بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن وآلاه، أما بعد:
فلا يخفى فضل اللغة العربية، وشرفها، وعظم شأنها.
ولا يخفى أنها تحتوي على علوم شتَّى، كعلم النحو، وعلم الصرف، وعلم البلاغة، وعلم الأدب، وعلم العروض، وما جرى مجرى ذلك.
وتحت كل علم من هذه العلوم أفراد كثيرة من المسائل، والتفريعات.
وإن من أشرف علوم اللغة، وأعظمها علم: (فقه اللغة).
ومع شرفه، وأهميته، وعناية العلماء به، وارتباطه بكثير من العلوم _ فإنه يخفى على كثير من الناس؛ فقد لا تجد له ذكراً عند غير المتخصصين.
ولقد يسَّر الله لي جمع ما تيسَّر من شتات ذلك العلم، وترتيب منثوره، وتقصير بعض تطويله، وتقريب ما بعد من مسائله، وربط ما كتبه الأقدمون بما كتبه المحدثون، وإضافة ما استجد من قضايا ذلك العلم، وذلك في كتاب عنوانه:
(فقه اللغة _ مفهومه، موضوعاته، قضاياه)
وقد جاء ذلك الكتاب في مجلد واحد، وعدد صفحاته 517 صفحة من القطع الكبير.
ولمَّا كان ذلك الكتاب مطوَّلاً، وقد تشق قراءته على غير المتخصصين رأيت اختصاره؛ ليسهل اقتناؤه، وقراءته، وتداوله، وليكون أشبه بالمتن أو المقدمة التي تأتي على مقاصده؛ فكان هذا الكُتَيِّب الذي جاء حاملاً المُسمَّى التالي:
(مقدمة في فقه اللغة)
ورغبة في مزيد من الاختصار حذفت حواشي الكتاب، وهوامشه؛ فمن أراد التوسُّع، والبسط، والعزو _ فليرجع إلى الأصل.
فأسأل الله أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجه الله، إنه سميع قريب.
محمد بن إبراهيم الحمد
16/6/1427هـ
الزلفي 11932ص ب: 460
www.Toislam.Net
Alhamad@Toislam.Net
قبس من التنزيل في التنويه بشأن العربية:
قال الله _عز وجل_ : [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)] يوسف.
وقال: [وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً] طه: 113.(1/1)
وقال: [نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)] الشعراء.
وقال: [كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)] فصلت.
وقال: [إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)] الزخرف.
نماذج من عناية السلف بالعربية:
قال عمر بن الخطاب÷: =تعلموا العربية؛ فإنها تزيد المروءة+.
وقال شعبة×: =تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في العقل+.
وقال عبدالملك بن مروان×: =أصلحوا ألسنتكم؛ فإن المرء تنوبه النائبة، فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان+.
العربية في أعين العلماء:
قال الثعالبي ×: =من أحب الله أحب رسوله المصطفى"ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب+.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: =إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب+.
أولاً: تعريف فقه اللغة باعتبار مفرديه:
1_ تعريف كلمة (فقه): الفقه هو العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة فيه.
يقال: فَقُه الرجل فقاهة إذا صار فقيهاً، وفَقِه: أي فهم فقهاً.
وقد غلب استعمال (الفقه) على علوم الدين؛ لشرفها، وذلك من باب تخصيص الدلالة، ولكنه يستعمل في غير علوم الدين بقرينة.
2_ تعريف كلمة (اللغة): اللغة مشتقة من لغا يلغو: إذا تكلم؛ فمعناها الكلام؛ فهذا تعريفها في اللغة.
أما في الاصطلاح فعرفت بتعريفات عديدة، أشهرها ما ذكره أبو الفتح ابن جني في كتابه (الخصائص) حيث قال:
=حد اللغة: أصوات يعبِّر بها كل قومٍ عن أغراضهم+.
وعرفها ابن الحاجب بأنها: =كل لفظ وضع لمعنى+.
ويراها آخر بأنها: =معنى موضوع في صوت+.(1/2)
ثانياً: تعريف فقه اللغة اصطلاحاً باعتبار تركيبه: يطلق فقه اللغة في الاصطلاح على العلم الذي يعنى بدراسة قضايا اللغة؛ من حيث أصواتها، ومفرداتها، وتراكيبها، وفي خصائصها الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية، وما يطرأ عليها من تغييرات، وما ينشأ من لهجات، وما يثار حول العربية من قضايا، وما تواجهه من مشكلات إلى غير ذلك مما يجري ويدور في فلكه مما سيأتي ذلك عند الحديث عن موضوعات فقه اللغة.
ويمكن أن يعرف تعريفاً موجزاً، فيقال: هو العلم الذي يعنى بفهم اللغة، ودراسة قضاياها، وموضوعاتها.
فقه اللغة هو ذلك العلم الذي يُدْرَس، ويتناول موضوعات مُعيَّنة سبق الحديث عن بعضها.
وفيما يلي ذكر لموضوعات فقه اللغة بشيء من الإيضاح المجمل.
1_ القول في أصل اللغة، والخلاف في ذلك.
2_ خصائص اللغة العربية، وما تنطوي عليه من أسرار وجمال.
3_ معرفة سنن العرب في كلامهم، وأساليبهم.
4_ علم الأصوات اللغوية، ولهجات العرب، واختلافها.
5_ بنية الكلمة العربية وهو ما يسمى بالصرف.
6_ الجملة، أو التركيب وهو ما يسمى بالنحو.
7_ دلالة الألفاظ،وتطورها، وانحطاطها.
8_ الاشتقاق بأنواعه، والحقيقة، والمجاز، والمشترك، والمترادف، والمتضاد، والنحت، والتعريب.
9_ المعاجم العربية، ومدارسها، ومناهج أصحابها.
10_ مسألة تنقية اللغة، وما تواجهه العربية من عقبات ومشكلات، وما يحاك ضدها من مؤامرات.
11_ مواكبة العربية للجديد، واستيعابها للمصطلحات الجديدة.
12_ قضايا الدعوة إلى العامية، وترك الإعراب، وإصلاح الخط العربي، وما إلى ذلك.
13_ العناية بالدراسات التي تقوم بها المجامع اللغوية، وما يتمخض عنها من نتائج وقرارات.
هذه على سبيل الإيجاز موضوعات فقه اللغة، مع ملاحظة أن كثيراً من تلك الموضوعات داخل في بعض، وسيأتي _ إن شاء الله _ تفصيل لتلك الموضوعات.(1/3)
لسائل أن يسأل: ما الهدف من دراسة فقه اللغة، وما الثمرة المرجوة من ذلك؟ وما الغاية التي يراد الوصول إليها من خلاله؟
والجواب أن يقال:
1_ أن ذلك باب عظيم من أبواب العلم، يجمل بالفاضل أن يقف عليه، ولو لم يتعمق فيه.
2_ الوقوف على شيء من بديع صنع الله _ عز وجل _: فدراسة الأصوات اللغوية _ على سبيل المثال _ تطلعنا على الجهاز الصوتي الذي يعد آية من آيات الإبداع الإلهي.
3_ التمكن من النطق السليم: فمعرفة مخارج الأصوات، وصفاتها وما يترتب على ذلك من مباحث مهمة _ تعين على النطق السليم للغة.
4_ الاعتزاز باللغة العربية: فدراسة اللغة دراسة علمية تجعلنا ندرك ميزاتها، وتمكننا من معرفة أسرارها.
وذلك يدعو إلى الاعتزاز بالعربية اعتزازاً مبنياً على واقع مدروس.
5_ مواجهة ما يحاك ضد العربية: كاتهامها بالصعوبة، والجمود، وكالمناداة بترك الإعراب، والتوجه إلى العامية، وكتابة الحروف بحروف جديدة إلى غير ذلك من الدعاوى التي تحاك ضد العربية، والتي يراد منها هدم الدين، أو التشكيك فيه، أو إضعاف أثره في نفوس أهله.
ولا ريب أن مواجهة مثل هذه الدعاوى وأمثالها نوع من الجهاد الذي يُكْسِبُ صاحبَه شكوراً، وتزداد به صحيفةُ أعماله نوراً.
6_ تعظيم السلف الصالح: فالوقوف على ما بذلوه من جهود جبارة في سبيل خدمة لغة القرآن يبعث في نفس المُطَّلع على ذلك إجلالُ أولئك السَّراة وتعظيمهم، والحرص على أن يبني كما بنوا.
7_ سد الحاجة، ومواكبة التطور: فالعلم باللغة، والوقوف على دلالتها يسد حاجة عظيمة، سواء في تعريب الألفاظ، أو الاستغناء عن المصطلحات الدخيلة، أو في بيان المقصود مما يفد إلى أمتنا من ألفاظ، أو أخلاق، أو مصطلحات، كمصطلح العلمانية مثلاً، أو مصطلح الإرهاب أو غير ذلك؛ فإذا نقلناه كما هو معروف عند الغرب أحدث عندنا خلطاً وبلبلة.
فإذا أعطي معناه الصحيح المحدد أراحنا من كثير من البلايا.(1/4)
8_ خدمة العلوم الأخرى: ففقه اللغة له علاقة بكثير من العلوم _ كما سيأتي بيان ذلك _ فالوقوف عليه، ومعرفته يخدم كثيراً من التخصصات والعلوم الأخرى.
للبحث اللغوي مناهج مختلفة أشهرها أربعة:
1_ المنهج الوصفي: وهو بحث ظاهرة لغوية معينة في فترة محددة.
وذلك بملاحظة تلك الظاهرة، ووصفها، والحديث عن جوانبها، وكشف خصائص تلك الظاهرة.
ويعد المنهج الوصفي أهم مناهج البحث في اللغة، وأكثرها استعمالاً.
