مختصر
شرح قطر الندى
وبل الصدى
تأليف
محمد بن سعد عياد
تحقيق
الدكتور
جميل عبد الله عويضة
1430هـ / 2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
... نحمدك اللهم على قطر إحسانك الهامع ، ونشكرك على وصل أفضالك المتتابع ، ونصلي ونسلم على خاتمة أنبيائك ، المخصوص بالكلم الجوامع ، وعلى آله وأصحابه النجوم اللوامع ، أمَّا بعد ...
... فيقول راجي رحمة الجواد محمد بن سعد عياد ، أحسن الله خاتمته ، وألهمه الصواب ومزاولته ، هذا مختصر كثير الجد على آخر شرح قطر الندى لمؤلفه الجمال بن هشام الأنصاري ، أحصل الله برمسه بقية الرضوان الحيارى ، قد كنت قلدّت به نحور القراطيس ، فأحدقت به حدائق المعاني كأنه مغناطيس ، ثم رسب في بحار الترك دُرُّه ، ولم يبد للطلاب حلوه ومره ، إلى أن أبت لختم الكتاب ثانيا ، فشرعت في إصلاحه لعنان البراعة ثانيا ، معتمدا على الله في جواب هذا الدر ، وخوض هذا البحر الدهر .
قال المؤلف نوّر الله ضريحه ، وأمدّ بمدد الرحمة روحه (1) :
فصل .
في اللغة : خلاف الأصل ، والجزء من الستة ، والحد بين الشيئين ، والنوع ، وخلاف الهزل.
وعند المناطقة : الكلي المقول في جواب ما هو في ذاته ، والمراد هنا الألفاظ المخصوصة، الدالة على المعاني المخصوصة ، فهو علم شخص ، كباقي أسماء التراجم ، بالكسر ، وهو خبر أو مبتدأ حذف قرينه ، قال الواسطي بالأول ؛ لأن الخبر محط الفائدة ، وغيره بالثاني ، لأن الأطراف محل الأهداف ، والخبر كالفضلة ، ونصبه لا يجري إلاّ على رسم ربيعه المنصوب كغيره ، الجاري على لغتهم في الوقف ، وجره بحرف شاذ ، ومناسبة هذا الفصل للوقف ظاهرة ، لتعلق الوقف بالآخر ، وهذا بالأول ، والضد أقرب حظورا بالبال ، ولحظ هذا مّن قال (2) :
__________
(1) هذا الكتاب خاص بفصل همزة الوصل ، وخاتمة ابن هشام في كتاب شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام الأنصاري .
(2) من الطويل ،ولم أقف له على قائل .(1/1)
... ... أُحبُّ ليالي الهجرِ لا فرحاً بها ... ... لعليَ أحظى بعدها بوصال
... ... وأكره أيامَ الوصال لأنني ... ... أرى كلَّ شيءٍ معقباً بزوال
اسم : أصله عند سيبويه (1) سِمْو كقِنْو، وقيل كقُفْل ، حذفت لامه تخفيفا ، وسكن أوله ، وقيل نُقل سكون الميم للسين ، وأُتي بالهمزة توصلا للابتداء بالساكن ، وتعويضا عن اللام المحذوفة ، ولذا لم يجمعوا بينهما ، وأصله عند الكوفيين وِسم ، بكسر الواو ، كما في الصبان (2) وفي الحاشية بفتحها ، حذفت الفاء ، وعُوِّض/عنها همزة الوصل ، ولا يخفى 1 ب أنه مخالف لحكم بان عنده من تعويض التاء ، وتحريك العين بحركة الفاء ، ويؤيد البصريين جمعه على أسماء ، لأنّ أصله أسماو ، قلبت الواو همزة ؛ لوقوعها متطرفة بعد ألف ، قال في الخلاصة (3) :
فأبدل الهمزة من واو وياء آخر إثر ألف زِيد
وتصغيره على سُمي ، وأصله سميو ، قلبت الواو ياء ، قال ابن معطي في ألفيته :
والمذهب المقدم الجلي ... ... دليله الأسماء والسُّمي
__________
(1) استعمل المصنف الرموز التالية : س = سيبويه ، الحشـ = الحاشية ،المحش = المحشي ، المصـ = المصنف . صب = الصبان، ح = حينئذ . الشـ = الشارح ، سم : الأشموني .
(2) انظر حاشية الصبان على الأشموني 2/206
(3) الخلاصة لجمال الدين محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني ، وهي مختصر شافة ابن الحاجب .(1/2)
وجمعه على أسامٍ ، وأصله أسامو ، قلبت الواو ياء ؛ لتطرفها بعد كسرة ، ثم حذفت الضمة على الياء على حدّ نحو جوار ، ولو كان أصله وسم كما يقول الكوفيون لقيل : وسام ، ووسيم ، وأواسم ، وادِّعاء القلب في كل ذلك بعيد ، وأيضا فالفعل سَمَّيْتُ تسميةً ، لا وسمتُ وسما ، وأيضا فمن لغات الاسم سمي ، بسكون الميم وفتحها ، مثلّث السين ، فدل على أنه محذوف اللام ، لا الفاء ، فالمرجح مذهب البصريين ؛ لأن مراعاة التصاريف العربية أحق ، والحذف من الأواخر أليَق ، وإن أمكن ترجيح الكوفيين بقلة العمل ، وبان من جملة الغاية سمة ، ثم الاسم مشتق من السمة عند الكوفيين ، والسمو عند البصريين ، ومرجح الأول أنه أوفق بالمعنى ، إذ محصل قولنا اسم لكذا أنه علامة له ، يميزه عن غيره ، لا أنه يرفعه عن غيره ، وإن كان يؤوّل بأن معنى الرفع الإظهار ، والتمييز عن الغير ، فيرجع للأوَّل ، واست أصله سَتَهٌ على فَعَل بالتحريك ، يدل على ذلك جمعه على أسْتاه ، مثل جمل وأجمال ، ولا يجوز أن يكون مثل جِذْع وقُفْل اللذين يجمعان أيضا على أفعال ؛ لأنك إذا أردت الهاء التي هي لام الفعل ، وحذفت العين ، قلت : سَهٌ بالفتح ، وفي الحديث (الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ) (1) بحذف عين الفعل ، ويروى الست ، بحذف لامه ، ذكره في الصحاح (2) ، وفي القاموس الستة، الأست ، والجمع أستاه والسه ، ويضم العجز ، أو حلقة الدبر ، وفي الصحاح قال أبو زيد : ما زال على است الدهر مجنونا ، أي لم يزل يعرف بالجنون ، وهو مثل أسّ الدهر ، فأبدلوا من إحدى السينين ياء ، كما قالوا للطس طست ؛ وأنشد لأبي بُخيلَةَ:
مازال مُذْ كانَ على است الدهر ذا حُمُق يَنْمي وعقلٍ يَحرْي (3)
والظاهر أنّ همزة هذا قطع ، وأنّ وصله في البيت ضرورة .
__________
(1) كشف الخفلء 2/77 ،والحديث بتمامه : الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ
(2) مادة ( سته )
(3) الصحاح ( است )(1/3)
وابن :أصله بنو، كقلم ، فعل به ما مرّ ، والدليل على أنّ لامه واو أن الغالب على ما حُذفت / لامه الواو لا الياء، وقولهم بنت فأبدلوا التاء من اللام ، وإبدالها من الواو أكثر 2 أ من إبدالها من الياء ، لقولهم البنوّة ، وقيل لامه ياء ، من بنى بامرأته ، يبني بها ؛ لأن الابن سبب عن بناء الأب بالأم ، ولا دليل في البنوة ؛ لأنها كالفتوَّة ، وهي من الياء ، لكنْ قلبت واوا لمناسبة الضمة ، والواو التي قبلها ، وأُدغمت الواو في الواو ، ولو بنيت من حميت فعولة ؛ لقلت حموَّة ، وأجاز الزجاج الوجهين .
