بسم الله الرحمن الرحيم
مقاصد الشريعة في الصيام
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن المتأمل لنصوص الوحيين ولأحكام الشريعة الغراء يلاحظ وبجلاء كونها مشتملة على الحكمة الظاهرة والمصلحة البينة،إذ إن المولى عز وجل لم يكلفنا بالعبادات لأجل الاشقاق علينا ،أو المجرد الامتثال فحسب، إنما شرعها الله سبحانه وتعالى لحكم عظيمة ومصالح كبيرة ،قد يوفق الملهم إلى إدراك بعضها وتغيب عنه كثير منها ، ولذا نجد أن علماء الإسلام قد اهتموا بهذا الجانب وأبرزوه، وهم في ذلك بين مقل ومستكثر ،كل ذلك لإظهار عظمة هذا الدين وجمال هذه الشريعة ، وكمال حكمة المشرع سبحانه ولطف علمه وخبرته جل وعلا،ومن هذا المنطلق أحببت أن أعرج على شيء من مقاصد الصيام وحكمه الباهرة.
وقد قسمت هذا البحث المتواضع إلى: مقدمة، وفصلين، وخاتمة.
المقدمة:بيان أهمية الموضوع.
الفصل الأول:المقاصد العامة للصيام
المبحث الأول: تحقيق التقوى.
المبحث الثاني:تزكية النفس وتطهيرها.
المبحث الثالث: إضعاف دواعي الشر.
المبحث الرابع: تطهير النفس من الأخلاق الذميمة.
المبحث الخامس: تذكر الفقراء والمحرومين.
المبحث السادس: حفظ الصحة.
الفصل الثاني:المقاصد الجزئية للصيام
المبحث الأول:مقصود الشرع في الحث على صيام أيام بعينها.
المطلب الأول:مقصود الشرع في صيام يوم قبل يوم عاشوراء أو يوم بعده.
المطلب الثاني: مقصود الشرع في الحث على صيام الأيام البيض.
المبحث الثاني:مقصود الشرع في النهي عن صيام أيام بعينها.
المطلب الأول: النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم.
المطلب الثاني: مقصود الشرع في النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم.(1/1)
المطلب الثالث: مقصود الشرع في النهي عن تقدم رمضان بصيام ،وصيام يوم الشك،وصيام يوم العيد.
المطلب الرابع:مقصود الشرع في النهي عن صيام أيام التشريق.
المطلب الخامس :مقصود الشرع في النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة.
المبحث الثالث: مقصود الشرع من بعض ما نهي عنه في الصوم.
المطلب الأول :مقصود الشرع من النهي عن الأكل والشرب في الصوم.
المطلب الثاني: مقصود الشرع من النهي عن الوصال في الصوم.
الفصل الأول/ المقاصد العامة للصيام.
المبحث الأول: تحقيق التقوى .
من أعظم مقاصد الصيام وحكمه وأسراره ،تحقيق تقوى الله عز وجل في نفس الصائم ،إذ إن هذه العبادة التي يترك فيها المرء محبوبات النفس من المأكل والمشرب والمنكح تعبداً لله عز وجل، لا يمكن أن تتم دون مراقبة لله عز وجل واستحضار لمعيته سبحانه.
ولذا اشار المولى جل وعلا إلى هذه الحكمة العظيمة في معرض تقريره لفريضة الصوم حيث قال سبحانه ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ (1)
يقول الماوردي رحمه الله:((وفي قوله تعالى ژ ??ژ
قولان :.....والثاني:معناه الصوم سبب يؤول بصاحبة إلى تقوى الله تعالى لما فيه من قهر النفس ، وكسر الشهوة ، وإذهاب الأشر،وهو معنى قول الزجاج)) (2)
ولذا كان الصيام سراً بين العبد وربه جل وعلا، لا يطلع عليه سواه وإن كان العباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة ،إلا أن تركه ذلك لأجل الله عز وجل لا يطلع عليه أحد سواه سبحانه وذلك حقيقة الصيام.
يقول ابن القيم رحمه الله :(( ولهذا فإن من تقوى المسلمين الصائمين لربهم أنهم لو ضربوا على أن يفطروا في شهر رمضان لغير عذر لم يفعلوا لعلمهم بكراهية الله لإفطارهم في هذا الشهر)) (3)
__________
(1) البقرة: 183.
(2) انظر النكت والعيون للماوردي1/236، وانظر:الكشاف للزمخشري1/250.
(3) زاد المعاد في هدي العباد لابن القيم الجوزية 2/29.(1/2)
ويقول أبو بكر البيهقي ((قال أبو عبد الله الحليمي في مبسوط كلامه: قد أبان الله عز وجل أن الصوم من أسباب التقوى ،وحقيقة التقوى فعل المأمور به والمندوب إليه، واجتناب المنهي عنه والمكروه والمنزه عنه، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار، وهو إنما يقي نفسه بما ذكرت))(1)
المبحث الثاني: تزكية النفس وتطهيرها.
من حكم الصوم ومقاصده وأسراره، تزكية النفس وتطهيرها وتهذيبها مما أصابها من درن الذنوب والمعاصي،ولقد أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن ما في الصيام من الثواب الجزيل والأجر العظيم ،سواء أكان صيام الفرض أم غيره .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))(2)
كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عظيم ثواب الصيام فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :((قال الله عزوجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به .....والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عن الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحمها إذا أفطر فرح،وإذا لقي ربه فرح بصومه)).(3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً))(4)
__________
(1) شعب الإيمان لأبي بكر البيهقي 3/287.
