نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن وصل الشعر بشعر آخر ، والوشم وهو الوخز بالإبرة والنمص وهو ترقيق الحواجب ، والتفلج وهو ترقيق الأسنان وتغير خلق الله0
عن أسماء بنت أبي بكر0 قالت: لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصلة ".
(خ5936)
الواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر آدمي0 أما وصل الشعر بغير شعر آدمي كالحرير والصوف والكتان فهو جائز عند: أحمد والليث والقاضي عياض0
عن عبد الله قال: لعن الله الواشمات والمتوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله0( خ 4886)
التنمص : وهو ترقيق الحواجب وهو حرام.
أما نتف شعر وجه المرأة فيحرم عند الألباني، ويجوز عند غيره0
ويحرم التفلج الذي يقال عنه الوشر عند : الطبري والقاضي عياض0
14-الذهب
التختم بالذهب محرم على الرجال مباح للنساء ، ويحرم الأكل والشرب فى أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء، ويحرم الأكل والشرب فى الأواني المطلية بالذهب والفضة إذا كان يمكن فصل الذهب والفضة على الإناء وإلا فلا يحرم0
ويحرم استعمال الذهب والفضة في وسائل الكتابة والزينة والساعات وغيرها باتفاق الأئمة0
عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي، وحرم على ذكورها0(ص ت1720)
عَنْ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: َنَهَانَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ0(خ 5849)
الديباج: الرقيق من الحرير.
القسي: نسبة إلى بلد يقال لها القس بمصر ، ثياب خالطها حرير.
الإستبرق: الغليظ من الحرير.
المياثر: الميثرة : أغشية للسروج تتخذ من الحرير.
عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب في يد رجل0 فنزعه فطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده" 0 (م2090)(1/18)
أما اتخاذ الأواني من الجواهر النفيسة ، وإن كانت أعلى قيمة من الذهب والفضة ، فيجوز لأن الأصل فى الأشياء الحل ، ولم يرد دليل يدل على التحريم0
فيجوز استعمال آنية من الياقوت والعقيق والزبرجد والمرجان ونحو ذلك لأنها ليست فى معنى الذهب والفضة ويستثنى من حرمة استعمال الذهب والفضة أمور للضرورة والحاجة مثل :
1- اتخاذ السن والأنف من الذهب :
عن عرفجةَ قال: أُصيبَ أنفي يومَ الكُلابِ في الجاهليَّةِ فاتخذتُ أنفاً من ورقٍ فأنْتنَ عليَّ فأمرني رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ أتخذَ أنفاً من ذهبٍ0 (ح ت1826)
2- طلاء الأدوات بالذهب والفضة إذا كان قليلاً 0
15-الفضة
يجوز للرجال لبس خاتم الفضة ، مثقال فى اليمين أو الشمال فى الخنصر ، والأفضل فى خنصر الشمال بدون تحديد ، وأيضاً الحنابلة مثقالاً ، ويجوز للمتختم نقش اسمه أو اسم الله تعالى على الخاتم ، لا نقش تمثال ولا نقش محمد رسول الله.
عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه0 فيه فص حبشي0 كان يجعل فصه مما يلي كفه0 ( م 2094)
عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان خاتمه من فضة، وكان فصه منه0( خ5870)
عن أنس قال : لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب إلى الروم قيل له: إنهم لن يقرؤوا كتابك إذا لم يكن مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة، ونقشه: محمد رسول الله، فكأنما أنظر إلى بياضه في يده.( خ 5875)
عن أنس - رضي الله عنه - قال : كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه0 وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى0 (م2095)
الأفضل التختم في خنصر اليسار عند : أبي حنيفة ومالك وأحمد والعيني والدارقطني.
وقال الأئمة الأربعة والجمهور يجوز نقش الخاتم ولو باسم الله0
التشبه(1/19)
تشبه المسلمين بالكفار حرام ، وتشبه الرجال بالنساء حرام ، وتشبه النساء بالرجال حرام ، سواء أكان التشبه فى اللباس أم فى الكلام أم الحركة أم غير ذلك فهو لا يجوز ، ويكره للمسلم أن يلبس غير زي بلده وأقرانه ويحرم على الرجل خضاب يديه أو رجليه بالحناء لغير ضرورة لما فيه من التشبه بالنساء ، أما خضاب اليدين والرجلين بالحناء فيستحب للمرأة المتزوجة0
عن ابن عمر - رضي الله عنه - ما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" 0
(ص د4012)
قال ابن تيمية: هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بأهل الكتاب وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم
قال الصنعاني فى كتابه سبل السلام ( حديث 1384) :
والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة0
قالوا : فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء منهم من قال: يكفر وهو ظاهر الحديث ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب0 أهـ
قال المودودي فى كتابه اللباس :
تشبه أفراد من أمة بأفراد من أمة أخرى دليل على ضعف السلوك الفردي ، والأفراد الذين يسلكون هذا المسلك فى حياتهم يشهدون على أنفسهم بأنهم مصابون بداء التلون والتمرغ وأن سيرتهم متخلخلة لا قرار لها ، وأنها كمادة سائلة مستعدة للتشكل في كل قالب فى كل حين ، وفوق هذا النوع من التشبه فعلة شنيعة ، مثلها كمثل رجل ينسب نفسه إلى غير أبيه ، فكما أن ناسب نفسه إلى غير أبيه ملوم لأنه يرى نسبه إلى أبيه الحقيقي عار لنفسه ، كذلك فإن من يولد فى أمة ، ولكن يتشبه بأمة أخرى ابتغاء العزة والفخار يستحق اللومة لأنه بذلك يشهد أنه يرى من العار أن ينتسب إلى الأمة التي قد أنجبته ، وأن ليست الكرامة والشرف فى نظره إلا أن يعد من أمة أخرى0(1/20)
والذين يسلكون هذا السبيل لا هم من الأمة التي ولدوا فيها ولا من الأمة التي يحبون أن يعدوا منها ( لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)
ولهذه الأسباب كان الصحابة وخاصة عمر وعلياً منهم رضوان الله عليهم أجمعين قد وبخوا الأفراد الذين تركوا لباس العرب بعد استيطانهم البلاد المفتوحة واختاروا لباس الروم والفرس افتتانا بمدينتهم0
وهذا هو المقصود من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من تشبه بقوم فهو منهم"
فإن كان من يعيش متشبهاً بقوم كافرين ، فلابد أن يحسبه المسلمون رجلا من الكفار أنفسهم ولا يعاملوه إلا بما يعاملون به الكافرين0 أهـ
قال المناوي : أي تزيا في ظاهره بزيهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم 0 أهـ
قال الشيخ أحمد شاكر فى المسند 6513:
وهذا الحديث يدل بالنص الصريح على حرمة التشبه بالكفار فى الملبس وفى الهيئة وفى المظهر لحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول فى هذا ، أعني فى تحريم التشبه بالكفار ، حتى جئنا فى هذه العصور المتأخرة ، فنبت فى المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة ، هجيراها وديدنها التشبه بالكفار فى كل شئ ، ثم وجدوا من الملتفين بالعلم المنتسبين له من يزين لهم أمرهم ، ويهون عليهم أمر التشبه بالكفار فى اللباس والهيئة والمظهر الخلق وكل شئ ، حتى صرنا فى أمة ليس لها من مظهر الإسلام إلا مظهر الصلاة والصيام والحج ، على ما أدخلوا فيها من بدع ، بل من ألوان من التشبه بالكفار أيضاً0(1/21)
وأظهر مظهر يريدون أن يضربوه على المسلمين هو غطاء الرأس الذي يسمونه القبعة (البرنيطة) وتعللوا لها بالأعاليل والأباطيل ، وأفتاهم بعض الكبراء المنتسبين إلى العلم أن لا بأس بهم ، إذا أريد بها الوقاية من الشمس ، وهم يأبون إلا أن يظهروا أنهم لا يريدون بها إلا الوقاية من الإسلام فيصرح كتابهم ومفكروهم بأن هذا اللباس له أكبر الأثر فى تغير الرأس الذي تحته ، ينقله من تفكير إفرنجي واسع! ثم أبى الله لهم إلا الخذلان ، فتناقصوا ونقصوا ما قالوا من حجة الشمس ، إذ وجدوا أنهم لم يستطيعوا قرب هذه الذلة على الأمة ، فنزعوا غطاء الرأس بمرة وتركوا (الطربوش) وغيره ،ونسوا أن الشمس ستضرب رؤوسهم مباشرة ، دون واسطة الطربوش، ونسوا أنهم دعوا إلى القبعة ، وأنه لا وقاية لرؤوسهم من الشمس إلا بها!
ثم كان من بضع سنين ، أن خرج الجيش الإنجليزي المحتل للبلاد من القاهرة والإسكندرية بمظهره المعروف ، فما لبثنا أن رأيناهم ألبسوا الجيش المصري والشرطة المصرية قبعات الإنجليز ،فلم تفقد الأمة فى العاصمتين وفى داخل البلاد منظر جيش الاحتلال ، الذي ضرب الذلة على البلاد سبعين سنة فكأنهم لم يصروا على أن يفقدوا مظهر الذل الذي ألفوه واستساغوه وربوا فى أحضانه0
وما رأيت مرة هذا المنظر البشع منظر جنودنا فى زي أعدائنا وهيئتهم إلا تقززت نفسى0 أهـ
قال الألباني فى الصحيحة 1704 :
وفى الحديث دليل على أنه يجوز للمسلم أن يلبس لباس الكفار وأن يتزيا بزيهم ، فقد شاع فى كثير من البلاد الإسلامية التشبه بالكفار فى ألبستهم وعاداتهم ، حتى فرض شئ من ذلك على الجنود فى كل أو جل البلاد الإسلامية ، فألبسوهم القبعة ، حتى لم يعد أكثر الناس يشعر بأن فى ذلك أدنى مخالفة للشريعة الإسلامية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون0أهـ(1/22)
وقال: تقرر فى هذا الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً أو نساءً التشبه بالكفار سواء فى عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم ، وهذه قاعدة عظيمة فى الشريعة الإسلامية خرج عنهما اليوم ، مع الأسف ، كثير من المسلمين ، حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه ، جهلاً بدينهم ، أو تبعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوربا الكافرة ، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم0
التصوير
التصوير نقش صورة الأشياء أو الأشخاص على لوح أو حائط أو نحوهما بالقلم أو بالفرجون أو بآلة التصوير0
الصّورة : الشكل والتمثال المجسم لقوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)(الانفطار:8)
صوّره : جعل له صورة مجسمة أو رسمه على الورق أو الحائط أو نحوهما بالقلم أو بالفرجون أو بآلة التصوير.
المصوّر: من بحرفته التصوير.
المصّورة : آلة تنقل صورة الأشياء.
والصورة لذوات الأرواح محرمة إلا لضرورة ، أما ما لا روح فيه كالأشجار والأزهار فهي جائزة0
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "أتاني جبريل عليه السلام فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلاَّ أنه كان على الباب تماثيل ، وكان في البيت قرام سترٍ فيه تماثيل ، وكان في البيت كلبٌ ، فَمُرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن ، ومر بالكلب فليخرج"0 ففعل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - 0
(ص د4158)
التمثال: الصورة المجسمة وغير المجسمة ، والمراد بها صورة حيوان0
القرام : الستر الرقيق فيه نقوش0
منبوذتان : لطيفتان خفيفتان ينبذان ويطرحان للقعود عليهما0
وفى الحديث دليل على أن الصورة إذا غيرت بأن يقطع رأسها أو تغير هيئتها لم يكن بها بعد ذلك بأس0(1/23)
عن عائشة قالت: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفر ، وعلقت درنوكاً فيه تماثيل ، فأمرني أن أنزعه فنزعته.(خ5955)
درنوكاً: نوعاً من الستور له خمل.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ"0 (خ5961)
النمرقة :وسادة صغيرة0
قال الرافعي: وفى دخول البيت الذي فيه الصور وجهان : قال الأكثرون: يكره0
وقال أبو محمد : يحرم0
والحديث صريح الدلالة على أن الصورة الظاهرة تمنع من دخول الملائكة ولو كانت ممتهنة0
عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل0 فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال:"يا عائشة! أشد الناس عذابا عند ال له، يوم القيامة، الذين يضاهون بخلق الله"0 قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين0 (خ 5954)
سهوة : بيت صغير منحدر في الأرض، وسمكه مرتفع من الأرض، يشبه الخزانة الصغيرة.
القرام : الستر الرقيق.
يضاهون: يشابهون.
قال الألباني: وفى الحديث فائدتان :
الأولى : تحريم تعليق الصور أو ما فيه صورة(1/24)
الثانية : تحريم تصويرها سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة ، أي لها ظل أو لا ظل لها ، وهذا مذهب الجمهور0
عن عائشة قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر0 وكان الداخل إذا دخل استقبله0 فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حولي هذا0 فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا". (م2107)
قال النووي : محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة0
عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه0 (خ5952)
تصاليب : ما فيه صورة الصليب ،وقيل بل المراد مطلق التصوير، وقيل نقش أمثال الصلبان0
عن أنس قال: كان قرام لعائشة، سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أميطي عني ، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي0(خ5959)
عن علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فقال: "أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا قبرا إلا سواه ولا صورة إلا لطخها فقال رجل : أنا يا رسول الله فانطلق فهاب أهل المدينة فرجع ، فقال علي - رضي الله عنه - : أنا أنطلق يا رسول الله قال: أنطلق فانطلق ثم رجع فقال: يا رسول الله لم أدع بها وثنا إلا كسرته ولا قبرا إلا سويته ولا صورة إلا لطختها ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد لصنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : لا تكونن فتلنا ولا مختلاً ولا تاجراً إلا تاجر خير"0 (ح حم657)
الوثن: كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو الحجارة، أو غير ذلك0
لطختها: أي لطخها بالطين حتى يطمسها0(1/25)
عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي - رضي الله عنه - : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته0 (ص حم741)
التمثال: ما نحت من حجر أو صنع من نحاس ونحوه ، يحاكي به خلق الله .
قال ابن القيم: هذا يدل على طمس الصور فى أي شئ كانت وهدم القبور المشرفة ولو كانت من حجارة أو آجر أو لبن0
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً ".(م 2111)
حبة : حبة حنطة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت0
ذرة : نملة صغيرة فيها روح تتصرف بنفسها0
عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"0 ( خ5951 م 2108)
أحيوا ما خلقتم : اجعلوه ذا روح ، كما صورتموه ، وهذا أمر تعجيز ، كقوله تعالى: (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ)(هود: من الآية13)
والحديث يدل على تحريم التصوير وأنه من الكبائر
عن ابن عباس قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ"0 (خ7042 م2110)
والحديث يدل على تحريم التصوير وأنه من الكبائر ، وأن التحريم عام فى كل صورة مجسدة وغير مجسدة ، رأس أو يد أو عين ويدل على تعذيب المصورين.(1/26)
عن ابن عباس قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : "كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ0 يَجْعَلُ لَهُ ، بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا ، نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ"0وَقَالَ: "إنْ كُنْتَ لاَ بُدّ فَاعِلاً، فَاصْنَعِ الشّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ"0 ( خ2225 م2110)
أي يكون يوم القيامة فى نار جهنم لتعاطيه ما يشبه ما انفرد الله به من الخلق والاختراع فيجعل له بعدد كل صورة صورها شخصاً يعذبه ، أو يجعل فى نفس الصورة روح فتعذبه0
عن أبي طلحة ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة"0 (خ5949)
وزاد فى رواية : إلا رقماً فى ثوب0
بيتاً: مكاناً0
فيه كلب : ولو لنحو زرع كما رجحه النووي ، وذلك لنجاسته0
وفى الحديث دليل على أن التصوير كبيرة فالملائكة لا تدخله هجراناً له وغضباً عليه لعظم الإثم بمضاهاة الحق في خلقه لأنه الخالق المصور0
رقماً :نقشاً وكتابة.
قال النووي: بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجرة ونحوها.
قال ابن حجر : ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي0
قال الألباني : إلا رقماً فى ثوب ، معناه فى ثوب ممتهن غير معلق ، ولا يجوز شراء ثوب مصور ولو للامتهان لما فيه من التعاون على المنكر0
عن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون"0(خ5950 م2109)
وهذا العذاب يعم ما له ظل وما لا ظل له ، وأشد منه ما يصور وما يعبد من دون الله0
ويشمل النهي التصوير على ما يداس ويمتهن كبساط ووسادة وآنية وستر وسقف وغيرها ومن فهم اختصاص النهي بغير الممتهن فقد وهم 0(1/27)
عن عائشة: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة ، يقال لها مارية ، فذكرت له ما رأت فيها من الصور ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح ، أو الرجل الصالح ، بنوا على قبره مسجدا ،وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"0 (خ434)
وهكذا فعل من قبلهم فى قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) (لنجم:20)
اللات: قال ابن عباس : كان اللات رجلاً يلت سويق الحاج0 (خ 4859)
يلت : يخلطه بالعسل ونحوه0
سويق: هو دقيق الحنطة أو الشعير.
وكانت اللات بالطائف.
العزى: شجرة لغطفان كانوا يعبدونها عليها بناء أو ستار بنخلة بين مكة والمدينة.
مناه: كانت بين مكة والمدينة ، وكانوا يعظمونها ويهلون منها للحج.
وذكر القرآن معبودات الجاهلية فقال :
( فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ )(لأعراف: من الآية138)
الصنم : الوثن ، وهو ما اتخذ إلها من دون الله .
( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ )(الحج: من الآية30)
الوثن : الصنم والتمثال وقد يقال لما يعبد من غير التمثال0
( مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)(الانبياء: من الآية52)
التمثال: الصورة وهو ما نحت من حجر أو صنع من نحاس ونحوه0
( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )
(المائدة: من الآية90)
الأنصاب : الأوثان من الحجارة كانوا يذبحون عندها
عن عائشة قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاته0 فأخذت نمطا فسترته على الباب0 فلما قدم فرأى النمط،عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه0 وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" ، قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفا0 فلم يعب ذلك علي0( م2107)(1/28)
نمطا: المراد بالنمط هنا بساط ليف له خمل0
هتكه: هو بمعنى قطعه وأتلف الصورة التي فيه0
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إني: وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع اللّه إلها آخر ، وبالمصورين"(حم2/336 صحيحة 512)
والحديث يدل على تحريم التصوير وأنه من الكبائر وأن مآل المصورين إلى النار مع الجبابرة والمشركين 0
أقوال العلماء
1- قال الخطابي : إنما عظمت عقوبة المصور ، لأن الصور كانت تعبد من دون الله ، ولأن النظر إليها يفتن ، وبعض النفوس إليها تميل0
2- قال النووي فى شرح مسلم : باب تحريم تصوير صور الحيوان14/81:
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها0
وقال : (فى حديث إلا رقما فى ثوب ): هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقماً مطلقاً ، وجوابنا وجواب الجمهور عنه : أنه محمول على رقم: على صورة الشجرة وغيره مما ليس بحيوان0
وقال: وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام0
وقال: ولا فرق في ذلك كله بين ماله ظل وما لا ظل له0
وقال: هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم0
3- قال ابن العربي فى أحكام القرآن :(1/29)
وقد شاهدت بثغر الإسكندرية، إذا مات ميت صوروه من خشب فى أحسن صورة ، وأجلسوه فى موضعه فى البيت ، وكسوه بزيه إن كان رجلاً ، وحليتها إن كانت امرأة ، وأغلقوا عليه الباب ، فإذا أصاب واحداً منهم كرب ، أو تجدد له مكروه ، فتح الباب عليه ، وجلس عنده يبكي ويناجيه ، حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه ، ثم يغلق الباب عليه وينصرف ، وإن تمادى بهم الزمان ، تعبدوها من جملة الأصنام0
وقال: مقتضى الأحاديث يدل أن الصور ممنوعة، ثم جاء (إلا ما كان رقما في ثوب) فخص من جملة الصور، ثم ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلام لعائشة في الثوب المصور : (أخريه عني فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا)0 ثم بهتكه الثوب المصور ، ثم بقطعها له وسادتين00
4- قال أبو حيان : والتصوير حرام فى شريعتنا ، وقد ورد تشديد الوعيد على المصورين ، ولبعض العلماء استثناء فى شئ منها وفى حديث ( لعن الله المصورين ) لم يستثن عليه السلام0
5- قال ابن حزم : وجائز للصبايا خاصة اللعب ، ولا يحل لغيرهن ، والصور محرمة إلا هذا وإن كان رقماً فى ثوب0
6- قال ابن دقيق العيد فى شرح العمدة 3/256 :
وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير ، ولقد أبعد غاية البعد من قال : إن ذلك محمول على الكراهة ،وأن هذا التشديد كان فى ذلك الزمان ، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان وهذا الزمان ، حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده ، لا يساويه فى هذا المعنى ، فلا يساويه فى هذا التشديد ، وهذا القول عندنا باطل قطعاً 0
7- قال ابن القيم : فى إعلام الموقعين 4/403 لما ذكر الكبائر قال :
ومنها تصوير صورة الحيوان سواء كان لها ظل أو لم يكن 0
8-قال القرطبي فى التفسير 14/274:
لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المصورين ولم يستثن ، وفي البخاري : (شد الناس عذابا يوم القيامة المصورون)0 يدل على المنع من تصوير شيء، أي شيء كان0(1/30)
9- قال ابن حجر : حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع، وإن كانت رقماً فأربعة أقوال:
أ- يجوز مطلقاً
ب- المنع مطلقاً
ج- إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم، وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز ، وهذا هو الأصح0
د- إن كان مما يمتهن جاز، وإلا لم يجز ، واستثنى من ذلك لعب البنات
وقال : ولا فرق فى تحريم الصور أن تكون الصورة لها ظل أو لا ، ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوخة ( فتح الباري 10/360)
10- قال الألوسي فى روح المعاني 12/119:
الحق أن حرمة تصوير الحيوان كاملاً لم تكن فى شريعة سليمان عليه السلام، وإنما هي فى شرعنا، ولا فرق عندنا بين أن تكن الصورة ذات ظل، أولا تكون كذلك، كصورة الفرس المنقوشة على كاغد أو جدار مثلاً ، وقد ورد فى شرعنا من تشديد الوعيد على المصورين ما ورد ،فلا يلتفت إلى غيره، ولا يصح الاحتجاج بالآية0
الكاغد : القرطاس.
11- قال الشوكاني فى نيل الأوطار 2/108:
التصوير من أشد المحرمات للتوعد عليه بالتعذيب في النار ولورود لعن المصورين ولا فرق بين المطبوع في الثياب وبين ما له جرم مستقل0
12- قال ابن القيم فى إغاثة اللهفان :
وتلاعب بهم (الشيطان على النصارى ) فى تصوير الصور فى الكنائس وعبادتها ، فلا تجد كنيسة من كنائسهم تخلو من صورة مريم والمسيح وجرجس وبطرس وغيرهم0(1/31)
13- قال ابن باز ، رداً على سؤال : ما قولكم فى حكم التصوير: جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى الصحاح والمسانيد والسنن ، دالة على تحريم تصوير كل ذي روح ، آدمياً كان أو غيره ، وهتك الستور التي فيها الصور ، والأمر بطمس الصور، ولعن المصورين ، وبيان أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وهذه الأحاديث دالة دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل ذي روح ، وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار ، وهي عامة لأنواع التصوير ، سواء كان للصور ظل أم لا ، وسواء كان التصوير فى حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرق بين ما له ظل وغيره ، ولا بين ما جعل فى ستر أو غيره ، بل لعن المصور وأخبر أن المصورين أشد الناس عذاباً يوم القيامة ، وأن كل مصور فى النار ، وأطلق ذلك ولم يستثن شيئاً ، وقال: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - إلا رقماً فى ثوب ، فهذا استثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير، والمراد بذلك إذا كان الرقم فى ثوب ونحوه يبسط ويمتهن ، ومثله الوسادة الممتهنة فى حديث عائشة فى قطعها الستر وجعله وسادة أو وسادتين ، ولا يجوز حمل الاستثناء على الصورة فى الثوب المعلق أو المنصوب على باب أو جدران أو نحو ذلك0
وقال : ومن تأمل الأحاديث تبين له دلالتها على تعميم التحريم ، وعدم الفرق بين ما له ظل وغيره0
وقال: ولا فرق بين الصور المجسدة وغيرها من المنقوشة فى ستر أو قرطاس أو نحوهما ، ولا بين صور الآدميين وغيرها من كل ذي روح ، ولا بين صور الملوك والعلماء وغيرهم ، بل التحريم فى صور الملوك والعلماء ونحوهم من المعظمين أشد لأن الفتنة بهم أعظم ، ونصب صورهم فى المجالس ونحوها وتعظيمها من أعظم وسائل الشرك وعبادة أرباب الصور من دون الله ، كما وقع ذلك لقوم نوح0(1/32)
وقال: فكل من صور صورة أو نصبها أو عظمها فقد شابه الكفار فيما صنعوا ، وفتح للناس باب الشرك ووسائله0
ومن أمر بالتصوير أو رضي به فحكمه حكم فاعله فى المنع واستحقاق الوعيد0
14- قال الألباني فى آداب الزفاف ص113:
تعليق الصور على الجدران، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة ، لها ظل أو لا ظل لها ، يدوية أو فوتغرافية ،فإن ذلك كله لا يجوز ، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها0
وقال: لا يجوز لمسلم عارف بحكم التصوير أن يشتري ثوباً مصوراً ولو للامتهان ، لما فيه من التعاون على المنكر، فمن اشتراه ولا علم له بالمنع جاز له استعماله ممتهناً 0
وقال: وإن كنا نذهب إلى تحريم التصوير بنوعيه، الرسم باليد والتصوير بالشمس ، جازمين بذلك ، فإننا لا نرى مانعاً من تصوير ما فيه فائدة متحققة بدون أن يقترن بها ضرر ما ، مثل:التصوير الذي يحتاج إليه فى الطب وفى الجغرافيا وفى الاستعانة على اصطياد المجرمين والتحذير منهم ، ونحو ذلك فإنه جائز، بل قد يكون بعضه واجباً فى بعض الأحيان ، والدليل على ذلك حديثان: حديث عائشة التي كانت تلعب بالبنات ، وحديث :كنا نصوم صبياننا الصغار ونجعل لهم اللعبة من العهن ، فقد دل الحديثان على جواز التصوير واقتنائه إذا ترتبت على ذلك مصلحة تربوية ، ويلحق بذلك كل ما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين، ويبقى ما سوى ذلك على الأصل وهو التحريم مثل صور: المشايخ والعظماء والأصدقاء ونحوها مما لا فائدة فيه بل فيه التشبه بالكفار عبدة الأصنام0
وقال: يجب حرق الصور والتخلص منها ، وهي التي ليس فى حاجة إليها0
قال ابن باز فى فتوى رقم 1953:
لاشك أن تصوير كل ما فيه روح حرام بل من الكبائر، والإثم يعم من باشر التصوير ، ومن كلفه به ، وكل من أعان عليه ، أو تسبب فيه لأنهم متعاونون على الإثم0
وقال فى فتوى رقم 1978:
التصوير الشمس للأحياء والاحتفاظ بهذه الصور حرام بل هو من الكبائر0
وقال فى فتوى رقم 2036:(1/33)
الأصل فى تصوير كل ما فيه روح أنه حرام سواء أكانت الصور مجسمة أم رسوماً على ورق أو قماش أو جدران ونحوها ،أم كانت صوراً شمسية0
وقال فى فتوى رقم 3374 :
المجلات والجرائد التي بها أخبار مهمة وبها صور لذوات الأرواح يجوز شراؤها والانتفاع بما فيها لأن المقصود منها ما فيها من العلم والأخبار، ويجوز وضعها فى المصلى مع إخفاء ما فيها من صور، ولا يجوز وضع التلفاز فى المصلى لما فيه من اللهو الباطل، ولا يجوز النظر إلى ما فيه من الصور العارية لما فى ذلك من الفتنة والعواقب الوخيمة0
وقال فى فتوى رقم 3592 :
تصوير ذوات الأرواح بالكاميرا وغيرها حرام ، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله ويستغفره ويندم على ما حصل منه ولا يعد إليه0
وقال فى فتوى رقم4513 :
التليفزيون يحرم لما فيه من غناء وموسيقى وتصوير وعرض صور ونحو ذلك من المنكرات ،ويباح ما فيه من محاضرات إسلامية ونشرات تجارية أو سياسية ونحو ذلك مما لم يرد فى الشرع منعه ، وإذا غلب شره على خيره كان الحكم للغالب0
وقال فى فتوى رقم 7857 :
إذا كانت الصورة مهانة أو مقطعة جاز استعمال ما رسمت عليه كالبساط ونحوه0
وقال فى فتوى رقم 2677 :
ليست الصور ضرورية للتوضيح فى الدراسة بل هي من الأمور الكمالية لزيادة الإيضاح ، وهناك غيرها من وسائل الإيضاح0
وقال فى فتوى رقم 5350 :
اقتناء الطيور والحيوانات المحنطة فيه إضاعة للمال وإسراف وتبذير ، فلا يجوز بيعها ولا اقتناؤها.
وقال فى فتوى رقم 902 :
جمع الصور للذكرى لا يجوز بل يجب إتلافها ، أما صور الجمادات كالجبل والشجر ونحو ذلك فلا بأس به0
وقال فى فتوى رقم 1452 :
إذا اضطر الإنسان لوضع الصورة فى حفيظة نقود أو جواز سفر أو استمارة اختبار لإقامة أو نحو ذلك رخص له فيه بقدر الضرورة إن لم يجد مخلصاً من ذلك.
قال الشيخ عبد الرحمن قراعة فى فتوى رقم613 عام 1339هـ :(1/34)
تصوير ذي الروح حرام كبرت الصورة أم صغرت ، فى ثوب كانت أو بساط ، أو درهم أو دينار أو حائط أو غيرها0
15-قال ابن عثيمين فى فتاويه1/148 : التصوير باليد حرام بل هو من كبائر الذنوب.
وقال1/153 : تعليق الصور على الجدران حرام ، وقصد التعظيم فيها ظاهر، وأصل الشرك هو هذا الغلو0
وقال1/154 : إن اقتناء الصور مطلقاً لا يجوز إلا لحاجة أو ضرورة ، والتماثيل المجسمة من ذوات الأرواح محرمة0
16- قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتى السعودية :
ومن أعظم المنكرات تصوير ذوات الأرواح واتخاذها واستعمالها ، ولا فرق بين المجسدة وما فى الأوراق مما أخذ بالآلة.
17- قال الشيخ مصطفى الحمامى فى كتابه: النهضة الإصلاحية ص 264:
وإني أحب أن تجزم الجزم كله أن التصوير بآلة التصوير كالتصوير باليد تماماً ، فيحرم على المؤمن تسليطها للتصوير ، ويحرم عليه تمكين مسلطها لالتقاط صورته بها، لأنه بهذا التمكين يعين على فعل محرم غليظ0
18- قال الشيخ أحمد شاكر فى المسند حديث 7166 :
كان من حجة أولئك أن تأولوا النصوص بعلة لم يذكرها الشارع ، هي أن التحريم إنما كان أول الأمر لقرب عهد الناس بالوثنية ، أما الآن فقد ذهبت العلة، ولا يخش على الناس أن يعودوا لعبادة الأوثان ، ونسى هؤلاء ما هو بين أيديهم من مظاهر الوثنية الحقة ، بالتقرب إلى القبور وأصحابها ،واللجوء إليها عند الكروب والشدائد ، وأن الوثنية عادت إلى التغلغل فى القلوب دون أن يشعر بها أصحابها 0(1/35)
بل نسوا نصوص الأحاديث الصريحة فى التحريم وعلة التحريم: ثم كان من أثر هذه الفتاوى الجاهلة ، أن ملئت بلادنا بمظاهر الوثنية الكاملة ، فنصبت التماثيل ، وملئت بها البلاد ، تكريماً لذكرى من نسبت إليه وتعظيماً ، ثم يقولون لنا: إنها لم يقصد بها التعظيم ، ثم صنعت الدولة معهداً لفجور الكامل الواضح ، الفنون الجميلة ، يدخله الشبان الماجئون من الذكور والإناث ، يصورون فيه الفواجر من الغانيات ، اللائى لا يستحين ، أن يقفن عرايا ، ويجلسن عرايا ، ويضجعن عرايا، ولا يسترن شيئاً ، ثم يقولون لنا : هذا فن0
حكم التصوير الفوتوغرافي
يرى البعض أن التصوير الفوتوغرافي لا يدخل فى دائرة التحريم ، وأنه لا تتناوله النصوص ، إذ ليس فيه مضاهاة لخلق الله ، وأنه ليس تصويراً إنما هو حبس للصورة ، وما مثله إلا كمثل الصورة فى المرآة0
وقال آخرون : أن التصوير الشمسي لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع التصوير ، فما يخرج بالآلة يسمى (صورة) والشخص الذي يحترف التصوير يسمى (مصوراً) ثم إن العلة فى التحريم ليست هي المضاهاة فحسب ، بل إن الوثنية ما دخلت إلى الأمم السابقة إلا عن طريق الصور،حيث كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح صوروه تخليداً لذكراه، ثم جاء من بعدهم فعبدوا تلك الصورة ، فما يفعله البعض من تعليق الصور الكبيرة فى صدر البيت ، ولو كانت للذكرى مما لا تجيزه الشريعة ، لأنه قد يجر فى المستقبل إلى تعظيمها وعبادتها ، كما فعل أهل الكتاب بأنبيائهم وصالحيهم ولكن يقتصر فيه على حد الضرورة: كإثبات الشخصية وكل ما فيه مصلحة دنيوية مما يحتاج إليه الناس، وليس كما يفعل كثير من العلماء فى هذه الأيام من وضع صورهم على صفحات الجرائد والمجلات والكتب الدينية ، فهذا لا يجوز ولا يستثنى وليس من الضروري0
حكم لعب الأطفل(1/36)
عن عائشة قالت :كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل يتقمعن منه ، فيسر بهن إلي فيلعبن معي.
(خ6130)
عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَزُفّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ0( م 1422)
عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبّتِ الرّيحُ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السّتْرِ عنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ ، فقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ"؟ قالَتْ: بَنَاتِي ، وَرَأَى بَيْنَهُنّ فَرَسَا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ ، فقَالَ: " مَا هَذَا الّذِي أَرَى وَسْطَهُنّ" ؟ قَالَتْ فَرَسٌ ، قَالَ: "وَمَا هَذَا الّذِي عَلَيْهِ"؟ قُلْتُ: جَنَاحَانِ ، قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ" ؟ قَالَتْ : أمَا سَمِعْتَ أَنّ لِسُلَيْمانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ ، قَالَتْ: فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَه. (ص د4932)
السهوة : بيت صغير منحدر في الأرض قليلاً شبيه بالمخدع والخزانة0
الرقعة : الخرقة0
قال الخطابي: فقد كان قبل التحريم0
قال القاري فى المرقاة : قبل عدم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - عن لعبها بالصورة وإبقاؤها فى بيتها دال على أن ذلك قبل التحريم إياها وزواجها كان بعد البلوغ يقيناً0
قال الشوكاني: وفي هذا دليل على أنه يجوز تمكين الصغار باللعب بالتماثيل.
قال القاضي عياض : إن اللعب بالبنات الصغار رخصة0(1/37)
قال المطيعي :هناك نوع من التماثيل لا يظهر فيه قصد التعظيم ولا الترف ، ولا يلزم منه شئ من المحظورات ،وذلك كلعب الأولاد الصغار التي تصنع على شكل عرائس أو قطط أو غير ذلك من السباع والحيوانات ، لأن هذه الصور تمتهن باللعب وعبث الأولاد بها0
وقال: الصور المجسمة المتحركة أو الناطقة أو الضاحكة أو الباكية ما دامت لم تتعد كونها لعبة للطفل تنمي عقله مباحة ، بل قد تكون مستحبة0
فلعب الأطفال مباحة عند: ابن حبان والنسائي والشوكاني والقاضي عياض والمطيعي.
وإن كانت اللعبة كالصورة فهو قبل التحريم وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة المنذري والحليمي0
ومكروه عند : مالك.
ومحرمة إلا إذا صنعتها بنفسها عند : الألباني.
والأحاديث منسوخة عند: ابن بطال والداودي وابن الجوزي والبيهقي.
والأحوط تركها عند : ابن باز.
قال التويجري : وأما اللعب اللاتي على صور البنات وأنواع الحيوانات فصناعتهن حرام وبيعهن حرام وشراؤهن حرام واتخاذهن حرام والتلهي بهن حرام ، وإتلافهن واجب على من قدر على ذلك لأنهن من الأصنام ، أما لعب عائشة فلم تكن صوراً حقيقية ، ولو كانت صوراً حقيقية لكانت داخلة فى عموم ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بطمسه0
قال ابن باز فى رسالته الجواب المفيد :
الأحوط ترك اتخاذ اللعب المصورة ، لأن فى حلها شكاً لاحتمال أن يكون إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة على اتخاذ اللعب المصورة قبل الأمر بطمس الصور ، فيكون منسوخاً بالأحاديث التي فيها الأمر بمحو الصور وطمسها إلا ما قطع رأسه أو كان ممتهناً ، كما ذهب إليه البيهقي وابن الجوزي ومال إليه ابن بطال لمصلحة التمرين ،ولأن لعب البنات فيها نوع من إمتهان ، ومع الاحتمال والشك فى حلها يكون الأحوط تركها ، وتمرين البنات بلعب غير مصورة حسماً لمادة بقاء الصور المجسدة0(1/38)
الكتاب العاشر
الزواج
الزواج هو النكاح وهو عقد التزويج0
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً )(النساء: من الآية1)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )(الحجرات: من الآية13)
النكاح قبل الإسلام :
عن عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته:أن النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته ، فيصدقها ثم ينكحها.
ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.
ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل.
ونكاح رابع: يجتمع الناس كثيرا، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا القافة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.(خ 5127)
أربعة أنحاء:أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق على الجهة والنوع.
وليته أو ابنته: التخيير للتنويع لا للشك.(1/1)
فيصدقها: أي يعين صداقها ويسمي مقداره.
ثم ينكحها: أي يعقد عليها.
من طمثها: حيضها وكان السر في ذلك أن يسرع علوقها منه.
فاستبضعي: أي اطلبي منه المباضعة وهي الجماع لتحملي منه.
في نجابة الولد: لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرام أو غير ذلك.
وهو ابنك يا فلان: أي إن كان ذكراً فلو كانت أنثى لقالت هي ابنتك.
هن بغايا: تسع بغايا كن فى الجاهلية مشهورات.
علماً: علامة .
القافة: جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية.
فالتاط به: استلحقه وأصل اللوط اللصوق.
إلا نكاح الناس اليوم: أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيزوجه.
الترغيب فى الزواج
قال تعالى : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ )(النساء: من الآية3)
الزواج من سنن الأنبياء الذين يجب علينا أن نقتدي بهم ونهتدي بهداهم0
عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهُم المجاهدُ في سبيلِ اللهِ والمكاتبِ الَّذي يريدُ الأداءَ والنَّاكحُ الَّذي يُريدُ العفافُ".
(ح ت1655)
عن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أربع من السعادة المرأة الصالحة، المسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق.( حب 1232 ص ج 887)
عن ابن عمرو أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"0( م 1467)
الزواج والتبتل :(1/2)
عن أنس قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"0 (خ 5063 م 1401)
ليس مني : أي ليس على سنتي وطريقتي.
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 6/123: فيه دليل على أن المشروع هو الاقتصاد في الطاعات لأن إتعاب النفس فيها والتشديد عليها يفضي إلى ترك الجميع والدين يسر ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير قوله:فمن رغب عن سنتي فليس مني : المراد بالسنة الطريقة والرغبة الأعراض. وأراد صلى اللّه عليه وآله وسلم أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع0
الزواج السعيد : الزوجة الصالحة تملأ البيت سروراً وبهجة
عَن أبي أمامة عَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "ما استفاد المؤمن، بعد تقوى اللَّه، خيراً له من زوجة صالحة. إن أمرها أطاعته. وإن نظر إليها سرته. وإن أقسم عليها أبرته. وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله".(ح هـ1857)
بعد تقوى الله : أن التقوى هو المقصود للمؤمن.
سرته: أي لحسنها ظاهرا، أو لحسن أخلاقها باطنا، أو لدوام اشتغالها بطاعة اللَّه والتقوى.
أبرته: بفعل المقسم عليه.
في نفسها: بحفظها من تمكين أحد منها0
الزواج عبادة : يستكمل بها الإنسان نصف دينه(1/3)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي"0 (ك2/161 صحيحة 2/200)
حكمة الزواج
رغب الإسلام فى الزواج ، وحبب فيه لما يترتب عليه من آثار نافعة تعود على الفرد ، وعلى الأمة جميعاً0
1- التحصين للزوجين من الوقوع فى الرذيلة0
2- ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والموانسة والنظر المباح والملاعبة وفى ذلك راحة للقلب وتقوية له على العبادة0
3- بقاء النوع الإنساني :
عن معقل بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"0(ص د1805)
الودود : المودودة ،لما هي عليه من حسن الخلق والتودد إلى الزوج.
الولود : كثيرة الولد وهي مظنة الولادة وهي الشابة دون العجوز التي انقطع نسلها.
وهذه الأحاديث وما فى معناها تدل على مشروعية النكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولوداً 0
عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى".(هق7/78 ص ج 2941)
4- غريزة الأبوة والأمومة تنمو وتتكامل فى ظلال تلك الطفولة ، وتنمو مشاعر العطف والود والحنان0
5- مجاهدة النفس وترويضها على أن ترعى وتتولى مصالح غيرها ، وأن تقوم بحقوق الزوجة والأولاد0
6- الشعور بتبعة الزواج ، ورعاية الأولاد ، يبعث على النشاط وبذل الوسع فى تقوية ملكات الفرد ومواهبة، فينطلق إلى العمل من أجل النهوض بأعبائه ، والقيام بواجبه0
7- توزيع الأعمال توزيعاً ينتظم به شأن البيت ، وينتظم به العمل خارج البيت ، مع تحديد مسئولية كل من الرجل والمرأة فالرجل يسعى وينهض لكسب ما يحتاج إليه البيت من مال ونفقات ، وفراغ قلب الرجل من تدبير شئون المنزل ، والمرأة تقوم على تدبير المنزل ، وتربية الأولاد ، وتهيئة الجو الصالح للرجل ليستريح فيه ويجدد نشاطه0(1/4)
8- يبارك الإسلام ما يثمره الزواج من ترابط الأسر وتقوية أواصر المحبة بين العائلات وتوكيد الصلات الاجتماعية 0
9- المتزوجون يعيشون مدة أطول مما يعيشها غيرهم0
10- حصول الأجر العظيم والثواب الجسيم بالقيام بحقوق الزوجة والأولاد والإنفاق عليهم0
11- الزواج عبادة لأن به يحفظ الإنسان نفسه من شرور الفتن ومن النظر المحرم ومن الوقوع فى الفاحشة 0
12- دعاء الولد الصالح لوالديه0
13- تمام الدين وطهارة النفس والبدن وحفظ السمعة0
14- سلامة الفرد والمجتمع من الانحلال الخلقي ومن الأمراض النفسية والبدنية0
حكم الزواج
1- الزواج الواجب : يجب الزواج على من قدر عليه وتاقت نفسه إليه وخشي العنت (الزنا) لأن صيانة النفس وإعفائها عن الحرام واجب ، ولا يتم ذلك إلا بالزواج 0
فإن عجز عن الإنفاق على الزوجة فإنه يسعه قول الله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(النور: من الآية33)
وليكثر من الصيام0
عن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" . (خ5066 م 1400)
المعشر: هم الطائفة الذين يشملهم وصف، فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، وهكذا0
الباءة: الجماع، أي من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج. ومن لم يستطع لعجز مؤنه فعليه بالصوم.
أغض للبصر: أشد إحصاناً له ومنعاً من الوقوع فى الفاحشة .
وجاء : هو رض الخصيتين ، والمراد هنا الصوم بقطع الشهوة وبقطع شر المني كما يفعله الوجاء.
2- الزواج المستحب : يستحب الزواج إذا كان قادراً عليه ولكنه يأمن على نفسه من اقتراف ما حرم الله عليه ويكون أولى من التخلي للعبادة ، فإن الرهبانية ليست من الإسلام فى شئ0(1/5)
عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى"0(هق7/78 ص ج 2941)
3-الزواج المحرم : يحرم الزواج لمن يخل بالزوجة فى الوطء ، أو كان به مايمنعه من الاستمتاع ، أو يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها أو أي شئ من حقوقها الواجبة عليه ، أو يغريها بنسب يدعيه أو مال أو صناعة تمنع الاستمتاع ، من جنون أو جذام أو برص أو داء فى الفرج ، عليها أن تبين له ما بها.
ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبه عيباً فله الرد0
وإذا كان العيب بالمرأة ردها الزوج وأخذ ما كان أعطاها من الصداق0
4-الزواج المكروه : يكره الزواج فى حق من يخل بالزوجة فى الوطء والإنفاق ، حيث لا يقع ضرر بالمرأة بأن كانت عنينة وليس لها رغبة قوية فى الوطء0
فإن انقطع بذلك عن شئ من الطاعات أو الاشتغال بالعلم اشتدت الكراهة0
5-الزواج المباح : يباح الزواج إذا انتفت الدواعي والموانع0
قال الشوكاني فى الدراري 2/50 : والتبتل غير جائز إلا لعجز عن القيام بما لابد منه0
ويقدم الزواج على الحج والعلم والجهاد إذا خشي العنت ، ويقدم الحج والعلم والجهاد على الزواج إذا لم يخف العنت0
اختيار الزوجة
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"0(خ5090 م1466)
لحسبها: الحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب.
ولجمالها: يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة ويلحق بالجمال فى الذات الجمال فى الصفات.
فاظفر بذات الدين: أي فز بنكاحها. أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة.
تربت يداك : التصقت بالتراب وهو دعاء بالفقر على من لم يكن الدين من أهدافه.
1- الجمال: عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له عندما خطب: "اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".(ص ت 1087)(1/6)
عن أبي هريرة قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي النساء خير؟ قال: "خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك فى نفسها ومالك"0(حم2/43 صحيحة 1838)
2-الحسب : ينبغي أن تكون من بيئة كريمة معروفة باعتدال المزاج وهدوء الأعصاب والبعد عن الانحرافات النفسية0
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".(م2638)
3-البكر أفضل : عن جابر أنه تزوج ثيبا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هلا بكرا تلاعبك وتلاعبها"0( خ5247 م1466)
عن ابن عمرو أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".( م 1467)
اختيار الزوج
على الولي أن يختار التقي ذا الدين والخلق والشرف والسمت الحسن ،فإن عاشرها عاشرها بمعروف وإن سرحها ، سرحها بإحسان، ومن زوج ظالماً أو فاسقاً أو مبتدعاً أو شارب خمر، فقد جنى على دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من الرحم وسوء الاختيار0
عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - :"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". قالوا: يا رسول اللّه وإن كان فيه. قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات"0
(ح ت1085)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 6/154: فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق.
الكفاءة مختص بالدين عند: مالك. ويدل عليه قوله تعالى {إن أكرمكم عند اللّه اتقاكم}
الكفاءة في النسب عند: الجمهور وأبي حنيفة وبعض الشافعية.
وعلى الرجل والمرأة أن يستخير الله تعالى قبل الزواج.(1/7)
إذا تخيرت الزوجة فاستشر فيها المؤمنين الصادقين ، والمستشار مؤتمن ، ينبغي أن لا يكتم عيباً ، ولا يعد ذكره له من الغيبة0
فإن أشاروا عليك بها ، فاستخر ربك ، فإنه لا ندم من استشار ، ولا خاب من استخار، وكيفية استخارتك لربك أن تتخير وقتاً مناسباً لخلو بالك من المشاغل ، ليلاً كان أو نهاراً ، وتتوضأ وتصلي لله ركعتين كسائر الصلوات بنية صلاة الاستخارة وتدعوا الله بما ورد فى هذا الحديث الشريف:
عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري"، أو قال: "عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي ، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري" ، أو قال: "في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به". قال: "ويسمي حاجته". (خ1166)
يعلمنا الاستخارة: أي صلاتها ودعائها، والاستخارة طلب الخير.
أستقدرك: أطلب منك أن تجعل لي قدرة عليه.
معاشي: حياتي.
عاقبة أمري: آخرتي.
عاجل أمري وآجله: دنياي وآخرتي، أو ما يكون من أمري في الحال والاستقبال.
يسمي حاجته: الأمر الذي يستخير من أجله، في أثناء دعائه.
فإن وجدت انشراحاً فى صدرك فاقدم على هذا الأمر ، وإن وجدت انقباضاً فانصرف عنه0
المواصفات للزوج :
1- أن يكون المتقدم للخطبة ملتزماً بتعاليم الإسلام الحنيف قولاً وعملاً واعتقاداً0
2- أن يكون محافظاً على الصلوات الخمس فى أوقاتها مع الجماعة0
3- أن يكون متمسكاً بالسنة النبوية عموماً معفياً للحيته قاصاً لشاربه طاعة لله ورسوله0(1/8)
4- أن لا يكون مسبلاً لثيابه إلى ما تحت الكعبين لأن ذلك من مظاهر الكبر وكبائر الذنوب0
5- أن يكون بعيداً عن تناول المسكرات والمخدرات المسببة للعداوة والبغضاء الصادة عن ذكر الله وعن الصلاة0
6- أن يلتزم بصحبة الأخيار والبعد عن الأشرار فالمرء معتبر بقرينه وسوف يكون على دين خليله فلينظر من يخالل0
7- أن يحسن إلى زوجته وأن يعاشرها بالمعروف قولاً وعملاً0
8- عدم السهر فى الليل خارج المنزل وعدم استعمال السب والشتم واللعن0
9- أن يراعي تعاليم الإسلام الحنيف فى أكله وشربه ولباسه ومعاملته لزوجته ونفقاته.
10- أن لا يسافر بزوجته إلى البلاد الخارجية إلا برضاها عند الضرورة0
11- أن لا يكون مضيعاً لأوقاته الثمينة فيما لا تحمد عقباه من الملاعب والملاهي0
قال ابن عثيمين فى كتابه (الزواج وفوائده ص89): إذا كانت امرأة زوجها لا يصلى لا يجوز لها أن تبقى معه حتى لو كان لها أولاد منه فإن الأولاد فى هذه الحال سيتبعونها ولا حق لأبيهم بحضانتهم لأنه لا حضانة لكافر على مسلم ، وعلى المسلم الذي يخاف الله أن يعلم أن من عقد زواجاً لابنته على رجل لا يصلي فالعقد باطل وغير صحيح حتى ولو كان على يد مأذون شرعي فإن من الناس من يخفى الواقع على المأذون فاتقوا الله فى نسائكم ولا تعرضوهن للتجارب كما يفعل بعض الناس الآن يزوج ابنته على من لا يصلي ويقول لعل الله يهديه ، قال تعالى: (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )(الممتحنة: من الآية10)
أما من تاب وأقام الصلاة فإنه يعقد له عقد جديد والله الهادي إلى سواء السبيل0 أهـ
الخطبة(1/9)
والخطبة :هي طلب الخاطب للزواج بالمخطوبة وأحيانا يصرح بالخطبة وأحيانا يحصل التعريض بها0 وقد شرعت قبل الارتباط بعقد الزوجية ليعرف كل من الزوجين صاحبه ، ويكون الإقدام على الزواج على هدى وبصيرة ، حتى إذا لقي كل منهما الرضا والقبول لدى الآخر، أقدم على إبرام العقد وإتمام الزواج وهما مطمئنان إلى أن السعادة ستعمر حياتهما ، وتحف بأجواء عشهما المحبة والهناء.