وابْنُم : هو ابن بزيادة الميم للمبالغة ؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، وجمع على ابنمين في قول الشاعر :
أتظلمُ جارتيك عقال بكرٍ وقد أوتيت مالا وابنمينا(1/4)
فائدة : فيما زيدت في آخره الميم هو زُرْقُم من الزَّرَق ، وسُتْهم من عِظم الإست ، وناقة صِلْدم ، من الصَّلد ، وناقة ضِرزم ، من ضِرزّ ، أي صلب ، ورجل فُسْحم ، من الفساحة ، وجُلهُم ، من جَلْهة الوادي ، وخَلْجَم ، من الخلْج والانتزاع ، وسَلْطَم ، من السَّلاطة ، وهوالطويل ، وكَرْدَم ، وكَلْندَم ، من الصلابة ، من قولهم أرض كَلَدة ، وقَشْعَم ، من يبس الشيء وتَشَنّجه، ودَلْهم ، من الدَّله والتحيّر، فإن كان من ادلهمّ الليل فالميم أصلية، وشُبْرُم للقصير ، من قصير الشِّبر ، أي القامَة ، وأما الشَّبرم ضرب من النبت فليست ميمه زائدة ، وفم وإنما هو فوه ، وفاه ، وفيه ، فلمّا صغروه لفُوَيْه ثبتت ، وشدقم لواسع الشدق ، وحِلَّسم للحريص ، وجَحْظم ، من جحظت عينه، عظمت مقلتها ، ونتأت، ودَقْعم من الدقعاء ، وهو التراب ، ودِرْدِم للدرداء ، وجَذْعمة للصفير ، وأصله جذعة ، ودِلْقم للناقة المكسورة الأسنان من الكبر فتمج الماء وأصلها الدَّلقاء ، والدَّهْقمة لِين الطعام وطِيبه ورقته ، وقِلْحَم للمسن من كل شيء ، وصَلَخْدم للقوي الشديد ، وجحرمة للضيق وسوء الخلق ، وحُلْكم لشديد السواد ، وخِضْرِم للبحر ، سمي بذلك لخضرته ، وخِدْلم بمعنى الخَدْلة ، وشَجْعم من الشجاعة ، وضُبارم من الضَّبر ، وهو شدة الخَلْق ، وحُلقوم وبُلعوم ، من الحلق والبلع ، كذا في المزهر (1) .
وابْنَة : التاء فيها ، وفي اثنتين ، وامرأة للتأنيث ، بخلاف تاء بنت ، وثنتين ، فإنها بدل من لام الكلمة ، إذ لو كانت للتأنيث ، لم يسكن ما قبلها ، ويؤيده قول سيبويه : لو سمَّيْتَ بهما رجلا صرفتهما ، يعني بنتا واختا ، وأمّا / لو سميّت بهما مؤنثا ، فوجهان ، والمنع 2 ب أحق ، نعم تدلّ تاؤهما على التأنيث تلويحا .
__________
(1) المزهر 2/ 257 ـ 259(1/5)
وامرؤ : أصله مرء ، خفف بنقل حركة الهمزة إلى الراء ، ثم حذفت الهمزة ، وعوِّض عنها همزة الوصل ، ثم ثبتت عند عود الهمزة ؛ لأن تخفيفها شائع أبداً ، فجعل المتوقع كالواقع ، قال في الصحاح (1) : المرء الرجل ، يقال : هذا مرء صالح ، ورأيت مرءاُ صالحا ، ومررت بمرء صالح ، وضم الميم لغة ، وهما مرآن صالحان ، ولا يجمع على لفظه (2) ، وبعضهم يقول المرؤون (3) ، وهذه مرأة صالحة ، ومَرَة بترك الهمزة ، وتحريك الراء بحركتها ، فإن جئت بألف الوصل كان فيه ثلاث لغات : فتح الراء على كل حال ، وضمها على كل حال ، وإعرابها على كل حال ، تقول : هذا امرؤ ، ورأيت امرأ ، ومررت بامرئ ، معربا من مكانين ، ولا جمع له من لفظه .
وهذه امرَأة، مفتوحة الراء على كل حال ، فإن صغّرت أسقطت الف الوصل ، قلت مُرَيْءٌ ومُرَيْئةٌ، وربما سموا الذئب امْرَأً ، وقوله : معربا من مكانين ، مبني على مذهب الكوفيين ، ومذهب البصريين الأصح أنّ الحركة الأخيرة للإعراب ، والتي قبلها للإتباع ، وفي القاموس المرء مثلث الميم : الإنسان ، أو الرجل .
وتثنيتهن : أي مثناهن ، أو صاحب تثنيتهن .
واثْنَيْن أصله ثنيان ، حذفت اللام ، وسكن الأول ؛ فجيء بالهمزة .
__________
(1) مادة ( مرا )
(2) كتبت : لغته ، وما أثبتناه من الصحاح ( مرا )
(3) جاء في اللسان ( مرا ) : ولا يقال مَرْؤُونَ وقد ورد في حديث الحسن: أَحْسِنُوا ملأَكُمْ أَيها المُرْؤُونَ. قال ابن الأَثير: هو جَمْعُ المَرْءِ، وهو الرَّجل. ومنه قول رُؤْبةَ لِطائفةٍ رَآهم: أَيْنَ يُرِيد المَرْؤُونَ؟(1/6)
والغلام هو الطارّ الشارب ، والكهل ضدٌ ، وهو الولد من حين يولد إلى أن يشيب ، وهي الغلامة قاموس (1) ، ثم ظاهر المتن ، وصريح الشرح قاصر على أنّ المعرفة ليست قيدا ، بل مثلها الموصولة والزائدة ، فإن قلت : فلِم لم يذكر تأنيث الغلام كغيره ؟ قلت : لأنّ كلامه في أل ، لا في مدخولها ، على أنه مهجور ، كما في أوائل السيوطي .
همزة الماضي : قدم الاسم لشرفه ، بدليل احتياج الفعل له ، واشتقاقه منه ، أو جبرا لضعفه هنا ، وخرج بقوله همزة ما خلا منها كتدحرج وتعلَم .
وأمرِهِ : هو ما بعده بالجر (2) ، عطف على الماضي ، وهمزة مصدره ، وبذلك علم تقييده مما يكون ثاني مضارعه ساكنا ، فلا يرد ، نحو تدحرج .
وأمر الثلاثي : يقيد بما سكن ثاني مضارعه لفظا ، وإلاّ فلا حاجة لهمزة الوصل ، ولو سكن تقديرا كقم وعُد ، من يقوم / ويعد ، ويستثنى من كلام المصنف خذ وكل ومر ، فإن 3 أ ثاني مضارعها ساكن لفظا ، مع أن الأكثر فيها حذف الفاء ، والاستغناء عن همزة الوصل ذكره الأشموني ، ومخالفة ما في شرح تصريف العزي للسعد أن الحذف واجب لا كثير في غير مرّ ، لأنها أكثر استعمالا ، ذكره الصبان .
قلت : وفي لامية الأفعال وشروحها أن الكثير الحذف في الثلاثة ، وأنّ التتميم نادر حتى في مرّ ، لكن يكثر تتميمها فقط مع حرف العطف كما في : [وَأْمُرْ أَهْلَكَ] (3) ، وإن كان الحذف أكثر ، وقول اللامية :
وَشَذَّ بِالْحَذْفِ (مُرْ) وَ(خُذْ) وَ(كُلْ) وَفَشَا (وَأْمُرْ) وَمُسْتَنْدَرٌ تَتْمِيمُ (خُذْ) وَ(كُلاَ)
لا ينافي الفصاحة ؛ لأن المراد بالشاذ ما جاء على خلاف القياس ، وبالفصيح ما كثر استعماله .
__________
(1) القاموس المحيط ( غلم )
(2) أي معطوف بالجر على الماضى .
(3) طه 132(1/7)
وسكت المصنف عن أمر الرباعي كافة ؛ لأن ثاني مضارعه لا يكون إلاّ متحركا ، كقاتل يقاتل ، ودحرج يدحرج ، فلا حاجة لهمز الوصل ، الصبان عن الأشموني ، وفيه نظر بدليل يعطي ونحوه، وثاني المضارع ساكن ، مع أنه مضارع الرباعي ، وحينئذ فالأجود أن يقال : سكت عن أمر الرباعي لأن ثاني مضارعه إما ساكن كيعطي ، فالهمزة قطع ، وإمّا متحرك كيقاتل فلا حاجة لهمز الوصل ، فافهم ، ثم المراد الفعل الماضي وفعل الأمر الباقيان على فعليتهما وال الباقية على حرفيتها ، فلو سميت شخصا بشيء من ذلك ، أو قصدت لفظه ، وجب قطع الهمزة على قياس همزة الأسماء الصرفة ، غير المستثناة ، وبقولنا الصرفة ، أي التي ليست جارية مجرى الفعل ، لا يرد نحو الانطلاق ، وإنما بقيت همزة الوصل إذا سمّيت أو قصدت اللفظ بنحو الانطلاق ، أو اسم من العشرة مع تغيير المعنى ؛ لأن الكلمة لم تنتقل من قبيل إلى قبيل ، فاستصحب ما كان بخلاف مثل انجلاء ، واستمع، واضرب ، وإلى ، فإن فيه نقلا من فعلية أو حرفية لإسمية ، الصبان ، ومقتضاه أن ال الموصولة على الراجح لا تتغير همزة الوصل فيها ، والظاهر خلافه فحرر .
