الحمد لله الذي رفع بعض خلقه على بعض درجات، وميز بين الخبيث والطيب بالدلائل المحكمات، وتفرد بالملك فإليه منتهى الطلبات والرغبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يخفى عنه مقدار ذلك في الأرض والسموات.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالآيات البينات، والحجج النيرات، الآمر بتنزيل الناس ما يليق بهم من المنازل والمقامات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الأنجاب الكرماء الثقات (1) ،أما بعد :
فإن من أصعب الأمور وأشدها أن تحكم على تراث جيل من الأجيال وتقومه وتبين خصائصه، فهذه مهمة تحتاج إلى استقراء تام ، وطول باع في العلم ، واطلاع واسع ، وبالنسبة لي فدون ذلك خرط القتاد !! ، ولكن لما كان لابد من سلوك هذا المهيع ، وخوض غماره (2) ، استعنت بالله فجمعت – حسب قدرتي - ما تيسر من المراجع حول هذا الموضوع ، فخرجت بهذه الإشارات الوجيزة ، والعبارات اليسيرة ، التي تناولت مدرسة الحديث بالكوفة (3) .
وقد قسمت هذا العمل إلى ستة مباحث ، وهي كالتالي :
المبحث الأول: نشأة مدرسة الحديث بالكوفة.
المبحث الثاني: خصائص مدرسة الحديث بالكوفة.
المبحث الثالث: أشهر اصطلاحاتها.
المبحث الرابع: أشهر المحدثين بالكوفة.
المبحث الخامس : أشهر أسانيدها.
المبحث السادس: أشهر مؤلفاتها.
فهذه بضاعة مزجاة ،أعرضها عليكم ، لكم غنمها وعلي غرمها ، تطفلت فيه على موائد أهل الحديث ، ولسان حالي يقول :
أسيرخلف ركاب النجب ذا عرج ... مؤملاً كشف ما لا قيت من عوج.
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ... فكم لرب الورى في ذاك من فرج.
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً ... فما على عرج في ذاك من حرج.
__________
(1) مقدمة تقريب التهذيب (ص13) باختصار.
(2) حيث طلب مني كبحث جامعي .
(3) أخذ هذا العنوان كرسالة دكتوراة .(1/1)
فرحم الله أهل الحديث ، وحشرنا في زمرتهم ، وجعلنا من أهله العاملين ، إنه جواد كريم.
المبحث الأول
نشأة مدرسة الحديث بالكوفة :
لما كانت النهضة العلمية التي شهدتها مدينة الكوفة،والمكانة الثقافية التي وصلت إليها هذه المدينة الإسلامية العريقة مرتبطةًً ارتبطا وثيقاً بنزول الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - بها أولاً, والاهتمام الكبير الذي حظيت به من قبل الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ثانياً ,كان من المناسب أن نتحدث بإيجاز عن نشأة هذه المدينة وتمصيرها .
أولاً :معنى الكوفة في اللغة :
قال ابن دريد : التكوّف: التجمّع؛ هكذا يقول الأصمعي، قال: وبه سُمّيت الكوفة (1) .
وقال ابن قتيبة :الكوفة رملة مستديرة ومنه يقال كأنَّهم يَدُورون في كُوفان أي في شيء مُسْتدير بنَصْبِ الكاف وضَمِّها (2) .
ثانياً: سبب التسمية :
في ذلك عدة أقوال :
1- قيل لاجتماع الناس أخذاً من قولهم تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضا (3) .
2- وقيل لاستدارتها أخذاً من قول العرب رأيت كوفاناً إذا رأوا رملة مستديرة (4) .
3- وقيل بل سميت بجبيل صغير كان فيها يسمى كوفان اختطته مهرة (5) .
4- قيل سميت كوفة لأنها قطعة من البلاد من قول العرب قد أعطيت فلاناً كيفة أي قطعة (6) .
ثالثاً: تمصير عمر - رضي الله عنه - للكوفة ونزول المسلمين بها :
بعد أن تحقق النصر الكبير للمسلمين في معركة القادسية -تلك الموقعة العظيمة التي مهدت للفتح الإسلامي في جهة المشرق – توجه قائد المسلمين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى تمصير هذه المدينة بأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
__________
(1) جمهرة اللغة - (2 / 46).
(2) غريب الحديث لابن قتيبة - (1 / 476).
(3) وهذا قول الأصمعي كما نقلة ابن دريد .
(4) صبح الأعشى - (4 / 337).
(5) معجم ما استعجم - (4 / 1142).