وتجوز الخطبة إذا توفرت هذه الأمور :
1- أن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع زواجه منها فى الحال كالمحرمات من النسب والرضاع0
2- وأن تكون خالية عن خطبة الغير لها0
3- أن تكون خالية عن زواج وعن عدة ، أي ليست لأحد وليست معتدة ، فيحرم خطبة معتدة الغير سواء أكانت عدتها عدة وفاء أم عدة طلاق ، وسواء أكان الطلاق رجعياً أم بائناً ،وإن كانت معتدة من وفاء يجوز التعريض لخطبتها أثناء العدة دون التصريح، فيجوز التعريض للبائن وللمعتدة من الوفاء ، وحرام فى المعتدة من طلاق رجعي ،أما التصريح فحرام لجميع المعتدات0
قال تعالى:(وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ)(البقرة: من الآية235)
ومعنى التعريض : أن يذكر المتكلم شيئاً يدل به على شئ لم يذكره،مثل أن يقول:إني أريد التزوج.
من أحكام الخطبة :
1- الهدية إلى المعتدة جائزة لأنها من التعريض ويجوز أن يمدح نفسه وذلك من التعريض أيضاً ويحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه0
أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب0 (خ5142 م1412)(1/10)
2- يشرع النظر إلى المخطوبة
لحديث المغيرة " أذهب فأنظر إليها".(ص ت 1087)
وللمرأة أن تنظر إلى خاطبها أيضاً لأنها يعجبها منه ما يعجبه منها.
3- يجوز عدول الرجل عن الخطبة إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك ، ويجوز ذلك للمرأة أيضاً 0
4- يحرم الخلوة بالمخطوبة ،لأنها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها0
عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان"0
(حم3/339 ص مشكاة 3118)
5- الخطبة مقدمة تسبق عقد الزواج ، وأحياناً يعقبها تقديم المهر كله أو بعضه0
وأما الهدية والهبة (الشبكة) لا يجوز الرجوع فيها إذا كانت تبرعاً محضاً لا لأجل العوض0
فإن كان لأجل العوض فيجوز له استرداده إن كان قائماً على حالته لم يتغير كالأسورة أو الخاتم أو الساعة أو نحو ذلك ، فإن كان طعاماً فأكل أو قماشاً فخيط ثوباً فليس للخاطب الحق فى استرداد ما أهداه0
6- إذا كان العدول من جهته فلا رجوع له فيما أهداه وإن كان العدول من جهتها فله الرجوع بكل ما أهداه سواء أكان باقياً على حاله أو كان قد هلك فترد قيمته0
وإذا كانت الفرقة قهرية ، بأن كان الزوج ليس كفئاً للمرأة ، ففي هذه الحالة يجب رد المهر والهدية0
وإذا كانت الفرقة اختيارية يترتب عليها سقوط المهر كله فلا تستحق المرأة منه شيئاً0
7- إذا طلقها بعد الدخول فالمرأة لها الحق فى المهر كله0
وإذا طلقها قبل الدخول فلها نصف المهر0
عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجلٍ أن يعطي عطيةً أو يهب هبةً فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده"0(ص د3539)
8- يستحب أن يقدم العاقد أو غيره قبل بدء العقد خطبة ، وتسمى خطبة الحاجة ونصها0
عن عبد اللّه بن مسعود قال:علَّمنا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - خطبة الحاجة:(1/11)
إن الحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ0
{يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً، واتَّقُوا اللَّهَ الذي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء1]
{يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون} [آل عمران102]
{يا أيُّهَا الَّذين آمَنوا اتَّقُوا اللَّه وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ، ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً} [الأحزاب70، 71]
(ص د2118)
9- يستحب الدعاء لكل واحد من الزوجين بالمأثور :
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفّأ الإِنسان ، إذا تزوج قال: "بارك اللّه لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير"0 (ص ت1091)
رفأ : التئم وجمع الشمل.
عقد الزواج
عقد الزواج هو :رضا الطرفين وتوافق إرادتهما فى الارتباط0
وأركانه هي :
الصيغة: وهي اللفظ الذي يدل على حصول الزواج وتحققه(الإيجاب والقبول)
الإيجاب: هو اللفظ الذي يصدر أولاً من أحد المتعاقدين كقول ولي المرأة : زوجتك ابنتي.
القبول: هو اللفظ الذي يصدر من المتعاقد الآخر كقول الزوج: قبلت زواجها.
وللإيجاب والقبول شروط هي :
أ- تمييز المتعاقدين: فلا ينعقد الزاج إلا إذا كان أحدهما مجنوناً أو صغيراً لا يميز0(1/12)
ب- اتخاذ مجلس للإيجاب والقبول: فلا يفصل بين الإيجاب والقبول بكلام أجنبي ويحقق بأي لفظ يدل على الموافقة والرضا ، مثل: قبلت ،وافقت، أمضيت ، نفذت0
بصيغة الماضي ، أما الإيجاب فيصح بلفظ النكاح والتزويج مثل: زوجتك أو أنكحتك
بصيغة الماضي0
الشروط فى العقد
إذا قرن عقد الزواج بالشرط ، فإما أن يكون هذا الشرط من مقتضيات العقد ، أو يكون منافيا له، أو يكون ما يعود نفعه على المرأة ، أو يكون شرطاً نهى الشارع عنه0
1- الشروط التي يجب الوفاء بها : وهي ما كانت من مقتضيات العقد ومقاصده ، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكنها ، وعدم التقصير فى شئ من حقوقها، ويقسم لها كغيرها، ولم تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تنشز عليه، ولا تصوم تطوعاً بغير إذنه ، ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف فى متاعه إلا برضاه ، ونحو ذلك000
2- الشروط التي يجب عدم الوفاء بها : وهي ما كانت منافية لمقتضى العقد ، مثل اشتراط ترك الإنفاق والوطء وكاشتراط أن لا مهر لها، أو يعزل عنها، أو اشتراط أن تنفق عليه، أو تعطيه شيئاً ، أو لا يكون عندها فى الأسبوع إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، فهذه الشروط باطلة لأنها تنافى العقد ، أما العقد فى نفسه فهو صحيح.
عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب فقال: "من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مائة شرط"0(خ2155)
3- الشروط التي فيها نفع للمرأة : مثل أن يشترط لها أن يخرجها من دارها أو بلدها، أو يسافر بها أو لا يتزوج عليها ونحو ذلك0
عن عَمْرِو بنِ عَوْفٍ المُزْنِيّ عنْ أبِيهِ، عنْ جَدّهِ أنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ:"الصّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. إلاّ صُلْحاً حَرّمَ حَلاَلاً أوْ أحَلّ حَرَاماً. والمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلاّ شَرْطاً حَرّمَ حَلاَلاً أوْ أحَلّ حَرَاما"0 (ص ت1352)(1/13)
4- الشروط التي نهى الشارع عنها : كاشتراط المرأة طلاق ضرتها :
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على اللّه تعالى .(خ 5152)
تكفئ : تميل.
ويشترط لنفاد العقد: أن يكن كل من المتعاقدين تام الأهلية أي عاقلاً بالغاً حراً ، وأن يكون كل من المتعاقدين ذا صفة تجعل له الحق فى مباشرة العقد0
وليس لأحد الزوجين أو لغيرهما من نقض العقد ولا نسخه، ولا ينتهي إلا بالطلاق أو الوفاة0 وإذا تبين أن الرجل غرر بالمرأة ، أو المرأة غررت بالرجل فلها فى هذا الحال نقض العقد وفسخه حتى علمت وإذا تزوج الرجل امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا ًفله الفسخ0
ومن العيوب التي تجيز للرجل فسخ العقد : الأمراض المنفرة مثل البرص الجنون والجذام0
عن عمر أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة و بها جنون أو جذام أو برص فمسها فله صداقها كاملاً وذلك لزوجها غرم علي وليها.
(ط 2/526 قط 3/666 غليل6/328)
ومن العيوب المنفرة التي تجيز للمرأة فسخ العقد: البرص والجنون والمجبوب (مقطوع الذكر) العنين (الذي لا يصل إلى النساء من الارتخاء) والصغير.
وشروط الزوج :
1- الإسلام.
2- ألا يكون متزوجاً أربع زوجات أو في عدتها منه.
3- أن يكون ذكراً يقيناً فلا يصح زواج المرأة من الخنثى المشكل.
4- أن يكون معيناً فلا يصح زواج المرأة من أحد رجلين من غير تعيين واحد منهما.
5- أن يكون مختاراً فلا يصح زواج المكره إلا إذا كان غير بالغ عاقل.
6- أن يكون غير محرم بالحج أو العمرة.
وشروط الزوجة هي :
1- ألا تكون محرمة بحج أو عمرة.
2- أن تكون معينة.
3- أن تكون خالية من زواج أو عدة.
4- أن تكون أنوثتها متيقنة فلا يصح أن يعقد الرجل على خنثى مشكل.
5- عدم الإكراه فلا يصح الزواج بالمرأة إذا كانت مكرهة.
6- ألا تكون محرمة على الزوج بسبب نسب أو رضاع أو مصاهرة.(1/14)
7- أن تكون مسلمة أو يهودية أو نصرانية فلا يصح زواج المجوسية أو الوثنية أو المرتدة أ و الملحدة كالشيوعية0
شروط صحة الزواج
الشرط الأول حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الاقتران بها:
فلا تكون محرمة عليه بأي سبب من أسباب التحريم0
الشرط الثاني الإشهاد على الزواج :
عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
(قط3/226 صحيحة1/560)
الشهود: لابد أن يشهد على العقد شاهدان.
ويشترط فى الشهود: الإسلام العقل والبلوغ وسماع كلام المتعاقدين والعدالة والحرية الذكورية.
حكم الإشهاد على الزواج : الزواج لا ينعقد إلا ببينة ، ولا ينعقد حتى تكون الشهود حضوراً حالة العقد0
وإذا شهد الشهود وأوصاهم المتعاقدان بكتمان العقد وعدم إذاعته كان العقد صحيحاً0
والشهادة شرط عند: الجمهور وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية والثوري والأوزاعي.
الشرط الثالث الولاية على الزواج :
الولاية شرعاً : هي سلطة يقررها الشرع للشخص يكون لصاحبها بمقتضاها القدرة على إنشاء
العقود أو التصرفات نافذة دون أن تتوقف على إجازة من أحد0
شروط الولي : الإسلام ، الحرية ، العقل ، البلوغ ، الذكورية ، عدم الإحرام بالحج أو العمرة 0
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
(التوبة: من الآية71)
عن معقل بن يسار: أنها نزلت فيه، قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك ، فطلقتها ، ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله هذه الآية: {فلا تعضلوهن} فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: "فزوجها إياه". ( خ 5130)
أختاً لي: أسمها جميل بنت يسار، وقيل :ليلي ، وقيل: فاطمة(1/15)
عنْ عَائِشَةَ أنّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أيّمَا امْرَأَةٍ نَكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فإنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا. فإنِ اشْتَجَرُوا ، فالسّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَه"ُ0 (ص ت1102)
اشتجروا : امتنعوا عن التزويج.
لا نكاح إلا بولي: وهو قول: الشافعي وأحمد وابن حزم.
والمرأة لا تزوج نفسها ولا تزوج غيرها عند : الجمهور.
ويجب على الولي أن يستأذن المرأة قبل الزواج، والعقد قبل استئذانها غير صحيح ، ولها حق المطالبة بالفسخ إبطالاً لتصرفات الولي المستبد.
عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الثّيّبُ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا"0( م1421)
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُنْكَحُ الأَيّمُ حَتّىَ تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتّىَ تُسْتَأْذَن"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ".
( خ5138)
الأيم : من لا زوج لها ولابد من تصريحها بالرضا بما يدل عليه من نطق وغيره0
تستأمر: طلب الأمر فلا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها.
عَن ابن عباس أن جارية بكراً أتت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - . فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة. فخيرها النَّبي0 (ص د2096)
ويجوز للأب والجد تزويج الصغيرة دون إذنها، إذ لا رأى لها0
عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين.(خ 5134)(1/16)
ولا يجوز للولي منع المرأة من الزواج من الرجل الكفء الذي يدفع للمرأة المهر مثلاً فإن منع فهذا هو (العضل) وهو ظلم من الولي للمرأة ، فليس للولي أن يعضل موليته ويظلمها بمنعها من الزواج ، فإذا منعها كان من حقها رفع أمرها للقاضي ليزوجها ، فإذا كان الامتناع بسبب عذر مقبول ، كأن يكون الزوج غير كفء أو المهر أقل من مهر المثل ، أو لوجود خاطب آخر كفأ منه ، فإن الولاية فى هذه الحال لا تنتقل عنه، لأنه لا يعد عاضلاً0
قال الله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)(البقرة: من الآية232)
ويجوز للرجل أن يزوج نفسه من المرأة التي يلي أمرها دون الاحتياج إلى آخر إذا رضيت به زوجاً لها0
عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها، وأولم عليها بحيس. (خ 5169 م 1365)
الحيس : تمر منزوع النواة يخلط بالأقط أو الدقيق أو السويق.
الشرط الرابع الكفاءة فى الزواج:
الكفاءة هي: المساواة والمماثلة ، أي أن يكون الزوج مساوياً لزوجته فى المنزلة والمركز الاجتماعي والمستوى الخلقي والمالي، والكفاءة معتبرة بالاستقامة والصلاح لا غير عند كثير من العلماء، وعند آخرين ثمة أمور أخرى هي :(1/17)
1- الدين : قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(البقرة:221) فلا يحل زواج مسلمة بكافر إجماعاً ، ولا عفيفة بفاجر، ولا محسنة بمسرف. قال تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26) 2- النسب : العرب بعضهم أكفاء لبعض ، وقريش بعضهم أكفاء لبعض، فالأعجمي لا يكون كفئاً للعربية ، والعربي لا يكون كفئاً للقرشية0
عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "قَدْ أَذْهَبَ اللّهُ عَنْكُمْ عُبّيّةَ الْجَاهِلِيّةِ وَفَخْرَهَا بالآباء مُؤْمِنٌ تَقيّ وَفَاجِر شَقِي وَالنّاسُ بَنُو آدَمَ وآدَمُ مِنْ تُرَاب".
(ح ت3956)
3- الحرية : العبد ليس بكفء للحرة ، ولا العتيق كفؤ الحرة الأصل0
4- الإسلام : أي التكافؤ فى إسلام الأصول ، وهو معتبر فى غير العرب ، أما العرب فلا يعتبر فيهم0
قال ابن حزم فى المحلى مسألة 1875: وأهل الإسلام كلهم اخوة لا يحرم على ابن من زنجية لنية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي ، والفاسق الذي بلغ الغية من الفسق المسلم ،ما لم يكن زانياً ، كفؤ للمسلمة الفاضلة ، وكذلك الفاضل المسلم كفؤ للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية ؟ والذي نختاره فنكاح الأقارب بعضهم لبعض0(1/18)
5- الحرفة : المعتبر فى شرف الحرفة ودناءتها العرف ، فقد تكون حرفة ما شريفة فى مكان ما أو زمان ما ، بينما هي دنيئة فى مكان ما أو زمان ما0
6- المال : الفقير ليس بكفء للموسرة وقيل لا يعتبر 0
قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32) 7- السلامة من العيوب : فمن به عيب مثبت للفسخ ليس كفئاً للسليمة0
والكفاءة فى الزواج معتبرة فى الزوج دون الزوجة، أي أن الرجل هو الذي يشترط أن يكون كفئاً للمرأة ومماثلاً لها0
من تزوج بكراً فوجدها مستحاضة لا ينقطع دمها فاللزوج فسخ العقد.
من تزوج بكراً فوجدها ثيباً فاللزوج فسخ العقد وله أن يطلب بأرس الصداق.
وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب فينقص بنسبة من المسمى ، وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر.
وإذا ظهر بأحد الزوجين جنون أو جذام أو برص فللآخر فسخ النكاح0
والزواج العرفي هو الذي لو يوثق عند المأذون وهو صحيح شرعاً إذا توفرت فيه أركان العقد وشروط صحته0
إعلان الزواج
يستحب إعلان الزواج ، ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه :
عن محمد بن حاطب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فصل بين الحرام والحلال الدف والصوت ".(ص ت 1088)
الإعلان مستحب عند : الجمهور وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية والثوري والأوزاعي.
الغناء عند الزواج
أباح الإسلام الغناء عند الزواج ترويحاً للنفوس ، وتنشيطاً لها باللهو البريء ، على أن يخلو من المجون والخلاعة والميوعة وفحش القول وهجره0
عن عائشة: أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو".(خ 5162)
وفي رواية: "فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني" ؟ قالت عائشة : تقول ماذا ؟ قال: "تقول :(1/19)
أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر * ما حلت بواديكم
لولا الحنطة السمرا * ما سمنت عذاريكم"
ما يقول الرجل إذا دخل على زوجته :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمرو عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذا أفاد أحدكم امرأة أو خادما، أو دابة، فليأخذ بناصيتها وليقل: اللهم! إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه. وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه".
(ح هـ 1918)
ويجوز البناء بالنهار :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى. (خ 5160)
يرعني: يفاجئني.
ويجوز أن يهدى للعروس هدايا :
عن أنس قال: لما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب أهدت له أم سليم حيسا في تور من حجارة فقال أنس: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اذهب فادع لي من لقيت من المسلمين" ، فدعوت له من لقيت فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على الطعام فدعا فيه وقال فيه ما شاء الله أن يقول ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته. فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه الحديث فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحي منهم أن يقول لهم شيئا فخرج وتركهم في البيت فأنزل الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غيرناظرين إناه}
قال قتادة: غير متحينين طعاما {ولكن إذا دعيتم فادخلوا}. حتى بلغ: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}. (م 1428 )
آداب الزوج
قال الشيخ عبد الله جار الله فى كتابه: (الزواج وفوائده ) ومن آداب الزواج :
1- ملاطفة الزوجة عند البناء بها بالقول الطيب والرفق واللين0
2- وضع اليد على مقدمة رأس الزوجة ويقول : بسم الله اللهم! إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه. وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه.
(ح د2160)(1/20)
3- ويستحب لهما أن يصليا ركعتين لأنه منقول عن السلف0
4- ويقول عند الجماع : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا0(خ5165)
5- ويجامعها فى القبل ، ويبتعد عن الدبر لأنه حرام متوعد عليه بالوعيد الشديد0
6- ويتوضأ بين الجماعين ، فإنه أنشط له ، والغسل أفضل0
7- وينبغي أن ينويا بالنكاح إعفاف أنفسهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما ، فإنها تكتب مباضعتهما صدقة لهما ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وفى بضع أحدكم صدقة.( م 1006)
8- ويتوضأ الجنب قبل النوم ، والغسل أفضل لينام طاهراً0
9- يحرم نشر وإفشاء أسرار الزوجين فى الاستمتاع0
10- ينبغي للمتزوج أن يعمل وليمة مختصرة يدعى إليها الجيران والأقارب ، ولو بشاة وتجوز بغير لحم ، ويحرم الإسراف فيها بأن يذبح ويطبخ ما لا يؤكل ، ويرمي به0
11- ينبغي تخفيف المهر والاقتصاد فيه ، وعدم الإسراف تأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
وبخلفائه الراشدين وأصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان ، فأعظم النكاح بركة أيسره مؤنة0
12- وليحذر الزوجان من السفر إلى الخارج بعد الزواج شهراً يسمى شهر العسل ، فإن فيه عدة محاذير ، منها نبذ الستر والحياء ، والحجاب ، ومنها الإسراف فى النفقات ذهاباً وإياباً ، ومنها تقليد الأجانب ،والتشبه بهم ، وقد نهينا عن مشابهتهم ، وأمرنا بمخالفتهم ، إلى غير ذلك من المفاسد والمحاذير0
13- ويجب الابتعاد عن اختلاط الرجال بالنساء ، والتصوير فى الأعراس ، لأن فاعله ملعون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - 0
14- ويحرم على المتزوج وغيره حلق اللحية ، وإسبال الثياب ، ولبس خاتم الذهب ، وما يسمى (دبلة) من ذهب0
15- ويكون تخصيص الأغنياء بالدعوة دون الفقراء ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء 0 ( خ5177 م 1432)(1/21)
والإجابة إليها واجبة ولو كان صائماً ، فإن شاء أفطر وإن شاء دعا وانصرف ، والإجابة مشروطة بأن لا يكون هناك منكر لا يستطيع إنكاره وتغييره ، وإلا حضر وأنكر0
16- ويشرع إعلان النكاح والضرب عليه بالدف للنساء خاصة بدون أغاني ومكبرات الصوت.
17- ويقال للمتزوج : بارك اللّه لك وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير، ويبتعد عن تهنئة الجاهلية (بالرفاء والبنين )0
18-كما يجب على المتزوج أن يبتعد عن جماع زوجته فى الحيض والنفاس ، فإن فاعله ملعون فإن فعل عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه مما فعل0
19- ويجب على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: من الآية19)
20- وعلى الزوجين أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به بالمعروف فى حدود طاقتها واستطاعتها.
21- وعلى الزوج أن يختار الزوجة الصالحة ذات الدين والخلق الكريم فإنها سوف تكون شريكة حياته ومربية أولاده0
22- وعلى الزوجة أن تختار الزوج الصالح صاحب الدين والخلق الكريم ، فإنه إذا كان كذلك إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها0
23- وعلى الشاب الصالح أن يسأل الله أن يرزقه الزوجة الصالحة ، وكذلك الفتاة الصالحة تسأل الله أن يرزقها الزوج الصالح.
قال تعالي:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر: من الآية60)
24- وعلى كل من الزوج والزوجة أن يسأل الله أن يرزقه أولاداً صالحين (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)(آل عمران: من الآية38)
(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات:100) (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)
((1/22)
الفرقان: من الآية74)
(رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(الانبياء: من الآية89)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين0أهـ
الوليمة
الوليمة : هي الطعام فى العرس خاصة ، وهي سنة مؤكدة0
عن عبد الرحمن بن عوف: قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أولم ولو بشاة". (خ5148)
عن ابن بريدة عن أبيه قال:لما خطب علي فاطمة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إنه لا بد للعرس من وليمة"0 (ص حم 22931)
عن صفية بنت شيبة أنها قالت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على بعض نسائه بمدّين من شعير.(خ 5172)
الحقوق الزوجية
الحقوق الزوجية ثلاثة أقسام ، ولا تتم السعادة الزوجية والهدوء النفسي والاطمئنان إلا بها0
حقوق واجبة على الزوج :
1- المهر :
المهر هو الصداق وهو أحد الحقوق التي تملكها الزوجة على زوجها ، وهو اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بالزواج أو بالوطء 0
2- الجهاز :
الجهاز هو الذي يعد للزوجة من أثاث وفرش وأدوات ، وسواء أعدته الزوجة وأهلها أم أعده الزوج فالمسئول عنه الزوج شرعاً ، وهو خلاف المهر الذي هو حق خالص لها ليس لأبيها ولا لزوجها حق فيه ، لأنه مقابل الاستمتاع بها لا من أجل إعداد الجهاز0
3- النفقة :
النفقة هي توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وسكن وخدمة ودواء0
وهي واجبة بالكتاب والسنة والاجماع0
قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية233)
4- حسن المعاشرة :
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف)(النساء: من الآية19)
5- صيانتها :
يجب على الزوج أن يصون زوجته من كل ما يخدش شرفها ويمتهن كرامتها0
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله"0( خ 5223)(1/23)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء". (البزار 1876 ص ج 3063)
الديوث : الذي لا يبالي من دخل على أهله.
الرجلة: التي تتشبه بالرجال.
يحرم هجران المرأة لفراش زوجها :
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح"0 (خ5193 م1436)
ويسن أن يسمى الإنسان ويستعيذ عند الجماع.
عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: باسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قدر بينهما في ذلك، أو قضي ولد، لم يضره شيطان أبدا".(خ 5165 م 1434)
ويحرم التكلم بما يجري بين الزوجين أثناء المباشرة ، فهو من اللغو والمنهي عنه0
قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3) إلا إذا دعت الحاجة إلى التحدث دون توسع كالمرأة التي ادعت أن زوجها عاجز عن إتيانها0
يحرم إتيان المرأة فى دبرها :
قال تعالى:(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )(البقرة: من الآية223)
وقال تعالى: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ )(البقرة: من الآية222)
ومن رأى امرأة فأعجبته فليأت أهله :
عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأى امرأة فأتي امرأته زينب، وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه. فقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه"0(م1403)
تمعس منيئة : تدلك الجلد تمهيداً لدباغته.
حقوق واجبة للزوجة
عن أبي سعيد قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه"0(ص ج 3148)(1/24)
عن عبد الله بن سلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير النساء من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك"0 (ص ن 3231)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له".(خ 5192 م 1026)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة".
(الترغيب 3/73 ص ج 661)
ومن حق الزوج على زوجته :
1- طاعته فى المعروف.
2- أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه.
3- أن لا تعطي شيئاً من بيته إلا بإذنه.
4- ألا تصوم يوماً واحداً تطوعاً إلا بإذنه ، ولا تحج تطوعاً إلا بإذنه.
5- أن تسكن فى المسكن الذي يعده لها زوجها بشرط أن يكون المسكن لائقاً بها0
6- أن تنتقل مع زوجها حيث شاءت.
قال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنّ) (الطلاق: من الآية6)
7- لا تدخل أحداً يكرهه الزوج فى بيته إلا بإذنه ، كما جاء فى حديث حجة الوداع 0
8- أن لا تمنعه نفسها من غير عذر ، كمرض وحيض ونفاس ، وأن تحفظه فى عرضه0
9- أن تشكر له ما يقدم لها من طعام وشراب وثياب وغير ذلك مما هو فى قدرته وتدعو له بالعوض والإخلاف ولا تكفر نعمته عليها0
10- أن تحفظ دينه0
11- تدبير المنزل من طبخ وكنس وفرش وتنظيف وذلك لتدع للرجل فرصة للعلم والعمل فإن المرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريقة0
12- أن تسري عنه وتخفف من أعباء حياته وتشيع روح التفاؤل والبهجة والأمل فى نفسه.
13- أن تبر أهله من والدين وأخوات.
14- إرضاع أطفاله وحضانتهم0
15- أن تحسن القيام على تربية أولادها منه فى صبر ورحمة0(1/25)
16- ومن حق الزوج على زوجته أن يمنعها من العمل الذي يؤدى إلى تنغيص حق الزوج أو ضرره أو خروجها من بيتها0
17- وحق على الزوج أن يؤدب زوجته الناشز بأن يعظها ، فإن لم تتعظ هجرها فإن لم تطعه ضربها ضرباً غير مبرح ولا يضرب الوجه0
قال الله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً )(النساء: من الآية34)
حقوق مشتركة بين الزوجين
1- حل العشرة الزوجية واستمتاع كل من الزوجين بالآخر: فيحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه0
2- حرمة المصاهرة ، أي أن الزوجة تحرم على آباء الزوج وأجداده وأبنائه وفروع أبنائه وبناته، كما يحرم هو على أمهاتها وبناتها وفروع أبناءها وبناتها0
3- ثبوت التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد ولو لم يتم الدخول0
4- ثبوت نسب الولد من الزوج صاحب الفراش0
5- المعاشرة بالمعروف حتى يسود الوئام بينهما ويظلهما السلام لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: من الآية19)
الزيادة على الأربع: يحرم على الرجل أن يجمع فى عصمته أكثر من أربع زوجات فى وقت واحد، إذ أن فى الأربع الكفاية وفى الزيادة تفويت الإحسان الذي شرعه الله لصلاح الحياة الزوجية0
قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) (النساء:3) أباح بعض الشيعة بتسع من الزوجات ، وعضدوا قولهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج تسعاً 0
وأباح أهل الظاهر الزواج بثماني عشرة تمسكاً منهم بأن العدد فى هذه الصيغة يفيد التكرار والواو الجمع0(1/26)
عن الحارِثِ بنِ قَيْسٍ قال: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثمَانُ نِسْوَةٍ، قالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقالَ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : "اخْتَرْ مِنْهُنّ أرْبَعا"ً0 (ص د2241)
أباح الله تعدد الزوجات وأوجب العدل بينهن فى : الطعام والكسوة والمبيت ، وسائر ما هو مادي من غير تفرقة بين غنية وفقيرة ، وعظيمة حقيرة ، فإن خاف الرجل الجور وعدم الوفاء بحقوقهن، وحرم عليه الجمع بينهن لقوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا)(النساء: من الآية3)
أي أقرب ألا تجوروا.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقُّه مائل"0 (ص د3133)
والعدل المطلوب : هو العدل الظاهر المقدور عليه ، وليس هو العدل فى المودة والمحبة والجماع فإن ذلك لا يستطيعه أحد0
عن أنس - رضي الله عنه - قال: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم.
( خ5214 م 1461)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه0 ( خ 2593)
قال الصنعاني فى سبل السلام 3/347 : دل الحديث على القرعة بين الزوجات لمن أراد سفراً وأراد إخراج إحداهن معه 0أهـ
إذا شرطت الزوجة فى عقد الزواج على زوجها ألا يتزوج عليها صح الشرط ولزم، وكان لها حق فسخ الزواج إن لم يف لها بالشرط ، وهو قول أحمد وابن تيمية وابن القيم0
عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"0( خ 5151)(1/27)
عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر: "إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني ، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما أذاها".( خ 5230)
يريبني: يزعجني ويقلقني، وأكره ما تكره.
حكمة التعدد :
1- قيام الحروب مم يؤدي لقلة الرجال واحتياج الإناث إلي عائل.
2- تحصين النفس بالحلال الطيب.
3-كثرة الإناث على الذكور.
4- الحصول على الذرية.
المجتمعات التي تحرم التعدد لوحظ فيها :
1- شيوع الفسق انتشار الفجور حتى زاد عدد البغايا على عدد المتزوجات فى بعض البلاد0
2- كثرة المواليد من السفاح إذا بلغت فى بعض البلاد أكثر من عدد المواليد من الزواج0
3- كثرة الأمراض البدنية والعقد النفسية والاضطرابات العصبية ، فقد ظهر الزهري والسيلان والإيدز0
4- تسربت عوامل الضعف والانحلال إلى النفوس 0
5- انحلت عرى الصلات الوثيقة بين الزوج وزوجته ، واضطربت الحياة الزوجية0
6- ضياع النسب الصحيح حتى أن الزوج لا يستطيع الجزم بأن الأطفال الذين يقوم بتربيتهم هم من صلبه0
المحرمات من النساء
التحريم نوعان: مؤبد ومؤقت 0
أسباب التحريم المؤبدة ثلاثة : النسب - المصاهرة-الرضاع0
أ- المحرمات من النسب :
1- الأمهات: الأم اسم لكل أنثى لها عليك ولادة، فيدخل فى ذلك: الأم وأمهاتها وجداتها وأم الأب وجداته وإن علون لقوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)(النساء: من الآية23)
2- البنات: البنت اسم لكل أنثى يرجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات ، فيدخل فى ذلك بنت الصلب وبناتها، وهي كل من ولدتها أو ولدت من ولدها ذكراً كان أو أنثى مثل: بنت الابن وبنت البنت0(1/28)
3- الأخوات: الأخت اسم لكل أنثى جاورتك فى أصليك أو فى أحدهما، سواء أكانت شقيقة أم لأب أم لأم ، وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تتزوج أخاها سواء أكان شقيقاً أم أخا لأب، أم أخا لأم0
4- العمات: العمة اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك فى أصليه ، أو فى أحدهما ، وقد تكون من جهة الأم وهي أخت أبي أمك0
5- الخالات: الخالة اسم لكل أنثى شاركت أمك فى أصليها أو فى أحدهما ، وقد تكون من جهة الأب ، وهي أخت أم أبيك0
6- بنات الأخ: بنات الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة ، بواسطة أو مباشرة، سواء أكان أخا شقيقاً ، أم أخا من أب ، أم أخا من أم0
7- بنات الأخت: بنت الأخت اسم لكل أنثى لأختك عليها ولادة، بواسطة أو مباشرة سواء كانت أختاً شقيقة أم أختاً لأب ، أو أختاً لأم0
والخلاصة: أن المرأة متى كانت أصلاً وفرعاً للشخص أو فرعاً لأحد أبويه أو جديه حرمت عليه تحريماً مؤبداً ، فمثلاً : عمتك حرام عليك أما ابنتها فقد انفصلت بدرجتين فهي حلال لك ، وخالتك حرام عليك ، أما ابنة خالتك فهي حلال لك ، لأنها انفصلت بدرجتين وهكذا ، ويحرم عمات أمك ، وعمات أبيك ، وخالات أمك خالات أبيك ، فكلهن يدخلن فى قول الله سبحانه: (وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ )
(النساء: من الآية23)
ب-التحريم بسبب المصاهرة :
(أي القرابة الناشئة بسبب الزواج) وهي أربع :
1- أم الزوجة وأم أمها ، وأم أبيها وإن علت: ولا يشترط فى تحريمها الدخول بها ، بل مجرد العقد يحرمها ،
والقاعدة : أصول زوجتك ، سواء أكنت دخلت بزوجتك أم لم تكن، فمجرد العقد على الزوجات، تحرم الأمهات لأنها أصبحت بمثابة الأم لك ، فلو طلقت زوجتك أو ماتت فإنها وجداتها محرمات عليك إلى أن تلقى الله0(1/29)
2- ابنة زوجتك التي دخلت بها : ويدخل فى ذلك بنات بناتها ، وبنات أبنائها وإن نزلن لقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ )(النساء: من الآية23)
الربائب : جمع ربيبة ، وهي بنت زوجتك من رجل آخر ، فلو أنك تزوجت ثيباً ودخلت بها ، ولها بنات من غيرك ، أو بنات أبناء ، أو بنات بنات، فلا يحل لك أن تتزوج واحدة منهن سواء بقيت أم لا ، أما القيد الذي جاء فى هذه الآية الكريمة (وربائبكم اللاتي في حجوركم) أي فى كنفكم ورعايتكم ، فذلك وصف لبيان الشأن الغالب0
أن من تزوج ثيباً ضم أولادها إليه، وقام على رعايتهن، فذلك لا وجوب عليه ، بل تبرعاً منه وليس ذلك بقيد فى الآية، بل خرج مخرج العادة الغالبة ولقد وضح العلماء قاعدة مهمة وهي:
العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات ، يحرم البنات :
3- زوجة الابن ، وابن ابنه وابن ابنته ، وإن نزل000 لقوله تعالى: (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُم)(النساء: من الآية23)
سواء أكان الابن قد دخل بها أم لا0
4- زوجة الأب : يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه ، بمجرد عقد الأب عليها ولو لم يدخل بها ، لقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (النساء:22) يعني ما قد مضى فى أيام الجاهلية قبل أن تعلموا تحريمه فى الإسلام فلا مؤاخذة عليكم به ، وذلك لأن العرب فى الجاهلية كانوا إذا مات الرجل وترك زوجته كان من حق أكبر أولاده من زوجه أخرى أن يتزوجها ،فنهاهم الإسلام عن ذلك ويدخل فى ذلك زوجة جدك من الأب أو الأم وإن علون ولو كان طلاقة لها ، أو موته عنها قبل الدخول بها0(1/30)
فتبين مما ذكرنا أن المحرمات بالمصاهرة هن محرمات على التأبيد ، وأنهن أربع ، ثلاث منهن يحرمن بمجرد العقد وهن: أم الزوجة وزوجة الأب وزوجة الابن وواحدة لا تحرم بمجرد العقد بل لا بد من الدخول وهي الربيبة0
ج- المحرمات بسبب الرضاع :
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أي يحرم الزواج من أجل الرضاع من أجل النسب ، فكل حاله ثبت تحريمها فى النسب يثبت تحريمها فى الرضاع0
عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد على ابنة حمزة فقال: "إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم". (م 1447)
والذي يحرم من النسب الأنواع السبعة : الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت وعلى هذا فتنزل المرضعة منزلة الأم ، وتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب ، فتحرم :
1- الأم المرضعة :لأنها بإرضاعها فقد أصبحت أماً للرضيع0
2- أم المرضعة : لأنها جدة له0
3- أم زوج المرضعة -صاحب اللبن- لأنها جدة كذلك0
4- أخت الأم: لأنها خالة الرضيع0
5- أخت زوجها -صاحب اللبن- لأنها عمته0
6- بنات بنتها وبناتها : لأنهن بنات أخوته وأخواته0
7- الأخت : سواء أكانت أختاً لأب وأم ، أو أخت الأم ، أو أختاً لأب (الأخت لأب وأم هي التي أرضعتها الأم بلبان الأب ، سواء أرضعت مع الطفل الرضيع أو رضعت قبله أو بعده ، والأخت من الأب :هي التي أرضعتها زوجة الأب ، والأخت من الأم : هي التي أرضعتها الأم بلبان رجل آخر0
الرضاع الذي يثبت به التحريم :
والرضاع هو: وصول لبن آدمية مخصوصة لجوف آدمي مخصوص على وجه مخصوص ، ويتحقق برضعة كاملة ، بأن يأخذ الصبي الثدي ويمتص منه اللبن ، ولا يتركه إلا طائعاً من غير عارض يعرض له فلو مص مصة أو مصتين فإن ذلك لا يحرم لأنه دون الرضعة0
عن عائشة أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحرم المصة ولا المصتان".
(م 1450)(1/31)
قليل الإرضاع وكثيره سواء فى التحريم عند : أبي حنيفة ومالك وأحمد فى رواية والأوزاعي والزهري والبصري والثوري والجمهور.
التحريم لايثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات عند: عبد الله بن مسعود وإحدى الروايات عن عائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء و طاووس والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وابن حزم وأكثر أهل الحديث.
التحريم يثبت بثلاث رضعات فأكثر عند: أبو عبيد وأبو ثور وداود الظاهري وابن المنذر ورواية عن احمد.
شروط الرضاع المحرم :
1- أن يكون من أمرأة در اللبن من ثدييها سواء أكانت بالغة أم غير بالغة ، يائسة من المحيض أم غير يائسة ، لها زوج أم لم يكن ، حاملاً أم غير حامل.
3- أن تكون المرأة قد بلغت تسع سنين.
4- أن يكون عمر الطفل دون السنتين بالسنين القمرية فإذا زاد لا يؤثر رضاعة.
5- أن ترضعه المرضعة خمس رضعات متفرقات.
6- وصول اللبن فى كل مرة إلى جوف الطفل.
7- أن يكون الطفل حياً أثناء وصول اللبن إلى جوفه.
أما رضاع الكبير فلا يحرم عند: الجمهور.
ويحرم عند: الليث وابن حزم و داود.
د-المحرمات مؤقتاً :
1- الجمع بين المحرمتين:
يحرم الجمع فى الزواج بين المرأة وأختها سواء كانت أختاً شقيقة أو غير شقيقة
لقوله تعالى:(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ )(النساء: من الآية23)
يحرم الجمع بين المرأة وعمتها0
يحرم الجمع بين المرأة وخالتها0
ويحرم الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها بالإجماع ، ولم يخالف فى هذا إلا الإمامية والخوارج0
كما حرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة ، لو كانت إحداهما رجلاً لم يجز له التزوج بالأخرى0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها0(خ5109 م1408)
2- زوجة الغير ومعتدته :
يحرم على المسلم أن يتزوج زوجة الغير أو معتد ته رعاية لحق الزوج 0(1/32)
لقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
(النساء: من الآية24)
3- المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً.
4- يحرم على المحرم أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة : ويعقد العقد باطلاً ، لا تترتب عليه آثاره الشرعية0
عن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب".
(م1409)
5-زواج الأمة مع القدرة على الزواج بالحرة لا يجوز إلا بشرطين: عدم القدرة على نكاح الحرة ، وخوف العنت (الزنا) لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النساء:25)
طولاً : سعة وقدرة.
المحصنات : الحرائر العفائف.
فتياتكم: إمائكم.
6- زواج الزانية لا يحل ، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بزان ، إلا أن يحدث كل منهما توبة:
قال الله تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور:3)
ينكح : يعقد.
دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بمن ظهر منه الزنا0(1/33)
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامسٍ قال: "غرِّبها". قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: "فاستمتع بها".(ص د2049)
يد لامس : تعطي من ماله وهو قول أحمد ، من الفجور وهو قول أبي عبيدة والخطابي والشوكاني.
غرِّبها: طلقها.
قال ابن القيم: وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولاً، فإن لم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان0
فلا يحل زواج الزانية أو الزاني قبل التوبة عند: أحمد ابن حزم وابن تيمية وابن القيم.
ويجوز للزاني عند : الحنفية والمالكية والشافعية.
7- زواج الملاعنة:لا يحل للرجل أن يتزوج المرأة التي لاعنها،فإنها محرمة عليه حرمة دائمة بعد اللعان0
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ - وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ - وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ - وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
(النور6-9) عن نافع عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين رجل وامرأته ، فانتفى من ولدها ، ففرق بينهما ، وألحق الولد بالمرأة. (خ5315 م1494)
8- زواج المشركة: لا يحل للمسلم أن يتزوج الوثنية ولا الزنديقة ، ولا المرتدة عن الإسلام ، ولا المعتنقة مذهباً من مذاهب الإلحاد0(1/34)
قال الله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(البقرة:221) زواج أهل الكتاب :
يحل للمسلم أن يتزوج الحرة من نساء أهل الكتاب ( النصرانيات واليهوديات)
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) (المائدة: من الآية5)
والزواج بالكتابيات وإن كان جائزاً إلا أنه مكروه ، لأنه لا يؤمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين فإن كانت حربية فالكراهية أشد لأنه يكثر سواد أهل الحرب0
ويرى البعض حرمة الزواج من الحربية0
والزواج من الصائبة لا يجوز0
زواج المجوسية لا يجوز، والمجوس قوم ليس لهم كتاب0
زواج المتعة
زواج المتعة : ويسمى الزواج المؤقت، وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوماً أو أسبوعاً أو شهراً زواج متعة0
وسمى بالمتعة لأن الرجل يتمتع بالزواج إلى الأجل الذي وقته ، وذلك مقابل شئ يعطيه للمرأة ، فإذا انقضى الأجل تفرقا من غير طلاق ولا ميراث فيها ، وهو زواج متفق علي تحريمة ، وإذا انعقد يقع باطلاً.
عن سبرة الجهني أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال : "يا أيها الناس أني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن اللّه قد حرم ذلك إلى يوم القيامة"0 (م1406)
زواج التحليل(1/35)
وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثاً بعد انقضاء عدتها ويدخل بها ثم يطلقها ليحللها للزوج الأول0وهذا النوع كبيرة من كبائر الإثم والفواحش حرمه الله ولعن فاعله0
عن أبي هريرة قال: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن المحلل والمحلل له".
(حم1/448 ص غليل1897)
نكاح الشغار
هو أن يزوج الرجل وليته رجلاً، على أن يزوجه الآخر وليته ، وليس بينهما صداق، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الزواج0
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَم"ِ.(م1415)
وَالشّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرّجُلُ لِلرّجُلِ: زَوّجْنِي ابْنَتَك أو أختك،على أنَ أُزَوّجُكَ ابْنَتِي أو أختي. وليس بينهما صداق ، وعقد الشغار لا ينعقد أصلاً وهو باطل عند : الجمهور0
الزواج العرفي:
وهو نوعان: نوع يكون مستوفياً لأركانه وشروطه ، ونوع لا يكون مستوفياً لذلك0
1- فالنوع الأول : إذا تم على هذه الصورة يكون عقداً صحيحاً شرعاً ، وتترتب عليه كل آثاره من حل التمتع ، وثبوت الحقوق لكل من الزوجين وللذرية الناتجة منه وكذلك التوارث عند الوفاة ، وغير ذلك من الآثار ، دون الحاجة إلى توثيقه ثوثيقاً رسمياً وكان ذلك هو السائد قبل أن توجد الأنظمة الحديثة لتقييد العقد وسماع الدعاوى والفضل فى المنازعات0
ويمكن إثبات هذا العقد أمام المحاكم بطرق الإثبات المعروفة ، وكان للتوثيق الرسمي أهميته فى حفظ الحقوق الزوجية ، ومنع سماع دعاوى الزواج الذي يتم لأغراض سيئة0
2-والنوع الثاني :يتم بعدة صور، منها أن تجرى صيغة العقد بين الرجل والمرأة دونه شهود على ذلك ، وهو الزواج السري ، ومنها ما يتم العقد أمام الشهود ولكن لفترة معينة0(1/36)
وهاتان الصورتان باطلتان باتفاق مذاهب أهل السنة ، لفقدان الإشهاد فى الصورة الأولى ، ولتحديد العقد بمدة فى الصورة الثانية ، لأن المفروض فى عقد الزواج أن يكون خالياً من التحديد بمدة ليتم السكن والاستقرار فىالأسرة0
وإذا كان النوع الثاني من الزواج العرفي باطلاً ومحرماً باتفاق مذاهب أهل السنة لعدم استكمال مقوماته ، فإن النوع الأول على الرغم من صحته ممنوع للآثار التي لا يقرها الشرع ، ومنها استيلاء صاحبة المعاش أو المتمتعة بامتيازات أو معونات أو حقوق على غير حقها الذي لا تستحقه بالزواج ، ومعلوم أن أخذ ما ليس بحق حرام ، فهو أكل للأموال بالباطل ، وظلم لمن يدفع هذا الحق ، أو لمن ضاع عليه حق بسبب مزاحمة الزوجة له ، وكل ذلك حرام0
الزواج السري :
هو نوع قديم من الزواج افترضه الفقهاء ، وبينوا معناه ، وتكلموا فى حكمه ، وقد أجمعوا على أن منه العقد الذي يتولاه الطرفان (الولي والزوج) دون أن يحضره شهود ، ودون أن يعلن ، دون أن يكتب فى وثيقة رسمية ، ويعيش الزوجان فى ظلمة مكتوماً ، لا يعرفه أحد من الناس سواهما ،وأجمعوا على أنه باطل لفقده شرط الصحة ، وهو الشهادة ، فإذا حضره شهود وأطلقت حريتهما فى الإخبار به لم يكن سراً ، وكان صحيحاً شرعاً تترتب عليه أحكامه ، أما إذا حضره الشهود وأخذ عليهم العهد بالكتمان، وعدم إشاعته والإخبار به ، فقد اختلف الفقهاء فى صحته بعد أن أجمعوا على كراهته0
تحديد النسل
لا يجوز منع النسل بأي وسيلة من الوسائل للأحاديث الدالة على الترغيب فى كثرة النسل:
عن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ قال: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إِنّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ وَحَسَبٍ وَأَنّهَا لا تَلِدُ أَفأَتَزَوّجُهَا ؟قال: "لاَ". ثُمّ أَتَاهُ الثّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمّ أَتَاهُ الثّالِثَةَ فقال: "تَزَوّجُوا الودود الْوَلُودَ فإِنّي مُكَاثِرُ بِكُم الأمم"0(ح د2050)(1/37)
الودود: أي التي تحب زوجها.
الولود: أي التي تكثر ولادتها.
قال الشوكاني فى الدراري 2/62 : لا يجوز العزل 0 أهـ
ويكره عند : الثوري.
عن جابر قَالَ:كنا نعزل على عهد رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل.(خ 5208 )
عن جابر. قال: كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فبلغ ذلك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - . فلم ينهنا.(م 1440)
العزل: هو أن ينزع الرجل بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج منعاً للحمل0
عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئا". ثم سألوه عن العزل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذلك الوأد الخفي".{وإذا الموؤدة سئلت}0 ( م1442 )
الغيلة : أن يجامع زوجته وهي مرضع.
ويجوز منع النسل للضرورة مثل :
1- إذا كان الرجل معيلاً ، ولا دليل على ذلك0
2- إذا كانت المرأة ضعيفة0
3- إذا خافت المرأة على جمالها ، وهو قول للغزالى ، ولا دليل على ذلك0
ولا يحل إسقاط الجنين بعد مضي 120 يوماً من استقرار النطفة فى الرحم ، وقبل هذه المدة يباح أن وجد ما يستدعى ذلك0
الإيلاء
الإيلاء : الامتناع باليمين من وطء الزوجة0
ويستوي فى ذلك اليمين : بالله أو بالصوم أو الصدقة أو الحج أو الطلاق0
وقت الله تعالى للإيلاء مدة أربعة أشهر ، يتروى فيها الرجل، عله يرجع إلى رشده، فإن رجع وحنث فى اليمين ، ولامس زوجته كفر عن يمينه ، وإلا طلق زوجته0(1/38)
قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة226-227) فإن فاء الفئ : الرجوع باللسان ، وقيل: الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع ، ولفظ الفئ ندمت على يمين ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يمين ونحوه0
فمدة الإيلاء أربعة أشهر وبعد انقضائها إما الفيئ وإما الطلاق0
فإذا حلف ألا يقرب زوجته ، فإن مسها فى الأربعة أشهر انتهى الإيلاء ولزمته كفارة اليمين.
وإذا مضت المدة ولم يجامعها ، فللزوجة أن تطالبه : إما بالوطء وإما بالطلاق.
عن ابن عمر قال: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق0 (خ 5291)
عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرا0(خ5201)
عن جابر: أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتزل نساءه شهراً.(م1478)
التبرج
التبرج : هو تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه، وأصله الخروج من البرج، وهو القصر، ثم استعمل فى خروج المرأة من الحشمة0(1/39)
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ - وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور30-31)
ذلك أزكى لهم : أي أطهر لقلوبهم وأتقى لدينهم وأبعد عن دنس الآثام0
عن جرير البجلي قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري. ( م 2159)
عن ابنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ رَفَعَهُ قالَ: يَا عَلِيّ لا تُتْبِعِ النّظْرَةَ النّظْرَةَ، فَإِنّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْستْ لَكَ الاَخِرَة0 (ح ت2777)
عن أبي سعيد قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوس في الطرقات" ، فقالوا: ما لنا بد ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال : "فإذا أبيتم إلا المجالس ، فأعطوا الطريق حقها"، قالوا: وما حق الطريق؟. قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر".(خ 2465 م 2121)(1/40)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُتِبَ عَلَىَ ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَة فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النّظَر وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَم وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَىَ وَيَتَمَنّىَ وَيُصَدّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذّبُه"0 (مختصر م 1850 ص ج 4476)
عن ابن عباس قال: كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاءت امرأة من خثعم ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا ، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه، قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع. (خ1855)
قال ذكوان: لا تجالسوا أولاد الأغنياء ، فإن لهم صوراً كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذاري0
قال ابن شجاع: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحرمات واعتاد أكل الحلال لم تخطىء فراسته أبداً .
قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت فى قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها * فى أعين العين موقوف على الخطر
يسر ناظره ما ضر خاطره * لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
عن جرهد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ به - وهو كاشف عن فخذه - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "غط فخذك، فإنها من العورة"0 (ص ت2795)
عورة الرجل ما بين السرة والركبة ، والمرأة كلها عورة0
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّة"0 (خ6474)(1/41)
ومن دواعي الزنا ومن الأسباب التي تؤدي إليه :
أ-الخلوة:
عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والدخول على النساء" ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟. قال: "الحمو الموت".
(خ5232 م2172)
الحمو: القريب 00 مثل:ابن العم وابن الخال وأخو الزوج ، أي فلتمت الزوجة ولا تفعلن ذلك.
ب-المصافحة :
عن عائشة قالت : والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك.( خ 2713)
عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إنّي لاَ أُصَافِحُ النّسَاء"0
(حم6/357 ص صحيحة 529)
عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"0
(الروباني فى مسنده2/227ج صحيحة226)
قال الألباني فى السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم 226: وفى الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك ، وقد بلي بها كثير من المسلمين فى هذا العصر فيهم بعض أهل العلم ، ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم ، لهان الخطب بعض الشيء، ولكنهم يستحلون ذلك بشتى الطرق والتأويلات ، وقد أبلغنا أن شخصية كبيرة جداً فى الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء ، فإلى الله المشتكي فى غربة الإسلام0
وأما النظر إلى الفروج :
عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قلت يا نبي اللّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. (ح د4017)
عن أبي سعيد أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد".(م 338)
وأما اللواط :(1/42)
قال تعالى: (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ - أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (العنكبوت28-29)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"0( ص د 4462)
وأما السحاق :
هو مباشرة المرأة ، المرأة، وهو محرم بالاتفاق0
وجه المرأة عورة وبه قال كثير من المفسرين :
الدليل الأول : قال تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )
(النور: من الآية31)
قال ابن تيمية : الخمر التي تغطي الوجه والرأس والعنق ، والجلاليب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان0
قال ابن باز : وأما ما يرى عن ابن عباس أنه فسر (إلا ما ظهر)بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب0
قال الشنقيطي: ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها.
الدليل الثاني : قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ )
(الأحزاب: من الآية59)
قال الطبري: أي يغطين وجوههن ورءوسهن 0
الدليل الثالث: قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب: من الآية33)
قال المفسرون : وفيه دليل على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج ، يسكن فى البيوت ولا يتحركن ولا يتبرجن منها ، والأمر وإن كان لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد دخل غيرهم فيه بالمعنى وهو قول: البرسوي والجصاص وابن العربي والقرطبي والمراغي ومخلوف وغيرهم 0(1/43)
فالمرأة لا تخرج إلا لضرورة مثل: صلة الرحم أو التداوي أو لأمر ضروري مباح0
وإذا خرجت فلا تخرج متبرجة0
الدليل الرابع : قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )(الأحزاب: من الآية53)
نص واضح فى وجوب تحجب النساء عامة لأنه أطهر لقلوب الرجال والنساء ،هذه قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقل أحد أن غير أزواجه لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقد تقرر فى الأصول أن العلة قد تعمم معلولها0
وهو قول الجصاص وابن العربي والقرطبي وابن كثير والبروسوي والنسفي والشوكاني والسيوطي والشنقيطي0
وأما الأدلة من السنة فكثيرة جداً منها :
عنْ عَبْدِ الله عنِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:"الْمَرْأَةُ عَوْرَة فَإِذَا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشّيْطَان".
(ص ت1173)
هذا الحديث يدل على أن جميع أجزاء المرأة عورة فى حق الرجال ، وسواء فى ذلك وجهها وغيره من أعضائها0
عن ابنِ عُمَرَ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ الْمحَرمةُ وَلا تَلْبَسُ الْقُفّازَيْن". (خ 1838)
قال ابن العربي : وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا فى الحج0
قال ابن تيمية فى الفتاوى 15/37: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين فى النساء اللآتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن0
عن عائشة قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات فإذا حاذوا بنا اسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه.
(د1833 ح بغوي7/240)
وهذا صريح فى شمول الحجاب للوجوه ، بل يفيد بأن تغطية الوجوه كما هو المقصود ، وحكمه عام لجميع النساء ، فإذا حدث هذا فى الإحرام فهو فى غيره أولى0
عن أسماء قالت : كنا نغطي وجوهنا من الرجال، كنا نمتشط قبل ذلك فى الإحرام.(خز 4/203 ص خز 269 )(1/44)
وقيل دليل على أن عمل النساء فى زمن الصحابة كان على تغطية الوجوه من الرجال الأجانب.
اللذين قالوا بوجوب تغطية الوجه :
1-ابن مسعود 2-ابن سيرين 3-النخعي 4-البصري 5-ابن جبير
6-عطاء 7-قتادة 8 -مالك 9-الشافعية 10-الحنابلة
11-ابن عطية 12-الرازي 13-ابن تيمية 14-النيسابوري 15-البغوي
16-ابن حجر 17-الشوكاني 18-القنوجي 19-المودودي 20-الشنقيطي
21-ابن باز 22-ابن عثيمين
الذين قالوا بجواز كشف الوجه :
1-ابن عباس 2-ابن عمر 3-أنس 4-مجاهد
5-الضحاك 6-ابن المسيب 7-عكرمة 8-أبو حنيفة
9-الشافعي 10-أحمد 11-الأوزاعي 12- الطبري
13-القرطبي 14-الزمخشري 15-ابن حزم 16-الألباني
شبهات والرد عليها :
1- حديث : "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه"0 ( د1404 ضعيف)
هذا الحديث مرسل لأنه فيه خالد بن دريك لم يدرك عائشة ، وفيه سعيد بن بشير متروكاً ،وضعفه أحمد وابن معين وابن المدينى والنسائي وغيرهم، وفيه قتادة وهو مدلس وقد عنعنه ،وفيه الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنعنه ،وطرق الحديث ضعيفة.
فاجتمع فيه ضعف الرواة ، والانقطاع ،والتدليس.
وعلى فرض صحته أو تقويته بالشواهد ، فمن العلماء من حمله على أنه كان قبل الأمر بالحجاب مثل:ابن تيمية والقاري والشنقيطي ،ومنهم من ذهب إلى التأويل
2- حديث سفعاء الخدين:قال الشنقيطي وغيره، لا يلتزم كشفها عنه قصداً ، وكم من امرأة سقط خمارها عن وجهها من غير قصد فيراه بعض الناس0
3- قوله تعالي: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) يغضوا من أبصارهم: وحديث: يا علي لا تتبع النظرة ، النظرة0
وحديث: نظرة الفجأة0
إن المدينة كان فيها نساء اليهود والسبايا والإماء ونحوهن فأمروا بغض البصر عنهن0
4- حديث الفضل: أنكر عن الفضل بأن لوى عنقه ، وكان قبل نزول الأمر بإدناء الجلاليب ، وهي محرمة وإحرامها فى كشف وجهها0(1/45)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".(م 2128)
شروط الحجاب :
1- استيعاب البدن إلا ما استثنى ( إلا ما ظهر منها ).
2- أن لا يكون زينة فى نفسه (ولا يبدين زينتهن ).
3- أن يكون صفيقاً لا يشف (كاسيات عاريات).
4- أن يكون فضفاضاً غير ضيق حتى لا يصف الجسم0
5- أن لا يكون مبخراً مطيباً 0
عَنِ الأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَيّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَة"ٌ.( ص حم 19599)
6- أن لا يشبه لباس الرجل:
عن ابن عباس قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. (خ5885)
7- أن لا يشبه لباس الكافرات :
عن ابنِ عُمَرَ قالَ : قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ تَشَبّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم".
(ص د4031)
8- أن لا يكون لباس شهرة :
عَنْ ابْنِ عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارا"ً.(ح د4029)
قال تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ )(النور: من الآية31)
الذين قالوا بوجوب تغطية الوجه قالوا: إن المراد بالزينة هنا الوجه والكفان0
والذين قالوا بعدم وجوب تغطية الوجه قالوا: إن المراد بالزينة هنا الذراعان والساقان والصدر والشعر والرأس والعنق0
ولا يبدين زينتهن إلا :
لاثنى عشر صنفاً من الناس : يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام :(1/46)
الزوج - المحارم وهم سبعة -أصناف أخرى وهم أربعة 0
1- لبعولتهن: أزواجهن. ويجوز له أن ينظر إلى جميع بدنها ويكره النظر إلى الفرج0
2- أو آبائهن: الأب يصون عرض ابنته ، والآباء وإن علون من آباء الآباء وآباء الأمهات0
3- أو آباء بعولتهن: أب الزوج يحفظ على ابنه ما يسوءه، وهو بمثابة أبيها0
4- أو أبنائهن: ابن الزوجة ، الأبناء وإن نزلوا من أبناء الأبناء وأبناء البنات ويدخل هنا الابن من الرضاعة0
5- أو أبناء بعولتهن:ابن الزوج ، لأن شأنه الخدمة وهو بمنزلة الابن للزوجة0
6- أو أخوانهن: أخ الزوجة سواء أكان شقيقاً أم لأب أم لأم ويدخل هنا الأخ من الرضاعة0
7- أو بني إخوانهن : ابن الأخ للزوجة فهي عمته ، ويلحق بهم الأعمام0
8- أو بني أخواتهن: ابن أخت الزوجة فهي خالته ، ويلحق بهم الأخوال0
9- أو نسائهن: النساء المسلمات دون نساء أهل الذمة ، لئلا تصفهن لرجالهن، فأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام0
عن ابن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".(خ 5240، 5241)
تباشر: من المباشرة وهي الملامسة في الثوب الواحد، فتحس بنعومة بدنها وغير ذلك، وقد يكون المراد مطلق الاطلاع على بدنها، مما يجوز للمرأة أن تراه ولا يجوز أن يراه للرجل.
فتنعتها: فتصفها.
كأنه ينظر إليها: لدقة الوصف وكثرة الإيضاح.
10- أو ما ملكت أيمانكم: الرقيق من الرجال والنساء عند الأكثرين0
11- أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال: كالأجراء والأتباع الذين ليسوا بأكفاء والمغفلون الذين لا شهوة لهم والأبله والمخنث والعنين والمجبوب والخصى والأحمق0
12- أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء: الطفل الصغير الذي لا يفهم أحوال النساء وعوراتهن ، أما إن كان يفهم فلا0
فمحارم النساء سبعة:الأب، أب البعل، الابن، ابن البعل، الأخ، ابن الأخ،ابن الأخت0(1/47)
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن: كانت المرأة فى الجاهلية تضرب برجلها الأرض ليسمع الرجال صوت خلخالها ، ومن ذلك التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها0
عَنِ الأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَيّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ"0 (ص حم 19599)
زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -
1- خديجة :
تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فى ريعان شبابه فى الخامسة والعشرين من عمره ، وكانت أيماً فى سن الأربعين وظل معها وحدها حتى تجاوزت الخامسة والستين وماتت وهو فوق الخمسين0
عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة ، هلكت قبل أن يتزوجني ، لما كنت أسمعه يذكرها ، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن.(خ 3816 م2435)
قصب : لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف.
خلائلها : صديقاتها.
مايسعهن: ما يشبعهن.
2- سودة :
وهي الزوجة الثانية أسلمت وهاجرت مع زوجها الأول إلى الحبشة وبعد العودة مات زوجها ، وليس من أهلها من آمن بالله ورسوله سواها، فلما أوشكت أن تتعرض للفتنة والإيذاء من قومها ، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 0
3-عائشة :
أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوثق عرى المحبة بينه وبين أبي أبى بكر فخطب ابنته عائشة وهي قاصر لم تكن أهلاً يومئذ للزواج وكانت البكر الوحيد بين نسائه0(1/48)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة ، فنزلنا في بني الحارث بن خزرج ، فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان ، وإني لفي أرجوحة ، ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها ، لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار ، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى ، فأسلمتني إليه ، وأنا يومئذ بنت تسع سنين.(خ3894 م 1422)
فوعكت: أصابني الوعك ، وهو الحمى.
فوفي: نما وكثر.
جميمة: وهي ما وصل من الشعر إلي المنكبين.
أم رومان: كنية أم عائشة رضي الله عنها.
لأنهج: أتنفس تنفسا عاليا.
خير طائر: قدمت على خير أو حظ ونصيب.
فأصلحن من شأني: أي مشطنها وزينها.
فلم يرعني: لم يفاجئني.
4-حفصة :
وهي بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما0(1/49)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحدث: أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو تركها لقبلتها. (خ 4005)
تأيمت: مات عنها زوجها.
أوجد : أشد غضباً.
5- أم سلمة :
عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم ! أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها – إلا أخلف الله له خيرا منها" . قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم إني قلتها. فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت: أرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له. فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور. فقال أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها. وأدعو الله أن يذهب بالغيرة0 (م 918)
اللهم أجرني : أعطني أجري.
6- زينب :(1/50)
بنت عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومطلقة دعيه ومتبناه زيد بن حارثة ، تزوجها ليبطل بزواجه منها عادة التبني ، وعادة حرمة الزواج من زوجة الابن بالتبني ، ولم يتزوجها برغبته وميله ، ولكن الله هو الذي زوجه أياها0
قال تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)(الأحزاب: من الآية37)
7- أم حبيبة :
بنت أبي سفيان زعيم قريش ، وخصم المسلمين من أول مرة ، وأمها هند بنت عتبة بن ربيعة عدوة الإسلام الأولى 0
عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد اللّه بن جحش فمات بأرض الحبشة، فزوّجها النجاشيُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمهرها عنه أربعة آلاف [درهمٍ] وبعث بها إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - مع شرحبيل ابن حسنة. (ص د2107)
8-جويرية :
جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وأرملة مسافح بن صفوان، من ألد أعداء الإسلام0(1/51)
عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له وكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أتسعينك على كتابتي قال: "فهل لك في خير من ذلك". قالت: وما هو يا رسول الله قال: "أقضي كتابتك وأتزوجك". قالت: نعم يا رسول الله. قال : "قد فعلت". قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج جويرية بنت الحارث. فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا ما بأيديهم قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.( ص حم 26243)
9- صفية :
بنت حيي بن أخطب ، أرملة ابن أبي الحقيق.
عن أنس قال: قدمنا خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن، ذكر له جمال صفية بنت حيي ابن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسا ، فاصطفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت، فبنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم صنع حيسا في نطع صغير، ثم قال: "آذن من حولك". فكانت تلك وليمته على صفية ، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يحوي لها وراءه بعباءة ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته ، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب0 ( خ 1837 م1410)
10- ميمونة :(1/52)
ميمونة بنت الحارث الهلالية ، خالة خالد بن الوليد وهي آخر امرأة تزوجها وكان زواجه بها سبباً فى حب قومها الإسلام 0
عن ابنِ عَبّاسٍ : أَنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ وهُوَ مُحْرِمٌ . (خ1837)
11- زينب بنت خزيمة :
كان زوجها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب من أبطال بدر ، فلما استشهد ، ولم يعد لها من يعولها ، تزوجها مكافأة لها على إسلامها وجهادها وصبرها ولم تعمر بعد زواجها إلا شهرين0
12- مارية القبطية:
قد كانت جارية ومملوكة بملك يمين ومع ذلك امتازت بشرف الأمومة لابنه إبراهيم0(1/53)
الكتاب الحادي عشر
الطلاق
الطلاق : هو حل رابطة الزواج ، وإنهاء العلاقة الزوجية0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منَّا من خبَّب امرأةً على زوجها، أو عبداً على سيده"0 (ص د2175)
خبب امرأة على زوجها: أي خدعها وأفسدها عليه.
وقد يحدث أن بعض النسوة يحاول أن يستأثر بالزوج ويحل محل زوجته0
والإسلام ينهي عن ذلك أشد النهي0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح، فإنما لها ما قُدِّر لها". (ص د2176)
صحفتها: أي لتخلي عصمة أختها من الزوج ، ولتحظى بزوجها ، ولها أن تتزوج زوجاً آخر0
الزوجة التي تطلب الطلاق من غير سبب حرام عليها رائحة الجنة0
عن ثوبان قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأةٍ سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنة"0 (ص د2226)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 6/262: فيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريماً شديداً لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل لها أبداً وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ منادياً على فظاعته وشدته.
والطلاق محظور إلا لحاجة ولا يحل إلا لضرورة وهو كفران لنعمة الله ، وكفران النعمة حرام0
الطلاق عند اليهود :
يباح عندهم الطلاق بغير عذر كرغبة الرجل بالتزوج بأجمل من امرأته ، ولكنه لا يحسن بدون عذر.
والأعذار عندهم هي عيوب الخلقة وعيوب الأخلاق0
الطلاق عند النصارى :
1-المذهب الكاثوليكي :
يحرم الطلاق تحريماً باتاً ولا يبيحه لأي سبب مهما عظم شأنه حتى الخيانة الزوجية لا تعد مبرراً للطلاق ، بل يتفرقاً جسمياً 0
2-المذهب الأرثوذكسي ، والمذهب البروتستنتي :
يبيحان الطلاق فى بعض الحالات كالخيانة الزوجية ، ولكنهما يحرمان علي الرجل والمرأة أن يتزوجا بعد ذلك0
والنصارى لا يبيحون التعدد بأي حال0(1/1)
الطلاق فى الجاهلية :
كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها ، وهي امرأته إذا راجعها وهي فى العدة ، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر ، واستمر هذا حتى نزل قول الله تعالى:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )(البقرة: من الآية229)
الطلاق من حق الرجل وحده :
لأن الرجل أحرص علي بقاء الزوجة التي أنفق في سبيلها المال ، فإذا طلق عليه أن يعطي المطلقة مؤخر المهر ومتعة الطلاق وأن ينفق عليها في مدة العدة.
من يقع الطلاق منه :
يقع الطلاق من الزوج العاقل البالغ المختار وهو الذي يجوز له أن يطلق ، فإذا كان مجنوناً أو صبياً أو مكرهاً فإن طلاقه يعتبر لغواً 0
فعن عَلِيّ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفِعَ الْقَلمُ عن ثَلاَثَةٍ: عن النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ، وَعن الصّبِيّ حتّى يَحْتَلِمَ، وَعن المَجْنُونِ حَتّى يَعْقِل"َ. (ص د 4403)
1- طلاق المكره :
المكره لا إرادة له ولا اختيار ، والإرادة والاختيار هما أساس التكليف0
فمن أكره علي كلمة الكفر فلا يكفر لقوله تعالى: (إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)(النحل: من الآية106)
ومن أكره على الإسلام لا يصبح مسلماً ، ومن أكره على الطلاق لا يقع طلاقه.
قال ابن حزم فى المحلى مسألة 1966: وطلاق المكره غير لازم له0
عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"0(ص هـ 2045)
فطلاق المكره لا يقع عند : مالك والشافعي وأحمد وداود وابن حزم وهو الراجح.
ويقع عند : أي حنيفة وأصحابه.
2- طلاق السكران :
اختلف العلماء في وقوع طلاق السكران علي قولين:
الأول : يقع لأنه المتسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته.
وهذا عند : جمهور الفقهاء.(1/2)
الثاني : لا يقع عند :الشافعي فى قول وأحمد فى رواية والظاهرية والليث وإسحق وأبي ثور والطحاوي والكرخي والشوكاني وابن تيمية وهو الراجح.
و الدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لماعز لما جاء فأقر بالزنا: "أبك جنون؟ أشربت خمراً؟ ".
(م 1695)
فجعل السكر كالجنون في إسقاط العقوبة.
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن السكران غائب العقل هل يحنث إذا حلف أم لا ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين هذه المسألة فيها قولان للعلماء ، أصحهما أنه لا يقع طلاقه فلا ينعقد يمين السكران،ولا يقع به طلاق إذا طلق، وهذا ثابت عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ولم يثبت عن الصحابة خلافه فيما أعلم ، وهو قول كثير من السلف والخلف ، كعمر بن عبد العزيز وغيره، وهي إحدى الروايتين عن أحمد : أختارها طائفة من أصحابه ، وهو القول القديم للشافعي، واختاره طائفة من أصحابه وهو قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة كالطحاوي وهو مذهب غير هؤلاء.
3- طلاق الغضبان :
والغضب ثلاثة أقسام :
أ- ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال : وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع0
ب- ما يكون فى مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده ، فهذا يقع طلاقه0
ج- أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ، ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زاد ، فهذا محل نظر وعدم الوقوع فى هذه الحالة قوى متجة0
فعن عائشة قالت : سمعت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".
(ح د2193)
4- طلاق الهازل والمخطئ:
والهازل هو الذي يتكلم من غير قصد للحقيقة ، بل على وجه اللعب ، ونقيضه الجاد0
قال الله تعالى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:227) والعزم إرادة جازمة بفعل المجزوم عليه أو تركه0
وهذه الآية حجة ظاهرة لمن قال بأن الهازل لا يقع طلاقه0(1/3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة". (ح د2194)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 6/278: الحديث يدل على أن من تلفظ هازلاً بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق وقع منه ذلك 0
وطلاقه يقع عند : جمهور الفقهاء وهو الراجح.
ولا يقع عند: مالك فى رواية وأحمد فى رواية والصادق والباقر والناصر.
من يقع عليها الطلاق
لا يقع الطلاق على المرأة إلا إذا كانت محلاً له ، وإنما تكون محلاً له فى الصور الآتية :
1- إذا كانت الزوجيةُ قائمةً حقيقةً.
2- إذا كانت معتدةً من طلاقٍ رجعي ، أو معتدة من طلاق بائن بينونة صغري.
3- إذا كانت المرأة فى العدة الحاصلة بالفرقة التي تعتبر طلاقاً ، كأن تكون الفرقة بسبب إباء الزوج الإسلام إذا أسلمت زوجته ، أو كانت بسبب الإيلاء وهو قول الأحناف.
4- إذا كانت المرأة معتدة عن فرقة اعتبرت فسخاً لم ينقض العقد من أساسه ولم يزل الحل كالفرقة بردة الزوجة ، لأن الفسخ فى هذه الحالة إنما كان لطارئ طرأ يمنع بقاء العقد بعد أن وقع صحيحاً0
من لا يقع عليها الطلاق
إن الطلاق لا يقع على المرأة إلا إذا كانت محلاً له ، فإذا لم تكن محلاً له فلا يقع عليها الطلاق0
فالمعتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة أو لنقص المهر عن مهر المثل ، أو لخيار البلوغ أو لظهور فساد العقد بسبب فقد شرط من شروط صحته ، لا يقع عليها الطلاق لأن العقد فى هذه الحالات قد نقض من أصله ، فلم يبق له وجود فى العدة ، فلو قال الرجل لامرأته: أنت طالق ، وهي فى هذه الحالة ، فقوله لغو لا يترتب عليه أي أثر0
وكذلك لا يقع الطلاق على المطلقة قبل الدخول وقبل الخلوة بها خلوة صحيحة ، لأن العلاقة الزوجية بينهما قد انتهت ، وأصبحت أجنبية بمجرد صدور الطلاق ، فلا تكون محلاً للطلاق بعد ذلك ، لأنها ليست زوجته ولا معتدته0(1/4)
فلو قال لزوجته غير المدخول بها حقيقة أو حكماً : أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وقعت الأولى فقط طلقة بائنة ، لأن الزوجية قائمة0
أما الثانية والثالثة : فهما لغو لا يقع بهما شئ لأنهما صادفتاها وهي ليست زوجته ولا معتدته حيث لا عدة لغير المدخول بها0
وكذلك لا يقع الطلاق على أجنبية لم تربطها زوجية سابقة ، فلو قال لامرأة لم يسبق له الزواج بها ، أنت طالق يكون كلامه لغواً لا أثر له ، وكذلك الحكم فيمن طلقت وانتهت عدتها ، لأنها بانتهاء العدة تصبح أجنبية عنه0
ومثل ذلك المعتدة من طلاق ثلاث ، لأنها بعد الطلاق الثلاث تكون قد بانت منه بينونة كبري، فلا يكون للطلاق معنى0
ما يقع به الطلاق
يقع الطلاق بكل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية ، سواء أكان ذلك باللفظ ، أم بالكتابة إلى الزوجة ، أم بالإشارة المفهمة من الأخرس ، أو بإرسال رسول0
قال الشوكاني فى الدراري2/72:
ويقع بالكناية مع النية وبالتخيير إذا اختارت الفرقة، وإذا جعله الزوج إلى غيره وقع منه ، ولا يقع بالتحريم ، والرجل أحق بامرأته فى عدة طلاقها يراجعها متى شاء إذا كان الطلاق رجعياً ، ولا تحل له بعد الثلاث حتى تنكح زوجاً غيره0
الطلاق باللفظ :
اللفظ إما أن يكون صريحاً بأن يفهم من معنى الكلام مثل :أنت طالق، وكل ما اشتق من لفظ الطلاق0
ويقع بألفاظ ثلاثة : الطلاق والفراق والسراح ، وهي المذكورة فى القرآن هو قول الشافعي والظاهرية0
الصريح يقع به الطلاق من غير احتياج إلى نية لظهور دلالته0
وإما أن يكون كناية :
أي ما يحتمل الطلاق وغيره مثل : أنت بائن ، فهو يحتمل البينونة عن الزواج، كما يحتمل البينونة عن الشر0
ومثل: أنت علي حرام ، فهي تحتمل حرمة المتعة بها، وتحتمل حرمة إيذائها0
والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية وهو قول مالك والشافعي وهو الراجح0(1/5)
عن عائشة رضي الله عنها: أن ابنة الجون ،لما أدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودنا منها قالت: "أعوذ بالله منك" ،فقال لها: "لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك".(خ 5254)
أفاد الحديث أن هذا اللفظ يكون طلاقاً مع القصد ، ولا يكون طلاقا مع عدمه0
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 6/289:
أن الرجل إذا قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة.
هل تحريم المرأة يقع طلاقاً
التحريم نوعان :
1-تحريم العين لا يقع الطلاق به:
عنْ عَائِشَةَ قالَتْ: آلَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِه، وحَرّمَ. فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلاَلاَ، وَجَعَلَ في الْيَمينِ كَفّارةً. (ص ت1201)
أي جعل الشيء الذي حرمه حلالاً بعد تحريمه0
عن ابْنَ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ، فِي الْحَرَامِ:" يَمِينٌ يُكَفّرُهَا". ( م 1473)
2-تحريم بقصد الطلاق:
ويقع به الطلاق لأن لفظ التحريم كناية0
الحلف بأيمان المسلمين
من حلف بأيمان المسلمين ثم حنث ، فإنه يلزمه كفارة يمين عند : الشافعية.
ويستغفر الله عند : الأبهري
الطلاق بالكتابة
والكتابة يقع بها الطلاق ، ولو كان الكاتب قادراً على النطق.
فكما أن للزوج أن يطلق زوجته باللفظ ، فله أن يكتب إليها الطلاق.
واشترط الفقهاء: أن تكن الكتابة واضحة مرسومة.
ومعنى كونها مرسومة: أي مكتوبة بعنوان الزوجة بأن يكتب إليها: يا فلانة أنت طالق0
إشارة الأخرس
ويقع الطلاق من الأخرس بالإشارة التي تدل على قصده فى إنهاء العلاقة الزوجية ، ويشترط ألا يكون عارفاً الكتابة ولا قادراً عليها0
إرسال رسول
ويقع الطلاق بإرسال رسول ليبلغ الزوجة الغائبة بأنها مطلقة0
الإشهاد على الطلاق
الطلاق من حقوق الرجل فيقع بدون إشهاد ، ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه0(1/6)
ولم يرد نص يدل على مشروعية الإشهاد 0
والإشهاد شرط فى صحة الطلاق عند :الإمامية والباقر والصادق والسيوطي وابن كثير والبغوى واحتجوا بقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ )(الطلاق: من الآية2)
وتأويلها عند الآخرين بأن الإشهاد هنا على الرجعة0
والإشهاد واجب عند : الباقر والصادق والشيعة وابن حزم.
التنجيز والتعليق :
صيغة الطلاق المنجزة وهي التي ليست معلقة على شرط ، ولا مضافة إلى زمن مستقبل، بل قصد بها من أوقعها وقوع الطلاق فى الحال ، كأن يقول الزوج لزوجته : أنت طالق0
وحكم هذا الطلاق أنه يقع فى الحال متى صدر من أهله وصادف محلاً له0
الطلاق المعلق :
هو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلقاً على شرط مثل أن يقول الزوج لزوجته: إن ذهبت إلى مكان كذا فأنت طالق0
ويشترط لوقوع الطلاق المعلق ثلاث شروط :
1- أن يكون على أمر معدوم ، ويمكن أن يكون بعد ، فإن كان على أمر موجود فعلا حين صدور الصيغة مثل أن يقول: إن طلع النهار فأنت طالق، والواقع أن النهار قد طلع فعلاً ، كان ذلك تنجيزاً وإن كان فى صورة التعليق0
فإن كان تعليقاً على أمر مستحيل كان لغواً مثل: إن دخل الجمل فى سم الخياط فأنت طالق0
2- أن تكون المرأة حين صدور العقد محلا لطلاق بأن تكون فى عصمته0
3- أن تكون كذلك حين حصول المعلق عليه0
التعليق قسمان :
1- يقصد به ما يقصد من القسم للحمل على الفعل أو الترك أو تأكيد الخبر ، ويسمى التعليق القَسَمي0
مثل أن يقول لزوجته: إن خرجت فأنت طالق ، مريداً بذلك منعها من الخروج إذا خرجت لا لإيقاع الطلاق0
2- يقصد منه إيقاع الطلاق عند حصول الشرط، ويسمى التعليق الشرطي 0
مثل أن يقول لزوجته : إن أبرأتني من مؤخر صداقك فأنت طالق0
وهذا التعليق بنوعيه واقع عند : الجمهور0
ولا يقع عند : ابن حزم.
والتعليق القَسَمي لا يقع وفيه كفارة يمين عند : ابن تيمية وابن القيم0(1/7)
والتعليق الشرطي يقع عند : ابن تيمية وابن القيم.
إذا أراد أن يطلقها عقوبة لها كما يقول : إن خنت فأنت طالق فقد وقع الطلاق عند : الجمهور0
الحلف بالطلاق:
لا يوجب طلاقاً وإنما يجزيه كفارة يمين عند : ابن تيمية
قال ابن تيمية فى فقه النساء فى الطلاق ص 223:
وأما صيغة القسم فهو أن يقول: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا ، أو لا أفعل كذا ، فيحلف به على حض لنفسه أو لغيره ، أو منع لنفسه أو لغيره، أو على تصديق خبر أو تكذيبه فهذا يدخل فى مسائل الطلاق والأيمان فإن هذا يمين باتفاق أهل اللغة : فإنها صيغة قسم ، وهو يمين أيضاً فى عرف الفقهاء، لم يتنازعوا فى أنها تسمى يميناً ولكن تنازعوا فى حكمها فمن الفقهاء من غلب عليها جانب الطلاق فأوقع به الطلاق إذا حنث، منهم من غلب عليه جانب اليمين فلم يوقع به الطلاق، بل قال عليه كفارة يمين ، أو قال لا شئ عليه بحال0
الطلاق السني والبدعي
طلاق السنة:
هو أن يطلق الزوجُ المدخولَ بها طلقة واحدة، فى طهر لم يمسسها فيه0
قال الله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )
(البقرة: من الآية229)
أي أن الطلاق المشروع يكون مرة يعقبها رجعة ، ثم مرة ثانية يعقبها رجعة، كذلك إن المطلق بعد ذلك يكون له الخيار ، بين أن يمسكها بمعروف أو يفارقها بإحسان0
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )
(الطلاق: من الآية1)
أي إذا أردتم تطليق النساء، فطلقوهن مستقبلات العدة، وإنما تستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض، أو نفاس، وقبل أن يمسها ، وحكمة ذلك أن المرأة إذا طلقت وهي حائض لم تكن فى هذا الوقت مستقبلة العدة فتطول عليها العدة لأن بقية الحيض لا تحسب منها وفيه إضرار بها ، وإن طلقت فى طهر مسها فيه، فإنها لا تعرف هل حملت أم لم تحمل، فلا تدري بما تعتد، أتعتد بالإقراء أم بوضع الحمل0(1/8)
عن عبد الله بن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتغيظ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمره الله"0 (خ 4908 )
عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:"مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملا"0 ( م1471)
الطلاق البدعي :
وهو الطلاق المخالف للمشروع ، كأن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة0
أو يطلقها ثلاثاً متفرقات فى مجلس واحد كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو يطلقها فى حيض أو نفاس، أو فى طهر جامعها فيه0
والطلاق البدعي حرام بالإجماع وفاعله آثم0
وهو يقع عند : الجمهور.
1-ودليلهم عموم الآيات.
2-وأيضا حديث ابن عمر بأنه لما طلق امرأته وهي حائض، وأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها ، "بأنها حسبت تلك الطلقة"0
وطلاق الحامل يقع فى أي وقت شاء ، لما رواه مسلم عن ابن عمر برقم 1471 وقد مر قريباً.
طلاق الآيسة والصغيرة إنما يكون للسُّنَّة إذا كان طلاقاً واحداً 0
عدد الطلقات
إذا دخل الزوج بزوجته ملك عليها ثلاث طلقات 0
واتفق العلماء على أنه يحرم على الزوج أن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد ، أو بألفاظ متتابعة فى طهر واحد ، فإن إيقاع الثلاث دفعةً مخالفٌ لقول الله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ )(البقرة: من الآية229)
ولكن إذا طلقها ثلاثاً بلفظ واحد فإنه يقع واحدة عند:ابن القيم وابن تيمية والهادي والقاسم والباقر وزيد فى رواية والشوكاني0
عن أبى الصهباء قال لابن عباس: ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر؟ فقال: نعم. ( م1472)
الطلاق الرجعي والبائن(1/9)
الطلاق الرجعي : هو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته التي دخل بها حقيقة ، إيقاعاً مجرداً عن أن يكون فى مقابلة مال، ولم يكن مسبوقاً بطلقة أصلاً أو كان مسبوقاً بطلقة واحدة ، والطلاق الرجعي يزيل عقد النكاح0
ولا فرق فى ذلك بين أن يكون الطلاق صريحاً أو كناية0
قال الله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )
(البقرة: من الآية229)
والطلاق الرجعي لا يمنع الاستمتاع بالزوجة لأنه لا يرفع عقد الزواج0
فهو وإن انعقد سبباً للفرقة ن إلا أنه لا يترتب عليه أثره ما دامت المطلقة فى العدة0
وإنما يظهر أثره بعد انقضاء العدة دون مراجعة0
وإذا مات أحدهما ورثه الآخر ما دامت العدة لم تنقض ونفقتها واجبة عليه 0
والرجعة حق للزوج مدة العدة ، وهو حق أثبته الشارع له0
قال الله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً )
(البقرة: من الآية228)
وإذا كانت الرجعة حقاً فلا يشترط رضا الزوجة ولا علمها 0
وتصح المراجعة بالقول مثل أن يقول: راجعتك عند: الشافعي وابن حزم0
وتصح بالقول والفعل كالجماع ودواعيه عند : الشوكاني.
والإشهاد شرط عند : ابن حزم وأحمد فى رواية والشافعي فى قول.
ما يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية :
سبق أن الطلاق الرجعي لا يمنع الاستمتاع بالزوجة.
وقال أبو حنيفة : لا بأس أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتتشوف وتلبس الحلي وتبدي البنان والكحل ولا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل0
والطلاق الرجعي ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل على زوجته0
فإن كانت الطلقة الأولى احتسبت وبقيت له طلقتان ، وإن كانت الثانية احتسبت وبقيت له طلقة واحدة0
الطلاق البائن ينقسم إلى قسمين :
أ- بائن بينونة صغري :(1/10)
وهو ما كان بما دون الثلاث ، وهو يزيل قيد الزوجية بمجرد صدوره، وتصير المطلقة أجنبية عن زوجها، فلا يحل له الاستمتاع بها، ولا يرث أحدهما الآخر إذا مات قبل انتهاء العدة أو بعدها0
ويحل بالطلاق البائن موعد مؤخر الصداق المؤجل إلى أقرب الأجلين: الموت أو الطلاق.
وللزوج أن يعيد المطلقة طلاقاً بائناً بينونة صغري إلى عصمته بولي وعقد ومهر جديدين إذا أعادها عادت إليه بما بقي له من الطلقات0
إذا تزوجت البائن بينونة صغري بآخر بعد انقضاء العدة ثم طلقت منه ورجعت إلى زوجها الأول تكون مثل البائنة بينونة كبري فتعود إليه بعقد جديد ومهر وولي.
ويملك عليها ثلاث طلقات عند : أبي حنيفة وأبي يوسف.
وتعود إليه بما بقي من عدد الطلقات عند : محمد وهو الراجح ، لأن الزواج الثاني لما لم يكن شرطاً في عودتها للزوج الأول فوجوده كعدمه ، لهذا لم يهدم الطلاق السابق . والله أعلم .
ب- بائنة بينونة كبري:
الطلاق البائن بينونة كبري يزيل قيد الزوجية مثل البائن بينونة صغرى، ويأخذ جميع أحكامه إلا أنه لا يحل للرجل أن يعيد من أبانها بينونة كبري إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها دون إرادة التحليل0
قال الله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه)
(البقرة: من الآية230)
أي فإن طلقها الطلقة الثالثة، فلا تحل لزوجها الأول إلا بعد أن تتزوج آخر0
عن عائشة قالت : جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فأبتَّ طلاقي، فتزوجتُ عبد الرحمن بن الزَبِير إنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة"؟ لا، "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"0 (خ 2639)
العسيلة : لذة الجماع.
طلاق المريض مرض الموت
إذا طلق المريض امرأته طلاقاً بائناً فمات من هذا المرض ورثته0
وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها عند: الأحناف.(1/11)
ولها الميراث بعد انقضاء عدتها ما لم تتزوج بغيره عند: أحمد.
ولها الميراث سواء كانت فى العدة أم لم تكن ، وسواء تزوجت أم لم تتزوج عند : مالك والليث0
ولا ترث عند: الشافعي.
التفويض والتوكيل فى الطلاق
الطلاق حق من حقوق الزوج فله أن يطلق زوجته بنفسه ، وله أن يفوضها فى تطليق نفسها، وله أن يوكل غيره فى التطليق0
صيغ التفويض:
1- اختاري نفسك
ذهب الفقهاء إلى وقوع الطلاق بهذه الصيغة
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً - وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب28-29) عن عائشة قالت: خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاخترنا الله ورسوله ، فلم يعد ذلك علينا شيئا . ( خ2562)
لو أخترن أنفسهن كان ذلك طلاقاً.
ويقع طلقة واحدة رجعية عند : الشافعي وأحمد والثوري واسحق.
ويقع طلقة واحدة بائنة عند : الأحناف.
ويقع ثلاث عند : مالك.
2- أمرك بيدك :
إذا قال الرجل لزوجته أمرك بيدك ، فطلقت نفسها، فهي طلقة واحدة عند : الشافعي وأحمد والثوري0
والمعتبر نية الزوج فإن نوى واحدة فواحدة وإن نوى ثلاثا فثلاثا عند : الشافعي
الحالات التي يطلق فيها القاضي
1-التطليق لعدم النفقة الضرورية إذا طلبته الزوجة وليس له مال ظاهر
وهو قول: مالك والشافعي وأحمد.
قال الله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )(البقرة: من الآية229)
وقال تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا)(البقرة: من الآية231)
ولا يجوز التفريق لعدم الإنفاق سواء أكان السبب مجرد الامتناع أو الإعسار والعجز عنها وقول: الأحناف.(1/12)
قال الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق:7) والصحابة كان منهم المعسر والموسر ولم يعرف عن أحد منهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بين الرجل وامرأته بسبب عدم النفقة ، لفقره وإعساره0
2-التطليق للضرر :
للزوجة أن تطلب من القاضي التفريق إذا ادعت إضرار الزوج بها إضراراً لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها ، مثل ضربها، أو سبها، أو إيذائها، بأي نوع من أنواع الإيذاء الذي لا يطاق، أو إكراهها على منكر من القول أو الفعل فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها طلقة بائنة ، وهو قول: مالك
وإذا تكررت الشكوى عين القاضي حكمين عدلين راشدين من أهلهما إن أمكن0
3- التطليق لغيبة الزوج :
للمرأة أن تطلب التفريق إذا غاب عنها زوجها ولو كان له مال تنفق منه بشرط :
1- أن يكن غياب الزوج عن زوجته لغير عذر مقبول0
2- أن تتضرر بغيابه.
3- أن تكون الغيبة فى بلد غير الذي تقيم فيه0
4- أن تمر سنة تتضرر فيها الزوجة0
وأن تمر سنة عند : مالك.
وبعد ستة أشهر لفتوى حفصة عند : أحمد
4-التطليق لحبس الزوج :
لأن حبسه يوقع بالزوجة الضرر لبعده عنها0
والتطليق لغيبة الزوج أو لحبسه بائن عند : مالك.
ويعتبر فسخاً عند : أحمد.
آداب التطليق المستنبطة من القرآن والسنة الصحيحة
1- رعاية المصلحة فى إيقاعه بعد التروي والتحاكم إلى حكمين0
قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35) 2- إيقاعه فى حال الخوف من عدم إقامة حدود الله0(1/13)
وذلك بأن تتضرر المرأة من الرجل فترى منه ما يسؤها من قول أو فعل، كتركه لمعاشرتها بالمعروف أو أن تشاهد منه انكبابا على الفحشاء عملاً بالمنكرات أو أغراء لها بترك الواجبات ، ففي هذه الحالة تشرع مخالعتها بأن تفتدي منه بما يتراضيان به0
قال الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
(البقرة: من الآية229)
3- أن لا يكون القصد بإيقاع الطلاق مضارة الزوجة 0
قال الله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا )(البقرة: من الآية231)
4- أن يطلق لداع لا يتأتى معه اتخاذها زوجة ، كان يراها لا ترديد لامس أو لا تؤمن على مال ولا سر، أو لا تستجيب لطاعته0
5- أن لا يطلق ثلاثاً دفعة واحدة0
6- أن يشهد علىالطلاق:
وهذا علي قول بعض العلماء مستدلين بقوله تعالي: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ )(الطلاق: من الآية2)
وقد سبق أن المراد بالآية الإشهاد علي الرجعة.
7- أن لا يكون فى حالة الغضب :
عن عَائِشَةَ قالت:ُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "لا طَلاَقَ وَلا عِتَاقَ في إِغْلاَقٍ"0 (ح د2193)
8- أن ينوي الطلاق :
عن عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّمَا الأعمَالُ بالنّيّات0"(خ 1)
9- أن يكن التطليق مآذوناً فيه من جهة الشارع، فلا يكون بدعياً ، بل مأموراً به وذلك بمعرفة زمان التطليق بأن تطلق فى طهر لم تجامع فيه0
وأما طلاقها حال الحيض فهو محرم :
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )
(الطلاق: من الآية1)
أي لاستقبال عدتهن، ولا يكون ذلك إلا في طهر.(1/14)
10- التطليق بإحسان لا بإساءة ولا فحش من الكلام ، ولا بغي ولا عدوان 0
قال تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )
(البقرة: من الآية229)
وقال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ )
(الطلاق: من الآية2)
الخلع
الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن، والمودة والرحمة، وحسن المعاشرة وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق 0
وقد يكره الرجل زوجته أو تكره هي زوجها0
والإسلام يوصي بالصبر والاحتمال ،وينصح بالعلاج 0
قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء: من الآية19)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر"0 (م 1469)
إلا أن البغض قد يتضاعف ، ويشتد الشقاق ، ويصعب العلاج، وينفد الصبر.
وحينئذ يرخص الإسلام بالعلاج الوحيد الذي لابد منه وهو الفراق0
فإن كره الرجل زوجته فإن الطلاق بيده وهو حق من حقوقه0
وإن كرهت المرأة زوجها فقد أباح الإسلام لها الخلع0
الخلع هو : أن تعطي الزوج ما كانت أخذت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها0
وقال تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (البقرة: من الآية229)
وإن كانت الكراهية منها ، فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته0
وإن طلبت الزوجة الفرقة ، فبيدها الخلع وعليها تبعاته0
فالخلع أو الفداء هو فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له 0(1/15)
عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول اللّه ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "أتردين عليه حديقته"؟ قالت: نعم ، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة"0 (خ 5273)
ما أعتب عليه في خلق ولا دين: أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه.
ولكني أكره الكفر في الإسلام : أي كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ويمكن أن يكون مرادها أن شدة كراهتها له قد يحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه.
الحديقة: البستان.
اقبل الحديقة: هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب.
وفي ذلك دليل على أنه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه.
والخلع لا يجوز إلا إذا كان هناك سبب يقتضيه ، كأن يكون الرجل معيباً فى خلقه أو سيئاً فى خلقه ، أو لا يؤدي للزوجة حقها أو غير ذلك من الأسباب0
عن أبي هريرة قال: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات"0(ص ن 3461)
والخلع يتم بتراضي الزوج والزوجة ، فإذا لم يتم التراضي منهما فللقاضي ألزام الزوج بالخلع.
والشقاق من قبل الزوجة كافٍ فى جواز الخلع.
حرمة الإساءة إلى الزوجة لتختلع :
ويحرم على الرجل أن يؤذي زوجته بمنع بعض حقوقها حتى تختلع فإن فعل ذلك فالخلع باطل ، ولو حكم به قضاء0
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ )
(النساء: من الآية19)
العضل: التضييق والمنع
جواز الخلع فى الطهر والحيض:
يجوز الخلع فى الطهر والحيض، ولا يتقيد وقوعه بوقت، لأن الله سبحانه أطلقه ولم يقيده بزمن دون زمن0(1/16)
قال الله تعالى: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)(البقرة: من الآية229)
والخلع يجعل أمر المرأة بيدها:
ولا رجعة له عليها لأنها بذلت المال لتتخلص من الزوجية0
قد بانت من زوجها بالخلع وهو قول:الجمهور والأربعة.
ويجوز للزوج أن يتزوجها برضاها فى عدتها ، ويعقد عليها عقداً جديداً0
والخلع طلاق بائن عند الجمهور.
والخلع فسخ عند: أحمد وداود.
والمختلعة تعتد بحيضة عند : أحمد فى رواية واسحق وابن تيمية، وابن القيم.
وعدتها ثلاث حيض عند: الجمهور0
نشوز الرجل
إذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها إما لمرضها أو لكبر سنها ، أو لدمامة وجهها ، فلا جناح أن يصلحا بينهما، ولو كان فى الصلح تنازل الزوجة عن بعض حقوقها ترضية لزوجها0
قال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )(النساء: من الآية128)
عن عائشة أن سودة بنت زمعة حين أسنَّت وفرقت أن يفارقها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول اللّه، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - منها، قالت: نقول في ذلك أنزل اللّه عز وجل وفي أشباهها ، أراه قال: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً{0 (ح د2135)
فرقت : خافت.
وإذا وقع الشقاق بين الزوجين ،واستحكم العداء، وخيف من الفرقة، بعث الحاكم حكمين لينظر فى أمرهما لإبقاء الحياة الزوجية أو إنهائها0
قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا )(النساء: من الآية35)
ويشترط فيهما: العقل والبلوغ والعدالة والإسلام0
ولا يشترط أن يكونا من أهلهما ،والأمر فى الآية للندب0
ولهما أن يفعلا ما فيه المصلحة من الإبقاء أو الإنهاء دون الحاجة إلى رضا الزوجين أو توكيلهما وهو قول : مالك والأوزاعي واسحق وابن المنذر0
الظهار(1/17)
الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته:أنت علي كظهر أمي فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق كان ظهاراً0
ولو طلق يريد ظهاراً كان طلاقاً.
فلو قال الرجل أنت علي كظهر أمي وعنى به الطلاق لم يكن طلاقاً و كان ظهاراً لا تطلق به المرأة0
والظهار حرام بالإجماع ، فلا يجوز الإقدام عليه0
وقد ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم كما ورد فى القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (المجادلة:2) عن خُوْلَة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوسُ بن الصامت، فجئت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أشكو إليه، ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يجادلني فيه، ويقول: اتقي اللّه فإِنه ابن عمِّك، فما برحت حتى نزل القرآن {قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها} إلى الفرض، فقال: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول اللّه، إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شئ يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرقٍ من تمرٍ، قلت: يا رسول اللّه فإِني أعينه بعرقٍ آخر قال: قد أحسنت، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك، قال: والعرق ستون صاعاً. (ح د2214)
والظهار مختص بالأم عند: الجمهور.
يقاس على الأم جميع المحارم عند: الأحناف والشافعي فى قول الأوزاعي والثوري وزيد
والظهار يكون من الزوج العاقل، البالغ، المسلم، لزوجته0
وإذا قال الزوج لزوجته أنت علي كظهر أمي إلى الليل (أي مؤقت) ثم أصابها قبل تلك المدة فحكمه أنه ظهار0
وإذا ظاهر الرجل من امرأته ،ترتب على الظهار أثران:
الأثر الأول: حرمة إتيان الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار(1/18)
لقوله تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)(المجادلة: من الآية3)
وكما يحرم المسيس فإنه يحرم كذلك مقدماته ، من التقبيل والمعانقة ونحو ذلك0
والأثر الثاني: وجوب الكفارة بالعود0
والعود إرادة المسيس سواء فعل أم لم يفعل عند: أبي حنيفة وأصحابه.
والعود إمساكها بعد الظهار وقتاً يسع الطلاق فإذا أمسكها فقد عاد فيما قال وهو قول:الشافعي.
والعود هو العزم على الوطء فقط ، وإن لم يطأ عند : مالك وأحمد.
والعود هو إعادة لفظ الظهار، فالكفارة لا تجب إلا بالظهار المعاد لا المبتدأ عند: داود والظاهرية وشعبة.
وإذا مس الرجل زوجته قبل التكفير فإن ذلك حرام عليه.
والكفارة لا تسقط ولا تتضاعف ، بل تبقى كما هي كفارة واحدة.
