوبة فالمشرك يجوز قتله في أي مكان إذا لم يكن هناك عهد أو لم يكن هناك ذمه يجوز قتله حيث وجدناه إن لم يكن له عهد ولا ذمه ولا ميثاق إلا في المسجد الحرام فلو جاء إنسان وقتل أحدا في المسجد الحرام وقال إن الله يقول (حيث وجدتموهم)قلنا له إن هذه الآيه العامه خصصت بقول الرب جل وعلا(ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه)هذا تخصيص مكان.نرجع قليلا الله يقول(واقتلوا(37/17)
المشركين)تعم كل مشرك لكن هل يجوز قتل كل مشرك؟هنا مخصصه بالسنه لا يجوز قتل النساء ولايجوز قتل الرهبان ولايجوز قتل الأطفال دلت السنه في آثار عده متعاضدة أنه لايجوز قتل النساء ولاقتل الصبيان ولاقتل الرهبان إذا العموم الذي وجد هنا في قوله جل وعلا(المشركين)خصصته السنة فأخرجت السنة النساء وأخرجت الأطفال وأخرجت الرهبان وفي روايه أخرجت الشيخ الكبير الهرم إن لم يكن له دور في المعركه أما إن كان له دور حيث أنه مدبر أو مفكر أو مخطط للمعركه فيجوز قتله ولو كان شيخا فانيا مثل: دريد بن الصمه كان شيخا كبيرا فانيا وكان ذا عقل وتدبير وهو أحد فرسان العرب أدرك الطائف وهو كبير لكن العرب عفا الله عنا وعنهم فيهم أنفه كانوا يقدمون رجلا يقال له مالك أو كعب ذاعلم بالمعركه ودريد أشد خبره من مالك هذا فلما أعمى يقودوه في المعركه وهو أعمى يتحسس الأرض ويسأل أين نحن؟قالوا أنت في ديار كذا قال ماتصلح ديار حرب أخرجوا فخاف الزعيم وهو من نفس القبيله أن يأخذ دريد الأمر عنه فما أراد أن يكون لدريد فيها نصيب فجاء بالسيف ووضعه على يد يعني وضع السيف وجعل نصل السيف قائم وثنى بطنه على السيف وقال إن لم تطعني هوازن قتلت نفسي يريد أن يخرج منها دريد بالكلية فهوازن كانت متعاطفه معه القبيله قالوا أنت الزعيم الذي تقوله هو الذي يمضي لن نأخذ برأي دريد فرفع نفسه عن السيف ووقعت الهزيمه عليه وكان رأي دريد أشد صوابا لكنه لم تأخذ به العرب.وهو القائل المثل
المشهور:
وهلْ أنَا إِلا مِن غَزِيةُ إِن غَوتْ.
غَوَيتُ وإنْ تَرْشُد غَزيةُ أَرْشُد.(37/18)
هذا دريد بن الصمه قتله المسلمون وهو شيخ كبير لأنه كان يخطط وله دور في المعركه أما الشيخ الكبير الذي ليس له يد في المعارك فهذا يترك .نعود اللآيه.قلنا إن هذا تخصيص فالله يقول (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)وهذا كله أمر بتضيق الخناق عليهم.ثم قال الله جل وعلا(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)هذه الآيه استدل بها بعض العلماء/على أن تارك الصلاة كافر وحجتهم/قالوا إن الله ذكر ثلاثة أسباب هي العودة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.وقالوا إن إيتاء الزكاة خرج بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث(ثم ينظر في سبيله تارك الزكاة هل هو إلى الجنه أو إلى النار)ويبقى تارك الصلاة صاحب الشرك على حاله.وهذا رأي جيد وإن كان هذا ليس محل تفصيله لكن أنا أذكره لمناسبة الآية(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) ثم قال سبحانه (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) بعد أن ذكر الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع أهل الإشراك قال له (إن أحد من المشركين) طلب أن تجيره أن يلجأ إليك فالله يأمر نبيه أن يقبل تلك الإجاره وأن يجير ذلك لسبب عظيم وهو (حتى يسمع كلام الله)فإذا سمع كلام الله ومافي كلام الله من وعد ووعيد وثواب وعقاب ربما كان ذلك سبب في اسلامه بدليل أن الله قال بعدها (ذلك بأنهم قوم لايعلمون)الذي ينبغي أن تفهمه من الآية أن تفهم أن أهل الكفر وإن كان الكفر ملة واحدة لكن الكفار تختلف أسباب كفرهم فمنهم كافر عنادا ومنهم من هو كافر جهلا لو قدر له أن يسمع كلام الله لكان ذلك سببا في إيمانه فالله يقول لنبيه(حتى يسمع كلام الله)وهذا دلاله على أن المؤمن واثق من الدين الذي يدعوا له فينبغي أن نحرص على أن نسمع من كان علته الجهل أن يسمعه كلام الله وهذا يوجد في(37/19)
بلادنا مايسمى "بتوعية الجاليات"هذا أمر محمود لأن كثيرا من الناس لمن يأتون لهذه البلاد بغير قصد الإسلام فإذا اختلطوا بالناس ورأوا الإسلام كان ذلك سببا في اسلامهم وقد يأتي إنسان يريد أن يكون لاعب كرة فيحتك بالمسلمين هنا ثم يرى عظمة الإسلام فإذا تلي عليه القرآن يصبح ذلك سببافي اسلامه كذلك مايقال على حال الأفراد يقال على حال الأمم والدول فليست كل دول الكفر السبب في كفرها شيء واحد وإنما تختلف اختلاف واضح منها ماهو محارب للإسلام عقيده ،ومنهم من هو محارب للإسلام عملا، ومنهم من يحارب الإسلام لمصلحة ومنهم من لامصلحه له في حرب الإسلام فلا يحارب الإسلام فيجب أن نتعامل مع أهل الكفر بحسب أصل كفرهم أو بحسب سبب كفرهم مثلا قبل يومين وزيرة التربيه والتعليم في الدنمرك قررت تطبيق تدريس القرآن الكريم في مراحل التعليم العام في الدنمرك من دون أي ضغط دولي اسلامي هذا من أعظم الفتوح في عالم الإسلام اليوم ولما جاءت المعارضه واحتجت عليها في بلادها على أنها قررت تدريس القرآن قالت: إن الكثير من الدنمركيين مسلمين وأنا قلت أن كلمة كثير لاتعني الأكثر لاتعني الغلبة يوجد مسلمون دنمركيون وأصحاب لهم من الدنمركيين الغير مسلمين فنريد منهم أن يتعرفوا على الإسلام وهذه حضارات لايوجد شيء يمنعها فهذا الفكر العلماني هنا خدم الإسلام بما يسمى سياسيا تقاطع المصالح فيجب أن ينظر من يدعوا إلى الله ينظر إلى حال أهل الكفر فليس أهل الكفر وإن كان الكفر مله واحده ليس حالهم في معاداة الإسلام على حال واحدة بل يوجد بينهم أمور عظيمه من الخلافات فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه كيف يدعوا إلى الله مستشهدا بالآية (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لايعلمون)قال العلماء:ـ ربما كان سبب كفرهم الجهل فإذا رفع عنهم الجهل دخلوا في دين الله تبارك وتعالى أو دخل في الإسلام بتعبير أوضح.المقصود من هذا أن(37/20)
الإنسان يفرق مابين من يدعوهم في تعامله مع الأفراد....تعامله مع الأمم...تعامله مع الدول ... بنص القرآن الآيه فيها دليل كذلك واضح على أن القرآن كلام الله وفيه رد عقدي على المعتزله الذين يقولون أن القرآن مخلوق وغير منزل والله جل وعلا قال (حتى يسمع كلام الله) فأضاف كلمة(كلام)إلى لفظ الجلاله وهو مايسمى بإضافة صفة إلى موصوف فالله جل وعلا من صفاته تبارك وتعالى أنه يتكلم بماشاء متى شاء له جل وعلا الأمر كله وهذا من أدلة أهل السنه وأدلتهم كثيره علىأن القرآن منزل غير مخلوق والآيه من حيث قواعد اللغه "إن"هذه شرطيه "وأحد"مبتدأوقلنا مراراهذه جمل شرطيه (فأجره)الفاء واقعة في جواب الشرط وسبب وقوعها أنها مبدوءه بفعل أمر.هذا ماأردت بيانه في هذا اللقاء وأنا أكثرت فيه من الناحيه العلمية لكن كما قلت المقصود أن يخرج من هذه الحلقه من يحمل تفسير كلام الله جل وعلا إلى غيره وليس المقصود الوعظ على وجه الخصوص وإن كانت ستأتي آيات خاصة بالوعظ نعرج عندها ونطيل أكثر من اليوم لكن أنا جرت العادة حتى وأنا أدرس في الكلية أن أول المحاضرات تكون أقل وآخر المحاضرت تكون أقل وهذا عين السنة .النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ويختم بواحدة ويجعل الإطاله في الوسط ولن تجد هديا أعظم من هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأنا كنت أصرف الطلاب في آخر العام وأذهب للوكيل وأقول له هذه السنة.لن تكون آخر حصة كمثل أوسط الحصص آخر العام يأخذ كلمتين مراجعة ويذهبون وكذلك بداية العام الله يقول على لسان نبيه (قل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا)
"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك"
.(37/21)
تأملات في سورة التوبة (2)
أما بعد فما زلنا وإياكم نتفيؤ دوحة سورة التوبه في التعليق عليها وقد سبق الحديث عنها أولا حول مجمل عدد آياتها وأسمائها وماتعلق بها من موضوعين رئيسيين في الدرس السابق .وقلنا إن هذه السورة هي السورة الوحيده في القرآن التي لم تصدر بقوله جل وعلا (بسم الله الرحمن الرحيم) وذكرنا أن للعلماء في هذه أقوال عدة خلصنا منها إلى ثلاثة أقوال ثم قلنا إن من أرجح الأقوال فيها أنها نزلت بالسيف وأن (بسم الله الرحمن الرحيم) تتضمن الرحمه والآمان وهذان لايتفقان وقلنا إن هذا القول منسوب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وإلى سفيان ابن عيينه رحمه الله تعالى وهذا قلنا هو الذي يظهر لنا ترجيحا والله تعالى أعلم وذكر رأيين دونهما في القوة كما قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا ابن أبي طالب رضي الله عنه ملحقا بأبي بكر الصديق رضي الله عنه في مسيرة أبي بكر رضي الله عنه أميرا للحج في السنة التاسعه للهجرة وقلنا إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يشأ أن يحج في ذلك العام لأن العرب كان يطوف بعضهم عريان فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بأربعة أمور ذكرناه فيما سبق وأنا أقولها اجمالا حفاظا على الوقت أمره بأن من كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ،وأنه لايدخل الجنة إلا نفس مؤمنه،وأنه لايطوف بالبيت عريان،وأن لايحج بعد هذا العام مشرك،وأنزل الله قوله (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ثم شرعنا في بيان الآية الخامسه منها وهي آية السيف وتكلمنا عنها وشرحنا ماتعلق بها من عام وخاص وفق ماسلف قوله .اليوم إن شاء الله تعالى نختار كالعاده بعضا من آيات هذه السورة ونحن نكرر في سائر دروسنا أنا لانفسر جميع آيات السور وإنما نختار منها بحسب الحال حتى نحاول أن نعرج على القرآن كله وقد بدأنا ولله الحمد بالبقرة ونحن الآن في سورة التوبة فنقول سنقف(38/1)
اليوم عند قول الرب تبارك وتعالى (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون *ولوأنهم رضوا ماءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون*إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم*ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ....)إلى آخر هذه الآية،ثم سنقف إن شاء الله تعالى عند قوله تبارك وتعالى(والسابقون الأولون...)وسنقف عند قول الرب تبارك وتعالى(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين)هذه مواضيع لقاء هذا اليوم نسأل الله جلت قدرته أن ييسر إلقاءها والنفع بها للقائل والسامع .فنقول الله جل وعلا في هذه السورة ذكرنا فيما سلف أنه ذكر فيها المجتمع المدني الذي كان يعم بالأخيار لكن لم يكن يخلوا من المنافقين وأن المنافقين كانوا مجاورين للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينه ممن مردوا على النفاق كما أخبر الله جل وعلا في القرءان وهذه السورة سميت بسورة الفاضحه لأنها فضحت المنافقين وقلنا إن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يقول مازال ينزل من هذه السوره ومنهم....ومنهم....ومنهم حتى لاتكاد تدع أحدا منهم نسأل الله العافيه،فقوله(منهم)هذه من:بعضيه وليست بيانيه.فقول الله تعالى(ومنهم من يلمزك في الصدقات) معنى الآية:وبعض منهم أي بعض من المنافقين يلمزك في الصدقات وأصل الآية:أن النبي صلى الله عليه وسلم في منصرفه من حنين قسم الغنائم فأعطى أقواما حديث عهد بالإسلام وبعضهم مشركين أعطاهم من الغنائم يتآلفهم بها صلوات الله وسلامه عليه فجاءه رجل يقال له ذو الخويصره التميمي قال له يارسول الله اعدل كما أمرك الله فقال عليه الصلاة والسلام ويحك إن لم اعدل فمن يعدل فقام إليه عمر رضي الله عنه فقال يارسول الله إذن لي أن أضرب عنقه فقال عليه(38/2)
الصلاة والسلام لاحتى لايتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وهذا أخذ بما يسمى في السياسه المعاصره/أخذ باعتبار الرأي العام .فقال حتى لايتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ثم لما ولى قال عليه الصلاة والسلام سيخرج من ضئضئي هذا أقوام يقرؤن القرءان لايجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فكان هذه أول نبته تاريخيه لما يسمى بعد ذلك بالخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وقد اختلف العلماء في أي أول فرق الإسلام ظهورا من أهل البدع؟قال بعضهم الخوارج وقال بعضهم الشيعه والصواب أنهم أشبه بالمتلازمين مع بعضهما البعض وإن كان الأصل في الخوارج إذا اعتبرنا ذوالخويصرة منهم بأنه رأسهم لاشك أنهم أقدم تاريخا لأنهم ظهروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال الله (ومنهم)أي من المنافقين (من يلمزك) أي يعيبك وينتقصك وهذا رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله.فلما فسد القلب فسد اللسان فسد التعبير قال عثمان رضي الله عنه "ماأسر أحد سريرة إلا وأظهرها الله على قسمات وجهه أو فلتات لسانه"جعلنا الله وإياكم ممن يسر الخير فهذا الرجل شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم معركة حنين وحارب وغزى لكنه كان يسر الشر في قلبه فلما جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أمين من في السماء واستأمنه الله جل وعلا على أعظم منزل وهو القرءان ومع ذلك لما أخذ عليه الصلاة والسلام يقسم الغنائم بحسب المصلحه العلياللإسلام يأتي هذا من بين الناس ويقول له يامحمد اعدل كما أمرك ربك أو كلمه نحوها فقال عليه الصلاة والسلام ويحك إن لم أعدل فمن يعدل.فهذا الرجل أسر السريرة المريضه في قلبه وهي سريرة النفاق وأظهر مايخفه وأظهر خلاف مايبطنه خلاف مايخفيه فلما جاء هذا الموقف لم يصبر فأخرج السريرة التي من قلبه فأخذ يعترض على حكم وتقسيم نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ائتمنه الله تبارك وتعالى من فوق سبع سموات والله جل وعلا(38/3)
يقول(الله أعلم حيث يجعل رسالته)الله تبارك وتعالى في هذه الآية يقول لنبيه (ومنهم من يلمزك في الصدقات)أي يعيبك (فإن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذاهم يسخطون)ومن دلالة القبول قبول الإنسان للحق أو مراده للهوى أن ينظر في تصرفه حال المنع والإعطاء فمن الناس من يأتي يسأله وقد بيت الإجابة من قبل إجابه يريدها فإن وافقت إجابتك له الإجابه التي يريدها خرج يمدحك بين الناس ويرفعك على أقوام تعلم أنت أنك لاتصل إلى علمهم وإن قلت له إجابة لايريدها تخالف هواه تخالف مراده خرج يقدح فيك ويقول فيك من المعايب ويظهر مافيك من النقائص لأن إجابتك لم توافق هواه فهو لايريد الحق يريد أن يجبرك على أن يوافق هواك أنت هواه هو،فالله يقول عن هؤلاء(ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذاهم يسخطون)فهم لايريدون نصرة دين ولا إعلان كلمه ولا إقامة حق إنما يردون أن يتبعوا أهواءهم فإن اعطيتهم أثنوا عليك وقالوا محمدكذا ومحمد كذا صلى الله عليه وسلم يمدحونك وإن لم تعطهم أطلقوا لألسنتهم العنان في أن ينتقصوك لأنهم أصلا لايريدون الميزان الحق وإنما يريدون مايتبع أهواءهم هذه إحدى خصال النفاق أعاذنا الله وإياكم منها لكن هنا نتكلم عن قوم منافقين حقا فليس أمر نطبقه على الغير معاذ الله نحن نتكلم عن قوم وجدوا بأسمائهم وأعيانهم تكلم الله جل وعلا عنهم فهؤلاء ليسوا مثلا يضربه الله للناس وإنما هذا قوم حصل منهم هذا الأمر ووقعت منهم الواقعه (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذاهم يسخطون)وقلنا إن من ذرية هذا الرجل ظهرت فرق الخوارج بعد ذلك والخوارج والشيعة كما قلنا متلازمان وعلى وجه الإجمال نتكلم بعض المقارنة العلمية المحضه بين الفريقين كلاهما فيه الغلو لكن الفرق أن الخوارج يغالون في الأحكام فيتشددون فيها على غير علم والشيعة يغالون في الأشخاص .فلما غالى الشيعه في الأشخاص(38/4)
غالوا في علي وآل البيت حتى أوصلوهم إلى منازل ليست لهم حتى قال الخميني في كتاب له اسمه "الحكومه الإسلامية"يقول :وإن من أصول مذهبنا أن لأئمتنا منزلة لاينالها ملك مقرب ولانبي مرسل طبعا يقصد بأئمتهم الأئمه الإثني عشريه من آل البيت فهؤلاء آل البيت قوم مرضيون عنهم صالحون لكن هؤلاء غلوا فيهم مغالاة فاحشة فوق منازلهم الخوارج يغالون في الأحكام يأتون للحكم فيتشددون فيه على غيرفهم ولاغير علم ينزلونه جبرا على الناس هذا الأمر الأول..الأمر الثاني:ــ الخوارج يعتمدون على الصدق والمكاشفه ولا يضمرون شيئا والشيعة يعتمدون على التقيا والمواراة والإلتفات والخوارج قوم يظهرون ما عندهم ولذلك جابهوا الأحكام عبر الدهور ،جابهوا عليا...جابهواالأمويون جابهوا عبدالملك لا يوارون شيئا لا يستترون بشيء لكن الشيعه قوم يتحايلون لأنهم يؤمنون بالتقيا حتى خروج المهدي الذي يزعمون أو يرتقبون خروجه ينجم عند هذا: إن الخوارج يعتمدون على الصدق لأنهم يرون أن مرتكب الكبيره كافر فلا يكذبون في حين أن الشيعه يعتمدون على الكذب لأنهم يعتقدون بجواز التقية والخوارج لا يرون الكذب أصلا لأنهم يرون أن مرتكب الكبيره كافر فيعتمدون على الصدق ولذلك عمران بن حطان أحد زعماء الخوارج وشعرائهم وأخرج له البخاري في الصحيح اعتمادا على أنه لا يكذب أبدا في كلامه لأنهم يرون أن مرتكب الكبيره كافر هذه من الفوارق ما بين الشيعه والخوارج..الأمر الثالث:ــ الخوارج أشد شجاعة لا يخافون الموت لا يهابونه عبر التاريخ كله..يقول قطري بن الفجاءه..
أَقولُ لها وقدْ طَارتْ شَعَاعا
مِن الأَبْطال وَيحَكَ لنْ تُراعِي
... فَإِنكِ لَوْ سَألتَ بَقَاءَ يَومٍ
عَن الأَجلِ الذِي لكِ لَنْ تُطاعِي
فَصَبْراً في مَجالِ المَوتِ صَبرَا(38/5)
فَمَا نَيْلُ الخلُودِ بِمُسْتَطاعِ .....هذه الأبيات كلها لرجل من أكبر زعماء الخوارج اسمه: قطري أن الفجاءه في حين أن الشيعه يعتمدون على بقاءأنفسهم عبر التاريخ ويحافظون على سلامة أنفسهم مستطاعوا إلى ذلك سبيلا هذه مقارنه سبيطه علمية ما بين الفريقين دفع إلى القول بها حديثنا عن ذي الخويصره ثم قال الله:(ولو أنهم رضوا ماءاتاهم الله ورسوله وقال حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) يبين الله جل وعلا هنا المنهج الحق في الإنسان إذا أعطي أو منع..الإنسان عبدلله والمؤمن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم ليكن ليصيبه وأن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها كما قال صلى الله عليه وسلم (فاتقوا الله وأجملوا بالطلب) فالله جل وعلا يقول كان المفترض الموقف الشرعي لهؤلاء (ولو أنهم رضوا ماءاتاهم الله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) لو قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله علقوا أنفسهم بالله طبعا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هنا/ لأنه كان حيا ولا يقال هذا اليوم. (إنا إلى الله راغبون) أي ينقطعون إلى الله فلو أنهم انقطعوا إلى الله وسلموا بأمره ورضوا بحكمه جل وعلا وقالوا حسبنا الله كان خيرا لهم وأعظم وأهدى سبيلا وهذا هو الموقف الذي ينبغي على المسلم أن يتبعه على كل حال، في حال الفقر... وحال العطاء... وحال المنع... وحال الأخذ... وحال السراء...وحال الضراء...وعلى كل حال. ثم قال الله وهذه الآيه الآن (إنما الصدقات للفقراء....) آيه عارضه داخله في مجمل بيان لأحوال الناس وإنما دفع القول بها قطعا لأطماع المنافقين أن يكون لهم حظا من المال. قال الله تعالى:(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) "إنما" لغويا تفيد الحصر وهي أحد أساليب الحصر(38/6)
في لغه العرب وبالتالي أحد أساليب الحصر في القرآن فقول الرب تبارك وتعالى (إنما الصدقات للفقراء) ثم ذكر باقي الثمانيه دليل على أنه لا يجوز أن تعطى الصدقات لغير هؤلاء الثمانيه "الصدقات" هنا المقصود بها الزكاة الشرعيه وليس المقصود بها/ صدقة التطوع وإنما الزكاة التي هي قرينة الصلاة التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم....)أنا سأشرح الآن لن أشرح فقهيا لأن هذا الدرس تفسير لكن سأذكر إجمالا ما يمكن أن تستفيد منه من هذه الآيه دلت الآيه على أمور:ــ 1/ حصر أصحاب الزكاة الثمانيه..(38/7)
2/ أن الله جل وعلا تولى تقسيم الزكاة والله قد خلق النفوس وهو جل وعلا أعلم بحبها للمال. وقال تبارك وتعالى (وتحبون المال حبا جما) وقال (إنه لحب الخير لشديد) والخير هنا بمعنى المال. فالمواريث والزكاة لأنها حقوق ماليه تتعلق بها أنفس الناس لم يكل الله توزيعها لأحد وإنما تولى الرب جل وعلى مصارفها وتقسيمها قال الله: (يوصيكم الله في أولادكم لذكر مثل حظ الأنثيين...) وقال: (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد..) فقسم تبارك وتعالى المواريث وقسم تبارك وتعالى وحدد أصناف الزكاة وجاءت السنه ففصلت ما أجمله القرآن كل ذلك حتى لا يبقى لأحد مشاحه في أحد ولايبقى تطلع أكثر مماهو مذكور في القرآن فعلى هذا علم الله جل وعلا وهو أعلم بخلقه تطلع النفوس للأموال فحسم الرب تبارك وتعالى تعلق العباد بها فقال جل وعلا(إنما الصدقات للفقراء...) الأصناف المذكورون هنا ثمانية كما هو ظاهر الآية وقرن الله جل وعلا بين كل صنف وصنف بواو العطف.الأمر الثالث:ـ ذكر الله جل وعلا أربعة "باللام" وأربعه بحرف الجر "في"فقال (للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفه قلوبهم)هؤلاء "باللام"وقال (وفي الرقاب والغارمين )ثم أعاد العطف قال(وفي سبيل الله وابن السبيل)مجمل مايراد قوله هنا /أن اللام تعني التمليك فيملك الفقير ويملك المسكين ويملك العامل ويملك المؤلفة المال ولايقال له نشترط عليك أن تضعه في كذا أو تضعه في كذا وإنما تعطي الفقير أو المسكين أو العامل أو المؤلفة هؤلاء الأربعه الأوائل المال بيده فيقبضه فيدخل ملكه وهو حر في أن يفعل به مايشاء أما قول ربنا(في الرقاب)(في الغارمين)(في سبيل الله وابن السبيل) فهذه لايشترط أن تعطى لهم وإنما إنسان مثلا غارم يعطى دينه لمن له عليه الدين يعني:للدائن (وفي الرقاب) فك الرقاب:العتق سوف يأتي فيعطى لصاحب الرقبه حتى يعتقها أو للمكاتب حتى يفسح عنه كما سيأتي فالفرق بين "اللام" و"في"يختلف اختلافا(38/8)
جذريا كما بينا .الأمر الرابع:ـ ذكر الله الأهم فالأهم لأن الأصل الواو لاتعني الترتيب الصحيح لكن دلت السنه عموما على أن هناك خصائص في التقديم فالنبي عليه الصلاة والسلام(صعد الصفا وقال:أبدأ بما بدأ الله به (إن الصفا والمروة من شعائر الله)فقدم الصفا لأن الله قدمها في كتابه وإلا الأصل أن الواو في لغة العرب لاتعني الترتيب لكن قلت تقديم الله جل وعلا هنا يدل في الغالب على تقديم الأهم فالأهم .قال الله (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)اختلف العلماء في الفرق بين الفقير والمسكين لكن الآية تدل عموما على أن الفقير أشد حاجة من المسكين وهذا الذي نرتضيه وإن كان في المسألة أكثر من عشرة أقوال لاحاجة لذكرها لكن الفقير من كان أشد حاجة من المسكين .الفقير والمسكين/لاحاجة للشرح .وهما شخصان غلبت عليهما المسكنه والحاجة إلى المال إلا أن أحدهما أشد من الآخر.ثم قال جل وعلا (والعاملين عليها)العاملين/القائمين على الزكاة....السعاة...الجباة...المسؤولين.... الإداريين عن جمع الزكاة هؤلاء هم العاملون ثم قال جل وعلا (والمؤلفة قلوبهم)المؤلفة قلوبهم لم يرد في القرآن كله ذكر لهذا الصنف من الناس إلا في آية الزكاة فيوجد في القرن مشركون...كفار....منافقون...مؤمنون..مجاهدون...توجد أصناف كثيرة ...تتكرر لكن كلمة مؤلفة قلوبهم لم ترد في القرآن هذه الطائفه إلا في ذكر مصارف الزكاة نعود إليهم المؤلفة قلوبهم قد يكونون أهل إيمان وقد يكونون أهل كفر والجامع بينهماأن في اعطائهما مصلحه للإسلام فمثلا:ـ إما كافر يعطى ولوكان كافرا دفعا لشره أو كافرا يعطى تأليفا لقلبه أن يسلم أو مسلم ضعيف الإيمان يعطى وله شوكه مسموع الكلمه مطاع يعطى زيادة في إيمانه أو مسلم لتوه داخل في الإسلام وله نظراء من الكفار فإذا اعطيناه طمع غيره ونظراؤه من الكفار في الدخول في الإسلام . واختلف العلماء في هذا السهم،سهم المؤلفه قلوبهم باق أو منسوخ .فقال بعضهم إن(38/9)
هذا منسوخ لأن الله عز دينه وهذا كان في أول الإسلام والحق الذي عليه المحققون من العلماء والجمهور/أنه غير منسوخ لأن الأحوال تختلف والعصور تتباين فيطبق في كل عصر مافيه مصلحة المسلمين العليا وإن أسقطه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. هؤلاء الأربعة ثم قال جل وعلا(وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)الرقاب :ـ تحتمل أمرين.الأمر الأول:ـ أن يشتري صاحب الزكاة "المزكي"من زكاة ماله عبدا أو أمه مملوكا لغيره "عبدا أو أمه مسلمان طبعا"فيملكها ثم يعتقها. مثلا:ـ عليه زكاة عشرة آلآف ريال فذهب إلى بلد كموريتانيا حاليا يوجد فيها رق فذهب للموريتانيا واشترى بعشرة آلآف ريال عبدا أو جارية مملوك لغيره ثم أعتقه هذا قول ربنا وفي (وفي الرقاب) وهو الأظهر .الأمر الثاني:ـ يوجد في الشرع مايسمى بالمكاتب والمكاتب وهذا غير موجود في عصرنا ،المكاتب رجلا مملوك فيأتي لسيده ويقول أنا أدفع لك مالا معينا أسعى في تحصيله على أن تعتقني فيوافق السيد فيأخذ هذا العبد يجمع في المال هذا إما من الناس أو بجهده حتى يكون ذلك المبلغ الذي يخرج به من سيده فيصبح حرا.فإعانة هذا المكاتب تجوز شرعا وهي داخلة في قوله تبارك و تعالى :(وفي الرقاب) عند أكثر العلماء لا عند كلهم .في عصرنا هذا نسمع كثيرا ما يقال إن من فك الرقاب أن يذهب انسان إلى السجن ،شخص محكوم عليه بالإعدام "بالقصاص" بتعبير الشرع .فيعطي الورثة "ورثة القتيل" المقتول المطالبين بالمال مثلاً الدية:مائة ألف يقول أنا أعطيكم مليون،ولكن اتركوا هذا...سامحوه...س/هل هذا فك رقبة داخل في الزكاة؟*لا يدخل في الزكاة .هذا عمل خير نعم هذا فضل...صدقة نعم.لكنه لا يدخل في الرقاب.فأنت تتعبد الله بلغة القرآن لا باللغة السائرة بين الناس . فالقرآن أنزل عربيا فمن يعرف لغة العرب يستطيع أن يتعامل مع القرآن ،أما اللغات الدارجة التي تتغير هذه لا تحكم بها ،القرآن وإن كان(38/10)
المشهور في بلادنا أنهم يسمونها:فك رقبة لكنها غير داخلة. قال الله:(والغارمين)الغارم :أصل الغرم في اللغة /اللزوم.والله قال عن جهنم أعاذنا الله وإياكم منها :"إن عذابها كان غراما" يعني لازم لأصحابها.والغارم:هو من عليه الدين،والغريم :هو الذي له الدين ويسمى غريم ؟لأنه ملازم للمدين ،والدين العرب وأهل العقل والفضل يقولون إنه هم بالليل وذلُّ بالنهار.وقالوا:إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رأى رجلا متقنعا فقال له عمر:أما بلغك أن لقمان الحكيم يقول :إن التقنع هذا تهمة بالليل أو ريبة بالنهار أو كلمة نحوها ،تذم التقنع .فقال هذا الرجل :يا أمير المؤمنين إن لقمان لم يكن عليه دين فهذا يتقنع حتى لا يراه أصحاب الدين ويطالبونه ولذلك قال الفقهاء :إن من عليه دين ويخشى من غرمائه في المسجد قد تسقط عنه صلاة الجماعة . الذي يعنينا هذا الغارم والغارم شرعا قسمان:ـ
1/غارم لنفسه.
2/غارم لغيره .
الغارم لنفسه هو من يستدين لمصلحة نفسه .يريد أن يتزوج ...يريد أن يطلب علما...يريد أن ييبني بيتا...يريد أن يؤثث بيته...هذا غارم لنفسه .(38/11)
أما الغارم لغيره/ رجل جاء لقوم صار بينهم شجار واقتتال وفساد في الأموال فأصلح بينهم وتكفل باصلاح ما أفسدته الخصومة بين الفريقين. فأخذ يطلب أموالاً...غرم أموالاً تكلف المسألة مثلاً:خمسين ألف...سبعين ألف...مائة ألف...فأخذ يطلبها من الناس. فهذا غارم لغيره ليس غارماً لنفسه .وكلا الفريقين يعطى من الزكاة بقدر الذي يحتاج إليه ،وقد قال العلماء:إن الإسلام حث على عدم الدين ومن الدلائل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي على من عليه دين ،حتى فتح الله جل وعلا له الفتوح وقال في الجهاد وهي من أعظم الأعمال ..وقال في الشهاده وهي من أعظم القربات إن الشهاده تكفر الذنوب إلا الدين أخبرني به جبريل ءانفا لكن العلماء يقولون:إن الإنسان إذا كان يستدين ترفا فلايعطى من الزكاة .فمثلا إنسان راتبه أربعة آلاف ريال فهذا أنه كونه عنده سياره هذا حق من حقوقه ولايخرج من كونه فقير لكن بالعقل إنسان"لانريد أن نسمي نحن في مسجد"راتبه أربعة آلاف ريال ففيه نوع من السيارات لاحاجه للتفصيل يلائم حاله لكن لوجاء وطلب سياره استدان ليشتري سياره فارهة جدا لايركبها أمثاله فهذا دين ترف فمثل هذا لايعطى من الزكاة هذا من قول الله تبارك وتعالى(والغارمين)ثم قال الله جل وعلا (وفي سبيل الله)وسبيل الله كثير كما قال مالك واختلف العلماء في كلمة(في سبيل الله)على أقوال عدة لكن أنا أقول الرأي الراجح فيما أراه .الرأي الراجح أن في سبيل الله الغزاة المجاهدون في سبيل الله المتطوعون هم المقصود بقول الرب تبارك وتعالى(وفي سبيل الله)وقال بعضهم طلبة العلم ،وقال بعضهم أهل الحج ،وقال بعضهم غير ذلك .لكن هذا الذي نرتضيه والله تعالى أعلم.(وابن السبيل)هذا أسلوب عربي. العرب تنسب الشيء إلى من يلازمه يقولون(ابن السبيل)للمسافر لأن السبيل هو الطريق ،الله يقول في الحجر(وإنهما لبسبيل مقيم )أي هذه الديار موجوده في طريق مقيم ثابت عن قوم ثمود.فقول الرب جل(38/12)
وعلا (وابن السبيل)هذا أسلوب العرب يقولون بنات الدهر للمصائب. عبد الله ابن الزبعرة يقول :وبنات الدهر يكعبن بكل...."يعني المصائب"تأتي على الفريقين .ويقولون نبات أفكاره يعني آرائه وشعره يسمونه/نبات أفكاره، الذي يعنينا (ابن السبيل)هو الرجل الذي انقطعت به السبل وإن كان غنيا في دياره ، الغريب الذي انقطعت به الحال حتى أصبح محتاجا للمال فيعطى بمقدار مايوصله إلى أهله هؤلاء اجمالا وأنا قلت لن أفصل كثيرا أقسام أهل الزكاة الثمانيه الشرعيون.إذا ذكرنا من يستحق الزكاة يجب أو يلزم أن نذكر من لايجوز أبدا أن يعطون من الزكاة ونبدأ بالأول :أولهم:ـ الكفار والملاحدة سائر أمم الكفر لايعطون من الزكاه إلا المؤلفه قلوبهم وهذا ظاهر فليس معقولا أن تعطي كافر من زكاة مالك لكن يجوز اعطاؤه من صدقة التطوع لقول الله(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) والأسير لايكون إلا كافر .الأصل أنه كافر.الثاني:ـ بنوهاشم آل النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر معنافي تفسير سورة الأنفال أن الكلام عن آل البيت أنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام منهم من قال أن آل البيت هم قريش كلها وقلنا هذا بعيد.وقلنا الفريق الثاني:ـ أنهم قالوا بنوهاشم وقلنا هذا أقوى من الأول.ثم رجحنا أن المقصود ممن لايعطون الزكاة هم بنوهاشم بالإضافه إلى بنوا المطلب وليس عبدالمطلب وقلنا إن هاشم بن عبد مناف وإن عبد مناف هذا ترك أربعة من الولد نوفل،وعبد شمس،وهاشم،والمطلب.وقلنا إن هاشم هذا منه كان النبي صلى الله عليه وسلم وهذا واضح لماذا منع من الزكاة وأن هؤلاء الثلاثه لما حاصرت قريش النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم في الشعب جاء أبناء المطلب فدخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبقي بنونوفل وبنوعبد شمس خارج الأمر فقال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري قال:" إن بني المطلب لم يفارقون في جاهليه ولافي إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك صلى الله عليه وسلم بين(38/13)
أصابعه" وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن مذهب الإمام أحمد وهو الحق إن شاء الله أن هؤلاء لايعطون من الزكاة لأنها من أوساخ الناس لكن اختلف العلماء فيما لوكان موالي بني هاشم من العاملين عليها هل يعطون أو لا يعطون قال فريق :ـ يعطون والأظهر أنهم لايعطون لحديث رافع وهو مولى للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل من بني مخزوم قال اذهب معي نسعى في الزكاة حتى نكسب لأن العاملين عليها يأخذون منها فقال: دعني استشير النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم عليه الصلاة والسلام "مولى القوم منهم"فموالي بني هاشم كذلك لايعطون من الزكاة أما صدقة التطوع فالمسألة فيها خلاف كثير بين العلماء والذي يظهر أنهم لايعطون .الأمر الثالث:ـ أصول الرجل "آباؤه فما فوق"و"أمه فما بعدها"فلا يعطي الرجل من الزكاة لاأباه ولاأمه وإن قال شيخ الإسلام ابن تيميه أنهم يعطون لكن القول الذي عليه أكثر العلماء أنهم لايعطون لأنه يجب عليه نفقته.الأمر الرابع:ـ بعد الأصول يأتي الفروع فلا يجوز لرجل أن يعطي ابنه ولاابن ابنه ولاابن ابنته ولاابنته فلا يعطي فروعهم والله ذكر في القرآن الفروع والأصول في آية غير الزكاة وذكر الحواشي .الحواشي/الإخوان.وفيهم نظر.ولكن الأرجح إن شاء الله أنه يجوز إعطاءهم من الزكاة لأنه لاتجب نفقتهم في الأصل.الأمر الخامس/أعمال الخير المطلقه لايجوز أن يبني مسجد أويعمل جمعيه خيريه تعنى بتكفين الميت وإن كان هذا خير أو تبني قناطر خيريه أو تبني مطاعم أو ما أشبه ذلك من الصدقات العامه كإفطار صائم ومايقال في مثل هذا في بلادنا وفي غيرها هذا كله لايجوز إعطاء الزكاة منه لأنهم لايدخلون في الأصناف الثمانيه وقلنا إنما:ـ تفيد الحصر.وأنا أقول إذا تريد أن تعطي الزكاة الشرعيه أعطها شخصا بعينه وإرتاح لا تسلمها أحد.أما أمور الصدقات التطوع العامة هذه ترجع لك تعطيها أي مؤسسة تطمئن إليها .أما الفرض تريد أن تعطي مثلا أخ لك قريب من(38/14)
جماعتك...طالب يدرس في حييك ...فقير في الحي تعرفه...أحد جيرانك...أحد قرابتك...اذهب إليه واعطها بنفسك تبرأ ذمتك وتتأكد من أنها وصلت إليه .أما صدقة التطوع هذه تحتاج إلى جهد مثال:ـ الطعام،وأمثال الكسوه.وهذا صعب أن تقوم أنت بها بمفردك .لكن هذه الجمعيات الخيريه،المؤسسات الخيريه،أقدر على إصالها ،ففرق مابين الأمرين أفضل لنفسك هذه مايمكن أن نقوله حول الصدقات.ثم قال الله جل وعلا في الآيه التي نريد تفسيرها (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)هذه الآية مما يفتح لكل مسلم باب الترغيب في العمل الصالح لأن الله جل وعلا ذكر فيها ثلاثة أصناف.
1/ذكر المهاجرين.
2/وذكر الأنصار.
3/وذكر جل وعلا التابعين لهم بإحسان وهذا يدخل فيه كل مؤمن إلى يوم القيامه.فذكر الله هنا ثلاثة أصناف قال جل وعلا(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الصحيح(أمتي كالمطر لايُدَرى خيره أوله أم آخره) والله يقول في الجمعه (وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)فباب الرحمة مفتوح واللحوق بهؤلاء أمر مقدور عليه لكن كان عمر رضي الله تعالى عنه يظن أن هذا محال وكان يقرأ هذه الآية هكذا (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان ) فأصبحت على قراءة عمر رضي الله عنه فريقان:ـ
1/الأنصار.
2/والمهاجرين.(38/15)
وقال ماأظن أنه كان أن يبلغ أحد مبلغنا فلما قرأها على زيد وزيد أعلم من عمر رضي الله عنه بالقرآن .قال:ياأمير المؤمنين يوجد واو قال ليس فيها واو قال يوجد واو فقال عمر رضي الله عنه ادع لي أبياً أبي بن كعب،فصدق أبي قول زيد وقرأها:"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان..."فقال عمر ماكنت أعلم أن أحداً سيبلغ مبلغنا. يعني/ما أظن أن الباب مفتوح ،لكن رحمة الله واسعة والنبي عليه الصلاة والسلام قال: وددت لو أني رأيت أخواني قالوا يارسول الله:ألسنا إخوانك قال بل أنتم أصحابي ولكن إخواني لم يأتوا بعد.وهذا داخل فيه كل من اتبع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان.نأتي عند قوله تعالى :"والسابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار" المهاجرين /أطلقت على من هاجر قبل الفتح إلى مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لا هجرة بعد الفتح" يقصد لا هجرة من مكة وإلا الهجرة قائمة إلى الآن. يترك الإنسان ديار الكفر ويأتي ديار الإسلام ممكن. لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الهجرة من مكه "لاهجرة بعد الفتح"الذي يعنينا أن هؤلاء المهاجرين هم أعلى الأمه مقاما لأنه بدأ بهم لكن اختلف في معنى كلمة السابقين .فمنهم من قال من صلى إلى القبلتين وقد فرض تحويل القبله بعد ستة أو سبعة عشر شهرا من الهجره إلى المدينه فيصبح من ءامن قبل هذا يصبح من السابقين على هذا القول.وءاخرون قالوا من شهد بدرا هذه أوسع زمنا.ومنهم من قال من شهد بيعة الرضوان وأظنه أرجح وأرحم من شهد بيعة الرضوان في السنه السادسه في صلح الحديبيه وهاجر إلى المدينه قبل هذا الوقت يدخل في قوله تعالى(والسابقون الأولون من المهاجرين)هذا الكلام عن المهاجرين وهم رضي الله عنهم وأرضاهم كثرمن أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة .ثم قال جل وعلا(والأنصار)الأنصار:ـ تسميه شرعية وليست تسمية نسبيه وإنما سموا أنصارا لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم(38/16)
وهي إذا أطلقت يراد بها /الأوس والخزرج .والأوس والخزرج رجلان أخوان اسمهما الأوس ابن حارثه والخزرج ابن حارثه والحارثه هذا من أزد اليمن ممن هاجروا من اليمن بعد وقوع السد وسكنوا المدينه وكانت قبائل اليمن قد تفرقت في مواطن شتى منهم الأوس والخزرج سكنوا المدينه فإذا قيل الأنصار ينطلق في أول المقام إلى الأوس والخزرج وكان بينهما من النزاع والنفره مالله به عليم.قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث صلوات الله وسلامه عليه آخى بينهم وسماهم الأنصار.وقد جاء في الأحاديث الصحاح الكثير من مناقبهم قال عليه الصلاة والسلام "لولا الهجره لكنت امرأ من الأنصار"وقال"اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار"وقال"إن الناس يكثرون والأنصار يقلون"وأوصاهم بالصبر. وقال لهم "إنكم ستجدون أثره بعدي فاصبروا حتى تلقوني،وموعدكم الحوض"رضي الله عنهم وأرضاهم فهم قدموا أنفسهم ودورهم ومهجهم وأموالهم من أجل نصرة الله ورسوله وهم كما قلنا في الأصل قبيلتان الأوس والخزرج من أشهر الأنصاريين من الأوس/سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ومن أشهر الأنصاريين من الخزرج/سعد بن عبادة،وحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه،وبنوعوف الذين نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دارهم في أول هجرته كما سيأتي في قوله تعالى (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ) ثم قال الله (والذين اتبعوهم بإحسان)وهذا القيد لابد منه لأن الله لما قال(السابقون الأولون من المهاجرين)أطلق ولم يقل قيدا وقال(والأنصار)ولم يقل قيدا لكن لما قال(والذين اتبعوهم)جاء جل وعلا بقيد والقيد هو(بإحسان)والإحسان/الإتقان والمعنى:ـ أن ينظر في صنيعهم وهنا لم يذكر الله قضية (اتبعوهم)فيه أشياء يدل عليها العقل فالمقصود أن هؤلاء المهاجرين والأنصار وقع منه هفوات وزلات وأخطاء فلايجوز أن نتبعهم فيها وإنما المقصود اتباعهم فيما اصابوا فيه من الإعتقادات(38/17)
والأقوال والأعمال رضي الله عنهم ورضوا عنه ولايوجد نعمه أعظم من رضوان الله قال الله تعالى في كتابه(ورضوان من الله أكبر)والمعنى/ورضوان من الله أكبر من كل نعمه.رضوان من الله أكبر :ـ أي لايعدل رضوان الله جل وعلا شيء .والله جل وعلا يخاطب أهل الجنه آخر الأمر فيقول :أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا.فلا يعدل رضوان الله شيء بلغنا الله وإياكم رضوانه فقال الله تعالى(رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها)هذه قراءة الأكثرين بدون حرف الجر "من"وقراءة أهل المدينه على قراءة ابن كثير (تجري من تحتها)يوجد "من"لكن الذي عليه الأكثرين عدم حرف الجر ولا يختلف هذا في المعنى كثيرا(وأعدلهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)والمقصود من هذه الآيه أننا كما تكلمنا عن أهل النفاق نتكلم عن أهل الفضل كما أمرنا الله أن نجتنب أحوال أهل النفاق أمرنا الله أن نتبع أحوال أهل السبق من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم وأن نقتفي سيرهم ونلتمس هديهم ونتبع آثارهم ونكون كما كانوا. يوجد آيه تركتها نسيانا مع أنني قلت في أول الدرس أنني سوف أفسرها وهي قول الله جل وعلا(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين ءامنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)هذه الآيه نزلت أن قوما من أهل النفاق كانوا يتحادثون في مجالسهم الخاصه فيعيبون النبي صلى الله عليه وسلم فيقول بعضهم لبعض نخشى أن يصله كلامنا فيقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن أي يصدق كل شيء.فإذا بلغه أننا تكلمنا فيه نذهب إليه فنعتذر فيصدقنا يسيمون النبي صلى الله عليه وسلم بالبلاهه يريدون أن ينتقصوه فالله هنا يدافع عن نبيه ويناصره ويتولاه يقول(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن)والأذن: الجارحه المعروفه.والمقصود/أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ويصدق كل مايقال له(38/18)
حسب زعمهم ويقولون هو أذن فقال الله(قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)والنبي صلى الله عليه وسلم أرفع مقاما وأكمل أخلاقا وأجل سيرة مما افتراه هؤلاء المنافقون عنه بل كان عليه الصلاة والسلام يتغافل عما لايشتهي ولم يكن فيه إلا الرحمه والخير للناس عموما قال الله عنه:"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"فقال الله هنا (قل أذن خيرلكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين )فجاء بالفعل يؤمن وعدى في الأول بحرف الجر الباء وعدى في الثاني بحرف الجر اللام .والمعنى/الفرق في التعديه هنا:لأن قوله جل وعلا (يؤمن بالله) فإيمانه بوجود ربه تبارك وتعالى أمر لا يخالطه فيه شك بوحدانية ربه وألوهيته وأن الله موجود لكن قوله تعالى :"ويؤمن للمؤمنين"النبي ليس مسؤل عن سرائرهم ، وإنمايسلم أمرهم لله فيؤمن بما ظهر منهم ويكل سرائر الناس إلى خالقهم .فقال الله في الأولى "يؤمن بالله"وقال في الثانية"ويؤمن للمؤمنين"ثم قال جل وعلا :"ورحمة للذين ءامنوا منكم "ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم رحمة في بعثته ...رحمة في هديه...رحمة في سيرته...رحمة في كل من يقتفي أثره ويتبع سنته.ثم قال الله(والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)إذا كان المسلم أصلا مطالبا بأن يؤمن ويحب ويوالي ويناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن يؤذيه عليه الصلاة والسلام فأذيته عليه الصلاة والسلام وانتقاصه حيا أو ميتا ولو بمقدار شعره مع اعتقاد ذلك كفر مخرج من الملة يقتل صاحبه ولو تاب وتراجع يقام عليه حد القتل وقد بينا ذلك مرارا ويهرق دمه لكن يقيمه ولي أمر المسلمين،وأمره إلى الله تبارك وتعالى إن صدق في توبته أو لم يصدق لكن حتى ولو أظهر صدق التوبه يقام عليه الحد ويقتل إذا انتقص شيئا من نبينا صلى الله عليه وسلم ومستند العلماء في هذا مابيناه مرارا كما أخرج أبوداوود بسند صحيح من حديث ابن عباس أن رجلا أعمى كانت له جارية أم ولد تقوم برعايته وأنجب منها طفلين(38/19)
كالؤلؤتين يحبهما وهذه المرأه كانت تحبه رغم أنه أعمى وشفيقه به ...رفيقة تقدم له كل حاجة إلا أنها كانت تقع في رسول الله صلى الله عليه وسلم فينهاها هذا الأعمى فلا تنتهي فوجدت ذات مرة هذه المرأة مقتولة قد بقر بطنها ولطخ دمها الجدار فقام صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس قال:أنشد الله رجلا لي عليه حق ويعلم عن هذا الأمر شيئا إلا أخبرنا به فقام هذا الأعمى من آخر المسجد يقطع الصفوف ويضطرب في مشيته حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:يارسول الله أنا صاحبها أنا قتلتها فتعجب منه صلى الله عليه وسلم وقال:ولما؟قال:إنها كانت تقع فيك فأنهاها فلاتنتهي وازجرها فلاتنزجر فالبارحه وقعت فيك فنهيتها فلم تنتهي وزجرتها فلم تنزجر فقمت إلى الموغل"والموغل السيف القصير"فأتيت حتى وصل إليها وهو أعمى يعني لايراها حتى علم أنه أصاب بطنها فتكأ على الموغل حتى بقر بطنها وقتلها فلما أتم حديثه قال صلى الله عليه وسلم"اشهدوا أن دمها هدر"من هنا أخذ العلماء ومن غيره من الأحاديث أنه لايجوز أبدا أذيته صلوات الله وسلامه عليه وقد فصلنا هذا في مواطن كثيرة باستطراد أكثر فالذي يعنينا أن الله توعد بالعذاب الأليم من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن على الناحيه الأخرى لايجوز للمؤمن أن يغلوا في تعظيمه صلى الله عليه وسلم فهو عليه الصلاة والسلام بشر وليس له من خصائص الألوهية ولا الربوبية شيء وإن كان أفضل الخلق مقاما وأعلاهم منزلة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم لكن في الأمه بعد سقوط بغداد على يد هولاكو أصاب الأمه مرحله من الضعف سياسيا واقتصاديا وعقديا وعلميا حتى ظهر مايسمى بأدب التصوف أو بأدب المدايح النبويه فجأ أقوام يبالغون لقلة العلم العقدي فيه صلى الله عليه وسلم فأنشأت قصائد لايمكن أن تجوز شرعا في حقه صلى الله عليه وسلم منها قصيدة البصيري المشهوره.
أَمِنْ تَذكُر جيران بِذي سَلَم(38/20)
مَزَجْت دَمْعا جَرى من مُقلةٍ بِدمِي
أَمْ هَبتْ الريحُ من تَلْقاءِ كاظِمةٍ
أَو أَومَضَ البرقُ بالظَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّلماءِ من إِضَمِي
إلى آخر القصيده وقد سماها"الدرر البهية في مدح خير البرية"أو كلمة نحوها وهو رجل مات في آخر القرن السابع وأمره إلى الله أنا أتكلم عن القصيده .قال في القصيده عفا الله عنا وعنه.
قال:ياأكرمَ الرسلِ مَالي مَن أَلوذُ بِه
سِواكَ عند حُلول الحَادث العَممِ
ولاريب أن هذا عين الشرك وعين الكفر الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لهدمه ونقضه...قال الإمام الشوكاني رحمه الله معلقا على هذا البيت قال:إنالله وإنا إليه راجعون انظر كيف غفل عن الله ولاذ بالنبي صلى الله عليه وسلم والنبي عبد بالله ورسول من رسل الله صلى الله عليه وسلم فمثل هذا لايمكن أن يقبل ولايمكن أن يجوز لا ماقاله البصيري ولا ماقاله أترابه وأقرانه ممن غالوا فيه صلوات الله وسلامه عليه وهو عليه الصلاة والسلام بما أعطاه الله من المناقب في غنى عما قاله هؤلاء ضعفاء الإيمان والجاهلون عنه فله صلى الله عليه وسلم المقام الرفيع لكن لايجوز لأحد أن يغلو فيه صلوات الله وسلامه عليه ثم نختم بقول الرب تبارك وتعالى(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون*لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) النبي عليه الصلاة والسلام أول مانزل المدينه نزل في قباء عند المسجد المؤسس اليوم وكانت هناك دار الرجل يقال له كلثوم بن الهدم أحد الخزرج من بني عمر بن عوف وهو عليه الصلاة والسلام دخل المدينه يوم الإثنين فمكث الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس صبيحة الجمعة قبل الزوال خرج من دار كلثوم بن الهدم حتى وصل إلى مكان المسجد الآن المسمى بمسجد الجمعه(38/21)
فصلى فيه ثم أتى مسجده الموجود الآن فأناخ راحلته فيه هناك أسس صلى الله عليه وسلم المسجد مسجد التقوى مسجد قباء لكنه لم يبنيه وإنما بناه بنوعمرو بن عوف بعد ذلك .هذا المسجد كان لبني عمرو بن عوف جيران من الخزرج وهم بني عمرو بن عوف هؤلاء من الأوس من هؤلاء قوم نشأوا على الشرك والضلاله وأكثرهم منافقون فبنوا مسجد ضرارا منازع لهذا المسجد لأن هذا المسجد كان يغص بالمصلين فتجتمع الكلمه فتتآلف القلوب ويتوحد الصف فبنوا ذلك المسجد وزعموا أنهم بنوه لذي العلة والليله المطيرة والليله الشاتيه وللحاجة وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنما بنينا مسجدا بهذه الأوصاف ونريد منك أن تأتيه وتصلي فيه كما صليت في مسجد قباء لإخواننا من بني عمرو بن عوف فاعتذر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه على شغل وأنه على جناح سفر وأنه ذاهب إلى تبوك فلما قدم من تبوك أوحى الله جل وعلا إليه بقوله(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا...) فانتدب صلى الله عليه وسلم نفرا من الصحابه منهم رجل يقال له مالك ومنهم وحشي قاتل حمزة حوالي أربعة فبعثهم ليحرقوا ذلك المسجد ويهدموه فهدموا المسجد وأخرج مالك من بيته شعلة نار وأحرق المسجد وهدمه ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم في روايه أن يكون المسجد مكانا كناسة :يعني توضع فيه القمامات وفضلات الناس نكالا بهم.هذا هو مسجد الضرار قال الله فيه (والذين اتخذوا مسجدا ضرار...) الضرار:ـ المنازعه..العمل الذي يدفع إليه الحسد.هذا قوله (ضرارا) (وكفرا) لأنهم أرادوا بذلك زيادة النفاق الذي في قلوبهم .(وتفريقا بين المؤمنين)تدل الآية على كل عمل يراد به تفريق الناس أمر محرم شرعا يؤدي إلى الكفر ولو كان في مسجد.فلايوجد مصلحة في الدين أعظم من اجتماع كلمة الناس وكل من حمل لواء يريد فيه أن يفرق بين المسلمين يجب نبذه وتركه ولوتستر بألف ستار فإذا كان هذا مسجد كان بالإمكان أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابه أن يأتوه ويلقوا فيه(38/22)
دروس ويغيروه ويحولوه لكنه مادام أسس على باطل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه واحراقه ومن هنا نحن نقول والله أعلم إن القنوات المعاصره اليوم لاتخلوا من أحد أمرين :ـ إن أسست على باطل فلا نرى جواز الخروج فيها ولوظن من يخرج فيها أن هناك مصلحة في الخروج. أما إذا أسست على حق:فيجوزالخروج فيها وإن خالطها شيء من الحرمه فمثلاً جاء إنسان وأسس قناة تبث أفلاماً ثم قال للشيخ والشيخ والشيخ ثلاثه أو أربعه قال نحن نريد منكم دروس في هذه القناة نحن والله تعالى أعلم نقول أنه لا يجوز شرعاُ الخروج في مثل هذه القناة لأن هنا تقرير الصحه ما بنيت عليه القناة أمرها أما إن وجدت قناة أصلاًُ قناة اسلاميه كالمجد مثلاُ ونحن لا نمدح المجد لمصلحه نمدح المجد لأنها المنارة الوحيدة الموجودة الآن التي تبث الإسلام كما نريد فيما نعلم. يقرن إليها قناة الفجر إن وجدت(قناة القرآن الكريم تبقى قنوات رسميه لبعض الدول فهذه لا أسست لا على حق ولا على باطل هذه لمصلحه فهذه يجوز الخروج فيها لتوسطها أما قناة تؤسس لبث دعارة أو بث أفلام فلا يعقل أن تأتي قناة تبث فلما إباحيا أو فلما يكاد يقرب من دوافع الفحشاء ثم يؤتى برجل يحدث ثم ينتهى هذا الرجل ويؤتى بفلم آخر على نفس المنوال هذا عبث هذا مثاله في الواقع كرجل أراد أن يصنع حفلة فرح (زواج) وجاء براقصات ومغنين عراة فجاء ناس ينكرون عليه قالوا: هذا حرام لا يجوز قال:ليست مشكلة هذا الفرح من التاسعة إلى الساعة الثانية من الساعة الحادية عشر إلى الساعة الواحدة أنا أسمح لكم أن تأتوا على نفس المسرح وتلقوا أي حديث.هل يجوز لهذا الرجل أن يأتي هذا الفرح ويلقي هذا الحديث ويخرج وهو يعلم يقيناً أن قبله محرم وبعده محرم لا يمكن لأنك أنت إذا فعلت جعلت الناس يكفرون ويأتون هذا فيما نعتقدة لكن يوجد مسأله مهمه لا يعني ذلك أن من خرج من علمائنا وفضلائنا في مثل هذه القنوات أنه يتهم بشيء ونحن نقول ما ندين(38/23)
الله به لكن كما قلنا إن ما قد نراه نحن حق خطأعند غيرنا ونراه نحن خطأ صواب عند غيرنا نحن نبين الحكم على مانرتضيه لكن لا يجوز لنا ولا لغيرنا أن نقدح في أحد من علماء المسلمين رأى أنه توجد مصلحه في الخروج في تلك القنوات.لكن أنا أقول ما أدين الله به من هذه الأيه (والذين اتخذوا مسجداًضراراً) لأن هذا مسجد بني وسقف ووجد وكان له إمام سيأتي قصته فلو كان الشيء الذي أسس على باطل يمكن قلبه إلى حق لكان هذا المسجد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل أبي بن كعب إمام له وتنتهي القضيه هذا الذي ندين الله به من هذه الآيه نعود إلى الآيه:(وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل)الإرصاد/التربص والترقب وكان هناك رجل يقال له أبو عامر الفاسق وكان يقال له في الجاهليه أبو عامر الراهب وهذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد:لا أجد قوما ًيقاتلونك إلا قاتلتهم فقاتل حتى مع هوازن يوم حنين ثم خرح إلى قيصر وقال للمنا فقين الذين في المدينة أنتم ابنو المسجد وترقبوا عودتي من قيصربالجنود حتى نخرج محمدا ًوأصحابه منها صلى الله عليه وسلم فهذا معنا قول الله:(وإرصاداً لمن حارب الله ورسول من قبل) والمقصود أبو عامر الراهب وسبحان الهادي هذا أبو عامر هو والد حنظله ابن أبي عامر غسيل الملائكة فسبحان من يخرج الحي من الميت وليس هناك حياة أعظم من حياة الإيمان ولاميت أعظم من ميت ميت الكفر الذي يعنينا(وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحفلن إن أردنا إلا الحسنى) ولا يوجد إنسان يريد أن يضل الناس يقول لهم أنا أريد أن أضلكم الله يقول:(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)(وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون) فقال الله لنبيه (لا تقم فيه أبداً)فأحرقه صلى الله عليه وسلم ثم قال له:(لمسجد أسس على التقوى) وهو مسجد قباء على الصحيح (من أول يوم)أي من أول يوم حضرته المدينه (أحق أن تقوم فيه) لكن يستنبط من(38/24)
هذا إذا كان مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه هذا الفضل وقلنا إنه مجرد أنه أسسه أما مسجده فهو الذي أسسه وهو الذي شارك في بنيانه فهذا أعظم لأنه إذا ورد هذا في حق ماأسسه فمن باب أولى أن يكون تعظيم المسجد النبوي أعظم لأنه أسسه وشارك صلى الله عليه وسلم في بنائه (أحق أن تقوم فيه)المراد بالقيام هنا الصلاة (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) ثم ذكر الله القاعدة:(أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهد القوم الظالمين) قال العلامه ابن سعدي رحمه الله:.إن المعصيه تؤثر في المكان كما تؤثر فيه الطاعة فذلك المسجد لما بناه قوم عصاه خرج عن كونه مسجد فمسجد قباء لما صلى فيه قوم طائعون مصلحون ازداد نورا على نور هذا ماأردنا بيانه على وجه الإجمال في وقفاتنا هذه الليله مع سورة التوبه وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وألبسنا وإياكم لباس العافيه والتقوى وصلى الله على محمد وعلى آله.
*ملاحظة: لم تذكر مقدمة الدرس في الشريط.(38/25)
??O0[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ] {البقرة:18}?
[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ] {البقرة:171}??
??
??
?[فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ] {البقرة:23} ?
[قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ] {يونس:38} ??
??
??
?[وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا] {البقرة:35}?
[فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا] {الأعراف:19}??
??
??
?[وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ] {البقرة:36}?
[قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ] {الأعراف:24} ??
??
??
?[وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ] {البقرة:49} ?
[وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ]{الأعراف:141}??
??
??
?[وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً] {البقرة:51} ?
[وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ] {الأعراف:142} ??
??
??
?[وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ*فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ]البقرة:58-59?
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ*فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ الأعراف:161 – 162??
??
??
?[ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ]{البقرة:61} ?(39/1)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ{آل عمران:112}??
??
??
?[إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ] {البقرة:62} ?
[إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى] {المائدة:69} ??
??
??
?[خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]{البقرة:63}?
[خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا] {البقرة:93} ??
??
??
?[وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً] {البقرة:80}?
[ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ]آل عمران:24??
??
??
?[وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ] {البقرة:95} ?
[وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ] {الجمعة:7} ??
??
??
?[وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ] {البقرة:48}?
[وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ] {البقرة:123} ??
??
??
?[قُولُواآَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَإِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ..وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ]البقرة:136?
[قُلْ آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَالنَّبِيُّونَ]آل عمران:84??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??
??(39/2)
الاسم: صالح بن عواد بن صالح المغامسي
تاريخ الميلاد 1383هـ بالمدينة النبوية
الدراسة:
مرحلة البكالوريوس ، جامعة الملك عبد العزيز
الدراسات العليا ، جامعة الملك سعود .
الوظيفة الرسمية:
محاضر بكلية المعلمين بالمدينة النبوية
وخطيب مسجد قباء بالمدينة النبوية
الأنشطة العلمية والدعوية :
درس تفسير أسبوعي بالمدينة النبوية.
درس تفسير شهري في جامع عثمان بن عفان بالرياض .
درس تفسير شهري في جامع بغلف في مدينة جدة .
درس تفسير بعنوان ( محاسن التأويل ) يبث أسبوعياً في قناة المجد .
برنامج ثقافي شهري يبث في قناة المجد بعنوان ( القطوف الدانية ) .(40/1)
سورة الإسراء (15_ 36)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أراد ما العباد فاعلوه ، ولو عصمهم لما خالفوه ، ولو شاء ليطيعوه جميعا لأطاعوه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره ،واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين
هذا اللقاء الثالث حول سورة الإسراء ، وكنا قد انتهينا إلى قول ربنا جل وعلا: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
قلنا أول الآية الجملة شرطية ظاهرة المعنى: أن الإنسان إذا وُفق للهدى فإن ثواب تلك الهداية عائد عليه، وكذلك إذا حاد الإنسان عن الهدى، وسلك طريق الضلالة فإن عاقبة ذلك و وباله، وخسرانه عليه.
{ ولا تزر وازرة وزر أخرى }هذا من قواعد الشرع التي أخبر الله عنها في الحساب يوم القيامة ، ذلك أن العرض الأكبر على الله له قواعد: من أهم القواعد : أنه لاتُخذ نفس بجريرة نفس أخرى
قال الله {ولاتزر وازرة وزر أخرى}هذا من قواعد الشرع، من قواعد الحساب المتفق عليها
من قواعد الحساب : إقامة الشهود{{ وجيء بالنبيين والشهداء}}
من قواعد الحساب: أن الله جل وعلا لا يظلم الناس مثقال ذرة
نعود فنقول : ثم قال الله{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} أول ما نستفيده من هذه الخاتمة:{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
إذا حررنا أن {ما } هنا نافية
{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } دلالة ظاهرة على أن الدين يجب بالسمع لا بالعقل(41/1)
من يقول من الناس يكفيك بالعقل أن يُناط بهم التكليف، هذا خلاف للصواب، لابد من السمع عن الله عن طريق رُسله ، ولهذا قال الله { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} أي لا تقوم حجة حتى يكون هناك رسول، وهذا الخبر في القرآن هنا أثبته الله جل وعلا في أكثر من موضع قال الله جل وعلا{{ رُسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}}
معنى الآية : لو لم يكن رسل، لكان للناس على ربهم حجة
والله جل وعلا ذكر أهل النار وذكر أنهم يدخلون فيها أفواجا فقال: {{ كلما أُلقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء}}
وهذا دفع الناس أي العلماء للحديث عن من لم تبلغهم الرسالة، والآية محكمة {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وأنا لا أستطيع أن أقف حكما بين العلماء، لكني أعطيك طرائق العلماء:
الإشكال وارد أن نفرق بين نصوص صحيحة، الإخبار عن أفراد أنهم في النار رغم الإتفاق أنهم لم تصلهم رسالة ، كإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن لُحي الخزاعي يجر قصبه في النار، وإخباره صلى الله عليه وسلم عن صاحب المحجن ، وإخباره عن غيرهما ،
مع أن الآية ظاهرة في أنه لا تعذيب بدون إقامة حجة ، هي إذا ضممناها إلى آية تبارك {{ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها}}
وبعض أهل العلم يقول: نتوقف ونأخذ بالحديث الصحيح ، الله أعلم فيما كانوا عاملين، وهذا لعله أقرب لأن القول بأن أهل الفترة الذين قبل النبي صلى الله عليه وسلم هم مطالبون برسالة إبراهيم وإسرائيل أمر يرده القرآن
كيف يرده القرآن ؟!
إن الله قال: {{وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير}}
فربنا يقول ليس لهم كتاب وليس لهم نذير
وقال {{لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك}} فالله جل وعلا يُخبر أنه لا نذير سبق إليهم
فهذا هو مجال البحث في الآية وقلت لن أقف حكما بين أقوال العلماء(41/2)
{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
ثم قال ربنا{ وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها }قرئت بالتشديد( أمّرنا)وقرئت بالتخفيف( أمرنا) وهذه القراءة مجمع عليها بالتخفيف
والصواب حملها على التخفيف لماذا؟
ليصبح معنى الآية :{ وإذا أردنا أن نهلك قرية } أي إذا سبق في قضائنا وقدرنا أن قرية ما ستهلك أمرنا مترفيها، لكن الله لم يذكر بماذا أمروا ، لكن دل العقل عليه ، أي أمرناهم بالطاعة، ففسقوا فيها أي خرجوا عن الطاعة لم يطيعوا، { فحق عليها القول } أي العذاب { فدمرناها تدميرا} يصبح معنى الآية : أن الله جل وعلا إذا سبق في قضاءه وقدره الأزلي أن قرية ما ستُهلك فإن الله جل وعلا يأمرهم بأوامر ، والأسباب مرتبة على مسبباتها
ما الذي يقع: أن هؤلاء لا يستجيبون لتلك الأوامر فيفسقون ، يعني يخرجون عن الطاعة ، ويحيدون عن الهدى فيصبح بذلك حق عليهم العذاب قال الله : { فدمرناها تدميرا}
واضح؟!
وقال الله بعدها
{ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح}والقرن هو الجيل، بعضهم يقول هو قرابة 100 عام
وكم هنا : خبرية وليست استفهامية
وقلنا في دروس سبقت ،وأيام مضت أن الفارق الأشهر بين كم الخبرية وكم الاستفهامية، أن كم الخبرية لا تحتاج إلى جواب ، وكم الاستفهامية تحتاج إلى جواب ، ولا بدأن تُلم بلغة العرب حتى تملك الآلة في فهم القرآن، ويتفقان أي كم الخبرية، وكم الاستفهامية في أمور من أشهرها:
أن كلاهما مبني
وكلاهما له الصدارة في الكلام
{ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح } ولم يذكر الله أمما وقرون أهلكها من قبل نوح لماذا؟
لأنه قبل نوح لم يكن هناك شرك، ولم يكن هناك رسل حتى يُكذَبوا وإنما نوح هو أول الرسل
{ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عبادة خبيرا بصيرا}(41/3)
ثم قال الله{ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا}عبّر الله أو كنى عن الدنيا بماذا؟ بالعاجلة
قال{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} لكن الله ذكر قيدا وهو قوله سبحانه { لمن نريد} والقيد هنا يجري سريان حكمه وتحقيقه على ما أطلقه الله في آيات أُخر قال الله {{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون}} لكن هذا الإطلاق مقيد بآية الإسراء بقوله { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} ثم: للتراخي والتعقيب
{جعلنا له فيها جهنم يصلها مذموما مدحورا} ولما ذكر الله بُغاة الدنيا ذكر طلاب الآخرة قال: { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها } والمعنى أن هناك سعي خاص بالآخرة {وهو مؤمن} والسعي الخاص بالآخرة هو موافقة شرع من؟ شرع نبينا صلى الله عليه وسلم
{وهو مؤمن } تحقيق الإخلاص
{ فأولئك كان سعيهم مشكورا}أي أن الله جل وعلا يثيبهم على صنيعهم
ثم قال{كلاً} والتنوين هنا عوض عن محذوف ، أي كل من يريد العاجلة ، وكل من يريد الآخرة { كلا نمد هؤلاء} طلاب الآخرة { وهؤلاء} بغاة الدنيا { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك} أي من رزق ربك ، ثم قال الله { وما كان عطاء ربك محظورا} يجب أن نقول إن عطاء هنا المقصود بها العطاء أين؟ في الدنيا
يجب أن نقول إن قول الله { وما كان عطاء ربك محظورا } أي ممنوعا أنه المراد به الرزق في الدنيا ، فإن قال لك قائل علام جزمت ؟! نقول: إن الكافر ليس له حظ في الآخرة ، فلا يُعقل أن يُقال عنه{ وما كان عطاء ربك محظورا} لكن الله في الدنيا يرزق المؤمن ، ويرزق الكافر، ويرزق الشقي ويرزق السعيد ، ويرزق البر ويرزق الفاجر.
واضح؟؟
{وما كان عطاء ربك محظورا}
ثم جاء الخطاب لسيد الخلق وصفوتهم {أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض}(41/4)
وهذا أمر مشاهد في الدنيا حتى طلاب الآخرة يتفاضلون فيما أعطوا من الإيمان والعمل الصالح، وطلاب الدنيا يتفاضلون فيما أعطوا من غنى ودونه
{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض}ثم لا تحسبن أن هذا نهاية المطاف قال بعدها:
{ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} فيقع التغابن في الآخرة لشدة ما يرى الناس من الفوارق ، ولهذا قال الله {{ يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن}}
{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}
والجنة مائة درجة، وهناك تفاضل عظيم مابين أهلها ، كما أن النار دركات، إلا أن الله برحمته يجعل لا حزن أبدا لأهل الجنة ، وإن كان صاحبها أقل أهل الجنة ثوابا ، وأقلهم منزلة، أما أهل النار فإن أدناهم منزلة عياذا بالله يظن انه لا أحد أشد عذابا منه وهذا وحده غاية النكال
{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}ثم قال: تجديدا لقضية إيمانية تتردد في القرآن كثيرا: وهي إن توحيد الله هي المقصود الأعظم
قال: {لا تجعل مع الله إله آخر فتقعد مذموما مخذولا}
ونُصب الفعل {تقعد} لأنه جاء بعد فاء السببية التي سبقها فعل مسبوق بنهي فالفعل المنصوب { تقعد} وقبله فاء السببية، والفعل المسبوق بالنهي قول{ لا تجعل} ف{تجعل} مسبوق ب{لا} الناهية، ولذلك جزم بالسكون
{لا تجعل مع الله إله آخر فتقعد مذموما مخذولا} ثم جاء في الآيات سلسلة من الأخلاق، وسورة الإسراء سورة مكية، لم يُنبه الله فيها إلا على أمور مقررة فقهيا في كل الملل التي سلفت
قال الله { وقضى ربك} وهنا {قضى} بمعنى: أمر
وقد مر معنا أن قضى تأتي بمعنى خلق كقوله سبحانه { فقضاهن سبع سماوات}
وتأتي بمعنى حَكم ، كقوله جل وعلا{ إن ربك هو يقضي بينهم بحكمه إنه هو السميع العليم}
نعود فنقول { وقضى ربك} أي أمر
{ ألا تعبدوا إلا إياه} وهذا تحقيق للتوحيد الذي تحدثنا عنه مرارا، وهو الغاية من خلق الثقلين(41/5)
{{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}}
{وبالوالدين إحسانا} قال العلماء وهذا ظاهر لكل أحد إن الله قرن بر الوالدين بوحدانيته ليُبين عظيم المنزلة للوالدين، وهذا إجمال
{ وبالوالدين إحسانا}
ثم بين
{إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما}
نهى عن الأدنى تنبيها للأعلى
{ وقل لهما قولا كريما}القول الكريم: هو ما يستطيبه السمع ، وتستريح له النفس، وترغب في سماعه الأذن
{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة }
هذا عند البلاغيين يُسمى :استعارة، ذلك أن الطائر إذا أراد أن يعلو خفق بجناحيه ، فإذا أراد أن يهبط خفضهما ،لكن الله قال ، وهذا من دقائق التعبير والفوارق القرآنية قال: {{ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}}
لكن هنا قال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} فكلمة الذل، زائدة في حق الوالدين عن عموم الناس، لأن حق الوالدين ليس كحق بقية الناس فأنت مُطالب بأن تخفض جناحك للمؤمنين{{أذلة على المؤمنين}}لكن يكون خفضك لجناحك في تعاملك مع والديك أشد وأعظم
فقال الله جل وعلا {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا} وهذا تنبيه لك ليس المقصود منه أنه لو فرضنا أن أحدهما مات ، ولم ينل مشقة تربيتك أنك لا تدعوا له
هذا مُحال
ليس مقصود القرآن لكن هذا قيد أغلبي
لأن الأصل أن الوالدين هما اللذان يقومان بتربية الأبناء
{كما ربياني صغيرا}
{ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}
من أخطاء الأئمة أنهم يقرأونها{ ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين}( سكت الشيخ)ثم يقول{ إنه كان للأوابين غفورا} الله أعلم بما في نفوسنا كنا صالحين أولم نكن صالحين
لكن ما معنى الآية؟
{ ربكم اعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين}(إن )شرطية { فإنه كان للأوابين غفورا}جواب الشرط
ما معنى الآية؟(41/6)
أحيانا هذا يقع، لو راجعت كثيرا من أوراقك القديمة، أو حتى في أيامك هذه، أحيانا تريد أن تبر والديك، أو احدهما فتقع في خلاف الذي تريد فيقع منك كلمة لا يرغبانها ، وأنت لا تقصد عقوقهما ، إنما تقصد برهما أو أن تقدما لهما شيئا ترى أنهما يُحبانه فإذا هما يكرهانه
تمر معك مع والديك مواقف، الموقف العام لا يُساعدك على أن تظهر كل ما في قلبك، أو أن تقول الأمر بجلاء، فأنت تريد أن تبره، وهو يرى أنك عاق به
نأتي بمثال، مثلا محسوس:
قد يكون أحد والديك يشعر بوهم كبير أنه مريض، فيُلح عليك أنه مريض، ويريد أن تذهب به إلى الطبيب، وأنت تمتنع لا عقوقا له، وإنما لماذا؟
لأنك لا تريد أن تعينه على نفسه فيصبح بداية وهم، لأنك لو أخذته واستجبت لندائه، واليوم ذهبت به للشيخ فلان ليقرأ عليه، وغدا ذهبت به للطبيب فلان ليكشف عليه باتت من قناعة الوالد ، أو الوالدة انه مريض وأنت تعلم أن الوالد أو الوالدة إنما هي قضايا نفسية لا أكثر ولا اقل
فكونك تمتنع عن الذهاب به إلى ما يريد ، إنما تُعينه على نفسه فينتصر على أوهامه، وإن كان الأب أو الوالدة ينظر إليك على أنك عاق، وربما أسمعك كلاما لا يسرك ، وربما قال لجيرانه، أو لأصدقائه أو لبعض إخوانه إني قلت لابني فلان : مرة ومرتين وثلاث لكنه لا خير فيه لا يريد أن يذهب بي إلى الطبيب
لأنه يجهل مصلحته، وأنت لم تقصد إلا الخير
فهذا خفي على الوالد، خفي على الوالدة، لكنه لا يخفى على رب العالمين.
هذا معنى قول الله{ ربكم أعلم بما في نفوسكم } بعد ذكره لبر الوالدين
{إن تكونوا صالحين}تقصدوا خيرا تريدوا صلاحا وبرا بوالديك{ فإنه} جل وعلا{ كان للأوابين غفورا}
ثم قال الله{ وآتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذير إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}
القرآن يُربي فينا فقه الأولويات
ثلاث آيات تتحدث فقط عن الوالدين مقرونا بالتوحيد، ثم ثلاثة حقوق تأتي في آية واحدة(41/7)
فالقريب له حق، والمسكين له حق، وابن السبيل له حق
لأن المسكين في الغالب يكون ابن بيئتك، وابن السبيل غريب، فحق القريب مقدم ، ثم ابن القرية أو المدينة التي تسكنها ثم المسافر الغريب
أما قول ربنا { ولا تبذر تبذيرا}فهذه أشبه في الجملة المعترضة إذا نظرت لما بعد
{ ولا تُبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}
هناك يا بني تبذير وهناك إسراف .
هناك ماذا وماذا ؟
تبذير وإسراف .
ما الإسراف ؟
الإسراف: الشيء في أصله يكون صوابا ,فإذا زدت عليه عن حده سمي إسرافا ً.
أما التبذير : هو الشيء الذي في أصله (ماذا ) باطل .
وأظني حضرت في هذا المقام أولا , لا أدري فإني أتكلم في عدة مواطن ,لكن إن كان فيه إعادة يتحملني من يشاهدني .
أعيد :
التبذير: هو الإنفاق أو البذل في شيء لا أصل له.
أمّا الإسراف: الزيادة على شيء له أصل.
نأتي بمثال معاصر :
من لوازم الحياة اليومية أن يكون لدى الإنسان جوال.
فكونه يشتري جوال لنفسه لا يسمى ذلك إسراف ،قد يحتاج أكثر من جوال بحسب وضعه الاجتماعي , لكنه إذا زاد عن هذا الحدث يسمى إسراف .
لو اشترى الإنسان ثلاث أربع أجهزة فهذا إسراف.
لماذا سمي إسراف ؟
لأن أصل القضية ( ماذا ) صحيح.
(أصل القضية صحيح .)
فحاجته للجوال الأول أو الثاني معقولة, لكن الزيادة عليها تسمى إسراف.
أما التبذير: فهو الإنفاق أصلاً في شيء لا داعي له.
(في شيء لا داعي له )
إنسان عنده ابن خمس سنوات، هذا لو أخرج له جوالاً، لا نقول هذا إسراف، نقول هذا تبذير, لأنه لا يعقل ولا يتصور أن طفلا أربع أو خمس سنوات يحتاج إلى جهاز جوال.
(واضح ) ولو واحدا لأنه يعرف يستخدمه ( فهمتم ).
وقس عليه ما تشاء في سائر حياتك .
هذا الفرق مابين التبذير والإسراف .
ولهذا الإسراف لم يأتِ إلا في الذنوب (تغليب ) بخلاف التبذير .(41/8)
قال الله {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } لكنه قال في الأعراف {{ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين }}
لكنه هنا أغلظ ,قال{ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}أي أولياؤهم {وكان الشيطان لربه كفورا } هذه الأخيرة جملة اعتراضية ،ثم عاد الكلام للأول .
ما الأول ؟
{وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } قال بعدها ((وإما ))مركبة من إن وما
{وإمّا تعرضن عنهم }
عن من ؟؟
عفا الله عنكم .
قلنا{ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}هذي جملة اعتراضية
ما الذي قبلها ؟؟؟؟
{وآت ذا القربى } الوالدان انتهت قضيتهما { فإنه كان للأوابين غفورا } ثم ذكر أيها المباركون كم حق ؟؟
ثلاثة :- ذا القربى , والمسكين , وابن السبيل .
ثم أطنب لفائدة في الكلام عن التبذير ، ثم عاد السياق لـ ((وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ))
ماذا قال ؟
قال :- {وإمّا تعرضنّ عنهم } عن من ؟؟ هؤلاء الثلاثة .
{ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا }
ما معنى الآية يصبح ؟
يصبح معنى الآية – أنا يعذرني المشاهدون أتكلم باللغة قريبة من الناس.
ما بين يوم عشرين وخمس وعشرين موعد استلام الناس للرواتب
يقل ما في ذات يده, فإن جاءك مسكين سائل أو قريب أو ابن سبيل
يستدين منك مئة أو مئتا ريال فأنت هنا لا تجد .
بماذا يرشدك ربك ؟
الله يقول : {وإمّا تعرضن عنهم } ليس عندك شيء تواصلهم به .
{ابتغاء رحمة من ربك ترجوها }
ما الرحمة هنا ؟
الراتب الذي سيأتي بعد يوم خمس وعشرين .
{فقل لهم قولا ميسورا} لاطفهم بالقول حتى تأتيك(ماذا )الرحمة.
(واضح )
{ابتغاء رحمة من ربك ترجوها } هذه الرحمة ما وقعت أنت موعود بها .
(فهمتم )(41/9)
يعني أنت موعود بمال سواء كان مكافئة شهرية أو راتب أو ارث أو أي شيء تعرف أنه سيأتيك ,أوتاجر عند صفقة والصفقة هذه عارف أنها بعد اسبوعين تقريبا ستتم وسينال منها ربحا فجاءه سائل قبل أن تتم الصفقة .
فربنا يقول له {وإمّا تعرضن عنهم ابتغاء}(ماذا ) { رحمة من ربك ترجوها} الذي ترجوه هذه الصفقة ستقع .
{فقل لهم} أي هؤلاء السائلين { قولا ميسوراً} لاطفهم بالخطاب حتى يأتي اليوم الذي تتمكن من برهم كما أمرك الله.
(واضح )
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
هذا بيت للمتنبي لكن أين قول المتنبي من قول الله..
{وإمّا تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك }
فيها فائدة أن المؤمن دائما يُعلق رجاءه بالله .
وأنه لايقول أنني سأبقى معدوما إلى أن أموت فإن رحمة الله حلا وعلا قريبة , كما ينبغي على من أغناه الله ألا يعتقد أنه ربما سيبقى ثريا غنيا إلى أن يموت .
(واضح )
(يعني لا ييئسن فقير ولا يبطرن ويفخرن غني )
قال أبو العتاهية .
في هجاء عمرو بن سلم .
تعالى الله يا سلم ابن عمرو
تعالى الله يا سلم ابن عمرو أذل الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذلك للزوال
وأنا لم أقصد هذا البيت, في بيت آخر.
قال له:(أمر الله يحدث كل ليلة )
يعني أمر الله بين عشية وضحها يفقر غنيا ويغتني فقير.
نعود للآية :
{وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا } ثم قال الله {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } .
نبدأ بآخر الآية .
ما الحسير ؟؟؟؟
الحسير : الدابة في السفر إذا عجزت وعيت وانقطعت عن تكملة طريقها تسمى ناقة أو دابة حسير .
(واضح)
الحسير :هي الدابة في السفر التي تنقطع في سفرها وتعجز عن المُضي .
لماذا عجزت عن المضي ؟
لأنها بذلت جهدا فوق طاقتها في أوّل السفر .
فالمنبث لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع .
لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .(41/10)
إذن ماذا يريد ربنا أن يرشدنا إليه ؟
ربنا يقول لا تكن شحيحا كمن يده مغلولة إلى عنقه ,لأن الذي يده مغلولة إلى عنقه لا يستطيع أن يضعها في جيبه حتى ينفق .
ثم قال {ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}
لا تنفق إنفاقا كاملا,لأنك تحتاج فلا تجد وتنقطع بك السبل .
ودائما (كلا طرفي الأمور ذميم , والعبرة بالاتجاه والطريق الوسط )
حلّ نبينا صلى الله عليه وسلم ضيفا على أبي التهان – أبي الهيثم ابن التهان .رضي الله عنه وأرضاه الأنصاري المعروف .
فالرجل بدأ بعذق من النخلة فيه :بسر ورطب وتمر .فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وأخذ السكين, فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم- والسكين في يده فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يذبح طعامًا لنبي الله ,-والنبي جاء بالمنهج الوسط - .
ماذا قال له ؟
قال :- "إيّاك والحلوب ." (إياك والحلوب )
الآن افهم مقصوده عليه الصلاة والسلام .هو لم يقل لا تذبح لي ,لان في هذا منع للمضيف أن يكرم ضيفه .ولم يرخص له في أن يذبح أي شيء.
حتى لا يتضرر أهل الدار .
فلو ذبح حلوبا لتضرر أهل الدار كونهم كانوا يشربون من...
من لبنها . وربما انتفع بها ولدها .أي ولد الشاة .
فالنبي عليه الصلاة والسلام لجأ إلى حل أمثل يجعل الرجل يكرم ضيفه دون أن يتضرر أهله . هذه في القرآن منها .
{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط}.
فإن قال قائل :ما تقول في فعل الصديق .
(تركت لهم الله ورسوله ).
تقول :
هذا فعل عارض . (هذا أولا).
الأمر الثاني.
2.أن أبا بكر رجل تجارة.
ومعلوم أن رجل التجارة قد يكون أحيانا في يده مال وأحيانا لا..يكون . وقد ينفق اليوم ثم يأتيه بيع آخر يدرُّ عليه .
{ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا *إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}
الرزق بيد الله وما كتبه الله لك سيصل إليك على ضعفك
وما لم يكتبه الله لك لن تناله بقوتك .(41/11)
"إنّ روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي أجلها وتستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب "
ثم قال عليه الصلاة والسلام "ولايحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإنما عند الله إنما يطلب بطاعته ولا يطلب بمعصيته " ((ولايطلب بمعصيته ))
{إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } ثم قال {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا}
الآيات مكية تخاطب الظواهر الاجتماعية المعيبة المشينة التي كانت في المجتمع المكي ومن أعظمها :أنهم كانوا خشية إملاق يقتلون أولادهم .
ولهذا جاء في الحديث
"أي الذنب أعظم ؟
قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك .
قلت ثم أي .
قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ."
نعود فنقول الله يقول {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}
أنتم لا تشتكون فقرا, لكنكم تزعمون أن الولد إذا جاء ضيَّق عليكم ,فلهذا قدم الله ذكر الولد .قال:{ نحن نرزقهم و إياكم } ثم قال {إن قتلهم كان خطأ كبيرا }
ذنب وأي ذنب يكفي أن فيه إساءة الظن برب العالمين جل جلاله ,وأن الله عاجز عن أن يرزقه وهذا وحده عين الكفر ,
إذا ظن العبد أن الله عاجز على أن يرزق أحدا .
والله يقول {{وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها}}
ويقول {{وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم }} هنا يقول ربنا {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا }
{ولا تقربوا الزنا } أي : أيُّ طريق يدني من هذه الفاحشة المحرمة .
في جميع الشرائع ثلاث أمور نهى الله عنها :
1.الشرك .
2. قتل النفس بغير حق .
3. والزنا .
وقد ذكرها الله جميعا في الفرقان {{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون }} وهذا محرم في الشرائع كلها.
قال الله {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ثم قال{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق }(41/12)
والحق : أن يكون القتل قتلا شرعيا .
وقد بين صلى الله عليه وسلم "الكفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان والتارك لدينه المفارق للجماعة "
{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } ثم قال الله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل }
فلا يسرف ما قال فلا يبذر .
قلنا الإسراف له (ماذا ) له وجه -له أصل-.
فما الأصل ؟
أن يقتل واحدا بواحد فهذا حق لكن إذا زاد هذا إسراف.
ولم يسميه الله تبذيرا لأنه في أصله قائم على أصل له وجه حق.
{فلا يسرف في القتل } كان بعضهم يرون أن في أنفة وأنا فلان ابن فلان لا يمكن أن يقتل بواحد.
ومر معكم في حرب البسوس .لما قتل جساس (من ) كليب .
وأخبر مهلهل أخو(من )أخو كليب . أن جساسا قتل أخاه .
وقامت حرب البسوس بين ....
بين بكر وثغر .
وما اختلف الحيان بكر وثغر
وكلاهما من ربيعة أو مضر ؟
من ربيعة .
الحيان من ؟
بكر و ثغر كلاهما من ربيعة ,كان فيهم أنفة .
الشاهد أن أحدهم من الزعماء آن ذاك أظنه الحارث بن عباد أراد أن ينهي المسألة, فبعث ابنه ليُقتل بدلاً من كليب فيستريح مهلهل وتنتهي المسألة.
وكان الحارث زعيما –فلما بعث ابنه رفض مهلهل وقتل الابن وقال له بوء بشسع نعل كليب .
يعني رجل بالعامي:ها لطول أبوه يشوفه أحسن الأبناء ,هذا يقتله ويقول أنت تساوي شسع نعل كليب .
شسع النعل : ما يخرج من النعل الذي يوضع في الإصبع هذا شسع النعل .
فهوى يرى أن هذا الرجل لا يوازي إلاّ شسع النعل ليس النعل كاملة ,فما بالك بكليب !.
هذا الذي كان موجوداً عندهم.
فالله يقول {فلا يسرف في القتل } ثم قال {إنه كان منصورا }
واختلف العلماء في إنه :
1.تعود على أولياء الدم .
2. أو على المقتول .
والعامة تقول (النفس((ماذا )) منصورة ) .
يعني لابد أن يظهر قاتلها .
لكن الأقرب والعلم عند الله أنه يعود إلى أولياء الدم ولقد استنبط ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من هذه الآية :
وهذا من دقائق الفهم وعجيب العلم(41/13)
أن معاوية رضي الله تعالى عنه سيلي الخلافة.
لماذا ؟
لأن معاوية طالب بدم (من ) بدم عثمان, لأنه من قرابته فأصبح معاوية وليا لدم عثمان.
والله يقول:{ فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا } وفراسة ابن عباس وتأويله ظهر جليّا في أن معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه آل الحكم إليه.
بصرف النظر كيف وصل الحكم إلي معاوية .
لكن الذي يعنينا هنا الخطاب القرآني .
أن الله جلا وعلا حرم الدماء وهذا قدم مستفيضا تكلمت عنه بإسهاب في قوله تعالى في البقرة {{ولكم في القصاص حياة }} ولا حاجة للتكرار .
لكن من أعظم الخطايا أن يتجرأ الإنسان على دم مسلم .
والنبي صلى الله علي وسلم يقول:
ونقل هذا عن عمر (لهدم الكعبة أهون عند الله من قتل مسلم )
على عظيم حرمة الكعبة
لماذ؟ (عقليا)
لماذا كان هذا عقليا مع اتفاقنا أن الكعبة بيت الله ؟
تُبنى الكعبة( أجابها أحد الطلاب الحضور فقال له الشيخ صالح: بيّض الله وجهك )
الكعبة لو تسلط عليها من تسلط بقدر الله إذا وقع وهدمها تبنى.
لكن المسلم لو قتل وسفك دمه لا سبيل إلى إعادة الحياة إليه .
فلهذا حرم الله حلا وعلا الدماء وأغلظ فيها ,وهي أول ما يقتص فيه في حقوق العباد يوم القيامة –عافانا الله وإياكم من دماء المسلمين -.
قال الله {ولا تقتلو النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن قتل مظلوما جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}
أي له الحق أن يتكلم وله برهان أن يطالب . {ولا تقربوا مال اليتيم غلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا }
مال اليتيم ذكره الله جلا وعلا مجملا هنا تمهيدا لآيات ستأتي في سورة البقرة لأن الخطاب هنا خطاب للمجتمع المكي.
وحتى يبلغ أشده يتحقق بكم طريقة :
بطريقتين.
1. طريقة بدنية .
2. طريقة عقلية .
طريقة ماذا ؟
طريقة بدنية وطريقة عقلية .
الطريقة البدنية : بالقدرة على النكاح .
الطريقة العقلية : عبر الله عنها{{فإن آنستم منهم رشدا}}(41/14)
{{فإذا بلغوا النكاح }} هذه قدرة بدنية .
يملّك ماله .
اليتيم : من مات أبوه دون البلوغ .
هذا في بني آدم
أما في الحيوان من التيم ؟
مر معنا- من ماتت أمه . لأن الحيوان ما يعرف من أبوه .
وأما في الطير ؟
هي الباقية – الصورة الثالثة .
من مات أمه وأبوه .
شف لاحظ , :
شوف بني آدم , الطفل الآن أبوه الذي يتولاه .
يأخذه الخياط يفصل له ثياب .
يأخذه المدرسة يسجله .
يأخذه له حوالي مثل الطاقة .
في الحيوانات بهيمة الأنعام
الأم هي التي ترعى الإبن .
وأما الطير ماذا تلاحظ ؟
يشتركان والله الاثنان الأم والأب في رعاية وليديهما .
فيسمى من فقد والديه من الطير يتيم .
ومن فقد والده من بني آدم يتيم .
ومن فقد أمه من الحيوانات -بهيمة الأنعام- يتيم .
وهذه استطرادات لغوية تنفعكم ولا تضركم .
الله حذر من أموال اليتامى وهذه بينّاه وسيأتي بيانه تفصيلا .
وقال {{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا }} لكن هذه آيات مكية كتمهيد لما سيأتي من أحكام تفصيلية في المجتمع المدني.
{و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا }
والعهود يجب إيفاؤها مع الكافر أو مع المؤمن يسأل الإنسان عنها
كما قال الله {{ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود }} وبعض العقود تلزم ديانة ولا تلزم قضاء وبعضها تلزم ديانة وقضاء .
نأتي بمثال :
مثلا إن سان قال لإنسان أنا أريد أن أريد أن أشتري سيارة لكني لاأملك أمولا وأنت رجل ذو ثراء ولك في التجارة ,
فيقول له الآخر : إن اشتريت سيارة بنية بيعها لك هل ستشتريها .
قال الأول نعم
فاشترى الرجل سيارة لايرغبها لكن يريد بيعها .
فلما اشتراها نفرض بمئة الف ريال .
قال لصاحبه لقد اشتريتها وهي الآن في حوزتي وأريدك أن تشتريها .فرفض الأول قال لا أريدها .
فهذا قضاء ليس عليه إثم , لكن الديانة يأثم عند كثير من العلماء .(41/15)
عرفتم الفرق بين ديانة وقضاء (مايلزم قضاء ولا يلزم ديانة )
{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا * وأوفوا الكيل إذا كلتم }
حقوق الناس وجاء فيها{{ ويل للمطففين }} {وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا } ثم قال الله وهي الآية التي نختم بها هذا اللقاء {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } يسأل الإنسان عن سمعه وبصره وفؤاده ومن أعظم ما يسأل عنه الإنسان إذا تجرأ على القول على الله جلا وعلا بلا علم .
وقد مر معنا إن عامر ابن ضرب أحد العرب كان في جاهليته كانت الناس تأتيه وفود يحتكمون إليه في المسائل فجاءه ذات مره قوم يحتكمون في ميراث خنثا هل يعطى من الميراث على أنه ذكر أو لا يعطى من الميراث على أنه أنثى , وكان عنده جارية تقوم على غنمه وفيها تأخر شديد إذا ذهبت بالغنم فهي لا تستيقظ باكرا ولا تعود في حينها وكان عامر يعاتبها- أظن اسمها صخيلة- فذات مرة لما جاؤا هؤلاء العرب يحتكمون إليه باعتباره رجل تشد إليه الرحال في مثل هذه المسائل , إقامهم في داره وأخذ يذبح لهم حتى كادت أن تفنى غنمه لأنهم يطعمون والمسألة لم تنتهي .
فسألته صخيلة وهي ترى سيدها يغدوا ويروح في البيت فأخبرها الخبر ساخرا منها .
وقد يوجد في النهر مالا يوجد في البحر
فقالت له متعجبة أتبع الكم المبال
أتبع الحكم المبال .
يعني إن كان هذا الذي مختلف فيه خنثا يبول من آلة ذكورية فهو رجل وإن كان يبول من آلة الأنوثة فهو امرأة وأعطه الحكم على هذا السياق . وأصبح يرددها فرحا بها, فحكم بينهم بعد أربعين يوما وهم في ضيافته وانصرفوا.
فصار وهذا من باب الطرافة يقول :
صبحي أو مسي يا صخيلة
يعني تأخري لا تتأخري معذورة دام نفعتيني في هذا الباب .
قد يقول قائل لك ما علاقة هذا في قول الله جلا وعلا { ولا تقف ما ليس لك به علم }
وهذه قلادة علمية , قال الإمام الأوزاعي معلقا على القصة :(41/16)
قال انظر هذا رجل جاهلي لا يرجو جنة ولا يخشى نارا وقف متوقف في حكم أربعين يوما ما تجرأ يحكم بينهم على شيء لا يفهمه
فكيف يأتيك أحد يتجرأ على مسألة ويفتي فيها مابين عشية وضحاها وربما لا يملك الآلة العلمية على الحكم فيها ويوقع فيها عن شرع الله جلا وعلا لأنه لم يفقه قول الله { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }
وقد قلت مرارا أن شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في آخر أيام حياته وهذا من أخبارنا المكررة لكن أحيانا الفوائد تلزم بالإعادة.
جاء ه وفد من الكويت يسألونه والشيخ رحمه الله في أخريات حياته توقف كثيرا عن الفتوى , فأخذوا يلحون عليه في السؤال وقد ضربوا له أكباد الإبل , وقد كنا نسكن بجوار الشيخ يعني بمقربة من داره وإن كنت لم أشهد الواقعة , فالشيخ بعد إلحاح قال أجيبكم
بكلام الله ففرحوا, وأصلح من جلسته ثم قال {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عن مسئولا}
فلما ألحوا عليه زيادة قال : قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا وأنا لا أحمِّل ذمتي من كلام الناس شيئا أن لا أدري .
المقصود الأسمى أن طالب العلم أول ما يؤسس، يؤسس على الخشية من الله {{ إنما يخشى الله من عباده العلماء }} لكن إن طلب العلم وهو ينظر إلى الساعة التي يتصدر فيها فيسأل ويجيب وحتى لو تكلف ملا يعلم من أجل أن يسد فراغا في نفسه فهذا قد هلك من حيث لا يشعر.
وكان الأخيار قبلنا أسأل الله أن يغفر لنا يربي أحدهم نفسه على أن يقول لا أدري حتى لا تصاب مقاتله .
والآية ليست محصورة في هذا لأن الله قال بعدها { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }
((نسأل الله أن بحفظنا في أسماعنا وأبصارنا وسائر جوارحنا
إن ربي سميع الدعاء .))
هذا ماتيسر إيراده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وآله
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(41/17)
( طبت حياً وميتاً : للشيخ صالح بن عواد المغامسي )
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ... كما يحب ربنا ويرضى ... واشهد ان لااله الا الله وحده لاشريك له ... شعار ودثار ولواء أهل التقوى .. واشهد ان سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله نبيُ سلم الحجر عليه ونبع الماء من بين إصبعيه وحن الجذع إليه .. فصلى الله وسلم وبارك وانعم عليه اللهم وعلى اله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان الى يوم الدين .. أما بعد...