2_ المنهج التاريخي: وهو الذي يبحث في قضية لغوية من حيث تطورها، وتغيراتها خلال التاريخ.
3_ المنهج المقارن: ويعني المقارنة بين لغتين أو أكثر من اللغات التي تنتهي إلى مجموعة واحدة، محاولاً توضيح ما بينهما من خلافات أو تقارب في الأصوات، أو البنية، أو الدلالات، أو التراكيب.
4_ المنهج العام: وهو الذي يفيد من المناهج السابقة، ويحاول إيجاد قواعد عامة تصدق على أكثر اللغات.
يرجع اهتمام الإنسان باللغة إلى عصور سحيقة؛ فقد نُقِل عن كثير من الأمم والشعوب عنايتهم باللغة، واشتغالهم بقضاياها، وظواهرها.
ولم يؤثر عن العرب قبل الإسلام إلا عنايتهم بالشعر، والخطابة، وإنما بدأ اهتمامهم باللغة وعلومها بعد ظهور الإسلام.
ويكاد يكون القرن الثاني الهجري بداية النشاط العلمي الفعلي لجمع اللغة والتأليف فيها.
4_ وقد أُلِّف في القرن الثاني مؤلفات عظيمة، وأعظمها كتاب (العين) للخليل بن أحمد، وكتاب سيبويه.
فكتاب (العين) للخليل بن أحمد: وهو أول معجم عربي، بناه مؤلفه على طريقة مبتكرة من الترتيب الصوتي ؛ إذ استطاع الخليل أن يرتب مخارج الأصوات من أقصى الحلق إلى الشفتين، ويقيم معجمه على نظام التقاليب _ وهو ما سيتبين أكثر عند الحديث عن المعاجم العربية _ .
كما أنه × استطاع أن يحدد المهمل من كلام العرب، والمستعمل.(1/5)
ولعظم هذا العمل صعب على كثير من أعداء الإسلام والعربية أن ينسبوه إلى الخليل؛ فراحوا يكيلون التهم، ويدَّعون أن الخليل اقتبسه عن غيره من الأمم السابقة التي عرفت النظام الصوتي والمعجمي.
وأما الكتاب الآخر فهو (كتاب سيبويه): وهو عمرو ابن عثمان بن قنبر الملقب بـ: سيبويه.
وكتابه يعد _ بحق _ دستور النحو العربي، والذي اتخذه العلماء بعد سيبويه أساساً لمؤلفاتهم شرحاً وتحليلاً.
وكل ما أضيف إلى النحو العربي بعد هذا الكتاب لا يقارن بالكتاب.
وقد عالج سيبويه × في كتابه القضايا النحوية، والصرفية.
كما تحدث عن الأصوات: مخارجها، وصفاتها في آخر الكتاب.
كما أنه اشتمل على مسائل في التقديم والتأخير، ومعاني الحروف، ومحاسن العطف، ونحوها؛ فكان عمدة علماء البلاغة من بعده، فهو يعد عملاً لغوياً متكاملاً؛ ولقد كان كتابه محل القبول، والثناء، وكان له منزلة مرموقة.
ظل العلماء العرب مهتمين بالتأليف اللغوي من جوانبه المختلفة إلى أن كان القرن الرابع الهجري الذي يعد عصر ازدهار العلوم اللغوية؛ ففي هذا القرن وُجد عدد كبير من علماء اللغة الذين أثروا المكتبة العربية بتآليفهم اللغوية.
ولعل تأليف المعاجم كان أبرز ما ألف آنذاك؛ فمن المعاجم التي ألفت:
1_ الجمهرة لابن دريد ت321هـ
2_ ديوان الأدب للفارابي ت350هـ
3_ البارع للقالي ت358هـ
4_ التهذيب للأزهري ت370هـ
5_ الصحاح للجوهري ت400هـ
كما ألف عدد من الكتب في القراءات القرآنية، والنحو والصرف، والأصوات، وغيرها.
أما البداية الحقيقية لفقه اللغة، وظهوره كعلم مستقل _ فكانت على يد عالمين من علماء اللغة الكبار في القرن الرابع؛ حيث كان لهما أكبر الأثر في التأليف في (فقه اللغة) وتعد مؤلفاتهما البداية الحقيقة لإفراد هذا العلم بكتب خاصة.(1/6)
الأول: أبو الحسين أحمد بن فارس ت395هـ: الذي ألف مجموعة من الكتب اللغوية وغيرها، ومنها كتاب: (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها).
وترجع أهميةُ هذا الكتاب إلى أمور عديدة لعل أهمها كونه أول كتاب في العربية يحمل اصطلاح (فقه اللغة).
وبه تأثر المؤلفون من بعده، واتخذوا هذا الاصطلاح فناً لغوياً مستقلاً.
وقد عالج ابن فارس × في كتابه (الصاحبي) عدداً من الموضوعات التي تعد من صميم فقه اللغة، وجمع في كتابه ما تفرق في كتب من سبقه.
والآخر: أبو الفتح عثمان بن جني: كان أبوه جنيٌّ مملوكاً رومياً لسليمان ابن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي.
وجِنِّي بكسر الجيم وتشديد النون مكسورة، وسكون الياء معرَّب كِنِّي.
ولد في الموصل سنة 300هـ، وقيل 322هـ وتوفي في بغداد عام 392هـ.
وله فيما يعد من صميم فقه اللغة كتابان جليلان.
أولهما: كتاب (الخصائص): حيث عالج فيه كثيراً من قضايا فقه اللغة، وقدم نظريات وآراء تجاري أو تفوق أحدث ما قال به العلماء في العصر الحديث.
وقد تحدث في كتابه المذكور عن موضوعات كثيرة تعد من صميم فقه اللغة.
أما كتابه الثاني فهو: (سر صناعة الإعراب): وقد خصَّصَه ابن جني لدراسة الأصوات؛ فكان أول عالم في العربية يفرد هذا البحث بكتاب مستقل؛ حيث كان قبله يُدْرَسُ ضمن بحوث النحو كما في كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد.
وقد قدم ابن جني في كتابه مباحث قيمة في علم الأصوات مستفيداً من سابقيه، ومضيفاً إليه الكثير.
وبعد ذلك تتابعت التآليف في هذا الباب، ومنها:
فقه اللغة وسر العربية لأبي منصور الثعالبي430هـ، والمخصص لابن سيدة ت458هـ، والمُعَرَّب للجواليقي ت540هـ، والمزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي ت911هـ: وهذا الكتاب موسوعة في علوم اللغة، وقد ضمنه موضوعات لغوية عديدة اقتبسها من كتب السابقين، ورتبها وعرضها عرضاً جيداً.(1/7)
وفي عصرنا الحديث ألف كثير من العلماء، والأساتذة المختصين في الدراسات اللغوية كتباً في اللغة وعلومها، ومنهم من تأثر بالمناهج الأوربية الحديثة، ومنهم من جمع بين التراث والمناهج الحديثة.
ومن المؤلفات الحديثة في هذا الشأن ما يلي: دراسات في العربية وتاريخها للعلامة محمد الخضر حسين التونسي 1293_1377هـ، وتاريخ آداب العرب لمصطفى صادق الرافعي؛ حيث ضمنه كثيراً من مباحث فقه اللغة خصوصاً الجزء الأول منه، ومن أسرار اللغة د. إبراهيم أنيس، وفقه اللغة د. علي عبدالواحد وافي، وعلم اللغة د. علي عبدالواحد وافي، وفقه اللغة في الكتب العربية د. عبده الراجحي، ودراسات في المعاجم العربية د. أمين فاخر.
لقد شغلت قضية نشأة اللغة الإنسانية المفكرين على مر العصور، وتصدى للبحث عنها كثير من العلماء، والفلاسفة، والمتكلمين، واللغويين.
ولقد بُذلت جهود كثيرة، وأجريت تجارب متعددة لكشف هذه القضية، فلم يجمعوا على قول واحد، بل ذهبوا في البحث مذاهب شتى، وتوصلوا إلى نظريات عديدة أشهرها أربع نظريات هي:
الأولى: نظرية التوقيف والإلهام: وخلاصة هذه النظرية عند القائلين بها أن اللغة الإنسانية إلهام، ووحي من الله _ عز وجل _ لا يَدَ للإنسان في وضعها؛ فهو أعجز من ذلك؛ فهي _إذاً_ توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها.
النظرية الثانية: نظرية التواضع والاصطلاح، أو يقال: المواضعة:
وتتلخص هذه النظرية في أن اللغة مواضعة واتفاق بين الناس؛ بحيث يصطلحون على كذا وكذا من الألفاظ.
النظرية الثالثة: نظرية المحاكاة والتقليد: وتتلخص هذه النظرية بأن نشأة اللغة بدأت محاكاةً للأصوات الطبيعية، وتقليداً للأصوات المسموعة من الحيوانات والأشجار، وصوت الرعد وغيره.(1/8)
النظرية الرابعة: نظرية الغريزة الكلامية: وهي إحدى النظريات الحديثة، وترى أن الإنسان مزود بغريزة خاصة كانت تحمل كل إنسان على التعبير عن كل مُدْرَكٍ حسيٍّ، أو معنوي بكلمة خاصة، ولذا اتحدت المفردات والتعابير عند الإنسان الأول، وأنه بعد نشأة اللغة لم يستخدم الإنسان هذه الغريزة؛ فانقرضت.
هذه هي أشهر النظريات حول نشأة اللغة، وهناك نظريات أخرى حاولت حل هذه المشكلة، ولكنها لم تصل بالموضوع إلى نهاية يُوْقَفُ عندها.