والكفارة هي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
وسئل ابن تيمية فى فتاوى النساء فى الطلاق ص 231:
فى رجل قال لزوجته: أنت علي حرام مثل أبي وأمي، وقال لها: أنت علي حرام مثل أمي وأختي ، فهل يجب عليه طلاق ؟
فأجاب: لا طلاق بذلك لكن إن استمر على النكاح فعلى كل منهما كفارة ظهار قبل أن يجتمعا وهي عتق رقبة ، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا0
فسخ العقد:
نقضه وحل الرابطة التي تربط بين الزوجين
وقد يكون الفسخ بسبب خلل وقع فى العقد وهو فى حالتين:
1- إذا تبين أن الزوجة التي عقد عليها تحرم عليه من الرضاع
2- إذا عقد غير الأب والجد للصغير أو الصغيرة ، ثم بلغ الصغير أو الصغيرة فمن حق كل منهما أن يختار البقاء على الزوجية أو إنهائها ويسمى هذا خيار البلوغ0
وقد يكون الفسخ بسبب طارئ يمنع بقاءه، وهو فى حالتين:
1- إذا أرتد أحد الزوجين عن الإسلام، ولم يعد إليه فسخ العقد بسبب الردة الطارئة0
2- إذا أسلم الزوج وأبت الزوجة أن تسلم ، وكانت مشركة ، فإن العقد حينئذ يفسخ بخلاف الكتابية فإن العقد يبقى صحيحاً، إذ أنه يصح العقد على الكتابية ابتداء.(1/19)
والفسخ بنوعيه ينهي العلاقة الزوجية فى الحال وينقص عدد الطلقات0
أما الطلاق فهو إما رجعي لا ينهي العلاقة الزوجية فى الحال ولا ينقص عدد الطلقات0
وإما بائن ينهي العلاقة الزوجية فى الحال وينقص عدد الطلقات0
اللعان :
اللعان مأخوذ من اللعن ، واللعان هو الإبعاد0
وهو: أن يحلف الرجل إذا رمى امرأته بالزنى أربع مرات أنه من الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وأن تحلف المرأة عند تكذيبه أربع مرات، إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن عليها غضب الله إن كان من الصادقين
وشرع اللعان فى شهر شعبان 9هـ0
عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها، ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة" . ( خ 5315)
ومعنى قوله ألحق الولد بأمه: أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وأما الأم فترث منه ما فرض اللّه لها ، فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولد ونحوه0(1/20)
عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك ابن سحماء ،فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "البينة أو حد في ظهرك"، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "البينة وإلا حد في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه: {والذين يرمون أزواجهم - فقرأ حتى بلغ - إن كان من الصادقين}، فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها ، فجاء هلال فشهد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة، قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين ، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء". فجاءت به كذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن" . (خ4747)
موجبة: للعذاب الأليم عند الله تعالى إن كنت كاذبة.
فتلكأت: توقفت وتباطأت عن الشهادة.
نكصت: أحجمت عن استمرارها في اللعان.
لا أفضح قومي سائر اليوم: لا أكون سبب فضيحتهم فيما بقي من الأيام، يقال لهم: منكم امرأة زانية.
فمضت: في إتمام اللعان.
أبصروها: انظروا إليها وراقبوها عندما تضع حملها.
أكحل: شديد سواد الجفون خلقة من غير اكتحال.
سابغ الأليتين: ضخمهما.
خدلج: ممتلئ.
ما مضى من كتاب الله: ما قضي فيه: من أنه لا يحد أحد بدون بينة أو إقرار، وأن اللعان يدفع عنها الرجم.
لي ولها شأن: كان لي معها موقف آخر، أي لرجمتها ولفعلت بها ما يكون عبرة لغيرها0
هلال بن أمية : هو أول رجل لاعن فى الإسلام0(1/21)
وفى الحديث دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنا وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حد القاذف وإذا وقع اللعان سقط الحد عنه0
وإذا أقام الزوج الشهود على الزنا فإنه لا يلاعن عند: أبي حنيفة داود.
ويلاعن عند : مالك والشافعي.
اللعان يمين عند: مالك الشافعي والعترة الجمهور.
وهو شهادة عند: أبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي فى قول الإمام يحيى.
وهو يشمل اليمين والشهادة عند: ابن القيم.
إذا نكل أي امتنع الزوج عن اللعان فعليه حد القذف عند: مالك الشافعي وأحمد.
إذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل التأكيد.
إذا كذب الرجل نفسه لا يجتمعان أبداً عند: الجمهور.
وتقع الفرقة إذا فرغ المتلاعنان من اللعان عند: مالك.
وتقع بعد أن يكمل الزوج لعانه عند: الشافعي.
لا تقع إلا بعد حكم الحاكم عند: أبي حنيفة أحمد والثوري.
الفرقة الحاصلة باللعان فسخ عند: أبي حنيفة.
المتعة :
قال الشيخ أحمد شاكر فى كتابه نظام الطلاق فى الإسلام ص97 رقم 163، 165:
والخلاف فى وجوب المتعة للمطلقة المدخول بها ولغير المدخول بها إذا سمى لها الصداق ، خلاف معروف مفصل فى كتب التفسير والفقه ، والذي نرضاه ونختاره وجوبها لكل مطلقة مطلقاً إلا التي سمى مهرها ولم يدخل بها ، جمعا بين الآيات ، واستعمالاً لكل آية فى نصها وموضوعها وهو مذهب الشافعي وقول لأحمد ، واختاره ابن تيمية0
وأما ابن حزم فإنه ذهب إلى وجوب المتعة لكل مطلقة0(1/22)
قال الله تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ - وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(البقرة236-237) العدة
العدة هي: ما تحصيه المرأة وتعده من الأيام والأقراء0
وهي اسم للمدة التي تنتظر فيها المرأة فتمتنع عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بولادة أو بالأقراء أو بالأشهر0
وتحسب العدة من حين وجد سببها وهو الطلاق أو الوفاة0
قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )
(البقرة: من الآية228)
والحكمة فى مشروعية العدة كثيرة ومنها:
1- معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض0
2- تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير فى ذلك0
3- التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع الرجال ولا ينفك إلا بانتظار طويل0
4- إن مصالح النكاح لا تتم حتى يوطنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهراً ،إذا حدث حادث لا يوجب النظام لم يكن بد من تحقيق صورة الإدامة فى الجملة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناء0
أنواع العدة :
1- عدة المرأة التي تحيض : وهي ثلاث حيض.
قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء)
(البقرة: من الآية228)
القرء : الحيض علي الراجح.(1/23)
2- عدة المرأة التي يئست من الحيض : وهي ثلاث أشهر، ويصدق ذلك على الصغيرة التي لم تبلغ.
قال الله تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ )(الطلاق: من الآية4)
3- عدة المرأة التي مات عنها زوجها : وهي أربعة أشهر وعشراً ما لم تكن حاملاً .
قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(البقرة: من الآية234)
4- عدة الحامل حتى تضع حملها : وعدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، سواء أكانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها
لقوله تعالى:(وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(الطلاق: من الآية4)
أجلهن أن يضعن حملهن سواء أكان الجنين حياً أم ميتاً ، تام الخلقة أو ناقصها ، نفخ فيه الروح أو لم ينفخ0
5- عدة غير المدخول بها:
والزوجة غير المدخول بها إن طلقت فلا عدة عليها
لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)(الأحزاب: من الآية49)
لزوم المعتدة بيت الزوجية:
يجب على المعتدة أن تلتزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها ولا يحل لها أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يخرجها عنه ولو وقع الطلاق أو حصلت الفرقة وهي غير موجودة فى بيت الزوجية وجب عليها أن تعود إليه بمجرد علمها.(1/24)
لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)(الطلاق: من الآية1)
الحضانة :
من الحضن ، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضنت المرأة ولدها إذا ضمته، والحضانة عند الفقهاء عبارة عن القيام بحفظ الصغير أو المعتوه الذي لا يميز والحضانة.
بالنسبة للصغير واجبة وهي حق له لاحتياجه لمن يرعاه ويحفظه ويقوم على شئونه ويتولى تربيته ، والأم أحق بالولد من أبيه0
عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو: أَنّ امْرَأَةً قالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنّ ابْنِي هذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وَعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءَ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءٍ، وَإِنّ أبَاهُ طَلّقَنِي وَأَرَادَ أنْ يَنتَزِعَهُ مِنّي، فقالَ: لَها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَنْتِ أحَقّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي". (ح د2276)
حواء : اسم لكل شئ يحوى غيره أي يجمعه.
السقا: أي يسقى منه اللبن.
ومراد الأم بذلك أنها أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب
أنت أحق به: فيه دليل على أن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح لتقييده - صلى الله عليه وسلم - للأحقية بقوله ما لم تنكحي0
قال الشوكاني فى الدراري 2/9293: الأولى بالطفل أمه ما لم تنكح ، ثم الخالة، ثم الأب، ثم يعين الحاكم من القرابة من رأي فيه صلاحاً وبعد بلوغ سن الاستقلال يخير الصبي بين أبيه وأمه فإن لم يوجد أكفله من كان له فى كفالته مصلحة0(1/25)
ويشترط فى الحضانة أن تتولى تربية الطفل وتقوم على شؤنه : الكفاءة والقدرة ، ويتحققان بشروط هي : الإسلام ، العقل ، الحرية ، البلوغ ، القدرة على التربية ، الأمانة ، الخلق ، أن لا تكون متزوجة إلا من قريب محرم من الصغير كالعم.
أجر الحضانة مثل أجر الرضاع، لا تستحقها الأم ما دامت زوجة أو معتدة0
قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(البقرة: من الآية233)
أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق الأجرة كما تستحق أجرة الرضاع0
قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)(الطلاق: من الآية6)
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة :
ويجب على الأب أجرة الرضاع أجرة الحضانة وأجرة المسكن وإن لم يكن لها مسكن مملوك،
وأجرة الخادم، وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعلاج ونحو ذلك
وهذه الأجرة دين فى ذمة الأب ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء0
وتنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير عن خدمة النساء وبلغ سن التمييز والاستقلال ، وقدر على أن يقوم وحده بحاجاته الأولية، بأن يأكل وحده ويلبس وحده وينظف نفسه وحده وليس لذلك مدة معينة ، بل العبرة بالتمييز والاستغناء0
وتنتهي مدة الحضانة للغلام سبع سنين وللبنت تسع سنين عند: الحنفية.
وللقاضي الحق فى مدة الحضانة إذا رأي ذلك0
وإذا بلغ الصغير سن التمييز وانتهت حضانته فإن اتفق الأب والحاضنة على إقامته عند واحد منهما أمضى هذا الاتفاق0
وإن اختلفا أو تنازعا خير الصغير بينهما، فمن اختاره منهما فهو أولى به0(1/26)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد عنده فقالت: يا رسول اللّه إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - :"استهما عليه". فقال زوجها: من يحاقني في ولدي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به".
(ص د2277)
بئر أبي عنبة: بئر بعيدة عن المدينة بنحو ميل.
وهو قول: الشافعي والحنابلة.
والأب أحق به عند : أبي حنيفة.
والأم أحق به عند : مالك.
والصغيرة تخير عند : الشافعي.
والأم أحق حتى تزوج أو تبلغ عند: أبي حنيفة.
والأم أحق حتى تزوج ويدخل بها الزوج عند : مالك.
الأب أحق بها عند : الحنابلة.
والابن يكون بين الأبوين ، فيكون عند أمه فى الليل ، وعند أبيه فى النهار وهو قول: الشافعية
وإذا كان سفر أحدهما لحاجة فهو عند المقيم منها.(1/27)
الكتاب الثاني عشر
الأيمان والنذور
باب الأول
الأيمان
اليمين : هو تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته ، أو هو: عقد يقوي به الحالف عزمه على الفعل أو الترك0
واليمين لا يكون إلا بذكر اسم الله أو صفة من صفاته كقوله : والله ، وعزةِ الله ، وعظمةِ الله ، وكبرياءِ الله ، وقدرةِ الله ، وإرادةِ الله ، وعلمِ الله0
الاسم المختص به الله دون سواه مثل: الرحمن، القدوس ، البارئ ، ينعقد به اليمين.
والاسم المشترك بين الله وبين خلقه مثل: الجبار ، الحق، إذا نوى اليمين كان يميناً ، وإن نوى غير الله بأن يقول: (ورب هذا البستان) لم يكن يميناً0
ويجوز الحلف بالقرآن أو سورة أو آية منه ، ويجوز الحلف بالمصحف، يعتبر يميناً عند: أحمد لأن المقصود منه القرآن وهو كلام الله والكلام صفة من صفاته تعالي.
عن ابن عمر قال:كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" لا ومقلِّب القلوب "0(خ6628)
المراد بتقليب القلوب: تقليب أعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب
قال الشوكاني فى الدراري 2/150:
الحلف إنما يكون باسم الله تعالى أو صفة له ويحرم بغير ذلك0
الألفاظ الأخرى
1- أيم الله : يمين بمعنى والله ، أو حق الله
عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشاً أهمَّتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال:" أتشفع في حد من حدود الله"، ثم قام فخطب، قال:" يا أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"0 (خ6788)
2- يمين الله : أي أحلف بالله.
وهي يمين عند: الأحناف والمالكية وأحمد .
ولا تكون يميناً إلا بالنية عند: الشافعية.
3- عَمْرُ الله: أي حياة الله وبقاؤه.(1/1)
يمين عند: الأحناف والمالكية .
ولا يكون يميناً إلا بالنية عند: الشافعي وأحمد وإسحق.
عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرَّأها الله ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر من عبد الله بن أبيٍّ، فقام أسيد بن حضير فقال لسعد بن عبادة: لعَمْرُ الله لنقتلنَّه. (خ6662)
4- أقسمت عليك ، وأقسمت بالله
يكون يميناً بالنية عند: مالك وأحمد.
ولا يعتبر عند: الشافعي وزفر.
عن البراء - رضي الله عنه - قال:أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبرار المقسم. (خ6654)
إبرار المقسم:أي بفعل ما أراد الحالف ليصير بذلك باراً
5- إذا حلف وقال: أشهد الله كان يميناً.
عن عبد الله قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس خير؟ قال: "قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ".(خ6658)
قال إبراهيم: وكان أصحابنا ينهوننا - ونحن غلمان - أن نحلف بالشهادة والعهد.
6- الحلف بأيمان المسلمين، فيه كفارة يمين إذا حنث الحالف عند: الشافعية .
ولا كفارة عليه عند: مالك.
7- إذا حلف فقال: وعهد الله ،إذا نوى اليمين كان يميناً عند: الشافعية والمالكية.
عن عبد الله - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من حلف على يمين كاذبة، ليقتطع بها مال رجل مسلم( أو قال: أخيه) لقي الله وهو عليه غضبان "، فأنزل الله تصديقه: {إن الذين يشترون بعهد الله}0 (خ6659)(1/2)
قال تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:224) عرضة لأيمانكم : لا تكثروا الحلف بالله تعالى وتتخذوا ذلك وسيلة للبر ونحوه، أو لا تجعلوا الحلف بالله تعالى علة مانعة من البر والتقوى والصلاح، كأن يحلف أن لا يفعل كذا من الخير، فإن طلب منه قال: لقد حلفت أن لا أفعله، ونحو ذلك. فعلى المعنى الأول: (أن تبروا) لكي تبروا..، وعلى الثاني: كراهة أن تبروا.
وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)(النحل:91) 8- من حلف أنه يهودي أو نصراني أو إنه برئ من الله أو من رسول صلي الله عليه وسلم إن فعل كذا ففعله، ليس بيمين عند: الشافعي .
وهو يمين فيه كفارة عند: الأحناف وأحمد وإسحق والثوري والأوزاعي.
عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" من قَالَ: إني برئ من الإسلام، فإن كان كاذبا فهو كما قَالَ. وإن كان صادقا لم يعد إليه الإسلام سالما". (ص د3258)
قال الخطابي: فيه دليل على أن من حلف بالبراءة من الإسلام فإنه يأثم ولا تلزمه الكفارة وذلك لأنه جعل عقوبتها في دينه ولم يجعل في ماله شيئاً0
عن ثابت بن الضَّحَّاك قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال "0(خ6652)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال:" من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا اللّه"0 (خ6650)(1/3)
9- وإذا قال علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو بالطلاق لتفعلن كذا وكذا، فيلزمه ما التزم به عند الحنث هو وقوع الطلاق عند وقوع الشرط عند: الجمهور ، كفارته كفارة يمين لا يلزمه الطلاق عند كثير من السلف والخلف .
10- أما الحلف بغير الله أو صفاته فهو حرام، لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، والله وحده هو المختص بالتعظيم، فمن حلف بغير الله، مثل: من حلف بغير بالنبي أو الملك أو الولي أو الأب أو الجد أو الكعبة أو غير ذلك، فإن يمينه لا تنعقد ولا كفارة عليه إذا حنث، وأثم بتعظيم غير الله إثماً كبيراً يكون به كافراً أو مشركاً0
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر بن الخطاب، وهو يسير في ركب، يحلف بأبيه، فقال:" ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ".(خ6646 م1646)
عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة فقال ابن عمر: لا تحلف بغير اللَّه؛ فإني سمعت رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول:" من حلف بغير اللَّه فقد كفر أو أشرك ".(ص د3251)
دل الحديث على كراهية الحلف بغير الله تعالى، والتعبير بقوله : فقد أشرك للمبالغة فى الزجر والتغليظ فى ذلك0
عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :" لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم وَلاَ بِأُمّهَاتِكُم وَلاَ بِالأَنْدَادِ، وَلاَ تَحْلِفُوا إلاّ بالله، وَلاَ تَحْلِفُوا بالله إلاّ وَأنْتُمْ صَادِقُونَ "0 (ص د3248)
أما إذا لم يقصد تعظيم المخلوق فهو مكروه لأنه يشعر بتعظيم غير الله وعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر الله0
عن طَلْحَةَ بنَ عُبَيْد الله أن قال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - :" أفْلَحَ وَأبِيهِ إنْ صَدَق"0 (خ1891)
إن ذلك كان يقع من العرب ويجري على ألسنتهم من دون قصد اليمين عند : البيهقي والنووي.(1/4)
وقيل هذا كان قبل النهي ، وقيل روي برواية: أفلح والله إن صدق.
11- والله سبحانه وتعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته
فأقسم بالقرآن
فقال تعالى:(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)(قّ: من الآية1)
وأقسم بالريح
فقال تعالى: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً) (الذريات:1) وأقسم بالطور
فقال تعالى: (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) (الطور 6:1)
وأقسم بالنجم
فقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) (لنجم:1) وأقسم بالقلم
فقال تعالى: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم:1) وأقسم بالمرسلات
فقال تعالى: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) (المرسلات:1) وأقسم بالنازعات
فقال تعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً - وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً - وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً) النازعات (3:1)
وأقسم بالسماء وباليوم الموعود وبالشاهد والمشهود
فقال تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ - وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ - وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (البروج 3:1)
و قال تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) (الطارق:1) وأقسم بالفجر وبالزوج وبالفرد وبالليل
فقال تعالى: (وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ - وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ - وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) (الفجر 4:1)
وأقسم بالشمس وبالضحى وبالقمر وبالنهار وبالسماء وبالنفس
فقال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا - وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا - وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا - وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا - وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا - وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا - وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)(الشمس 7:1)
وقال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى - وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى - وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) (الليل3:1) وقال تعالى: (وَالضُّحَى - وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى2:1)(1/5)
وقال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ - وَطُورِ سِينِينَ - وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) (التين 3:1)
وقال تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً - فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً - فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً) (العاديات 3:1)
وقال تعالى: (وَالْعَصْرِ) (العصر:1) وغيرها كثير من الآيات القرآنية ، إن القسم هنا يشير إلى أسرار موجودة فى هذه المخلوقات فأشار إليها سبحانه لتشير إلى خالقها وباريها، إذ عظمة المخلوق تبين عظمة الخالق وتدل عليه ، فذلك للفت النظر إلى مواضع العبرة فى هذه المخلوقات.
فالقسم بالمخلوقات مما أختص الله به ، أما نحن البشر فلا يصح لنا أن نقسم إلا بالله أو بصفة من صفاته.
شرط اليمين
يشترط فى اليمين : العقل، البلوغ ، الإسلام ، إمكان البر والاختيار، فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه0
حروف القسم
1- الواو : كقوله تعالى: ( قُلْ إِي وَرَبِّي )(يونس: من الآية53)
وكقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفس محمد بيده ".(خ1771)
2- التاء : كقوله تعالى: (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)(الانبياء: من الآية57) وقوله تعالى: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ )(يوسف: من الآية85)
3- الباء : كقولك : بالله جاء زيد.
4- وهناك صيغ أخرى مثل: لام القسم ، كقولك : لأفعلن كذا وكذا00
5- وهناك صيغ أخري مثل: عمر الله ويمين الله وأيم الله.
أقسام اليمين
1- اليمين اللغو
هي الحلف من غير قصد اليمين ، كأن يقول المرء: والله لتأكلن ، أو لتشربن، أو لتحضرن ونحو ذلك0
لا يريد به يميناً ، ولا يقصد به قسماً ، فهو من سقط القول0
قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُم)(البقرة: من الآية225)
قالت عائشة : أنزلت هذه الآية في قول الرجل: لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله0(خ6663)
ولغو اليمين لا كفارة فيه ولا إثم0
2- اليمين المنعقدة(1/6)
هي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها ، أي أنها يمين متعمدة وليست لغواً.
وحكمها : وجوب الكفارة فيها عند: الحنث0
قال تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:225) كسبت قلوبكم ك قصدتموه ونويتموه
وقال تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:89) قال أحمد بن حنبل: إذا حلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - انعقدت يمينه؛ ولزمته الكفارة ، لأنه حلف بما لا يتم الإيمان إلا به فتلزمه الكفارة كما لو حلف بالله. ودليلنا قوله: فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت0
عن عائشة: أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يكن يحنث في يمين قط، حتى أنزل الله كفارة اليمين، وقال: لا أحلف على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني. (خ 6621)
3- اليمين الغموس
هي اليمين التي يتعمد صاحبها الكذب ، أي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق ، أو التي يقصد بها الفسق والخيانة مثل أن يحلف على أمراٍ فعله وهو يعلم أنه لم يفعله ، وهي كبيرة من كبائر الإثم ، ولا كفارة فيها، لأنها أعظم من أن تكفر ، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها فى نار جهنم أو تغمسه في الإثم.
وتجب فيها الكفارة عند: الشافعية.
ولا تجب فيها الكفارة عند: الحنفية.
وتجب التوبة منها ، ورد الحقوق إلى أصحابها إذا ترتب عليها ضياع هذه الحقوق.(1/7)
قال الشوكاني فى الدراري2/150: واليمين الغموس هي التي يعلم الحالف كذبها0 أهـ
قال الله تعالى: (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:94) دخلاً: مكراً وخيانة وهي ذريعة للغش والخديعة.
فتزل : تنحرفوا عن شرع الله تعالى وملة الإسلام بعد أن كنتم ثابتين عليها.
تذوقوا السوء : تجنوا عاقبة إساءتكم في الدنيا.
بما صددتم: بسبب منعكم من الحق وإعراضكم عنه
عن عبد الله بن عمرو،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس"0 (خ 6675)
قال الشوكاني فى الدراري2/150: ومن أكره على اليمين فهي غير لازمة ولا يأثم بالحنث فيها0
وأمر الأيمان مبني على العرف الذي درج عليه الناس لا على دلالات اللغة ولا على اصطلاحات الشرع ،فمن حلف أن لا يأكل لحماً ، فأكل سمكاً فإنه لا يحنث، وإن كان الله سماه لحماً إلا إذا نواه أو كان يدخل فى عموم اللحم فى عرف قومه0
ومن حلف على شئ ووّرى بغيره فالعبرة بنيته لا بلفظه ، إلا إذا حلّفه غيره على شئ ، فالعبرة بنية المحلف لا الحالف ، وإلا لم يكن للأيمان فائدة فى التقاضي.
قال النووي : أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فهي على نية القاضي أو نائبه ولا تصح التورية هنا وتصح فى كل حال ولا يحنث بها وإن كانت للباطل حراماً .
عن سويد بن حنظلة قَالَ: خرجنا نريد رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتخرج القوم أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي، فخلى سبيله، فأتينا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنا أنه أخي، فقال:" صدقت. المسلم أخو المسلم"0(ص د3256)(1/8)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" اليمين على نية المستحلف"0
(م1653)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 8/251: فيه دليل على أن الاعتبار بقصد المحلف من غير فرق بين أن يكون المحلف هو الحاكم أو الغريم وبين أن يكون المحلف ظالماً أو مظلوما صادقاً أو كاذباً. وقيل هو مقيد بصدق المحلف فيما ادعاه، أما لو كان كاذباً كان الاعتبار بنية الحالف.
والخلاصة
1- إذا كانت اليمين يتعلق بها حق الغير فإن المعتبر هو ما يصدقه بها محلفه سواء كان قاضياً أم نائبه أم شخصاً عادياً صاحب حق وسواء طلب من الحالف أن يحلف أم كان متبرعا فى اليمين0
2- أما إذا كانت اليمين لا يترتب عليها حق لأحد فهنا الراجح عند الفقهاء أن المعتبر فيها نية الحالف وتجوز فيها التورية0
قال شيخ الإسلام ابن تيميه فى الفتاوى الكبرى 4/622 : فالراجح أنه لا يجوز التعريض إلا للظالم وأن يكون الحالف محتاجاً للتعريض ولا يجوز التعريض لغير الظالم وهو قول بعض العلماء كما لظالم بلا حاجة ولأنه تدليس.
وقد كره أحمد التدليس وقال لا يعجبني ونصه لا يجوز التعريض مع اليمين.أهـ
أما الأحناف فقد جوزوا التورية فى اليمين بل ربما ذهبوا إلى أبعد من ذلك وجوزوا له التورية فى اليمين بالطلاق ولم يلزموه شيئاً إذا كان مظلوماً 0
3- من حلف فقال والله لا أخرج الليلة من داري إن شاء الله فقد استثنى ولا حنث عليه عند: الجمهور.
وتعتبر يمين منعقدة عند: مالك .
عن ابنِ عُمَرَ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن حَلَفَ على يمينٍ فقالَ إنْ شَاءَ الله ، فَلاَ حِنْثَ عليهِ".(ص ت1531)
وقال مالك: إذا حلف بالمشي إلى بيت الله واستثنى ، فإن الاستثناء ساقط والحنث له لازم0 أهـ
كفارة اليمين
المقصود بها الأعمال التي تكفر بعض الذنوب وتسترها حتى لا يكون لها أثر يؤاخذ به فى الدنيا ولا فى الآخرة0(1/9)
واليمين المنعقدة إذا حنث فيها الحالف يكفرها : الإطعام أو الكسوة أو العتق على التخيير ، فمن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام 0
قال الله تعالى: ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون)
(المائدة: من الآية89)
فكفارته: أي كفارة اليمين إذا لم يبر به، والكفارة مشتقة من الكفر وهو التغطية، سميت بذلك لأنها تكفر الذنب أي تستره، وهي في الاصطلاح الشرعي: ما يلزم المكلف القيام به من عتق أو صدقة أو صوم، لحنثه بيمينه، أو لقيامه ببعض التصرفات كالقتل.
الإطعام
لم يرد نص شرعي فى مقدار الطعام ونوعه، وكل ما كان كذلك يرجع فيه إلى التقدير بالعرف، فيكون الطعام مقدراً بقدر ما يطعم منه الإنسان أهل بيته غالباً ، لا من الأعلى الذي يتوسع به فى المواسم والمناسبات ، ولا من الأدنى الذي يطعمه فى بعض الأحيان ، والإطعام يكون للفقراء المساكن من المسلمين.
ويجوز للذميين عند: الحنفية وأبى ثور.
ولا يجوز عند: مالك والشافعي والأوزاعي والنخعي إسحق.
ولو أطعم مسكيناً عشرة أيام فإنه يجزئ عند: أبي حنيفة والأوزاعي وأبى عبيد وأحمد فى رواية.
ولا يجزئ عند: الشافعي وأبى ثوروهو الراجح لأن الآية نصت علي العدد "عشرة مساكين".
ولا تجزئ القيمة عند: مالك والشافعي وأحمد وابن المنذر.
ويجوز دفع القيمة عند : الأحناف الأوزاعي.
الشروط التي يجب توافرها فى من يُطْعَم
1- يجب فى الشخص المُطْعَم أن يكون مسكيناً أو فقيراً.
2- أن يكونوا أحراراً .
3- أن يكونوا مسلمين.(1/10)
4- أن يكونوا كباراً يأكلون الطعام ، المقصود بالكبر والصغر هنا ليس البلوغ وعدم البلوغ بل المقصود بالصغير: الرضيع الذي لم يأكل الطعام، والمقصود بالكبير من أكل الطعام ولو لم يبلغ لأنه فقير من فقراء المسلمين وتسد حاجته بالإطعام وتصح منه العبادات كالصوم والصلاة وإن لم يبلغ0
5- عدم القرابة ، فيجب أن تتوافر فى الشخص الذي يطعم فى كفارة اليمين أن لا يكون قريباً للمكفر، ولا نعني بالقرابة مجرد القرابة بل القرابة القريبة الذي يكون مسؤولا عن نفقته شرعاً كأمه وأبيه وابنه وبنته ويلحق بهؤلاء كل من هو مسؤول عن نفقته شرعاً كزوجته وربما يدخل فى ذلك أخوه إذا كان طالب علم منقطعاً لطلب العلم وكان فقيرا.ً
أما إذا كانت المكفرة الزوجة فلعل الراجح هو جواز إطعام الزوج إذا كان فقيراً لأن الزوجة غير مسؤولة عن نفقة زوجها شرعاً.
6- أن لا يكون الفقير من بني هاشم.
والكفارة لا تجب إلا بالحنث ، ويجوز تقديمها على الحنث عند: الجمهور ، ويجوز للحالف العدول عن الوفاء إذا رأي فى ذلك مصلحة راجحة .
قال الله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:224) أي لا تجعلوا الحلف بالله مانعاً لكم من البر والتقوى والإصلاح .
عن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك وائتِ الذي هو خير ". ( خ7146 م 1652)
أقسام اليمين باعتبار المحلوف عليه:
1- أن يحلف على فعل واجب أو ترك محرم ، فهذا يحرم الحنث فيه لأنه تأكيداً لما كلف الله به عبادة 0
2- أن يحلف على ترك واجب أو فعل محرم، فهذا يجب الحنث فيه لأنه حلف على معصية، كما تجب الكفارة0
3- أن يحلف على فعل مباح ، أو تركه ، فهذا يكره فيه الحنث ويندب البر(1/11)
4- أن يحلف على ترك مندوب أو فعل مكروه، فالحنث مندوب، ويكره التمادي فيه، وتجب الكفارة0
5- أن يحلف على فعل مندوب أو ترك مكروه، فهذا طاعة الله، فيندب له الوفاء ويكره الحنث.
واليمين تعتريه الأحكام الخمسة :
1- يكون واجباً فى حالة إنقاذ حياة إنسان أو دفع الضرر البليغ عنه أو لدفع مفسدة عن المسلمين ونحو ذلك ، ففي مثل هذه الحالات يكون اليمين واجباً ، إن لم يحلف فربما يكون آثماً0
عن سويد بن حنظلة قَالَ: خرجنا نريد رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي، فخلى سبيله، فأتينا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنا أنه أخي، فقال: صدقت. المسلم أخو المسلم0(ص د3256)
2- يكون مندوباً فى حالة إصلاح ذات البين أو لدفع شر من الشرور0
3- ويكون مباحاً مثل أن يحلف أن يفعل فعلاً مباحاً كأن يحلف أن يأكل أو يشرب أو يصلي نافلة ، فإذا حلف كانت اليمين جائزة منعقدة وله أن يبرها، وإذا حنث فعليه الكفارة0
4- ويكون مكروهاً إذا كان الحلف على أمر مكروه أو على ترك مندوب مثل ما فعله أبو بكر عندما امتنع عن الإنفاق على مسطح عندما خاض فى حادثة الإفك ، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه0
5- ويكون محرماً إذا كان الحالف كاذباً وهذا هو اليمين الفاجرة أو الغموس التي تغمس صاحبها فى نار جهنم0
قال الله تعالى: (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(المجادلة: من الآية14)
عَنْ عَبْدِ اللّهِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان "0 (خ4549 م 138)(1/12)
ولذا كانت شهادة الزور من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله ، ومن قبيل اليمين الحرام التي يجب على الشخص أن يحنث بها هي اليمين المنعقدة، مثل أن يحلف على معصية كمن حلف لا يصوم ولا يصلي0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" والله، لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفَّارته التي افترض الله عليه ".( خ 6625 م 1655 )
يلجَّ: من الإلجاج وهو أن يقيم على يمينه ولا يحنث بها. يقول: إمامته على اليمين وترك التحلل بالكفارة أكثر إثماً من التحلل0
يشير الحديث إلى أن البر أكثر إثماً من الحنث ودفع الكفارة
حالات الأيمان
1- الأيمان الواجبة الحنث هي التي يترتب عليها ضرر بالأهل أو النفس أو الغير أو التي تلزمه بفعل المحرم أو الامتناع من فعل الواجب، فهذه الأيمان لا يجوز الوفاء بها ووجب فيها الحنث وإن لم يحنث كان آثماً 0
قال الله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:224) لا تمتنعوا من فعل ما هو واجب عليكم بحجة إنكم حلفتم فتتمسكوا باليمين لكي تمتنعوا عن البر0
2- أيمان البر بها مكروه والحنث بها أولى: مثل أن يحلف على الامتناع عن التصدق على الفقراء أو أن يحلف على أن لا يصلي نافلة0
عن عائشة: أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يكن يحنث في يمين قط، حتى أنزل الله كفارة اليمين، وقال: لا أحلف على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني. ( خ6625 م1655)
3- أيمان البر بها واجب ولا يجوز الحنث بها ولو حنث كان آثماً مثل أن يحلف على الامتناع عن المعاصي أو يحلف على فعل الفرائض مثل أن يحلف أن يصوم شهر رمضان أو يخرج صدقة الفطر0(1/13)
4- أيمان الحنث بها والبر ساء وهذا النوع فى المباحات كالأكل والشرب، فإذا قال: والله لا آكل هذا الرغيف أو هذه الفاكهة أو لا أشرب هذا الماء، فالبر فيها والحنث سواء ولكن لعل البر يكون أرجح من الحنث ، ولكنه لو كفر عن يمينه كان ذلك جائزاً 0(1/14)
الباب الثاني
النذور
النذر: هو التزام قربة غير لازمة فى أصل الشرع بلفظ يشعر بذلك مثل: أن يقول المرء: لله عليّ أن أتصدق بمبلغ كذا، أو إن شفى الله مريضي فعلي صيام ثلاثة أيام، ونحو ذلك ، ولا يصح النذر إلا من بالغ عاقل مختار ولو كان كافراً ، والنذر عبادة قديمة، فقد نذرت أم مريم ما فى بطنها لله.
قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران:35)
وأمر الله عز وجل مريم بالنذر0
فقال تعالى: ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً)(مريم: من الآية26)
مشروعية النذر
قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (البقرة:270) قال تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29) قال الله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (الانسان:7) عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"0( خ6696)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 8/276:
فليطعه: الطاعة أعم من أن تكون واجبة أو غير واجبة ويتصور النذر في الواجب بأن يؤقته كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته وأما المستحب في جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيد به الناذر والخبر صريح في الأمر بالوفاء بالنذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن الوفاء به إذا كان في معصية0
النذر فى المعصية لم تجب فيه كفارة عند: مالك والشافعي .(1/1)
وكفارته كفارة يمين عند: أبي حنيفة وأصحابه الثوري وهو الراجح.
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين".(ص ج 7547)
النذر غير مستحب وإن كان مشروعاً :
عن عبد الله بن عمر: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر وقال:" إنه لا يرد شيئاً، ولكنه يستخرج به من البخيل"0 (خ6693 م1639)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 8/276 ، 277 :
قال ابن الأثير في النهاية : تكرّر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال لحكمه وإسقاط للزوم الوفاء به، إذا كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك الأمر لا يجرِ لهم في العاجل نفعاً؛ ولا يصرف عنهم ضراً ولا يردّ قضاء فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئاً لم يقدّره الله تعالى لكم، أو تصرفون به عنكم ما قدّر عليكم، فإذا نذرتم ولم تعتقدوا هذا فاخرجوا عنه بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم 0 أهـ
قال الصنعاني فى سبل السلام 4/212 :
وأما النذر بالصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ونحوها من الطاعات فلا تدخل في النهي، وأما النذور المعروفة في هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات فلا كلام في تحريمها. لأن الناذر يعتقد في صاحب القبر أنه ينفع ويضر، ويجلب الخير ويدفع الشر، ويعافي الأليم، ويشفي السقيم، وهذا هو الذي كان يفعله عباد الأوثان بعينه، فيحرم كما يحرم النذر على الوثن . ويحرم قبضه، لأنه تقرير على الشرك. ويجب النهي عنه وإبانة أنه من أعظم المحرّمات ، وأنه الذي كان يفعله عبّاد الأصنام، لكن طال الأمد حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وصارت تعقد اللواءات لقباض النذور على الأموات، ويجعل للقادمين إلى محل الميت الضيافات. وينحر في بابه النحائر من الأنعام. وهذا هو بعينه الذي كان عليه عباد الأصنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون0(1/2)
ويصح النذر وينعقد إذا كان قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه، ويجب الوفاء به ولا يصح إذا نذر أن يعصي الله ولا ينعقد كالنذر للقبور وعلى أهل المعاصي كأن ينذر أن يشرب الخمر أو يقتل أو يترك الصلاة أو يؤذي والديه، فإن نذر ذلك لا يجب الوفاء بل يحرم عليه إن يفعل شيئاً من ذلك0
وتجب عليه الكفارة عند: جمهور الفقهاء منهم المالكية والشافعية.
قال الشوكاني فى الدراري 2/153:
إنما يصح إذا ابتغى به وجه الله، فلابد أن يكون قربة ولا نذر فى معصية الله، ومن النذر فى المعصية ما فيه مخالفة للتسوية بين الأولاد أو مفاضلة بين الورثة مخالفة لما شرعه الله تعالى ، ومنه النذر على القبور وعلى ما لم يأذن به الله ، ومن يوجب على نفسه فعلاً لم يشرعه الله تعالى لم يجب عليه ، وكذلك إن مما شرعه الله تعالى وهو لا يطيقه0
وقال الشوكاني فى الدراري 2/154:
ومن نذر بقربة وهو مشرك ثم أسلم لزمه الوفاء
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "أَوْفِ نَذْرَكَ". فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً.
(خ 1901)
النذر المباح
وهو مثل أن يقول: لله على أن أركب هذا القطار أو ألبس هذا الثوب
وهو ليس بنذر ولا يلزمه به شئ عند: الجمهور.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى أعرأبي قائما في الشمس وهو يخطب فقال:" ما شأنك" ، قال: نذرت يا رسول الله أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ليس هذا نذرا إنما النذر ما ابتغي به وجه الله عز وجل".( ص حم 6975)
النذر المشروط ( المعلق ):
هو التزام قربة عند حدوث نعمة أو دفع نقمة مثل: إن شفى الله مريضي فعلى إطعام ثلاثة مساكين فهذا يلزم الوفاء به عند حصول المطلوب(1/3)
النذر الغير المشروط :
هو أن يلتزم ابتداء بدون تعليق على أي شئ مثل أن يقول: لله علي أن أصلي ركعتين ، فهذا يلزم الوفاء به0
النذر للأموات :
وهو يقع من أكثر العوام ويقع من أكثر الصوفية وغيرهم ممن فسدت عقائدهم0
فينذرون للموتى النقود والشمع والزيت والذبائح تقرباً إليهم كأن يقول: يا سيدي فلان رد غائبى أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك كذا وكذا 0
وهذا النذر باطل حرام بالإجماع لوجوه :
1- أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة وهي لا تكون إلا لله عز وجل.
2- أن المنذور له ميت والميت لا يملك.
3- أنه إن ظن أن الميت يتصرف فى الأمور دون الله تعالى فاعتقاده ذلك كفر والعياذ بالله.
- لو نذر صلاة أو صياماً أو قراءة أو اعتكافاً فى مكان معين فإن كان للمكان المعين مزية فى الشرع كالصلاة فى المساجد الثلاثة لزم الوفاء به وإلا لم يتعين بالنذر الذي أمر الله بالوفاء به.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومسجد الأقصى"0 (خ1197 م 827)
عن ثابت بن الضحّاك قال: نذر رجلٌ على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلاً ببُوَانَةَ فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببُوَانَةَ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد؟" قالوا: لا، قال: "هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟" قالوا: لا، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :" أوف بنذرك، فإِنه لا وفاء لنذرٍ في معصية اللّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم "0 ( ص د3313)
بوانة: هي هضبة من وراء ينبع قريبة من ساحل البحر.
- من نذر صوماً مشروعاً وعجز عن الوفاء به لمرض لا يرجى برؤه أو لكبر سن، كان له أن يفطر ويكفر كفارة يمين أو يطعم عن كل يوم مسكيناً 0(1/4)
- من حلف بأن يتصدق بماله كله أو قال مالي فى سبيل فهو من نذر اللجاج .
عن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك في حديثه: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا}. فقال في آخر حديثه: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك"0 (خ6690 م 2769)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 8/288:
أنخلع من مالي : أي أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه
وقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ وقيل أن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل لا صدقة (إلا عن ظهر غِنى) وفي لفظ (أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غِنى) 0 أ هـ
فيه كفارة يمين عند: الشافعي.
ويخرج ثلث ماله عند: مالك.
وينصرف ذلك إلى كل ما يجب فيه الزكاة عن عينة من المال عند: أبي حنيفة
إذا حنث الناذر أو رجع عن نذر لزمته كفارة يمين :
عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" كفارة النذر كفارة اليمين".
(م1945)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 8/281:
والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يُسَمَّ لأن حمل المطلق على المقيد واجب.
وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في الحديث وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة
وهذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة.(1/5)
عن ابن عباس أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر نذراً لم يُسَمِّه فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذراً في معصيةٍ فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به"0 (ح د3322)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 8/284:
وقال ابن رشد في نهاية المجتهد ما حاصله: إنه وقع الاتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البر وكان على جهة الخبر وإن كان على جهة الشرط فقال مالك يلزم كالخبر ولا كفارة يمين في ذلك إلا أنه إذا نذر بجميع ماله لزمه ثلث ماله إذا كان مطلقا وإن كان معينا لزمه وإن كان جميع ماله أو أكثر من الثلث .
وإذا كان النذر مطلقا أي غير مسمى ففيه الكفارة عند كثير من العلماء ، وقال قوم فيه كفارة الظهار.
وقال قوم فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم من القرب صيام يوم أو صلاة ركعتين. أهـ
ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين: ظاهره سواء كان المنذور به طاعة أو معصية أو مباحا إذا كان غير مقدور ففيه الكفارة إلا أنه يخص من هذا العموم ما كان معصية بما تقدم ويبقى ما كان طاعة أو مباحا وسواء كان غير مقدور شرعا أو عقلا أو عادة.
ومن نذر نذرا أطاقه: ظاهره العموم ولكنه يخص منه نذر المعصية بما سلف وكذلك نذر المباح بلزوم الكفارة وأما النذر الذي لم يسم فغير داخل في عموم الطاقة وعدمها لأن أتصاف النذر بأحد الوصفين فرع معرفته وما لم يسم لم يعرف.
من مات وعليه نذر صيام صام عنه وليه
عن جابر بن عبد اللَّه أن امرأة أتت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي توفيت وعليها نذر صيام ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فقال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" ليصم عنها الولي".(ص هـ2133)
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من مات وعليه صيام صام عنه وليه"0(خ1952 م 1147)(1/6)
صام عنه وليه: يحتمل وجهين أحدهما: مباشرة فعل الصيام وقد ذهب إليه قوم من أصحاب الحديث 0
والوجه الآخر: أن يكون معناه الكفارة فعبر بالصوم عنها ، إذا كانت بدلاً عنه، وعلى هذا قول أكثر الفقهاء0
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟. قال:" نعم فدين الله أحق أن يقضى". (خ1953 م1148)
فدين الله : حق الله تعالى.
أحق أن يقضى : أولى بالقضاء والوفاء.
فى الحديث دليل على أنه يلحق الميت ما فعل له من بعده من صيام
قال الشوكاني فى الدراري 2/154:
وإذا مات الناذر بقربة ففعلها عنه ولده أجزاه ذلك0(1/7)
الكتاب الثالث عشر
البيوع
البيع هو : المبادلة : أي مبادلة مال بمال على سبيل التراضي. أو نقل ملك بعوض على الوجه المأذون فيه0
ولفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة0
والبيع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا )(البقرة: من الآية275)
وأحل الله الأرباح فى التجارة والشراء والبيع ، وحرم الربا يعني الزيادة علي التفصيل الذي سيأتي في موضعه.
عن رافع بن خديج قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الكسب أطيب. قال:" عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور". (ك 2/10 صحيحة 607)
وقد أجمعت الأمة على جواز البيع من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا 0
إما بيع سلعة حاضرة مرئية مقلبة بسلعة كذلك ، أو بسلعة بعينها غائبة معروفة.
وجوب العلم بأحكام البيع والشراء :
يجب على كل من تصدى للكسب أن يكون عالماً بما يصححه ويفسده لتقع معاملته صحيحة وتصرفاته بعيدة عن الفساد0
عن النعمان بن بشير قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه"0(خ2051 م1599)
التبكير فى طلب الرزق :
عن صخر الغامدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
(ص ت 1212)
فى بكورها : أول نهارها ، أي السعي مبكراً أول النهار.
حكمته :
الجمة فى مشروعية البيع: هي بلوغ الإنسان حاجته مما فى يد أخيه بغير حرج ولا مضرة.
أركانه:(1/1)
ينعقد بالإيجاب والقبول ،وهو من المعاملات المبنية على الرضا بالنفس ، وهذا لا يعلم لخفائه فأقام الشارع القول المعبر عما فى النفس ، والإيجاب ما صدر أولاً من أحد الطرفين والقبول ما صدر ثانياً، سواء فى ذلك صدور البيع أولاً من المشتري أو من البائع0
أما الشيء الحقير فلا يلزم فيه إيجاب وقبول ، وإنما يكفي فيه بالمعاطاة ويرجع فى ذلك إلى العرف وما جرت به العادة0
وأركان البيع خمسة وهي :
1- البائع : ولابد أن يكون مالكاً لما يبيع،أو مأذوناً فى بيعه ، رشيداً غير سفيه.
2- المشتري : ولابد أن يكون جائز التصرف بأن لا يكون سفيهاً ولا صبياً لم يؤذن له0
3- المبيع : المثمن، ولابد من أن يكون مباحاً طاهراً مقدوراً على تسليمه ، معلوماً لدى المشتري ولو بوصفه صفة تامة ترفع الجهالة وتمنع النزاع.
4- صيغة العقد: وهي الإيجاب والقبول بالقول نحو: بعني كذا ، فيقول البائع: بعتك ، أو بالفعل كأن يقول : بعني ثوباً مثلاً ، فيناوله إياه0
5- التراضي : فلا يصح بيع بدون رضا الطرفين
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ َقالُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إِنَّماَ الْبَيْعُ عَنْ تَرَاض".
(ص هـ2185)
شروط الصيغة :
ويشترط فى الإيجاب والقبول :
1- أن يتصل كل منهما بالآخر فى المجلس دون أن يحدث بينهما فاصل مضر0
2- أن يتوافق الإيجاب والقبول فيما يجب التراضي عليه من مبيع وثمن فلو اختلفا لم ينعقد
3- أن يكونا بلفظ الماضي مثل أن يقول البائع: بعت، ويقول المشتري: قبلت ، أو بلفظ المضارع إن أريد به الحال مثل: أبيع وأشتري مع إرادة الحال ، فإن أراد به المستقبل فلا يصح العقد0
وكما ينعقد البيع بالإيجاب والقبول ينعقد بالكتابة بشرط أن يكون كل من المتعاقدين بعيداً عن الآخر0
وينعقد البيع بواسطة رسول أحد المتعاقدين0
وينعقد البيع بالإشارة من الأخرس ، ويجوز للأخرس أن يعقد البيع بالكتابة.
ولا يشترط فى البيع ألفاظ معينة.
شروط البيع :(1/2)
ويشترط فى العاقد أن يكون عاقلاً وليس سكراناً ولا صبياً غير مميز.
1- طهارة العين :
عن جابر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح، وهو بمكة: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير، والأصنام". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام". ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه". ( خ2236 م1581)
يطلى: يدهن.
يستصبح بها الناس: يجعلونها في مصابيحهم يستضيئون بها.
شحومها: شحوم الميتة، أو شحوم البقر والغنم، كما أخبر تعالى بقوله: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا)(الأنعام: من الآية146)
جملوه: أذابوه واستخرجوا دهنه.
2- أن يكون منتفعاً به، فلا يجوز بيع الحشرات ولا الحية ولا الفأرة إلا إذا كان ينتفع بها0
ويجوز بيع: الهرة والنحل والفهد والأسد وما يصلح للصيد أو ينتفع بجلده0
ويجوز بيع: الفيل والببغاء الطاووس الطيور المليحة الصورة0
ولا يجوز بيع: الكلب الغير معلم.
عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.( م1569)
ويجوز بيع كلب الحراسة وكلب الزرع عند: أبي حنيفة.
3- أن يكون المتصرف فيه مملوكاً للعاقد ، أو مأذوناً فيه من جهة المالك، فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا يعتبر من تصرفات الفضولي، والفضولي هو الذي يعقد لغيره دون إذنه، كأن يبيع الزوج ما تملكه الزوجة دون إذنها 0
ومثل أن يبيع إنسان ملكاً لغيره وهو غائب، أو يشتري له دون إذنه0
4- أن يكون المعقود عليه مقدراً على تسليمه شرعاً وحساً ، فما لا يقدر على تسليمه حساً لا يصح بيعه كالسمك فى الماء0
ومثله الجنين فى بطن أمه ، والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله.(1/3)
5- أن يكون كل من المبيع والمثمن معلوماً0
والعلم بالمبيع يكتفي فيه بالمشاهدة0
ويجوز بيع ما غاب عن مجلس العقد بشرط أن يوصف وصفاً يؤدي إلى العلم به ، ثم إن ظهر موافقاً للوصف لزم البيع وإن ظهر مخالفاً ، فللمتعاقدين الخيار0
6- أن يكون المبيع مقبوضاً إن كان قد استفاده بمعاوضة0
ويجوز بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك حاصلاً فيه بمعاوضة ، قبل القبض وبعده0
أما ما كان حاصلاً بمعاوضة فإنه لا يصح بيعه حتى يقبضه ، ويصح له التصرف فيما عدا البيع لأن المشتري ملك البيع بمجرد العقد0
عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ابتاع طعاما، فلا يبعه حتى يستوفيه". (خ 2126 م1526)
ابتاع: اشترى.
الإشهاد على عقد البيع :
أمر الله تعالى بالإشهاد على عقد البيع فقال: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)(البقرة: من الآية282)
والأمر بالإشهاد للندب وليس للوجوب.
عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ وَلَمْ يُشهِد .(ص د 3607)
ويحرم البيع على لبيع :
عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يبع أحدكم على بيع أخيه".(خ 2139م1412)
بيع أخيه: هو بمعنى السوم الذي ذكر، أو يكون ذلك بعد العقد وفي زمن خيار المجلس أو خيار الشرط.
ولا فرق في هذا بين المسلم والكافر عند : الجمهور وحملوا كلمة "أخيه" علي الغالب.
ويجوز البيع بثمن حال ، كما يجوز بثمن مؤجل، وكما يجوز أن يكون بعضه مؤجلاً وبعضه مؤخراً متى كان عن تراض بين المتبايعين0
وإذا كان الثمن مؤجلاً فزاد البائع فيه من أجل التأجيل جاز لأن الأجل له حصة من الثمن0(1/4)
وهو ما ذهب إليه : الأحناف والشافعية وزيد والمؤيد بالله وجمهور الفقهاء والشوكاني.
السمسرة
السمسرة : هي التوسط بين البائع والمشتري لتسهيل البيع ، وهي شيء مقصود للناس فى حياتهم وكثيراً ما يحتاجون إليه فكم من أناس لا يعرفون طرق المساومة فى البيع والشراء ولا يعرفون طرق الوصول إلى شراء أو بيع ما يريدون شراءه أو بيعه وكم من أناس لا تسمح مراكزهم بالنزول إلى الأسواق والاتصال بالبائعين والمشترين ولا يجدون من يقوم لهم بالبيع والشراء حسبة لوجه الله0
ومن هنا كانت السمسرة عملاً شرعياً نافعاً للبائع والمشتري والسمسار يحتاج إليه ككل عمل آخر يحتاج إليه الناس وينفعهم وليس فيه ما يوجب التحريم0
السمسرة إجارة شرعية تخضع للاتفاق أو العرف:
غير أنه يجب على السمسار ليكون ما يأخذه حلالاً ، الإخلاص فى التوسط، والبعد عن التغرير والتدليس مما يحرم عليه كسبه وأجرته وبذلك كان الاستئجار عليها إجارة شرعية صحيحة منتفعة معلومة ، أجرة معلومة ، وعمل له قيمته بين الناس وطريق للكسب لا شبهة فيه ، فكيف تحرم ولا تحل؟ وعلى هذا فإن تعاقد إنسان مع آخر ليبيع له أو ليشتري واتفقا على أجر معين أو لم يتفقا على الأجر ولكن كان ببلد للتعامل عرف عام يحدد أجرة السمسرة ، صح العقد ولزم الأجر المتفق عليه أو المقرر بحكم العرف.
بيع المكره :
العاقد مختار فى بيع متاعه ، فإذا أكره على بيع ماله بغير حق فإن البيع لا ينعقد0
قال الله تعالى: ( إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )(النساء: من الآية29)
التجارة : كل عقد يقصد به الربح مثل عقد البيع وعقد لإجازة وعقد الهبة بشرط العوض0
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ َقالُ:قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إِنَّماَ الْبَيْعُ عَنْ تَرَاض"0
(ص هـ2185)
عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"0 (ص هـ2045)(1/5)
إيفاء الكيل والميزان
قال الله تعالى: ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)(الأنعام: من الآية152)
يحثنا الله عز وجل على مراعاة الكيل والوزن بالعدل ، إذا كلنا وإذا وزنا فلا نزيد لأنفسنا ، وإذا كلنا ووزنا لغيرنا فلا نبخس منه شيئاً 0
عن سويد بن قيس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"للوزان زن وارجح".
(ص ت1305)
بيع الغرر
بيع الغرر: هو كل بيع احتوى جهالة أو تضمن مخاطرة أو قماراً وقد نهى عنه الشارع ومنع منه0
قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران.
أحدهما : ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه ، كبيع أساس البناء تبعا ، واللبن في الضرع تبعاً للدابة.
والثاني: ما يتسامح بمثله أما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه كدخول الحمام بالأجر مع اختلاف الناس فى الزمان ومقدار الماء المستعمل وكالشرب من الماء المحرز وكالجبة للحشوة قطناً 0
شراء المغصوب والمسروق :
يحرم على المسلم أن يشتري شيئاً وهو يعلم أنه أخذ من صاحبه بغير حق لأن أخذه بغير حق ينقل الملكية من يد مالكه فيكون شراؤه له شراء ممن لا يملك مع ما فيه من التعاون على الإثم والعدوان0
من البيوع التي لا تجوز
لا يجوز بيع العنب لمن يتخذه خمراً 0
عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ. لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الْخَمرِ عَشرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا والمحمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وبَائِعَهَا وآكِلَ ثَمنِها والمشتري لَهَا والمشْترَاةَ لَهُ. (ص هـ3381)
في الخمر: أي في شأنها أو لأجلها.
عاصرها: وهو من يعصرها بنفسه لنفسه أو لغيره.
ومعتصرها: من يطلب عصرها لنفسه أو غيره .
والمحمولة إليه: أي من يطلب أن يحملها أحد إليه.
وبائعها: أي عاقدها ولو كان وكيلاً أو دلالاً.
والمشتري: أي للشرب أو للتجارة بالوكالة أو غيرها.(1/6)
كثرة الحلف
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة". (خ2087)
الحلف: اليمين، والمراد بها هنا الكاذبة.
منفقة للسلعة: أي سبب لنفاق المتاع ورواجها في ظن الحالف.
ممحقة للربح: أي سبب لمحق البركة وذهابها. إما بتلف يلحقه في ماله، أو بإنفاقه في غير ما يعود نفعه إليه في العاجل، أو ثوابه في الآجل.
عن أبي قتادة عن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق"0 (م1607)
عن عبد الرحمن بن شبل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن التجار هم الفجار" ، قالوا : يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع وحرم الربا، قال: "بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون"0(حم3/444 ص ج 1594)
عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ". فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ. فَقَالَ: "إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ". (ص د 2145)
عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَة قَالَ: فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ياَ مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اَلْحلِفَ وَاللَّغْوُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَة"ِ0 (ص د3326)
شوبوه بالصدقة : طهروه بالصدقة.(1/7)
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان". فأنزل الله تصديق لذلك: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}(خ6676 م138)
يشترون : يستبدلون ويعتاضون.
بعهد الله : ما أمر به من اتباع الحق والإيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والتزام شريعته وهديه.
أيمانهم: حلفهم.
ثمناً قليلاً: عروض الدنيا الزائلة.
لا خلاق: لا نصيب ولا حظ.
لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم: لا يسرهم بكلامه ولا ينظر إليهم نظر رحمة وعطف.
ولا يزكيهم: لا يثني عليهم.
عن عبد الله بن عمرو،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس". (خ6675)
قتل النفس: المعصومة بدين أو عهد، ظلماً.
اليمين الغموس: هي الحلف على أمر وهو يعلم أنه كاذب فيه، سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في النار.
وسميت اليمين غموساً : لأنها تغمس صاحبها فى نار جهنم ولا كفارة لها عند بعض الفقهاء لأنها لشدة فحشها وكبر إثمها لا يمكن تداركها بالكفارة0
عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة" ، فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً، يا رسول الله؟ قال: "وإن قضيبا من أراك".(م137)
وإن قضيبا من أراك: وإن اقتطع قضيبا.
البيع والشراء فى المسجد :
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يبْتَاعُ في الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ الله تِجَارَتَكَ. وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالّة فَقُولوا: لا ردّ الله عَلَيْك". (ص ت1321)(1/8)
فقولوا: أي لكل منهما باللسان جهراً أو بالقلب سراً. والظاهر أن يكون القول باللسان جهراً .
لا أربح الله تجارتك: دعاء عليه أي لا جعل الله تجارتك ذات ربح ونفع.
ضالة: الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من الحيوان وغيره.
وفى الحديث دليل على: النهي عن نشد الضالة في المسجد ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء.
يجوز البيع فى المسجد عند: أبي حنيفة.
ويجوز مع الكراهة عند: مالك والشافعي وهو الراجح.
ويحرم عند: أحمد.
البيع عند أذان الجمعة
يحرم البيع عند أذان الجمعة وعند ضيق وقت المكتوبة.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة:9)
ولا يصح عند : أحمد.
الشروط فى البيع قسمان:
1- صحيح لازم :
وهو ما وافق مقتضى العقد وهو ثلاثة أنواع:
أ- شرط يقتضيه البيع كشرط التقابض وحلول الثمن.
ب- شرط ما كان من مصلحة العقد مثل شرط تأجيل الثمن أو تأجيل بعضه أو شرط صفة معينة فى المبيع ، كأن تكون الدابة لبوناً أو حاملاً مثلاً فإذا وجد الشرط لزم البيع0
وإن لم يوجد الشرط كان للمشتري فسخ العقد لفوات الشرط 0
وكان له أيضاً أن ينقص عن قيمة السلعة بقدر الصفة المشروطة0
ج- شرط ما فيه نفع معلوم للبائع أو المشتري كما لو باع داراً أو اشترط منفعتها مدة معلومة كأن يسكنها شهراً أو شهرين ، وكذلك لو باع دابة واشترط أن تحمله إلى موضع معين0
عن جابر - رضي الله عنه - : أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربه، فدعا له فسار بسير ليس يسير مثله، ثم قال: "بِعْيِنه بوقية". قلت: لا، ثم قال: "بِعْيِنه بوقية". فبعته، فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على إثري قال: "ما كانت لآخذ جملك، فخذ جملك، فهو مالك".
((1/9)
خ2718 م715)
فاستثنيت حملانه إلى أهلي: اشترطت أن يكون لي حق الركوب والحمل عليه إلى المدينة.
على أثري: ورائي.
ويصح أن يشترط المشتري على البائع نفعاً معلوماً كحمل ما باعه إلى موضع معلوم أو تكسيره أو خياطته أو تفصيله.
وهذا مذهب : أحمد والأوزاعي وأبي ثور وأبي إسحق وابن المنذر.
ولا يصح هذا البيع عند: الأحناف والشافعي.
2- مبطل للعقد فاسد:
وهو ما يبطل العقد من أصله كأن يشترط على صاحبه عقداً آخر مثل قول البائع للمشتري: أبيعك هذا على أن تبيعني كذا أو تقرضني0
عن ابنَ عَمْروٍ: أَنّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: لاَ يَحلّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ. ولاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ. (ح ت1234)
بيع العربون :
وهو أن يشتري المشتري شيئاً ويدفع جزءاً من ثمنه إلى البائع ، فإن نفذ البيع احتسب من الثمن وإن لم ينفذ أخذه البائع على أنه هبة له من المشتري0
وهو لا يصح عند: الجمهور.
ويجوز عند: أحمد.
تنبيهان :
1- من باع شيئاً بشرط البراءة من كل عيب مجهول ، لم يبرأ البائع، ومتى وجد المشتري عيباً بالمبيع فله الخيار لأنه إنما يثبت بعد البيع فلا يسقط قبله0
فإن سمى العيب أو أبرأه المشتري بعد العقد برئ0
2- إذا اختلف البائع والمشتري فى الثمن وليس بينهما بينة فالقول قول البائع مع يمينه، والمشتري مخير بين أن يأخذ السلعة بالثمن الذي قال به البائع وبين أن يحلف بأنه ما اشتراها بهذا لثمن وإنما اشتراها بثمن أقل0
فإن حلف برئ منها وردت السلعة على البائع ، سواء أكانت السلعة قائمة أم تالفة0
عن عَبْد الله قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إذَا اخْتَلَفَ الْبَيّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبّ السّلْعَةِ أوْ يَتَتَارَكَان0 (ص د3511)
أو يتتاركان: قال الخطابي : أي يتفاسخان العقد.
التسعير
التسعير هو: وضع ثمن محدد للسلع التي يراد بيعها بحيث لا يظلم المالك ولا يرهق المشتري0(1/10)
عنْ أَنَسٍ، قالَ: غَلاَ السّعْرُ عَلَى عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالُوا: يَا رسولَ الله سَعّرْ لَنَا فقَالَ "إنّ الله هُوَ الْمسَعّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرّزّاقُ، وإنّي لأَرْجُو أنْ ألْقَى رَبّي وَلَيْسَ أحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمِةٍ في دَمٍ ولاَ مَال. (ص ت1314)
غلا السعر: أي ارتفع السعر.
سعر لنا: أمر من تسعير وهو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمر أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة.
إن الله هو المسعر: أي أنه هو الذي يرخص الأشياء ويغليها فلا اعتراض لأحد. ولذلك لا يجوز التسعير .
القابض : أي مضيق الرزق وغيره على من شاء كيف شاء.
الباسط : موسع الرزق وغيره على من شاء كيف شاء .
وهذا الحديث يدل على حرمة تدخل الحاكم فى تحديد سعر السلعة لأن ذلك مظنة الظلم ، والناس أحرار فى التصرفات المالية والحجر عليهم مناف لهذه الحرية.
ويرخص فى التسعير عند الحاجة إليه: فإن التجار إذا ظلموا وتعدوا تعدياً فاحشاً يضر بالسوق وجب على الحاكم أن يتدخل ويحدد السعر صيانة لحقوق الناس ومنعاً للاحتكار ودفعاً للظلم الواقع عليهم من جشع التجار0
فيجوز التسعير فى حالة الغلا عند: مالك وبعض الشافعية والزيدية.
الاحتكار
الاحتكار: هو شراء الشيء وحبسه ليقل بين الناس فيعلو سعره ويصيبهم بسبب ذلك الضرر وهو حرام0
عن معمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من احتكر فهو خاطئ".( م 1605 )
الخاطئ: المذنب العاصي
عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى".( ص حم488)
ويحرم الاحتكار إذا توافرت فيه شروط ثلاثة :(1/11)
1- أن يكون الشيء المحتكر فاضلاً عن حاجته وحاجة من يعولهم سنة كاملة لأنه يجوز أن يدخر الإنسان نفقته ونفقة أهله هذه المدة كما كان يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -
2- أن يكون قد انتظر الوقت الذي تغلو فيه السلع ليبيع بالثمن الفاحش لشدة الحاجة إليه.
3- أن يكون الاحتكار فى الوقت الذي يحتاج الناس فيه إلى المواد المحتكرة من الطعام والثياب ونحوها، فلو كانت هذه المواد لدى عدد من التجار ، ولكن لا يحتاج الناس إليها، فإن ذلك لا يعد احتكاراً حيث لا ضرر يقع بالناس0
الخيار
الخيار هو الاسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الإلغاء وهو أقسام :
1-خيار المجلس :
إذا حصل الإيجاب والقبول من البائع والمشتري وتم العقد فلكل واحد منهما حق إيفاء العقد أو إلغائه ما داما في المجلس (أي محل لعقد) ما لم يتبايعا على أنه لا خيار0
فقد يحدث أن يتسرع أحد المتعاقدين فى الإيجاب أو القبول ثم يبدو له أن مصلحته تقتضي عدم إنفاذ العقد فجعل له الشارع هذا الحق لتدارك ما عسى أن يكون قد فاته بالتسرع0
عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، أو قال: "حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما". ( خ2079 م1532)
البيعان: المتبايعان وهما البائع والمشتري.
بالخيار: لهما حق الخيار في أن يمضيا البيع أو ينقضاه.
ما لم يتفرقا: من مجلس العقد . بينا: بين كل منهما للآخر ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في المبيع أو الثمن.
كذبا: في الأوصاف.
كتماً : في العيوب.
محقت: من المحق، وهو النقصان وذهاب البركة.
والخيار فى المجلس ثابت ما لم يتفرقا وإلى هذا ذهب : الشافعي وأحمد.
وخيار المجلس باطل والعقد بالقول كافٍ لازم عند: أبي حنيفة ومالك.
2- خيار الشرط :(1/12)
وهو أن يشتري أحد المتبايعين شيئاً على أن له الخيار مدة معلومة إن طالت إن شاء أنفذ البيع فى هذه المدة وإن شاء ألغاه0
ويجوز هذا الشرط للمتعاقدين معاً ولأحدهما إذا اشترطه.
عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه، ما لم يتفرقا. إلا بيع الخيار"0 ( خ2111م1531)
إلا بيع الخيار: بأن يخير أحد المتبايعين صاحبه بعد تمام البيع ، فإن اختار الإمضاء لزم البيع وبطل الخيار وإن لم يتفرقا0
أي لا يلزمه البيع حتى يتفرقا إلا إذا اشترط أحدهما أو كلاهما شرط الخيار مدة معلومة0
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع"0 ( خ 2112 م1531)
إذا تَبَايعَ الرَّجلانِ: أي أوقعا العقد بينهما لا تساوما من غير عقد.
فكُلُّ واحِدٍ مِنْهُما بالْخِيار مَا لَمْ يتَفَرَّقَا: المراد بالأبدان.
وجَبَ الْبَيْعُ: أي نفذ وتم.
وإنْ تَفَرّقا: بالأبدان.
بَعْدَ أَنْ تَبَايَعا: أي عقدا عقد البيع.
3-خيار العيب :
ويحرم على الإنسان أن يبيع سلعة بها عيب دون بيانه للمشتري فإن فعل فالمشترى الخيار.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعاً، فِيهِ عَيْبٌ، إِلاَّ بَيَّنَهُ لَهُ"0(ص هـ2246)
فيه دليل على تحريم كتم العيب ووجوب تنبيه المشتري.(1/13)
عن العَدّاءُ بنُ خَالِدِ قال َ: كِتب لِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : هذَا ما اشْتَرَى العَدّاءُ بنُ خَالِدِ بنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمّدٍ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - . اشْتَرَى مِنْهُ عَبْداً أوْ أمَةً. لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَة َ، بَيْعَ المُسْلِم المُسْلمَ . (خ كتاب 39 باب 19)
لا داء: لا عيب، قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال.
ولا غائلة: لا فجور ولا خيانة ، قال ابن بطال: اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي.
ولا خبثة: المراد الأخلاق الخبيثة كالاباق. والخبث الحرام.
بيع المسلم على المسلم : أي لا غش فيه ولا خديعة.
4-خيار التدليس فى البيع :
إذا دلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن حرم عليه ذلك0
وللمشتري خيار الرد ثلاثة أيام ، وقيل إن الخيار يثبت له على الفور
والحرمة للغش والتدليس.
وأما ثبوت خيار الرد :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر".
(خ2148 م1524)
لا تصروا: المصراة هي التي صرى لبنها وحقن فيه وجمع ، فلم يحلب أياماً ، وأصل التصرية حبس الماء ، والمعنى أي لا تتركوا لبنها فى ضرعها أياماً حتى يعظم فتشتد الرغبة فيها.
بخير النظرين: يختار أنفع الرأيين له.
أمسك: ورضي بالبيع.
ردها وصاع تمر : أي يرد معها صاعاً من تمر أو شيئاً من غالب قوتهم بدلاً من اللبن الزائد عن نفقتها إذا كانت تعلف أو ما يرتضيه المتعاقدان من قوت وغيره.
5- خيار الغبن :
والغبن يكون بالنسبة للبائع كأن يبيع ما يساوي خمسة بثلاثة0
وقد يكون بالنسبة للمشتري كأن يشتري ما قيمته ثلاثة بخمسة0(1/14)
فإذا باع الإنسان أو اشترى وغبن كان له الخيار فى الرجوع فى البيع وفسخ العقد بشرط أن يكون جاهلاً ثمن السلعة ، ولا يحسن المماكسة لأنه يكون حينئذ مشتملاً على الخداع الذي يجب أن يتنزه عنه المسلم0
فإذا حدث هذا كان له الخيار بين إمضاء العقد أو إلغائه.
والغبن يقيد بالعرف والعادة ، فما اعتبره العرف غبناً ثبت فيه الخيار ، وما لم يعتبره لا يثبت فيه وهو قول: مالك وأحمد.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يخدع في البيوع فقال: "إذا بايعت فقل لا خلابة". (خ 2117 م1533)
رجلا: هو حبان بن منقذ - رضي الله عنه - .
لا خلابة: لا خديعة أي لا تحل لك خديعتي أو لا يلزمني خديعتك.
ظاهر هذا أن من قال ذلك ثبت له الخيار سواء غبن أم لم يغبن.
ولا يثبت الخيار بالغبن عند : الجمهور.
الإقالة :
من اشتري شيئاً ثم ظهر له عدم حاجته إليه ، أو باع شيئاً ثم بدا له أنه محتاج إليه.
فلكل منهما أن يطلب الإقالة وفسخ العقد.
قد رغب الإسلام فيها ودعا إليها:
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ أقَالَ مُسْلِمَاً أقَالَُ الله عَثْرَتَه". (حم2/252 صحيحة2614)
وتجوز قبل قبض المبيع ولا يثبت فيها خيار التدليس ولا خيار الشرط ولا شفعة فيها لأنها ليست بيعاً.
وإذا انفسخ العقد رجع كل من المتعاقدين بما كان له فيأخذ المشتري الثمن ويأخذ البائع العين المبيعة
إذا تلفت العين المبيعة أو مات العاقد أو زاد الثمن أو نقص فإنها لا تصح0
السّلم :
هو السلف وهو بيعُ موصوفٍ فى الذمة بثمن معجل ، ويسمى بيع المحاويج ، لأنه بيعُ غائبٍ تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتبايعين.
فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري السلعة وصاحب السلعة محتاج إلى ثمنها قبل حصولها عنده لينفقها على نفسه وعلى زرعه حتى ينضج فهو من المصالح الحاجية0
ويسمى المشتري المُسَلِّم أو رب السلم.(1/15)
ويسمى البائع المسلَّم إليه.
والمبيع المسلَّم فيه والثمن رأس مال السَّلَم.
وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
عن ابن عباس أنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله اللّه في كتابه وأذن فيه ثم قرأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ )(البقرة: من الآية282)
عن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، والناس يسلفون في الثمر العام والعامين، أو قال: عامين أو ثلاثة، شك إسماعيل، فقال: "من سلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم".(خ2239 م1604)
يسلفون: من السلف وهو: بيع على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا، وسمي سلفا لتقديم رأس المال، ويسمى أيضا سلما، لأنه يشترط فيه تسليم رأس المال في مجلس العقد.
ومشروعية السلم مطابقة لمقتضى الشريعة ومتفقة مع قواعدها وليست فيها مخالفة للقياس لأنه كما يجوز تأجيل الثمن فى البيع يجوز تأجيل المبيع فى السلم من غير تفرقة بينهما.
والدين هو المؤجل من الأموال المضمونة فى الذمة ، ومتى كان المبيع موصوفاً ومعلوماً ومضموناً فى الذمة وكان المشتري على ثقة من توفية البائع المبيع عند حلول الأجل كان المبيع ديناً من الديون التي يجوز تأجيلها والتي تشملها الآية: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ )(البقرة: من الآية282)
ولا يدخل هذا فى نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع المرء ما ليس عنده كما جاء:
عن حكيمِ بنِ حزامٍ قال: نَهاني رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أن أبيعَ ما ليسَ عندِي.
(ص ت1233)
فإن المقصود من هذا النهي أن يبيع المرء ما لا قدرة له على تسليمه ، لأن ما لا قدرة له على تسليمه ليس حقيقة فيكون بيعه غرراً ومغامرة0
أما بيع الموصوف المضمون فى الذمة مع غلبة الظن بإمكان توفيته فى وقته فليس من هذا الباب فى شئ .
شروطه :(1/16)
للسلم شروط منها ما يكون فى رأس المال،ومنها ما يكون فى المسلم فيه0
شروط رأس المال :
1- أن يكن معلوم الجنس.
2- أن يكون معلوم القدر.
3- أن يسلم كله فى المجلس.
شروط المسلم فيه :
1- أن يكون فى الذمة.
2- أن يكن موصوفاً بما يؤدي إلى العلم بمقداره وأوصافه التي تميزه عن غيره كي ينتفي الغرر وينقطع النزاع.
3- وأن يكون الأجل معلوماً.
الربا :
الربا : لغة: الزيادة.
وشرعاً : الزيادة عن رأس المال قلَّت أو كثرت.
وهي: أكل لأموال الناس بالباطل بدون مقابل من صاحب المال المعطي
قال الله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة:279) إذا رجعوا المتعاملين بالربا عن الربا وكفوا أيديهم عن أخذه وندموا على فعله خضوعاً لأوامر الله عز وجل ، فلهم أن يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا عليها شيئاً من الغرماء فيظلموهم ولا يماطلهم المدينون أو ينقصون شيئا ًمن ديونهم فيظلموهم والله لا يرضى أن يظلم أحد من عباده0
وهو محرم في اليهودية والنصرانية والإسلام0
جاء فى العهد القديم : إذا أقرضت مالاً لأحد من أبناء شعبي فلا تقف منه موقف الدائن ولا تطلب منه ربحاً لمالك0 (الخروج25/22)
وجاء فى العهد الجديد : إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟ ولكن افعلوا الخيرات واقرضوا غير منتظرين عائدتها ، وإذا يكون ثوابكم جزيلاً.(لوقا 34/6)
وجاء تحريم الربا فى القرآن الكريم مرتباً ترتيباً زمنياً :
قال الله تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم:39) نزلت فى مكة قبل الهجرة0(1/17)
والمعني : من أعطى عطية ليبتغي بها الزيادة من أموال الناس والسمعة عندهم فلا ثواب له عند ربه لأنه لم يفعل ذلك ابتغاء مرضاته تعالى ، أما الزكاة التي يقصد بها المؤمن وجه الله ويطلب بأدائها رضاه فهي التي يضاعف الله ثوابها ويجزل جزاءها (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:245) وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:130) نزلت فى المدينة بعد الهجرة
والمعني : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تأكلوا الربا في إسلامكم، بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم. وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل ، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخر عنى دينك، وأزيدك على مالك ! فيفعلان ذلك، فذلك هو الربا أضعافا مضاعفة، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه. وغيره من الربا فى حكمه من التحريم0
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة:278-279) آخر ما نزل.
فى هذه الآية رد قاطع على من يقول: إن الربا لا يحرم إلا إذا كان أضعافاً مضاعفة لأن الله لم يبح إلا رد رؤوس الأموال دون الزيادة ، وفيها تحريم كل قاطع لا فرق بين قليل وكثير اقطعوا المعاملة به حالاً0(1/18)
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة 275-276) بينت هذه الآية الكريمة حال الذين يأخذون الربا يستحلونه من غير وجه شرعي ويأكلون أمال الناس بالباطل قد ركبهم شيطان الجشع ، فتراهم فى قيامهم وتصرفاتهم يتخبطون خبط عشواء كالصرعى الذين مسهم الجن ، وإنما خص القيام لأنه أبرز مظاهر النشاط فى العمل ، يعرفهم أهل الحشر يوم القيامة بصفاتهم تحقيراً لهم، ويبعثهم الله بهذه الحال عقاباً لهم، لأنهم نظموا البيع والربا فى عقد واحد فيجعلون الربا كالبيع والشراء فكما يجوز لك أن تبيع الشئ الذي قيمته درهم بدرهمين فلماذا لا يجوز فى عقيدتهم أن يعطوا درهما فى وقت العسرة والشدة للمحتاج ليدفعها لهم وقت الرخاء درهمين ؟ !
والربا قسمان :
1- ربا النسيئة
وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل.
وهو الذي كانوا يفعلونه فى الجاهلية ، وهو أن يؤخر دينه ويزيده فى المال، وكلما زاد فى المال حتى تصير المائة آلافاً مؤلفة ، وفى الغالب لا يفعل مثل ذلك إلا معدم محتاج فهو يبذل الزيادة ليفتدي من أسر المطالبة ولا يزال كذلك يعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويوقعه فى المشقة والضرر0
وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
2- ربا الفضل(1/19)
وهو بيع النقود بالنقود ، أو الطعام بالطعام مع الزيادة0
كأن يبيع قطعة من الحلي كسوار بأكثر من وزنها دنانير،أو يبيع كيلة من التمر الجيد بكيلة وحفنة من التمر الردئ مع تراضي المتبايعين وحاجة كل منهما إلى ما أخذه0
وهو محرم بالسنة والإجماع 0
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لاَ تَبِيعُوا الدّينَارَ بِالدّينَارَيْنِ وَلاَ الدّرْهَمَ بِالدّرْهَمَيْن"0(م1585)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الذهب بالذهب. والفضة بالفضة. والبر بالبر. والشعير بالشعير. والتمر بالتمر. والملح بالملح. مثلا بمثل. يدا بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى. الآخذ والمعطي فيه سواء".( م1584)
فمن زاد: أعطى الزيادة.
أو استزاد: طلب الزيادة.
فقد أربى : أوقع نفسه فى الربا ، فدافع الزيادة وآخذها عاصيان مربيان.
وهذه الأعيان الستة تنتظم فى الأشياء الأساسية التي يحتاج إليها الناس التي لا غنى عنها0
فالذهب والفضة هما العنصران الأساسيان للنقود، فإذا وجدت العلة نقد آخر فلا يباع إلا مثلاً بمثل يداً بيد0
الأربعة الباقية هي عناصر الأغذية ، وإذا وجدت العلة فى طعام آخر فإنه لا يباع ولا يشترى إلا مثلاً بمثل يداً بيد0
عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح. فقال: بعه ثم اشتر به شعيرا. فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع. فلما جاء معمرا أخبره بذلك. فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده. ولا تأخذن إلا مثلا بمثل. فإني كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الطعام بالطعام مثلا بمثل". قال: وكان طعامنا، يومئذ، الشعير. قيل له: فإنه ليس بمثله. قال: إني أخاف أن يضارع. ( م1592)
يضارع: أي يشابه ويشارك. ومعناه أخاف أن يكون في معنى المماثل، فيكون له حكمه في تحريم الربا.
فكل ما يقوم مقام الأجناس الستة يقاس عليها ويأخذ حكمها :(1/20)
فإذا بيع ذهب بذهب أو قمح بقمح.
فيشترط لصحة التبادل شرطان :
1- التساوى فى الكمية بقطع النظر عن الجودة والرداءة0
عن أبي سعيد الخدري قال: جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر برني فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أين هذا"؟. قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع، لنطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "أوه أوه، عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتر به".( خ2312 م1594)
برني: نوع من التمر أصفر مدور، وهو من أجود التمر.
أوه: كلمة تقال عند الشكاية والحزن، وقالها - صلى الله عليه وسلم - تألما من هذا الفعل، أو لسوء الفهم لمعنى الربا.
2-عدم تأجيل أحد البدلين ، بل لابد من التبادل الفوري :
عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز".
(خ1591 م1584)
ولا تشفوا بعضها على بعض: أي لا تفضلوا. والشف، الزيادة. ويطلق أيضا على النقصان، فهو من الأضداد.
بناجز: المراد بالناجز الحاضر وبالغائب المؤجل.
بيع العِِيْنَة :
وهو أن الإنسان المحتاج إلى نقود يشتري سلعة بثمن معين إلى أجل ، ثم يبيعها لمن اشتراها منه بثمن حال أقل ، فيكون الفرق هو فائدة المبلغ الذي أخذه عاجلاً.
وهذا البيع حرام ويقع باطلاً عند: أبي حنيفة ومالك وأحمد وهو الصحيح.
ويجوز عند : الشافعي.
عن أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أوْكَسُهُمَا أوِ الرّبَا.(ح د3461)(1/21)
من باع بيعتين في بيعة: قال الخطابي:لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحح البيع بأوكس الثمنين إلا شيء يحكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد ، وذلك لما يتضمنه هذا العقد من الغرر والجهل.
ثم قال الخطابي: وتفسير ما نهى عنه من بيعتين في بيعة على وجهين: أحدهما أن يقول بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة أو نسيئة بخمسة عشر فهذا لا يجوز لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد،وإذا جهل الثمن بطل البيع.
قال سماك: هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنساء بكذا وهو بنقد بكذا وكذا0
وكذلك فسره الشافعي رحمه الله فقال بأن يقول بعتك بألف نقداً أو بألفين إلى سنة، فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا.
والوجه الآخر: أن يقول بعتك هذا العبد بعشرين ديناراً على أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير، فهذا أيضاً فاسد، لأنه جعل ثمن العبد عشرين ديناراً وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير0
قال طاووس: لا بأس أن يقول له بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة وإلى شهرين بخمسة عشر فيذهب به إلى إحداهما.
وقال في النهاية: نهى عن بيعتين في بيعة هو أن يقول بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة ونسيئة بخمسة عشر فلا يجوز لأنه لا يدرى أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد.
ومن صوره أن يقول بعتك هذا بعشرين على أن تبيعني ثوبك بعشرة، فلا يصح للشرط الذي فيه ولأنه يسقط بسقوطه بعض الثمن فيصير الباقي مجهولا وقد نهي عن بيع وشرط وعن بيع وسلف وهما هذان الوجهان .
فله أوكسهما: أي أنقصهما.
أو الربا: يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر.
وقوله في الحديث : من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا: هو منزل على العينة بعينها، لأنه بيعان في بيع واحد، فأوكسهما: الثمن الحال وإن أخذ بالأكثر وهو المؤجل ـ أخذ بالربا. فالمعنيان لا ينفكان من أحد الأمرين إما الأخذ بأوكس الثمنين، أو الربا، وهذا لا يتنزل إلا على العينة.(1/22)
عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل اللّه أنزل اللّه بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم".( ص حم2825)
وقال أبو عبيد الهروي: العينة هو أن يبيع الرجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضا عينة، وهي أهون من الأولى، وهو جائز عند بعضهم. وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة، وذلك لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره.
واتبعوا أذناب البقر:يريد أنهم تفرغوا للزرع وأذلوا أنفسهم للأرض وتركوا الجهاد كما فى الحديث0
عن ابنِ عُمَرَ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إذَا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ وَأخَذْتُمْ أذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلاّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُم".(ص د3462)
إذا تبايعتم بالعينة: قال الجوهري: العين بالكسر السلف.
وقال في القاموس: وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها.
قال والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن .
قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر .
وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع: حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد وهذا شئ مشاهد ظهرت آثاره فى المسلمين ، حين صاروا عبيد الأرض والزرع، بل هو ظاهر فى كل أمة استعبدتها الأرض وقصرت نفسها على الزرع0(1/23)
وتركتم الجهاد: أي المتعين فعله.
سلط الله عليكم ذلا : أي صغاراً ومسكنة ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض.
وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان.
قال المحرمون للعينة: الدليل على تحريمها من وجوه :
أحدها: أن الله تعالى حرم الربا والعينة وسيلة إلى الربا، بل هي من أقرب وسائله والوسيلة إلى الحرام حرام، فهنا مقامان.
أحدهما: بيان كونها وسيلة.
والثاني: بيان أن الوسيلة إلى الحرام حرام.
القرض :
القرض هو المال الذي يعطيه المقرض للمقترض ليرد مثله إليه عند قدرته عليه ، وسمى بالقرض لأن المقرض يقطعه من ماله0
وهو قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه لما فيه من الرفق بالناس والرحمة بهم وتيسير أمورهم وتفريج كربهم0
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"0 (م 2699)
نفس : أزال.
يسر على معسر: بالإبراء أو الانتظار.
عن ابن مسعود :أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة". (ص هـ2430)
قال الشيخ الألباني فى السلسلة الصحيحة 4/72:(1/24)
مع هذه الفضيلة البالغة للقرض الحسن ، فإنه يكاد أن يزول من بيوع المسلمين ، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم ، فإنك لا تكاد تجد فيهم من يقرضك شيئاً إلا مقابل فائدة إلا نادراً ، فإنك قليلاً ما يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقداً أو نسيئة ، بل جمهورهم يطلبن منك زيادة فى بيع النسيئة ، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط. أهـ
ولا يجوز اشتراط الأجل فى القرض ، وللمقرض أن يطالب ببدله فى الحال ، فإذا أجل القرض إلى أجل معلم لم يتأجل وكان حالاً وهو قول الجمهور.
وقال مالك : يجوز اشتراط الأجل ويلزم الشرط ، فإذا أجل القرض إلي أجل معلوم تأجل ولم يكن له حق المطالبة قبل حلول الأجل لقوله تعالي : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً )(البقرة: من الآية282)
ويجوز قرض الثياب والحيوان، وقرض ما كان مكيلا أو موزوناً أو كان من عروض التجارة، كما يجوز قرض الخبز.
وكل قرض جر نفعاً فهو ربا ، وهذه قاعدة صحيحة شرعاً ، ولهذا لا يجوز أن يرد المقترض إلى المقرض إلا ما اقترضه منه أو مثله إذا كانت الزيادة متعارفاً عليها أو مشروطة ، فإذا لم يكن مشروطاً ولا متعارفاً عليه فللمقترض أن يقضي خيراً من القرض .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ". وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي.(خ 424 م 1168)
الرهن :
هو جعل عين لها قيمة مالية فى نظر الشرع وثيقة بدين ،بحيث يمكن أخذ ذلك الدين، أو أخذ بعضه من تلك العين ، فإذا استدان شخص ديناً من شخص آخر وجعل له فى نظير ذلك الدين عقاراً أو حيواناً محبوساً تحت يده حتى يقتضه دينه ، كان ذلك هو الرهن شرعاً 0(1/25)
ويقال لمالك العين المدين ( راهن ) ، ولصاحب الذين الذي أخذ العين (مرتهن) ، والعين المرهونة ( رهن ) ، والرهن جائز وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ )(البقرة: من الآية283)
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، ورهنه درعا من حديد. (خ2068 م1603)
فالرهن : أن يرتهن البائع عينا مقابل الثمن توثيقاً لدينه.
شروط صحته :
1- العقل.
2- البلوغ.
3- أن تكون العين المرهونة موجودة وقت العقد ولو كانت مشاعة.
4- أن يقبضها المرتهن أو وكيله.
ومنافع الرهن للراهن ونماؤه يدخل فى الرهن، ويكون رهناً مع الأصل0
والرهن أمانة فى يد المرتهن لا يضمن إلا بالتعدي عند : أحمد والشافعي.
فإذا اشترط بيع الرهن عند حلول الأجل ، جاز هذا الشرط وكان حق المرتهن أن يبيعه
ومتى رجع الرهن إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن0
اختلاف الراهن والمرتهن ، فالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
المزارعة
الزراعة من فروض الكفاية ، فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها إذا تركوها.
عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة".
(خ6012 م1553)
الغرس: ما كان له ساق كالنخل والعنب والزرع ما لا ساق له مثل القمح والشعير.
والمزارعة: هي إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكن له نصيب مما يخرج منها كالنصف أو الثلث أو أكثر من ذلك أو أقل حسب ما يتفقان0
والمزارعة نوع من التعاون بين العامل وصاحب الأرض
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.(خ2285 م1551)(1/26)
إحياء الموات :
هو إعداد الأرض الميتة التي لم يسبق تعميرها وجعلها صالحة للانتفاع بها فى السكنى والزرع ونحو ذلك0
وشبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بعدم الحياة.
وأن الإحياء ورد عن الشارع مطلقاً وما كان كذلك وجب الرجوع فيه إلى العرف لأنه قد بين مطلقات الشارع كما في قبض المبيعات والحرز في السرقة مما يحكم به العرف.
الإسلام يحب أن يتوسع المسلمون فى العمران وينشروا فى الأرض ويحيوا مواتها، فتكثر ثرواتهم ويتوفر لهم الثراء والرخاء0
عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها:عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق" . قال عروة: قضى به عمر - رضي الله عنه - في خلافته. (خ2335)
ويشترط لاعتبار الأرض مواتا أن تكون بعيدة عن العمران حتى لا تكن مرفقاً من مرافقه0
من أحيا أرض غيره دون علمه، فإما أن يسترد من العامر أرضه بعد أن يؤدي إليه أجره عمله ، أو يحيل حق الملكية بعد أخذ الثمن0
الإجارة :
هي عقد على المنافع بعوض كسكنى الدار وركوب السيارة أو منفعة عمل، كعمل المهندس والبناء النساج والخياط ، أو مثل : الخدم والعمال0
المالك يسمى مؤجراً ، والطرف الآخر يسمى مستأجراً.
والشئ المفقود عليه المنفعة يسمى مأجوراً .
والبذل المبذول فى مقابل المنفعة يسمى: أجراً أو أجرة.(1/27)
قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32) أهم يقسمون رحمة ربك: أي ليس الأمر مردوداً إليهم، بل إلى اللّه عزَّ وجلَّ واللّه أعلم حيث يجعل رسالاته، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلباً ونفساً، وأشرفهم بيتاً، وأطهرهم أصلاً، ثم قال عزَّ وجلَّ مبيناً أنه قد فاوت بين خلقه، فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم ، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ليسخّر بعضُهم بعضاً في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا وهذا إلى هذا ورحمة اللّه بخلقه، خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا0
عن عائشة رضي الله عنها: واستأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي، هاديا خريتا - الخريت: الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا، وانطلق معهما عامر بن فهيرة، والدليل الديلي، فأخذ بهم أسفل مكة، وهو طريق الساحل. (خ2263)
هاديا: مرشدا في الطريق.
غمس يمين حلف: دخل في جملتهم. والحلف العهد، وكانوا يغمسون أيديهم في الماء ونحوه عند التحالف.
ثور: جبل بأسفل مكة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره". (خ2227)
أعطى بي : أي حلف باسمي وعاهد أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني.
غدر: نقض العهد ولم يف به، أو لم يبر بقسمه.
باع حرا: وهو يعلم أنه حر.(1/28)
استوفى منه: أي استكمل منه العمل ولم يعطه الأجرة فهو أكل لماله بالباطل مع تعبه وكده
والإجارة تنعقد بالإيجاب والقبول بلفظ: الإجارة والكراء وما اشتق منها وكل لفظ يدل عليها.
ويشترط فى كل من المتعاقدين الأهلية بأن يكون كل منهما عاقلاً مميزاً.
ويشترط أن يكون عاقلاً مميزاً بالغاً عند: الشافعية والحنابلة.
شرط صحة التعاقد :
1-رضا العاقدين : فلو أكره أحدهما على الإجارة فإنها لا تصح
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء:29) ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل، أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في قلب الحكم الشرعي مما يعلم اللّه أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا
قال الله تعالي: (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )(النساء: من الآية29)
الاستثناء منقطع كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها، وتسببوا بها في تحصيل الأموال.
2- معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة.
3- أن يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء حقيقة وشرعاً فلا يجوز إجارة المشاع عند: أبي حنيفة وزفر.
4- القدرة على تسليم العين المستأجرة مع اشتمالها على المنفعة فلا تصح تأجير دابة شاردة ولا مغصوب.
5- أن تكون المنفعة مباحة ، فلا تصح الإجارة على المعاصي ، ولا يحل حلوان الكاهن والعراف وهو ما يعطاه على كهانته وعرافته إذ أنه عوض من محرم.
أما الأجرة على الطاعات فلا تجوز :
1- أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن(1/29)
عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"0
(خ5737)
عن أبي سعيد قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها ، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب ، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا ، لعله أن يكون عند بعضهم شيء ، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط ، إن سيدنا لدغ ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم ، والله إني لأرقي ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين}. فكأنما نشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا ، فقال الذي رقي: لا تفعلوا حتى نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على رسول الله فذكروا له ، فقال: "وما يدريك أنها رقية". ثم قال: "قد أصبتم ، اقسموا ، واضربوا لي معكم سهما". فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .( خ2276 م2201)
دل الحديث على جواز أخذ العوض فى مقابلة قراءة القرآن في الرقية للمريض.
أخذ الأجرة علي قراءة القرآن :
عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقرؤا القرآن واسألوا اللّه به فإن من بعدكم قوما يقرؤن القرآن يسألون به الناس"0 (ح ت2917) .
والحديث يدل علي عدم جواز الأجرة علي مجرد قراءة القرآن بخلاف الرقية كما سبق.
والمعني: من قرأ القرآن فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والآخرة0
قال المباركفوري فى التحفة 8/235:(1/30)
المراد أنه إذا مر بأية رحمة فليسألها من الله تعالى أو بآية عقوبة فيتعوذ إليه بها منها وإما أن يدعو الله عقيب القراءة بالأدعية المأثورة وينبغي أن يكون الدعاء في أمر الآخرة وإصلاح المسلمين في معاشهم ومعادهم.أهـ
2- أخذ الأجرة على تعليم القرآن
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : عَلَّمْتُ رَجُلاً الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إِلّيَّ قَوْساً فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ :" إِنْ أَخَذْتَهَا أَخّذْتَ قَوْساً مِنْ نَارٍ فَرَدَدْتُها"0(ص هـ2158)
يجوز عند : مالك والشافعية وابن حزم.
قال الصنعاني فى سبل السلام5/344: يحتمل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا للّه فكره أخذ العوض عنه. وأما من علم القرآن على أنه للّه وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفسه فلا بأس به.
3- أخذ الأجر على الأذان
عَنِ عُثْمانَ بن أَبي العَاصِ قَال: إِنّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إلَيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنِ اتِخَدْ مُؤَذّناً لاَ يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْراً0 (ص ت 209)
يجوزعند: مالك.
ولا يجوز عند: أبي حنيفة وأحمد.
4- أخذ الأجر على الإمامة
لا يجوز عند : أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
5- أخذ الأجرة على الحج
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو كان عليها دين أكنت قاضيه". قال: نعم، قال: "فاقض الله، فهو أحق بالقضاء".( خ6699 م1148)
أكنت: أي وهذا الحج المنذور دين لله تعالى، فيقضى وهو أحق بالقضاء.
تجوز عند : مالك والشافعي.
ولا تجوز عند: أبي حنيفة وأحمد.
6- أخذ الأجر على الغسل الميت وتجهيزه
يجوز عند: الشافعية.
ولا يجوز عند: أبي حنيفة.
7- أخذ الأجر من بيت المال على القضاء وتعليم القرآن والحج والآذان
يجوز عند: الحنابلة.(1/31)
8- أخذ الأجر على الحجامة
يجوز عند: الجمهور.
المضاربة :
عقد بين طرفين على أن يدفع أحدهما نقداً إلى الآجر ليتجر فيه ، على أن يكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه0
والمضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض لما كان الربح يحصل في الغالب بالسفر أو من الضرب في المال وهو التصرف.
وتسمى قراضاً بلغة أهل الحجاز وهو معاملة العامل بنصيب من الربح.
وهي جائزة بالإجماع.
وقد ضارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخديجة بمالها وسافر به إلى الشام 0
وقد شرعها الإسلام وأباحها تيسيراً على الناس ، فقد يكون الرجل منهم مالكاً للمال ولكنه غير قادر على استثماره ، ومنهم من لا يملك المال ، ولكنه قادر على استثماره 0
فأجاز الشارع هذه المعاملة لينتفع كل واحد منهما0
عَنِ السَّائِبِ؛ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : كُنْتَ شَرِيِكي فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكْنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ. كُنْتَ لاَ تُدَارِينِي وَلاَ تُمَارِينِي. (ص هـ2287)
ويشترط فى المضاربة :
1- أن يكون رأس المال نقداً فلا تصح إن كان تبراً أو حلياً أو عروضا.
2- أن يكون معلوماً كما يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق.
3- أن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوماً بالنسبة كالنصف والثلث والربع.
4- أن تكون المضاربة مطلقة فلا يقيد رب المال العامل بالاتجار فى بلد معين أو فى سلعة معينة أو يتجر فى وقت دون وقت أو لا يتعامل إلا مع شخص بعينه أو نحو ذلك من الشروط وهذا الشرط عند : مالك والشافعي .
ولا يشترط هذا الشرط عند: أبي حنيفة وأحمد.
وليس من شروط المضاربة بيان مدتها ، فإنها عقد جائز يمكن فسخه فى أي وقت0
وليس من شروطها أن تكون بين مسلم ومسلم ، بل يصح أن تكون بين مسلم وذمي.
نفقة العامل:(1/32)
نفقة العامل فى مال المضربة من ماله ما دام مقيماً وكذلك إذا سافر للمضاربة ، لأن النفقة قد تكون قدر الربح فيأخذه كله دون رب المال ولأن له نصيباً من الربح مشروطاً له فلا يستحق معه شيئاً آخر إلا إذا أذن له رب المال بأن ينفق على نفسه من مال المضاربة أثناء سفره أو كان ذلك مما جرى به العرف.
وتفسخ المضاربة بما يأتي :
1- أن تفقد شرطاً من شروط الصحة.
2- أن يتعدى العامل أو يقصر فى حفظ المال أو يفعل شيئاً يتنافى مع مقصود العقد.
3- أن يموت العامل أو رب المال.(1/33)
الكتاب الرابع عشر
الحدود
الحد : الشيء الحاجز بين شيئين0
والحد: المنع لأنه يمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي حد لأجلها، ويطلق على نفس المعصية.
والحد شرعاً : عقوبة مقدرة واجبة شرعاً سواء أكانت حقاً لله أم للعبد، أي أنها مقررة لصالح الجماعة وحماية النظام العام، فيخرج التعزير لعدم تقديره إذ أن تقديره مفوض لرأي الحاكم ، ويخرج القصاص لأنه حق الآدمي0.
وقد شرعت الحدود لصيانة الأعراض والأنساب والأموال والعقول والأنفس من التعرض لها0
وإقامة الحدود فيها نفع للناس ،لأنها تمنع الجرائم وتردع العصاة وتحقق الأمن لكل فرد على نفسه وعرضه وماله وسمعته وحريته وكرامته0
والحدود جاءت فى القرآن على سبعة أوجه :
الأول: حد الاعتكاف لإخلاص العبادة .
قال تعالى: ( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ) (البقرة 187)
الثاني: حد الخلع لبيان الفدية .
قال تعالي: (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) (البقرة 229 )
الثالث: حد الطلاق لبيان الرجعة .
قال تعالى: ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون) (البقرة 230)
الرابع: حد العدة لمنع الضرار وبيان المدة .
قال تعالى: ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (البقرة 231 )
الخامس: حد الميراث لبيان القسمة .
قال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ) (النساء14)
السادس: حد الظهار لبيان الكفارة .
قال تعالى: ( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة 4)
السابع : حد الطلاق لبيان مدة العدة(1/1)
قال تعالى: ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّه) (الطلاق 1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" حدّ يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا 0 (ص هـ 2538)
حدّ يعمل به في الأرض : أي يقام على من استوجبه
قال الشوكاني فى نيل الأوطار7/128: فى الحديث ترغيب في إقامة الحدود وإن ذلك مما ينتفع به الناس لما فيه من تنفيذ أحكام اللّه تعالى وعدم الرأفة بالعصاة وردعهم عن هتك حرم المسلمين.أهـ
عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضادّ الله في أمره"0 (ص د3597)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 7/128: فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود والترهيب لفاعلها بما هو غاية في ذلك وهو وصفه بمضادة اللّه تعالى في أمره0 أهـ
فيحرم أن يشفع أحد أو يعمل على أن يعطل حداً من حدود الله0
ولا بأس من التستر على الجاني قبل الوصول إلى الحاكم0
عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو أنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "تَعَافُوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدَ فَقَدْ وَجَب"0 (ص د4376)
قال المناوي فى فيض القدير 3/249: تعَافَوُا الحدود فيما بينكم: أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ ، فما بلغني من حد فقد وجب: أي ثبت عندي عليَّ إقامته والخطاب لغير الأئمة يعني أن الحدود الذي بينكم ينبغي أن يعفوها بعضكم لبعض قبل أن تبلغني فإن بلغتني وجب عليَّ أن أقيمها لأن الحد بعد بلوغ الإمام والثبوت لا يسقط بعفو الآدمي0
والحد عقوبة من العقوبات، ولا يحل استباحة حرمة أحد أو إيلامه إلا بالحق ، ولا يثبت هذا الحق إلا بالدليل الذي لا يتطرق إليه الشك كان ذلك مانعاً من اليقين الذي تنبني عليه الأحكام0(1/2)
ويقيم الحدود الحاكم أو من ينيبه عنه، وليس للأفراد أن يتولوا هذا العمل من تلقاء أنفسهم السيد يقيم الحد على مملوكه عند : الشافعي.
عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم".(م 1705)
قد يكون ستر العصاة علاجاً ناجحا للذين تورطوا فى الجرائم واقترفوا المآثم وقد ينهضون بعد ارتكابها فيتوبون توبة نصوحاً ، ويستأنفون حياة نظيفة 0
وعلى المسلم أن يستر نفسه ولا يفضحها بالحديث عما يصدر عنه0
عن ابن عمرَ رضي اللّهُ عنهُما قال: قالَ رسولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألمَّ بها فليستترْ بستر الله وليْتُب إلى الله، فإنهُ من يُبد لنا صفحتهُ نقمْ عليه كتاب الله".(هق8/330 ص صحيحة 663)
والحدود كفارة للآثام : فإذا أقيمت كانت مكفرة لما اقترف من آثام ، وأنه لا يعذب فى الآخرة0
عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس، فقال: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا - وقرأ هذه الآية كلها - فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه".
(خ18 ،678 م 1709)
وإقامة الحد مكفرة للأثام وزاجرة عن اقترافها أيضا ، فهي جوابر وزواجر معاً.
ولا تقام الحدود فى المساجد صيانة لها من التلوث0
عن حكيم بن حزام أنه قال: نهى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود. (ح د 4490)
1- حد الخمر
كان الناس يشربون الخمر حتى هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة ، فكثر سؤال المسلمين عنها وعن لعب الميسر ، لما كانوا يرونه من شرورهما ومفاسدهما ، فأنزل الله الحكيم الحكم تدريجياً فى أربع آيات:(1/3)
1- قال تعالى: (ومن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَنا) (النحل67)
كان المسلمون قلة وكانوا مازالوا يعتادون شرب المسكرات المستخرجة من تخمير منقوع التمور وعصائر العنب التي كانت تزرع فى مكة والطائف ويثرب0
2- قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة 219
الخمر: مأخوذ من خمر الشيء إذا ستره وغطاه سميت الخمر بها لأنها تستر العقل وتغطيه 0
الميسر: القمار من اليسر وهو السهولة لأنه كسب بلا مشقة ولا كد0
3- قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء: من الآية43)
يخاطب الله عز وجل المؤمنين وينهاهم عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى حتى يفيقوا إفاقة يدركون معها ما يصدر منهم من أقوال وامتناع الناس عن دخول الصلاة وهم سكارى لما فى شرب الكحوليات من تأثير مسكر يتعلثم فيه اللسان وينعدم فيه الاتزان بينما يفقد به الوعي إذا زاد السكر عن حده0
4- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة90-91) الميسر: القمار أو كل ما يلهو عن ذكر الله وعن الصلاة كالنرد والشطرنج والورق والدومنيو والسيجة.
الأنصاب: الأصنام المنصوبة للعبادة جمع نصب وهي حجارة يذبحون عليها تعظيماً لأصنامهم.(1/4)
الأزلام: جمع زلم وهي الأقداح التي كانوا يضربون بها ليعرفوا حظهم وما قسم لهم.
رجس: مستقذر خبيث لأنه أمارة فساد العقيدة.
من عمل الشيطان: من تزيينه وإغوائه إغراء لكم بالشر.
لعلكم تفلحون : لكي تفوزوا.
والتعبير فاجتنبوه مبالغة فى الآمر بالترك ونهاية بيان التحريم.
فحكم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها جميعاً :
أ- رجس أي خبيث مستقذر عند أولي الألباب.
ب- من عمل الشيطان وتزيينه وسوسته.
ج- فيجب اجتنابها والبعد عنها ليكون الإنسان معداً ومهياً للفوز والفلاح.
د- إيقاع العداوة والبغضاء بسبب الخمر والميسر.
هـ- صد عن ذكر الله وإلهاء عن الصلاة.
و- الانتهاء عن تعاطي شئ من ذلك .
والآية قاضية بتحريم الخمر تحريماً قطعياً .
عن عمر - رضي الله عنه - قال: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. ( خ 5581 م 3032)
قال الصنعاني فى سبل السلام 4/65: أن كل ما خالط العقل أو غطاه يسمى خمراً لغة، سواء كان مما ذكر أو غيره0
حرمت الخمر عام 4هـ بعد غزوة الأحزاب 0
عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر أم الخبائث، ومن شربها لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوما، وإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية".
( الأوسط 3810 ح صحيحة 1854)
الخمر أم الخبائث: أي تجتمع فيها وترجع كلها إليها لأنها تغطي العقل فتعمى بصيرته عن مقابح المعاصي فيرتكبها فتجتمع عليه المآثم فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوماً قيل لأنها تبقى في عظامه وعروقه نحو الأربعين.
فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية: إن مات وهي فى بطنه صار منابذاً لأمر الشرع وإذا مات على هذه الحالة مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية ، وليس معناه أنه يموت كافراً.(1/5)
عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وعمته وخالته".(مجمع5/72 ح صحيحة 1854)
عن ابن عمر قالُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: بِعَيْنِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرهَا، وَبَائِعِهَا، وَمُبْتَاعِهَا، وَحَامِلِهَا، وَالْمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ، وَآكِلِ ثَمَنِهَا، وَشَارِبِهَا، وَسَاقِيهَا" 0 (ص هـ3380)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"0 (خ2475 م57)
أي أن مرتكب ذلك لا يكون حال ارتكابه متصفاً بالإيمان الإذعاني لحرمة ذلك ، وكونه من أسباب سخط الله وعقوبته لأن هذا الإيمان يستلزم اجتناب المعاصي ، وهو الإيمان الكامل.
أضرار الخمر :
علماء الدين يقولون : أنها محرمة لأنها أم الخبائث0
وعلماء الطب يقولون : إنها من أعظم الأخطار التي تهدد نوع البشر وتهدده بالنسل ، ويوهن البدن وتؤثر فى جميع أجهزة البدن، وخاصة الكبد والأعصاب، وتؤدي إلى الجنون والإجرام0
وعلماء الأخلاق يقولون: لكي يكون الإنسان محافظاً على الرزانة والعفة والشرف والنخوة والمروءة يلزم عدم تناوله شيئاً يضيع به هذه الصفات الحميدة0
وعلماء الاجتماع يقولون : لكي يكون المجتمع الإنساني على غاية من النظام الترتيب يلزم عدم تعكيره بأعمال تخل بهذا النظام وعندها تصبح الفوضى سائدة ، والفوضى تخلق التفرقة ، والتفرقة تفيد الأعداء.
وعلماء الاقتصاد يقولون : إن كل درهم تصرفه لمنفعتنا فهو قوة لنا وللوطن ، وكل درهم تصرفه لمضرتنا فهو خسارة علينا وعلى وطننا فكيف بهذه الملايين من الليرات التي تذهب سدي على شرب المسكرات على اختلاف أنواعها ، وتوخرنا مالياً وتذهب بمروءتنا نخوتنا.(1/6)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ إني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ فقلنا لا فقال إن الخمر قد حرمت فقال: يا أنس أرق هذه القلال قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل.
(خ5582 م1980)
وهكذا يصنع الإيمان بأهله
الخمر: هي تلك السوائل المعروفة المعدة بطريق تخمر بعض الحبوب أو الفاكهة وتحول النشا أو السكر الذي تحتويه إلى غَوْل ( كحول) بواسطة بعض كائنات حية لها قدرة على إفراز مواد خاصة بعد وجودها ضرورياً فى عميلة التخمر0
وقد سميت خمراً لأنها تخمر العقل وتستره : أي تغطيه وتفسد إدراكه
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْر وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ".
(م 2003)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قام عمر على المنبر فقال: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. ( خ 5581 م 3032)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْر وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ".
قال الصنعاني فى سبل السلام : دال على أن كل مسكر يسمى خمراً ودليل على تحريم كل مسكر، وهو عام لكل ما كان من عصير أو نبيذ0
عن جَابِرٍ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَام"0 (ح ت1865)
عن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشّجَرَتَيْنِ: النّخْلَةِ وَالْعِنَبَة"0 (م1985)(1/7)
قال الخطابي: هذا غير مخالف لما تقدم ذكره من حديث النعمان بن بشير، وإنما وجهه ومعناه أن معظم الخمر وما يتخذ منه الخمر إنما هو من النخلة والعنبة، وإن كانت الخمر قد تتخذ أيضاً من غيرهما، وإنما هو من باب التوكيد لتحريم ما يتخذ من هاتين الشجرتين لضراوته وشدة سورته0
ويحرم الخمر من كل شئ قليله وكثيره عند: الجمهور من الصحابة والتابعين ومحمد.
والسكران هو الذي يكون غالباً كلامه الهذيان واختلاط الكلام ، فلا يعرف ثوبه من ثوب غيره عند: مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد0
الأشربة المحرمة سبعة هي :
1- الخمر
2- السَكَر: هو نقيع التمر الطري إذا غلي ولم يسكن غليانه
3- الفضيخ : هو اسم للنئ من ماء البسر اليابس
البسر: ما قد أزهى من ثمر النخيل ولم يجدُ فيه إرطاب
أول ثمر النخل : طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر
4- نقيع الزبيب : هو اسم للنئ من ماء الزبيب المنقوع فى الماء حتى خرجت حلاوته واشتد وقذف بالزبد أو لم يقذف
5- الطلاء أو المثلث : اسم للمطبوخ من ماء العنب إذا ذهب ثلثاه
6- الباذق أو المنصف: هو المطبوخ أدنى طبخه من ماء العنب حتى ذهب أقل من الثلثين
الأشربة المختلف فيها :
1- نبيذ التمر الزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخه
2- الخليطان من الزبيب والتمر إذا طبخ أدنى طبخه
3- نبيذ العسل والتين والبر والشعير والذرة وسواء طبخ أم لا
ويسمى نبيذ العسل ( البتع )
4- الطلاء المثلث العنبي وهو ما طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه
ومما يلحق الخمر :
عصير القصب المخمر والبوظة والبيرة بجميع أنواعها0
عن أنَسِ ابنِ مَالِكٍ: أنّ أبا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ أيْتَامٍ وُرّثُوا خَمْراً، قال: "أهْرِقْهَا"، قال: أفَلاَ أجْعَلُهَا خَلاّ، قال:" لا" 0 (م1983)
المخدرات
من الخدر، والخدر هو الستر، فهو يستر العقل ويغيبه0(1/8)
وهي كل ما يزيل العقل من غير الأشربة مثل: البنج والحشيش والأفيون وغيرها من المخدرات، فإنه محرم لأنه مسكر0 عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْر وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ".(م 2003)
أجمع على حرمة المخدرات فقهاء الإسلام الذين ظهرت فى عهدهم وتبينوا آثارها السيئة فى الإنسان وبيئته ونسله وعرفوا أنها فوق آثار الخمر الذي حرمته النصوص الصريحة الواضحة فى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وقرروا حرمتها وقرروا عقوبة تناولها كما قرروا حرمة الاتجار وعقوبة المتجرين وقرروا أن استحلالها كاستحلال الخمر وقد جاء فى كتبهم: ويحرم أكل البنج والحشيش والأفيون لأنها مفسدة للعقل وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويجب تعزير أكلها بما يردعه0
قال ابن تيمية: إن فيها من المفاسد ما ليس فى الخمر فهي أولي بالتحريم ومن استحلها وزعم أنها حلال فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً لا يصلي عليه، ولا يدفن فى مقابر المسلمين0
قال ابن تيمية فى الفتاوى 14/212 : 215: عن كلمة الحشيش هي الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم ، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً لا يصلي عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين0
ثم قال: وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب فإن تغيب العقل حرام بإجماع المسلمين، والمحققون من الفقهاء علموا أنها مسكرة وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب فهي تجامع الشراب المسكر فى ذلك0
وعلى تناول القليل منها والكثير حد الشرب ثمانون سوطاً أو أربعون إذا كان مسلماً 0
قال ابن حجر من قال إنها أي الحشيشة لا تسكر وإنما تخدر فهي مكابرة فإنها تحدث ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة0(1/9)
قال العلماء والأطباء: إن الحشيشة تسبب عسر الهضم ، رديئة للمعدة، تقطع المني، تظلم البصر، تكسل وتبلد وتضعف الحواس وتنتن رائحة الفم وتضعف الكبد والمعدة وتعرض البدن لحدوث الأمراض كالسل وموت الفجأة واختلال العقل، وتكسب الرعشة وتحرق الدم تسود الأسنان وتحفرها، وتصفر اللون، وتسقط شعر الأجفان ، وتظهر الداء الخفي، وتفتر الأعضاء ، وتضيق النفس وتقوي الهوس، وتسبب القيء والإمساك ، وتتولد عنده قدرة موهومة مزعومة تدفعه إلى الاستهانة بالصعوبات وعدم المبالاة بالمسئوليات ويبالغ فى إحساسه بالقوة0
وقد حكى العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيش وأن مستحله كافر0
أما البنج فيجوز عند الضرورة كإجراء عملية جراحية أو رفع ألم حاد0
حد شارب الخمر الجلد بالاتفاق.
ثمانون جلدة عند: أبي حنيفة ومالك وأحمد فى رواية والثوري والجمهور.
أربعون جلدة عند: الشافعي وأحمد فى رواية.
عن علي - رضي الله عنه - قال: جلد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكلٌ سُنَّة وهذا أحبُّ إلىّ0 ( م1707)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار7/168: إن عليا لا يرجح فعل عمر على فعل النبي بناء منه على أن قول علي (وهذا أحب إلى) إشارة إلى الثمانين التي فعلها عمر وليس الأمر كذلك بل المشار إليه هو الجلد الواقع بين يديه في تلك الحال وهو أربعون كما يشعر بذلك الظاهر ولكنه يشكل من وجه آخر وهو أن الكل من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر لا يكون سنة بل السنة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط وقد قيل إن المراد أن ذلك جائز قد وقع لا محذور فيه ، ويمكن أن يقال إن إطلاق السنة على فعل الخلفاء لا بأس به لحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ).
قال الشوكاني فى الدراري 2/236: من شرب مسكراً مكلفاً مختاراً جلد على ما يراه الإمام إما أربعين جلدة أو أقل أو أكثر ولو بالنعال0(1/10)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب، قال: "اضربوه"، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: "أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان".
(خ 6777)
ويثبت الحد بأحد بأمرين :
1- الإقرار ، أي اعتراف الشارب بأنه شرب الخمر
2- شهادة شاهدين عدلين
قال الشوكاني فى الدراري 2/236: ويكفي إقراره مرة أو شهادة عدلين ولو على القيء0 أهـ
عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت، قال: قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أحسنت، ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟ فضربه الحد. (خ 5001 م 801)
شروط إقامة الحد :
1- العقل : فلا يحد المجنون ،ويلحق به المعتوه
2- البلوغ : فلا يحد الصبي لأنه غير مكلف
3- الاختيار : فإن شربها مكرهاً فلا حد عليه، سواء أكان هذا الإكراه بالتهديد بالقتل أو بالضرب المبرح أو بإتلاف المال كله0
عن ابن عباس، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إن اللَّه وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"0 (قط497 ص غليل82)
ويدخل فى الإكراه الاضطرار فمن لم يجد ماء وعطش عطشا شديداً يخشى عليه منه الهلاك ، ووجد خمراً فله أن يشربها وله أن يأكل الميتة ولحم الخنزير عند الضرورة فالضرورات تبيح المحظورات 0
قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ )
(البقرة: من الآية173)
4- العلم بأن ما يتناوله مسكر ، فلو تناول خمراً مع جهله بأنه خمراً ، فإنه يعذر لجهله، ولا يقام عليه الحد0
وإذا تناول ما هو مختلف فى كونه خمراً بين الفقهاء فإنه لا يقام عليه الحد0(1/11)
ولا تشترط الحرية فى إقامة الحد، فالعبد إذا شرب الخمر فإنه يعاقب على النصف من عقوبة الحر، فيكون حده عشرين جلدة أو أربعين (حسب الخلاف فى تقدير العقوبة)
ولا يشترط الإسلام فى إقامة الحد، فالكتابيون من اليهود والنصارى الذين يعيشون مع المسلمين والأجانب هؤلاء جميعاً يقام عليهم الحد فى دار الإسلام ، لأن الخمر محرمة فى دينهم عند: الجمهور.
التداوي بالخمر
نهى الإسلام عن التداوي بالخمور0
عن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر فنهاه عنها فقال: "إنما نصنعها للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء". (م1984)
والبعض أجاز التداوي بالخمور بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقامها، وبشرط ألا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب0
حيث اعتبروها ضرورة أباحت المحظور.
قلت: وهذا القول مردود بحديث مسلم السابق ، حيث يبين أن الخمر لا تصلح دواء إنما هي داء0
وقد نبه ابن القيم رحمه الله على جانب نفسي هام، فقال: وههنا سر لطيف فى كون المحرمات لا يستشفي بها فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء فإن النافع هو المبارك ,وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس هو الذي ينتفع به حيث حل، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها وبين حسن ظنه بها وتلقي طبعه لها بالقبول بل كلما كان العبد أعظم إيماناً كان أكره لها وأسوأ اعتقاداً فيها وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها فى هذه الحال كانت داء لا دواء ، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة بالمحبة وهذا ينافي الإيمان فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه أنها داء0 أهـ
2- حد الزنا
الزنا : فى اللغة والشرع بمعنى واحد: وهو وطء الرجل المرأة فى القبل فى غير الملك ولا عقد النكاح.(1/12)
الزنا حرام وفاحشة عظيمة وهو من الكبائر العظام، واتفق أهل الملل على تحريمه ولم يحل فى ملة قط، ولهذا كان حده أشد الحدود لأنه جناية على الأعراض والأنساب0
قال الله تعالى:(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الاسراء:32) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً)(الفرقان68-69) أي لا تفعلوا ما يقرب إلى الزنا كالنظرة الفاحشة واللمس والقبلة، فالآية تنهي عن مقدمات الزنا نهي تحريم0
وقد احتاط الإسلام فى تنفيذ العقوبة :
1- لا يقام حد إلا بعد التيقن من وقوع الجريمة ، فمن الاحتياط درأ الحدود بالشبهات.
2- لابد فى إثبات الجريمة من أربعة شهود عدول من الرجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء ولا الفسقة.
3- أن يكون الشهود جميعاً رأوا عملية الزنا نفسها كالميل فى المكحلة وهذا مما يصعب ثبوته.
4- لو شهد ثلاثة منهم ، وشهد الرابع بخلاف شهادتهم ، أو رجع أحدهم عن شهادته ، أقيم عليهم حد القذف.
عقوبة الزانى :
عقوبة البكر مائة جلدة ، والثيب الرجم حتى الموت0
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم".( م1690 )
الزنا الموجب للحد: يتحقق بتغيب الحشفة (رأس الذكر) أو قدرها من مقطوعها فى فرج محرم مشتهى بالطبع من غير شبهة نكاح ، ولو لم يكن معه إنزال.
فلا يجب الحد في فروج الحيوانات ، ولا الذي يحدث بسبب نكاح شبهة ، ولا الاستمتاع فيما دون الفرج، وإن كانت هذه الصور كلها محرمة0(1/13)
عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إني عالجت امرأة في أقصى المدينة. وإني أصبت منها ما دون أن أمسها. فأنا هذا. فاقض في ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك. قال فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا. فقام الرجل فانطلق. فأتبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} فقال رجل من القوم: يا نبي الله! هذا له خاصة؟ قال : "بل للناس كافة".(م 2763)
أقسام الزنا
حد البكر :
البكر الحر إذا زنا فإنه يجلد مائة جلدة ، سواء فى ذلك الرجال والنساء.
قال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور:2) الطائفة : ثلاثة فأكثر ، وقيل : أربعة بعدد شهود الزنا.
ويضاف إلى الجلد التغريب لمدة عام عند: الشافعي وأحمد.
قال الشوكاني فى الدراري 2/221: إن كان بكراً حراً جلد مائة جلدة وبعد الجلد يغرب عاماً(1/14)
عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه: أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر، وهو أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم، قال: "تكلم"، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا - قال مالك: والعسيف الأجير - زنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي، ثم أني سألت أهل العلم ، فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وإنما الرجم على امرأته ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فردُُّ عليك ، وجلد ابنه مائة وغربه عاماً، وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها"، فاعترفت فرجمها.(خ 6633 م 1697)
عسيفا : أجيراً ويطلق على لسان السائل والعبد والخادم.
اما غنمك وجاريتك فرد : مردود.
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 7/107: ( وجلد ابنه مائة وغربة عاما )وهو المبين لكتاب اللّه تعالى وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قضى فيمن زنى ولم يحصن: بنفي عام، وبإقامة الحد عليه.( خ6833)
عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب. (ص ت1438)
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم"0 ( م1690 )
والخلفاء الراشدون أخذوا بالتغريب : أبو بكر غرب إلى فدك ، وعمر غرب إلى الشام، وعثمان غرب إلى مصر، وعلي غرب إلى البصرة0
حد المحصن :
المحصن الثيب إذا زنى يرجم حتى الموت ، رجلاً كان أو امرأة ، والرجم يكون بالحجارة.(1/15)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فتنحَّى لشقِّ وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشقِّ وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبك جنون" ، قال: لا يا رسول الله، فقال: "أحصنت"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "اذهبوا به فارجموه" . ( خ 6825 م 1692 )
قال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابراً قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلَّى، فلما أذلقته الحجارة جمز، حتى أدركناه بالحرَّة فرجمناه.
دلت ألفاظ الحديث على أنه يجب على الإمام الاستفصال عن الأمور التي يجب معها الحدّ، وأنه يندب تلقين ما يسقط الحد، وأن الإقرار لا بدّ فيه من اللفظ الصريح الذي لا يحتمل غير المواقعة.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البيِّنة، أو كان الحمل أو الاعتراف - قال سفيان: كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده.
( خ6829 م1691)
قال الشوكاني فى الدراري 2/221 : وإن كان ثيباً جلد كما يجلد البكر ثم رجم حتى يموت ويكفي إقراره مرة0
شروط الإحصان :
يشترط فى المحصن :
1- التكليف : أي عاقلاً بالغاً فلو كان مجنوناً أو صغيراً لا يحد ولكن يعزر.
2- الحرية : فلو كان عبداً أو أمة فلا رجم عليها
قال الله تعالى: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب) (النساء25)
والإحصان هنا : الحرية(1/16)
ويأتي بمعنى العفة ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)
(النور: من الآية4)
ويأتي بمعنى التزوج ، قال تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ )
(النساء: من الآية24)
ويأتي بمعنى الوطء ، قال تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)
(النساء: من الآية24)
3- تغيب الحشفة : وهو إيلاج فرج فى فرج بقدر الحشفة ، فالوطء الذي يجب به الحد أن يغيب الحشفة فى الفرج ، فلا يجب الحد بأدنى من ذلك كالمفاخذة والتقبيل0
4- الوطء فى نكاح صحيح : أي أن يكن الواطئ قد سبق له أن تزوج زواجاً صحيحاً وطأ فيه ولو لم ينزل ، ولو كان فى حيض أو حرام يكفي0
والمسلم والكافر سواء، فكما يجب الحد على المسلم إذا زني، فإنه يجب على الذمي والمرتد0
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم"، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة، يقيها الحجارة. (خ6841 م 1699)
الجمع بين الجلد والرجم منسوخ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعز والغامدية واليهودين ولم يجلد أحداً ورجم أبو بكر وعمر ولم يجمعا بين الجلد والرجم0
شروط حد الزنا :
1- العقل: فلا حد على مجنون، وإن زنا عاقل بمجنونة أو مجنون بعاقلة، حد العاقل منهما.
2- البلوغ : فلا حد على صغير ولكن يؤدب ويزجر.
3- الاختيار : فلا حد على مكره عند : الجمهور ، ويحد عند : الحنابلة.(1/17)
4- العلم بالتحريم : لأن الحد يتبع اقتراف الحرام ، وهو غير مقترف له.
عن عَائشةّ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفِعَ الْقَلمُ عن ثَلاَثَةٍ: عن النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ، وَعن الصّبِيّ حتّى يَحْتَلِمَ، وَعن المَجْنُونِ حَتّى يَعْقِل"0 (ص د4403)
5- أن يكن مسلماً عند : المالكية فلا يحد الكافر إن زنا بكافرة.
6- أن يزني بآدمية، فإن أتى بهيمة فلا حد عليه عند: الأربعة ولكنه يعزر.
7- أن تكون المزني بها ممن يوطأ مثلها ، فإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها فلا حد عليه ولا عليها.
8- ألا يفعل ذلك بشبهة ، فإن كان الوطء بشبهة سقط الحد، مثل أن يظن بامرأة أنها زوجته أو مملوكته فلا حد عليه عند: الجمهور.
9- أن تكون المرأة غير حربية.
10- أن تكون المرأة حية فلا يحد واطئ الميتة عند : الجمهور.
ويثبت الحد بالإقرار الشهود :
الإقرار : وقد أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإقرار ماعز والغامدية
ويكفي فى لزوم الحد اعترافه مرة واحدة عند : مالك والشافعي وداود والطبري وأبي ثور
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"، فاعترفت فرجمها ، ولم يذكر عدداً 0 (خ 6633 م 1697)
والرجوع من الإقرار يسقط الحد.
الشهود :
قال الشوكاني فى الدراري 2/221: وأما الشهادة فلابد من أربعة ولابد أن ينهض الإقرار والشهادة التصريح بإيلاج الفرج فى الفرج ويسقط بالشبهات المحتملة وبالرجوع عن الإقرار يكون المرأة عذراء أو رتقاء يكون الرجل مجبوباً أو عنيناً. أهـ
ويشترط فى الشهود :
1- أن يكونوا أربعة ، ولم تقبل شهادة أقل من أربعة
قال الله تعالى: (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)(النساء: من الآية15)
2- البلوغ : فإن لم يكن بالغاً فلا تقبل شهادته(1/18)
قال الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)(البقرة: من الآية282)
3- العقل : فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه.
4- العدالة : لقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(الطلاق: من الآية2)
5- الإسلام: سواء كانت الشهادة على مسلم أو غير مسلم.
6- المعاينة : أي أن تكون بمعاينة فرجه فى فرجها كالميل فى المكحلة ، ويباح النظر فى هذه الحالة للحاجة إلى الشهادة.
7- التصريح : بالإيلاج لا بالكناية.
8- اتخاذ المجلس : بأن لا يختلف فى الزمان ولا فى المكان ، فإن جاءوا متفرقين لا تقبل شهادتهم.
9- الذكورية : أي يكونوا جميعاً من الرجال ، ولا تقبل شهادة النساء فى الزنا.
ويجوز شهادة امرأتين مسلمتين عدل مكان كل رجل عند : ابن حزم.
لا يثبت الحد بالحبل ، بل لابد من الاعتراف أو البينة عند : الجمهور.
ويسقط الحد بظهور ما يقطع بالبراءة كأن تكون المرأة عذراء لم تفض ، أو رتقاء مسدودة الفرج ، أو يكون الرجل مجبوباً أو عنيناً 0
إذا تزوجت المرأة وولدت لستة أشهر فلا حد عليها.
ولا يقام الحد فى الحر الشديد ولا فى البرد ، ولا يقام على مريض حتى يبرأ عند : الجمهور.
ولا يحفر للمرجوم عند : أحمد مالك وأبي حنيفة.(1/19)
عن أبي سعيد أن رجلا من أسلم يقال له ماعز بن مالك، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت فاحشة، فأقمه علي، فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارا، قال: ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسا، إلا أنه أصاب شيئا، يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال: فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا أن نرجمه. قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال: فاشتد واشتددنا خلفه، حتى أتى عرض الحرة، فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرة (يعني الحجارة). حتى سكت، قال: ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا من العشي فقال :"أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا. له نبيب كنبيب التيس ، على أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به"، قال: فاستغفر له ولا سبه. ( م 1694)
عن عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيّ أَتَىَ رَسُول اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهّرَنِي. فَرَدّهُ. فَلمّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ. فَرَدّهُ الثّانِيَةَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَىَ قَوْمِهِ فَقَالَ: "أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْساً تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئاً"؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلاّ وَفِيّ الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فِيما نُرَىَ. فَأَتَاهُ الثّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيضاً فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ: أَنّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَلاَ بِعَقْلِهِ. فَلَمّا كَانَ الرّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.(1/20)
قَالَ: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهّرْنِي. وَإِنّهُ رَدّهَا. فَلَمّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ تَرُدّنِي؟ لَعَلّكَ أَنْ تَرُدّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزاً، فَوَاللّهِ إِنّي لَحُبْلَىَ. قَالَ: "إِمّا لاَ، فَاذْهَبِي حَتّىَ تَلِدِي"، فَلَمّا وَلَدَتْه أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدَتْ. قَالَ: "اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِميهِ". فَلَمّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ وفي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا، يَا نَبِيّ اللّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وأَكَلَ الطّعَامَ. فَدَفَعَ الصّبِيّ إِلَىَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَىَ رَأْسَهَا. فَتَنَضّحَ الدّمُ عَلىَ وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبّهَا. فَسَمِعَ نَبِيّ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبّهُ إِيّاهَا. فَقَالَ "مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْس لَغُغِرَ لَهُ". ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَصَلّىَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. (م 1695)
قال الصنعاني فى سبل السلام 4/22:فى الحديث دليل على وجوب الرجم ، وأن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائما وأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على المرأة بنفسه، وأن التوبة لا تسقط الحد0 أهـ
فتنضح : ترشش وانصب.
صاحب مكس : المكس الجباية ، وغلب استعماله فيما يأخذ أعوان الظلمة عند البيع والشراء.
قال الشوكاني فى الدراري 2/221: ولا ترجم الحبلى حتى تضع وترضع ولدها إن لم يوجد من يرضعه0
والمرأة ترجم قاعدة والرجل قائما بالاتفاق.
ويستحب أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار ، وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة.(1/21)
ويستحب أن يشهد الحد طائفة من المؤمنين ، والطائفة أربعة ، وقيل ثلاثة ، وقيل سبعة فأكثر.
يضرب سائر الأعضاء عدا الفرج والوجه عند : أبي حنيفة والشافعي.
إذا مات المجلود فلا دية ولا كفارة ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.
كيفية الجلد :
يكون الجلد بسوط لا ثمرة له، ولا يمدد المحدود على الأرض، كما يفعل اليوم، لأنه بدعة، ولا يرفع الجلاد يده إلى فوق رأسه، لأنه يخاف منه الهلاك أو تمزيق الجلد، ويضرب ضربة متوسطة ليست بمبرحة، لا بالتي لا مس فيها، حتى لا يؤدى إلى الهلاك، ويتحقق معنى الانزجار0
ويجب ألا يجمع الضرب فى مكان واحد، لأنه يؤدي إلى إتلاف العضو، وإنما يفرق الضرب على الأعضاء، من الكتفين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين، ويتقي الوجه والرأس والصدر والبطن والأعضاء التناسلية عند: الحنفية.
كيفية الرجم :
يقام حد الرجم بالضرب بالمدر وهو الطين المتحجر بالحجارة المعتدلة أي بملء الكف ، لا بحصيات خفيفة لئلا يطول تعذيبه ، ولا بصخرات تقضي عليه بسرعة لئلا يفوت التنكيل المقصود0
مكان إقامة الحد :
تقام الحدود كلها فى ملأ من الناس ، لأن المقصود منه هو زجر الناس عند: الحنفية والحنابلة.
ويستحب حضور جماعة لا يقل عددهم عن أربعة عند: الشافعية والمالكية.
ولا تقام الحدود فى المساجد لأن تعظيم المساجد واجب عند: الجمهور والحنفية والشافعية والحنابلة.
عمل قوم لوط
جريمة اللواط من أكبر الجرائم ، وهي من الفواحش المفسدة للخلق والفطرة والدين والدنيا، وقد عاقب الله عليها بأقصى عقوبة ، فخسف الأرض بقوم لوط ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل ، وجعل ذلك قرآناً يتلى ليكون درساً.(1/22)
قال الله تعالى: (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ - إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ - وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ - فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ - وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (لأعراف80-84) قال الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ - وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ - قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ - قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ - قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ - فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ - مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(هود 77-83)
عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"0 (ص ت1457)(1/23)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار 7/140: وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصل من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم وقد خسف اللّه تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم0
عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط"0(ح ت1457)
إن أخوف : الذي هو أكثر خوفاً وأشد ضرراً من الأمور التي أخاف منها على أمتي.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِّي - صلى الله عليه وسلم - فِي الَّذي يَعْمَلُ عَمَل قَوْمِ لُوطٍ ، قَالَ:" ارْجُمُوا الأَعْلَى وَ الأَسْفَلَ، ارجُمُوهُمَا جَمِيعاً". (ح هـ2562)
قال الصنعاني فى سبل السلام 4/25 : فيمن عمل عمل قوم لوط ولا ريب أنه ارتكب كبيرة وفي حكمها : أنه يحد حد الزاني قياساً عليه يجامع إيلاج محرم في فرج محرم، وأن يقتل الفاعل والمفعول به محصنين كانا أو غير محصنين0
عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط"0 (ص حم2817)
أضرار اللواط :
1- الرغبة عن المرأة حتى يصل إلى حد العجز عن المباشرة ، وزوجته ضحية من الضحايا فلا سكن ولا مودة ولا رحمة.
2- التأثير فى الأعصاب تأثيراً خاصاً بأمراض عصبية وعلل نفسية تفقده لذة الحياة وتسلبه صفة الإنسانية والرجولة فيحصل له لوثات خاصة، وتظهر عليه آفات عصبية كامنة تبديها هذه الفاحشة.
3- التأثير على المخ: فيسبب اختلالا كبيراً فى توازن العقل ارتباكا عاما فى تفكيره وركوداً غريبا فى تصرفاته وبلاهه واضحة فى عقله، وضعفاً شديداً فى إرادته، فيصاب اللائط بالبله والعبط وشرود الفكر وضياع العقل والرشاد0(1/24)
4- يسبب مرض السويداء0
5- يسبب ارتخاء عضلات المستقيم وتمزقه وهتك أنسجته، وفقد السيطرة على الماد البرازية، وعدم استطاعة القبض عليها0
6- واللواط لوثة أخلاقية وهو مرض نفسي خطير ، فنجد جميع من يتصفون به سيئي الخلق فاسدي الطباع لا يكادون يميزون بين الفضائل والرذائل0
7- يصيب مقترفيه بضيق الصدر وخفقان القلب والضعف العام الإصابة بشتى الأمراض0
8- يضعف مراكز الإنزال الرئيسية فى الجسم ويعمل على القضاء على الحيوية المنوية فيه، ويؤثر على تركيب مواد المني ثم ينتهي بعد قليل من الزمن بعدم القدرة على إيجاد النسل والإصابة بالعقم0
9- يسبب العدوى بالحمى التيفودية الدوسنتاريا وغيرها من الأمراض الخبيثة التي تنتقل بطريق التلوث بالمواد البرازية المزودة بمختلف الجراثيم 0
10- يصاب بأمراض الزنا التي تفتك به فتكاً ذريعاً ، فتبلى أجسامهم وتحصد أرواحهم0
حكم اللواط :
أجمع العلماء على حرمة اللواط، واختلفوا فى تقدير عقوبته على ثلاثة مذاهب :
1- حده القتل ولو كان بكراً سواء كان فاعلا أو مفعولا به عند: الشافعي فى قول والشوكاني.
ويرجم عند: مالك وأحمد واسحق.
2- حده حد الزاني فيجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن عند: الشافعي فى قول ومالك وأحمد.
3- يعزر عند: أبي حنيفة والشافعي فى قول.
الاستمناء
استمناء الرجل بيده ونحوها يتنافى مع ما ينبغي عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق
حكمه : حرام.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)
(المؤمنون5-7) السحاق
السحاق هو : إتيان المرأة ، المرأة : أي أن تدلك المرأة فرجها بفرج أخرى ، وهو محرم عند الجمهور.(1/25)
عن أبي سعيد أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد".( م338 )
والسحاق فيه التعزير دون الحد
إتيان البهيمة
إتيان البهيمة: محرم بالإجماع.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون5-7) قال الشوكاني فى الدراري 2/221: ويعزر من نكح بهيمة 0 أهـ
ويجب فيه التعزير عند: أبي حنيفة ومالك والشافعي فى قول وأحمد.
ويقتل عند: الشافعي فى قول.
عن ابنِ عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "من وجدتموهُ وقعَ على بهيمةٍ فاقتلوهُ واقتُلوا البهيمة"0 (حم1/269 ص ج 65889)
قال الصنعاني فى سبل السلام 4/26: يحتمل أنه أراد عقوبته بقتلها إن كانت له0
قال المباركفوري فى التحفة 5/19: واقتلوا البهيمة: قيل لئلا يتولد منها حيوان على صورة إنسان.
وقيل كراهة أن يلحق صاحبها الخزي في الدنيا لإبقائها.
ويحرم لحم البهيمة المفعول بها عند: الشافعي فى قول والحنابلة.
ويكره عند: الشافعية فى قول وأبي حنيفة وأبي يوسف والقاسمية.
ولا بأس بأكلها عند : الجمهور.
إتيان الميتة
لا يحد واطئ الميتة بل يعزر ويؤدب عند: الحنفية والشافعية والحنابلة.
ويحد من أتى ميتة فى قبلها أو دبرها ، لأنه وطء فى فرج آدمية فأشبه وطء الحية ، ولأنه أعظم ذنباً ، وأكثر إثماً ، لأنه انضم إلى الفاحشة هتك حرمة الميتة عند: المالكية.
الوطء بالإكراه
الإكراه : هو إلزام المرء بما لا يريده(1/26)
قال تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
(النور: من الآية33)
فتياتكم : جمع فتاة والمراد بها المرأة المملوكة، وهي الأمة.
البغاء : الزنا.
إن أردن تحصناً : وهن يرغبن بالعفة ، وليس الشرط بقيد ، بل يحرم إكراههن مطلقاً ، أردن العفة أم لا.
عن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها. ( خ 6945 )
إذا أكرهت المرأة على الزنا فإنه لا حد عليها، سواء كان الإكراه بالإلجاء أو بالتهديد0
الخطأ فى الوطء
إذا زفت إلى رجل امرأة غير زوجته ، فوطئها يعتقدها زوجته فلا حد عليه بالاتفاق، وهكذا الحكم فى كل خطأ فى وطء مباح0
الوطء فى نكاح مختلف فيه
لا يجب الحد فى نكاح مختلف فى صحته مثل: زواج المتعة والشغار وزواج التحليل ، والزواج بلا ولي أو شهود، وزواج الأخت فى عدة أختها البائن، وزواج الخامسة فى عدة الرابعة البائن، وهو قول الأربعة.
وكل زواج مجمع على بطلانه ، كنكاح خامسة زيادة على الأربع ، أو متزوجة، أو معتدة الغير، أو نكاح المطلقة ثلاثاً، قبل أن تتزوج زوجاً آخر، إذا وطئ فيه فهو زنا موجب الحد ، ولا عبرة بوجود العقد ولا أثر له.
بقاء البكارة
وعدم زوال البكارة يعتبر شبهة فى حق المشهود عليها بالزنا عند : أبي حنيفة والشافعي وأحمد والزيدية.
فإن شهد أربعة على امرأة بالزنا ، وشهد ثقات من النساء بأنها عذراء فلا حد عليها للشبهة ولا حد على الشهود0
3-حد القذف
أصل القذف : الرمي بالحجارة وغيرها ، ثم استعمل فى الرمي بالمكاره لعلاقة المشابهة بين الحجارة والمكاره فى تأثير الرمي بكل منهما، لأن فى كل منهما أذى فالقذف أذى بالقول ويسمى فرية: كأنه من الافتراء والكذب0(1/27)
وشرعاً : الرمي بالزنا في نسب إنسان من أبيه المعروف مثل أن يقول رجل لآخر يا زانى أو يقول له لست لأبيك ، وهو حرام تحريماً قطعيا ، وكبيرة من كبائر الإثم والفواحش، ويوجب على القاذف ثمانين جلدة، رجلاً كان أو امرأة، ويمنع قبول شهادته ، ويحكم عليه بالفسق واللعن والطرد من رحمة الله ، واستحقاق العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة إلا إذا ثبت صحة قول بشهادة أربعة بأن المقذوف تورط فى الفاحشة0
والقذف باللواط يوجب الحد عند: الجمهور
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور4-5)
يرمون : يقذفون ويسبون ويتهمون بالزنا.
المحصنات: الأنفس العفيفة ذكوراً وإناثاً.
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)(النور23-25) الغافلات: السليمات الصدور، النقيات القلوب، اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر، ولا يقع في نفوسهن فعل الفاحشة.(1/28)
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رَسُول اللَّهِ وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
( خ 6857)
عَنْ عَائِشَة قَالَت: لما نزلَ عُذْرِيْ قامَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المنْبَرِ فذَكَر ذلك وتلا القرآنَ فلمَّا نزلَ أمَرَ برجلين وامْرأة فَضُربُوا حدَّهُم 0 (ح ت3181)
شروط القذف ثلاثة :
1- شروط القاذف :
أ- العقل: إذا قذف المجنون فلا حد عليه.
ب- البلوغ: إذا قذف الصبي فلا حد عليه.
ج- الاختيار: إذا قذف المكره فلا حد عليه.
د- عدم إثباته ما قذف به بأربعة شهود.
2- شروط المقذوف :
أن يكون القاذف محصناً رجلاً كان أو امرأة ، وشروط إحصان القذف هي:
أ- العقل: لا مضرة على من فقد العقل فلا يحد قاذفه.
ب- البلوغ: لا يحد قاذف الصغير أو الصغيرة ، ويعذر القاذف وهو قول: ابن المنذر.
ويحد فاعله عند: مالك وأحمد.
ج- الإسلام : فل كان المقذوف من غير المسلمين لم يحد القاذف عند: الجمهور
د- الحرية: فلا يحد العبد بقذف الحر له.
يحد عند: ابن حزم.
هـ- العفة: من زنا فى أول بلوغه ثم تاب وامتد عمره فقذفه قاذف فإنه لا حد عليه، وإن هذا القذف يستوجب التعزير لأنه أشاع ما يجب ستره واخفاءه0
ويشترط أن يكون القذف معلوماً فإن كان مجهولاً لا يجب الحد.
ويشترط فى القاذف والمقذوف معاً ألا يكون القاذف أبا للمقذوف ولا جده وإن علا ولا أمه ولا جدته وإن علت، فإن كان كذلك فلا حد عليه0
3- شروط المقذوف به :
التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر قولاً وكتابة(1/29)
ومثال التصريح أن يقول: يا زاني أو يقول عبارة تدل على هذا المعنى كنفي نسبه عنه ، ومثال التعريض أن يقول فى مقام التنازع: لستُ بزاني ولا أمي بزانية.
ولا حد فى التعريض للشبهة عند: أبي حنيفة والشافعي وأحمد فى رواية.
ويعزر عند : أبي حنيفة والشافعي.
تقبل شهادة القاذف المحدود إذا تاب عند: مالك والشافعي وأحمد والليث والزهري.
لا تقبل شهادته إذا تاب عند: الأحناف والأوزاعي والثوري والحسن.
4- الردة
هي رجوع المسلم العاقل البالغ من الإسلام إلى الكفر باختياره دون إكراه من أحد ولا عبرة بارتداد المجنون ولا الصبي0
عن عَلِيّ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفِعَ الْقَلمُ عن ثَلاَثَةٍ: عن النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ، وَعن الصّبِيّ حتّى يَحْتَلِمَ، وَعن المَجْنُونِ حَتّى يَعْقِل"0 ( ص د4403 )
والإكراه على التلفظ بكلمة الكفر لا يخرج المسلم عن دينه مادام القلب مطمئناً بالإيمان
وقد أكره عمار بن ياسر على التلفظ بكلمة الكفر، فنطق بها، وأنزل الله سبحانه فى ذلك 0
(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّه وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل106) الإسلام عقيدة وشريعة ، والعقيدة هي: الإيمان بالألوهية والنبوات والبعث والجزاء.
والشريعة هي: العبادات والآداب والأخلاق والمعاملات والروابط الأسرية والعقوبات الجنائية والعلاقات الدولية، فالإسلام منهج عام0
ومهما تورط المسلم فى المآثم واقترف الجرائم ، فهو مسلم لا يجوز اتهامه بالردة0
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم". ( خ393)
أكل ذبيحتنا: تنويه باليهود الذين لا يأكلون ذبيحة المسلمين.(1/30)
عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما".
( م 60)
إذا كفر الرجل أخاه: الأرجح أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي، كما قالوا، يريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر.
ووجه آخر معناه: فقد رجع إليه تكفيره. فليس الراجع حقيقة الكفر، بل التكفير، وهذا تحذير رهيب للمسلم ، إذا قذف مسلماً بالكفر.
ومن الأشياء التي يكفر بها المسلم :
1- إنكار ما علم من الدين بالضرورة : إنكاره وحدانية الله أوخلقه للعالم أو وجود الملائكة أو نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو أن القرآن وحي من الله أو البعث والجزاء أو فرضية الصلاة والزكاة والصيام والحج.
2- استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه كاستباحة: الخمر والربا، والزنا، وأكل الخنزير، ودماء المسلمين وأموالهم0
3- تحريم ما أجمع المسلمون على حله مثل: تحريم الطيبات.
4- سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الاستهزاء به، وسب أي نبي من أنبياء الله تعالي.
عن علي - رضي الله عنه - أن يهودية كانت تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ذمتها0 (ص د4362)
قال الشوكاني فى نيل الأوطار7/224 : هذا الحديث فيه دليل على أنه يقتل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5- سب الدين والطعن فى الكتاب والسنة وترك الحكم بهما، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما0
6- إدعاء فرد من الأفراد أن الوحي ينزل عليه0
7- إلقاء المصاحف فى القاذورات، وكذا كتب الحديث، استهانة بها، واستخفافاً بما جاء فيها0(1/31)
8- الاستخفاف باسم من أسماء الله، أو أمر من أوامره، أو نهي من نواهيه أو وعد من وعوده، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف أحكامه، ولا يعلم حدوده، فإنه إن أنكر شيئاً منها جهلا به لم يكفر، ولا يدخل فى هذا الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها 0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به0" ( م 127)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء أناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فقالوا : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "وقد وجدتموه"؟ قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان"0 (م 132)
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ :قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يَزَالُ النّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتّى يُقَالَ هَذَا: خَلَقَ الله الخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ الله، فَمنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً آمَنْتُ بال"له.
( م 134)
عقوبة المرتد :
الارتداد جريمة تحبط العمل الصالح قبل الردة ، وتستوجب العذاب الشديد فى الآخرة0
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
(البقرة: من الآية217)
أي من يرجع عن الإسلام إلى الكفر ويستمر عليه حتى يموت كافراً ، فقد بطل كل ما عمله من خير وحرم ثمرته فى الدنيا وحرم من نعيم الآخرة ، وهو خالد فى العذاب الأليم0
وقد قرر الإسلام عقوبة معجلة فى الدنيا للمرتد وهي القتل0
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهٍ - صلى الله عليه وسلم - : "من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوه".(خ 6922)(1/32)
عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا من إحدى ثلاث، كفر بعد إسلام، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس".
(ص هـ2533)
وثبت أن أبا بكر قاتل المرتدين من العرب حتى رجعوا إلى الإسلام، ولم يختلف أحد من العلماء فى وجوب قتل المرتد، وإنما اختلفوا فى المرأة إذا ارتدت0
عقوبة المرأة المرتدة كعقوبة الرجل وهي القتل عند: الجمهور.
فالمرأة تشارك الرجل فى الحدود كلها دون استثناء، وإنما نهى عن قتل النساء فى حال الحرب لعدم مشاركتهن فى القتال0
وكثيراً ما تكون الردة نتيجة الشكوك والشبهات التي تساور النفس وتزاحم الإيمان ولابد أن تتهيأ فرصة للتخلص من هذه الشبهات والشكوك، وأن تقدم الأدلة التي تعيد الإيمان إلى القلب ومن ثم كان من الواجب أن يستتاب المرتد ولو تكررت ردته، ويمهل فترة زمنية يراجع فيها نفسه ،فإن عدل عن موقفه بعد كشف شبهاته ورجع إلى الإسلام وأقر الشهادتين واعترف بما كان ينكره، وبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام ، قبلت توبته، وإلا أقيم عليه الحد0
أحكام المرتد:
له أحكام هي:
1- العلاقة الزوجية تنقطع ، وهذه الفرقة تعتبر فسخاً ، فإن تاب المرتد فلابد من عقد ومهر جديدين،إذا أراد استئناف الحياة الزوجية0
2- ميراثه: لا يرث أحداً من أقاربه إذا مات، فإن قتل المرتد أو مات انتقل ماله إلى ورثته من المسلمين0
3- فقد أهليته للولاية على غيره: فلا يجوز له أن يتولى عقد تزويج بناته، ولا أبنائه الصغار، وتعتبر عقوده بالنسبة لهم باطلة ، لسلب ولايته لهم بالردة0
والردة لا تقضي على أهلية المرتد للتملك، ولا تسلبه حقه فى ماله، ولا تزيل يده عنه، وله أن يتصرف فى ماله كما يشاء ، ولو لحق بدار الحرب 0(1/33)
فكل من أنكر الشفاعة ، أو أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر وسؤال الملكين أو أنكر الصراط والحساب ، أو قال عن أبي بكر وعمر أنهما ليسا من أهل الجنة فهو زنديق الزنديق يقتل كالمرتد0
تبع الميت لأبويه فى الكفر ولمن أسلم منهما فى الإسلام :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها". قالوا: يا رسول الله: أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"0 ( خ 6599)
عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا اعبر عنه لسانه إما شاكراً وإما كفوراً ".(ص حم1474)
5- الساحر
السحر له تأثير، ومن اعتقد حله كفر، باتفاق العلماء.
والساحر يقتل بتعلم السحر وبفعله لكفره دون استتابة عند: أبي حنيفة ومالك أحمد.
إن كان الكلام الذي سحر به كفراً فالساحر مرتد، وإن كان ليس كفراً فلا يقتل لأنه عاص فقط عند : الشافعية والظاهرية.