أيها الاخوه المومنون ... فإن المتصدر لتدريس شخصيه ما وذكر أحوالها ومناقبها وما آلت إليه وما قدمته للناس يجعل النقد أول معاييره حتى يضع الناس على بينه من أمرهم في الصواب والخطاء والهداية والضلالة والسداد وعدم التوفيق .. لكن الذي يريد ان يتحدث عن سيد الأنبياء وإمام الأتقياء سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم فليس عليه الا ان يطاطاء رأسه ويخشع قلبه وتسكن جوارحه .. اذا انه يتحدث عن رحمه مهداه ونعمه مسداه عن سيد البشر وخيره خلق الله وصفوتهم عن رسول الهدى ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وينبغي ان يعلم في أول الأمر ان السيرة واحده لاتزويد ولا تنقص فلا يستطيع احد ان يزيد شيئاً لم يثبت فيها ولا يستطيع احد ان ينقص شيئاً مما ثبت فيها لكن المسلمين في استسقاهم من سيرته صلى الله عليه وسلم تختلف مواراتهم ومناهلهم ومصادرهم فمن سيرته صلى الله عليه وسلم يستسقي الواعظون وينهل القادة ويغترف السياسة وينال العلماء ويبحث الفقهاء وبجد كل مراء له حظا من سيرته صلى الله عليه وسلم والأمر كما قيل :-
وكلهم من رسول الله ملتمسُ
غرف من البحر أورشف من الديم
صلوات الله وسلامه عليه(42/1)
ثم إني قلبت الأمور في الوجه الذي أريد ان تخرج به هذه المحاضرة على النحو الأتم والوجه الأكمل على مايسعى الإنسان ان ينال به رضوان الله ثم نفع إخوانه المسلمين فبدى لي والإنسان ناقص مهما سعى الى الكمال ان عرض السيرة إجمالاً من الميلاد الى الوفاة والوقوف بعد ذلك عند الفوائد والعظات والعبر الى فقه سيره رسولنا صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل والنحو الأتم ... نبنا محمد صلى الله عليه وسلم نال الحفاوة الكاملة والاحتفاء التام من ربه جل جلاله وحفاوة الله بانبياءه سنه ماضيه قال الله جل وعلا في حق نبيه إبراهيم ( قال سلام عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا ) وقال الله جل وعلا في حق موسى ( واصطنعتك لنفسي ) وقد نال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل الحفاوة وأتمها من قبل ربه جل وعلا فلقد مهد الله جل وعلا لذلك من قبل يقول صلوات الله وسلامه عليه (إني لعند الله لخاتم النبيين ان ادم المجندل في طينته ) ثم لما بعث الأنبياء وبعث المرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين اخذ الله جل وعلا الميثاق ان اذا بُعث رسولنا صلى الله عليه وسلم وهم أحياء يرزقون ان يصدقون ويؤمنوا به ( وإذا اخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمه ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واتخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) ثم كانت دعوه ابيه إبراهيم عندما وقف عند البيت ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة انك أنت العزيز الحكيم ) ثم كانت بشارة عيسى ( ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدِ اسمه احمد ) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( انا دعوه أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ورويا أمي حين رأت ان نوراً خرج منها أضاءت له قصور الشام ) وقال صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي وحسنه انه صلى الله عليه وسلم قال ( انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب خلق الله الخلق(42/2)
فجعلني في خير فرقه ثم قسمهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقه , ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة , ثم جعلهم بيوتاً فجعلني خيرهم بيتاً , فانا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً ) صلوات الله وسلامه عليه
هذا كله قبل ولادته صلى الله عليه وسلم فلما أراد الله جل وعلا ان يولد في العام الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم كان في ذلك العام إرهاصات وأحداث عظام تدل على شيئاً ما سيقع وان حدث عظيم سيكون فكانت ولادته صلى الله عليه وسلم في نفس العام الذي غزء فيه ابرهه بيت الله العتيق وأب من ذلك الغزو خائباً خاسراً كما هو معروف ككل احد ..
ولد صلى الله عليه وسلم يتيم الأب اختلف العلماء هل مات قبل ولادته او بعده والأرجح الأول .. ثم ان الله جل وعلا أرد ان يبين لسائر الناس ان محمد بن عبد الله لم يكن يوماً تلميذا لشيخ ولا طالب في مدرسه ولا ربيباً لأبوين وانما تولته عناية الله في أصلاب الرجال وأرحام النساء ثم بعد الولادة الى يوم وفاته صلى الله عليه وسلم , ثم توفيت أمه وهو صغير لم يبلغ ست من الأعوام وعاش طفولته بعيداً عن أسرته في بادية بني سعد حتى لا يقولون بعد ذلك ان رجل او شخصيه ما تولت رعايته وكونت شخصيته وألهمته الدروس وأعطته العبر وعلمته الكتاب ( وما كنت تتلوا من قبله كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) فكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه كان عناية إلهيه وفضل رباني محض ليس لأحد من البشر كائن من كان فيه حظ او نصيب ....(42/3)
عاش صلى الله عليه وسلم بعيداً عن أسرته , ثم عاد الى مكة فكفله جده عبد المطلب ثم مالبث ان توفي ذلك الجد ثم كفله عمه أبو طالب ولم يكن دور أبو طالب أكثر من راعي معيشي له صلى الله عليه وسلم , فلم يكن لدى أبي طالب حض من علم او أثره من كتاب يسقي من خلالهما او ينهل من خلالهما رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تكونت شخصيته فنشاء بعيداً عما عليه قومه ...
وكذلك العاقل اذا رأى مجتمعات الفساد وأوديه الظلاله ومنتجعات الغواة ... نأى بنفسه عنها ولو عاش وحيداً قال الله جل وعلا ( فلم اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاً جعلنا نبيا ) فالبعد عن أهل الغواية الفساد والشرور والآثام أول طرائق الفلاح .. أول طرائق النجاح ...(42/4)
لكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بعيداً عن محافل الخير فشهد حلف الفضول وشهد غير ذلك من مآثر قومه في الجاهلية ثم بدأت إرهاصات البعثة تدريجيا شيئاً فشيئاً من غير ان يعلم صلى الله عليه وسلم فلم يحدث نفسه ذات يوم انه سيكون نبياً لأنه لاعلم له بذلك أصلاً , لكنه صلى الله عليه وسلم كان يرى رؤيا ... ولا يرى رؤيا الا واتى مثل فلق الصبح حاضرة ناصحه كما رآها في منامه حتى دنت البعثة فكان يمشي في طرقات مكة فيسلم عليه الحجارة :- سلام عليك يانبي الله , فيلتفت يمينا وشمالاً فلا يرى شخصاً ولا خيالاً فيسكت ويبقى على حاله حبب إليه الخلاء فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد ثم انه صلى الله عليه وسلم في ليله الواحد والعشرين من شهر رمضان على الأرجح لما تم له أربعين عاما جاءه الملك بالنقلة التاريخية لشخصه والنقلة التاريخية لشخصه والنقلة التاريخية للكون كله إذ بعثه الله رحمه للعالمين .. رحمه من لدنه كما اخبر جل وعلا , جاءه الملك فلم يكن صلى الله عليه وسلم له عهد بالملك اصلاً فأصابه من الرعب والفزع مااصابه قال له الملك :- اقرأ 0 قال :- ماانا بقارئ- أي لا أجيد القراءة اصلاً .. فردد الملك :- اقرأ – ورسول الله باقي على جوابه ( ما انا بقارئ ) فضمه الملك ثم يتركه ويضمه ثم يتركه حتى يشعره في تلك اللحظات ان الملك خارج عن حديث النفس فليست تلك رؤيا يراها او حديثاً في نفس يريد ان يتأكد فكان الملك يضمه ثم يتركه حتى يبين له ان هذا الحدث منفك ظاهره منفكة عن حديث النفس منفكة عن رؤى الأحلام منفكة عن أحلام اليقضه ثم قال له :- (اقرأ بسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم *علم الإنسان مالم يعلم ) نزل صلى الله عليه وسلم خائفا وجلا الى زوجته خديجة .. خديجة ترك عندها صلى الله عليه وسلم عندها أبناءه وبناته فلم تحدث ماذا صنع البنين وماذا أصاب البنات لم تحدثه عن الجوع الذي قاسته(42/5)
وانما نسيت همومها في جانب همه صلى الله عليه وسلم .. آوته الى صدرها وضمته إليها ثم قال لها :- لقد خشيت على نفسي , فطمنته رضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة دارها ومثواها .. وقالت :- والله لن يخزيك الله ابداً ثم عددت مناقبه انك لتطعم الفقير , وتعين على نوائب الدهر وتقول الصدق وأخذت تسرد له مناقبه وفضائله صلى الله عليه وسلم ....
فقدمت بذلك أنموذج لما ينبغي ان تكون عليه المرأة مع زوجها ان من كثير من الناس قد يأتي إليك محمول بالهموم مثقل بالخطايا ليس من الصواب ان تسرد عليه أنت وترده وتصده ولكن ينبغي ان تنسى همومك بجانب همه اذا أردت له النفع والفائدة ...(42/6)
ثم أخذت بيده الى ورقه بن نوفل ابن عمها وكان رجل له حظ من العلم واثر من كتاب فقال له :- ذلك الناموس الذي كان يأتي موسى .. فشتاق الرسول صلى الله عليه وسلم الى الوحي لأنه سمع القران لكن الوحي انقطع ولم يأتي حتى يذهب الرعب ويبقى الشوق الى كلام الله جل وعلا تربيه من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تلك اللحظات قال أهل العلم انها بقيت ستة أشهر وهي مرحله فتور الوحي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن ما لله به عليم حتى نقل الحافظ في الفتح عن الزهري ( ان النبي صلى الله عليه وسلم ربما يصعد الى شواهق الجبال يريد ان يتردى منها مما أصابه من حزن ومن شك في النفس عن الحادثة الأولى ) لكن بعض المحدثين من العلماء يقولون ان هذه الرواية على هيئه البلاغ وهي لا تصح وتنافي عصمه الأنبياء والله تعالى اعلم , وان كان نفيها اقرب الى الصحة أين كان الأمر عاش النبي صلى الله عليه وسلم فتره عصيبة وهي فتره انقطاع الوحي عنه حتى أصبح يشك في نفسه مما راءه في السابق , فلما أصبحت نفسه ذات شوق عظيم الى كلام الله اذا به صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث جابر يمشي في طرقات مكة فإذا الملك يناديه فيلتفت فإذا الملك على كرسي بين السماء والأرض قد سد مابين المشرق والمغرب يقول له ( ياايها المدثر * قم فانذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر ) ثم نزل الوحي فتتابع وحمي بأعظم من ذلك قال الله جل وعلا في إيه يبين فيها علو قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه فاقسم الله بمخلوقاته إرضاء له صلى الله عليه وسلم ( والضحى * والليل اذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى ) هذا الإشعار الإلهي الذي جاء على هيئه أيه قرانيه فيه من الإثبات من مكانه العظمى لرسولنا صلى الله عليه وسلم مكانه لايرقى إليها احد من الخلق كائن من كان الا انها في نفس الوقت لاتعطيه صلى الله عليه وسلم أي حظ من الالوهيه او الربوبية(42/7)
فالالوهيه والربوبية كمالها وتمامها لله عز وجل وحده لاشريك له فيها ابداً ...
اخذ صلى الله عليه وسلم يقوم بواجب الدعوة شيئاً فشيئاً وهو ما عرف تاريخياً بالدعوة في مرحلتها السرية تغير وجه قريش له ونالوا منه صلى الله عليه وسلم وساموه وأصحابه سوء العذاب .. وهو صلى الله عليه وسلم صابر محتسب يدعو الى ربه بالحكمة والموعظة الحسنه يدعو الناس الى التوحيد فكان أبو جهل يحمل راية السوء ضده حتى انه بلغ من أذى أبو جهل لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما أورد البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود :- ان جزوراً نحرث بالأمس فلما كان في الغد جاء صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وصلى فقال أبو جهل وقريش في أنديتها :- أيكم يقوم الى جزور بني فلان فيصنع سلا الجزور على كتفي محمد صلى الله عليه وسلم فانبعث أشقى القوم عقبه بن أبي معيط فحمل الجزور فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فوضع سلا الجزور بين كتفيه الطاهرين صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود :- فلو كانت لي منعه لرفعته عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم انه ذهب إنسان الى فاطمة رضي الله عنها وأرضاها واخبرها الخبر فجاءت وهي جويريه يوم إذ فرفعت سلا الجزور عن كتفي نبينا صلى الله عليه وسلم فلما أتم صلاته دعى ثلاثاً وكان إذ دعى دعى ثلاثاً وسال الله ثلاثاً ثم قال ( اللهم عليك باابي جهل وعتبه بن أبي ربيعه وشيبه بن أبي ربيعه والوليد بن أبي عتبه وعقبه بن أبي معيط وأميه بن أبي خلف ) وسمى سبعه صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود فو الله لقد رأيت من سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر كما وعده الله صلى الله عليه وسلم ..(42/8)
إن وقفنا عند هذا الحدث هناك ياأخي أعراف وتقاليد تتغير من مجتمع إلى آخر والعاقل من يستفيد من تلك التقاليد والاعتراف ولا يصادمها ابن مسعود كان يعلم ان الأعراف الجاهلية لاتسمح للضعفاء ولا عديم الظهر من ان يكون لهم حظ من الناس فكان يعلم انه لا يمكنه ان يصل الى النبي صلى الله عليه وسلم الا وهو ميت فبقي على نفسه ولم يأتي ليرفع سلا الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو من الإيمان والتقوى لا يعلمها الا الله وكانت الأعرف الجاهلية تنص عن حفظ المرأة وعدم العرض لها ولو بدأت بالأذى وكان موقف لفاطمة انها تقدمت بين صفوف الرجال وحملت سلا الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم دون ان يصيبها أذى فالعاقل من الدعاة والحكيم من أهل الاستقامة من يتعامل مع الأعراف والتقاليد الاجتماعية بما يتوافق معها وهذه التقاليد والأعراف لاتبقى في كل زمان على هيئه واحده وانما تتغير الأعراف والتقاليد من عصر الى عصر ومن مكان الى مكان والشاهد والمقصود ان يوظفها الإنسان لصاع الدعوة والصالح هداية الناس الى طريق الله المستقيم ...(42/9)
عجزت قريش عن الأذى الجسدي الفردي فعمدوا الى الحصار العام فقدموا على أبي طالب فطلبوا منه ان يسلم إليهم ابن أخيه صلى الله عليه وسلم فأبى فقرر القرشيون مقاطعه بني هاشم لايناكحونهم ولا يبتاعون إليهم ولا يبتاعون منهم فآوى أبو طالب لبني هاشم وبني عبد المطلب في شعب لهن يقال له شعب بني هاشم ومكث الحصار ثلاث سنين والرسول صلى الله عليه وسلم وآله مؤمنهم وكافرهم ينالهم من الأذى ما الله به عليم ، بقي الحصار ثلاث سنين كان خلال مدة الحصار أبو طال على كفرة إذا هجع الناس وناموا يعمد على رسولنا صلى الله عليه وسلم فيأخذه لينام عنده ويأمر أحد بنيه أن ينام في مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو همّا أحد بقتله يقتل أبنه بدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومع ذلك كله والله الحكمة البالغة لم يرزق أبو طالب الإيمان بالله جل وعلا ومات على الكفر ولذلك حكمة لايعلمها إلا الله جل وعل
قبل أن ينتهي الحصار لايخلو صراع بين الحق والباطل من نشؤ أقوام كما يسمى في عرف السياسيين اليوم دول عدم الانحياز كانت في عصرنا هذا على هيئة دول لكنها في العصر السابق على هيئة أفراد فينشأ في المجتمع قوم حياديون ليسوا مع قريش وليسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم تشاوروا فيما بينهم وعرفوا بطلان مادعى إليه رؤساء قريش وزعمائهم فتعاونوا على نقض المعاهدة ..
وهنا ينبغي للعاقل من الدعاة وغيرهم أن يروا أهل المرؤات الذين لايخلو منهم زمان ولا مكان فيستفيدوا منهم في عالم الصحوة وعالم الدعوة ويوظف طاقاتهم وقدراتهم في سبيل الدعوة إلى الله جل وعلا ولايصادمهم حتى لايخسر الدعوة سند وقوة له هؤلاء القوم لم يكونوا من أهل الإيمان لكن كان في قلوبهم رحمة وفي أنفسهم شهامة وخلال خصالهم مروءة وظفوها لنقض المعاهدة وتم لهم ما أرادوا ..(42/10)
ونقضت الصحيفة وخرج بنو هاشم من الحصار ..بعد الخروج من الشعب من شعب بني هاشم مات أبو طالب وماتت خديجة في عام واحد وقيل بين موتهما ثلاثة أيام ..فبدا له صلى الله عليه وسلم أن يغير المكان لعل وعسى ...فخرج إلى الطائف فكانت أقرب الحواضر إلى مكة . خرج إلى الطائف فبدأ بسادات ثقيف يدعوهم إلى دين الله جل وعلا فلم يكونوا بأحسن حظاً من كفار قريش فسخروا منه وأمروا صبيانهم أن يرجموه فرموه بالحجارة حتى أدميت عقباه صلى الله عليه وسلم ولجأ على حائط في الطائف فلما لجأ إليه صلوات الله وسلامه عليه رق له بعض الكبراء فأرسلوا له غلام نصراني يقال له عداس ومعه قطف من عنب فلما وضع العنب بين يديه قال صلى الله عليه وسلم :بسم الله فقال الغلام : هذا شيء لايقوله مثل أهل هذه البلد فقال صلى الله عله وسلم : من أنت ومن من ؟ قال :أنا نصراني من أهل نينواء فقال صلى الله عليه وسلم :من بلدة النبي الصالح يونس بن متى قال الغلام : وما يدريك ما يونس أبن متى قال هو نبي وأنا نبي . فأكب الغلام على رسولنا صلى الله عليه وسلم يقبله حتى لامه سادة ثقيف يوم إذ .
ثم نزل صلى الله عليه وسلم وحيداً ليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة فإذا انقطعت أسباب الأرض لجأ صلى الله عله وسلم إلى ربه فورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم بث إلى الله شكواه ورفع إلى الله نجواه وهو يعلم انه نبي مرسل لكن البلاء فيمن يستمع إليه فناجى ربه قائلاً (اللهم إليك اشكوا ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ارحم الراحمين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري أن لم يكن بك عليّ سخط فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي ,أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت منه الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو أن ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولاحول ولاقوه إلا بك )(42/11)
فتحت لهذا الدعوات أبواب السماء فما كان صلى الله عليه وسلم ينزل من الطائف من وادي نخلة حتى بعث الله إليه نفر من الجن مؤمنين به حتى تطمئن نفسه ويسكن قلبه ويعلم أن العاقبة له ( وإذا صرفنا إليك نفر من الجن القرآن ) فطمئنت نفسه شيئاً فشيئا صلوات الله وسلامه عليه ثم بعث إلى الملأ من قريش يخبرهم في رغبته في دخول مكة ويريد أن يدخل في حلف أحدهم فرده ثلاثة منهم ثم قبل المطعم بن عدي أن يدخل في جواره فدخل صلى الله عليه وسلم بجوار المطعم بن عدي رغم أنه مشرك استبقاء للمسلمين حتى لا يتعرضوا لأذى ثم بعد رحلة الطائف منّ الله عليه برحلة الإسراء والمعراج فجاءه جبرائيل وهو نائم في الحجر فشق صدره وغسل قلبه بماء في طست من ذهب ثم أفرغ في قلبه الطاهر إناء مليء إيمان وحكمة ثم قدم له البراق ثم اسري به صلى الله عليه وسلم إلى البيت المقدس حيث المسجد الأقصى وربط دابته في مربط الأنبياء هناك ، ثم عرج به على سدرة المنتهى لما صدّ أهل الأرض أبوابهم أمامه فتح الله له أبواب السماء فستقبله هنالك سادات الأنبياء بدأ بآدم ثم ابني الخالة يحي بن زكريا وعيسى بن مريم ثم يوسف بن يعقوب عليهم السلام ثم إدريس ثم هارون ثم موسى ثم أبوه إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ثم وصل صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ورأى جبرائيل مرة أخرى على هيئته التي خلقها الله عليها ..
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكته * والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما رأوك التفوا بسيدهم * * كا الشهد بالبدر أوكالجلد بالعلم
صلى ورأك منهم كل ذي خطر* ومن يفوز بحبيب الله يأتمم
ركوب لك من عز ومن شرف ** مافي الجياد ولافي الأينق الرسم
مشيئة الخالق الباري وصنعته** وقدرت الله فوق الشك والتهم(42/12)
ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه الشريف ، ثم توالت الأحداث فلتقاء صلى الله عليه وسلم برهط من الأنصار فكانت بيعة العقبة الأولى ثم إلتقى برهط آخرين فكانت بيعه العقبة الثانية ثم أذن الله له بالهجرة إلى هذه المدينة مدينته صلوات الله وسلامه عليه .
هاجرت قبله جمع من أصحابه ثم تأمرت قريش وقررت قتله في مؤامرة مشهورة معروفة ثم أخرجه الله جل وعلا من بين أظهرهم دون أن يروه وهو يتلو (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا وأغشيناهم فهم لايبصرون ) ثم إلتحق بصاحبه أبي بكر وأوى إلى غار في جبل ثور عرف بغار حراء ومكث في الغار والطلب والرصد تبع له مرة بعد مرة ورسولنا صلى الله عليه وسلم في الغار
أمرغ في حراء أديم خدي *** دوام في الغداة وفي العشي
لعل ان أنال بحر وجهي *** تراب مسه قدم النبي
مكث صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام وقريش تبعث الطلب والرصد فيه فوقفوا على مقربه من الغار وأبو بكر يقول :يارسول الله لو أن احدهم نظر أسفل قدميه لرآنا فيقول : يا أبا بكر ما بالك بثنين الله ثالثهما ) هذا نصر الله جل وعلا على هيئة كتمان آتاه الله جل وعلا نبيه فلما سكن الرصد وقل الطلب خرج صلى الله عليه وسلم من الغار وصاحبه متوجهاً نحو هذه المدينة المباركة كانت الأنصار قد بلغهم خروجه صلى الله عليه وسلم فيخرجون كل يوم ينتظرون آوبته ينتظرون قدومه حتى إذا أشتد عليهم وهج الشمس رجعوا إلى دورهم فلما كان اليوم الذي وصل فيه صلى الله عليه وسلم خرج رجل من اليهود على آطام من آطام المدينة فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه عرفهم فنادى بأعلى صوته :يابني قيله ـ وهو جد يجتمع فيه الأوس الخزرج ـ هذا جدكم الذي تنتظرون فسمع في المدينة التكبير وأبتدر القوم إلى السيوف وخرجوا يستقبلون نبيهم صلى الله عليه وسلم .(42/13)
بالأمس خرج من مكة شريداً طريداً في ظلمة الليل ثم مالبث أن نصره الله فدخل المدينة كأعظم مايدخلها الملوك والأنصار من حوله كلما مر على ملاْ قالوا هلّم إلى العدد العدة هلّم على العز والمنعة يارسول الله وهو يقول : خلوا سبيلها فإنه مأمورة حتى بركت الناقة في موطن مسجده اليوم صلوات الله وسلامة عليه على مقربة من بيت أبي أيوب فعند أبو أيوب إلى متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخله في بيته وقال له عليه الصلاة والسلام المرء مع رحلة بنى مسجده وبدا يضع النواة الأولى لدولة الإسلام صلوات الله وسلامة عليه ثم جاءت الغزوات فكانت غزوه بدر وهي حدث عظيم ولكن من أعظم مايلفت النظر فيها انه صلى الله عليه وسلم بعد ان اخذ بالأسباب المادية وجهز الجيش واعد العدة لجاء الى ربه ...
فاللجوء الى الله جل وعلا لايستغني عنه احد كائن من كان مهما عظمت قدرتنا وبلغ حولنا مابلغ وزادت قوتنا وحاجتنا الى الله حاجه ابديه ملحه لأننا فقراء الى الله جل وعلا مهما بلغنا ...
مكث صلى الله عليه وسلم في العريش يناجي ربه حتى سقط رداءه عن منكبيه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأتيه من خلفه ويضمه ويقول :- بعض مانشدت ربك يارسول الله, فانزل الله ( اذا تستغيثون بربكم فستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) فكان النصر له صلى الله عليه وسلم ..(42/14)
فلما قّّر الله عينيه بالنصر ووضع القتلى في قليب بدر نظر إليهم صلى الله عليه وسلم واخذ يقول :-يافلان ابن فلان , يافلان ابن فلان واخذ يناديهم بأسماهم هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً فاني وجدت ماوعدني ربي حقاً فتعجب أصحابه وقالوا :- يارسول الله تكلم قوماً قد جيفوا ؟ قال :-ياعمر والله ماانتم بما اسمع بما أقول منهم ولكنهم لايملكون جواباً .. وعاد صلى الله عليه وسلم كان هذا النصر أعظم مايكون المسلمون في حاجه إليه حتى تطمئن أنفسهم ويثقوا بنصر الله لأنها أول نزال بين أهل الكفر وأهل الإيمان بعد ان إذن الله للقتال ثم كانت احد وما أدراك ما احد فيها من العظات الشيء الكثير لكن فيها ان وجهه صلى الله عليه وسلم كان نوراً يتلالاء كأنه فلقت قمر ومع ذلك يريد الله ان يثبت ان الكمال المطلق لله وحده سبحانه فيشاع في ارض المعركة انه صلى الله عليه وسلم قتل فيشج رأسه وتكسر رباعيته ويسيل الدم على وجهه الشرف ثم يمسح صلى الله عليه وسلم وجهه الطاهر بيديه ويقول ( كيف يفلح قوم خفضوا وجه نبيهم وهو يدعوهم للإسلام ) فينزل الله جل وعلا عليه قوله ( ليس لكم من الأمر شيء او يتوب عليه او يعذبهم فإنهم ظالمين ) فالأمر كله لله جل وعلا وحده ..(42/15)
وليت بني قومي اليوم اذا سمعوا بهلاك احد او بموت احد لايشغلوا أنفسهم هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار فهذه أمور لله تبارك وتعالى وحده ولم يكلفنا الله تبارك وتعالى بان ندخل من نشاء الى الجنة او نحرم من نشاء فيها او ان ندخل من نشاء الى النار او ان نمنع من نشاء فيها الجنة والنار بيد الله العزيز الغفار والله جل وعلا اعلم بخلقه واعلم بما تكنه صدورهم هو تبارك وتعالى أسرع الحاسبين وقد قال بعض الصالحين لابنه ينصحه ( يابني ان الله يسألك لما لم تلعن فرعون مع ان فرعون ملعون في كتاب الله لكن المؤمن العاقل مثل هذه الأمور لايلقي لها بال ولا يشغل بها نفسه فالجنة والنار بيد أسرع الحاسبين وبيد رب العالمين وبيد ارحم الراحمين ولن يسألنا الله منهم أهل الجنة ومنهم أهل النار لكننا لأنفسنا نسال الله الجنة ونستجير بالله تعالى من النار وفي مسند البزار ( ان لا اله الا الله كلمه كريمه على الله من قالها في الدنيا صادقاً دخل الجنة ومن قالها في الدنيا كاذباً حقنت دمه وحسابه على الله جل وعلا فالعاقل لايشغل نفسه بما لايعنيه لكنه في حوادث الدهر يحكم فيهن ما أمر الله فيه ورسوله أما الحوادث الأخروية فلسنا مسؤلون عنها لان علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي ولا ينسى ....(42/16)
في غزوه احد أراد الله جل وعلا ان يربي المسلمين على ان القادة العظماء والزعماء الأفذاذ لايربون الناس بالتعلق بذواتهم وعلى حبهم والمبالغة في الغلو بهم ولكنهم يربون الناس على التعلق بالله جل وعلا فلما أصاب المسلمين مااصابهم يوم احد قال الله جل وعلا معاتباً أهل الإيمان ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقيبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) ( وما كان لنفس ان تموت الا بإذن الله كتابا موجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤتيه منها ومن يرد ثواب الآخرة نوتيه منها وسيجزي الله الشاكرين ) فالعاقل لايربي الناس على التعلق به وانما يربيهم على التعلق باله الكون وحده فلا اله الا الله تعني ان الكمال المطلق والحب المطلق والتوحيد المطلق والتكبير المطلق لا يكون الا لله جل وعلا وحده فإذا كان سيد الخلق وجوده رحمه وعدمه لا يضر المسلمين شيئاً اذا اعتصموا بما جاء به كان غيره أولى وأجدر ان تطبق عليه القاعدة فكان صلى الله عليه وسلم حيه الدين حي الدين الذي جاء به أما هو صلى الله عليه وسلم فيجري عليه قم القضاء ( انك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) فهذه أعظم ما خرج المسلمون منه يوم احد من تربيه إلهيه لهم , ثم كانت غزوه الأحزاب تجمعت قريش ثم قدموا الى رسولنا صلى الله عليه وسلم في مدينته فستشار الناس فأشار عليه سلمان الفارسي ان يحفر الخندق والخندق وسيله حربيه مجوسية أخذها سلمان من أهل فارس لم يكن للعرب عهد بها او علم ان ذلك ...
وهنا نأتي بما عرف بعصرنا بصراع الحضارات ينبغي أهل التقوى مابين التقارب الديني وما بين التقارب الحضاري الدين ياأخي صنع الهي لا يمكن لأحد ان يزيد فيه او ينقص والحضارة صنع إنساني قابله بالزيادة والنقصان قابله لأخذوا العظمى قابله للتلاقح بين الأمم اذا تقاربت وتنافست ..(42/17)
فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مشورة سلمان وعمل بالخندق لما رأى فيه مصلحه يقوم به صلاح أمته ولم يقل حينها صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم ) من تشبه بقوم فهو منهم محول على من تشبه بهم في أمور الدين أما الصناعات الانسانيه فليس ملكاً لأحد ولقد كانت العرب لا تأتي المرأة وهي مرضع خوفاً على ان يؤثر الإتيان على الرضيع فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ان فارس والروم تصنع ذلك ولا يضر أبناءها شيء لم ينهى أمته عنه كما روى مسلم في الصحيح عن حديث جابر رضي الله عنه .
فالحضارات حق مفتوح وأمر مشاع يجوز للامه ان تأخذ منه اذا رأته ان في ذلك مصلحه والحكمة ضالة المؤمن ان وجدها أخذها , أما الدين (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ما عندنا من الدين يمنعنا ان نأخذ ولو قطره من سقى من أي دين او مله على وجه الأرض لان الله يقول ( ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )(42/18)
ثم توالت الأمور حتى كانت السنة السادسة فعزم صلى الله عليه وسلم على التوجه الى مكة معتمراً واخذ معه رهطاً من أصحابه معهم السيوف في رقابها , فلما دنو من البيت العتيق منعتهم قريش ان يدخلوها فجرى وأجرى من التفاوض تريد قريش ان تطمئن ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتي للقتال فكان ان بعث صلى الله عليه وسلم عثمان لأنه كان منيعاً عزيزاً في بني أميه وكان أكثرهم مشركاً حين ذاك ثم أشيع ان عثمان قد قتل فبايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نبينا صلى الله عليه وسلم على الموت تحت ظل شجره مثمره والذين بايعوه ألف وأربع مائه رجل كلهم الا الجد ابن قيس كان رجل منافق لم يحضر البيعة قال النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء انتم خير أهل الأرض وقال لهم :- لا يدخل النار بايع تحت الشجرة , ثم انه صلى الله عليه وسلم بسط يمينه وقال هذه عن عثمان ثم بسط يساره يبايع نفسه بنفسه قال العلماء ( وكانت يد رسول الله لعثمان خير من يد عثمان لعثمان نفسه ) بعد هذه البيعة وبعد مداولات اقر الصلح بين المسلمين والكفار والصلح ظاهر ان فيه إجحاف بحق المؤمنين فباطنه الرحمة اذا وضعت الحرب وألقت أوزرها وخمدت الناس واخذ ذوي العقول يفكرون في الطرائق المثلى للحصول الى الإيمان ..
ان هناك أناس يرزقهم الله جل وعلا عقولاً ويمنعهم من الاستفادة منها حجب التقليد التي يضعونها أمامهن ..(42/19)
أبو جهل كان يعلم ان محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ورأى من الآيات ما يشهد له بذلك لكن الحسد والتقليد الأعمى منعه وكان سبباً في حرمانه عن دخوله الإيمان أما سرقه بن مالك لما تبع النبي صلى الله عليه وسلم ورأى الايه لما ساخت قوائم فرسه او من ان النبي صلى الله عليه وسلم حق وعرف الايه ونبذ التقلد رأى ظهره خلال هذه الفترة بعد الصلح رجع عقلاء الناس الى أنفسهم واخذوا يناقشونها ويحاسبونها ودخل كثير من الناس أفواج في دين الله فانقلب ذلك العدد من ألف أربع مائه الى عشره آلاف يوم فتح مكة كما سيأتي ثم عاد صلى الله عليه وسلم الى المدينة وفي العام الذي بعده كانت عمره القضاء ثم انه صلى الله عليه وسلم غزى خيبر ثم لما كان العام الثامن كانت من بين شروط صلح الحديبية أن شاء أن يدخل في حلف محمد دخل ومن شاء ان يدخل في حلف قريش دخل فدخلت بني بكر في حلف قريش ودخلت خزاعة في حلف النبي فأعانت قريش بكراً على خزاعة فقدم عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة يستنصر بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال له : نُصرت ياعمرو بن سالم ثم جهز صلى الله عليه وسلم جيشه وقدم على مكة في عشرة آلاف من أصحابه ودخلها صلى الله عليه وسلم دخول عظيم أظهره الله عز وجل فيه دخلها من أعلاها من كداء وعلى يمينه أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه يحمل اللواء لكنه صلى الله عليه وسلم طوال دعوته وجهاده لم يكن يطلب حظاً لنفسه وإنما كان يريد أن يبلغ رسالة ربه فلما أظهره الله دخل صلى الله عليه وسلم مكة مطأطأ رأسه حتى أن لحيته الشريفة كانت تمس وسط راحلته تواضع لله عز وجل حتى يعلم الخلق أن التواضع لله أعظم أسباب النصر فدخل صلى الله عليه وسلم وهو مطأطا رأسه متواضع لربه على بغلته طاف بالبيت العتيق سبعاً وأشار إلى الأصنام في عود بيده وهو يردد (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )ثم سال عن عثمان بن أبي طلحة وكانت الحجابة البيت عندهم يوم(42/20)
إذ ومازالت وفتح له باب الكعبة ودخل بها صلى الله عليه وسلم ووجد فيها صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام فخرجت ثم كبر في نواحي البيت وصلى ركعتين ثم خرج فلما خرج بادرة علي رضي الله عنه قائلاً : يارسول الله أجمع لنا السقاية والحجابة فقال صلى الله عليه وسلم : - أين عثمان بن أبي طلحة ؟ قال : أنا يارسول الله فأعطاه مفتاح الكعبة وقال : اليوم يوم بر ووفاء خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم فإلى اليوم مفتاح الكعبة بيد بني شيبة يفتحون البيت متى شاءوا (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمّر على مكة عتاب بن أُسيد قبل أن يدخلها أسلم أبو سفيان جيئا به إليه فقيل له يارسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فقال صلى الله عليه وسلم :- ومن دخل دار أبو سفيان فهو امن ...
الزعماء من الناس الذين تربوا على القيادة من الصعب ان تسلبهم حقهم بالكلية فان ذلك يحدث تغير في أنفسهم ونحن مابعثنا لنخاصم الناس في دنياهم إنما بعثنا كدعاة علماء لان تنقذ الناس من الضلالة فترك للناس دنياهم يتركوا لك دينك ..(42/21)
قال صلى الله عليه وسلم ( من دخل دار ابوسفيان فهو امن ومعلوم ان دار أبو سفيان لا تحمل أكثر من عشره نفر ولكن عندما يعلن في الملا وفي بيوت مكة من دخل دار أبو سفيان فهو امن يصيب أبا سفيان من الرضى مايصيبه ويناله من الفخر مايناله دون ان يضر الإسلام شيئا ثم عرج صلى الله عليه وسلم على هوازن وعلى ثقيف فكانت غزوه حنين وغزوه الطائف غر كثير من المسلمين ماهم فيه من كثره العدد ثم ثبت الله نبيه صلى الله عليه وسلم وال الأمر الى نصره صلى الله عليه وسلم وعند منقلبة من الطائف بدأ له ان يقسم الغنائم فأعطى أربعه من روساء الناس يوم إذ ممن اسلم حديثاً ألف بعير لكل واحد وقسم كثير من الغنائم على عدد بلغ الستين عند جمهره المورخين ولم يعطي الأنصار شيئاً صلى الله عليه وسلم فحز ذلك في انسفهم وتغيرت بعض قلوبهم فقال حدثاء الأسنان منهم :- ( يغفر الله لرسول الله يعطي قومه وان سيوفنا لتقطر من دماءهم ) فبلغ ذلك القول رسولنا صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم من العلم والقدوة بمكان عظيم لايرتقي إليه احد ...
ياأخي القادة العظماء لايتركون الحزازات في النفوس لكل إنسان مشاعر وأحاسيس وأراء لو أننا كبتناها لنقلبوا علينا لكن لا يمكن ان ينجح أمير في بلدته ولا زعيم في دولته ولا أب في بيته ولا معلم في فصله ولا مربي في حلقته اذا كان لايستمع الى مشاعر وأحاسيس من هم تحته فالله جل وعلا كلم موسى واستمع إليه وهو مخلوق من مخلوقاته ( قال ربي إني قتلت منهم نفساً فاخف ان يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فارساه معي رداء يصدقني ان اخف ان تكذبون ) والله يعلم كل ذلك من قبل ان يخل موسى ومع ذلك استمع إليه فهو الله جل وعلا ولله المثل الأعلى ...(42/22)
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار في قبة ثم قال لهم في معالجه تربويه تقصر عنها بيان البلغاء قال ( مامقوله بلغتني عنكم الم تكونوا إضلالا فهداكم الله الم تكونوا عاله فأغناكم الله الم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا :- بلى يارسول الله , لله ورسوله المنة والفضل . فقال :- الا تجيبوني ؟ قالوا :- بما نجيب يارسول الله فتولى الاجابه عنهم وقال ( إنكم لشئتم لقلتم فلتصدقتم ولصدقتم أتيتنا طريداً فآويناك وعائلاً فاسيناك ومخذولاً فنصرناك ثم قال صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار :أوجدتم في أنفسكم عليّ في لعاعة من الدنيا أسلمتها إلى قوم حديثو عهد بإسلام وأوكلتكم إلى ما جعل الله في قلوبكم من الإسلام يامعشر الأنصار أما ترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ) فبكى القوم رضي الله عنهم وأرضاهم وقالوا : رضينا بالله ربا وبرسول الله قسماً وحظا فقال صلى الله عليه وسلم : (اللهم أغفر للأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ) فانقلبوا راجعينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن حاجتنا الملحة لأن نستمع إلى الغير وإن من أعظم الأخطاء في التربية والدعوة أن يجعل الإنسان من نفسه سلطان على الغير يفكر بدل منهم ويشعر بدل منهم ويرى ماحولهم بدل منهم ذلك أسلوب فرعوني نقله القرآن قال فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) وقد قيل :
زمان الفرد يافرعون ولى * * * ودالت دولة المتجبرين
وأصبحت الرعاة بكل أرض * * * على حكم الرعية نازلين(42/23)
قصر الرسول صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة ،وفي ذلك العام كان عام الوفود فبدأت وفود العرب تقدم إلية صلوات الله وسلامه عليه وكانت من الوفود التي قدمت وفد جيزان وكان وفد جيزان مسيحي يعبدون المسيح عيسى أبن مريم فلما قدموا عليه صلوات الله وسلامه عليه أخذوا يجادلونه ويقولون له كيف نتبعك وأنت تنتقص صاحبنا وتقول إنه عبد الله ورسوله قال :نعم عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله فقالوا :كيف يكون عبداً لله ورسوله أرأيت ولداً ولد من غير أب فأنزل الله جل وعلا قوله (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) فلأن كان عيسى ولد من غير أب فإن آدم خلق من غير أب وأم فجاءوا بالغريب فجاءهم الله بما هو أغرب رد على حجتهم فلما قال لهم صلى الله عليه وسلم ذلك أبوأ أن يسلموا له فدعاهم إلى المباهلة فدعي علي والحسن والحسين وفاطمة وقال :إن أنا دعوت فأمنوا وأنزل الله قوله ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فعرفوا أنه النبي الله حقا لكنهم لم يؤمنوا وخشيوا من المباهلته ثم إنهم صالحوه على ألف حلة تؤدى له صلى الله عليه وسلم مرتين في العام وأشياء أخر.(42/24)
وفي عصرنا هذا نشأ مايسمى بتقارب الأديان وبحوار الأديان فأما حوار الأديان فلا حرج فيه شرعاً إذا أراد المحاور المسلم أن يثبت صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله جل وعلا رب لارب غيره ولاشريك معه أما تقارب الأديان فأمر مرفوض لأنه لايمكن أن تلتقي الأديان في شيء واحد فإن ذلك فيه تنازل عقدي والمسلمون أمرهم الله أن يقولوا ( قل يأيها الكافرون لاأعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد )فالمسلم على ملة حنيفية بيضاء لاينبغي أن يحيد عنها مثقال ذرة وليس هناك مصلحة ترقى على مصلحة التوحيد ولامفسدة أعظم من مفسدة الشرك وما يسمى بتقارب الأديان يفضي إلى ترك التوحيد وإلى القرب من الشرك وقد قال الله جل وعلا ( ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .
ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فكان العام العاشر فأعلن لناس عزمه على الحج فلما أعلن عزمه على الحج صلوات الله وسلامه عليه تسارع الناس لذلك وقدموا إلية حتى يأتموا به فخرج صلى الله عليه وسلم بعد أن أحرم من ذي الحليفة مهللاً مكبراً حتى وصل مكة وطاف في البيت سبعاً ثم رقى الصفا وقال أبدأ بما بدأ الله به ثم أتم نسكه صلى الله عليه وسلم حتى أتى يوم الثالث عشر فنزل بعد أن رمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر ثم نزل في حيف بنى كنانة صلوات الله وسلامه عليه وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم أضطجع ثم لما كانت صلاة الفجر نزل إلى الحرم قبل صلاة الفجر ثم طاف طواف الوداع ثم صلى بالناس صلاة الفجر ثم قفل راجع إلى المدينة يكبر على كل شرف من الأرض لما دنى منها ويقول :آئبون تائبون عابدون ولربنا حامدون ) صلوات الله وسلامه عليه .(42/25)
ثم أشتكى الوجع وبدأ يشعر بتغير حالة واشتدت عليه الحمى فلما شعر بدنو أجله خرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فستغفر لأهله ثم خرج إلى أحد فشهد لشهداء معه ثم تصدق صلى الله عليه وسلم بدنانير كانت عنده وأعتق غلمانه ثم إن صلوات الله وسلامه عليه مكث ينتظر أجل ربه يوماً بعد يوم والحمى تشتد عليه حتى كان صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول على الأظهر والأصح من ربيع الأول فكان صبيحتها اطل من ستار بيته فرأى أصحابه يصلون صلاة الفجر مأتمين بابي بكر فقرت عينه وسكنت نفسه بعد أن رآهم مجتمعين على إمام واحد خاشعين لربهم وبذلك أرسل ولذلك دعي ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه عاد على فراشه واشتدت عليه وطئت الحمى ثم دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي فمه سواك ثم أستاك صلوات الله وسلامه عليه ثم مازال يردد : بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى .ثلاثاً ثم فاضت روحه وأنتقل إلى رحمة خالقة ومولاه ،خير من أرسل وأجل من بعث صلوات الله وسلامه عليه بعد إن أدى الأمانة ونصح وبلغ الرسالة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك.
ولاينبغي لمن يقف مع السيرة وينظر في مسيرتها أن يغفل عن شيء مهم وهو انه صلى الله عليه وسلم كان له من كريم الصفات وجميل النعوت ما تحبب الناس إليه وأجتمع عليه صلوات الله وسلامه عليه وكان في كل حينه منقطع إلى ربه دائم الصمت عليه من السمت والوقار ماعليه حتى إنه صلى الله عليه وسلم تفقده عائشة ذات ليلة فإذا هو في المسجد منتصبة قدماه يقول في سجوده ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)(42/26)
أيها المؤمنون هذه قطوف من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم منّ الله علينا وعليكم وأبحرنا خلالها من خلال ساعة كاملة وإننا مهما قلنا مقصرون ومهما تحدثنا لن نبلغ الصواب كله ولن نبلغ الكمال كله لكن إن كان من وصية أختم بها فإن الله جل وعلا شرفنا بأن جعلنا من أمه محمد صلى الله عليه وسلم وفي عصرنا هذا من أسباب الفجور وأسباب البعد عن الله ما لايخفى على أحد والبعد عن أسباب الفجور والسلامة منه
إن السلامة من سلمى وجارتها * * * أن لاتمر على سلمى وواديها
ويحتاج الأمر هذا كله إلى صبر على هدي محمد صلى الله عليه وسلم فليوطن أحدنا نفسه على الصبر وليؤطنها على إتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلم أن هذه الفتن التي تتابع شررها وتفاقم خطرها إنما هي بلاء وفتنة يصف الله جل وعلا به من يشاء فمن أخلص لله نيته وصلح قلبه واستقامة سريرته ووفق للصواب وهدي إلى سبيل الرشاد وهذا والله تعالى أعز وأعلم وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين .
.. أمل الأمة(42/27)
علماء المدينة
للشيخ صالح بن عواد المغامسي
الحمد لله الذي أحسن كل شئ خلقة وبدأ خلق الإنسان من طين وأشهد أن لااله إلا الله وحده لاشريك له إله الأولين وإله الآخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .....
أما بعد
فإن الله جل وعلا اصطفى أنبيائه من سائر خلقه قال جل ذكره وعلا اسمه ((الله أعلم حيث يجعل رسالته )) وقال عنهم (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )) وختم الله جل وعلا أولئك الصفوة ببعثة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى " ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما " فلما تعلقت النفوس بذلك الهدي الذي علمه الله جل وعلا أنبيائه قال صلوات الله وسلامه عليه " العلماء ورثة الأنبياء " فمن أراد أن يكون على منهجهم ويسير على طريقهم لزمه أن يطلب العلم الشرعي فيزدلف بذلك إلى ركب الأنبياء وسِير الأخيار من المرسلين وكلهم ذو خير...
أيها المؤمنون(43/1)
بعض المحاضرات الترتيب الأكاديمي فيها يذهب بهجتها ويضيع البغية منها،، فحديثنا اليوم قد لايكون ذو ترتيب أكاديمي صرف رغم انه يخاطب وينادي في المقام الأول طلبة العلم والمحبين للعلم والمحبين للعلماء فنقول والله المستعان يجب أن يحرر أولا أن العلم فضل من الله ليس محصورا في احد ولا قبيلة ولا مدينه ولا عنصرا ، وجد في الأمة علماء من العرب ووجد في الأمة علماء من الموالي ووجد في الأمة علماء من جزيرة العرب ووجد في الأمة علماء من غيرها فعرف الناس الإمام البخاري ومسلم وغيرهم وبعض العلماء عرف نسبه العربي بل بعضهم هاشمي وبعضهم مطلبي كالشافعي رحمة الله لكن العلم مع ذلك ليس محصورا في احد كائن من كان وإنما هو فضل من الله جل وعلا يؤتيه من يشاء والرب تبارك وتعالى لايخص به احد دون سواه لفضلٍ في ذاته على هذا ساحة العلم مفتوحة لكل احد ليست محصورة في مدينة ولا قرية عن قرية لكن المحاضرة التي نحن بصددها اليوم الترتيب لها قُدّر أن يكون عن علماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يقيننا وعلمنا إن العلم ليس محصورا في هذه المدينة المباركة رغم أنها مدينة سيد الخلق وأشرفهم صلوات الله وسلامه عليه 0
الأمر الثاني إن سير العلماء إذا أراد الإنسان أن يتأملها فإن أهل التحقيق يقولون إن هناك ثلاث جهات للنّظر في حياة العلماء هذا النظر ينقسم إلى ثلاث جهات :
الوجهة الأولى : وجهة سيرهم وأخلاقهم وتعاملهم مع الناس .
الجهة الثانية :جهة المنهج العلمي الذي اتبعوه.
الجهة الثالثة :التراث العلمي الذي تركوه .(43/2)
فمن أراد أن ينظر في سير الأمة الكبار والعلماء الأفذاذ فلينظر من هذه الثلاث فلينظر من سيرهم وأخلاقهم ولينظر في منهجهم ثم لينظر فيما تركوه من تراث علمي والمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام اختارها الله مُهاجرا لخير خلقه وصفوة رسله دخلها صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين وكان قد هاجر من مكة يوم الاثنين ومكث في الطريق أسبوعين ثم بعد ذلك يوم الجمعة من نفس الأسبوع على الصحيح دخلها بلدةً لأنه كان قد أناخ مطاياه أول الأمر بقباء فبنى مسجده عليه الصلاة والسلام فالمسجد النبوي هو المُنطلق الأول لعلماء المدينة عبر القرون كلها ، هذا المسجد أول من درس فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيبقى بإذن الله شامخا يُتلقى العلم فيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، هذا المسجد شهد الصحابة وهم يتحلقون حول نبينا عليه الصلاة والسلام والنبي عليه السلام يعلمهم ويحث على العلم ويرغب فيه ويدل الأمة عليه ويقول " أما الأول فأقبل فأقبل الله عليه وأما الثاني فاستحيى فاستحيى الله منه وأما الثالث فأعرض فاعرض الله عنه " لما ذكر الثلاثة الذين رأو حلقته صلوات الله وسلامه علية .
ولهذا كان الإمام عبد العزيزبن باز رحمة الله عليه أيام ماكان عندنا في المدينة قبل أن يذهب إلى دوامه في مكتبة في الجامعة الإسلامية كان يصلي في الصف الأول من الحرم فإذا خرج وبدأت حلقات العلم كان يمُر رحمه الله على كل حلقه حتى يخرج من عهدة حديث " وأما هذا فاعرض فاعرض الله عنه " ثم ينطلق رحمه الله إلى عمله في الجامعة .
هذا المسجد شهد منارات شامخة هذه المنارات الشامخة العلمية هم أحد فريقين :
إما رجلٌ أصلاً من أهل المدينة مولده ووفاته .
وإما رجل قدم إليها ثم سكنها وجاور فيها ونشر ما أفاء الله عليه من علم بها .
وهذا من حيث الإطلالة العامة 00000(43/3)
التاريخ الإسلامي إذا ذكر والأئمة الأربعة إذا دون تاريخهم لا يمكن أن يهجر أو يترك مالك رحمه الله ومالك رحمة الله قطعا ليس من المعاصرين والمحاضرة عن المعاصرين لكن نبدأ به رحمة الله لأنه عالم المدينة الأول من حيث الشهرة ولذلك يسمى بإمام دار الهجرة وإلا شهدت المدينة من الصحابة ومن غيرهم علماء أعظم من مالك علما لكن مالك ارتبط اسمه بالمدينة لأنه ما تركها وكان يدرس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أحيانا البيئة والمكان يساعد المتكلم كثيرا فمالك يقول عن العلماء ما منّا إلا واردٌ ومردودٌ عليه إلا صاحب هذا القبر ويشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر لا يتأتى لأحد إلا إذا كان يدرس في الروضة التي كان يدرس فيها مالك رحمه الله أو ينقل قول مالك على سبيل الحكاية لكن لايستطيع احدٌ في أقصى الأرض أن يقول مامنا إلا وارد ومردود عليه علاما يشير وإلى ما يرفع يده لكن مالك رحمة الله كان قريبا من قبر نبينا صلى الله عليه وسلم .
موضع الشاهد من ذلك إن مالك يقول الشافعي رحمة الله إذا ذكر العلماء فمالك النجم شرح مالك رحمة الله في المدينة الموطأ ومنه أي من المدينة انتشر الموطأ في أصقاع الأرض وكان أبو جعفر المنصور رحمة الله قد قال لمالك [ وطأ لناس كتابا تجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس ] وطالب
العلم الحق المؤصل يفقه هذه الوصية جيدا [ وطأ لناس كتابا تجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس ] ومنذ أن كان الناس كان هناك علماء يحملون طابع الشدة في الله ، وهناك علماء يحملون طابع الرخص في الله على بينه على علم ولا يقال لفريق انه متنطّع ولا يقال للأخر انه قد ميع الدين .
لكن الناس في زماننا بعضهم عفا الله عنّا وعنهم إذا غلبت عليه الشدة قال فلان ضيع الدين وإذا غلب عليه الأخذ بما يمكن أن يسمى بالرخص تجوّزاً - ليس بالرخص ذات البعد الآخر - يقول فلان تنطّع وعقد الدين.(43/4)
لكن منذ إن كان الناس كان الاختلاف موجود إما اختلاف تنوع أو اختلاف على حسب فهمهم للنصوص وكلما كان الإنسان في بيئة علميه زاخرة كان الإنكار العلمي عنده قليل جداً وإنما يُكثر من الإنكار العلمي من كان قليل البضاعة في العلم أو كان في بيئة غير مليئة بالعلم لأنه لا يسمعُ إلا رأياً واحدا ، أما المسجد النبوي كان زاخرا بالعلماء مع تنوع رؤيتهم للإحداث وللنصوص فلهذا نشأ القبول من طرف لطرف كما في عهد التابعين والعهد الذي عاش فيه مالك رحمة الله تعالى عليه .
ومالك رحمه الله وطأ للناس كتابا خالف فيه غيره وخالفه غيره لكن كانت الساحة الإسلامية العلمية تتسعُ الجميع لأنه ليس قول فلان بأولى من قول فلان إنما هي نظرات علميه وقد حرر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه {رفع الملام عن أئمة الأعلام } الأسباب التي من اجلها اختلف العلماء وليس هذا موطن ذكرها لكن المقصود بيان البيئة العلمية في المدينة آنذاك ولهذا الطلب العلمي يحتاج إلى نفس ذات روي تخطو خطوةً خطوة لا تُعالج أمورها باندفاع والإنسان كلما كثرُ علمه قلّ إنكاره قل إنكاره للمسائل ذات طابع الخلاف ليست المسائل المقطوع بنُكرانها التي حرمها العلماء مثل الغناء وما أشبه ذلك هذه قضية أخرى أنا أتكلم عن القضايا العلمية التي اتسعت فيها أراء المذاهب الاسلاميه منذ القدم..
فمثلا حلي الزكاة المستعمل هذا منذ أن كان الناس والخلاف فيه مشهور.
ومثلا الجلوس لتشهد الأخير وكيفيته .(43/5)
هذا في المذاهب الأربعة فيه أربعة أقوال كل إمام استبان فيه قول فهذه المسائل واضرابها لايمكن لمن طلب العلم حقا أن يكثر من الإنكار فيها وإنما في ساحة العلماء يحصل البحث والمناظرة والاستقصاء رفعاً للخلاف و علواً بالهمم وكسباً في المعارف وهذا الذي كان مؤصلا في مجتمع المدينة آنذاك لمل قال أبو جعفر لمالك [ احمل الناس على كتابك قال يأمير المؤمنين لاتفعل فإن أصحاب محمد علية الصلاة والسلام ورضي الله عنهم تفرقوا في الأمصار] ولكل رأيه ودليله ولايمكن جمع الناس إليه ولذلك بعض العلماء لايخوض في الأفضل لان الأفضل كل بحسب رؤيته .
وشيخنا الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى عليه حج مفردا فلما حج مفردا ناقشه سماحة المفتي محمد بن إبراهيم رحمة الله تعالى عليه لماذا تفعل هذا قال أنا لا افعله لأنه الأفضل لان الأفضل مسألة لا تُناقش كل عالم يرى أن الأفضل من وجه ولكنني فعلته عمدا لأرد على من يقول انه يجب أن يتحلل الإنسان من عمرته ولهذا كما قلت انه كلما قل الزاد العلمي كثر الإنكار وترى أحدا يتصدر في مجلس أو على منبر أو على خطبة فيبطل شئ مضى عليه فعل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا يُعقل أن يكون فهمك أعظم من فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
والمقصود من هذا عندما يطرح الإنسان هذا يكون دل على قلة البضاعة في العلم نحن لا نقول انه يجب أن تأخذ برأي زيد أو عمر لا لكن ليس من حق احد أن يفرض على الناس رأياً يعتقد أنه الصواب ويعتقد أن الحق محصورا فيه بل كان الأكابر من العلماء يخشون من هذا وهذا المعنى الحقيقي لقول الأمة الأربعة [ إذا خالف مذهبي قول الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط].
المقصود من هذا تحرير الأمر أول قبل الخوض في ذكر سير علماء المدينة وتحرير مسائل علمية يجب أن يتنبه لها من يطلب العلم .(43/6)
العلمُ كذلك يحتاج إلى نقل وعقل يحتاجُ إلى نقل صحيح والى فهم وإدراك لهذا النقل قال صلى الله عليه وسلم " رب حامل فقه لمن هو افقه منه " ومالك رحمه الله - ونحن ما زلنا في الحديث عن مالك - أشار إلى سوار المسجد وقال والله أدركت في هذا المسجد أكثر من سبعين والله يستسقى بوجههم الغمام يعني قوم صالحون لا يفارقون المسجد وإن منهم لو أؤتمن على بيت مال المسلمين لوجدته أمينا ولم أأخذ عنهم حديثا واحدا قالوا له لما يا عبد الله قال إنهم ليسوا من أصحاب هذا الشأن يعني عُباد لا يعرفون كيف ينقلون العلم قد يُغرر بهم فكل مجال خلقه الله جل وعلا في فنون الحياة خلق له رجال يحسنونه فليس من الصواب أن يطلب من الأمة كلها أن تكون علماء لان العلماء في الأمة هم الرؤس هم الأكابر ولا يُعقل أن الأمة كلها تصبح على مستوى واحد .
بل قال الله جل وعلا في الجهاد وهو ذروة سنام دينها قال ((وما كان المؤمنون لينفروا كافه )) فالله جل وعلا وزع القدرات فيجب أن يستصحب الإنسان هذا قبل أن يقدُم هو على العلم أو قبل أن يُشير عليه به فليس كل احد يصلح أن يطلب العلم وليس كل احد يجد في نفسه الرغبة والتأهل إلية وإن كان العلم منزلة ذات شرف لا يُضاهى ومجد لا يُبارى ...
نعود فنقول بدأنا بمالك كتوطئة قبل الخوض في علماء أهل المدينة كان شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه يقول إن استنباط مالك يوافق الكتاب بل أكثره مأخوذ من كلام الله جل وعلا ولذلك شدد مالك على الرافضة وقال [ ليس لهم في الإسلام شيء من الفيء] محتجا بأن الله ذكر في القران الفيء للمهاجرين ثم قال (( والذين تبوءُ الدار والإيمان )) ثم لما ذكر الفيء في هاذين الفريقين قال جل ذكره بعدهما قال ((والذين جآءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمن )) فمن لم يترضى عليهم ولم يستغفر لهم فليس داخلاً في عمُوم المسلمين الذين يُعطون من الفيء ..(43/7)
وهذا المنهج في الفهم أخذه الأمين الشنقيطي كما سيأتي في الحديث عن سيرته رحمة الله تعالى . المقصود هذه المدينة كأجواء في عهد مالك رحمة الله والله جل وعلا إذا أراد شيئا هيأ أسبابه فإذا أراد أن ينشر علم احد هيأ أحدا أو غير ذلك مما يساعد على نشر ذلك العلم بشتى الطرائق .
لكن ينبغي أن يعلم انه وإن عرفة الأمة عُلماء مشاهير إلا إن العلم ليس محصورا في فقط في من اشتهر فكم من عالم جليل القدر لايعرفه الناس ولايعني ذلك قدحا في النيات وهذا من الأخطاء الشائعة إن الناس يظنون أن الشهرة مبنية على صلاح النية وان عدم الشهرة مبنية على فساد النية وهذا ليس من الصواب في شيء النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنما الأعمال بالنيات " أي اجر النية على اجر العمل أما إفادة الناس من العمل فليس معلقا شرطا بالنية.
وحتى تتضح المسألة وبضرب الأمثال يتضح المقال :
لو إن إنسانا عنده مال ثريا جدا وقال أريد أن ابني مسجدا يقول في نفسه فقدرته المالية جعلته يتخذ طريقا أو مكان أو قطعة ارض في كثافة سكانية كبرى ثم بنى فيها المسجد وهو يقول في نفسه بل ربما قال لأقرانه إنا لا أُريدُ بهذا وجه الله إنا أُريد الشهره فكتب على المسجد مسجد فلان بن فلان عمداً قد يكتبها رجل لله ، وقد يكتبها رجل لغير الله وبقدرته المالية جعل مواقف للسيارات وداراً لتحفيظ وأتى بأئمة يحرصُ الناس على الصلاة ورائهم وأتى بمحاضرين يحبهم الناس وأتى بموظفين وانفق عليهم أمولا فحيي المسجد .
فالناس الأمام يرغبون في القراءة ورائه والمسجد مخدوم من حيث المواقف وغيرها وحلقات التحفيظ تعطي مكآفات وهناك سيارات وتقدم وتُؤخّر للمسجد فالناس انتفعوا وإن كان صاحب المسجد لم ينتفع لأنه ما أراد به وجه الله .
وقد يأتي إنسان أراد بعمله وجه الله لكنه لم يوفق للمكان ولم يعان في أمور عدّة فلم يأتي احد مسجده.(43/8)
فهذه أمور لا ينبغي أن من رأيناه مشهوراً ظاهراً حكمنا عليه جزما بأنه صالح النية نعم نرجو الله أن يكون صالح النية لكن لا يحكم عليه ،، ومن رأيناه مغمورا لا يعرفه احد نُشكك في نيته فهذا كله تطاول وأمور لاسبيل لنا عليها والله تعالى يقول (يوم تبلى السرائر )ولنا من الناس ظاهرهم .
هذا كله ساقنا إلى قضية إن مالك أراد الله أن ينشر علمه وكان من أسباب انتشار علمه أمور عدة لعل من أشهرها:
أن يحيى ابن يحيى الذي قدم إليه من بلاد الأندلس بلاد المغرب طلب العلم أدرك مالك في آخر حياته وكان يحيى هذا منصرفا للعلم وحده وذات يوم جاء فيلٌ في المدينة والفيل حيوان غير مألوف في جزيرة العرب رؤية فانصرف الناس خرجوا من المسجد يشاهدون الفيل يتسامعون ويتناقلون هناك فيل ومالك كان ذا سمت ووقار وهيبة في مجلسه يقال عنه كما في مقدمة الموطأ 00
يأتي الجواب فلا يراجع هيبة والسألون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعز سلطان التقى فهو المهاب وليس ذا سلطان(43/9)
فخرج كل من في المسجد إلا مالك ويحيى ابن يحيى رحمة الله بين يديه قال يُبني علاما لا تخرج إلى ما خرج إليه الناس قال إنني قدمت من بلادي لأراك واخذ عنك العلم ما قدمت لأرى الفيل فأُعجب به مالك فصار يدخله بيته فأخذ علما عن مالك وقُدّر له أن يرى الليث ابن سعد قرين مالك لكنه سكن مصر وكان الليث على دابته فقام يحيى هذا وهو يومئذ شاب فقاد الدابة لليث وهو لا يعرفه - أي الليث لا يعرف يحيى - فدعا له - ولعلها وافقت ساعة إجابة - قال له يا بُني أُنظر دعاء العلماء قال [ يا بُني خدمك العلم] - هو الآن قدم عالما - قال[ يا بني خدمك العلم] فلمّا توفي مالك وفرغ يحيى ابن يحيى من رحلته عاد راجعا إلى بلاد المغرب وفي الطريق مرّ على بغداد فجلس يحدث بها مأخذه عن مالك فأخذ مسلم ابن الحجاج كثيرا من علم يحيى ولهذا جلّكم قرأ في الصحيح ترى أن مسلم يقول حدثنا يحيى ابن يحيى ثم يسوق السند عن مالك مثلا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلما رجع إلى المغرب أي إلى الأندلس - تُسمّى المغرب آنذاك - وسكنها يحيى ابن يحيى كان رجلا محبوبا فحصلت له بعض القضايا مع السُلطان فقربة السلطان فأصبح السلطان لا يعين أحدا في قضاء إلا بتزكية من من ؟ إلا بتزكيةٍ من يحيى ابن يحيى فيضطر الطلاب أن يدرسوا عند يحيى ابن يحيى وهو يدرسهم علم مالك فانتشر علم مالك في المغرب إلى اليوم وظهر هناك ابن عبد البر رحمة الله تعلى عليه أعظم من خدم المذهب المالكي كما في التمهيد.
الذي يعنينا هذه جملة عن الأحداث التأصيليه عن رجلٍ ولد في المدينة وتوفي بها هو مالك رحمه الله تعالى رحمة واسعة وهو مدفون بالبقيع رحمه الله تعالى رحمة واسعة .....(43/10)
أما المعاصرون من العلماء فلا ريب إن الله جل وعلا منّ على جزيرة العرب بلّم شملها على يد الملك عبد العزيز غفر الله له ورحمه والأمن السياسي إذا وُجد أعظم ما يعين على طلب العلم لأن الناس إذا خافوا أو جاعوا انصرفوا إلى ما يزيل خوفهم أو إلى ما يزيل جوعهم فيقّل شغف الطلاب بالعلم .
من ابرز العلماء:
الإمام الشنقيطي رحمة الله تعالى علية وهذا الرجل أصله من بلاد شنقيط وموريتانيا كبلد يسكنها عرب وعجم يخدمون العرب واللغة العربية لكلا الفريقين وفيها قبائل بعضها انشغل بالإغارة على عادة القبائل والتنافس بينها والتنازع ،، وبعضها انشغل بالتجارة مع طلب العلم ،، ومن القبائل التي في موريتانيا التي انشغل أبنائها بطلب العلم الجكنيون الذين منهم الشيخ وأصولهم من حمير من اليمن.
هذا الرجل رحمة الله تعالى علية ولد هناك ثم حفظ القران بعد أن عاش يتيما وعهدة به أُمة وعنيت به عناية عظيمة وهي رسالة للآباء والأمهات أول من يغرس طلب العلم في الأبناء هم الآباء والأمهات بالتشجيع فلمّا حفظ القران رحمه الله فرحت به أُمة فرحا شديدا ثم بعثته يأخذ بعض الفنون فهو يقول رحمه الله تعالى زودتني بمتاعين أو مركبين : مركب فيه كتبي ومركب فيه زادي ومتاعي وجعلت معه خادما معه بقرات وأرسلته إلى القرى والمدن التي فيها العلماء آنذاك في شنقيط فحصل على علم جمّ فرحت به امة و أخواله وكان له خال عالم يُعلمه والإنسان أحيانا يبغض من يحسن إليه دون أن يشعر لان أي إنسان يمر بمراحل زمنية فالشيخ رحمة الله ذات يوم مرض خالة فارتاح قليلا من عناء الطلب فمر على خاله وهو مريض فأضحى يقول متى يموت حتى ارتاح من الطلب ثم برئ الخال وأكمل المهمة ،المهم أخذ العلم عن غيره .(43/11)
أعظم ما عني به الشيخ وهذا لُب الحديث في اللقاء كله أن الله وفقه لأن يعرف قدر القران فكانت عنايته التامة بكلام الله جل وعلا ومن أراد الله به خيرا جعله يفقه كلام ربه تبارك وتعالى إذ أن أعظم مقصود من العلم هو العلم بالله جل وعلا ولايمكن أن يعرف الله إلا بكتابه إذ لا أ حد أعلم من الله ولا أحد أعلم بالله من الله .
فالسبيل الأول الذي كل سبيل مندرج فيه هو معرفة ايآت الكتاب حتى تدلك على الملك الغلاب جل جلاله فعُني الشيخ رحمه الله برجز كان لعلاّمة شنقيطي اسمه العلامة محمد يعرف بالبحر هذا الرجز ذكر فيه العالم ذلك منظومة في قضية الآيات المتشابهة في القران رسماً أو تلاوة لفظا أو تلاوة التي يتكرر أكثر من مرة فعُني بها وهو شاب فلما أكملها مالم يتعرض له العالم دوّنه الشيخ وتبع العالم البحر على نفس منواله وزاد عليها رحمة الله تعالى عليه .
فمثلا قال الله جل وعلا في سورة سبأ ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل ) فكلمة أشياع تكررت في سوره القمر ( ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مّدكر ) في سورة القمر جاءت بضمير المخاطب (أشياعكم ) وجاءت منصوبة لأنها مفعول لأهلك ،
وفي سورة سبا جاءت للغيبة (كما فعل بأشياعهم ) وجاءت مجرورة لأنها مسبوقة بالباء فالشيخ رحمة الله زيادة على تلك المنظومة التي عني بها قال رحمه الله
في سورة القمر خاطب وانصبَ وجُرهُ وغيبنهُ في سورة سبأ
أي أن هذا الفظ في سورة القمر خاطب به وانصبه وفي سورة سبأ اجعله على ضمير الغيب وجرة كما هو صريح القران .
المقصود بدأت العناية بالقران ثم منّ الله عليه بعلم التفسير ثم قرر أن يقدم إلى الحجاز حاجاً وإذا أراد الله بأحد خيراً أعطاه فوق ما يؤمل بلقيس خرجت من اليمن إلى بلاد فلسطين تبحث عن ماذا ؟ كيف تحافظ على مُلكها تطمئن سليمان أنها لا تنازعه فردّها الله وقد أسلمت أعطاها الله فوق ماتؤمل ،،،(43/12)
وبعدها الكليم موسى عليه السلام ذهب يبحث عن جذوة من النار فعاد وهو كليم الواحد القهار فالله جل وعلا ذو منة وفضل على عباده فهذا الرجل خرج من بلاد شنقيط كل الذي يريد أن يحج ويعود فقُدّر له أن يحج فلما حج في منىً بقدر الله تكون خيمته بجوار خيمة الأمير خالد السد يري وعبد الرحمن السديري وفي أيام منى حصلت مناقشات علميه حول الأبيات فسمعهم قد اختلفوا فأستأذنهم أن يدلو بدلوه فأذنوا فلما اذنوا وجدوا علما جمّا وبحراً لا ساحل له فقرّبوه وعُرض أمره على الملك عبد العزيز رحمة الله تعالى فأمر له بالجنسية له ولمن في كفالته ومن قرابته ثقةً في الشيخ وإكراماً له فكانت سببا في أن يستوطن الحجاز ثم منّ الله جل وعلا بعد ذلك لمّا لم تكن في ارض موريتانيا الكتب منتشرة كانتشارها ها هنا وليست مطبوعة متداولة في كثير من الأمور لم يقع على يد الشيخ المغني لأبن قدامه وهو هناك وأهدي له من قبل إمام الحرم آنذاك الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمة الله تعالى عليه فكان نظره في تفنن المذاهب زاد على حصيلته التي حصل عليها في موريتانيا فأسهمت في إيجاد حصيلة علمية له رحمة الله تعالى عليه.(43/13)
هذا من حيت الإجمال وسنقف وقفات مُعينه مع سيرته أعظم السير ، أعظم ما جاء في سيرته رحمه الله عنايته بالقران كان يقول السنة كُلها في أية واحدة (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوه ) درّس في الرياض ها هنا وحاضر مرة في مسجد وممن حضر المحاضرة الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله فشرح العقيدة شرحاً علميا مؤصلاً فلمّا فرغ والعلماء يعرفون بعضهم بعضا قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله جزى الله عنا الشيخ محمد الأمين خير الجزاء - ثم ماذا قال ؟- قال الجاهل عرف العقيدة يعني من حضر المجلس وهو ليس معدوداً من العلماء الآن عرف العقيدة الجاهل تعلم العقيدة طبعاً الشيخ عبد اللطيف عالم لا يستطيع أن يقول والعلماء تعلموا العقيدة كيف صاروا علماء وهم لا يعرفون العقيدة قال رحمه الله والعالم تعلم الطريقة والأسلوب أي التي يُعلم بها الناس لكن هذا مبني على حرص الشيخ على علم الآلة لا يمكن لأحد أن يطير قبل أن يُريش هناك طرائق وأساليب حتى تصل إلى غايتك لكن الإغراق في علوم الآلة يُضيع الهدف فإذا علم الآلة أخذ شطر عمرك ماذا بقي للهدف وإن لم يأخذ علم الآلة من جهدك شيئا مُحال أن تصل إلى هدفك لابد الإنسان أن يجمع ما بين علم الآلة في التقديم الأول يؤصل نفسه ثم بعد ذلك ينتقل إلى العلم الشرعي محال أن يتصدر الإنسان وهو لايعرف شيئا عن لُغة العرب ولاعن شعرهم ولا عن آدابهم ولا أسلوب كلامهم هذا محال ولا أن يعرج على شيئا عن تاريخهم الشيخ الأمين قبل البلوغ له أقران يتنافسون فألف منظومة في النسب في نسب بني عدنان وسماها {خالص الجمان } فلما بلغ وجرى عليه قلم التكليف أخذها وحرقها ودفنها فلامه مشايخ عصره فقال رحمه الله إنني لم أدونها لله دونتها لمنافسة الأقران فلذلك أخفيتها فقال له العلماء يمكن تحسين النية لكنه رفض وبقيت مخفيه إلى يومنا هذا لأنه عندما صنعها كان يغلب عليه انه كان ينافس أقرانه في الطلب 0(43/14)
أقول العلم بالقران قبله العلم بالآلة والعلم بالقران مفتوح يقول على رضي الله عنه وأرضاه "إلا فهما يؤتيه الله من يشاء في كتابه " فباب العلم في القران مفتوح لان الله جل وعلا كتابه اجّل من أن يحوي فهمه صدر رجل واحد لكنه يبقى على مر العصور ينهل منه العلماء فهو كلام رب العزة والجلال .
نقول عني الشيخ عناية عظيمة بالقران تأصيلاً وشرحاً ويستطرد كثيراً حتى يستفيد الطلاب من شتى الفنون ويجعل القرآن هو المرجع وقد خاطبه الشيخ عطية سالم رحمة الله تعالى عليه وهو تلميذه النجيب الأول فقال إن القرآن هو جامع العلوم ومنه انطلق إلى شتى فنون العلوم إذا أردت أن اشرح فأتكلم في الفقه وأتكلم في الأصول وأتكلم في التاريخ وأتكلم في الحديث وأتكلم في اللغة وكلٌ يأخذ منا بطرف وهذا يحتاج إلى رجل ذي سعة في العلم كما كان الشيخ الأمين رحمة الله تعالى عليه.
هذه العناية بالقران هي التي فيما يغلب على الظن ولا نزكي على الله أحدا أسهمت في وصول الشيخ إلى تلك المنزلة العلمية العظيمة التي وصلها في عصره مع هذا كله كان الرجل يتقي الله في الفتوى تقوىً عظيمة بل في أخريات حياته كان يتحرج من الفتوى وكان يقول إن الفتوى نوع من البلاء والعاقل يكون من البلاء في عافية.(43/15)
وقد قلت في محاضرات عدة إن وفد من الكويت حضر إليه رحمه الله في أخر أيامه يسألونه عن مسألة أظنها كانت عن البرلمانات فلما دخلوا علية يسألوه وهم قد شدو إلى علمه الرحال اعتذر عن الإجابة فلما أكثروا علية كان مضطجعاً كما يقول ابنه الشيخ عبد الله وهو حاضر وهوالذى أخبرنا بهذا يقول فأصلح جلسته ثم قال أُجيبكم فيها بكلام الله فكأنهم فرحوا فقال قال الله قال الله تعالى (ولا تقف ماليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل اؤلئك كان عنه مسؤلا) فلما أكثروا عليه وهذه الكلمة لازمته في آخر حياته قال قال العلماء كذا وقال فلان كذا ويضع أصبعه على رقبته ويقول أما أنا فلا أُحمّل ذمتي من كلام الناس شيئا لا ادري.
وأنت ترى اليوم من يبحث عن من يسأله ومن يتجرأ على السؤال ومن يكون لديه قدره على المجابهة لكن ليس لديه قدره على أن يرجح وحتى أن وصل إلى أن يرجح تجده يسُفه أقوال غيره.
يقول أحد أعضاء هيئة كبار العلماء حججت معه لقيته في الحج مرة يقول درسنا الشيخ في الرياض في كلية الشريعة فذكر قول لأبي حنيفة فكأنة أطال فأعترض أحد الطلاب وأراد أن تمضى المسألة قال يا شيخ وان قال أبو حنيفة فغضب الأمين رحمة الله تعالى عليه يقول وضرب اللوح بيده مراراً وقال للطالب أنت لا توازي شراك نعل أبو حنيفة أبو حنيفة أمام رضيت أو لم ترضى ثم قال بعد أن هدأ روعه وخف غضبه قال يابنى أبو حنيفة إمام وليس لزاماً أن نأخذ بقوله لكن عليك أن تحترم رأيه فالأمة شهدت له بالعلم والقبول وشهد لهُ أفذاذ من العلماء ليس أنت عندهم بشيء والعاقل ما يهدم شيئا قد تم ولا يجابه شيئاً أُجمع عليه ولا يواجه تيار صعب فكيف يضع نفسه أمام هذه القمم الشامخة يُسّفهها ويُقلّل من علمها ويُقلّل من علو منازلها التي أعطاها الله جلا وعلا إياها .(43/16)
والحرص على احترام من سبقك من العلماء أو من عاصرك من أعظم الدلالة على تأصُل العلم فيك ، رُزق الرجل مع هذا العلم تقوى من الله عجيبة كان يقول قدمت من بلادنا بكنز لا أريد افقده أو أن أضيعه وهو القناعة ولذلك لم يُقدم يوما طلباً في زيادة مرتبة ولا في رفع درجته ولم يسأل يوما أحدا مالا وما أعطي من مال من غير سؤال أخذه وقبله ثم يوزعه ومات ولم يورّث شيئا وقد كنت اسكن على مقربة تامة من داره وعندما مات كنت تقريبا في الثاني عشر أو الحادي عشر من العمر آنذاك غفر الله له ورحمه .
الذي يعنينا الآن قضية حياة العلماء وهي قضية الاتصال بالله تبارك وتعالى
والعظيم من يستشعر الأمر قبل أن يقوله للناس جلس مرة والله في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يُريد أن يفسر قول الله (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) وكان من طريقته إن هناك تالي للقران يتلو القران ثم الشيخ يفسر فردد الشيخ الآية (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) وأخذ يبكي حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء لم يفسر أية واحدة .
إن من أعظم ما يرزقه العالم القناعة أو العلم التام بما يقول لكن إذا كان الرجل يتكلم من لسانه حتى ولو انتفع به الناس لا ينتفع هو بأجر علمه فقد يكون هناك لبيب خاشع خاضع في المجلس ينفعه الله جل وعلا بما قلت لكن أيُ كرامة هذه عند الله ضائعة إذا كنت ينتفع الناس بما تعلم ولا تنتفع أنت به بين يدي ربك.
والله جل وعلا لما أراد من أنبيائه العظام أن يقول شيئا على علم به حقا قال في حق إبراهيم (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ) .
ولما أراد أن يتم نعمته على نبينا صلى الله عليه وسلم عرج به إلى سدرة المنتهى فرأى صلى الله عليه وسلم الجنة والنار حقاً حتى إذا حدّث عن الجنة وعن النار أصبح صلى الله علية وسلم يُحدث عن علم صلوات الله وسلامه عليه.(43/17)
ليس العلم أن يأتي المحاضر أو الداعية أو الخطيب أو الموفق إلى كلمات يقرأها يحضرها قبل المحاضرة ثم يقولها للناس ، العلم الحق أن يستشعر بها في نفسه وأن يعمل بها بينه وبين الله حتى إذا قالها للناس خرجت من قلبه قبل لسانه فالإمام أحمد رحمه الله لما كتب المسند مر على حديث أن النبي إحتجم وأعطى الحجام كذا درهم فذهب واحتجم وأعطى الحجام مثل ما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثم كتبه في مسنده رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة
معشر القراء يا ملح البلد من يصلح الناس إذا الملح فسد
والله جل وعلا يقول (( واتلوا عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها )) ثم قال جل وعلى يضرب مثلا لعالم السوء الذي عنده علم ولم يعمل به قال الله (( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )) قال بعض أهل العلم والعلم عند الله في بيان هذا أن الله جل وعلا لما أهبط آدم إلى الأرض أمر إبليس نزغ في السباع أن تؤذي آدم فكان الكلب يوم إذاٍ سبع كاسر فجاء جبريل وأوصى آدم أن يمسح على رأس الكلب حتى يتقي شره فمسح آدم على رأس الكلب فمات قلبه أي مات قلب الكلب فخرجت منهُ السبعيه التي أوجدها الله فيه ولهذا الكلب الآن إذا غلبت عليه مسحة أدم يحرسك وإذا غلبت عليه نزغات الشيطان يفترسك فيقع منه النفع ويقع منه الأذى ولا يوجد هذا إلا في الكلب .
أما الحيوانات بعضها أليف وبعضها سبع وفوارس كاسرة مؤذية إلا الكلب يجمع مابين كونه سبعي ومابين كونه أليف ولهذا أباح الله جل وعلا صيده فهو ميت القلب لا يركن إلى طبع فجعل الله جل وعلا عياذاً بالله عالم السوء كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .(43/18)
وهذا العلم الذي يحفظه العلماء في صدورهم إما أن يكون لهم بين يدي الله حجه لهم يؤجرون على ما قالوه أو أن يكون عياذ بالله حُجه عليهم وقد قال الله جل وعلا (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) لكن الناس يقرؤن هذه الآية من آخرها ويعلقونها في الفصول والمدارس والكليات والسيارات ولا تُقرأ هكذا إنما يقرأ أولها وهذه الآية جاءت تذييل ولم تأتي تأسيس فمن الذين يعلمون الذين قال الله إنهم لا يستوون مع الذين لا يعلمون ليس الذين يحفظون المتون ويتكلمون ارتجالا أو ما أشبه ذالك قد يكونون منهم لكن العالم الحق من وقف يبن يدي الله عز وجلا في ظلمات السحر يسأل ربه ويرجوه ويدعوه ويتوسل إليه كما كان شأن محمد صلوات الله وسلامه عليه.......
فبادره وخذ بالجد فيه فإن أتاكه الله انتفعت
فإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس انك قد رؤست
فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملت
نعود فنقول هذه العناية الأولى ...
والعناية بلغة العرب وهي مبنية على الأول وقد تكلمنا عنها استطراداً في إن الشيخ رحمه الله كانت له عناية كبيرة بلغة العرب لأنها الطريق إلى القران وقد ذكر في سيرته انه لما مرّ على السودان سأله بعض طلبة العلم عن أخر كتاب قرأه فقال أخر كتاب قرأته{ ديوان عُمر ابن أبي ربيعه} فأغتاظ الناسُ غضبا لأن ديوان عمر ابن أبي ربيعه في الغزل وهو لا يُظن به أن يقرأ في مثل هذا فقال رحمه الله مجيباً استعين به على فهم كلام ربي فالعلم بما دونه الشعراء العرب خاصة في عصر التدوين الأول الذي يُستشهد به يُعين المرء على فهم كلام الله تبارك وتعالى .(43/19)
الشيخ رحمه الله توفي في مكة المكرمة كان معه سائقه في ليلة مزدلفة قال له السائق أو في صبيحة العيد إنني رأيت رؤيا رأيت النبي قد مات فتوقف الشيخ قليلا فقال السائق إنني رأيت النبي قد مات لكنه ليس النبي كأن الشيخ غضب قليلا قال ما أدراك انه ليس النبي قال عندما نظرت لم يكن هيئة النبي صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه فأحس السائق الذي قص الرؤيا انه أحرج الشيخ فقال لعلها ليست رؤيا لعلها أضغاث أحلام قال لا لا هي رؤيا ويقضي الله ما شاء خيرا إن شاء الله ثم مات بعدها بثلاث ليالي أو أربع.
وتعبيرها أن العلماء ورثة الأنبياء والشيخ كان يعلم من نفسه انه اعلم أهل زمانه وان كان لا يدّعي هو بنفسه فلما اخبر أن النبي قد مات أي أن عالم هذه الأمة آنذاك سيموت خاصة إن الرائي قال لم أرى هيئة النبي صلى الله عليه وسلم لكن وقع في نفسي انه نبي فمات رحمه الله في مكة المكرمة وبها دفن وترك علماً جمّا ونحن لا ندعي لا له ولا لغيره العصمة لكن نذكر رجلاً علما نحسبه عند الله كذلك والله اعلم بسريرته نسأل الله لنا وله غفران الذنوب وهذا واحداً من أشهر علماء المدينة في هذا العصر .(43/20)
ومن علماء المدينة في هذا العصر علماء آخرون لكننا نذكر إجمالا عن بعض ماقدموه منهم الشيخ صالح الزغيبي وهذا كان إماما في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُضرب به المثل في قضية المحافظة على الإمامة صلّى في مسجد رسول الله 25 سنه لم يغب فرضاً واحداً وكان يصلى الفروض الخمسة كلها وذات يوم جرت عادته أنهُ يدخل المسجد قبل الآذان الأول فيُوتر ثم بين الآذان والإقامة ينتظر الإقامة ثم يصلى ووضع وقتا محدد يعرفه الناس متى يقيم الصلاة فلما قام ليتوضأ بين الآذان والإقامة لدغته عقرب فشعر فلما توضأ أخذ يتصبر حتى يصلي بالناس وعجز أن يبعث أحداً إلى الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله الذي أخذا الإمامة بعده إلى أن يصلى بالناس ولم يُرد أن يقدم إقامة الصلاة حتى لا يتضرر من تعود على وقت الإقامة ثم صلى بالناس فلما فرغ من الصلاة خارت قواه وسقط ثم أُسعف رحمة الله تعالى عليه .
ويقولون عنه خلال 25 سنة انه لم يسهو قط في صلاته ولم يُنقل عنه انه سها مرة واحدة وهو يصلي بالناس الفروض الخمسة 25 سنة و زاره ذات مرة إمام الحرم المكي في زمانه وقال أنا ارغب أن أصلى فرض واحداً هنا حتى اشعر إنني صليت في الحرمين إماماً فمنعة وقال لا يُقدم ولا أوثر بهذا المكان احد حتى ضعف في أخر أيامه.
فصلى بعده الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله وقد صليت ويمكن بعض منكم كثيرا صلى وراءه وهو توفي تقريبا قبل حوالي عشر سنوات والشيخ عبد العزيز رحمه الله صلى في حرم رسول الله 45 سنه وهو أكثر أهل زماننا وأكثر أندادنا وأقراننا صلى وراءه وهذا الرجل يقول عنه الشيخ عبدالله آل بسام في ترجمته لعلماء نجد انه رجل غلبت شخصيته على علمه كان قوي الشخصية جدا ًوهذه بين قوسين تحملوها ( كان أحب خلق الله إليّ إلى يومنا هذا)، وأنا نشأت متأثرا ًبه إلى ابعد درجه رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة .(43/21)
وكان فيه قوة شخصيه لا يمكن أن تراها في أحد وله في ذلك أخبار وقصص ليس هذا موردُها لكن منّ كان عالماً عارفاً ببعض الأمور الخاصة يعرُفها عنه رحمةُ الله تعالى عليه رحمةً واسعة كان رجُلاً مُهاباً بشيءٍ لا يكاد يتصورهُ أحد ، إلا أنّ أعظم مزيةٍ فيهِ يقول الشيخ إبراهيم الأخضر القارىء المعروف يقول لو أنّ هُناك جسد خُلي من الحسد لكان الشيخ عبد العزيز بن صالح .
الإنسان جبلّة يا أُخي لا يُحب يحب أن ينافسه احد في شيء عُرف به وهذا الرجل كان إماما في حرم رسول الله فالذي أذن لكثير من المشايخ أن يدرسوا رغم اختلاف أعراقهم وبعدهم بعضهم ليس من السعودية أصلا وسعى في تمكينهم هو الشيخ عبد العزيز بن صالح .
صلى ذات مرة في مسجد قباء وكان الشيخ على الحذيفي حفظه الله الإمام الآن يصلي إماما في قباء فأعجبه أداء الشيخ وصوته فلما فرغ يقول الشيخ علي نفسه يقول قُمت أسلم عليه فلمّا سلّمت قال لي يا بُني إن شاء الله نجيبك في الحرم ثم يقول بعد مدة اتصل بي وقال ترى كلمنا المسؤلين ووافقوا تعال صلي في الحرم .(43/22)
العادة أن الأئمة من جهة ثانيه يُكلفون بالحرم فإن يأتي إنسان مسئول عن الحرم يأتي بأئمة لا حرج لكن إمام الحرم نفسه يبحث عن أئمة حسن الصوت قوي الأداء متقن هذا قليل ثم في عام 1411 هـ أو 1410هـ الشيخ محمد أيوب لم يكن يعرفه أحداً من الناس إلا أهل المدينة في المساجد والشيخ يوم ذاك كان يصلى بالناس التراويح فقال له احد أبنائه إن الشيخ محمد أيوب شيخٌ حسنُ الصوت وهو لا يعرفه قال يا بني اسمعني صوته هذا الكلام 28 شعبان حتى تعرف القوة فلمّا سمعه ارتاح لقرأته قال لابنه أأتني بالشيخ محمد أيوب يقول الشيخ محمد أيوب فاستدعاني يوم 28 شعبان وأنا انتظر التكليف أن أصلي إماما في مسجد القبلتين قال يا بني إن شاء الله تصلي معانا بكره ليلة رمضان تصلي بالناس فأنظر شخص يناديك طبعا أنت تعرف إمامة الحرم هذه تمر بوزارات في الدولة معروفه ويحتاج إلى إذن لكن الشيخ كان من قوتهِ وسلطانة ونفوذ كلمته في البلد واحترام ولاة الأمر له ، له شأن عجيب ولأجل ذلك قلنا لم ترى أعيننا كلنا أهل المدينة رجل في مثل شخصيته قال إن شاء الله بكره تأتي تصلي في الحرم إمام فجاء الشيخ لما نودي برؤية الهلال قدمه يصلي فجاءت بصراحة كذا بعض الاعتذارات من ضعفاء الإيمان أو ضعفاء العلم فأبقاه حتى نهاية الشهر قال له يا بني من صلّى هو الذي يُختّم وهو يستطيع أن يُختّم الشيخ فدعاه لأن يختم القران ويختم بنا وصلينا وراءه تلك العام رحمة الله تعالى عليه ..
وهذه الأمور تدل على عظمه في النفس وجلاله في القدر وحب الخير للناس وأنا ذكرتُ شيئا مما يُستساغُ نشره و إلا ثمّة أمور كثيرة تُبين علو قدر الرجُل وهيبة لا يعلمها إلا الرب تبارك وتعالى في ذلك العبد الصالح وكان الناس يحبونه حبا جمّا لقدرته على تغيير المنكر ولنفوذ أمرة وقوة سلطانه رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة ...(43/23)
من علماء المدينة كذلك الشيخ محمد المختار الشنقيطي رحمه الله والد الشيخ محمد المختار المعاصر الفقية الواعظ هذا والده توفي عام 1405هـ وكان يدرس السُنن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رحمة الله به وهي ذُريه بعضُها من بعض أن الشيخ محمد المختار الآن الأبن يدرس في حرم رسول الله صلى الله علية وسلم .
الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله تعالى ومتع به وختم له بخير له قرابة 50 عام يدرس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رجل عليه نور الإيمان ولا نُزكي على الله أحدا وله فضل واسع خاصة في وعظه للعامة وله أثرٌ كبير في كل من يحضر دروسه تُرقق القلوب وتُذرف العيون في درسه وقد منّ الله علية بان هدى الله جل وعلا على يديه خلقاً جمّاً رحمه الله تعالى رحمه واسعة....
هذه نتف وشذرات من هنا وهناك عن بعض علماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نُريد أن نصل أليه ختاماً أننا لا نريد أن نذكر أقوالا أو تواريخ لكن نقول لكل من يطلب العلم يكون حريصاً في أخلاقه وسيره مع الناس لا يتشوّث بالمال فان المال من أعظم مُهلكات طالب العلم ،، وفي نفس الوقت يحرص على ألا يكون يبتغي الشهرة ولا يلتمسها على أن التأصيل العلمي الذي دوناه في الأول ينفع كذلك هذا ماتيسر إيراده وتهيئ إعداده وأعان الله على قوله..
تم بحمد الله وتوفيقه
اللهم إنّا نسألك القبول في الدُنيا والآخرة(43/24)
في مقدمة هذا اللقاء نتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي على مجيئه وتكبده مع كثرة أشغاله وارتباطاته فأسأل الله عز وجل أن لا يحرمه الأجر والثواب فليتفضل شيخنا مشكوراً مأجوراً ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيهِ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ وعلى سائر من اقتفى أثرهُ واتبع منهجهُ بإحسانٍ إلى يوم الدين ..
فحياكم الله في هذا الدرس العلمي الذي عنوانهُ {{ وقفاتٌ علمية مع سورة الزخرُف }}
والطريقةُ سيقرأ أخونا الشيخ عبد المجيد ثم نُعلّق مع كل وقفه وأُعيد وأُكرر أن الدرس وقفات علمية قد يتخللهُ بعضُ الأسئلةٍ لطُلاب العلم الحاضرين لأن المُخاطب بهِ أولاً وأخيراً هم طُلاب العلم .
نعم تفضل شيخ عبد المجيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسُولهِ نبينا مُحمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
أما بعد
فهذهِ وقفاتٌ علميةٌ مع بعض آياتٍ في سورة الزخرف المقصُود منها الإثراءُ العلمي من هذهِ الآيات المُباركات .
الوقفة الأولى :
وتُعنى بالتعريف بالسورة الكريمة وسبب تسميتها بسورة الزخرف
الحمدُ لله
سورة الزُخرف سورةٌ مكية وهي من سياق سبع سورٍ مُتتابعات تُسمّى هذهِ السور المُتتابعات بسور آل حم كما تُسمّى بديباج القرآن تبدأُ بغافر وتنتهي بالأحقاف كُلهُن مبدوءة بقول الله جل وعلا ( حم )
سبع سور مُتتابعات تُسمى ديباج القرآن لأنها لم تتضمّن أحكاما كُلهُن مكية صُدرت جميعاً بـ ( حم ) بعضُ أهل الفضل يقول الحُواميم والأفضلُ أن يُقال سورُ آل حم ..(44/1)
وسببُ تسميتها بسورة الزخرف لورود كلمة الزخرف فيها وكلمة الزخرف إضافةً إلى ورُودها في هذهِ السورة لبيان حقارة الدُنيا وردت كلمة الزخرف في القرآن قبل سورة الزخرف ثلاث مرات في ثلاث مواضع :.
قال الله جل وعلا في الأنعام : ( يُوحي بعضهُم إلى بعضٍ زُخرف القول غُرورا ) .
وقال تباركت أسمائهُ وجل ثنائهُ في يونس : ( حتى إذا أخذت الأرض زُخرفها وازيّنت ).
وقال تبارك وتعالى في الإسراء : ( أو يكون لك بيتٌ من زُخرف فترقى في السماء ولن نُؤمن لرُقيك حتى تُنزل علينا كتاباً).
وورد كلمة زخرف في الإسراء وفي يونس وفي الأنعام ووردت في هذهِ السورة المباركة وبها سُميّت سورة الزخرف .
الزخرف في اللغة: كمال الزينة مع الحُسن ، وإذا قيل شيءٌ مُزخرف أي شيءٌ مُزين .
أُعيد
ما هي السُور التي تُسمّى ديباج القرآن ؟
سكت القوم
آل حم تبدأ بغافر وتنتهي بالأحقاف وسُميت بآل حم لأن كُلهُنّ تبدأ بـ (حم ) وخلُوها من الأحكام يدلُ على أنها سورٌ مكية ، خلُوها من الأحكام يدلُ على أنها سورٌ مكية .
نعم
الوقفة الثانية :.
مع قول الله تعالى ( إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون )
وسيفُصّل الشيخ حفظهُ الله حول معنى الفعل جعل في القرآن .
تسمعون بالمعتزلة وهي فرقة تقول ــ تُنسب للإسلام ــ تقوم على بنود خمسة مُعتقدات خمسه عندهم :
نقول تعرفون المعتزلة وأنا هنا أتكلم درس علمي لا ينفع يا بُني أن تقول المعتزلة ضُلاّل المعتزلة بعيدون ، نعم المعتزلة ضُلاّل بعيدون متفقُون لكن لن تستطيع أن تُدافع عن رأيٍ حتى تتصف بصفتين :
1/ تقتنعُ بهِ . 2/ وتفهمهُ .
فلا بُد أن تفهم ما تُدافع عنه ولابُد أن تكون مُقتنعاً بهِ ، فليس كُل شيءٍ فهمتهُ اقتنعت بهِ تفهم الصورة جيداً لكنك لا تقتنع بهم ، تفهم المثال لكنّهُ غير مُقنع .(44/2)
فحتى تكون مُقتنعاً في دفاعك عن أهل السُنة سلك الله بنا وبكم سبيلهُم والرد على المعتزلة لا بُد من أمرين اقتناعُك بمذهبك في طريقة أهل السُنة مع فهمك لأقوالهم وفهمك لأقوال مُعارضيهم حتى تتمكّن .
المعتزلة فرقة لها أمور تقوم على خمس أشياء في الأكثر :
على التوحيد يُسمُنونهُ التوحيد .
والعدل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والمنزلة بين المنزلتين .
من ضمن ما قالتهُ المعتزلة أن القرآن مخلوق وهذا من أعظم خلافهم مع أهل السُنة زعموا أن القرآن مخلوق لهم أدلة منها :
أن الله قال ( إنّا جعلناهُ قرآناً عربيا ) الآية التي بين أيدينا في الزخرف ( حم * والكتاب المُبين * إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً )
ماذا قالوا ؟
قالوا انتُم تُكابرون الله يقول ( وجعل الظُلمات والنُور )
ما معنى (وجعل الظُلمات والنُور ) ؟
خلق الظُلمات والنور. والله جل وعلا يقول ( خلق منها زوجها ) ويقول في آية أُخرى ( وجعل منها زوجها )
ما معنى ( وجعل منها زوجها ) ؟
خلق منها زوجها .
فيقولون في مخاطبتهم لنا علام الكبر الله يقول (إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً) وجعل بمعنى خلق فلماذا تُناكفون وتقولون إنّ القرآن غير مخلوق ، هذا الإشكال ؟
ما العلم ؟
حل الإشكالات هذا .
قبل أن نتكلم عن الفعل جعل نأتي بنظائر حتى لا تُصبح المسألة مسألة عاطفة ، في أفعال وكلمات في اللُغة لا يظهر معناها إلا من سياق الجملة لا يظهر معناها إلا من سياق الجملة ، بمعنى أنها في كل سياقٍ لها معنى في كل سياقٍ لها معنى ولن أقول أمثلهُ فصيحة أنتُم عرب .
الآن أنت واقف وزميلُك يستعجل بك هيا نذهب الموعد فات قلت لهُ أنظرني ،
ما معنى أنظرني ؟ ــ أجيبوا ــ
أمهلني جاء ذكرُها في القرآن ( أنظرُونا نقتبس من نوركم ) ما معنى ( أنظرُونا نقتبس من نوركم ) ؟
أمهلُونا أنتظرُوا علينا حتى نصل إليكم ناخذ منكم نور .
وأضح طيب .(44/3)
الآن تطرح قضية على زميلك يأتيك رجل وأنت عندك ابنه فتاة فيقول لك أُريد أن أخطُب ابنتك منك فقُلت لهُ سأنظُر في الأمر ما معنى سأنظُر في الأمر ؟
أُفكّر فيهِ نظرتُ في الأمر أتفكرُ فيهِ إذاً نظر الأولى غير نظرَ الثانية واضح .
مع أن الفعل واحد وهو ماذا وهو نظر لكن نظرتُ في الأمر عندما تعدت بحرف جر غير نظر من غير تعدٍ لازم هذيك أصبحت بمعنى أمهلني وهنا أصبحت أتفكر وأتدبّر .
قال الله جل وعلا ( أولم ينظُرُوا في ملكوت السماوات والأرض ) يعني يتدبرُوا .
نأخُذ مثال ثاني :
تقول لرجُل إلى ما تنظُر فقال لك أنظُر إلى تلك الكتابة المُعلّقة حلقات كذا وكذا طبعاً أنا ما أشوف المهُم أن مكتوب حلقة الظاهر ما فهمت ما يقول صالح نظرتُ إلى النظر بعين الباصرة الحقيقة بعين الباصرة تقول نظرتُ إليك أي أبصرتُك والفعل هو نفسهُ الفعل ماذا ؟ نظر . واضح الآن طيب .
الله جل وعلا يقول ( لتذكرُوا نعمة ربكم إذا استويتُم عليهِ ) ما معنى استويتُم عليهِ ؟
ركبتُم علوتم .
ويقول وهو أصدقُ القائلين في القرآن ( ولمّا بلغ أشدهُ واستوى ) هل في عاقل يقول ولمّا بلغ أشدهُ وركب ، ما معنى استوى ؟
كمُل نضُج .
ويقول جل وعلا : ( ثم استوى إلى السماء فسوّاهُن سبع سماوات ) هنا ليست بمعنى علا وليست بمعنى كمُل بمعنى انصرف إلى وقصد ، والفعلُ واحد استوى لكن من استعمالهِ عرفنا أن لهُ عدة معاني واضح هاذي .
قلت جنّب العاطفة تماماً
الآن نعود فننظُر لاستخدامهِ في القرآن حتى نحكُم عليهِ فنقول إذا تأملنا الفعل جعل في القرآن وجدنا لهُ أحوالاً تقريباً ثلاثة :
// حالٌ بمعنى خلق وهذا إذا تعدى إلى مفعولٍ بهِ واحد إذا تعدى الفعل جعل إلى مفعولٍ بهِ واحد يُصبح بمعنى خلق قال ربُنا ( وجعل منها زوجها ) أين المفعول ؟ زوج .(44/4)
وقال جلّ وعلا ( وجعل الظُلمات والنور ) أين المفعول ؟ الظُلمات لا يأتي أحد يقول النور النور معطوفه مفعول بهِ واحد فإذا جاء الفعل جعل مُتعدياً إلى مفعول بهِ واحد يُصبح بمعنى خلق .
// وقد يتعدى إلى أكثر من مفعول فإذا تعدى إلى أكثر من مفعول لا يلزم أن يُصبح بمعنى جعل يُصبح بمعنىً يدُل عليهِ السياق قال الله جل وعلا ( وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا ) من الذين جعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا ؟
المشركون زعموا أن الملائكة إناثاً ثم قالوا أنهُم بناتُ الله تعالى الله عمّا يقول الظالمون علواً كبيرا
الآن هل أحد يفهم أن معنى (وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا) أنهُ معناها أن القرشيون خلقوا الملائكة ــ أجيبوا ــ في أحد يفهم كذا مُستحيل ولا القرشيون أرادوا هذا لكن معنى جعلوا هنا سمّوا ما معنى جعلوا ؟ سمّوا .