هل يمكن التوفيق بين النظريات السابقة؟
هناك محاولة للتوفيق بين هذه النظريات؛ إذ إنَّ كلاً منها يحتمل شيئاً من الصواب، ويَتَوَجَّهُ إليه اعتراض؛ فلو جمعنا النظريات، وأخذنا الجانب الإيجابي من كل منهما دون إغفال لنظرية أخرى لربما أمكن الوصول إلى تصور أفضل.
فمما لاشك فيه أن الله _ تعالى _ علم آدم _ عليه السلام _ الأسماء، ولو تركنا البحث والخلاف في معنى الأسماء، وتصورنا قدراً من اللغة تعلمه آدم وأولاده من بعده ثم ذريتهم، وأضفنا إلى ذلك أن الله _ عز وجل _ قد وهب الإنسان قدرة على التعبير عما في نفسه؛ فذلك الجهاز المسمى بجهاز النطق، وذلك العقل المدبر المحرك للإنسان قادران على التعبير عما يستجد من أمور إما عن طريق التقليد والمحاكاة _كما نرى في محاولات الأطفال_ وإما عن طريق الاصطلاح كما يحدث كلما جدَّ جديد في الحياة وُضع له الاصطلاح المناسب.
وبهذا يمكن الجمع بين النظريات جميعاً في تصور نشأة اللغة الإنسانية.
أولاً: معنى اللهجة: يفهم من معنى اللهجة في المعاجم العربية أنها اللغة، أو طريقة أداء اللغة، أو النطق، أو جَرْس الكلام ونغمته.
ويعرِّفها المُحْدَثون بأنها: الصفات أو الخصائص التي تتميز بها بيئة ما في طريقة أداء اللغة أو النطق.(1/9)
ثانياً: انقسام اللهجات والعلاقة بينها: وبناءاً على ذلك التعريف السابق فاللغة الواحدة قد تنقسم إلى عدة بيئات لغوية لكل منها لهجة خاصة، أو صفات لغوية معينة، ويشترك أفراد البيئات المختلفة أو المتكلمون باللهجات المتعددة _ في أكثر خصائص اللغة.
فإذا قلنا: اللغة العربية قصدنا اللغة التي يتفاهم بها المسلمون، ويقرؤون بها ويكتبون، ويسمعون عباراتهم، فيفهمونها.
أما إذا قلنا لهجة الجنوب، أو الشام قصدنا طريقة أداء أهل تلك المنطقة للغة، فقد تكون لهم خصائص معينة يختلفون فيها عن غيرهم.
ثالثاً: أسباب حدوث اللهجات: هناك عوامل مختلفة تؤدي إلى حدوث اللهجات، منها ما يلي: العامل الجغرافي، والعامل الاجتماعي، والعامل السياسي، والصراع اللغوي والاحتكاك.
رابعاً: لماذا ندرس اللهجات؟: اللهجة ظاهرة لغوية موجودة في كل بيئة وفي كل عصر، ودراسة اللهجة ليس دعوة إلى نصرة اللهجات والعاميات، ولكنَّ دراسة اللهجات العربية لها مسوغات، وينتج عنها فوائد منها:
1_ أنها تفيد في تفسير بعض قضايا العربية ومفرداتها ودلالاتها؛ فظواهر الاشتراك، والتضاد، والترادف، والإبدال، وغيرها يمكن أن يُرَدَّ كثيرٌ منها إلى اختلاف اللهجات العربية.
2_ ودراسة اللهجات تعين على تفسير كثير من القراءات القرآنية، ومعرفة اللهجات التي وردت عليها.
3_ كما تفسر لنا كثيراً من اللهجات الحديثة ويعرفنا بأصولها، وكيفية حدوثها.
لقد كان لسيادة اللغة القرشية _ لغة القرآن الكريم _ أثر كبير في نظرة علماء العربية إلى غيرها من اللهجات؛ حيث أضرب بعضهم عن نقل غير الفصيح لأنهم يفضلون لغة قريش على غيرها.
ولأن قريشاً كانت تختار من لغات العرب أفصحها، فتضمها إلى لغتها، وتستعملها.(1/10)
وعلى الرغم من شيوع تلك اللغة في العصر الجاهلي، وأنها أصبحت لغة الأدب عامة، وأن القبائل العربية قد اصطلحت فيما بينها على هذه اللغة الفصحى، وأن الشعراء كانوا على اختلاف قبائلهم وتباعدها وتقاربها ينظمون شعرهم في تلك اللغة، وأن الواحد منهم إذا أراد نظم الشعر تجافى عن لهجة قبيلته المحلية إلى تلك اللهجة الأدبية العامة، بالرغم من ذلك كله كانت هناك لهجات كثيرة تميزت بها بعض القبائل، وظلت آثارها واضحة على ألسنتها إلى القرن الثاني للهجرة، حيث سجلها بعض اللغويون، وأطلقوا عليها ألقاباً تدل على استهجان هذه اللهجات ولم يكونوا يُعنون بنسبة هذه اللهجات إلى أصحابها؛ فقد كانت تهمهم الصحة اللغوية، وكأنهم يريدون التنبيه على ما يخالف اللغة الأدبية العامة التي نزل بها القرآن؛ ولهذا يلاحظ أنهم قد يختلفون في نسبة اللهجة؛ فقد ينسبها عالم إلى قبيلة، وينسبها غيره إلى قبيلة أخرى.
ومن اللهجات التي كانت معروفة عند بعض قبائل العرب ما يلي:
1_ الكشكشة: وهي في ربيعة ومضر، وقد تروى لأسد، وهوازن.
والكشكشة: هي إبدال كاف الخطاب في المؤنث شيناً في حالة الوقف وهو الأشهر، وبعضهم يثبتها في حال الوصل _أيضاً_.
فيقولون في رأيتكِ: رأيتكش، وبكِ: بكش، وعليكِ: عليكش.
وبعضهم يجعل الشين مكان الكاف ويكسرها في الوصل، ويسكنها في الوقف فيقولون في مررت بك اليوم: مررت بشِ اليوم، وفي مررت بكْ في الوقف: مررت بشْ.
وأنشدوا على ذلك قول المجنون:
فعيناش عيناها وجيدش جيدها ... ولكن عظم الساق منشِ دقيق
يريد: عيناك، وجيدك، ومنك.
وقول الآخر:
يا دار حييت ومن ألمَّ بش ... عهدي ومن يحلل بواديش يَعِش
يريد: بكِ، وبواديكِ.
2_ الكسكسة: وهي إبدال كاف المخاطبة سيناً، أو زيادة سين على كاف المخاطبة؛ وهي كالكشكشة إلا أن السين تحل محل الشين، في هذه اللهجة.(1/11)
3_ الشَّنْشَنة: وهي قلب الكاف شيناً مطلقاً، فيقولون: في لبيك اللهم لبيك: لبيش اللهم لبيش، ويقولون في: كيف: شيف، أو تشيف.
وتنسب هذه اللهجة إلى قبائل من اليمن، وتغلب، وقضاعة.
4_ التلتلة: وهي كسر أحرف المضارعة مطلقاً، وينسبها بعض العلماء إلى كثير من قبائل العرب كتيم، وخصوصاً بطن بهراء منها.
وتنسب كذلك إلى قيس وغيرها.
بل زعم بعضهم أن هذه لغة العرب جميعاً عدا أهل الحجاز.
وقد جاءت هذه اللهجة في القرآت القرآنية مثل: (نِستعين، وتِبيض، وتِسود).
5_ الطمطمائية: وهي إبدال لام التعريف ميماً.
وقد جاء على اللهجة قول النبي ": =ليس من أمبر امصيام في أمسفر+ أي: (ليس من البر الصيام في السفر).
6_ العنعنة: وهي قلب الهمزة المبدوء بها عيناً.
فيقولون في: إنك: عِنكَّ، وفي أسلم: عسلم، وفي إذن: عِذن، وهلم جراً.
7_ العجعجة: وهي جعل الياء المشددة جيماً، فيقولون في تميمي: تميمج.
وكذا يجعلون الياء الواقعة بعد عين، فيقولون في الراعي: الراعج وهكذا.
وتنسب هذه اللهجة إلى قضاعة؛ ولهذا يقال: عجعجة قضاعة.
وقد ورد عليها شواهد شعرية كثيرة أودعها النحاة والصرفيون كثيراً من مؤلفاتهم.
قال الأصمعي: حدثني خلف، قال: أنشدني رجل من أهل البادية _ وقرأتها عليه في الكتاب:
عمي عويف وأبو عَِلجّ ... المطعمان اللحم في العشجّ
وما لغداة فلق البرنجْ ... تُقلع بالودِّ وبالصِّيْصِجّ
يريد أبو علي، وبالعشي، والبرني _ وهوضرب من أجود التمر _ وبالصيصية، وهي قرن البقرة، ويروى البيت: خالي عويف...
هذا ذكر لبعض عيوب المنطق بأسمائها وهي:
1_ التمتمة: ويقال لصاحبها: التمتام، وذلك إذا تعتع في التاء، فإذا تردد في الفاء فتلك:
2_ الفأفأة: وصاحبها فأفاء.
3_ والعقلة: وهي التواء اللسان عند الكلام.
4_ والحبسة: تعذر النطق ولم يبلغ المتكلم حد الفأفاء ولا التمتام، ويقال: إنها تعرض في أول الكلام فإذا مر فيه انقطعت.
5_ واللفف: إدخال بعض الكلام في بعض.(1/12)
6_ والرتة: إيصال بعض الكلام ببعض دون إفادة.
7_ والغمغمة: أن يسمع الصوت، ولا يبين لك تقطيع الحروف، ولا تفهم معناه.
8_ والطمطمة: أن يكون الكلام شبيهاً بكلام العجم؛ وقيل هي إبدال الطاء تاءً؛ لأنهما من مخرج واحد، نحو: السُّلتْان في (السلطان).
9_ واللكنة: وهي إدخال بعض حروف العجم في بعض حروف العرب، ومنها قولهم: فلان يرتضخ لكنة فارسية.