نصبهن غير مسلم في اغزي بل فيها الكسر ؛ نظرا للحالة الراهنة ، والضم نظرا للأصل ، وهو الراجح كما في الأشموني ، ولم يجز الوجهان في امشوا ونحوه ، لأن الأصل كسر الهمزة ، وقد عضد بأصل كسر العين ، فألغي العارض لمعارضته أصلين ، ولا كذلك اغزي ، لأن هذا العارض / داع لأصل ، وهو الكسر ، فجاز الاعتداد به ، وذكر في لامية 3 ب الأفعال الإشمام مع الكسر فقال :
وَالْهَمْزَ قَبْلَ لُزُومِ الضَّمِّ ضُمَّ، وَنَحْـ ـوُ اغْزِي بِكَسْرٍ مُشَمَّ الضَّمِّ قَدْ قُبِلاَ(1/8)
في ذكر أي من جهة مواضعها ، وحركتها ، والطرفية من طرفيه المتعلق في المتعلق إن أبقي الذكر على معناه ، أو من طرفيه الخاص إنْ أريد به المذكور مجازا مرسلا علاقته التعلّق ، والمراد به المتعلق المخصوص الذي بين المصدر والمشتقات ، وبين بعض المشتقات وبعض ، فاندفع الاعتراض بأن التعلق في كل العلاقات فالأحسن الكلية والجزئية ، وفيه أنّ الكلية والجزئية لا تظهر في إطلاق بعض المشتقات على بعض كـ[ حِجَابًا مَسْتُورًا] (1) أي ساترا ، و[مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ] (2) أي مدفوق، مع أن شرط الجزئية التركيب ، وكون ذلك الجزء له مزية كما بسطه مؤلف التلخيص .
همزات بفتح الميم : جمع همزة بسكونها ، كسجدة وسجدات ، قال في الخلاصة :
... ... والسالم العين الثلاثي اسما أنل ... ... إتباع عين فائه بما شكل
تثبت في الابتداء المتوصل للنطق بالساكن ، إذ الابتداء به متعذر ، ومحال في كل لغة إجماعا في الألف، وأما في غيرها فعلى ما نص عليه أبو الفتح ، وأبو البقاء العكبري ، وذهب السيد الجرجاني، والكافيجي إلى أنه ممكن ، إلاّ أنه مستثقل ، قاله السيوطي ، انتهى الصبان .
... ونقل عن الكشاف أنه يمكن النطق بالساكن ، لكن مع اللكنة ، وظاهره شمول الألف فإن تحرك ذلك الساكن استُغني عنها ، نحو استتر ، إذا قصد تاء الافتعال فيما بعدها ، نقلت حركتها إلى فاء الكلمة ، وهي السين فقلت : ستر ، إلاّ لام التعريف ، إذا نقلت حركة الهمزة إليها في نحو الأحمر ، فالأرجح إثبات الهمزة ، فتقول الحمر قائم ، ويضعف لحمر قائم ، والعرف أنّ النقل للإدغام أكثر من النقل لغيره في الوصل ، أي الدرج ، إلاّ لضرورة كقوله :
... ... ألا لا أرى اثنين أحسن شيمة على حدثان الدهر مني ومن جمل
وعكسها همزة القطع ، فهي التي تثبت في الدرج وغيره ، فلا تحذف / إلاّ لضرورة 4 أ كقوله : إنْ لم أُقاتِل فالبسوني بُرْقُعا (3)
__________
(1) الإسراء 45
(2) الطارق 6
(3) تمامه : وفتخاتٍ في اليدين أربعا ،
انظر : نضرة الإغريض في نصرة القريض ، ص 279 / الموسوعة الشعرية ، رسالة الغفران ، ص 50 / الموسوعة الشعرية .(1/9)
قال الأشموني : واختلف في تسميتها همزة الوصل مع أنها تسقط في الوصل ، فكان المناسب أن تسمى همزة الابتداء ، فقيل اتِّساعا ، أي لعلاقة الضدية ، وقيل لأنها تسقط ، فيتصل ما قبلها بما بعدها ، وهذا قول الكوفيين ، وقيل لوصول المتكلم بها إلى النطق بالساكن ، وهو قول البصريين ، ومن ثَم سماها الخليل سلّم اللسان ، قال محشيه : مقتضى هذين القولين الأخيرين أن تسمى همزة الوصل ؛ لأن الوصل مصدر وصل المتعدي ، ومقتضى كلام الشارح أنها للوصل ، قال ولو قيل في الأول لأنها تسقط ، فيصل المتكلم ما قبلها بما بعدها ، لكان موافقا لتسميتها همزة الوصل ، وعلم من كلام المصنف أمران : ألأول أنها لا تكون إلاّ سابقة ، الثاني أنها لا تختص بقبيل ، بل تدخل على الاسم والفعل والحرف ، والصحيح أنها وُضعت همزة ، وقيل أصلها الألف ؛ لثبوتها ألفا في نحو الرجل في الاستفهام لمّا لم يضطر إلى الحركة ، قال الفارضي : وتعرف بسقوطها في التصغير كبُني وسُمي في ابن واسم ، بخلاف همزة القطع ، فتقول أبي وأخي في أب وأخ .
... فأما الاسم ألخ .. (1)
__________
(1) الفقرة بتمامها : فأمّا الاسم فلا تكون همزته همزة وصل إلاّ في نوعين : أحدهما : أسماء غير مصادر ، وهي عشرة محفوظة : اسم ، واست ، وابن ، وابنة ، وابنم ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، وابنمان ، وامرآن ، وامرأتان ، قال الله تعالى : [ فرجل وامرأتان ] ، بخلاف الجمع فإن همزاته همزات قطع ، قال الله تعالى : [ إنْ هي إلاّ أسماء سميتموها ) ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) .
النوع الثاني : أسماء هي مصادر ، وهي مصادر الأفعال الخماسية : كالانطلاق والاقتداء ، والسداسية كالاستخراج .(1/10)
اعلم أنّ الفعل لأصالته في التصريف استأثر بأمور منها : بناء أوائل بعض الأمثلة على السكون ، فإذا اتّفق الابتداء به صدّر بهمزة الوصل لإمكان الابتداء ، ثم حملت مصادر تلك الأفعال عليها في إسكان أوائلها ، واجتلاب الهمزة ، وهذه الأسماء العشرة ليست من ذلك ، فكان مقتضى القياس أنْ تبنى أوائلها على الحركة ، ويستغنى عن همزة الوصل ، ولكنها شذّت عن القياس ، لما مرّ .
... عشرة كان ينبغي أن يزاد ايم لغة في ايمن ، فتكون أكثر ، فإن قيل هي أيمن حذفت منها اللام ، قيل وابنم هو ابن ، فزيدت الميم ، كذا في المحشي ، ورده بعضهم بأن ابنما حدث له بزيادة الميم إتباع النون للميم في حركاتها ، بحسب العوامل ، فصار كالكلمة الأصلية ، حتى ذهب الكوفيون إلى أنه معرب من مكانين ، بخلاف ايم ، ورده العلامة الصبان بأن ايما حدث له بالنقص جعل الإعراب على الميم ، فكل من ابنم وايم / تغير 4 ب محل إعرابه ، لكن الأول بسبب الزيادة ، والثاني بسبب النقص ، وتخالفهما بهذا غير مؤثّر انتهى .
وهو غير مستتب (1) ، فإن مفاد كلام الراد أن ابنماً حال الزيادة كالكلمة الأصلية ؛ بسبب تبعية نونه لميمه ، كما ينادي بذلك كلامه ، لا تغيّر محل الإعراب ، حتى ينهض هذا، ثم لا خصوصية للمعارضة بذكر ابنم ، فإن مؤنثات هذه الأسماء مذكراتها ، بزيادة التاء .
السبعة الأولى خرج الثلاثة الأخيرة ، فلا تثنية فيها .