أين الدليل ؟ الدليل القرآن يُفسّرُ بعضهُ بعضاً قال الله تعالى ( وإنّ الذين لا يُؤمنون بالآخرة ليسمّون الملائكة تسمية الأُنثى ) وهو قولهم ( وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثا ) واضح .
الله جل وعلا يقول على لسان أهل الإشراك في ردهم على نبينا صلى الله عليه وسلم لمّا جاء بالتوحيد قالوا كما قال الله في ص ( أجعل الآلهة إلهاً واحدا ) هل أحد فهم أن معنى قول قُريش كما حكى الله في كتابهِ ( أجعل الآلهة إلهاً واحدا ) أن قُريش تقول إنّ مُحمداً صلى الله عليهِ وسلم خلق الآلهة وخلق ربهُ هذا لا يقول بهِ أحد جعل هُنا ليست بمعنى خلق وإنّما بمعنى صيّر وأتخذ .
نعود الآن نُطبق على الآية التي بين أيدينا
( إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً )
عربياً صفة أخرجها لأنها من التابع والتابع يأخُذ حُكم المتبوع لا علاقة لنا بهِ ( إنّا جعلناهُ قرآناً) كم مفعول ؟ ما في علم إلا بلُغة اثنين الهاء وقُرآناً ( إنّا جعلناهُ قرآناً ) أي صيرناهُ قرآناً عربياً واضح .(44/5)
فهُنا ليست بمعنى خلق إنما صيّر وكونهُ مُصيّر لا يعني أنهُ مخلوق هذا بحسب حالهِ من قبل ، فنرجع إلى بقية القرآن ماذا قال عن القرآن ؟
قال ( إنّا أنزلناهُ في ليلة القدر ) وقال ( تنزيلٌ من الرحمن الرحيم ) وقال ( وإنّهُ لتنزيلُ رب العالمين )
ففهمنا أن القرآن منزلٌ غيرُ مخلوق .
واضح فبهذا يُرد على قول المُعتزلة أن جعل بمعنى خلق واضح الآن .
قُلنا تتعدى إلى كم ؟؟؟ إذا تعدت إلى مفعول واحد بمعنى خلق ،، وإذا تعدت إلى مفعولين ننظر إلى السياق فأحياناً تكون بمعنى سمّى وأحياناً تكون بمعنى صيّر واتخذَ ثم يكون ذالك المُصير والمُتخذ بحسب حالهِ من قبل .
ومُحكم القرآن يُثبت أن القرآن مُنزلٌ غيرُ مخلوق ومن أدله أُخرى إحنا سنرُد على المعتزلة و إلا فالأدلة أكثر :
أن الله جل وعلا من صفاتهِ أنهُ يتكلم بما شاء متى شاء إذا شاء والكلامُ صفةٌ من صفاتهِ والكلامُ في الذات كالكلام في الصفات ، والكلام في الصفات كالكلام في الذات ، فكما أن للهِ ذاتاً ليست كذات غيرهِ فلهُ جل وعلا صفات تليقُ بجلالهِ وعظمتهِ ليست كصفات غيرهِ وهو جل وعلا يتكلمُ بما شاء فالكلامُ صفةٌ من صفاتهِ والقرآن من كلامهِ بنصّ كلامهِ قال جل وعلا ( فأجرهُ حتى يسمع كلام الله ) الله يقول (حتى يسمع كلام الله ) فثمّ القرآن كلامهُ ولا محيد عن كلام ربنا والعرب تقول أو أهل الأصول يقولون :
والاجتهادُ في محل النصِ
كتارك العينِ ــ لماذا ؟ قُلتها مراراً في الدرس هذا
والاجتهادُ في محل النصِ
كتارك العينِ لأجل القصِ
ترى أيُها المباركون العلم فهم وأنتُم بإذن الله أفهم مني بس فقط أنا عارف ماذا أريد أن أقول وأنتم تعرفون لا تدرون الدرس عن ماذا .(44/6)
ليس الفرق يعني أنتُم أي شخص لو جاء يتكلم مكاني في شيءٌ يعرفهُ سأقف أنا كما تقفون أنتُم فلا تعجل في العلم يعني لا يُصيبك شيء من اليأس والا بس العلم يحتاج إلى صبر مهما قبل أن أنتقل للوقفة الثانية أنا أعطي فائدة في قضية الصبر :
السيل من النُقط ــ قبل أن أشرح والاجتهادُ في محل النصِ ــ بس يحتاج إلى حتى تجمّعهُ
تعرفون أبا حنيفة رحمةُ الله تعالى عليه إمام عظيم كان أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة بعد ذالك يتيم أُمهُ كانت تقول لأبنها الذي هو يعقوب أبو يوسف كنيتهُ يأبى يوسف مُكنىً وهو صغير لأنهُ يتيم تأتيه عند حائك خياط تبيه يتعلم هذا يعطيه دانق دانق ما يُذكر في ذاك الزمان ريال هلل ريال قروش الآن دانق في اليوم بس أهم شيء يجيب أكل لقمه في ذالك اليوم وراضية أبو حنيفة كأنهُ جلس عندهُ مرة مرتين توسم فيهِ الزكاة صار ياخذُهُ من الحائك يضعهُ في الحلقة صار خصام بين أم الولد بين أم أبي يوسف وبين أبو حنيفة فجاءت أمام الناس أنت ما ضيع ولدي إلا أنت و .. سبتهُ قال أبو حنيفة من مثل أبو حنيفة في الفراسة قال اذهبي عني يا رعناء أن ابنكِ يأكُل ــ ذحين شوف فقير يتيم ضعيف ما عنُ دانق جالس في حلقة الشمس فلقتهُ ــ قال إن ابنكِ يأخذُ الفالوذج بدهن الفستق ،، الفالوذج نوع من الحلوى في ذالك الزمن ما يوجد إلا عند الأثرياء أما الفالوذج بدهن الفستق ما يوجد إلا في بيت الخليفة مرتين ثلاث أربعة في السنة ما يوجد ما حد شاف .
الآن تقرأ في كتب حقت الطبخ تشوف في القنوات في تلك الأزمنة بالسماع قالت والله إنك شيخٌ خرب لأنها هي تنظُر إلى أمامها لأنهُ ولد ضعيف جالس ما يتيم ويقول لها رجل كامل قواه العقلية إن ابنك يأكل الفالوذج بدهن الفستق .
مات أبو حنيفة ، ماتت الأم صار أبو يوسف قاضي القُضاة هو يحكي ماذا يقول ؟(44/7)
يقول والله جلستُ مع الرشيد أمير المؤمنين على مائدتهِ فجيْ بطعامً لا أعرفهُ فقربهُ الرشيد مني وقال يا أبا يوسف كُل قُلت ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا لا يُصنعُ عندنا إلا قليلاً كُل منه هذا فالوذج بدهن الفستق ، قال فضحكت فتعجب الخليفة قال ما يُضحكُك ؟ قال خيراً يا أمير المؤمنين ، قال أخبرني وأخبرهُ بالقصة قال أنا كُنت يتيم وحصل كذا وكذا وقال أبو حنيفة أني أنا جالس أكل فالوذج بدهن الفستق فقال الرشيد رحمة الله تعالى عليه هارون قال لقد كان أبو حنيفة يرى بعيني عقلهِ ما لا يراهُ غيرهُ بعيني رأسهِ .
فكُل مجدٍ تُريدهُ لا بُد فيهِ مع التقوى إلى الصبر والله أعلم .
نعم .
الوقفةُ الثالثة :.
مع قول الله تعالى ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم )
وستُعنى هذهِ الوقفة بالمعنى اللغوي لكلمة أُم مع بيان الآية إجمالا .
الله يقول وإنهُ عائد الضمير على من ؟
على القرآن ( في أمُ الكتاب لدينا لعليٌ حكيم )
في يا أُخي أم الكتاب اللوح المحفوظ ، ما أُم الكتاب ؟ اللوح المحفوظ .
وفيهِ أقدار بيد الملائكة مكتوبة بيد الملائكة وبعضُ أهل العلم يقول إنّ ما في أم الكتاب لا يقبل التبديل وهذا حق الذي في أم الكتاب في اللوح المحفوظ لا يقبل التبديل
أمّا المكتوب بيد الملائكة فرُبما أصابهُ بعضُ التبديل وهذا نقول لهُ شواهد قال الله تعالى ( يمحو الله ما يشاءُ ويُثبت وعندهُ أم الكتاب ) ( يمحو الله ما يشاءُ) فيما بين يدي الملائكة (ويُثبت وعندهُ أم الكتاب) أي اللوح المحفوظ .
ما معنى قول الله : ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم ) ؟
نبدأ باللغويات :
الأُم في اللُغة إزاء الأب ، ما الأُم في اللُغة ؟ إزاء الأب ويُطلقُ في حقيقتهِ على الوالدة التي ولدت ثم أنتقل إلى إطلاقها على أكثر من ذالك :(44/8)
تُطلق على الوالدة القريبة وهي أُمك مُباشرةً ،، وعلى الأُم البعيدة وهي مثل الجدات ولهذا يُقال عن حواء أنها أُمنا لأنها ولدتنا أجمعين وإن كانت ولادة غير مُباشرة بعضُ اللغويين كالخليل ابنُ أحمد يقول إن الأُم كُل شيءٍ ضُمّ إليهِ ما حولهُ فهو أم .
أُعيد
كُل شيءٍ ضُمّ إليهِ ما حولهُ فهو أم هذا من الناحية اللغوية .
أمّا كلمة أم في القرآن فوردت على معانٍ عدة نذكرُ بعضاً منها :
1/ وردت بمعنى الأُم التي ولدت ومنهُ قول الله تعالى ( فرجعناك إلى أُمّك كي تقرّ عينُها ولا تحزن ) ولا ريب أن أُم موسى هي التي ولدته هذهِ واحدة .
2/ ورد في القرآن الأُم بمعنى أصلُ الشيء قال الله تبارك وتعالى ( هُنّ أُم الكتاب ) أي أصلُ الكتاب .
3/ وجاءت بمعنى المآل قال الله تعالى ( فأُمهُ هاوية ) أي منقلبهُ إلى الهاوية .
هذهِ كم ؟ ثلاثة .
4/ وجاءت بمعنى الضئر ما الضئر ؟ المُرضع قال الله جل وعلا ( وأُمهاتكُم اللآتي أرضعنكُم ) ليس أُمك التي ولدتك وإن الأُم الضئر هنا المُرضعة هذي كم ؟ أربعة .
5/ وجاءت الأُم مقصُود بها مكة قال الله جل وعلا ( لتُنذر أُم القرى ) .
6/ وأُم الكتاب هي ماذا ؟ الفاتحة أم الكتاب هي الفاتحة .
7/ وأُطلق ذالك كذالك على أُمهات المؤمنين اللاتي هُنّ أزوجُ من؟ نبيُنا صلى الله عليه وسلم .
هذا معنى كلمة أُم في اللُغة على وجه التوسُط..
قال الله تعالى : ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم ) للُعلماء رحمهُم الله قولانِ في معنى الآية :
** قولٌ يقول معنى قولهِ ( وإنّهُ في أم كتاب لدينا لعليٌ حكيم ) أي أن هذا القرآن منسوخٌ في اللوح المحفوظ منسوخ أي مكتوب في اللوح المحفوظ ويدلُ عليهِ قول الله جل وعلا ( فلا أُقسُم بمواقع النجوم وإنهُ لقسمٌ لو تعلمون عظيم إنهُ لقرآن كريم في كتابٍ مكنون لا يمسّهُ إلا المطهرون )
وقولهُ جل وعلا ( بأيدي سفرة كرامٍ بررة ) هذا شواهد .(44/9)
** وقال آخرون ليس المقصود أنهُ منسوخٌ في اللوح المحفوظ وإنما المقصود أن ذكرهُ في اللوح المحفوظ ذكرٌ عليٌ وجلي .
والمعنى الأول والعلمُ عند الله أقربُ للصواب .
نعم
الوقفة الرابعة :
مع قول الله تعالى ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً أن كُنتُم قوماً مُسرفين )
وسيُبينُ فيها معاني الضرب في القرآن .
كلمة الضرب في اللُغة تأتي بمعنى النوع والصنف ، وتأتي في اللُغة بمعنى الرجُل الخفيف اللحم القليل اللحم .
قال طرفه :
أنا الرجلُ الضربُ الذي تعرفونني
خشاشٌ كرأس الحية المتوقدِ
علمياً هل يجوز الاستشهاد بقول طرفه أو لا يجوز ؟
يُستشهد بهِ لأنهُ من العصر الجاهلي لكن لو قُلنا في الاستشهاد قال المُتنبي أو قال أحمد شوقي لا يجوز الاستشهاد لأنهم بعد زمن الاحتجاج ، والاحتجاج تقريباً إلى مئة وعشرين سنة .فالجاهليون أقوى حجة بشعرهم فعندما نحتاجُ إلى شيءٍ نستشهدُ بهِ نرجع إلى شعر ماذا إلى شعر الجاهلية .
نعود فنقول هذا في اللُغة .
أما في القرآن فقد ورد الضربُ على معانٍ منها :
السيرُ في الأرض ــ من يأتي بالآية ؟ ــ تفضل
( فإذا ضربتُم في الأرض ) السفر أحسنت
غيرُها
( وآخرون يضربون في الأرض ) أحسنتُم
( فأضربوا فوق الأعناق ) هذهِ التي بعدها ( لا يستطيعون ضرباً في الأرض ) أي سيراً في الأرض هذهِ واحدة .
وتأتي الضرب بمعنى الإيذاء ويكون في القرآن على نوعين ضربٌ بالسيف وهي ما قال أخوكم قبل قليل ( فأضربوا فوق الأعناق ) واضح أنها بالسيف ،،
ويكونُ بالسوط أو بالشيء اليسير أو باليد ومنهُ قول الله تعالى في تأديب النساء ( واضربُهن ) .
وتأتي ضرب في القرآن بمعنى الالتصاق واللزوم قال الله تعالى ( ضُربت عليهم الذلة ) وقال جل ذكرهُ ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ).(44/10)
أمّا هنا ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً ) أي أفنُعرض والمقصودُ من الآية أن القُرشيين أسرفوا على أنفُسهم في الذنوب وردوُا كلام الله وكلام رسُولهِ فالله جل وعلا يقول لهم إنّ إعراضكُم ليس مسوغاً أن نترُك إنذاركُم ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً ) صفحاً هاذي صفحة العُنق والإنسان إذا أعطى صفحة عُنقهِ لأحد كأنهُ أعرض عنه وإعطاؤك صفحة العُنق لشيء يكونُ بأحد سببين :
إمّا كبراً وهو الأغلب .
وإما تغافُلاً وهو الأقل .
لكنهُ يقع يقع إمّا كبراً وإمّا تغافُلاً يعني يكون الشيء موجود وأنت تتغافل عنهُ لا تعلم عنه .
لكنّ العُلماء هنا اختلفوا في معنى الذكر على قولين :
// قال بعضهم ( أفنضربُ الذكر عنكُم صفحاً ) أي القرآن والمواعظ والذكر.
// ونُسب إلى ابن عباس رضي اله تعالى عنهما أنهُ أراد أن معنى الذكر هنا بمعنى ذكرُ العذاب أي أفنتركُ عذابكم لكونكم كُنتم مُسرفين .
و أياً كان المقصود فإنّ المعنى من الآية إجمالاً يُقارب قول الله جل وعلا ( أيحسبُ الإنسانُ أن يُتركى سُدى ) قريبٌ من قول الله جل وعلا ( أيحسبُ الإنسانُ أن يُتركى سُدى )
نعم
الوقفة الخامسة :
( وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجُلٍ من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون )
(ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون )
الآن تتعلم من الآية أعاننا الله وإياك كيفية الرد على المُخالف .
القرية إذا وردت في القرآن بمعنى المدينة والله يقول هنا ( وقالوا ) أي القرشيون (لولا نُزّل هذا القرآن على رجُلٍ من القريتين عظيم)(44/11)
يقولون إنّ مُحمداً نشأ يتيماً وأولى أن لا يُنزّل القرآن على يتيم وكانوا يقولون يزعمون أنهُ كان ينبغي ــ سوء أدب مع الله ــ أن يُنزّل القرآن على رجُلٍ عظيمٍ من القريتين وقصدُوا بالقريتين مكة والطائف ، وقيل أنهم قصدُوا بالرجلين عروة ابن مسعود والوليد ابن المغيرة أياً كان المقصود من الرجال .
هم يقولون أن مُحمداً لا يستحقُ أن يُعطى النبوة والرسالة ويُختم بهِ الأنبياء فالله جل وعلا كيف رد عليهم ؟
قال( وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجُلٍ من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك ) هذا استفهام إنكاري ثم قال بعدها ( نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا )
الآن هم هؤلاء القائلون بهذا القول يعترفون أن الذي وزّع الأرزاق وقسّمها هو من ؟ هو الله .
القرشيون مؤمنون أن الذي قسّم الأرزاق وجعل هذا غنياً وهذا فقيراً وهذا حُراً وهذا عبداً وهذا خادماً وهذا مخدوم وهذا سيداً وهذت تابعاً يؤمنون أن الذي يفعل هذا هو الله ويؤمنون أن الأرزاق من الله فالله يقول لهم ( نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا ).
فإذا كان الله جل وعلا ــ هذا المقصود من الآية ــ مسائل الرفق العادي لم يكلها إليكم فكيف يكل إليكم تقسيم النبوة فهمتُم .
إعطاء النبوة أعظم من إعطاء الأرزاق وقسمة النبوة بين الخلق أعظم من قسمة المعيشة فالله يقول لهم أنتم مقرون أن الأرزاق إنّما قسّمها بينكم هو الله فكيف يُعقل أن تنسبُ إلى الله وتُطالبُ بشيءٍ لا يُمكن أن تنالوه فإذا كان الله لم يكل إلى أحدٍ من خلقهِ أن يُقسّم أرزاق الناس طعاماً وشراباً وإيواءً وسُكنى فكيف يكلُ الله إلى غيرهِ أن يُقسّم النبوة والنبوة أعظم من أرزاق الناس واضح .
( نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ )
كما هو ظاهر اختلاف المال .
(ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا)(44/12)
سُخرياً هذي بمعنى الخدمة مبرأة من الاستهزاء مبرأة من ماذا ؟ من الاستهزاء .
يعني المقصود أن الله جل وعلا جعل الناس بعضهم لبعضٍ خدم حتى تقوم الحياة فما تُحسنهُ أنت لا يُحسنهُ غيرك وما يُحسنهُ غيرك لا تُحسنهُ أنت لكن تأمل قول الله (نحنُ قسمنا بينهُم معيشتهُم في الحياة الدُنيا) نبه الأدنى على الأعلى نبه بالأدنى على الأعلى .
(ليتخذ بعضهُم بعضاً سُخريا)
ثم قال الله ( ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون )
أختلف العلماء في معنى الرحمة هنا والذي أراه والعلم عند الله أن المقصود بها الجنة لأنهُ لا يظهر الفرق بين رحمة الله وما يجمعون إلا إذا كان شيءٌ خالد وشيءٌ غيرُ خالد والجنةُ نعيمُها خالد بخلاف متاع الدُنيا فإنهُ مهما عظم فإنهُ غيرُ خالد.
فيُصبح معنى قول الله( ورحمتُ ربك خيرٌ مّمّا يجمعون ) يعودُ على الجنة في أظهر أقول العُلماء .
قبل أن ننتقل للوقفة التي بعدها نسأل عن مسألة معاني كلمة أُم في القرآن ؟
حاول لا تقرأ لا تُراجع راجع ذهنياً حتى لو ما تُجيب ترى هذا العلم يعني حاول تعني بهِ
تفضل .. من الضئر ؟المُرضعة ،، أُم القرى ما هي ؟مكة .
مُقابل للأب الوالدة ،، زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كلكم بدأتُم بالأسهل ،
أصلُ الشيء ( وهُنّ أُم الكتاب ) أحسنت
،، المصير والمآل ( فأمهُ هاوية )على قول هذا .
وقلنا إن الضرب في اللُغة ما هو يأتي على معانٍ منها ::
..... لا هذا في القرآن الآن أنا أتكلم في اللغة النوع وقُلنا غير النوع صح النوع،،
قليلُ اللحم مثلُك يعني الرجل القليل اللحم، قال طرفة :
أنا الرجلُ الضربُ الذي تعرفونني
خشاشٌ كرأس الحية المتوقدِ
وطرفة أحد شُعراء الجاهليين وقُلنا يُستشهد بقولهِ مات صغيراً كم عمرهُ؟ 28 ، 26 .
من غيرهُ من شعراء الجاهلية ؟
عنترة مطلعُ مُعلّقتهِ ؟:
هل غادر الشُعراء من مُتردمٍ
أم هل عرفت الدار بعد توهمِ
أين كان يسكن ؟ في الجُو القصيم حالياً يعني عين الجوى يقول :(44/13)
هل غادر الشُعراء من مُتردمٍ
أم هل عرفت الدار بعد توهمِ
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمِ صباحٍ دار عبلة واسلمي
غيرهُ ؟
أمرؤ القيس ، مطلع مُعلقتهِ ؟
قفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسقطِ اللوا بين الدخُولِ فحوملِ
غيرهُ؟
أنا أتكلم عن المُعلّقات لبيد ابن ربيعة ، ما الذي يمتاز بهِ لبيد عن بقية شعراء المعلّقات ؟
أدرك الإسلام فأسلم
الحمدُ للهِ الذي لم يأتني أجلي
حتى أكتسيتُ من الإسلامِ سربالا
عُمّر طويلاً يقولون أنهُ وصل إلى 140 عام أو أقل أو أكثر المُهم جاوز المئة حتى ملّ
أنت الحين تخرُج المسجد يُقابلك واحد يجي يسلم عليك أول كلمة يقولها كيف حالك ؟ صح هو طفش من كلمة كيف حالك يقول:
ولقد سأمتُ من الحياة وطولها
وسؤال هذا الناس كيف لبيدُ
ومُعلّقتهُ أقوى المُعلّقات لُغةً نعود يكفي هذا منهُم الأعشى ، ومنهم غيرُ ذالك نكتفي بهِ ونأخُذ وقفةً أُخرى
نعم يا عبد المجيد
الوقفة السادسة :.
مع قول الله تعالى ( ولنّ ينفعكُم اليوم إذ ظلمتُم أنّكُم في العذاب مُشتركون )
حيث تُعنى الوقفة ببيان أحول النار أعاذنا الله منها .
النار هي الخزيُ الأعظم وما فرّ هارب من شيءٍ مثل النار وكلُ بلاء دون النار فهو ماذا ؟ عافية لأن الخزي الأكبر في النار .
هنا الله جل وعلا يُنكل بأهل النار قائلاً : ( ومن يعشُ عن ذكر الحمن نُقيض لهُ شيطاناً فهو لهُ قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهُم مُهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين )
ثم قال الله : (ولنّ ينفعكُم اليوم إذ ظلمتُم أنّكُم في العذاب مُشتركون )
المقصود من الآية أن أهل النار عياذاً بالله محرومون حتى من التأسي .
ما معنى التأسي ؟(44/14)
التأسي والتسلي أن يرى الإنسانُ مُصيبة غيرهِ فيتعزى بها عن مُصيبتهِ وهذا من أعظم ما يُهوّن مصائب الدُنيا وأيُ أحدٍ في الدُنيا لديهِ مُصيبة أو أراد أن يرى أحداً أعظم منهُ لوجد ، أو أحداً نظيراً لهُ في مُصيبته لوجد تقول الخنساء وقد فقدت أخاها صخراً :
يُذكّرني طلوع الشمس صخرا
وأذكرهُ لكُل مغيب شمسِ
ولولا كثرةُ الباكين حولي
على إخوانهم لقتلتُ نفسي
ولا يبكون مثل أخي ولكن
أُسلي النفس عنهُ بالتأسي
فمن أعظم ما يُخفف المصائب التأسي أن الإنسان يتذكر أن مثلُ هذهِ المُصيبة لكنّ الله جل وعلا حتى هذا النوع يحرمُ أهل النار منه فلا يجدون تأسيه قال الله : (ولنّ ينفعكُم اليوم إذ ظلمتُم أنّكُم في العذاب مُشتركون ) .
مع أن الاشتراك في المُصيبة ينفع في الدُنيا أو لا ينفع ؟
ينفع لكنّ عذاب الآخرة عياذاً بالله لو أشترك فيهِ أهلُ الأرض جميعاً لا ينفع إذاً ما المعنى والمقصُودُ من الآية ؟
نفي وجود التأسي في أهل النار .
نعم
الوقفة الأخيرة :.
مع قولهِ تعالى ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منهُ يصدّون )
حيث تُعنى الوقفة بما يلي :
أولاً :بيانُ ضارب المثل.
ثانياً : الجمعُ بين الإفراد والجمعِ في الآيةِ التي بعدها .
ثالثاً : إظهارُ المعنى الأرجح لقولهِ سُبحانهِ ( وإنّهُ لعلمٌ لساعة فلا تمترُنّ بها ).
(واتّبعونِ هذا صراطٌ مُستقيم).
هذه الآيات نختم بها وهي هامةٌ جداً في أن تتصورها علمياً لا يمكن فهم القرآن بغير السُنة بغير السيرة ،
سورة الزخرف قُلنا إنّها سورة مكية من السور المكية سورة مريم وسورة مريم فيها ثناءٌ على من ؟ على عيسى.
أُعيد
من السور المكية سورة الزخرف و من السور المكية سورة مريم و فيها ثناءٌ على عيسى وإخبارٌ أنّ النصارى عبدة من ؟ عبدة عيسى مع ثناء الله على عيسى واضح .
من السور المكية سورة الأنبياء قال الله في الأنبياء ( إنّكُم وما تعبُدون من دون اللهِ حصبُ جهنّم أنتُم لها واردون )(44/15)
كان هناك صراع ما بين النبي صلى الله علية وسلم والملأ من قُريش فذات مرة كان هُناك رجلٌ قرشي اسمهُ عبدُ الله ابنُ الزُبعرا عبدُ الله هذا أسلم بعد ذالك ــ يعني حتى لا أحد يقع فيه ــ أسلم بعد ذالك لكنّهُ قبل إسلامهِ كان بليغاً فصيحاً رجُلٌ ذو جدل فجلس مع المكيين فالمكيون يقولون إنّ مُحمد صلى الله عليه وسلم يقول ( إنّكُم وما تعبُدون من دون اللهِ حصبُ جهنّم) فقال لقُريش الوليد وأبي جهل قال سكتُّم ؟ قالوا سكتنا ، قال لا تعرفون تردون قالوا كيف نرُد !، قال مُحمد ألم يُثني على عيسى قالوا نعم ، قال مُحمد يقول إنّ الآلهة ومن يعبُدها في النار نحنُ نرضى أن نكون مع ألهتنا في النار إذا كان عيسى مع من يعبُدهُ أين ؟ في النار فيكفينا فخراً بكلامهِ أن نكون نحنُ وألهتنا والنصارى وعيسى في النار وكلامُ مُحمدٍ مُتناقض ـ هذا كلامهُ هو ــ يقول لكم إنّ عيسى نبي ومُرسل ومُصدّق ويقول في نفس الوقت إنّ عيسى في النار ففرح القُرشيون بكلامهِ وضجّوا .
الآية فيها قراءتان :
قال الله تعالى : ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منهُ يصِدّون ) بالكسر ( ويصُدّون ) الضم معناها يضجّون بالحديث .
فإذا قُلنا أن الآية بقراءة ( يصُدّون ) أصبحت منه أي بسببه .
وإذا قلنا (يصِدّون) بالكسر تُصبح منه هنا أي عنهُ أي يُعرضون عنه .
نعود
لمّا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا وفرح القُرشيون أنزل اللهُ جل وعلا قولهُ : ( إنّ الذين سبقت لهُم منّا الحُسنى أُولئك عنها مُبعدون ) مع أنهُ ليس لعبد الله ابن الزبعرا حُجّة فيما قال لأن الآية لأن تتكلم عن غير العاقل ( إنّكُم وما تعبُدون) .
نأتي الآن للآية
الله يقول ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً ) من الذي ضرب المثل ؟
عبد الله ابن الزبعرا السهمي ضرب المثل بعيسى .
قال الله (إذا قومك منهُ يصدّون )
أي يضجّون يصدون أي يُعرضون عنك .(44/16)
( وقالوا ) أي في مثلهِم ( أألهتُنا خيرٌ أم هو ) يعني نقبل أن يكون ألهتُنا مثلُ عيسى في الحال قال الله ( ما ضربُوه لك إلا جدلاً ) لأنهُ لا يقوم حُجّة لأن (ما) في قول الله تعالى (إنّكُم وما تعبُدون من دون اللهِ) تدلُ على غير ماذا ؟ على غير العاقل .
لكن يبقى إشكال أين الإشكال ؟
الإشكال إنّ الله قال ( ما ضربُوه ) والواو واو الجماعة ونحنُ قُلنا أن اللي ضرب المثال من ؟ واحد هو عبدالله ابنُ الزبعرا ، كيف الجمع الجمع أن يُقال هناك أمران :
الأمر الأول :
أن العرب جرى في كلامها أنها تُطلقُ الفرد وتُريدُ الجماعة وتُطلقُ الجماعة وتُريد الفرد عندما نقول أن العرب في كلامها تُطلقُ الجماعة وتُريدُ الفرد لابُد من ماذا ؟ لابُد من مثال
لمّا يأتي إنسان يجلس على كُرسي ويقول هذا أسلوب العرب في كلامهم وكُل ما مرّت آية أسلوب العرب في كلامها هذا ما يكفي يأتيك طالب يقول أين الدليل ؟ لأن العلم لا يقوم على العاطفة .
العرب تُطلقُ الجمع وتُريدُ الفرد قال قائلهم :
بسيف بني عبسٍ وقد ضربوا بهِ
نبا بيدي ورقاء عن رأس خالدِ
معنى البيت : كان هناك رجُل اسمهُ ورقاء ابنُ زُهير جاء رجلٌ اسمهُ خالد فقتل زُهيراً ووالدُ من ؟ والدُ الرجُل الذي اسمهُ ورقاء فغضبت قبيلتهُ بنو عبس فجاء ورقاء هذا ينتقم لأبيه وأخذ السيف وهو رجُل واحد وأراد أن يضرب خالداً لكنّ السيف نبأ ، ما معنى نبأ ؟ أخطأ لم يُصب والعربُ تقولُ لكُل سيفٍ ما أحسن أدبكُم لكُل سيفٍ نبوة و عالمٍ هفوة ولكُل صديقٍ جفوة ولكُل جوادٍ كبوة .
فالجواد إذا عثر قال كبا والصديق إذا بعُد يُقال جفا والسيف إذا لم يُصب يُقال نبأ والعالم إذا أخطأ يُقال هفا ولا يسلم أحدٌ من ذالك .
نعود
معنى القضية :هذا يُريد أن يسخر من بني عبس فجمع ما بين الأمرين الذين يُريد إثباتهُما في القصة قال :
بسيف بني عبسٍ وقد ضربوا بهِ
تكلم عن الجماعة ثم أفرد قال :بيدي ورقاء ورقاء رجلٌ واحد .(44/17)
نبا بيدي ورقاء عن رأس خالدِ
يعني ما أصاب رأس خالد فهذا من الأدلة على أن العرب تذكرُ الجمع وتُريد بهِ الإفراد .
والأمر الثاني:
قُلنا إنّ العرب تفعل هذا أن الإنسان إذا أيد قولاً يُصبح كالمُشارك فيهِ والجاهليون فرحوا بقول عبدالله ابن الزبعرا فكانوا شُركاء معهُ في القول قال اللهُ جل وعلا ( إن انبعث أشقاها ) وقال ( فعقرُوها ) فذكر فرداً وذكر جماعة لأنهُم كانوا راضين عن صنيع من عقر الناقة واضح.
الذي ضرب المثل هو عبدُ الله ابن الزبعرا قال الله ( ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منهُ يصِدّون ) ( وقالوا أألهتُنا خيرٌ أم هو ما ضربُوه لك إلا جدلاً بل هُم قومٌ خصمون)
ثم قال الله بعدها بآيتين :
( وإنّهُ لعِلمٌ لساعة) وفي قراءة ( وإنّهُ لعَلَمٌ لساعة ) وفي قراءة(إنّهُ لعِلم ) المشهورة عندنا
( وإنّهُ) الضمير في أنهُ يعود على ماذا ؟ يعود على عيسى هذا أرجح الأقوال ولا ينبغي أن يُقال بغيرهِ وإن كان بعضُ العُلماء قال بغيرهِ لكنّهُ بعيد جداً فنُبقيه على عيسى .
( وإنّهُ لعِلمٌ لساعة) يحتملُ معنيين :
// الجمهور على أن معنى ( وإنّهُ لعِلمٌ لساعة) أي أنهُ أمارة وعلامة من علامات الساعة أي نزول عيسى علامة من علامات الساعة وهذا يُؤيدهُ القرآن وتُؤيدهُ السُنة .
// وقال آخرون وهو منسوبٌ أظنّهُ لمُجاهد أو لغيرهِ لكنّهُ بعيد قال أن المعنى قُدرة عيسى على إحياء الموتى دلالة على قُدرة الله في إحياء الناس لأن الذي أعطى عيسى القُدرة هو من ؟ هو الله لكنّ هذا القول قُلنا بهِ لأن بعضُ العُلماء قال بهِ لكنّهُ بعيد والصواب أنهُ أمارة من أمارات الساعة .
الآن أُعيد
قُلنا ضاربُ المثل واحد وحكاهُ الله عن الجماعة وهذا يتأتى لكم سبب ؟
لسببين لهُ شواهد من أمرين الشاهد الأول : أن من أساليب العرب أن تُطلق الفعل على الجماعة وتُريد بهِ الفرد.
والأمر الثاني أن من كان موافقاً لقول يُعدُ مُشاركاً فيهِ .(44/18)
هذا ما تيسّر وقفة علمية إذا كان هُناك أسئلة يا شيخنا يوسف لا بأس **
أحسن اللهُ إليك وكتب الله أجرك ورفع اللهُ قدرك يا شيخ كثير من الأسئلة يا شيخ تسأل بما أنّ الدرس علمي يسألون عن طريقة طلب العلم وخاصةً في اللُغة العربية وفي التفسير ويسأل كثير من الأخوة عن دروس الشيخ فدروس الشيخ موجودة في مُنتدى محاسن التأويل وأيضاً مُنتدى نورين موجودة الدروس التي ألقاها الشيخ
فهذا سؤال شيخ يقول أحدُ الأخوة أنا شابٌ جديد على الزواج لأنني بعد الزواج تركت الدروس العلمية فما نصيحتكم لي في الطالب ؟؟
هذا يتصل أفضل هذا سؤال شخصي يعني قد لا يهم الجميع وقد يكون لشاب يعني ظرفٌ مُعين يُعالج إذا عرفناه، أما قضية الطلب الطلب يحتاجُ إلى شيءٍ من التعب لكن إذا كان هُناك في الدرس يعني أُناس جادون في طالب التفسير فمن هذا اليوم يقتنون كُتباً سأقولها يقرأونها بشغف كثيراً ويًُحررون منها مسائل {{ البرهان في علوم القرآن لزركشي }}
{{ المُحرّر الوجيز لأبن عطية }} هذا تفسير
{{ شرح المُعلّقات السبع لزوزني }}
قدر الإمكان يقرأ في كتاب الشنقيطي رحمةُ الله تعالى عليهِ {{ أضواء البيان للشنقيطي }}
خمسّ{{ بتفسير ابن كثير }}
نبدأ بهذهِ الخمس ست أشهُر بعد ست أشهُر نتكلم عن مرحلة ثانية في الطلب إنّ شاء الله تعالى .
أحسن الله إليك يقول ما تفسير قول الله عز وجل ( ليس لك من الأمر شيء )؟؟؟
إي نعم الأمر كلهُ للهِ إلا ما أعطاهُ لنبيهِ وليس لأحدٍ من الأمر إلا ما أعطاهُ الهُ إياها .
أحسن الله إليك هذا السؤال الأخير لأني أعرف أن الشيخ مشغول ورآه برنامج ولكن يقول هذا يا شيخ كما تعلم أنهُ سيُقام مُلتقى بعنوان سفينة النجاة في نهاية هذا الأسبوع يوم الجُمعة وكم يحتاج الإنسان المُستقيم مثل هذهِ المواضيع يا شيخ كلمة تُوجههُا للشباب في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشايخ هذا الزمان؟؟؟(44/19)
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لا يخفى على أمثالكُم أنهُ شعيرة عظيمة بها قوامُ الدين ويحتاجُ إلى أُمور :
أولها : القناعة بأنه حاجةُ الناس إلى هذا.
ثُم الطريقة المُثلى في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر .
الحماس وحدهُ لا يكفي بل لا ينبغي لوحدهِ لابُد أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المٌُنكر مصحوباً بالعلم والذي فهمتهُ من الشيخ يوسف وفقهُ الله أن هناك عُلماء أفاضل سيُشاركون في هذا تجدون عندهم إن شاء الله الخير العميم .
بس أنا أُريد أن أخرُج من المسجد قبل أن يُؤذّن حتى لا أدخُل في النهي ترى يعلم الله أنهُ يُشرفني أن تحضرُوا لي ويُشرفني أن أُلقي درساً عليكُم ويُشرفني أن أُسلّم عليكم لكن أنا عندي برنامج في القناة وأُريد أن أنصرف سريعاً و إلاّ والله فخرٌ لمثلي أن يُسلّم ويُصافح أمثالكُم ثم إن النهي شرعاً الخروج من المسجد بعد الأذان فأنا أُريد أن أنصرف قبل أن يُؤذن حتى لا أستطيعُ بعد ذالك أن أُخالف الشرع وأمشي ..(44/20)
(تأملات في سورة الجن)
الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا،وصرفهم كيفما شاء عزة واقتدارا،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له لارب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هداه، أما بعد:أقول قبل الشروع في درس الليلة إن المحاضر في مثل هذه الدروس العلميه يتنازعه في الغالب أمران:ـ
الأمر الأول:ـ الجنوح إلى الوعظ.
الأمرالثاني:ـ الإبقاء على محظية الدرس العلمي.
وتفصيلا للقول يقال إنه لايمكن الفرق التام والانفكاك مابين الوعظ والعلم لأنه لايحسن أن يعظ الناس من ليس بعالم،لكن كذلك إذا كان الدرس العلمي يغلب عليه الوعظ الذي يخاطب به معشر العصاة غالبا فهذا يحرم طالب العلم من النتف العلمية والفوائد التي جاء من أجلها في المقام الأول ومن حسن الصنيع الذي قام به المشايخ الفضلاء القائمون على هذه الدورة أنهم زاوجوا مابين الدروس العلميه ومابين إقامة محاضرات عامه، مابين أسبوع وآخر يتخللها وعظ ، فهذا التخلل الوعظي يخفف الوطأ عن الشيخ المحاضر في الدرس العلمي، فالفضلاء من الأخيار الذين كلمونا وأرادوا أن نكثر من جانب الوعظ نرجوا أن يعذرونا في أننا المقام الأول مقام درس علمي فعلى هذا إن لم يكن في درس الليله شيء من الوعظ نرجوا أن نكون قد قدمنا شيئا من العذر لأنفسنا، هذا الأمر الأول .(45/1)
الأمر الثاني:ـ كنت قد أزمعت البارحه أن يكون درس الليلة خاصا بتفسيري سورتي الواقعه والحديد،لكننا أرجئنا هذا خوفا من أن الوقت لايكفي لتفسير السورتين وتفسير أحدهما يعني أننا لم نكمل الجزء ولأجل ذلك أرجئنا تفسيرهما أي الواقعه والحديد إلى وقت آخر، وسنشرع الليلة إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الجن وأخترنا سورة الجن لأنه قد وصلتنا بعض الرسائل من الطلاب تطلب أن نفسر سورة الجن لأن البعض يرى أن فيها شيئا من الغموض أو أن بعضهم يرى أنها سورة جرت العاده أنه لم يسمع تفسيرها.... إذن فدرس الليلة إن شاء الله تعالى خاص بسورة الجن. مما يساعد على هذا أن سورة الواقعه مثلا قريبة معنى من سورة الرحمن فقد ذكر الله جل وعلا في سورة الرحمن أصحاب الجنان وكذلك ذكر في سورة الواقعة المقربين وأصحاب اليمين وعلى هذا سنشرع إن شاء الله تعالى في سورة الجن من باب الإلمام العام بالسورة قدر الإمكان.قال الله تعالى"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم""بسم الله الرحمن الرحيم"(قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءآنا عجبا*يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا*وأنه تعالى جد ربنا مااتخذ صاحبة ولا ولدا) توضيحاً للصورة يقال:جمهور المفسرين على أن هذه الأيات أو سورة الجن:سورة مكية نزلت بعد سورة الأعراف ومناسبتها أو مايتعلق الحديث بها/أن نبيكم صلى الله عليه وسلم خرج إلى الطائف فبعض الروايات تقول: أنها جاءت وهو الأظهر في منقلبه عليه الصلاة والسلام من الطائف وفيها ما يقول أنه خارجا عامدا مع نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ يقرأ القرآن فصلى صلى الله عليه وسلم الفجر أو قام الليل أيا كان الأمر أنه كان يقرأ القرآن فلما قرأ القرآن كانت الجن من قبل لها مقاعد في السماء من خلال هذه المقاعد تسترق السمع فلما تسترق السمع تسمع الكلمه الحق فتزيدها من الباطل أضعافا مضاعفه ثم تعطيها الكهنه من الإنس فهذا نوع من التعامل ما بين الجن(45/2)
وكهنه الإنس فتعودوا الجن على هذا وكانوا يرجمون لكنه رجماً يسيراً قال الله جل وعلا:ـ لما ذكر في سورة تبارك عن النجوم : قال:(رجوماً للشياطين) فكانوا يسترقون السمع فينالون حظاً ويعطونه الكهنه فبينما هم في أيام بعثته الأولى صلى الله عليه وسلم يسترقون السمع وجدوا أنهم حيل بينهم وبين خبر السماء فعلموا فطنة أن هناك شيء وقع أوسيقع فأخذوا يتساءلون فتقسموا فرق كل فرقة تبحث عن السبب الذي من أجله حيل بينهم وبين خبر السماء فالفرقه التي جاءت في وادي نخله رأت النبي صلى الله عليه يقرأ القرآن سمعته وهو يقرأ القرآن فاستمعوا إليه صلى الله عليه وسلم فلما استمعوا إليه كتب الله لهم الإيمان باستماعهم لقراءة نبينا صلوات الله وسلامه عليه فلما وقع هذا القرآن فيهم موقعاًعظيما وهذا يدل ولا حاجه للتأكيد لأنه مرمعنا كثيراً على عظم القرآن أنه حتى الجن الذين خلقوا من نار السموم تفطرت قلوبهم لما سمعوا كلام رب العزة جلاله وأجمل شيء أنهم سمعوه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعت حلاوة التلاوة مع عظمة التنزيل فلما قدموا إليه اجتمعوا الجن بعضهم على بعض ينادي بعضهم بعضاً في أظهر الأقوال يجتمعون يستمعون القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ثم لما فرغ عليه الصلاة والسلام من القراءه انصرفوا يدعون قومهم إلى دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا قاله الله في سورة الأحقاف:( وإذصرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرءآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين* قالواياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم* يا قومنا أجيبوا داعي...) فقاموا بالدعوة هؤلاء مؤمنوا الجن الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم حدث ذلك كله ياأخي والنبي صلى الله عليه وسلم على ماتدل عليه ظاهر الآية لم يرهم،فلما لم يرهم وانصرفوا وهو عليه الصلاة والسلام بشر لايعلم الغيب أوحى(45/3)
الله إليه بعد انصرافهم أن الجن استمعت إليه وهذا الوحي من الله جاء مرتين المرة الأولى في قوله جل وعلا:(وإذصرفنا إليك نفراً من الجن) والمرة الثانيه قوله تبارك وتعالى:(قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءاناً عجباً) هذا المقصود والمدخل لسورة الجن هذا أصل القصة ومبناها ومعنى قول ربنا تبارك وتعالى:( وإذصرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القران) سندخل الآن في مفهوم السوره عموماً سنقططف مايمكن الفائده منها..
الفائده الأولى:ـ أن الجن موجدون وفي هذا رد لمن أنكر وجودالجن من الملاحده أو بعض الفلاسفه ة والدليل على وجودهم ظاهر بين ماحكاه الله جل وعلا عنهم أنهم يستمعون القرآن وأن الله صرفهم لاستماع القرآن إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وأن الله خاطبهم بالقرآن في قوله تعالى :ـ (فبأي ألاء ربكما تكذبان ).(45/4)
الفائده الثانيه:ـ حفظ الله لوحي نبيه صلوات الله وسلامه عليه فإن هذا الوحي الذي أنزل على خير نبي صلوات الله وسلامه عليه كان من ارهاصاته العظمى أن مقاعد الجن التي كانت لهم في السماء حبسوا وحيل بينهم وبينها قالت الجن :(وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) فقولهم (يستمع الآن ) يدل على أن الوقتين متغايران ففي الأول كان بإمكانهم أن يسمعون أمابعد بعثته صلى الله عليه وسلم فقد حيل بينهم وبين السماع (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) وهذا من عناية الله تبارك وتعالى برسولنا صلوات الله وسلامه عليه.دلت السورة جمله على أن الجن منهم مؤمنون ومنهم كفار ودليلها من السورة نفسها(أنهم قالوا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا) طرائق قددا:ـ كلمة طريق إذا جمعتها وأنت تقصد الطريق المعبد الذي تمشي عليه اجمعها على كلمة (طرق) وإن جمعتها وأنت تقصد الطريق المعنوي (طريق الخير،طريق الشر،طريق الهدى،طريق الضلاله) فاجمعها على كلمة(طرائق) وهنا قالت الجن(كنا طرائق قددا)أي جماعات وأهواء وأحزاب وفرق وملل ونحل متفرقه ولايسلم منها إلا فرقه واحدة من أرادت الحق(وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك)وكل أمه فيها صالحون وفيها غير صالحين تتفاوت أحوالهم و درجاتهم ومكانهم عند الرب تبارك وتعالى.الفائده الرابعه:ـ العرب في لسانها تسمي الجن على خمسة أشياء:ـ قبل الشروع في هذه الخمسه،الجن يسمون جن لاستتارهم بمعنى أنهم لايرون بالعين والجذر اللغوي لكلمة(جن) يدل على الاستتار ولذلك يسمى الطفل في بطن أمه عندما لا يُرى يسمى"جنين"وجنة عدن أدخلنا الله وإياكم لم نراها تسما جنه والله قال عن خليله إبراهيم:(فلما جن عليه الليل رءا كوكبا) يعني أظلم عليه الليل ولم يعد يرى. فالجن مأخوذ اسمهم من هذه الماده لأنهم لا يرون بالعين بقدرة الله (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) ثم اختلف في أصلهم مع الإتفاق على أن(45/5)
الجن مخلوقون من نار وأقدم خلقا الجن بنص القرآن (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) أي من قبل خلقكم فلما قطعت الإضافه بني قبل على الضم الذي يعنينا هذه الأمر الثالث/ العرب قلت في لسانها تسمي الجن بخمسة أسماء:ـ إذا كان جني خالص يعني لا يقصدون وصفه يقولون له/جني مثل مايقال إنسان دون وصف.
*فإذاهذا الجني سكن البيوت يسمى/عامر."أن يعمر البيوت على شكل حيايا أوشكل عقارب أو على أي هيئة أخرى ويجمع على عُمّار.
*إذا تعرض للصبيان وأفزعهم تسميه العرب "أرواح"
*فإذا كان ذا خبث وقوة وتمرد وأخذ يضل أسموه "شيطان"
*فاذا زادت قوته الشيطانية أسموه "عفريت".أما كلمة"مارد" هذه وصف تأتي إما للعفريت أو الشيطان. هذه قالها الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى.وابن عبد البر إمام مالكي شهير،وهو من أكثر علماء الأمة قدرا، وله كتابان في العلم شهيران جدا:
1/التمهيد.
2/الاستيعاب.(45/6)
وله الإستذكار لكن هذه من أشهر كتبه رحمه الله تعالى نعود إلى الدرس/ وهذه العوامر الذين يسكنون البيوت جاء في موطأ مالك بسند صحيح أن رجلا من الصحابه كان حديث عهد بعرس ــ شاب حديث عهد بالزواج ــ فخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في جهة الخندق ما يسمى اليوم بالسبع المساجد كانوا هناك فكان يستأذن من النبي عليه الصلاة والسلام يرجع إلى بيته ولا يرابط في الخندق لأنه حديث عهد بعرس فستأذن ذات مره ورجع فوجد زوجته خارج البيت فأصابته الغيره فسل السيف فشارت إليه أن ادخل الدار فدخل الدار فلما دخل الدار وجد حيه عظيمه قد التفت على فراشه مطويه على فراشه فأخرج رمحا أو سيفا أيا كانت الروايه لا تفرق فضربها به قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه راوي الحديث قال: فلا يدرى أيهما أسبق موتا ماتت الحيه ومات الشاب في نفس الوقت فلما علم صلى الله عليه وسلم قال:(إن في المدينه عُمَّاراً) أي إخوان لكم من الجن يعمرونها وشرع لهم صلى الله عليه وسلم التحريج أي أن يحرج على الجني إذا وجد في البيت أو غلب على الظن أنه موجود يحرج عليه أن يخرج ثلاثا ثم بعد ذلك إن لم يخرج يمكن قتله .المقصود من هذا قضية الجن والعُمَّار ثم اختلف العلماء في قضية أصل الجن فالأكثرون واختاره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله :على أن الجن من نسل الشيطان من نسل إبليس والإنس من نسل آدم أما كون الإنس من نسل آدم فهذا لا نزاع فيه لكن النزاع هل الجان من نسل إبليس أولا على قولين: والأشهر والذي عليه الجمهور واختاره شيخ الإسلام ابن تيميه/ أنهم من نسل إبليس وإبليس نفسه اختلف فيه هل هو من الملائكه أو هو من الجن والقرآن يدل صراحة على أنه من الجن قال الله تعالى في سورة الكهف (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) فالذين قالوا أنه من الملائكه كيف يردون على هذا؟ الله يقول(إلا إبليس كان من الجن(45/7)
ففسق عن أمر ربه) لكن لما يأتي عالم ويقول كانوا من الملائكه فنقول له الله يقول (كان من الجن) هو يستطيع أن يرد وهذا هو العلم وقلنا إن العلم ثلاثة أقسام:1/ منزل 2/ومبدل 3/ومؤول .وقلت إن مضمار العلماء الذي يجرون فيه هو العلم المؤول (إلاإبليس كان من الجن)أنا قلت أن الجن بمعنى الاستتار وهم هؤلاء ماذا أجابوا؟ قالوا: إن الجن هنا المقصود بها الملائكه أين الدليل؟ على أن كلمة جن تطلق على الملائكه وهذا العلم تتدرج... (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنه إنهم لمحضرون) والجنه هنا الملائكه لأن العرب ماقالت أنه فيه بين الله وبين الجن الأرضين نسبه قالوا إن النسبه بين الملائكه نسبوا لله البنات قالوا: إن الملائكه بنات الله فالنسبه التي وضعتها العرب نسبة البنات عياذا بالله" نسبة الملائكه بنات الله" (...ليسمون الملائكه تسمية الأنثى) قال الله تعالى (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا)الجنه هنا بمعنى/ الملائكه فالذين قالوا إن إبليس الآيه(إلا إبليس كان من الجن)قالوا إن الجن تطلق على الملائكه والدليل من القرآن نفسه لماذا أنا أقول هذا حتى إذا سمعت قولا لأحد العلماء لا تسارع في ذمه حتى تعلم دليله ول اتستعجل في الحكم فأنت يظهر لك العلم من وجه ويظهر للعالم من وجه آخر وهذا الذي ينبغي لطالب العلم أن يعرفه وأنا أعيد قصه أقولها مرارا تربيه لطلاب قلنا إن أباحنيفه رحمه الله كان له تلاميذ فكان كل فتره يعطي أحد التلاميذ إذناً أن يدرس يقول قم يافلان درس قم أنت ....قم أنت ...كان له تلميذ من أنجب طلابه يسمى أبو يوسف قاضي القضاه رحمه الله فيما بعد هذا أبويوسف كان يجلس في الحلقه وكان أفضل ممن يأذن لهم أبوحنيفه فكان يتعجب كيف أن الإمام يأذن لغيره أن يدرس ولا يأذن له ذات يوم مرض أبويوسف هذا فزاره أبوحنيفه في بيته فوافقت زيارة أبي حنيفه أن أبايوسف كان مريض جدا فغلب الظن عند أبي حنيفه أنا أبايوسف سيموت فلما خرج قال(45/8)
أبوحنيفه للطلاب: لئن مات أبايوسف ليفقدن العلم أحد رجالاته والله لقد كنت أعده للناس من بعدي فرجع الطلاب وقالوا إن الإمام قال... فلما برئ أبويوسف جلس أبوحنيفه في الحلقه فقال مافعل الله بأبي يوسف قالوا :يا أباحنيفه برئ قال:أين هو قالوا:فتح حلقه لماذا فتح حلقه؟لأن الإمام قال:إنني أعده للناس من بعدي وجلس يدرس هنا أراد أبوحنيفه أن يؤدبه ويبين له العلم فأنا جئت بها لأقول:إن العلم"الدليل" تنظر له من عدة زوايا.فقال أبوحنيفه لرجل من الطلاب اذهب إلى أبايوسف وقل له إن رجلا أخذ ثوبه وأعطاه الغسال ليغسله له فلما رجع ليأخذ الثوب أنكر الغسال أنه أخذ ثوبا قال:أنت ماجئتني ولاأعرفك ولم يكن عند صاحب الثوب دليل فخرج ثم إن الغسال بعد فتره بعد أسبوع... أسبوعين... بتعبير الناس اليوم (التزم) فأراد أن يرد الثوب لصاحبه فأبوحنيفه يقول إن الرجل رد الثوب مغسولا لصاحبه فهل له أجره أوليس له أجره؟ وقال للطالب الذي بعثه إن قال لك له أجره قل له أخطأت،وإن قال ليس له أجره قل له أخطأت! فخرج الرجل وذهب إلى أبي يوسف جلس في الحلقه انتهى الدرس بدأت الأسئله قام ورفع يده وقال السؤال؟ فتفكر أبويوسف رحمه الله قليلا ثم قال ليس له أجره قال له: خطأ فتفكر أخرى نعم له أجره فقال الطالب:خطأ.وخرج فلما خرج فطن أبويوسف أن الذي بعثه أبوحنيفه فرجع وجلس في الحلقه مرة ثانيه فأبوحنيفه بدأ الدرس ونظر إليه وقال يا أبويوسف أعادتك إلينا مسألة الغسال ثم انظر فقه أباحنيفه قال له:كان ينبغي لك أن تسأل من سألك إن كان الغسال سرق الثوب قبل أن يغسله يعني نوى سرقته قبل أن يغسله فليس له أجره لأنه عندما غسله غسله لنفسه وإن كان غسل الثوب ثم بعد أن غسله نظر إليه فأعجبه فنوى سرقته فله أجره لأنه غسله لصاحب الثوب ثم قال رحمه الله :شاب لا يحسن مسألة في الإجاره يريد أن يجلس ليعلم المسلمين وقال له: مَثل قد لايحسن قوله في السجد تأديبا له رحمه الله والمقصود(45/9)
من هذا الذي أنا أردته موضع الشاهد من اسرادنا للقصه أنك لاتدري حجة من قال ولذلك قال العلماء كلما كان الإنسان أكثر علما كان أقل انكارا لأنه يعرف أن للمسأله عدة أوجه فيقل انكاره للناس أما الذي لايعرف إلاشيء واحد ينكر كل شيء يراه وأنا لا أتكلم فيما اتفق العلماء على أنه منكر، اتفق في المسائل التي يخوض فيها الناس نرجع إلى سورة الجن دلت السورة كذلك أن المساجد لله وهذه (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) من اليقين أنها من كلام الله التي قالها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وليست من كلام الجن لكن أنت كطالب علم وأنا قلت اليوم سأكد على قضايا علميه غير القضايا الإيمانيه هذا المسجد الذي نحن فيه لو جاءك سائل وقال لك ما اسم هذا المسجد؟ ماذا ستجيب ؟ مسجد "الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ" يقول لك كيف الله يقول (وأن المساجد لله) وأنت تقول مسجد "الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ" الجواب أن يقال/ أن المساجد تضاف لله تشريفا وتضاف لغيره تعريفا أين الدليل من السنه على أن المساجد تضاف لغيره ؟ (مسجدي هذا) و(من أتى مسجد قباء) وفي الصحيح أنه أجرى الخيل من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق فهذا كله على أن المساجد تضاف إلى غير الله لكن كما قلت المساجد تضاف لله تشريفا وتضاف لغيرالله تعريفا قد ذكروا أن هارون الرشيد الخليفة العباسي المعروف غضب يوما على رجل فأقسم بالله أن امرأته طالق إن بات هذا الرجل في ملكه وطبعا خلافة هارون الرشيد كانت خلافة عامرة فأين يذهب هذا كل البلاد بلاد اسلاميه تبع لهارون الرشيد فسأل أحد العلماء أين يبيت هذا وأنا قد حلفت أنه لا يبيت الليلة في ملكي وأنا أملك من المشرق إلى المغرب ـ أيام الخلافه العباسيةـ فأشار إليه أن يبيت الرجل في المسجد لأن الله يقول (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) قال عليه الصلاة والسلام (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)إما أن يبنى القبر أولا ثم(45/10)
يبنى عليه المسجد وإما أن يبنى المسجد ثم يوجد فيه القبر وإما أن يبنى المسجد ولايوجد فيه قبر لكن يصل بتوسعته إلى القبر. نأتي إلى المسألة الأولى :ـ إذا بني القبر أولا فلا يجوز بأي حال من الأحوال بناء مسجد عليه فإن بني مسجد لاتجوز الصلاه فيه لأن الأصل أنه قبر وإن بني مسجد ثم وضع فيه قبر فهذا يختلف بالقدره إن كنت تقدر على إزالة القبر حسب جاهك يجب أن يزال القبر وإن كنت لاتقدر تجوز الصلاه وتركها أولى .الحاله الثالثه :ـ أن يكون هناك مسجد ويوسع حتى يصل إلى قبر فلا يدخل في المسجد دخولا أوليا ولكن يبقى محجوزا كحال قبر نبينا صلى الله عليه وسلم في مسجده فهذا لاشك أن الصلاة في مسجده لايوجد مؤمن يقول أنها لاتجوز وإنما أدخلت حجرات أمهات المؤمنين في عهد الوليد بن عبد الملك على أيام عامله على المدينه عمر بن عبد العزيز . المساجد لله المساجد مكان تعظيم ولايعظم فيها إلا الله .فلايجوز لأحد أن يجعل من المساجد طريقا لتعظيم أحد كائنا من كان ومن تعظيم الله فيها أن يقرأ القرآن والدعاء وذكر الله والصلاة في المقام الأول وحضور الجمعه وحضور الجماعات هذا المعنى الحرفي بقول الله تعالى(وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)وقال عليه الصلاة والسلام كما قلت (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقد شاع في الأمه وللأسف عياذا بالله أنه اتخذت بعض القبور على أنها مساجد فتؤم وتقصد كما تؤم المساجد سأتكلم أنا الآن تاريخيا لن أتكلم في حلال وحرام الحرام واضح .نسمع بالذات في هذه الأيام بما يسمى بالنجف الأشرف النجف أصلا أرض خارجه عن الكوفه.بظاهر الكوفه مثل مانقول الآن الفريش ظاهر المدينه .الكوفه كانت معقل لعلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.ترك العاصمه من المدينه إلى الكوفه وقتل علي رضي الله عنه شهيدا على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي في الكوفه ثم لايوجد ثبت تاريخي يؤكد أين دفن علي رضي الله عنه فيما نعلم(45/11)
لكن من الروايات التي نقلت إحدى الروايات أنه دفن بظاهر الكوفه هذا منقول حتى عند أهل السنة ولم يكن يعلم قبره رضي الله عنه وأرضاه مده من الزمن ثم يقولون إن هارون الرشيد الخليفه العباسي المعروف خرج للصيد وكانت عاصمته بغداد وبغداد في العراق ـ فك الله أسرهاـ فخرج هذا الخليفه فيما يزعمون حتى وصل إلى ظاهر الكوفه وهناك اكتشف قبر علي بظاهر الكوفه في المنطقه التي تسمى النجف.فأخذ يتردد عليه ويزوره ثم بدأ أحفاد علي رضي الله عنه من الأئمه الذين يقال لهم الأئمه في مذهب الشيعه من أحفاده مثل:ـ موسى الكاظم وغيره كجعفر الصادق يدفنون غير بعيد عنه في العراق ثم مع الأيام جاءت دول فيها وزراء يتبنون المذهب الشيعي فبني على القبر قبه ثم بعد ذلك بني مسجد ثم مازال يتطور الأمر تاريخيا بحسب قوة نفوذ الشيعه أو بحسب عدم قوة نفوذهم ثم بني مبنا محاط بالقبر أشبه ببناء البناء الذي بنته الدوله على الحرم المكي فما عند الكعبه الآن مابين الكعبه ومابين المسجد يسمى صحن الكعبه وأنت تذهب إلى مكه تقول أريد أن أصلي في السطح... أريد أن أصلي في الصحن... يقصد بالصحن المسافه التي بين الكعبه ومابين البناء (المسجد)طبعا هذا البناء المسجد لم يكن موجودا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولافي عهد أبي بكر وإنما بني في عهد عمر أول من أحاط المسجد بالبناء عمر. هؤلاء الشيعه بنوا على قبر علي مثل الحائط مثل البناء وجعلوه دورين جعلوا الدور الأعلى يسمى عندهم حوزه علميه يدرسون فيه فأصبحت المنطقه المساحه التي مابين القبر نفسه ومابين البناء المبني أصبحت أرضين... صحن فسموها بالصحن ثم سميت بالصحن الحيدري نسبة إلى علي رضي الله عنه لأن علمياً من أسمائه حيدر وهو القائل يوم خيبر :ـ
أنا الذي سمتني أمي حيدرا(45/12)
أكيلهم .........إلى آخر الأبيات.فالمقصود هذا ماتسمعه الآن تاريخيا بالصحن الحيدري وما يسمى بالنجف ثم جاءت كلمة (الأشرف)اعتقادا منهم أن هذا المكان يشرف بوجود علي رضي الله تعالى عنه فمع الأيام أصبح يسمى (بالنجف الأشرف) طبعا هذا حتى تفقهه إذا سمعت أخبار تفهم ما الوضع بصرف النظر عما يكون الأمريكون عدو ظاهر لاجدال فيه لايفرقون لابين سنه ولاشيعه وليس هذا مجال الكلام.لكن الذي أريد أن أقوله:ـ إن الأصل أن الأمه ينبغي عليها أن توحد ربها ولاتعظم إلاخالقها ولو قدر أن عليا رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا معه مع نبينا صلى الله عليه وسلم لوقدر أنه قام من قبره لكان أول من ينكر هذا الصنيع على قبره .وهذا مقصودنا من قول الله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) ثم قال تعالى (قل إنه لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) اختلف في سبب النزول لكن قبل إن جمعا من الجن أوجمعا من أهل الإشراك قالوا لنبينا صلى الله عليه وسلم اترك الدعوة ونحن نجيرك فقال عليه الصلاة والسلام (قل إنني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا *إلابلاغا من الله ورسالاته)ومعنى الآيه:ـ أنني إذا بلغت رسالة الله يجيرني الله وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الأمانه وأداها على أكمل وجه.واستشهد أصحابه على هذا قال عليه الصلاة والسلام:"أما وإنكم ستسألون عني فما أنتم قائلون؟قالوا: نشهد أنك قد بلغت الرساله وأديت الأمانه "بقي آيه تجاوزناها نسيانا(وأنه تعالى جد ربنا ماتخذ صاحبة ولاولدا)الجد / هنا بمعنى : الجلال والعظمه وهو أحد معانيها ومن معاني الجد الحظ والغنى ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (ولاينفع ذا الجد منك الجد)يعني :ولاينفع ذا الحظ العظيم منك الحظ لأن الأمور بين الله وبين عباده حسب الأعمال الصالحه وقول الله جل وعلا (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا)أي أن الجن تقول إن السفهاء منا كانوا يقولون جورا على الله(وأنا(45/13)
ظننا ألن تقول الإنس والجن على الله كذبا)معناها/ أن هؤلاء المؤمنين من الجن يقولون نحن في السابق كنا نصدق من يقول أن لله صاحبه ولله ولد فلما سمعنا القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم تبين لنا ضلال قومنا ولكن الذي جعلنا في الأول نتبعهم لم نكن نتوقع أن يجرأ أحد على الله وهذا معنى قولهم(وأنا ظننا) والظن هنا بمعنى / العلم (وأنا ظننا ألن تقول الإنس والجن على الله كذبا)أما قولهم (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) رهقا هنا بمعنى /اجتراءا وطغيانا لأن بعض الإنس من العرب كانوا يستغيثون بزعماء الجن فأكبر ذلك في أنفس الجن وتعاظموا وزادوا طغيانا على ماهم فيه وهو أظهر الأقوال في الآيه هذا ماأردت بيانه حول سورة الجن. بقيت الموعظه الخاتمة :(45/14)
أولا:الذين كتبوا بأنهم يحبوننا في الله والذين لم يكتبوا كذلك فأنا والله أشهد الله على حبي لكم جميعا بلا استثناء والله من رحمته بنا وبكم أن جمعنا في بيت من بيوته وهذا فضل عظيم من الرب تبارك وتعالى نسأل الله أن يعيننا على شكر نعمته وأنا أقول لنفسي ثم لكم ولأخواتي المؤمنات الذين يستمعونني إنه لانعمه أعظم من الهدايه ولاموقف أخوف من الوقوف بين يدي الرب تبارك وتعالى ولامنصرف أعظم من الإنصراف بين يدي الله فريق في الجنه وفريق في السعير ولا ازدحام أمتع من الزحام على أبواب الجنه ولا نعيم تقر به العين أعظم من نعيم الجنه ولاعطاء أعظم من رؤية وجه الله تبارك وتعالى وهذه كلها تتحقق إذا رحمك الله جل وعلا ويسر لك الأمر وتحقيق هذه الرحمه ربنا يقول (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وأعظم درجات الإحسان أن تعظم الله جل وعلا في قلبك تعظيما جليلا فلا تجعل مع الله كائنا من كان ومعلوم أن مثلك لن يدعوا غير الله فيما نحسب لكن قد يتعلق قلبه بأحد تعلقا يوازي تعلقه بالله وأنا أقول مرارا إن العلماء يقولون:إن قلب المؤمن ينبغي أن يكون كالكعبه فالكعبه لاتعلق فيها صور ولا أزلام وكذلك قلب المؤمن ينبغي أن لايكون فيه إلا الله أو ماكان داخلا في محبة الرب تبارك وتعالى وإن حفظ البصر من النظر إلى المحرمات من أعظم مايمكن أن تصرف به القلوب إلى طاعة الله لأن البصر إذا أدمن النظر عياذا بالله تعلق بالصور والوجوه التي يراها وقد يفتن بها إن كانت وجوه رجال أو وجوه نساء ومن التعلق حب الإنسان للشهره والظهور ومن التعلق حب الإنسان للمال ومن التعلق حب الإنسان للإنتقام ومن التعلق حب الإنسان للشهوات والسهر وماأشبه ذلك هذا كلها صوارف تصرف القلب عن الرب تبارك وتعالى ومما يثبت به قلبك على طريق الله ألا يكون في قلبك غل ولاحقد على مؤمن كائنا من كان(والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في(45/15)
قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ومن أخطأ من علماء الأمه غفر الله لنا ولهم فالتمس لهم العذر ولست ملزما بأخذ قوله يرد عليه القول ويبقى له إيمانه بربه تبارك وتعالى وأنت في طلب العلم لاتشتغل بالناس ولا تشتغل بقول فلان ولا جماعة فلان ولا حزب فلان (هو سماكم المسلمين من قبل) فنحن مسلمون فقط ولانريد اسما زائدا على هذا الاسم بعد أن سمانا الله جل وعلا مسلمين ،وكفى به فخرا وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المهاجرين والأنصار لما قال أحدهم يا للمهاجرين وقال الآخر يا للإنصار قال عليه الصلاة والسلام (ابدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) مع أن المهاجرين والأنصار اسمان قرآنيان قال الله(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) كما أن من سلامة الصدر قال عليه الصلاة والسلام (ثلاث لايغل عليهن قلب مسلم وذكر منهن لزوم جماعة المسلمين والنصح لهم)فنحن في بلاد ولله الحمد آمنه مستقره مطمئنه مباركه والمنصف يعلم والله الذي لا إله إلا هو لا نعلم بلادا أكثر منها إيمانا وقد يوجد الإيمان في كل مكان وأنا أتكلم من حيث الجمله لا من حيث الأفراد فيها ولله الحمد يحكم الشرع وتعظم الحدود وفيها الحرمان ويأتيها المسلمون من كل مكان وبقاؤها مجتمعة الكلمة موحدة ءامنة مطمئنه فيه خير لكل مسلم ولا يريد هدم هذا الكيان وتوزيعه و تشتيته إلا شخص جاهل أو حاقد لا يعرف أن مصلحة المسلمين إن كان جاهلا أو حاقدا لا يريد للمسلمين مصلحة وليكن في قلبك الحب للحكام وللعلماء والدعاة والأمراء والجيران والأهل والوالدين كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته مع أصحابه رضي الله عنهم (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) والكمال عزيز كما أنه ينبغي عليك أن تسعى أيها الأخ المبارك في تزكية نفسك اجعل لنفسك حظا من الليل تقوم فيه بين يدي ربك جل وعلا تتلوا القرآن وتسمعه وتقرأه وتسجد لله وتتوسل إلى الله(45/16)
بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ليكن بينك وبين الله أعمال في السرائر لايعلم عنها أحد كائنا من كان تجعلها ذخرا لك بين يدي رب العالمين جل جلاله الشباب الذين يحضرون الدرس وأكثرهم في مقتبل العمر نؤكد عليهم أكثر مما نؤكد على غيرهم ما أنتم فيه طلبه عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب فلم يناله وتمناه إبراهيم فلم يناله وتمناه نوح لأحد أبنائه فلم يناله وكتب الله جل وعلا لكم وقد أتى الله بكم من المدينه أو من غيرها إلى بيت من بيوت الله تطلبون العلم فلا تنشغل عن العلم بشيء آخر اسهر ليلك في تدوين المسائل وقراءة القرآن وحفظ المتون ولاتشغلها بزيد أفضل وزيد أقل وفلان أحبه وفلان ابغضه اشغل نفسك بطاعة الله أكثر من الإستغفار قال الله جل وعلا (لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون) فأعظم مايجلب الرحمه كثرة استغفار الله ومن الرحمه أن توفق لطلب العلم والبلوغ فيه ونفع الناس بعد ذلك إذا مكنت منه. كذلك حريصا على بر والديك فلا ينال خير من عند الله بعد الصلاة والشهادتين بأعظم من بر الوالدين ولن يدرك عاق من الله جل وعلا خير لأنه فطرة من وصاك الله به فجعلته وراء ظهرك لن يمكن يعطيك الله خيرا أمامك والله جل وعلا يقول (وبالوالدين إحسانا)وقال (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما) وإن برك بأمك أوبرك بأبيك خير من ألف محاضره تحضرها لأن ذلك أمر أوجبه الله المهم منك أن تحتسب العمل عند الرب تبارك وتعالى أن تحتسب الصنيع عند الله جل وعلا مما يقربك من الله تبارك وتعالى زلفى كثرة ذكره جل وعلا "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان خفيفتان على اللسان " ومن أعظم مايحبه الرب تبارك وتعالى هذا وجملة أيها الأخ المبارك يعينك على السير على طريق الله لاتشمت بأحد كائنا من كان فإن القلوب بين يدي الله يقلبها كيف يشاء اسأل الله الثبات على الهدايه (يامقلب القلوب ثبت(45/17)
قلبي على دينك) وانظر رحمة الله عليك كم في هذه الساعه التي هي ليلة الجمعه من الآن في هذا الصيف واقف على الشواطيء شواطيء العراه ينظر ميمنة وميسرة يملى قلبه بسخط الله جل وعلا وغضبه كم في هذه اللحظه من هوعاكف في زاوية يتناول مخدرا أو يشم مسكرا أو يشرب ماحرم الله جل وعلا كم في هذه اللحظه من هو في بارات الشرق وحانات الغرب يزني وكم في هذه اللحظه من هو واقف أمام الشاشات أو مع ساحات الإنترنت يفعل من المعاصي مالله به عليم هل تعتقد أن الله الحكم العدل يساوي بينهم وبين من ترك كل شيء وقدم إلى بيت من بيوته يلتمس علما وأجرا من الله وفضلا من الرحمه المهم الصبر ....الصبر ....الصبر حتى تبلغ الجنه وطريق الجنه عال صعب يحتاج إلى جهد يحتاج تواصي بالحق يحتاج إلى صبر لاتتكلم في أحد أحسن الظن بالمسلمين وانشغل بذنوبك عن ذنوب الناس حتى تلقى الله جل وعلا وقد غفر ذنبك وقبل توبتك ورد عليك أمرك وأعانك أدخلك جنته .
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
(ثم أورثنا الكتاب الذين صطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير*جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير*وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور*الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولايمسنا فيها لغوب)اللهم إن نسألك رضوانك والجنه ونعوذ بك ربنا من سخطك والنار اللهم اختم لنا بخير واجعل مآلنا إلى خير وعافنا اللهم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا (سبحان ربك رب الغزة عما يصفون*وسلام على المرسلين*والحمد لله رب العلمين).
تم بحمد الله..(45/18)
تأملا ت في سورة
آل عمران
للشيخ صالح المغامسي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا و نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد .
أيها الإخوة المؤمنون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كنا قد بدأنا بسورة البقرة وبعد أن أخذنا مقاطع من آيات منها ننتقل بكم إلى سورة آل عمران . ونبين لماذا اتخذنا هذا المنهج ــ للملاحظة هذه المادة هي من درس الشيخ الأسبوعي في مسجد السلام بالمدينة النبوية ــ قلنا أن السبب في هذا المنهج أن بعض طلاب العلم الفضلاء قالوا لو أننا أخذنا القرآن آية آية لطال بنا الأمد والوقت ــ بحمد الله الآن للشيخ في قناة المجد العلمية برنامج يسمى " محاسن التأويل " يفسر القرآن فيه آية آية ــ وبعضنا دارسون لا يمكن لهم الاستمرار لسنوات عديدة والدرس أسبوعي فيكون التحصيل فيه رتيباً لأنه هناك فترة طويلة , فقال الفضلاء من باب المشورة أنه لو اتخذنا لكل سورة من سور القرآن درسين أو ثلاثة ننم على أعظم ما فيها كان أولى حتى نخرج جميعاً بفائدة جمة , فيكون الطالب قد مر على شيء من سورة البقرة وعلى شيء من سورة آل عمران وعلى النساء وهكذا . ثم إننا نقول ونكرر أن الإنسان كلما زادت حصيلته العلمية ومعارفه كان ذلك أدعى لارتباطه في العلم . ثم إن في بعض السور مسائل فقهيه وهذه في الغالب لا نعرج عليها قلنا حتى لا يكون هناك نوع من التكرار بين درسنا ودروس الآخرين من فضلاء العلماء في الحرم النبوي أو في غيره .
على هذا بعد أن اتضح المنهج نقول أن الآيات المختارة من سورة آل عمران هي :(46/1)
من قوله تعالى : (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ{59} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ )) إلى قوله تعالى : (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ )) . والحديث عن ذلك كله على النحو التالي :
أولاً : قال العلماء : " إن من أعظم علوم القرآن أن يعلم أن القرآن نزل لدفع شبه الظالمين وإبطال عناد المعاندين وإثبات البراهين العقلية الموافقة للأدلة النقلية . وقالوا أن هذا الفن لا يدركه إلا الجهابذة العلماء المستبصرون الذين من الله عليهم بإدراك مغازي كتابه " . جعلنا الله وإياكم منهم وألحقنا بهم وإن لم نكن لذلك بأهل .
هذا السبب هو الذي جعلنا نختار هذه الآيات للتفسير .
أما هذه الآيات فالحديث عنها كالتالي :
مناسبة الآيات لما قبلها : أن الله جل وعلا ذكر قبلها قصة عيسى ابن مريم عبدالله ورسوله عليه الصلاة والسلام , فذكر جل وعلا قصة الصديقة مريم وكيف أنها حملت بعيسى عليه الصلاة والسلام وكيف وضعته و ما كان له من آيات وبراهين وكيف أنه دعا قومه وكيف أن الله جل وعلا آتاه المعجزات الظاهرة والبراهين التي تدل على نبوته حتى رفعه الله جل وعلا إليه وسينزل في آخر الزمان بعد أن ذكرها جل وعلا . ثم ذكر قوله تعالى : (( ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ{58} إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ )) إذن هذه مناسبة الآيات لما قبلها .(46/2)
أما سبب نزول الآيات : فالمشهور عند العلماء أن عام الوفود كان العام التاسع للهجرة وهو بعد أن فتح الله لنبينا صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت ثقيف وانتهت غزوة تبوك أتى الناس على هيئة وفود من كل شق إلى نبينا صلى الله عليه وسلم . من جملة الوفود التي حضرت وفد نجران وكانوا على الديانة المسيحية ومنهم السيد والعاقب وهم من رؤوسهم , هؤلاء النفر لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له مالك : " تشتم صاحبنا ". قال ( وما ذاك ) صلى الله عليه وسلم , قالوا : " تقول إن عيسى عبدالله ورسوله " قال : ( نعم هو عبدالله ورسوله ) فجادلته النصارى بأن عيسى عليه الصلاة والسلام لا أب له , قالوا : فقل لنا من أبو عيسى عليه الصلاة والسلام وأتنا بأحد له أب غير عيسى عليه الصلاة والسلام ؟ فأمهلهم حتى ينزل القرآن عليه في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام , فأنزل الله جل وعلا على نبينا عليه الصلاة والسلام قوله هذه الآيات التي نريد أن نشرحها : (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) فهذا هو سبب النزول .
بعد هذا نبدأ في تفسير الآيات :
قال الله جل وعلا : (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ )) ليس كلمة مثل هنا المقصود بها المثل المعروف الذي يضرب للأشياء , وإنما كلمة مثل هنا بمعنى حاله أو صفه . فيصبح معنى الكلام حالة و صفة عيسى عليه الصلاة والسلام عند الله كحال آدم عليه الصلاة والسلام .(46/3)
ما حال ادم عليه الصلاة والسلام ؟ قال الله تعالى : (( خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) النصارى تقول : إن من أدلة أن عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله أنه لا أب له باتفاق أهل الأرض والرد عليهم , وقلنا هذا من علوم القرآن الرد على كشف شبه الظالمين , أن آدم عليه الصلاة والسلام لا أب له ولا أم زيادة على عيسى عليه الصلاة والسلام . أي إن كان عيسى لا أب له فآدم لا أب له ولا أم , وإن كان عيسى خلق بكلمة كن بعد أن نفخ جبرائيل في رحم الصديقة مريم وكان بأمر الله فإن آدم كذلك قال الله له كن فكان كما أخبر الله في كتابه . فإذن مقارنة عيسى بآدم عليهما الصلاة والسلام ضربها الله جل وعلا دليلاً على بطلان حجج النصارى . لأنه لو كان قولهم إن مجرد أن عيسى لا أب له دليلاً على أنه ابن الله فمن الذي أولى بالبنوة ؟ آدم لأنه لا أب له ولا أم . والنصارى وغير النصارى كل أهل الأرض لا يقولون إن آدم ابن الله . فلما اعترفتم أن آدم ليس ابن الله يجب أن تعترفوا أن عيسى ليس ابن لله . وان الله لم يلد ولم يولد فدمغت حجة النصارى .(46/4)
(( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ )) والهاء في خلقه عائدة على آدم خلقه من تراب ثم قال له أي قال لآدم كن فيكون , أي كن فكان . واختلف العلماء لماذا عبر الله بالمضارع بدلاً من الماضي يعني كان السياق أولى أن يقال : خلقه من تراب ثم قال له كن فكان . قال بعضهم ــ من الأجوبة ــ إن العرب تجري المضارع مقام الماضي إذا عرف معنى الحال . هذا جواب ربما فيه شيء من الركاكة . وقال بعضهم ولعل هذا أظهر أن الله أراد أن يبين تمثل المعنى لمن يسمع , بمعنى أن عيسى عليه الصلاة والسلام حتى عندما نفخ جبرائيل عليه الصلاة والسلام في رحم مريم عليه السلام لم يخرج مباشرة يمشي على قدميه وإنما تكون لحماً وعظاماً حتى حملت به تسعة أشهر على الصحيح , ثم ولدته صبياً رضيعاً ثم كان عيسى ابن مريم . فلم يقل الله كن فكان مباشرة إنما قال كن فيكون ليبين التدرج الذي مر به خلق عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام .
(( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) هذا أمر عيسى عليه الصلاة والسلام على الوجه الصحيح .
قال تعالى : (( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ )) يعنى هذا الحق الذي أتاك من ربك . وإضافة الرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشريفاً للنبي صلى عليه وسلم .
(( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ )) أي لا تكن من الشاكين . وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ممترنٍ أو شاك , فهذا منتفٍ أبداً . إنما المقصود من هذا الأسلوب إثارة الأريحية فيه صلى الله عليه وسلم لأن يقبل الحق من ربه ويعض عليها بالنواجذ هذا تخريج . وقال بعض العلماء تخريج آخر إنه وإن كان المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم فإن المخاطب الحق هو أمته وكل من يسمع القرآن . لكن لا تعارض بين هذين التخريجين .(46/5)
(( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ {60} فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ )) الهاء عائدة على من ؟ عائدة على عيسى وخلقه .
(( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ )) العلم أي البيان الذي أظهره الله لك في شأن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام .
يزعم النصارى أنهم مسلمون من قبل ويمنعهم من ذلك :
(( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )) لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وفد النصارى نصارى نجران بالأمر لم يقبلوا , قالوا : نحن مسلمون من قبل فقال صلى الله عليه وسلم :
( يمنعكم من الإسلام ثلاث :
1ـ أكلكم لحم الخنزير .
2ـ وسجودكم للصليب .
3ـ وزعمكم أن لله ولد . )
هذه الثلاث منعت ما يزعمونه من أنهم مسلمون . فلما طال الأمر بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم احتكم إلى المباهلة .
ما معنى المباهلة ؟(46/6)
والمباهلة أصلها مأخوذ من الابتهال وهو الدعاء ويكون غالباً لإظهار الحجة . وقد ربما يخصص كما في الآية في نزول اللعنة وأصل المسألة أنه لما طال الجدال لا هم يقتنعون ولا هم قادرون على أن يقنعوا لأنهم على باطل , احتكم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال قائلاً لهم كما أمر الله : (( نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ )) أي ندعوا ونقول : اللهم العن الكاذب منا في شأن عيسى ابن مريم . فلما كان من الغد قدم صلى الله عليه وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين , وقال : ( إذا أنا دعوت فأمنوا ) . قبل أن نكمل اعترض النصارى وخافوا من المباهلة . وخوفهم من المباهلة دليلٌ على أنهم يعلمون أنه رسول الله حقاً لأنهم لو كانوا على يقين لقبلوا المباهلة .
العلة من جلب علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين :
وكون النبي عليه الصلاة والسلام يأتي بابنته وعلي والحسن والحسين دليل على ثقته فيما يدعوا إليه , لأنه كان بالإمكان أن يباهلهم لوحده ويقول أنا وأنتم ندعوا على بعض أهلك أنا أو تهلكون أنتم , لكن لما أتى بابنته وهي أحب بناته إليه عليه الصلاة والسلام وزوجها علي والحسن والحسين ثم بعد ذلك يدعوا على الجميع دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان واثقاً من حفظ الله له وكان على برهان ويقين أن ما عند الله هو الحق .
(( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )) الاستطراد هنا وأنا قلت أن الدروس ليس المقصود منها الحرفيات وإنما المقصود منها الفوائد العلمية .
وآية المباهلة تدل على أمور عدة :(46/7)
الأمر الأول : فضل آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم , وهؤلاء الأربعة مع النبي صلى الله عليه وسلم يسمون أصحاب الكساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم جللهم أي غطاهم ذات مرة بكساء وقال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم هؤلاء بيتي فإذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) . فهؤلاء آل بيته صلى الله عليه وسلم . وعلي ابن عمه نسباً وهو زوج ابنته فاطمة تزوجها بعد منقلب النبي صلى الله عليه وسلم من معركة بدر في السنة الثانية من الهجرة , قيل تزوجها في شوال وقيل تزوجها في أول ذي القعدة . وتعيين التاريخ هنا تحديداً لا يهم , وأنجب منها عليٌ الحسن والحسين . أراد علي أن يسمي ابنه حرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بل هو الحسن ) , ولما ولد الحسين أرادوا أن يسموه حرباً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بل هو الحسين ) . فالذي سمى الحسن والحسين من ؟ رسولنا صلى الله عليه وسلم .
والحسن رضي الله عنه عاش حتى كانت خلافة معاوية رضي الله عنه , فتنازل عنها لمعاوية رضي الله عنه ليحقن دماء المسلمين . ثم سكن المدينة ومات فيها أيام معاوية . أما الحسين رضي الله عنه فامتد به العمر حتى مات معاوية رضي الله عنه , وولي من بعده ابنه يزيد فخرج من مكة إلى العراق حتى وصل إلى كربلاء المدينة العراقية المشهورة , فلما وصل إليها سأل عنها ؟ قيل له كربلاء قال بل كرب وبلاء , أخذ اشتقاقها من اسمها فكان ما كان . قتل رضي الله عنه في يوم عاشوراء العاشر من محرم , ولذلك الشيعة يحيون هذا اليوم كما هو معلوم .
وإحيائهم لهذا اليوم باطل من عدة أوجه :
باطن بالنقل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه ولا يقوم دين إلا إذا شرعه الرسول لأنه أعلم الخلق بشرع الله .(46/8)
وباطل بالعقل : لأنهم لو كانوا صادقين في المناسبة العقلية لكانوا أقاموا مأتم على مقتل علي أبي الحسين رضي الله عنهم , وهم يقولون أن علياً أول أئمتهم والحسين الثاني فلو كانوا صادقين عقلياً لأقاموا مأتم على مقتل علي كما قتل الحسين قتل من قبله علي . فهم يمرون على مناسبة علي رضي الله عنه دون ذكر مع أنه مات مقتولاً كما قتل ابنه الحسين رضي الله عنه , ثم يأتون عند مقتل الحسين رضي الله عنه فيقيمون ما يقيمونه . فهذا من الدلائل العقلية والأول دليل نقلي على بطلان ما يصنعه الشيعة في يوم عاشوراء .
الذي يعنينا أن الحسين رضي الله عنه قتل في يوم عاشوراء وقتل معه أكثر من ثمانين من آل بيته ولم ينجوا إلا النساء وابنه علي الملقب بزين العابدين قتل ابنه علي الأكبر وقتل ابنه عبدالله معه وإخوانه الأربعة وبعض آل بيته . وبقى ابنه علي كان مريضاً لم يستطع أن يحارب مع أبيه , فأبقى الله جل وعلا ذرية الحسين رضي الله عنه بنجاة علي هذا الصغير المريض , فكل من ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الحسين فهو من ولد علي زين العابدين كل الحسينية ينتسبون إلى علي الملقب بزين العابدين ابن الحسين ابن فاطمة ابن محمد صلى الله عليه وسلم . وهؤلاء كما قلت آله ولهم في الشرع حق عظيم وينبغي لا إفراط ولا تفريط قال تعالى : (( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )) . الشورى23. وقال عليه الصلاة والسلام لما شكا إليه العباس رضي الله عنه أن بعض قريش يجبوا بني هاشم قال عليه الصلاة والسلام : ( والله لا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ثم لقرابتي ) .
الأمام أحمد رحمه الله و دليل فقهه في الدين :(46/9)
والمعتصم الخليفة العباسي , عباسي أي من ظهر العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ليس من ظهر النبي وإنما من ظهر العباس . والعباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم وليس ابنه . المعتصم سجن العالم السني المشهور أحمد بن حنبل رحمه الله . فلما سجنه أُخرِج أحمد بعد موت المعتصم وكان أحمد بعد خروجه يجتهد في الدعاء للمعتصم ويسأل الله أن يعفو عنه , فلما كلمه الناس قال رضي الله عنه وأرضاه ورحمه " لا أريد أن أقف بين يدي الله وبيني وبين أحد من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خصومة " . وهذا من فقه الدين في أن الإنسان يتجنب أن يكون بينه وبين قرابة النبي صلى الله عليه وسلم خصومة كما بينا في قضية الإمام احمد .
الأمر الثاني : في الآية أن الله قال في القرآن على لسان نبيه : ((َ قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُم )) ومعلوم نقلاً وعقلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بعد هجرته ابنٌ من صلبه , يعني ليس له ابن ذكر من صلبه ومع ذلك قدم الحسن والحسين رضي الله عنهم , استدل بها فريق من العلماء على أن أولاد البنات في منزلة أولاد الأبناء . يعني مثلاً نفرض رجل اسمه محمد وله بنت اسمها سلمى وله ولد اسمه خالد فأولاد خالد هم أولاده باتفاق الناس لم يخالف في هذا أحد , لكن الخلاف في أولاد البنت هل يعتبرون أبناء أو لا يعتبرون ؟ المسألة خلافية لكن من أدلة القائلين بأن أولاد البنت يعتبرون أبناء هذه الآية فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : ((َ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُم )) , والنبي صلى الله عليه وسلم دعا الحسن والحسين رضي الله عنهم , وقال في حديث آخر ( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة ) . يقصد الحسن رضي الله عنه . فهذا قول من قال من العلماء .(46/10)
وهذه المسألة بالنسبة لطالب العلم متى تظهر ؟ تظهر في الميراث وتظهر في الوقف وكلاهما متقارب فهل ينزل الجد منزلة الأخوة في الميراث ؟ من يقول أن ابن البنت ابن أعتبر الجد كالأب . وعندما يوقف الإنسان حديقة أو مزرعة أو بيتاً فيقول هذه لأبنائي وأبناء أبنائي ولا يحدد فإن قال أبناء أبنائي بمقتضى الآية يدخل من؟ يدخل أولاد الأبناء وأولاد البنات , وقال بعض العلماء بخلاف هذا وهذه المسائل تنظر في المحاكم , لكن أنا أردت أن أبين كيف يستنبط طالب العلم الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
((َ فقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )) أي نقول اللهم العن الكاذب منا في أمر عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام . الذي حصل أن النصارى خافوا من المباهلة تشاوروا ثم تراجعوا , قال قائلهم والله إنكم لتعلمون إنه نبي ولو باهلتموه لاضطرم عليكم الوادي ناراً , فقالوا ما الأمر بيننا وبينك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( واحدة من ثلاث : الإسلام ـ أي تدخلوا الإسلام ـ أو الحرب أو الجزية ) فاختاروا الجزية فصالحوا النبي عليه الصلاة والسلام على ألف حلة صفراء تقدم له في شهر صفر وألف حلة تقدم له في شهر رجب . فقالوا ابعث لنا رجلا أميناً من أصحابك فقال عليه الصلاة والسلام : ( لأبعثن معكم أميناً حق أمين ) فاستشرف لها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , فقال عليه الصلاة والسلام : ( قم يا أبا عبيدة ثم قال لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه ) .
ولذلك ورد أن عمر رضي الله عنه لما طعن وطلب منه أن يستخلف قال : " لو كان أبا عبيدة حياً لوليته هذا الأمر فإذا سألني الله عن ذلك قلت سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ) " .(46/11)
نأتي للآية التي بعدها قال الله عز وجل بعدها : (( فَإِن تَوَلَّوْاْ )) أي فإن لم يقبلوا قوله وأعرضوا عن الدخول في الإسلام فإن الله عليم بالمفسدين . وقوله تعالى : (( فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ )) يجري مجرى التهديد لأنه إذا كان الله عليم بهم وهو قطعاً عليم بهم فإنه سيعاقبهم جل وعلا , وهذا معنى قول الله تعالى : ((فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ )) .
ثم قال الله جل وعلا : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )) .
هذه الآية قبل أن نفصل معناها يتعلق بها فائدتين :
الفائدة الأولى : أن هذه الآية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتبها في كتبه التي يبعثها إلى ملوك العرب والعجم وهو يدعوهم إلى الإسلام كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم .(46/12)
الفائدة الثانية : في حياتنا العملية جميعاً وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في الصحيح كان يقرأ بها أي بهذه الآية في ركعة الصبح الأخيرة من سنة الفجر , ومعلوم أن لصلاة الفجر سنة قبلية والسنة فيها أن تخفف , النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها فاتحة الكتاب وبقول الله تعالى : (( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) . البقرة136. ويقرأ بالثانية بهذه الآية : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )) . إذاً يتحرر من هذا من الناحية العملية أن هذه الآية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في الركعة الأخيرة من سنة الفجر ويقرأ بغيرها ولو قرأ أي مسلم بأي سور القرآن أو آياته جاز ذلك , لكن أوفق للسنة أن تقرأ هاتان الآيتان .
أما معناها : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) أهل الكتاب يندرج فيها اليهود والنصارى لأنهما أنزل عليهما الكتاب . على اليهود التوراة على موسى عليه السلام وعلى النصارى الإنجيل على عيسى عليه السلام .
(( تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء )) سواء هنا بمعنى عدل وإنصاف .
(( تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ )) هذا إجمال . هذا الإجمال فسرته ما بعدها : (( تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ )) .
إذاً ما الكلمة السواء ؟(46/13)
هي : (( أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً )) . فقول ربنا جل وعلا : (( أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ )) هي الكلمة السواء التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب من اليهود والنصارى إليها .
اليهود يقولون عزير ابن الله والنصارى تقول المسيح ابن الله وكلا الفريقين على خطأ معلوم , فدعاهم النبي إلى كلمة يتفق عليها الجميع وهذه الكلمة لابد أن تكون كلمة عدل (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً )) .
(( وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً )) تأكيد للآية التي قبلها لقوله جل وعلا : (( أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ )) لأن المعنى واحد (( أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ )) أسلوب حصر فيه نفي واستثناء . (( أَلاَّ نَعْبُدَ )) هذا نفي , (( إِلاَّ اللّهَ )) هذا استثناء .
(( وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ )) هذا من بديع أسلوب القرآن لأنه عندما قال سبحانه : (( وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً )) دلالة على أننا كلنا من جنس واحد , فكيف يعقل ونحن متفقون على أننا من جنس واحد أن يصبح بعضنا آلهة خارقة وبعضنا مخلقون , هذا لا يستقيم لا بالعقل ولا بالنقل .(46/14)
(( وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ )) والاتخاذ هنا ليس معناه ولم يقع أنهم كانوا يعبد بعضهم بعضاً بالسجود والركوع والصلاة وإنما كان يعبد بعضهم بعضاً بطريقة أخرى وهي أن أحبارهم ورهبانهم يحرمون ما أحل الله فيحرمه الأتباع ويحلون ما حرم الله فيحلُه الأتباع , وهذه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( تلك عبادتهم ) . قال سبحانه : ((اتخذوا احبارهم ورهبانهم ارباباً من دون الله )) . وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعدي ابن حاتم : ( أليسوا يحلون ما أحل فتحرمونه قال بلى قال فتلك عبادتهم ) . فهذا معنى قول الله : (( وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ )) .
من هنا نعلم أن التشريع لله والرسول مجرد مبلغ صلوات الله وسلامه عليه . فمن الله التشريع وعلى الرسول البلاغ وعلينا السمع والطاعة لأننا عبيد مخلوقون لله تبارك وتعالى .
(( فَإِن تَوَلَّوْاْ )) أي فإن لم يقبلوا هذا الذي عرضته عليهم (( فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )) أي نحن باقون على ما نحن عليه من الإسلام واتخاذ الله جل وعلا آله واحد لا رب غيره ولا آله سواه .
ثم قال الله جل وعلا : (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{65} هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) ثم قال (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) .(46/15)
مناسبة الآيات عموماً : من العقل والنقل يا أخي أن الإنسان إذا كان متقناً في شيء ما يتبناه الجميع وكلٌ ينتسب إليه وينسبه إلى نفسه . إذا كان الشخص محسن متقن جيد في أمره كل من حوله يتبناه وينتسب إليه ويقول إنه مني وأنا منه لأنه مصدر فخر . إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان أمة كما أخبر الله جل وعلا . فاليهود تقول إن إبراهيم منا والنصارى تقول إن إبراهيم على ملتنا وحتى كفار قريش كما سيأتي يقولون منا والمسلمون يقولون منا , في أول الآية الله عز وجل يقول لما اختصمت اليهود والنصارى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام , قال الله لليهود والنصارى : (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ )) . لمَ تجادلون وتخاصمون في إبراهيم (( وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ )) . بين إبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام مئات السنين وبين إبراهيم وعيسى عليهم الصلاة والسلام أكثر لأن عيسى بعد موسى عليهم الصلاة والسلام . فمحمد عليه الصلاة والسلام عند اليهود والنصارى خبر منه لأنه مذكور في التوراة والإنجيل . فكون اليهود والنصارى عندهم خبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم هذا حق , لكن الحق أيضاً أن ليس عندهم علم بإبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنهم جاؤوا بعده وما أسست اليهودية وهي محرفة في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام ولا أسست النصرانية وهي محرفه من شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام إلا بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكيف يكون عندهم علم عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا لا يمكن عقلاً , ولذلك قال الله عز وجل : (( هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) معنى يعلم : يعلم حال إبراهيم وأنتم لا تعلمون عن إبراهيم شيئاً .
العقل مكتشف للدليل وليس منشىء له .(46/16)
وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي عليه أن يستخدم عقله . وقد يقول قائل أن العقل ليس له علاقة بالنقل .
يجب أن تفهم يا أخي ملحظ دقيق يميز من يتبع منهج العقل عن غيره . المسلمون مدركون من أهل السنة أنه لا يمكن للعقل أن ينشىء دليلاً . والدليل في النقل لكن العقل يكتشف الدليل . بمعنى تأتي بمصحف وتأتيه لرجل ذي باع في العلم أعطاه الله عقل , فهو إذا قرأ المصحف يستنبط الأدلة من المصحف . لا يأتي بدليل من عقله لكن قدرته العقلية تمكنه من أن يستنبط الأدلة من القرآن . إنسان ليس عنده حظ من عقل حتى لو نظر في المصحف لا يستطيع بأن يأتي بأدلة يكتشفها من المصحف هذا الفرق . لا يوجد عقل يسير الناس , الوحي هو الذي يسير الناس لكن العقل يكتشف الدليل الموجود الذي في الوحي . ولذلك قال تعالى للنصارى : (( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )) أي لو عرضتم هذا الأمر على عقولكم الحقة لما قبلته لكن لأنه ليس لديكم عقول تقولون بغير هذا .
الشافعي رحمه الله كيف بعقله اكتشف الدليل ؟(46/17)
الشافعي رحمه الله وهو صبي في السادسة عشر وكان من أذكى الناس مر في السوق فوجد رجلان يختصمان فتدخل لثقته برأيه , قال : ما بالكما ؟ قال أحدهما : هذا كان يبيع طيراً ـ ببغاء ـ ويقول وهو يبيعه : هذا الطائر لا يسكت يتكلم طوال الليل والنهار , قال الذي اشتراه : فأنا اشتريته بناءً على هذا الشرط فلما ذهبت به إلى البيت إذا هو يتكلم أكثر الوقت لكنه يسكت أحياناً فأنا أريد أن أرده . والذي باع يقول : لا ترده أنا لم أقصد الليل والنهار أنه لا يسكت , تخاصما والشافعي رحمه الله كان في السادسة عشر من عمره , فقال للمشتري : ليس لك حجة عليه . فأستصغره قال من أين لك هذا ؟ قال لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لإحدى نساء المؤمنين لما أخبرته أن فلاناً خطبها , قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أما فلان فلا يطرح عصاه من كتفه ) . والمقصود إما كثرة الضرب وإما طول السفر ـ لكن لا يوجد إنسان يضرب أربع وعشرون ساعة ولا يوجد إنسان يسافر أربع وعشرون ساعة وإنما المقصود غلبة الأمر والكثرة ـ , فاقتنع المشتري فأخذ الطائر وذهب . فالشافعي هنا لم يأتي بدليل من عقله لكن عقله مكنه من أن ينظر في كتاب الله أو في سنة النبي عليه الصلاة والسلام . وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه طالب العلم لأنه إن لم تكن لديه آله عقلية في النظر في كتاب الله لا يمكن أن يكون قادراً على أن يفقه أو يفهم أو يستنبط من كتاب الله شيئاً كثيراً .(46/18)
ثم قال سبحانه وتعالى : (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) قلنا إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان إماماً وإليه تنسب الملة وهو أعظم النبيين بعد نبينا عليه الصلاة والسلام . اليهود تقول إننا على ملة إبراهيم وقالوا لنبينا عليه الصلاة والسلام : " إنك تعلم أن اليهود أولى بإبراهيم ولكن الحسد منعك أن تجهر بهذا " , والنصارى تقول نفس العبارة , حتى عباد الأوثان وعباد النار يقولون " إن إبراهيم منا " . وذلك لأن إبراهيم يشرف كل إنسان أن ينتسب إليه والمسلمون يقولون " إبراهيم منا " . ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة عندما نظر إلى الكعبة قبل أن يدخلها وجد كفار قريش على كفرهم وضعوا صورة لإبراهيم صنعوها من عقولهم وهو يستقسم بالأزلام , وهي الطريقة التي كانوا يفعلونها مع آلهتهم حتى يخرج أحدهم لسفر أو لغيره , فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام وقد جعلوا صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام قال عليه الصلاة والسلام : ( قاتلهم الله والله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام ) وفي رواية أنه قال عليه الصلاة والسلام : ( ما لشيخنا وللاستقسام بالأزلام ) . المقصود أنه حتى عباد الأوثان نسبوا إبراهيم أنه منهم . فلما كانت المسألة خلاف نزل الحكم من الله والله عليم .