(6) معجم البلدان - (4 / 491).(1/2)
فقد نقل البلاذري : أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبى وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة، وأن لا يجعل بينه وبينهم بحرا، فأتى الأنبار وأراد أن يتخذها منزلا، فكثر على الناس الذباب، فتحول إلى موضع آخر فلم يصلح، فتحول إلى الكوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل، وأنزل القبائل منازلهم، وبنى مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة ،وولى الاختطاط للناس أبا الهياج الأسدي عمرو بن مالك بن جنادة. (1) .
رابعاً : النشاط العلمي عموماً والحديثي خصوصاً بالكوفة :
هناك عدة عوامل وأسباب ساعدت على جعل الكوفة مركزاً علمياً ومشعلاً حضارياً في كافة فروع العلم ، ومن ذلك علم الحديث مما جعلها محط رحال العلماء والمحدثين وقبلة طلاب الأسانيد والآثار ، فمن هذه العوامل :
1-العناية الكبيرة التي حظيت بها هذه المدينة من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث أمر سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - بمتصيرها – كما تقدم – وكان يعلي من شأن أهلها ويعرف لهم قدرهم فعن الشعبي قال: كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أهل الكوفة إلى رأس أهل الإسلام (2) ، ويقول الكوفة وجوه الناس (3) ، وكذلك قام بإرسال جمع من الصحابة - رضي الله عنهم - إلى هذه المدينة لتعليم المسلمين ونشر العلم وكان على رأسهم عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر - رضي الله عنهم - وكتب عُمَر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أهل الكوفة (إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً و عبد الله بن مسعود معلما و وزيراً و هما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا و قد جعلت ابن مسعود على بيت مالكم فاسمعوا فتعلموا منهما و اقتدوا بهما و قد آثرتكم بعبد الله على نفسي) (4) .
__________
(1) فتوح البلدان - (2 / 338).
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد - (6 / 5).
(3) المرجع السابق .
(4) الحاكم في المستدرك - (3 / 438)وقال صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ووافقه الذهبي. .(1/3)
2- إتخاذ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الكوفة مقراً له إبان خلافته (1) زاد من مكانة الكوفة وأعلى من شأنها وأضفى عليها أهمية بالغة وجاء عنه - رضي الله عنه - أنه كان يقول: الكوفة جمجمة الإسلام (2) ، وكذلك عندما نزل علي - رضي الله عنه - الكوفة نزل معه جملة من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - فلذلك رحل إليها العلماء للاستفادة من علم هؤلاء الصحب الكرام - رضي الله عنهم - .
3- لقد حظيت الكوفة بعدد كبير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن نزلها واستقر بها مما جعلها من الحواضر العلمية المهمة في ذلك الوقت ، وقد اختلفت المصادر في تحديد عدد الصحابة الذين نزلوا بالكوفة ، فعن إبراهيم النخعي قال: هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر (3) ، وقال قتادة نزل الكوفة من الصحابة ألف وخمسون منهم أربعة وعشرون بدريون (4) ، وقال العجلي نزل الكوفة ألف وخمسمائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) .
4- أصحاب ابن مسعود - رضي الله عنه - كأمثال علقمة بن قيس ، والأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع وغيرهم كان لهم دور عظيم في نشر العلم بالكوفة والمساهمة في الحراك العلمي بها ، فعن عن سعيد بن جُبَيْر ، قال : كان أصحاب عَبْد الله سُرُج أهل هذه القرية ؛ يعني : الكوفة (6) .
وكل هذه العوامل وغيرها ساهم في نشأة المدارس العلمية ومن ضمنها مدرسة الحديث بالكوفة ، التي كثر روادها وزادت أعدادهم (7) .
__________
(1) الكامل في التاريخ - (2 / 91)
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/6)
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد - (6 / 9)
(4) الإرشاد للخليلي ( 2/533)
(5) الثقات للعجلي - (2 / 448)
(6) تاريخ ابن أبي خيثمة - (4 / 386).
(7) ينظر للفائدة في هذا المبحث ( رسالة مدرسة الحديث بالكوفة: رواية ودراسة حتى القرن الثالث/ عبدالعزيز بن أحمد الجاسم - دكتوراه – ص20 إلى ص29 ( لكنه لم يرتب العناصر، وأيضاً ترك بعضها ).(1/4)
المبحث الثاني
خصائص مدرسة الحديث بالكوفة (1)
ملامح المدرسة الكوفية كانت ظاهرة وجلية ، فهناك ثمة أمور تميز بها السند الكوفي عن غيره ،والتي رفعت من شأنه وأعلته تارة ، وحطت من قدره تارات !!