(2) أخرجه البخاري في الصحيح،باب :صوم رمضان احتساباً من الايمان،رقم الحديث38.
(3) أخرجه البخاري في الصحيح ،برقم1805.
(4) أخرجه البخاري في الصحيح،باب:فضل الصوم في سبيل الله ،رقم الحديث2685.(1/3)
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى ((وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ،والقوى الباطنة ، وحمايتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها ،واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ،فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ،ويعيد إليها ما استلبته أيدي الشهوات))(1).
ويقول ابن الهمام في بيان فوائد الصوم :(( أن الصوم يسكن النفس الأمارة ،ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج،ولذلك قيل إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء ،وإذا شبعت جاعت كلها..))(2) .
ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((الصيام جنه))(3) ،أي درع واقيه من الأثم في الدينا ومن النار في الآخرة،وبهذا يحقق الصيام غاية تزكية النفس وتطهيرها ووقايتها من الشرور والآثام.
المبحث الثالث:إضعاف دواعي الشر .
ومن حكم الصيام وأسراره ،إضعاف دواعي الشر ،إذ إن الصيام بما يتضمنه من اخبات لله، وخضوع بترك محبوبات النفس ومشتهياتها ،يؤدي إلى إضعاف نوازع الشر في النفس البشرية ودواعيه ،وقد جاء في الصحيحين من حديث صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))(4) .
__________
(1) زاد المعاد لابن قيم الجوزيه 2/9.
(2) شرح فتح القدير لابن الهمام2/300.
(3) أخرجه البخاري في الصحيح،باب: فضل الصوم ،رقم 1795 .
(4) اخرجه البخاري في الصحيح :باب:زيارة المرأة زوجها في إعتكافه ،رقم الحديث1933،ومسلم في الصحيح،باب: أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة وكانت زوجه او محرما له أن يقول هذه فلانه ليدفع ظن السوء به،رقم الحديث 2174.(1/4)
وفي زيادة ((فضيقوا مجاريه بالجوع))(1) وهذه الزيادة وإن كان طعن فيها جماعه من أهل العلم،إلا أن إضعاف الصيام لدواعي الشر في نفس الصائم أمر مشاهد ومحسوس.
ولذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يستطع النكاح بالصيام،فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال((من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء ))(2)
المبحث الرابع:تطهير النفس من الأخلاق الذميمة .
ومن حكم الصيام ومقاصده وأسراره السمو بالنفس الإنسانية والرقي بها وتطهيرها من مرذول الأخلاق وذميم الصفات، ولذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصائم البعد عن اللغو والرفث والكلام البذيء،فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم))(3).
بل أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من لم يدع مثل تلك الأخلاق الذميمة فليس لله حاجة في صيامه فعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجه في أن يدع طعامة وشرابه))(4)
__________
(1) قال العجلوني في كشف الخفاء 1/256((متفق عليه دون فضيقوا مجاريه بالجوع فإنه مدرج من بعض الصوفية)) وانظر: المغني عن حمل الأسفار للعراقي1/183،والأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للقاري1/122،وكتاب الأحاديث التي في الأحياء ولم يجد لها السبكي إسناداً لتاج الدين السبكي6/299.
(2) أخرجه البخاري في الصحيح،باب : الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة:رقم الحديث 1806
(3) أخرجه البخاري في صحيحة ،باب :هل يقول إني صائم إذا شتم،رقم الحديث 1805
(4) أخرجه البخاري في صحيحه :باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم،رقم الحديث 1804
قال ابن حجر في الفتح 4/117:((والمراد بقول الزور الكذب ،والجهل :السفه،والعمل به أي بمقتضاه))(1/5)
وفي لفظ عند أحمد ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل))(1)
وفي لفظ عند الطبراني :((من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه))(2)
وقال ابن حجر:((قال ابن العربي مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه ،ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه ،وقال البيضاوي:ليس المقصود من شريعة الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول))(3)
ومن خلال تأمل ما سبق من النصوص في هذا الشأن يظهر جلياً الحكمة الربانية والمقصد الشرعي الذي قصده الشارع من خلال الأمر بالصيام والحث عليه والترغيب فيه.
المبحث الخامس:تذكر الفقراء والمحرومين.
ومن مقاصد الصيام وحكمه وأسراره أن فيه تذكيراً للنفس وتبنيها لها ،بما يلاقيه الفقراء والمحرمون من مرارة الجوع وألم الحرمان ،فيوجب ذلك تنبيهاً للنفس وحثاً لها على مواساتهم والإحسان إليهم.
قال ابن الجوزي في التبصرة :((سأل المأمون علي موسى الرضا: أي شيء فائدة الصوم في الحكمة؟فقال:علم الله ما ينال الفقير من شدة الجوع فأدخل على الغني الصوم ليذوق طعم الجوع ضرورة، حتى لا ينسى الفقير ،فقال المأمون أقسم بالله لا كتبت هذا إلا بيدي))(4)
__________
(1) مسند أحمد حديث رقم 9838.
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الصغير برقم472.
(3) فتح الباري لابن حجر 4/117.