قال الله جل وعلا : (( مَا كَانَ )) وهذا نفي . (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً )) كما تزعم اليهود ولا نصرانياً كما تزعم النصارى . (( وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً )) كما يزعم محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه . (( وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) كما يزعم عبدة الأوثان .
من الذي هو أولى بإبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟(46/19)
ثم بين الله بعد أن بين منهج إبراهيم عليه الصلاة والسلام . بين من الذي هو أولى بإبراهيم قال سبحانه : ((ِ إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ )) . ذكر كم فئة ؟ ثلاثة .
وهذا الظهور حسب الترتيب الزمني لأن الذين اتبعوا إبراهيم من قومه كان ظهورهم قبل النبي عليه الصلاة والسلام , قال تعالى ((ِ إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ )) حسب تسلسلهم الزماني ((ِ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ )) الذين ءامنوا به وقت نبوته ورسالته صلوات الله عليه . (( وَهَذَا النَّبِيُّ )) ذكره مفرداً . قال العلماء : " هذا تعظيم وتشريف لنبينا عليه الصلاة والسلام " . (( وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) من أي أمة ؟ من أمة محمد عليه الصلاة والسلام على الصحيح من أقوال العلماء .
فأصبح إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتولاه ثلاثة :
المؤمنون الذين معه , ونبينا عليه الصلاة والسلام , والمؤمنون من هذه الأمة .
لكن النبي عليه الصلاة والسلام أفرد قلنا تعظيم له لأنه عليه الصلاة والسلام أولى بإبراهيم من جهتين :
الأولى : لأنه من ذريته .
والثانية : لأنه موافق له في ملته .
لم يبعث نبي بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا وهو من ذريته .
إبراهيم عليه الصلاة والسلام من إكرام الله له لم يبعث نبي بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا وهو من ذرية إبراهيم , قال تعالى في آية حصر : (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ )) العنكبوت27. فما بعث نبي ولا رسول بعده عليه الصلاة والسلام إلا وهو من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام .(46/20)
(( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ )) . قال العلماء : " دلت الآية أيضاً على أن المؤمنين مهما تباينت أقطارهم المكانية وتفاوت ظهورهم الزماني فإنهم أولياء بعضهم لبعض لأنهم جميعاً يفيئون إلى ملة واحدة , وهي ملة إبراهيم القائمة على توحيد الله تبارك وتعالى . واليوم أعداء المسلمين لا يحاولون شيئاً أن يثيروه بين المسلمين أكثر من تفريق الكلمة وإيثار النعرات القائمة إما على عرق أو على مذهب أو على مكان أو على ظهور زماني حتى يتشتت شمل الأمة , فإذا تشتت شملها انشغل بعضها ببعض , وأرادت كل فئة منها أن تقيم لواءها , فاقتتلوا وكفوا غيرهم مهمة القتال فأصبح غيرهم قادراً على أن يحتلهم بيسر وسهولة . وفي مواضع الفتن العظمى كما هي في عصرنا هذا وفي الأحداث الأخيرة في العراق فإن جمع الكلمة وتوحيد الصف وغض الطرف عن كثير من الخلافات مقدم على أكثر الأمور , لأن الدين قائم على جلب المصالح ودرء المفاسد . ولكل مرحلة من مراحل عمر الأمة ما يتماشى مع أوامر ونواهي وتطبيقات وأحكام شرعية تختلف من حال إلى حال ومن زمان إلى زمان , والمعيار في ذلك كله مصلحة الأمة وعدم تمكين عدوها منها .
(( وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )) طائفة تطلق على الجماعة من الناس . والود هنا بمعنى الرغبة .(46/21)
(( وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ )) يعني كان مراد بعضٍ من اليهود و بعضٍ من النصارى أن يردوكم عن إسلامكم لماذا؟ لأنهم يعلمون أن الإسلام حق , لكن الإنسان إذا حسد غيره لا يتمنى الخير له . جرت سنة الله في خلقه أن الهالك يتمنى أن يهلك الناس معه . فالذي واقع في سلك المخدرات , والواقع في سلك النساء , والواقع في سلك كذا و كذا من المعاصي والجرائم هو لا يريدك أن تكون معه حباً فيك أو يريد لك الخير , ولكن يدفعه إلى ذلك أن كثرة الناس في الشر تهون الشر على نفسه .
وأنت خذها بمثال واقعي بسيط لو أن ابنك أخبرك أن نتيجته في الامتحان غير موفق لَلُمْتَهُ كثيراً , ولكن لو أن هذا الابن أخبرك أن الفصل كله على هذا النحو لخف لومك على ابنك . وهذا من سنة الله في خلقه ولذلك إبليس لما غوى وتمت عليه اللعنة هَمَّ أن يعصي بني آدم كلهم . يريد ويرغب في ذلك حتى لا يقع في الهلاك لوحده . فأهل الإشراك وأهل الكفر من أهل الكتاب لما وقعوا فيما وقعوا فيه ومنعهم الحسد أن يتبعوا نبينا عليه الصلاة والسلام رغبوا في أن يضلوا المؤمنين , والله جل وعلا يقول : (( وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )) لأن الله تبارك وتعالى يحمي أولياءه وينصرهم ويمنع عنهم كيد الأعداء .
ثم قال الله جل وعلا (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ )) أي تشهدون . ومفعولها هنا محذوف . والمعنى : أنكم تشهدون البراهين العقلية والنقلية التي تدل على أن الله جل وعلا حق . وكفركم مع كونكم تشهدون الآيات من أعظم الدلالة على العناد والمرض المستقر في قلوبكم . لأن كون الإنسان يكفر ولما تظهر له الأدلة بعد . أمر هين لكن إذا ظهرت له الأدلة و تتابعت وتظاهرت ومع ذلك أصر على كفره فذلك دلالة على الران الذي في قلبه وعلى أنه أبعد إلى الحق منه إلى الباطل .(46/22)
من أساليب تسمية كتاب الله جل وعلا سور القرآن :
وهذا الذي كنا فيه قلنا إن سورة آل عمران سورة مدنيه , ونبين إن من أساليب تسمية كتاب الله جلا وعلا سور القرآن يسمى الشيء باسم بعضه . وهذا أمر كانت العرب تستخدمه في كثير من الأمور . فسميت سورة البقرة بسورة البقرة لأنه جاء ذكر قصة البقرة فيها , وسميت سورة آل عمران بسورة آل عمران لأن الله جل وعلا ذكر فيها عمران وآله وعلى هذا يقاس كثير مما في كتاب الله وهو ظاهر بين . وإنما الخلاف بين العلماء هل إن تسمية سور القرآن كان من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أصحابه رضي الله عنهم أو غير ذلك , والذي يظهر والله جل وعلا أعلم أن تسمية سور القرآن تسمية توقيفية بمعنى أن الصحابة رضي الله عنهم سموها بإشارة وأمر وإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم .
وسورة آل عمران تكلمت كثيراً عن أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ وبحثتْ كثيراً في مواضيعهم . وسبب ذلك أمران :
الأمر الأول : قدوم وفد نجران كما بينا في الأسبوع الماضي قدوم وفد نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما حصل بينهما من مجادله انتهت إلى الإقرار بالصلح بينهما وكانت تلك الأسئلة التي طرحها وفد نجران سبب في نزول كثير من آيات سورة آل عمران .
الأمر الثاني : ما كان من أحداث من أهل الكتاب من اليهود المجاورين للنبي عليه الصلاة والسلام في المدينة فكان القرآن ينزل ليبين كثيرا من أمورهم ومعايبهم وما يكون بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام من أحداث . فجل ما في السورة من ذكر أهل الكتاب كان هذا سببه وفي السورة آيات أخر لا علاقة لها بأهل الكتاب كغزوة بدر وغزوة أحد وغيرهما مما هو معروف في مظانه . لعل الله جل وعلا أن ييسر شرحه .(46/23)
أما الآية التي بين أيدينا فإن الله يقول : (( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) حب المال أمر مفطور في النفوس قال سبحانه : (( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً )) الفجر ( 20 ) . وقال جل وعلا عن بني آدم : (( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ )) العاديات ( 8 ) . والأمانة في إنفاذها وفي إعطاءها لا علاقة لها بالإيمان والكفر إلا شيء يسير . فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كذب أعداء الله ـ يقصد اليهود ـ كل أمور الجاهلية تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى بر و فاجر) تؤدى إلى البر والفاجر فلو قدر أن لأحد من الناس له أمانة عندك وإن كان فاجراً فإن فجوره لا يمنعك من تأدية الأمانة إليه فمسألة كونه كافر أو فاجر أو فاسق لا علاقة له بأحقية الأمانة التي له عندك هذا كمفهوم عام للآية .
الآية فيها وقفات عدة منها:(46/24)
إنصاف الرب تبارك وتعالى . وأن الله جل وعلا حكم عدل فبرغم أن اليهود قوم بهت نعتوا ربهم بأقبح المعايب تعالى الله عما يقولون الظالمون علواً كبيرا , ومع ذلك فإن الله جل وعلا يقرر في هذه الآية أن من هؤلاء اليهود على ما فيهم من معايب منهم من لو أمنته وضعت عنده قنطار والقنطار آلاف من الدنانير يعني مبلغاً كثيراً من المال لو وضعت عنده قنطار آلاف من الدنانير ثم طلبتها منه يردها إليك رغم أنه يهودي . وإخبار الله بهذا دلالة على إنصاف الرب جل وعلا وأن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة فقول الله جل وعلا : (( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ )) إن وضعت عنده قنطار أمانه رده إليك كما هو تام رغم أنه كتابي إما يهود وإما نصارى وهذا كفر لكن كفره لم يمنعه من تأدية الأمانة .
سنقف كثيرا في اللغويات حتى تفهم كلا م الله لكن لا تستعجل إتيان الثمرة :
ثم قال سبحانه : (( وَمِنْهُم )) و (( مَّنْ )) في الحالتين بعضيه .
وقلنا إننا سنقف كثيرا في اللغويات حتى تفهم كلا م الله لكن لا تستعجل إتيان الثمرة . العلم يا أخي كالبنيان . والبنيان لا يعرف من أول يوم وإنما يعرف بعد تمامه . فما تأخذه من علم في هذه الحلقة أنت لوحدك به , وإنما تقوم على علم تأخذه من هاهنا ومن غير هذه الحلقة , وشيء تقرأه و شيء تسمعه وآخر تدونه حتى يجتمع لديك علم جم . لكن لا تحسبن أن أحدا يمكن أن يعطي الناس العلم كاملاً لوحده هذا لن يقع ولم يقع لأن الله عز وجل قسم العلم وفضله بين الناس . لكن أنت تأخذ أمور ترشدك بعضها على بعض .
أقول إن ( من ) هنا بعضيه وحتى يتم المعنى وحتى تعرف الفرق بين ( من ) البعضيه و( من ) أخرى .
( من ) أخرى بيانيه , معنى الكلام لو جاء إنسان ضفته أنت في بيته فأعطاك فاكهة , الفاكهة هذه منوعه ثم غاب عنك ثم جاء يسألك من أي الفاكهة أكلت قلت من كذا , نفرض قلت من البرتقال هذه ( من ) ما هي ؟(46/25)
بيانيه فأنت بينت أي نوع من الفاكهة أكلت .
أما ( من ) التي بين أيدينا (( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) هذه ( من ) بعضيه , بمعنى بعض من أهل الكتاب وليس الكل .
(( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ )) لا يساوي شيء (( لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً )) ما دمت عليه قائماً هذا كناية , كناية عن الإلحاح والمواجهة وشدة الطلب وأنت تتعقبه من مكان إلى آخر حتى يؤدي إليك ماذا ؟ الدينار والذي قبله يؤدي إليك القنطار رغم انه أضعف وأكبر من الدينار مرات عديدة لكن الأول أمين والثاني خائن . وقلنا أن الأمانة تؤدى لكل أحد يستحقها إن كان باراً أو إن كان فاجراً , (( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً )) كناية عن الإلحاح كثره المواجهة كثره الطلب تنتقل معاه من مكان حتى يؤدي إليك حقك .
(( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) هذه (( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ))
جملة تعليليه ينجم عن الآية ما يلي :
أن في اليهود قوم مؤتمنون وهم قلة وقم خائنون وهم كثرة . وهؤلاء الخائنون علتهم في الخيانة يعنى إذا قيل لهم لماذا لا تؤدوا الأمانات ؟ قالوا : (( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) .
(( الأُمِّيِّينَ )) جمع أمي وهو في اللغة من لا يقرا ولا يكتب .
أما المقصود بها هنا فهم أمة العرب من يقرأ ومن لا يقرأ قال الله عز وجل وقلنا إن القران يفسر بعضه بعضاً (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ )) الأميين من ؟(46/26)
أمة العرب فقول اليهود : (( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) اليهود يقولون إن هؤلاء العرب قوم أميون لا دين لهم ولا يرونهم شيئاً لأن اليهود يرون أنفسهم شعب الله المختار , ويقسمون الناس غيرهم طبقات فلا يرون العرب شيئاً ويقولون إن المال الذي في يد العرب أصله لنا فإن حصل بيننا وبينهم تقاضي بيع وشراء وأمانه فلا حاجه أن يرد إليهم المال لأن المال أصلاً لنا .
فالمعنى الحرفي لقول الله جل وعلا : (( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) أي ليس علينا إثم ولا حرج ولا وزر أن نأكل أموال الأميين فما من طريق يصل إلينا بها المحاسبة (( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) وقلنا أن الأميين يطلق على العرب لأن الأصل أن العرب أمة لا تقرأ ولا تكتب . قال صلى الله عليه وسلم : ( إننا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب , الشهر هكذا وأخذ يشير صلى الله عليه و سلم بأصابع يديه ليفهم من حوله ) , والنبي عليه الصلاة والسلام نعت في القرآن بأنه نبي أمي قال شوقي :
يا أيها الأمي حسبك ربتة فالعلم أن دانت بك العلماء
أما لماذا بعث النبي أمي ؟(46/27)
فليقطع الله جل وعلا ألسنه المشككين وشبه المعاندين فإن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بالقرآن من عند ربه أبلغ كتاب وأعظم عبارات وأجل كلام فلو كان عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب من قبل لقال عنه الكفار إن هذا الكتاب الذي أتى به أخذه عن من ؟ أخذه عن غيره لأنه يقرا ويكتب فما زال يطالع أربعين سنة ثم بعد أربعين سنة من المطالعة والقراءة والكتابة والاستكتاب خرج إلينا بهذا القرآن فبعث الله جل وعلا نبيه أمي لا يقرأ ولا يكتب , قال سبحانه : (( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ )) يعني لو كنت تقرأ وتكتب (( إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )) العنكبوت ( 48 ) . لكنه النبي عليه الصلاة والسلام كان أمي لا يقرأ ولا يكتب وهذا من فضل الله جل وعلا عليه .
نعود إلى مسألة مهمة فالأمية في حق النبي صلى الله عليه وسلم منقبة وفي حق غيره مثلبة .
يحسن بالرجل أن يقرأ ويكتب ولذلك قال الله جل وعلا : (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )) العلق ( 1 ) . فلا يأتي إنسان ويقول نحن ننتسب إلى أمة أميه فلا حاجه لأن نقرأ ولا نكتب , هذا النبي عليه الصلاة والسلام أمي حتى يقطع الله على يديه ألسنة المعاندين أما نحن ففي حاجة ملحة لأن نقرأ ونكتب ونزداد علماً .
وليس الأمي المقصود بها النبي عليه الصلاة والسلام عدم العلم وإنما قلت القراءة والكتابة وإلا العلم شيء آخر , فقد يكون من العلماء من لا يقرأ و لا يكتب يأخذ علمه بالتحصيل ويعطيه بالتلقين .
ثم قال سبحانه : (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) أي يعلمون أنه لهم وعليهم في الأميين سبيل ثم قال سبحانه : (( بَلَى )) هذه (( بَلَى )) جواب من الرب سبحانه على دعوى أهل الكتاب ليصبح المعنى بلى عليكم في الأميين سبيل .(46/28)
ثم قال سبحانه : (( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) هذه من (( مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى )) جملة استئنافية و (( بَلَى )) منقطعة عنها جواب من الرب سبحانه لما قبلها . أما معنى قول الله جل وعلا : (( مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) أي من عاهد إنساناً على أمانة وردها وأتم العهد فإنه قد أتم الشيء الذي عليه واتقى ربه ,
وهذا من أسباب حصول محبة من ؟ محبة الله سبحانه وتعالى قال الله جل وعلا : (( فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) .
ينجم عن الآيات كلها فوائد عدة لأن القرآن إنما أنزل ليكون منهجاً يسير عليه الناس :
الفائدة الأولى : ينبغي أن تفر في عباراتك وكلامك من ألفاظ العموم لأن ألفاظ العموم تجمع ما بين البر والفاجر والمخطئ والمصيب وليس هذا من العدل في شيِ . فقلنا هؤلاء يهود ومع ذلك لما تكلم الله عنهم سبحانه فصل ولم يقل جل وعلا إن اليهود كلهم لا يؤتمنون , وهذا أسلوب قرآني يعرفه كل من تدبر القرآن وسيأتي في آل عمران أن الله قال : (( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ )) . فالإنسان العاقل عندما يتكلم أو يحكم على قوم أو على جماعة أو على دار أو على مدرسة أو على أي شيء أو على أمة لا يحكم حكماً عاماً ولا حكماً جماعياً وإنما يفر من ألفاظ العموم على منهج القرآن الذي بينه الله جل وعلا للناس .(46/29)
الفائدة الثانية : الحق من قول أو فعل يقبل من أي أحد . دل على هذا هذه الآية عن طريق التلميح ليس عن طريق التصريح , ودلت آيات أخر عن طريق التصريح أن الحق يقبل من أي أحد , بلقيس كانت تحكم اليمن وكانت تعبد الشمس كما قال الهدهد : (( وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ الله )) النمل ( 24 ) .لما حصل ما حصل من بعث سليمان عليه السلام الخطاب لها وأخذت تستشير قومها قالت لهم : (( قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً )) هذا كلام من ؟ كلام بلقيس في كتاب الله قال الله بعدها : (( وَكَذَلِكَ يَفْعَلُون )) فالله جل وعلا صدقها على قولها رغم أنها عابدة ماذا ؟ عابدة شمس . الكفار القرشيون قال الله عنهم : (( وإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا )) الأعراف ( 28 ) . فذكروا سببين لفعل الفاحشة فلما رد الله عليهم قبل الله الأولى ولم يردها رغم أنهم عباد وثن يعبدون اللات والعزى لكن الله قبل قولهم أنهم وجدوا عليها آباءهم فلم يرد عليهم لكن رد في الثانية جاءت الآية (( قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) الأعراف ( 28 ) . لأنهم كذبوا في قولهم أن الله أمرهم بها لكن عندما قالوا (( قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا )) كانوا صادقين فلما كانوا صادقين أن آباءهم ورثوا هذا الشيء من آباءهم لم يرده الله جل وعلا عليهم .
فالحق يا أخي يقبل بصرف النظر عن قائله , وأما الخطأ فانه يرد بصرف النظر عن قائله .
فالخطأ يرد لكن إن كان قائله معروف بالعلم والصلاح والتقوى فانه يعتذر له ولسْتَّ ملزم بقبول القول لكنك لا تقع في عرضه .(46/30)
الفائدة الثالثة : أنه يجب تأدية الأمانات إلى أهلها فالدَّين شأنه عظيم عند الله تبارك وتعالى ومن يستدن ليأكل أموال الناس يضيعه الله جلا وعلا كما يريد أن يضيع أموال خلقه , ومن استدان ليسد ثغرة وإنما منعه العجز عن رد الدين فهذا يسدد الله جل وعلا عنه ولا يأثم . وكيف نعرف أن فلاناً يستدن من أجل تضييع أموال الناس أو من أجل الرد ؟ هذا يظهر من طبيعة المعاملة , فمثلاُ لو أن إنساناً تاجراً احتاج إلى مئة ألف ثم اقترض من رجل ما مئة ألف وقامت تجارته ثم انكسرت تجارته ثم لم يبقى في يديه إلا أموال يسيره ألف , ألفين , ثلاثة , فجاء اشترى بهذه الألف أو الألفين شيئاً لبيته فلا نقول له يجب أن تسدد المائة ألف , لأن هذه الألف والألفين ريال مثلاً لا تنفع صاحبها , وإنما تنفع الرجل في بيته وهي لا تنفع صاحبها الأول , لأن المبلغ زائد عن الحد عن قدرة هذا المستدين , لكن إذا كان الإنسان ينفق في شيء زائد عن حاجته بمقدار أكثر قليلا أو أقل مما هو مستدينه يدخل في من لم يفي بحق الأمانة بينه وبين الناس . وإذا كانت الشهادة ترفع بها كل إثمٍ إلا الدين كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أخبرني به جبريل آنفاً ) فهذا يبين أن الأمانات بين الناس شأنها عظيم ومن حاول وجاهد في تأدية الدَّين عن نفسه أدى الله جل وعلا عنه وأعانه ربه تبارك وتعالى .
ثم قال الله سبحانه في الآية التي تليها : (( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) .(46/31)
المناسبة بين الآيتين السابقة واللاحقة : الآية السابقة بيان للمعايب المالية وأما الآية التي بعدها بيان للمعايب الدينية في اليهود في عقائدهم . قال الله جل وعلا : (( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ )) اللي هو الميل تقول لوا فلان يدا فلان أي أمالها . (( يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ )) أي يحرفون الكتاب لفظاً ومعنى وينطقونه على هيئة من يغررك أنه من كلام الله .
(( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ )) اللام للتعليل والفعل بعدها منصوب وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وأصل الكلام تحسبونه بالنون لكن حذفت النون لدخول لام التعليل . (( لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ )) إذاً (( وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ )) ( ما ) هذه ما نوعها ؟ نوعها نافيه .
(( ومَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ )) المعنى أنهم لم يكتفوا فقط بأنهم يحرفون في الكلم حتى يلبسوا على الناس أن ما يقولونه من عند الله بل زادوا على ذلك إثماً فلم يكفيهم التلميح وإنما لجؤوا إلى التصريح وصرحوا كفراً وكذباً بأن ما يقولون هو من عند الله وهم يعلمون يقيناً أنه ليس من عند الله , قال سبحانه : (( وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) أي يفعلون ما يفعلون من كذب وخداع وتمويه على الناس وهم يعلمون حقيقة أنهم يأتون الباطل بعينه فلا يرتدعون عنه وهذه نعت مما نعت الله جل وعلا به اليهود .
فتَحَصَّل من الآيتين معيبان : المعيب الأول مالي والمعيب الثاني ديني (( وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) .(46/32)
ثم قال سبحانه : (( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) نعود لقضية المال الناس يتعاملون بالمال , حب الدنيا العاجل يدفع البعض والعياذ بالله لأن يحلف كذباً حتى ينال شيء من حطام الدنيا الزائلة وهذا أكثر ما يكون في التجار وهو وإن كان في اليهود يظهر إلا أنه ليس مختص بهم وحدهم وإنما يكون في كل صاحب سلعه في الغالب يريد أن ينفقها ويكون في غير أصحاب السلع . والمعنى أن الحلف بالله شيء عظيم وإعطاء العهد بالله تبارك وتعالى شيء أعظم .
فإذا كان الإنسان يبيع هذين العهد والحلف بالله من أجل أن يشتري شيئاً من الدنيا يعلم انه زائل كذباً وميلاً وزوراً فهذا توعده الله جل وعلا برواعد وزواجر عدة من أهمها :
أن الله جل وعلا لا يجعل له في الآخرة حظاً ولا نصيباً وهذا معنى قول الله جل وعلا : (( لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ )) فالخلاق هنا بمعنى الحظ والنصيب فلا حظ لهم ولا نصيب , (( وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ )) وهذا والعياذ بالله منتهى الحرمان , (( وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) وهذا اشد , (( وَلاَ يُزَكِّيهِمْ )) أي لا يطهرهم وتطهير الله لعباده يكون بغفران ذنوبهم وستر معايبهم , (( وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) .
ويتحصل من هذا فقهياً ما يلي :
أن الأيمان ثلاثة :(46/33)
الأولى : يمين اللغو : تجري على ألسنة الناس لا يتعمدونها ولا يقصدونها فهذه قال الله جل وعلا عنها : ((لاَّ يُُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ )) , يقول الرجل " بلا والله " , " كلا والله " , " اجلس والله " فهذه تجري على اللسان لم يتعمدها العبد فهذه أسماها الله جل وعلا لغواً وأخبر جل وعلا أنه لا يؤاخذ عليها .
اليمين الثانية : تسمى اليمين المنعقدة : وهي التي قال الله جل وعلا عنها (( وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )) وهذه تكون في الأمور المستقبلية " تفعل أو لا تفعل " , " تترك أو لا تترك " , فهذه إن وقعت على خلاف ما قلت يلزم منها كفاره اليمين .
وكفارة اليمين : واحد من ثلاث على التخيير إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة . فإن أعتق رقبة أو أطعم عشرة مساكين أو كسا إنساناً ما يكفيه لأن تقام بلباسه الصلاة يستر عورته في الصلاة . هذه الثلاثة على التخيير فإن لم يستطع أن يحرر رقبة ولم يستطع أن يطعم عشرة مساكين ولم يستطيع أن يكسوهم ينتقل في حالة العجز عن هذه الثلاثة بالتخيير ينتقل إلى الصيام , والمشهور عند العامة أن الصيام مواز لهذه الثلاثة وهذا خطأ . فإن هذه الثلاثة بينها التخيير قال الله جل وعلا : (( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ )) أي واحد من هذه الثلاثة (( فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ )) المائدة ( 89 ) . فلا ينتقل إلى الصيام إلا إذا عجز عن واحدة من هذه الثلاث .
هذان الاثنان لا علاقة له بالآية , الأخير هو الذي له علاقة بالآية .(46/34)
اليمين الثالثة : التي يحلفها الإنسان على شيء قد مضى , " يحلف على شيء لم يكن على أنه كان وعلى شيء قد كان على أنه لم يكن " هذه تسمى يمين غموس ولأنها من كبائر الذنوب لم يجعل الله جل وعلا لها كفارة , فتسمي يمينٌ غموس يمينٌ فاجرة , يلزم فيها التوبة النصوح والتخلص من المظالم والأوبة إلى الله جل وعلا . قال صلى الله عليه وسلم كما عند الستة من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ( من حلف على يمين فاجرة وهو كاذب ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله جل وعلا وهو عليه غضبان ) عياذاً بالله . وكفى بالمرء إثماً أن يلقى الله جل وعلا وربه تبارك وتعالى غضبان . وبالاستقراء أي في النظر في أحوال الناس عبر التاريخ أن كل من يحلف على يمين كاذبة يعاقبه الله جل وعلا قبل أن يموت . وهذا في محلات السيارات وأمثالها كثير خاصة إذا كان في قسمه وأيمانه مضرة على إنسان مسلم , كشهادة الزور تودي بأخيه المسلم وتضر به في الدنيا فهذه اليمين تبقى ملتحقة به وينتقم الله جل وعلا منه .(46/35)
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أبو إسحاق أحد العشرة المبشرين بالجنة . بعثه عمر رضي الله عنه أميرا على الكوفة فمكث فيها ما شاء الله , ثم جاء وفد من الكوفة فسألهم عمر رضي الله عنه عن سعد ؟ فكأن بعضهم ألمح على أنه لا يريده ,فبعث عمر رضي الله عنه و كان حاكماً عادل أشبه ما يسمى في أيامنا هذه بلجنة تتقصى الحقائق , فجاءت هذه اللجنة إلى الكوفة فأخذت تسأل الناس عن سعد في المساجد فيأتون المسجد يقولون كيف أميركم سعد ؟ فيدلي الناس بإجاباتهم حتى دخلوا مسجداً لبني عبس اللذين سكنوا الكوفة من بني عبس فلما دخلوا فيه سألوهم عن سعد ؟ فقام رجل قال : أما وقد سألتنا عنه فإنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية فقال كلمة أخرى كلها يرى أنها عيوب في سعد رضي الله عنه , وكان سعد رضي الله عنه حاضراً مع اللجنة فلما سمعه سعد رضي الله عنه وكان سعد رضي الله عنه يعلم أن هذا كاذب وقد حلف قال رضي الله عنه " اللهم إن كان عبدك هذا قد قال ما قال كذباً ورياءً فاللهم أطل عمره وعرضه للفتن " . فعاش هذا الرجل ما شاء الله له أن يعيش حتى طال عمره وأصبح رجلاً أبيض الحواجب مع بياض الشعر حتى تساقطت حاجباه على عينيه من شدة الهرم وكبر السن ومع ذلك في هذا السن التي يعقل فيها كل ذي خبل كان يقف في شوارع الكوفة وأحياءها وأسواقها يتعرض للنساء ويغمزهن ويلمزهن وهو قد تجاوز المئة فإذا قال له الناس يا رجل اتق الله يقول شيخٌ مفتون أصابته دعوة سعد . فلا يجد في نفسه قدره على أن يمتنع عن هذا . موضع الشاهد إن اليمين الفاجرة من أعظم ما حرمه الله ومن كبائر الذنوب وقد دلت الآية عليها : (( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) .(46/36)
ثم قال سبحانه : (( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )) هذا عود على بدء . والمعنى قلنا في الدرس السابق إن آية المباهلة نزلت بسبب وفد نجران وقلنا إن وفد نجران يقولون إن المسيح ابن الله فيعبد كما يعبد الله حسب زعمهم , هنا الله جل وعلا يقول رداً عليهم أنه لا يمكن أن يقع ولا ينبغي أن يقع أن الله جل وعلا يعطي بشراً الحكم أي الحكمة والكتاب المنزل ويجعله نبيا ثم هذا العبد يقول للناس اجعلوني رباً من دون الله , هذا لا يمكن أن يقع شرعاً ولا قدراً , لسبب بسيط وهو أن (( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )) الأنعام ( 124 ) . هؤلاء الأنبياء الجم الغفير الله جل وعلا قبل أن يبعثهم علم تبارك وتعالى ما في قلوبهم . ولذلك لا يمكن أن يقع منهم خلاف ما أراده الله جل وعلا أن يكونوا عليه , لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية القدرية , من الناحية القدرية كل الناس في هذا سواء ولكن لا يقع منهم لا شرعا ولا قدرا . ولذلك قا ل الله جل وعلا : (( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ )) طيب ما الذي يقع ؟ جاء الجواب ولكن أي الذي يقع والذي يقوله النبي (( وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )) كلمة رباني نسبة إلى الرب فزعم بعض العرب أنها لفظ غير عربي وأنها غير مسموعة بلغة العرب والأكثرون على أنها عربيه .
والمعنى اختلف العلماء فيه في معنى (( رَبَّانِيِّينَ )) وجميع ألفاظ العلماء تدل على معناً متقارب فمجملها أن يقال :(46/37)
إن الرباني هو : العالم الفقيه الذي يستطيع أن يسوس الناس بعقل وحكمه ويربي طلبته على صغار العلم قبل كباره .
إن جمع الإنسان هذا كله قدر له أن يكون من الربانيين في العلم . والحوادث المعاصرة ميزت كثيراً من الربانيين عن غيرهم . فالربانيون من العلماء لا يلقون الناس في المهالك . والشاطبي رحمة الله في الاعتصام وفي الموافقات وهي كتب في التأصيل العلمي بين كثيراً في معنى الربانية وتكلم على ما ينبغي أن يكون عليه العالم الحق الذي يسوس الناس في أيام الفتن العالم . الذي يسوس الناس في أيام الفتن لا يهمه أن يجيب على السؤال وإنما يهمه أن ينظر في المآل . أعيد العالم الرباني الذي يسوس الناس في أيام الفتن لا يهمه أن يجيب على السؤال حتى يقال عالم ويتخلص منها وإنما يهمه أن ينظر في المآل قبل أن يتكلم . فينظر مآل قوله مآل فتواه وعاقبتها على عامة الناس قبل أن يتفوه بها حتى يكون الناس على بينه من أمرهم في دين الله جل وعلا وتلك منازل الكل يطلبها وقليل من يحصل عليها بلغنا الله وإياكم إياها .
(( وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )) الباء في الحالتين سببيه . والمعنى بما أنكم رزقتم الكتاب تعلمونه وتَدرسونه وتُدرسُونه فإنه ينبغي عليكم أن تكونوا ربانيين وأنتم تسوسون الناس .(46/38)
ثم قال سبحانه (( وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ )) الواو هنا عاطفة على الصحيح . والمعنى إن هذا النبي يقول لقومه إن الله لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً , ذلك أن لب دعوة الرسل هي إقامة التوحيد , فلو جاء نبي وطلب من الناس أن يعبدوا الملائكة ويعبدوا النبيين لخالف هذا جوهر الرسالة التي بعث من أجلها . فما أنزل الله الكتب ولا بعث الله الرسل ولا نصب الله الموازين ولا أقام البراهين إلا ليعبد وحده دون سواه . فعلى هذا كان بدهياً أن الأنبياء والمرسلين يأمرون الناس أن يفروا من الربوبية العبودية إلا أن يعبدوا الله جل وعلا لا رب غيره ولا إله سواه .
(( وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ )) الناس إذا علموا الكتاب وعلموا الحكمة تحركت الفطرة التي في أنفسهم وأصبحت مقبلة على الله , فكيف يعقل أن هذا النبي بعد أن أسلم الناس وأصبحوا مقبلون على ربهم جل وعلا يطلب منهم أن يعبدوا الملائكة أو أن يعبدوا النبيين هذا لا يمكن أن يقع كما بينا كما قال الله : (( مَا كَانَ )) أي ما ينبغي ولا يمكن أن يقع . (( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ{79} وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُون )) .(46/39)
ثم قال سبحانه : (( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )) .
اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على طريقين :
فريق يرى وهم الأقل من العلماء أن هذه الآية شاملة لجميع الأنبياء , والمعنى عندهم أن الله جل وعلا بعث النبيين بغاية واحده هي عبادته سبحانه فيأخذ الله جل وعلا من كل نبي أن يبين هذا للناس وأن يعينه من بعده على هذا الطريق هذا ما فهمه بعض العلماء . والفريق الثاني وهم الأكثرون من العلماء وهم المحفوظ المنقول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن هذه الآية منقبة لنبينا صلى الله عليه وسلم ,
ويصبح معنى الآية على النحو التالي : إن هناك ميثاق وهناك من أخذ الميثاق , وهنا ك من أُخذ عليهم الميثاق . فأما الذي أخذ الميثاق فهو من؟ الرب جل وعلا وهذا واضح .
(( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ )) . والذين أحذ منهم الميثاق النبيون وأتباعهم وإنما ذكر النبيين فقط وأن من درج فيهم الأتباع لأن الأنبياء رؤوس الناس . مالذي أخذه الله منهم ؟ أخذه الله منهم أنه متى ظهر نبينا صلى الله عليه وسلم في زمانهم يجب عليهم أن يتبعوه (( ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ )) المقصود به نبينا صلى الله عليه وسلم (( مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي )) والإصر بمعنى العهد (( قالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )) .
ينجم عن هذا أمور فهو المقصود من درس التفسير اليوم :(46/40)
النبي صلى الله عليه وسلم حضنا من النبيين ونحن حظه من الأمم ولا نبي بعده ولا أمة بعدنا , وهذا النبي خصه الله جل وعلا بأمور منها ما يشترك مع إخوانه من النبيين ومنها ما هو خصيصة له صلوات الله وسلامه عليه .
فمما يشترك فيه مع النبيين مر معنا أن النبي تنام عينه ولا ينام قلبه وأنه يخير عند الموت وأنهم يدفنون حيث يقبضون وأنهم مؤيدون بالوحي هذا كله يشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع غيره من الأنبياء .
ثم خصه الله جل وعلا بخصائص عده صلوات الله وسلامه عليه , منها هذه الخصيصة وهي أن الله أخذ العهد والميثاق من النبيين من قبل أنه متى ظهر صلوات الله وسلامه عليه في زمانه أن يتبعوه . وهو صلى الله عليه وسلم ظهر و ليس هناك نبي وآخر الأنبياء قبله عليه الصلاة والسلام عيسى ابن مريم عليه السلام وبين عيسى عليه السلام ونبينا عليه الصلاة والسلام قرابة ستة قرون وهو آخر الأنبياء أي عيسى عليه السلام قبل نبينا عليه الصلاة والسلام , يقول عليه الصلاة والسلام : ( لو أن موسى ابن عمران كان حياً لما وسعه إلا أن يتَّبِعني ) .
ولذلك الذين قالوا إن الخضر حي ـ الخضر صاحب موسى المعروف ـ في قول للعلماء أنه حي هذا وإن كان مرجوحاً نقول من أعظم الأدلة على أن الخضر غير حي أن النبي عليه الصلاة والسلام وقف في لواء يوم بدر ويوم بدر جمع الله جل وعلا فيه على تلك الأرض على أرض بدر خيرة الله جل وعلا من خلقه تحت اللواء في يوم بدر , وذلك اللواء كان تحته النبي عليه الصلاة والسلام وجبرائيل . فلو أن الإنسان صنع ما صنع من الدين والمناقب والعطايا و الإمامة وغير ذلك لا يمكن أن يصل إلى الدرجة التي أعطاها الله جل وعلا أهل بدر يوم بدر , فإن الله جل وعلا أخرجهم من بيوتهم ليكونوا مع نبيه عليه الصلاة والسلام . وحسان بن ثابت قال مفتخراً في شطر بيت لم تعرف العرب فخراً أعظم منه أنه قال :
و جبريل تحت لوائنا ومحمد(46/41)
موضع الشاهد لو كان الخضر حياً لوجب عليه شرعاً أن يكون مع نبينا صلى الله عليه وسلم يوم بدر لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يومها في أعظم الحاجة إلى النصرة . ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو ينظر إلى أهل بدر من أصحابه : ( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً ) . وقال عليه الصلاة والسلام لعمر في قصة حاطب : ( أما علمت أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم ) . فلا يعدل مقام النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر وأصحابه أي مقام لأي أحد بعدهم من أهل الدنيا لا من الصحابة ولا من غير الصحابة فإن لم يكن من الصحابة فمن باب أولى كل ما يصنعه الناس بعد الجيل الأول للصحابة لا يمكن أن يرقى لصنيع المسلمين الثلاث مئة والأربعة عشر الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر . موضع الشاهد كنا نتكلم على أن الخضر يجب أن ينصر النبي صلى الله عليه وسلم . هذا العهد أول خصائص أو واحد من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم .(46/42)
من خصائصه عليه الصلاة والسلام أن الرسول يبعث إلى قومه خاصة وهو عليه الصلاة والسلام بعث إلى الناس عامة . من خصائصه عليه الصلاة والسلام أن الجن كذلك بعثه الله جل وعلا إليهم , ولما عاد عليه الصلاة والسلام في وادي نخله بعد خروجه من الطائف وأخذ يقرأ القرآن ويقوم الليل يتلوا آيات ربه جاء الجن فاجتمعوا عليه قال الله جل وعلا : (( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ))عبدالله يعني من ؟ نبينا صلى الله عليه وسلم يدعوا من ؟ يدعوا ربه (( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً )) الجن ( 19 ) . اللبد الشيء إذا تجمع . فالجن لما سمعت قراءته صلى الله عليه وسلم وتوسله إلى ربه في ظلمة الليل في وادي نخله أقبلت رغم شدة جبروتها وأنها مخلوقه من نار أحاطت به صلى الله عليه وسلم وأخذت تسمع ما يقوله وأخذت تسمع ما يتلوه ويقرؤه صلى الله عليه وسلم في ظلمة الليل رغم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعلم ولم يرى الجن وهم يستمعون إليه ولذلك قال الله له : (( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ )) أي أنا لا أدري (( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً )) الجن ( 1 ) . وإلا فهو صلوات الله وسلامه عليه اجتمعوا حوله وسمعوا قراءته وتلاوته وتهجده وتعبده لربه ودعائه لله وهو لا يعلم عنهم شيئا , فلما مضى صلوات الله وسلامه عليه أخبره ربه بان الجن كانت تستمع إليه . من خصائصه صلى الله عليه وسلم رحلة الإسراء والمعراج وهذه أشهر من أن تُعرف . ومن خصائصه صلوات الله وسلامه عليه أن الله يعطيه يوم القيامة مقام الوسيلة وهو المقام المحمود قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزله في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد صالح وأرجوا أن أكون أنا هو ) صلوات الله وسلامه عليه , فالوسيلة حق له صلوات الله وسلامه(46/43)
عليه من ربه وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام . والمقام يطول لكن الذي يعنينا أن يكون الفرد محبا متبعا لنبيه صلى الله عليه وسلم . وفي عصرنا هذا كثر المشاهير من أهل الحق ومن أهل الباطل وبالغ الناس فيهم بالذات مبالغات الناس في أهل الباطل , والمؤمن التقي العاقل الذي يعلم ويتلو كتاب الله حقا لا يقبل أن يعظم في قلبه إلا من ؟ إلا الله .
القلب يا أخي مثل الكعبة فالكعبة لا يليق أن يكون عليها صور لأنها بيت الله وقلب المؤمن لا ينبغي أن يعلق بأحد إلا بمن ؟ إلا بربه جل وعلا أو من أمرنا الله جل وعلا أن نحبه كنبينا صلى الله عليه وسلم فنحن نحبه صلوات الله وسلامه عليه لأن الله جل وعلا أمرنا بحبه , ولا يمكن أن يرقى حبنا له كحبنا لربنا تبارك وتعالى .
كما أن المبالغة في مدح أهل الحق يخرج بهم كذلك , قد يدخلهم في الفتن وهذا حاصل في عصرنا فإن الإنسان من طلبة العلم يحمد له حبه للعلماء وحبه للدعاة وهذا شئ من فضائل الأمور ولكن لا يحصل المبالغة في تعظيم الدعاة ولا العلماء ولا المدرسين ولا غيرهم مبالغة يتجاوزون بها عن الحد لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن , وربما أعجبت الإنسان نفسه من كثره مبالغة الناس في تعظيمهم له وثنائهم عليه وتقبيلهم لرأسه يوم بعد يوم مرحله بعد مرحله فيدخله والعياذ بالله ما يدخله ما يكون سبب في هدم دينه وهدم دين أتباعه , وقد ذكر بعض العلماء الثقات رحمه الله في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تعلم كيف يبلغ الناس أحياناً بهم الضلال إلا ما لا نهاية ,(46/44)
أن رجلاً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يضن نفسه أنه من أولياء الله من أصحاب الطرائق المذمومة فرءاه رجل من العامة كان يجلس بجانب هذا العالم المتوفى الذي كتب هذا بيده وأنا قرأته كان يجلس بجواره فلما جاء هذا الرجل قام هذا العامي وأجلس هذا الرجل مكانه , فلما فرغت الصلاة وهذا في الحرم النبوي قال هذا العالم وهو من أساطير العلماء قال له : يا هذا مرة أخرى لا تقم من مقامك في الحرم لأحد ولو كان القادم أبو بكر وعمر قالها للعامي والرجل يسمع فما ذا أجاب العامي وانظر إقرار الرجل قال العامي هذا أفضل ممن ذكرت أفضل من أبي بكر وعمر , قال الشيخ رحمه الله يقول وهذا يسمع ولا ينكر شيئاً عياذاً بالله , هذا الذي قال هذا عامي جاهل وهذا الذي قبل هذا رُبي يومياً عياذا بالله تدريجيا من مبالغات الناس وثنائهم حتى وصل إلى هذه المرحلة فصدق كذب الناس . من هذا يفهم أن أحياناً بعد الدرس بعض الطلاب جزاهم الله خيرا يسلمون ويقبلون الرأس لا داعي لهذا إذا كانت ولا بد أن تسلم على الشيخ صافحه . إذا قدم الإنسان من سفر لا بأس , لكن أن يقبل كل شيخ بعد كل درس على رأسه أو على غير ذلك هذا لا يحسن , فتنة للمحاضر وذلة للمتبوع والعاقل من حرر نفسه وحرر الناس من رقة أحد إلا لمن ؟ إلا الله جل وعلا .(46/45)
انتهينا من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما بينا وقلنا إن محبته عليه الصلاة والسلام مندرجة في حبنا لربنا تبارك وتعالى . ثم إن هذه المحبة ينبغي أن تنقلب إلى سلوك فكما ينبغي أن تستقر في القلب ينبغي أن تنقلب إلى سلوك كيف تنقلب إلى سلوك ؟ إن الإنسان ينظر أين هديه من هدى الرسول صلى الله عليه وسلم وليس الدين أن تأخذ من الدين ما يناسبك وتترك ما لا يناسبك ولكن الدين أن تعلم أنه مبنيا على قاعدة واحده , القاعدة هذه قالها صلى الله عليه وسلم : ( إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإن أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ) . القدرات تختلف أما النهي الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم يجب أن تنتهي عنه نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الزنا عن شرب الخمر عن إيذاء المؤمنات عن أمور عده من المحرمات هذه لا مجال للأخذ والعطاء فيها ينتهي المؤمن . أما ما أمرنا الله به فالناس يختلفون لا يمكن أن نطالب الناس بالأمر الكلي ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( فاتوا منه ما استطعتم ) . فمثلا صيام ثلاثة أيام من كل شهر .صيام يوم وإفطار يوم هذا أمر محمود لكن ليس كل الناس يطيق الصيام , الأمر بالإنفاق أمر محمود لكن ليس كل الناس يملك المال وعلى هذا قس أمورك أن ما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم افعل منه ما تستطيع أن تفعله , أما ما نهاك النبي صلى الله عليه وسلم عنه فانتهي عنه بالكلية حتى يكون اتباعك لنبينا صلى الله عليه وسلم طريقاً لك إلى رحمه الله جل وعلا ومغفرته ثم في جناته جنات النعيم .(46/46)
ثم قال الله تبارك وتعالى : (( وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ{80} وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{81} فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) أي بعد أن بين الله هذه الحجج وأوضح الله تلك الطرائق وأقام الله جل وعلا تلك البراهين فجاء من الناس من أعرض وتولى ولم يقبل نداء الله تبارك وتعالى له , فلا ريب أنه من الفاسقين .
وقد قلنا أن الفسق ينقسم إلى كم قسم ؟ إلى قسمين :
قلنا فسق يخرج من الملة كقول الله : (( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ )) وفسق غير مخرج من الملة قال الله جل وعلا : (( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ )) الحجرات ( 7 ) . ومن القواعد العلمية " أن العطف يقتضى المغايرة " . والله عطف الكفر والفسوق والعصيان بعضها على بعض فدل على أن الكفر غير الفسوق والفسوق غير العصيان (( فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) .
ثم قال سبحانه : (( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )) .(46/47)
(( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ )) الهمزة للاستفهام ونوع الاستفهام هنا استفهام إنكاري أي المعنى : كيف يبغون ديناً غير دين الله . من عرف هذه الحجج وعرف هذه البراهين واستبانت له لا يمكن أن يقبل ديناً غير دين الله تبارك وتعالى . ثم ذكر الله جل وعلا أن مما يدلهم على أنه ينبغي أن يتبعوا الله أن الله جل وعلا قال : (( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )) اللام هنا للملكية وقد جاءت معنا في آية الكرسي لما قلنا إن الله يقول : (( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) .
وقلنا أن الملك كم قسم ؟ قسمان : ملك حقيقي وملك صوري .
وقلنا إن ما يجري في الدنيا اليوم هو ملك صوري وأن الملك الحقيقي أصلاً لله وقلنا أن ما تملكه اليوم إما أن تذهب عنه و إما أن يذهب عنك , ولذلك قال الله جل وعلا : (( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ )) الفرقان ( 26 ) . مع أن الملك يومئذ واليوم لله وقال الله جل وعلا في آخر الانفطار : (( وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ )) ولاشك أن الأمر كل يوم لله لكن المقصود حتى الحالة الصورية تغيب وتذهب (( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ )) أي انقاد وخضع واستسلم لله تبارك وتعالى (( طَوْعاً وَكَرْهاً )) هذا من الأضداد ويسميه البلاغيون طباق إذا جاءت الكلمتان متضادتان يسميه البلاغيون طباق مثلاً الليل والنهار, طوعا وكرها .
طوعا معروفه وكذلك كرها .
ولكننا نفرق ما بين كَرها بفتح الكاف وكُرها بضم الكاف وهذه من اللغويات وهذه شرحناها في دروس متفرقة :
نقول أن الكَره هي المشقة الخارجة عنك التي لا تريدها الأمر الذي تجبر عليه وأنت لا تريده هذا يعبر عنه بماذا؟ بالكَره .
وأما الكُره بضم الكاف فهي المشقة التي تريدها رغم أن فيها مشقه , المشقة التي تطلبها أنت لأن فيها منفعة رغم مشقتها .(46/48)
وبالأمثال يتضح الحال : الحال الكَره مثل قول الله تبارك وتعالى في هذه الآية : (( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً )) وقول الله تبارك وتعالى : (( لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً )) أي وهن غير راضيات . أما الكُره بضم الكاف فإن الله كتب الحمل على بنات حواء وقال سبحانه وتعالى : (( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً )) الأحقاف ( 15 ) . فالمشقة التي تأتي للمرأة مشقة الحمل مشقة مرغوبة أو غير مرغوبة ؟ مرغوبة طبعاً ما من امرأة إلا وهي تريد أن تلد وتحمل فهذه مشقة مرغوبة لذلك عبر الله عنها بالكُره . أما عند ما تكون غير مرغوبة تسمى كره بفتح الكاف . قال الله جل وعلا عن الجهاد في سبيله : (( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ )) البقرة ( 216 ) . بضم الكاف والجهاد فيه مشقة لأنه فيه ذهاب أرواح وذهاب أبدان وذهاب أموال ويرى الناس فيه من العناء والمشقة الشيء العظيم لكن ما فيه من أجر ما يتعلق به من ثواب ما ينال المسلم فيه من قربات عند الله هذا يجعله محبوباً إلى النفوس , لذلك عبر الله جل وعلا بضم الكاف .
ثم بين سبحانه وتعالى دلالة ملكه وعظيم عطائه فقال جل ذكره : (( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )) أي أن مآبهم ومردهم إلى الله تبارك وتعالى وهذه آية من مثاني القرآن سيأتي عنها الحديث تفصيلاً .
قال ربنا تباركت أسماؤه وجل ثناؤه :(46/49)
(( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) المعنى الإجمالي للآية : أن الله جل وعلا يخبر أن معالي الأمور والجوامع لكل خير التي هي رأس كل غاية وأمل كل مؤمن لا تنال إلا بإنفاق الإنسان لأشياء يحبها , والله جل وعلا جبل القلوب على حب المال قال سبحانه : (( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً )) سورة الفجر( 20 ) وقال جل ذكره : (( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ )) سورة العاديات ( 8 ) .
والمال هنا ليس وقفا على النقدين الذهب و الفضة وإنما المال كل ما يتمنى الإنسان ويملكه من نقدين أومن عقار أو أراض أو من غير ذلك كعروض التجارة , هذا كله يدخل تحت مسمى المال كالخيل والفرس وما أشبه ذلك مما يملكه الإنسان .
فالله جل وعلا يقول إن النفوس جبلت على حب المال فإذا بلغ الإنسان مرتبة يتخلى فيها عما يحب لشيء أعظم وهو حبه لله جل وعلا كان ذلك موصل لطريق الخير والبر .
(( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ )) لن تحصلوا عليه لن تدركوه . (( حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )) أي حتى يتخلى الإنسان عن محبة الدنيا والتعلق بها ويصل بنفسه إلى مرحلة يتخلى عن ما يحب من أجل ما عند الله جل وعلا من ثواب وعطاء وجزاء .
ثم قال سبحانه : (( وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) كل ما أنفقه الإنسان مهما عظم أو حقر فإن الله جل وعلا يعلمه ويكتبه له إن خيراً فخير وإن كان غير ذلك فغير ذلك .
جيل الصحابة أعظم جيل بلا شك :(46/50)
هذه الآية لما نزلت كان جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أعظم جيل بلا شك , ناصروا نبينا صلى الله عليه وسلم وأيدوه ووقفوا معه , هم شامة في جبين الأيام وتاج في مفرق الأعوام رضي الله عنهم وأرضاهم , لما نزلت هذه الآية تسابقوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم في الإنفاق مما يحبون , ومما نقل نقلاً صحيحاً ما في الصحيحين من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه كما روى عنه أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة هذا الصحابي الجليل كانت له نخلٌ في مقدمة المسجد النبوي تسمى بئر بالنبر وبير بالياء " بئر حاء " كانت في مقدمة المسجد وكان ماؤها عذب طيب كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ذلك النخل ويشرب من ذلك الماء الطيب , فلما نزلت هذه الآية عمد هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه وأشهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا النخل صدقة في سبيل الله فقبلها عليه الصلاة والسلام وقال له : من باب الإرشاد ( اجعلها في أقربائك ) , فجعلها أبو طلحة رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده في اثنين من الأنصار هما حسان بن ثابت وأبي بن كعب وكانا ذا قرابة من أبي طلحة رضي الله تعالى عنه وأرضاه . كما نقل من وجه آخر أن زيد بن حارثه الذي جاء ذكره في القران أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت له فرس تسمى" سَبَل " وكانت أثيرة عنده مقربةً لديه فلما أنزل الله جل وعلى قوله : (( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )) جاء زيد رضي الله عنه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وقال : يا نبي الله إن فرسي سبل أحب مالي إلي وقد أشهدتك أني جعلتها صدقة في سبيل الله وأعطاها النبي عليه الصلاة والسلام ليتصدق بها فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أسامه بن زيد وأعطاه الفرس فلما أعطاه الفرس قال صلى الله عليه وسلم : ( اقبضه يا أسامه ) تغير وجه زيد لأنه ما كان يريد أن يأخذها ولده حتى يشعر أنه أنفق بعيداً , فلما رأى(46/51)
النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجه زيد قال : ( يا زيد إن الله جل وعلا قد قبل صدقتك منك ) . موضع الشاهد أن المقصود إخراج حب المال من القلوب , أما أين يقع المال مسألة لا تهم إذا اجتهد الإنسان وبذل جهده , قد يقع في قرابة قد يقع في غير قرابة يجتهد الإنسان , والإنسان مأمور أن يجتهد أين يضع ماله لكن المهم إخراج الدنيا من القلوب .
ينبغي على الإنسان أن يتبع السنة بفهم للسنة لا بفهمه هو :
وليس معنى ذلك أن يأتي الإنسان لشيء يتقوت به وينفق به على عياله ولا يملك غيره ثم ينفقه كما نسمع بين الحين والآخر فإن هذا قد يكون في بعض الأحايين مخالفاً للصواب قال الله جل وعلا : (( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً {29} إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً{30} )) سورة الإسراء . فالإنفاق أن ينفق الإنسان من أحب ما لديه نعم , ولكن ينظر نظرة توازن في أهله وذويه وأبناءه ومن لهم حق عليه , والناس في هذا يختلفون اختلافاً جذرياً , ليس معنى أنهم يختلفون في الإيمان , نعم هم كذلك لكن في هذا الشأن لا , إنما يختلفون في قضية أن من الناس من يستطيع أن يعوض ومن الناس من لا يستطيع أن يعوض , ولو ذهب ليقترض لا يقرضه أحد . فهذا لو أنفق ماله كله أصبح أشد ممن أنفق عليه وأشد ممن طلبه مالاً فأعطاه ولا يقول بهذا عاقل لكن يوجد إنسان له جاه و له قدره أن يستدين يحبه الناس و معروف , إمام مسجد , خطيب , مدير , موظف كبير هذا لو أعطى ماله كله يستطيع أن يعوضه , أو رجل تاجر حتى لو أنفق اليوم ماله كله غداً يكسب شيء آخر . على هذا يحمل ما فعله الصحابة , لا يأتي إنسان يقول أبو بكر رضي الله عنه أنفق ماله كله . نعم أبو بكر رضي الله عنه أنفق ماله كله لكن أبو بكر رضي الله عنه كان تاجراً ما ينفقه(46/52)
اليوم يعوضه غداً, لكن لا يأتي الإنسان كما نسمع في بعض الحملات في بعض المناسبات كحملة الانتفاضة أو غيرها يأتي الإنسان سمعت هذا بأذني لا يملك إلا السيارة التي ينقل عليها الماء يسميها العامة " وايت " , فلما تبرع بها قال : يعلم الله أنني لا أملك غيرها وبها أقتات لأبنائي , ثم قال : جعلتها في سبيل الله , هذا ليس بحق ولا برشد وليس بعقل نسأل الله أن يتقبل منه نعم , لكن هذا أمر لا يقبل لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ) . هذا الرجل إذا أمسى وأبناءه لا يجدون طعاماً وبناته في ظل هذا الزمن الذي يحتاج فيه الناس إلى الدينار والدرهم كره أبناه الدِّين لأنهم يشعرون أن الدين هو السبب في إنفاق المال كله , المقصود أن الإنسان يتبع السنة بفهم للسنة لا بفهمه هو , إنما كما فهمها الصحابة رضي الله عنهم , أبو طلحه رضي الله عنه رجل غني رجل ثري من ماله المحبب إليه مزرعة بجوار المسجد أحب ماله إليه معنى أن ماله كثير ولكن هذا أحب ماله إليه . كإنسان عنده مزرعة وعنده قصر أفراح وعنده عمائر وعنده أبناء يقوتهم . وأحب ماله إليه المزرعة أو قصر الأفراح فتصدق بقصر الأفراح تصدق بالبناية تصدق بالمزرعة هذا طبق السنة .
أما أن يأتي إنسان وهذا يمر علينا بحكم مخالطتنا للناس يأتي شاب لا يملك إلا راتبه وقد يأتيه الراتب أحيانا أو موظف في شركه مرة يثبت ومرة لا يثبت ثم يأتي ويقول : أنفقت مالي كله لمؤسسة كذا أو جمعية كذا أو لسبب كذا , هذا يا بني الإنسان يكون راشداً عاقلاً لا يتكلف مفقود ولا يرد موجود يمشى بخطى والله أعلم بما في صدور العالمين , ولا حاجة لأن يرى الناس ماذا تصنع .(46/53)
نقول : عموماً أن الإنفاق من أعظم أسباب حصول الخير , لكن كما قلت بضوابطه الشرعية . وكلما كان في السر كان أعظم وأبلغ قال عليه الصلاة والسلام لما ذكر السبعة : ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) و ليست العبرة بالكثرة بقدر ما العبرة أن يصيب مال الإنسان ذا فاقة يحتاجها وكلما كان ذا قرابة كان أولى و أحرى لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أبا طلحه أن يضعها في قرابته فوضعها كما ذكرنا عند حسا ن وعند وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
هذا المعنى الإجمالي للآية أما ما يتعلق بها علمياً :
فإن " لن " : حرف ناصب يفيد نفي المستقبل كما أن " لم " : حرف جازم يفيد نفي الزمن الماضي , وأنت طالب علم ستمر عليك " لن و لم " كثيراً , " لن " ينفى بها المستقبل و " لم " ينفى بها الماضي وكلاهما يؤثر في الفعل بعده .
فـ " لن " تنصب الفعل و " لم " تجزمه . وإذا طبقتها على الآية الله عز وجل يقول : (( لَن تَنَالُواْ )) أصل الفعل تنالون بنون زائدة في آخر الفعل و تسمى نون علامة ثبوت النون من الأفعال الخمسة .
لما دخلت " لن " حذفت النون فأصبحت (( لَن تَنَالُواْ )) بدون نون ثم توضع ألف للدلالة على أن هذه الواو " واو الجماعة " .
(( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ )) اختلف العلماء في المقصود بالبر قيل إنه الجنة وهذا رأي ابن مسعود وابن عبا س رضي الله عنهم والسدي رحمه الله وغيرهم من أئمة التفسير , وإذا قلنا أنه الجنة يصبح تقدير الآية : لن تنالوا ثواب البر الذي هو الجنة . فوضع المقدر مكان ما قدر به . وقيل إن البر اسم جامع لكل خير واختاره ابن السعدي في تفسيره على أن المعنى أن يصل الإنسان إلى الاسم الجامع لكل خير .
والغاية أن يقال إن البر سواءً قلنا إنه الجنة أو الطريق إلى الجنة فالمعنى متقارب لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر الصدق قال : ( وإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ) ,(46/54)
(( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )) " حتى " هذه يقول عنها بعض النحاة , والنحاة معروفون جمع نحوي وهم مشتغلون بعلم النحو مثل سيبويه و أقرانه , أحدهم قال قبل أن يموت : " أموت وفي نفسي شئ من حتى " .
والمعنى أن " حتى " حرف غريب في تأثيره فيما بعده , وذلك أنهم لما نظروا إلى الأحرف وجدوا أن عملها واضح جلي بعضها ينصب و بعضها يجزم و بعضها عطف وبعضها استئنافيه ولها طرائق . ولما جاؤا عند "حتى " وجدوا أنها تقبل الجميع ويمثلون ــ وأنا قلت أني مضطر أن أتكلم هكذا لأنك ستفسر القرآن بعدنا فلابد أن تتضح عندك الطرق ــ يقولون مثلاً : " أكلت السمكة حتى رأسها " أكلت فعل وفاعل والسمكة مفعول به , وبعدها " حتى رأسها " قالوا : إن قلت أكلت السمكة حتى رأسُها بالرفع صح وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسَها بالنصب صح وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسِها بالجر صح . هذا الذي أشكل على النحاة وقال قائلهم : " أموت وفي نفسي شيء من حتى " .
فعلى القول أكلت السمكة حتى رأسُها تصبح " حتى " حرف استئناف و يصبح المعنى أكلت السمكة حتى رأسها أكلت , فتعرب رأسها مبتدأ وأكلت المقدر المحذوف خبر . وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسَها بالنصب جعلت " حتى " حرف عطف فعطفت كلمه رأس على السمكة . وإذا قلنا أكلت السمكة حتى رأسِها بالجر تصبح " حتى " حرف جر وما بعدها اسم مجرور .(46/55)
(( حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) وهذا أحد معاني كلمة " ما " وقلنا فيما سبق أن " ما " تتكرر في القرآن ولها بحسب سياقها معاني عده فتأتي نافية وتأتي استفهامية , وهنا أتت شرطيه (( مَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) إذن الجملة جملة شرط . أداة الشرط : ما , وفعل الشرط : تنفقوا , وجواب الشرط : الجملة الاسمية (( فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) , على هذا " الفاء " في قول الله : (( فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )) واقعة في جواب الشرط .
قصة بني إسرائيل ومن هو إسرائيل ؟
ثم قال تعالى : (( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) .
نبين قصة إسرائيل ثم ندخل في مناسبة الآية :
إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ورزقه الله بعد ما كبر ذريه نص الله على اثنين من هؤلاء الذرية الأكبران الأجلان إسماعيل وإسحاق عليهما السلام , إسماعيل من هاجر وإسحاق من سارة , ومن إسماعيل جاء نبينا صلى الله عليه وسلم ومن إسحاق جاء يعقوب عليهما السلام .
إلا أن يعقوب عليه السلام الأظهر أنه كان توأماً لأخ له يقال له " العيس " لما ولدتهما أمهما على ما يقول جمهرة المؤرخين ولدت العيس أولاً ثم أعقبه يعقوب فسمي يعقوب لأنه جاء في عقب أخيه . والعيس كان محبباً إلى إسحاق أكثر من يعقوب وكان يعقوب محبب إلى أمه أكثر من العيس .(46/56)
من يعقوب هذا ؟ بعدما كبر بفترة قابله مََلَك , المَلَك هو الذي سمى يعقوب إسرائيل على معنى أن كلمه إسرائيل عابد الرب ككلمه عبدالله أو حولها . إذن يعقوب عليه السلام له اسمان : يعقوب الاسم الذي سماه به أبوه والاسم الثاني إسرائيل . وبهما جاء القرآن قال الله عز وجل : (( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ )) سورة هود ( 71 ) . وقال الله عز وجل : (( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ )) .
من ذريه إسرائيل هذا جاء بنو إسرائيل الذين من هم اليوم ؟ هم اليهود .
ومن ذريه إسماعيل جاء العرب المستعربة الذين هم نحن , ومن ذريه العيس جاء الروم الذين هم الأوربيون والأمريكيون اليوم ـ أغلب من هاجر إليها من الأوربيين ـ . إذن الأمريكيون و الأوربيون واليهود والعرب كلهم أبوهم إبراهيم عليه السلام , إلا أن إسحاق وإسماعيل كانا نبيين بنص القران أما العيس فلم يكن نبياً وإنما كان محبباً لوالده ودعا له كما يقولون أبوه أن يملك غلاض الأرض وأن يرزقه من الثمرات وهذا حاصل كل من يرى ما هم فيه من الثمرات يتذكر دعوة إسحاق عليه السلام لابنه العيس . إلا أن من ذرية إسحاق جاء يعقوب الذي اسمه إسرائيل . فعندما يقال بنو إسرائيل ينسبون إلى جدهم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام . هذا إسرائيل " يعقوب " تخاصم مع أخيه العيس فخرج , عندما خرج بعد ما تخاصم مع أخيه العيس لم يكن له ذرية ثم رزقه الله ذرية , لما رزقه الله ذرية بارك الله له في ذريته حتى حصل ما حصل من قصة نبي الله يوسف عليهم السلام . ولم يكن يوسف وحيداً ليعقوب وإنما كانوا جملة أخوه ثم تاب الله على إخوة يوسف عليهم السلام .(46/57)
وعلى الصحيح أن إخوة يوسف هم الأسباط , فالأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب قال الله جل وعلا : (( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً )) سورة الأعراف ( 160 ) . أي : قبائل متفرقة كلهم يفيئون إلى الأسباط الإثنى عشر ولد الذين هم من ذرية إسرائيل . من هذه الذرية جاء أنبياء لا يعدون ولا يحصون منهم أيوب واليسع وذو الكفل سليمان وداود حتى وصلوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام . فبين موسى وإسرائيل نفسه أمم لا تعد ولا تحصى أو فتره زمنية طويلة أكثر من ستمائة عام .
موسى عليه الصلاة والسلام هو الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر , وهم سكنوا أرض مصر عند ما جاء يعقوب إلى ابنه يوسف عليهم السلام (( وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ )) سورة يوسف ( 100 ) .
أنا أريد أن أصل إلى قضية وهي قضية أنه توجد مسافة زمنية طويلة بين بني إسرائيل وبين موسى عليه السلام . التوراة أنزلت على موسى عليه السلام .
الآن نرجع للآية الله جل وعلا يقول : (( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ )) اختلف في سببها لكن جملة يقال :(46/58)
إن اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إن النسخ هذا شيء باطل , إذ ليس من المعقول أنت تأتي تنسخ شريعة موسى عليه السلام وشريعة عيسى عليه السلام وتقول : أنا أتيت بشريعة جديدة , و قالوا إنك تقول أن الله جل وعلى حرم علينا لأن الله في القرآن قال : (( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً )) سورة النساء ( 160 ) , و جاء قوله تعالى في سورة الأنعام الآية ( 146 ) : (( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ )) فقالوا : أنت تقول هذا الكلام وهم يقولون ـ وناقل الكفر ليس بكافر ـ يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم قولك هذا كذب هذه الأشياء محرمة علينا منذ إسرائيل بل هي محرمة منذ نوح وإبراهيم , ـ وهذا زعمهم ـ هنا الله جل وعلى يقول القول الفصل ولذلك قال بعدها : (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) .(46/59)
الله يقول لهم : إن الطعام كله كان مباحاً طيباً ليعقوب إلا جزئية بسيطة لم يحرمها الله . من الذي حرمها ؟ حرمها يعقوب على نفسه . لماذا حرمها ؟ ولم يذكر الله لما ذا حرمها , لكن ورد في السنن وفي الآثار أن يعقوب عليه السلام اشتكى عرق النساء ـ مرض معروف ـ فلما اشتكى عرق النساء نذر إن الله إذا شفاه من عرق النساء أن يحرم على نفسه أحب شيء إليه فكان يحب لحوم الإبل وألبانها , فلما شفاه الله حرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها . إذاً تحريم يعقوب على نفسه لحوم الإبل وألبانها كان باجتهاد شخصي منه, ولم يحرم الله على إسرائيل ولا من بعده شيء من الطعام إنما حرمه على قوم موسى لما بغوا حرم الله عليهم ما ذكره الله جل وعلا لنبيه , فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول عن ربه : (( كُلُّ )) وهي من ألفاظ العموم في القرآن , (( كُلُّ الطَّعَامِ )) أي : أي مطعوم كان حلاً أي حلالاً وجاءت منصوبة لأنها خبر كان . (( كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ )) . كذبتم فيما تزعمون (( إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ )) . قلنا لحوم الإبل وألبانها لأمر عارض .
(( قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا)) إذا أتيتم بالتوراة ستجدون فيها أن الله لم يحرم على إسرائيل شيئاً لأن التوراة أنزلت في عهد موسى وإنما المحرم فيها ما حرمه الله على بني إسرائيل وفق ما نصه الله جل وعلا في كتابه .
قال الله بعدها : (( قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) وهذا منتهى التحدي . و لم يأتوا بالتوراة وإنما بهتوا وألجموا ولم يقبلوا أن يعرضوها على النبي صلى الله عليه وسلم .(46/60)
ثم قال الله جل وعلا وهذا قول فصل وكلام رب العالمين لا يقبل الرد : (( فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ )) من قال وتَّزعم كذباً بعد أن بينه الله (( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) وقطعاً هم ظالمون لأنه قد ظلم نفسه وجاوز حده وافترى على الله من رد على الله جل وعلا كلامه وكذب قوله لذلك قال الله بعدها : (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) .
بيان عظيم لبشرية النبي صلى الله عليه وسلم :
وعندما يقول الله (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) يأتي إنسان في هذه (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) وفي (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )) و (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) و (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )) ويسأل : لماذا النبي صلى الله عليه وسلم قرأها : ((قل صدق الله )) ؟ ألم يكن من المفترض أن يقرأها (( صَدَقَ اللّهُ )) و (( يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )) و (( هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) و ((أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )) وهذا سؤال يرد بلا شك على الذهن .
و الجواب عليه : أن هذا فيه بيان عظيم لبشرية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأتي بشيء من عنده وإنما هو مجرد مبلغ , ولله المثل الأعلى . يأتي إنسان عظيم ويبعث بشخص عزيز عليه مقرب لديه إلى قوم و يقول لهم : يقول لكم مثلاً الوالد تفضلوا عندنا على الغداء , أيهما أوقع على نفس المدعوين ؟ لو قال هذا تفضلوا على الغداء يأتي في قلوب الناس شك الدعوة هل هي من الولد أو من الوالد ؟ ولكن عندما يقول لهم : يقول والدي تفضلوا على الغداء , فإنه سوف يعرف المدعوين أن الابن ليس عليه إلا البلاغ وأن الدعوة فعلاً من الوالد .
فعندما يقول الله جل وعلا (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) وينقلها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا بيان أنه بشر لا علاقة له بالأمر والنهي والأمر والنهي والبلاغ من عند الله و إنما هو عليه الصلاة والسلام ليس أكثر من مبلغ بشيراً ونذيراً لقوم يؤمنون .(46/61)
(( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) صدق بلا شك بكل ما يقول لكنها هنا تبنى على خصوص وعموم , تبنى على الخصوص (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) في قوله تعالى : (( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ )) و تبنى على العموم في أن الله صادق بكل ما يقول .
ولذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي المكنى بأبي عبدالرحمن إذا حدث غالباً يقول : " أخبرني الصادق المصدوق " , أو يقول : " سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم " , كما في الصحيحين من حديث الخلق النطفة والعلقة . فقوله صادق أي : فيما يقول . ومصدوق أي: فيما يقال له .
وهو عليه الصلاة والسلام لما بعث علي وجمع من الصحابة رضي الله عنهم إلى روضة خاخ عندما يدركوا الخطاب الذي بعثه حاطب بن بلتعه مع المرأة لتبعث به إلى كفار مكة , بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً و المقداد و جمعاً من الصحابة قال : ( ائتوا روضة خاخ تجدون فيها امرأة معها كتاب من حاطب إلى قريش فائتوني بالكتاب ) , لما ذهب علي رضي الله عنه وقبض على المرأة أنكرته , فقال علي : " والله ما كَذبنا ولا كُذبنا " بمعنى : نحن ما افترينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال هذا الكلام وهو صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكذب علينا ويقول لنا إن معك كتاب وليس معك كتاب . وهذا هو معنى " ما كذبنا ولا كذبنا " .
(( قُلْ صَدَقَ اللّهُ )) فلما ظهر الصدق لم يبقى إلا الإتباع , قال الله جل وعلا : (( قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً )) والخطاب لليهود على وجه الخصوص وعلى كل من يقرأ القرآن ويصله البلاغ على وجه العموم .(46/62)
(( قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) ومن الذي ما كان من المشركين ؟ عائدٍ على إبراهيم عليه السلام ولماذا جاء به قلنا في سياق سابق أن الله جل وعلا نزه إبراهيم عليه السلام عن كل إثم لأن جميع الأمم ادعت أن إبراهيم منها وهي تنتسب إليه ولذلك قال الله جل وعلا فيما مر معنا : (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) آل عمران ( 67 ) .
يتحقق من هذا كله أمور بيناها فيما سبق ونربطها فيما لحق وهي :
أن هذه السورة سورة آل عمران لها علاقة قوية باليهود فأغلبها رد على مزاعم اليهود فكل ما زعمه اليهود يفنده الله جل وعلا و يبين لنبيه صلى الله عليه و سلم مكمن الصواب فيه .
تحرر من ذلك كله أن بني إسرائيل وبني إسماعيل وبني العيس كلهم يفيئون إلى رجل واحد هو إبراهيم . وما زال الناس بذلك ينتسبون ويلتقون في سام وحام ويافث أبناء نوح عليه السلام ثم يلتقون في نوح ثم في الإثنى عشر الذين كانوا مع نوح ثم يلتقون في أبيهم آدم عليه السلام . ولهذا عنصر التفضيل القبلي مرفوض وإنما كما قال الله جل وعلا : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) سورة الحجرات ( 13 ) , كلكم لآدم و آدم من تراب .
ثم قال الله عز وجل : (( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ{96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) .
أول بيت وضع للعبادة :(46/63)
(( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ )) وضع لماذا ؟ وضع للعبادة وإلا البيوت قديمة . وليس الكلام عنها سواء كانت قديمة أو حديثة , وإنما يتكلم الله جل وعلا عن أول بيت وضع للعبادة . هذه الآيتان فيها كلام طويل نحاول قدر الإمكان أن نجمله :
أن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض للعبادة قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه لما سأله : يا رسول الله أي بيت وضع في الأرض أول ؟ قال : ( المسجد الحرام ) , قال ثم أي ؟ قال : ( المسجد الأقصى ) , أو بيت المقدس , قال : كم بينهما ؟ قال : ( أربعون سنة ) . من الذي قال بينهما أربعون سنة ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم . والمشهور أن الذي بنى بيت المقدس هو سليمان بن داود عليهما السلام والمشهور الذي بنى البيت الحرام هو إبراهيم عليه السلام . و إذا أخذنا بهذا المشهور فلن يتفق الحديث مع الآية , لأن بين إبراهيم وسليمان ثلاثة قرون تقريباً والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعون سنة ) .
إذاً فالصحيح إن شاء الله : أن آدم عليه السلام هو أول من وضع الكعبة وبيت المقدس . ولا يمكن أن ينطبق الحديث إلاّ على آدم , ويصبح الكلام أن الله جل وعلا أمر آدم أو ملائكةً قبله أن يبنوا الكعبة ثم أمره بعد أربعين سنة أن يبنى بيت المقدس , ثم بين الله لإبراهيم مكان الكعبة ولذلك قال الله : (( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ )) سورة الحج ( 26 ) , أي: مكان الكعبة فأعاد بنائها , ثم بين لداود وسليمان عليهما السلام مكان بيت المقدس فأعادا بنيانه .
المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي هي الثلاثة التي تشد إليها الرحال ـ وأنا أتكلم هنا بلا ترتيب لأنني قلت أن ما يتعلق هنا من الفوائد كثير ـ .
المسجد الأقصى وقصة مسجد قبة الصخرة :(46/64)
المسجد الأقصى فيه صور تنقل كثيرة , هناك مسجد اسمه قبة الصخرة و هناك مسجد اسمه المسجد الأقصى , فالمسجد الأقصى هو الذي ليس عليه قبة وهو الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم و ربط فيه دابته البراق , أما قبة الصخرة فالصخرة هذه كانت تعظمها اليهود وتصلي إليها في غابر الأزمان , ولما جاء بختنصر من بابل من العراق وأهلك اليهود أعانه النصارى , ولذلك فالعداوة بين اليهود و النصارى عداوة قديمة .
الصخرة كانت تعظمها اليهود في حين أن النصارى يعظمون كنيسة القيامة وما حولها بيت المقدس عموماً . إذاً فبيت المقدس متفق عليه بين اليهود والمسلمين والنصارى على أنه أرض مباركة وكل منهم له فيه غاية . وبيت المقدس كانت فيه الصخرة لما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس و خرج من المدينة صلحاً وسلمت إليه مفاتيح بيت المقدس كانت النصارى مسيطرة على المدينة وكان اليهود أذلة , كانت هذه الصخرة يجعلها النصارى نكاية في اليهود مجمع للنفايات , وكان مع عمر رضي الله عنه كعب الأحبار ـ يهودي أسلم في المدينة ـ فسأل عمر رضي الله عنه كعب الأحبار فقال : " أين تراني أصلي؟ " فقال : " أرى أن تصلي خلف الصخرة " , حتى يصبح عمر رضي الله عنه مستقبل الكعبة وأيضا مستقبل الصخرة , فقال له عمر رضي الله عنه : " ما فارقتك يهوديتك تريدني أن أستقبل الصخرة حتى يرتفع شأن اليهود " , فتقدم و جعل الصخرة خلفه . وهو يعلم عمر رضي الله عنه أن الصخرة معظمة وأخذ يمسح النفايات عنها ولكنه لم يرد أن يصلي فيجعلها في قبلته فتفتخر بها اليهود . فالصخرة في بيت المقدس و بيت المقدس كله مبارك بلا شك لكن عمر رضي الله عنه لم يرد أن يجعل للصخرة خصوصية تزيد على خصوصية بيت المقدس فتقدم وجعل الصخرة خلفه .
السياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته :(46/65)
بقيت الصخرة على هذه الحالة حتى كان عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي وكان الذي ينازعه الخلافة خصمه عبدالله بن الزبير رضي الله عنه في مكة , والعرب كانت تحج إلى مكة فيلتقون بابن الزبير رضي الله عنه .
والسياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته . ولذلك العاقل لا يأخذ آراء السياسيين حتى لو كان أتقى خلق الله . فلا تكن إمعة كل من يحمل راية سياسية تعتقد أنها راية دينية , أصبح الناس يأتون ابن الزبير رضي الله عنه خصيم عبد الملك بن مروان ثم يعودون راجعين إلى الشام يقولون لعبدالملك بن مروان : " أن الناس وأمراء القبائل يحجون و يقابلهم ابن الزبير " . فأمر عبدالملك بن مروان أن يبنى على الصخرة قبة تكسى مثلما تكسى الكعبة وزينها لعل الناس أن يأتوها لسبب سياسي واحد هو أن ينصرفوا عن ابن الزبير رضي الله عنه .
ففهم الأمور في سياقها يريحك كثيراً عندما تستمع إلى أي خطاب سياسي . السياسة فيها شيء اسمه مراحل فالورقة هذه تنفع اليوم ما تنفع غداً , فلما انتهت القضية هذه بقتل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه على يد الحجاج بن يوسف واحتل العراق , عبد الملك لم يبالي بالصخرة ولم يكسها ولم يهدمها وإنما تركها على حالها الذي هي عليه اليوم , وجاء بعده ملوك لم يفهموا لماذا بناها وأخذوا يزينوها . هذه قصة بيت الصخرة , في قول الله تعالى : (( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ )) هذه الفائدة الأولى .
الفائدة الثانية : قال تعالى : (( لَلَّذِي بِبَكَّةَ )) والاسم الآخر مكة .
فهل هما بمعنى واحد أم المعنى يختلف ؟
القول الأول : قال بعض العلماء إن " الباء والميم " في اللغة كثيرة الإبدال بعضها عن بعض , فيقولون هذا طين لازب وطين لازم بالميم والمعنى واحد , على هذا القول تصبح مكة وبكة معناهما واحد ويصبح الباء والميم بينهما بدل .(46/66)
القول الثاني : أن بكة المقصود بها المسجد الحرام نفسه , ومكة يقصد بها الحرم كله , هذا قول وكلا القولين لا يمكن أن يكون تنافي بينهما ولا يتعلق به كثير اختلاف .
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً )) ولاشك أنه مبارك بدليل أمور لا تعد منها : ))
أن الله جل وعلا يضاعف فيه الحسنات . 1ـ
أن من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه . 2ـ
أن الله شرع فيه الطواف ولا يشرع إلا فيه . وغيرها كثير . 3ـ
والله نعته بأنه مبارك (( لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ )) .
(( فِيهِ )) أي : المسجد الحرام (( آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ )) لم يذكر الله الآيات وإنما ذكر واحدة فقال : (( مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ )) إذاً يصبح تقدير الكلام فيه آيات بينات كثيرة منها مقام إبراهيم . هذا أرجح ما قيل في إعرابها أنه مبتدأ لخبر محذوف مقدم تقديره منها مقام إبراهيم , وقيل غير ذلك لكن هذا الذي نراه والله اعلم .
من هذه الآيات الموجودة في الحرم المكي مقام إبراهيم .
والسؤال ما مقام إبراهيم ؟(46/67)
إبراهيم عليه السلام قلنا هو الذي رفع جدار الكعبة بناه وساعده ابنه إسماعيل عليه السلام . لما ارتفع البنيان وهذا مشهور قدم إسماعيل حجراً لأبيه ليرتقي عليه , حتى يبقي الله هذه المزية لإبراهيم عليه الصلاة والسلام أصبح الصخر رطباً فآثار قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقيت في الصخرة ظاهرة بينةً على مر الزمان . حتى إن قبيلة في العرب تسمى بني مدلج معروفة بالقفاية ـ يعرفون الأقدام والأرجل ـ وكانوا يطوفون بالبيت ويرون أقدام إبراهيم عليه السلام , وذات يوم عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم صغير في حجر جده عبدالمطلب خرج يلعب رآه أحدهم فحمله إلى جده وقال له : من هذا منك , قال هذا ابني , فقال : حافظ عليه فإنه أقرب شبهاً إلى قدمي من في المقام , يقصدون إبراهيم عليه السلام . ولما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ورأى إبراهيم عليه السلام قال : ( ما رأيت أحداً أشبه بصاحبكم منه ولا منه بصاحبكم ) .
المقصود أن مقام إبراهيم حجر وطئ عليه إبراهيم لما أراد أن يبني الكعبة بعد أن ارتفع بنائها بقيت آثار قدميه إلى يومنا هذا , وقد شرع الله الصلاة عند هذا المقام قال تعالى : (( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى )) سورة البقرة ( 125 ) .
(( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ )) ثم قال تعالى : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) دخله عائدة على المسجد أو على مكة عموماً .
(( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) ما المقصود من الآية ؟
واختلف العلماء في معنى قول الله تعالى : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) مكمن الخلاف أنه قد يدخل الإنسان الحرم ويؤذي فقد يأتي الحرم مجرم يخرج خنجر أو مسدس ويستطيع أن يقتل الناس في الحرم وهذا مر عبر التاريخ كله , فالتوفيق ما بين الآية وما بين الواقع مشكلة لأن الله تعالى قال : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) لذلك اختلفت كلمة العلماء في المعنى :(46/68)
القول الأول : إن هذا خبر عن الماضي بمعنى أن أهل الجاهلية قديماً كانوا يدخلون الحرم فلا يؤذي بعضهم بعضاً لحرمة البيت التي وضعها الله في قلوبهم وهذا معروف وإن كان ليس بصحيح على إطلاقه لأنه قد وقع في الجاهلية أذىً وسط الحرم والنبي صلى الله عليه وسلم أوذي وسط الحرم .
القول الثاني : قول ابن عباس واختاره الأمام ابن جرير الطبري إمام المفسرين وغيره أن الإنسان إذا جنى جناية خارج الحرم ثم دخل استجار بالحرم فإنه لا يقام عليه الحد ولا يقبض عليه ولكن يضيق عليه في المعاملة لا يبتاع معه ولا يشترى ولا يطعم حتى يضطر إلى الخروج فيقام عليه الحد . هذا قول وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
القول الثالث : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) أي آمناً من عذاب النار أي جعل الحج والعمرة سببان في النجاة من النار .
القول الرابع : وهو اختيار المظفر السمعاني رحمه الله في تفسيره أن المعنى أن الله جل وعلا أمَّن قريش في جاهليتهم لأنهم أهل الحرم قال تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ )) سورة العنكبوت ( 67 ) , فلم يكن يؤذون لأنهم أهل حرم الله , وكل من رامهم بأذى قسمه الله كما حصل لإبرهه وجنده , وهذا في ظني أقرب الأقوال إلى الصحة والله تعالى أعلم .
ثم قال الله جل وعلا : (( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) .(46/69)
اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إنك كنت تصلي إلى بيت المقدس , ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس وهو في مكة ويصلي إلى بيت المقدس وهو في المدينة , أما في مكة فكان عليه الصلاة والسلام يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس يصلي في جهة بحيث تكون الكعبة أمامه وبيت المقدس وراءها ويصبح استقبل بيت المقدس و الكعبة في آن واحد , هذا المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه .
لما قدم المدينة هذه ما يمكن أن تجتمع لأن الكعبة في الجنوب وبيت المقدس في الشمال فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً كما في رواية البراء بن عازب رضي الله عنه عند البخاري وغيره ثم أنزل الله جل وعلا : (( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) سورة البقرة ( 144 ) , فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الكعبة إلى وقتنا هذا .(46/70)
اليهود قالوا : هذا أكبر دليل أنك مضطرب في عبادتك . فبين الله جل وعلا لهم في جواب قرآني قال تعالى : (( قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ )) سورة البقرة ( 142 ) , كل الجهات ملك لله والله جل وعلا يختص منها ما يشاء ويتعبد عباده بما يريد , حتى لو تعبده كل شهر من جهة هو ربهم وهم عبيده والجهات جهاته والملك ملكه وليس لليهود ولا لغيرهم قول ولا برهان : (( قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) .فالله جل وعلا ابتلاءً للناس وتمحيصاً واختباراً أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي إلى بيت المقدس وهو يعلم جل وعلا أزلاً أنه سينقلهم إلى الكعبة , في هذه الفترة يمحص الله جل وعلا عباده يبتلي خلقه من يثبت ومن لا يثبت كما قال الله جل وعلا : (( وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ )) سورة البقرة ( 143 ) , أي هذا الأمر عظيم إلا على من يسره الله جل وعلا إليه .
المقصود أن بيت المقدس كان معظماً , مبالغةً في تعظيم الكعبة أمر الله جل وعلا في رده على اليهود أن يكون الحج إلى الكعبة لما كانت الكعبة تفضل على بيت المقدس بوجوه كثيرة كان اختيارها مكان للحج أمر لا مناص منه قال تعالى : (( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )) " اللام " في (( وَلِلّهِ )) من حيث النحو حرف جر , من حيث المعنى للإيجاب والإلزام . فأوجب الله وألزم عباده حج البيت , ولم يكتف الله باللام بل جاء بحرف " على " , أتى بمؤكدين " اللام و على " وكلاهما تدل على الإيجاب والإلزام . تقول لفلان عندي كذا , على فلان عندي كذا , أي يجب علي له .
كل من استطاع الوصول إلى البيت يجب عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه :(46/71)
(( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) كلمة (( النَّاسِ )) عامة ثم جاء التخصيص (( مَنِ اسْتَطَاعَ )) فمن لم يستطع الوصول إلى البيت سقط عنه فريضة الحج .
الله جلا وعلا لم يحدد كيفية الاستطاعة وهذا من بلاغة القران لأنه لا يمكن عقلاً تحديد الاستطاعة بشي واحد من كل الأزمنة . ومن قال من العلماء رحمهم الله أن الزاد والراحلة فهذا قول مرجوح لا يمكن أن يكون صحيح لأنه قد يقع عارض أشد من الأول . ونأتي بعارض عصري لو أن المرض كفانا الله وإياكم شره المعروف بـ " سارس " انتشر في أمة مسلمة في بلاد ما حتى أهلكهم , ثم رغب أناس من هذه الأمة أن يحجوا إلى البيت يملكون زاداً ويملكون وراحلة .
هل من الحكمة أن يؤذن لهم بالحج ؟ قطعاً لا , لأنه قد يأتي منهم من يحمل المرض فيفتك بالحجاج كلهم . فلذلك من الحكمة منعه والحج يعتبر ساقط عنه ومعذور شرعاً , لأنه لا يستطيع الوصول إلى البيت فيمنع . هذا المنع لا علاقة له لا بالزاد و لا بالراحلة , فتبقى (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) كلمة مفتوحة كل من استطاع الوصول إلى البيت يجب عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه .
(( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) أي طريقاً .
(( وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) هذه (( وَمَن كَفَرَ ))للعلماء فيها ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن الآية على ظاهرها , والمعنى أن من لن يحج وهو قادر فهو كافر بظاهر الآية وهذا مذهب الحسن البصري رحمه الله ووافقه عليه بعض العلماء .
الوجه الثاني : أن من أنكر فريضة الحج فهو كافر وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وعليه جماهير العلماء .(46/72)
الوجه الثالث : أن الآية جرت مجرى التهديد والتغليظ والوعيد والزجر في بيان أهمية الحج إلى بيت الله وأنه كالكافر وهذا القول اختاره بعض العلماء وهو الذي إليه نميل والله أعلم .
و هذا له قرائن في الكتاب والسنة :
أما في القرآن : قال تعالى : (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) سورة النساء ( 93 ) , مع اتفاقنا أن هذه الآية تحمل على أنها مبالغة في التهديد وإلا من قتل نفس ومات على التوحيد لا يخلد في النار .(46/73)
ومن السنة : قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل : ( عبد بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة وقاتل نفسه في النار ) وما إلى ذلك مما جاء في قصة الانتحار , والصحيح أن من مات منتحراً ولم يأتي بناقض شرعي ومات على لا إله إلا الله فإنه لا يخلد في النار ويُحمل هذه الأحاديث والآية (( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً )) النساء (29 ) , وغيرها على المبالغة في التهديد والزجر والوعيد وإلا قاتل نفسه لا يخلد في النار وإنما يسن لإمام المسلمين أو نائبه أن لا يصلي عليه , أما أنه يخلد في النار فلا يخلد في النار لما روى مسلم في الصحيح أن رجل من الصحابة اشتد عليه مرض ما فعمد إلى عروقه فقطعها فسال الدم فلما سال الدم أخذ ينزف حتى مات فرءاه ابن عم له في المنام وعليه ثياب بيض و قد غلت يداه أي أحكمت , قال : ما صنع بك ربك ؟ قال : عفا عني . قال : فما بال يديك ؟ قال : إن الله قال لي : (( إننا لا نصلح منك ما أفسدته من نفسك )) ـ لأنه قطع يديه ـ بعد ذلك الرجل لما استيقظ قص الرؤيا على الرسول عليه الصلاة و السلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اللهم وليديه فاغفر , اللهم و ليديه فاغفر , اللهم وليديه فاغفر ) قالها ثلاثاً . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم وغيره من العلماء في الآية دليل واضح على أن قاتل نفسه لا يخلد في النار .
لكن هذا يخاطب به طلبة العلم فقط ولا يقال للعامة حتى لا يستهينوا بقتل النفس لا بقتل غيرهم ولا قتل أنفسهم .
طالب العلم والتفريق في الخطاب :(46/74)
وطالب العلم ينبغي أن يفرق بين الخطاب إلى العامة و الخطاب إلى طلبة العلم , وبيان الحكم الشرعي غير الوعظ , ولذلك عندما تقرأ في كتب ابن قدامه رحمه الله أو غيره من أئمة الدين الفقهاء لا يتكلمون مع بعضهم بـ " اتقي الله , وخاف الله , واخش الله " هذا كلام وعظ ليس له علاقة بالأحكام الشرعية . وعندما يتكلم بالوعظ لا يتكلم عن تفسيرات اختلافات العلماء .
يعني ما يأتي إنسان مثلاً في مسألة يخالف فيها آخر ويقول : " اتق الله خاف الله كيف تقول بهذا " الكلام العلمي أنت تقول له : " اتق الله " هو لم يتق الله ما يقول هذا الكلام لأنه يعتقد أنه صحيح , فلأنه يتق الله يقول هذا الكلام لا علاقة له بالتخويف من الآخر لأنه يعتقد أن هذا صحيح فهو يقوله لأنه يتقي الله فما في مجال لكلمة اتقي الله وخاف الله , لكن في إنسان يعلم شيء أنه معصية تقول له اتقي الله لأنه يعلم أنه معصية ويعصي الله جل وعلا , يعني مثلاً : " بسم الله الرحمن الرحيم " قلنا في درس سابق أنه يوجد اختلاف بين العلماء هل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية ما تأتي لإنسان يعتقد أنها ليست بآية وتقول له اتق الله وخاف الله خاف عذاب النار قول : " بسم الله الرحمن الرحيم " , هو لأنه يخاف الله لم يقولها لأنه لا يعتقد أنها آية والعكس . هذا أهم شئ تفهمه في قضية النزاع العلمي . ولذلك أنت اقرأ مناضرات العلماء كلام ابن قدامه وغيرهم من أئمة العلم في كتب الفقهاء وغيرهم لا تجد فيها الأسلوب الوعظي ولا ذكر الجنة والنار لأن كل فريق يعتقد صحة ما يقوله , إنما يبنى الكلام على الأدلة . كلٌ يحاج الآخر بالأدلة .ولذلك يشتهر ما بين صغار طلبة العلم تقول له ما رأيك في أبو فلان ؟ يقول لك هذا ما يخاف الله . لماذا لا يخاف الله يفتي بكذا وكذا ويقول بكذا , هذا ليس بكلام رجل عاقل لأنه هو يخاف الله يقول ما يعتقده . وهذه أهم ما في الدرس وإلا لو طبقت هذا الكلام الذي يتناقله اليوم البعض(46/75)
لو طبق على الصحابة لهلكنا جميعاً , فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبادلون الرأي ويقول كل منهم بقول , لا يأتي إنسان لآخر ويقول له اتقي الله لأن كلاً منهم يقول ما يعتقد أنه صواب , لكن كل منهم يقارع الآخر بالحجة وبالنظر وبالدليل ثم إذا المسألة استبانت لك لم تكن لتستبين لأخيك والعكس صحيح .
هذا ما تيسر إيراده والفضل لله في أوله و آخره , سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .(46/76)
الدرس السادس: (الشريط السادس)
وفيه: من تفسير سورة النساء
من قوله تعالى({يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) سورة النساء. إلى قول الله عز وجل: {لكن الراسخون في العلم } (162) سورة النساء.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وفي لقاء هذه الليلة بعون الله وتوفيقه سننتقل إلى سورة النساء. بعد أن أنهينا مواقف ثلاث مع سورة آل عمران والمناسب في الانتقال واختيار الآيات اليوم قبل أن نشرع في بيان أحكام عامة من سورة النساء نبين أننا تحدثنا في الأسبوع الماضي في سورة آل عمران عن بعض من جرائم اليهود، وتكلمنا عن مسجد الصخرة وما إلى ذلك.
واليوم ننتقل إلى إتمام الحديث لكن من سورة أخرى هي سورة النساء وننتقل بعضها للعلم ببعض من عقائد النصارى بعد أن بينا شيئا من عقائد اليهود ثم نعرج على بعض الأحكام الفقهية التي يستلزم الحديث عنها في الآيات. فنقول مستعينين بالله عز وجل:(47/1)
سورة النساء سورة مدنية جاءت متنوعة الأغراض كأكثر سور القرآن ذكر الله جل وعلا فيها جملة من العقائد وجملة من الآداب وجملة من الأحكام ولأن السورة من أكثر سور القرآن حديثا عن أحكام النساء نعتت بسورة النساء. وقد سبق أن بينا أن تسمية سور القرآن الراجح أنه توقيفي فعله الصحابة بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم. وهناك سورة تنعت بأنها سورة النساء الصغرى وهي سورة الطلاق، فإذا قيل عن سورة النساء إنها سورة النساء الكبرى فإن المقصود بسورة النساء الصغرى هي سورة الطلاق، لأن كلا السورتين تحدثتا كثيرا عن أحكام النساء وما يتعلق بهن.
أما الآيات التي سنتكلم عنها تفصيلا فهي قول الله جل وعلا:
{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) سورة النساء. إلى قول الله عز وجل: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} (163) سورة النساء.
أما التفصيل فنقول مستعينين بالله عز وجل:(47/2)
سبق أن بينا شيئا من جرائم اليهود في سورة آل عمران في هذا السياق يخبر الله جل وعلا عن تاريخ اليهود إجمالا لا يختص هذا السياق بمرحلة دون غيرها، فالجرائم التي سيذكرها القرآن الآن وسنفسرها إجمالا لا تتعلق بمرحلة زمنية معينة. فمنذ موسى عليه الصلاة والسلام وأنزلت عليه التوراة إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قرابة أكثر من ألف عام خلال الألف عام هذه كان اليهود يعيشون بعث إليهم ما بين موسى وعيسى أنبياء، ثم بعث إليهم عيسى عليه الصلاة والسلام وأعطاه الله الإنجيل، ولم يبعث أحد بعد عيسى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عبر هذا التاريخ يذكر الله جل وعلا جملة من الخبث الملازم لليهود في تعاملهم مع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فالله يقول لنبيه هؤلاء المعشر الذين يعاصرونك الآن اليهود يطلبون منك كتابا ينزل جملة قالوا إن موسى جاءته التوراة جملة واحدة فنحن يا محمد لن نؤمن بك حتى تنزل علينا كتابا جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة واحدة على موسى جملة، فرد الله جل وعلا عليهم لنبيه أن يقول لهم: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ) من باب التعزية (أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء) فلا تعجب يا نبينا ولا تستغرب من هذا الطلب لأنهم قد طلبوا طلبا أكبر منه وهو طلبهم لموسى يوم قالوا له (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة!) وهذا –وقد قلنا إن القرآن يفسر بعضه بعضا- ذكره الله مفصلا في سورة البقرة قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ*ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (55-56) سورة البقرة، فهذا أول وأعظم طلبهم وفيه من الجرأة على الله جل وعلا ما لا يخفى.(47/3)
(أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) لما طلبوا هذا الطلب أهلكهم الله بالموت ثم رحمهم تبارك وتعالى وأحياهم بعد ما أماتهم كما قال جل وعلا في سورة البقرة (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وهذا صريح في أن الله أماتهم ثم أحياهم وقد قال بعض العلماء من المفسرين إن إماتتهم وإحياءهم كان في ليلة.
(ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) اتخذ هذه تنصب مفعولين: ذكر الله واحدا منهما ولم يذكر الآخر، لدلالة المعنى عليه بمعنى (ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات) يظهر من السياق واضح أنهم اتخذوا العجل إلها فإلها هي المفعول الثاني الذي لم يذكره الله، اتخذوا العجل إلها لأن هذا سبب نقمة الله عليهم وإلا لو أنهم اتخذوا العجل كدابة يركبونها أو دابة ينحرونها ليأكلوها أو لأعلافهم أو لشيء آخر لكان هذا أمر مشروع لكن القرآن يفسر بعضه بعضا، والعجل اتخذوه في الفترة التي ذهب فيها موسى عليه الصلاة والسلام ليكلم ربه، وجعل عليهم أخاه هارون ففي تلك الفترة لما أبطأ عليهم موسى لأن الله واعده ثلاثين ليلة ثم جعلها الله أربعين فلما جعلها الله أربعين أبطأ موسى عليهم فلما أبطأ عليهم ملوا فصنع لهم السامري عجلا من ذهب وجعل له طريقين يدخل منهما الهواء فأخذ الهواء والريح إذا دخلت من القبل وخرجت من الدبر أحدثت صوتا فخدعهم بقوله (هذا إلهكم وإله موسى فنسي) كما أخبر الله. هذه من جملة ما نقم الله عليهم. الأول: أنهم سألوا موسى أن يروا الله جهرة والثاني: أنهم اتخذوا العجل إلها.
(مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا).(47/4)
{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ} (154) سورة النساء. فهذه ثلاث وقعوا فيها أما رفع الطور فالطور يطلق على الجبل الذي به نبت، فإن لم يكن عليه نبات يسمى جبلا فقط ولا يطلق عليه طور، وهل هو الطور الذي كلم الله عنده موسى أو أي جبل آخر؟ كلا الأمرين محتمل. لما أعطاهم الله التوراة رفضوا أن يقبلوها فرفع الله عليهم الجبل تهديدا بأن يلقيه عليهم فقبلوا قال الله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} (171) سورة الأعراف، فهذا من جملة ما اعترضوا عليه. ثم أمرهم أن يدخلوا باب المدينة سجدا معترفين لله بالفضل وطلب المغفرة فدخلوا يزحفون على مقاعدهم كما أخبر الله جل وعلا . هذه النقيصة الرابعة والنقيصة الخامسة أن الله قال (وقلنا لهم لا تعدو في السبت) والسبت المقصود يوم السبت وهذه قصة القرية التي كانت على الشاطئ عبر الله عنها بقوله (حاضرة البحر) وهذه ذكرها الله في سورة الأعراف وأنه كانت هناك قرية من بني إسرائيل حاضرة البحر أمرهم الله ألا يصطادوا يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم شرعا ظاهرة تدعوهم فتنة لهم يوم السبت (ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فكانوا يلقون أشرعتهم يوم الجمعة ويأتون يوم الأحد يجمعون فيحتالون على الله جل وعلا وبئس ما فعلوا.