وعدوا منها إبدال الهاء حاء، والعين همزة.
10_ والغنة: وهي أن يشرب الصوت الخيشوم، ثم هي عيبٌ إذا جاءت في غير حروفها.
11_ والخنة: ضرب منها.
12_ والترخيم: حذف بعض الكلمة لتعذر النطق به.
13_ اللثغة: قال بعضهم: (وتكون في أربعة حروف (ق، س، ر، ل) فالتي تعرض للقاف يجعلها طاءً، فيقول: طلت في (قلت) ومنهم من يبدلها كافاً.
وأما السين فتبدل ثاءً.
والتي تعرض في الراء أربعة أحرف: منهم من جعلها غيناً، ومنهم عيناً، ومنهم ياء، ومنهم زاياً؛ فينطقون لفظ (عمرو) على أنواع اللثغة هكذا: (عمغ، وعمع، وعمي، وعمز).
أولاً: سيادة لهجة قريش:
مر بنا عند الحديث عن اللهجات أن هناك لغة مشتركة كان العرب ينظمون بها شعرهم وخطابهم، وأنهم اصطلحوا على هذه اللهجة الفصحى.
وهذه اللهجة أو اللغة المشتركة يطلق عليها أحياناً لغة قريش التي نزل بها القرآن الكريم، ووصلنا بها الشعر الجاهلي.
ولقد كان لقريش الحظ الأوفر من هذه اللغة، مما حدا ببعض الباحثين إلى تسميتها بالقرشية.
بل لقد استقر في نفوس الأسلاف أن هذه اللهجة الفصحى إنما هي لهجة قريش، وأن قريشاً كانوا أفصح العرب، وأنهم مع ذلك كانوا يتخيرون من كلام الناس أحسنه وأصفاه.
ثانياً: عوامل سيادة لهجة قريش
لقد تضافرت عوامل عديدة جعلت قريشاً تسود العرب زعامة، ومدنية، ولغة قبل الإسلام.
ولقد مرَّ شيء من ذلك فيما سبق، وفيما يلي إجمال لتلك العوامل:
1_ المكانة الدينية لموقع قريش: فقريش تقطن مكة، والعرب يحجون البيت الحرام، ويعترفون لقريش بالنفوذ الديني.(1/13)
2_ العامل الاقتصادي: فأسواق مكة، وشهرتها الاقتصادية، وقيامها بين الشام واليمن جعل لقريش مكانة عظيمة بين القبائل.
3_ العامل الثقافي: حيث كان التجار والشعراء والخطباء يرتادون أسواق مكة، ومنتدياتهم الثقافية والأدبية.
4_ العامل السياسي والجغرافي: حيث كانت مكة أبعد المناطق عن صراع الفرس والروم والأحباش.
5_ سعة لغة قريش وغزارتها: فلغة قريش كانت أوسع اللغات ثروة، وأغزرها مادة، وأبعدها عن اللهجات المعيبة _كما مرَّ_.
6_ نزول القرآن بها: فالقرآن الكريم نزل بلغة عربية أكثرها لقريش، ولكنها معروفة للعرب جميعاً.
أولاً: نهوض الإسلام بالعربية: نهض الإسلام بالعربية أيما نهوض؛ حيث ارتقت اللغة في صدر الإسلام إلى طورها الأعلى؛ بسبب ما جاء به القرآن الحكيم من صور النظم البديع، وما تفجر في أقوال النبي " من ينابيع الفصاحة، وما أفاضه الإسلام على العقول من الأفكار، ومطارحة الأرآء.
ومن مظاهر نهوض الإسلام بالعربية: سمو الأغراض، وتهذيب الألفاظ، واكتساب كثير من الألفاظ دلالة خاصة، وظهور كثير من الألفاظ الإدارية والسياسية، وتهيؤ اللغة العربية لاستيعاب كافة العلوم، ودخول كثير من المصطلحات العلمية.
ثانياً: فضل اللغة العربية: وللغة العربية فضل وامتياز عن غيرها من اللغات، وذلك من جهات عديدة: من جهة اعتدال كلماتها، وفصاحة مفرداتها، وتعدد أساليبها، وطرق اختصارها، وارتقاؤها مع المدنية، وأنها أقرب لغات الدنيا إلى قواعد المنطق.
المُعَرَّب أحد الموضوعات التي تبحث في فقه اللغة، والحديث عنه سيكون في المسائل التالية:
أ_ تعريفه: وهو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعان في غير لغتها، أو هو ما تفوهت به العرب على غير منهاجها.
ب_ أسماؤه الأخرى: يُعْرَف بعدة أسماء تدل عليه، منها: التعريب، الدخيل، المولد.
ج_ الخلاف في وقوعه: اختلف العلماء في وقوع المُعرب في القرآن الكريم على ثلاثة أقوال:(1/14)
القول الأول: قول القائلين بالمنع: وهذا قول الشافعي، وأبي عبيدة، وابن فارس وغيرهم.
القول الثاني: قول القائلين بوقوعه: وقد استدلوا على ذلك _ كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام _ بما =روي عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، وعطاء وغيرهم من أهل العلم أنهم قالوا في أحرف كثيرة: إنها بلغات العجم، ومنها قولهم: طه، واليم، والطور، والربانيون فيقال: إنها بالسريانية.
والصراط، والقسطاس، والفردوس يقال: إنها بالرومية.
ومشكاة، وكِفْلَينِ يقال: إنها بالحبشية.
وهيت لك إنها بالحورانية؛ فهذا قول أهل العلم من الفقهاء+.
وأجاب المجيزون لوقوع المُعَرَّب عن قوله _ تعالى _: [قُرْآناً عَرَبِيّاً] بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربياً، وأن القصيدة بالفارسية لا تخرج عنها بلفظة عربية تكون فيها.
وأجابوا عن قوله _ تعالى _: [أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ] بأن المعنى من السياق =أكلام أعجمي ومخاطب عربي+.
القول الثالث: التوفيق بين الرأيين والجمع بين القولين: قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القولين السابقين:
=والصواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعاً؛ وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب؛ فعرَّبتها بألسنتها، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها؛ فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب؛ فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية فصادق+.
ومال إلى هذا القول الجواليقي، وابن الجوزي وغيرها.
د_ أُلِّف في المعرب كتب أشهرها: (المعرَّب) للجواليقي.
هـ_ علامات العجمة أو المعرب: قال أئمة العربية تعرف عجمة الكلمة بوجود علامات منها:
1_ النقل: وذلك بأن ينقل عن أحد أئمة العربية كالأصمعي أو غيره بأن هذه الكلمة ليست عربية.(1/15)
2_ مخالفة الكلمة للأوزان العربية: وذلك بأن يخرج الاسم عن أوزان الأسماء العربية، نحو إبْرِيسم؛ فإن مثل هذا الوزن مفقود في أبنية الأسماء في اللسان العربي.
3_ أن يكون أوله نون ثم راء: نحو: نرجس؛ فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية، وكذلك (نرس) و (نورج) و (نرسيان) و (نَرْجه).
4_ أن يكون آخره زاياً بعد دال: نحو: مهندز؛ فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية.
5_ أن يجتمع في الكلمة الصاد والجيم: نحو: الصولجان، والجص، والصنجق.
6_ أن يجتمع في الكلمة الجيم والقاف: نحو: المنجنيق.
7_ خلو الكلمة الرباعية أو الخماسية من أحرف الذلاقة: وسميت بذلك _ كما مر في الحديث عن صفات الحروف ومخارجها _ لخروج بعضها من ذلق اللسان _ أي طرفه _ وخروج بعضها من ذلق الشفة.
وهي مجموعة في قولك: (مُرَّ بنفل) ؛ فإنه متى كان اللفظ عربياً فلا بد أن يكون فيه شيء منها نحو: سفرجل، وقُذعمل، وقِرْطَعْب، وجَحْمَرش؛ فإذا جاءك مثال خماسي، أو رباعي بغير حرف أو حرفين من أحرف الذلاقة فاعلم أنه ليس من كلامهم _ أي العرب _ مثل: (عفجش) و (خظائج).
8_ اجتماع الباء، والتاء، والسين: مثل: بستان.
9_ اجتماع الجيم والطاء: نحو: الطاجن، والطيجن.
10_ يندر اجتماع الراء مع اللام إلا في ألفاظ محصورة: مثل: ورل.
11_ لا يوجد في كلام العرب دال بعدها ذال إلا قليل: ولذلك أبى البصريون أن يقال بغداذ.
12_ مجيء الشين بعد اللام: قال ابن سيدة في المحكم: ليس في كلام العرب شين بعد لام في كلمة عربية محضة؛ الشينات كلها في كلام العرب قبل اللامات.
13_ الدراسات التاريخية والبحوث العلمية: فبذلك يمكن القول: إن هذا الحيوان، أو النبات، أو الدواء ليس موجوداً في جزيرة العرب، وبذلك نعرف أن الكلمة ليست بعربية.(1/16)
هذا وقد وجد الباحثون بعد الاستقصاء أن أكثر ما دخل العربية من أسماء المعبودات والمصطلحات فهو من الهيروغليفية، والحبشية، والعبرانية، وذلك كألفاظ الحج، والكاهن، وعاشوراء من العبرانية.
وأما أسماء العقاقير والأطياب فأكثرها هندي كالمسك؛ فإنه في اللغة السنسكيرتية (مشكا) والزنجبيل فهو فيها (زنجابير).
وأكثر ما يكون من أسماء الأطعمة والثياب والفرش، والأسلحة، والأدوات، والملابس، والأواني فهو من الفارسية.
أولاً: تعريفه:
قال عنه ابن فارس ×: =تسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد نحو: (عين الماء) و (عين المال) و (عين السحاب)+.