قال تعالى: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)
(البقرة: من الآية102)
وما كفر سليمان: أي ما سحر، عبر عن السحر بالكفر للتغليظ، ولأنه مفض إلى الكفر باستحلاله0(1/34)
عن عائشة قالت: سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا ودعا، ثم قال: "أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي، أتاني رجلان: فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب قال : ومن طبه؟ قال: لبيد ابن الأعصم قال: فيما ذا؟ قال: في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان"، فخرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع، فقال لعائشة حين رجع: "نخلها كأنه رؤوس الشياطين"، فقلت: استخرجته؟ فقال: "لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا، ثم دفنت البئر". ( خ3268)
وعاه: حفظه.
أفتاني: أخبرني.
أتاني: أي في المنام.
رجلان: أي ملكان في صورة رجلين.
مطبوب: مسحور.
مشاقة: ما يخرج من الكتان حين يمشق، والمشق جذب الشيء ليمتد ويطول.
جف الطلعة: وعاء الطلع وغشاؤه إذا جف.
بئر ذروان: بئر في المدينة في بستان لأحد اليهود.
رؤوس الشياطين: أي شبيه لها لقبح منظره.
شرا: أي في إظهاره، كتذكر السحر وتعلمه.
دفنت البئر: طمت بالتراب حتى استوت مع الأرض0
قال النووي فى شرح مسلم: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع
قال الشوكاني فى الدراري2/240: والساحر يستحق القتل حداً
الكاهن والعراف
الكاهن هو : الذي يتخذ من الجن من يأتيه بالأخبار ، ويدعي معرفة المستقبل.
العراف هو : الذي يتحدث بالحدس والظن مدعياً أنه يعلم الغائبة الماضية.
قال الشوكاني فى الدراري 2/240: والكاهن يستحق القتل حداً.(1/35)
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السّلَمِيّ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُمُوراً كُنّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ. كُنّا نَأْتِي الْكُهّانَ. قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : "فَلاَ تَأْتُوا الْكُهّانَ" ، قَالَ: قُلْتُ: كُنّا نَتَطَيّرُ. قَالَ: "ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ، فَلاَ يَصُدّنّكُم"0 (م537)
عَنْ صَفِيّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَتَىَ عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"0 ( م2230)
عن عائشة رضي الله عنها: سأل أناس النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكهَّان، فقال: "إنهم ليسوا بشيء"، فقالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدِّثون بالشيء يكون حقاً؟ قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقرقرها في أذن وليِّه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة".(خ7561 م2228)
فيقرقرها: من القرقرة، وهو الوضع في الأذن بالصوت، والقر الوضع فيها بدون صوت.
كقرقرة الدجاجة: أي كصوتها.
أفاد الحديث: النهي عن تصديق الكهان، وأن ما يقولونه كذب واختلاق وإن صدق فى بعض الأحيان0
عن أبي مسعود الأنصاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.(خ5346)
ثمن الكلب: بيعه وأخذ ثمنه.
حلوان الكاهن: ما يعطى الكاهن أجرته على كهانته.
مهر البغي: ما تأخذه الزانية على زناها، وسمي مهراً لأنه مال تأخذه مقابل. التمكين من نفسها على صورة المهر0
6- الحرابة
كلمة مأخوذة من الحرب
وهي طائفة مسلحة فى دار الإسلام لإحداث الفوضى ، وسفك الدماء ، وسلب الأموال، وهتك الأعراض ، وإهلاك الحرث والنسل، متحدية بذلك الدين والأخلاق النظام والقانون0(1/36)
ولا فرق أن تكون هذه الطائفة من المسلمين أو الذميين أو المعاهدين أو الحربيين ما دام ذلك فى دار الإسلام.
وتحقق الحرابة أيضاً بخروج فرد من الأفراد له فضل جبروت وبطش ومزيد قوة وقدرة يغلب بها الجماعة على النفس فى المال والعرض ، فهو محارب وقاطع طريق0
ويدخل فى مفهوم الحرابة: العصابات المختلفة كعصابة القتل، وعصابة خطف الأطفال، وعصابة اللصوص للسطو على البيوت ، وعصابة خطف البنات العذراى للفجور بهن ، وعصابة اغتيال الحكام ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن ، وعصابة إتلاف الزرع وقتل المواشي والدواب0
والحرابة جريمة كبرى ، ولذلك جعل القرآن الكريم المحاربين محاربين لله ورسوله0
قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33) جزاء: عقوبة.
يحاربون: يخالفون أمرهما بالاعتداء على الأنفس والأموال ونحوها.
يسعون: يكثرون الفساد في الأرض بإثارة الرعب وقتل الأنفس وسلب الأموال.
من خلاف: يخالف بينهما: فتقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، والرجل اليمنى مع اليد اليسرى.
ينفوا: يبعدوا ويغرَّبوا، أو يحبسوا أو يحجزوا
قال الشوكاني فى الدراري2/240: والمحارب يستحق القتل
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا".(خ6874)
حمل علينا السلاح: قاتلنا بسبب ديننا ، أو استحل قتالنا
قال النووي : من حمل على المسلمين السلاح بغير حق ولا تأويل، ولم يستحله فهو عاص، ولا يكفر بذلك ، فإن استحله كفر0(1/37)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية"0 ( م1848)
أي من خرج على طاعة الحاكم الذي وقع الاجتماع عليه فى قطر من الأقطار، وفارق الجماعة التي اتفقت على طاعة إمام ، مات ميتة جاهلية0
عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ، وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ" . (م 1852)
وأمركم جميع: أي مجتمع.
أن يشق عصاكم: يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة المشقوقة وهو عبارة عن اختلاف الكلمة وتنافر النفوس.
شروط الحرابة
وشروط الحرابة التي لابد من توافرها حتى يستحقوا العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي :
1- التكليف : فيشترط فى المحاربين العقل والبلوغ ، فالمحاربين والصبيان يسقط الحد عنهم0
2- وجود السلاح :فإن لم يكن معهم سلاح فليسوا بمحاربين ، وإذا تسلحوا بالعصي والحجارة فإنهم محاربين أيضاً عند: مالك والشافعي والحنابلة وأبي يوسف وأبي ثور وابن حزم.
ويستوي المصر والصحراء عند: الشافعي والحنابلة وأبي ثور والأوزاعي والليث والمالكية والظاهرية.
3- المجاهرة بأن يأخذوا المال جهراً، فإن أخذوه مختفين فهم سراق وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون.
عقوبة المحاربين:(1/38)
قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ - إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة33-34) قال الشوكاني فى الدراري 2/238: هو أحد الأنواع المذكورة فى القرآن: القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف ، أو النفي من الأرض، يفعل الإمام منهما ما رأي فيه صلاحاً لكل من قطع طريقاً ولو فى المصر إذا كان قد سعى فى الأرض فساداً فإن تاب قبل القدرة سقط عنه ذلك0
عن أنس - رضي الله عنه - : أن ناسا من عُكْل وعرينة ، قدموا المدينة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكلموا بالإسلام، فقالوا: يا نبي الله ، إنا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذود وراع ، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا الذود، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم.(خ3018)
عكل وعرينة : هما قبيلتان متغايرتان فعكل من عدنان وعرينة من قحطان
تكلموا بالإسلام: نطقوا بالشهادتين وأظهروا الإسلام.
أهل ضرع: أصحاب ماشية.
ريف: أرض فيها زرع وخصب.
استوخموا المدينة : أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع.(1/39)
فليشربوا من أبوالها: استدل به من قال بطهارة أبوال الإبل وقاس سائر المأكولات عليها.
بناحية الحرة: هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة.
فسمروا أعينهم : فقعوا أعينهم.
وإذا تاب المحاربون قبل القدرة عليهم ، وتمكن الحاكم من القبض عليهم، فإن الله يغفر لهم ما قد سلف ويرفع العقوبة وتسقط حد الحرابة وجميع حقوق الله من زنا شراب والقطع فى السرقة ، ولا تسقط حقوق الناس من الأموال والدماء0
إذا اعتدى على إنسان معتد يريد قتله، أو أخذ ماله، أو هتك عرض حريمه، فمن حقه أن يقاتل هذا المعتدي دفاعاً عن نفسه وماله وعرضه بالأسهل فالأسهل، فيبدأ بالكلام أو الصياح أو الاستعانة بالناس، فإن لم يندفع الظالم إلا بالضرب فليضربه، فإن لم يندفع إلا بالقتل فليقتله، ولا قصاص على القاتل ولا كفارة عليه ولا دية للمقتول لأنه ظالم معتد0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال : "فلا تعطه مالك"، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار"0 ( م140)
7- حد السرقة
السرقة : أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية.
شرعاً : هي أخذ مال الغير فى خفية ، مستتراً من حرز.
فإن لم يكن المال مملوكاً للغير، أو كان الأخذ مجاهرة، أو كان المال غير محرز، فإن السرقة الموجبة لحد القطع لا تتحقق0
ولا يعتبر المختلس والمنتهب والخائن سارقاً ، ولا يجب على واحد منهم القطع ، وإن وجب التعزير.
عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلَسٍ قَطْع".(ص ت1448)
الخائن : هو من يأخذ المال ويظهر النصح للمالك.
المنتهب: هو الذي يأخذ المال غصباً مع المجاهرة والاعتماد على القوة.(1/40)
المختلس: هو من يخطف المال جهراً ويهرب ، وقيل: الذي يسلب المال على طريقة الخلسة.
والسرقة نوعان: نوع يوجب التعزير ، ونوع يوجب الحد.
أما ما يوجب القطع فمثل: سارق الثمر عليه غرامة مثليه والعقوبة.
وأما ما يوجب القطع فمثل: الشاة من المرتفع ، قضى فى الشاة التي يؤخذ من مرتعها بثمنها مضاعفاً وضرب نكال (أي ضرباً يكون فيه عبرة لغيره) وقضى فيما يؤخذ من عطنه بالقطع إذا بلغ النصاب الذي يقطع فيه سارقة.
والسرقة التي تجب الحد نوعان :
الأول : سرقة صغرى : وهي التي يجب فيها قطع اليد
الثاني : سرقة كبرى : وهي أخذ المال على سبيل المغالبة ويسمى الحرابة (أو قطع الطريق)
الصفات التي يجب اعتبارها فى السارق :
1- التكليف: بأن يكون السارق بالغاً عاقلاً فلا حد على المجنون ولا على الصغير ، ولكن يؤدب الصغير إذا سرق
ولا يشترط الإسلام ، فالذمي إذا سرق أو المرتد فإنه يقطع، كما أن المسلم يقطع إذا سرق من الذمي أما المعاهد والمستأمن فيقطعان عند: مالك وأحمد
2- الاختيار : بأن يكون السارق مختاراً فى سرقته ، فلو أكره على السرقة فلا يعد سارقاً
3- ألا يكون للسارق فى الشيء المسروق شبهة ، ولهذا لا يقطع الأب ولا الأم بسرقة مال الابن ، وكذلك لا يقطع الابن بسرقة مالها ، ولا يقطع الآباء والأجداد والأبناء وأبناء الأبناء0
عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ: أنّ رَجُلاً أتَى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إنّ لِيَ مَالاً وَوَلَداً، وَإنّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالِي. قالَ: "أنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إنّ أوْلاَدَكُمْ مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُم فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أوْلاَدِكُم"0 (ح د3530)
ولا قطع على أحد الزوجين إذا سرق من الآخر ، لشبهة الاختلاط بينهما الذي يمنع أن يكون الحرز كاملاً .
ولا قطع على من سرق من المدين المماطل فى السداد ، أو الجاحد فى الدين.(1/41)
ولا قطع على من سرق من بيت المال إذا كان مسلماً.
ولا قطع على المحتاج إذا سرق حال وقوع أزمة بالناس أو مجاعة.
الصفات التي يجب اعتبارها فى المال المسروق هي :
1- أن يكون مما يتمول ويملك ويحل بيعه وأخذ العوض عنه، فلا قطع على من سرق الخمر والخنزير وأدوات اللهو.
أما سرقة الصغير غير المميز فلا قطع على من سرق عند: أبي حنيفة والشافعي.
ولا قطع على من سرق الماء والثلج والكلأ والملح والتراب.
2- أن يبلغ الشيء المسروق نصاباً، والنصاب هو ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة أو قيمة أحدهما عند:الجمهور ومالك وأحمد.
والنصاب عشرة دراهم أو دينار عند: الأحناف.
عن عائشة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً".
(خ 6789 م 1684)
في ربع دينار : أي في سرقته، أو سرقة ما تبلغ قيمته ذلك.
فصاعداً: فما زاد وصعد عنه
عَن ابنِ عُمَرَ رضي اللّهُ عَنْهُما :أَنَّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ في مجن ثَمنه ثلاثةُ دراهم. (خ6795م1686)
المجن : من الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء، وهو الترس لأن صاحبه يستتر به ويختفي راءه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده"0 (خ6799 م 1687)
يسرق البيضة: أي فيعتاد السرقة، فيسرق ما هو أكبر منها مما يساوي نصاب القطع فتقطع يده، فيكون السبب الأول سرقته للبيضة.
أوالبيضة :هي الخوذة من الحديد، يضعها المقاتل على رأسه ليحميه من الضربات. وهي كالمجن وثمنها أكثر من ثلاثة دراهم0
إذا سرقت الجماعة قدراً من المال بحيث لو قسم بينهم لكان نصيب كل منهم ما يجب فيه القطع فإنهم يقطعون جميعاً بالاتفاق0
أما إذا كان هذا المال يبلغ نصاباً ، لكنه لو قسم بين السارقين لا يبلغ نصيب كل منهم ما يجب فيه القطع فيجب أن يقطعوا جميعاً عند الجمهور.
الحرز : لغة : هو الموضع الذي يحرز فيه الشي.(1/42)
شرعاً : هو الموضع المعد لحفظ الشيء وهو ما نصب لحفظ أموال الناس مثل:الدار والدكان والأصطبل والمراح والجرين ونحو ذلك ، ولم يرد فيه ضابط من جهة الشرع ولا من جهة اللغة وإنما يرجع فيه إلى العرف0
والحرز دليل على عناية صاحب المال به وصيانته له والمحافظة عليه من التعرض للضياع 0
عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن"0 (ح د1710)
الحريسة: هي التي ترعى فى الحقل وعليها حرس، وقيل التي توجد فى المراح.
المراح: حرز الإبل والبقر والغنم الذي تأوي إليه ليلا.
الجرين: موضع تحفيظ الثمار قيل موضع تجفيف الثمر.
المجن: الترس يتقى به فى الحرب.
والحرز شرط فى القطع عند: الجمهور.
الإنسان حرز لثيابه وفراشه والدار حرز إذا كانت مغلقة لما فيها من أثاث والجرين حرز للثمار والمسجد حرز لما فيه.
الطرار وهو النشال بقطع مطلقاً سواء أوضع يده داخل الكم وأخرج المال، أو شق الكم فسقط المال0
وإذا كانت الدراهم مصرورة فى ظاهر كمه فطرها فسرقها لم يقطع، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع0
إذا اشترك اثنان فى نقب دار فدخل أحدهما فأخذ المتاع وناوله الآخر وهو خارج الحرز فالقطع على الداخل دون الخارج0
لا يثيب الحد إلا بشهادة عدلين أو بالإقرار ويكفي فيه مرة واحدة عند : مالك والشافعي والأحناف
عن بسر بن أرطأة : أنه وجد رجلا يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده وقال نهانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن القطع في الغزو0
(ص ت1450)
عقوبة السارق :
إذا ثبتت جريمة السرقة عند الحاكم وجب إقامة الحد على السارق فتقطع يده اليمنى من مفصل الكف وهو الكوع ، ولا يجوز العفو عنها من أحد ، لا من المجني ولا من الحاكم ، كما لا يجوز أن تستبدل به عقوبة أخرى أخف منها ، أو تأخير تنفيذها أو تعطيلها.(1/43)
فإن سرق ثانياً تقطع رجله اليسرى.
فإن سرق ثالثاً تقطع يده اليسرى .
فإن عاد إلى السرقة تقطع رجله اليمنى.
مكان القطع فى الرجل هو : من مفصل القدم.
وتحسم يد السارق بعد القطع فتكوى بالنار أو أي طريقة ، ينقطع بها الدم.
ومن التنكيل بالسارق والزجر لغيره، أمر الشارع بتعليق يد السارق المقطوعة فى عنقه ساعة0
إذا كان المسروق قائماً رد على صاحبه ، فإذا تلف المسروق فى يد السارق ضمن بدله ، وقطع
وأول سارق قطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الإسلام من الرجال: الخيار بن عدي بن نوفل ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد0(1/44)
الكتاب الخامس عشر
الجنايات
الجنايات : جمع جناية ،مأخوذة من جنى يجني ، بمعنى أخذ
والجناية : كل فعل حظره الشارع ومنع منه ، لما فيه من ضرر واقع على: البدن أو النفس أو العرض أو المال0
وهي: محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير.
والمحظور : إما إتيان منهي عنه أو ترك مأمور به0
1- القتل العمد
هو أن يقصد المكلف قتل إنسان معصوم الدم بما يغلب على الظن أنه يقتل به.
والمعصوم الدم : هو الذي لا يستحق القتل شرعاً0
ويفهم من هذا التعريف أن جريمة القتل العمد لا تتحقق إلا إذا توفرت فيها الأركان الآتية :
1- أن يكون القاتل عاقلاً بالغاً قاصداً القتل.
2- أن يكون المقتول آدمياً معصوم الدم أي دمه غير مباح.
3- أن تكون الأداة التي استعملت فى القتل مما يقتل بها غالبا ، سواء أكانت محدودة أو متلفة ، لتماثلها فى إزهاق الروح، ومن هذا القبيل : القتل بالإحراق بالنار، والإغراق بالماء ، والإلقاء من شاهق ، وإلقاء حائط عليه ، والخنق والحبس ومنع الطعام والشراب حتى يموت، وتقديمه لحيوان مفترس، والطعام المسموم والشهود يشهدون على إنسان معصوم الدم بما يوجب قتله، ثم بعد قتله يرجعون عن الشهادة ، ويقولون تعمدنا قتله0
قال الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقّ)
(الأنعام: من الآية151)
قتل النفس كبيرة تلي الشرك بالله، الله واهب الحياة ، وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه وفى الحدود التي يرسمها وكل نفس هي حرام إلا بالحق ، وهذا الحق الذي يبيح قتل النفس محدد لا غموض فيه وليس متروكاً للرأي ولا متأثراً بالهوى0
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور"، أو قال: "وشهادة الزور".( خ6871)
الآثار المترتبة على القتل العمد هي:
1- الإثم .(1/1)
2- الحرمان من الميراث والوصية ، فلا يرث القاتل من ميراث المقتول شيئاً.
3- الكفارة :أما إذا اقتص من القاتل فلا تجب عليه الكفارة.
4- القود أو العفو إما على الدية ، أو الصلح على غير الدية ، ولو بالزيادة عليها، كما أن لولي الجناية العفو مجانا وهو أفضل.
قال الله تعالى: ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ )
(البقرة: من الآية237)
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(البقرة:178) القصاص: معاقبة الجاني المتعمد بمثل جنايته.
عفي: أي إذا عفا المجني عليه أو أولياؤه عن القصاص وقبلوا الدية.
فاتباع بالمعروف: يطالب ولي المقتول بالدية دون إساءة أو تعنيف، ولا يأخذ أكثر من حقه.
أداء إليه: يعطي القاتل الدية للولي بدون مماطلة أو إضرار.
ذلك: أي تشريع الدية بدل القصاص عند العفو.
اعتدى: تجاوز حد الشرع بأن قتل القاتل بعد العفو أو أخذ الدية، أو قتل غيره من أفراد عشيرته0
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النّظرَيْنَ إمّا أنْ يودي، وَإمّا أنْ يُقَاد".( خ 6880 م1355)
(وإما أن يقاد) من الإقادة ومعناها تمكين ولي الدم من القود ، وأصله أنهم يدفعون القاتل لولى المقتول فيقوده بحبل.
2- القتل شبه العمد
هو أن يقصد المكلف قتل إنسان معصوم الدم بما لا يقتل عادة ، كأن يضربه بعصا خفيفة أو حجر صغير أو لكزه بيده أو سوط ونحو ذلك0(1/2)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن يهودياً رضَّ رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها: من فعل بك هذا ؟ أفلان أو فلان ، حتى سمِّي اليهودي ، فأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يزل به حتى أقرَّ به، فرُضَّ رأسه بالحجارة.(خ6876)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال: فرماها يهودي بحجر، قال: فجيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبها رمق، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فلان قتلك"، فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: "فلان قتلك"، فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: "فلان قتلك"، فخفضت رأسها، فدعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتله بين الحجرين. (خ6877 م1672)
أوضاح : أي من أجلها، وهي جمع وضح، نوع من الحلي يعمل من فضة.
الآثار المترتبة على القتل شبه العمد هي :
1- الإثم : لأنه قتل نفس حرام الله قتلها إلا بالحق.
2- الدية المغلظة على العاقلة وهو أولياء القاتل.
3- القتل الخطأ
هو أن يفعل المكلف ما يباح فعله ،كأن يرمي صيداً أو يقصد غرضاً ، فيصيب إنساناً معصوم الدم فيقتله0
وكأن يحفر بئراً فيتردى فيها إنسان ، ويلحق بالقتل الخطأ القتل العمد الصادر من غير مكلف كالصبي والمجنون0
الآثار المترتبة على القتل الخطأ هي :
1- الدية المخفضة على العاقلة ، مؤجلة فى ثلاث سنين.
2- الكفارة : وهو عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين وهو قول : الجمهور.(1/3)
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:92)
يصدقوا : يعفوا.
عدو لكم : أولياؤه كفار محاربون لنا.
والحكمة فى الكفارة أنها أوجبت تمحيصاً طهوراً لذنب القاتل وذنبه ترك الاحتياط والتحفظ حتى هلك على يديه امرؤ محقون الدم.
شروط وجوب القصاص :
1- أن يكون المقتول معصوم الدم فلو كان حربياً أو زانياً محصناً أو مرتداً ، فإنه لا ضمان على القاتل لا بقصاص ولا بدية ، لأن هؤلاء جميعاً مهدورو الدم.
عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لا يَحِلُّ دَمُ امرئ مُسْلمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَه إلا اللَّهُ وَأَني رَسُولُ اللَّهِ إلاَّ بِإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّاني، وَالنّفْسِ بِالنّفْسِ، والتّاركِ لِدِينِهِ المُفَارقِ للْجَمَاعَةِ".(خ6878 م 1676)
2- أن يكون القاتل بالغاً فلا قصاص على صغير لأنه غير مكلف.
3- أن يكون القاتل عاقلاً فلا قصاص على مجنون ولا معتوه لأنهم غير مكلفين ، أما السكران فيقتل.
4- أن يكون القاتل مختاراً ، فإن الإكراه يسلبه الإرادة0
فإذا أكره صاحب سلطان غيره على القتل، فقتل آدمياً بغير حق، فإنه يقتل الآمر دون المأمور، ويعاقب المأمور.(1/4)
5- ألا يكون القاتل أصلاً للمقتول ، فلا يقتص من والد قتل ولده ، وولد ولده وإن سفل ، وإن قتل الابن أحد أبويه فإنه يقتل اتفاقاً.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولُ اللَهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا َيُقْتَلُ بَالوَلَدِ الوَالدُ".(ص هـ2041)
لا يقتل بالولد الوالد: لا يقاد والد بقتل ولده لأن الوالد سبب لوجوده، فلا يحسن أن يكون الولد سبباً لعدمه.
6- أن لا يكون المقتول مكافئاً للقاتل حال جنايتهن بأن يساويه فى الدين والحرية ، فلا قصاص على مسلم قتل كافراً أو حر قتل عبداً ، بخلاف ما إذا قتل الكافر المسلم ، أو قتل العبد الحر، فإنه يقتص منهما 0
والإسلام لم يفرق بين شريف ووضيع ، وبين جميل ودميم، وبين غني وفقير، وبين طويل وقصير، وبين قوي وضعيفاً، وبين سليم ومريض، وبين كامل الجسم وناقصه وبين صغير كبير ، وبين ذكر وأنثى0
عن علي - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : "لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ". (ص ت1412)
قال القاضي هذا عام يدل على أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصاً سواء الحربي والذمي.
والمسلم لا يقتل بالذمي والمعاهد.
قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ )(المائدة: من الآية45)
وهذا عام وقد خصصته السنة0
7- ألا يشارك القاتل غيره فى القتل: كأن اشترك: عامد ومخطئ، أو مكلف وسبع ، أو مكلف وغير مكلف، مثل: الصبي والمجنون، فإنه لا قصاص على واحد منهما وعليهما الدية لوجود الشبهة التي تدرأ الحدود، فإن القتل لا يتجزأ ، وهذه الشبهة تسقط القود ، وإذا سقط وجب بدله الدية.
وعلى المكلف القصاص، وعلى غير المكلف نصف الدية عند: مالك والشافعي.
قتل الغيلة: هو أن يخدع الإنسان غيره ، فيدخل بيته ونحوه ، فيقتل أو يأخذ المال.
ولا فرق بين قتل الغيلة وغيره ، فهما سواء فى القصاص والعفو، وأمرهما راجع إلى ولي الأمر عند: الجمهور.(1/5)
إذا اجتمع جماعة على قتل واحد فإنهم يقتلون به جميعاً ، ولو لم يباشر القتل كل منهم عند: الجمهور.
إذا أمسك رجل رجلاً وقتله آخر فإنهما يقتلان.
ويثبت القصاص بما يأتي:
1- الإقرار: الإقرار سيد الأدلة
عن وائل بن حجر قال: إني لقاعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة. فقال: يا رسول الله! هذا قتل أخي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أقتلته"؟ فقال: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة قال: نعم قتلته. قال:"كيف قتلته"؟ قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني. فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :"هل لك من شيء تؤديه عن نفسك"؟ قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال: "فترى قومك يشترونك"؟ قال: أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بنسعته. وقال:"دونك صاحبك". فانطلق به الرجل. فلما ولى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن قتله فهو مثله فرجع". فقال: يا رسول الله! إنه بلغني أنك قلت: إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك"؟ قال: يا نبي الله! لعله قال: بلى. قال: "فإن ذاك كذاك". قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله.
( م 1680 )
بنسعة: هي حبل من جلود مضفورة، جعلها كالزمام له، يقوده بها.
فقال إنه لو لم يعترف: هذا قول القائد، الذي هو ولى القتيل. يريد أنه لا مجال له في الإنكار.
نختبط: أي نجمع الخبط، وهو ورق السمر. بأن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه، فيجمعه علفا.
على قرنه: أي جانب رأسه.
إن قتله فهو مثله: أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر، لأنه استوفى حقه منه. بخلاف ما لو عفا عنه فإنه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة وجميل الثناء في الدنيا.
فرجع: أي فأبلغه رجل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرجع.
أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك: أراد بالصاحب، هنا، أخاه المقتول.(1/6)
البوء : اللزوم: أن يلتزم ذنبك وذنب أخيك ويتحملهما.
وقال النووي: يتحمل إثم المقتول بإتلافه مهجته، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه.
2- شهادة رجلين عدلين :
عن رافع بن خديج قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولاً بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له، فقال: "لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم"؟ قالوا: يا رسول اللّه، لم يكن ثمَّ أحد من المسلمين، وإنما هم يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا، قال: "فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم"، فأبوا0 (ح د4524)
شروط استيفاء القصاص :
1- أن يكون المستحق له عاقلاً بالغا ، فإذا كان صبياً أو مجنوناً لم ينب عنهما أحد فى استيفائه، لا أب ولا وصي ولا حاكم ، وإنما يحبس الصغير حتى يبلغ ، ويحبس المجنون حتى يفيق0
2- أن يتفق أولياء الدم جميعاً على استيفائه ، وليس لبعضهم أن ينفرد به، فإن كان بعضهم غائباً وجب انتظاره حتى يرجع، وإن كان بعضهم صغيراً وجب انتظاره حتى يبلغ، وإن كان بعضهم مجنوناً وجب انتظاره حتى يفيق0
3- أن لا يتعدى الجاني إلى غيره، فإن كان القصاص وجب على امرأة حامل، لا تقتل حتى تضع حملها وتسقيه اللبأ (اللبن فى النتاج)لأن قتلها يتعدى إلى الجنين.
ويكون القصاص متى حضر أولياء الدم وكانوا بالغين وطالبوا به0
والأصل فى القصاص أن يقتل القاتل بالطريقة التي قتل بها ، لأن ذلك مقتضى المماثلة والمساواة0
قال الله تعالى:( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) (البقرة: من الآية194)
وقال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)(النحل: من الآية126)
ويقتل الجاني بالسبب الذي قتل به إلا إذا كان لا يجوز فعله كمن قتل بالسحر فإنه لا يقتل به لأنه محرم.
ومن قتل فى الحرم فإنه لا يجوز قتله فيه0
ويسقط القصاص بعد وجوبه بأحد الأسباب الآتية :(1/7)
1- عفو جميع الأولياء أو أحدهم ، بشرط أن يكون العافي عاقلاً مميزاً ، وإذا عفا الأولياء فليس للحاكم أن يتدخل بالمنع عن العفو0
2- موت الجاني أو فوات الطرف الذي جني به بأن فقد العضو الذي جني به ، وإذا سقط القصاص وجبت الدية فى تركته للأولياء عند : الحنابلة والشافعي فى قول0
ولا تجب الدية ، لأن حقوقهم كانت فى الرقبة وقد فاتت فلا سبيل على ورثته فيما صار من ملكه إليهم0
3- إذا تم الصلح بين الجاني والمجني عليه أو أوليائه.
إن المطالبة بالقصاص حق لولي الدم، وتمكين ولي الدم من الاستيفاء حق للحاكم .
فلا خلاف أن القصاص فى القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر0
وعلى الحاكم أن يتفقد آلة القتل التي يقتص بها مخافة الزيادة فى التعذيب ، وأن يوكل التنفيذ إلى من يحسنه ، وأجرة التنفيذ على بيت المال0
وإذا قتل القاتلَ غيرُ ولي الدم فعلى قاتله القصاص، ولورثة الأول الدية0
القصاص فيما دون النفس :
يثبت القصاص فيما دون النفس وهو نوعان :
1- الأطراف
2- الجروح
قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة:45) أي أن الله كتب على اليهود في التوراة أن النفس تقتل بالنفس إذا قتلتها والعين تفقأ بالعين والأنف يجدع بالأنف والأذن تقطع بالأذن والسن تقلع بالسن والجروح يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحوه ذلك 0
فمن تصدق بالقصاص ، بأن مكن من نفسه فهو كفارة له ما ارتكبه، وهذا الحكم وإن كان كتب على من قبلنا فهو شرع لنا والقصاص كله فى العمد ، أما الخطأ ففيه الدية 0(1/8)
عن أنس - رضي الله عنه - : أن الربيع، وهي ابنة النضر، كسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم بالقصاص، فقال أنس ابن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال: "يا أنس، كتاب الله القصاص". فرضي القوم وعفوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن من عباد الله، من لو أقسم على الله لأبره0" (خ4611 م1675)
ويشترط فى القصاص فيما دون النفس :
1- العقل.
2- البلوغ.
3- تعمد الجناية.
4- أن يكون دم المجني عليه مكافئاً لدم الجاني فلا يقتص من حر جرح عبداً أو قطع طرفه، ولا يقتص من مسلم جرح ذمياً أو قطع طرفه ، وتجب فى هذه الحالات الدية، ويقتص من العبد أو الذمي إذا جرح أو قطع طرف مسلم0
شروط القصاص فى الأطراف :
1- الأمن من الحيف بأن يكون القطع من مفصل أو يكون له حد ينتهي إليه فلا قصاص فى كسر عظم غير السن ولا جائفة ولا بعض الساعد لأنه لا يؤمن الحيف فى القصاص فى هذه الأشياء 0
2- المماثلة فى الاسم والوضع فلا تقطع يمين بيسار ولا يسار بيمين ، ولا خنصر ببنصر ولا العكس ، لعدم المساواة فى الاسم0
3- استواء طرفي الجاني والمجني عليه فى الصحة والكمال، فلا يؤخذ عضو صحيح بعضو أشل ، ولا يد صحيحة بيد ناقصة الأصابع، ويجوز العكس فتؤخذ اليد الشلاء باليد الصحيحة0
القصاص فى جراح العمد :
لا يجب فيها القصاص إلا إذا كان ذلك ممكناً ، بحيث يكون مساوياً لجراح المجني عليه، من غير زيادة ولا نقص، فإذا كانت المماثلة والمساواة لا يتحققان إلا بمجاوزة القدر أو بمخاطرة أو أضرار، فإنه لا يجب القصاص وتجب الدية، وذلك مثل: كسر الرقبة والصلب والفخذ والجراحات التي تقع فى الرأس والوجه ولا قصاص على واحد منهما وعليهما نصف الدية عند: الحنفية والظاهرية0
ويجوز القصاص فى اللطمة والضربة والسب بشرط أن يكون مساوياً(1/9)
قال الله تعالى: ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ )(البقرة: من الآية194)
ويقتص من الحاكم إذا تعدى على فرد من أفراد الأمة ، لأنه لا فرق بينه وبين غيره فى أحكام الله0
وقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القود من نفسه ، وأعطى أبو بكر القود من نفسه، وأعطى عمر القود من نفسه رضي الله عنهما0
إذا أصاب الرجل امرأته بجرح فإن عليه عقل ذلك الجرح ، ولا يقاد منه0
وإذا ضرب الرجل امرأته بسوط أو حبل فيصيبها من ضربه ما لم يرده ولم يتعده، فإنه يعقل ما أصاب منها ولا تقاد منه0
ولا يقصد الجاني فى الجراحات، ولا تطلب منه دية، حتى يتم برء المجني عليه ، وتؤمَن السِراية، فإذا سرت الجناية إلى أجزاء أخرى من البدن ضمنها الجاني0
ولا يقاد فى البرد الشديد ولا فى الحر الشديد، ويؤخر ذلك مخافة أن يموت المقاد منه0
إذا مات المقتص منه بسبب الجرح الذي أصابه من أجل القصاص فلا شئ على المقتص لعدم التعدي عند الجمهور.
الدية
هي المال الذي يجب بسبب الجناية، وتؤدى إلى المجني عليه ، أو وليه0
وهي تنظيم ما فيه القصاص ، وما لا قصاص فيه ، وتسمى بالعقل0
أي أن القاتل يجمع الدية من الإبل ويعقلها بفناء أولياء المقتول، أي بشدها بعقالها ليسلمها إليهم 0(1/10)
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:92) والمقصود بها : الزجر، والردع ، وحماية النفس0
قدرها: دية الرجل الحر المسلم ، مائة من الإبل على أهل الإبل، ومائتي بقرة على أهل البقر، وألفي شاة على أهل الشاة، وألف دينار على أهل الذهب، وأثنى عشر ألف درهم على أهل الفضة ، ومائتي حلة على أهل الحلل ، فأيها أحضر من تلزمه الدية لزم الولي قبولها0
قال الشوكاني فى الدراري 2/250: دية الرجل المسلم مائة من الإبل ومائتا بقرة ، أو ألفا شاة، أو ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائتا حلة0 أهـ(1/11)
عن حنش بن المعتمر أن: عليا - رضي الله عنه - كان باليمن فاحتفروا زبية للأسد فجاء حتى وقع فيها رجل وتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر وتعلق الآخر بآخر حتى صاروا أربعة فجرحهم الأسد فيها فمنهم من مات فيها ومنهم من أخرج فمات قال: فتنازعوا في ذلك حتى أخذوا السلاح قال: فأتاهم علي - رضي الله عنه - فقال: ويلكم تقتلون مائتي إنسان في شأن أربعة أناسي تعالوا أقض بينكم بقضاء فإن رضيتم به وإلا فارتفعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقضى للأول ربع دية وللثاني ثلث دية وللثالث نصف دية وللرابع الدية كاملة قال: فرضي بعضهم وكره بعضهم وجعل الدية على قبائل الذين أزدحموا قال: فارتفعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بهز: قال حماد: أحسبه قال: كان متكئا فاحتبى قال: سأقضي بينكم بقضاء قال: فأخبر أن عليا - رضي الله عنه - قضى بكذا وكذا قال: فأمضى قضاءه قال عفان: سأقضي بينكم.(ص حم1309)
والدية تكون مغلظة ومخففة :
المخففة : تجب فى قتل الخطأ ، وهي مائة من الإبل.
المغلظة : تجب فى شبه العمد ، وهي مائة من الإبل فى بطون أربعين منها أولادها.
دية قتل العمد إذا عفا ولي الدم مغلظة عند : الشافعي والحنابلة.
والدية الواجبة على القاتل نوعان :
1- نوع يجب على الجاني فى ماله، وهو القتل إذا سقط القصاص:
عن أبي شهاب قال: مضت السنة فى العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل فى ماله خاصة، إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها.
(طأ 2/865)
2- نوع يجب على القاتل وتحتمله عنه العاقلة ، إذا كانت له عاقلة بطريق التعاون، وهو قتل شبه العمد وقتل الخطأ وكذلك عمد الصغير والمجنون على عاقلتهما0
العاقلة لا تحمل من دية الخطأ إلا ما جاوز الثلث وما دون الثلث من مال الجاني عند: الجمهور.(1/12)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اقتتلت امرأتان من هذيل ،فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقضى أن دية جنينها غرَّة، عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها . (خ 6910 م1681)
فقضى أن دية جنينها غرَّة : أصل الغرة: بياض الوجه وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه فى أحسن تقويم.
دية المرأة على عاقلتها: دية المتوفاة المجني عليها على عصبة الجانية
والدية التي تجب على العاقلة مؤجلة فى ثلاث سنين بالاتفاق.
العاقلة: مأخوذ من العقل ، لأنها تعقل الدماء ، أي تمسكها من أن تسفك.
والعاقلة : هم عصبة الرجل ، أي قرابته الذكور البالغون من قبل الأب الموسرون العقلاء.
ولا يدخل فى العاقلة: أنثى ولا فقير ولا صغير ولا مجنون ولا مخالف لدين الجاني.
وإذا كان فقيراً وعاقلته فقيرة ، فإن بيت المال هو الذي يتحملها.
وإذا قتل المسلمون رجلاً فى المعركة ، ظناً أنه كافر ، ثم تبين أنه مسلم ، فإن ديته فى بيت المال وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة عند: ابن تيمية.
دية الأعضاء :
إذا أتلف إنسان من إنسان العضو الواحد كالأنف أو عضوين كالعينين وجبت الدية كاملة ، وإذا أتلف أحد العضوين كإحدى العينين وجبت نصف الدية.
فيجب الدية كاملة فى الأنف ، وتجب فى اللسان أو بعضه إذا عجز عن الكلام جملة، فإن عجز عن النطق ببعض الحروف فإن الدية تقسم على عدد الحروف ، وتجب فى قطع الذكر، وتجب فى ضرب الصلب المعجِّز، وتجب فى العينين ، وفى العين الواحدة نصفها، وتجب إذا ضرب الإنسان إنساناً آخر فذهب عقله، أو حاسة من حواسه وهكذا0
وتجب الدية فى شعر الرأس وشعر اللحية وشعر الحاجبين وأهداب العينين وفى الحاجب نصف الدية وفى الهدب ربعها والشارب يترك فيه الأمر لتقدير القاضي0(1/13)
قال الشوكاني فى الدراري2/250: وتجب الدية كاملة فى العينين والشفتين واليدين والرجلين والبيضتين وفى الواحدة منها نصفها وكذلك تجب كاملة فى الأنف واللسان والذكر والصلب ورأس المأمومة والجائفة ثلث دية المجني عليه0
دية الشجاج :
الشجاج: هو الإصابات التي بالرأس والوجه ، ولا قصاص فيها إلا الموضحة إذا كانت عمداً والشجاج له أنواع عشرة:
1- الخارصة: وهي التي تشق الجلد قليلاً ولا تدميه، وفيها حكومة عدل.
2- الدامية أو الدافعة: وهي التي تدمي الجلد فينزل الدم ، وفيها حكومة عدل.
3- الباضعة : هي التي تبضع اللحم أي تشق اللحم بعد الجلد ، وفيها حكومة عدل.
4- المتلاحقة : وهي أبلغ من الباضعة ، وهي التي تغوص فى اللحم ، وفيها حكومة عدل.
5- السمحاق : هي التي يبقى بينها وبين العظم جلدة رقيقة ، وفيها حكومة عدل.
6- الموضحة : وهي التي تكشف عن العظم ، وفيها القصاص إذا كانت عمداً ، وفيها نصف الدية إذا كانت خطأ أي خمسة من الإبل.
7- الهاشمة : وهي التي تكسر العظم وتهشمه وفيها عُشر الدية أي عشرة من الإبل.
8- المنقلة : وهي التي توضح تهشم العظم حتى يثقل منها العظام وفيها عُشر الدية.
9- المأمومة أو الآمة : وهي التي تصل إلى جلدة الرأس وفيها ثلث الدية
10- الجائفة : وهي التي تبلغ الجوف ، وفيها ثلث الدية.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلاثُونَ حِقَّةً وَثَلاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ". (ص ت 1308)
وعقل شبه العمد مغلظة مثل: عقل العمد ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزغ الشيطان بين الناس فتكون دماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح .(1/14)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَلا رَصَدَ بِطَرِيقٍ".(حم6473)
رَصَدَ بِطَرِيقٍ: أي من يرصده ويراقبه.
فمن قتل على غير ذلك فهو شبه العمد وعقله مغلظة ولا يقتل صاحبه وهو بالشهر الحرام وللحرمة وللجار ، ومن قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون ابنة مخاض وثلاثون ابنة لبون وثلاثون حقة وعشر بكاره بني لبون ذكور.
قال وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيمها على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق وكان يقيمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على عهد الزمان ما كان فبلغت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم.
وقضى أن من كان عقله على أهل البقر في البقر مائتي بقرة وقضى أن من كان عقله على أهل الشاة فألفي شاة.
وقضى في الأنف إذا جدع كله بالعقل كاملا وإذا جدعت أرنبته فنصف العقل.
وقضى في العين نصف العقل خمسين من الإبل أو عدلها ذهبا أو ورقا أو مائة بقرة أو ألف شاة.
والرجل نصف العقل واليد نصف العقل.
والمأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون من الإبل أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء والجائفة ثلث العقل والمنقلة خمس عشرة من الإبل والموضحة خمس من الإبل.
والأسنان خمس من الإبل.(ص حم 7033)
دية المرأة :
إذا قتلت خطأ نصف دية الرجل ، وكذلك دية أطرافها جراحاتها على النصف من دية الرجل بالإجماع
قال ابن حزم فى المحلى 12/175: قد صح الإجماع على أن فى أربعة أصابع من المرأة فصاعداً : نصف ما فى ذلك من الرجل بلا خلاف ، فإذ بلا شك فى هذا وقد حكم عليه الصلاة والسلام أن أصابعها سواء ، فواجب أن يكون فى إصبعين نصف ما فى الأربع بلا شك ، وفى الإصبع الواحد نصف ما فى الاثنين 0(1/15)
دية أهل الكتاب :
إذا قتلوا خطأ نصف دية المسلم ، ودية المرأة منهم نصف دية المرأة المسلمة
دية الجنين :
إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمة عمدا أو خطأ ولم تمت أمه وجب فيه غرة خمسمائة درهم أو مائة شاة
وأما جنين الذمية ففيه عشر دية أمه عند : أبي حنيفة ومالك والشافعي.
وإذا خرج الجنين حياً ثم مات ففيه الكفارة مع الدية بالاتفاق
عن عمر - رضي الله عنه - : أنه استشارهم في إملاص المرأة ، فقال المغيرة: قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغرَّة، عبد أو أمة، فشهد محمد بن سلمة : أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى به.
( خ 6905 م 1682)
إملاص المرأة: أن يضرب بطنها فتلقي جنينها، وهو في اللغة: انزلاق الولد قبل الولادة.
بالغرَّة: فسرت بالعبد أو الأمة، وقيل: هي من العبيد ما بلغت قيمته نصف عشر دية الحر.
أمة: امرأة مملوكة.
ولا يفعل حتى يبرأ المجروح ويصح ، فإن صح فليس فيه عقل عند: مالك وأبي حنيفة.
وإذا تشاجر قوم ، فوجد بينهم قتيل ، لا يدري من قاتله ، ففيه الدية على عاقلة القتيل التي وجد فيها إذا لم يدع أولياء القتيل على غيرهم عند : أبي حنيفة.
وديته على الذين نازعوهم عند : مالك.
وهي قَسَامة إذا ادعوه على رجل بعينه أو طائفة بعينها ، وإلا فلا عقل ولا قود عند: الشافعي.
وهي على عواقل الآخرين إلا أن يدعو على رجل بعينه فيكون قسامة عند : أحمد.
وإذا أخذ الدية فلا يحل له بعد أن يقتل القتيل ، فإذا قتله فهو كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه فى الآخرة.
إذا أصابت الدابة بيدها أو رجلها أو فمها شيئاً ضمن صاحبها عند : الشافعي وابن أبي ليلي وابن شبرمة ، ولا يضمن إذا لم يكن من جهة راكبها.
ما أفسدت الماشية بالنهار ولم يكن معها مالكها من نفس أو مال للغير ، فلا ضمان على صاحبها عند: الجمهور.(1/16)
عن حرام بن محيصة: أن ناقة للبراء دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها.(حم5/435 مرسل ص صحيحة 238)
النحل والحمام والأوز والدجاج كالماشية لا ضمان على صاحبها لأن العادة إرسالها.
ومن اقتنى كلباً عقوراً فأطلقه فعقر إنسانا أو دابة ليلاً أو نهاراً فعلى صاحبها ضمان ما أتلف.
ولا يقتل من الحيوان إلا ما أمر بقتله رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو الغراب والحدأة والفأرة والحية والعقرب الكلب العقور والوزغ (هو ضرب من الزحافات جمع وزغة)
ويلحق بها ما أشبهها فى الضرر مثل: الزنبور المؤذي والنمر والفهد والأسد
عن عائشة رضي الله عنها: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خمس فواسق، يقتلن في الحرم، الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب العقور".(خ3314 م1198)
عن أم شريك رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ. وقال: "كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام".(خ3359 م 2237)
الوزغ : سام أبرص وهي دويبة مؤذية.
واتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات وجمعه أوزاغ ووزغان، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله وحث عليه ورغب فيه لكونه من المؤذيات.
عن سَعْدٍ: أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَرَغِ وَسَمّاهُ فُوَيْسِقَاً. ( م2238)
ولا يقتل الهدهد ولا النملة ولا النحلة ولا الخطاف ولا الصرد ولا الضفدع
عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: أِنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدّوَابَ: النّمْلَةُ، وَالنّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصّرَد0 (ص هـ3224)
الصرد : هو طائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود.
ما لا ضمان فيه :(1/17)
1- سقوط أسنان العاض : فإذا عض الإنسان غيره ، فانتزع المعضوض ما عض منه من فم العاض ، فسقطت أسنانه أو انفكت لحيته ، فإنه لا مسئولية على الجاني ، لأنه غير متعدٍ0
عن عمران بن حصين: أن رجلاً عضَّ يد رجل، فنزع يده من فيه، فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يعَضُّ أحدكم أخاه كما يعَضُّ الفحل؟ لا دية له". (خ6892 م1673)
رجلا: قيل هو يعلى بن أمية، وقيل أجير له.
ثنيتاه: مثنى ثنية، وهي إحدى السنين اللتين في مقدم الأسنان ووسطها.
الفحل: الذكر من الحيوان.
لا دية له: لا تثبت له الدية
عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: خرجت في غزوة، فعضَّ رجل فانتزع ثنيَّته، فأبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم - .(خ6893 م 1674)
2- النظر فى بيت غيره بدون إذنه : ومن نظر فى بيت إنسان من ثقب أو شق أو نحو ذلك فإن لم يتعمد النظر فلا حرج ، وإن تعمد النظر بدون إذن صاحب البيت ، فلصاحب البيت أن يفقأ عينه ، ولا ضمان عليه0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن امرأ اطَّلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح" 0 (خ6902 م2158)
فحذفته: أي رميته بها من بين أصبعيك.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقؤا عينه. (ص حم7605)
3- القتل دفاعاً عن النفس أو المال أو العرض: من قتل شخصاً أو حيواناً دفاعاً عن نفسه ، أو عن غيره أو عن غيره، أو عن ماله ، أو عن مال غيره، أو عن العرض ، فإنه لا شئ عليه ، لأن دفع الضرر من النفس والمال واجب0
عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ عنْ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ قُتلِ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد".
( خ 2480 م641)(1/18)
إذا ادعي القاتل أنه قتل المجني عليه، دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله فإن أقام بينة على دعواه قبل قوله ، وأمره إلى ولي الدم ، إن شاء عفا عنه وإن شاء اقتص منه لأن الأصل البراءة حتى تثبت الإدانة0
ومن أوقد ناراً فى داره فهبت الريح فطارت شرارة حرقت نفساً ، أو ماله ، فلا ضمان عليه0
ولو سقي أرضه سقياً زائداً على المعتاد ، فأفسدت زرع غيره ضمن.
ومن كان له سفينة يعبر بها الناس ودوابهم ، فغرقت بدون سبب مباشر منه فلا ضمان عليه فيما تلف بها ، فإن كان غرقها بسبب منه ضمن.
إذا لم يكن للإنسان دراية بالطب وعالج مريضاً فأصابته من ذلك العلاج عاهة فإنه يكون مسئولا عن جنايته ، وضامناً بقدر ما أحدث من ضرر0
عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن". (ح د4586)
أما إذا أخطا الطبيب وهو عالم بالطب فإنه تلزمه الدية تكون على عاقلته وإذا مات لا يجب عليه القود وتجب الدية.
وإذا وطئ الرجل زوجته فأمضاها (جامعها فأزال الحاجز بين الفرج والدبر) فإن كانت كبيرة فإنه لا يضمن ، وإن كانت صغيرة فعليه الدية عند : أبي حنيفة وأحمد.
وإذا مال حائط إلى الطريق أو إلى ملك غيره ثم وقع على شخص فقتله ، فإن كان قد سبق أن طولب صاحبه بنقضه ولم ينقضه مع التمكن منه ، ضمن ما تلف بسببه ، وإلا فلا يضمن0
وإذا حفر إنسان بئراً فوقع فيه إنسان ، فإن حفر فى أرض يملكها وأستأذن المالك فلا ضمان عليه وإن حفر فيما لا يملك وبلا إذن صاحب الأرض ضمن0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "البئر جبار".(خ6913 م1710)
جبار: هدر أي لا دية فيما أتلفته من نفس أو عضو ، أي من تردى فيه فى هذه الحالة فهلك فهدر لا دية له.
ومن أمر شخصاً مكلفاً أن ينزل بئراً أو أن يصعد شجرة ، ففعل فهلك لم يضمنه الآمر لعدم إكراهه له0(1/19)
ولو سلم إنسان نفسه أو ولده إلى سابح يحسن السباحة ، فغرق فلا ضمان عليه.