(4) التبصره لابن الجوزي2/80،وانظر:ذيل تاريخ بغداد لابن النجارالبغدادي18/238(1/6)
ويروى أن يوسف عليه السلام كان لا يشبع من طعام في سني القحط التي أصابت مصر ،فقيل له تجوع وبيدك خزائن الأرض؟فقال:أخاف إن شبعت أنسى الجائع،وأمر يوسف عليه السلام أيضاً طباخي الملك أن يجعلوا الغداة نصف النهار،وأراد أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين،ويحسن إلى المحتاجين. (1)
وقال القاري في بيان حكم الصيام :((ومنها كونه موجباً للرحمة والعطف على المساكين، فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ،ذكر هذا من حالة في عموم الساعات فتسارع إليه الرقة والرحمة))(2)
ولذا فإن من تدبر هذا فقد هيأ قلبه لمواساة الفقراء بالمال والإطعام والتصدق والبذل والجود والإحسان، لأنهم إخوانه المؤمنين،وهذا من أعظم التكامل الاجتماعي ،الذي يجعل العبد يشعر بشعور معاناة أخيه الفقير ومعدوم المال.
وإمعاناً من الشارع الحكيم في ترسيخ هذا المبدأ (التكافل الاجتماعي) في نفوس الصائمين ، نجده يحث ويرغب في تفطير الصائمين ويرتب على ذلك الثواب الجزيل، فعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :((من فطر صائماً كان له مثل أجره ،غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا))(3) .
__________
(1) انظر :تفسير الثعلبي 5/234،تفسير البغوي 2/434،تفسير الطبري9/219، لباب التأويل في معاني التنزيل لابن الخازن3/293،الجواهر الحسان في تفسير القران5/234،اللباب ... في علوم الكتاب11/141،روح المعاني للألوسي13/6
(2) انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي قارئ 4/385، شرح فتح القدير لابن همام 2/301،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لشيخي زاده1/340، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/423.
(3) أخرجه الترمذي برقم 807 ،وقال:(هذا حديث حسن صحيح) ،والنسائي في الكبرى برقم3332،والطبراني في الأوسط برقم 1048(1/7)
فما أجمل مقصد الشارع الحكيم في مشروعية الصوم ،ولا ريب أنه يورث تألف أرواح الصائمين ،وصفاء نفوسهم ،وسلامة قلوب بعضهم لبعض وذلك عند أداء تلك العبادة على وقف ما أمر به الشرع المطهر.
المبحث السادس: حفظ الصحة .
ومن مقاصد الصيام وحكمه وأسراره ،وحفظ الصحة،إذ إن فضول الطعام والشراب تورث أوجاعاً وأمراضاً عدة،والصيام يطهر البدن من تلك الفضلات الضارة،ولقد استعمل حذاق الأطباء، من قديم الزمان الصوم كعلاج لأمراض عديدة. (1)
ولذا قال طبيب العرب الحارث بن كلدة (المعدة بيت الداء ،والحمية رأس الدواء)(2)
قال ابن رجب((أصل كل داء التخم، كما قال بعضهم :أصل كل داء البردة.....ثم قال فهذه بعض منافع قليل الغذاء، وترك التملؤ من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته ،وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه، فإن قلة الغذاء توجب رقه القلب، وقوة الفهم،وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب ،وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك))(3)
ولقد اكتشفت العلم الحديث فوائد صحية عديدة للصيام منها:
? علاج إرتفاع حموضية المعدة، حيث وجد الباحثون أن الصيام يساهم بشكل ملحوظ في وضع حموضية بالشكل الطبيعي وهذا ما يؤكد أن الصيام يخفف ويمنع الحموضة الزائدة ،والتي تكون سبباً رئيساً في حدوث قرحة المعدة .
? علاج أمراض الأوعية الدموية الطرفية:فقد عالج الصيام عدداً من الأمراض الناتج عن السمنة :كمرض تصلب الشرايين ،وضغط ،الدورة الدموية الطرفية.
? المساعدة في تحسين كفاءة الأجهزة الحيوية.
__________
(1) انظر:مثلا:الحاوي في الطب للرازي3/366،والقانون في الطب لابن سينا2/475،و3/79
(2) انظر:الطب النبوي لابن القيم صـ82،وزاد المعاد4/104،جامع العلوم والحكم صـ426،غذاء الألباب للسفاريني 2/86
(3) جامع العلوم والحكم صـ326(1/8)
? يساعد على منع تكون الحصى في الجهاز البولي،كما يزيد الخصوبة لدى الرجل والمرأة، بالإضافة إلى أنه يحسن وظائف الكبد المختلفة ،ويعين تخليص الجسم من المسموم (1)
__________
(1) انظر في هذا الموضوع :رحلة الايمان في جسم الانسان لحامد محمد حامد صـ8،الصوم وصحته لنجيب الكيلاني صـ15،الصيام معجزة علمية لعبد الجواد الصاوي صـ20 مقال: الصيام وأثره على وظائف الكبد لعبد الجواد الصاوي مجلة الاعجاز العلمي العدد الثالث عشر ،مقال :الصيام والشقاء مجلة الاعجاز العلمي العدد الثاني والعشرين.