وقال السيوطي×: =وقد حدَّه أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة+.
ويمكن أن يعرف بتعريف مختصر فيقال: هو ما اتحد لفظه، واختلف معناه.
ثانياً: أمثلة من المشترك: أورد السيوطي × في المزهر أمثلة كثيرة من المشترك، ومنها:
1_ النوى: يطلق على الدار، والنية، والبُعْد.
2_ الهلال: هلال السماء، وهلال الصيد، وهلال النعل وهو الذؤابة، والهلال: الحية إذا سلخت، والهلال: باقي الماء في الحوض، والهلال: الجمل الذي أكثر الضِّراب حتى هزل.
3_ العين: وتطلق على معان كثير جداً، تكاد تكون أكثر ما في هذا الباب؛ فتطلق على: النقد من الدراهم والدنانير، وعلى مطر أيام لا يقلع يقال: أصاب أرض بني فلان عين، وعلى عين الماء، وعين البركة، والعين التي تصيب الإنسان، وعلى فم القربة، وعلى عين الشمس، وعلى الجاسوس، وعلى الباصرة.
ثالثاً: لطائف من المشترك: هناك أبيات من الشعر تضمنت ألفاظاً من المشترك، أنشد سلامة الأنباري في شرح المقامات:
لقد رأيت هذرياً جَلْسا ... يقود من بطن قديد جَلْسا
ثم رقى من بعد ذاك جَلْسا ... يشرب فيه لبناً وجَلْسا
مع رفقةٍ لا يشربون جَلْسا ... ولا يؤمون لهم جَلْسا(1/17)
جَلْس الأول: رجل طويل، والثاني: جبل عالٍ، والثالث: جبل، والرابع: عسل، والخامس: خمر، والسادس: نجد.
المتضاد نوع من المشترك، ويقال له: الأضداد، والتضاد.
أولاً: تعريفه: هو دلالة اللفظ الواحد على معنيين متضادين.
وقيل: هو أن يطلق اللفظ على المعنى وضده.
مثاله: الجون: يطلق على الأسود، والأبيض.
ثانياً: كيف يفهم المراد من اللفظ إذا كان متضاداً؟:
يفهم من خلال السياق، مثال ذلك كلمة: (جلل) فهي تدل على الشيء اليسير الحقير، وتدل على الشيء العظيم.
فمن الأول: قول لبيد _ رضي الله عنه _:
كل شيء ما خلا الله جلل ... والفتى يسعى ويلهيه الأمل
ومن الثاني قول الشاعر:
قومي هُمُ قتلوا أميمَ أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن سطوت لأهنن عظمي
فمن خلال سياق الكلام في البيت الأول نعلم أن المقصود بـ:(الجلل): الأمر اليسير الحقير، ومن خلال السياق في البيتين الأخيرين نعلم أن المقصود بقوله: (جللاً) أنه الأمر العظيم؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير وهكذا. . .
ثالثاً: المؤلفات في الأضداد: ممن ألف في الأضداد _كما ذَكر السيوطيُّ_ قطربٌ، والتوزيٌّ، وأبو البركات ابن الأنباري، وابن الدهان، والصغاني.
هذا عدا الفصول التي وردت في كتاب الجمهرة لابن دريد، والغريب المصنف لأبي عبيد، والصاحبي لابن فارس، والمخصص لابن سيدة، وفقه اللغة للثعالبي، وديوان الأدب للفارابي، والمزهر للسيوطي.
ولكن أعظم هذه الكتب خطراً، وأوسعها كلماً، وأحفلها بالشواهد، وأشملها للعلل هو كتاب أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري المعروف بابن الأنباري ت327هـ.
حتى قيل: إن كتاب أبي بكر بن الأنباري لم يؤلف مثله في الأضداد.(1/18)
وقد اشتمل الكتاب على 357 لفظاً من الأضداد؛ فأتى على جميع ما ألف قبله، وأربى عليه، وجاء بالعجيب من أراجيز العرب، وشواهد القرآن والحديث والشعر في كثرة بالغة، وإسهاب كثير، مع عذوبة المورد، ووضوح التعبير، وإشراق الدلالة، واطراد التنسيق.
رابعاً: أمثلة وشواهد للأضداد: هذه أمثلة للأضداد مختارة باختصار دون تفصيل من كتاب الأضداد لابن الأنباري×.
1_ القرء: حرف من الأضداد، يقال: القرء للطهر وهو مذهب أهل الحجاز، والقرء للحيض، وهو مذهب أهل العراق.
2_ عسعس: يقال: عسعس الليل إذا أدبر، وعسعس إذا أقبل.
3_ المولى: المُنْعِم المُعْتِق، والمولى: المُنْعَم عليه المُعْتَق.
4_ بسل: للحلال، وللحرام.
5_ اشتريت: بمعنى قبضته وأعطيت ثمنه، وبمعنى بعته.
6_ بعت: على المعنى المعروف عند الناس، وبعت الشيء إذا بتعته أي اشتريته.
7_ السارب: المتواري والظاهر.
8_ عَنوة: إذا أخذ الشيء غصباً وغلبة، ويطلق على ما إذا أخذه بمحبة ورضاً.
9_ الصريخ والصارخ: للمغيث، وللمستغيث.
10_ الدائم: يقال للساكن دائم، وللمتحرك دائم.
11_ الصريم: يقال لليل: صريم، وللنهار: صريم؛ لأن كل واحد منهما يصرم صاحبه.
12_ طرب: إذا فرح، وطرب إذا حزن.
13_ السليم: يقال: سليم للسالم، وسليم: للملدوغ.
14_ السُّدْفة: بنو تميم يذهبون إلى أنها الظلمة، وقيس يذهبون إلى أنها: الضوء.
15_ الناهل: للعطشان، وللريان.
16_ أمَم: يقال: أمر أمم إذا كان عظيماً، وأمر أمم إذا كان صغيراً.
17_ خائف: يقال: رجل خائف إذا كان يخاف غيره، وسبيل خائف إذا كان مخوفاً.
18_ الحميم: للحار، والحميم للبارد.
19_ عزَّرت: يقال: عزرت الرجل إذا أكرمته، وعزرته إذا لُمته وعنَّفته.
20 _ قَلصَ: يقال: قلص الشيء إذا قَصُر وقل، وقلص الماء إذا جمَّ وزاد.
ويسمى: الترادف، ويسمى: المرادف_أيضاً_.
أولاً تعريفه:
المترادف ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة.
وقيل: هو ما اتحد معناه، واختلف لفظه.(1/19)
مثاله: الأسد، والليث، والهزبر وهكذا...
ثانياً: سبب التسمية: قال الجرجاني عن سبب التسمية: =المترادف ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو ضد المشترك؛ أخذاً من الترادف الذي هو ركوب أحد خلف آخر، كأن المعنى مركوب، واللفظين راكبان عليه كالليث والأسد+.
ثالثاً: فوائد المترادف: لوقوع المترادف _ عند القائلين به فوائد عديدة ترجح ما ذهبوا إليه، وترد على من يقول بمنع وقوعه، ومن تلك الفوائد ما يلي:
1_ أن تكثر الوسائل إلى الإخبار عما في النفس؛ فإنه ربما نسي أحد اللفظين، أو عسر عليه النطق به.
وكان واصل بن عطاء ألثغ، فلم يُحفظ عنه أنه نطق بالراء، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك.
2_ التوسع في سلوك طرق الفصاحة، وأساليب البلاغة في النظم والنثر؛ وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى _ باستعماله مع لفظ آخر _ السجعُ، والقافيةُ، والتجنيس، والترصيع، وغير ذلك من أصناف البديع، ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ.
3_ المراوحة في الأسلوب، وطرد الملل والسآمة؛ لأن ذكر اللفظ بعينه مكرراً قد لا يسوغ، وقد يُمَجُّ، ولا يخفى أن النفوس موكلة بمعاداة المعادات.
4_ قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر فيكون شرحاً للآخر الخفي.
وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين.
رابعاً: المؤلفات في المترادف: ألف في المترادف مجموعة من العلماء، منهم العلامة مجد الدين الفيروز أبادي صاحب القاموس، حيث ألف كتاباً سماه (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف).
وأفرد خلق من الأئمة كتباً في أشياء مخصوصة؛ فألف ابن خالوية كتاباً في أسماء الأسد، وكتاباً في أسماء الجنة.
أما الكتب التي تحدثت عن المترادف ضمناً فكثيرة، ومنها المزهر للسيوطي، حيث خصص النوع السابع والعشرين منه في معرفة المترادف.
خامساً: أمثلة من المترادف:
1_ العسل: له ثمانون اسماً أوردها صاحب القاموس في كتابه الذي سماه (ترقيق الأسل لتصفيق العسل).(1/20)
ومن تلك الأسماء: العسل، والضَّريب، والتحموت، والشُّهد، والذَّوب، والجَلْس، والماذي، والشَّهد، والضَّرب، والضَّرَبة، والشَّوب، والحميت، والورس، ولعاب النحل، والرحيق، وغيرها.
2_ السيف: ومن أسمائه مما ذكره ابن خالويه في شرح الدريدية: الصارم، والمُفَقِّر، والرِّداء، والخليل، والقضيب، والصفيحة، والمشرفي، والمهند، والعضب، والصمصامة، والمذكَّر، والكهام، والحسام، والصقيل، والأبيض، وغيرها.
3_ يقال: أخذه بأجْمَعِه، وأجْمُعِه، وبحذافيره، وجذاميره، وجزاميره، وجراميزه، وبجملته.
أولاً: تعريف الاشتقاق: هو أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنىً ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها؛ ليُدَلَّ بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة؛ لأجلها اختلفا حروفاً أو هيئة.