المقصود من هذا كله وهذا كله حدث في فترات زمنية متفاوتة وفي أماكن متفرقة وعبر تاريخ طويل، لكن المقصود سياق بعض من جرائم اليهود بيانا وشفاء لقلب نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه بعده: (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) ثم قال:(47/5)
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً*وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} (155-156) سورة النساء. الآن السياق القرآني يأتي يبين هذه المعاصي ما الذي نجم عنها . يذكر القرآن المعصية إجمالا ثم يأتي بها تفصيلا.
(فَبِمَا نَقْضِهِم) عدنا للباء السببية أي بسبب نقضهم للميثاق ما أخذه الله عليهم عن طريق أنبيائه ورسله من مواثيق وعهود نقضوها وهذا دأبهم في كل آن وحين. (وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ) وهذا يسميه البلاغيون مجاز مرسل ومعلوم أن اليهود لم يقتلوا الأنبياء كلهم لكنهم لما استباحوا دم واحد منهم كأنهم استباحوا دم الجميع، وأي إنسان يستبيح دم شخص واحد فإنه يستبيح الدماء التي توازيه فالله عبر عن قتلهم لنبي وهم قتلوا يحيى وقتلوا زكريا، عبر عن قتل يحيى وزكريا بقتل الأنبياء جميعا لأن الأنبياء جميعا يجمعهم دين واحد، (وَقَوْلِهِمْ) قولهم لمن؟ لنبينا (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) جمع أغلف وهو الشيء المطبوع المختوم الذي فيه حجاب يحول بينه وبين وصول المعرفة إليه (بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)، هذه الأخيرة (فلا يؤمنون إلا قليلا) لها وجهان في التفسير: الوجه الأول: أنه أسلوب تستخدمه العرب في كلامها بمعنى عديم الإيمان. الوجه الثاني: أنهم لم يؤمنوا إلا بقليل من أنبيائهم فلما لم يؤمنوا بالكل كأنهم لم يؤمنوا لأن الشرع يوجب الإيمان بالأنبياء جميعا بلا استثناء، ولعل هذا أظهر.(47/6)
{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} كرر الله الكفر ثم ذكر شيئا من جرائمهم سننتقل بعدها للنصارى. (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) القول الذي قالوه في مريم قالوا إنها زانية وبرأها الله جل وعلا كما هو معلوم في كتابه. (بُهْتَانًا عَظِيمًا) البهتان الكذب والإفك والقول بلا حق ولا علم ولا بينة كله يمكن تسميته بالبهتان. أما مريم فهي سيدة نساء العالمين، ولم يذكر الله جل وعلا في القرآن اسم امرأة باسمها الصريح إلا هي عليها الصلاة والسلام، رغم أنها ليست بنبية لأن الله قال (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) فلا يوجد نبية امرأة ما بعث الله جل وعلا امرأة قط، لكنها الوحيدة من النساء عبر التاريخ كله التي ذكرت باسمهما الصريح في القرآن وهي سيدة نساء العالمين، كما جاء ذلك في صحيح السنة. مريم البتول العذراء اسمها مريم بمعنى عابدة أو خادمة الرب وقد -قصتها أشهر من أن تعرف- خرجت فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا شرقي بيت المقدس، فجاءها روح القدس جبرائيل نفخ في جيب درعها حملت بعيسى بعد أن وضعته وأتت به إلى قومها كذبوه واختلفوا فيه منهم من صدقها ومنهم من كذبها وكان مولد المسيح عيسى ابن مريم. فالله هنا يقول من جرائم اليهود رميهم لمريم المبرأة بالزنا (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا).
{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا*بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} هذا يقودنا إلى الحديث عن النصارى كما تحدثنا عن اليهود والتفصيل كالتالي:(47/7)
ولد عيسى ابن مريم فحملته أمه وآتت به الملأ من بني إسرائيل فأنكروه {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} (27) سورة مريم، فأشارت إليه فأنطقه الله في المهد {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} (30) سورة مريم، وما اختلف الناس في رجل كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أخذ يدعو إلى ربه أسلم على يديه أقوام سموا في القرآن بالحواريين، وهم خاصة أصحابه عليه الصلاة والسلام ثم لما ظهر أمره خاف خصومه وأعداؤه من اليهود فتآمروا على قتله فبعضهم يعرفه بعينه وبعضهم يعرفه باسمه، فلما أجمعوا أمرهم على قتله أخذوا معهم شخصا يدلهم على مكانه فلما دخلوا عليه ليقتلوه رفعه الله جل وعلا إليه وألقى شبهه على غيره مع اختلاف بين العلماء فيمن ألقي عليه الشبه؟ فقيل: إنه عبد من الحواريين صالح ألقى الله عليه الشبه غير عيسى، وقيل: إن الرجل الذي دلهم عليه وهو يهوذا عند بعض المفسرين هو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى فقتله اليهود ظنا منهم أنه عيسى.
جملة الأمر أن الله جل وعلا شبه لهم شخصا غير عيسى ورفع عيسى إلى السماء كما قال ربنا في صريح القرآن (بل رفعه الله إليه) وهذا الذي شبه اختلفوا فيه: فلما أخذوه قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ أخذوه وصلبوه وقتلوه اعتقادا منهم أنهم ينتقمون منه! كان هذا في بيت المقدس في المكان المسمى اليوم كنيسة القيامة، وتعظمها النصارى وسيأتي لماذا تعظمها، رفع عيسى إلى السماء فالله جل وعلا يقول إن اليهود تزعم إنها قتلت عيسى فالله أنكر ورد على اليهود قولهم أن عيسى قتل أو صلب بل إن الله رفعه إليه فهو حي جسدا وروحا في السماء الثانية كما قابله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وسينزل كأمارة وعلامة من علامات الساعة.(47/8)
نرجع إلى النصارى وعيسى: بعد رفعه النصارى صدقوا اليهود في أن عيسى صلب وقتل وقالوا إن الله جل وعلا وعلى هذا تقوم عقيدة النصارى يقولون إن الله عدل ومن عدله ألا يترك الخطيئة بلا عقوبة فيقولون إن آدم أكل من الشجرة فارتكب الخطيئة فلما أكل من الشجرة وارتكب الخطيئة وأهبطه الله كل ذريته ترث خطيئته! فقالوا لا بد أن تكفر الخطايا عن الذرية ولما كان الله من صفاته مع العدل الرحمة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا بعث ولده الذي هو عيسى وأنزله إلى الأرض وأحله في الناسوت بدل اللاهوت يعني إنسي وصلب هذا وقتل حتى يكفر عن البشر كلهم خطيئة أبيهم آدم فمن آمن أن عيسى ضحى من أجل البشر أصبح مؤمنا ينجو يوم القيامة! ومن لم يؤمن أن عيسى ضحى من أجل البشر لا يعتبر مؤمنا! كيف يؤمنون الناس؟ عندهم ما يسمى بالتعميد والتعميد صفته أن يأتوا بالطفل على خلاف في المذاهب عندهم لكن قد يؤتى طفل شباب لكن غالب المذاهب عندهم يأتون بالطفل الصغير إما أن يضعونه في مكانه فيه ماء كحوض أو يرشون عليه الماء ويقولون باسم الأب والابن وروح القدس! فإذا قالوا هذه الثلاثة يعتقدون أن هذا الابن عمد وإذا عمد طهر من الذنوب والخطايا فأصبح قابلا للنجاة يوم القيامة! عندهم جنة ونار وعندهم حساب، لكن بناء على هذا الاعتقاد. ثم يختلفون على ثلاث طوائف رئيسة:
الأرثوذكس: وهؤلاء انفصلوا في عام 1054م عن الكاثوليك والكاثوليك هي الكنيسة الأم والبروتستانت الكنيسة الثالثة، أصبحت ثلاث كنائس هذه كنائس رئيسية. نفصل:
أما الكاثوليك فهي الكنيسة التي في روما اليوم والتي تتبع البابا يوحنا بولس الثاني، وجل كنائس النصارى في العالم تابعة للكاثوليك.
القسم الثاني يسمون الأرثوذكس وهؤلاء أقل منهم ومعناها مستقيمي المعتقد هذه خرجت عن الكنيسة الأم ويتبعها بعض الكنائس كالتي في مصر تتبع البابا شنودة الثالث هذا، تابع لهذه الكنيسة.(47/9)
القسم الثالث: حركة إصلاحية خرجت من الكاثوليك في القرن الثامن عشر الميلادي تقريبا على يد مارتن لوفر اسمها الكنيسة البروتستانت وهذه تؤمن بأنه لليهود منة على النصارى، وهذه الكنيسة الثالثة البروتستانت هي التي يدين بها الرئيس الأمريكي المعاصر ورئيس الوزراء البريطاني المعاصر توني بلير الذي يجمع بينهما ارتباطهما حاليا بهذه الكنيسة. أما الكنيسة التي في روما فهي منفكة عنهم لا علاقة لها بهما.
إذن ينجم عن هذا أن النصارى غالبا كم فرقة؟ ثلاثة، لكن في فرق شتى لكن هذه الفرق الثلاثة الأم. يتفقون في أمور ويختلفون في أمور أقل منها لكن يتفقون على أن الأقانيم ثلاثة الأب والابن وروح القدس، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وقد رد الله على الجميع في كتابه وسيأتي في اللقاء القادم كيف رد الله عليهم. اليوم فقط العرض. نأتي لقضية الصليب: الأصل أن عيسى بعث لبني إسرائيل مثل موسى قلنا في الدرس الماضي إن بني إسرائيل يعودون إلى إسرائيل الذي هو يعقوب وقلنا إن يعقوب له أخ اسمه العيس وقلنا إن من ذرية العيس الروم، وأن هذا العيس كان فيه صفرة فلذلك يسمون بنو الأصفر، وأبو سفيان لما رأى هرقل يخشى النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد أصبح ملك محمد عظيما لقد تخافه بني الأصفر. فأصبح الروم الأصل ليس لهم علاقة بعيسى إذن الآن الدين النصراني في بني إسرائيل أكثره في الروم؟ في الروم في أوروبا أكثره وفي أمريكا النصرانية أكثر من اليهودية، كيف جاء هذا؟ بعد ثلاثة قرون من رفع عيسى حدثت حروب ما بين الرومان وأشياعهم آمن ثلة من الرومان بعيسى عليه الصلاة والسلام بالنصارى بما بقي من دين عيسى عليه الصلاة والسلام من المؤمنين الذين معه، وكانت اليهود كما قلنا إنها قتلته ويأتون للموطن الذي قلت إنه الآن كنيسة القيامة يأتون للموطن الذي قتلوا فيه عيسى فيرمون فيه الزبالات والقاذورات والقمامة حتى تجمعت، جاء قسطنطين الثالث هذا فآمن بدين عيسى(47/10)
السلام مع التحريف فجاءت أمه واسمها هيلانا بعد أن جاء رجل يبحث في تلك القمامات حتى وصل إلى الصليب وصل إلى الخشبة التي صلب فيها من يعتقد اليهود أنه عيسى، فالصلب وقع لكنه ما وقع على عيسى، لكن اليهود صلبوا رجلا وقتلوه، لما أخذوا يفتشون هذا الرجل وجد خشبة على حركة الصليب المعروفة الآن، هذا بعد عيسى بثلاثة قرون، لما أخذها زعم أنه كان مريض فلما تمسح بها برئ فلما علم الناس أخذوا يصنعون الصليب ويتبركون به ويعتقدون إلى يومنا هذا، هذا أصل فكرة خروج الصليب للناس لما علمت بهذا أمرت بمحو القاذورات وبنت عليها كنيسة أسمتها كنيسة القيامة ومعنى كنيسة القيامة يعتقدون جهلا أن عيسى يبعث من عندها! بما أنه مات سيبعث من هذه الكنيسة والكنيسة موجودة في بيت المقدس وإن لم أنس: السادات لما زار إسرائيل تكلم وألقى خطابا في هذه الكنيسة، المقصود سواء ألقاه أو لم يلقه المقصود أن هذه الكنيسة قائمة تعظم إلى اليوم، هذا سبب تسميتها بكنيسة القيامة، وتسمى أحيانا كنيسة القمامة بالنسبة لما كان عليها هذه الأم وين يودوا الزبالات؟ وضعوها على الصخرة التي تعظمها اليهود وكان يصلي إليها موسى عليه السلام. وقلنا في الدرس الماضي إن هذه الصخرة من الذين محوا الزبالات عنها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لكنه صلى أمامها وجعلها خلفه. فأصبح بيت المقدس يضم الكنيسة التي يعظمها النصارى وينضم الصخرة التي تعظمها اليهود وتضم المسجد الأقصى الذي يعظمه المسلمون.
هذا مجمل ما يمكن أن يقال عن عقيدة النصارى وقلنا قائمة على سر التعميد والإيمان بأن الله كفر عن البشر خطاياهم ببعثه ابنه! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.(47/11)
الآن نعود للآية الله يقول {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا*بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (157-158) سورة النساء، عزيزا أن يقتل نبي من أنبيائه وهو جل وعلا غير مريد، حكيما في سبب رفعه إلى السماء الثانية. المحفوظ عندنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفي ظاهر القرآن أن عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل في آخر الزمان واضعا يديه على أجنحة ملك يخرج منه مثل بقايا الوضوء ويتقل الدجال بحربة تكون معه، قال الله جل وعلا: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (61) سورة الزخرف.(47/12)
قال الله جل وعلا بعدها: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (159) سورة النساء. هذه الآيات إحدى معضلات القرآن لأن تفسيرها غير واضح هذه الآية تحتمل عدة تفاسير، لكن نكون معكم صريحين هذا درس علمي: إلى الآن لم أقف على تفسير مقنع، لكن نقول جملة ما قاله أهل العلم، الله يقول (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) المعنى لا أحد من أهل الكتاب (إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) الآن كان في ضمير؟ ضميرين، الهاء في به والهاء في موته، على من تعود؟ هذا موضع الإشكال، تحتمل الآية أن يكون معنى الآية أن الله يقول ما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به أي بعيسى قبل موته أي قبل موت الكتاب فيصبح به الأولى عائدة على عيسى والثانية على عائدة الكتاب، فيصبح معنى الآية أنه ما من يهودي ولا نصراني تغرغر روحه إلا وهو يؤمن أن عيسى عبد الله ورسوله لكنه لأنه يؤمن ساعة الاحتضار فلا يقبل منه. وهذا مروي عن ابن عباس وقال به كثير من العلماء، لكن يصعب تصوره. الأمر الثاني: أنهم قالوا وليس من أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن بعيسى قبل موت عيسى أي ينزل مرة أخرى فيؤمنون به لكن يأتي الإشكال أن الله قال (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أي لا أحد من أهل الكتاب وقد مات جم غفير من أهل الكتاب قبل أن يرى عيسى، وقد نموت نحن قبل أن ينزل عيسى هذا الإشكال على التفسير الثاني، يبقى تفسير لعله أقربها إلى الصواب يصبح معنى الآية: أنه ما من كتابي يحضر ويبقى حيا إلى يوم عيسى إلا ويؤمن به، وهذه تحدث إشكالية أخرى أن اليهود من أهل الكتاب ولا يؤمنون بعيسى حتى بعد نزوله، فيبقى تفسير الآية إلى يومنا هذا في علمنا غير واضح! إنما نقلنا ما ذكره أهل التفسير إذا أوقفنا الله جل وعلا على شيء آخر سنخبركم به في حينه.(47/13)
ثم قال جل وعلا: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا*وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (160-161) سورة النساء. الكلام في هذه الآيات لوجوه عدة:
أولها: أن المعاصي من أعظم أسباب الحرمان ولذلك الله قال(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) فإذا كانت المعاصي من أعظم أسباب الحرمان فما الذي من أعظم أسباب العطاء؟ الطاعات، قال الله جل وعلا {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (2-3) سورة الطلاق. فالله يخبر أن ما حل على اليهود من تحريم كثير من الطيبات إنما كان بسبب معاصيهم، (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا*وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) كذلك الآية تتكلم عن بعض من مظالم اليهود ومنها الصد عن سبيل الله ومنها أكل أموال الناس بالباطل ومنها أكل الربا، قول الله جل وعلا (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) من الناحية العلمية هذا عطف عام على خاص لأن أكل الناس بالباطل يدخل فيه الربا، فعطف عاما على خاص. نتكلم الآن على الربا. الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. ومن الفوائد أن يقال إن هناك معصيتين حرمها الله على جميع الأمم ولم يبحها الله في أي شريعة قط هما الربا(47/14)
والزنا، لم يحل الله لأي أمة من الأمم الزنا ولم يحل لأي أمة من الأمم الربا هذا قول بعض أهل العلم. أما الربا فينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول ربا الفضل والقسم الثاني ربا النسيئة والقسم الثالث ربا القرض، وسنفصل فيها:
الفضل في اللغة الزيادة، وربا الفضل حدد النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا ربوية فقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين وغيرهما (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) معنى الحديث هذه الأصناف ربوية ما بين مكيل وموزون كان مطعوما يدخلها الربا، ربا الفضل سنأتي بصورة له حتى تفهمه: إنسان يأتي –قلنا التمر صنف ربوي التمر في بلادنا موزون يباع بالوزن بالكيلو- فلو جاء إنسان معه ثلاثة كيلو من التمر وآخر معه أربعة كيلو من التمر، صنفان ربويان فالتمر صنف ربوي يعني يدخله الربا مو ربا يعني محرم، هذه الأربعة زيادة على الثلاثة لا يصح التبادل تقول أعطني هذه وأعطيك هذه ولو كان أحدهما أفضل من الآخر، مثلا تقول هذا تمر عوجا أو أعلى منه أو أقل أو هذا برني أو هذا رديء وهذا جيد أعطني أربعة كيلو بثلاث كيلو كيلوين بخمسة كيلو هذا لا يجوز إذا وقع فهو ربا فضل، أي زيادة ، لأنهما اتفقا في الصنف واختلفا في الزيادة فهذا معنى ربا الفضل وهو محرم.(47/15)
الحالة الثانية: ربا النسيئة، ما معنى النسيئة؟ النسيئة التأجيل التأخير قال سبحانه (إنما النسيء زيادة في الكفر) أي التأجيل زيادة في الكفر، كيف يقع ربا النسيئة؟ تأتي لصنف ربوي واحد بصنف ربوي آخر والرسول قال (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) لكنه قال (يدا بيد) هم يلغون يدا بيد يؤخر واحد عن الآخر، نجيب مثال: الآن ثلاثمائة وخمسة وسبعين ريال السعودي مائة دولار أمريكي، سواء تساوي أو ما تساوي نعتبرها، الدولار يعتبر صنف والريال يعتبر صنف، فلو قايضتهما بعضهما ببعض المائة ما هي زي ثلاثمائة وخمسة وسبعين، ثلاثمائة وخمسة وسبعين أكثر من المائة مع أنك أنت أخذت مائة دولار بثلاثمائة وخمسة وسبعين حتى لو أخذتها بخمسمائة لو أخذتها بميتين واحد زايد وواحد ناقص لا يضر لأن الصنفين مختلفين، فالدولار غير الريال لكن كلاهما صنف ربوي لأنها ذهب وفضة، كي يدخلها ربا النسيئة؟ تأتي للصراف تقول أنا أعطيك خمسمائة ريال سعودي بس أنا أسافر أعطني مائة دولار أمريكي فيعطيك المائة دولار ولا تعطيه الخمسمائة مائة تقول الخمسمائة بعدين أنا ما عندي الآن فأنت أخرت، هذه النسيئة، أو أحدكما يدفع والآخر لا يدفع هذا ربا النسيئة وهو محرم. لكن إذا أخذ المائة وأعطاك خمسمائة أو أعطاك ثلاثمائة وخمسة وسبعين أو أعطاك قدره أو أعلى أو أو حيثما اتفقتم في الحال يدا بيد هذا ليس ربا لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) يعني كله ناجز ولا يباع ناجز بغائب. الآن كم صنف؟ صنفان، قلنا ربا الفضل وربا النسيئة.(47/16)
نبقى في الصنف الثالث وهو ربا القرض وهو أصل الربا، وهو الذي كانت تتعامل به العرب في الجاهلية هو يدخل في ربا الفضل والنسيئة لكن ميزناه وحده أفضل حتى يتضح. يأتي إنسان يقرض أنسانا شيئا يجوز قرضه، ليس فقط ذهب أو فضة أي شيء يجوز قرضه ثم يشترط عليه منفعة مقابل هذا القرض، وأكثر ما يقع في الأموال، شخص يأتي إنسان يطلب منه مال يعطيه عشرة آلاف إلى ثلاثة شهور تنتهي المدة يأتي الدائن للمدين أريد العشرة آلاف يقول لا أملك، يقول إما أن تأتي بها في الحال وإما أن أؤخرها أنا شهر على أن تردها لي أكثر من عشرة آلاف ولو ريال، الريال زي المائة ألف، هذا يسمى ربا قرض وهو الذي قال الله فيه (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وقال (هم سواء) أي هم في الإثم سواء، أخرجه مسلم من حديث جابر وأخرجه البخاري من طريق آخر، لكن المعنى في الصحيحين، هذا ربا القرض. ينجم عن ربا القرض مسألة تسمى عند العلماء قلب الدين، وهو من كبائر الذنوب، قلب الدَّين: إنسان يعطي إنسانا قرضا ألف ريال ويقول إلى شهر، ثم جاء بعد شهر هذا ليس عنده ألف ريال وهو رجل مستور الحال، الذي عنده شيء لا ينفك عن قوته شيء تقوم به حياته، يعني مثلا سيارة يذهب بها ويغدو على قدر مستواه الاجتماعي بيت صغير مثلا يسكنه، أشياء خاصة لا يمكن أن يستغني عنها لا فقير ولا غني، فيأتي هذا الذي له المال له ألف ريال وهذا ما عنده ألف ريال، يأتي له بألف ريال ويقول له بعني بهذا الألف ويأتي لشيء خاص عند هذا الرجل يحتاجه بعني إياه بألف ريال فيأخذ الشيء الخاص ويعطيه الألف ويقول له الآن رد لي الألف الذي لي عندك! لأنه يعرف ما عنده ألف ريال، فيأتي بألف ريال ويشتري منه مثلا ثوبه وعمامته وساعته قال هات أنا أشتري هذه بألف ريال أو السيارة التي يغدو بها ويذهب ويوصل بها أبناءه إلى المدرسة قال أنا أشتريها بألفين(47/17)
على أنك تعطيني الألفين لأنني لي عندك ألفين ريال، هذا يسمى قلب الدين، وهو من كبائر الذنوب كما نص عليه العلماء ونقل عبد الله بن بسام رحمه الله تعالى عن شيخه ابن سعدي القول بأنه من كبائر الذنوب.
هذه أصناف الربا وكلها محرمة ولا يوجد أحد –ولله الحمد- فيما نعلم من علماء المسلمين أباح الربا في أي قطر كان. لما تفهم أو تسمع أن أحدا أباح الربا من علماء المسلمين فلا تصدق هذا ليس بعالم، لا يوجد أحد يتجرأ يبيح الربا، لكن قد تفهم أنت المسألة خطأ هذه مسألة ثانية، لكن الربا لا يحتاج أن تقول مسألة خلافية ويمكن يأخذ وما يعطي، ما فيه، الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.(47/18)
نرجع إلى الآية، ينجم عن الآية مسألة لها وضع خاص في عصرنا: اليهود أكلة ربا بنص القرآن بنص الآية (وأخذهم الربا) وهذا كلام رب العالمين مع ذلك ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى شعيرا من يهودي وليس عنده مال فرهن درعه صلوات الله وسلامه عليه عند اليهودي بعد أن اشترى منه، إذن عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود بيعا وشراء رغم أنهم أكلة ربا، إذن ينجم عن هذا إذا سئلت: هل يجوز التعامل مع البنوك الربوية بيعا وشراء يكون الجواب ماذا؟ نعم، لأن اليهود أكلة ربا والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى منهم وباع منهم وقبل هداياهم، ما لم تعلم أن عين ما تتعامل به محرم، يعني رأيت إنسان يسرق سيارة أمام عينيك ثم يبيعك إياها لا، لكن لو أن إنسانا اشترى من أي بنك بماله شراء وبيعا شرعيا فالبيع جائز باتفاق المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود ولأن الله قال في كتابه وهو يعلم أن اليهود حرفوا والنصارى حرفت قال تعالى (وطعامهم حل لكم) ولن يكون طعامهم حل لنا حتى يكون بالشراء لأن طعامهم ما يؤتى لنا على شكل هدايا لا بد أن تشتريه فأباح الله لنا أكله فإذا أباح لنا أكله من باب أولى أن يبيح شراءه، وهذه المسألة تحتاجها كثيرا في العصر، حتى لو كان محاربا هذه مسألة عصرية عنون الإمام البخاري في الصحيح باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب، وساق حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له اشترى قطيع غنم من رجل مشرك، فهو عليه الصلاة والسلام كان خارج المدينة في حرب مع أهل الشرك. يظهر المقصود واضح.(47/19)
لو جاء إنسان بما يسمى اليوم مقاطعة لا شك أن المقاطعة إذا تبناها الإنسان قربة وأراد بها قطيعة من يعين أهل الباطل وتعبد الله بها قربة يثاب عليها بلا شك، لكن نحن لا نتكلم على القربة من عدم القربة نتكلم عن صحة البيع وصحة الشراء، وأنت تنزل الأشياء على منازلها لكن الكلام بالحل أو الكلام بالحرمة توقيع عن رب العالمين قال ابن القيم: (أعلام الموقعين عن رب العالمين) والكلام عن رب العالمين بالحل والحرمة لا بد أن يكون على بينة وهدي من الكتاب والسنة ولا علاقة للعواطف به ولن تكون أعظم ورعا من رسولنا صلى الله عليه وسلم. فاليهود يقول الله عنهم (وقالت اليهود عزير ابن الله) ويذهب النبي صلى الله عليه وسلم يشتري من يهودي رغم أن أسواق المدينة مليئة بمن يبيعون الشعير لكن النبي أراد أن يبين للأمة جواز البيع.
{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا}. ما دمنا في قضايا العصر نأتي إلى قضية الاقتراض من البنوك، الاقتراض به فائدة ما يحتاج لدليل لأنه حرام بإجماع المسلمين، وقد بيناه، لكن البنوك أحيانا تقول أنت إلى ثلاثة أشهر إذا رددتها لا نطلب منك فائدة ولكن إذا لم تستطع ردها نأخذ منك فائدة هذا يعود كالأول سواء بسواء، مجرد توقيع العقد ولو كنت قادرا على السداد قبل نهاية العقد يعتبر عقد ربوي يدخل في اللعن الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه. فالتعامل مع البنوك قرضا أو إيداع الأموال عندهم وتعود إليك بفائدة هي من الربا من الملعون صاحبه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم والمحرم في كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين كما بينا.(47/20)
{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} أكل أموال الناس بالباطل عام وقلنا إنه عطف عام على خاص كل شيء تتوصل إليه بالباطل محرم، بالرشوة بالسرقة بالاختلاس بالنهب أي طريق من طرائق الباطل تصل بها لأموال الناس يعتبر محرما قد لا يكون ربا لكن أي طريقة حرمها الله يأثم صاحبها.
ثم قال سبحانه: {لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} (162) سورة النساء. (لكن) هذه الأصل عند النحويين أنها حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر لكنها هنا خففت لأن الأصل أنها مشددة لكنّ فلما خففت جاز فيها عدم الإعمال فأصبحت تعني الانتقال من جملة إلى جملة تسمى باب الإضراب يعني الانتقال من حال إلى حال فلا تعمل ولا تؤثر فيما بعدها عملا، فيصبح الراسخون على أنها مبتدأ (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ) الراسخون في العلم منهم مِن مَن؟ من أهل الكتاب وهذا يدخل فيه عبد الله بن سلام ومن آمن من اليهود والنصارى، (والمؤمنون) المقصود به المهاجرون والأنصار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (يؤمنون بما أنزل إليك) أي القرآن (وما أنزل من قبلك) أي جميع الكتب (والمقيمين الصلاة) نحويا المفروض أن تكون والمقيمون زي المؤتون والمؤمنون وبعدها والمؤتون الزكاة المفروض تكون المقيمون، لكنه جاءت والمقيمين، في قراءة والمقيمون لكن نحن نتكلم عن القراءة التي بين أيدينا، هذه للعلماء فيها ستة تخريجات نترك خمسة ونبقي على واحد، وهي أنها منصوبة على الاختصاص لبيان التعظيم والتفخيم، ويصبح المعنى وأخص المقيمين بالصلاة، وهذا تخريج إمام(47/21)
النحاة سيبويه وعليه أكثر العلماء.
(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) ونصب الصلاة على الاختصاص يبين أهميتها من الدين وعلى أنها أمر عظيم.
(أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) نكر الله كلمة أجر هنا لبيان التفخيم لأنه لا يعلم ما لهم من أجر إلا الله قال سبحانه {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.
هذا ما أردنا الوقوف عنده هذا اليوم. فيصبح من هذا كله إجمالا: تكلمنا عن اليهود وتكلمنا عن النصارى في سورتي آل عمران وسورة النساء. وقلنا إجمالا: إن اليهود يزعمون أنهم قتلوا المسيح ابن مريم ويفخرون بذلك والنصارى وتدعيه لكنها تقول إن هذا خلاص للبشرية وكلا الفريقين ضال فإن عيسى ابن مريم لم يقتل ولم يصلب بل رفعه جل وعلا إليه (وكان الله عزيزا حكيما) وقلنا إنه سينزل آخر الزمان حكما عدلا مقسطا. هذا ما انتهى إليه الدرس. والله تعالى أعز وأعلى وأعلم وصلى الله على محمد وعلى آله.(47/22)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثاني
من ألبوم
(أعلام القرآن)
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين :
أما بعد :ـ
فهذا هو اللقاء الثاني من سلسلة أعلام القرآن وكنا قد تكلمنا في اللقاء الماضي عن أربعة من أعلام القرآن الذين ذكرهم الله جل وعلا في كتابه العزيز وفي هذا اللقاء المبارك سنتدارس معكم إن شاء الله تعالى خمسة تراجم لخمسة أعلام ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه وهم ثلاثه في عصر واحد لأشخاص فرعون ، وهامان ، وقارون ، وعلمين ندرسهما لمكانين مباركين هما عرفات ،والمشعر الحرام وهذه الخمس كلها وردت في القرآن وكنا قد فصلنا في اللقاء الماضي أن الأعلام تكون مكانيه ،تكون زمانيه ، تكون لأشخاص تكون لغير ذلك .
نقول والله المستعان قال الله جل وعلا :( ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِئَآيَاتِنَا وسُلْطَان مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَونَ وهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) وقال جل ذكره في العنكبوت (وقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّّّّّّّّّّّّّّّّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) وقال في القصص :( إِنَّّّّّّّّّّّّّّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ) وقال تبارك وتعالى : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوَنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَنَا ًإِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ ) التفصيل كالتالي:(48/1)
هولاء الثلاثه كلهم كذابون فرعون وهامان وقارون لكن ينبغي أن تعلم أن فرعون وهامان من أهل مصر الأصليين أما قارون من قوم موسى من بني إسرائيل هؤلاء الثلاثه أحداثهم لم تكن في مكان واحد فرعون وهامان كانا في مصر أما قضية قارون لم تكن في أرض مصر كانت بعد خروج موسى من أرض مصر في أرض التيه فقصة البقره وقصة الخضر وقصة قارون كلها تمت بعد خروج موسى عليه الصلاة والسلام من أرض مصر أما فرعون وهامان فكانا زعيمين لأرض مصر يجمعهم التكذيب بموسى لكنهم يختلفون في النسب يختلفون في قرابتهم من موسى يختلفون في الحقبه الزمانيه المخصصه التي وقعت فيها الأحداث فنبدأ بما بدأ الله به طبعا مر معنا كثيرا قضية موسى وهارون وهامان لذلك لن أفصل فيما فصلت فيه سابقا في التأملات ولكن نتكلم هنا من باب تراجم بسيطه جدا عن أعلام القرآن لذلك كان العدد خمسة فرعون لقب على الأظهر لمن يحكم مصر في فترة من الفترات آنذاك هل اسمه فرعون الحقيقي أو هو لقب له ؟ اختلف الناس أي أهل العلم والمشهور أنه لقب لكن هذا اللقب لم يرد له نص في القرآن يعني هذا اللقب لم يرد له اسم يبينه في القرآن ففي كل المواضع اللتي ذكر الله جل وعلا فيها خبر موسى مع فرعون سماه فرعون ولهذا قال البعض إن اسمه فرعون لكن قلنا إن كلمة اللقب هو أقوى لكن لايعرف له اسم قال بعض العلماء إنه اسمه / أبوالوليد أو قالوا مصعب ابن الوليد أو الوليد بن مصعب لكن هذا بعيد جدا لأن هذه أسماء عربيه لايمكن أن تطلق على فرعون وفرعون كلمة لاوزن لها في العربيه لا وزن لها في العربية بخلاف غيره بخلاف هامان مثلا. هذا الرجل لماذا ندرس سيرته ؟!!!لأن الله أخبر أنه أشد أهل النار عذابا قال الله :( أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) فإذا كان هذا مآل أهله فكيف بمآله هو فندرس سيرته لنقف على أعظم الصفات التي تحل بها حتى نبتعد عنها لأن المؤمن يتحلى بطرائق الأخيار ويأنف وينأى بنفسه عن(48/2)
طرائق الأشرار الكبر أعظم المهلكات وهو نبته في الصدر وقد مرمعنا أنه يقسم إلى ثلاث أقسام :ـ
ـ كبر على الله وهذا الصانعون له قليل .
ـ وكبر على الرسل وهذا الصانعون له أكثر من الأول.
ـ وكبر على الناس وهذا قليل من يسلم منه.
أما الكبر على الله فهو عين الكفر وهذا لم يوجد على مر الدهور إلا في قليل من الأفراد منهم النمرود صاحب إبراهيم (قَالَ أَنَاْ أُحْييِ وَأُمِيتُ) ومنهم فرعون لأن فرعون تاريخياً بعد من؟ بعد النمرود ففرعون قال :( مَاعَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيرِْي) وقال لأهل مصر (أَنَا رَبُّّّّّّّّّّكُمُ الأَعْلَى ) وهو قمة الكبر على الله تبارك وتعالى ولهذا كان جبريل كما مر معنا في درس التأملات حانق عليه لأن فرعون نازع الله في كبريائه فلما أدركه الغرق وأخذ يرى الموت عياناً في البحر كما جاء في الحديث الصحيح كان جبريل يأخذ الطين ويضعه في فم فرعون حتى لا يتلفظ فرعون بكلمة يستدر بها رحمة الله جل وعلا فيرحمه الله فكان من حنق جبريل عليه أنه لا يريد أن يرحمه الله لما سلف من أفعاله وأقواله وقوله (ماعلمتم لكم من إله غيري)(أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر َوَهَذِهِ الأَنْهَار ُتَجْرِي مِن تَحْتِي)(أنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)( فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحَاً لِّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) إلى غير ذلك مما تجرأ به على ذات الله جل وعلا ...
ـ إذاً أعظم ما يفهم من الدرس :أن الإنسان هذه النبته التي في القلب يحاول قدر الإمكان أن يجعلها مجرد نزعه في النفس لا يكون منها أي صنيع هي كونها موجوده في الإنسان هذا يعني شيء مجبول عليه الناس لكن لا يكون لها أي صنيع لا يكون لها أي دور ثم الناس في هذا منازل.
ـ الحالة الثانية :الكبر على الرسل وقلنا هذا كثيراً في الأمم .(48/3)
ـ ثم الكبر على الناس وهذا هو الذي لا يوجد مسلم ولله الحمد ممكن أن يتكبر على الله ورسوله لكن قد يوجد في الناس من يتكبر بعضهم على بعض إما لمال أو لجاه أو لنسب أو لسلطان أو ما إلى ذلك ولهذا أمر الله جل وعلا نبيه بأن يخفض جناحه للمؤمنين عموما وأن يكون أنموذجا في تواضعه ( وَلاَتَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ً* كُلُّّّّّّّّّّّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّّّّئُهُ عِندَرَبِّّّّّّّكَ مَكْرُوهاً ) هذه أعظم ماتصف به فرعون .(48/4)
ـ الأمر الثاني:ـ تكذيبه وهذا ناشئ عن كبره تكذيبه لما يعلم أنه حق ولهذا قال الله جل وعلا عنه ( وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّاً) فهو كان يعلم أن موسى على الحق بالآيات البينات البالغات التي أظهرها موسى له لكنه جحدها وهو يعلم أنها حق فمن أعظم ما يظلم به المرء نفسه أن يرد الحق وهو يعلم أنه حق لكن يرده كبر .... يرده أنفه.... يرده استكبارا لايريد أن يخضع لأحد لا يريد أن يشعر أن زيدا أو عمرا من الناس أفضل منه فيلحق بركب فرعون وإن كان لايصل إلى فرعون ولايخرجه هذا من الملة لكن يحرمه من خير كثير ويكون وباله بحسب ذلك الشيء الذي رده ،عامل الله فرعون بجنس المعصية التي تعالى بها ،قال لأهل مصر:( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وِهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تحَتِي...) فنسب أنهار مصر إليه وأنها في قبضته يصرفها كيف يشاء فأغرقه الله في البحر الذي كان يدعي أنه ملك له ،أغرقه الله جلا وعلا في البحر الذي كان يدعي أنه ملك له ،كان من سياسته التفريق بين الناس قال الله جلا وعلا :(جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) شيعا :ـ أي فرق يعذب طائفة... يستحي النساء... مجموعة للخدمة ...مجموعه للرفعه...مجموعه مقربة له ففرق بين الناس على تميز عنصري كان يتخذه وجعل بني إسرائيل في أدنى المنازل وجعلهم للخدمة وسامهم سوء العذاب فمنَّ الله على بني إسرائيل ببعثة موسى ثم أهلك فرعون بأنه نجى موسى جل وعلا وأخزى فرعون وآله هذا فرعون على وجه العموم...اتخذ وزيراً والوزير آنذاك ليس كالوزير في هذا العصر الوزير الوزراء في هذا العصريعطى كل ذي وِجه وزارة سابقا الوزير كان المعاون أو المساعد للرئيس أو للملك أو للسلطان فكان هامان يؤدي هذا الدور مع فرعون ولهذا قال الله:( فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُم عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنِّ فِرْعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) فنسب الجنود أضافهما إلى فرعون(48/5)
وهامان لأنهما كان يملكان القيادة ،والإنسان كان ذا سلطان أوغير ذي سلطان لا بد له من أشخاص حوله يستشيرونه ويعينونه في الأمر هذه سنة لله قلما يوجد أحد لا يتخذ رأيا إلا لوحده وليس معه أحد خاصة ذوي المناصب وذوي الجاه وذوي المشاغل الكبرى وكلما كان وزير الإنسان ومن يرافقه ذا عقل وحلم ومحبة لله فيه كانت قراراته أقرب إلى الهدى والضد بالضد والعكس بالعكس...هامان هذا كان وزيرا لفرعون يعينه على طغيانه ويعينه على جبروته ولهذا قدح الله فيهما سويا ونكل بهما سويا ...(48/6)
ـ من الوزراء في التاريخ الإسلامي الذين عرفوا بالفضيلة رجاء ابن حيوه ورجاء هذا كان وزيرا لعبد الملك ابن مروان ثم للوليد مقرب من عبد الملك ثم الوليد ثم جاءت خلافة سليمان ابن عبد الملك وسليمان لم يكتب له أن يُعمَّر توفي بعد الأربعين بقليل جاء مكة ثم ذهب إلى الطائف ثم دخل يغتسل فلبس ثيابا حسنه فأعجبته نفسه وهو ينظر للمرآه فقال:"كان أبو بكر صديقا ،وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حييا ـ ولم يقل في علي شيء لما بين بني أمية وبين علي ـ وكان معاوية حليما وكان عبد الملك سائسا وكان الوليد جبَّارا وأنا الملك الشاب" بقدر الله التفت قابلته جارية من جواريه أمه قال :ماترين في ؟أعجبته نفسه أمير المؤمنين وهو في الأربعين فقالت له قدرا:أنت نعم المتاع لولا أنك فاني يعني / تموت فاستشاط غضبا من كلامها مكث بعدها ثلاثة أو أربعة أيام ومات الذي يعنينا عندما أدركه الموت بعد أن رجع الظاهر من الطائف كان وزيره رجاء بن حيوه فلما شعر بدنوا الموت ويكتب الكتاب للولاية من بعده هذا سليمان له أخوان يزيد وهشام بالترتيب يزيد وهشام بالترتيب وله ابن عم اسمه عمر بن عبد العزيز فكان رجاء يتمنى أن يلي الخلافة عمر لما يعرف فيه من فضل عمر ولايريدها في يزيد ولا في هشام ولايريدها من باب أولى في أبناء سليمان فقال سليمان لرجاء: أكتب من بعدي كتابا لابني فلان قال يا أمير المؤمنين ابنك هذا في الجهاد ماندري يعود أو لا يعود أخذ يلاطفه قال إذا أكتب لابني أيوب وأظنه هذا الأصغر قال هذا صغير لايتولى ملك قال إذا لمن يارجاء قال أكتب لعمر بن عبدالعزيز قال لن يرضى أبناء عبدالملك يعني يزيد وهشام لن يرضوا قال : ياأمير المؤمنين اجعلهما بعده يعني اكتب في الكتاب إن الخلافة لعمر بن عبدالعزيز ومن بعده ليزيد وهشام فسيرضيان فوافق سليمان بقدر الله وكتب الكتاب وآلت الخلافه لعمر بن عبدالعزيز فكل ماصنعه عمر بن عبدالعزيز سيجعل في ميزان من ؟ في ميزان رجاء(48/7)
بن حيوه الذي أشار على سليمان أن يولي عمربن عبدالعزيز الخلافه هذا استطراد يبين أهمية أن يكون مستشار الإنسان عاقل لكن المستشار لايطالب من يشير عليه بأمور لايمكن أن تتحقق فالإنسان إذا أراد لقوله أن ينفذ ولمشورته أن تقع لابد أن تكون واقعيه فهذا رجاء ماقال لسليمان اجعلها في فلان من الصالحين مايرضون بني أميه لابد أن تكون في رجل من بني أميه لكن ماتلي خطيب جمعه أو إمام أوعالم يقال اجعلها فيه لأن الأمويين لن يرضوا بهذا لكن جعلها فيهم من أبناء عمهم المقصود من هذا كله أن هامان كان وزير سوء لفرعون فأهلكهم الله جل وعلا سويا وقد ناداه فرعون ( يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ) تهكم أي بناء عاليا ( لَّعَلِّي أَبْلُغ ُالأَسْبَابَ ) ( أَسْبَابَ السَّمَواتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّّّّّّّّهُ كَاذِباً ) ماذا قال الله ؟ قال الله (وَكَذَلِكَ زُيِّّّّّّّّّّّنَ لِفِرْعَونَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَاكَيْدُ فِرْعَونَ إِلاَّّّّّّّّّ فِي تَبَابٍ ) وكم من طاغية جبَّار أو جاهل ضال يمشي في طريق يحسب أنه على هدى والله جل وعلا يزين له سوء عمله وهو من الضلاله بمكان بعيد كصنيع أكثر الفجره والكفره في الشرق والغرب اليوم ففرعون جعله الله جل وعلا هو وهامان أئمه في الشر قال الله عياذا بالله ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّارِ ) وقال ( وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ ) وفي هذا دليل على أن كلمة إمام لوحدها ليست مدحا وليست؟ وليست ذما إنما بحسب القرائن لأن الله قال عن فرعون وآله أنهم أئمة يدعون إلى النار وهناك أئمة يدعون إلى الخير ومنه قول الله جل وعلا في الفرقان ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّّّّّّقِينَ إِمَامًا ) فقرينة للمتقين تدل على أنهم أئمة في الخير موضع الشاهد أنه كما يوجد أئمة(48/8)
يدعون عياذا بالله إلى الفجور كما هو في عصرنا يوجد أئمة يدعون إلى الخير كما جعل الله بعض الناس مفاتيح لكل خير جعل الله جل وعلا عياذا بالله بعض الناس مفاتيح لكل شر أعاذنا الله وإياكم من ذلك هذا الذي يعنينا في قضية فرعون وهامان على وجه الإجمال بقينا في قارون قارون اسم بالعبرانيه محول للعربيه قارون واسمه قورح قال الله : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ) أي من بني اسرائيل وأكثر المفسرين على إنه ابن عم لموسى.
س/لماذا ساق الله خبر قارون في كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم ؟
ـ الأحداث هي الأحداث ولكن الأزمنه تختلف النبي عليه الصلاة والسلام وُوجِه بأعمامه وبعض قرابته من قريش يعاندونه في الدعوة مثل أبي لهب ، وأبوسفيان ابن الحارث ومثل غيرهم من صناديد قريش ذوي الأموال والجاه فالله جل وعلا يعزي نبيه يقول له كما وُوجهت أنت بأبي لهب وغيره فإن أخاك موسىوُوجه بمن ؟ وُوجِه بقارون فصبر تعزيه له
( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) قال الله ( وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّّّّّّ مَفَاتِحَهُ لَتُنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّة ِ) العصبه / الفئام من الرجال من 10 إلى 15 ولم يكن آنذاك أوراق ماليه ورقيه وإنما كانت تحمل بدرات من الذهب والفضه فكان له كنوز تحمل يحملها ثلاثين ، عشرين بغلا وينوء بحمل مفاتيحها العصبه من الرجال ( وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتُنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله َلاَيُحِبُّّّّّّّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتاكَ اللهُ الدَّّّّّّّّّّّّار َالأَخِرة َ) .(48/9)
والمعنى: مارزقك الله إياه من فضل اجعله سببا لأن تنال به رضوان الله كل شئ أعطاك الله إياه من فضل فسخره في مرضات الله ألا ترى الفتى أحيانا يرزق حسن صوت فهذا يسخره في المحاريب يصلي بالناس إماما ويؤثر في خلق الله وهذا يسخره في الغناء والمجون فيضل الله جل وعلا به أقواما والإثنان قد اجتمعا في فضل أعطاهم الله إياه وهو واحد وهو حسن الصوت إلا أن الأول ابتغى به الله والدار الآخره والثاني لم يراعي في الله جل وعلا حقا في تلك الليله فقال الله جل وعلا هنا ( وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ اللهُ الْدَّارَ الأَخِرَةَ وَلاَتَنسَ نَصِيَبكَ مِنَ الدُّّّّّنْيَا ).
ـ بعض العلماء يقول ( وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّّّّّّّّّّّّنْيَا ) أي لاتنسى قيمة الكفن هو الذي يستحق أن تبقيه أما غير ذلك لايهم وفي هذا القول بعض المبالغه لكنه يقال للعظه والذكرى لكن لاتنسى نصيبك من الدنيا لاتصل إلى مرحلة تحتاج فيها الناس (وَلاتَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَيُحِبُّ المُفْسِديِنَ ) الذي قال هذا الكلام علماء وذوي مواعظ من بني اسرائيل يعيظون قارون وهو مع موسى في أرض التيه فاستكبر ورد كل العظه قال الله جل وعلا أنه أجابهم بقوله ( قَالَ إِنَّّّّّّّّّّّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) وقد قالوا إنه كان عليما بالتوراة .
ـ فكلمة " علىعلم " تحتمل معنيين:
ـ إما على علم بالطرائق التي تكتسب بها الأموال وهذا قوي .
ـ والقول الآخر أي على علم بالشرع أنا أفهم منكم فيما تنصحوني به .(48/10)
كمن تأتيه لتنصحه تراه أمام مدرسة بنات يؤذي فقبل أن تكلمه يقول لك أعرف اللوحه أو تأتي لإنسان يعد جواز السفر ليذهب إلى ديار فجور فقبل أن تنصحه يقول لاحاجه أعلم أنه حرام فهذا الجواب هو جواب قارون من قبل قال ( إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ) وقلنا المسأله تحتمل جوابين قال الله جل وعلا ( أولم يعلم ) وهذا يؤيد القول الثاني (أَنَّ اللهَ قَد ْأَهَلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّّّّّ مِنْهُ قُوَّّّّّّّّّةً وَأَكْثُرُ جَمْعَا) قال الله بعدها ( وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُون َ) وقد جاء في آيات أخر أنهم يسألون.
ـ وقلنا إن الجمع بينهما أن يقال :ـ إنهما يُسألون سؤال توبيخ وتقريع لاسؤال استفهام واستخبار لأن الله جل وعلا مطلع عالم بماصنعوا لاتخفى عليه من عباده خافيه قال ( إِنمَّآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْم ٍعِندِي ) قال الله :( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّّّّّّّّّّّّّّّّّّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكَثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِم ُالمُجْرِمُونَ) بعد ذلك أعجبته نفسه لما رأى نفسه قد انتصر على هؤلاء الذين وعظوه والإنسان أحيانا إذا تخلص ممن يعظه يزداد رتبة في الشر فيجنح إلى عمل أعظم فلما رأى نفسه أقنع نفسه أنه أقنع الذين وعظوه أراد أن يقنع نفسه أنه على الحق فأمر خدمه وحشمه أن يخرجوا معه قال : ( فَخَرَج َعَلَى قَوْمِهِ ) الآن هم في أرض التيه ضائعون لكن أراد أن يبين قدرته قال الله :( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينِتِهِ ) في زينته يعني في أُبَهتِه وكمال ما آتاه الله فرأه الناس فانقسم الناس فيه إلى فريقين:ـ
ـ فريق أهل علم يعرفون الله والدار الآخره.(48/11)
ـ وفريق وهو شأن أكثر الناس تعلقوا بالدنيا لما رأوا نموذجا لها قال الله جل وعلا : ( فَخَرَج َعَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُون َالحَيَاةَ الدُّّّّّّّّّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّّّّهُ لَذُو حَظٍّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ عَظِيم ٍ) أي أنه لذوا قسمه ومحظوظ وذو نصيب عظيم ناله بما رأوا فيه وهذا يحدث يوميا لنا جميعا يرى الإنسان من هو أكثر منه مالا أو ولدا أو جاها أو منصبا أو يركب سياره أفضل من سيارتك أو غير ذلك فيقع في كل نفس ( وَمَآ أُبَرِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارُةٌ بِالسُّوءِ ) أن يكون مثل ذلك مالذي يردعها ؟(48/12)
يردعها أن تتذكر أن النعم والفضل بيد الله وأن الله لم يجعل الدنيا نعيما لأحد ولا يعني ذلك أن من نعمه الله أنه يلزم منه أن الله غاضب عليه محال لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لايحب ولا يعطي الدين إلا لمن يحب ) أعطانا الله وإياكم خيري الدنيا والآخره المقصود ( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الَّحَيَاةَ الدُّّّّّّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّّّّّّّّّّّّّّّّ عَظِيمٍ ) ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهذا في كلام أمثال توجد لايمكن لأي بليغ أن يزيد عليها شئ من أشهر هذا الكلام كلمة :ـ العلم نور هذه الكلمه على أنها مبتذله كل الناس تقولها لكن لا يمكن الزياده عليها هذا معنى العلم نور هؤلاء القوم العلم الذي في صدورهم جعل عليهم نورا فيما يقولون قال الله : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابَ اللهِ خَيرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا )أي هذا الذي تبتغونه خير منه ثواب الله وثواب الله لايدرك إلا بالإيمان والعمل الصالح ( وَلا َيُلَقَّّّّاهَآ إِلا َّّالصَّابِرُونَ ) أي هذه المراتب العاليه والمنازل الرفيعه والدرجات التي أعدها الله لخيار عباده من أعظم الطرائق عليها والوصول إليها الصبر. والصبر ينقسم إلى قسمين من حيث الصبر لماذا؟ مو من حيث أنواع الصبر صبر لله وصبر لغير الله.(48/13)
ـ أما الثاني فإن الإنسان إذا صبر لغير الله لا بد أن ييئس لأن لايمكن أحد أن يعطيك حتى يرضيك لايوجد أحد قادر على أن يعطيك حتى يرضيك فيدب إليك اليأس فإذا دب إليك اليأس فررت من الشئ الذي أنت صابر من أجله تسمعون بالحُطيئه شاعر هذا جاور أقواما يريد نوالهم عطاءهم تأخروا عليه جاءه أبناء عمومه أبناء عمومه للأولين طلبوه أن يرتحل إليهم لأنه شاعر يريدون أن يشتروا لسانه كان كل مره يتريث يقول لما بعد ... لما بعد آخر الأمر ماوجد خيرا عند هؤلاء ارتحل عندما ارتحل أصبح الأولون يلومون الآخرين على أنهم أخذوه صار بينهم شجار فقال الحطيئه قصيده طويله أنا يعنيني منها بيتين .
قال :ـ لمَّا بدى ليَ منكم غَيبُ أنفسكُم
ولم أرى لِجِراحِي منكم آسِي
آسي يعني :ـ طبيب
أزْمَعتُ يأْساً مُبيناً من نوالكمُ
ولنْ تَرى طَارِداً للحرِ كَاليأسِ
الحر لايطرده شئ مثل اليأس أنت الآن هذا منزلي لو جئت تسأل سؤال تأتي للشيخ صالح طرقت التلفون ماحد رد اتصلت جوال مقفل طلعت الدرج ضربت الجرس ماحد رد تقول الله الغني عن صالح وعن سؤاله وتذهب إلى واحد آخر مالذي جعلك تذهب ؟ اليأس مما في أيدي الناس فاليأس يجعلك ترتحل من أي أحد تقف بين يديه طلب علم أو طلب مال أو طلب أي شئ هذا صبر لغير الله لابد أن يدب إليك اليأس لأنهم مخلوقون لابد أن يظهر عليهم ضعف.(48/14)
ـ الصبر الثاني صبر لله وهذا مايدب إليك يأس إن كنت مؤمنا لأن الذي عند الله أمر مظمون أعظم مما في أيدي الخلق بل لا مقارنه أصلا ولهذا قال الله لنبيه في أول الدعوة ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر ْ) فإن صبرت من أجلنا يانبينا سُتعان على الدعوة إذا مُنعت لن يدب إليك اليأس ولهذا قال المكلوم يعقوب عليه السلام ( يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَايْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّّّّّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّّّّوْحِ اللهِ إِلا َّالْقَوْمُ الْكَافِرُون َ) من ازداد علما بالله لايمكن أن يدب إليه اليأس مثقال ذره فإذا ضعف العلم بالله تبارك وتعالى يمكن أن يصل بعض اليأس إلى القلوب جعلنا الله وإياكم ممن لا ييأس من رحمته ولا يقنط من روحه.
نقول قال الملأ من أهل العلم ( وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ ) الآن كلا الفرقين قال قولته فبقي الفريقان ينتظران حكم أحكم الحاكمين قال الله جل وعلا: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ) خسفنا بزلزال لكن أنت ترى بعقلك بعينك وعقلك اليوم مايوجد زلزال أمتار مربعه الزلزال عام مدن .. قرى .. هجر .. محافظات .. لكن معجزة لموسى وتكرمة لأهل العلم ونكالا بقارون جعل الله الزلزال على قدر بيت من ؟ على قدر بيت قارون قال الله :( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ) أما الدور المجاوره لم يصلها شئ. من يقدر على هذا ؟ لايقدر عليه إلا الله:(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ)قال الله ( فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَاكَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ) فإن لم ينصره الله لن ينصره أحد ولو حاول أحد نصرته لباء بالفشل الآن كشف الغطاء وظهر الجواب الإلهي و الفصل الرباني فتغيرت الخطاب صار أهل الدنيا كأهل العلم .(48/15)
مالفرق ؟ أن أهل العلم من الأول عرفوا المسأله أما أهل الدنيا احتاجوا إلى قرينه حتى يعرفوا المسأله تأخر علمهم قال الله جل وعلا ( فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دَونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ) ( وَأَصْبحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ ) بالأمس هنا: اليوم ماذا ؟ الأحد لكن إذا قلنا أمس نقصد السبت وإذا قلنا بالأمس أي:أي يوم قبل ايش قبل الأحد ليس أمس المباشر وإنما قبل فالأحداث كانت في فتره زمنيه حتى خسف به فلهذا قال الله تعالى : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبدَِارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دَونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّّّّّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر ُ) هذا بالنسبه لأهل اللغة هذه (وَيْكَأَنَّ) الأظهر أنها معنى التعجب.
ـ وقد اختلف النحويون في أصلها لكن نمرر عليها بسرعه ربما يسمع كلامنا هذا طلبة علم نحوي.
قال بعض علماء النحو أن أصلها مكون من ثلاثة من:ـ وي ـ وكاف الخطاب ـ وأن المصدريه أخت إنَّ .وي وكاف الخطاب وأن المصدرية أخت إن.
وقال بعضهم إنها مكونه من أربع من:ـ وي ـ وكاف الخطاب ـ والفعل أعلم ـ وأن المصدريه أخت إن المكسورة الهمزه ـ واضح ـ ممن قال بالثاني ثعلب والكسائي وأضرابهما من أئمة أهل الكوفه وممن قال بالأول قال به الأخفش وقال به قطرب(48/16)
نعرج قليلا استطراد: الأخفش هذا يمر عليك أنت طالب علم هم ثلاثه الأخفش الكبير والأخفش الأوسط والأخفش الصغير . الأخفش الكبير أستاذ سيبويه والأخفش هذا الذي قال الكلام هنا إذا أطلق الأخفش يراد به تلميذ من ؟ تلميذ سيبويه . وقد مر معنا أن سيبويه تناظر مع من ؟ مع الكسائي وخرج مغضبا من بغداد إلى الأهواز في إيران الآن ومر على تلميذه هذا الأخفش واسمه سعيد بن مسعده وأخبره بالقصه يظهر هذا الأخفش تلميذ بار بسيبويه فغضب وحنق على أن شيخه غلب فخرج إلى بغداد يريد أن ينتقم من ماذا ؟ من الكسائي لكن :
أحْسِن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ ** فطالما استعبد الإنسان إحسانُ(48/17)
صلى الفجر في المسجد الذي يصلي فيه الكسائي والكسائي إمام في اللغة وفي القرآن وفي القراءات فلما فرغت الصلاة هذا جاي مشحون فلما فرغت الصلاة أخذ يسأله أمام طلابه كان الكسائي معظما أمام طلابه مثل الفراء وغيره... فأخذ يغلظ له في الأسئله و يرد عليه ويجادله حتى هم طلاب الكسائي أن يضربوه لكن الكسائي هذا العقل شئ من الله كان عاقل طبعا قديما ماكان فيه صور الآن تأتي لأي واحد يعرفك من قبل أن تأتيه يقول رأيتك في جريده رأيتك في التلفاز رأيتك في قناة أما أول مايعرف الناس بعض فقال : الكسائي فهم إن هذا ماهو سهل قال : إن لم يخب ظني فأنت الأخفش سعيد بن مسعده قال : نعم فقام الكسائي من محرابه وأقبل عليه وعانقه وضمه وأخذ يرحب به أهلا بطالب العلم أهلا بالشيخ أهلا بأهل الفضل طبعا هذاك بالعاميه بين قوسين ـ ورط ـ هو جاي مشحون لكن هذا قَبَّلهُ وضمه وكف الطلاب عنه وأخذ يلاطفه وأكرمه والكسائي كان إذا جاء حتى استحالت الوحشه إلى؟إلى محبه وجعله معلما لأولاده . فلما تأتي المسائل بين البصريين والكوفيون يكون الأخفش في بعض المسائل يوافق الكوفيين لأن الكسائي إمام أهل الكوفه فيميل معه من باب ما وجده من ملاطفة الكسائي له فأكثر أهل البصره في آرائه موافقا لأهل الكوفه هو الأخفش للصنيع الذي صنعه معه الكسائي
وفي هذا تعليم لنا جميعا كيف أن الإنسان يحول خصومه إلى أهل محبه .(48/18)
الثاني / قطرب . قطرب هذا قطرب أصلا دويبه تكد في النهار كثيرا تعرفها العرب كان سيبويه رحمه الله مايخرج يروح الفجر يصلي الفجر في السحر يخرج قبل الآذان كل ماخرج يجد هذا محمد بن المستنير عند الباب كم كان سيبويه هذا ؟ في الثلاثين صغير ومع هذا يطلب على يديه النحو يخرج يسهر الليل كله ينتظر متى يخرج سيبوبه يستفيد منه من البيت إلى المسجد يسأله مره ..مرتين.. ثلاث .. أربع لعله يمل لعله يكل كل يوم فقال سيبويه له : إنما أنت قطرب ليل يعني القطرب في النهار لكن أنت قطرب ليل إنما أنت قطرب ليل فلزق به الاسم فأضاع الناس اسمه ولايعرف بأنه أبوالحسن محمد بن المستنير وسمي قطرب للقب هذا اللقب أخذه من قول سيبويه له رحمه الله أنت قطرب ليل المهم أنه أخذ علمه عن سيبويه هذان الرجلان هما اللذان قالا إن" ويكأن" مركبه من ثلاثة البقيه مافيه داعي للتفصيل لأنه سيطول الموضوع ويخرج من تفسير إلى نحو لكن هذه فوائد حول قول الله جل وعلا ( وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّّّّّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر ُ) يبسط يعني يعطي ويقدر يعني عكس يبسط يعني يضيق قال الله تبارك وتعالى : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَاابْتَلاَهُ رَبَّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) ـ يعني يضيق ـ ( فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) لكن هذا جنس الإنسان أما المؤمن يرضى
وأنا سأعطيك فائده :ـ إذا ضيق عليك في الرزق قل:" حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون "أعيد إذا ضيق عليك في الرزق قل "حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون " .
ـ إن قال لك أحد هذا الشيخ مبتدع أين الدليل عليها ؟(48/19)
ـ قل إن الله قال في حق المنافقين ( وَلَوْ ْأَنَّهُمْ ....)(وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتيِنَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ) الرسول مات الآن لا نقولها (وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتيِنَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ ) فإذا ضيق عليك قل هذا " حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون "هذا تعليم الله لعباده وأولياءه جعلنا الله وإياكم منهم( وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّّّّّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر ....ُ)(..... وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) قال الله: ( تِلْكَ الدَّّّّّّّّارُ الأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّّّّّّّّّّّّّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْض وَلاَفَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَقِينَ ) وهذه مرت معنا وفصلنا فيها كثيرا هذا مايتعلق بالأعلام الثلاثه فرعون وهامان وقارون قلنا بقي علمان لمكانين وهما عرفات والمشعر الحرام :
ـ عرفات والمشعر الحرام ذكرهما الله جل وعلا في آية واحده قال ربنا ( فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
ـ نتكلم فيها على وجه التفصيل:ـ
هما مكانان مباركان متجاوران لايفصل بينهما شئ ألا أن الفرق بينهما:ـ أن عرفات من الحل والمشعر الحرام من الحرم ولهذا قال الله المشعر الحرام ولم يقل عرفات الحرام يترتب على هذا أن أهل مكه أو من كان في مكه ويريد العمره يحرم من أين ؟ يحرم من الحل من خارج مكه فلو أحرم من عرفات صح أولم يصح ؟ صح ولو أحرم من مزدلفه لم يصح لو أحرم من أي مكان عرفات أو غيرها من الحل جاز لكنه أحرم من مزدلفه لايصح لأن مزدلفه من الحرم هذا التفريق الأول.
ـ التفريق الثاني:ـ على الوقوف بعرفه ركن بإجماع العلماء أما الوقوف في مزدلفه مختلف فيه والأشهر أنه واجب عند جماهير العلماء المبيت بمزدلفه واجب أما الوقوف بعرفه فركن.(48/20)
ـ عرفه كل ليله تنسب لصبيحتها إلا عشية عرفه تنسب ليومها مثلا هذا نحن اليوم 18 شوال يوم ماذا يوم أحد ليلة الإثنين هذه الليله التي نحن فيها الله يجعلها ليله مباركه ليلة الإثنين لأن غدا الإثنين ،يوم 30 رمضان بعد الغروب تسمى ليلة عيد مافيه تراويح لكن يوم عرفه يبدأ من الزوال الساعه 10 في الليل تسمى ليلة ماذا ؟ عرفه ماتسمى .. ماتسمى ليله ايش إللي بعدها ماتسمى ليلة العيد لا تسمى صبيحتها عيد لكن ماتسمى ليلة عيد تسمى عشية عرفه تسمى عشية عرفة أعيد كل ليلة تنسب إلى صبيحتها إلا عرفه ليلة عشيتها ينسب إليها ـ واضح ـ لماذا ؟ لأن الوقوف بعرفه يبدأ من زوال الشمس إلى طلوع فجر يوم العيد فلو أن فجر يوم العيد الأضحى في عامنا هذا مثلا يؤذن خمسه وثلاثين دقيقه نفرض فمر إنسان على عرفه محرم يريد الحج الساعه خمسه وتسعة وعشرين دقيقه ووهو في عرفات أدرك الحج ولا ما أدركه ؟ أدرك ولو لحظه لو كان مغمي عليه ومروا عليه بعربيه بإسعاف والإسعاف ماوقف بعرفه بدا من أولها وانتهى ولو بشق منها ثم دخل بها على مزدلفة أدرك الحج ، لأن عروة ابن مضرس من أين ؟ من حائل قدم على بغلته وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مزدلفة قال: يانبي الله أتيتك من جبلي طي ـ جبلي طي ماهما؟ أجا وسلمى في حائل ـ اجهدت نفسي وأكللت راحلتي ماتركت جبلاً إلا وقفت عليه ـ زي الحجاج الآن مايخلون مكان مايروحوا فيه عدم العلم الكثير لابد منه ـ فقال صلى الله عليه وسلم يريد أن يحلهاحلاً جازماً قال : من صلى معنا صلاتنا هذه ـ يعني صلاة الفجر في مزدلفة ـ وكان قد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى نسكه) ـ واضح ـ فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالحج صحة لكل من مر على عرفه ولو ساعة من نهار وهذا لا خلاف فيه قال مالك رحمه الله إن الإنسان إذا خرج من عرفه قبل غروب الشمس إلى مزدلفه فلا حج له قال مالك رحمه الله إن الإنسان إذا نفر من عرفه قبل الغروب وقف بعد(48/21)
الزوال لكنه ذهب إلى مزدلفه قبل الغروب قال لا حج له لكن قال ابن عبدالبر رحمه الله وهو مالكي مشهور قال : لم يوافق أحد من العلماء مالكا في هذا فلا يعتد بهذا القول وإن قاله مالك والجمهور: على أن حجه صحيح لكن اختلفوا هل عليه دم أم عليه غير دم هذا محل سيأتي إن شاء الله في شرحنا لحديث جابر المقصود هذا مايتعلق بأحكام بيوم عرفه .
ـ عرفات جاءت في القرآن مجموعه بصيغة الجمع ( فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ) والتنوين في عرفاتٍ يسميه النحويون تنوين المقابله مقابلة النون في جمع المذكر السالم مقابلة النون في جمع المذكر السالم وجاءت في الحديث مفرده قال صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفه ) وقال ( وقفت هاهنا وعرفه كلها موقف )
ـ لماذا سميت عرفه ؟
ـ بعض العلماء يقول لايوجد دليل والآخرون يقولون من العرف وهوالطيب قال الله جل وعلا عن أهل جنته : ( عَرَّفَهَا لَهُم ) في أحد أوجه التفسير (عَرَّفَهَا لَهُم ) يعني طيبها لهم وقالوا عرفه سميت بعرفه لأن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء أمنا عليه السلام أهبطت في جده فالتقيا في عرفات فتعارفا فسميت عرفه بهذا هذا أحد الآراء وقلنا الرأي الأول وقلنا بعض العلماء يقول لايوجد دليل صريح صحيح على سبب تسميتها بعرفه ،قال بعض العلماء كابن الجوزي في تحريك الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن قال : إن القبضه التي قبضها الله جل وعلا من الأرض ليخلق منها أبانا آدم كانت من أين ؟ من عرفات مخلوطه من عرفات فقال لهذا كل إنسان على الفطره يجد في قلبه حنينا إلى ماذا ؟ إلى عرفات لأن النفس تنزع إلى ماخلقت منه كل إنسان على الفطره يجد في نفسه حنين إلى عرفات لأن النفس تحن الجسد يحن إلى الشئ الذي خلق منه هذا لايوجد عليه دليل لكن نقول العقل يقبله ولا يوجد في الشرع مايمنعه العقل يقبله ولا يوجد في الشرع مايمنعه لكن لانستطيع أن نجزم به .
مزدلفة / لها ثلاثة أسماء .
ـ مزدلفه وهو الأشهر(48/22)
ـ وجمع لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف)
ـ وتسمى المشعر الحرام وهو تسمية القرآن قال الله جل وعلا : ( فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
والمشعر الحرام على وجه الخصوص جبل كان يسمى قزح وهو الذي بني عليه المسجد الموجود الآن في مزدلفه والمكتوب عليه المشعر الحرام هذا هو عين المكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى صلاة الفجر في مزدلفه في أول وقتها حتى يتفرغ لماذا ؟ للقيام ثم وقف مستقبلا القبله يدعوا تحقيقا للآيه (فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ) وهي سنه عظيمه تركها كثير من الناس اليوم مع الإزدحام من كان معه نساء وذوات مرض وأشباه ذلك لابأس لكن من حج مع شباب أو مع غيرذلك فالأفضل بل يحسن جدا من دلالة العباده والقبول إن شاء الله أن يفرغ الإنسان نفسه للوقوف في أي مكان من مزدلفه يستقبل القبله ويذكر قول الله جل وعلا : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِند َالمْشْعَرِ الْحَرَامِ) ويحرص على ذكر الله حتى يسفر الصبح جدا أي قبل طلوع الشمس ثم ينفر إلى منى هذان كما بينا عرفات والمشعر الحرام وردت في الشعر العربي وممن وردت في شعره عرفات قصيده لدِعْبِل الخُزاعي نسيت والله أولها لكن الظاهر:
ذكرتُ محلَّ الرَّبعِ مِن عَرفاتِ
ودعبل هذا كان شيعيا يتشيع لآل البيت وله تائيه مشهوره جدا قالها في مدح آل البيت هي التي بدأها:
ذكرتُ محلَّ الرَّبعِ من عرفاتِ
التي فيها :ـ
ديارُ عليٍ والحسينِ وجعفرٍ
وحمزةَ والسجادِ ذي الثثنات
بناتُ زيادٍ في القصورِ مصونةٌ
وآلَ رسولِ اللهِ في الفلواتِ
آرى فَيئهم في غيرهم مُتقسماً
وأيديهمُ مِن فَيئهم صَفراتِ(48/23)
قصيده طويله أعطاه أحد آل البيت حله لباس يعني عباءه يلبسها فلما دخل بغداد اقتتل الناس عليه على الحله التي يلبسها ثم مزقت ولما يبقى الظاهرله منها أي شئ افتتانا بتلك العباءه فالقوم يعني منذ قديم العقل فيهم خفيف هذه المسائل التقرب إلى الله يكون بما شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم نعم آل البيت ظلموا ظلموا لا ينكر هذا عاقل.
وقبل أيام كنت في الرياض وجلست مع الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ وفقه الله عضو هيئة كبار العلماء طبعا جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقال الشيخ في المجلس قال لطيفه جدا يعني في قضية علي ومعاويه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليه الذي يتهم بأنه وهابي كان له بنت اسمها فاطمه وله أبناء اسمهم علي والحسن والحسين هو مسمي كذا يرد على من يتهموه لأن الرجل غفر الله له ورحمه إنما كان إماما مجددا على هدي قويم وعلى سنة مستقيمه ابنته فاطمه هذه كانت طالبة علم مثل أبيها فجلست تحدث النساء سألوها عن علي ومعاويه فأجابت جوابا علميا طبعا الحضور باديه يعني آنذاك عاميات لافيه ذيك الأيام مدارس ولاشئ فهموا بطريقتهم. إحدى النساء ذهبت إلى بيتها سألها أبوها ايش قالت بنت الشيخ عن علي ومعاويه قالت: والله إن الحق مع علي ويشرهون على معاويه طبعا كلمة يشرهون على معاويه طبعا بعض الإخوان يمكن مايعرف اللهجه يشرهون يعني يعاتبون ،دائما المعاتبه تكون لمن ؟ للحبيب الشخص الذي تحبه تشره عليه تعاتبه أما الذي ماتتوقع منه خير ماتحبه ماتشره عليه ولا تعاتبه فهذه رحمة الله عليها فاطمه شرحتها شرح علمي فهم الناس أن معاويه وعلي كلاهما حبيب وأن عليا الحق معه وأن معاويه ارتكب بعض الأخطاء لكنه صحابي جليل هذا الذي قالته الإبنه الفاضله للشيخ وهذه المرأه العاميه فهمتها فهم صحيح لكن لما ترجمتها ترجمتها بلغتها هي قالت الحق مع علي وصراحه يشرهون على معاويه ففهموا منها الناس إنه ليس هناك بغض لمعاويه رضي الله(48/24)
عنه وأرضاه وإنما بيان الحق بطريقه معينه موضع الشاهد من هذا كله والله أنا مادري ليش ذكرت هذا لكن أظني ذكرته لأني تكلمت عن دعبل وتكلمت عن دعبل لأني تكلمت عن عرفات المقصود أن عرفات ذكرها الشعراء في شعرهم وذكرها شوقي :ـ
إلى عرفاتِ الله ياخير زائرٍ
قصيده طويله المهم أنها مكان عظيم ومجمع عرفات من أعظم مجامع الدنيا وهو مظنة الإجابه فمن قدر له أن يحج إلى البيت فلا يتردد المقصود أن الحج عباده عظيمه وعرفات ركن الحج الأعظم والموقف فيها من أعظم مواقف الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على أن يرغبوا في كثرة الدعاء ولهذا كان صلى الله عليه وسلم غير صائم في يوم عرفه حتى يتمكن من عبادة الله وقف صلى الله عليه وسلم يدعوا يرفع يديه حتى غاب قرص الشمس تماماثم أردف أسامه بن زيد وتوجه إلى مزدلفه في كل من عرفات ومزدلفه تجمع الصلاة إلا أن الصلاة في عرفات تجمع جمع تقديم ليتفرغ الناس للدعاء وتجمع في مزدلفه جمع تأخير ليتفرغ الناس في النفره يعني في الطريق ثم بعد ذلك يستريح الناس وينامون حتى يستعدوا ليوم النحر والذي سماه الله جل وعلا يوم الحج الأكبر هذه عرفه ومزدلفه .
منى لم يذكرها الله جل وعلا باسمها الصريح في القرآن وإنما ذكر الصفا والمروه والصفا والمروه ليس في البال أن أتكلم عنهما لكن بسرعه هما جبلين يبعد بينهما مسافة معروفه وقفت عليهما من قبل أمنا هاجر قال الله جل وعلا : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَآئِر ِاللهِ ) وسيأتي الحديث عنهما تفصيلا في لقاء آخر.....
هذا ماتيسر إراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين .
ملاحظة :
ما تحته خط غير متأكده منه لعدم وضوح الصوت في الشريط.(48/25)
لقاء الشيخ صالح المغامسي في معكم على الهواء بتاريخ 15 /3 /1428 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رب العالمين والصلاةُ والسلام على نبينا مُحمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
أخوة الإيمان في كُل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
ليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشهِ و معادة وأقرب إلى نجاتهِ وسعادتهِ من تدبُر القرآن وإطالة النظر فيهِ وجمع الفكر على معاني آياتهِ فإنها تُطلعُ العبد على معاني الخير والشر وعلى حال أهلها وتُريهِ صورة الدُنيا في قلبهِ وتحضُرهِ بين الأمم وتُريهِ أيام الله فيهم فيرى غرق قوم نوح ويعلم صاعقة عاد وثمود ويعرف غرق فرعون وخسف قارون ، بتدبُر القرآن يعيشُ المرءُ مع الآخرة حتى كأنها فيها ويغيبُ عن الدُنيا حتى كأنهُ خارجٌ عنها فيصيرُ في شأن والناسُ في شأنٍ آخر ((وإذا تُليت عليهم آياتهُ زادتهُم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون )) لقد أنزل الله القرآن من فوق سبع سماوات لتدبُر والتعقُل لا لمُجرد تلاوتهِ والقلبُ لاهِ غافل (( كتابٌ أنزلناهُ إليك مُباركٌ ليتدبرُوا ءاياتهِ وليتذكر أُولي الألباب ))
أخوة الإيمان مع القرآن الكريم الذي نسأل الله العلي القدير أن يجعلهُ ربيع قُلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا { آياتٌ وعظات } هذا هو عنوان حلقة هذا اليوم من برنامج معكم على الهواء في حلقةٍ على الهواء مُباشرةً من إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية نُرحبُ كثيراً بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ صالح .
حياكم الله شيخ خالد وحي الله الأخوة المُستمعين والأخوات المُستمعات وأسأل الله لي ولكُم التوفيق والسداد(1/1)
اللهُم آمين ونسأل الله العلي القدير أن ينفع بكم وأن يجعل ذالك في موازين حسناتكُم كما نسألهُ عز وجل أن يجعل القرآن ربيع قُلوبنا نور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا .
اللهم آمين
فضيلة الشيخ صالح مرةً أُخرى يتجدد الترحيب بكُم وأهلاً بكُم في إذاعة القرآن الكريم وشُكراً لكم على قبول دعوة البرنامج ونسألهُ عز و جل أن ينفعنا دائماً بما نقول ونسمع إنهُ على كُل شيءٌ قدير ..
حفظكم الله { آياتٌ وعظات } هذا هو عنوان هذا الأسبوع من برنامج معكم على الهواء يتساءل البعض عن كيفية الإجابة عن الأشكال الظاهرة من قولهِ تعالى عن نبيهِ شُعيب (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) بينما قال سُبحانهُ في سورة الشعراء (( كذّب أصحابُ الأيكة المُرسليِن * إذ قال لهُم شُعيبٌ ألا تتقون ))
فضيلة الشيخ صالح وجه الإشكال لمّا قال في سورة هود ((أخاهُم )) ولم يقُل ذالك في آية الشُعراء نبدأ بهذهِ الوقفة حفظكُم الله ثم يتدرج الحديث معكُم عن باقي الآيات وباقي العضات في هذهِ الحلقة المُباركة ؟؟؟
الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيهِ كما يُحبُ ربُنا ويرضى وأشهدُ أن لا إله إلا الله شعارٌ ودثارُ ولواءُ أهل التقوى وأشهدُ أ، سيدنا ونبينا مُحمدٌ عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وعلى سائر من أقتفى أثرهُ واتبع منهجهُ بإحسانٍ على يوم الدين أما بعد ....
فما ذكرتمُوه من الإشكال الظاهر في قول الله جل وعلا (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) مع قوله سُبحانهُ وتعالى (( كذّب أصحابُ الأيكة المُرسليِن * إذ قال لهُم شُعيبٌ ألا تتقون )) فلم يذكُر الله نسبتهُ إلى الأخوة والجواب عن هذا الإشكال :(1/2)
أن الله جل وعلى في الآية الأولى والتي هي في سورة هود نسبهُم الله جل وعلا إلى القبيلة أو إلى المكان فكلمة مدين تُعنى بالقبيلة التي ينتسبُ إليها شُعيب وقومهُ وتُطلق كذالك على المكان الذي هُم فيهِ ونُسبتُها إلى القبيلة أقوى إذاً مدين هذا رجُل تنتسبُ إليهِ أُمة من الأُمم ولا يخلوا شُعيبٌ أن يكون واحدٌ من أبناء أحفاد مدين فهو يجمعهُ مع قومهِ أُخوة النسب فلمّا نسب الله جل وعلا قوم شُعيبٍ إلى جدهم ذكر بأن شُعيباً أخاهُم فقال (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) والتقدير واذكُر إذ أرسلنا إلى مدين أخاهُم شُعيباً .
أمّا في سورة الشُعراء فقد نسب اللهُ أُولئك القوم إلى المُعتقد الذي يعبدُونهُ وهي تلك الشجرة التي أتخذُها من دون الله فلمّا نسبهم الله جل وعلا إلى الأيكة وعبّر عنها هُنا بالأيكة نسبهُم إليها نفى عنهُ جل وعلا عن نبيهِ الأخوة فقال ((إذ قال لهُم شُعيبٌ )) لأنهُ لو قال هنا أخوهم لفُهم أنهُ أخوهُم في العقيدة وهذا مُنتفي وعلى هذا يترتب أن على المؤمن أن يكون على مُباينه ومُفاصلة ظاهرة عن أهل الباطل وعن أهل الكفر وأن مُعتقد الإنسان أعظم ما يملكُهُ فينؤ بنفسهِ على أن يشوب مُعتقدهُ أيُ شائب وهذا من بلاغة القرآن والتدقيق اللفظي فيهِ وعلى أنهُ حقٌ مُنزلٌ من لدُن حكيمٍ خبير وبهذا كما هو ظاهر يزول الإشكال ..
نعم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي أيضاً قبل قليل وردت هذهِ الآية ((أصحابُ الأيكةُ )) هنا وهُناك في آيةٍ أُخرى ( الأيكة ) هل هُناك ؟؟؟
ليس هُناك فرق إنّما هذا لفظاً يُطلق على اثنين والمُراد بها الشجرة الكبيرة التي كانوا يعبدُنها من دون الله .
أجدها مُناسبة طيبة وأنتُم تستعرضون هذهِ الآية وتتحدثون عن هذهِ الإشكالية والفروق الحديث أيضاً عن بني الله شُعيب ؟؟؟(1/3)
نبيُ الله شُعيب عليهِ الصلاة والسلام هو أحدُ أنبياء عرب ومعلومٌ أن أنبياء الله جل وعلا أكثروا من مئة ألف وهؤلاء المُباركون لم يكُن منهُم من أُمة العرب إلا أربعة " هود ، وشُعيب ، وصالح ، ونبيُنا صلى الله عليه وسلم " وكُلهم بُعثوا في جزيرة ..
شُعيبٌ يُعرف عند جمهرةِ أهل العلم بأنهُ خطيب الأنبياء لأنهُ كان قد أُوتي بياناً واضحا وحُجةً بالغة وكذالك الرُسل أئمةُ بيانٍ وفصاحةُ لسانٍ وبلاغة يبلغُون عن الله رسالاتهِ وينصحون لهُ في برياتهِ لكن كان في شُعيبٍ عليهِ الصلاةُ والسلام حضٌ أكبر من البيان كما قال الله تبارك وتعالى عنهُ (( واستغفروا ربكُم ثم تُوبوا إليهِ إنّ ربي رحيمٌ ودود * قال يا شُعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقول وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطُك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز )) فكان جوابهُ كما حكى الله عنه (( قال يا قومِ أرهطي أعزُ عليكم من الله و أتخذتُمُوهُ وراءكُم ظهرياً إنّ ربِي بما تعملون مُحيط ))
إلى غير ذالك مّما ذكرهُ الله جل وعلا ممّا فيهِ من الدلائل الظاهرة والبراهين الواضحة على قُدرة بيان هذا النبي الكريم صلواتُ الله وسلامهُ عليه .
ويظهر كذالك ــ بما أن الحديث عن شُعيب ــ أن أنبياء الله كانوا يجمعون الفقه في الدعوة فيبدأون بمسالة العقيدة فيدعون إلى توحيد الله والخوف من لقاء الله ويُحذّرون أُممهُم من اليوم الآخر ثم إنّ كُل نبيٍ يتحدث عن الخطيئة الكُبرى التي تلبس بها قومه فلمّا كان التطفيف في الكيل والميزان الخطيئة التي تلبس بها قومٌ مدين قدّمها شُعيبٌ عليهِ الصلاةُ والسلام ولمّا كان جريمةُ إتيان الذُكران من العالمين هي الجريمة التي باء بها قوم لوط قدّمها لوطٌ عليهِ الصلاةُ والسلام وعلى هذا فإنّ كُل إنسانٍ يبدأُ أولاً بمسالة العقيدة ثم ينتقل بعد ذالك للُمنكر الظاهر البيّن فشاداً في قومهِ فيبدأ بالأعظم والأجلّ ..(1/4)
هذهِ الطريقةُ المُثلى التي كان أنبياءُ الله جلاّ وعلا يدعون على منوالها ومنهاجها .
نعم بارك الله فيكم فضيلة الشيخ صالح وكيف يزرع المُؤمن المُسلم هذهِ العقيدة في قلبهِ وهو يعني مُعرّ لبعض الفتن ؟؟؟
المُؤمن يُدرك انهُ لن يقوم بأي عملٍ على الوجه الأكمل حتى يحسُن إيمانهُ ويعظُم بذالك الأمر فالإنسانُ إن لم يكُن على قناعةٍ تامة وعلى علمٍ جليل بما يدعُو إليهِ جاءت دعوتهُ هشة من أراد أن يدعُ الناس على هذهِ العقيدة العظيمة لابُد أن يكون هو أولاً على يقينٍ من توحيدِ ربهِ تبارك وتعالى ،،
ثم يأتي بعد ذالك استثمار ما حولهُ يبدأُ أولاً بكلام الله جل وعلا فقد بيّن الله جل وعلا فيهِ الأهمية الكُبرى لمسألة التوحيد ثم يأتي لكلام سيد الخلق صلى الله عليهِ وسلم وما فيهِ من عظاتٍ بالغة " ما حقُ اللهِ على العباد ؟ أن يعبُدُوهُ ولا يُشركوا بهِ شيئاً " كما في حديث مُعاذ ثم يأتي في كلام أهل العلم من السلف والخلف رحمةُ الله تعالى عليهم ،،
ثم بعد ذالك ينظُر في هذا الكتاب المنثور بين أيدينا الذي خلقهُ الله جل وعلا كما انهُ هناك كتاباً مسطوراً وهو القرآن فإنّ هناك كتاب منثور وهو الكون وما فيهِ من آيات ودلائل تدلُ على قُدرة الجبّار جلّ جلالهُ وعلى أنهُ تبارك وتعالى أحقُ من عُبد وأجّلُ من شُكر وأنهُ لا ينبغي أن تُصرف العبادةُ إلى غيرهِ :
تأمل في نبات الأرض وأنظُر
إلى آثار ما صنع المليكُ
عيونٌ من لُجينٍ شاخصات
على ورقٍ هو الذهبُ السبيكُ
على كُثب الزبرجد شاهدات
بأنّ الله ليس لهُ شريكُ
جزاكم الله خير فضيلة الشيخ لكن ذكرتُم قبل قليل الدعوة الهشة كيف هي الدعوة الهشة لماذا هشة وهو مُسلم ومُؤمن بالله سُبحانهُ وتعالى وهو يتعمّق في بحُور هذا القرآن العظيم ؟؟؟(1/5)
لا لابُد أن يُصاحب هذا التبحُر يقيناً بما يقول فليس كُل من حفظ متناً أو قرأ علماً أو تلا آيةً بلغت يقينهُ فيها مبلغا فلابُد أن تُرث القراءة يقين عند المرء لابُد أ، يكون الإنسانُ يجد ثمرة ما يقرأهُ في قلبهِ أولاً كم منّ صاحب علم قرأ متوناً ونظر في أقوال العُلماء ورُبما حفظ أحاديث ورُبما أكمل حفظ القرآن لكنّهُ ليس مُقتنعاً بما يدعُ إليهِ ولا بما يقولهُ فينجُم عن ذالك بلا شك ضعفاً في يقينهِ هو . وأنّا لمثلهِ أن يدعُ الناس بعد ذالك على بصيرةٍ وعلى بينهِ أو أن يجد الناس لقولهِ قبولا.
ففاقدُ الشيء لا يُعطيهِ ،،،
وكُلُ إناءٍ بما فيهِ ينضح .
أحسن اللهُ إليكم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي نحنُ معكم أيُها الأخوة والأخوات ونحنُ نعيش هذهِ الدقائق في رحاب القرآن الكريم سائلين الله سُبحانهُ وتعالى أن يجعلنا ممّن قال فيهم صلى الله عليهِ وسلم " ما أجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونهُ بينهم إلا نزلت عليهم السكينه وغشّتهُم الرحمة وحفّتهُم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ،،
فضيلة الشيخ يتواصل الحديث عن هذا القرآن العظيم ولعلّنا ننتقل إلى سورةٍ من سور هذا القرآن الكريم وهي سورة يوسف وتعلمون أنها السورة حوت قصة نبينا يوسف عليهِ السلام بأكملها ولم تأتي مُجزئة في سورٍ عديدة وقد حوت أيضاً على عظات عدة لعلّي أترُك لك الحديث عن هذهِ السورة العظيمة بما فيها من التنبيهات والفوائد العظيمة حظكُم الله .؟؟؟
تُدرك يا شيخ خالد كما يُدرك الأخوةُ المُستمعُون والأخوات المُستمعات أن الحديث عن سورة يوسف يطول لكنّنا سنقتصر على بعض الفوائد من هذهِ السورة الكريمة .(1/6)
يوسُف نبيُ الله ابنُ نبي اللهِ ابنُ نبي اللهِ ابنُ خليل اللهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وعلى آبائه هذهِ السورة كما ذكرتُم جاءت كاملةً في سورةٍ واحدة ولم تأتي مُجزئة نظير سورة إبراهيم نظير قصة إبراهيم ، أو نظير قصة موسى فهذهِ جاءت مُتفرقة في عدة سور بخلاف سورة يوسف عليهِ الصلاة والسلام .
لكنّنا نبدأ بالقضية الأولى بالفائدة الأولى التي حوتها تلك السور طبعاً نحنُ لا نُرتب حسب الأهمية لكن حسب وضع البرنامج عموماً فقد تكلّمنا عقدياً في قضية شُعيب فلا حاجة لأن نُعيدها في مسألة يوسف نعم أو نُكّررها ..
فنقول من أعظم ما حوتهُ القضية :
أن الإنسان لا يتعجّل في الوصول إلى الثمرة..
فإنّهُ قد قيل ما بين رُؤيا يوسف وما بين تحقيقها أكثر من أربعين عام الله يقول (( ورفع أبويهِ على العرش وخرّوا لهُ سُجدا وقال يا أبتِ هذا تأويلُ رُؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا )) وقد رآها علية الصلاة والسلام وهو صغير يافع وبين هذهِ الرؤيا وبين تحقيقها أحدث بل حلقات من أحداثٍ داميات وكم حصل فيها من مواطنُ حزن ومواطنُ فرح عاش هذا النبيُ الكريم ثم انتهى بهِ المآل إلى ما انتهى إليهِ ،،،،،
من هنُا نأتي لطلبة العلم على وجه الخصوص بما أنّا نتكلم عن القرآن والقرآنُ وعاء العلم الأعظم نقول ينبغي على العاقل أن يتأنّى في الوصول وأن لا تكون الدُنيا همّهُ وأن يعلم أن الذي يمشي على خطوات ثابتة ويتدبّر العلم تدريجياً ويأخُذه مُؤصلاً ويجنح بنفسهِ خطوةً خُطوة لا يستعجلُ ظهوراً ولا يبحثُ عن أضواء سيصلُ بحمد الله جل وعلا ورعايتهِ إلى مقصدهِ ومرادهِ .
ولنضرب مثلاً
نعم(1/7)
تعلم أيُها الأخُ المُبارك عن أبي حنيفةً النُعمان أول الأئمة الأربعة ظهوراً رحمهُ الله كان لأهُ تلميذ يُقال لهُ أبو يُوسف وأبو يُوسف كان يومها غُلاماً صغيراً يتيماً تجنح أُمهُ إلى أن تجعلهُ يعملُ عند حائك حرصاً منها على أن ينال دانقاً يقتاتُ بهِ و الدانقُ أيُها المُستمعُ الكريم آنذاك أقل ما يُمكن أن يُترك كالهلل والقروش وما يُسمّى بالفلس في دول الخليج يعني شي زهيد تماماً لكنّ المرأة كانت تنظُر إلى أن هذا هو البُغية هو الغاية بينما كان أبو حنيفة رحمةُ الله تعالى عليهِ ينظُر إلى يعقوب الذي هو أبو يوسف ينظُرُ إليهِ على أنهُ سيكونُ ذات يومٍ رجُلٌ ذا بال في العلم فكانت هذهِ المرأة تأتي إلى أبي حنيفة في حلقتهِ وتذُمّهُ وتقولُ ما أضاع ابني إلا أنت وما جعل الغُلام يفرُّ عن موطنهِ إلا أنت فيقول خلي منك يا رعناء ــ هذا أبو حنيفة يقول لها ــ [ والله إنّ ابنك ليأكُل الفالوذج بدهُن الفُسق ] هذا الفالوذج نوعٌ من الحلوى لم يكُن يوجد آنذاك إلا في بيوت الأثرياء أما الفالوذج الممزوج بدُهن الفُستُق فهذا لا يُوجد إلا في بيوت الخُلفاء ولا يُوجد إلا على أحيان يعني ليس دائماً ، فلمّا قال أبو حنيفة لأُمي أبي يوسف هذا الكلام قالت إنك شيخٌ كبرت وخرّفت فمضت عنه وأصرّ أبو حنيفة أن يدرُس أبا يوسف عندهُ ثم مضت سنون مات أبو حنيفة ماتت الأم تقلّد أبو يوسف القضاء في العراق حتى أصبح قاضي القُضاة في الدولة فكان يأكلُ على مائدة الرشيد أمير المُؤمنين ماذا يقول أبو يوسف ؟؟(1/8)
يقول أكلتُ يوماً على مائدة الرشيد فقُدّم لهُ طعام فقال لي يا أبا يوسف كُل فهذا قلّما يوجد في قصرنا قُلتُ أصلحك الله ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا فالوذج بدُهن الفُستق فتذكر أبو يوسف الحادثة وضحك فتعجّب الرشيد قال ما الذي يُضحكُك يا أبا يوسف ؟ قال خيراً يا أمير المؤمنين قال أخبرني فأخبرهُ بالقصة فقال عندها هارون الرشيد قال يا أبا يوسف [ إنّ أبا حنيفة كان يرى بعيني عقلهِ ما لا يراهُ غيرهُ بعيني رأسهِ ] أي بعيني بصرهِ.
.يستشرفُ المُستقبل عندما قرأهُ جيداً .
إذاً يوسف علية الصلاةُ والسلام مرّ بحلقات داميةِ ثم آل بهِ الأمر أراد لهُ إخوتهُ أن يضيع في غيابات الجُب فيُخرجهُ اللهُ من غيابات الجُب إلى دهاليز القصُور تتأمرُ عليهِ امرأةُ العزيز فتُودعهُ السجن فيُخرجهُ الله جل وعلا من غياهب السجن إلى أن يُصبح عزيزاً على مصر .
هذهِ الفائدة الأُولى والعُظمى
الفائدة الثانية :
أن الإمامة في الدين لا تُنال إلا بالتقوى والصبر قال الله جل وعلا (( وجعلنا منهُم أئمةً يدعون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون ))
وقال عن يوسف عليه الصلاةُ والسلام لمّا أظهرهُ الله وعفا عن إخواتهِ قال بعد أن قال لهُ أخوتهُ (( أءنّك لأنت يوسُف قال أنا يوسف قال أنا يوسُف وهذا أخي قد منّ اللهُ علينا )) فنسب الفضل إلى بارية وخالقهِ جل جلالهُ ثم قال (( إنّهُ من يتقِ ويصبرِ فإنّ الله لا يُضيعُ أجر المُحسنين ))
فأسند الأمر كلهُ إلى الأسباب التي وضعها الله لرفعةِ والعلو وعلو الشأن ألا وأنّ من أعظمها أمرين :
تقوى الله جل وعلا *** والصبر
فبالتقوى والصبر تُنالُ الإمامة في الدين .
دلت الأحداث أن ّالإنسان إذا ضاق الأمر وبلغ مُنتهاه فآخرُ لحظةٍ في مُنتهى العُسر هي أولُ لحظةٍ في أول اليُسر .
سُبحان الله
فآخرُ لحظةٍ في مُنتهى العُسر هي أولُ لحظةٍ في أول اليُسر .
وراء مضيق الخوف مُتسعُ الأمرِ
وأولُ مفرُحٍ بهِ غايةُ الفجر(1/9)
الم ترى أن الله ملّك يوسفاً
خزائنهُ بعد الخلاص من السجنِ
وصل يوسف إلى مُنتهى أحداث الله أُلقي مع المُجرمين ،، يأكلُ ويطعم ويعبدُ رهبِ في غياهب سجنهِ
وكان داعية
وكان داعية حتى في السجن لكن كما قُلت أيُها المُبارك نحنُ ضربنا عنها الذكر صفحاًَ لأننا تكلّمنا عن قضية شُعيب ،، ثم بعد ذالك انتقل إلى أن أصبح على الكُرسي الذين يتعاملون مع الله بحق رابحون لا محالة .
يجب أن نُحسن الظن بربنا تبارك وتعالى حُسن الظنُ بالله يُرثُ حُسن العاقبة في الدُنيا والآخرة نسأل الله للجميع التوفيق
هذا ما يُمكن أن يُقال أيُها المُبارك حول فوائد سورة يوسف وقد اختصرتُها حتى لا تكون الحلقة كُلّها عن سورة هذا النبي الكريم ..
لكن نتعشم أن يكون الحديث عنها أطول وأطول رغبةً مني ومن أيضاً المُستمعين الكرام حفظكُم الله إذا اخذتُم فائدة أُخرى حفظكُم الله .؟؟؟
نأخُذ فائدة أُخرى ،، من الفوائد التي دلّت عليها هذهِ السورة:
أن الإنسان لا يُضيرهُ أن ينظُر الناس إليهِ نظرة نقص إن كان عظيماً في ذاتهِ فيوسف عليهِ الصلاة والسلام بيعِ بثمنٍ بخس
جميل
والله يقول (( شروه )) أي باعُوه (( بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة )) وقال (( وكانوا فيهِ من الزاهدين ))
نعم
فزهدُوا فيهِ وهو نبيُ الله وأُدخل السجن وهو نبيُ الله فالمؤمنُ الحق عظمتهُ في ذاتهِ ليست في غيرها وقد قُلنا مراراً في دروسٍ سلفت وأيامٍ خلت لنا نأتي بمثال من السُنة يشهد لهذا :(1/10)
النبيُ صلى الله عليه وسلم كما تعلمُ أيُها المُبارك في هجرتهِ مرّ ومعهُ أبو بكرٍ وعامرُ ابنُ فُهيرة وعامرُ ابنُ أُريقط مرّوا على أم معبد امرأةُ جلدةٌ برزةٌ من خُزاعة تُطعم الناس جهة الآن يعني عندنا في بلادنا المُباركة وادي قديد بين طرق الهجرة بين مكة والمدينة لمّا مرّوا عليها وصل بهم الأمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألها عن الشاه فأخبرتهُ أنها شاةٌ عازب يعني لم تذهب مع الغنم لعجزها قال هل تأذنين لي أن أحلبها قالت نعم فلّما ناخ صلى الله عليه وسلم الشاة ومسح على ضرعها وسمّ الله درّت
ما شاء الله
لمّا درّت لأنهُ عظيم صلى الله عليه وسلم لم يقُل لأبي بكر أحلب لنا حتى يُبين لأم معبد أنهُ النبي أو يقول لعامر الخادم أحلب لنا أو يقول لدليل أحلب لنا لو كان غيرهُ لفعل هذا حتى يُميز نفسهُ عن أصحابهِ لكنّه صلى الله عليه وسلم عظيم خلب لهم أو لم يحلب ، شرب أول القوم أو شرب أخرهم حيث ما هو فهو صلى الله عليه وسلم عظمتهُ أعطاهُ اللهُ إياه في ذاتهِ عليهِ الصلاة والسلام فيما أكرمهُ اللهُ بهِ من النبوة والرسالة.
فمثلُ هذا لا يحتاج أن يدعُ أضواءً أن تُسلّط عليهِ أو صحفيين يكتبون عنه أو ما إلى ذالك هو صلى الله عليه وسلم كأخيهِ يوسف عظمتهُم في أنفُسهم فيوسف نبيُ الله ابنُ نبيُ الله ابنُ خليل الله وهو في السجن وهو عند أبيهِ وهو يُباع بثمنٍ بخس وهو على كُرسي العرش وفي كُل الأحوال كريمٌ على الله تبارك وتعالى عظيمُ الشأن عند ربهِ هذا ما يُمكن أن يُقال.
فأنا أُوصي نفسي وغيري بأن يكون اعتزازُ المرء بربهِ وأن يكون غناه في نفسهِ وأن يكون على ثقةٍ بأن الله جل وعلا وحدهُ من يُبت من يشاءُ بفضلهِ ويُقّرُ من يشاء بعدلهِ كما أنهُ تبارك وتعالى لا يسألهُ مخلوقٌ عن علّة فعلهِ ولا يعترضُ عليهِ ذو عقلٍ بعقلهِ . نعم(1/11)
نعم بارك الله فيكم أيضاً بس فائدة أخيرة قبل أن ننتقل إلى محاور أُخرى حفظكُم الله عدم اليأس والقنوط كما حث الله؟؟؟
نعم عدم اليأس والقنوط وهذا قد يكون قُلناهُ في مُدرج ما قُلناهُ من قضية الصبر إلى الوصول لأنهُ لن يكون صبرٌ حتى يكون هناك عدمٌ يأسٍ وقنوط
و لكن تخصيص ذالك
كما قُلت أنت قضية يعقوب تقصد
نعم
أيهِ تنبهت الآن قضية يعقوب الذي يرفع البلوى هو الله .