__________
(1) أي مستقيم ، كما في الحاشية اليسرى .(1/11)
[إنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ] (1) ، إنْ : نافية ، واستدل بهذه الآية مَنْ قال الاسم غير المسمى ، ووجهه بأنهم عبدوا ذوات ، والقرآن أخبر بأسماء ، فدل على أنّ الأسماء هي الذوات ، وإلاّ لزم عدم مطابقة القرآن للواقع ، قال البيضاوي : لا دلالة ، والتعبير بالأسماء توبيخ لهم ، كأنه قيل ما عبدتموه ، وإنْ كان ذوات ، لكن لا نفع به ، ولا ضرر ، ولا يجب له الوجود ، فكأنه لا حقيقة له ، وإنما هو أمر مخترع كالاسم في عدم وجوده خارجا ، واستدل بهذه الآية أيضا من قال أنّ اللغة توقيفية ، حيث قال إنّه تعالى ذمّ قوما في إطلاقهم أسماء غير توقيفية في قوله [إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا] (2) وذلك يقتضي كون البواقي توقيفية ، وردّ بأنه تعالى ذمهم ؛ لأنهم سموا الأصنام آلهة ، واعتقدوها كذلك ، كما في المزهر .
تعالوا : الضمير راجع لمن في [فَمَنْ حَاجَّكَ] (3) وجمع بالنظر لمعناها ، وندع : مجزوم في جواب الشرط المحذوف ، والمعنى إنْ تأتوا أتل ، كما قاله المصنف .
والرباعي نحو اخرج ، يرتد ما قلناه سابقا ، فلا يقال إنّ أعطى ثلاثي مزيد فيه ، لأنه اصطلاح صرفي .
همزة قطع ، وقد يكون بغير همزة كدحرج وقاتل .
إلاّ : اللام فيه ميل إلى أنها حرف التعريف ، وقيل هما ، ومثل أل أم في لغة حمير .
خير وشر: أصلهما أخير وأشرر، نقلت حركة العين للفاء ، وحذفت الهمزة للاستغناء عنها ، ولم ينطق بها على الأصل إلاّ بنو عامر ، وبلغتهم قُرئ شاذ [بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ] (4) من الكذب الأشر ، وقال الشاعر :
بلال خز الناس وابن الأخير
في الحالتين ، أي الوصل والقطع .
وأنْ : أي المصدرية / وغيرها . ... ... ... ... ... ... ... 5أ
__________
(1) النجم 32
(2) النجم 23
(3) آل عمران 61
(4) القمر 25(1/12)
لغة : هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ، وهي فُعة من لغوت ، أي تكلمت ، وأصلها لغو ككره وقله ونبه ، كلها لاماتها واوات ، وقالوا فيها لغات ولغون ، كثبات وثبوت وقيل : أصلها لغى بسكون الغين ، استثقلت الحركة على الواو أو الياء ، فنقلت للساكن قبلها ، فبقيت الواو أو الياء ساكنة ، فحذفت وعوِّض عنها هاء للتأنيث ، كذا في المزهر ، وشرح القاموس ، والنسبة لغوي بضم اللام .
ضعيفة : حُكي إنّ بعض ألأغنياء سأل بعض العلماء عن النسبة إلى اللغة ، فقال : لُغوي بالضم ، فقال : الصواب ما جاء في القرآن [إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ] (1) فانظر هذه الغفلة ، ذكره شارح لامية العجم .
وهو اسم : أي همزته ، وكذا يقال في نظيره .
وقد أشرت : وجه الإشارة أنه قدم في المتن الكسر ، فيؤذن بترجيحه .
خاصة : مفعول مطلق ، ولا يصح أن يكون حالا ، لأنك تقول : جاءني الرجال أو الزيدون خاصة : كذا في حاشية الأزهري ، وفيه أنّ المنع إنْ كان من حيث المصدرية فالمصدر يجيء حالا كثيرا ، أو من حيث عدم المطابقة ، فالمصدر لا يُثنّى ولا يُجمع ، فافهم .
همزة لام التعريف : وفتحها ؛ لكثرة الاستعمال . في الأفصح أفعل التفضيل على غير بابه ، بدليل المقابلة .
__________
(1) القصص 18(1/13)
وهو أيْمْن الله : قال أبو حيان : ليس وصل همزها حتما ، بل حكى أبو الحسن في ألفه القطع ، وزعم أنه جمع يَمِين ، وإن كان سيبويه قد حكى الوصل ، فتحصّل بحكايتهما أنّ للعرب فيها الوصل والقطع ، ويدل على أنّ أصلها القطع ، وأنها وصلت لكثرة الاستعمال ، كونهم أبدلوا منها الهاء ، ولو كانت في الأصل همزة وصل لم تُبدل منها الهاء ، وأمّا كسرها فلا يدل على أنها ليست في الأصل أفْعُل الجمع ؛ لأن العرب تلاعبت بهذه الكلمة حتى غيّرتها نحوا من ثمانية عشر تغييرا ، فهذا بعضها ، وقال ، قال بعض شيوخنا : لو كان أيمن جمع يمين لجاز فيه من الإعراب ما جاز في يمين ، وهم قد رفعوا ونصبوا في يمين ، والتزموا الرفع في ايمن ، قال أبو حيان : ولا حجة في ذلك ؛ لأنهم قد يخصّون بعض الألفاظ بأحكام ، كما خصّوا غدوة بأنْ نصبوها بعد لدن ، وكما خصوا بكرة وغدوة /5 ب بمنع الصرف دون ضحوة ، وكما خصوا لعمرك بفتح العين ، قال ، وقال بعض أصحابنا : فإن قيل لا حجة في حذف همزتها في الدرج ، على أنها همزة وصل ؛ لاحتمال حذفها تخفيفا لكثرة الاستعمال ، فالجواب أنّ التزام حذفها في الدرج يدل على أنها همزة وصل ، إذ لو كانت همزة قطع ، إلاّ أنها حذفت تخفيفا ، لجاءت مثبتة في الوصل في بعض الأحوال ، ألا ترى أن العرب لما حذفت همزة شيء مع أي في قولهم أيش لك تخفيفا ، وويل امه لم يلتزم ذلك فيه ، بل يجوز أن تقول أي شيء لك ، وويل أمه ، وكذلك جميع ما حذف تخفيفا يسوغ إثباته ، قال أبو حيان : وما ذكره من أنه لم تقطع همزته غير صحيح ، إذ قد حكى الأخفش فيها القطع كما تقدم ، وأمّا دعواه أنّ جميع ما حُذف تخفيفا يسوغ إثباته، فليس بصحيح ، ألا ترى أنّ قيدودة ونظائرها هي في الأصل فيعلولة على مذهب البصريين ، فالأصل قيودودة، اجتمعت واو وياء ، وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت ، فصارت قيدودة ثم خففت بحذف عين الكلمة فصارت قيدودة ، ومع هذا فلا يجوز فيه ، ولا في نظائره أنْ(1/14)
يُرد إلى أصله ، فيقال قيدودة بالادغام ، انتهى .
... وأصل كلام أبي حيان الميل إلى قول الكوفيين ، ونصرة مذهبهم ، ذكره السيوطي في حاشية المغني ، وفي الصحاح أيمن الله اسم وضع للقسم ، وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين ، ولم يجئ في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها ، وقال أبو عبيدة : كانوا يحلفون باليمين ، فيقولون : يمين الله لا أفعل ، وأنشد لامرئ القيس :
... ... فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي (1)
أي لا أبرح فحذف ، وهو يريده ، ثم يجمع اليمين على أيمن ، ثم حلفوا به فقالوا : أيْمُن الله لأفعلن ، كذا قال ، فهذا هو الأصل في أيمن الله ، ثم كثر في كلامهم ، وخفّ على ألسنتهم ، حتى حذفوا منه النون ، كما حذفوا في قولهم : لم يكن ، فقالوا : لم يك ، قال : وفيها لغات سوى هذه كثيرة ، وإلى هذا ذهب ابن كيسان ، وابن درستويه ، فقالا : ألف أيمن ألف قطع ، وهو جمع يمين ، وإنما خفضت همزتها ، وطرحت في الوصل ؛ لكثرة الاستعمال / انتهى . ... ... ... ... ... ... ... ... 6 أ
في القسم : خرج به أيمن الذي لم يقع في القسم ، كقولك : برَّت أيمن (2) القوم ، فإنه لا يجوز فيه الكسر أصلا باتفاق .
مفرد : هو مذهب سيبويه .
والبركة : عطف تفسير .