وقد وجدت في أحد المواقع مقالاً حول فوائد الصيام الصحية أنقله إتماماً للفائدة:
يفيد علماء الطب أن فوائد الصوم لصحة الإنسان وسلامة بدنه كثيرة جداً، منها ما يتعلق بالحالة النفسية للصائم وانعكاسها على صحته، حيث أن الصوم يساهم مساهمة فعالة في علاج الاضطرابات النفسية والعاطفية، وتقوية إرادة الصائم، ورقة مشاعره، وحبّه للخير، والابتعاد عن الجدل والمشاكسة والميول العدوانية، وإحساسه بسمو روحه وأفكاره، وبالتالي تقوية وتدعيم شخصيته، وزياة تحمّلها للمشاكل والأعباء، ومما لا شك فيه ذلك بصورة تلقائية على صحة الإنسان. ...
ومن فوائد الصوم، كونه يساهم في علاج الكثير من أمراض الجسم، كأمراض جهاز الهضم، مثل التهاب المعدة الحاد، وأمراض الكبد، وسوء الهضم، وكذلك في علاج البدانة وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وخناق الصدر والربو القصبي وغيرها. ...
وفي هذا المجال كتب الطبيب السويسري بارسيليوس "إن فائدة الجوع قد تفوق بمرّات استخدام الأدوية"، أما الدكتور فيليب، فكان يمنع مرضاه من الطعام لبضعة أيام، ثم يقدّم لهم بعدها وجبات غذائية خفيفة، وبشكل عام فإن الصوم يساهم في هدم الأنسجة المتداعية وقت الجوع، ثم إعادة ترميمها من جديد عند تناول الطعام، وهذا هو السبب الذي دعا بعض العلماء ومنهم "باشوتين"، لأن يعتبروا أن للصوم تأثيراً معيداً للشباب ... .
ولذلك فأهمية بالصوم تكمن في أنه يساعد على القيام بعملية الهدم التي يتخلص فيها الإنسان من الخلايا القديمة، والخلايا الزائدة عن حاجته. من هنا يعتبر نظام الصيام المتبع في الإسلام هو النظام الأمثل في عمليتي الهدم والبناء، حيث يتوقف الإنسان عن الطعام والشراب لمدة حدّها الأدنى أربعة عشر ساعة، حيث يقوم الجوع بهدم الخلايا ولكن هذه لا تلبث أن تتجدد عندما يعود إلى تناول الطعام ... .
ولم يقتصر دور الصوم على هدم الأنسجة المتداعية وإعادة تجديدها، بل يرقى بالإنسان إلى السمو الروحي، ويجعله أكثر وضوحاً في رؤيته، وهذا ما ألفت إليه "توم برنز" من مدرسة كولومبيا للصحافة بقوله: "إنني أعتبر الصوم تجربة روحية عميقة أكثر منها جسدية، فعلى الرغم من أنني بدأت الصوم بهدف تخليص جسدي من الوزن الزائد إلا أنني أدركت أن الصوم نافع جداً لتوقد الذهن، فهو يساعد على الرؤية بوضوح أكبر، وكذلك على استنباط الأفكار الجديدة وتركيز المشاعر، فلم تكد تمضي عدة أيام من صيامي في منتجع "بولنج" الصحي حتى شعر أني أمر بتجربة سمو روحي هائلة" ... ...
وليس هذا فحسب، بل نرى أن الصوم عند "برنز" يحدث تحولاً نوعياً في منهجيته ورؤيته، فينتقل من تطهير جسده بالصوم إلى تطهير النفس من الذنوب، وهذا ما عبّر عنه بقوله: "لقد صمت إلى الآن مرات عديدة، لفترات تتراوح بين يوم واحد وستة أيام، وكان الدافع في البداية هو الرغبة في تطهير جسدي من آثار الطعام، غير أنني أصوم الآن رغبة في تطهير نفسي من كل ما علق بها خلال حياتي، وخاصة بعد أن طفت حول العالم لعدة شهور، ورأيت الظلم الرهيب الذي يحيا فيه كثيرون من البشر، إنني أشعر أنني مسؤول بشكل أو بآخر عما يحدث لهؤلاء، ولذا فأنا أصوم تكفيراً عن هذا". ...
ويرقى الصوم بالإنسان إلى حالة من الكمال النفسي والروحي، واللذة الروحية، تختفي معها معالم الشوق إلى الطعام، بل هو باعث لآيات إنسانية أسمى تجعل منه شخصية متماسكة يتجاذبها شعور بالأنس والمحبة، بدل الضياع وحب التسلط وينزع من نفسه الخوف والارتباك والقلق، ويبرز هذا في قوله: "إنني عندما أصوم يختفي شوقي تماماً إلى الطعام، ويشعر جسمي براحة كبيرة، وأشعر بانصراف ذاتي عن النزوات والعواطف السلبية كالحسد والغيرة وحب التسلط، كما تنصرف نفسي عن أمور علقت بها مثل الخوف والارتباك والشعور بالملل، كل هذا لا أجد له أثراً مع الصيام، إنني أشعر بتجاوب رائع مع سائر الناس أثناء الصيام، ولعل كل ما قلته هو السبب الذي جعل المسلمين وكما رأيتهم في تركيا وسوريا والقدس يحتفلون بصيامهم لمدة شهر في السنة احتفالاً جذاباً روحانياً لم أجد له مثيلاً في أي مكان آخر في العالم". ...