سُبحانهُ
ويعقوب أُبتلي بيوسف أولاً ثم أُبتلي بفقد بنيامين ثم أُبتلي بفقد الابن الأكبر الذي رفض أن يرجع قٌال (( لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي )) ولهذا قال (( عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً )) جميعاً هذي أكثر من واثنين قصد يوسف وبنيامين و رُوئيل على قول من يقول أن أسمهُ رُوئيل هؤلاء الثلاثة كانوا ابنائهُ عليهِ السلام كلُهم فقدهم واحداً بعد الآخر فقد الأبناء لكنّة لم يفقد ثقتهُ وحُسن ظنّهِ بربهِ قد جاء في الأثر " أن يعقوب كلّما ازددتهُ بلاءً ــ حديث قُدسي ــ كلّما ازددتهُ بلاءً ازداد حُسن ظنٍ بي "
وقد قُلنا أن حُسن الظن بالله يُورث حمداً عظيماً أسأل الله أن يجعلني من يُحسن الظن بهِ ويجعل منقلبهُ ومآلهُ إلى خير .
بارك الله فيكُم فضيلة الشيخ حفظكُم الله نتواصل مع المُستمعين الكرام هذا عدد من الفاكسات والتي سنُخصص لها في ختام هذهِ الحلقة للرد عليها لأنها تحوي بعض الآيات ويطلبون تفسيرها أو الشرح عنها إذا أذنتُم لنا لكن أتواصل معك فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في أيضاً المدينة المنورة يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( يا بني ءادم لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يُؤمنون ))(1/12)
هذهِ الآية حافلة بالمعاني والعظات نُريد إلقاء الضوء عليها وتجليتها علمياً أيضاً ووعظياً ونحنُ في هذا الموضوع آياتٌ وعظات ؟؟؟
فلنبدأ بالنداء في الآية قال الله جل وعلا ((يا بني ءادم)) النداء في القرآن يختلف من حالٍ إلى حال
أحياناً يكون نداء عام كقولهِ سُبحانهُ (( يا أيُها الناس أعبدوا ربكُم)) ،
وقد يكون نداءً لتقرير الواقع (( يا أهل الكتاب )) فهم أهلُ كتابٍ فعلاً ،
قد يكون النداء لتنبيهِ والتذكير (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي )) لتنبيهِ على أنهُم أبناءُ نبي ويُنسبُون إلى نبي وهو يعقوب فيُنبههُم ويُذكّرهُم بأن يذكروا النعمة على أبيهِم الذي ينتسبُون إليهِ ،،
قد يكون نداء كرامة وهذا في حق أهل الإيمان (( يا أيُها الذين ءامنوا اتقوا الله )) فهذا نداء كرامة و (( يا أيُها الذين ءامنوا كُتب عليكُم الصيام )) هذا نداء كرامة .
يكون نداء يجتمعُ الناس فيهِ جميعاً نسبتهُم إلى أبيهم وهذا يندرج في نداء الواقع وهو الذي بين أيدينا ((يا بني ءادم)) فنسبنا الله جل وعلا إلى أبينا ءادم و ءادم أبو البشر خلقهُ الله جل وعلا بيدهِ وأعطاهُ خصائص منها :
أنهُ خلقهُ بيدهِ ،، نفخ فيهِ من روحهِ ،، أسجد لهُ ملائكته ،، علّمهُ أسماء كُل شيء هذهِ لم تُعطى لأحدٍ غيرهِ عليهِ الصلاةُ والسلام وقد صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ءادم كان نبياً بل قال عليهِ الصلاةُ والسلام لمّا سُئل أكان ءادم نبيا ؟؟ قال " كان نبياً مُكلّما " أي أن الله جل وعلا كلّمهُ وإن كان التكليم في اصطلاحهِ الشرعي إذا أُطلق ينصرف إلى نبي اللهِ موسى صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
(( يا بني ءادم لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة )) المقصود بالأبوين هُنا ءادم وحواء وهذا يُسمّى عند اللغويين مسألة التغليب والتغليب أيُها المُبارك يكون لهُ أسباب فعندما نقول الأبوان نقصد الأب والأُم في القرآن هُنا المقصود ءادم وحواء .
نعم(1/13)
فقُدّم الأب على الأُم لذكوريهِ لأن الذكر أفضل من الأُنثى كما نقول الحسنان ونقصد الحسن والحُسين في التغليب والتغليبُ هُنا معيارهُ أن الحسن أكبرُ من الحُسين ،، ونقول المكتان ونقصدُ مكة والمدينة وإنما قُلنا المكتين لأن مكة أفضل من المدينة ،، ونقول العُمران ونقصدُ بهما شيخا الإسلام أبا بكر وعُمر رضي الله تعالى عنهُما وإنّما غلّبنا عُمر لأن أبا بكر مُركب تركيب إضافي لا يتأتى تثنيتُهُ وعُمر اسمٌ مُفرد يُمكنُ تثنيتُهُ عُمر مُفرد مفرد يعني لا نقصد أنهُ غير مُثنى ولا جمع لا ، نقصدُ بمفرد هنا أنّهُ غير مُركب وأبو بكر اسم مُركب تركيب إضافي أبو وكلمة بكر وهو الفتى من الإبل على هذا قيل العُمران .
الذي يعنينا هُنا قال الله ((لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))
اختلف الناس وأنت قد أذنت لي بأن أتكلم بما فيها من مسائل علميهِ .
نعم أبداً تفضل على أساس نستفيد حفظكم الله والمُستمع أيضاً.
اختلف الناس في الجنة التي أُخرج منها ءادم ؟؟؟
والصوابُ والحق الذي عليهِ جمهور أهلُ السُنة أنها جنةُ عدن التي وعدنا اللهُ إياها والدليلُ على ذالك الدليل الظاهر على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر " أن الناس يوم القيامة يأتون الجنة فيجدونها مُغلقة فيأتون أباهُم ءادم فيقولون يا أبانا أستفتح لنا الجنة "
وجهُ الشاهد: أن النبي صلى الله عليهِ وسلم أخبر أنّ ءادم يقول وقتها " وهل أخرجكُم من الجنة إلا خطيئة أبيكم " فهذا دليل على أن الجنة التي وُعدنا بدخولها برحمة الله هي جنةُ عدنٍ الني أُخرج منها أبونا ءادم .
نعم
قال آخرون .. إنّ الجنة التي أُخرج منها ءادم هي جنةٌ إمّا في الأرض أو في السماء الدُنيا وليست الجنة المعهودة المعروفة التي انصرف الحديث إليها ولهم حُجج منها :(1/14)
دخول إبليس إليها فقالُ لو كانت جنة عدنٍ لما تمكن إبليس من دخولها وهذا يُمكن أن يُجاب عنهُ بأن إبليس دخلها دخول مذلة فقد ورد وإن كانت هذهِ أثار منقولة عن بني إسرائيل لكنّ هذا ممّا قال عليهِ الصلاة والسلام فيهِ " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " بل أقول على علم أنّ هذا لهُ شواهد قوية صحيح أنّا لا نعلم نصاّ في كتابٍ ولا سُنّة صريح واضح يدلُ عليهِ لكن قولهُ جل وعلا (( اهبطوا منها )) وقولهُ جل وعلا (( وقاسمهُما أني لكُما من الناصحين )) كُلها قرائن على أن إبليس في غالب الأمر دخل الجنة .
يعني أُدخل الجنة مذلةٍ على هيئة في خياشيم الحية كما قيل والعلمُ عند الله .
الذي يعنينا هذا الجواب عن قولهم أن الجنة لن تكون جنة عدن كما قالوا أن ءادم أُخرج منها والجنة الأصل فيها الخلود لكن هذا يُجاب عنهُ :
بأن الخلود فيها إنما يكونُ بعد البعث والنشور .
على العموم نحنُ نقول أنها جنةُ عدن التي وعدنا الله جل وعلا إياها .
الله يقول ((كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما ))
السوءة تُسمّى سوءة وهي العورة لأن الإنسان يسوءهُ أن تظهر عورتهُ لناس فظهورها لناس أمرٌ يسوء .
لكن ثمّة أمر هنا وهو العظة من هذهِ الآية :
أن الشيطان لمّا أراد أن يضُر بالأبوين دخل عليهما من باب نزع الحياء منهما فلمّا أراد منهُما أن ينظُر كُلٌ منهُما إلى عورة الآخر وأن يتحلّلا ويخرُجا من نطاق اللباس والارتداء والستر إبليس فهم من هذا أنهُ إذا وقع منهُما هذا يسهُل عليهِما المعاصي .(1/15)
ومن هُنا نفهم أن أعداء الأُمة اليوم ومن يُنافس الأُمة أو من يُنازعُ الأُمة في أخلاقها بالذات يعمد إلى قضية الحياء فيحُول أن يأتي لناس من باب أنهُم إذا استمرأُ النظر إلى وجوه المومسات استمرأُ النظر إلى قضية المرأة تظهر شبهة عارية في الشاشات هذا يكسر حاجز المعصية صحيح فيهون الأمرُ على الناس فلهُم عُمدة في هذا وهو إبليس ولنا عُمدة أن الله أخبرنا عن هذا (( كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما )) فأولُ خيطٍ بدأ إبليس أن يحُل عُقدتهُ مع الأبوين قضية الحياء .
فإّذا ازدلفنا أيُها المُبارك إلى قضية الحياء فالحياء عند بعض أهل العلم مُقسّم :
منهُم من يقولون حياء الجناية :. وحياءُ الجناية أن تقع من العبد معصية ثم يقع منهُ ندمٌ عليها فيُرثهُ ذالك حياءً من ربهِ ويضربون لهُ مثلا فيقولون ..
أن ءادم عليهِ السلام لم ينظُر إلى السماء حياءً من ربهِ بعد أن أُهبط من الأرض .
وهُناك حياء الإجلال كما وقع لبعض الصحابة لأنهُم كانوا يستحيون النظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهُ قول الشاعر:
أهابُك إجلالاً وما بك بُلغةٌ
علي ولكن ملءٌ عينٍ حبيبُها
هذا النوع الثاني وهو حياء الإجلال .
ومنهُ حياء أن الإنسان أحياناً يستقلُ الأمر مع غيرهِ فيستحي أن يسأل الإنسان شيئاً يسيراً كمن يدخُل على ملكٍ أو أميرٍ أو ذي سُلطان ويستحي أن يسألهُ أمراً هيّن لكنّ هذا الحياء وإن كان محموداً بين الناس أمّا مع ربنا جل وعلا فإنهُ ينبغي على العبد أ، يسأل الله جل وعلا ما قلّ وكثُر لأنّنا جميعاً فُقراء إلى ربنا تبارك وتعالى وقد جاء في الأثر أن الله قال لموسى " يا موسى سلني علف دابتك وملح عجينتك وشسع نعلك " وهذا يدلُ على عظيم فقر العباد أجمعين إلى ربهم تبارك وتعالى .(1/16)
((لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما )) ثم قال الله (( إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم))
المخلوقات التي تعقل ثلاثة :
الإنس والجن والملائكة يجتمع بعضُها مع بعض في أشياء وتختلف في أشياء .
بالنسبة لنا معشر الإنس نحنُ لا نرى الملائكة ولا الجن والجنُ يتفقون معنا في أنّهُم يتناكحون ويتناسلون والملائكة تختلف في أنهّم لا يتناكحون ولا يتناسلون ،،
الجن ّيتفقون معنا أنّنا جميعاً مُكلفين في حين أن الملائكةُ غيرُ غيرُ مُكلفين . وهذا منهُ ينجُم أن الجنّ يروننا ولا نراهم كما أنّنا أيضاً لا نرى الملائكة (( إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يُؤمنون ))
الإنسان إمّا أن يكون وليهِ أولياء من الملائكة إذا كان مُسارعاً في الخيرات ، وإمّا أن يكون لهُ أزٌ من الشياطين أعاذنا الله إذا كان بعيداً مُعرضاً عن ذكر ربهِ تبارك وتعالى . نعم*
بارك فيكم فضيلة الشيخ لا زلنا معكم أحبتنا في الله في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية ونتواصل معكُم من خلال هذا البرنامج وموضوع هذهِ الحلقة آياتٌ وعظات مع فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي بارك الله فيكم لعلّك أستأذنُك في بعض
تفضل
أستأذنُك في استعراض بعض الفاكسات التي وصلتنا أو حقيقة هذي أُختكُم المُحبة صفية تقول يا شيخ صالح حفظك الله ما هو الأفضل حفظ القرآن أم قراءتهُ تلاوةً بتدبُر ؟؟؟
لا تعارُض أيُها الأُخت المُباركة بين الاثنين يُمكن الجمع تضعين أوقات تُراجعين فيها حفظكِ وتضعين أوقات تقرأين فيها بتدبُر ولا يوجدُ مانعٌ بين الأمرين إذا وُفقتي في ترتيب الوقت ولا بُد من الاثنين تقرأين بتدبُر وأن يكون القرآن في صدرك وهذهِ منقبةٌ عظيمة أسأل ألله أن يرزُقكِ إياها .(1/17)
نعم بارك الله فيكم هذي إحدى الأخوات وهي سامية محمد الشهري تطلُب قراءة الفاكس كاملاً لعلي أقتطف منهُ تقول أتمنى قراءة الفاكس تأثير القرآن في نفوس المؤمنين بمعانية لا بأنغامهِ ولا بمن يتلون بهِ أو يتأوهُ بهِ .. إلى أن تقول يا شيخ صالح حفظك الله ورعاك أشكل علي آية في كتاب الله الكريم وهي (( وإنّ منكُم إلا واردُها )) فما التفسير الشافي الكافي لهذهِ الآية ؟؟؟
الحديثُ هنا أيُها الأُخت المُباركة عن الصراط قال الله تعالى في سورة مريم (( وإنّ منكُم إلا واردُها )) يردُ الناسُ النار أي يسيرون على الصراط ودُعاء المُسلمين المؤمنين يومئذٍ وهو دُعاء النبيين " اللهم سلّم سلّم " فيمُر الناس على الصراط بحسب أعمالهم في الدُنيا منهم من يمُر كأجاود الخيل ومنهُم من يمُر كالريح ومنهُم من يمُر كالبرق ومنهُم من يمشي مشيا ومنهُم من يحبوا حبوا هذا هو التفسير الصحيح في قول الله جل وعلا (( وإنّ منكُم إلا واردُها كان على ربك حتماً مقضيا)) لأن الله قال بعد ذالك (( ثم نُنجّي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا)) نعم.
بارك الله فيكم أتواصل معكُم أيضاً ومع الفاكسات أيضاً حفظكُم الله ثم نعود إلى بعض أو بقية محاور هذا البرنامج أخواتكُم في اللهِ فتيات الدعوة أسماء وعزيزة من الزلفي كتبن هذهِ الرسالة :
كان القرآن ولا يزال المُعجزة الباقية الخالدة كما أراد الله سُبحانهُ وتعالى لهُ أن يكون وها هو في كُل عام تظهرُ كنوزهُ ويبدوا على العالم منهُ إعجازهُ فهو المُتجدد الذي لا تُبليهِ الأيام والمُعجز الذي لا يظهرُ عليهِ أحدٌ من الأنام قضى اللهُ بحفظهِ وقيّض لهُ من يجمعهُ في صدرهِ وتعهدهُ الله سُبحانهُ وتعالى وتعهد الناس بتلاوتهِ والتعبُد بهِ فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكُم بمن يُفسّر القرآن وفق هواه . والسلام عليكم ؟؟؟
كتابُ اللهِ جل وعلا مُعجز
جاء النبيُون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيمٍ غير مُنصرم(1/18)
آياتهُ كُلّما طال المدى جُددٌ
يزينهُنّ جلال العتق والقدمِ
الذكرُ آيةُ ربك الكُبرى التي *** فيها لباقٍ المُعجزاتِ فناءُ
ولا يجوزُ لأحدٍ أبداً أن يُفسّر القرآن بهواه من أُعطي حظاً من علم وقُدرةً من آلةٍ علمية وعرف ناسخهُ ومنسوخة وأسباب نزولهِ وأطلّع على لُغة العرب وقرأ أساليب كلامها في شعرها ونثرها وعلم أصول الفقهِ وأدرك كثيراً من الواقع وجمع حظاً من هذهِ العلوم كُلها أصبح مُؤهلاً بعد ذالك إذا رُزق التوفيق أن ينظُر في كلام الله قال علي رضي الله عنهُ لمّا سُئل هل أختصّ النبيُ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ قال " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يُؤتيهِ اللهُ من يشاء في كتابهِ" .
وهذا الفهم هذا مبنيٌ على آلةٍ عُلمية تُؤهل العبد أو الأمة من النظر في كلام اللهِ جل وعلا . نعم**
نعم بارك الله فيكم أمينة الصافي تقول ذكر الله تعالى إسحاق بخصائص وميزات تفوقُ أخاهُ إسماعيل فنرجو توضيح ذالك وذكرت قول الله سُبحانهُ وتعالى : (( واذكُر عبادنا إبراهيم وإسحاق )) وكذالك أيضاً ذكرت قول الله (( واذكُر إسماعيل و اليسع وذا الكفل )) ... إلى آخر الآية ؟؟؟
كُلهُم أنبياءُ الله
الحمدُ لله
وإسماعيلُ وإسحاق ابنان لخليل الله جل وعلا إبراهيم والله جل وعلا ذكر إسماعيل ووصفهُ بأنهُ صادق الوعد وبأنهُ كان عند ربهِ مرضيا ، ووصفهُ بأنهُ كان يأمُر أهلهُ بالصلاةِ والزكاة. وصف إسحاق بأنهُ كان ممّن مُنّ عليهِ بخالصة وهي ذكرى الدار وكُلٌ منهُم ذو فضلٍ في نفسهِ وعلى غيرهِ وهُما نبيان كريمان من أنبياء الله الكرام صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
أمّا إسماعيل فهو جدُ العرب المُستعربة ، وأمّا إسحاق فهو والدٌ ليعقوب وهو جدٌ لبني إسرائيل .
ولا يعني يحسُن النظر بهذا المقياس في ظني إلى أنبياء الله وإن قال الله (( تلك الرُسل فضّلنا بعضهُم على بعض )) لكن يكون النظر بذكر مناقب كُلٌ أحدٍ لوحدهِ لا بالموازنة بينها . نعم **(1/19)
نعم بارك الله فيكم ولكنّني أنا أيضاً أسأل مثلي مثل هؤلاء الأخوة والأخوات يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( النبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم وأزواجهُ أُمهاتُهم )) أولاً لو تحدثتُم عن مُناسبة الآية لما قبلها ولماذا أطلق ولم يُحدد فيما تختصُ بهِ الآية ؟؟؟
هذهِ الآية من سورة الأحزاب (( النبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم وأزواجهُ أُمهاتُهم )) كان الله جل وعلا قد قال قبلها (( ادعُوهم لآبائهِم هو أقسطُ عند الله ))
وفي هذا يُخاطب بهِ أولاً زيدُ ابنُ حارثة رضي الله تعالى عنه الذي كان يُعرف بزيد ابن مُحمد فكأن زيداً قد سُلب شيءً أُعطيهُ من قبل لأن الله جل وعلا نفى قضية الأدعياء التي كانت موجودة قال الله (( ما جعل اللهُ لرجُلٍ من قلبين في جوفهِ )) وبيّن أنهُ لا يجوزُ للأدعياء أن يكونوا أبنائهم على هذا ذالك الشعورُ بنوعٍ من النقص الذي ربُما كان في قلب زيد جاءت آياتٌ عامة للمؤمنين فهذا النبيُ الكريم والرسول الخاتم هو للأُمة كُلها (( النبيُ أولى بالمؤمنين )) والإطلاقُ هنا أن الولاية لهُ صلى الله عليهِ وسلم لا تُحدد بشيء بمعنى أنّهُ لا يوجدُ أحدٌ لديهِ من الحرص بنا والشفقة علينا منه صلى الله عليه وسلم فهو صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ كما نعتهُ ربهُ (( بالمؤمنين رءوفٌ رحيم )) وهو صلى الله علية وسلم الحريصُ على أُمتهِ قال عليهِ الصلاةُ والسلام وقد خرج من المقبرة " وددتُ لو أني رأيتُ إخواني قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك ؟ قال: بل انتُم أصحابي ولكنّ إخواني لم يأتوا بعد وأنا فرطهُم على الحوض قالوا يا رسول الله كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أُمتك؟ قال أرأيتُم لو أن لأحدكُم خيلاً غُراً مُحجلةٍ في خيلٍ دُهمٍ بُهم أكان يعرفُ خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنّ إخواني يأتون يوم القيامةِ غُرٌ مُحجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض "
موضعُ الشاهد منه:(1/20)
ها هو صلى الله عليهِ وسلم وهو حيٌ يُرزق ويخرجُ من المقبرة ومع ذالك كما ترحّم على الموتى تذكّر من سيأتي بعده وهذا تحقيق لقول الله جل وعلا (( النبيُ أولى بالمؤمنين ))
وقد جاء في البُخاري حديث في هذا الباب يُخبر النبي صلى الله علية وسلم أنهُ وليُ كُلُ مؤمن وهذا ممّا يدلُ على كمال رسالتهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ ورفيع منزلتهِ عند ربهِ ومّما يُوجبُ علينا معشر المؤمنين أن نُحبهُ ونُعزّرهُ ونوقرهُ صلواتُ الله وسلامهُ عليه وأن نمتثل لأمرهِ وأن نجتنب نهيهِ ونتبع هديهُ ونلتزم سُنته بهذا تتحقق مسؤولية ولايتهُ صلى الله وسلامهُ عليهِ على الوجه الأكمل .
أمّا قول الله جل وعلا إذا أذنت (( وأزواجهُ أُمهاتهُم )) فهذا الحديث الذي ذُكر في الآية يتحدث عن أُمهات المؤمنين ونحنُ نعلم أن البرنامج المُبارك هذا يسمعهُ الرجال.
جميل وهي فُرصة طيبة للحديث عنها نعم
وهي فرصة طيبة لمُقابلة أخواتنا المؤمنات ــ لأن لا يمكن أن نقول لناس افعلوا ، اتركوا ولا نضعُ قدوة أُمهاتُ المؤمنين نساء اختارهُنّ الله أن يكُنّ أزواجاً لسيد الخلق صلى الله عليهِ وسلم وهُنّ أزواجهُ في الدُنيا وأزواجهُ في الآخرة :.
أولهُن :
خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهذهِ المرأة عظيمةُ الشأن جليلةُ القدر قال صلى الله عليه وسلم من حُبهِ لها تقول عائشة لمّا رأت حُبهُ لها " ما غرتُ على أحد كما غرتُ من خديجة " وقد قالت لهُ مرة ــ أي عائشة ــ " وهل كانت إلا عجوزاً في غابر الأزمان قد أبدلك اللهُ خيراً منها ، قال لا والله ما أبدلني الله خيراً منها لقد ءامنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس " ثم قال " وكان لي منها الولد " وكان صلى الله عليهِ وسلم يُحبها حُباً جمّا ولمّا ماتت دفنها ولم يُصلي عليها لماذا لم يُصلي عليها ؟(1/21)
لأنها ماتت في مكة ولم يكُن يومها إذٍ شُرعت الصلاةُ على الميت ولم يتزوج عليها في حياتها صلى الله علية وسلم فلم يجمع معها غيرها .
ثم من أُمهات المؤمنين الصديقة بنتُ الصديق حبيبةُ حبيب الله عائشة بنتُ أبي بكر رضي اللهُ تعالى عنها و أرضاها وهي البكر الوحيدة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بكرا وهذهِ الصديقة أُبتليت كما هو معلوم بحديث الإفك فبرأها الله جل وعلا من فوق سبع سماوات وهي من أعلم نساء الصحابة بل تفوقُ بعض رجالات الصحابة علماً أخذت عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً جمّاً رضي الله عنها وأرضاها .
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنتُ حُيي ابن أخطل وهي يهودية كانت تحت رجُلٍ من اليهود فلمّا كانت معركةُ خيبر وانتصر صلى الله عليه وسلم وقعت في أسر بعض الصحابة في سبي بعض الصحابة ثم اصطفاها النبيُ صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها مهراً لها صداقاً هذهِ الصحابيةُ الجليلة زوجةُ نبينا صلى الله عليهِ وسلم جاء في الأثر أن النبي وجد على وجهها أثر من ضربة فسألها فأخبرتهُ أنها رأت رُؤيا أن هلالاً يسقُطُ في حجرها فلمّا أخبرت زوجها غضب وصفعها على وجهها فأثرت الصفعةُ على خدها حتى ندبت وقال لها تتزوجين هذا النبي الذي في يثرب فكان الأمر كما قال في تأويل رُؤياه أُسرت سُبيت ثم أعتقها النبيُ صلى الله عليهِ وسلم وجعل عتاقها صداقها وتزوجها صلواتُ الله وسلامهِ عليهِ ولمّا عيّرتها بعضُ أُمهات المُؤمنين بأنها يهودية قال ــ يعني أجيبي من عيّرك ــ قولي " والله أني لبنتُ نبي وعمي نبي وتحتُ نبي " لأنها كانت من ذُرية هارون وعمُّها موسى عليهما الصلاةُ والسلام وهي تحتُ نبينا صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
من أُمهات المُؤمنين رضي الله عنها وأرضاها بنتُ عُمر ابنُ الخطاب رضي اللهُ عنها وأرضاها ومنهُن جُيرية ومنهُنّ زينب بنتُ جحش وغير ذالك مّما لا يخفى .(1/22)
الذي يعنينا الذي نُريد أن نُصلهُ لناس أنّهُنّ هؤلاء الفُضليات يختلفن في مواهبهنّ مثلاً زينب كانت كثيرة الصدقة ، وعائشة رضي الله عنها كانت كثيرة العلم ، و خديجة كانت عظيمة النُصرة لنبينا صلى الله عليهِ وسلم ، صفية أُثر عنها كثرت العبادة رضي الله عنها وأرضاها ..
هذا يدُل على أن المرأة تنظُر القدر الذي تُحسنهُ من أمرٍ ما تعبُدي أو ما ينفعُ الناس فتحاول قدر الإمكان أن تجنح إليهِ والإنسانُ العاقل يُحاول أن يأتي الصنعة أو الأمر الذي يُتقنُهُ ويُحسنُهُ ويغلبُ على ظنّهِ أنهُ ينفع الناس فيهِ .
في زماننا هذا تجدُ المرأةُ المُسلمةُ نوعين من محاولةِ انتقاصها :
إمّا من قومٍ لم يفقهُ الدين باسم التشدُد يُضيقون عليها الخناق حتى لا يُريدونها أن تخرُج من بيتها ولا أن تعبُد ربها على وجهِ أكمل ولا أن تُقدم شيئاً لمُجتمعها بحُجة الخوف عليها وهؤلاء حسُنت نيتهُم لكنّهُم ما فقهُ معنى الشرع .
وآخرون عياذاً بالله إنّما أرادُ أن يجعلوا منها طُعمةً لرجال وأن يُخرجُها عن نطاق الشرع فهؤلاءِ بئس العمل عملهُم نيتاً وفعلا .
لكنّنا نقول إنّ الله جل وعلا دلّ كتابهُ العظيم وسُنةُ نبيهِ صلى الله عليهِ وسلم على أن ّالله جعل للأُنثى خصائص لم يجعلها لرجال فإذا كانت مسيرةُ الأُنثى تتفقُ مع خصائصها كانت مسيرةً موفقه قال اللهُ جل وعلا : (( وليس الذكرُ كالأنثى ))
هذا ما يُمكن قولهُ حول قول الله جل وعلا (( و أزواجهُ أُمهاتهُم )) .
بارك الله فيكُم وأسأل الله سُبحانهُ وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا أتواصل إذا أذنت لي مع المُستمعين الكرام هذا أحدُ الأخوة يقول ما هو تفسير قول الله تعالى (( قال يا نوحُ إنّهُ ليس من أهلك إنهّ عملٌ غيرُ صالح )) ما علاقة ذالك بعدم صلاح بعض الأبناء في وقتنا الحاضر لبعض الصالحين ؟؟؟(1/23)
نعم هذا الكلام عن أحد أبناء نوح ونوح عليهِ الصلاة والسلام شيخُ المُرسلين وأولهُم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وأطولهُم عُمراً وأهلُ التفسيرُ يقولون كان لهُ أبناء حام وسام و يافث وكنعان وعلى قولهم هذا الحديث في الآيات عن كنعان (( قال يا بُني اركب معنا قال سآوي إلى جبلٍ يعصمُني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللهِ إلا من رحم وحال بينهُما الموجُ فكان من المُغرقين وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بُعداً للقوم الظالمين ))
لمّا رست السفينة تذكر نوحٌ ابنهُ أصابتهُ شفقةُ الوالد فأخذ يُناجي ربهُ وهو يعلم أن لهُ عند ربهِ كرامة وهو شيخُ المُرسلين يتلقى الوحي وعبدٌ صالح وعبدٌ شكور بنص القرآن قال الله جل وعلا أنهُ قال (( قال ربِ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحق وأنت أحكمُ الحاكمين )) فالله جل وعلا وعدهُ أن يُنجّي أهله
نعم
فقال الله جل وعلا لهُ ((إنّهُ ليس من أهلك )) لأنهُ خرج بالكُفر.
والذين يُريدون أن يفقهُ القرآن لا يُطبقُ هذا على أبناءهم لأن المعصية غير الكُفر فقول الله جل وعلا ((إنهّ عملٌ غيرُ صالح )) وفي قراءة (( إنّهُ عَملَ غيرُ صالح )) المقصودُ منها الكُفر والكُفر هو الذي تحدُث بهِ المُفارقة والمُفاصلة بين الابن وأبيه فلا يتوارثان أمّا مُجرد المعاصي ولو كانت كبائر التي لا تُخرج من الملة فهذهِ لا تُخرج من الملةِ وبالتالي لا تنطبقُ عليها الآية لكن يحسُنُ أو يجبُ على الآباء السعي في صلاح أبناءهم على الوجه الأتمّ والنحو الأكمل ، فالله جل وعلا خاطب هذا النبي الكريم بقولهِ ((إنّهُ ليس من أهلك )) لأنهُ كفر فغلبت مُفارقةُ الكُفر على بنوة وأُبوة النسب والاختلاف العقدي هو الفيصلُ بين الناس.نعم **(1/24)
بارك الله فيكم وأتواصل معكم أيضاً يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم )) هذهِ الآية لها مُناسبة ولها أيضاً فوائد كثيرة فلعلّكُم شرحتُم المقصُود من هذهِ الآية حفظكم الله ورعاكم ؟؟؟
نعم هذهِ الآية في سورة الأحقاف
نعم
تتكلم عن الجن والجنُ مرّوا على النبي صلى الله عليهِ وسلم وهو يقرأ القرآن فأعجبهُم تلاوتهُ أراد الله بهم خيراً ءامنوا قال الله (( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنِّ يستمعون القرآن فلّما حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قُضي ولّو إلى قومهم مُنذرين قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مُصدقاً لما بين يديهِ يهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مُستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم ويُجركُم من عذابٍ أليم ))
فالآية تتحدث عن مُؤمني الجن جنُ نيصبين الذين وافقوا النبي صلى الله عليهِ وسلم وهو يقرأُ القرآن عند عودتهِ من الطائف إلى مكة.
لكن أيُها الأخُ المُبارك هنا مسألة تُقال أو تُثار في بعض كُتب التفسير وهي مسألة أن الله هنا قال على لسان الجن (( يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم ))
تُلاحظ يا شيخ خالد
نعم
أنهُ لم يقُل تدخلون الجنة على هذا اختلف العُلماء هل مُؤمنو الجن يدخلون الجنة أو لا يدخلون ؟
نعم
بناءً على هذهِ الآية ؟؟
والأقوال فيها :
// قال بعضهُم أنهُم تُغفر لهُم الذنوب ولا يدخلون الجنة وهذا القول وإن قال بهِ بعضُ الفُضلاء إلا أننا نراهُ بعيداً وقد استبعدهُ أيضاً الشيخُ المُفسّر الحافظُ ابنُ كثير رحمةُ الله تعالى عليهِ .
// قال بعضُ العلماء أنهم يدخلون الجنة لكن هُم في ربض الجنة يعني لا يصلون إلى قلبها .
// وقال آخرون أنهُم يدخلون الجنة لكنّهُم يُعاملون بالمثل في الدُنيا نحنُ لا نراهُم وهو يروننا يقول بعضُ العلماء في الجنة يدخلون الجنة ونراهُم ولا يروننا وهذا يحتاجُ إلى دليل ولا أعلم في هذا دليلاً .(1/25)
والصوابُ أنهُم يدخلون الجنة والدليل على أنهُم يدخلون الجنة أن الله قال في آية إمتنان (( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان * فبأي ألاء ربكُما تُكذبان )) ونحنُ مُتفقون على أن المُخاطب بها الجن والإنس .
قال الحافظ ابن كثير كلاماً مفادهُ أنهُ لا يُمكن أن يمُنّ الله جل وعلا عليهم بمقام فضل ثم يحرمهُم إياه في قولهِ جل وعلا (( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان *)) هذا امتنان من العلي الكبير عليهم على الإنس والجن فلا يُمكن أنت الله تبارك وتعالى يُمنيهم ويعدهم إذا خافوا مقامهُ بالجنّة ثم لا يدخلهم إياها وقد أدوا ذالك العمل هذا بعيدٌ جداً .
فنقول إن ّالذي عليهِ جماهيرُ أهلُ العلم أن مُؤمني الجن يدخلون الجنة مثلهُم مثلُ الإنسِ بسواء قال الله جل وعلا (( حورٌ مقصوراتٌ في الخيام * فبأي ألاء ربكُما تُكذبان * لم يطمثهُنّ إنسٌ قبلهُم ولا جان )) فهذهِ دليل ظاهر على أنهُم يدخلون الجنة والعلمُ عند الله تعالى
بارك الله فيكم وفي علمكم أتواصل معكم فضيلة الشيخ صالح المغامسي حفظكم الله هذا يقول " من صلى الفجر أربعين يوماً يُدركُ تكبيرة الإحرام خلف الإمام يُؤمن من النفاق " هل هذا الحديث صحيح وهل هناك حديث شبيهِ بهذا المعنى وما هو فضل صلاة الفجر في جماعة ؟؟؟
صلاةُ الفجر من أوكد الصلوات قال الله قد أفردها (( وقرآن الفجر إنّ قُرآن الفجر كان مشهودا)) أما ممّا ذكرهُ السائل في هذا حديثان :
حديث يقول " من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كُتبت لهُ براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " هذا بعضُ أهل الصناعة الحديثيهِ حسّنهُ .
وحديث من صلى أربعين يوما يعني له كذا يعني نص مُعين يعني مُكافأة مُعينة لكن هذا الحديث ضعّفهُ أكثروا العلماء لا نعلم أحداً حسّنهُ الثاني أما الأول "من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كُتبت لهُ براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " هذا يوجد من العُلماء من حسّنه والعلم عند الله .(1/26)
صلاةُ الفجر يعني كما قُلنا في دروسٍ عدة هي آخرُ صلاة صلاّها النبي صلى الله عليهِ في يوم بدر وآخرُ صلاة صلاّها الصحابة رضي الله عنهم والمؤمنون والنبي صلى الله عليهِ وسلم حيٌ أفردها الله في كتابهِ (( وقرآن الفجر)) " من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبُنكُم الله بشيءٍ في ذمتهِ" إلى غير ذالك من النصوص العظيمة التي تدلُ عليها وعلى أخواتها من الصلوات الخمس .
بارك الله فيكم عفواً هذهِ إحدى الأخوات تقول أنا امرأة مسحورة منذُ ثماني سنوات ولها يعني قصة وفي كربٍ شديد لكن تقول أرجوا الدُعاء لي بظهر الغيب من الشيخ صالح بأن يرفع اللهُ عني هذا المرض ويفُك سحري ويرزُقني الذُرية الصالحة تقول جزاكم الله خير يا شيخ بماذا تنصحوني في مسألة النوم وأنا أرقي نفسي وأُحافظ على الذكر لكن ما زلتُ أُعاني من الألم والمرض والضعف ؟؟؟
إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون كل ما أساء المؤمن فهو مُصيبة ...
أسأل الله الذي في السماء عرشهُ وفي كُل مكانٍ رحمتهُ وسُلطانهُ أن يكشف عنك الضُرّ والبلوى وأقول لك إن كانت والدتُكِ حية فأطلُبي من والدتكِ أن تدعُوا لكي دُعاء الوالدة لهُ شأن ومقام عظيم عند الله جل وعلا فإن كانت الوالدة موجودة فاطلُبي منها أن تدعُوا لكِ كذالك أنتي ادعُ لنفسكِ كثيراً ويُمكن أن تقولي في دُعاءكِ تأخُذين بما ورد تقرأين على نفسكِ آية الكُرسي وخواتيم البقرة وما جاء كما تعلمين أكيد اطلعتي على كثيراً مما يُقال في هذا لكن قولي في دُعائكِ { اللهُم يا ولي نعمتي وملاذي عند كُربتي اجعل هذا الأمر الذي أخافهُ برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم }
أُعيد لكِ الدُعاء إن كُنتِ تكتُبين قولي { اللهُم يا ولي نعمتي وملاذي عند كُربتي اجعل هذا الأمر الذي أخافهُ برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم }(1/27)
إلى غير ذالك ممّا ورد من أدعيةٍ مأثورة أسأل الله أن يكشف عنّا وعنكِ وعن المُسلمين جميعاً الضُرّ والبلوى .
نعم بارك الله فيكم ونحنُ نتواصل معكم ومع المُستمعين الكرام ومع هذهِ الآيات الكريمات المُباركات ونحنُ في رياض القرآن الكريم وفي إذاعة القرآن الكريم على الهواء مُباشرةً أنتقل إلى أحد الإخوة يقول قال الله تعالى (( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرهِ أن تُصيبهُم فتنةٌ أو يُصبهُم عذابٌ أليم )) نريُدّ شرحاً للآية وما هي الفائدة العُظمى عندما يتصبر المُسلم عند المُصيبة ؟؟؟
نعم المقصود بالأمر هنا الإسلام ..
نعم
من حيث الجملة وهديُ النبي صلى الله عليهِ وسلم ولا يُتصور أن مُسلماً يعلمُ هدي النبي صلى الله عليهِ وسلم في شيء ويقعُ في قلبهِ ثبوت ذالك الهدي وتقوم عندهُ الأدلة والبراهين والحُجج على أن هدي النبي صلى الله عليهِ وسلم في هذا الأمر كذا وكذا ثم يصدُ عنه هذا ممّن قال الله فيهم (( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرهِ أن تُصيبهُم فتنةٌ أو يُصبهُم عذابٌ أليم)) وقد قال بعضُ العُلماء أن قضية أو هنا قد تكون فتنة في الدُنيا بصرفهِ عن الدين أو أنهُ قد يُؤخّر لهُ العذاب في الآخرة وليس هناك مجال لإطالة تفسير الآية لكن قضية الصبر على البلاء هو طلب هذا الظاهر .؟
أي نعم
ينبغي الإنسان يُحسن الظنّ بربهِ وبعضُ أهل الفضل يقول إذا وقع في قلب المؤمن اليقين بأنهُ لا يرفع البلوى إلا الله تُرفع إذا وقع في قلب المؤمن اليقين بأنهُ لا يرفع البلوى إلا الله تُرفع عند ذالك تُرفع والعلم عند الله .
وقد لا أجزمُ بهذا القول كُليةً لكن أحياناً الإنسان يُربيهِ الله جل وعلا ويُخلّصهُ من الذنوب بما يبتليهِ بهِ . نعم **
نعم بارك الله فيكم آية أُخرى بعثها أحد الأخوة يقول قال الله تعالى (( يجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء )) ما المقصود بهذهِ الآية وهل الأرض كانت مسكونة من قبل ؟؟؟(1/28)
ظاهرُ القرآن أن الأرض كانت مسكونة من قبل من قِبل الجن وهذا هو ظاهرُ قول الملائكة الذي حكاهُ اللهُ جل وعلا في القرآن (( قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحنُ نُسبح بحمدك ونُقدّسُ لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )) فظاهرُ الآية أن ثمّةَ من كان يسكُنُ الأرض ولمّا كان أبونا ءادم لم يكُن أحدٌ من قبلهِ نُنسب إليهِ دلّ ذالك على أنهُ من غير الإنس فلم يبقى إلا الجن لكن مع ذالك نقول هذا ظاهرُ القرآن ونتأدب ولا نستطيعُ أن نجزم بهِ .
نعم بارك الله فيكم هذي إحدى الأخوات تقول إذا وصل الإنسان بالصبر على عدم الإنجاب وصل بهِ إلى درجة الرضا على قضاء الله وما كتبهُ عليها هل عليهِ ذنب إذا لم يدعُو بذالك أي أني لا أدعُو الله بالذُرية لنني راضية بذالك وأرجوا الثواب في الآخرة ؟؟؟
والله يا أُختي لا أنصحُكِ بعدم الدُعاء كونك تكونين راضية لا يمتنع معهُ الدُعاء فإنّ زكريا عليهِ الصلاةُ والسلام لن نكون لا أنا ولا أنت ولا غيرُنا من أهل عصرنا أفضل منه ولا شك أن زكريا كان راضياً بقضاء الله وقدرهِ ومع ذالك دعا الرضا بقضاء الله وقدرهِ منزلة عظيمة لكنني أنصحُكِ أنت تدعو فإذا دعوتي فالإنسان لا يدري أين الخير أكثري من قول ربنا ءاتنا في الدُنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، قولي ربِ هب لي من لدُنك ذرية طيبة إنك سميعُ الدُعاء ، توسلي إلى الله جل وعلا بأسمائهِ الحُسنى وصفاتهِ العُلا وهذا كُلهُ كما أخبرتُكِ لا يتعارض مع الرضا بقضاء اللهِ جل وعلا وقدرهِ أسأل الله بمنّهِ وكرمهِ وسُلطانهِ العظيم أن يمُنّ عليك بالذُرية الطيبة الصالحة .
بارك الله فيكُم هذي أم عبد الرحمن الفارس أرسلت بهذهِ الرسالة تحمل سبع خطوات من أجل قراءة مؤثرة للقرآن الكريم تقول : أولاً أن يقصد القارىء التدبُر والتفكُر وأن يخشع قلبُه ويهتدي بنور القرآن .(1/29)
ثانياً : تعظيم القرآن باستحضار جلالة قدرهِ وعلوّ منزلتهِ وجزيل إنعام اللهِ على من قرأه .
ثالثاً : الاستعاذة بالله من كيد الشيطان فإنّ الشيطان يسعى لصد القارىء من أمرين :
تدبُر كلام الله والتأثُر بهِ ،،، ثانياً : الانتفاع بالتدبُر والاهتداء بهِ .
رابعاً : الحذر من هجر تدبُر القرآن فإنّ ترك الخشوع في قراءتهِ سبب لقسوة القلب .
خامساً : الترتيل والترسُل في القراءة فتكون همّهُ عرض المعاني على القلب عسى أن يتأثر أو يخشع وليس همّهُ متى يختم القرآن .
سادساً : إطالة النظر في مقصُود الآيات .
سابعاً : أن يفرح بتدبُرهِ فإذا تأثر بآية وأنتفع قلبهُ فلا يتجاوز هذهِ الآية حتى تنطبع معانيها في قلبهِ وينشرح صدرهُ بها .
تعليقكُم بارك الله فيكم ؟؟؟
هذا حسنٌ
جميل
لكنني أقول هذهِ الأشياء النظرية محمودة لكن ينبغي أن يقع في القلب أولاً تعظيمُ الله جل وعلا وتعظيم كلامهِ والبُعد عن الكلفة وما ذكرتهُ الأُخت المُباركة في مُجملهِ حسنٌ ومقبول لكن كما قُلت كم من علمٍ نظريٍ يعني قد يعجزُ الإنسانُ عن تطبيقهِ لكن للأعمال الصالحة والخوف من مقام الله وصلاح السريرة وحُسن الطوية دورٌ عظيم في أن يُتقن العبدُ قراءة كلام اللهِ جل وعلا .
نعم بارك الله فيكم معنا اتصال أو مًداخلة تفضل نعم
أعود مرة ثانية إليكُم ريثما يتم الاتصال أو المُشاركة هذا أحد الأخوة ولكن أتواصل معكم حفظكُم الله ولكن لعلي أستعرض بعض الآيات الكريمات إذا سمح الوقت ونحنُ في ختام هذا الوقت والدقائق معدودة لكن يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( أفلا يتدبرُون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها )) ما المقصُود بالأقفال حفظكُم الله ؟؟؟
هذا استفهام إنكاري ذكره الله جل وعلا في هاذهي الآيات المُباركة (( أفلا يتدبرُون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها ))(1/30)
الجهل بالله يحجب عن تدبُر القرآن ، سوءُ النية يحجب عن تدبُر القرآن ، ظُلمُ الناس يحجب عن تدبُر القرآن ، يكون الإنسان يجعل من القرآن زاداً دُنيوياً محضا هذا يحجب عن تدبُر القرآن .
تدبُر القرآن منزلة رفيعة يُؤتاها من وفقه الله جل وعلا وفطر قلبهُ على خوف الله جل وعلا وعلم يقيناً أن هذا كلام ربهِ يقول اللهُ جل وعلا (( قُل ءامنوا بهِ أولا لا تُؤمنوا إنّ الذين أُوتوا العلم من قبلهِ إذا يُتلى عليهِم يخرّون للأذقانِ سُجدا * ويقولون سُبحان ربنا إن كان وعدُ ربنا لمفعولا * ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهُم خشوعا ))
تدبُر القرآن الحق ليست قضايا حقائق اللُغة وأسرار البلاغة لكن تدبُر القرآن الحق أن يُورث عملاً أن يُورث قلباً خاشعاً وعيناً دامعة وكبداً رطبة يعرفُ بذالك كُلهِ العبد أين مواطن رضوان الله فيسعى إليها ويعلم منها أي مواطن غضب الله جل وعلا فيفرّ منها فلا يُحبُ أن يراهُ الله حيث نهاه ولا أن يفقدهُ الله جل وعلا حيث أمره إذا وقع هذا من العبد يكون هناك تدبرٌ عظيمٌ لكلام الرب جل وعلا أو فلنقُل قد أحسن هذا العبدُ تدبُر القرآن . نعم **
نعم بارك الله فيكم هذي أم عبد العزيز من جدة حفظكم الله تقول لقد ذكر بعضُ أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى المقامات وجُمع لهُ أعظم صفات الأنبياء من قبلهِ تسأل تقول أرجوا فضيلتكُم تكرُماً منكُم وإحساناً لنا أن تذكرُوا لنا أشرف المقامات التي ذُكر لرسول الله صلى الله عليهِ وسلم أو ذُكر في القرآن الكريم ومنها مثلاً مقام العبودية في سورة الإسراء ومقام التحدي ومقام التنزيل بارك الله فيكم ؟؟؟(1/31)
النبيُ صلى الله عليه وسلم خاتم الرُسل وأفضلُ الأنبياء قال عليه الصلاةُ والسلام " ما من نبيٍ يومئذٍ ءادم فمن سواه إلا وهو تحت لوائي " أعظمُ مقامٍ أعطاهُ اللهُ جل وعلا إياه هو المقام المحمود وقد أشار الله إليهِ في سورة الإسراء بقولهِ (( ومن الليل فتهجد بهِ نافلة لك عسى أن يبعثكُ ربُك مقاماً محمودا ))
هذا أعظمُ المقامات وهي الوسيلة قال عليهِ الصلاةُ والسلام " فهي درجةٌ لا ينبغي أن تكون إلا لعبدِ صالح وأرجوا أنا أن أكون أنا هو "
من دلائل إكرام اللهِ جل وعلا لنبيهِ قول الله جل وعلا (( وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقُ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو أتنا بعذاب أليم )) قال اللهُ جل وعلا يُبيّن مقام نبيهِ عنده (( وما كان الله ليُعذبهُم وأنت فيهم )) وعلى القول بأنهُ أقسم بهِ جل وعلا فهذا مقام رفيع لهُ صلى الله عليه وسلم قال الله في سورة الحجر (( لعمرُك إنّهُم في سكرتهِم يعمهُون )) كما أ، من دلائل اصطفائه جل وعلا أقسم بالأرض التي يطأُها نبيهُ فقال جل وعلا (( لا أُقسمُ بهذا البلد * وأنت حلٌ بهذا البلد )) على وجهِ من أوجه التفسير في معنى كلمة حل .
هذهِ بعضُ المقامات التي أعطاهُ الله جل وعلا نبيهُ الكريم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وهو أعلى الأنبياء درجة وأرفعهُم منزلة صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ.
أحيانا الله في الدُنيا على سُنتهِ و أماتنا الله على ملتهِ ونسأل الله أن يحشًُرنا يوم القيامة في زُمرتهِ ...
بارك الله فيكُم فضيلة الشيخ صالح ونحنُ في ختام هذهِ الحلقة عن ماذا تود أن تختم هذهِ الحلقة وهذا الموضع المُهم حقيقةً ؟؟؟(1/32)
نُريد أن نختم بالوصية لأنفُسنا ولغيرنا بتقوى الله فإنّ تقوى الله جل وعلا الزادُ الذي بهِ يسود المُؤمن في أمر دُنياه وأخرتهِ وصّى اللهُ بها خلقهُ أجمعين بلا استثناء (( ولقد وصينا الذين أُتوا الكتاب من قبلكُم وإياكُم أن اتقوا الله )) تكفل الله لأهل تقواه بالأمن ممّا يخافون وبالنجاة ممّا يحذرون وبالرزق من حيث لا يحتسبون (( ومن يتقِ الله يجعل لهُ مخرجا ويرزقهُ من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبُهُ إنّ الله بالغُ أمرهِ قد جعل اللهُ لكُل شيءٍ قدرا ))
نسأل الله جل وعلا أن يرزُقنا وإياكم التقوى وأن يُوفقنا وإياكم لما يُحبُ ويرضى ..
عفواً هذا اتصال ثم نعود نُختم الحلقة تفضل يا أبو أحمد
السلامُ عليكم ورحمة الله
عليكم السلام
أُحييكم وأُحيي فضيلة الشيخ صالح أنا اسمي أحمد أتمنى لكم التوفيق وأدعو لكُم بالتسديد والحقيقة إذا سمحت لي في نصف دقيقة أن يعني أحمد إلى الشيخ صنيعهُ في التفسير لكن سيما أنا أذكُر كلمة للحسن أنا أود من السيخ أن يُعلق عليها الحسن البصري
نعم
لمّا قال إنّ الله أنزل كتابهُ ليُعمل بهِ فاتخذ الناس تلاوتهُ عملا صار مُجرد التلاوة عند كثيرين هو العمل دون تدبُرهُ أو تأمُل في المعنى يعني لمّا نسمع للشيخ وكلامه في تفسير سورة يوسف والمعاني الجميلة التي أثارها وكان الأستاذ خالد يُثيرها معهُ تجعل الإنسان فعلاً يقف عند معاني وآثار عظيمة أنا أدعو لمثل هذا مثلاً حتى في كُل السور التي نُكررُها سورة الكهف التي نقرأُها كُل جُمعة ما هي الدروس والفوائد ولماذا
شكراً(1/33)
السؤال الأخير لفضيلة الشيخ لماذا لا يُوجد كثير من أهل العلم والفضل والذي هُم ذا قُدرة وبلادنا وبلاد المُسلمين تزخرُ بهم ممّن يُحاول أن يُفهم الناس القرآن ليُلامس جرُحهم فيُداويها ويأتي إلى هُمومهِم ويُخففها ويأتي إلى مثلاً سلواهُم فيزيدهُم سعادة وغير ذالك من المعاني التي يحملُها كتابُ الله في دفع الظُلم مثلاً في محبة الخير في نشر الفضيلة أتمنى لكم التوفيق وأُشير وأشدُ على أيديكُم وأدعو لكُم من خالص قلبي الحقيقة بالتوفيق ولفضيلة الشيخ صالح الذي نُشهدُ الله على الهوا أننا نُحبهُ اسأل الله أن يجمعنا وإياها على خير وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهُ
شكر الله لك يا شيخ أحمد شُكراً جزيلاً والله إنّنا إن قيل للإنسان شيء من الفراسة فإنّا لا نُزكيك على الله لكن والله نحسبُك أنك صادقاً فاهماً مُدركاً لما تقول وهذهِ منزلة عظيمة رزقنا الله وإياك إياها وثبّتنا الله وإياك عليها وما دعوتُم إليهِ أيُها الشيخُ المُبارك الفاضل هو الذي يجبُ أن نحمل جميعاً همّهُ يجب أن يفيء الناس إلى القرآن يجب أن يفيء الناس إلى العمل بالقرآن وما نقلتهُ بارك اللهُ فيك عن التابعي الجليل الحسن البصري هي كلمةٌ عظيمةٌ جليلة من رجُلٍ معروف بالصدق والصلاح فيما نُقل عنه رحمةُ الله تعالى عليهِ وهو أبي سعيد الحسن البصري .(1/34)
الذي يعنينا أنه ينبغي أن يفقه الناسُ القرآن ويعملوا بهِ ويعلموا أنهُ لا نجاة للأُمة إلا بكتاب الله وسُنة نبيها صلى الله عليهِ وسلم لكنّهُ إذا وقف الناس فقط عند تلاوتهِ وإتقان قرأتهِ وتنافسوا في ذالك فقط وظنُوا أن ذالك هو المُنتهى فلم يفقهُوا شيئاً فكلامُ الله جل وعلا أو كتابهُ ما أُنزل لنضعهُ في مؤخرة السيارات أو على مكاتبنا أو خلف كراسينا إذا أُلتُقطت لأحدنا صورة أو ما أشبه ذالك كلامُ الله يجب أن يستوطنُ القلوب يجب أن يُعمل بهِ يجب أن يكون هو الحاكمُ على أمرنا كُلهِ وهو المُسيّرُ لنا وما السُنةُ إلا في آيةٍ واحدة قال الله جل وعلا (( وما أتاكُم الرسول فخذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهوا )) لكن لا يُمكن أن يُفقه الكتاب من غير السُنة فهُم مُتلازمانِ تلازُماً تاما " تركتُ فيكُم ما أن تمسكتُم بهِ لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسُنة نبيهِ " كما قال صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
رزقنا اللهُ وإياك والمُسلمين العلم النافع والعمل الصالح .
بارك الله فيكم يا شيخ صالح وأسأل الله سُبحانهُ وتعالى أن ينفع بكُم وأن يجعل ذالك في موازين حسناتكُم ...
أمين
بودي أن يطول اللقاء ولكن يبدوا أنك على موعد بعد مغرب هذا اليوم بمشيئة الله تعالى في جامع الحسن بن علي في البديعة في مدينة الرياض أسأل الله سُبحانه وتعالى أ يُسدد الخُطى وأن يجعل ذالك عملاً مُباركاً إنهُ على كُل شيءٍ قدير...
اللهم آمين
أيُها الأخوة والأخوات إلى هُنا ونأتي إلى ختام هذهِ الحلقة من برنامج معكم على الهوا آياتٌ وعظات ضيف الحلقة فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة(1/35)
جزا اللهُ الشيخ خير الجزاء وجعل ذالك في موازين حسناتهِ كما نسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بما سمعنا وأن يُبارك لنا في القرآن والسُنة وبما فيهما من الآيات والحكمة وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء هُمومنا وذهاب أحزاننا إنهُ على كُل شيءٍ قدير
اللهم آمين(1/36)
لقاء الشيخ صالح المغامسي في معكم على الهواء بتاريخ 15 /3 /1428 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رب العالمين والصلاةُ والسلام على نبينا مُحمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
أخوة الإيمان في كُل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
ليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشهِ و معادة وأقرب إلى نجاتهِ وسعادتهِ من تدبُر القرآن وإطالة النظر فيهِ وجمع الفكر على معاني آياتهِ فإنها تُطلعُ العبد على معاني الخير والشر وعلى حال أهلها وتُريهِ صورة الدُنيا في قلبهِ وتحضُرهِ بين الأمم وتُريهِ أيام الله فيهم فيرى غرق قوم نوح ويعلم صاعقة عاد وثمود ويعرف غرق فرعون وخسف قارون ، بتدبُر القرآن يعيشُ المرءُ مع الآخرة حتى كأنها فيها ويغيبُ عن الدُنيا حتى كأنهُ خارجٌ عنها فيصيرُ في شأن والناسُ في شأنٍ آخر ((وإذا تُليت عليهم آياتهُ زادتهُم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون )) لقد أنزل الله القرآن من فوق سبع سماوات لتدبُر والتعقُل لا لمُجرد تلاوتهِ والقلبُ لاهِ غافل (( كتابٌ أنزلناهُ إليك مُباركٌ ليتدبرُوا ءاياتهِ وليتذكر أُولي الألباب ))
أخوة الإيمان مع القرآن الكريم الذي نسأل الله العلي القدير أن يجعلهُ ربيع قُلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا { آياتٌ وعظات } هذا هو عنوان حلقة هذا اليوم من برنامج معكم على الهواء في حلقةٍ على الهواء مُباشرةً من إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية نُرحبُ كثيراً بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ صالح .
حياكم الله شيخ خالد وحي الله الأخوة المُستمعين والأخوات المُستمعات وأسأل الله لي ولكُم التوفيق والسداد(2/1)
اللهُم آمين ونسأل الله العلي القدير أن ينفع بكم وأن يجعل ذالك في موازين حسناتكُم كما نسألهُ عز وجل أن يجعل القرآن ربيع قُلوبنا نور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا .
اللهم آمين
فضيلة الشيخ صالح مرةً أُخرى يتجدد الترحيب بكُم وأهلاً بكُم في إذاعة القرآن الكريم وشُكراً لكم على قبول دعوة البرنامج ونسألهُ عز و جل أن ينفعنا دائماً بما نقول ونسمع إنهُ على كُل شيءٌ قدير ..
حفظكم الله { آياتٌ وعظات } هذا هو عنوان هذا الأسبوع من برنامج معكم على الهواء يتساءل البعض عن كيفية الإجابة عن الأشكال الظاهرة من قولهِ تعالى عن نبيهِ شُعيب (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) بينما قال سُبحانهُ في سورة الشعراء (( كذّب أصحابُ الأيكة المُرسليِن * إذ قال لهُم شُعيبٌ ألا تتقون ))
فضيلة الشيخ صالح وجه الإشكال لمّا قال في سورة هود ((أخاهُم )) ولم يقُل ذالك في آية الشُعراء نبدأ بهذهِ الوقفة حفظكُم الله ثم يتدرج الحديث معكُم عن باقي الآيات وباقي العضات في هذهِ الحلقة المُباركة ؟؟؟
الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيهِ كما يُحبُ ربُنا ويرضى وأشهدُ أن لا إله إلا الله شعارٌ ودثارُ ولواءُ أهل التقوى وأشهدُ أ، سيدنا ونبينا مُحمدٌ عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وعلى سائر من أقتفى أثرهُ واتبع منهجهُ بإحسانٍ على يوم الدين أما بعد ....
فما ذكرتمُوه من الإشكال الظاهر في قول الله جل وعلا (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) مع قوله سُبحانهُ وتعالى (( كذّب أصحابُ الأيكة المُرسليِن * إذ قال لهُم شُعيبٌ ألا تتقون )) فلم يذكُر الله نسبتهُ إلى الأخوة والجواب عن هذا الإشكال :(2/2)
أن الله جل وعلى في الآية الأولى والتي هي في سورة هود نسبهُم الله جل وعلا إلى القبيلة أو إلى المكان فكلمة مدين تُعنى بالقبيلة التي ينتسبُ إليها شُعيب وقومهُ وتُطلق كذالك على المكان الذي هُم فيهِ ونُسبتُها إلى القبيلة أقوى إذاً مدين هذا رجُل تنتسبُ إليهِ أُمة من الأُمم ولا يخلوا شُعيبٌ أن يكون واحدٌ من أبناء أحفاد مدين فهو يجمعهُ مع قومهِ أُخوة النسب فلمّا نسب الله جل وعلا قوم شُعيبٍ إلى جدهم ذكر بأن شُعيباً أخاهُم فقال (( وإلى مدين أخاهُم شُعيبا )) والتقدير واذكُر إذ أرسلنا إلى مدين أخاهُم شُعيباً .
أمّا في سورة الشُعراء فقد نسب اللهُ أُولئك القوم إلى المُعتقد الذي يعبدُونهُ وهي تلك الشجرة التي أتخذُها من دون الله فلمّا نسبهم الله جل وعلا إلى الأيكة وعبّر عنها هُنا بالأيكة نسبهُم إليها نفى عنهُ جل وعلا عن نبيهِ الأخوة فقال ((إذ قال لهُم شُعيبٌ )) لأنهُ لو قال هنا أخوهم لفُهم أنهُ أخوهُم في العقيدة وهذا مُنتفي وعلى هذا يترتب أن على المؤمن أن يكون على مُباينه ومُفاصلة ظاهرة عن أهل الباطل وعن أهل الكفر وأن مُعتقد الإنسان أعظم ما يملكُهُ فينؤ بنفسهِ على أن يشوب مُعتقدهُ أيُ شائب وهذا من بلاغة القرآن والتدقيق اللفظي فيهِ وعلى أنهُ حقٌ مُنزلٌ من لدُن حكيمٍ خبير وبهذا كما هو ظاهر يزول الإشكال ..
نعم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي أيضاً قبل قليل وردت هذهِ الآية ((أصحابُ الأيكةُ )) هنا وهُناك في آيةٍ أُخرى ( الأيكة ) هل هُناك ؟؟؟
ليس هُناك فرق إنّما هذا لفظاً يُطلق على اثنين والمُراد بها الشجرة الكبيرة التي كانوا يعبدُنها من دون الله .
أجدها مُناسبة طيبة وأنتُم تستعرضون هذهِ الآية وتتحدثون عن هذهِ الإشكالية والفروق الحديث أيضاً عن بني الله شُعيب ؟؟؟(2/3)
نبيُ الله شُعيب عليهِ الصلاة والسلام هو أحدُ أنبياء عرب ومعلومٌ أن أنبياء الله جل وعلا أكثروا من مئة ألف وهؤلاء المُباركون لم يكُن منهُم من أُمة العرب إلا أربعة " هود ، وشُعيب ، وصالح ، ونبيُنا صلى الله عليه وسلم " وكُلهم بُعثوا في جزيرة ..
شُعيبٌ يُعرف عند جمهرةِ أهل العلم بأنهُ خطيب الأنبياء لأنهُ كان قد أُوتي بياناً واضحا وحُجةً بالغة وكذالك الرُسل أئمةُ بيانٍ وفصاحةُ لسانٍ وبلاغة يبلغُون عن الله رسالاتهِ وينصحون لهُ في برياتهِ لكن كان في شُعيبٍ عليهِ الصلاةُ والسلام حضٌ أكبر من البيان كما قال الله تبارك وتعالى عنهُ (( واستغفروا ربكُم ثم تُوبوا إليهِ إنّ ربي رحيمٌ ودود * قال يا شُعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقول وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطُك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز )) فكان جوابهُ كما حكى الله عنه (( قال يا قومِ أرهطي أعزُ عليكم من الله و أتخذتُمُوهُ وراءكُم ظهرياً إنّ ربِي بما تعملون مُحيط ))
إلى غير ذالك مّما ذكرهُ الله جل وعلا ممّا فيهِ من الدلائل الظاهرة والبراهين الواضحة على قُدرة بيان هذا النبي الكريم صلواتُ الله وسلامهُ عليه .
ويظهر كذالك ــ بما أن الحديث عن شُعيب ــ أن أنبياء الله كانوا يجمعون الفقه في الدعوة فيبدأون بمسالة العقيدة فيدعون إلى توحيد الله والخوف من لقاء الله ويُحذّرون أُممهُم من اليوم الآخر ثم إنّ كُل نبيٍ يتحدث عن الخطيئة الكُبرى التي تلبس بها قومه فلمّا كان التطفيف في الكيل والميزان الخطيئة التي تلبس بها قومٌ مدين قدّمها شُعيبٌ عليهِ الصلاةُ والسلام ولمّا كان جريمةُ إتيان الذُكران من العالمين هي الجريمة التي باء بها قوم لوط قدّمها لوطٌ عليهِ الصلاةُ والسلام وعلى هذا فإنّ كُل إنسانٍ يبدأُ أولاً بمسالة العقيدة ثم ينتقل بعد ذالك للُمنكر الظاهر البيّن فشاداً في قومهِ فيبدأ بالأعظم والأجلّ ..(2/4)
هذهِ الطريقةُ المُثلى التي كان أنبياءُ الله جلاّ وعلا يدعون على منوالها ومنهاجها .
نعم بارك الله فيكم فضيلة الشيخ صالح وكيف يزرع المُؤمن المُسلم هذهِ العقيدة في قلبهِ وهو يعني مُعرّ لبعض الفتن ؟؟؟
المُؤمن يُدرك انهُ لن يقوم بأي عملٍ على الوجه الأكمل حتى يحسُن إيمانهُ ويعظُم بذالك الأمر فالإنسانُ إن لم يكُن على قناعةٍ تامة وعلى علمٍ جليل بما يدعُو إليهِ جاءت دعوتهُ هشة من أراد أن يدعُ الناس على هذهِ العقيدة العظيمة لابُد أن يكون هو أولاً على يقينٍ من توحيدِ ربهِ تبارك وتعالى ،،
ثم يأتي بعد ذالك استثمار ما حولهُ يبدأُ أولاً بكلام الله جل وعلا فقد بيّن الله جل وعلا فيهِ الأهمية الكُبرى لمسألة التوحيد ثم يأتي لكلام سيد الخلق صلى الله عليهِ وسلم وما فيهِ من عظاتٍ بالغة " ما حقُ اللهِ على العباد ؟ أن يعبُدُوهُ ولا يُشركوا بهِ شيئاً " كما في حديث مُعاذ ثم يأتي في كلام أهل العلم من السلف والخلف رحمةُ الله تعالى عليهم ،،
ثم بعد ذالك ينظُر في هذا الكتاب المنثور بين أيدينا الذي خلقهُ الله جل وعلا كما انهُ هناك كتاباً مسطوراً وهو القرآن فإنّ هناك كتاب منثور وهو الكون وما فيهِ من آيات ودلائل تدلُ على قُدرة الجبّار جلّ جلالهُ وعلى أنهُ تبارك وتعالى أحقُ من عُبد وأجّلُ من شُكر وأنهُ لا ينبغي أن تُصرف العبادةُ إلى غيرهِ :
تأمل في نبات الأرض وأنظُر
إلى آثار ما صنع المليكُ
عيونٌ من لُجينٍ شاخصات
على ورقٍ هو الذهبُ السبيكُ
على كُثب الزبرجد شاهدات
بأنّ الله ليس لهُ شريكُ
جزاكم الله خير فضيلة الشيخ لكن ذكرتُم قبل قليل الدعوة الهشة كيف هي الدعوة الهشة لماذا هشة وهو مُسلم ومُؤمن بالله سُبحانهُ وتعالى وهو يتعمّق في بحُور هذا القرآن العظيم ؟؟؟(2/5)
لا لابُد أن يُصاحب هذا التبحُر يقيناً بما يقول فليس كُل من حفظ متناً أو قرأ علماً أو تلا آيةً بلغت يقينهُ فيها مبلغا فلابُد أن تُرث القراءة يقين عند المرء لابُد أ، يكون الإنسانُ يجد ثمرة ما يقرأهُ في قلبهِ أولاً كم منّ صاحب علم قرأ متوناً ونظر في أقوال العُلماء ورُبما حفظ أحاديث ورُبما أكمل حفظ القرآن لكنّهُ ليس مُقتنعاً بما يدعُ إليهِ ولا بما يقولهُ فينجُم عن ذالك بلا شك ضعفاً في يقينهِ هو . وأنّا لمثلهِ أن يدعُ الناس بعد ذالك على بصيرةٍ وعلى بينهِ أو أن يجد الناس لقولهِ قبولا.
ففاقدُ الشيء لا يُعطيهِ ،،،
وكُلُ إناءٍ بما فيهِ ينضح .
أحسن اللهُ إليكم فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي نحنُ معكم أيُها الأخوة والأخوات ونحنُ نعيش هذهِ الدقائق في رحاب القرآن الكريم سائلين الله سُبحانهُ وتعالى أن يجعلنا ممّن قال فيهم صلى الله عليهِ وسلم " ما أجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونهُ بينهم إلا نزلت عليهم السكينه وغشّتهُم الرحمة وحفّتهُم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ،،
فضيلة الشيخ يتواصل الحديث عن هذا القرآن العظيم ولعلّنا ننتقل إلى سورةٍ من سور هذا القرآن الكريم وهي سورة يوسف وتعلمون أنها السورة حوت قصة نبينا يوسف عليهِ السلام بأكملها ولم تأتي مُجزئة في سورٍ عديدة وقد حوت أيضاً على عظات عدة لعلّي أترُك لك الحديث عن هذهِ السورة العظيمة بما فيها من التنبيهات والفوائد العظيمة حظكُم الله .؟؟؟
تُدرك يا شيخ خالد كما يُدرك الأخوةُ المُستمعُون والأخوات المُستمعات أن الحديث عن سورة يوسف يطول لكنّنا سنقتصر على بعض الفوائد من هذهِ السورة الكريمة .(2/6)
يوسُف نبيُ الله ابنُ نبي اللهِ ابنُ نبي اللهِ ابنُ خليل اللهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وعلى آبائه هذهِ السورة كما ذكرتُم جاءت كاملةً في سورةٍ واحدة ولم تأتي مُجزئة نظير سورة إبراهيم نظير قصة إبراهيم ، أو نظير قصة موسى فهذهِ جاءت مُتفرقة في عدة سور بخلاف سورة يوسف عليهِ الصلاة والسلام .
لكنّنا نبدأ بالقضية الأولى بالفائدة الأولى التي حوتها تلك السور طبعاً نحنُ لا نُرتب حسب الأهمية لكن حسب وضع البرنامج عموماً فقد تكلّمنا عقدياً في قضية شُعيب فلا حاجة لأن نُعيدها في مسألة يوسف نعم أو نُكّررها ..
فنقول من أعظم ما حوتهُ القضية :
أن الإنسان لا يتعجّل في الوصول إلى الثمرة..
فإنّهُ قد قيل ما بين رُؤيا يوسف وما بين تحقيقها أكثر من أربعين عام الله يقول (( ورفع أبويهِ على العرش وخرّوا لهُ سُجدا وقال يا أبتِ هذا تأويلُ رُؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا )) وقد رآها علية الصلاة والسلام وهو صغير يافع وبين هذهِ الرؤيا وبين تحقيقها أحدث بل حلقات من أحداثٍ داميات وكم حصل فيها من مواطنُ حزن ومواطنُ فرح عاش هذا النبيُ الكريم ثم انتهى بهِ المآل إلى ما انتهى إليهِ ،،،،،
من هنُا نأتي لطلبة العلم على وجه الخصوص بما أنّا نتكلم عن القرآن والقرآنُ وعاء العلم الأعظم نقول ينبغي على العاقل أن يتأنّى في الوصول وأن لا تكون الدُنيا همّهُ وأن يعلم أن الذي يمشي على خطوات ثابتة ويتدبّر العلم تدريجياً ويأخُذه مُؤصلاً ويجنح بنفسهِ خطوةً خُطوة لا يستعجلُ ظهوراً ولا يبحثُ عن أضواء سيصلُ بحمد الله جل وعلا ورعايتهِ إلى مقصدهِ ومرادهِ .
ولنضرب مثلاً
نعم(2/7)
تعلم أيُها الأخُ المُبارك عن أبي حنيفةً النُعمان أول الأئمة الأربعة ظهوراً رحمهُ الله كان لأهُ تلميذ يُقال لهُ أبو يُوسف وأبو يُوسف كان يومها غُلاماً صغيراً يتيماً تجنح أُمهُ إلى أن تجعلهُ يعملُ عند حائك حرصاً منها على أن ينال دانقاً يقتاتُ بهِ و الدانقُ أيُها المُستمعُ الكريم آنذاك أقل ما يُمكن أن يُترك كالهلل والقروش وما يُسمّى بالفلس في دول الخليج يعني شي زهيد تماماً لكنّ المرأة كانت تنظُر إلى أن هذا هو البُغية هو الغاية بينما كان أبو حنيفة رحمةُ الله تعالى عليهِ ينظُر إلى يعقوب الذي هو أبو يوسف ينظُرُ إليهِ على أنهُ سيكونُ ذات يومٍ رجُلٌ ذا بال في العلم فكانت هذهِ المرأة تأتي إلى أبي حنيفة في حلقتهِ وتذُمّهُ وتقولُ ما أضاع ابني إلا أنت وما جعل الغُلام يفرُّ عن موطنهِ إلا أنت فيقول خلي منك يا رعناء ــ هذا أبو حنيفة يقول لها ــ [ والله إنّ ابنك ليأكُل الفالوذج بدهُن الفُسق ] هذا الفالوذج نوعٌ من الحلوى لم يكُن يوجد آنذاك إلا في بيوت الأثرياء أما الفالوذج الممزوج بدُهن الفُستُق فهذا لا يُوجد إلا في بيوت الخُلفاء ولا يُوجد إلا على أحيان يعني ليس دائماً ، فلمّا قال أبو حنيفة لأُمي أبي يوسف هذا الكلام قالت إنك شيخٌ كبرت وخرّفت فمضت عنه وأصرّ أبو حنيفة أن يدرُس أبا يوسف عندهُ ثم مضت سنون مات أبو حنيفة ماتت الأم تقلّد أبو يوسف القضاء في العراق حتى أصبح قاضي القُضاة في الدولة فكان يأكلُ على مائدة الرشيد أمير المُؤمنين ماذا يقول أبو يوسف ؟؟(2/8)
يقول أكلتُ يوماً على مائدة الرشيد فقُدّم لهُ طعام فقال لي يا أبا يوسف كُل فهذا قلّما يوجد في قصرنا قُلتُ أصلحك الله ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا فالوذج بدُهن الفُستق فتذكر أبو يوسف الحادثة وضحك فتعجّب الرشيد قال ما الذي يُضحكُك يا أبا يوسف ؟ قال خيراً يا أمير المؤمنين قال أخبرني فأخبرهُ بالقصة فقال عندها هارون الرشيد قال يا أبا يوسف [ إنّ أبا حنيفة كان يرى بعيني عقلهِ ما لا يراهُ غيرهُ بعيني رأسهِ ] أي بعيني بصرهِ.
.يستشرفُ المُستقبل عندما قرأهُ جيداً .
إذاً يوسف علية الصلاةُ والسلام مرّ بحلقات داميةِ ثم آل بهِ الأمر أراد لهُ إخوتهُ أن يضيع في غيابات الجُب فيُخرجهُ اللهُ من غيابات الجُب إلى دهاليز القصُور تتأمرُ عليهِ امرأةُ العزيز فتُودعهُ السجن فيُخرجهُ الله جل وعلا من غياهب السجن إلى أن يُصبح عزيزاً على مصر .
هذهِ الفائدة الأُولى والعُظمى
الفائدة الثانية :
أن الإمامة في الدين لا تُنال إلا بالتقوى والصبر قال الله جل وعلا (( وجعلنا منهُم أئمةً يدعون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون ))
وقال عن يوسف عليه الصلاةُ والسلام لمّا أظهرهُ الله وعفا عن إخواتهِ قال بعد أن قال لهُ أخوتهُ (( أءنّك لأنت يوسُف قال أنا يوسف قال أنا يوسُف وهذا أخي قد منّ اللهُ علينا )) فنسب الفضل إلى بارية وخالقهِ جل جلالهُ ثم قال (( إنّهُ من يتقِ ويصبرِ فإنّ الله لا يُضيعُ أجر المُحسنين ))
فأسند الأمر كلهُ إلى الأسباب التي وضعها الله لرفعةِ والعلو وعلو الشأن ألا وأنّ من أعظمها أمرين :
تقوى الله جل وعلا *** والصبر
فبالتقوى والصبر تُنالُ الإمامة في الدين .
دلت الأحداث أن ّالإنسان إذا ضاق الأمر وبلغ مُنتهاه فآخرُ لحظةٍ في مُنتهى العُسر هي أولُ لحظةٍ في أول اليُسر .
سُبحان الله
فآخرُ لحظةٍ في مُنتهى العُسر هي أولُ لحظةٍ في أول اليُسر .
وراء مضيق الخوف مُتسعُ الأمرِ
وأولُ مفرُحٍ بهِ غايةُ الفجر(2/9)
الم ترى أن الله ملّك يوسفاً
خزائنهُ بعد الخلاص من السجنِ
وصل يوسف إلى مُنتهى أحداث الله أُلقي مع المُجرمين ،، يأكلُ ويطعم ويعبدُ رهبِ في غياهب سجنهِ
وكان داعية
وكان داعية حتى في السجن لكن كما قُلت أيُها المُبارك نحنُ ضربنا عنها الذكر صفحاًَ لأننا تكلّمنا عن قضية شُعيب ،، ثم بعد ذالك انتقل إلى أن أصبح على الكُرسي الذين يتعاملون مع الله بحق رابحون لا محالة .
يجب أن نُحسن الظن بربنا تبارك وتعالى حُسن الظنُ بالله يُرثُ حُسن العاقبة في الدُنيا والآخرة نسأل الله للجميع التوفيق
هذا ما يُمكن أن يُقال أيُها المُبارك حول فوائد سورة يوسف وقد اختصرتُها حتى لا تكون الحلقة كُلّها عن سورة هذا النبي الكريم ..
لكن نتعشم أن يكون الحديث عنها أطول وأطول رغبةً مني ومن أيضاً المُستمعين الكرام حفظكُم الله إذا اخذتُم فائدة أُخرى حفظكُم الله .؟؟؟
نأخُذ فائدة أُخرى ،، من الفوائد التي دلّت عليها هذهِ السورة:
أن الإنسان لا يُضيرهُ أن ينظُر الناس إليهِ نظرة نقص إن كان عظيماً في ذاتهِ فيوسف عليهِ الصلاة والسلام بيعِ بثمنٍ بخس
جميل
والله يقول (( شروه )) أي باعُوه (( بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة )) وقال (( وكانوا فيهِ من الزاهدين ))
نعم
فزهدُوا فيهِ وهو نبيُ الله وأُدخل السجن وهو نبيُ الله فالمؤمنُ الحق عظمتهُ في ذاتهِ ليست في غيرها وقد قُلنا مراراً في دروسٍ سلفت وأيامٍ خلت لنا نأتي بمثال من السُنة يشهد لهذا :(2/10)
النبيُ صلى الله عليه وسلم كما تعلمُ أيُها المُبارك في هجرتهِ مرّ ومعهُ أبو بكرٍ وعامرُ ابنُ فُهيرة وعامرُ ابنُ أُريقط مرّوا على أم معبد امرأةُ جلدةٌ برزةٌ من خُزاعة تُطعم الناس جهة الآن يعني عندنا في بلادنا المُباركة وادي قديد بين طرق الهجرة بين مكة والمدينة لمّا مرّوا عليها وصل بهم الأمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألها عن الشاه فأخبرتهُ أنها شاةٌ عازب يعني لم تذهب مع الغنم لعجزها قال هل تأذنين لي أن أحلبها قالت نعم فلّما ناخ صلى الله عليه وسلم الشاة ومسح على ضرعها وسمّ الله درّت
ما شاء الله
لمّا درّت لأنهُ عظيم صلى الله عليه وسلم لم يقُل لأبي بكر أحلب لنا حتى يُبين لأم معبد أنهُ النبي أو يقول لعامر الخادم أحلب لنا أو يقول لدليل أحلب لنا لو كان غيرهُ لفعل هذا حتى يُميز نفسهُ عن أصحابهِ لكنّه صلى الله عليه وسلم عظيم خلب لهم أو لم يحلب ، شرب أول القوم أو شرب أخرهم حيث ما هو فهو صلى الله عليه وسلم عظمتهُ أعطاهُ اللهُ إياه في ذاتهِ عليهِ الصلاة والسلام فيما أكرمهُ اللهُ بهِ من النبوة والرسالة.
فمثلُ هذا لا يحتاج أن يدعُ أضواءً أن تُسلّط عليهِ أو صحفيين يكتبون عنه أو ما إلى ذالك هو صلى الله عليه وسلم كأخيهِ يوسف عظمتهُم في أنفُسهم فيوسف نبيُ الله ابنُ نبيُ الله ابنُ خليل الله وهو في السجن وهو عند أبيهِ وهو يُباع بثمنٍ بخس وهو على كُرسي العرش وفي كُل الأحوال كريمٌ على الله تبارك وتعالى عظيمُ الشأن عند ربهِ هذا ما يُمكن أن يُقال.
فأنا أُوصي نفسي وغيري بأن يكون اعتزازُ المرء بربهِ وأن يكون غناه في نفسهِ وأن يكون على ثقةٍ بأن الله جل وعلا وحدهُ من يُبت من يشاءُ بفضلهِ ويُقّرُ من يشاء بعدلهِ كما أنهُ تبارك وتعالى لا يسألهُ مخلوقٌ عن علّة فعلهِ ولا يعترضُ عليهِ ذو عقلٍ بعقلهِ . نعم(2/11)
نعم بارك الله فيكم أيضاً بس فائدة أخيرة قبل أن ننتقل إلى محاور أُخرى حفظكُم الله عدم اليأس والقنوط كما حث الله؟؟؟
نعم عدم اليأس والقنوط وهذا قد يكون قُلناهُ في مُدرج ما قُلناهُ من قضية الصبر إلى الوصول لأنهُ لن يكون صبرٌ حتى يكون هناك عدمٌ يأسٍ وقنوط
و لكن تخصيص ذالك
كما قُلت أنت قضية يعقوب تقصد
نعم
أيهِ تنبهت الآن قضية يعقوب الذي يرفع البلوى هو الله .
سُبحانهُ
ويعقوب أُبتلي بيوسف أولاً ثم أُبتلي بفقد بنيامين ثم أُبتلي بفقد الابن الأكبر الذي رفض أن يرجع قٌال (( لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي )) ولهذا قال (( عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً )) جميعاً هذي أكثر من واثنين قصد يوسف وبنيامين و رُوئيل على قول من يقول أن أسمهُ رُوئيل هؤلاء الثلاثة كانوا ابنائهُ عليهِ السلام كلُهم فقدهم واحداً بعد الآخر فقد الأبناء لكنّة لم يفقد ثقتهُ وحُسن ظنّهِ بربهِ قد جاء في الأثر " أن يعقوب كلّما ازددتهُ بلاءً ــ حديث قُدسي ــ كلّما ازددتهُ بلاءً ازداد حُسن ظنٍ بي "
وقد قُلنا أن حُسن الظن بالله يُورث حمداً عظيماً أسأل الله أن يجعلني من يُحسن الظن بهِ ويجعل منقلبهُ ومآلهُ إلى خير .
بارك الله فيكُم فضيلة الشيخ حفظكُم الله نتواصل مع المُستمعين الكرام هذا عدد من الفاكسات والتي سنُخصص لها في ختام هذهِ الحلقة للرد عليها لأنها تحوي بعض الآيات ويطلبون تفسيرها أو الشرح عنها إذا أذنتُم لنا لكن أتواصل معك فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في أيضاً المدينة المنورة يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( يا بني ءادم لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يُؤمنون ))(2/12)
هذهِ الآية حافلة بالمعاني والعظات نُريد إلقاء الضوء عليها وتجليتها علمياً أيضاً ووعظياً ونحنُ في هذا الموضوع آياتٌ وعظات ؟؟؟
فلنبدأ بالنداء في الآية قال الله جل وعلا ((يا بني ءادم)) النداء في القرآن يختلف من حالٍ إلى حال
أحياناً يكون نداء عام كقولهِ سُبحانهُ (( يا أيُها الناس أعبدوا ربكُم)) ،
وقد يكون نداءً لتقرير الواقع (( يا أهل الكتاب )) فهم أهلُ كتابٍ فعلاً ،
قد يكون النداء لتنبيهِ والتذكير (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي )) لتنبيهِ على أنهُم أبناءُ نبي ويُنسبُون إلى نبي وهو يعقوب فيُنبههُم ويُذكّرهُم بأن يذكروا النعمة على أبيهِم الذي ينتسبُون إليهِ ،،
قد يكون نداء كرامة وهذا في حق أهل الإيمان (( يا أيُها الذين ءامنوا اتقوا الله )) فهذا نداء كرامة و (( يا أيُها الذين ءامنوا كُتب عليكُم الصيام )) هذا نداء كرامة .
يكون نداء يجتمعُ الناس فيهِ جميعاً نسبتهُم إلى أبيهم وهذا يندرج في نداء الواقع وهو الذي بين أيدينا ((يا بني ءادم)) فنسبنا الله جل وعلا إلى أبينا ءادم و ءادم أبو البشر خلقهُ الله جل وعلا بيدهِ وأعطاهُ خصائص منها :
أنهُ خلقهُ بيدهِ ،، نفخ فيهِ من روحهِ ،، أسجد لهُ ملائكته ،، علّمهُ أسماء كُل شيء هذهِ لم تُعطى لأحدٍ غيرهِ عليهِ الصلاةُ والسلام وقد صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ءادم كان نبياً بل قال عليهِ الصلاةُ والسلام لمّا سُئل أكان ءادم نبيا ؟؟ قال " كان نبياً مُكلّما " أي أن الله جل وعلا كلّمهُ وإن كان التكليم في اصطلاحهِ الشرعي إذا أُطلق ينصرف إلى نبي اللهِ موسى صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
(( يا بني ءادم لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة )) المقصود بالأبوين هُنا ءادم وحواء وهذا يُسمّى عند اللغويين مسألة التغليب والتغليب أيُها المُبارك يكون لهُ أسباب فعندما نقول الأبوان نقصد الأب والأُم في القرآن هُنا المقصود ءادم وحواء .
نعم(2/13)
فقُدّم الأب على الأُم لذكوريهِ لأن الذكر أفضل من الأُنثى كما نقول الحسنان ونقصد الحسن والحُسين في التغليب والتغليبُ هُنا معيارهُ أن الحسن أكبرُ من الحُسين ،، ونقول المكتان ونقصدُ مكة والمدينة وإنما قُلنا المكتين لأن مكة أفضل من المدينة ،، ونقول العُمران ونقصدُ بهما شيخا الإسلام أبا بكر وعُمر رضي الله تعالى عنهُما وإنّما غلّبنا عُمر لأن أبا بكر مُركب تركيب إضافي لا يتأتى تثنيتُهُ وعُمر اسمٌ مُفرد يُمكنُ تثنيتُهُ عُمر مُفرد مفرد يعني لا نقصد أنهُ غير مُثنى ولا جمع لا ، نقصدُ بمفرد هنا أنّهُ غير مُركب وأبو بكر اسم مُركب تركيب إضافي أبو وكلمة بكر وهو الفتى من الإبل على هذا قيل العُمران .
الذي يعنينا هُنا قال الله ((لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))
اختلف الناس وأنت قد أذنت لي بأن أتكلم بما فيها من مسائل علميهِ .
نعم أبداً تفضل على أساس نستفيد حفظكم الله والمُستمع أيضاً.
اختلف الناس في الجنة التي أُخرج منها ءادم ؟؟؟
والصوابُ والحق الذي عليهِ جمهور أهلُ السُنة أنها جنةُ عدن التي وعدنا اللهُ إياها والدليلُ على ذالك الدليل الظاهر على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر " أن الناس يوم القيامة يأتون الجنة فيجدونها مُغلقة فيأتون أباهُم ءادم فيقولون يا أبانا أستفتح لنا الجنة "
وجهُ الشاهد: أن النبي صلى الله عليهِ وسلم أخبر أنّ ءادم يقول وقتها " وهل أخرجكُم من الجنة إلا خطيئة أبيكم " فهذا دليل على أن الجنة التي وُعدنا بدخولها برحمة الله هي جنةُ عدنٍ الني أُخرج منها أبونا ءادم .
نعم
قال آخرون .. إنّ الجنة التي أُخرج منها ءادم هي جنةٌ إمّا في الأرض أو في السماء الدُنيا وليست الجنة المعهودة المعروفة التي انصرف الحديث إليها ولهم حُجج منها :(2/14)
دخول إبليس إليها فقالُ لو كانت جنة عدنٍ لما تمكن إبليس من دخولها وهذا يُمكن أن يُجاب عنهُ بأن إبليس دخلها دخول مذلة فقد ورد وإن كانت هذهِ أثار منقولة عن بني إسرائيل لكنّ هذا ممّا قال عليهِ الصلاة والسلام فيهِ " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " بل أقول على علم أنّ هذا لهُ شواهد قوية صحيح أنّا لا نعلم نصاّ في كتابٍ ولا سُنّة صريح واضح يدلُ عليهِ لكن قولهُ جل وعلا (( اهبطوا منها )) وقولهُ جل وعلا (( وقاسمهُما أني لكُما من الناصحين )) كُلها قرائن على أن إبليس في غالب الأمر دخل الجنة .
يعني أُدخل الجنة مذلةٍ على هيئة في خياشيم الحية كما قيل والعلمُ عند الله .
الذي يعنينا هذا الجواب عن قولهم أن الجنة لن تكون جنة عدن كما قالوا أن ءادم أُخرج منها والجنة الأصل فيها الخلود لكن هذا يُجاب عنهُ :
بأن الخلود فيها إنما يكونُ بعد البعث والنشور .
على العموم نحنُ نقول أنها جنةُ عدن التي وعدنا الله جل وعلا إياها .
الله يقول ((كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما ))
السوءة تُسمّى سوءة وهي العورة لأن الإنسان يسوءهُ أن تظهر عورتهُ لناس فظهورها لناس أمرٌ يسوء .
لكن ثمّة أمر هنا وهو العظة من هذهِ الآية :
أن الشيطان لمّا أراد أن يضُر بالأبوين دخل عليهما من باب نزع الحياء منهما فلمّا أراد منهُما أن ينظُر كُلٌ منهُما إلى عورة الآخر وأن يتحلّلا ويخرُجا من نطاق اللباس والارتداء والستر إبليس فهم من هذا أنهُ إذا وقع منهُما هذا يسهُل عليهِما المعاصي .(2/15)
ومن هُنا نفهم أن أعداء الأُمة اليوم ومن يُنافس الأُمة أو من يُنازعُ الأُمة في أخلاقها بالذات يعمد إلى قضية الحياء فيحُول أن يأتي لناس من باب أنهُم إذا استمرأُ النظر إلى وجوه المومسات استمرأُ النظر إلى قضية المرأة تظهر شبهة عارية في الشاشات هذا يكسر حاجز المعصية صحيح فيهون الأمرُ على الناس فلهُم عُمدة في هذا وهو إبليس ولنا عُمدة أن الله أخبرنا عن هذا (( كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما )) فأولُ خيطٍ بدأ إبليس أن يحُل عُقدتهُ مع الأبوين قضية الحياء .
فإّذا ازدلفنا أيُها المُبارك إلى قضية الحياء فالحياء عند بعض أهل العلم مُقسّم :
منهُم من يقولون حياء الجناية :. وحياءُ الجناية أن تقع من العبد معصية ثم يقع منهُ ندمٌ عليها فيُرثهُ ذالك حياءً من ربهِ ويضربون لهُ مثلا فيقولون ..
أن ءادم عليهِ السلام لم ينظُر إلى السماء حياءً من ربهِ بعد أن أُهبط من الأرض .
وهُناك حياء الإجلال كما وقع لبعض الصحابة لأنهُم كانوا يستحيون النظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهُ قول الشاعر:
أهابُك إجلالاً وما بك بُلغةٌ
علي ولكن ملءٌ عينٍ حبيبُها
هذا النوع الثاني وهو حياء الإجلال .
ومنهُ حياء أن الإنسان أحياناً يستقلُ الأمر مع غيرهِ فيستحي أن يسأل الإنسان شيئاً يسيراً كمن يدخُل على ملكٍ أو أميرٍ أو ذي سُلطان ويستحي أن يسألهُ أمراً هيّن لكنّ هذا الحياء وإن كان محموداً بين الناس أمّا مع ربنا جل وعلا فإنهُ ينبغي على العبد أ، يسأل الله جل وعلا ما قلّ وكثُر لأنّنا جميعاً فُقراء إلى ربنا تبارك وتعالى وقد جاء في الأثر أن الله قال لموسى " يا موسى سلني علف دابتك وملح عجينتك وشسع نعلك " وهذا يدلُ على عظيم فقر العباد أجمعين إلى ربهم تبارك وتعالى .(2/16)
((لا يفتنّنكُم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهُما لباسهُم ليُريهُما من سوءاتهِما )) ثم قال الله (( إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم))
المخلوقات التي تعقل ثلاثة :
الإنس والجن والملائكة يجتمع بعضُها مع بعض في أشياء وتختلف في أشياء .
بالنسبة لنا معشر الإنس نحنُ لا نرى الملائكة ولا الجن والجنُ يتفقون معنا في أنّهُم يتناكحون ويتناسلون والملائكة تختلف في أنهّم لا يتناكحون ولا يتناسلون ،،
الجن ّيتفقون معنا أنّنا جميعاً مُكلفين في حين أن الملائكةُ غيرُ غيرُ مُكلفين . وهذا منهُ ينجُم أن الجنّ يروننا ولا نراهم كما أنّنا أيضاً لا نرى الملائكة (( إنّهُ يراكُم هو وقبيلهُ من حيث لا ترونهُم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يُؤمنون ))
الإنسان إمّا أن يكون وليهِ أولياء من الملائكة إذا كان مُسارعاً في الخيرات ، وإمّا أن يكون لهُ أزٌ من الشياطين أعاذنا الله إذا كان بعيداً مُعرضاً عن ذكر ربهِ تبارك وتعالى . نعم*
بارك فيكم فضيلة الشيخ لا زلنا معكم أحبتنا في الله في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية ونتواصل معكُم من خلال هذا البرنامج وموضوع هذهِ الحلقة آياتٌ وعظات مع فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي بارك الله فيكم لعلّك أستأذنُك في بعض
تفضل
أستأذنُك في استعراض بعض الفاكسات التي وصلتنا أو حقيقة هذي أُختكُم المُحبة صفية تقول يا شيخ صالح حفظك الله ما هو الأفضل حفظ القرآن أم قراءتهُ تلاوةً بتدبُر ؟؟؟
لا تعارُض أيُها الأُخت المُباركة بين الاثنين يُمكن الجمع تضعين أوقات تُراجعين فيها حفظكِ وتضعين أوقات تقرأين فيها بتدبُر ولا يوجدُ مانعٌ بين الأمرين إذا وُفقتي في ترتيب الوقت ولا بُد من الاثنين تقرأين بتدبُر وأن يكون القرآن في صدرك وهذهِ منقبةٌ عظيمة أسأل ألله أن يرزُقكِ إياها .(2/17)
نعم بارك الله فيكم هذي إحدى الأخوات وهي سامية محمد الشهري تطلُب قراءة الفاكس كاملاً لعلي أقتطف منهُ تقول أتمنى قراءة الفاكس تأثير القرآن في نفوس المؤمنين بمعانية لا بأنغامهِ ولا بمن يتلون بهِ أو يتأوهُ بهِ .. إلى أن تقول يا شيخ صالح حفظك الله ورعاك أشكل علي آية في كتاب الله الكريم وهي (( وإنّ منكُم إلا واردُها )) فما التفسير الشافي الكافي لهذهِ الآية ؟؟؟
الحديثُ هنا أيُها الأُخت المُباركة عن الصراط قال الله تعالى في سورة مريم (( وإنّ منكُم إلا واردُها )) يردُ الناسُ النار أي يسيرون على الصراط ودُعاء المُسلمين المؤمنين يومئذٍ وهو دُعاء النبيين " اللهم سلّم سلّم " فيمُر الناس على الصراط بحسب أعمالهم في الدُنيا منهم من يمُر كأجاود الخيل ومنهُم من يمُر كالريح ومنهُم من يمُر كالبرق ومنهُم من يمشي مشيا ومنهُم من يحبوا حبوا هذا هو التفسير الصحيح في قول الله جل وعلا (( وإنّ منكُم إلا واردُها كان على ربك حتماً مقضيا)) لأن الله قال بعد ذالك (( ثم نُنجّي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا)) نعم.
بارك الله فيكم أتواصل معكُم أيضاً ومع الفاكسات أيضاً حفظكُم الله ثم نعود إلى بعض أو بقية محاور هذا البرنامج أخواتكُم في اللهِ فتيات الدعوة أسماء وعزيزة من الزلفي كتبن هذهِ الرسالة :
كان القرآن ولا يزال المُعجزة الباقية الخالدة كما أراد الله سُبحانهُ وتعالى لهُ أن يكون وها هو في كُل عام تظهرُ كنوزهُ ويبدوا على العالم منهُ إعجازهُ فهو المُتجدد الذي لا تُبليهِ الأيام والمُعجز الذي لا يظهرُ عليهِ أحدٌ من الأنام قضى اللهُ بحفظهِ وقيّض لهُ من يجمعهُ في صدرهِ وتعهدهُ الله سُبحانهُ وتعالى وتعهد الناس بتلاوتهِ والتعبُد بهِ فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكُم بمن يُفسّر القرآن وفق هواه . والسلام عليكم ؟؟؟
كتابُ اللهِ جل وعلا مُعجز
جاء النبيُون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيمٍ غير مُنصرم(2/18)
آياتهُ كُلّما طال المدى جُددٌ
يزينهُنّ جلال العتق والقدمِ
الذكرُ آيةُ ربك الكُبرى التي *** فيها لباقٍ المُعجزاتِ فناءُ
ولا يجوزُ لأحدٍ أبداً أن يُفسّر القرآن بهواه من أُعطي حظاً من علم وقُدرةً من آلةٍ علمية وعرف ناسخهُ ومنسوخة وأسباب نزولهِ وأطلّع على لُغة العرب وقرأ أساليب كلامها في شعرها ونثرها وعلم أصول الفقهِ وأدرك كثيراً من الواقع وجمع حظاً من هذهِ العلوم كُلها أصبح مُؤهلاً بعد ذالك إذا رُزق التوفيق أن ينظُر في كلام الله قال علي رضي الله عنهُ لمّا سُئل هل أختصّ النبيُ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ قال " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يُؤتيهِ اللهُ من يشاء في كتابهِ" .
وهذا الفهم هذا مبنيٌ على آلةٍ عُلمية تُؤهل العبد أو الأمة من النظر في كلام اللهِ جل وعلا . نعم**
نعم بارك الله فيكم أمينة الصافي تقول ذكر الله تعالى إسحاق بخصائص وميزات تفوقُ أخاهُ إسماعيل فنرجو توضيح ذالك وذكرت قول الله سُبحانهُ وتعالى : (( واذكُر عبادنا إبراهيم وإسحاق )) وكذالك أيضاً ذكرت قول الله (( واذكُر إسماعيل و اليسع وذا الكفل )) ... إلى آخر الآية ؟؟؟
كُلهُم أنبياءُ الله
الحمدُ لله
وإسماعيلُ وإسحاق ابنان لخليل الله جل وعلا إبراهيم والله جل وعلا ذكر إسماعيل ووصفهُ بأنهُ صادق الوعد وبأنهُ كان عند ربهِ مرضيا ، ووصفهُ بأنهُ كان يأمُر أهلهُ بالصلاةِ والزكاة. وصف إسحاق بأنهُ كان ممّن مُنّ عليهِ بخالصة وهي ذكرى الدار وكُلٌ منهُم ذو فضلٍ في نفسهِ وعلى غيرهِ وهُما نبيان كريمان من أنبياء الله الكرام صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
أمّا إسماعيل فهو جدُ العرب المُستعربة ، وأمّا إسحاق فهو والدٌ ليعقوب وهو جدٌ لبني إسرائيل .
ولا يعني يحسُن النظر بهذا المقياس في ظني إلى أنبياء الله وإن قال الله (( تلك الرُسل فضّلنا بعضهُم على بعض )) لكن يكون النظر بذكر مناقب كُلٌ أحدٍ لوحدهِ لا بالموازنة بينها . نعم **(2/19)
نعم بارك الله فيكم ولكنّني أنا أيضاً أسأل مثلي مثل هؤلاء الأخوة والأخوات يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( النبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم وأزواجهُ أُمهاتُهم )) أولاً لو تحدثتُم عن مُناسبة الآية لما قبلها ولماذا أطلق ولم يُحدد فيما تختصُ بهِ الآية ؟؟؟
هذهِ الآية من سورة الأحزاب (( النبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم وأزواجهُ أُمهاتُهم )) كان الله جل وعلا قد قال قبلها (( ادعُوهم لآبائهِم هو أقسطُ عند الله ))
وفي هذا يُخاطب بهِ أولاً زيدُ ابنُ حارثة رضي الله تعالى عنه الذي كان يُعرف بزيد ابن مُحمد فكأن زيداً قد سُلب شيءً أُعطيهُ من قبل لأن الله جل وعلا نفى قضية الأدعياء التي كانت موجودة قال الله (( ما جعل اللهُ لرجُلٍ من قلبين في جوفهِ )) وبيّن أنهُ لا يجوزُ للأدعياء أن يكونوا أبنائهم على هذا ذالك الشعورُ بنوعٍ من النقص الذي ربُما كان في قلب زيد جاءت آياتٌ عامة للمؤمنين فهذا النبيُ الكريم والرسول الخاتم هو للأُمة كُلها (( النبيُ أولى بالمؤمنين )) والإطلاقُ هنا أن الولاية لهُ صلى الله عليهِ وسلم لا تُحدد بشيء بمعنى أنّهُ لا يوجدُ أحدٌ لديهِ من الحرص بنا والشفقة علينا منه صلى الله عليه وسلم فهو صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ كما نعتهُ ربهُ (( بالمؤمنين رءوفٌ رحيم )) وهو صلى الله علية وسلم الحريصُ على أُمتهِ قال عليهِ الصلاةُ والسلام وقد خرج من المقبرة " وددتُ لو أني رأيتُ إخواني قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك ؟ قال: بل انتُم أصحابي ولكنّ إخواني لم يأتوا بعد وأنا فرطهُم على الحوض قالوا يا رسول الله كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أُمتك؟ قال أرأيتُم لو أن لأحدكُم خيلاً غُراً مُحجلةٍ في خيلٍ دُهمٍ بُهم أكان يعرفُ خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنّ إخواني يأتون يوم القيامةِ غُرٌ مُحجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض "
موضعُ الشاهد منه:(2/20)
ها هو صلى الله عليهِ وسلم وهو حيٌ يُرزق ويخرجُ من المقبرة ومع ذالك كما ترحّم على الموتى تذكّر من سيأتي بعده وهذا تحقيق لقول الله جل وعلا (( النبيُ أولى بالمؤمنين ))
وقد جاء في البُخاري حديث في هذا الباب يُخبر النبي صلى الله علية وسلم أنهُ وليُ كُلُ مؤمن وهذا ممّا يدلُ على كمال رسالتهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ ورفيع منزلتهِ عند ربهِ ومّما يُوجبُ علينا معشر المؤمنين أن نُحبهُ ونُعزّرهُ ونوقرهُ صلواتُ الله وسلامهُ عليه وأن نمتثل لأمرهِ وأن نجتنب نهيهِ ونتبع هديهُ ونلتزم سُنته بهذا تتحقق مسؤولية ولايتهُ صلى الله وسلامهُ عليهِ على الوجه الأكمل .