خلافا للفراء : في الأشموني ، والمغني ، عزوه للكوفيين ، ولعل اقتصاره على الفراء أنّه أكبرهم ، وحجتهم أنّ هذا الوزن مختص بالجمع كأفلس وأكلب ، وقد سمع جمع يمين على أيمن ، كقوله :
يَأَتي لَها مِن أَيمُنٍ وَأَشمُلِ (3)
وكقول زهير :
... ... فَتُجمَع أَيمُنُ مِنّا وَمِنكُم بِمُقسَمَةٍ تَمورُ بِها الدِماءُ (4)
قال في المغني : ويرد هذا المذهب جواز كسر همزته ، وفتح ميمه ، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو أفلس وأكلب ، فدل على أنه اسم مفرد ، وقول نصيب :
__________
(1) من الطويل ، ديوانه .
(2) جمع يمين .
(3) من الرجز ، لأبي النجم العجلي ، ديوانه / الموسوعة الشعرية .
(4) من الوافر ، ديوانه بشرح ثعلب ، ص 78(1/15)
... ... فَقالَ فَريق القَوم لما نَشَدتهم نِعم وَفَريق ليمن اللَهُ لا نَدري (1)
فحذف ألفها في الدرج ، انتهى .
... ولهم أن يقولوا خففت بذلك لكثرة الاستعمال ، كما في الدماميني ، وقال ابن مالك في شرح الكافية : استعماله عاريا من لام الابتداء يقل ، ومقرونا بها يكثر كالبيت ، واعلم أنه يلزم الإضافة لله ، كما أشار إليه المصنف بذكره كذلك خلافا لابن درستويه في إجازة جرّه بحرف من حروف القسم أ الذي هو الواو ، ورده ابن عصفور ، فقال : هذا لم يرد به سماع من كلام العرب ، فإجازته لذلك إنما هي بالقياس على الأسماء التي استعملها العرب في هذا الباب ، مبتدأة وغير مبتدأة ، والذي عليه الجمهور أنه لا يُستعمل في هذا الباب إلاّ مبتدأ ، كما استعملته العرب ؛ لأنه اسم غير متصرف ، ولعدم تصرّفه شُبِّه بالحرف ، ففتحت همزة الوصل الداخلة عليه ، كما تُفتح إذا دخلت على الحرف في مثل الرجل ، ووجه الشبه بينهما أن العرب لم تستعمله في موضع من المواضع التي تُستعمل فيها الأسماء إلاّ في ابتداء خاصة ، كما أنّ الحرف لا يُستعمل في موضع من المواضع التي تُستعمل فيها الأسماء ، فإذا تُصرِّف فيها كما يُتصرَّف في الأسماء ، فاستُعملت مبتدأ ، وغير مبتدأ ، لم يكن وجه لفتح همزة الوصل الداخلة عليه .
__________
(1) من الطويل ، ديوانه / الموسوعة الشعرية .(1/16)
سيوطي على المغني ، وقد يقال وجهه كثرة الاستعمال كما سلف، وقال ابن مالك في شرح الكافية : يضاف أيمن في لغاته كلّها إلى الله ، ولا يُضاف إلى غيره منقوصا إلاّ ما ندر / من قوله صلى الله عليه وسلم ، أو قول 6 ب بعض الصحابة : (وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ) (1) ، وأضيف غير منقوص إلى الكعبة ، وكاف الضمير كقول عروة بن الزبير : ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت ، وروى الأخفش عن بعض : أيمن الكعبة لأقومن ، قال أبو حيّان : وقد أُضيفت لغير ما ذكره ابن مالك كقوله : ليم أبيهم لبئس العذرة اعتذروا ، ويلزمه الرفع على أنه مبتدأ حذف خبره ، وأجاز ابن عصفور العكس ، قال أبو حيان : ما ذكر من إعرابها مذهب البصريين ، وحكى المفضل عن العرب ليمن الله بكسر النون إذا لقيها ساكن ، فإن لم يلقها ساكن سكنت النون كما في قوله : ليمن أبيهم ، قال : فعلى هذه الحكاية تكون مبنية ، وسبب بنائها هو السبب في فتح همزتها ، وهو شبه الحرف ، انتهى .
وقد أشرت الخ ... (2)
وجه الإشارة أنه لم يصرح في المتن بأن الفتح أفصح في الثاني ، والكسر ضعيف فيه ، ولا بأنّ الأول يتعين فيه الفتح ، بل يفهم الأول من تقديم الفتح ، والثاني من الاقتصار على الفتح ، مع ذكر الكسر في همز أيمن ، تدبّر .
أمر الثلاثي : علّته ما يلزم على الكسر من الانتقال منه إلى الضم ؛ لأن الحاجز الساكن غير حصين ، وربما كسرت قبل الضمة الأصلية ، ووجهه الاعتداد بالساكن ، وقال الفارضي : إن الكسر لغة رديئة ، وقولنا الأصلية احترازا عن ضمة يضرب فإنها تزول جرا ونصبا ، والمفارق المتنقل خفيف ، قال الشاعر :
__________
(1) المسند الجامع 44/ 400
(2) الفقرة بتمامها : وقد أشرت إلى هذا القسم والذي قبله بقولي " بفتحها أو بكسر همزة أيمن " .(1/17)
تَنَقَّلْ فلذَّاتُ الهوى في التَّنقُّلِ ورِدْ كلّ صافٍ لا تقفْ عندَ مَنْهَلِ (1)
فأسكنت الخ .... (2)
ويصح أن يقال : استُثقلت الكسرة على الواو فنقلت للزاي ،لما قاله الشارح ، فعلى ما قاله الكسر مُجتلب ، وعلى ما قلناه منقولة .
... بضم الياء ، أي وكسر الشين .
فأسكنت الياء للاستثقال : أي واجتمعت ساكنة مع الواو ، فظهر قوله : ثم حذفت الخ ...
ضمت الشين ، ولك أن تقول نقلت ضمة الياء للشين على ما مرّ ، فالضمة مجتلبة ، أو منقولة .
بالمضارع : ليس قيدا بل قد تلتبس بالماضي المُعدَّى بالهمزة وقفا .
لا غير : في القاموس ، قيل : وقولهم لا غير لحن ، وهو غير جيّد ؛ لأنه مسموع في قول الشاعر :
/ ... جوابا به تنجو اعتمد فربنا ... ... لعَنْ عملٍ أسلفتَ لا غير يسأل ... ... 7أ
وقد احتج به ابن مالك في باب القسم من شرح التسهيل ، وكأن قولهم لحن مأخوذ من قول السيرافي الحذف إنما يُستعمل إذا كانت إلاّ وغير بعد ليس ، ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الحجة لم يجز الحذف ، ولا يتجاوز بذلك مورد السماع ، انتهى .
... وممن ذُكر أنه لحن المصنف في المغني مع أنه عبّر به مرارا ، فيقول الدماميني :
ويأبى الله إلاّ أنْ يحق الحق .
__________
(1) من الطويل ، لأبي عبد الله ابن أبي الفضل السلمي المرسي ، معاهد التنصيص ، ص2259 / الموسوعة الشعرية .
(2) تمام الفقرة : فأسكنت الياء للاستثقال .(1/18)
وذلك : أي الكسر ، وأُتي باللام تنويها بشأنه ، وتنزيلا لبعد رتبته مع القرب منزلة البعد ، على حدّ ذلك الكتاب ، قال في الهمع : اختلف البصريون في كيفية وصفها ، فقال الفارسي وغيره : اجتلب ساكنة ، لأن أصل المبني السكون ، وكُسرت لالتقاء الساكنين ، وقيل اجتلبت متحركة ؛ لأن سبب الإتيان بها هو التوصل للنطق بالساكن ، فوجب كونها متحركة كسائر الحروف المبدوء بها ، وأخف الحركات الكسرة ؛ لأنها راجحة على الضمة بقلة النقل ، وعلى الفتحة بأنها لا توهم استفهاما ، وبه يعلم أن مراد الشارح الأصل الثاني على مذهب الفارسي ومن تبعه ، أو الأول على غيره ، وعلى مذهب البصريين ففتحها في بعض المواضع للتخفيف ، وضمها للإتباع ، وذهب الكوفيون إلى أنّ كسرها في اضرب ونحوه ، وضمها في اسكن إتباعا للثالث ، ويرد عليهم عدم فتح اعلَم ، وأُجيب بأنها لو فُتحت لالتبس الأمر بالخبر ، انتهى . أشموني .
... فإن قيل حيث كان الفتح ملتبسا فلِمَ آثرتم الكسر ، ولم تضموا ، فهذا دليل على مزيّة الكسر ، وأنه الأصل ، ولهم أن يُجيبوا بأنّ الفتح أخف .