ولذا فإن فوائد الصيام كثيرة تشمل كل أبعاد الحياة الإنسانية، بحيث أنها تدخل في كل خلية من خلايا الجسم، وتشمل كل ذرة فيه، كما أنها تلج في عملية بناء الروح والنفس وترويضها والسير بها نحو الكمال، وما تقي منه على صعيد الجسد أمور منها: ...
وهو يقوم بدور مشرط الجراح الذي يزيل الخلايا التالفة والضعيفة في الجسم، باعتبار أن الجوع يحرك الأجهزة الداخلية في الجسم لمواجهة ذلك الجوع، ما يفسح المجال للجسم لاستعادة حيويته ونشاطه، ومن جانب آخر، فإنه يقوم بعملية بناء الخلايا والأعضاء المريضة، ويتم تجديد خلاياها، فضلاً عن دور الوقاية من كثير من الزيادات الضارة مثل الحصوة والرواسب الكلسية والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية، والأورام في بدايات تكونها. ...
يقوم بدور إنقاص الوزن لمن يعاني السمنة، ولكن بشرط أن يصاحبه اعتدال في كمية الطعام في وقت الإفطار، وإلا يتخم الإنسان معدته بالطعام والشراب بعد الصيام، وهنا يفقد الصيام خاصيته في جلب الصحة والعافية والرشاقة، ويزداد معه بدانة. ...
يقوم بعملية خفض نسبة السكر في الدم إلى أدنى معدلاتها، ويتم ذلك من خلال إعطاء البنكرياس فرصة للراحة، لأن البنكرياس يفرز الأنسولين الذي يحوّل السكر إلى مواد نشوية ودهنية تخزن في الأنسجة، وعندما يزيد الطعام عن كمية الأنسولين المفرزة يصاب البنكرياس بالإرهاق ويعجز عن القيام بوظيفته، فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج حتى يظهر مرض السكر، وللوقاية من هذا المرض أقيمت دورة للعلاج تتبع نظام حمية وتوقف عن تناول الطعام باتباع نظام الصيام لفترة تزيد على عشر ساعات، وتقل عن عشرين كلٌ حسب حالته. ثم يتناول المريض وجبات خفيفة ، وذلك لمدة متوالية لا تقل عن ثلاثة أسابيع، وقد حقق هذا الأسلوب في المعالجة نتائج مهمة في علاج مرض السكر ودون الاستعانة أو استخدام أية عقاقير كيميائية.
إن الصيام يفيد في علاج الأمراض الجلدية، والسبب في ذلك أنه يقلل نسبة الماء في الدم فتقل نسبته بالتالي في الجلد، مما يعمل على: ...
ـ زيادة مناعة الجلد ومقاومة الميكروبات والأمراض المعدية الجرثومية. ...
ـ التقليل من حدة الأمراض الجلدية التي تنتشر في مساحات كبيرة من الجسم مثل مرض الصدفية. ...
ـ تخفيف أمراض الحساسية والحد من مشاكل البشرة الدهنية. ...
ـ مع الصيام تقل إفرازات الأمعاء للسموم وتناقص نسبة التخمر الذي يسبب دمامل وبثوراً مستمرة.(1/9)
الفصل الثاني:المقاصد الجزئية للصيام.
المبحث الأول:مقصود الشرع في الحث على صيام أيام بعينها.
المطلب الأول:مقصود الشرع في الحث على صيام يوم قبل يوم عاشوراء أو يوم بعده.
... قد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مقصود الحث على صيام ذلك اليوم وهو مخالفة اليهود، فعن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً )) (1)
يقول ابن تيمية رحمه الله في الإشارة إلى مقصود الشارع ذلك: ((فتدبر هذا يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر صيامه سنة ماضية، صامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه ورغب فيه، ثم لما قيل له قبيل وفاته إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه، وعزم على فعل ذلك ،ولهذا استحب العلماء منهم الإمام أحمد أن يصوم تاسوعا وعاشوراء، وبذلك عللت الصحابة - رضي الله عنهم - )) (2)
ويقول ابن القيم رحمه الله في الإشارة إلى المقصود ذلك: ((ولما كان صوم يوم عاشوراء لا يمكن التعويض عنه بغيره لفوات غير ذلك اليوم، أمرنا أن نضم إليه يوماً قبله، ويوماً بعده، لتزول صورة المشابهة ثم لما قهر المسلمون أهل الذمة وصاروا تحت قهرهم وحكمهم ألزمهم أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - بترك التشبه بالمسلمين )) (3)
المطلب الثاني: مقصود الشرع في الحث على صيام الأيام البيض.
قد ورد الحث في الشرع على صيام الأيام البيض ،وهي اليوم الثالث عشر ،والرابع عشر ،والخامس عشر من الشهر،وذلك في أحاديث منها:
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 2154،والبيهقي في السنن الكبرى 8189.
(2) اقتضاء الصراط المستقيم 1/87.
(3) أحكام أهل الذمة3/1286ـــ 1288. ...(1/10)
... حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: (( أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)) (1)
وقد حاول بعض أهل العلم تلمس حكمة الشارع ومقصود من ذلك، ومنهم أبو جعفر الطحاوي حيث قال في بيان ذلك: ((قد قيل إن أيام البيض إنما أمر بصومها لأن الكسوف يكون فيها، ولا يكون في غيرها، وقد أمرنا بالتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والعتاق ليلته، وغير ذلك من أعمال البر عند الكسوف، فأمر بصيام هذه الأيام ليكون ذلك براً مفعولاً بعقب الكسوف ..))(2).