ويمكن إجمالها في الأمور الرئيسة الآتية :
1- كان لاتخاذ علي - رضي الله عنه - للكوفة مقراً _ كما تقدم _ ووقوف أهلها معه في حروبه في صفين والجمل والنهروان وغيرها ، دور كبير في انتشار التشيع في الكوفة ، حتى وصفها الذهبي بقوله ((الكوفة تغلي بالتشيع وتفور)) (2) .
2- انتشر الوضع في الحديث بالكوفة ، وخصوصاً في فضائل علي - رضي الله عنه - وآل البيت، حتى قال بعض الحفاظ تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته فزاد علي ثلاثمائة الف!!! (3) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الشام وأحاديثهم: (( وأما أهل الكوفة فلم يكن الكذب في أهل بلد أكثر منه فيهم ، ففي زمن التابعين كان بها خلق كثيرون منهم ، معروفون بالكذب ، لا سيما الشيعة فإنهم أكثر الطوائف كذباً باتفاق أهل العلم )) (4) .
3- تعد الكوفة من أكثر الأمصار الإسلامية اشتهاراً بالتدليس ، حتى قال يزيد بن هارون الواسطي ( ت 206) :(( قدمت الكوفة فما رأيت بها أحداً إلا وهو يدلس إلا مسعر بن كدام وشريكاً )) (5) .
وقال الحاكم في معرفة علوم الحديث (( أكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة )) (6) .
__________
(1) ينظر في هذا المبحث كتاب الوهم في روايات مختلفي الأمصار ( ص 459) فقد ذكر بعض هذه الخصائص وترك بعضها .
(2) تذكرة الحفاظ - (3 / 840).
(3) ، الإرشاد للخليلي - (1 / 420).
(4) مجموع الفتاوى (20 / 316).
(5) الكفاية في علم الرواية - (1 / 361).
(6) المعرفة ( ص 111).(1/5)
4- ينزع أهل الكوفة في اتجاههم الفقهي إلى الرأي ، وهم كباقي أهل العراق بوجه عام، حيث انفردوا ببعض المسائل الفقهية التي لم يشاركهم فيها أهل الأمصار الأخرى ، قال الإمام الأوزاعي : يجتنب أو يترك من قول أهل العراق- ثم ذكر بعض المسائل التي اشتهر بها أهل الكوفة مثل مسألة شرب النبيذ ، وغيرها (1) .
5- أهل الكوفة من المكثرين جداً في الرواية ، غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة من العلل , قال الزهري : في حديث أهل الكوفة دغلا كثيراً ، وقال عبد الرحمن بن مهدي : حديث أهل الكوفة مدخول (2) .
6- كان لهذه المدرسة منهج رائع في التلقي وتقديم حفظ القرآن على غيره ، والجمع بين العلم والعمل , ، قال الخطيب البغدادي : (( قيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد)) (3) .
7- لم يكن أهل الحديث بالكوفة أهل تمحيص في الرواية ، وتدقيق في الشيوخ بل يروون عن كل أحد ، لذلك كثرة المنكرات في مروياتهم ، والواهيات في أخبارهم , قال الإمام مسلم : حدثني محمد بن المثنى، قال، قال لي عبدالرحمن بن مهدي: يا أبا موسى أهل الكوفة يحدثون عن كل أحد (4) ، وقال شيخ الإسلام : (( يذكر عن مالك وغيره من أهل المدينة أنهم لم يكونوا يحتجون بعامة أحاديث أهل العراق ، لأنهم قد علموا أن فيهم كذابين ولم يكونوا يميزون بين الصادق والكاذب)) (5) .
__________
(1) المرجع السابق ( ص 65).
(2) الجامع لأخلاق الراوي - (2 / 287).
(3) الكفاية في علم الرواية - (1 / 54).
(4) التمييز للإمام مسلم - (ص 15).
(5) مجموع الفتاوى (20 / 316).(1/6)
8- إذا ذكر الفقه ذكرت الكوفة ، فهي من منابعه ، بل وبه تميزت ، لذلك كان أساطين المحدثين من أهل الكوفة على علم بالفقه ودراية به ، ولا ريب أن الفقه إذا انضم إلى الحفظ فهو مزية للتقديم ، قال وكيع لأصحابه: أيما أحب إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي وائل: شيخ عن شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود: فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء خير مما يتداوله الشيوخ (1) .