وفي قول الشارح : وذلك أصل الباب : براعة مطلع ، وحسن اختتام ، كأنه يقول : هذا الكتاب أصل ، فلا بدّ للطالب منه ، ليتوصل به إلى مرامه .
وهذا .. الخ (1)
__________
(1) الفقرة بتمامها : وهذا آخر ما أردنا إملاءه .(1/19)
ها : حرف تنبيه ، يدخل على الإشارة كهذا ، أو على الضمير نحو [هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ] (1) ويلحق أي في النداء كيا أيها الرجل ، ويدخل على لفظ الجلالة في القسم عند حذف الحرف ، فيقال ها الله ، بقطع الهمزة ، ووصلها ، مع إثبات ألف ها وحذفها / وأصل ذا ذي 7 ب بياء مشددة ، فخففوا ثم قلبوا الياء ألفا ؛ لأنه سمع إمالتها ، وأما جعلهم اللام يا فلوجود باب حيت دون حيوت ، وقيل الأصل ذوي ، فحذفت الياء التي هي لام الكلمة اعتباطا ، وقلبت الواو ألفا ؛ لتحركها ، وانفتاح ما قبلها ، وإنما قيل أصل العين واو لعدم إمالتها في مشهور الكلام ، وإنما كانت العين واوا ، واللام ياء ؛ لأن باب طوى أكثر من باب هي ، وعلم من هذا أنه متى كانت العين ياء ، لزم أن تكون اللام كذلك ، وإنْ كانت العين واوا فاللام ياء في الأكثر ، والمشار إليه بذا .
آخر : شرح الفصل ، وكله واحد ، قيل أصله أأخر بهمزتين ، أبدلت ثانيتهما مدّة عملا بقول الخلاصة مدا ، أبدل ثاني الهمزتين من كلمة أن يكن كآثر وآيمن وفيه نظر ؛ لأن آخر على وزن فاعل بحسب الأصل ، فلا يقال فيه ذلك ، وإنما يقال فيما ليس على هذا الوزن ، بحسب الأصل ، نحو آتيك به ، بين أن يكون فعلا مضارعا ، فيكون أصله أأتيك بهمزتين ، وبين أن يكون اسم فاعل ، فلا يكون أصله ذلك ، فاحفظه .
__________
(1) آل عمران 66(1/20)
أردنا إملاء : الضمير لما ، وآثر هذا على قوله ما أمليناه ، مع أنه أخصر إشارة إلى أنه منقح مختار ، إذ معنى أردنا طلبنا واخترنا كما في المصباح ، وفيه أمليت عليه إملاء ، ألقيته عليه ، وأمللن إملالا، والأولى لغة بني تميم وقيس ، والثانية لغة الحجاز وبني أسد ، وجاء القرآن بهما [وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ] (1) [فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] (2) وفي الأشموني : وقد تكون الياء بدلا من اللام كأمليت في أمللت ، والمراد هنا إلقاء الكلام على شخص ليكتب كما هو العرف ، أو يقال : العرف ضار ، والمراد مطلق الإلقاء ، فيحتمل أنه كتبه بنفسه .
المقدمة :
المقدمة : قسمان : مقدمة علم ، وهي مبادئه ، وهي معاني الألفاظ ، ومقدمة كتاب ، وهي ألفاظ قُدِّمت أمام المقصود ؛ لنفع فيه ، فبينهما التباين ، ووجه الفرق أن الكتاب ألفاظ ، فمقدمته كذلك ، والعلم معان ، فمقدمته مثله ، والمراد هنا المتن ، كقول ابن الجزري : وقد اقتضى نظمي المقدمة .
جاء : أي حصل . بحمد الله : الباء للملابسة أو المصاحبة التَّركية
/ مهذب : قال الجوهري : التهذيب التنقية ، انتهى . ... ... ... ... ... 8 أ
__________
(1) البقرة 282
(2) الفرقان 5(1/21)
فمعناه مصفى الألفاظ ، ومنقحها ، كخلوص الجوهر من معدنه ، وذلك بأن تكون فصيحة ، فالفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي ، فالتنافر وصف في الكلمة يوجب نقلها على اللسان ، وعسر النطق ، فمنه ما تناهى نحو الهفخع بالخاء في قول أعرابي سُئل عن ناقته فقال (1) : تركتها ترعى الهعخع ، ومنه ما دون ذلك ، نحو : مستشزرات ، والغرابة كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ، ولا مأنوسة الاستعمال ، فمنه ما يحتاج في معرفته إلى أنْ يُبحث عنه في كتب اللغة المبسوطة كتكأكأتم ، وافرنقعوا في قول عيسى بن عمر النحوي حين سقط عن الحمار ، عنى أي اجتمعتم تنحَّوْا عني ، وذكر الزمخشري عن الجاحظ : مرّ أبو علقمة ببعض طرق البصرة فأغمي عليه ، فوثب عليه قوم يعصرون إبهامه ، ويؤذِّنون في أذنه ، فأفلت من أيديهم ، وقال : مالكم تكأكأتم عليَّ كما تكأكؤون على ذي جنّة افرنْقِعوا عني ، فقال بعضهم دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهندسة ، ومنه ما يحتاج أن يخرج له وجه بعيد ، كقول العجاج :
والغرابة أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها فيحتاج في معرفتها إلى من ينقر عنها في
كتب اللغة المبسوطة كما روى عيسى بن عمر النحوي أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه
الناس فقال: ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني. أي اجتمعتم
تنحوا، ويخرج لها وجه بعيد كما في قول الحجاج (2) :
ومَرْسِناً مُسَرَّجاً
والمخالفة نحو : الأجلل .
والفصاحة في الكلام خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات ، والتعقيد مع فصاحتها ، فالضعف نحو : ضرب غلامه زيداً ، والتنافر ثقل الكلمات على اللسان ، فمنه ما هو مُتناهٍ في الثقل ، نحو :
__________
(1) كتبت نبت ، وربما يعني أن الهعخع نبت .
(2) من الرجز ، ديوانه، ص 361 ، والبيت بتمامه : وفاحِماً ومرسناً مسرجاً(1/22)
وقبرُ حربٍ بمكانٍ قفرِ وليسَ قربَ قبرِ حرب قبرُ (1)
ومنه ما دون ذلك ، كقول أبي تمام (2) :
... كَريمٌ مَتى أَمدَحهُ أَمدَحهُ وَالوَرى مَعي وَمَتى ما لُمتُهُ لُمتُهُ وَحدي
والتعقيد كقول الفرزدق (3) : ...
ومَا مِثْلُهُ في الناسِ إلا مُمَلَّكَاً أبُو أمِّهِ حيٌّ أبوه يُقاربه
انظر المطول .
المباني : جمع مبنى ، في الأصل مكان البناء ، وهنا الألفاظ ، لأنها قوالب المعاني ، أي بالنظر للسامع ، أمّا بالنظر للمتكلم فالمعاني هي القوالب .
مشيّد المعاني : في المصباح ، شيّدت البيت أُشيِّده من باب باع ، بنيته بالشِّيد ، أي الجص وشيدته تشييدا طوّلته ورفعته / انتهى . ... ... ... ... ... ... 8ب
فشبّه الشرح بقصر مَشِيدٍ أومُشَيَّدٍ ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه ، استعارة مكنية ، أو شبّه الحسن بالشيد أو التشييد ، واشتق منه مشيدا ومشيد بمعنى حسن ، استعارة مصرّحة ، فظهر أنّ في مشيد ضبطين ، لكن الأوفق بمهذب الثاني.
وبين المعاني والمباني جناس لاحق ، وهو تخالف الكلمتين بحرف متباعد المخرج كالليالي واللآلي (4) .
محكم : أي متقن .
__________
(1) من السريه ، وذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين 1/49 عيباً سماه الاستكراه، وهو تقارب مخارج الحروف والألفاظ، وأنشد هذا البيت وذكر أن العلماء المتقدمين ينسبونه إلى الجن.
(2) من الطويل ، ديوانه ، ص 122
(3) من الطويل ، والبيت على شهرته لم أجده في ديوانه الذي شرحه علي فاعور ، انظر ، التفتازان ، شرح المختصر ، ص 22
(4) أي في قول الشاعر :
صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي
وثغره في صفاء وأدمعي كاللآلي
من المجتث ، والشعر مجهول القائل ، وقد جاء البيتان في الهامش الأيسر ، غير أنه جاء بدل كلمة كا للآلي كلمة كالليالي ، وكذا جاءت في المتن ، وانظر البيتين في : الإيضاح في علوم البلاغة ، ص 370 /الموسوعة الشعرية / نهاية الأرب ص 4371 / الموسوعة الشعرية .(1/23)
والأحكام : جمع حكم ، بمعنى المحكوم به ، وإحكام ذلك بذكر دليله والجري فيه على الراجح ، وبين محكم والإحكام شبه اشتقاق .