أمّا قول الله جل وعلا إذا أذنت (( وأزواجهُ أُمهاتهُم )) فهذا الحديث الذي ذُكر في الآية يتحدث عن أُمهات المؤمنين ونحنُ نعلم أن البرنامج المُبارك هذا يسمعهُ الرجال.
جميل وهي فُرصة طيبة للحديث عنها نعم
وهي فرصة طيبة لمُقابلة أخواتنا المؤمنات ــ لأن لا يمكن أن نقول لناس افعلوا ، اتركوا ولا نضعُ قدوة أُمهاتُ المؤمنين نساء اختارهُنّ الله أن يكُنّ أزواجاً لسيد الخلق صلى الله عليهِ وسلم وهُنّ أزواجهُ في الدُنيا وأزواجهُ في الآخرة :.
أولهُن :
خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهذهِ المرأة عظيمةُ الشأن جليلةُ القدر قال صلى الله عليه وسلم من حُبهِ لها تقول عائشة لمّا رأت حُبهُ لها " ما غرتُ على أحد كما غرتُ من خديجة " وقد قالت لهُ مرة ــ أي عائشة ــ " وهل كانت إلا عجوزاً في غابر الأزمان قد أبدلك اللهُ خيراً منها ، قال لا والله ما أبدلني الله خيراً منها لقد ءامنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس " ثم قال " وكان لي منها الولد " وكان صلى الله عليهِ وسلم يُحبها حُباً جمّا ولمّا ماتت دفنها ولم يُصلي عليها لماذا لم يُصلي عليها ؟(2/21)
لأنها ماتت في مكة ولم يكُن يومها إذٍ شُرعت الصلاةُ على الميت ولم يتزوج عليها في حياتها صلى الله علية وسلم فلم يجمع معها غيرها .
ثم من أُمهات المؤمنين الصديقة بنتُ الصديق حبيبةُ حبيب الله عائشة بنتُ أبي بكر رضي اللهُ تعالى عنها و أرضاها وهي البكر الوحيدة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بكرا وهذهِ الصديقة أُبتليت كما هو معلوم بحديث الإفك فبرأها الله جل وعلا من فوق سبع سماوات وهي من أعلم نساء الصحابة بل تفوقُ بعض رجالات الصحابة علماً أخذت عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً جمّاً رضي الله عنها وأرضاها .
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنتُ حُيي ابن أخطل وهي يهودية كانت تحت رجُلٍ من اليهود فلمّا كانت معركةُ خيبر وانتصر صلى الله عليه وسلم وقعت في أسر بعض الصحابة في سبي بعض الصحابة ثم اصطفاها النبيُ صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها مهراً لها صداقاً هذهِ الصحابيةُ الجليلة زوجةُ نبينا صلى الله عليهِ وسلم جاء في الأثر أن النبي وجد على وجهها أثر من ضربة فسألها فأخبرتهُ أنها رأت رُؤيا أن هلالاً يسقُطُ في حجرها فلمّا أخبرت زوجها غضب وصفعها على وجهها فأثرت الصفعةُ على خدها حتى ندبت وقال لها تتزوجين هذا النبي الذي في يثرب فكان الأمر كما قال في تأويل رُؤياه أُسرت سُبيت ثم أعتقها النبيُ صلى الله عليهِ وسلم وجعل عتاقها صداقها وتزوجها صلواتُ الله وسلامهِ عليهِ ولمّا عيّرتها بعضُ أُمهات المُؤمنين بأنها يهودية قال ــ يعني أجيبي من عيّرك ــ قولي " والله أني لبنتُ نبي وعمي نبي وتحتُ نبي " لأنها كانت من ذُرية هارون وعمُّها موسى عليهما الصلاةُ والسلام وهي تحتُ نبينا صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
من أُمهات المُؤمنين رضي الله عنها وأرضاها بنتُ عُمر ابنُ الخطاب رضي اللهُ عنها وأرضاها ومنهُن جُيرية ومنهُنّ زينب بنتُ جحش وغير ذالك مّما لا يخفى .(2/22)
الذي يعنينا الذي نُريد أن نُصلهُ لناس أنّهُنّ هؤلاء الفُضليات يختلفن في مواهبهنّ مثلاً زينب كانت كثيرة الصدقة ، وعائشة رضي الله عنها كانت كثيرة العلم ، و خديجة كانت عظيمة النُصرة لنبينا صلى الله عليهِ وسلم ، صفية أُثر عنها كثرت العبادة رضي الله عنها وأرضاها ..
هذا يدُل على أن المرأة تنظُر القدر الذي تُحسنهُ من أمرٍ ما تعبُدي أو ما ينفعُ الناس فتحاول قدر الإمكان أن تجنح إليهِ والإنسانُ العاقل يُحاول أن يأتي الصنعة أو الأمر الذي يُتقنُهُ ويُحسنُهُ ويغلبُ على ظنّهِ أنهُ ينفع الناس فيهِ .
في زماننا هذا تجدُ المرأةُ المُسلمةُ نوعين من محاولةِ انتقاصها :
إمّا من قومٍ لم يفقهُ الدين باسم التشدُد يُضيقون عليها الخناق حتى لا يُريدونها أن تخرُج من بيتها ولا أن تعبُد ربها على وجهِ أكمل ولا أن تُقدم شيئاً لمُجتمعها بحُجة الخوف عليها وهؤلاء حسُنت نيتهُم لكنّهُم ما فقهُ معنى الشرع .
وآخرون عياذاً بالله إنّما أرادُ أن يجعلوا منها طُعمةً لرجال وأن يُخرجُها عن نطاق الشرع فهؤلاءِ بئس العمل عملهُم نيتاً وفعلا .
لكنّنا نقول إنّ الله جل وعلا دلّ كتابهُ العظيم وسُنةُ نبيهِ صلى الله عليهِ وسلم على أن ّالله جعل للأُنثى خصائص لم يجعلها لرجال فإذا كانت مسيرةُ الأُنثى تتفقُ مع خصائصها كانت مسيرةً موفقه قال اللهُ جل وعلا : (( وليس الذكرُ كالأنثى ))
هذا ما يُمكن قولهُ حول قول الله جل وعلا (( و أزواجهُ أُمهاتهُم )) .
بارك الله فيكُم وأسأل الله سُبحانهُ وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا أتواصل إذا أذنت لي مع المُستمعين الكرام هذا أحدُ الأخوة يقول ما هو تفسير قول الله تعالى (( قال يا نوحُ إنّهُ ليس من أهلك إنهّ عملٌ غيرُ صالح )) ما علاقة ذالك بعدم صلاح بعض الأبناء في وقتنا الحاضر لبعض الصالحين ؟؟؟(2/23)
نعم هذا الكلام عن أحد أبناء نوح ونوح عليهِ الصلاة والسلام شيخُ المُرسلين وأولهُم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وأطولهُم عُمراً وأهلُ التفسيرُ يقولون كان لهُ أبناء حام وسام و يافث وكنعان وعلى قولهم هذا الحديث في الآيات عن كنعان (( قال يا بُني اركب معنا قال سآوي إلى جبلٍ يعصمُني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللهِ إلا من رحم وحال بينهُما الموجُ فكان من المُغرقين وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بُعداً للقوم الظالمين ))
لمّا رست السفينة تذكر نوحٌ ابنهُ أصابتهُ شفقةُ الوالد فأخذ يُناجي ربهُ وهو يعلم أن لهُ عند ربهِ كرامة وهو شيخُ المُرسلين يتلقى الوحي وعبدٌ صالح وعبدٌ شكور بنص القرآن قال الله جل وعلا أنهُ قال (( قال ربِ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحق وأنت أحكمُ الحاكمين )) فالله جل وعلا وعدهُ أن يُنجّي أهله
نعم
فقال الله جل وعلا لهُ ((إنّهُ ليس من أهلك )) لأنهُ خرج بالكُفر.
والذين يُريدون أن يفقهُ القرآن لا يُطبقُ هذا على أبناءهم لأن المعصية غير الكُفر فقول الله جل وعلا ((إنهّ عملٌ غيرُ صالح )) وفي قراءة (( إنّهُ عَملَ غيرُ صالح )) المقصودُ منها الكُفر والكُفر هو الذي تحدُث بهِ المُفارقة والمُفاصلة بين الابن وأبيه فلا يتوارثان أمّا مُجرد المعاصي ولو كانت كبائر التي لا تُخرج من الملة فهذهِ لا تُخرج من الملةِ وبالتالي لا تنطبقُ عليها الآية لكن يحسُنُ أو يجبُ على الآباء السعي في صلاح أبناءهم على الوجه الأتمّ والنحو الأكمل ، فالله جل وعلا خاطب هذا النبي الكريم بقولهِ ((إنّهُ ليس من أهلك )) لأنهُ كفر فغلبت مُفارقةُ الكُفر على بنوة وأُبوة النسب والاختلاف العقدي هو الفيصلُ بين الناس.نعم **(2/24)
بارك الله فيكم وأتواصل معكم أيضاً يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم )) هذهِ الآية لها مُناسبة ولها أيضاً فوائد كثيرة فلعلّكُم شرحتُم المقصُود من هذهِ الآية حفظكم الله ورعاكم ؟؟؟
نعم هذهِ الآية في سورة الأحقاف
نعم
تتكلم عن الجن والجنُ مرّوا على النبي صلى الله عليهِ وسلم وهو يقرأ القرآن فأعجبهُم تلاوتهُ أراد الله بهم خيراً ءامنوا قال الله (( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنِّ يستمعون القرآن فلّما حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قُضي ولّو إلى قومهم مُنذرين قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مُصدقاً لما بين يديهِ يهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مُستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم ويُجركُم من عذابٍ أليم ))
فالآية تتحدث عن مُؤمني الجن جنُ نيصبين الذين وافقوا النبي صلى الله عليهِ وسلم وهو يقرأُ القرآن عند عودتهِ من الطائف إلى مكة.
لكن أيُها الأخُ المُبارك هنا مسألة تُقال أو تُثار في بعض كُتب التفسير وهي مسألة أن الله هنا قال على لسان الجن (( يا قومنا أجيبوا داعي الله و ءامنوا بهِ يغفر لكُم ))
تُلاحظ يا شيخ خالد
نعم
أنهُ لم يقُل تدخلون الجنة على هذا اختلف العُلماء هل مُؤمنو الجن يدخلون الجنة أو لا يدخلون ؟
نعم
بناءً على هذهِ الآية ؟؟
والأقوال فيها :
// قال بعضهُم أنهُم تُغفر لهُم الذنوب ولا يدخلون الجنة وهذا القول وإن قال بهِ بعضُ الفُضلاء إلا أننا نراهُ بعيداً وقد استبعدهُ أيضاً الشيخُ المُفسّر الحافظُ ابنُ كثير رحمةُ الله تعالى عليهِ .
// قال بعضُ العلماء أنهم يدخلون الجنة لكن هُم في ربض الجنة يعني لا يصلون إلى قلبها .
// وقال آخرون أنهُم يدخلون الجنة لكنّهُم يُعاملون بالمثل في الدُنيا نحنُ لا نراهُم وهو يروننا يقول بعضُ العلماء في الجنة يدخلون الجنة ونراهُم ولا يروننا وهذا يحتاجُ إلى دليل ولا أعلم في هذا دليلاً .(2/25)
والصوابُ أنهُم يدخلون الجنة والدليل على أنهُم يدخلون الجنة أن الله قال في آية إمتنان (( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان * فبأي ألاء ربكُما تُكذبان )) ونحنُ مُتفقون على أن المُخاطب بها الجن والإنس .
قال الحافظ ابن كثير كلاماً مفادهُ أنهُ لا يُمكن أن يمُنّ الله جل وعلا عليهم بمقام فضل ثم يحرمهُم إياه في قولهِ جل وعلا (( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان *)) هذا امتنان من العلي الكبير عليهم على الإنس والجن فلا يُمكن أنت الله تبارك وتعالى يُمنيهم ويعدهم إذا خافوا مقامهُ بالجنّة ثم لا يدخلهم إياها وقد أدوا ذالك العمل هذا بعيدٌ جداً .
فنقول إن ّالذي عليهِ جماهيرُ أهلُ العلم أن مُؤمني الجن يدخلون الجنة مثلهُم مثلُ الإنسِ بسواء قال الله جل وعلا (( حورٌ مقصوراتٌ في الخيام * فبأي ألاء ربكُما تُكذبان * لم يطمثهُنّ إنسٌ قبلهُم ولا جان )) فهذهِ دليل ظاهر على أنهُم يدخلون الجنة والعلمُ عند الله تعالى
بارك الله فيكم وفي علمكم أتواصل معكم فضيلة الشيخ صالح المغامسي حفظكم الله هذا يقول " من صلى الفجر أربعين يوماً يُدركُ تكبيرة الإحرام خلف الإمام يُؤمن من النفاق " هل هذا الحديث صحيح وهل هناك حديث شبيهِ بهذا المعنى وما هو فضل صلاة الفجر في جماعة ؟؟؟
صلاةُ الفجر من أوكد الصلوات قال الله قد أفردها (( وقرآن الفجر إنّ قُرآن الفجر كان مشهودا)) أما ممّا ذكرهُ السائل في هذا حديثان :
حديث يقول " من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كُتبت لهُ براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " هذا بعضُ أهل الصناعة الحديثيهِ حسّنهُ .
وحديث من صلى أربعين يوما يعني له كذا يعني نص مُعين يعني مُكافأة مُعينة لكن هذا الحديث ضعّفهُ أكثروا العلماء لا نعلم أحداً حسّنهُ الثاني أما الأول "من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كُتبت لهُ براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " هذا يوجد من العُلماء من حسّنه والعلم عند الله .(2/26)
صلاةُ الفجر يعني كما قُلنا في دروسٍ عدة هي آخرُ صلاة صلاّها النبي صلى الله عليهِ في يوم بدر وآخرُ صلاة صلاّها الصحابة رضي الله عنهم والمؤمنون والنبي صلى الله عليهِ وسلم حيٌ أفردها الله في كتابهِ (( وقرآن الفجر)) " من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبُنكُم الله بشيءٍ في ذمتهِ" إلى غير ذالك من النصوص العظيمة التي تدلُ عليها وعلى أخواتها من الصلوات الخمس .
بارك الله فيكم عفواً هذهِ إحدى الأخوات تقول أنا امرأة مسحورة منذُ ثماني سنوات ولها يعني قصة وفي كربٍ شديد لكن تقول أرجوا الدُعاء لي بظهر الغيب من الشيخ صالح بأن يرفع اللهُ عني هذا المرض ويفُك سحري ويرزُقني الذُرية الصالحة تقول جزاكم الله خير يا شيخ بماذا تنصحوني في مسألة النوم وأنا أرقي نفسي وأُحافظ على الذكر لكن ما زلتُ أُعاني من الألم والمرض والضعف ؟؟؟
إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون كل ما أساء المؤمن فهو مُصيبة ...
أسأل الله الذي في السماء عرشهُ وفي كُل مكانٍ رحمتهُ وسُلطانهُ أن يكشف عنك الضُرّ والبلوى وأقول لك إن كانت والدتُكِ حية فأطلُبي من والدتكِ أن تدعُوا لكي دُعاء الوالدة لهُ شأن ومقام عظيم عند الله جل وعلا فإن كانت الوالدة موجودة فاطلُبي منها أن تدعُوا لكِ كذالك أنتي ادعُ لنفسكِ كثيراً ويُمكن أن تقولي في دُعاءكِ تأخُذين بما ورد تقرأين على نفسكِ آية الكُرسي وخواتيم البقرة وما جاء كما تعلمين أكيد اطلعتي على كثيراً مما يُقال في هذا لكن قولي في دُعائكِ { اللهُم يا ولي نعمتي وملاذي عند كُربتي اجعل هذا الأمر الذي أخافهُ برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم }
أُعيد لكِ الدُعاء إن كُنتِ تكتُبين قولي { اللهُم يا ولي نعمتي وملاذي عند كُربتي اجعل هذا الأمر الذي أخافهُ برداً وسلاماً علي كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم }(2/27)
إلى غير ذالك ممّا ورد من أدعيةٍ مأثورة أسأل الله أن يكشف عنّا وعنكِ وعن المُسلمين جميعاً الضُرّ والبلوى .
نعم بارك الله فيكم ونحنُ نتواصل معكم ومع المُستمعين الكرام ومع هذهِ الآيات الكريمات المُباركات ونحنُ في رياض القرآن الكريم وفي إذاعة القرآن الكريم على الهواء مُباشرةً أنتقل إلى أحد الإخوة يقول قال الله تعالى (( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرهِ أن تُصيبهُم فتنةٌ أو يُصبهُم عذابٌ أليم )) نريُدّ شرحاً للآية وما هي الفائدة العُظمى عندما يتصبر المُسلم عند المُصيبة ؟؟؟
نعم المقصود بالأمر هنا الإسلام ..
نعم
من حيث الجملة وهديُ النبي صلى الله عليهِ وسلم ولا يُتصور أن مُسلماً يعلمُ هدي النبي صلى الله عليهِ وسلم في شيء ويقعُ في قلبهِ ثبوت ذالك الهدي وتقوم عندهُ الأدلة والبراهين والحُجج على أن هدي النبي صلى الله عليهِ وسلم في هذا الأمر كذا وكذا ثم يصدُ عنه هذا ممّن قال الله فيهم (( فليحذر الذين يُخالفون عن أمرهِ أن تُصيبهُم فتنةٌ أو يُصبهُم عذابٌ أليم)) وقد قال بعضُ العُلماء أن قضية أو هنا قد تكون فتنة في الدُنيا بصرفهِ عن الدين أو أنهُ قد يُؤخّر لهُ العذاب في الآخرة وليس هناك مجال لإطالة تفسير الآية لكن قضية الصبر على البلاء هو طلب هذا الظاهر .؟
أي نعم
ينبغي الإنسان يُحسن الظنّ بربهِ وبعضُ أهل الفضل يقول إذا وقع في قلب المؤمن اليقين بأنهُ لا يرفع البلوى إلا الله تُرفع إذا وقع في قلب المؤمن اليقين بأنهُ لا يرفع البلوى إلا الله تُرفع عند ذالك تُرفع والعلم عند الله .
وقد لا أجزمُ بهذا القول كُليةً لكن أحياناً الإنسان يُربيهِ الله جل وعلا ويُخلّصهُ من الذنوب بما يبتليهِ بهِ . نعم **
نعم بارك الله فيكم آية أُخرى بعثها أحد الأخوة يقول قال الله تعالى (( يجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء )) ما المقصود بهذهِ الآية وهل الأرض كانت مسكونة من قبل ؟؟؟(2/28)
ظاهرُ القرآن أن الأرض كانت مسكونة من قبل من قِبل الجن وهذا هو ظاهرُ قول الملائكة الذي حكاهُ اللهُ جل وعلا في القرآن (( قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحنُ نُسبح بحمدك ونُقدّسُ لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )) فظاهرُ الآية أن ثمّةَ من كان يسكُنُ الأرض ولمّا كان أبونا ءادم لم يكُن أحدٌ من قبلهِ نُنسب إليهِ دلّ ذالك على أنهُ من غير الإنس فلم يبقى إلا الجن لكن مع ذالك نقول هذا ظاهرُ القرآن ونتأدب ولا نستطيعُ أن نجزم بهِ .
نعم بارك الله فيكم هذي إحدى الأخوات تقول إذا وصل الإنسان بالصبر على عدم الإنجاب وصل بهِ إلى درجة الرضا على قضاء الله وما كتبهُ عليها هل عليهِ ذنب إذا لم يدعُو بذالك أي أني لا أدعُو الله بالذُرية لنني راضية بذالك وأرجوا الثواب في الآخرة ؟؟؟
والله يا أُختي لا أنصحُكِ بعدم الدُعاء كونك تكونين راضية لا يمتنع معهُ الدُعاء فإنّ زكريا عليهِ الصلاةُ والسلام لن نكون لا أنا ولا أنت ولا غيرُنا من أهل عصرنا أفضل منه ولا شك أن زكريا كان راضياً بقضاء الله وقدرهِ ومع ذالك دعا الرضا بقضاء الله وقدرهِ منزلة عظيمة لكنني أنصحُكِ أنت تدعو فإذا دعوتي فالإنسان لا يدري أين الخير أكثري من قول ربنا ءاتنا في الدُنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، قولي ربِ هب لي من لدُنك ذرية طيبة إنك سميعُ الدُعاء ، توسلي إلى الله جل وعلا بأسمائهِ الحُسنى وصفاتهِ العُلا وهذا كُلهُ كما أخبرتُكِ لا يتعارض مع الرضا بقضاء اللهِ جل وعلا وقدرهِ أسأل الله بمنّهِ وكرمهِ وسُلطانهِ العظيم أن يمُنّ عليك بالذُرية الطيبة الصالحة .
بارك الله فيكُم هذي أم عبد الرحمن الفارس أرسلت بهذهِ الرسالة تحمل سبع خطوات من أجل قراءة مؤثرة للقرآن الكريم تقول : أولاً أن يقصد القارىء التدبُر والتفكُر وأن يخشع قلبُه ويهتدي بنور القرآن .(2/29)
ثانياً : تعظيم القرآن باستحضار جلالة قدرهِ وعلوّ منزلتهِ وجزيل إنعام اللهِ على من قرأه .
ثالثاً : الاستعاذة بالله من كيد الشيطان فإنّ الشيطان يسعى لصد القارىء من أمرين :
تدبُر كلام الله والتأثُر بهِ ،،، ثانياً : الانتفاع بالتدبُر والاهتداء بهِ .
رابعاً : الحذر من هجر تدبُر القرآن فإنّ ترك الخشوع في قراءتهِ سبب لقسوة القلب .
خامساً : الترتيل والترسُل في القراءة فتكون همّهُ عرض المعاني على القلب عسى أن يتأثر أو يخشع وليس همّهُ متى يختم القرآن .
سادساً : إطالة النظر في مقصُود الآيات .
سابعاً : أن يفرح بتدبُرهِ فإذا تأثر بآية وأنتفع قلبهُ فلا يتجاوز هذهِ الآية حتى تنطبع معانيها في قلبهِ وينشرح صدرهُ بها .
تعليقكُم بارك الله فيكم ؟؟؟
هذا حسنٌ
جميل
لكنني أقول هذهِ الأشياء النظرية محمودة لكن ينبغي أن يقع في القلب أولاً تعظيمُ الله جل وعلا وتعظيم كلامهِ والبُعد عن الكلفة وما ذكرتهُ الأُخت المُباركة في مُجملهِ حسنٌ ومقبول لكن كما قُلت كم من علمٍ نظريٍ يعني قد يعجزُ الإنسانُ عن تطبيقهِ لكن للأعمال الصالحة والخوف من مقام الله وصلاح السريرة وحُسن الطوية دورٌ عظيم في أن يُتقن العبدُ قراءة كلام اللهِ جل وعلا .
نعم بارك الله فيكم معنا اتصال أو مًداخلة تفضل نعم
أعود مرة ثانية إليكُم ريثما يتم الاتصال أو المُشاركة هذا أحد الأخوة ولكن أتواصل معكم حفظكُم الله ولكن لعلي أستعرض بعض الآيات الكريمات إذا سمح الوقت ونحنُ في ختام هذا الوقت والدقائق معدودة لكن يقول الله سُبحانهُ وتعالى (( أفلا يتدبرُون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها )) ما المقصُود بالأقفال حفظكُم الله ؟؟؟
هذا استفهام إنكاري ذكره الله جل وعلا في هاذهي الآيات المُباركة (( أفلا يتدبرُون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها ))(2/30)
الجهل بالله يحجب عن تدبُر القرآن ، سوءُ النية يحجب عن تدبُر القرآن ، ظُلمُ الناس يحجب عن تدبُر القرآن ، يكون الإنسان يجعل من القرآن زاداً دُنيوياً محضا هذا يحجب عن تدبُر القرآن .
تدبُر القرآن منزلة رفيعة يُؤتاها من وفقه الله جل وعلا وفطر قلبهُ على خوف الله جل وعلا وعلم يقيناً أن هذا كلام ربهِ يقول اللهُ جل وعلا (( قُل ءامنوا بهِ أولا لا تُؤمنوا إنّ الذين أُوتوا العلم من قبلهِ إذا يُتلى عليهِم يخرّون للأذقانِ سُجدا * ويقولون سُبحان ربنا إن كان وعدُ ربنا لمفعولا * ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهُم خشوعا ))
تدبُر القرآن الحق ليست قضايا حقائق اللُغة وأسرار البلاغة لكن تدبُر القرآن الحق أن يُورث عملاً أن يُورث قلباً خاشعاً وعيناً دامعة وكبداً رطبة يعرفُ بذالك كُلهِ العبد أين مواطن رضوان الله فيسعى إليها ويعلم منها أي مواطن غضب الله جل وعلا فيفرّ منها فلا يُحبُ أن يراهُ الله حيث نهاه ولا أن يفقدهُ الله جل وعلا حيث أمره إذا وقع هذا من العبد يكون هناك تدبرٌ عظيمٌ لكلام الرب جل وعلا أو فلنقُل قد أحسن هذا العبدُ تدبُر القرآن . نعم **
نعم بارك الله فيكم هذي أم عبد العزيز من جدة حفظكم الله تقول لقد ذكر بعضُ أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى المقامات وجُمع لهُ أعظم صفات الأنبياء من قبلهِ تسأل تقول أرجوا فضيلتكُم تكرُماً منكُم وإحساناً لنا أن تذكرُوا لنا أشرف المقامات التي ذُكر لرسول الله صلى الله عليهِ وسلم أو ذُكر في القرآن الكريم ومنها مثلاً مقام العبودية في سورة الإسراء ومقام التحدي ومقام التنزيل بارك الله فيكم ؟؟؟(2/31)
النبيُ صلى الله عليه وسلم خاتم الرُسل وأفضلُ الأنبياء قال عليه الصلاةُ والسلام " ما من نبيٍ يومئذٍ ءادم فمن سواه إلا وهو تحت لوائي " أعظمُ مقامٍ أعطاهُ اللهُ جل وعلا إياه هو المقام المحمود وقد أشار الله إليهِ في سورة الإسراء بقولهِ (( ومن الليل فتهجد بهِ نافلة لك عسى أن يبعثكُ ربُك مقاماً محمودا ))
هذا أعظمُ المقامات وهي الوسيلة قال عليهِ الصلاةُ والسلام " فهي درجةٌ لا ينبغي أن تكون إلا لعبدِ صالح وأرجوا أنا أن أكون أنا هو "
من دلائل إكرام اللهِ جل وعلا لنبيهِ قول الله جل وعلا (( وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقُ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو أتنا بعذاب أليم )) قال اللهُ جل وعلا يُبيّن مقام نبيهِ عنده (( وما كان الله ليُعذبهُم وأنت فيهم )) وعلى القول بأنهُ أقسم بهِ جل وعلا فهذا مقام رفيع لهُ صلى الله عليه وسلم قال الله في سورة الحجر (( لعمرُك إنّهُم في سكرتهِم يعمهُون )) كما أ، من دلائل اصطفائه جل وعلا أقسم بالأرض التي يطأُها نبيهُ فقال جل وعلا (( لا أُقسمُ بهذا البلد * وأنت حلٌ بهذا البلد )) على وجهِ من أوجه التفسير في معنى كلمة حل .
هذهِ بعضُ المقامات التي أعطاهُ الله جل وعلا نبيهُ الكريم صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ وهو أعلى الأنبياء درجة وأرفعهُم منزلة صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ.
أحيانا الله في الدُنيا على سُنتهِ و أماتنا الله على ملتهِ ونسأل الله أن يحشًُرنا يوم القيامة في زُمرتهِ ...
بارك الله فيكُم فضيلة الشيخ صالح ونحنُ في ختام هذهِ الحلقة عن ماذا تود أن تختم هذهِ الحلقة وهذا الموضع المُهم حقيقةً ؟؟؟(2/32)
نُريد أن نختم بالوصية لأنفُسنا ولغيرنا بتقوى الله فإنّ تقوى الله جل وعلا الزادُ الذي بهِ يسود المُؤمن في أمر دُنياه وأخرتهِ وصّى اللهُ بها خلقهُ أجمعين بلا استثناء (( ولقد وصينا الذين أُتوا الكتاب من قبلكُم وإياكُم أن اتقوا الله )) تكفل الله لأهل تقواه بالأمن ممّا يخافون وبالنجاة ممّا يحذرون وبالرزق من حيث لا يحتسبون (( ومن يتقِ الله يجعل لهُ مخرجا ويرزقهُ من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبُهُ إنّ الله بالغُ أمرهِ قد جعل اللهُ لكُل شيءٍ قدرا ))
نسأل الله جل وعلا أن يرزُقنا وإياكم التقوى وأن يُوفقنا وإياكم لما يُحبُ ويرضى ..
عفواً هذا اتصال ثم نعود نُختم الحلقة تفضل يا أبو أحمد
السلامُ عليكم ورحمة الله
عليكم السلام
أُحييكم وأُحيي فضيلة الشيخ صالح أنا اسمي أحمد أتمنى لكم التوفيق وأدعو لكُم بالتسديد والحقيقة إذا سمحت لي في نصف دقيقة أن يعني أحمد إلى الشيخ صنيعهُ في التفسير لكن سيما أنا أذكُر كلمة للحسن أنا أود من السيخ أن يُعلق عليها الحسن البصري
نعم
لمّا قال إنّ الله أنزل كتابهُ ليُعمل بهِ فاتخذ الناس تلاوتهُ عملا صار مُجرد التلاوة عند كثيرين هو العمل دون تدبُرهُ أو تأمُل في المعنى يعني لمّا نسمع للشيخ وكلامه في تفسير سورة يوسف والمعاني الجميلة التي أثارها وكان الأستاذ خالد يُثيرها معهُ تجعل الإنسان فعلاً يقف عند معاني وآثار عظيمة أنا أدعو لمثل هذا مثلاً حتى في كُل السور التي نُكررُها سورة الكهف التي نقرأُها كُل جُمعة ما هي الدروس والفوائد ولماذا
شكراً(2/33)
السؤال الأخير لفضيلة الشيخ لماذا لا يُوجد كثير من أهل العلم والفضل والذي هُم ذا قُدرة وبلادنا وبلاد المُسلمين تزخرُ بهم ممّن يُحاول أن يُفهم الناس القرآن ليُلامس جرُحهم فيُداويها ويأتي إلى هُمومهِم ويُخففها ويأتي إلى مثلاً سلواهُم فيزيدهُم سعادة وغير ذالك من المعاني التي يحملُها كتابُ الله في دفع الظُلم مثلاً في محبة الخير في نشر الفضيلة أتمنى لكم التوفيق وأُشير وأشدُ على أيديكُم وأدعو لكُم من خالص قلبي الحقيقة بالتوفيق ولفضيلة الشيخ صالح الذي نُشهدُ الله على الهوا أننا نُحبهُ اسأل الله أن يجمعنا وإياها على خير وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهُ
شكر الله لك يا شيخ أحمد شُكراً جزيلاً والله إنّنا إن قيل للإنسان شيء من الفراسة فإنّا لا نُزكيك على الله لكن والله نحسبُك أنك صادقاً فاهماً مُدركاً لما تقول وهذهِ منزلة عظيمة رزقنا الله وإياك إياها وثبّتنا الله وإياك عليها وما دعوتُم إليهِ أيُها الشيخُ المُبارك الفاضل هو الذي يجبُ أن نحمل جميعاً همّهُ يجب أن يفيء الناس إلى القرآن يجب أن يفيء الناس إلى العمل بالقرآن وما نقلتهُ بارك اللهُ فيك عن التابعي الجليل الحسن البصري هي كلمةٌ عظيمةٌ جليلة من رجُلٍ معروف بالصدق والصلاح فيما نُقل عنه رحمةُ الله تعالى عليهِ وهو أبي سعيد الحسن البصري .(2/34)
الذي يعنينا أنه ينبغي أن يفقه الناسُ القرآن ويعملوا بهِ ويعلموا أنهُ لا نجاة للأُمة إلا بكتاب الله وسُنة نبيها صلى الله عليهِ وسلم لكنّهُ إذا وقف الناس فقط عند تلاوتهِ وإتقان قرأتهِ وتنافسوا في ذالك فقط وظنُوا أن ذالك هو المُنتهى فلم يفقهُوا شيئاً فكلامُ الله جل وعلا أو كتابهُ ما أُنزل لنضعهُ في مؤخرة السيارات أو على مكاتبنا أو خلف كراسينا إذا أُلتُقطت لأحدنا صورة أو ما أشبه ذالك كلامُ الله يجب أن يستوطنُ القلوب يجب أن يُعمل بهِ يجب أن يكون هو الحاكمُ على أمرنا كُلهِ وهو المُسيّرُ لنا وما السُنةُ إلا في آيةٍ واحدة قال الله جل وعلا (( وما أتاكُم الرسول فخذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهوا )) لكن لا يُمكن أن يُفقه الكتاب من غير السُنة فهُم مُتلازمانِ تلازُماً تاما " تركتُ فيكُم ما أن تمسكتُم بهِ لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسُنة نبيهِ " كما قال صلواتُ الله وسلامهُ عليهِ .
رزقنا اللهُ وإياك والمُسلمين العلم النافع والعمل الصالح .
بارك الله فيكم يا شيخ صالح وأسأل الله سُبحانهُ وتعالى أن ينفع بكُم وأن يجعل ذالك في موازين حسناتكُم ...
أمين
بودي أن يطول اللقاء ولكن يبدوا أنك على موعد بعد مغرب هذا اليوم بمشيئة الله تعالى في جامع الحسن بن علي في البديعة في مدينة الرياض أسأل الله سُبحانه وتعالى أ يُسدد الخُطى وأن يجعل ذالك عملاً مُباركاً إنهُ على كُل شيءٍ قدير...
اللهم آمين
أيُها الأخوة والأخوات إلى هُنا ونأتي إلى ختام هذهِ الحلقة من برنامج معكم على الهوا آياتٌ وعظات ضيف الحلقة فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس في كُلية المُعلمين في طيبة الطيبة وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة(2/35)
جزا اللهُ الشيخ خير الجزاء وجعل ذالك في موازين حسناتهِ كما نسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بما سمعنا وأن يُبارك لنا في القرآن والسُنة وبما فيهما من الآيات والحكمة وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء هُمومنا وذهاب أحزاننا إنهُ على كُل شيءٍ قدير
اللهم آمين(2/36)
أسئلة الشريط الأول:& أكمل ’أكملي العبارات بما يناسبها،،،،س1:
1/ المهدي من أشراط الساعة الكبرى وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفته "............................................................................
2/ الشيعة الإمامية الإثنا عشرية الموجودون الآن يرون أن المهدي سيظهر لكن لا يقولون كما يقول أهل السنة أن اسمه محمد بن عبد الله الفاطمي الحسني العلوي لكنهم يقولون إنه .....................كما أنهم يقولون إنه هو موجود الآن حي في................... المدينة التي بناها ............. واسمه .............................. وهو آخر الأئمة
........... الذين تؤمن بهم ...........،
3/قال العلماء إن الآثار تدل على أن الدجال يظهر في مرحلة................. بين الناس.
4/الناس في المهدي على ثلاثة أقسام إما ......................................وإما..........................................وإما...........................................................،
5/ العصمة لا تثبت إلا...........و.............. فقط.
6/أحاديثه عليه الصلاة والسلام في الغيب نوع .......وليست نوع ........،
& & &
س2/ ما السر في أن جميع الأنبياء من قبل يحذرون أممهم من الدجال ؟
س3/ قال صلى الله عليه وسلم{سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر قالوا: نعم يا رسول الله...الحديث}
*ما هو قول الشيخ عمر بن سليمان الأشقر في هذه المدينة ؟
س4/ أرشد الشيخ حفظه الله إلى كيفية الخلاص من فتنة الدجال ،،،فكيف ذلك؟
****
أسئلة الشريط الثاني:
&&&&
س1/أكمل ،أكملي ،،،،،
1/ فرقة في الشيعة تسمى ............. يقولون بأن المهدي المنتظر هو.................نسبة إلى أن أمه من................ وهؤلاء كانوا موجودين.................. ،
2/ الناس في السابقين ماختلفوا في أحد كما اختلفوا في عيسى ابن مريم فاليهود يريدون(3/1)
.......... والنصارى .................. والمسلمون قالوا فيه ............................،
3/ يحكم عيسى........... لا ............. لأن الله قال في كتابه".................،
4/ ليس صنيع عيسى بناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لأن شريعته عليه السلام .................................،
5/في زمن عيسى يخرجون قبائل ..........و.................من ردم بناه عليهم.................. ،
6/ يمكث عيسى في الأرض .................،
7/يأجوج ومأجوج عند أكثر أهل العلم من ذرية...................،
& & &
س2/في حديث أبي موسى وغيره عند البخاري قال:" كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعا إلى المسجد يظنها الساعة أو خوفا من اقتراب الساعة فصلى بأطول قيام وسجود وركوع يفعله قط "
ـ أين الإشكال في الحديث؟
ـ وكيف أجاب العلماء عن هذا الإشكال ؟
س3/ من أين تخرج الدابة؟
س4/من الذي يهدم الكعبة ؟ وماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفته؟
****
أسئلة الشريط الثالث،،،
&&&&
س1/أكمل ،أكملي،،،،،
1/ الموت في معناه الحقيقي ...............................،
2/أوصى الصديق رضي الله عنه أن تغسله...........................،كما أوصى أنس بن مالك أن يغسله ...............................،وكان مشهورا بـ.......................،
3/يصلى على الميت كل مؤمن بار أو فاجر إلا ...............أو................... فهذان إمام المسلمين أو من ينيبه الإمام كأئمة الحرم لا يصلون عليهما لكن يصلي عليه............ و..................،
4/ يحشر الناس على .......................لم يعصى الله جل وعلا فيها قط قال الله جل وعلا .........................................................."،
س2/ المرأة لا يغسلها إلا امرأة إلا في حالتين،ماهما؟
س3/ماذا قال ابن تيمية غفر الله له ورحمه في عذاب القبر ونعيمه ؟(3/2)
س4/ اختلف العلماء في قول الله جل شأنه { إلا من شاء الله } من هم المستثنون في الآية؟ س5/كان القرشيون الأوائل ينكرون البعث والنشور جملة مع اعترافهم بوجود الله لكنهم ردوا على النبي $ قوله أن الله يحي العظام وهي رميم وأنه يبعث الموتى فأجابهم الله جل وعلا بثلاثة أدلة تدل على أنه يحي الموتى .ماهي هذه الأدلة؟
****
أسئلة الشريط الرابع
&&&&
س1/أكمل،أكملي،،،،،،
1/ دخول الجنة يستلزم .............. فلا بد أن يسعى الإنسان في ................،
2/ أول هذه الأمة دخولا هو....................ويقول بعض العلماء أن.................... أول المهاجرين هو أول من يدخل هذه الجنة.
3/ سموا العشرة بالعشرة المبشرين بالجنة لأنهم.................،
4/ النيران ثلاثة......................و......................و.......................،
5/الملائكة المذكورين نصا بأسمائهم الصريحة في القرآن خمسة وهم .................و.............و...............و................و................،
6/ من أعظم أسباب دخول النار بعد الكفر هي ............................،
س7/ الشفاعة لأهل النار الكفار ...........لقوله تعالى { .........................}،
لكن استثني ............استثناء ...........وهو يكون أهون أهل النار عذابا بـ................................له،
س2/هل الجن يدخلون الجنة أم لا؟
*ماهي الأقوال في ذلك وبما رد عليهم الحافظ ابن كثير؟
س3/هناك أحاديث عن أقوام ظاهر القرآن أو ظاهر الحديث على أنهم مخلدون في النار ومن أشهرها طائفتان ماهما؟
*****
تم بحمد الله
***المخبتات***
almokhbtat
وصلى الله على نبينا محمد $(3/3)
ألبوم أشراط الساعة
الشريط الثاني
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد ، فنستأنف ماكنا قد بدأناها حول الحديث عن أشراط الساعة الكبرى فنقول والله المستعان . أنا قد بينا مسألة المهدي ومسألة خروج الدجال وبقي أن نعقب عليهما بكلام يسير قبل الكلام عن عيسى ابن مريم عليه السلام ، ذكرنا مذهب أهل السنة في قضية المهدي ومذهب الشيعة الإمامية لكن ينبغي أن يعلم أنه ليس الرأي في المهدي محصورا في هذين الرأيين فيوجد آراء أخرى لكنها غير شائعة غير ذائعة يعمل بها لذلك أعرضنا عنها . منها مثلا فرقة في الشيعة تسمى الكيسانية كانوا يقولون بأن المهدي المنتظر هو ثالث أبناء علي محمد بن الحنفية نسبة إلى أن أمه من بني حنيفة وهؤلاء كانوا موجودين أيام بني أمية لكن لا أظن أن أحدا يحمل هذا الرأي بقي اليوم وإن وجد فليس.... ، ومنهم آنذاك كثير عزة الشاعر المعروف والذي يقول :
آلا أن الأئمة من قريش
حماة الدين أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه
هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر
وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى
يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يُرى فيهم زمانا
بر ضوى عنده عسل وماء(4/1)
ورضوى الجبل المعروف قبل ينبع جهة ديار جهينة هذا الجبل الذي يزعم الكيسانيون أنه فيه المهدي الذي ينتظرون خروجه كما بينا في قضية الدجال أنه يقتل على يد عيسى ابن مريم لكن لايعني ذلك أن الدجال لا يقاوم فإنه يخرج له شاب فيزداد الشاب بالدجال كفرا رغم ما يريه الدجال من الآيات ثم إن الدجال في خاتمة المطاف يقتله . قال صلى الله عليه وسلم : { ذاك أعظم الناس شهادة عند رب العالمين } وممن يحاربه ويقاوم الدجال بنو تميم القبيلة المعروفة وما تزال أسرهم موجوده في نجد وحولها والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرهم قال : هم أشد أمتي على الدجال هم أشد أمتي على الدجال وهذا موضع ثناء منه صلوات الله وسلامه عليه على أهل تلك القبيلة إلى هنا انتهينا وانتهينا في اللقاء الماضي إلى نزول رسول الله عيسى ابن مريم واضعا يديه على أجنحة ملك وقلنا إنه يقتل الدجال بحربة تكون في يده . عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام نبي رسول لا يختلف في هذا أحد من المؤمنين والله جل وعلا جعل هذا النبي الكريم أصلا آية قال الله : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } وقال جبريل عليه السلام كما حكى الله جل وعلا في القرآن وهذا كلام الله في كتابه لما خاطب جبريل مريم { قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله ءاية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا }ولهذا الناس ماختلفوا في أحد كما اختلفوا في عيسى ابن مريم هذا في السابقين وفي هذه الأمة اختلف الناس كثيرا في علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه فالنواصب يعادونه والشيعة يتولونه زيادة عن حقه وأهل السنة ينصفونه وهذا هو الحق مثله مثل عيسى ابن مريم فاليهود يريدون قتله والنصارى يتولونه حتى جعلوه إلها والمسلمون قالوا فيه الحق إنه روح من الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم أنه نبي الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه عيسى عليه السلام أعطاه الله جل وعلا معجزات كان يبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل ذلك بإذن(4/2)
الله كما حكاه الله في آل عمران وحكاه الله جل وعلا في المائدة وهذا النبي الكريم أرادت اليهود قتله ثم إن الله جل وعلا رفعه كما هو منصوص القرآن وألقي الشبهة على غيره أيا كان هذا الشبيه من أتباعه أو من غير أتباعه فاليهود من قتلته ظنته أنه عيسى ثم صلبوه والنصارى آمنوا بأنه قتل وبأنه صلب فداء للبشرية ويقولون إن الله حكم عدل لا يترك خطيئة من غير عقوبة وإن آدم عليه السلام أخطأ بأكله للشجرة وأهبط إلى الأرض وإنه لابد أن يدفع أحد ثمن خطيئة آدم فقالوا زورا وبهتانا وكفرا وتطاولا على الله إن الله جل وعلا أراد أن يخلص بني آدم من خطيئة أبيهم فبعث ابنه ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ فألقى عليه بما يسمى بالناسوت أي ما يقارب الإنس حتى يقتل و يصلب فيكونوا في قتله وصلبه كفارة لخطايا بني آدم فمن آمن بعيسى كفرت عنه خطاياه ويسمى عندهم في ملتهم أو في مذهبهم أو في دينهم المحرف بالتعميد أما النصارى الأولون الذين أثنى عليهم الله في القرآن الذين هم أتباع عيسى الحقيقيون فهؤلاء لاريب أنهم كانوا على الدين الحق لأن النصرانية المحرفة هي التي عليها أتباعها اليوم أما النصرانية الحق هي التي كانت في زمن عيسى ابن مريم {و إذ أوحيت للحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون } فهولاء حواريون أتباع عيسى الذين كانوا معه عليه الصلاة والسلام . رفع عيسى عليه السلام اضطهدت اليهودية النصرانية مرحلة من الزمن ثم بعد تقريبا ثلاثة قرون جيء إلى المكان الذي صلب فيه عيسى على حسب زعمهم الفرقتين وإلا عيسى رفع فجاء رجل أظنه راعي أو غيره فوجد خشبة تمسح بها كأنه كان به مرض فبرئ فدل الناس على المكان في وقتها كانت النصارى لهم سلطان فجاء الإمبراطور أو الملك أو السلطان آنذاك فبنى كنيسة على ذلك المكان فالكنيسة إلى اليوم موجوده في أرض فلسطين يسمى كنيسة القيامة لأنهم يزعمون أن عيسى عليه السلام منها سيقوم مرة(4/3)
أخرى على أنه مخلص وتسمى كنيسة القمامة لأن اليهود كانوا يرمون القمائم عندها إهانة لعيسى وكما قلت هذه الكنيسة موجوده إلى اليوم في أرض فلسطين وهي معظمه وفيها تصاوير وغيرها في هذا المكان يزعم النصارى أن عيسى سيعود مرة أخرى الله جل وعلا يقول : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا*بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما } وقال { وإنه } أي عيسى { لعلم لساعة } أي علامة من علامات وأمارات الساعة ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام ، النبي عليه الصلاة والسلام كانت تأتيه النصارى أيام مكثه صلى الله عليه وسلم في المدينة وكانت تأتيه وفود عدة نصارى و غير نصارى هؤلاء الذين يأتونه أخلاط منهم من يؤمن بالنبي إذا لقيه فينتفع وربما انتفع قومه من وراءه ومنهم والعياذ بالله من لا يقبل ومنهم من يقبل لكن لا يقبل الإسلام يقبل الجزية يقبل الهدنة يقبل السلم مثل نصارى نجران وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه الناس يردون على مورد واحد ويختلف الناس من انتفاعهم بالشئ الواحد رغم أن الكلمة أو الموعظة أو المحاضرة أو الكتاب يقرؤه جم غفير لكن استفادة الناس مما يقرأونه يختلفون فمثلا في قرية موجوده إلى الآن أو محافظة ـ لا يغضبون مني ـ اسمها جواثه في الأحساء أنا مررت عليها لكني لم أزرها هذه المنطقة جاء منها وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا وقبلوا الإسلام وأذن لهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلوا جمعة فلما عادوا إلى ديارهم بجوار الهفوف الآن تقريبا لا تبعد كثيرا عنها بنوا مسجدا وأقاموا جمعة فما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جمعة تقام في الأرض إلا جمعتان جمعه في مسجده صلى الله عليه وسلم ولا تقام جمعه في قباء ولافي القبلتين مسجد بني سلمه آنذاك وتقام جمعه أين ؟ في جواثه فهي ثاني جمعه أقيمت في الإسلام ثم يمكن بعد ذلك كثرت الجمع لكن هي(4/4)
ثاني جمعة في محافظة جواثه وأصحابها وأهلها إلى اليوم يفتخرون بها يقولون :
والمسجد الثالث الشرقي كان لنا
والمنبراني وفصل القول في الخطب
أيام لا مسجد لله نعرفه
إلا بطيبة والمحجوج ذو الحجب
يعني يقولون ماكان فيه مساجد إلا مسجد مكة يصلي فيه من لم يهاجر خفية ومساجد طيبة لا يوجد إلا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، مسجد قباء ، مسجد القبلتين المساجد التي كان موجود مساجد بني الأشهل لكن غيرها لا يوجد في الأرض غير في طيبة غير مكة إلا عندنا وحق لهم أن يفتخروا هذا استطراد في أنهم انتفعوا بقدومهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، نصارى نجران عندما قدموا صلوا جهة الشرق وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنهم لأن النصارى إلى اليوم يعظمون جهة المشرق لأن مريم عندما خرجت من بيت لحم اتجهت مكانا شرقيا كما أخبر الله ثم إنهم الله جل وعلا حتى يدعوهم أثنى أولا على البيت الذي يعظمونه هم يعظمون مريم وكفيلها زكريا وأبوها عمران قال الله جل وعلا : { إن الله اصطفى آدم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين*ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم * إذ قالت امرأة عمران.... } قص الله الخبر حتى يستدر قلوبهم وليبين أن الدين لم يرد به مواجهة الناس وإنما هداية الناس ثم قال الله بعد ذلك : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون*الحق من ربك فلا تكن من الممترين } فلما قام الله عليهم الحجة قال سبحانه : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم.... } وأتت آية المباهلة. الذي يعنينا لكن النصارى أولئك قبلوا الجزية ولم يدخلوا في الإسلام ثم توالت السنون إلى أيامنا هذا ظهرت النصرانية بقوة في أوروبا سينزل عيسى ابن مريم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام ( سينزل عيسى ابن مريم شرقي المنارة البيضاء شرقي دمشق ) وقال : { فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع كأن فيه بلل فيه قطر وإن لم يتوضأ } وهذا بيناه في(4/5)
الدرس الماضي بعد ذلك بعدما ينتهي الدجال يحكم عيسى بالقرآن لا بالإنجيل لأن الله قال في كتابه
{ ومهيمنا عليه } على كل كتاب قبله فيكسر الصليب الذي هو شعار النصرانية المحرفة وقلنا إن الصليب لم يعرف إلا بعد ثلاثة بعد ثلاثة قرون من قتل عيسى فيكسر الصليب الذي هو رمز النصرانية المحرفة ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام ولا يعد هذا الفعل من عيسى نسخا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لأن النبي عليه السلام أخبر أن عيسى سيصنع هذا فالجزية موجوده في ديننا لكن عيسى إنما يعمل بالإسلام لأن النبي أخبر أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب حتى ينزل عيسى فالذي قال إن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب حتى ينزل عيسى هو نبينا صلى الله عليه وسلم فليس صنيع عيسى بناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لأن شريعته عليه السلام آخر الشرائع وناسخه ما قبلها ينزل عيسى . بعد ذلك بفترة يخرج الله يأجوج ومأجوج الناس في زمن عيسى وهذا نؤجل الحديث في يأجوج ومأجوج نتكلم سريعا حتى نتكلم عن الناس في زمن عيسى يخرجون قبائل يأجوج ومأجوج من ردم بناه عليهم ذو القرنين قال الله جل وعلا : { ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا* قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } بنى الردم ثم هؤلاء يخرجون يخرجون بقدر الله في آخر الزمان { حتى إذا فتحت يأجوج مأجوج } وقد تكلمت في هذا المسجد المبارك كثيرا عنهم الذي يعنينا أنهم يخرجون يفروا عيسى والمؤمنون الذين معه إلى جبل الطور يمكث هؤلاء يفسدون في الأرض يشربون بحيرة طبرية يكون منهم ما يكون ثم إن عيسى يدعوا عليهم فيبعث الله عليهم أول الأمر دودا في رقابهم يموتون فرسا جمع فريس مثل قتلى جمع قتيل يموتون كلهم في وقت واحد ثم يبعث الله جل وعلا طيرا تحملهم تلقيهم في البحار ثم ينزل الله مطرا ليس لأهل زرع ولا لأهل ضرع(4/6)
يغسل الأرض من نتنهم ثم ينزل عيسى والمؤمنون الذين معه هنا تطيب الحياة حقا وتمر الأرض كأرض بأفضل أيامها لأن الله يأمر الأرض أن تخرج بركتها كأن فيها ردا والعلم عند الله على ماكان يصنعه الدجال وينزع الله حمة كل ذي حمة أي كل صاحب أذى يخلص منه الأذى يقول عليه الصلاة والسلام : { عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزوا الهند ـ وهذه لا أعلم كيفيتها ـ وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم } لأن هذه الفئة التي تكون مع عيسى ابن مريم يبين لهم عيسى ابن مريم درجاتهم في الجنة مكثوا أربعين يوما يحاربون الدجال عصمهم الله جل وعلا من الدجال فإذا مكن عيسى أخبرهم بدرجاتهم في الجنة ويقول صلى الله عليه وسلم يخبر انصراف الناس عن الدنيا يقول { حتى تكون السجدة للرجل خير من الدنيا ومافيها } لأن المؤمنين آنذاك يرون قرب الساعة لأنهم يعيش بين أظهرهم عيسى ابن مريم وهم على يقين أن الساعة قريبة وأن الأمر حق فهم يرون نبيا من أنبياء الله يمشي بين أظهرهم فيتفرغون للعبادة ولو شغلت أحدهم بالدنيا لم ينشغل لأن الأمور هناك يقينيات وآيات ظاهرة فأحدهم لا يقبل أن يترك السجدة أبدا لأنه يبحث عما يزيد من درجاته في أخراه هؤلاء قلنا ينزع الله حمة كل ذي حمة ثم يمكث عيسى في الأرض أربعون عاما هل هي داخلة فيما مكثه قبل هل هي قبل خروج يأجوج ومأجوج لا أدري لكن قال صلى الله عليه وسلم { أربعون عاما } فيمكث أربعون عاما قال صلى الله عليه وسلم : { طوبى للعيش بعد المسيح } أي بعد أن يؤمن الله جل وعلا للمسيح من يأجوج ومأجوج ثم بعد ذلك يموت عيسى ابن مريم { كل نفس ذائقة الموت } ثم تتوالى بقايا أشراط الساعة سيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى يوم غد تتوالى تباعا حتى تطلع الشمس من مغربها ثم تكون نار تحشر الناس إلى أرض المحشر .(4/7)
هذا ما تيسر إيراده وأعان الله على قوله بإجمال حول أشراط الساعة الكبرى وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العلمين .
" طلو ع الشمس من مغربها "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .(4/8)
فكنا وما زلنا بحمد الله وتوفيقه نتحدث عن بعض أشراط الساعة الكبرى وانتهينا في لقاء الأمس إلى نزول عيسى ابن مريم ثم خروج يأجوج ومأجوج ونعقب على ذلك قبل الدخول على بعض تلك الأشراط أننا نبين أن يأجوج ومأجوج هم بشر من ذرية آدم هذا هو الأصل والله جل وعلا يقول في القرآن عن نبيه نوح { وجعلنا ذريته هم الباقين } فهم أهل العلم من هذه الآية أن الله جل وعلا حصر ذرية بني آدم بعد الطوفان في أبناء نوح ولهذا يقول بعضهم إن نوحا عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية والمشهور عند أهل الأخبار أن نوحا ترك أربعة كنعان ويافث وسام وحام فيقولون إن كنعان هو الذي غرق ولاريب أن أحد أبناء نوح قد غرق بنص القرآن لكن هل هو كنعان أو غيره هذا علمه عند الله جزما لكن هذا المشهور عند أهل الأخبار والسير أن الذي غرق هو كنعان فبقي ثلاثة هم يافث وسام وحام الخلاصة من هذا أن يأجوج ومأجوج عند أكثر أهل العلم أنهم من ذرية يافث ابن نوح على نوح الصلاة والسلام وأن هؤلاء القوم كانوا متشبعين بقضية الهمجية والمقصود بالهمجية هنا ليست اللفظة العامية الدارج وإن كان قريبا لكن المقصود أنهم غير ذوي بناء حضاري فهم يفعلون الشئ لمجرد الفعل كما وجد في بعض العصور من التتار لما دخلوا بلاد الإسلام بعضهم كان يقتل بمجرد القتل وإلا في الحروب بين الدول كفرعون مثلا عندما أراد أن يبطش كان يبطش بطشا حضاريا فكان يقتل الغلمان ويستبقي النساء للخدمة ولما رأى التضرر الأقباط أهل مصر من قتل الغلمان أبقى على بعض الغلمان فكان يقتل عاما ويترك عاما حتى ينشأ خدم للقبط فهذا أيا كان فيه من الإسراف والعلو والفساد في الأرض إلا أن فيه شيئ من حظوظ النفس يعني أبقى لحظ نفسه أما هؤلاء يأجوج ومأجوج ومن في فكرهم فكانوا يقتلون لمجرد القتل لا يتركون أحدا فنقل عن بعض من داهموا مع جنكيز خان وأمثاله أنهم كانوا يقتلون الطفل الرضيع يقتلون المرأة يقتلون الرجل يقتلون الشاب لا(4/9)
يتركون أحدا يقتلون لمجرد القتل ولو كانوا ذوي عقول لستبقوا النساء على الأقل لتمتع بهم وإن كان حراما لكن يدل على أنه هناك شيئ من حظوظ النفس يبحث عنها المرء لكنهم لعدم فقهم لعدم عقلهم يفعلون سفك الدماء لمجرد سفك الدماء الذي يعنينا أن هؤلاء ما يمكن أن يقال عن أن يأجوج ومأجوج من نسل يافث بن نوح في ردم كما بينا بالأمس بناه عليهم ذي القرنين ملك صالح هل هو نبي أو غير نبي اختلف فيه ولا يوجد نص قاطع بل ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لا أدري أكان ذو القرنين نبيا أم لا } الله جل وعلا إذا أراد شيئا هيأ أسبابه فلو علم الناس بمكان يأجوج ومأجوج ولو من باب التطفل الحضاري لذهبوا إليه لكن الله جل وعلا أخفاه قد يقال إنه قريب من ولاية جورجيا في الإتحاد السوفيتي سابقا هذا أكثر ما قاله أهل العلم بالجغرافيا والنظر في الأبحاث لكن يبقى الأمر ظنا ردم عليهم ذو القرنين حتى لا يخرجوا وهم متشغفون والهون للخروج سيأتي عليهم يوم يخرجوا فيه يحفرون كما قال صلى الله عليه وسلم حتى يأتي اليوم الذي قال الله فيه { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون } وقد بينا بالأمس خروجهم ، عيسى بن مريم قلنا إنه بعد خروج يأجوج ومأجوج يطيب العيش بعد المسيح والذي يظهر والعلم عند الله وقلت هذه أمور غيبيه لا يمكن لأحد أن يجزم فيها بشيئ تفصيلا إلا بما دل عليه خبر صحيح صريح عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم لكن نقول إن ظاهر الأحاديث يدل على أن عيسى عليه السلام يستوطن الحجاز لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : { والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم حاجا أو معتمرا من فج الروحاء } فج الروحاء باق إلى اليوم قبل المسيجيد والذهاب إليه حاجا أو معتمرا غالب الظن أن يكون الخروج من أين ؟ من المدينة يكون الإحرام من الميقات من ميقات المدينة لأن لو أراد أن يحج أو يعتمر ابن مريم عليه السلام إلى البيت العتيق من بلد(4/10)
غير المدينة لن يمر بفج ؟ لن يمر بفج الروحاء فعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده } والحديث صحيح {ليهلن ابن مريم من فج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما } أي يجمع بينهما المقصود من هذا هذا أمر يدل على استقراء الأمر في الحجاز على الأقل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم { طوبى للعيش بعد المسيح }وأي أمر يصل إلى تمامه وكماله فهذا في الغالب مؤذن بنقصانه ويقال تقرب زوالا إذا قيل تم تقرب زوالا إذا قيل تم فحتى البدر إذا اكتمل هذا إذن ببدء تناقصه بعد ذلك فعندما تصل البركة في الأرض إلى أنها تنزع حمة كل ذي حمة وأن الإنسان لو أنبت على الصفا لأنبت لو غرس بذر في الصفا حجر ملساء لأنبتت لأن الله يأمر الأرض أن تخرج بركتها لا يبقى بعد ذلك شئ ينتظره الناس يبقى الناس في الزوال فتأتي أشراط وعلامات أخر يموت عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ثم يبدأ فناء الكون كما قلت تدريجيا سنذكر بعضا من أشراط الساعة الكبرى وأنا لا ألتزم بقضية تقصي مسألة الترتيب لأنني قلت أن العنوان في الدروس بعض أشراط الساعة الكبرى من أهمها طلوع الشمس من مغربها الشمس معلوم أنها خلق من خلق الله الله يقول في القرآن { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } وطلوعها من المشرق وغيابها في المغرب أمر متحقق يراه كل ذي عينين منذ أن كان الناس وقد حبسها الله ليوشع ابن نون كما في الخبر الصحيح يقول شوقي :
قفي يا أختا يوشع أخبرينا
أحاديث القرون الغابرينا(4/11)
هذا شاعر أديب ينظر إليها نظرة أدبية يقول أنتي في علو والأحداث تقع في الأرض وأنت تراقبينها فأنت أعلم بما وقع من أحداث وخطوب وجرى في قصص التاريخ تحت منظرك وعينيك الغاية من هذا أن الشمس خسفت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كسفت في عهد النبي كما في حديث أبي موسى وغيره عند البخاري أبو موسى رضي الله عنه صحابي معروف لما عبر قال كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعا إلى المسجد يظنها الساعة أو خوفا من اقتراب الساعة فصلى بأطول قيام وسجود وركوع يفعله قط الذي هو صلاة الكسوف.
ـ أين الإشكال في الحديث؟
الإشكال أبا موسى رضي الله عنه عبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة وأبو موسى صحابي جليل لايمكن أن يتجرأ أن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة دون أن يرى شيئا في النبي صلى الله عليه وسلم جعله يجزم بهذا القول وهو أن النبي ظنها أن تكون الساعة.
ـ كيف أجاب العلماء عن هذا ؟(4/12)
بعضهم يقول إن النبي يعلم أنها ليست الساعة لكنه قام فزعا خشي أن تكون الساعة لأن الله جل وعلا لم يخبره بعد بعلامات الساعة وهذا التخريج ممكن أن يكون مقبولا لولا إشكال آخر والإشكال الآخر يقول إن خسوف الشمس أو كسوفها التعبير كلاهما صحيح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم وإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم اتفق أهل الأخبار على أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة أي أن هذا الحدث بتعبير موجز وقع متأخرا جدا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فيبعد أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن قد علم بعد بأشراط الساعة ولا أخبر عنها وإنما قال الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه وهو قول نجد أنه الأقرب الأقوال إلى الصواب قال : لعله صلى الله عليه وسلم قام فزعا أن تكون هذه مقدمة لأشراط الساعة كطلوعها من مغربها لأنه إذا ظهر علامة كبرى منها فإن تتابع الباقي يكون على أثرها يعبر عنها العلماء بأنها كالسُبحة إذا انفطرت تتابع خرزها الذي يعنينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعا وهذا مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم عظمة قيام الساعة وقد قلنا فيما مضى أن العبرة من هذا التدريس والخوض في أشراط الساعة ينبغي أن يكون في المقام الأول أن يبعث الإنسان على العمل الله يقول : { والذين ءامنوا مشفقون منها } أي من وقوع الساعة بخلاف الذي لا يؤمن بها أصلا لو أخبرته ما أخبرته عن الساعة لا يبالي ولا يسعى إلى عمل وإنما العبرة بالعمل لأن الذي عليه مدار النجاة هو الإيمان والعمل الصالح بعد رحمة الله تبارك وتعالى.(4/13)
تطلع الشمس من مغربها الله يقول : { يوم يأتي بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} عندها تنقطع مسألة التوبة فلو أن أحدا تاب وندم وفزع ورجع فهذا لا يقبل نسأل الله العافية كما أنه وهذا على وجه العموم لاتقبل التوبة إذا بلغت الروح الحلقوم فإن الله جل وعلا لا يقبلها من صاحبها لأنه قد عاين الموت ورءاه ومن رأى الموت عيانا وغرغرت روحه وبلغت الحلقوم لو تاب لا يقبل الله جل وعلا توبته نعود لقضية الشمس فإذا طلعت من المغرب ورآها الناس من المغرب لم يبقى شئ يمكن أن يخوفوا به أو علامة أو أمارة تدل على قربها أعظم من هذا فربما آمن أقوام فلا يقبل الله جل وعلا إيمانهم يتبع ذلك أو يسبقه لا ندري على التحديد خروج الدابة الله يقول : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } وقوله تبارك اسمه وجل ثناؤه تكلمهم هذا صريح واضح جداً في أن هذه الدابة تخاطب الناس وجاء في حديث صحيح أنها تسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون أي يكبرون طبعا ينقطع أثرها فيأتي الرجل يشترى الثوب فيسأل ممن اشتريته؟ فيقول اشتريته من ذلك الموسوم أي من ذلك الرجل الذي عليه وسلم على خراطيمه أي على أنفه فتسم الناس تسم المؤمن أو تسم الكافر أي تميز أهل الكفر من أهل الإيمان ولاريب أن هذه علامة كبرى جداً تدل على قرب قيام الساعة.
ـ من أين تخرج ؟
لم يرد نص صريح لكن نقل عن ابن عمر إن صح السند أنها تخرج من جبل الصفا وهذا إن صح الإسناد فقول ابن عمر أحب إلينا من قول غيرهم وإن لم يصح الإسناد والعلم عند الله فالله أعلم من حيث تخرج لكن أياً كان الأمر فإن الله أخبر بخروجها ونحن نؤمن بخروجها لأن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك. ـ من علامات الساعة الكبرى هدم الكعبة.(4/14)
والكعبة رفع قواعدها خليل الله إبراهيم كما هو معلوم.وجعل الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا كما جعل توحيده حرزا للناس وحصنا هذه الكعبة تبقى شامخة يحجها الناس تعرضت في القرن الرابع إلى القرامطة لكنهم لم يهدموها إنما سلبوها الحجر الأسود ومكث عندهم عشرين عاما إلا أيام ثم أعيد الحجر على مشهد من الناس والعلماء عرفوه ورد الحجر مكانه وأهل التاريخ يقولون إن الحجر حمل إلى هجر إلى البحرين المقصود بالبحرين شرقي المملكة الآن بالتعبير القديم هذه الحجر حمل على عشرين أو أربعين جملاً حتى وصل به إلى تلك المنطقة وعندما أعيد أعيد فقط على جمل واحد بقى قادرا على السير من تلك المنطقة إلى مكة والآن أنتم تقبلون الحجر وأنا هذا قلت هذا في دروس كثيرة في القنوات وفي غيرها الآن الموجود الحجر مقسم حوالي خمس أو ثمانية قطع مثل التمر تقريبا زي التمرة يكبر ويصغر لو دققت النظر في نفس الحجر تجده قطع أشبه تماما بالتمرات لكنها تقل وتكبر من واحدة إلى أخرى مجموع ما هو فيه على علمي الآن أنها ثمانية قطع هي ما تكسر جمع في إناء واحد في غلاف واحد في إطار واحد ثم وضع في جوف الكعبة أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الكعبة تهدم يهدمها ذو السويقتين من أرض الحبشة قال عليه الصلاة والسلام { كأني أنظر إليه أصيلعا أفيدعا يستخرج كنوزها ويسلبها حليها يهدمها حجرا حجرا } وهذا يقع بقدر الله لأن قلنا إن الأمور إلى زوال فتهدم فلا يحج إلى البيت بعد ذلك ولا يعتمر فلا يبقى إلا شرار خلق الله عبادة الله مرتبطة بالعلم الناس إذا كانوا في جهل لا يمكن أن يعبدوا الله فإذا وجد علم عبد الله هذه الأحداث يكون بسببها بلا شك موت العلماء فقد العلم لا يوجد تدريس إذا الكعبة تهدم فلا يوجد تدريس لا يوجد علم فإذا لا يوجد تدريس لا يوجد علم لا يوجد شيء يعبد الله به لأن الله جل وعلا يعبد على بينه وإنما يبقى أشياء بسيطة من الدين فيبقى أناس لا يعرفون من الدين إلا(4/15)
كلمة لا إله إلا الله فقيل لحذيفة رضي الله عنه تنفعهم هذه ؟ قال نعم تنفعهم لماذا تنفعهم ؟ لأنهم أصلا لم يبلغهم من الدين إلا لا إله إلا الله وهم يقولون لا إله إلا الله لكن حتى الصلاة لا يصلون ليس معنى أنهم لا يصلون يعرفون الصلاة ولا يصلون هذا لا يعقل بل يعتبر كفرا عند بعض العلماء لكنهم لم يبلغهم شيء أن هناك شيئا اسمه صلاة لكن بلغهم من دين الله لا إله إلا الله ثم حتى هؤلاء يموتون تقبض أرواحهم فتعبد الأوثان من جديد يقول عليه الصلاة والسلام " تضطرب إليات نساء دوس عند ذي الخلصة" هذه الخلصة/ صنم كان دوس تعظمه في الجاهلية ودوس الآن أنا كنت فيها في الصيف الذي مضى عامره بالطاعات فيها حلقات تحفيظ وفيها مخيمات وألقيت فيها ولله الحمد دروس وأتاها غيري من الفضلاء من العلماء وغيرهم عامره بالإيمان والطاعات ونشر الدين لكن هذا مثل ضربه النبي $ ليس الوثنية محصورة في دوس وإنما ستعم لكن النبي $ ضربه لشيوع وثنيتهم في آنذاك في الجاهليه قبل بعثه النبي $ الذين منهم عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الصحابي الجليل المعروف الذي يعنينا يعود الناس لعبادة الأوثان ومع ذلك يقول $ { أنهم في خير وعافيه } يعني يرزقون يعجل الله لهم طيباتهم يرزقون ويمطرون ويغاثون وهم في رغد من العيش رغم أنهم يعبدون الأوثان فلا يجري عليهم أحكام من عصى الله يعذب في الدنيا لأن الأمر إلى زوال ثم تحدث أمور وأمور يطوى وش الإسلام كما قلنا ويرفع القرآن في ليلة وتهدم الكعبة هذا قبل أو بعد كل هذا متقارب بعضه من بعض حتى يأمر الله ملكا من ملائكته يقال له إسرافيل وهو الآن قد أصغى أذنه وحنى رقبته والتقم الصور بيده ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ فيأمره الله فينفخ فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم يأمره بعد أربعين يوما أو سنه أو شهرا أن ينفخ فينفخ فيقوم الناس لرب العالمين وهذا إنشاء الله سنتكلم عن الموت والبعث والنشور هذا ما تيسر(4/16)
إراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين ....
( الموت )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فنستأنف ما مكنا قد توقفنا عنده من بعض أشراط الساعة الكبرى وانتهينا إلا أن الله جل وعلا يأمر ملكا يقال له إسرافيل أن ينفخ في الصور فينفخ فتلك نفخة الصعق لكننا لا نستطيع أن نتجاوزها ونتكلم عن البعث والنشور دون أن نتكلم عن الموت لأن من مات فقد قامت قيامته ختم الله لي ولكم بخير على أننا نستصحب أن نحن نتحدث في هذا اللقاء تحدثاً علميا معرفيا لا تحدثا وعظيا في المقام الأول فنقول وبالله التوفيق:
الموت باختصار انقطاع تعلق الروح بالجسد والله جل وعلا خلقنا أجسادا وأرواحا أبونا آدم خلق جسدا قبل أن يخلق روحا فيما هو ظاهر القرآن لأن الله جل وعلا نفخ فيه بعد أن خلقه جسدا وأخرجنا من ظهره أرواحا فكنا في عالم الأرواح الأول أما بنوا آدم الذين ينسبون إليه فإن الله خلقهم أجسادا قبل أن يخلقهم روحا فإن الإنسان يكون جنينا في بطن أمه حتى إذا تم له أربعه أشهر أمر ملك أن ينفخ فيه الروح فما الموت قلنا؟(4/17)
بانقطاع هذه الصلة التي بين الروح والجسد وإلا الروح نفسها يعني لا تذهب ذهابا كليا إنما تخرج من الجسد فإذا خرجت من الجسد خروجا كليا سمي هذا موت فأصبح هذا الجسد لا حراك فيه البته ولا تجري عليه أقلام التكليف التي تجري على من الروح مقترنة به فما كان له من أموال أو عقار أو ما إلى ذلك لن يكون في سلطانه وينقطع بذلك عمله إلا ما استثناه الشرع كما قوله $ { صدقه جاريه و علم ينتفع به وولد صالح يدعو له } وأمثال ذلك قال عليه الصلاة والسلام { إن الروح إذا صعد تبعه البصر } الذي يعنينا أيها المباركون هذا الموت باختصار هذه الساعة لا بد منها تسمى اللحظات التي قبلها تسمى سكره قال الله في القرآن { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } ما كنت منه تحيد: أي ما كنت منه تفر وهذا يدل على أن النفوس جبلت على أنها في الأصل تحاول الفرار من الموت يعني لا يذهب أحد إلى الموت طواعية ولهذا قال الله { ذلك ما كنت منه تحيد } ساعة كنت تحيد عنها لكن لابد من إتيانها هذه الساعة ضرب الله لها موعدا لايمكن أن يؤخر ولايمكن له أن يقدم { فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون } وهذا يعطي الإنسان نوعا من الطمأنينة لأن الموت نفسه هو واق للإنسان لأن الإنسان لايمكن أن يموت قبل حلول أجله أبدا هؤلاء الذين كلفوا بوضع الروح في الجسد قلنا إنه ملك فكذلك الذي ينزعها ويقبضها ملك إلا أن الأول الذي يضع الروح لم يذكر في القرآن أوفي السنة أنه له أعوان أما الآخر وهو ملك الموت فقد جاء في القرآن والسنة ما يدل على أن له أعوانا قال الله جل وعلا : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } { وقال حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } فقوله سبحانه {رسلنا} دلالة جمع وهو ملك له أعوان . يبقى الجسد هذا الجسد إذا قبضت منه الروح قلنا أصبح لاحراك فيه ولذلك لا يضره شيء . قالت أسماء بنت أبي بكر لعبد الله بن الزبير لما ذكر لها في(4/18)
حربه مع الحجاج أنه بلغه أن الحجاج يمثل بقتلاه قالت يابني وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها لأن الجسد إذا خرجت منه الروح لا يضره شئ أيا كان فهذا الجسد له عالم منفك عن عالم الروح ثم تعود الروح تتصل إليه وهو في حياة البرزخ لكن قبل أن تتصل فيه السنة أن تغمض عينا الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض عيني عثمان بن مظعون وقبله وبكى قالت عائشة حتى رأيت الدموع تسيل والصديق رضي الله عنه قدم من موطنه بالسناح لما بلغه موت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل دار ابنته عائشة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم فعرف أنه ميت فقبله وهو يبكي فتقبيل الميت مشروع جائز بل قد يصل إلى أن نقول أنه سنة في بعض الأحوال لفعل النبي $ وفعل أبي بكر . قلنا تغمض عيناه ثم بعد ذلك يجرد من ثيابه التي مات فيها ويغسل وهذا فيه تكريم للميت قال الله {ولقد كرمنا بني آدم } فكرمهم وهم أحياء بما يليق بهم وكرمهم جل وعلا وهم موتى بما يليق بهم وقال الله {ثم أماته فأقبره}وغسل الميت فرض كفاية وأولى الناس بغسل الميت وصيه أي من وصى الميت أن يغسله وقد أوصى الصديق رضي الله عنه وأرضاه عند موته أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وأنس بن مالك رضي الله عنه أوصى عند موته أن يغسله محمد بن سيرين معبر الرؤى المعروف وكان يومها مسجونا محمد هذا ثم أخرج من السجن فغسل أنسا رضي الله عنه ثم أعيد به إلى السجن وإذا خرجنا في استطرادا يعني قلنا الكلام معرفي محمد بن سيرين هذا كان يعبر للناس الرؤى ويقول يحصل كذا ويحصل بقدر الله وإن صدقت رؤياك يحصل كذا فيقع بقدر الله فجاءه رجل ذات يوم قال رأيت أحد الرجال في ساقه نبت شعر فقال محمد بن سيرين وهو لا يدري فيمن رأت الرؤيا يعبر عن الرؤيا أيا كانت المرئية فيه قال هذا رجل يركبه دين فيسجن فيموت في سجنه هذا رجل يركبه دين فيسجن بسبب الدين ثم يموت في سجنه فقال له السائل لقد رأيتها فيك يعني رأيت في المنام أنك أنت محمد بن سيرين(4/19)
نبت على ساقك شعر فوقع الذي عبر به سجن ركبه دين ثم سجن ثم مات رحمه الله تعالى عليه في سجنه في أيام سجنه مات أنس بن مالك وكان أنس يعرف صلاح محمد بن سيرين وأنس ممن عُمِّر من الصحابة يظهر أنه في وقته لم يكن في بلدته أحد كثير من الصحابة فأوصى أن يصلى عليه التابعي الجليل محمد بن سيرين موضع الشاهد أن الميت أولى الناس بغسله من وصى الميت أن يغسله أما إذا رجعنا للشرع يعني إذا لم يكن الميت قد أوصى فلا شك أن عصبته الأب ثم الجد ثم الابن ثم باقي العصبة الأقرب فالأقرب والنبي عليه الصلاة والسلام لم يوصي من يقوم بغسله فغسله أهل بيته علي والعباس وابناه قثم والفضل وأسامه لأنه مولاه وشقران لأنه مولى و أوس بن خولي قلنا أنه أنصاري دخل غسل النبي $ شهد الغسل لكنه لم يباشر ثم بعد ذلك يكفن واستطراد فقهي كذلك الذكر والأنثى لا يجوز لأحدهما أن يغسل الآخر إلا في حالتين في حالة الزوج والزوجة فيجوز للزوجة أن تغسل زوجها كما قلنا أن أسماء غسلت أبا بكر ويجوز للرجل أن يغسل زوجته ولا أعلم أن هذا وقع لكنه جائز شرعا لأن النبي $ أخبر به عائشة كذلك الحالة الثانية إذا كان أحد الميتين ذكرا كان أو أنثى كان دون سبع سنين فيجوز أن تغسله امرأة أو يغسله رجل لأنه مادون سبع سنين لا يعتبر أن له عورة يخشى من نظر الآخر إليها إذا غسل الميت كفن فإذا كفن يستحب أن يكفن في أثواب بيض و أن تكون جديدة إلا شهيد المعركة الذي يموت في أرض المعركة فهذا لا يغسل ولا يصلى عليه و إنما يدفن بثيابه لأن النبي $ دفن شهداء أحد بثيابهم المبرجه بدمائهم وقال أنا شهيد على هؤلاء ولم يصلي عليهم $ ولم يكفنهم قلنا إلا شهيد المعركة كذلك السقط يصلى عليه وسيأتي الوصول إلى الصلاة ثم قلنا يكفن ثم بعد ذلك يدفن إما لحدا وإما شقا واللحد أفضل ومعلوم أن اللحد يكون تجويف في القبر وأيا كان الميت ذكرا كان أو أنثى وأيا كان القبر لحدا كان أو شقا بعد الصلاة عليه يوجه به(4/20)
إلى القبلة لأن النبي $ ذكر البيت الحرام بعد أن ذكر الكبائر قال {واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا }فقوله عليه الصلاة والسلام في البيت الحرام قبلتكم أحياء أي حال الصلاة حال الدعاء وقوله أمواتا لم يتبقى إلا حال الإحتضار وحال الدفن والبراء بن معرور رضي الله عنه وأرضاه لما مات أوصى من حوله أن يوجهوه للقبلة وأوصى بثلث ماله للرسول $ فلما مات وبلغ النبي $ هذا الخبر قال عليه الصلاة والسلام أصاب الفطرة أصاب الفطرة في أنه اختار أن يوجهه إلى القبلة ورددت ثلث ماله عليه أي لم يقبل $ ذلك حتى ينتفع به أهله نعود إلى ما كنا عليه نقول بعد التكفين يصلى على الميت والصلاة على الميت فرض كفاية فالميت إن كان صغيرا لا يدعى له بالمغفرة لا يستغفر له لأنه شافع غير مشفوع فيه لأنه شافع غير مشفوع فيه هو يشفع لأهله ولم يجري عليه قلم التكليف حتى تكون هناك ذنوب فيستغفر له وأما إن كان كبيرا فلا شك أنه حري بأن يستغفر له وما أحوجه إلى ذلك وقد جاءت في ذلك أدعيه المقصود منها جملة الاستغفار للميت وقد قلنا إن الشهيد لا يصلى عليه ويصلى على غير ذلك من موتى المسلمين أيا كان حالهم قبل الوفاة إن كانوا من أهل الإسلام يصلى عليهم ثم يدفنون وقلنا إن اللحد أفضل من الشق والنبي $ وضع في لحد تنصب ألبنة لبن على اللحد والنبي عليه الصلاة والسلام نصبت عليه تسع لبنات في قبره هذا المشهور ثم يحثى التراب على القبر بعد الصلاة عليه في هذا يكون الميت قد وُوري جسدا قال الله جل وعلا { ألم نجعل الأرض كفاتا*أحياء وأمواتا } والكفت في اللغة الضم والجمع هذه رحلة الجسد إلى مثواه الأخير أما رحلة الروح قلنا سيأتي في الحديث عن حياة البرزخ لينجم عن هذا كله الذي قلناه سردا سريعا أن الموت حقا لا مناص منه لكن الإنسان عند لحظات الموت عند الشعور بخروج الروح يصيبه شيء من التشبث بالحياة والتعلق بها لذلك الذين يعنون بالتحقيق في القضايا الجنائية(4/21)
التي يكون فيها انتحار يرون أحيانا إن كان الوضع الأمني يساعد أن الميت يحاول أن يرجع مرة أخرى عن قراره بالانتحار يرى بعض العلامات الدالة أمنيا على أن الميت حاول أن ينثني عن قراره لأنه إذا شعر بخروج الروح يتشبث بالحياة يصيبه شيء من الندم على صنيعه لكنه يكون قد دخل في عالم الموت ولا يسعفه الوقت أن يتراجع نقول الله جل وعلا جعل الدنيا مزرعة للأخرة قال الله تعالى عن عباده { يا ليتني قدمت لحياتي } فحتى لا يصيب الإنسان ندم ما دام في دار عمل يسعى في السعي الحثيث من الإكثار من الحسنات والاستغفار من السيئات حتى يلقى الله والله جل وعلا راض عنه والعرب تقول في كلامها : إن الندامة أربعه أحوال أو أربعه أمور :ـ(4/22)
ندامة يوم وندامة عام وندامة عمر وندامة لا تنقطع أبدا أما ندامة اليوم فيقولون إن الرجل يخرج وبإمكانه أن يتغدى في بيته على سنن العرب قديما يتغدون أكله واحده فيقول أجد من يضيفني أجد صيدا فيخرج ولا يتغدى فإن لم يجد غداء فيصيبه ندم على أنه لم يتغدى في بيته لكن هذا الندم لا يستمر أكثر من يوم إذا عاد غدا إلى بيته طعم وأكل فذهب الشيء الذي كان خائفا منه ثم يقولون ندم سنه ندم سنه تنطبق على المزارعين الزرع له إبان له وقت يزرع فيه فإذا جاء مزارع ولم يزرع الزرع في وقته فإنه يندم لأنه لم يستطيع أن يزرع تلك البذرة إلا في العام القابل في مثل تلك الأيام التي فرط فيها فهذا ندامة سنه يقولون ندامة عمر رجل تزوج امرأة ولم يجدها موافقة له وليس بإمكانه والناس يختلفون تطليقها فيبقى صابرا عليها العمر كله حتى يفرق بينهما الموت يموت أحدهما قبل الآخر ة وهذه الثلاث كلها فيها جبر على قول العامة يبقى الندم الذي لا ينقطع أبدا وهو ندم المرء عياذا بالله يوم القيامة على ما فرط في جنب الله فهذا الذي لا ينفع فيه التحسر ولا ينفع فيه الصبر { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } والله تبارك وتعالى حذر من هذا وقال { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون*إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون } فنقول إن الدنيا مزرعة للآخرة ينبغي للمؤمن أن يحصد العمل في رمضان وفي غيره حتى يلقى الله جل وعلا وقد كثرت حسناته وخفت سيئاته ويصبح أقرب إلى الفلاح منه إلى الخسران كذلك معرفة الإنسان أنه لن يموت قبل أجله هذا يدفعه كذلك لأن يبني إلى نفسه مجدا والمتنبي يقول :
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم(4/23)
الإنسان إذا كان يتوقع الحوادث ويخافها ويهابها لن يصل إلى مقصوده سيموت قبل أوانه إذا كان يتوقع الحوادث يتوقع الموت يصيبه الهلع والفزع هذا يموت قبل أن يموت حقا يموت كل يوم حتى يأتي اليوم الذي يموت فيه .
ودع التوقع للحوادث إنها
في الحي من قبل الممات ممات
يعني من قبل الممات الحقيقي تعد ممات .
واجعل رجائك دون يأسك جنة
حتى تزول بيأسك الأوقات
لولا مغالطة النفوس عقولها
لم تصفوا للمتيقظين حياته
الإنسان أحيانا لابد له من أن يتغافل في أشياء تقع على أنها لم تقع قيل للإمام أحمد أن فلانا يقول : تسعه أعشار العقل في التغافل قال أخطأ بل العقل كله في التغافل فيه ثمة أشياء لو يدقق فيها الإنسان لن يمشي خطوتين في الحياة لكن الإنسان يأخذ بالأسباب الظاهرة ويتوكل على العلي الكبير ويمضي ولن يقع إلا ما قدر الله وما كان لك سيأتيك على ضعفك وما لم يكن لك لن تناله بقوتك نعود لقضية الموت قلنا هذه رحلة الجسد رحلة الروح أرجئ الحديث عنها إن شاء الله تعالى إلى يوم غد لأنها متعلقة بحياة البرزخ لكن الذي يعنينا في هذا المقام قبل فناء تحكمنا في أجسادنا أن مازال الإنسان في دار عمل والله جل وعلا أنسأ له في الأجل فيسعى في كل عمل صالح رشيد يلقى به ربه تبارك وتعالى وفقني الله وإياكم لذالك وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله
سائلين المولى عز وجل الإخلاص في القول والعمل
***المُخبتات***(4/24)
ألبوم أشراط الساعة
الشريط الثالث
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي.
"حياة البرزخ"
إن الحمد الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .(5/1)
فنستأنف ما كنا قد انتهينا إليه من أشراط الساعة وقلنا بعد ذلك إننا سنتكلم عن الروح والجسد لأن الجسد الروح هما اللذان بهما يحيا الإنسان فالله جل وعلا خلقنا أرواحاً وأجساداً فنقول لكل من الجسد والروح اتصال والموت في معناه الحقيقي انفصال الروح عن الجسد فإذا انفصلت الروح عن الجسد انفصالا كلياً هذا الموت الذي يعني الانتقال من دار إلى دار ومن مرحلة إلى مرحلة فالله جل وعلا خلق خلقه أطوار طور وهم أجنه في بطون أمهاتهم وطور في الحياة الدنيا وطور في حياة البرزخ وطور يوم يقوم الأشهاد وهذا هو يوم الخلود الأبدي أما رحلة الجسد فتبدأ بخروج الروح فإذا خرجت الروح أصبح الجسد لاحراك به لا يضره شيء فالسنة عندها أن يغمض عينا الميت فإذا غمضت عينا الميت كذلك يوضع شىء ثقيل على بطنه حتى لا ينتفخ ولو شد لحييه لكانا حسنا حتى لا يتغير هيئته ولا يحسن النظر إلى الميت لأنه ينتقل إلى حالة أخرى من التكوين والتصوير فلا ينطبع في الأذهان شيء ثم بعد ذلك جاء الشرع بفرض الكفاية وهو غسله وتكفينه ويتولى غسله قرابته نبدأ بالعصبة أبوه ثم جده ثم ابنه ثم باقي العصبة إلا إذا كان الميت قد أوصى فإن تغسيل الميت حق للميت فإذا أوصى الميت أن يغسله أحداً سما أحد بعينه فيقدم هذا الأحد الذي أوصى به الميت ولو كان ولو كان بعيدا وقلن إن الصديق رضي الله عنه وأرضاه أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس كما أن أنسا رضي الله عنه خادم رسول الله $ أوصى أن يغسله محمد بن سيرين وقلنا إن محمد بن سيرين هو أحد أئمة التابعين كان مشهورا بتعبير الرؤيا وهذا من الاستطراد وأنه رأى فيما يرى أنه جاءه رجل فقال له أيها الإمام أنني رأيت فيما يرى النائم رجل ما ولم يسمه وهذا الرجل نبت في ساقه شعر فما تأويل الرؤيا فقال محمد بن سيرين هذا رجل يركبه دين ثم يسجن ثم يموت في سجنه فقال له الرجل الرائي قال له رأيتها فيك فوقع الذي حكاه محمد في التعبير والتأويل فركب(5/2)
محمد بن سيرين دين ثم سجن ثم مات في سجنه في فترة سجنه مات أنس فأخرج من السجن وقام بغسله ثم أعيد إلى سجنه والساق وهذا استطراد آخر الله جل وعلا يقول في القرآن : { يوم يكشف عن ساق } وقال : { كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق } والعرب تقول :
كشفت...... عن ساقها أو عن سوقها
وأياً كان المعنى من هذا أخذ العلماء أن الساق في الرؤيا في المنام تدل على الكرب والأمر والهول العظيم الذي يعنينا في هذا المقام أن الإنسان وصيه أولى بتغسيله من غيره ثم بعد غسله يكفن ولا يكون هناك إسراف في الكفن لكن يكفن في ثلاث أثواب إن كان رجلا وفي خمسة إن كانت امرأة تكون بيضاء يندب أن تكون بيضاء ونقية إما جديدة وإما مغسولة ثم يصلى عليه والصلاة على الميت من فروض الكفايات يلح الإنسان ويصدق في الدعاء للميت بحاجته إلى ذلك ويصلى على كل مؤمن بار أو فاجر إلا الغال من الحرب الذي يسرق من نائم أو من قتل نفسه فهذا إمام المسلمين أو من ينيبه الإمام كأئمة الحرم هؤلاء لا يصلون على هؤلاء لكن يصلي عليهم قراباتهم وعامةالمسلمين يصلون ومن قتل في حد كمن زاني رجم أو قاتل نفس قتل قصاصا أو ما أشبهه ذلك فهذا يصلى عليه حتى الإمام يصلي عليه لكن من قتل نفسه أو غل من حرب هذا لا يصلي عليه الإمام أو ذوي الهيئات أشراف الناس وكبار العلماء لا يصلون عليه لكن يصلى عليه عامة الناس وقرابته زجرا لغيره أن يصنع صنيعه ثم ينتقل الجسد إلى مرحلة أخرى وهي مواراته التراب الله يقول : { ثم أماته فأقبره } وقال : { ألم نجعل الأرض كفاتا*أحياء و أمواتا } سواء كان لحد أوشقا كل ذلك يصح المهم أن يوجهه إلى القبلة لقوله عليه الصلاة والسلام لما ذكر الكبائر قال {واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء و أمواتا } فيقرب الميت إذا كان القبر لحدا من جدار القبر القبلي ويوضع خلفه شئ من التراب حتى لا يرجع على ظهره يقرب من الجدار القبلي يلصق(5/3)
به قليلا بعد أن تحل أربطة الكفن ولا يكشف عن رأسه ثم تلصق ألبنة على الحد حتى لا يقع التراب عليه مباشرة ثم يحثى التراب على القبر كذلك فعل بنبينا $ ونصب عليه تسع لبنات صلوات الله وسلامه عليه . والقبر كلما كان أشبه برأس الخيمة مسنم أشبه برأس الخيمة أفضل من أن يكون مسطحا ما يصنع في بعض البلدان من إقامة الأضرحة والمشاهد على القبور كل هذا منهي عنه شرعا محرم لا يجوز أبدا فعله لا لعلي من الناس ذوي قدر كالرؤساء وغيرهم ولا من ولا لغيرهم من العامة وإنما يرفع القبر قليلا ليدل أنه قبر ولذلك المسلم إذا مات في بدار حرب لا يرفع قبره حتى لا يعرف أنه قبر حتى لا يتسلط عليه الأعداء فينبش قبره وإنما يسوى قبره بالأرض حتى لايمكن العدو من الوصول إليه غسل الميت مر معنا قلنا المرأة لا يغسلها إلا امرأة واستثنينا حالتين :(5/4)
الحالة الأولى / الزوج والزوجة فإنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها ويجوز للزوج أن يغسل زوجته وحديث أبي بكر الذي مر معنا أنه أو صى أن تغسله أسماء بنت عميس وأبو بكر رضي الله تعالى عنه جاء في وفاته روايتان رواية تقول : أنه حمى اغتسل في يوم بارد ثم أصابته الحمى فمكث مريضا خمسة عشر يوما ثم مات . ورواية أخرى لا تعارض مع الرواية الأولى أنه أكل هو والحارث ابن كلده طبيب العرب المشهور أكلا في يوم واحد من حساء حريره أعدته لهما امرأة يهودية فسم وأبو بكر ليس طبيا لم يدري فقال له الحارث بعد أن فرغ من الأكل كان طبيبا مشهورا والنبي أوصى بعض أصحابه يشتافوا عنده يمرضوا عنده قال له لقد أكلنا أنا وأنت سم سنة كاملة وهذا طب فمات أبو بكر والحارث ابن كلده في يوم واحد على الحول تماماً من نفس اليوم الذي أكلا فيه الطعام سويا وهذا يدل والله يقول : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } يدل على أن الحارث بن كلده كان ذا فراسة قوية في مسألة الطب في فترة مرضه رضي الله عنه وأرضاه أي أبو بكر جاءه الناس ألا ندعوا لك طبيب فقال كلمته المشهورة أتاني الطبيب فقال إني فعال لما أريد فعرف الناس مراده وسكتوا عنه حتى مات رضي الله عنه وأرضاه وهو ابن ثلاث وستين سنة عمر نبينا $ لكن النبي مات ضحى يوم الإثنين وأبو بكر مات بين صلاة المغرب والعشاء ليلة الثلاثاء نعود إلى ماكنا فيه من رحلة الجسد ثم قلنا إن هذا مستقر الأجساد في القبور لكن الميت قبل أن نغسله ننظر أصلا إذا كان الماء يؤثر يضره كمن يجمع أوصال أو حروق بحيث أنه لو غسل يتفتت الجسد هذا لا يغسل يعني نضع له التيمم فيمم الجسد يمسح على وجهه وكفيه كالتيمم المعروف وهذه الحالة كذلك تكون إذا انعدم الماء وتكون إذا امرأة ماتت وسط رجال ليس فيهم زوج لها أو رجل مات وسط نساء ليس فيهن زوجة له نلجأ إلى مسألة التيمم بدلا من غسله لا أعلم دليلا شرعيا يقول إن الجسد لا يبلى قال عليه الصلاة والسلام {(5/5)
كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب } يشتهر عند الناس أن الشهداء لا تأكل الأرض أجسادهم لكن لا أعلم في هذا دليلا شرعيا صحيحا عن النبي $ إنما المحفوظ أن أجساد الأنبياء هي التي لا تبلى قال $ لما ذكر يوم الجمعة قال : { فاكثروا فيه من الصلاة علي قالوا يا رسول الله كيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } فلما سأل الصحابة دليل على أن الصحابة استقر في أذهانهم أن الأجساد جميعها تبلى ولو كانت هناك في ذهن الصحابة أن أجساد الشهداء مستثناة لبدهي جدا أن يقولوا أن لا يستغربوا من كون أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء لأن الأنبياء أرفع مقاما من الشهداء هذه رحلة الجسد الآن نأخذ رحلة الروح الروح أمرها عند الله لا يعلم كنها إلا الله نبينا عليه السلام مر على يهود قال بعضهم لبعض سلوه لا تسألوه يتشاورون ثم سألوه قالوا يا أبا القاسم ما الروح ؟
فاتكأ $ على عسيب نخل كان معه عبد الله ابن مسعود قال عبد الله فعلمت أنه يوحى إليه فأنزل الله جل وعلا عليه { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } ابن سيناء الفيلسوف يقول :
هبطت إليك من المحل الأرفع
وارقاء ذات تعزز وتمنع
هبطت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات توجع
يتكلم عن الروح أن الإنسان لا يختار روحه هذه عارضها شوقي بقوله :
ضمي قناعك يا سعاد أو ارفعي
هذه المحاسن ما خلقنا لبرقع
فمحمد لك والمسيح ترجلا
وترجلت شمس النهار ليوشع
أراد أن يقول ابن سيناء أن الإنسان لا يختار روحه وأراد أن يقول شوقي ضمي قناعك يا سعاد كنايه عن الروح نأتي للبيت الثاني من قول شوقي :
فمحمد لك والمسيح ترجلا(5/6)
الإنسان إذا أراد أن يعظم أحد العرب في طريقة فعلها إذا قابلت شخص وأنت على الدابة تعظيما له تنزل من الدابة فتترك ما تركبه وتقبل إليه وأنت ماش مثل الآن في عالم السيارات ترى إنسان واقف توقف جانبا تنزل من سيارتك تذهب إليه راجلا هذا نوع من التعظيم فعظم نبينا $ الروح بالآية التي مرت لما سئل عن الروح أنزل الله { ويسألونك عن الروح } وأما عيسى فقد نقلوا في انجيل لوقا في الإصحاح الثاني عشر أنه كان يقول للملأ من حوله من الحواريين لا تخافوا من الذين لا يتسلطون على الجسد ولا يستطعون أن يتجاوزوا إلى أكثر من ذلك يقصد أن الأعداء ليس لهم سلطه على الروح فالروح عظيمة والله جل وعلا عظمها بقوله { ويسألونك عن الروح } نعود نقول هذه الروح تلتصق بالبدن من ملك ينفخ في البدن عندما نكون أجنة في بطون أمهاتنا هذه أمانة والناس الآن العامة يقولون كلاما له أصل يقولون إذا مات أحد يقولون الله أخذ أمانته هي القضية أن ملك يضع أمانه في الجسد ثم يأتي ملك آخر يقبض تلك الأمانة ويأخذها وهي وقت تغرغر الروح.(5/7)
ـ يقول العلماء الروح لا تختص بالشئ من الجسد يعني ليس لها موضع لا نقول إنها في الإصبع ولافي القلب ولا في الرجل ولا في الرأس ولا في مكان آخر تسري في الجسد كله كما تسري النار في الهشيم فإذا قبضت تخرج من الجسد كله وجميع الجسد يعاني خروج الروح والله يقول : { فلولا إذا بلغت الحلقوم *وأنتم حينئذ تنظرون } أي إذا وصلت عند الحلقوم هنا الإنسان يبدأ التشبث بالحياة أيا كان ويحاول الإنسان أن يقاوم لكن الله يقول : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } الله يقول إذا بلغت الروح الحلقوم وأنتم أي من حول الميت حينئذ تنظرون أي إلى الميت ونحن وهذا قرب الله للملائكته ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون لأن من حول الميت لا يرون الملائكة وهي تقبض روح الميت تخرج الروح يتبعها البصر كمامر معنا ويسن تغميض العينين فإذا صعدت إما تكون روح مؤمن يشيعها من كل سماء مقربوها تفتح لها أبواب السماء تصل إلى العرش يراها أبونا آدم كما في حديث المعراج أن النبي $ رأى أبانا آدم حوله أسوده عن يمينه وعن شماله إذا رأى جهة اليمين ضحك وإذا رأى جهة الشمال بكى فحتى تصل إلى العرش فيقول الله جل وعلا أن صدق عبدي اكتب كتاب عبدي في عليين ثم أعيدوه فإني قد وعدتهم { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } فتعود إلى بدنه وعلى النقيض من ذلك ـ أعاذنا الله وإياكم ـ إذا كانت روح كافر منافق قال الله { لاتفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة } ثم تعود إلى الجسد لكنها لا تعود كما تعود الأولى تعود طرحا رميا بإلقاء بعنف في جسده قالها $ تطرح في جسده ثم تلا { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } يصبح نوع اتصال الآن بين الروح والجسد قال عليه الصلاة والسلام عن الموتى {إنه ليسمع قرع نعلكم } لكنه يسمع سمعا لا ينتفع به يسمع سمعا لا ينتفع به ونبينا $ وقف في قليب بدر على أجساد قتلى قريش(5/8)
فناداهم بأسمائهم يا أبا جهل بن هشام يا عقبة بن الربيعة يا شيبة عدهم قد وجدت ماوعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فتعجب الصحابة قال عمر يا رسول الله أتخاطب أقواما قد جيفوا قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لايستطعون جوابا قال حسان :
عرفت ديار زينب بالكثيب...قصيدة طويلة لكن الذي يعنينا منها أنه قال :
يناديهم رسول الله لما
قذفناهم كباكب في القليب
ألم تجدوا كلامي كان حقا
وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا
صدقت وكنت ذا رأي مصيب
فحسان يصور الحادثة شعرا من هنا أخذ العلماء بعض العلماء أن الموتى يسمعون لكنهم كما قلنا لا يسمعون سماع انتفاع وهذا مثل ضربه الله في القرآن { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } فالراعي غنمه تسمع ما يقول لكنها لاتسمع سمع انتفاع لا تدري ماذا يقول وإن كانت تسمع المفردات والأقوال والكلمات فمثله أهل الموتى وهذه قضية طويلة بين العلماء لا أحب الخوض فيها إذا اتصلت الروح بالجسد يقع عليها النعيم ويقع عليها العذاب.(5/9)
ـ وابن تيمية غفر الله له ورحمه من أعظم علماء المسلمين يقول: إن عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والجسد وهذا متفق عليه عند أهل السنة ويقع كذلك حينا آخر على الروح منفردة عن البدن يقع عذاب القبر أو نعيمه على الروح والجسد متصلتين ويقع أحيانا على الروح دون الجسد والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن شئ من هذا أخبر أنه رأى الزناة الزواني ـ نسأل الله العافية ـ معلقات من أثدائهن في تنور ضيق من أدناه واسع من أعلاه ورأى أكلة الربا تمر عليهم سابلة آل فرعون ورأى الرجل الذي يزني رأى أقواما يقرب إليهم قدر نضيج طيب فلا يأكلون منه ويأكلون من لحم نتن خبيث قلت من هؤلاء يا جبريل قال هذا الرجل يترك امرأته حلالا طيبا ويذهب يزني يبيت مع امرأة خبيثة حتى يصبح فكما يقع في الحياة الدنيا ما حياة البرزخ إلا صورة لحياة لحياة الدنيا فالإنسان يرى ما الذي يصنعه في الدنيا الجزاء من جنس العمل سيكون نفس الصنيع بك في برزخك والله يقول : { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } ويقول : { يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الأخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } هذا الإتصال بين الروح والجسد ينقطع أحيانا يتصل أحيانا تكون للروح سرعة أكثر من حياتها من سرعتها وهي ملتصقة بالجسد في الحياة الدنيا وعلى هذا حمل العلماء كيف أن النبي $ صلَّى بالنبيين إماما بالمسجد الأقصى وصلوا وراءه ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ورأى إخوانه من النبيين في السماوات السبع.