وقال الحافظ في الفتح: ((وتترجح البيض بكونها وسط الشهر،ووسط الشيء أعدله، ولأن الكسوف غالباً يقع فيها، وقد ورد الأمر بمزيد العبادة إذا وقع، فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاد صيام البيض صائماً فيتهيأ له أن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام، والصلاة، والصدقة))(3)
... وقال السيوطي: ((وأيام البيض ذكر بعضهم أن الحكمة في صومها أنه لما عم النور لياليها ناسب أن تعم العبادة نهارها، وقيل الحكمة في ذلك أن الكسوف يكون فيها غالباً، ولا يكون في غيرها وقد أمرنا بالتقرب إلى الله تعالى بأعمال البر عند الكسوف)). (4)
المبحث الثاني : مقصود الشرع في النهي عن صيام أيام بعينها.
المطلب الأول: النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم.
__________
(1) أخرجه الترمذي 3135 ،والنسائي 4222 ،وابن ماجه 1545 ،وأحمد 527.
(2) شرح معاني الآثار للطحاوي2/81،وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال 4/143.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 4/227،وانظر: عمدة القاري للعيني 11/97.
(4) شرح السيوطي لسنن النسائي4/221،وانظر: فيض القدير للمناوي 4/229،وحاشية السندي 4/221. ...(1/11)
صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن إفراد يو الجمعة بالصوم وذلك فيما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده)) (1)
وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة،فقال:أصمت أمس؟ قالت: لا، قال تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال فأفطري)) (2)
يقول ابن القيم رحمه الله في بيان حكمة الشرع في النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم: ((والمأخذ الثالث: سد الذريعة من أن يلحق بالدين ما ليس فيه، ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية،وينضم إلى هذا المعنى أن هذا اليوم لما كان ظاهر الفضل على الأيام كان الداعي إلى صومه قوياً، فهو في مظنة تتابع الناس في صومه واحتفالهم به ما لا يحتفلون بصوم يوم غيره، وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه، ولهذا المعنى والله أعلم نهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي لأنها من أفضل الليالي، حتى فضلها بعضهم على ليلة القدر، وحكيت رواية عن أحمد، فهي في مظنة تخصيصها بالعبادة فحسم الشارع الذريعة، وسدها بالنهي عن تخصيصها بالقيام والله أعلم)) (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في الصحيح 1884.
(2) أخرجه البخاري في الصحيح 1885.
(3) زاد المعاد1/420.(1/12)
كما أشار رحمه الله في موطن آخر إلى مقصود وحكمة أخرى فقال: ((وكان من هدية - صلى الله عليه وسلم - كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم فعلاً منه وقولاً، فصح النهي عن إفراده بالصوم من حديث جابر بن عبد الله، وأبي هريرة وجويرية بنت الحارث،وعبد الله بن عمرو، وجنادة الأزدي - رضي الله عنهم - ، وغيرهم، وشرب يوم الجمعة وهو على المنبر، يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة ذكره الإمام أحمد، وعلل المنع من صومه بأنه يوم عيد فروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده} (1) فإن قيل فيوم العيد لا يصام مع ما قبله ولا بعده، قيل لما كان يوم الجمعة مشبهاً بالعيد أخذ من شهبه النهي عن تحري صيامه، فإذا صام ما قبله أو ما بعده لم يكن قد تحراه ..)) (2) .
وقال الصنعاني : ((واختلف في وجه حكمة تحريم صومه على أقوال: أظهرها أنه يوم عيد كما روي من حديث أبي هريرة مرفوعاً...)). (3)
__________
(1) أخرجه أحمد 8012، وابن خزيمة2161.
(2) زاد المعاد2/85 ــ86.
(3) سبل السلام 2/170.(1/13)
وقال النووي في بيان مقصود الشرع من ذلك : ((قال العلماء والحكمة في النهى عنه: أن يوم الجمعة يوم دعاء، وذكر وعبادة، من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها، لقول الله تعالى ژ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ (1)وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها، من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فان السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة، فان قيل: لو كان كذلك لم يزل النهى والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى ،فالجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهى عن إفراد صوم الجمعة)). (2)
المطلب الثاني: مقصود الشرع في النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم.
قد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الأحاديث الدالة على النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم ،وذلك كحديث عبد الله بن بسر السلمي عن أخته - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلا في ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)) (3)
وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى مقتضى مادلت عليه تلك الأحاديث من النهي عن ذلك الإفراد.
__________
(1) سورة الجمعة: آية:10.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم8/19.
(3) أخرجه أحمد 27120،وأبوداود2421، والترمذي 744.(1/14)
كما حاول بعض أهل العلم تلمس مقصد وحكمة الشرع في ذلك، ومنهم أبوجعفر الطحاوي رحمه الله حيث يقول في بيان مقصد الشارع من ذلك: ((وقد يجوز عندنا والله أعلم أن يكون ثابتاً، أن يكون إنما نهى عن صومه لئلا يُعَّظم بذلك، فيمسك عن الطعام والشراب والجماع فيه، كما يفعل اليهود ،فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه، ولا لما تريد اليهود بتركها السعى فيه، فان ذلك غير مكروه )). (1)
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى اختلاف أهل العلم في مقصد وحكمة الشرع من النهي عن إفراد ذلك اليوم بالصيام فقال: ((...ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة ،فعللها ابن عقيل بأنه يوم تمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك وهو ترك العمل فيه، والصائم في مظنة ترك العمل فيصير صومه تشبهاً بهم، وهذه العلة منتفية في الأحد.