مستوفى .. الخ (1)
قال المحشي عن المستوفى ، أي آخذاً لها بكمالها ، من استوفى زيد حقه أخذه كاملا ، انتهى .
فعلى هذا هو اسم فاعل ، والفاعل الشارح ، والأظهر أنه اسم مفعول ، والفاعل محذوف ، أي المؤلف .
والأقسام : قال الدلجموني : يظهر أن الأقسام أعمّ من الأنواع ؛ لشمولها الأصناف والعوارض ، بخلاف الأنواع ، انتهى . والظاهر هنا الترادف .
تقَِرّ به .. الخ (2)
بفتح القاف وكسرها ، أي تبرد سرورا ، لأن دمعة السرور باردة ، ودمعة الحزن حارة ، كذا في المحشي ، وفي شرح الزوزني على المعلقات بعد أن نقل نحو هذا عن الأصمعي ، وأنه عنده مأخوذ من القرور، وهو الماء البارد ، قال ثعلب رداً على الأصمعي : الدمع كله حار ، جلبه فرح أو ترح ، ونقل عن الشيباني أنّ معناه أنّ عينه تنام به ، ويزول سهرها ، لأنّ اشتداد الحزن داعٍ إلى السهر ، فتقرّ بمعنى تسكن على قوله ، ونقل عن ثعلب عن جماعة من الأئمة أنّ معناه يعطيه الله مناه حتى تقر عينه عن الطماح إلى غيره ، وفي التفسير والقرة البرودة ، وكنّى بذلك عن السرور ، وكانت العرب تقول ذلك عند حصول البرودة ؛ لأن بلادهم كانت حارة .
الودود : ليس المردد به كثير الحب ، بل المحب ، كما تنبي عنه قرينة المدح ، لأنه يلزم من قرار عين المحب قرار عين كثير الحب بالأولى ، بخلاف العكس ، وقال الأشموني : يحتمل أنه عبّر بالودود ، لأن قليل الود قد لا تَقرّ عينه بهذا .
وتكمَد ، بفتح الميم : والكمد الحزن المكتوم ، والنفس الروح ، وقد اشتط المحشي ففسر الكمد بتغيّر اللون ، والنفس بالذات . وبيت تقر وتكمد الطباق ، وبين النفس والعين مراعاة النظير .
__________
(1) الفقرة بتمامها : مستوفى الأنواع والأقسام .
(2) الفقرة بتمامها : يقر به عين الودود .(1/24)
الجاهل : ذي الجهل ، بسيطا أو مركبا ، وخصّه لأنّ شأن العللِم عدم الحسد ، فإذا / 9أ حسد العالم كان غير عامل بعلمه ، ومثله لا يُعتد به ، بل هو أسوء حالاً من الجاهل ، ولا يعود عليه إلاّ الكد والتعب :
كما سَوَّدَ القصَّار في الشمس وجههُ ليَجْهدَ في تَبْييض أثواب غيره (1)
بل قيل إنّ العلم لا يُصاحب مثل هذا هذا ، قال الشافعي (2) :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
الحسود : ليس المراد به كثير الحسد ، بل الحاسد .
أن يحسدوني .. الخ (3)
... هذه الأبيات لأبي حنيفة كما في تصنيف لبعض شيوخنا ، وقد أنشدها المصنف من غير عزو على عادة المؤلفين ، وهو نوع يُسمى التسميط ، ويحسدوني بضم السين ، يتعدى للثاني ، ولا يتعدى ، والمصدر الحسد بفتح السين أكثر من سكونها ، وهو تمني زوال النعمة عن الغير ، وهو حرام من الكبائر ، مُتوعَّد عليه بالعذاب الشديد ، ودواؤه النظر للوعيد ، مع أنه إساءة أدب مع الله كأنه لا يُسلِّم له حكمه ، مع تجرعه للغصص بعدد ما يرى من نعم الله التي لا تُحصى ، وغالبا يقطع عنه المدد ، ولذلك يقال : مَنْ طلب شيئا لغيره وجده في نفسه ، وقال عليّ كرم الله وجهه : لله درّ الحسد ما أعدله ، مَنْ ذا يضرّ الحاسد قبل المحسود ، قد يرجع الكمد للحاسد ثانيا ، ويموت حزنا :
كالنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله (4)
__________
(1) البيت من الطويل ، لأبي الحسين الجزار ، انظر : معاهد التنصيص ، ص 772
(2) من الوافر ، ديوانه / الموسوعة الشعرية
(3) الأبيات بتمامها :
إن يَحْسُدُوني فإنّي غيرُ لائمهم قبْلي من الناس أهل الفضل قد حُسِدُوا
فَدَام لي ولهم ما بي وما بهم وما أكثرْنا غَيظاً بما يَجِد
أنا الذي يجدوني في صدورهم لا أرتقي صُعداً منها ولا أرد
(4) البيت نُسب في الكشكول ، ص 2118 لخواجة حافظ ، وهو في المستطرف ، ص 1000 بلا عزو .(1/25)
غير : نكرة ، تتعرف بالإضافة ، بدليل [ صالحا غير الذي كنا نعمل ] على ما فيه .
من الناس : أصله عند الزمخشري أناس ، بدليل [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ] (1) حذفت فاؤه ، فهو فعال بمعنى مفعول ، من أنس إذا أبصر ، والقياس يقتضي أنه كل مبصر ، إلاّ أنه خصّ عرفا بالبشر ، أو بمعنى فاعل ، ووجه تخصيصه بالبشر أنّ نظر غير الإنسان لا يترتب عليه من الثمرات ما يترتب على نظر الإنسان ، فهو بالنسبة له عدم ، ولم يجعلوا الألف واللام فيه عوضا من الهمزة المحذوفة ، لأنه لو كان كذلك لما اجتمع مع المعوض عنه في قول الشاعر : ... ...
إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا (2)
وقيل أصله نوس ، من ناوس ، تحرك ، خُصّ بالبشر ، لأنه المتحرك الحركة المعتد بها ، التي عن رويّة / وتدبّر ، وقيل من الأنس ، ضد الوحشة ، لأنه يؤنس به ، وكأن 9 ب هذا القائل ، يشير إلى أنّ أصله أنس ، فدخل القلب المكاني ، فقدمت النون ، فقلبت الهمزة
ألفا ، وقيل اسم فاعل ، وأصله ناسٍ ، لأن شأنه النسيان ، قال الشاعر (3) :
... ... وما سُمَّي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلَّبُ
... قد حُسدوا : أي فلي أسوة بهم ، والأسى يذهب الأسى ، والبلية إذا عمّت هانت ، وهذا عادة الفضلاء ، يقتدون بغيرهم إذا أُصيبوا ، فتهون مصيبتهم ، قال الطغرائي في لامية العجم :
... وإنْ عَلانِيَ مَنْ دُونِي فلا عَجَبٌ لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمس عن زُحَلِ (4)
وللخنساء :
... ... وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي (5)
... ... وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن أُسَلِّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي
__________
(1) الاسراء 71
(2) نسب في ( المعمرون والوصايا ) ، ص 79 / الموسوعة الشعرية لذي جدن الحميري.
(3) البيت في نهاية الأرب ، ص 774 / الموسوعة الشعرية ، وفيه : إلاّ لأنسه .
(4) من البسيط ، ديوانه ً 307
(5) البيتان من الوافر ، ديوانها ، ص 50(1/26)
ولهذا أصل في السنة ، وهو حديث : ( أذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنها من أعظم المصائب ) (1) .
... الفضل : الخير ، كما في المصباح ، والمراد هنا إتقان العِلم والتصدير .
... فدام ... الخ : خبر أو إنشاء ، والمعنى على الأوصاف جائز .
... ما بي وبهم : لف ونشر مرتّب .
... ومات أكثرنا : الضمير راجع للحاسدين والمحسودين ، والأكثر الحاسدون ، وغيظا : تمييز لأكثرنا ، وأفعل التفضيل على غير بابه ، وبما متعلق بمات ، أي بالغيظ الذي يجده ، وفي نسخة أكثرهم ، وعليها فغيظا مفعول لأجله ، وبما متعلق بغيظا ، أي بما يجده من المحاسن ، فتدبّر ، فإنه الأظهر .