9-كان للكوفة تأثير واضح في الخراسانيين ، لأن أهل الكوفة هم الذين فتحوا هذه البلاد ، وعلموا أهلها القرآن والحديث ، فانتقلت مناهجهم وطرائقهم في التفكير والتحديث إليها ، وقلما تجد إسناداً خراسانياً إلا وأصله كوفي (2) .
المبحث الثالث
أشهر اصطلاحاتها
حدد علماء الحديث بالكوفة موقفهم من قواعد الرواية وقضايا الإصلاح ، فلهم رأي واضح ، وافقوا فيه غيرهم من المحدثين في بعض المسائل وخالفوهم في غيرها ، وقد ترجموا ذلك واقعاً عملياً زخرت به مروياتهم ، وامتلأت به مصنفاتهم ، وهنا أشير إلى أبرز المسائل الاصطلاحية ، التي تدل على غيرها ، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق :
1- القراءة على الشيخ:
__________
(1) المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (1 / 95).
(2) الوهم في روايات مختلفي الأمصار ( ص 461).(1/7)
أكثر المحدثين يسمونها (العرض ) من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك ، قال الحافظ ابن كثير ((والرواية بها سائغة عند العلماء، إلا عند شُذاذ لا يعتمد بخلافهم, وهي دون السماع من لفظ الشيخ، وعن مالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب: أنها أقوى. وقيل: هما سواء، ويعزى ذلك إلى أهل الحجاز والكوفة، وإلى مالك أيضاً وأشياخه من أهل المدينة، وإلى اختيار البخاري. والصحيح الأول)) (1) ، وقال الحافظ العراقي فذهب مالك وأصحابه ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري إلى التسوية بينهما (2) ، قال سفيان الثوري : قراءتك على العالم وقراءته عليك سواء (3) .
2- الرواية بالمعنى :
جاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يشدد في الرواية بالمعنى ، قال الذهبي (كان ممن يتحرى في الأداء ويشدد في الرواية ويزجر تلامذته عن التهاون في ضبط الألفاظ) (4) , ورغم ذلك فقد ذهب كبار المحدثين بالكوفة إلى جواز الرواية بالمعنى كالشعبي وإبراهيم النخعي،والثوري قال وكيع : إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس (5) ، قال الحافظ ابن كثير جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً وعليه العمل (6) .
3- الاحتجاج بالحديث المرسل :
قال الحافظ ابن رجب ((وقد استدل كثير من الفقهاء بالمرسل وهو الذي ذكره أصحابنا أنه الصحيح عن الإمام أحمد ، وهو قول أبي حنيفة ، وحكى الاحتجاج بالمرسل عن أهل الكوفة ، وعن أهل العراق جملة (7) )).
4- حد المرسل عندهم :
__________
(1) اختصار علوم الحديث - (ص 114) باختصار .
(2) شرح التبصرة والتذكرة - (1 / 130).
(3) الكفاية في علم الرواية - (1 / 268).
(4) تذكرة الحفاظ - (1 / 14).
(5) فتح المغيث (2/45).
(6) اختصار علوم الحديث - (ص 18).
(7) شرح علل الترمذي لابن رجب - (1 / 196).(1/8)
قال الحاكم : فأما مشايخ أهل الكوفة فكل من أرسل الحديث عن التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل محتج به وليس كذلك عندنا (1) .
المبحث الرابع
أشهر المحدثين بالكوفة
كانت الكوفة تعج بالمئات بل بالآلف من طلاب الحديث من أبنائها أو من غيرهم ممن قدم الكوفة لطلب العلم وسماع الحديث ، قال ابن سيرين: قدمت الكوفة قبل الجماجم فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث (2) .
ولأنه لا يمكن الإحاطة بهم في هذه العجالة فسوف أذكر أشهر المحدثين بها ، وهم على النحو التالي :
أولاً : طبقة الصحابة :
1- علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
2- عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - .
3- أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - .
4- المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - . (3)
ثانياً : طبقة التابعين (4) :
1- الأسود بن يزيد النخعي .
2- علقمة بن قيس .
3- مسروق بن الأجدع .
4- عامر بن شراحيل الشعبي .
ثالثاً : طبقة أتباع التابعين :
1- سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري.
2- مسعر بن كدام الهلالي.
3- زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي.
4- وكيع بن الجراح. (5)
رابعاً : طبقة تَبَع الأتباع (6) :
1- أبو بكر بن أبي شيبة .
2- وهناد بن السري .
3- وأبو كريب محمد بن العلاء .