وعلله طائفة من الأصحاب بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه، فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيماً له، فكره ذلك كما كره إفراد عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب وإفراد رجب أيضا لما عظمه المشركون...))(2) .
المطلب الثالث: مقصود الشرع في النهي عن تقدم رمضان بصيام ،وصيام يوم الشك،وصيام يوم العيد.
قد ورد في الشرع النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين،وذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم)) (3)
كما ورد النهي عن صيام يوم العيد وذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم العيدين )) (4)
__________
(1) شرح معاني الآثار للطحاوي 2/81.
(2) اقتضاء الصراط المستقيم 1/265.
(3) أخرجه البخاري 1815،ومسلم 1082.
(4) أخرجه أحمد 11649.(1/15)
كما ورد النهي عن صيام يوم الشك وذلك من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: ((من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ))(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في بيان مقصود الشرع من ذلك: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون صوماً كان يصومه أحدكم فليصمه ، ونهى عن صوم يوم الشك ، إما مع كون طلوع الهلال مرجوحاً، وهو حال الصحو ، وإما سواء كان راجحاً، أو مرجوحاً، أو مساوياً، على ما فيه من الخلاف المشهور ، وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه ، وكذلك حرم صوم اليوم الذي يلي آخر الصوم، وهو يوم العيد ، وعلل بأنه يوم فطركم من صومكم تمييزاً لوقت العبادة من غيره ، لئلا يفضي الصوم المتواصل إلى التساوي ، وراعى هذا المقصود في استحباب تعجيل الفطور وتأخير السحور، واستحباب الأكل يوم الفطر قبل الصلاة ، وكذلك ندب إلى تمييز فرض الصلاة عن نفلها، وعن غيرها، فكره للإمام أن يتطوع في مكانه وأن يستديم استقبال القبلة ، وندب المأموم إلى هذا التمييز ، ومن جملة فوائد ذلك سد الباب الذي قد يفضي إلى الزيادة في الفرائض )) (2)
__________
(1) أخرجه الترمذي 371 ، والنسائي 4153 ،و الدارمي 25 .
(2) الفتاوى الكبرى 3/262.(1/16)
ويقول ابن القيم رحمه الله في بيان ذلك: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن تكون له عادة توافق ذلك اليوم، ونهى عن صوم يوم الشك، وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه، وكذلك حرم صوم يوم العيد، تمييزاً لوقت العبادة عن غيره، لئلا يكون ذريعةً، إلى الزيادة في الواجب، كما فعلت النصارى، ثم أكد هذا الغرض باستحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور، واستحباب تعجيل الفطر في يوم العيد قبل الصلاة، وكذلك ندب إلى تمييز فرض الصلاة عن نفلها، فكره للإمام أن يتطوع في مكانه، وأن يستديم جلوسه مستقبل القبلة، كل هذا سداً للباب المفضى إلى أن يزاد في الفرض ماليس منه)) (1)
المطلب الرابع:مقصود الشرع في النهي عن صيام أيام التشريق.
ثبت في الحديث الصحيح عن عن نبيشة الهذلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله)) (2)
وعن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - فقرب إليهما طعاماً، فقال: كل ،فقال: إني صائم فقال: عمرو كل فهذه الأيام التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها، قال مالك وهي أيام التشريق. (3)
وقد ألمح النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى ما قد يفهم منه مقصود الشرع في النهي عن صيام هذه الأيام، وهو التقوي على ذكر الله عز وجل، إذ إن الله عزوجل قد أمر بالإكثار من الذكر في خصوص هذا الموطن فقال سبحانه ژ ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ژ (4) ولذا يستحب في هذا الموطن الإكثار من ذكر الله عزوجل على ما أتم به من نعمة إتمام النسك.
__________
(1) إعلام الموقعين3/143.
(2) أخرجه مسلم 1141.
(3) أخرجه أبوداود2418.
(4) البقرة: 200(1/17)
كما استنبط بعض أهل العلم مقاصد وحكماً أخرى،قال الملا علي قاري: ((قال ابن الملك : اتفقوا على حرمة صومها وإنما حرم صوم يوم العيد ، وأيام التشريق لأن الناس أضياف الله فيها)). (1)
... وقال أبونعيم في الحلية: ((سئل ذو النون المصري: لم كره الصوم أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زاروا الله، وهم في ضيافته، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه)) (2).
المطلب الخامس :مقصود الشرع في النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة.
قد ورد النهي في الشرع عن صيام يوم عرفة بعرفة وذلك في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال:(( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة بعرفة)) (3)
وقد اختلف أهل العلم في القول بموجب هذا الحديث تبعاً لاختلافهم في تحديد المقصود من النهي عن الصيام في ذلك اليوم للحاج.