... غيظا : من الغيظ المحيط بالكبد ، وهو أشد الحنق ، ولا يكون الغيظ إلاّ بوصول مكروه إلى المغتاظ ، وقد يقوم الغيظ مقام الغضب في حق الإنسان ، فيقال : إغتاظ من لا شيء ، كما يقال : غضب من لا شيء ، وكذا عكسه .
... يجدوني أي يعلموني بصفاتي ، وقد يكون وجد بمعنى أدرك ، أي نال ، وليس المراد هنا خلافا للمحشي ، والمعنى يهتمون بشأني ، ولبعضهم (2) ، وتلطّف :
... ... نَهانِيَ حِلمي فما أظلُِ ... ... عزَّ مكاني فما أُظلمُ
... ... ولا بُدَّ من حاسدٍ قَلبُه ... ... بنورمآثرنا مُظلِم
رحمت حسودي على أنّه ... يُعذَبُ بي ثمَّ لا يرحم
... / ... بغانا الحسود ولسنا كما ... ... ... يقول ولكنْ كما يعلمُ 10 أ
لا ارتقى ... الخ : ارتقى افتعل من الرقي للمبالغة ، لكنّ المراد هنا أصل الفعل ، أي لا أصعد ، والصدر بالسكون اسم ، وبالتحريك مصدر الرجوع ، وهو مفعول ارتقى ، وشبَّهَه بصرحٍ يُرتقى إليه ، وطواه ورمز له بشيء من لوازمه ، وقوله : ولا أرد مقابل ، قوله وجعل المحشي صدرا حالا ، وعليه لا تحسن المقابلة ، ثم قوله لا أرتقي .. الخ : في مقابلة أنا الذي يجدوني ... الخ .
__________
(1) مجمع الزوائد 1/434 ، كشف الخفاء 1/82
(2) من المتقارب ، لأبي حفص السلمي ، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض ، ص 1232 / الموسوعة الشعرية .(1/27)
... منها : أي الصدور ، كما في المحشي ، وفي نسخة منهم ، وهي الظاهرة .
... وإلى الله : أي لا إلى غيره ، كما يفيده تقديم الجار .
أرغب : أريد ، والرغبة تتعدى بنفسها ، وبفي في المحبوب ، وبعن في المكروه ، وقد تعدّت هنا بنفسها في قوله أن يجعل ، وما لي فضمنت معنى ألتجئ ، وما أوهمته الحاشية من الاقتصار قصور .
... ذلك : إشارة لتعظيمه لوجهه ، أي ذاته ، ولا يأتي مذهب السلف هنا .
الكريم : المعطي ما ينبغي لمن ينبغي إعطاءه ، عنى وجه ينبغي ، لا لغرض ، ولا علة .
خالصا أي أطلق حال التأليف فظهر ، أو لم يخلص ، فلا يصح الطلب ، إذ غير الخالص لا ينقلب خالصا ، وإن أخلص ، فالمعنى : اجعل ما يترتب عليه من إفادة .. الخ أفاده الدلجموني .
... مصروفا أي مخلّى سبيله ، من صرفت الصبي ، أو ممنوعا من الرياء من صرفته عنه .
... النفع : أي الخير ، وهو ما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبه .
... موقوفا : أي محبوسا ، كقوله :
... ... وَقَفتُ عَلى رَبع لِمَيَّةَ ناقَتي فَما زِلتُ أَبكي عِنَدهُ وَأُخاطِبُه (1)
... يَكفيَنا : بفتح يائيه، أي يقينا . شرّ الحسّاد : هو كثير منه غير مكتسب ، وهو إصابة العين ، ولا يخص البصر ، بل هو مطلق نفس ، ولو في المعاني ، وربما ضرّ به الصديق ، بل الشخص يحسد نفسه ، فاليتحصن كثيرا بالوارد ،والمكتسب كثير ، فيسعى في تعطيل الخير عنه ، وتنقيصه عند الناس ، وربما بطش به ، ومداراته صعبة كما قيل :
وَدارَيتُ كُلَّ الناسَ لَكِن حاسِدي مُداراتُهُ عَزَّت وَعَزَّ مَنالُها (2)
وَكَيفَ يُداري المَرءُ حاسِدَ نِعمَةٍ إِذا كانَ لا يُرضيهِ إِلّا زَوالُها
الحساد هو كحسد ، وجمع حاسد كفاسق وفُسّاق وفسَقَة .
__________
(1) من الطويل ، لذي الرمة ، ديوانه ، ص 12
(2) البيتان من الطويل ، للشافعي ، ديوانه / الموسوعة الشعرية(1/28)
... لا يفضحنا : بفتح الياء ، في المصباح الفضيحة : العيب ، والجمع فضائح ، وفضحته فضحا ، من باب نفع كشفته ، وفي الدعاء : لا تفضحنا بين خلقك ، أي استر عيوبنا ، ولا / تكشفنا ، ويجوز أن يكون المعنى اعصمنا حتى لا نستحق الكشف 10 ب
انتهى .
... الأشهاد : جمع شَهد ، وشَهد جمع شاهد ، مثل صاحب وصَحب ، كذا في الحاشية ، وفيه أنّ فعلا صحيح العين لا يجمع على أفعال ، وأن صحبا ليس جمعا لصاحب ، بل اسم جمع له ، فيكون شهد كذلك ، ويمكن الجواب بأن فعلاً قد يجمع على أفعال سماعا كفرخ وأفراخ ، وليسهل ذلك أنّ الهاء مشبهة لحرف العلة ، وبأن المراد الجمع اللغوي ، ويصح أن يكون الأشهاد جمع شهد بكسر الهاء مخفف شاهد ، وأمَّا كونه جمع شاهد ففيه أن الجوهري منع جمع فاعل على أفعال ، والمراد بيوم الأشهاد يوم القيامة ، قال تعالى : [يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] (1) وفي نسخة يوم المعاد ، وفي أخرى يوم التناد .
... جواد : ورد في أسمائه تعالى مخففا ممشددا ، ولبعضهم :
... ... ومرسل بسند معتضد ... ... جاء الجواد في صفات الصمد
... ... مخفف الدال رواه الأكثر ... ... وبشدّة يروى ولكن يندر
... سيدنا : قيل لا يطلق إلاّ على الله ، بدليل : إنما السيد الله ، ورُدَّ بقوله تعالى :
__________
(1) النور 24(1/29)
[وَسَيِّدًا وَحَصُورًا] (1) وقوله صلى الله عليه وسلم : (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) (2) ، وأما الحصر فنظرا للسيادة المطلقة ، وقيل لا يطلق على الله ، والصحيح أنه يطلق على الله ، وعلى غيره ، فعلمت أنمّ في جواز استعمال السيد فيه عليه الصلاة والسلام خلافا لما في الحاشية عن اللقاني (3) ، ثم اختلف في زيادة سيدنا في التشهد ، فقال في المهمات : واشتهر زيادة سيّدنا قبل محمد ، وفي كونه أفضل نظر ، وفي حفظي أنّ الشيخ عز الدين بناه على أنّ الأفضل سلوك الأدب أم امتثال الأمر ، فعلى الأول يُستحب دون الثاني ، انتهى .
... قال العلاّمة الأشموني : واعتمد الجلال المحلي في غير شرحه أنّ الأفضل زيادتها ، وقال : إنّ حديث لا تُسيّدوني في الصلاة باطل ، انتهى .
والظاهر جريان الخلاف في غير التشهد مما لم يرد فيه سيدنا كما لا يخفى على الذكي الكامل ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .
تمّ هذا بحمد الله وعونه وحسن توفيقه على يد أفقر الورى
راجي عفو المعبود حسن العجرمي محمود
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين آمين
وصلى الله على سيدنا محمد النبي
الأمي وعلى آله وصحبه
وسلم .
__________
(1) آل عمران 39
(2) كنز العمال 11/402 ، المسندالجامع 14/373
(3) .اللقاني، برهان الدين إبراهيم بن محمد إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن عطية بن يوسف بن جميل، اللقاني، المالكي، قاضي القضاة، برهان الدين. ولد في صفر سنة سبع عشرة وثمانمائة. وسمع الحديث على الزركشي. وتفقه وبرع، ودرس، وأفتى، وولي قضاء المالكية، وتدريس التفسير بالبرقوقية. مات في المحرم سنة ست وتسعين وثمانمائة. نظم العقيان في أعيان الأعيان، ص 29 .(1/30)