4- ومحمد بن عبد الله بن نمير الهمْداني (7) .
__________
(1) معرفة علوم الحديث - (ص 67).
(2) المحدث الفاصل - (ص 408).
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/5-65).
(4) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 6/ 66).
(5) رسالة ابن منده في بيان فضل الأخبار وتصحيح الروايات - (ص 54-55).
(6) فائدة : قال الحافظ ابن حبان : خير الناس بعد أتباع التابعين القرن الرابع الذين شافهوهم وصحبوهم وهم تبع الأتباع الذين جدوا في الرحل والأسفار وأمعنوا في طلب العلم والأخبار.( الثقات لابن حبان - (8 / 1).
(7) رسالة ابن منده في بيان فضل الأخبار وتصحيح الروايات - (ص 56).(1/9)
وبعد هذه الطبقة ضعف الحديث بالكوفة جداً ، فنهاية القرن الثالث يعتبر الحد الفاصل بين حقبة زمنية كانت فيها مدرسة الحديث بالكوفة في أوج قوتها وازدهارها ، وبين أخرى تلتها خبت فيها تلك المصابيح ، وتعطلت فيها تلك المعاهد _ إلا ما رحم ربك – فقد نقل الخطيب البغدادي عن أبي الحسين بن المنادي قوله : ((كنا نسمع شيوخ أهل الحديث وكهولهم يقولون مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق ومحمد بن عثمان وأبى جعفر الحضرمي وعبيد بن غنام قلت (أي الخطيب) وكانت وفاة هؤلاء الأربعة في سنة) (1) .وقد كانت وفاة هؤلاء العلماء في سنة سبع وتسعين ومائتين (297هـ) .
المبحث الخامس :
أشهر أسانيدها
أسانيد أهل الكوفة كثيرة جداً ، ويمكن هنا أن نعرض لأشهر تلك الأسانيد المخرجه في الصحاح :
1- الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (2) .
وقيل أن هذا الإسناد هو أصح الأسانيد ، قاله ابن معين (3) .
2- ابو أسامة حماد بن أسامة عن بُريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى - رضي الله عنه - (4)
3- منصور بن المعتمر عن الشعبي عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - (5) .
4- زهير بن معاوية عن منصور عن ربعي بن حراش عن حذيفة - رضي الله عنه - (6) .
المبحث السادس
أشهر مؤلفاتها
كان لقلم التأليف حضوره الواضح عند علماء الحديث بالكوفة ، بل كانت قضية التأليف عندهم مبكرة جداَ ، فهم من أوائل الذين دونوا الحديث وكتبوا الآثار , ومن المؤلفات التي جادت بها المكتبة الكوفية والمحبرة الحديثية لديهم :
1- المسند ليحيى الحِمَّاني ، قال ابن عدي : (( يقال : إن أول من صنف المسند بالكوفة يحيى الحِمَّاني)) (7) .
__________
(1) تاريخ بغداد - (3 / 46).
(2) عمدة القاري ( 11487).
(3) فتح المغيث - (1 / 24).
(4) عمدة القاري (3/71).
(5) عمدة القاري ( 10/274).
(6) عمدة القاري ( 17/297) .
(7) شرح علل الترمذي لابن رجب - (1 / 119).(1/10)
2- المسند لعبيد الله بن موسى العبسي الكوفي (1) ، وذكر الحاكم أنه أول من صنف المسند في الإسلام هو وأبو داود الطيالسي (2) .
3- مصنف وكيع بن الجراح (3) .
4- مصنف أبي بكربن أبي شيبة (4) .
5- جامع سفيان الثوري (5) .وهو أيضاً من أوائل الذين صنفوا في الحديث (6)
6-كتاب ((الصلاة)) لأبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي (7) .
7- كتاب (( الزهد )) لهناد بن السري (8) .
وإلى هنا وصلنا إلى خاتمة المطاف ، ونهاية الرحلة ، ختم الله بالصالحات أعمالنا ، وبارك الله لنا في أعمارنا ، وجعلنا من حزبه المفلحين ، وأوليائه المقربين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
__________
(1) الرسالة المستطرفة - (ص 6) .
(2) المدخل إلى كتاب الإكليل - (ص 30).
(3) الرسالة المستطرفة - (ص 40).
(4) الرسالة المستطرفة - (ص 40).
(5) الرسالة المستطرفة - (ص 43).
(6) المحدث الفاصل - (ص 612).
(7) الرسالة المستطرفة - (ص 45).
(8) الرسالة المستطرفة - (ص 51).(1/11)