وعُرِّف بأنه: عملية استخراج لفظ من لفظ، أو صيغة من صيغة أخرى.
وعُرِّف بأنه: استخراج لفظ من لفظ آخر متفق معه في المعنى والحروف الأصلية.
أمثلة على الاشتقاق: ضارب من ضرب، وحَذِرٌ من حَذِر، وهكذا...
ثانياً: المؤلفات في الاشتقاق: قال السيوطي ×: =أفرد الاشتقاق بالتأليف جماعة من المتقدمين منهم الأصمعي، وقطرب، وأبو الحسن الأخفش، وأبو نصر الباهلي، والمفضل بن سلمة، والمبرِّد، وابن دريد، والزجَّاج، وابن السراج، والرماني، والنحاس، وابن خالويه+.
ومن المحدثين عبدالقادر المغربي في كتابه (الاشتاق والتعريب).
ومنهم عبدالله أمين في كتابه (الاشتقاق) وقد بلغ فيه الغاية القصوى _ كما قال الأستاذ عبدالسلام هارون _.
ثالثاً: أقسام الاشتقاق:
1_ الاشتقاق الصرفي: وهو ما يسميه ابن جني بالصغير أو الأصغر وقد مضى الحديث عنه، ومن أمثلته: كاتب وكتب وهكذا...
2_ الاشتقاق الأكبر: وأول من قال به ابن جني؛ حيث قال في الخصائص: =وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً، وتجتمع عليه التراكيب الستة، وما يتصرف من كل واحد منها عليه.(1/21)
وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه+.
ثم ذكر أمثلة لذلك؛ وأحال إلى ما ذكره في أول الكتاب؛ حيث كان يذكر الكلمة، وتقليباتها ثم يجعل بينهما معنى عاماً مشتركاً تدور حول هذه المادة وسائر تقليباتها، وما ذكره من أمثلة ما يلي:
أ _ (كلم): وتقليباتها: كمل، مكل، ملك، لكم، لمك_ وتفيد كلها معنى (القوة والشدة).
ب _ (قول): وتقليباتها: قلو، وَقَل، وَلَقَ، لقو، لوق _ وتفيد كلها معنى: (الإسراع والخفة).
ج _ (جبر): وتقليباتها: جرب، بَجر، بَرَجَ، رجب، ربج _ وتفيد كلها معنى (القوة والشدة).
د _ (قسو): وتقليباتها: قَوَس، وَقَسَ، وَسق، سوق، سقو _ وتفيد كلها معنى (القوة والاجتماع).
هـ _ (سمل): وتقليباتها: سلم، مسل، ملس، لمس، لسم _ وتفيد كلها معنى (الإصحاب والملاينة).
هذان هما القسمان المشهوران للاشتقاق، والأخير منهما من صنيع ابن جني.
وهما عنده صغير ويسميه أصغر، وكبير ويسميه أكبر.
أولاً: تعريف الإبدال:
أ _ تعريفه في الأصل: الإبدال _ في الأصل _ جعل الشيء مكان شيءٍ آخر.
ب _ التعريف الصرفي للإبدال: هو جعل حرف مكان حرف آخر، سواء كان الحرفان صحيحين مثل: اصطبر واصتبر، أو معتلين: قال وباع أصلها: قَوَل وبَيَع، أو مختلفين: دينار وقيراط أصلها: دنار وقرَّاط.
والأحرف التي تبدل من غيرها إبدالاً شائعاً مطرداً لغير إدغام تسعة يجمعها: قول ابن مالك: (هدأت موطياً).
وجمعها × في التسهيل في (طويت قائماً).
ج _ التعريف اللغوي للإبدال: يُعَرّف الإبدال في اصطلاح فقه اللغة بتعريفات أشهرها تعريفان:
1_ تعريف المتوسعين في الإبدال: حيث يعرفونه بأنه: وضع حرف مكان حرف في الكلمة مع الاتفاق بين الكلمتين في المعنى، أو تقاربهما.
قال ابن فارس ×: =ومن سنن العرب إبدال الحروف، وإقامة بعضها مقام بعض، ويقولون: مَدَحَهُ ومَدَهه، وفرسٌ رِفلٌّ ورِفنٌّ+.(1/22)
2_ تعريف غير المتوسعين: كابن جني وغيره ممن يقيدونه هو: إبدال حرف مكان حرف مع تقاربهما في المخرج، واتحاد الكلمتين في المعنى والمكان، وألا يتصرف أحدهما تصرفاً كاملاً.
ومعنى اتحادهما في المكان: أي أن يكونا في بيئة واحدة.
مثال ذلك: جذا وجثا؛ فمعناهما واحد، ومخرجهما واحد، ولكن العرب أبدلوا إحداهما من الأخرى؛ فإحدى الكلمتين هي الأصل.
أما جاس وحاس فهاتان ليس بينهما اتحاد تام في المعنى والمخرج؛ فليسا داخلين ضمن الإبدال عند غير المتوسعين.
أما المتوسعون فيه فيرون أنهما داخلان في الإبدال.
ثانياً: أمثلة أخرى للإبدال: نقل السيوطي × في المزهر أمثلة كثير للإبدال نقلها عن أئمة اللغة، ومن تلك الأمثلة:
استأديت عليه، مثل: استعديت، والأيْم والأين: الحية، وطانه الله على الخير وطامه: يعني جبله، وفِنَاء الدار وثِناء الدار، وجَدَثٌ وجدفٌ للقبر، ونبض العِرْق ونبذ، وأيا وهيا، وإياك وهياك، وأرَّخ وورَّخ.
أولاً: تعريفه: هو تقديمٌ وتأخير في بعض حروف اللفظة الواحدة؛ فتنطق على صورتين بمعنى واحد.
مثاله: جذب، وجبذ، وما أطيبه، وما أيطبه.
ثانياً: من الأمثلة على القلب: عقد السيوطي في المزهر، النوع الثالث والثلاثين للقلب، واستقصى كثيراً من أمثلته، ومنها: نغز الشيطان بينهم لغة في نزع، وكلام حوشي، ووحشي، والأوباش من الناس: الأخلاط مثل: الأوشاب، والمقاط حبل مثل القماط، وعمج في السير، ومعج، وقلقلت الشيء، ولقلقته.
وهذا مما استخرجه اللغويون من الاشتراك في اللغة، ومداخلة الكلام للمعاني المختلفة، والحديث عنه سيكون من خلال ما يلي:
أولاً: تعريفه: أن يؤتى بالكلمة المشتركة _ كالعين مثلاً _ فَتُعَدَّ شجرة يفرع من معانيها المختلفة فروعاً، فيُسْتَرسل في تفسير الكلام على الوجه المشترك، حتى تبلغ الشجرة مائة كلمة أو أكثر، وكلها متسلسلة في كلمة واحدة، على نحو ما سيأتي من أمثلة.(1/23)
ثانياً: التأليف المُشَجَّر: أول من وضع كتاباً في ذلك أبو عمر المُطَرَّز الراوية المتوفى سنة 345هـ؛ فقد عمل عليه كتاباً سماه (المُداخلُ في اللغة).
وكان يعاصره أبو الطيب اللغوي المتوفى سنة 351هـ؛ فعل كتاباً سماه (شجر الدر) وقال: =هذا كتاب مُدَاخلة الكلام للمعاني سميناه كتاب (شجر الدر) لأنا ترجمنا كل باب منه بشجرة، وجعلنا لها فروعاً؛ فكل شجرة مائة كلمة، أصلها كلمة واحدة، وكل فرع عشر كلمات إلا شجرة ختمنا بها الكتاب، عدد كلماتها خمسمائة كلمة، أصلها كلمة واحدة+.
وهكذا ابتدع أبو الطيب هذه التسمية لهذا النوع من اللغة.
ثم جاء أبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبدالله التميمي المتوفى في قرطبة سنة 538هـ، فوضع كتابه الذي سماه (المسلسل).
وقد ضمَّن كتابه خمسين باباً افتتح كل باب منها بشعر عربي، وختمه بمثل ذلك.
ثالثاً: سبب التسمية: سمي بذلك _ كما يقول أبو الطيب اللغوي _ لاشتجار بعض كلماته ببعض، أي تداخله؛ فكل شيء تداخل بعضه ببعض فقد تشاجر.
رابعاً: أمثلة للمشجر: _ مثال الشجرة _ العين: عين الوجه، والوجه: القصد، والقصد: الكسر، والكسر: جانب الخباء، والخباء: مصدر خابأت الرجل إذا اختبأت له خبأ، وخبأ لك مثله، والخبء: السحاب، والسحاب: اسم عمامة النبي " والنبي: التلُّ العالي، والتل: مصدر التليل وهو المصروع على وجهه والتليل: صفح العنق، والعنق، الرِّجل من الجراد، والرِّجل: العهد، والعهد: المطر المعاود، والمعاود: المريض الذي يعودك في مرضك، وتعوده في مرضه، والمريض: الشاكّ، والشاكّ: الطاعن يقال: شكَّه إذا طعنه، والطاعن: الداخل في السن إلى آخر ما في المشجر.
أولاً: تعريفه: قال ابن فارس×: =الإتباع: وهو أن تُتْبَعَ الكلمةُ على وزنها، أو رويها إشباعاً وتأكيداً+.
ثم مثل للإتباع قائلاً: =وذلك قولهم: ساغبٌ لاغبٌ، وهو خبٌ ضب، وخرابٌ يباب+.(1/24)
ثانياً: سبب التسمية: سمي إتباعاً لأن الكلمة الثانية إنما هي تابعة للأولى على وجه التوكيد لها، وليس يُتَكلم بالثانية منفردة.