فمن رأى أن المقصود من النهي هو الضعف عن الدعاء ذلك اليوم، أجاز لمن لايجد ضعفاً عن الدعاء ذلك اليوم بالصيام ،ولذا كان عطاء رحمه الله يصوم عرفة في الشتاء ولايصومه في الصيف ،لأن صومه له في الشتاء لايضعفه عن الدعاء، وكانت عائشة رضي الله عنها وكذا ابن الزبير يصومونه،وذلك محمول على أنه لايضعفهم عن الدعاء، وكان قتادة لايرى به بأساً إذا لم يضعفه عن الدعاء (4) .
__________
(1) مرقاة المفاتيح4/479.
(2) حلية الأولياء لأبي نعيم9/370،وانظر ذلك في شعب الإيمان للبيهقي 3/469،والطيوريات للمبارك بن عبدالجبار الطيوري الحنبلي 3/303،وتاريخ دمشق لابن هبة الله 6/352،وتهذيب الكمال للمزي 5/94،وتاريخ الإسلام للذهبي 9/92،والتحفة اللطيفة للسخاوي1/242.
(3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9254.
(4) انظر:المغني لابن قدامة 3/58 ،الشرح الكبير3/106،فتح الباري لابن حجر 4/238،(1/18)
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى هذا المقصد نقلاً عن الطبري فقال: ((وقال الطبري إنما أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة)) (1)
وقال ابن قدامة في تعليله لمن أجاز الصوم: ((لان كراهة صومه إنما هي معللة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة )) (2) .
وأما من رأى أن النهي عن الصوم لأنه عيد أهل الموقف لما جاء عند أبي داود من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)) (3) ، فمن رأى المقصود بالنهي لأجل ذلك لم يجز للحاج الصيام.
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا المقصد فقال: ((وقيل إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم)) (4)
المبحث الثالث: مقصود الشرع من بعض ما نهي عنه في الصوم.
المطلب الأول :مقصود الشرع من النهي عن الأكل والشرب في الصوم.
اختلف أهل العلم في تحديد مقصود الشرع في النهي عن الأكل والشرب في الصوم هل هو لأجل كونه عبادة غير معقولة المعنى، أم لأجل وقف ما يغذي الصائم.
فمن رأى أن ذلك عبادة غير معقولة المعنى، لم يفرق فيما يصل إلى جوف الصائم من نحو الأبر وما شاكلها، ورأى الإفطار بذلك كله.
ومن رأى كونه عبادة معقولة المعنى، وأن المقصود هو وقف ما يغذي الصائم فرق بين المغذي وغيره.
__________
(1) فتح الباري 4/238.
(2) الشرح الكبير لابن قدامة3/106.
(3) أخرجه أبوداود 2419، والترمذي 3144 ، والنسائي 5252 ،
(4) فتح الباري 4/238.(1/19)
قال ابن رشد : ((واختلفوا من ذلك في مسائل: منها مسكوت عنها، ومنها منطوق بها، أما المسكوت عنها إحداها: فيما يرد الجوف مما ليس بمغذ، وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب، مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف، مثل أن يرد الدماغ ولا يرد المعدة.
وسبب اختلافهم في هذه هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول، لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي.
وتحصيل مذهب مالك أنه يجب الإمساك عما يصل إلى الحلق من أي المنافذ وصل مغذياَ كان أو غير مغذٍ، وأما ما عدا المأكول والمشروب من المفطرات، فكلهم يقولون إن من قبل فأمنى فقد أفطر، وإن أمذى فلم يفطر إلا مالك )) (1) .
المطلب الثاني مقصود الشرع من النهي عن الوصال في الصوم.
ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الوصال في الصوم ، وذلك كما في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال)) (2) ، وكما في حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل، قال: لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى أو إني أبيت أطعم وأسقى)) (3)
... وقد جاء في بعض الآثار والأحاديث التصريح بالمقصد الشرعي من ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم ) (4)
__________
(1) بداية المجتهد1/212.
(2) أخرجه البخاري1861،ومسلم 1102.
(3) أخرجه البخاري 1860.
(4) أخرجه البخاري 1863.(1/20)
... وعن بن أبي ليلى رحمه الله :عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: ( إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه) (1)
وقد أشار الماوردي إلى هذا المقصد فقال: ((ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال بين صوم اليومين ؛ لأنه يضعف الجسد ويميت النفس ويعجز عن العبادة )) (2) وبناءً على هذا المقصد وهو خشية المشقة على الأمة والرفق والرحمة بهم،استجاز بعض التابعين الوصال في حق من لم يجد مشقة في ذلك.
فعن أبي العالية رحمه الله أنه قال في الوصال في الصيام:( قال الله تبارك وتعالى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } وإذا جاء الليل فهو مفطر ثم إن شاء صام وإن شاء ترك ) (3) .
وعن بكر بن عامر قال: ( كان بن أبي أنعم يواصل خمسة عشر يوماً حتى تعوده) (4).
وعن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: ( دخلت على بن الزبير صبيحة خمسة عشر من الشهر وهو مواصل) (5) .
... وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهية الوصال حتى لمن قوي على ذلك وقوفاً عند ظاهر النص (6) .
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/331.
(2) أدب الدنيا والدين للماوردي 1/442.
(3) مصنف ابن أبي شيبة2/331.
(4) المرجع السابق.
(5) المرجع السابق.
(6) شرح صحيح البخاري لابن بطال4/109.(1/21)