ـ قالوا كيف قابلهم في الأرض ثم قابلهم في السماء ؟(5/10)
قال بعض العلماء في الإجابة / إن سرعة الروح غير سرعة الجسد فقابلهم في السماوات السبع أرواحا عليهم صلوات الله وسلامه عليه أجمعين الذي يعنينا من كل هذه علاقة الروح بالجسد تدل في المقام الأول على عظمة الخالق جل جلاله وأن هناك رب خالق للخلائق كلها يدبرها تبارك وتعالى كيف يشاء ويفعل فيها ما يريد وأنه جل وعلا حكم بالنجاة لأهل الإيمان والعمل الصالح وحكم بالخسران والخيبة على أهل الكفر والعمل السيئ وأنه جعل الدنيا مزرعة للآخرة زهرة حائله ونعمة زائلة ولا بد من لقائه تبارك وتعالى والإنسان خلق في أطوار كان جنينا لا يدري عن تلك الحياة شئ وكان قبل ذلك في أصلاب آبائه وأرحام أمهاته ثم كان جسدا حيا يغدوا ويروح ثم لا يلبث أن تقضى حياته ويعيش في حياة البرزخ ثم يذكره الناس جيلا بعد جيل حتى يكاد ينسوه .
يسلم المرء أخوه للمنايا وأبوه
وأبو الأبناء لا يبقى ولا يبقى بنوه
رب مذكور لقوم غاب عنهم فنسوه
ابتنى الناس من البنيان مالم يسكنوه
طلب الناس من الآمال مالم يدركوه
جمع الناس من الأموال مالم يأكلوه
عش بما شئت فمن تصغره دنياه تسوه
لكنه بعد ذلك يكون اللقاء بين يدي الرب تبارك وتعالى ويجتمع الخلائق برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم بين يدي الله وهذا مايسمى بالبعث والنشور وسنشرع في بيانه إن شاء الله تعالى . هذا ما تهيأ إيراده وأعان الله على قوله وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
" البعث والنشور "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :(5/11)
فكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى رحلتي الروح والجسد وقلنا إننا سنتحدث في هذا اللقاء بإذن الله تعالى عن مسألة البعث والنشور في بداية الأمر يجب أن يستقر في قلب كل أحد أن الله جل وعلا تبارك اسمه وجل ثناؤه منزه كل التنزيه عن النقص والعيب واللهو والعبث ولهذا قال الله جل وعلا في خواتيم سورة المؤمنون
{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } فأردف هذه الآية بقوله سبحانه منزه ذاته العلية { فتعالى الله الملك الحق } فالله جل وعلا منزه أن يكون قد خلق هذا الخلق وكلفهم وبعث إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب وأقام عليهم الحجة وأوضح لهم المحجة ثم بعد ذلك لا يكون هناك بعث ولا نشور ولا يكون جنة ولا نار ولا تكون محاسبة ولا جزاء هذا محال ينزه الرب تبارك وتعالى عنه ثم قلنا إننا سنتكلم عن البعث والنشور ووصلنا إلى أن الروح لها مستقر إن كانت مؤمنة في عليين وإن كانت كافرة في سجين وأكرر أنني أتكلم علميا بإيجاز ولا أتكلم وعظيا يمكث الناس ما شاء الله لهم أن يمكثوا في قبورهم وقلنا إن اتصال الروح بالجسد يكون أحيانا وينقطع أحيانا وأن العذاب أو النعيم يقع على الروح والجسد مجتمعتين ويقع أحيانا على الروح دون الجسد ثم تكون نفخة الصعق وهذه النفخة ينتظرها الآن ملك يقال له إسرافيل قد التقم القرن وأحنى الجبهة وأصغى الأذن ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ قال الصحابة يا رسول ماذا نقول ؟ قال : " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " والملائكة يشتركون جميعا في أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون إلا أن المهام التي أسندت إليهم والمقام الذي ينتهي إليه كل أحد منهم هذا يختلف بحسب منازلهم وما أفاءه الله جل وعلا عليهم وما كلفهم الرب تبارك وتعالى به وإسرافيل ملك كريم أسند إليه النفخ في الصور ينفخ إسرافيل في الصور الله يقول : { فصعق من في السماوات و الأرض} ثم استثنى جل جلاله قال : { إلا من شاء الله } وهذه نفخة(5/12)
الصعق الأولى تعقبها نفخة بعث واختلف العلماء هل قبل نفخة الصعق مايسمى بنفخة الفزع التي ذكرها الله جل وعلا في سورة النمل فبعضهم يجعلها هي الثانية المسماة بنفخة الصعق وبعضهم يجعلها ثالثة للإثنتين وظاهر القرآن أنهما اثنتان فقط والعلم عند الله ينفخ إسرافيل فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
ـ واختلف العلماء في قول الله جل شأنه { إلا من شاء الله } من هم المستثنون في الآية ؟ فذهب بعض العلماء إلى أن المستثنين في الآية هم من يقطن الجنة من أهلها كالحور العين والغلمان الولدان المخلدون ومافي النار من حيايا وعقارب ـ نعوذ بالله من ذلك ـ وهذا القول ينسب للإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه . وقال بعض العلماء أن المستثنين هم إسرافيل وجبريل وميكال رؤساء الملائكة وهذا القول ينسب إلى مقاتل بن سليمان أحد أئمة السلف في التفسير رحمة الله تعالى عليه وعنده في هذا أحاديث لكن ثبوت صحة هذه الأحاديث فيه نظر عند أهل الصناعة الحديثيه والذي يظهر والعلم عند الله أن الاستثناء لبيان القدرة ولكن التوقف في مثل هذا أفضل لعدم وجود مرجحات تجعلنا نقطع بيقين فالنبي $ قال : { فأكون أول من يفيق ـ عندما ذكر النفخة الثانية ـ فأجد موسى آخذا بقوائم العرش ـ ثم قال : $ ـ فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور } أم كان مما استثناه الله فإذا قال النبي $ لا أدري فالمتبعون على علمه عليه الصلاة والسلام من ورثته من العلماء أولى أن لا يدري الذي يعنينا هذا الاستثناء قلنا نتوقف في الجزم فيه لكنه قد يكون له معنى مقصودا بأقوام كما بينا وقد يكون المقصود به بيان القدرة الإلهية ثم تكون النفخة الثانية مابين النفختين أربعون سنة أو شهر أو يوم لم يجزم أبو هريرة في نقله عن النبي $ كان القرشيون الأوائل ينكرون البعث والنشور جملة مع اعترافهم بوجود الله { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } لكنهم ردوا على النبي $ قوله(5/13)
أن الله يحي العظام وهي رميم وأنه يبعث الموتى فأجابهم الله جل وعلا بثلاثة أدلة تدل على أنه يحي الموتى .
الدليل الأول / أنه جل وعلا هو الذي خلقهم ابتداء وهو مايسمى بالنشأة الأولى .
والدليل الثاني / أن الله جل وعلا خلق ماهو أعظم منهم وهو السماوات والأرض .
والدليل الثالث / أن الله جل وعلا أمرهم أن ينظروا في النبات كيف يكون وهذا دليل على إنبات الناس من قبورهم هو نفسه إنبات الأرض بعد موتها قال الله جل وعلا { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } وقال جل وعلا بعد أن ذكر الماء وسقيه وإحياء الأرض بعد موتها قال سبحانه { كذلك النشور } وقال جل وعلا { فانظر إلى آثر رحمة الله كيف يحي الله الأرض بعد موتها إن الذي أحياها لمحي الموتى وهو على كل شئ قدير } وهذه الثلاث الأدلة المتفرقة في القرآن جمعها الله في خواتيم " يس " قال الله { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم } فجمع الله إجابة له ثلاثة أدلة قال الله جل وعلا { من يحي العظام وهي رميم * قل يحيها الذي أنشأها أول مرة }هذا الدليل الأول { وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا } هذا قياس على النبات وهو الدليل الثاني ثم قال بعدها { أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم } فهذه الأدلة الثلاثة فرقها الله في القرآن كما قلنا وجمعها في " يس " وهذه الفترة التي قبل البعث قلنا مرارا يكون فيها العذاب أو النعيم وعائشة رضي الله عنها دخل عليها عجوزان من عجز اليهود أي امرأتان عجوزتان فأخبرتاها بأن هذه الأمة تعذب في قبورها فلم ترد عائشة أن تحظى بأن تنعم على هاتين المرأتين بأن تصدقهما فلما قدم النبي $ أخبرته عائشة بما قالت المرأتان اليهوديتان فقال $ صدقتا إن هذه الأمة تعذب في قبورها ولولا أن تدفنوا لسألت الله جل وعلا أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع فيه دليل واضح على عذاب القبر وفيه بعد ذلك وهو(5/14)
الشاهد تقول عائشة فما رأيت النبي $ بعدها إلا وهو يستعيذ من عذاب القبر فكان $ يستعيذ كثيرا من عذاب القبر ويسأل الله جل وعلا نعيمه بعد الأربعين التي قلنا مابين النفختين يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر ماء أبيض ثخين كمني الرجال فينبت الناس كما ينبت البقل إذ أن جسد بني آدم يبلى إلا عجب الذنب العظمة المستقرة في آخر فقراته هذه لا تبلى بقدر الله وقد مر معنا أن أجساد الأنبياء لا تبلى وقلنا لا يوجد دليل صريح صحيح على أن أحد مستثنى غير الأنبياء لا الشهداء ولا حفظة القرآن ولا غيرهم قد يطول أمد أحدهم أنه لا يبلى نعم لكن لا يوجد دليل صريح صحيح على أن أجساد تبقى غير أجساد الأنبياء عندما تمطر السماء هذا الماء تدب الحياة في الجسد ينبت ثم يأمر الله اسرافيل أن ينفخ فإذا نفخ إسرافيل النفخة الثانية خرجت الأرواح من مستقرها ثم ذهبت كل روح إلى الجسد الذي خرجت منه لا تخطئ جسدا خرجت منه فيجتمع الروح والجسد وقد قلنا في الدروس الماضية إن الروح والجسد يلتئمان والإنسان جنين في بطن أمه ثم يلتئمان الآن التئاما آخر فتدب فيه الحياة فتنشق الأرض عن أهلها قال ربنا { إذا السماء انشقت } وقال ربنا { ونفخ في الصور فإذاهم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } قال $ : { أنا أول من ينشق عنه القبر } فهو عليه الصلاة والسلام أول من ينشق عنه القبر ثم قبر بقيع أهل المدينة ثم أهل مكة ثم مابينهما ثم بعد ذلك سائر القبور فيحشر الناس إلى ربهم والحشر ظاهر القرآن وصريح السنة أنه غير مختص بالثقلين الجن والإنس وإن قال بعض العلماء عفا الله عنا وعنهم أنه مختص بالثقلين لكن كما قلت ظاهر القرآن وصريح السنة على أن الجميع يحشر قال الله جل وعلا في صريح كتابه { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون } فهذا صريح لكن من قال طبعا لا يوجد أحد يرد القرآن ويسمى عالما لكن العلماء الذين قالوا(5/15)
أن غير الثقلين لا يحشر قالوا في هذه الآية { ثم إلى ربهم يحشرون } قالوا حشرها هو موتها قالوا حشرها هو موتها والله جل وعلا يقول في التكوير { وإذا الوحوش حشرت } فالوحوش ما توحش من دواب البر وحشرت أي جمعت وقال $ { إن الله يقتص لشاة الجماء من الشاة القرناء } فهذه حملوها على أنها كناية عن العدل ليس على وقوع الأمر لكن ثمة قاعدة في أمور الشرع ما أخبر الله به أو أخبر به رسوله من الغيب ولا يوجد ما يمنع وقوعه شرعا ولا عقلا يجب إمراره على ظاهره وهذا قاعدة تنفع كل من يطلب العلم ما أخبر الله به أو رسوله $ ولا يوجد ما يمنع وقوعه شرعا ولا عقلا يجب إمراره على ظاهره فالله يقول : { وإذا الوحوش حشرت } ويقول : { ثم إلى ربهم يحشرون } والنبي يقول : { يقتص لشاة الجماء من الشاة القرناء } فهذه الأمور لا يوجد شرعا ما يمنع وقوعها ولا يوجد عقلا ما يمنع وقوعها فيجب إمرارها على ظاهرها وأنه يقع يحشر الجميع الحشر / يخرج الناس من قبورهم كما بينا قال $ { حفاة عراة غرلا بهما } حفاة هذه ظاهرة أي غير منتعلين عراة غير مكتسين قال الله { كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا } وهذه كما بدأنا أول خلق نعيده تأتي حتى على التي بعدها غرلا ما قطع من جلدة الذكر عند الختان يعاد قال $ { بهما بهما } أي غير ممولين أي لا يملك أحدهم من متاع الدنيا شئ ويحشر على هذه الهيئة جميع الخلق بما فيهم الأنبياء والصالحون والصديقون والشهداء وغيرهم يحشرون على هذه الطريقة.(5/16)
ـ على أي شئ يحشرون؟ يحشرون على أرض بيضاء نقية لم يعصى الله جل وعلا فيها قط قال الله جل وعلا { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار } وقد سئل النبي $ أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض قال هم في الظلمة دون الجسر والجسر المقصود به الصراط هذه الأرض جاء في الحديث الصحيح ليس فيها معلما لأحد المعلم إما جبل أو هضبة أو رابيه هذا مايسمى معلم طبيعي ومعلم غير طبيعي ما يضعه الناس كعلامات حتى يعرفون به الطرائق والأماكن فهذه الأرض ليس فيها معلم لأحد ليس فيها معلم موجود من عند الله وليس فيها معلما يتخذه إنسان لنفسه قال الله : { لاترى فيها عوجا ولا أمتا} يحشر الناس عليها حفاة عراة غرلا بهما ينتظرون الحساب هذه الأرض قلنا لم يعص الرب تبارك وتعالى فيها لكن نعود إلى أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا بهما كونهم عراة يستوجب وفق مقاييس الدنيا أن ينظر بعضهم إلى بعض لكن مقاييس الدنيا لا تطبق على الآخرة عائشة رضي الله عنها سألت النبي $ بما استقر عندها من مقاييس الدنيا قالت الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض قال $ { يا عائشة الأمر أعظم من ذلك } أي لايمكن أن يكون أحد لديه من فراغ القلب آنذاك أن ينظر إلى ما حوله كل امرئ مشغول بنفسه وهذا يبين لك عظمة أهوال يوم القيامة الناس عندما يخرجون لم يوجد قبل حشر سابق يقيسون عليه فلا يدرون أين يذهبون وقلنا مرارا شبههم الله في القرآن بحالتين:(5/17)
قال في القارعة { كالفراش المبثوث } والفراش غير منتظم فلا يدري أين يذهب يحوم حول بعض فالناس عندما يخرجون ليس لهم سابقة فيخرجون ينتشرون ميمنة وميسرة ثم لا يلبثون أن يستمعوا إلى إسرافيل يقودهم إلى أرض المحشر فعندما يستمعون إلى إسرافيل عليه السلام ويقودهم إلى أرض المحشر ينتظمون فانتقلوا إلى حالة أخرى قال الله { كأنهم جراد منتشر } والجراد يمش على هيئة جماعات منتظمة وبهذا يمكن الجمع بين وصفي القرآن يقودهم إسرافيل عليه السلام إلى أرض المحشر وهذا أخبر الله عنه في " طه " { يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } وأفضل ما فسر به قول الله جل وعلا { إلا همسا } وقع أقدامهم الحافية على تراب المحشر صوت وقع أقدامهم الحافية على تراب المحشر وقيل غير ذلك لكن هذا في ظني أقربها إلى الصواب والعلم عند الله يسوقهم إسرافيل إلى أرض المحشر ولم يسبق لهم أن جمعوا ولم يسبق لهم أن حشروا ينتظرون قدوم الجبار جل جلاله ليفصل ويحكم تبارك وتعالى بين عباده هذا ما يمكن من البعث والنشور الذي أخبر الله جل وعلا عنه علمنا الله وإياكم ما ينفعنا ونفعنا بما علمنا وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين .
تم بحمد الله
سائلين المولى عز وجل الإخلاص في القول والعمل
***المُخْبتات***(5/18)
ألبوم أشراط الساعة
الشريط الرابع
لفضيلة الشيخ:صالح بن عواد المغامسي.
" دخول أهل الجنة الجنة "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد
فكنا قد تحدثنا في لقاء يوم أمس عن انصراف أهل الموقف إلى دارين لا ثالث لهما إما الجنة وإما النار وقلنا إننا بحمد الله وتوفيقه سنتحدث عن دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيما سيأتي ونتحدث اليوم عن الجنة والجنة أسكننا الله وإياكم إياها درجة عالية كتبها الله جل وعلا للصالحين والمؤمنين والمتقين من عباده وجعلها وعدا مسؤولا يسأله عباده إياها والحديث عنها مشهور مستفيض لذلك سنقف وقفات علمية معرفية غير وعظية فيما يغلب على الظن أنه غير معروف أو على الأقل غير مشتهر أهل الموقف إذا انصرفوا أهل الطاعات منهم إلى الجنة يحبسون على قنطرة قبل الجنة لأن الله قال على لسان خليله إبراهيم { يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم } فدخول الجنة يستلزم قلبا سليما فلا بد أن يسعى الإنسان في سلامة قلبه يبقى مع لبعض الناس مع غيره شئ من المظالم في الدنيا قلما يسلم منها أحد هؤلاء الذين كتب الله لهم الجنة من هذا الصنف قبل أن يدخلوا الجنة يحبسون على قنطرة لأن الله حكم عدل فيقتص لمظالم بينهم حتى ينقوا ويهذبوا ثم بعد أن ينقوا ويهذبوا ولا يبقى في الصدور والقلوب شئ يؤذن لهم بدخول الجنة قال الله جل وعلا { ونزعنا مافي صدورهم من غل } فالله جل وعلا أسند النزع إلى ذاته العلية فهذا لا يقع في الدنيا إنما يقع في الأخرة ولهذا روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال : " إني لأرجوا الله أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم { ونزعنا مافي صدورهم من غل } وعثمان رضي الله عنه أحيا هذه الأمة أشدها حياء زوجه النبي $ ابنتيه وعلي رضي الله عنه زوج فاطمة وأول من أسلم من الفتيان وله مشاهد عظام في الدين(6/1)
وطلحة رضي الله عنه شهد له النبي $ بالجنة وقال يوم أحد { أوجب طلحة } أي ثبتت له الجنة والزبير رضي الله تعالى عنه ابن صفية عمة رسول الله $ وقال عليه الصلاة والسلام {لكل نبي حواريون وحواري من أمتي الزبير} ومع ذلك هؤلاء الأربعة وقع بينهم ما وقع رضي الله عنهم وأرضاهم باجتهاد منهم وهم منارات شامخة وقامات سامقه ومجنون من يدخل نفسه حكم بين هؤلاء العظام لكن نقول هم أصحاب نبينا $ توفي رسول الله $ وهو عنهم راض وهؤلاء الأربعة بالذات مشهود لهم بالجنة فهم من العشرة المبشرين وإنما يأتي الإنسان يأتيه ما يأتيه من الضرر عندما يقحم عقله أو نفسه فيما ليس فيه مجال مثلا تسمعون بالمعتزلة فرقة ظهرت قديما ليس هذا مجال توسع في الحديث لكن كان منهم رجل أظنه عمرو بن عبيد سواء كان عمر بن عبيد أو غيره كان مشهور بالصلاح والتقوى والورع ولو خاصمته في ملايين الملايين ترك هلك حتى إن عمرا هذا كان يدخل على هارون أو أبو جعفر المنصور يستدعيه فقال له أبو جعفر وهو الخليفة والناس يتمنون مجالس السلطان لما يكون بعدها من العطايا فقال له أبو جعفر : أطلب حاجتك قال : حاجتي أن لا تستدعيني لا تطلب مني أن أدخل قصرك ولا أتيك فخرج فقال أبو جعفر أبياته الشهيرة .
كلهم يمشي رويد
كلهم خاتل صيد
غير عمرو بن عبيد
يعني كل من يأتيني هنا يتلطف في الكلام ويجامل في الحديث يبحث عن عطايا
كلهم يمشي رويد
كلهم خاتل صيد
غير عمرو بن عبيد(6/2)
إلا هذا مايريد شئ هذا الرجل على هذا الورع وكثرة الصلاة والصيام يقول لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير لما قبلت شهادة أحدهم ولو في قشرة بصلة لأنهم فساق فانظر العقل الذي دعاه إلى أن يعبد كيف دعاه إلى أن يقول بهذه الوصف على هؤلاء يقول لأنهم اقتتلوا والحق لابد أن يكون في أحدهما فالآخر الذي ليس معه الحق ظالم لأخيه مادام ظالم فهو فاسق مادام فاسق لاتقبل؟ لاتقبل شهادته فنسي بحور الفضل العظيمة لهؤلاء الأربعة ولغيرهم من الصحابة وأقحم نفسه حكما في رجال زكاهم الله جل وعلا في القرآن وزكاهم رسوله $ وكل إنسان يتكلف شيئا ليس له تظهر عورته وتبين سوءته ويظهر للناس جهله لكن العاقل ثمة أشياء لم يكلفنا الله بها ولا نسأل عنها ولا نطيق لها حملا ـ فنسأل الله لنا ولأنفسنا ولغيرنا العافية منها ـ قلنا يحبسون قبل دخول الجنة ثم إن الخلق ممن كتب ض2الله لهم الجنة يتوجهون إليها وهذه الجنة لهم سنون في الدنيا يسألونها الله وعندما يرونها يكادون يطيرون شوقا إليها لأنهم ما صاموا ولا صلوا ولا عبدوا إلا من أجل دخولها فهي الوعد الذي وعدهم الله جل وعلا إياه لكنهم يجدونها مغلقة الأبواب الثمانية فيفزعون إلى أبيهم آدم يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول عليه السلام وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم.(6/3)
ـ وفي هذا دليل على أن الجنة التي أدخلها آدم وحواء وأخرجا منها هي جنة عدن التي وعد الله جل وعلا إياها عباده وليس كما قال بعض أهل الفضل والعلم من أنها جنة أخرى فيقول لست لها اذهبوا إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه وقد مر معنا أن الناس ينتهي بهم المطاف إلى نبينا $ في المقام المحمود وينتهي بهم المطاف في دخول الجنة إلى نبينا $ وهذا من إكرام الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه وقد مر معنا أن الله أكرم هذا النبي إكراما لم يكرمه الله جل وعلا أحدا من خلقه إلا نبينا صلوات الله وسلامه عليه فإن الله يقول وقد أباح له النساء { ترجي من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } تقدم من تشاء تؤخر من تشاء فالعدل لم يكن واجبا عليه $ وحتى من اعتزلت وابعدتها أردت أن تقربها مرة أخرى هذه كله لك صلوات الله وسلامه عليه يستفتح $ باب الجنة فيقول له الخازن من أنت وهذا مر معنا أن الإنسان إذا أراد أن يطرق دارا فإن الحق لصاحب الدار من حق صاحب الدار أن يسأل ولا يعد هذا خذلانا في الضيافة لأن العاقل لا يعقل أن يدخل كل أحد بيته وقلنا إنه مر معنا أن جبريل وهوخير الملائكة والنبي $ وهو خير الخلق في رحلة المعراج في السماء الدنيا أولا طرق الباب فقال الخازن لجبريل من أنت فقال أنا جبريل الخازن يستكشف أمعك أحد قال نعم معي محمد فبعد أن عرف أن هذا جبريل وهذا محمد أذن لهما بالمرور والعبور لأنه مالك للمكان ولو كان القادم أفضل من أهل الدار لكن أهل الدار المسئول عنها من حقه أن ؟ من حقه أن يسأل فيفتح باب الجنة فيدخلها نبينا صلوات الله وسلامه عليه ثم يدخلها الصالحون والذي ندين الله به أن أول هذه الأمة دخولا هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه ويقول بعض العلماء أن أبو سلمة رضي الله عنه وأرضاه أول المهاجرين هو أول من يدخل هذه الجنة من هذه الأمة لكن الذي يظهر والعلم عند الله أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه(6/4)
هو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة يدخل أهل الجنة الجنة فيعطون زيادة كبد النون وهذه تحفة تقدم لهم هكذا ورد الحديث تحفة أهل الجنة في أول دخولهم قبل أن ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها .
ـ القضية الثالثة التي أريد أن أتحدث عنها اليوم وهي قضية الجن هل يدخلون الجنة أولا يدخلون الجنة؟
الله يقول : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم*يا قومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به } فالآية صريحة أن هؤلاء الجن ءامنوا بالنبي $ ودعوا قومهم إلى الإيمان { أجيبوا داعي الله وءامنوا به } قال الله بعدها { يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } هذا عند النحويين يسمى جواب جواب الأمر {ءامنوا } أمر {أجيبوا} أمر جوابه يغفر لكم ولذلك جاءت مجزومة ومعطوفة عليها { ويجركم من عذاب أليم }.
1/قال فريق من العلماء إن الجن يكافؤن على إيمانهم أن الله لا يعذبهم بالنار لكنهم لا يدخلون الجنة ومن أدلتهم هذه الآية قالوا إن الله ذكر إيمانهم والآية في سياق الفضل والامتنان عليهم فلو كان هناك جزاء على إيمانهم أعظم من الإجارة من العذاب الأليم وهو دخول الجنة لذكره الله جل وعلا هنا فقالوا فلما لم يذكر الله أنه يدخلهم الجنة دل على أنه يكفيهم من الثواب أن يجاروا من العذاب الأليم واحتجوا بدليل عقلي قالوا إن الجن من ذرية إبليس وذرية إبليس لا يمكن لها أن تدخل الجنة هذا رأي.
2 /ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه الخليفة الأموي المعروف أنه قال إنهم يكونون حول الجنة في أرجائها وأطرافها ولا يدخلون بحبوحتها.
3/ قال آخرون يدخلون الجنة لكنهم لا يرون بني آدم ويرونهم بنو آدم عكس ما كانت عليه الحالة في الدنيا.(6/5)
4/ وقال آخرون إنهم يدخلون الجنة لكنهم لا يطمعون ولا يشربون لأنهم قريبوا الخلق من جنس الملائكة فيعاملون معاملة الملائكة في أنهم لا يتلذذون بطعام الجنة ولا شرابها.
والعلم عند الله أن هذه أقوال ليس عليها دليل لكن أنا قلت من منهج العلمي أن أذكر كل شيء ثم أبين ما نعتقد أنه صحيح وقد ساقها جميعاً الحافظ ابن كثير رحمة الله تعالى عليه في تفسيره وجعلها مرجوحة جداً وقال الرأي الذي يراه ونحن مقتنعون تماماً بما دونه الحافظ ابن كثير والحافظ ابن كثير في هذه المسألة بالذات حرر تحريراً علمياً يدل على علو كعبه رحمة الله تعالى في العلم وهو بلا شك كذلك.
قال الحافظ يرد عليهم والآن انظر الصياغة العلمية حتى يعرف الناس ما كان عليه الأوائل الكبار من علم جم.
1/ قال إن الله قال في سورة الرحمن {ولمن خاف مقام ربه جنتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان}.فقال إن الآية مخاطب بها الثقلين الجن و الإنس والآية في سياق الامتنان فما كان الله ليمتن على الجن بجزاء لا يحصل لهم ما كان الله ليمن على الجن بجزاء لا يحصل لهم يعني إذا كان الله يقول لهم وللإنس ولمن خاف مقام ربه جنتان يعدهم بالجنتين فإذا كان هذا الجزاء لا يحصل لمؤمنهم فلا عبرة ولا داعي لأن يمن الله عليهم بشيء لا يقع لهم وهذا دليل في قوة بمكان.
2/ ثم قال رحمة الله تعالى عليه:إن الله جل وعلا إذا كان يعاقب كافرهم على أن يدخل النار وهو مقام عدل فلأن يعاقب ويكافئ مؤمنهم بدخول الجنة وهو مقام فضل من باب أولى.أعيد هذه قال:إذا كان الله جل وعلا يعاقب كافر الجن بدخول النار وهو مقام عدل يعني عدلاً أن يدخل النار إذا كفروا فمقام الفضل في حق الله أولى بأن يثيب مؤمنهم فيدخل الجنة هذه الثانية.
3/ الثالثة قال رحمة الله تعالى عليه يشملهم قول الله جل وعلا{إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} فهم يدخلون في عموم هذه الآية لأنهم مؤمنون وعملوا الصالحات.(6/6)
4/ ثم قال دليلاً وهذا يسجل له رحمة الله تعالى عليه قال/ إنه إذا ثبت أن الله جل وعلا ينشئ للجنة خلقاً لأن الذين كتب الله لهم الجنة لا يملؤنها يبقى زيادة مكان فقال رحمة الله تعالى عليه فإذا كان الله جل وعلا ينشئ للجنة خلقاً لم يكلفوا أصلاً في الدنيا فمن باب أولى أن يدخلها من كلف وءامن وعمل صالحاً وهم الجن. هذه أجوبته وهذا الذي عليه أكثر العلماء في أن الجن يدخلون الجنة وفد حررت هذه المسالة زيادة في المعارف لي ولكم.(6/7)
نعود للحديث عن الجنة شهد النبي $لبعض أصحابه عينا بدخول الجنة والعاقل إذا سمعه أو بلغه خبر نبوي يتأمله حتى يستفيد به عملياً و إلا يصبح هذا العلم حجة عليك قال $ أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وعد العشرة والعشرة إنما سموا بالعشرة المبشرين؟ لأنهم سيقوا في حديث واحد لكن غيرهم شهد له النبي $ بالجنة شهد النبي بالجنة لبلال رضي الله عنه وأرضاه وقال ما دخلت الجنة قط أي في الرؤيا إلا ووجدت دف نعليك أمامي أو سمعت خشخشتك في الجنة ثم قال يا بلال أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام الآن ما يوجد رياء أو نفاق لأن هذا مشهود له بالجنة الجنة ما يدخلها منافق والنبي $ هو السائل فحري ببلال أن يجيب بلال لم يتكلم ابتداء ولم يخبر عمل لم يسأل عنه فقال يانبي الله إنني ماتوضأت وضوءا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ما كتب الله لي أن أصلي فأنا أكثر من الوضوء وأردف بعد ذلك الوضوء أن أتنفل ركعتين أربع ست يعني مثنى مثنى فظاهر الأمر أن هذا كان سببا لأن النبي $ أقره على ذلك ولم يقل له لا أظنه هذا سبب عظيم من أسباب دخول الجنة حارثة بن نعمان رضي الله عنه بارا بأمه فشهد له النبي $ بالجنة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قدم أنموذجا عظيما في الجهاد في سبيل الله فشهد له النبي $ بالجنة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه قال عليه الصلاة والسلام { لمناديل سعد في الجنة أعظم من هذا} إلى حرير أهدي له صلوات الله وسلامه عليه وسعد رضي الله عنه وأرضاه كان قد بذل جاهه وقلبه ونفسه في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى تحرر من هذا الوضوء وبر الوالدة من أعظم أسباب دخول الجنة التي شهد بها النبي $ لهؤلاء أعيانا أما عامه الصحابة فمشهود لهم من حيث العموم لقول الله تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة }وقال $ {لن تمس النار أحدا بايع تحت الشجرة } فمن لم تمسه النار قطعا سيكون سيكون في الجنة لكن لا(6/8)
يشهد لهم عينا إلا لمن شهد له النبي $ بالجنة أخبر النبي $ عن آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا إليها قال هذا رجل يخرج فتسفعه النار يحبو مره يكبو مره فيقول يارب أخرجني منها فيخرجه الله منها فتلوح له شجره فيسأل الله أن يستظل بظلها ويدنوا منها فيأخذ الله عليه عهدا ومواثيق ألا يسأله غيرها وهو يعلم أنه سيسأله فيدنوا من الجنة فترفع له شجره أخرى فيقول يارب أدنني منها أستظل بظلها وأشرب من مائها فيأخذ الله عليه عهدا ومواثيق فيأتيها فترفع له شجرة أخرى أعظم من الأولين فيأخذ الله عليه عهدا ومواثيق إذا دنا من الثالثة سمع أصوات أهل الجنة فيسألها الله جل وعلا فيقول الله جل وعلا له يا ابن آدم ما يصيرني منك أي ما يقطع سؤلك ثم يخبره الله جل وعلا أن يدخلها وله كمثل أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثالة فيقول الرجل أتسخر بي وأنت رب العالمين فضحك $ لما حدث قالوا يا رسول الله مما تضحك قال أضحك من ضحك رب العالمين إذ قال له عبده أتسخر بي وأنت رب العالمين؟ فيقول الله له لا أسخر بك ولكني على ما أشاء قادر وهذه على ما أشاء قادر نختم بها ونقف عندها يجب أن تعلم وأنت ترفع يديك تسأل الله أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء لنا ذنوب لا يقدر على غفرانها إلا الله ولنا عيوب لا يمكن أن يسترها إلا الله ولنا ديون لا يمكن أن يقضيها إلا الله ولنا آمال لا يمكن أن يحققها إلا الله ولنا مخاوف لا يمكن أن يؤمننا منها إلى الله فإذا استقر في القلب أن الله جل وعلا على كل شيء قدير واستفتح العبد دعائه وهو يدعوا ربه بالثناء على الله ومدحه جل وعلا بما هو أهله ثم صلى على نبيه $ لحري بعد ذلك بما وقع في القلب وبما نطق به اللسان أن يستجاب له واعلم أن الله أرحم بك من نفسك فإن لم تعطى العطية في حينها إما أن تؤخر وإما أن يكافئك الله جل وعلا بأعظم مما سألت وخيرة الله لعبده خير من خيرة العبد لنفسه(6/9)
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين
..:: دخول أهل النار النار ::..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وبعد ،،، فهذا بعون الله وتوفيقه اللقاء الأخير ضمن سلسلتنا في تعليقنا الموجز والتعريف حول أشراط الساعة ثم عرجنا على البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة واليوم نختم الحديث بالحديث معرفيا وإجماليا عن النار ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ النار هي الخزي الأعظم والخسران الأكبر الذي أنبأ الله جل وعلا عنه في كتابه ولا خسران أكبر منها ولا ندامة بعدها ومن حيث الناحية العلمية يقال إن النيران ثلاثة:(6/10)
نار تحرق ولها نور لها ضوء وهذه نار الدنيا فإننا نرى نار الدنيا تؤذي من يقترب منها وتحرق بقدر الله وفي نفس الوقت لها منافع كونها تضيء ولها نور ومنافع أخر قال الله جل وعلا { أفرأيتم النار التي تورون * ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون * نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين } ونار الآخرة نار جهنم ـ أعاذنا الله و إياكم منها ـ تحرق لكن ليس لها نور ولا ضوء ولا منافع فلا يمكن أن ينتفع بنار جهنم أحد لأن الله جل وعلا خلقها عذابا ولم يخلقها إنتفاعا فهي تحرق كما نار الدنيا في الأصل مع الفارق في الحرق إلا أنه لا نفع من وراءها كما يمكن أن ينتفع من نار الدنيا بقيت نار واحده وهذه عارضه وهي النار التي رآها موسى عليه الصلاة والسلام عندما اقترب من الشجرة عند جبل الطور قبل أن يكلمه ربه تبارك وتعالى فهذه نار لها نور ولها ضوء لكنها لا تحرق ولذلك لم تتغير الشجرة التي رآها موسى عليه الصلاة والسلام إنما رآها تزداد خضرة هذا مبدئيا ثم نزدرف إلا أن الله جل وعلا جعل للنار خزنة والرب تبارك وتعالى ثمة أمور أوكلها إلى بعض ملائكته وهو جل وعلا غني عن هؤلاء الملائكة لكن هذه الأمور عظام يدبرها تبارك وتعالى كيف يشاء والله جل وعلا جعل للنار خزنة عليهم قيم يقال له مالك كما أن قيم الجنة يقال له رضوان إلا أن الفرق بينهما مالك نص الله عليه في كتابه في الزخرف { ونادوا يامالك ليقض علينا ربك } أما رضوان فلم يرد ذكره في القرآن لكن جاء في الآثار يقول شوقي :
كما تلقاك دون الخلد رضوان(6/11)
مالك أحد خمسة من الملائكة نص الله على ذكر اسمهم الصريح في كتابه فالملائكة جم غفير { وما يعلم جنود ربك إلا هو } لكن المذكورين نصا بأسمائهم الصريحة في القرآن خمسة جبريل وميكال وهاروت وماروت وكلهم ذكروا في البقرة ومالك عليه السلام ذكر في الزخرف لوحده وكرر جبريل عليه السلام في التحريم هذا خزنة النار مسؤولون عنها كما أن كما قلنا خازن الجنة رضوان علي رضي الله عنه كانت له بعض المواقف بعض الحروب وقفت معه قبيلة يقال لها همدان من قبيلة يمنية شهيرة هذه القبيلة كلها آزرت عليا رضي الله عنه وأرضاه كانوا شيبا وشبانا معه فقال يمدحهم :
فلو كنت بوابا على باب جنة
لقلت لهمدان أدخلوا بسلامي
موضوع الشاهد أنه يتكلم عن استقبال خزنة الجنة لأهل الجنة كذلك أهل النار جعل الله لها خزنة يكون استقبالهم غير استقبال خزنة الجنة لأهل الجنة فأولئك يقولون { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } أما هؤلاء لا يزالون يسألون أهل النار ويوبخونهم على ما ءآل بهم إلى هذا الأمر قال الله { ونادوا يامالك ليقض علينا ربك } قال العلماء يمكث ألف عام لا يجيبهم ثم بعد ألف عام ـ عياذا بالله ـ يقول { إنكم ماكثون } النبي $ دعا أمته لإن تحذر النار بكل وسيلة حتى عبر عن ذلك بقوله { اتقوا النار ولو بشق تمرة } ولما كسفت الشمس في عهده خرج $ فزعا حتى أخطأ في إزاره وردائه ثم صلى بالناس في محرابه المعروف في مسجد رسول الله $ والمحاريب ـ أنا استطرد كثيرا عمدا ـ اللتي في الحرم اليوم ثلاثة :
ـ المحراب الذي يصلي فيه الأئمة الآن هذا محراب بناه عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه أو بتعبير أصح موضع صلاة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأرضاه أما الصديق والفاروق والنبي $ فما كانوا يصلون فيه لأن هذه التوسعة الجنوبية حدثت في عهد عثمان إنما النبي $ قلنا هذا محراب بقي اثنان بقي محرابان(6/12)
ـ المحراب الذي في الروضة موجود الآن هذا مكان صلاة نبينا $ وصلاة الصديق والفاروق من بعده إلى زمن عثمان
ـ وأما المحراب الذي خارج الروضة جهة الغرب فهذا محراب بناه سليمان القانوني أحد سلاطين آل عثمان كان المذهب الحنفي هو السائد في دولة آل عثمان وكان الشافعية أكثر الناس حظا في المسجد النبوي آنذاك وكانوا يصلون في محراب النبي $ فأراد أن يوازي أهل مذهبه بالشافعية فبنى محرابا موازٍ لمحراب النبي $ لكن لم يجعله في الروضة وهو المحراب الموجود الآن كما قلت مبني في غربي الروضة المشرفة هذه المحاريب الثلاثة .(6/13)
النبي $ لما كسفت الشمس ازدلف إلى محرابه وصلى إماما في أثناء صلاته تأخر إلى الوراء قليلا ثم حدث الناس بعد الفراغ من الصلاة وأخبرهم بأمور عده قال كل شئ توعدون به رأيته في صلاتي هذه حتى النار رأيتها أمامي ولأجل ذلك تأخرت خوفا من أن يأتيني لفحها ثم قال وجدت فيها أصحاب المعاصي كلهم حتى رأيت صاحب المحجن يجره قصبه في النار حتى رأيت صاحب المحجن يجره قصبه في النار صاحب المحجن طبعا النبي $ يكلم الناس على معهود ذهني أنت الآن أقول لك صاحب المحجن تقول من صاحب المحجن كل الناس عندهم محاجن لكن النبي $ يكلم الناس على معهود ذهني صاحب المحجن رجل مشهور كان في الجاهلية اسمه عمرو بن مالك هذا عمرو عنده عصا فيها محجن يعكفها المحجن معروف معكوف والعصا طويلة وفي أعلاها محجن ويجلس للحجاج والمارة في الطريق فإذا مر رجل معه متاع علق محجنه في المتاع فيعلق متاع الرجل المار في المحجن فيصبح عنده فالرجل هذا واحد من اثنين إن فطن وتنبه ورجع يسأل عن متاعه اعتذر له عمرو هذا بأن المتاع علق بالمحجن قدرا صدفة أنا آسف ويعطيه المتاع ويمشي وإن كان الرجل لم يفطن ولم يتنبه أخذ المتاع ومكث دهره كله لايعرف إلا خواصه حتى اشتهر ينجم عن هذا أن من أعظم أسباب دخول النار بعد الكفر كما سيأتي هي قضية ظلم العباد وأخذ حقوقهم من أعظم أسباب دخول النار ـ عياذا من ذلك ـ في الصغير في الأمر الحقير أو في الأمر الكبير ولهذا قال النبي $ الذي يأخذ شبر {يطوق بسبعة أراضين} وهو أخذ شبر وقال في الظلم {ولو عودا من آراك } لأن حقوق الناس لا يجوز شرعا لأحد أن يأخذها ويقتحمها وينالها بأي طريقة علموا ذلك أو لم يعلموا يستغل الإنسان جاه أو غيره يؤيد هذا أنه $ قال : { صنفان من أهل النار لم أراهما ـ ثم قال ـ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها } نأتي في(6/14)
الأول قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس قال الإمام القرطبي رحمه الله وهذه السياط موجودة عندنا في المغرب إلى الآن هذا في زمنه قال صديق حسن خان في يقظة أولى الاعتبار رحمة الله تعالى عليه وهو جاء متأخرا عن القرطبي قال بل هذه السياط وهؤلاء الناس موجودون في كل زمان ومكان وهي عند أهل الثراء والجاه والسلاطين أكثر من غيرهم موضوع الشاهد الربط بين الحديثين قضية أن ظلم العباد أيا كان من أعظم أسباب دخول النار ثم قال $ { ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات } قال في نفس الحديث الذي رأى فيه النار قال بعدها عليه الصلاة والسلام { يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار } طالبن بحقوقهن قلنا لما يا رسول الله قال $ { إنكن تكفرن العشير وتكثرن اللعن } أو الترتيب { تكثرن اللعن وتكفرن العشير} تكثر اللعن / يجري على لسانكم اللعن . تكفرن العشير / العشير الزوج أي ربما أسدى لك المعروف تلو المعروف تلو المعروف ثم يأتي منك إنكار لذلك المعروف الذي أسدى إليك الزوج وهذه صفة غالبة في النساء عموما هذا الأمر قلت يدل على أن الإضرار بالناس من حيث الجملة من أعظم أسباب دخول النار على أن السبب الأعظم في دخول النار والخلود فيها هو الكفر فليس بعد الكفر ذنب والكفر والشرك بالرب تبارك وتعالى أعظم أسباب دخول النار بل هو السبب الأعظم ويفرق عن غيره أن الكفر والشرك ـ عياذا بالله ـ ليس فقط سبب في دخول النار بل إنه سبب مقتض تماما للخلود فيها فالكفار والمشركون لا يمكن أن يخرجوا من النار البتة قال الله جل وعلا { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون *قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير } فأهل الكفر وأهل الشرك خالدون مخلدون في النار أبدا أما أهل(6/15)
الإيمان من مات على التوحيد ولم يأتي بذنب يخرجه من الملة فهذا مهما طال بقائه في النار سيخرج منها لا محاله هذا الذي اقتضته حكمة الله تبارك وتعالى .
ـ تأتي أحاديث عن أقوام ظاهر القرآن أو ظاهر الحديث على أنهم مخلدون ومن أشهرهم طائفتان :
ـ الأول : من قتل نفسا عمدا فإن الله يقول : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } مر معنا في الحساب والجزاء أن أول ما يحاسب عليه الخلق الصلاة وأول ما يقضى بين الناس الدماء وأي مقتول يقتل عمدا ينجم عن هذا الأمر ثلاثة أمور ينجم عن هذا الحدث ثلاثة أمور :
ـ حق لله .
ـ وحق للمقتول .
ـ وحق لأولياء الدم .
فأولياء الدم يخيرون مابين القصاص أو الدية أو العفو ولهم أن يختاروا إحداها . وحق الله هذا نؤجل الحديث عنه لأنه يتعلق بالحديث.
ـ وحق للمقتول هذا لايمكن أن يسقط حتى لو عفى أولياؤه والد قتل وعفى أبناءه فحق الوالد لا يسقط يوم القيامة يطالب؟ يطالب بحقه لأن الميت لا يستفيد شئ من عفو الناس فعلى ذلك له حق يطالب به يوم القيامة .
ـ بقي حق الله ظاهر الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } على أنه مخلد في النار لكن أهل العلم جمهور العلماء يقولون إن الآية تجري مجرى الوعيد وأنه إذا مات على التوحيد على الإيمان ولم يأتي بناقض فإن الخلود هذا خلود مؤقت وإنما ساقه الله بهذا الطريقة للزجر ولبيان حرمة الدماء وإلا إن شاء الله جل وعلا عفا عنه وإن شاء عذبه قال الله جل وعلا { إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء } هذا الأول .(6/16)
ـ والأمر الثاني : وهو قريب منه قاتل نفسه فإن النبي $ أخبر { أن من طعن نفسه فهو خالد في النار مخلدا فيها أبدا ومن حسا سما فهو خالد في النار مخلد فيها أبدا } وفي الحديث الآخر { عبد بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة } لكن هذه الأحاديث تحمل على أنها أحاديث وعيد يراد بصياغتها زجر الناس عن هذا العمل لا تحمل على أن صاحبها يخلد خالدا في النار لأن القرآن والسنة مع بعضهما أو كلاهما لايمكن أن يكون بينهما تعارض وقبل أن يحكم الإنسان على حديث ويفقه معناه يجب أن يجمع قرائنه وأمثاله في نفس الباب وقد صح عنه $ كما عند مسلم في الصحيح أن رجلين من الصحابة كانا في سفر رجل وابن عمه فأحدهما أصابه مرض فلم يصبر فقطع عروق يده فمات نزف حتى مات ثم إن صاحبه قبل أن يقدم إلى المدينة رآه في المنام وهو في هيئة حسنه إلا يديه مغلولة فقال له ياابن عم مافعل الله بك قال إن الله قد غفر لي كل شئ قال فما بال يديك قال إن الله قد قال لي إنا لن نصلح منك ما أفسدته من نفسك لأنه قتل نفسه بقطع عروقه كم بينت فأخبر هذا الصاحب و أخبر النبي $ بخبر القتل وبخبر الرؤيا فقال $ : { اللهم وليديه فاغفر اللهم وليديه فاغفر اللهم وليديه فافغر } موضوع الشاهد من الحديث قال العلماء / إن هذا يدل على أنه لايخلد في النار لأن النبي $ لايمكن أن يدعوا بالمغفرة لرجل كتب الله له الخلود في النار ذكرنا الطائفتين وذكرنا مسألة الوعيد أعظم ما يتمناه أهل النار ـ عياذا بالله ـ شربة الماء قال الله جل وعلا بعد أن بين في النداءات التي في الأعراف نداءات عدة ختمها الله بقوله { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } من هنا أخذ العلماء أن الصدقة إذا أطلقت أفضل ماتكون في الماء وثمة أحاديث تؤيد هذا المعنى فأهل النار أعظم ما يطلبون الماء يطلبون أول ما يطلبونه أولا من أهل الجنة كما نصت الآية فيجيبهم(6/17)
أهل الجنة { إن الله حرمهما } أي الماء أو الطعام { على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا... } إلى آخر الآية ثم إنهم يستغيثون في النار نفسها قال الله في الكهف {وإن يستغيثوا يغاثوا } واقعة في جواب الشرط { و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا } هنا يغاثون بماء كالمهل أي في منتهى الحر كالزيت فيقرب منهم ليشربوه فقبل أن يشربوه من أن يرفعوه بأيديهم إلى أفواههم تسقط فروة جلودهم من حر هذا النار فكيف إذا شربوه ـ أعاذنا الله وإياكم من هذا ـ { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا } أهل المعاصي في الدنيا من المؤمنين يعذبون إن كتب الله جل وعلا لهم النار يعذبون لهم فيها ماشاء الله لهم أن يعذبوا وقد مر معنا أن الله حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أعضاء السجود لكرامة هذا الفعل عند الله جل وعلا فمن عذب كأكلة الربا وأكلة أموال اليتامى ظلما والمصورون ومن ورد في حقهم العذاب والوعيد فإن النار تحرق منهم كل شئ إلا مواضع السجود . النار والجنة مخلوقتان موجودتان الآن ولا تبيدان ولا تفنيان وأهلها لا يرتحلون عنها و لايبيدون فأما أهل الجنة قال النبي $ { لايفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم } وقال الله { خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ماشاء ربك عطاء غير مجذوذ } وكذلك أهل النار خالدين فيها قال الله في الآية التي قبلها { خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد } وأيا كان خلاف العلماء في الإستثناء هنا إلا أن أحدا لم يقل أن أهل الجنة يخرجون منها أو أهل النار يخرجون منها إنما اختلفوا في معاني الإستثناء على معان عديده والله جل وعلا قال : { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا } وأخبر أنهم لايخرجون منها { ربنا أخرجنا منها نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر(6/18)
وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير } هذه جملة مايمكن أن يقال في الحديث عن النار ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ أبو طالب عم النبي $ ومر معنا مرارا أن النبي أدرك نبوته أربعة أعمام ءامن منهم اثنان وكفر اثنان اللذان آمنا حمزة والعباس واللذان كفرا أبو لهب وأبو طالب فأبوا لهب كان عدوا وأمره مقضي أما أبو طالب فناصر النبي $ حتى ذكروا كما مر معنا من شفقته أنه لما كانت قريش قد حاصرت النبي $ في شعب بني هاشم كان يأتي في الليل فيحمل النبي $ وهو نائم ويجعله ينام في منطقه ثم يأتي بأحد أبنائه ويجعله ينام في مكان النبي $ حتى إذا بيت قرشي عرف موقع النبي $ لأنه في تلك الأيام لايوجد ضوء عرف في أول الليل أين بات النبي $ ويريد أن يقتله ليلا يقتل ابنه ولا يقتل النبي $ وقد قال الله { إنك لاتهدي من أحببت} ومحبة الكافر غير جائزة فالله لايتكلم عن { إنك لا تهدي من أحببت } تحبه توده لكن المفعول به محذوف أي إنك لاتهدي من أحببت هدايته يعني لست قادرا على أن تهدي من تحب له الهداية من تحب له الخير من تحب له أن يدخل صراطك المستقيم وقريش كما مر معنا صنعت كل شئ لآلهتها إلا السجود لم تضع جباهها لما فيها من أنفه وهو أبو طالب يقول : كل مافي دينك حسن إلا أنني أضع جبهتي وأرفع عجيزتي وكان يقول :
ولقد علمت بأن دين محمدا
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجتني سمحا بذاك يقينا(6/19)
قصيدة طويلة يثبت فيها أنه مقتنع تماما بكلام النبي $ لكن الأنفة كانت قريش تأتيه من هذه الأنفة أترغب عن دين آباءك أترغب عن دين عبد المطلب حتى مات وهو يقول بل على دين عبد المطلب هذا تنفعه شفاعة النبي $ مع أن الشفاعة لأهل النار الكفار منتفية الله يقول : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } لكن استثني أبو طالب استثناء جزئي وهو يكون أهون أهل النار عذابا بشفاعة النبي $ له . بقي أن نختم أيها المباركون إن النار مخلوقة خلقها الرب تبارك وتعالى فالسبيل الأعظم للنجاة منها أن نسأل من خلقها أن يجيرنا منها ، نسأل من خلقها أن يجيرنا منها ، وقانا الله وإياكم لفح جهنم . وصلى الله على محمد وعلى آله وهذه آخر الدروس والحمد لله رب العلمين .
بعون الله تعالى وتوفيقه
تم تفريغ ألبوم " أشراط الساعة " كاملا
ولله الحمد والمنة
أخواتكم / المُخْبِتَات(6/20)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط الثالث
من ألبوم
(أعلام القرآن)
لفضيلة الشيخ:
صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أمابعد:ـ
فهذا بحمد الله وتوفيقه اللقاء الثالث حول أعلام القرآن وقد سبق التأكيد على أن هذه اللقاءات تُعنَي بأعلام قرآنيه ذكرها الله جل وعلا في كتابه إما مدحا وإما ذما ونعرج عليها إلماما تاريخيا ومعرفيا قدر المستطاع ولانطيل في أي من تلكم الأعلام لأن الأعلام كثيرة ونحاول قدر الإمكان أن نأتي على أكثر الأعلام التي أوردها الله جل وعلا في كتابه وقد مر معنا ذكر جبريل عليه السلام والكوثر ويوم الفرقان وقارون وفرعون وهامان وغيرها.... وعرفات والمشعر الحرام وغيرها من الأعلام التي تكلمنا عنها لماما وسراعا ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
ـ أولى الأعلام في هذا اليوم:
يوم الجمعه قال الله جل وعلا (يَآأَيُّّّّّّّّّّّّّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) فيوم الجمعه علم على يوم يوم الجمعه علم على يوم كان يسمى قبل الإسلام بيوم العروبه ثم سمي في الإسلام بيوم الجمعه بنص القرآن كما في الآيه وكما في السورة التي سميت بهذه الآيه وهي سورة الجمعه.(7/1)
ـ أول جمعه أقيمت في الإسلام: أقامها أسعد بن زراره كنيته أبوأمامه رضي الله عنه وأرضاه أقامها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينه بعد أن آمن أهلها بعد بيعتي العقبه الأولى والثانيه وقبل وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينه بفتره أقام أسعد بن زراره رضي الله عنه وأرضاه جمع المسلمين وصلى بهم صلاة الجمعه وغدَّاهم أقام لهم غداء فكان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه ممن حضر تلك الجمعه فلما كبر حسان كان قائده من بنيه ابنه عبدالرحمن هو الذي يقوده لأنه كان قد عمي حسان في آخر عمره فكان حسان إذا دخل المسجد ومعه ابنه يقوده وأذن للصلاة الجمعه بين يدي الإمام يترحم حسان على أبي أمامه ويقول"اللهم صلي على أبي أمامه،اللهم اغفر له ....ويدعوا له" فيسمعه ابنه عبدالرحمن ويتعجب ثم تكرر هذا الموقف مرارا من حسان فقال:عبدالرحمن رضي الله عنه في نفسه إن هذا بي لعجز ـ يعني مالذي يمنعني أن أسأل أبي لماذا يترحم على أبي أمامه كلما أذن لصلاة الجمعه ـ فسأله فقال يابني: إن أول من صلى بنا الجمعه هو أسعد بن زراره أبوأمامة رضي الله عنه وأرضاه.(7/2)
ـ قلنا كان يسمى هذا اليوم في الجاهليه يوم العروبه والله جل وعلا أنبأ الأمم التي قبلنا أن هناك يوما عظيما مفضلا عنده جل جلاله فالأمم سعت في الحصول معرفة ذلك اليوم فظنت اليهود وزعمت أنه السبت فهُم إلى اليوم يعظمون يوم السبت ،وذهبت النصارى إلى أنه يوم الأحد ،فاليهود أخذوها على أنهم يرون أن الله انتهى من خلقه يوم الجمعه واستراح يوم السبت تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وناقل الكفر ليس بكافر نحن نورد الأسباب ،والنصارى تزعم أن الأحد أول أيام الأسبوع فلذلك ترى أنه هو اليوم الذي اختاره الله واصطفاه قال صلى الله عليه وسلم (نحن الآخرون السابقون الأولون يوم القيامه بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)أي أعطوا الكتاب من قبلنا وضلوا عن هذين اليومين فنحن وإن تأخرنا ظهورا كأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلاأننا أعلم بهذا اليوم منهم لما علمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
ـ المشهور عند أهل العلم: أن أول جمعه صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد خروجه من قباء إلى داخل المدينه لأنه عليه الصلاة والسلام نزل قباء في أول الأمر فالمشهور المنقول عن ابن اسحاق أنه صلَّى صلى الله عليه وسلم الجمعه في المسجد المعروف اليوم"مسجد الجمعه" هذا على الأظهر لكن لا يوجد دليل صريح فيما نعلم يدل على هذا لكن هذا المشهور المستفيض ،فهذا هو يوم الجمعه من حيث يومه.قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعه قال:"فيه خلق آدم ــ ولهذا قال العلماء:إنه سمي يوم الجمعه لأنه جمع فيه خلق آدم ــ وفيه تقوم الساعه" أي يوم الجمعه.
ـ وذلك يسن فيه أمور عده:ـ
ـ قرآءة سورة "آلم * تَنزيِلُ..."السجده والإنسان في فجرها.
ـ وقرآءة سورة الكهف في يومها .(7/3)
ـ وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وهذا ولله الحمد الثالثه أمر مستفيض بين المسلمين وكذلك أئمة الحرمين وغيرهم من أئمة المساجد يحرصون على قرآءة "آلم * تَنزيِلُ الْكِتاَبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالمِينَ" سورة السجده المعروفه وسورة الإنسان في فجر يوم الجمعه .
ـ ويقرأ في الصلاة يكثر الإمام من قرآءة " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى" وسورة الغاشية ومن دلالة محافظته صلى الله عليه وسلم على هذا أنه صلى بالناس يوم الجمعه فقرأ فيهما بسبح والغاشيه ثم كان عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم قد وافق عيدا فقرأ في الفجر بسبح والغاشيه مما يدل على أن لسبح والغاشيه حِكمةً لا نعلمها وإلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر في يوم العيد بسبح والغاشيه في الفجر يعني في صلاة العيد بسبح والغاشيه ثم يجتمع مع الناس في نفس اليوم في الجمعه فيصلي بهم صلى الله عليه وسلم ويقرأ بسبح والغاشيه فهذا ينبغي على الأئمه قدر الإمكان أن يحرصوا على عدم تركها نعم يقرأ بغيرها أحيانا ليبين للناس أنها ليست بواجبه لكن لايكثر الفصل بينهما لأن اتباع السنه أولى.
ـ فيها ساعة لايدعوا فيها رجل مسلم إلا استجاب الله جل وعلا له فيها.
ـ واختلف العلماء رحمهم الله في تحديدها لكن نقول جملة :ـ هي ساعة مخفيه لكن قال بعض العلماء : إنها من حين أن يرقى الإمام المنبر إلى آخر صلاة العصر.وقال بعضهم : إلا أن تنتهي الصلاة . وقال آخرون من العلماء : إنها آخر ساعه من يوم الجمعه أي قبل الغروب وبكل قال أهل العلم وكل له دليله وقلت هذا الموطن ليس موطن ترجيحات فقهيه قدر الإمكان وإنما إلمام بأعلام القرآن.
ـ يوم الجمعه صلاة الجمعه واجبه ليست بدلا عن الظهر وإنما الظهر بدل عنها لمن فاتته صلاة الجمعه ـ أعيد ـ صلاة الجمعه ليست بدلا عن الظهر وإنما الظهر بدل عمن فاتته صلاة الجمعه .(7/4)
ـ أهل العلم اختلفوا فيمن أدرك صلاة الجمعه لم يدرك الركوع مع الإمام لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام فمعظم العلماء يقولون إنه إن لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام فاتته الجمعه فيكملها ظهرا يكملها على أنها ظهر هذا عليه أكثر العلماء وإن كنت والحق لانرى دليلا قويا على هذه المسأله وهناك آراء لبعض الأئمه أنه يصليها جمعة ركعتين لأنه دخل بهذه النيه لكن كما قلت أكثر أهل العلم معظم العلماء على أنه يصليها ظهرا .
ـ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبلها خطبتين يجلس بينها كان يخطب قبل أن يتخذ المنبر متكئا على عصا ويروى أنه بعد أن اتخذ المنبر لم يتكئ على شئ وكان إذا خطب احمرت عيناه ووجنتاه صلى الله عليه وسلم كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم.(7/5)
ـ وكانت خطبته كلمات يسيرات قليلات لايطيل فيهن ويجعلها للمواعظ للرقائق لأن الجمعة يحضرها سائر المسلمين ليست محاضره معنون لها يحضرها من يريدها أهل زماننا في هذا العصر خرجت الجمعه عن نطاقها الشرعي تخرج عند إمام بنطاق أكثر ونطاق أقل فأصبحت من خلالها يقول الخطيب أراؤه السياسيه أو أراؤه الفكريه ومعلوم قطعا أن آراء الخطيب الفكريه والسياسية تحتمل الصواب والخطأ على حسب علمه بالسياسه وحسب قدراته الفكريه لكن قال الله قال رسوله هذا لايحتمل صوابا وخطأ والناس الحاضرون لايأخذون ويعطون معاك ويناقشونك هم يريدون شيئا يرققون قلوبهم يحضرها العامل... يحضرها المسلم الأمي... يحضرها الفقير.... يحضرها الغني.... يحضرها العالم.... يحضرها سائر الناس كل أهل حييك أهل منطقتك أهل المكان المستوطن فيه فإخراجها عن مراد الله ورسوله هو الذي جعل الناس تكثر فيهم قسوة القلوب لأنهم لايجدون وقتا يسمعون فيه الخطيب إلايوم الجمعه فإذا جاء يوم الجمعه أخرجهم الخطيب عن مايريدون وذكر لهم آراء سياسيه أو فكرية أوقضايا لاتعنيهم أو حتى إذا كانت تعنيهم لايملكون فيها حولا ولا طولا فيذهب الناس أهل الثقافه يناقشون رأي الإمام ورأي الإمام رأي فكري وقد يكون هذا الإمام لايعرف شيئا في السياسه قد يكون رجلا تقيا عالما فقهيا يملك ترقيق القلوب لكنه لايفقهه شيئا في الأمور الفكريه أو السياسه فيتكلم في أمور قد يكون قوله صواب وقد يكون قوله خطأ وليس عامة المسلمين محل تجربه ليس هذا موطن الحديث عن مثل هذه الأمور تقول أم هشام بنت الحارث رضي الله عنها وأرضاها ماحفظت سورة" ق~ " إلا من في النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة مايقرأ بها في صلاة الجمعه فسورة "ق" معروف فيها ذكر بدء الخلق والموت وإتيان الموقف العظيم وإزدلاف الجنه وبعد النار وما إلى ذلك حتى يكون في ذلك ترقيقا لقلوب الناس أما تلك الأمور لها مواطنها يتكلم فيها أهل العلم لايوجد مانع لكن فيه(7/6)
لقاءات فكريه فيه مجالس ثقافيه فيه مواطن فيه محاضرات يعلن عنها بهذا الإسم هذا حق لكن ينبغي أن يكون المقصود الأسمى لكل خطيب أن لايخرج الناس ويذكرون بلاغة الخطيب أو فصاحته أو علمه أو قدراته أو آراءه أو عظمته الفكريه هذا كله غير مقصود شرعا المقصود الأساسي أن يخرج الناس وقد ازدادوا إيمانا بالله وتعلقا به وتعظيما له جل شأنه أكثر من قبل أن يدخلوا الجمعه إذا استطاع الإمام أن يصل بالناس إلى هذا المستوى هذا الذي يقال أنه وفق في خطبته الجمعه قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بكلمات يسيرات.
ـ قال الله جل وعلا (يَآأَيُّّّّّّّّّّّّّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) هذه ذروا البيع ....وأنها نزلت خصوصا في قافلة أتت من الشام قادها .....والظاهر أن هذا كان في أول الإسلام يبتعون تلك التجاره فأنزل الله تلك المناسبه هذا أصل المناسبه والأمر الثاني أن يوم الجمعه يوم يجتمع الناس فيه فقال الله جل وعلا (وَذَرُوا الْبَيْعَ ) تذكرة بأمر أعظم وهو أنه سيأتي يوم عظيم يجتمع الناس فيه هو يوم المعاد وهذا اليوم نعته الله جل وعلا بقوله (لاَبَيْعٌ فِيهِ وَلاَخُلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّةٌ وَلاَشَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فيترك الإنسان البيع في الدنيا ويلجأ إلى الله في مثل هذا اليوم العظيم تذكرة لنفسه باليوم الذي يغدوا الناس فيه بين يدي رب العالمين والإنسان لابد أن يكون له باعثا من نفسه.
وَمَا عَاتَبَ الحُر الكَرِيم َكَنفْسِه ِ
وَالمَرءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصَّالِحُ(7/7)
لابد أن يكون في الإنسان باعث ناصح من نفسه هذا الباعث يتذكر يخرج الناس من أي جامع تقام فيه صلاة الجمعه أشتاتا وينصرفون غالب الناس يشتري بعض الأمور ثم ينصرف إلى بيته المقصود أن الناس يصدرون عن مكان واحد هو الجامع وينصرفون إلى أماكن عده سيأتي يوم يوافق الأول ينصرفون من مكان واحد هو أرض المعاد لكنهم لاينصرفون إلى أمكنه متفرقه وإنما ينصرفون إلى دارين قال الله ( فَرِيقٌ فِي الجَنَّّّّّّّّّّّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّّعِيرِ ) فكلما خرجت من الجامع الذي تصلي فيه الجمعه فاتعظ أنك ترجوا الله بهذا العمل أن تنصرف يوم القيامه إلى رياض جنته أدخلكم الله وإيانا إياها هذا هو المؤمل في أن الإنسان يحتسب العمل ويوظف نفسه للطاعة ويحتسب الأجر ويتذكر أيام الله جل وعلا ويربط مابين ماكلفه الله به شرعا في الدنيا وماكلفه الله به تبارك وتعالى في الآخرة.
قال صلى الله عليه وسلم أن يوم القيامه يكون يوم الجمعه قال (وما من دآبة إلا وهي مصيخه ـ أي منتظرة ـ النفخ في الصور يوم الجمعه ) فالخلائق سوى الثقلين تعلم أن يوم الجمعه هو اليوم الذي تقوم فيه الساعه وتدرك أن هذه اليوم يوم جمعه وإلا لاتصيخ آذانها وهي لاتعرف أن هذا اليوم يوم جمعه.(7/8)
ـ منَّ الله على هذه الأمه أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن هداها فالأمم قبلنا حاولوا أن يصلوا لكن لسوء طينتهم وغلبة شقوتهم ضلوا عن طريق الحق فقلنا ذهبت اليهود إلى أنه يوم السبت والنصارى إلى يوم الأحد وأنت ترى عالميا في الغرب اليوم أن يومي الإجازه عندهم هما يوما السبت والأحد وعندنا يوم الجمعه وقد قلت أذكر في قديما في أول الدروس في هذا المسجد قبل سنتين أنه وقفنا على أثر يدل على أن عمر رضي الله عنه وأرضاه هو أول من جعل للناس يوما يستريحون فيه غير يوم؟ غير يوم الجمعه الجمعه وقلنا أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما خرج إلى الشام ترك المدينه يذهب إلى الشام ليأخذ مفاتيح بيت المقدس ويستلم بيت المقدس صلحا فلما عاد استقبله أهل المدينه غلمان أهل المدينه أمير المؤمنين ولم تجري له عادة أنه يكثر السفر عن المدينه وعمر كان يهاب أن يخرج منها ومعلوم لديكم كان يقول (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وميتة في بلد رسولك ) صلى الله عليه وسلم فلما قدم استقبله الغلمان فأحب أن يكافئهم فقال لهم عمر رضي الله عنه وأرضاه إما أن أعطيكم أعطيات حلوى....أودنانير...أودراهم شئ ترضون به وإما أن أعطيكم يوم بدل من الكتاتيب فقالوا الغلمان لانريد الكتاتيب نريد يوم مافيه كتاتيب فالناس منذ أن كانوا يحبون أن يخرجوا عن المألوف يحبون أن يخرجوا من الشئ الذي تعود عليه يحبون أن يجدوا لهم يوم راحه هذا مايمكن أن يقال عن يوم الجمعه وهو العلم الأول وهو علم على يوم في لقائنا هذا.
ـ العلم الثاني :ـ(7/9)
على شخصين أحدهما كافر والآخر مؤمن وهما طالوت وجالوت ذكرهما الله جل وعلا في سورة البقره ولم يكرر ذكرهما في أي سورة أخرى والله تبارك وتعالى أحيانا يريد أن ينبه على الأشخاص وأحيانا يريد أن ينبه على الأحداث فإذا أراد أن ينبه على الأحداث أغفل ذكر الأشخاص ولوكانوا عظماء وإذا أراد أن ينبه على الشخص ذكر الشخص ولو لم يكن عظيما وإذا أراد أن ينبه على الأمرين ذكر الله جل وعلا الشخص والحدث هنا قال الله ( أَلْمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُم ُ) قال لنبي نكره ولم يذكر اسم ذلك النبي لأنه ليس المقصود حوار أولئك القوم مع نبيهم مع ذلك النبي وإنما المقصود الحدث التاريخي بنو إسرائيل مكثوا في أرض التيه أربعين عاما خلال الأربعين هذه مات هارون ثم مات موسى ثم عهد موسى بأمر النبوه من بعده إلى يوشع ابن نون فتاه ثم مكثوا ماشاء الله لهم أن يمكثوا قرابة سنين طويله خلال هذه السنين الطويله كان العماليق يحاربون بني إسرائيل ويتعرضون لهم فكان الإنهاك والقتل في بني إسرائيل أكثر فلما شعر بنو إسرائيل بالضعف لجأوا إلى نبي لهم قيل إن اسمه شمعون وقيل إن اسمه شوميل وقيل إن هذان الإسمان كلاهما لرجل واحد وهو الأظهر فسألوه أن يبعث الله لهم ملكا يقودهم لأن الناس لايمكن أن يجاهدوا أو يحاربوا أو يسوسوا أمرهم بدون شخص يأتمرون به هذا أمر خلاف العقل فهؤلاء من بني إسرائيل أرادوا قبل الجهاد ملك يقودهم في الجهاد (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) وهذا النبي إذا قلنا أنه شوميل أو شمعون كان قد اعتزلهم لما رأى من عصيانهم فأخذ عليهم المواثيق أنه إذا كتب عليهم القتال يقاتلوا قالوا نعم بل استغربوا ( وَمَالَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأبَْنَائِنَا...) فلما كتب الله عليهم القتال نكصوا فأخبرهم نبيهم أن الله(7/10)
قد بعث لكم طالوت ملكا طبعا في القرآن ( إِنَّ اللهَ ) لكن أنا قلت أن الآن هنا جاء في مصدر مؤول مفعول به نقول أخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا هنا اعترضوا بنوا إسرائيل كما مر معك في القرآن أسباط هؤلاء الأسباط منهم سبط جعل الله فيه الملك ومنهم سبط زي مانقول الآن فخذ في قبيله سبط جعل الله فيه النبوه طالوت هذا لم يكن من السبط الذي فيه الملك ولم يكن من السبط الذين فيهم النبوه فرده بني اسرائيل واعترضوا عليه ( قَالُوآ أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّّّّّّّّّّّّّّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) وقد قلت مرارا إنه لايمكن أن يوجد ملك مستحيل بدون عصبه هذه العصبه تختلف.(7/11)
ـ مالعصبه التي مع طالوت ؟ أن الله جل وعلا هو الذي ؟ هو الذي اختاره وكفا بها عصبه لكن في زماننا هذا مايوجد وحي من الله أن الله اختار فلان واختار فلان فلابد من عصبه دنيويا يقوم بها الملك والمقصود أن نبيهم أخبرهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وأخبرهم حتى يلين قلوبهم لأمر الله وطاعته قال وءاته بسطة في العلم والجسم علم عام بالشرع وعلم بالحروب وكانت الحروب آنذاك تعتمد اعتمادا كليا على القوه الجسميه ولهذا قال وءاتاه بسطة في العلم والجسم وقوله جل وعلا ( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) ردا على قولهم (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) بعد أخذ وعطاء أذعنوا بعد أن أخبرهم نبيهم أن ثمة آيات أعطاها الله جل وعلا لطالوت قال الله تعالى ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّهُمْ إِنَّ ءَايةَ مُلْكِهِ ) ملك من ؟ طالوت ( أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّّن رَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّبِّّّّكُمْ وَبَقِيةٌ مِّّّّّّّّّّّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّّّّّّّّّّّّّّّّؤْمِنِينَ).
ـ ماهو التابوت ؟ ماهي السكينه ؟
ـ ضرب العلماء فيها أوديه عديده جدا فوالله لايوجد شئ يعتمد عليه ممكن أن أنقله لكم كلها أقاويل منقوله عن مسلمة أهل الكتاب لايُدْري صحيحها من سقيمها قويها من ضعيفها لكن نقول جملة إن الله جل وعلا أعطى طالوت قرائن لايستطيع معها بنوا إسرائيل أن يردوا ملكه منها تابوت كان ينصرون به كيف هيئة التابوت لانعلم فيه سكينه قد تكون السكينه بمعناها العربي المعروف إن فيها طمأنينه وقد يكون غير ذلك كما قيل إنها ريح وقيل إنها طائر وقيل غير ذلك .(7/12)
(وَبَقِيةٌ مِّّّّّّّّّّّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ) قيل: عصا موسى وعصا هارون ورضاد من الألواح التي كان كتب فيها التوراة لموسى هذا محتمل لكنني لا أجزم به . أخذ طالوت الجيش يعبر بهم نهر الأردن لمقابلة العمالقه الذين يقودهم جالوت.
الدنيا أصلا قائمه على الإمتحان وقلنا مرارا إن الله مع خلقه يعني في ابتلاء الله لخلقه دوائر فأنت كلما نجحت في دائرة ضيقه اتسعت الدائر فإذا نجحت في دائره أوسع تزيد الدائره وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه والله يقول : ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون ) هذا كلام يطول شرحه لكن يعني على الإجمال أنا أتكلم هذا طالوت وهو بالجيش كانوا ثمانين ألفا ذهب ليحارب بهم فمر على نهر قال لهم:( إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) .(7/13)
قسمهم كم صنف ؟ ثلاثة أصناف قوم سيشربون وقوم لن يشربوا أبدا وقوم يطعم هنا بمعنى يذوق لأن يطعم ماتجي في اللغة يطعم بمعنى يشرب وإن قال بها بعض الفضلاء لكنه غير صحيح يطعم بمعنى يذوق (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) . هؤلاء الثلاثة أصناف الذين لم يشربوا بالكليه قطعا سيكونوا في الجيش والذين سيغرفوا غرفة باليد يعني ممكن يقبل وأما الذين شربوا من النهر واغترفوا غرفا كثيرا فهؤلاء لامكان لهم في جند طالوت هذه قيسها على الدنيا فالدنيا مثل النهر مثل ماذا ؟ مثل هذا النهر الذي اعترض بني اسرائيل فمن شرب منه بالكليه لا مكان له في الآخره ومن أخذ شيئا بالمقدار الذي يبلغه إلى الله سيصل في الآخره ومن لم يشرب منه أبدا انتفى عنها سيصل لكن الأوسط أفضل لأنه هدي ماذا ؟ هدي الأنبياء يقولون في الأمثال الدارجه وأنا قلت هذا مو تفسير أنا أتكلم الآن عن أعلام القرآن يقولون إن رجلا فقيرا رأى امرأة حسناء ولا أدري إن كان قلت هذا قبل أولا جميله جدا تفتن فقال لها أريد أن أتزوجك فوافقت وهو غير مصدق أنها تقبل به فأخذها إلى المأذون لما أخذها إلى المأذون فتن بها المأذون فعرض عليها نفسه فأقبلت وتركت الفقير فذهب الفقير فاشتكى المأذون على القاضي فلما أُحضر الثلاث فتن القاضي بها أعظم من فتنة المأذون فطلبها لنفسه فذهب المأذون والفقير يشتكيان القاضي للأمير للوالي فذهب وقال : أين هذا القاضي الذي يراد به الخير فيجبل الناس على الشر فلما رأه الأمير إزداد بها فتنه وطلبها لنفسه فذهب الناس إلى العامه حتى يستعينوا بهم إلى الأمير فكل رجل من العامه أخذ يطلبها لنفسه ففرت من أمامهم وهي تقول " أنا الدنيا الكل يطلبني ولست مكتوبة لأحد " فهمتم المثل الآن مو معقول أنه ودي أحدثكم عن حكاوي الصبيان في مسجد لكن القضيه قضية أن هذه هي الدنيا لايوجد أحد إلا ويتعلق بها وهي أصلا تفر من الجميع(7/14)
فكلما أتعبت نفسك وراءها أكثر تبتعد وإن تركتها ستأتيك وهي راغمه إن تركتها هي تأتيك وهي راغمه وإن أنت جريت ورآءها لن تنال منها إلا ماكتب لك كان رجل من الصالحين معه ناقه فيها خطام مسافر فدخل أدركته الصلاة وقد خرج الناس فأراد أن يصلي في مسجد نفرض أنه مثل مسجدنا خاف على الناقه فنادى غلام قال له اقبض لي الناقه حتى أصلي ركعتين وأعود فدخل يصلي هذه حقيقه مو مثل الاولى دخل يصلي هذا الغلام عرف أن الناقه مايمديه يسرق لأنه مايمديه يدسها هنا ولاهناك إلا خرج فأخذ الخطام وشرد به خرج الرجل وجد الناقه ولم يجد الخطام ولم يجد الغلام فعرف أنه سرقها فذهب إلى السوق ليشتري خطاما جديدا لناقته الذي سرق الخطام قبل أن يخرج الرجل من المسجد أخرج دينارين قال أكافئ بهما الغلام الذي انتظرني حتى أصلي فلما أخرجهم وهو أتى يبحث عن الغلام كما قلنا وجد الناقه بدون خطام بدون غلام رد الدينارين في جيبه ذهب إلى السوق ليشتري خطاما على الجهه الأخرى الغلام أخذ الخطام وأعطاه إلى مايسمى في زماننا هذا من يحرج واختفى قال له بيعه ولوبدينارين فأخذ يبيعه جاء الرجل يشتري خطاما وجد نفس الخطام واشتراه بدينارين وأخذ الخطام إلى أين ذهب الدينارين الآن إلى الغلام فقال الرجل : لاإله إلا الله سبحان الله والله أكبر يأبى ابن آدم إلا أن يستعجل الرزق قال : لو صبر لأخذ الدينارين حلالا . ألآن أخذ ماكتب له نفس الدينارين لكنه لأنه استعجل لم يأخذها حلالا أخذها حلالا أخذا ماذا ؟ حراما ولوصبر قليلا لأخذهما حلالا وهذا هو سؤ الظن برب العلمين جل جلاله.
كان الجيش ثمانين ألف مابقي أحد ماشرب إلا ثلاثمائه وبضعة عشر رجلا كما قلت في الدرس السابق هم عدد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في يوم بدر أقبلوا على جالوت وجنوده قال الله تعالى (وَلَمَّّّّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ).(7/15)
ـ قلنا إن الإبتلاءات لما نجحوا في اختبار النهر كان حريا بهم أن ينجحوا في اختبار جالوت لأن اختبار النهر مقدمه لما قبله كان في الجيش رجل يقال ايبشي ايبشي هذا والد داوود عليه السلام وعنده عشره من الولد جاء بسبعة منهم في المعركه أصغرهم من ؟ أصغرهم داوود داوود عليه الصلاة والسلام كان معه المقلاع تعرفون المقلاع ؟ المقلاع زي الجلد الطويل يوضع فيه حجر خلاص أشبه بالنبيله لكنه يدار دوران اللي دايم يعملها أبناء الإنتفاضه فوضع حجرا يقال في بعض الرويات ولاأجزم أنه كان وهو ذاهب إلى المعركه الحجر يناديه يقول خذني ياداوود تقتل بي عدوا الله فرد الحجر الأول رد الحجر الثاني رد الحجر الثالث الحجر الثالث أو الرابع أخذه معه فلما أخذه معه برز جالوت كالعاده فر الناس منه استأذن داوود جالوت فلم يأذن له لقصر قامته وصغر سنه ثم أذن له بعد الحاحه فضرب داوود جالوت بمقلاعه فقتله قال الله في محكم التنزيل ( وَقَتَلَ دَاوُ,دُ جَالُوتَ ) قلت في السابق أن أسباط بني إسرائيل انقسم فيهم ماذا؟ الملك والنبوه الملك في سبط والنبوه في سبط إكراما من الله لداود جمع الله جل وعلا في داود مافرقه في السبطين قال الله جل وعلا ( وَءَاتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ ) فجمع الله لداود الملك والنبوه عليه الصلاة والسلام من هنا نعلم أن طالوت وجالوت علمان أحدهما لمؤمن وهو طالوت والآخر لكافر وهو جالوت هذا يذكر بالملك.(7/16)
ـ وأول ملوك المسلمين من هو ؟ معاويه أول ملوك المسلمين معاوية من قبل معاويه يسمى ؟ يسمى خليفه قيل للإمام أحمد رحمه الله أكان معاويه خليفه قال لا إنما كان ملكا من ملوك المسلمين وقد اتفق الناس على أن معاويه رضي الله عنه هو أول ملوك المسلمين معاويه رضي الله عنه وأرضاه بصفته أول ملوك المسلمين نقول كيف إن الأمور تجري بقدر الله أمه هند بنت عتبه يهدي الله لنوره من يشاء مكثت مده تحارب الدين ثم هداها الله للإسلام قبل الإسلام كانت متزوجه من رجل قبل أبي سفيان والد معاويه كانت متزوجه من رجل يقال له الفاكه بن المغيره الفاكه بن المغيره هذا كان كريم فكان واضع خباء بجوار بيته يدخله الناس من غير استئذان فذات يوم كان الفاكه مع هند زوجته ثم قام لبعض شأنه فجاء رجل ضيف دخل المجلس لم يجد الفاكه فرأى هندا دون أن تراه فر هاربا خرج قابله الفاكه وهو راجع فظن أنه كان على علاقه مع زوجته هند بنت عتبه فدخل عليها فضربها يسألها عن الرجل وهي تحلف أنها لم ترى شيئا فأوجعها ضربا هذا في مكه هذا قبل الإسلام في مجتمع جاهلي كان يحرص على قضية الشهامه والعرض أبوها عتبه أخذها لوحدها "خَلَصُوا نَجِيًّّّّّّّّّّّّّّا " بتعبير القرآن قال لها : يابنتي والإنسان لابد أن يكون واضح مع أبنائه وبناته لن تحل مشكله وأنت مغمغم على الموضوع ماعاد يفهم شئ ولذلك بعض الفضلاء يأتيك يستشيرك يخفي نص الموضوع ما يمكن أن أعطيك إشاره أو رأي دون أن أفهم الموضوع بالكامل فقال له : يابنتي إن كان هذا الفاكه قدر رماك حقا فيه بينك وبين ذلك الرجل علاقه فأخبريني أنا أدس له من يقتله فينتهي الموضوع وإن كان كاذبا في دعواه فأخبريني فأنا أحتكم إلى كهان العرب فقالت ؟ يا أبتاه حلفت له بما يكون يحلفون به من أصنام الجاهليه أنه ماحصل شئ فصدقها أبوها وهي من بيت يعني فلما صدقها أبوها ذهب إلى الفاكه وقال له إنك رميت ابنتي بأمر سوء فنحتكم أنا وأنت إلى أحد كهان(7/17)
العرب وافقوا أخذوا معهم وفد الفاكه من بني مخزوم وعتبه بن أبي ربيعه من بني عبد مناف أخذت هند معها نسوة يسلينها في الطريق حتى وصلوا إلى أحد كهان اليمن قبل أن يصلوا إلى الكاهن تغير وجه هند فخاف أبوها أن تكون قد تراجعت فسألها قالت يا أبتاه والله إن الأمر كما أخبرتك بالأول لكننا نفد على رجل يكذب أو يصدق يعني هذا الذي نأتيه كذلك مالذي يدريه فاختبر أبوسفيان الكاهن قبل أن يعرض عليه القضيه فنجح في الإختبار طبعا مافيه داعي نخبركم بالإختبار بعد ذلك عرضت عليه النساء وفيهن هند فكان هذا الكاهن يمشي يضرب النساء حتى وصل إلى هند فقال:" انهضي لارسحاء ولازانيه ولتلدن ملكا يقال له معاويه" ففرح الفاكه وتشبث بها فرمته من يدها قالت : والله لن يكون منك يعني يولد معاويه بس مايأتي منك فلما رجعوا إلى مكه تزوجها أبوسفيان ابن الحارث فبقيت هذه في نفسها مقولة الكاهن فكانت إذا لعبت معاويه معاويه كان ضخم ويمشي يراه أبوه أبوسفيان ويقول إن ابني هذا سيصبح ملك فتقول هند ثكلته إن لم يملك العرب والعجم فحكم معاويه حتى ملك العرب والعجم عُمِّر رضي الله عنه وأرضاه بلغ من العمر سبعا وسبعين سنه حتى كان آخر أيامه يخطب وهو قاعد لأنه كثر لحمه واشتهر بحلمه.
ـ والدنيا تتقلب فأحيانا يجي معلم هذه فوائد عامه يشد على الطلاب مايأمل في الطالب أي شئ مايترك كلمه إلا يقولها فيه ترى أنت ماتدري أن هذا الذي أنت اليوم تهينه أربع وعشرين ساعه وتسخر منه ماتدري غدا ماذا يصبح قد تأتي أنت بين يديه.(7/18)
ـ معاويه رضي الله عنه لما أسلم وجاء المدينه جاء أحد ملوك العرب أسلم متأخر جاء المدينه وأسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعامل الناس على قدر منازلهم خاصه حديثي عهد الإسلام فهذا الملك من ملوك العرب زعيم في قبيلته قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاويه خذه إلى بيت فلان يعني يستريح في بيت فلان ومعاويه في تلك الأيام توه من المسلمين المتأخرين وتوه مهاجر ولم يكن له صيت فلما دخل مع هذا قال معاويه : لرجل أردفني كان شمس سأله قال: أنت من أرداف الملوك هذه كلمه عند العرب إن فيه ناس خاصين به قال : لا قال: خليك مكانك قال : طيب أعطيني نعل معاويه يقول له أعطيني نعل قال: لا أعطيك نعل ايش يكفيك أن تستظل على أنفه العرب أول تستظل بظل الناقه يعني الناقه وهي ماشيه لها ظل طبعا الظل يمشي لأن الناقه تمشي قال : خلاص يعني اجعل وطاءك على الظل مافيه داعي تلبس نعال يقول معاويه أخذته حافي والشمس حاره حتى أوصلته كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم مرت الأيام حكم معاويه دخل هذا على أنه واحد من الرعيه على من ؟ على معاويه فأكرمه معاويه وأعطاه أصلا معاويه كان حليما لكن هذا موضع شاهد لاتدري أين يضع الله جل وعلا أمره في الخلق المقصود أن طالوت وجالوت علمان من أعلام القرآن أحدهما لأحد المؤمنين وهو طالوت والآخر لأحد الكفار وهو جالوت .
ـ والعلم الثالث :ـ
أبولهب وهذا مر معنا في بعض الدروس لكني أتكلم عنه إجمالا أبولهب الوحيد الذي كني في القرآن كما قال السيوطي في الإتقان لايوجد أحد ذكر بكنيته في القرآن إلا أبولهب وهو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ وهنا نتكلم فوائد متعدده قبل أن شرع في الكلام عن أبي لهب: النبي عليه الصلاة والسلام كان له عشره أعمام وعدة عمات اختلف الناس في ضبطهم قيل أربعه وقيل غيرها نبدأ بالعمات من العمات :ـ(7/19)
صفيه وصفيه هذه أم من ؟ أم الزبير بن العوام وهي متفق على أنها أسلمت ، وضباعه بنتها ضباعه ، ومن عمات النبي صلى الله عليه وسلم عاتكه وهي التي مرت معنا في يوم الفرقان أنها رأت ماذا؟ رأت الرؤيا وعاتكه اسم تكرر كثيرا في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وقلنا إنه تسع من النساء يدلين في النسب الشريف اسمهم عاتكه منهن ثلاثة من قبيلة سليم فقط ثلاثه لهم دور في أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وجداته اسمهن عاتكه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم يوم حنين مفتخرا أنا ابن العواتك من سليم عواتك جمع عاتكه وهاذان بعض عماته من الثابت ، وقال له عمه يقال لها أروى ولكن اختلف هل ثبتت أم لم تثبت فلا يوجد كثير أخبار عن عماته.
أما أعمامه فعشره أدرك الإسلام منهم أربعة :ـ العباس ، وأبوطالب، وحمزه ، وأبولهب . أسلم حمز وأسلم العباس متأخرا كنية حمزه أبوعمارة وكنية العباس أبوالفضل وعبدالعزى لقبه أوكنيته أبولهب واسمه عبد العزى وإنما كني ولقب بأبي لهب لأنه كان جميلا جدا وكانت وجنتاه تشرقان كاللهب كالضياء فسمي بأبي لهب من هذا الباب والرابع أبوطالب واسمه عبد مناف أبوطالب وأبولهب كلاهما لم يسلما إلا أن أباطالب كان ينصر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول :ـ
وَلَقَد عَلِمتُ بِأنَّ دِينَ مُحمَّدٍ
مِن خَيرِ أَديَانِ البَرِيَّةِ دِينَا(7/20)
ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهره إلا أنه مات على الكفر وبعض الناس في عصرنا يجعل من قضية موت أبي طالب فرصه للقدح في الناس والمعنى بتوضيح أكثر أنه يقول أن أبا طالب مات على الإسلام وإن قلنا إنه يوجد من العلماء من قال بهذا لكنه يقول: إنه الذين لايقولون بأن أباطالب مات على الإسلام هؤلاء يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه تهمه عظيمه للناس لايوجد مؤمن يبغض النبي صلى الله عليه وسلم مايجتمع أصلا إيمان مع بغض النبي صلوات الله وسلامه عليه لكن نقول إن النصوص التي بين أيدينا تدل على أن أباطالب مات على الكفر هذا أمر ظاهر متظافر ونحن لسنا أرحم برسول الله من الله جل وعلا الذي اختار أن يموت أبوطالب على الكفر هذا أبوطالب . بقينا في أبولهب الذي هو موضوع القضيه .(7/21)
ـ أبولهب لما أنزل الله جل وعلا على نبيه ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) وقف صلى الله عليه وسلم على الصفا فنادى في قريش "يا صباحاه " ثم بين لهم ما أنذر كان المفترض أن يكون عمه أول الناس نصرة له على الأقل يسكت كما سكت أبوطالب لكنه قال له والناس حاضرون وهو عمه قال : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا وانصرف فتفرق الناس مع أبي لهب وكانت له زوجه يقال لها أم جميل تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ ) تبت بمعنى :ـ خابت وخسرت وهلكت وقلنا مرارا في درسنا في هذا المسجد المبارك وغيره إن هذه الآيات من أعظم إعجاز القرآن لأن الله أخبر فيها أن أبالهب سيكون مصيره إلى النار ومع ذلك لم يسلم أبولهب لا ظاهرا ولا باطنا ولم يستطع أن يقول ولو كذبا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ومات شر موته أبولهب هذا قبل أن أعرج على فوائد القصه كانت له جاريه اسمها ثويبه لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم جاءته ثويبه تخبره أن آمنه زوجت أخيه عبدالله ولدت غلاما ففرح أبولهب وأعتقها فلما مات رآه العباس ابن عبدالمطلب رأى أخاه أبالهب في المنام فسأله مافعل الله بك قال : لم أرى بعدكم إلاشرا إلا أنه في كل يوم اثنين يخفف عني بأنني أُسْقى من هذا الموضع مابين الإبهام والسبابه لأني أعتقت ثويبه جاريتي لما بشرتني بمولد محمد صلى الله عليه وسلم فانظر كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه على العكس الآن من الصوره تفهم كذلك أن الله جل وعلا عزيز ذو انتقام فهذا عم النبي صلى الله عليه وسلم أخو أبيه ولهذا قبل أن أبين الإنتقام الله جل وعلا قال : ( قُلْ يَآأََيُّّّّّّّّّّّّّّّّهَا الْكَافِرُونَ ) ( قُلء إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) ( قُل يَآ أَيُهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّّّّّّّّّّّّّ مِّن دِينِي ) (قُل....) (قُل....) إلى غير ذلك مما لايخفى عليكم (قُلْ(7/22)
يَاعِبَادِيَ الَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّذِينَ أَسْرَفُوا.....) لكن الله جل وعلا يعلم نبيه الأدب فما قال الله لنبيه قل يا أبالهب خاطب الله أبالهب مباشرة ونحى نبيه جانبا حتى لايقال إن محمدا يسئ الأدب مع عمه ـ واضح ـ حتى لايقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يسئ الأدب مع عمه لأن العم صنوا الأب أخو الأب وحق الأب عظيم ولهذا قلت مرارا إن من كرامة الله لنبيه أن أباه مات وهو صغير لأنه لايبقى لأحد يمشي صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أعلى منه له حق أبوه ميت وأمه ميته وهما لهما الحقان ولوقدر أنهما لوعاشا عاشا كافران لوقدر هذا فإنهما يبقى لهما حق كما كان حق والد إبراهيم على إبراهيم لكنه صلى الله عليه وسلم عاش يتيما الأبوين حتى لايبقى لأحد عليه فضل اللهم إلا عمه العباس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم العباس ويجله تعظيما وورث أبوبكر وعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه لعمه العباس وكان عمر رضي الله عنه يستسقي بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وإذا دخل فرش له بجواره وأجلسه لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم فنقول للعم حق كما أن للخاله حق عظيم بالنسبه لقضية الوالده موضع الشاهد قال الله ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبِ وَتَبَّ ) تكفل الله بالجواب والرد على أبي لهب ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وسيله في الخطاب.(7/23)
ـ موضع الشاهد: قلت إن أبالهب لما نازع الله وحاربه قال الله جل وعلا له ذلك ولم ينفعه قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفعه ذلك من قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم على هذا ينبغي أن يعلم أن الله جل وعلا عزيز فلا ينبغي لأحد أن يقع في قلبه السخريه من آيات الله أو رسله أو محاولة أن ينازع الله جل وعلا في شئ . كان فيه رجل قديم اسمه:ـ محمد بن زكريا الطبيب أعاذنا الله وإياكم منه هذا الرجل تلي عليه قول الله جل وعلا ( قُلْ أرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعَينٍ ) فقال : عياذا بالله مباشره قال :تأتي به الفؤوس والمعاول فأذهب الله جل وعلا في ساعته ماء عينيه فبقي حياته كلها أعمى قال يستهزئ بالقرآن (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعَينٍ ) قال: تأتي به الفؤوس والمعاول يعني : نحفر فما أن أكملها إلا وذهب ماء عينيه فاصبحتا بيضاويتين وبقي أعمى إلى أن مات فالله جل وعلا يقول في ذاته العليه:"إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) والمؤمن الحق يراقب الله جل وعلا في كل شيء حتى لو وقعت منه المعصيه ولا يسلم من المعاصي أحد كلنا خطاء تقع منه وهو منكسر تقع منه وهو خائف تقع منه وهو وجل تقع منه وهو يخشى الله و يخشى عذابه هذا هو المؤمن شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالفرس المعقود في مكان ما. فمهما ذهب يعود إلى نفس مربطه .والمكان الذي فيه حبله هذا المؤمن الحق، أما منازعة الله هذا هو عين الوبال ومحل السفال عياذً بالله ،قيل للإمام أحمد رحمه الله أطلبت هذا العلم لله ؟ قال :الله عزيز لا أستطيع أن اقول هذا إنما أقول هو شيء حببه الله إلي فصنعته هو شيء حببه الله إلي فصنعته ولم يقل وهو أحمد أنني طلبت هذا العلم لله ،هذا مايتعلق بالفائدة من القصة وهي أهم مافي القضية أن الإنسان يراقب الله جلا وعلا ولا يتكل على شيء من أمور الدنيا .
ـ رابع الأعلام وهو الأخير :ـ(7/24)
علم على مكان قال الله جل وعلا : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاَ وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) بكة هنا بمعنى / مكه ،بكة بمعنى / مكه وهي علم على مكان كما هو معلوم .
ـ مكه ذكر الله جل وعلا في القرآن المدينه وسيأتي الخبر عنها وذكر مكه بتعبير الباء بعض العلماء يقول إن جرت لغة العرب أن الباء تحل بدل من الميم يقولون طين لازب بالباء ويقولون طين لازم بالميم وقال بعض العلماء إن بكة اسم للموضع الذي فيه البيت وقال ءاخرون لا بكة اسم للمسجد والصحيح إن شاء الله أن بكة اسم لمكة كلها هذه البلده بإجمال نتكلم لا أتكلم عن البيت العتيق نتكلم عن مكة:ـ
ـ من خصائصها:ـ
ـ أن الله جل وعلا حرمها يوم خلق السموات والأرض وهذا من أعظم دلائل اسصطفاء الله لتلك البقعة قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ) ولم يحلها جل وعلا لأحد من الخلق إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم حلا مؤقتا ساعة من نهار في يوم الفتح لما انتهى الفتح ردها الله جل وعلا حرام ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( قال : فمن أخبركم أن النبي قاتل فيها أخبروه أن الله أحلها لنبيه ساعة من نهار ) هذا الأول.
ـ الأمر الثاني :ـ حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره عن الله أنه لايعضد شوكها ولا ينفر صيدها ولا تأخذ لقطتها إلا لمعرف إلا لمنشد فالإنسان إذا رأيت أي شئ في مكة اتركه على ماهو عليه.(7/25)
ـ من عظمتها عند الله أن الله جل وعلا لم يبحها لأي أحد من الجبابره عبر التاريخ كله حبس عنها الفيل ولهذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم كرامة الله له لما دخلت القصواء مكة قال عليه الصلاة والسلام إن الله حبس الفيل على مكة وسلط عليها محمد وأصحابه ولما بركت القصواء ومر معنا هذا في درس سورة الفتح في يوم الحديبيه وقال الصحابه خلعت القصواء قال صلى الله عليه وسلم :( والله ماخلعت القصواء وماذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل) وأهل الفيل قدموا بالفيل يريدون مكة مع أنه بالعقل الذين أتوا أبرهة وجيشه كانوا على أي مله ؟ كانوا نصارى أهل كتاب وقريش كانت وثنيين كان القرشيون وثنييون ومع ذلك نصر الله الوثنيين على أهل الكتاب هنا لكرامة ماذا ؟ لكرامة مكة وإلا الأصل أن أهل الكتاب أقرب إلى الملة من الوثنيين كما في آية :( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ...) لكن الله جل وعلا حبس الفيل عن مكة أين مايوجهه يوجهه إلا إلى الكعبه فلا يقدر على هذا إلا الله قال : ( أَلَمْ تَر َكَيْفَ فَعَلَ رَبُّّّّّّّّّّّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ )
وكلمة ضل في اللغة / تأتي على ثلاث معان:ـ
ـ تأتي ضل بمعنى ضد الإيمان ضد الهدايه العامه التي هي هدايه الإيمان وهذا أكثر استعمال القرآن ومنه قول الله تعالى : ( غَيْر ِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الْضَّآلِّينَ )
ـ وتأتي ضل بمعنى عدم إصابة هدف محدد ومنه قول أبناء يعقوب عن أبيهم : ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) لايقصدون أن أباهم كان كافرا لأنهم لو قالوا هذا كفروا لكنهم يقصدون أن أباهم ما أصاب الصواب في قوله إن يوسف مازال حيا .(7/26)