ثالثاً: أمثلة للإتباع: نقل السيوطي × في المزهر ألفاظاً كثيرة في الإتباع منها: قسيم وسيم، ضئيل وبسيل، عطشان نطشان، قبيح شقيح، وخبيث نبيث، وشيطان ليطان، وسائغ لائغ، وحارٌّ يارٌّ، وهو أَشِرٌ أَفِرٌ، وإنه لهَذِرٌ قَذِرٌ، وعين حدرة بدرة، ورجل سدمان ندمان، ورجل خياب تياب، وإنه عَجَرَّبٌ مدربٌ، وخائب لائب، وفرس صلتان فلتان.
لون من ألوان الاختصار، ونوع من أنواع الاشتقاق عند المحدثين، والحديث عنه سيتناول ما يلي:
أولاً: تعريفه: هو أن يؤخذ من كلمتين فأكثر كلمة واحدة.
أو هو: استخراج كلمة واحدة من كلمتين أو أكثر.
ومعنى ذلك: أن يُعْمَدَ إلى كلمتين فأكثر، فيُجْعَلَ منهما كلمة واحدة تعبر عن الكلمتين.
مثال ذلك: عبشمي: نسبة إلى عبد شمس، وحيعل نسبة إلى حي على الفلاح، وسيأتي مزيد أمثلة للنحت.
ثانياً: شروط النحت: من خلال التعريف الماضي يتبين أنه يشترط للكلمة المنحوتة شروط وهي:
1_ أن تكون معبرة عن معنى الكلمات التي أُخذَتْ منها.
2_ أن تَجْمع بين حروف ما أخذتَ منه خصوصاً إذا كان من كلمتين فقط.
مثل: عبدري نسبة إلى عبد الدار، حيث جُمع بين حروف الكلمتين.
أما إذا كان من ثلاث كلمات فلا يشترط الأخذ من كل كلمة مثل: جعفدة من قولهم: جعلني الله فداك؛ فلفظ الجلالة لم يؤخذ منه شيء.
ثالثاً: النحت عند العلماء: كان النحت معروفاً عند العرب قديماً، ولكنهم لم يعنوا به، ويعد ابنُّ فارسٍ × فارسَ هذه الفكرة، وإمامها المتوسع فيها.
وعلماء العربية قديماً وحديثاً يعدونه رائد هذا المضمار، والمطبق الفعليَّ له.
وقد بين ابن فارس أن العرب تعرف هذا، ونقل عن الخليل وغيره؛ ليبين أن هذه الفكرة ليست مبتدعة من قِبَلِهِ.
ومن العلماء الذين ألفوا في النحت الظهير العماني.(1/25)
قال السيوطي ×: =وقد ألف في هذا النوع أبو علي الظهير بن الخطير الفارسي العماني كتاباً سماه (تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب) ولم أقف عليه، وإنما ذكره ياقوت الحموي في ترجمته في كتابه معجم الأدباء.
رابعاً: أمثلة للنحت: مر فيما مضى ذكر لعدد من الأمثلة، وفيما يلي ذكر لشيء منها: الدَّمْعَزة: حكاية قوله: أدام الله عزك، والحمدله: أي من الحمد لله، والسبحلة: من سبحان الله، والحسبلة: قول: حسبي الله، والمشألة: قول: ما شاء الله، والحيهلة: قول: حيهلاً بالشيء، والسَّمعلة: قول سلام عليكم، والطلبقة: أطال الله بقاءك، ومشكن: قول ما شاء الله، وكبتع: قال: كبت الله عدوك.
المجاز مصطلح معروف عند أهل اللغة، والبلاغة، والتفسير، والأصول وغيرهم.
كما أنه يَرِدُ كثيراً في كتب العقائد، خصوصاً في باب الأسماء والصفات؛ ذلك أن كثيراً من أهل التعطيل اتخذوه مطية لنفي الصفات الإلهية.
ونظراً لكون المجاز عند القائلين به وسيلة من وسائل تنمية اللغة، ولأجل أن تتضح صورة المجاز فهذا عرض مجمل ميسر يبين معالم المجاز، وحقيقة الخلاف فيه.
وقبل الدخول في ثنايا الحديث عن المجاز يحسن الوقوف عند مصطلح (الحقيقة) وذلك لأن المجاز عند من يقول به قسيم الحقيقة.
فالكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز؛ فإلى تفصيل الحديث؛ حتى يتبين الأمر.
أولاً: تعريف الحقيقة: هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع.
أو هي: استعمال اللفظ فيما وضع له في الأصل.
مثل كلمة (أسد): تدل على الحيوان المعروف، وكلمة (الشمس): تدل على الكوكب العظيم المعروف، وكلمة (البحر): تدل على الماء العظيم الملح؛ وهكذا جميع ألفاظ اللغة.
ثانياً: تعريف المجاز: المجاز في اللغة: اسم مكان كالمطاف والمزار، والألف فيه منقلبة عن واو، وقيل: هو مصدر ميمي.(1/26)
وفي الاصطلاح: هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في الأصل؛ لعلاقة بين المعنيين الحقيقي والمجازي مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
ثالثاً: شرح مفردات تعريف المجاز: قوله: (في غير ما وضع له): أي المعنى الوضعي للَّفظ، ويسمى الحقيقي أو الأصلي الذي ذكرته معاجم اللغة، كوضع كلمة الأسد للحيوان المعروف الكاسر، وكذلك القمر.
قوله: (لِعِلاقة): العلاقة هي الشيء الذي يربط بين المعنى الأصلي للفظ، والمعنى المجازي، كالشجاعة في قولك: رأيت أسداً يكرُّ بسيفه !
فالأسد هنا لا يقصد به الحيوان؛ وإنما يقصد به الرجل الشجاع، إذاً فقد انتقل من معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي، والعلاقة هي الشجاعة.
قوله: (القرينة) ؛ القرينة: هي التي تمنع الذهن من أن ينصرف إلى المعنى الوضعي الأصلي للفظ، مثل قولك (يكر بسيفه) في قولك: (رأيت أسداً يكر بسيفه) لأن الأسد لا يكر بالسيف؛ فَعُلم أن المقصود باللفظ مجازه لا حقيقته؛ لأن الأسد لا يحمل السيف.
وكذلك قولك في الرجل الكريم: جاء البحر، ونحو ذلك من الأمثلة مما سيأتي ذكره.
رابعاً: =تطبيق+: إليك هذا التطبيق الذي يبين لك ما ذكر بصورة أجلى: قال أهل المدينة في استقبالهم للنبي"لما قدم من تبوك هو وأصحابه:
طلع البدر علينا ... من ثَنِيَّات الوداع
فالمجاز في هذا البيت واقع في لفظ (البدر) حيث يريدون به النبي " وهذا استعمال مجازي؛ ذلك لأن الاستعمال الحقيقي للبدر إنما هو الكوكب العظيم الذي يكون في السماء ليلاً.
والعلاقة بين المعنيين الحقيقي والمجازي هي الحسن والإشراق؛ فالبدر حَسَنٌ مشرق، وكذلك النبي ".
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي الحقيقي هي: (من ثنيات الوداع) فهي التي أثبتت مجازية البدر، والسبب أن البدر الحقيقي لا يظهر بين ثنيات الوداع وهي الجبال الصغيرة، وإنما يظهر في السماء كما هو معلوم؛ فعلم بذلك أن اللفظ أريد به مجازُه لا حقيقته.(1/27)
خامساً: =أمثلة لألفاظ يتبين فيها الحقيقة من المجاز+:
1_ الشمس لها دلالتان: إحداهما حقيقية وهي دلالة الكوكب العظيم المعروف.
والأخرى مجازية وهي: الوجه المليح.
2_ البحر له دلالتان: إحداهما حقيقته، وهي دلالته على الماء العظيم الملح.
والأخرى مجازية وهي: دلالته على الرجل الجواد الكثير العطاء، أو العالم الغزير العلم.
3_ اليد لها دلالتان: إحداهما حقيقته، وهي الجارحة المعروفة، كما تقول: كتبت بيدي.
والأخرى مجازية بمعنى النعمة، كما تقول: لفلانٍ عليَّ يدٌ، أي: نعمة.
سادساً: مسائل عامة في المجاز:
أ_ يفرق بين الحقيقة والمجاز بسياق الكلام، وقرائن الأحوال، ولا يمكن أن يقال: إن كلا الدلالتين الحقيقية والمجازية سواء؛ بحيث إذا أطلق اللفظ دل عليهما معاً.
ب_ أن كل مجاز له حقيقة؛ لأنه لم يطلق عليه لفظ مجاز إلا لنقله عن حقيقة موضوعة.
وليس مِنْ ضرورةِ كلِّ حقيقة أن يكون لها مجاز.
ج_ أن الأصل في الكلام الحقيقة، ولا ينصرف الكلام عن حقيقته إلى مجازه إلا بقرينة _ كما مر في الأمثلة الماضية _.
سابعاً: الخلاف في أصل وقوع المجاز:
اختلف العلماء في أصل وقوع المجاز وثبوته في اللغة والقرآن، على ثلاثة أقوال:
1_ أن المجاز واقع في اللغة والقرآن: وهذا مذهب جماهير العلماء، والمفسرين، والأصوليين، واللغويين، والبلاغيين، وغيرهم؛ بل حكى الإجماع على ذلك يحيى بن حمزة العلوي في كتابه (الطراز) غير أن في تلك الدعوى توسعاً؛ لوجود المخالف المعتبر.
2_ إنكار المجاز مطلقاً في اللغة والقرآن: وقد ذهب إلى ذلك أبو إسحاق الاسفراييني، وتبعه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
3_ أن المجاز واقع في اللغة دون القرآن: وقد ذهب إلى ذلك داود الظاهري، وابنه محمد، وابن القاصّ الشافعي، وابن خويز منداد المالكي، ومنذر بن سعيد البلوطي، ومن المعاصرين الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي.(1/28)
ثامناً: خاتمة الحديث عن المجاز: وبعد أن وقفت عن شيء من أمر المجاز، وما جاء في الخلاف حول إثباته أو نفيه _ يتبين لك أن أعظم الأسباب التي دعت إلى نفيه وإنكاره أن أهل التعطيل اتخذوه مطية لتحريف بعض نصوص الشرع لاسيما في باب الصفات.
فهذا هو الذي دعا بعض العلماء أن يشدد في النكير على القائلين بالمجاز.
المعاجم العربية أحد موضوعات فقه اللغة، والحديث عنه ههنا سيكون كما يلي:
أ_ تعريف المعجم في الاصطلاح: هو كتاب يضم ألفاظ اللغة العربية مرتبة على نمط معين، مشروحة شرحاً يزيل إبهامها، ومضافاً إليها ما يناسبها من المعلومات التي تفيد الباحث، وتعين الدارس على الوصول إلى مراده.
ب_ المدارس المعجمية: المدرسة الأولى: مدرسة التقليبات بنوعيها: الصوتية، والأبجدية.
وأول من ابتكرها صاحب أول معجم شامل في العربية وهو الخليل بن أحمد في كتابه (العين) حيث جمع الكلمات المكونة من حروف واحدة في مكان واحد مراعياً بذلك الناحية الصوتية، وهو يبدأ بأبعد الحروف مخرجاً.
وهذا تأليفه للحروف:
ع ح هـ خ غ / ق ك / ج ش ض / ص س ز / ط د ت / ظ ث ذ / ر ل ن / ف ب م / و ى / همزة.
وقد تَبِعَه على هذه الطريقة علماءُ كثيرون أشهرهم: القالي في معجمه (البارع) والأزهري في (التهذيب)، وابن سيدة في (المحكم).
وممن أخذ بهذه الطريقة ابن دريد في معجمه (جمهرة اللغة) حيث راعى نظام التقليبات الأبجدي، ولم يتبعه أحد على هذه الطريقة.
المدرسة المعجمية الثانية: مدرسة القافية: وهي التي تجعل الحرف الأخير باباً، والأول فصلاً على حسب حروف الهجاء.
وأول من وضعها في معجم شامل هو الجوهري في معجمه (الصحاح) وتبعه على هذا النظام كثير من أصحاب المعاجم منهم ابن منظور في (لسان العرب) والفيروزأبادي في (القاموس المحيط).
المدرسة المعجمية الثالثة: المدرسة الأبجدية العادية: وهي التي اتبع فيها أصحابها ترتيب الألفاظ حسب الحرف الأول والثاني والثالث.(1/29)
وهذه الطريقة أيسر من الطريقتين السابقتين، وأول من وضعها أحمد بن فارس في معجميه (مجمل اللغة) و (مقاييس اللغة).
واجهت اللغة العربية تحديات كبيرة سواء كان ذلك من قبل أعدائها، أو من قبل بعض المنتسبين إليها، وفيما يلي بيان لشيء من ذلك بإيجاز:
أولاً: ظاهرة الإعراب، وبيانها:
أ_ الإعراب معلم من معالم العربية، ومفخرة من مفاخرها.
ب_ الإعراب في اللغة: الإبانة والإفصاح.
_ في الاصطلاح: أثر ظاهر، أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة.
والمراد بالأثر الظاهر: ما يُلفظ به، وبالمقدر: ما ينوى من ذلك.
ج_ البناء في اصطلاح النحاة: هو لزوم آخر الكلمة حالة واحدة.
د_ يرى علماء العربية، وجميع النحاة إلا من شذ منهم أهمية الإعراب، وأن لعلاماته وألقابه دلالاتٍ معينةً، وأغراضاً معنوية؛ فهي تدل على المعاني المختلفة التي تعتور الأسماء من فاعلية، أو مفعولية، أو غير ذلك.
ثانياً: إنكار الإعراب:
أ_ إنكار الإعراب ظاهرة غريبة، وقضية تستحق الوقوف عندها، وبيان خطرها، وصدّ عاديتها.
ب_ لم يخالف من النحاة في القديم في دلالة الإعراب إلا محمد المستنير المعروف بـ: قطرب؛ فهو أول من قال بإنكار الإعراب في القديم؛ فهو يرى أن حركات الإعراب إنما جيء بها للسرعة في الكلام، وللتخلص من التقاء الساكنين.
ج_ من المستشرقين من يرى الإعراب، ومنهم من لا يراه.
د_ لم تتعرض اللغة العربية لنقد أحد من أبنائها قديماً وحديثاً كما تعرضت من قِبَلِ د. إبراهيم أنيس وذلك في كتابه (أسرار اللغة) وبالذات في الفصل الذي عقده بعنوان (قصة الإعراب).
وكان يريد من ذلك أن يصل إلى أن الإعراب من صنيع النحاة، وليس سليقة، وأن اللغة مصنوعة، وعلامات الإعراب ليس لها دلالة.
هـ _ القول بإنكار الإعراب واضح البطلان، وذلك من وجوه عديدة منها ما يلي:
1_ وجود الإعراب كاملاً في بعض اللغات السامية.
2_ أن جميع لغات العالم تستخلص القواعد من اللغة.(1/30)
3_ أن دقة القواعد وتشعبها لا يدلان مطلقاً على أنها مخترعة اختراعاً.
4_ أن اللغة لو كانت مصنوعة مفروضة على الناس لما قبلوها.
5_ أن الأمة لا يمكن أن تتواطئ على إخفاء شيء من الأخبار.
6_ أن القرآن الكريم الذي وصل إلينا متواتراً بالرواية الشفوية الموثوق بها جيلاً بعد جيل _ وصل معرباً.
7_ أن الرسم القرآني الذي نقل إلينا متواتراً يؤيد وجود الإعراب في الفصحى.
8_ تَنَبُّهُ العلماءِ في الصدر الأول لحركات الإعراب.
9_ أن الشعر العربي بموازينه وبحوره لا يقبل نظرية د. إبراهيم أنيس بحال من الأحوال.
ثالثاً: الدعوة إلى العامية، وتيسير النحو، والخط العربي واستعمال اللاتيني أو غيره بدله:
أ_ هذه الدعاوى داخلة تحت المشكلات التي تواجه العربية، وتسعى إلى إضعاف سلطانها في نفوس أهلها.
ب _ هذه الدعاوى منها ما هو مقبول، ومنها ما هو مردود، ومن المنادين بها من هو حسن النية، ومنهم من هو فاسد الطوية.
ج_ اللغة مرتبطة بالدينِ والأمةِ، والأعداءُ يدركون أهميةَ اللغةِ، وأثرَها في وحدة الأمة.
د_ هذه الدعوات تستهدف غايتين: إحداهما: تفريق المسلمين عامة، والعرب خاصة، والأخرى: قطع ما بين المسلمين وبين قديمهم وتراثهم.
هـ _ بدأت تلك الدعوات في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك عن طريق بعض المجلات، وبعض المنصرين والمستشرقين، وكانت بدايتها في مصر؛ نظراً لمكانتها العلمية والثقافية.
و _ أبطل المدافعون عن العربية كل مزاعم خصومها، وردوا على جميع شبههم ومن تلك الردود على سبيل الإجمال ما يلي:
1_ أن المسلمين لا يمكن أن يتخلوا عن العربية، أو يستغنوا عنها.
2_ أن اللغة العربية سهلة ميسورة.
3_ أن الدعوة إلى العامية تزيد في الإشكال والتعقيد.
4_ أن هذه الدعوة سبب لتفريق المسلمين، وتشتيت شمل الناطقين بالعربية.
5_ أن الضعف في اللغة ليس سببه اللغة.
6_ أن الواقع الملموس يكذب دعاوى الهدامين.(1/31)
7_ أن قواعد النحو التي يزعمون أنها معقدة استطاعت أن تعيش أكثر من ألف سنة.
8_ خيرية الجيل الذي نشأ على توقير اللغة.
9_ أن الدعوة إلى العامية مدعاة لنسف التراث.
10_ أن الدعوة إلى التقريب بين لهجات العربية باطلة.
11_ أن كثيراً من دعاة العامية وتيسير النحو والخط إنما ينادون بمحاكاة اللغات الأخرى كالأوربية.
12_ أن الخط العربي موافق لطبيعة اللغة العربية.
13_ أن الخط العربي يمتاز بميزة فذة.
14_ أن استبدال الخط اللاتيني بالخط العربي يتبعه نتائج خطيرة.
_ المقدمة ... 3
_ مدخل ... 5
_ مفهوم مصطلح فقه اللغة ... 7
_ موضوعات فقه اللغة ... 9
_ أهداف فقه اللغة، وثمراته، وغاياته ... 11
_ مناهج البحث اللغوي ... 14
_ اهتمام الإنسان باللغة عموماً، وجهود العلماء في التأليف في اللغة العربية ... 15
_ بداية ظهور فقه اللغة كعلم مستقل، وأشهر المؤلفات فيه ... 18
_ أصل نشأة اللغة، وأشهر النظريات في ذلك ... 22
_ مسائل في اللهجات ... 25
_ دراسة اللهجات العربية ... 27
_ عيوب المنطق العربي ... 32
_ لهجة قريش، وعوامل سيادتها ... 34
نهوض الإسلام بالعربية، وفضلُ العربية ... 36
_ المُعرَّب ... 37
_ المشترك ... 42
_ المتضاد ... 44
_ المترادف ... 48
_ الاشتقاق ... 51
_ الإبدال ... 54
_ القلب المكاني ... 57
_ المشجَّر ... 58
_ الإتباع ... 61
_ النحت ... 62
_ المجاز ... 65
_ المعاجم العربية اللغوية ... 71
_ مشكلات تواجه اللغة العربية ... 73
_ الفهرس ... 79(1/32)