لا يجوز لأحد أن يحلب ماشية غيره إلا بإذنه فإن اضطر فى مخمصة ومالكها غير حاضر ، فله أن يحلبها ويشرب لبنها ، ويضمن لمالكها ، وكذا سائر الأطعمة والثمار المعلقة فى الشجر ، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم ، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه"0 (خ2435 م 1726)
مشربته : هي كالغرفة يخزن فيها الطعام وغيره، ومعنى الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - شبه اللبن في الضرع بالطعام المخزون المحفوظ في الخزانة في أنه لا يحل أخذه بغير إذنه.
فينقل : ينثر كله ويرمى.
القسامة
هى الأيمان ، مصدر مشتق من القَسَم.
وصورتها: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله ، فتجرى القسامة على الجماعة التي يمكن أن يكون القاتل محصوراً فيهم ، بشرط أن يكون عليهم لَوْث (علامة) ظاهر بأن يوجد القتيل بين قوم من الأعداء لا يخالطهم غيرهم0
فإن كان القتيل فى بلده ، أو فى طريق من طرقها، أو قريباً منها، أجريت القسامة على أهل البلدة0
وإن وجدت جثته بين بلدين أجريت القسامة على أقربها مسافة من مكان جثته.
كيفيتها : يختار ولي المقتل خمسين رجلاً من هذه البلدة ليحلفوا بالله أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا فإن حلفوا سقطت عنهم الدية وإن أبوا وجبت الدية على أهل البلدة جميعاً ، وإن التبس الأمر كانت ديته من بيت المال0
قال الشوكاني فى الدراري 2/257: إذا كان القاتل من جماعة محصورين ثبتت ، وهي خمسون يميناً يختارهم ولي القتيل والدية إن نكلوا عليهم ، وإن حلفوا سقطت وإن التبس الأمر كانت من بيت المال0
الحكم بالقسامة واجب عند : الجمهور.(1/20)
عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنّهُمَا قالا: خَرَجَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ، حَتّىَ إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمّ إذَا مُحَيّصَةُ يجِدُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ، ثُمّ أَقْبَلَ إلَىَ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وَحُوَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرّحْمَنِ لِيَتَكَلّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :كَبّر" (الْكُبْرَ فِي السّنّ) فَصَمَتَ، فَتَكَلّمَ صَاحِبَاهُ، وَتَكَلّمَ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقْتَلَ عَبْدِ الله بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ :أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ صَاحِبَكُمْ؟ (أَوْ قَتِلَكُمْ) قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِيناً؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفّارٍ؟ فَلَمّا رَأَىَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَىَ عَقْلَهُ.( خ7192 م1669)
التعزير
التعزير شرعاً : هو التأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة ، أي أنه عقوبة تأديبية يفرضها الحاكم على جناية أو معصية لم يعين الشرع لها عقوبة ، أو حدد لها عقوبة، مثل: المباشرة فى غير الفرج ، وسرقة ما لا قطع فيه، وجناية لا قصاص فيها ، وإتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنا 0
والمعاصي ثلاثة :
1- نوع فيه حد ، ولا كفارة فيه ، وهي الحدود كالسرقة والشرب الزنا والقذف.
2- نوع فيه كفارة ولا حد فيه، مثل : الجماع فى نهار رمضان ، والجماع فى الإحرام.
3- نوع لا كفارة فيه ولا حد : كالمعاصي ويجب فيها التعزير ، مثل: أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.(1/21)
مشروعيته : واجب عند : أبي حنيفة ومالك وأحمد.
عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله"0 (خ6456 م1708)
حد: هو العقوبة المقدرة من الشارع.
حكمة مشروعيته :
شرعه الإسلام لتأديب العصاة والخارجين على النظام.
الحدود يتساوى فيها جميع الناس ، أما التعزير فإنه يختلف باختلافهم ، فإن زل رجل كريم، فإنه يجوز العفو عن زلته ، أو يعاقب عقوبة أخف من عقوبة من هو دونه فى الشرف والمنزلة0
عن عائشة قالت: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود".( ص حم25350)
والحدود لا تجوز فيها الشفاعة بعد أن ترفع إلى الحاكم ، بينما التعزير يجوز فيها الشفاعة.
من مات بالتعزير فإن فيه الضمان عند: الشافعي.
ولا ضمان عند : أبي حنيفة ومالك وأحمد.
صفة التعزير : يكون التعزير بالقول مثل: التوبيخ والزجر والوعظ
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أُتِيَ بمخنَّثٍ قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما بال هذا"؟ فقيل: يا رسول اللّه يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع، فقالوا: يا رسول اللّه، ألا نقتله؟ فقال: "إنِّي نهيت عن قتل المصلين"0 (ص د 4928 )
ولا يجوز التعزير بحلق اللحية ، ولا بتخريب الدور ، وقلع البساتين والزروع والثمار والشجر.
كما لا يجوز بجدع الأنف ولا بقطع الأذن أو الشفة أو الأنامل.
ولا تجوز الزيادة فى التعزير على عشرة أسواط لحديث أبي بردة المتقدم عند: أحمد والليث وإسحق وبعض الشافعية.
وتجوز الزيادة على عشرة أسواط عند : مالك والشافعي وزيد ورجحه ابن عثيمين رحمه الله تعالي.
ويجوز التعزير بالقتل فى بعض الحالات مثل: القتل بالمثقل وفاحشة الرجال عند : ابن تيمية.
ويجوز التعزير بأخذ المال عند: مالك.
الإثبات فى التعزير :(1/22)
يثبت الجرم المعاقب عليه بالتعزير :
1- بالإقرار :
فبإقرار المتهم على نفسه يثبت الجرم ، ويكتفي فى التعزير بالإقرار مرة واحدة لأنه مما لا يندرئ بالشبهات.
2- بالشهادة :
فيثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأنه حق آدمي كالديون ولهذا تقبل فيه الشهادة على الشهادة كتاب القاضي إلى القاضي كما أن التعزير يثبت بشهادة المدعي مع آخر وبشهادة عدل إذا كان فى حقوق الله تعالى لأنه من باب الأخبار ،والتعزير من حق الحاكم لأن له الولاية العامة على المسلمين.
وليس التعزير لغير الإمام إلا لثلاثة :
1- الأب : له تعزير ولده الصغير للتعليم والزجر عن سئ الأخلاق ، والأمر بالصلاة والضرب عليها وليس للأب تعزير البالغ وإن كان سفيهاً ولا ضمان للأب إذا أدب ولده بشرط ألا يسرف ، فإذا سرف ضمن0
2- السيد : يعزر رقيقه فى حق نفسه ، وفى حق الله تعالى.
3- الزوج : له تعزير زوجته فى أمر نشوزها ، وله ضربها على ترك الصلاة ونحوها.
ولا ضمان للزوج إذا أدب زوجته بشرط ألا يسرف فإذا أسرف ضمن
وكذلك يجوز للمعلم تأديب الصبيان.
ولا ضمان على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف فإذا أسرف ضمن.(1/23)
الكتاب السادس عشر
الحرب والسلام فى الإسلام
السلام : هو النجاة والأمان من الشرور والآفات
الإسلام يحب الحياة
الإسلام مأخوذ من مادة : السلام، لأن السلام والإسلام يلتقيان فى توفير الطمأنينة والأمن ، و رب العالمين من أسمائه : السلام.
قال تعالي:(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ )
(الحشر: من الآية23)
وتحية الإسلام التي تؤلف القلوب هي : السلام.
وما ينبغي للإنسان أن يتكلم مع إنسان قبل أن يبدأه بكلمة: السلام
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "السَّلامُ قَبْلَ الكَلام"0 (ص ت2699)
قال المباركفوري فى تحفة الأحوذي 7/479: السنة أن يبدأ به قبل الكلام لأن في الابتداء بالسلام إشعاراً بالسلامة وتفاؤلا بها وإيناساً لمن يخاطبه وتبركاً بالابتداء بذكر الله.
وقال القاري: لأنه تحية يبدأ به فيفوت بافتتاح الكلام كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس.
سبب ذلك أن السلام أمان ، ولا كلام إلا بعد الأمان
وفى ميدان الحرب والقتال ، إذا جرى المقاتل كلمة السلام على لسانه ، وجب الكف عن قتاله0
قال تعالي:(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً )
(النساء: من الآية94)
التحية والأمان والاستسلام والمسلم فى صلاته يسلم على نبيه وعلى نفسه وعلى عباد الله الصالحين ، وإذا فرغ سلم0 وتحية الله للمؤمنين السلام .
قال تعالي: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ)(الأحزاب: من الآية44)
وتحية الملائكة للبشر : السلام.
(وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(الرعد23-24) ومستقر الصالحين : دار السلام:
(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(الأنعام: من الآية127)
أهل الجنة لا يسمعون من القول، ولا يتحدثون بلغة غير لغة: السلام
((1/1)
لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً - إِلا قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(الواقعة 25-26) والسلام بمعنى المتاركة والمفارقة :
(قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) (مريم:47) والسلام بمعنى النجاة والأمان :
(قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ)(هود: من الآية48)
(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر:5) والسلام سبيل النجاة والأمان :
(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ)(المائدة: من الآية16)
السلام تحية وأمان للمسيح عليه السلام :
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) (مريم:33) قتال البغاة
يجب قتال البغاة حتى يرجعوا إلى العدل: ينتظموا فى سلك الجماعة:
قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9) تقرر الآية أن المؤمنين إذا اقتتلوا، وجب على جماعة من ذوي الرأي أن تصلح بين المتقاتلين ، فإن بغت طائفة على الأخرى ، وجب على المسلمين جميعاً أن يتجمعوا لقتال الفئة الباغية ، وقد قاتل الإمام على - رضي الله عنه - الفئة الباغية ، وقاتل أبو بكر - رضي الله عنه - مانعي الزكاة ، والفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها لأن القرآن وصفها بالإيمان ، ولهذا فإن مدبرهم لا يقتل وكذلك جريحهم وأن أموالهم لا تغتنم ، ونسائهم وذراريهم لا تسبى ، ومن قتل منهم غسل وكفن وصلى عليه0(1/2)
عن سويد بن غفلة قال: قال علي - رضي الله عنه - : إذا حدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يأتي في آخر الزمان قوم، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتوهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة".( خ 3611 م 1066)
أما إذا كان القتال لأجل الدنيا وللحصول على الرئاسة منازعة أولي الأمر ، فهذا الخروج يعتبر محاربة ، ويكون للمحاربين حكم آخر هو :
قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ - إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المائدة 33-34) علاقة المسلمين بغيرهم :
هي علاقة : تعارف وتعاون وبر وعدل ودعوة0
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) تعارف يفضي إلى التعاون :
قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) وصايا البر والعدل:(1/3)
ومن مقتضيات هذه العلاقة : تبادل المصالح ، وتقوية الصلات الإنسانية0
هذا المعنى لا يدخل فى نطاق النهي عن مولاة الكافرين ، والنهي عن موالاة الكافرين يقصد به: محالفتهم ، ومناصرتهم ضد المسلمين ، والرضا بما هم عليه من الكفر، إذ الرضا بالكفر كفر.
أما الموالاة بمعنى المسالمة ، والمعاشرة الجميلة ، والمعاملة بالحسنى ، وتبادل المصالح ، والتعاون على البر والتقوى مالم يفضي ذلك إلي المحبة القلبية كما سيأتي.
كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين :
كفل الإسلام للذميين حياة طيبة قد لا يجدونها من بني جلدتهم ومن هم علي ملتهم ومن ذلك :
1- عدم إكراه أحد منهم على ترك دينه أو إكراهه على عقيدة معينة0
قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
(البقرة:256) 2- من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائر دينهم ، فلا تهدم لهم كنيسة ، ولا يكسر لهم صليب.
3- أباح لهم الإسلام ما أباحه لهم دينهم من الطعام غيره ، فلا يقتل لهم خنزير، ولا تراق لهم خمر.
4- لهم الحرية فى قضايا الزواج والطلاق والنفقة.
5- لهم الحرية فى الجدل المناقشة فى حدود العقل والمنطق مع التزام الأدب والبعد عن العنف.
قال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت:46) 6- أحل الإسلام طعامهم ، والأكل من ذبائحهم ، والتزوج بنسائهم :(1/4)
قال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5) 7- أباح الإسلام زيارتهم عيادة مرضاهم ، وتقديم الهدايا لهم ، مبادلتهم البيع والشراء ونحو ذلك من المعاملات0
عن عائشة رضى الله عنها قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير0(خ4467)
الموالاة المنهي عنها
قال تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)(آل عمران:28) وقد تضمنت الآية :
1- التحذير من الموالاة والمناصرة للأعداء، لما فيها من التعرض للخطر.
2- أن من يفعل ذلك فهو منقطع عن الله لا يرتبط به رابط0
3- فى حالة الضعف والخوف من أذاهم تجوز الموالاة ظاهراً فقط.
قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(المجادلة: من الآية22)
لا يصح أن يوجد بين المؤمنين من يصادقون أعداءهم، ولو كان هؤلاء الأعداء: آباء المؤمنين أو أبنائهم أو إخوانهم الأقربين0(1/5)
هؤلاء الخونة باعوا أنفسهم للشيطان ، وسجلوا على أنفسهم الخزي والعار، خزي الدهر وعار الأبد.
حق الفرد وكرامته
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70)
وقد كفل الإسلام جميع حقوق الإنسان ومن هذه الحقوق:
1- حق الحياة :
فلا يحل الاعتداء على الحياة إلا إذا قتل، أو أفسد فى الأرض فساداً يستوجب القتل.
قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(المائدة: من الآية32)
عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة".( خ6878 م 1676)
2- حق صيانة المال:
فلا يحل أخذ المال بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة0
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )(النساء: من الآية29)
3- حق العرض :
فلا يحل انتهاك العرض حتى ولو بكلمة نابية0
قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (الهمزة:1)
الويل: العذاب الشديد.
الهمزة : هو الذي يعيب الناس وينشر ما يبدو له بطريق الإشارة باليد.
اللمزة : هو الذي يتحدث عن العيوب ويذيعها بين الناس.
4- حق الحرية :
أقر الإسلام حرية العبادة حرية الفكر، وحرية اختيار المهنة ، وأوجب الإسلام على الدولة المحافظة على هذه الحقوق0
5- حق المأوى :(1/6)
فالإنسان له الحق فى أن يأوى إلى أي مكان ، وأن يسكن فى أي جهة ، وأن ينتقل فى الأرض دون حجر عليه أو وضع عقبات فى طريقه0
6- حق التعليم وإبداء الرأي :
من حق كل فرد أن يأخذ من التعليم ما ينير عقله يرفع مستواه من حقه أيضاً أن يبين عن رأيه ، ويدلي بحجته ويجهر بالحق0
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ - إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة (159-160) 7- حق الجائع أن يطعم ، وحق العاري أن يكسى، وحق المريض أن يداوى ، وحق الخائف أن يؤمن0
إن هذه الحقوق هي التي تمنح الإنسان الانطلاق إلى الآفاق الواسعة ليحصل على ارتقائه مادياً أو أدبياً .
الحرب
القاعدة هي السلام ، والحرب هي استثناء فلا مسوغ لها إلا فى إحدى حالتين:
1- حالة الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن عند الاعتداء:
قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة:190) عن سعيد بن زيد قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد". (ص هـ2580)
قال الله تعالى: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)(البقرة: من الآية246)
2- حالة الدفاع عن الدعوة إلى الله:
إذا وقف أحد فى سبيل الدعوة إلى الله بتعذيب من آمن بها، أو بصد من أراد الدخول فيها بمنع الداعي من تبليغها0(1/7)
قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين َ - فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة 190-193)
وقد تضمنت هذه الآيات :
1- الأمر بقتال الذين يبدؤون بعدوان، ومقاتلة المعتدين ، لكف عدوانهم ، والمقاتلة دفاعاً عن النفس أمر مشروع فى كل الشرائع ، وفى جميع المذاهب0
2- أما الذين لا يبدؤون بعدوان ، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء ، لأن الله نهى عن الاعتداء وحرم البغي والظلم0
3- وتعليل النهي عن العدوان بأن الله لا يحب المعتدين دليل على أن هذا النهي محكم غير قابل للنسخ 0
4- أن لهذه الحرب المشروعة غاية تنتهي إليها ، وهي منع فتنة المؤمنين والمؤمنات ، بترك إيذائهم وترك حرياتهم ليمارسوا عبادة الله ويقيموا دينه ، وهم آمنون على أنفسهم من كل عدوان0(1/8)
قال الله تعالي:(وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (النساء:75) وأما النصارى فلم يقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إنما أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام ، فأرسل إلى قيصر وإلى كسري وإلى المقوقس وإلى النجاشي ، وأرسل إلى ملوك العرب بالشرق والشام ، فأسلم من أسلم، ولكن النصارى عمدوا إلى بعض من أسلم فقتلوهم، وبذلك يكونوا قد بدءوا بمحاربة المسلمين ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فأمر عليها زيد بن حارثة ثم جعفراً ثم عبد الله بن رواحة وهو أول قتال قاتله المسلمون للنصارى بمؤتة من أرض الشام ، واستشهدوا الأمراء الثلاثة فأخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله علي يديه.
فالإسلام لم يأذن بالحرب إلا دفعاً للعدوان وحماية للدعوة ، ومنعاً للاضطهاد وكفاية لحرية التدين فإن الحرب حينئذ تكون فريضة ويطلق عليها اسم الجهاد0
الجهاد
الجهاد : من الجهد والمشقة ، وهو ما يعبر عنه بالحرب عرفاً 0
والمجاهد : هو من استفرغ وسعه وبذل طاقته وتحمل المشاق فى مقاتلة العدو ومدافعته ، أما عند الإسلام فقد أرسل الله رسوله إلى الناس جميعاً ، وأمره أن يدعو إلى الهدى ودين الحق ، لبث فى مكة يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وصبر على أذى قومه ، ولما أشتد الأذى أضطر إلى أن يهاجر مكة إلى المدينة هو وأصحابه، وفى المدينة تقرر الإذن بالقتال حين أطبق عليهم الأعداء دفاعاً عن النفس وتأميناً للدعوة 0(1/9)
وكان أول آية نزلت قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ - الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج 39-41)
وفي هذه الآيات تعليل للإذن بالقتال بأمور هي :
1- أنهم ظلموا بالاعتداء عليهم ، وإخراجهم من ديارهم بغير حق إلا أن يدينوا دين الحق، ويقولوا: ربنا الله0
2- أنه لولا إذن الله للناس بمثل هذا الدفاع لهدمت جميع المعابد التي يذكر فيها اسم الله كثيراً، بسبب ظلم الكافرين الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الآخر0
3- أن غاية النصر، والتمكين فى الأرض، والحكم: إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر0
وقد فرض الله القتال فى السنة الثانية من الهجرة بقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216) وهو فرض كفاية إذا قام به البعض واندفع العدو سقط عن الباقين :
قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)
((1/10)
التوبة:122) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (النساء:71)
النفير : الخروج لقتال الكفار.
ثبات : سرايا متفرقين ، جمع ثبة وهى السرية والجماعة.
ويكون الجهاد فرض عين فى الحالات الآتية:
1- أن يحضر المكلف صف الجهاد.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا)(لأنفال: من الآية45)
2- إذا حضر العدو المكان أو البلد الذي يقيم به المسلمون ، وجب على أهل البلد جميعاً أن يخرجوا لقتاله.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ)
(التوبة: من الآية123)
3- إذا استنفر الحاكم أحداً من المكلفين ، فإنه لا يسعه أن يتخلى عن الاستجابة إليه0
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا"0(خ2783 م1853)
لا هجرة: من مكة، أو غيرها من البلدان التي يستطيع فيها إقامة شعائر الدين.
الفتح: فتح مكة.
وإذا استنفرتم فانفروا : وإذا طلب منكم الخروج إلى الحرب فاخرجوا.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ) (التوبة:38) عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة، خير من الدنيا وما فيها". (خ2792 م1880)
لغدوة: زمن ما بين طلوع الشمس إلى الزوال.
روحة: زمن ما بين الزوال إلى الليل0
والمعنى: قضاء مثل هذا الوقت في سبيل الله أكثر ثوابا من التصدق بالدنيا وما فيها، أو خير لمن فعل ذلك مما لو ملك الدنيا وما فيها.(1/11)
عن أبو عبس، هو عبد الرحمن بن جبر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار".( خ 2811)
عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف".(خ2818 م1742)
والمعنى: أن الضرب بالسيوف في سبيل الله تعالى هو السبب الموصل إلى الجنة.
عن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :"رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان". ( م 1913 )
رباط: أصل الرباط ما تربط به الخيل. ثم قيل لكل أهل ثغر يدفع عمن خلفه: رباط.
الفتان: الشيطان لأنه يفتن الناس عن الدين ، أو منكر ونكير0
على من يجب :
يجب على المسلم الذكر العاقل البالغ الصحيح ، الذي يجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله، حتى يفرغ من الجهاد0
فلا يجب على المرأة ، ولا الصبي، ولا المجنون، ولا المريض0
قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)(التوبة: من الآية91)
عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه ، ثم عرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة ، فأجازني. ( خ2664 م 1868)
عرضه: استعرضه مع الجيش.
فلم يجزه: لم يأذن له بالخروج للمعركة لصغره، أو لم يقدر له عطاء كغيره لأنه لم يعتبره من المقاتلين.
فأجازني: المراد جعله رجلاً له حكم الرجال المقاتلين.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد، فقال: "جهادكن الحج"0 (خ2875)
عن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة. (خ 2883)
إذن الوالدين :(1/12)
الجهاد الواجب لا يعتبر فيه إذن الوالدين ، أما جهاد التطوع ، فلابد فيه من إذن الوالدين المسلمين الحرين أو إذن أحدهما.
عن ابن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد" 0 (خ3004 م2549)
إذن الدائن :
لا يتطوع بالجهاد مدين لا وفاء له إلا مع إذن المدين ، أو رهن محرز ، أو كفيل مليء.
يجوز الاستعانة بالمنافقين والفسقة على قتال الكفرة :
خرج عبد الله بن أبي ومعه من المنافقين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقتال0
حارب أبو محجن الثقفي ، وكان يدمن شرب الخمر، وبلاؤه فى حرب فارس مشهورة.
أما الكفار فلا يجوز الاستعانة بهم على الإطلاق عند: مالك وأحمد.(1/13)
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ". قَالَ: لَا. قَالَ:" فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ". قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ. فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ: "فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ". قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: " تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" . قَالَ: نَعَمْ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" فَانْطَلِقْ".(م 1817)
ويستعان بهم على الإطلاق عند: أبي حنيفة.
الجهاد لإعلاء كلمة الله أفضل التطوع فهو أفضل من تطوع الحج والعمرة والصلاة والصوم لأن فيه من التضحية بالنفس والمال وبيعها لله0
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111) المجاهد خير الناس :(1/14)
عن ابنِ عباسٍ أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النّاسِ؟ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ في سَبِيلِ الله، ألاَ أُخْبِرُكُمْ بالّذِي يَتْلُوهُ؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ في غُنَيْمَةٍ له يُؤَدّي حَقّ الله فيها، ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَرّ النّاسِ؟ رَجُلٌ يُسْأَلُ بالله ولا يُعْطِي به"ِ . (ص ت1652)
بعنان فرسه: برأس فرسه.
غنيمة له: قطيع من الغنم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة- أراه - فوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة" . (خ 2790)
الفردوس: هو البستان الذي يجمع ما في البساتين كلها، من شجر وزهر ونبات.
أوسط الجنة: أفضلها وخيرها.
أراه: أظنه، وهذا من كلام يحيى بن صالح شيخ البخاري.
تفجر: تنشق.
الجهاد لا يعدله شئ :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: "لا تستطيعوه"، قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول :"لا تستطيعونه"، وقال في الثالثة :" مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام وصلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى".
(م 1915)
القانت: المطيع.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة". (حم 2/297 ص ج 3745)(1/15)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "الشّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ في سَبِيلِ الله: المَطعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالمَرْأةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ". (ص د3111)
والمرأة تموت بجمع: أن تموت وفي بطنها ولد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَا تَعُدّونَ الشّهِيدَ فِيكُمْ"؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، قَال: "إنّ شُهَدَاءَ أُمّتِي إذاً لَقَلِيل"، قَالُوا: فَمَنْ هُمْ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ،وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ مَاتَ فِي الطّاعُونِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيد"0(م1915)
البطن : داء البطن. وهو الإسهال، قال القاضي: وقيل هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل هو الذي تشتكي بطنه، وقيل هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً0
عَنْ سَعِيدِ بْنُ زَيْدِ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ عَنِ النَّبِّي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :"مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".(ص هـ2580)
دون ماله: أي عنده ولأجل حفظه له.
المراد بشهادة هؤلاء غير المقتول فى سبيل الله أنهم يكون لهم فى الأجر ثواب الشهداء ، وأما فى الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم0
والشهادة ثلاثة أقسام :
1- شهيد فى الدنيا والآخرة : وهو المقتول فى حرب الكفار.
2- شهيد فى الآخرة : وهم المذكرون فى الأحاديث السابقة .
3- شهيد فى الدنيا : وهو من غل من الغنيمة ومن قتل مدبراً.(1/16)
إن الجهاد لا يسمى جهاداً إلا إذا قصد به وجه الله وأريد به إعلاء كلمته ، ورفع راية الحق، ومطاردة الباطل، وبذل النفس فى مرضاة الله ، فمن قاتل ليحظى بمنصب ، أو يظفر بمغنم ، أو يظهر شجاعة، أو ينال شهرة ، فإنه لا نصيب له فى الآجر ، ولا حظ له فى الثواب0
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله"0 (خ2810م1904)
عن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر ما له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شي له" فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شيء له"، ثم قال:" إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه".(ن 2/59 ح صحيحة 52)
قال الألباني فى السلسلة الصحيحة 1/119:
هذا الحديث يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل وفى ذلك يقول تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110)
فإذا كان هذا شأن المؤمن، فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له فى عمله ؟ الجواب فى قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان:23) وعلى افتراض أن بعض الكفار يقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم ، فإن الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم ، بل يجازيهم عليها فى الدنيا، فلا تنفعه حسناته فى الآخرة ولا يخفف عنه العذاب بسببها ، فضلاً عن أن ينجو منه0 أهـ بتصرف(1/17)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني". (خ 2957 م 1835)
وأما الطاعة فى المعصية فإنه منهي عنها لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق0
عن علي - رضي الله عنه - قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف".(خ 4340 م1840)
فغضب: لأمر بدا منهم.
فهموا: قصدوا الدخول في النار.
خمدت: انطفأ لهيبها.
فسكن: هدأ غضبه.
الطاعة: للمخلوق.
المعروف: أمر عرف جوازه بالشرع.
الدعاء عند القتال:
قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ )(لأنفال: من الآية9)
عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثِنْتَانِ لا تُرَدّانِ أوْ قَلمَا تُرَدّانِ: الدّعَاءُ عِنْدَ النّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحَمُ بَعْضُهُ بَعْضاً "0 (ص د2540)
يلحم : أي يشتبك الحرب بينهم ويلزم بعضهم بعضاً. يقال: لحمت الرجل إذا قتلته.(1/18)
عبد الله بن أبي أوفى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقي فيها، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس خطيبا قال: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قال: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم". (خ2966 م1742)
عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا غَزَا قال:"اللّهُمّ أنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أحُولُ وَبِكَ أصُولُ وَبِكَ أُقَاتِل"0(ص د2633)
أحول: من الحيلة ، ومنه قول الإنسان لا حول ولا قوة إلا بالله ، أي لا حيلة فى دفع سوء ، ولا قوة فى درك خير إلا بالله ، وهو أن يكون معناه المنع والدفع ، أي لا أمنع ولا أدفع إلا بك.
القتال
نهى الإسلام عن الوهن، والدعوة إلى السلم، طالما تصل الأمة إلى غايتها لم تحقق هدفها، واعتبر السلم فى هذه الحالة لا معنى له إلا الجبن، والرضا بالدون من العيش0
قال تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)(محمد:35) الأعلون: عقيدة، وعبادة، وخلقاً، وأدبا، وعلماً، وعملاً 0
والسلم فى الإسلام لا يكون إلا عن قوة واقتدار، فلم يجعله الله مطلقاً ، بل قيده بشرط أن يكف العدو عن العدوان، وبشرط ألا يبقى ظلم فى الأرض، وألا يفتن أحد فى دينه ، فإذا وجد أحد هذه الأسباب ، فقد أذن الله بالقتال :
قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)(الحج: من الآية78)
والجهاد إيمان عملي لا يكون الدين إلا به0(1/19)
قال تعالى: ( الم - أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (العنكبوت 1-3) والجهاد سنة الله مع المؤمنين، وليس للنصر ولا للجنة سبيل غيره0
قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) ويجب إعداد العدة للجهاد :
قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )(لأنفال: من الآية60)
ومن الإعداد الحيطة والتجنيد ، والإعداد البري والبحري والجوي0
قال تعالى: (فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)(النساء: من الآية71)
والإسلام يستثير الهمم والعزائم يعتمد على الروح المعنوية والقوة المادية0
قال تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً - وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (النساء 74-75)
والإسلام يأمر بالخروج لملاقاة العدو فى العسر واليسر والمنشط والمكره0
والإسلام يوجب الثبات عند اللقاء :(1/20)
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ - وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(لأنفال 15-16) والإسلام يكشف عن نفسية المؤمنين، وأن من شأنهم الإستماته فى الدفاع ، فهم إما قاتلين أو مقتولين، وفى الحالة الأولى النصر، وفى الثانية لهم الشهادة.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة:111) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
(محمد:7) وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً )(النور: من الآية55)
ويجب الثبات عند لقاء العدو ، ويحرم الفرار :(1/21)
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(لأنفال:45) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ - وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(لأنفال 15-16) فيجب الثبات ويحرم الفرار إلا فى إحدى حالتين :
الأولى: أن ينحرف للقتال ، فله أن ينتقل من مكان ضيق إلى مكان أوسع منه ، أو من موضع مكشوف إلى موضع مستور، أو من جهة سفلى إلى جهة عليا ، وهكذا.
الثانية: أن ينحاز إلى جماعة من المسلمين ، إما مقاتلاً معهم، أو مستنجداً بهم0
وفى غير هاتين الحالتين يكن الفرار كبيرة من كبائر الإثم توجب العذاب الأليم0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"! قالوا: يا رَسُول اللَّهِ وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"0 ( خ2766 م 89 )
يجوز الخداع والكذب فى الحرب لتضليل العدو ما دام ذلك لم يشتمل على نقص عهداً وإضلال بأمان ومن الخداع أن يخادع القائد الأعداء بأن يوهمهم بأن عدد جنوده كثره وعنده قوة لا تقهر0
عن جَابِر قالُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "الْحَرْبُ خَدْعَة".(خ 3030 م 1739)
الحرب خدعة : اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل 0(1/22)
عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. ( م 2605)
لا يقتل فى الحرب إلا من يقاتل ، فقد حرم الإسلام قتل: النساء والأطفال والمرضى والشيوخ والرهبان والعباد والأجراء0
وحرم الإسلام المثلة وقتل الحيوان وإفساد الزروع والمياه وهدم البيوت0
وحرم الإجهاز على الجريح ، وتتبع الفار ، فالحرب لا تتجاوز المكان0
عن سليمان ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أمر أمير على جيش أو سرية، أوصاه خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثم قال :اغزوا باسم الله. وفي سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا". (م 1731)
تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.
وتنتهي الحرب بأحد الأمور الآتية:
1- إسلام المحاربين.
2- طلبهم إيقاف القتال مدة معينة ، وحينئذ يجب الاستجابة إلى ما طلبوا ، كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى صلح الحديبية0
3- رغبتهم فى أن يبقوا على دينهم مع رفع الجزية، ويتم بمقتضى هذا عقد الذمة بينهم وبين المسلمين0
4- هزيمتهم ، وبهذا يكونون غنيمة للمسلمين.
5- طلبهم للأمان.
وفيما يلي تفصيل عن هذه الأمور الأربعة :
1- الهدنة
عقد الهدنة والموادعة: هو الاتفاق على ترك القتال فترة من الفترات الزمنية ، قد تنتهي إلى صلح وتجب فى حالتين:
الأولى: إذا طلبها العدو، فإنه يجاب إلى طلبه ، ولو كان يريد الخديعة مع وجوب الحذر والإستعداد0
قال تعالى:(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (لأنفال61-62)(1/23)
الثانية: الأشهر الحرم ، فإنه لا يحل فيها البدء بالقتال ، وهي: ذو القعدة ، وذو الحجة ومحرم ورجب ، إلا إذا بدأ فيها العدو بالقتال ، فإنه يجب القتال حينئذ دفعاً للاعتداء ، وكذلك يباح فيها القتال إذا كانت الحرب قائمة ودخلت الأشهر الحرم ولم يستجب العدو لقبول الموادعة فيها.
قال تعالي:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
(التوبة:36) 2- عقد الذمة
الذمة هي: العهد والأمان، وهو أن يقر الحاكم أو نائبه بعض أهل الكتاب أو غيرهم من الكفار وعلى كفرهم بشرطين:
الأول: أن يلتزموا أحكام الإسلام فى الجملة.
الثاني: أن يبذلوا الجزية.
ويسري هذا العقد على الشخص الذي عقده ، ما دام حياً على ذريته من بعده.
قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(التوبة:29) وإذا تم العقد ترتب عليه حرمة قتالهم ، والحفاظ على أموالهم ، وصيانة أعراضهم ، والكف عن أذاهم.
وتجري أحكام الإسلام على أهل الذمة فى ناحيتين :
الأولى: المعاملات المالية فى يجوز لهم أن يتصرفوا تصرفاً لا تتفق مع تعاليم الإسلام ، كعقد الربا وغيره من العقود المحرمة0
الثانية: العقوبات المقررة فيقتص منهم ، وتقام الحدود عليهم0
وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا بعد إحصانهما 0(1/24)
أما ما يتصل بالشعائر الدينية من عقائد وعبادات وما يتصل بالأسر من زواج وطلاق فلهم الحرية المطلقة، تبعاً للقاعدة الفقهية المقررة : (اتركوهم وما يدينون) وإن تحاكموا إلينا فنحكم لهم بمقتضي الإسلام أو نرفض ذلك0
قال تعالى: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة: من الآية42)
3- الجزية
الجزية مشتقة من الجزاء: وهي مبلغ من المال يوضع على من دخل فى ذمة المسلمين وعهدهم من أهل الكتاب كل سنة ، مقابل حمايتهم وإقرارهم فى بلاد المسلمين0
قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29) عن عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر.( خ3157)
المجوس: وهم عبدة النار.
وتؤخذ الجزية من كل الأمم ساء أكانوا كتابيين أم مجوساً وغيرهم وسواء أكانوا عرباً أو عجماً.
وهو قول: مالك والأوزاعي.
وتؤخذ من أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً ويلحق بهم المجوس عند: الشافعي.
وتؤخذ فى غير العرب أما العرب فالإسلام أو السيف عند: أبي حنيفة.
يشترط فيمن تؤخذ منهم :
1- الذكورة.
2- التكليف.
3- الجزية.
جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل اليمن ديناراً ، وجعلها عمر - رضي الله عنه - على أهل الشام أربعة دنانير على الموسر 48 درهماً ، وعلى المتوسط 24 درهماً ، وعلى الفقير 12 درهماً عند: أحمد.
موكول تقديرها على اجتهاد الولاة عند : الشافعي.
ولا حد لأقلها ولا أكثرها عند : مالك.
وتسقط الجزية عمن أسلم.(1/25)
ويجوز عقد الذمة لمن يريد أن يعيش مع المسلمين أو فى ظل الإسلام ، فقد عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع نصارى نجران عقداً مع بقائهم فى أماكنهم دون أن يكون معهم أحد من المسلمين0
وينقض عقد الذمة بالامتناع عن الجزية ، أو إباء التزام حكم الإسلام، أو تعدى على مسلم بقتل، أو بفتنة عن دينه أو زنا بمسلمة ، أو تزوجها، أو عمل عمل قوم لوط ، أو قطع الطريق أو تجسس ، أو آوى الجاسوس ، أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه بسوء 0
وإذا انتقض عهده كان حكمة حكم الأسير، فإن أسلم حرم قتله0
ولا يجوز لكافر أن يدخل الحرم مطلقاً .
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)(التوبة: من الآية28)
وهو قول: مالك والشافعي وأحمد.
ويجوز للمعاهد دخول الحرم والكعبة ولكن لا يجوز له أن يستوطن الحرم عند : أبي حنيفة.
يجوز للكفار دخول أرض الحجاز بالأذن ولكن لا يقيمون فيها عند : الجمهور.
وأرض الحجاز هي ما بين اليمامة واليمن ونجد والمدينة ، ولا يمنعون من استيطان أرض الحجاز عند: أبي حنيفة.
وجزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر0
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب. حتى لا أدع إلا مسلما"0 ( م 1767 )
من جزيرة العرب: سميت جزيرة لإحاطة البحار بها من جوانبها والأنهار وانقطاعها عن المياة العظيمة ، وأضيفت إلى العرب لأنها كانت أوطانهم قبل الإسلام وأوطان أسلافهم وهي تحت أيديهم.
يجوز للكفار أن يقيموا فى سائر بلاد المسلمين بعهد وأمان وذمة ولكن لا يدخلون المساجد.
ولا يجوز لهم دخول المساجد بحال عند: مالك وأحمد.
ويجوز لهم دخول المساجد بأذن من مسلم عند : الشافعي.
ويجز لهم دخول المساجد بغير إذن عند : أبي حنيفة.
الغنائم والأنفال(1/26)
الغنائم : هي المال المأخوذ من أعداء الإسلام عن طريق الحرب ، وتشمل :
1- الأموال المنقولة.
2- الأسرى .
3- الأرض.
الأنفال : هي الزيادة فى أموال المسلمين ، وهي الغنائم.
قال تعالي: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (لأنفال:69) عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أعطيت خمسا، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة"0( خ 438 م521 )
مصرفها :
قال تعالى:(يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)(لأنفال: من الآية1)
تقسيمها :
قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (لأنفال:41) غنمتم : أي أخذتموه من الكفار بواسطة الحرب وهو ليس على عمومه وإنما دخله التخصيص ، لأن سلب المقتول لقاتله. والحاكم مخير فى الأسارى والأرض ، ويكون المعنى إنما غنمتم من الذهب والفضة وغيرها من الأمتعة والسبي.
الخمس الأول لله ورسوله : وينفق منه على الفقراء وفى السلاح والجهاد نحو ذلك من المصالح العامة ، ويقسم على : ذي القربة: وهم أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم بني هاشم وبنو المطلب الذين آزروه وناصروه دون أقربائه الذين خذلوه0
واليتامى: هم الذين قد مات آباؤهم فقط ، فإذا بلغوا فقد سقط عنهم اسم اليتيم وخرجوا من السهم0
المساكين : وهم الفقراء.(1/27)
وابن السبيل: وهو المسافر المنقطع عن بلده.
وتقسم الغنيمة على أساس أن للرجل سهم ، وللفارس ثلاثة0
عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما.( خ 2863)
سهمين: نصيبين.
الغلول :
وهو السرقة من الغنيمة وهو محرم0
قال تعال: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
(آل عمران: من الآية161)
قال الشوكاني فى الدراري2/284:ويحرم الانتفاع بشيء من الغنيمة قبل القسمة إلا الطعام والعلف ويحرم الغلول0 أهـ
عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هو في النار ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها". ( خ 3074)
ثقل: العيال وما يثقل حمله من الأمتعة.
هو في النار: يعذب فيها يوم القيامة علي قدر ذنبه ، ثم يخرج منها إن كان مات علي الإسلام.
أسرى الحرب :
هم من جملة الغنائم ، وهم قسمان :
1- النساء والصبيان.
2- الرجال البالغون المقاتلون.
وللحاكم الحق فى أن يفعل بالرجال ما هو الأنفع من المن أو الفداء أو القتل
والمن : هو إطلاق سراحهم مجاناً.
ولا يجوز المن بغير فداء عند : مالك.
والفداء : قد يكون بالمال، وقد يكون بأسرى المسلمين.
قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)(محمد: من الآية4)
الإثخان : المبالغة فى قتل العدو.
الاسترقاق : لم يرد نص فى القرآن يبيح الرق، وإنما جاء النص يدعو إلى العتق.
ولم يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ضرب الرق على أسير ، بل أطلق أرقاء مكة وأرقاء بني المصطلق وأرقاء حنين0(1/28)
وثبت عند - صلى الله عليه وسلم - أنه أعتق ما كان عنده من رقيق فى الجاهلية ، وأعتق ما أهدي إليه من الرقيق0
ولكن ثبت أن الخلفاء الراشدين استرقوا بعض الأسرى على قاعدة المعاملة بالمثل: فهم لم يبيحوا الرق، وإنما حصروه فى الحرب المشروعة المعلنة0
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي. كُلّكُمْ عَبِيدُ اللّهِ وَكُلّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللّهِ. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلاَمِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَلاَ يَقُلِ الْعَبْدُ: رَبّي. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: سَيّدِي"0( م2249)
وأمر الإسلام أن يأكل الرقيق مما يأكل المالك:
عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري - رضي الله عنه - ، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا ، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : أعيرته بأمه. ثم قال: إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم.( خ 2545)
خولكم : خدمكم.
نهى عن ظلمهم وآذاهم:
عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :"من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه".(م1657)
ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعا، وإنما عتقه كفارة لضربه.
عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: كنت أضرب غلاما لي. فسمعت من خلفي صوتا: "اعلم، أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه"، فالتفت فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله. فقال: "أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار".( م 1659)
دعا الإسلام إلى تعلمهم وتأديبهم :(1/29)
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كانت له جارية فعالها فأحسن إليها، ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران" . ( خ 2544)
فعالها: أنفق عليها وقام بما تحتاج إليه من قوت وكسوة وغيرهما.
وفي رواية: فعلمها.
طريق التحرير :
1- طريق إلى رحمة الله وجنته:
قال تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ - فَكُّ رَقَبَةٍ)
(البلد11-13) فك رقبة: تحرير رقبة وتخليصها من الأسر أو الرق.
2- والعتق كفارة للقتل الخطأ :
قال تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(النساء: من الآية92)
3- والعتق كفارة للحنث باليمين :
قال تعالى: (الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )(المائدة: من الآية89)
4- والعتق كفارة فى حال الظهار :
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)( المجادلة: من الآية3)
5- والإسلام جعل شراء الأرقاء وعتقهم من مصارف الزكاة :
قال تعالى:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ )(التوبة: من الآية60)
6- أمر الإسلام بمكاتبة العبد على قدر من المال:
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم)(النور: من الآية33)
7- من نذر أن يحرر رقبة وجب عليه الوفاء بالنذر متى تحقق له مقصوده:
عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"0( خ6696)(1/30)
الأرض التي تؤخذ عنوة أو تركها أهلها خوفاً ، فالحاكم مخير بين أمرين :
1- إما أن يقسمها على الغانمين.
2- وإما أن يقفها على المسلمين: فى هذه الحالة يضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن فى يده سواء أكان مسلماً أم ذمياً كأجر الأرض يؤخذ كل عام0
أما الأرض التي صالحناهم على أنها لهم، ولنا الخراج عنها، فهي كالجزية تسقط بإسلامهم.
ومن كان تحت يده أرض خراجية فعجز عن عمارتها أجبر على أحد أمرين:
1- إما أن يؤجرها.
2- وإما أن يرفع يده عنها.
وهذه الأرض المغنومة يجري فيها الميراث.
الفئ
هو المال الذي أخذه المسلمون من أعدائهم دون قتال:(1/31)
قال تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ِ - لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ - وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر6-10) فذكر الله المهاجرين والأنصار من جاء من بعدهم إلى يم القيامة
تقسيمه : هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده.(1/32)
عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال عمر: إن الله قد خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره، ثم قرأ: {وما أفاء الله على رسوله منهم - إلى قوله - قدير}. فكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله.(خ3094 م1757)
نفقة سنتهم: أي يعزل لهم نفقة سنة ،ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة فى وجوه الخير فلا تتم عليه السنة0
عقد الأمان
إذا أعطي الأمان أي فرد من الأعداء المحاربين قبل منه، صار بذلك آمناً ، لا يجوز الاعتداء عليه بأي وجه من الوجوه
قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة:6) وهذا الحق ثابت للرجال والنساء والأحرار والعبيد، ولا يمنع منه إلا الصبيان والمجانين0
عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال:خطبنا علي فقال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فقال: فيها الجراحات وأسنان الإبل: والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك، وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك0
(خ 3172 م467)عن عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أمن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء الغدر يوم القيامة". ( حم5/223 ح بغوي2717)
يصح الأمان من آحاد المسلمين إذا أمن واحداً أو اثنين ، فأما عقد الأمان لأهل ناحية على العموم ، فلا يصح إلا من الإمام على سبيل الاجتهاد ، وتحري المصلحة ، كعقد الذمة ، لأنه المنصوب لمراعاة النظر لأهل الإسلام عامة، ولو جعل ذلك لآحاد الناس صار ذريعة إلى أبطال الجهاد0(1/33)
عَنْ أَبي رافع - رضي الله عنه - قالَ:قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لا أَخيس بالعهدِ ولا أَحبسُ الرُّسُل".(ص د2758)
ويتقرر حق الأمان بمجرد إعطائه ، ويعتبر نافذاً من وقت صدوره، إلا أن يقر نهائياً إلا بإقرار الحاكم أو قائد الجيش وإذا تقرر صار المؤمن من أهل الذمة ، وأصبح له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ولا يجوز إلغاء الأمان إلا إذا ثبت أنه يريد الضرر بالمسلمين أو كان جاسوساً لقومه0
وأما عقد الأمان لأهل ناحية فلا يصح إلا من الإمام على سبيل الاجتهاد0
المستأمن
المستأمن : الحربي الذي دخل فى دار الإسلام بأمان ، دون نية الاستيطان بها والإقامة فيها بصفة مستمرة0
بل يكون قصده إقامة مدة معلومة لا تزيد عن سنة ، فإن تجاوزها ، وقصد الإقامة بصفة دائمة ، فإنه يتحول إلى ذمي، ويلحق به زوجته وأبناؤه الذكور القاصرون والبنات جميعاً والأم الجدات والخدم0
قال تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة:6) وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان، كان له حق المحافظة على نفسه وماله وسائر حقوقه ومصالحه0
وعليه المحافظة على الأمن والنظام العام وعدم الخروج بأن يكون عيناً ، أو جاسوساً ، فإن تجسس حل قتله0
وتطبق عليه الأحكام الإسلامية بالنسبة للمعاملات المالية والعقوبات0
وإذا مات المستأمن فى دار الإسلام أو دار الحرب فإن ملكيته لماله تنتقل إلى ورثته عند : الجمهور.
فإن لم يكن له ورثة كان ذلك المال فيئاً للمسلمين 0
معاهدات الرسول - صلى الله عليه وسلم -
1- عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بني ضمرة من قبائل العرب، وهذا نص العهد :(1/34)
هذا كتاب من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني ضمرة بأنهم مؤمنون على أموالهم وأنفسهم ، وأن لهم النصر على من رامهم ، إلا أن يحاربوا فى دين الله ، ما بل بحر صوفة ،وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عاهدهم إلى النصرة أجابوه ، عليهم بذمة الله ورسوله ،ولهم النصر من بر منهم واتقى0
2- عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود على حسن الجوار أول ما استقر به المقام بالمدينة وهذا نص العهد :
بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي ( رسول الله ) - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم ، وجاهد معهم ، أنهم أمة واحدة من دون الناس 0(1/35)
الكتاب السابع عشر
القضاء
القضاء: هو الفصل بين الناس فى الخصومات حسماً للخلاف ،وقطعاً للنزاع بمقتضى الأحكام التي شرعها الله وأول من تولى القضاء فى الإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هو : إلزام ذي الولاية بعد الترافع.
وهو: الإكراه بحكم الشرع فى الوقائع الخاصة لعين أو جهة والمراد بالجهة كالحكم لبيت المال أو عليه0
قال الله تعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً - وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً - وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً - يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً - هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً - وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً - وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً - وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدْ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً - وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً - )
((1/1)
النساء105-113)
والقضاء يكون فى جميع الحقوق سواء أكانت حقوقاً لله أم حقوقاً للآدميين0
والقضاء فرض كفاية لدفع التظالم وفصل التخاصم ويجب على الحاكم أن ينصب للناس قاضياً من أبى أجبره عليه0
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".( خ73 م 816)
لا حسد: المراد حسد الغبطة وهو أن يرى النعمة في غيره، فيتمناها لنفسه من غير أن تزول عن صاحبها، وهو جائز ومحمود.
فسلط على هلكته في الحق: تغلب على شح نفسه وأنفقه في وجوه الخير.
الحكمة: العلم الذي يمنع من الجهل ويزجر عن القبيح
عَنْ عبد الله بن أبي أوْفَى قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "الله مَعَ الْقاضِي مَا لَمْ يَجُرْ. فَإِذَا جَارَ تَخَلّى عَنْهُ وَلَزمَهُ الشّيْطَان"0 (ح ت 1330)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال: "يا أبا ذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة، خزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".( م 1825)
والخوف من العجز عن القيام بالقضاء على الوجه الأكمل هو السبب فى امتناع بعض الأئمة عن الدخول فى القضاء0
لا يقضي بين الناس إلا من كان عالماً بالكتاب والسنة فقيهاً فى دين الله قادراً على التفرقة بين الصواب والخطأ ، بريئا من الجور بعيداً عن الهوى0
وقد اشترط الفقهاء فى القاضي أن يبلغ: درجة الاجتهاد فيكون عالماً بآيات الأحكام وأحاديثها عالما بأقوال السلف ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، عالماً باللغة وعالماً بالقياس، وأن يكون مكلفاً ذكراً عدلاً سميعاً بصيراً ناطقاً 0
فيجب تولية الأمثل فالأمثل، فلا يصح قضاء المقلد ولا الكافر ولا الصغير ولا المجنون ولا الفاسق ولا المرأة.(1/2)
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة". (خ4424)
عن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القضاء ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضي للناس على جهل فهو في النار"0 (ص د3573)
كل من ليس بأهل الحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فهو آثم ولا ينفذ حكمه وسواء وافق الحق أم لا لأن إصابة الحق اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص فى جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا وأحكامه مردودة كلها ، ولا يعذر فى شئ من ذلك0
وعلى القاضي أن يتحرى الحق فيبتعد عن كل ما من شأنه أن يشوش فكره فلا يقضى أثناء الغضب الشديد، أو الجوع المفرط، أو الهم المقلق، أو الخوف المزعج أو النعاس الغالب، أو الحر الشديد ، أو البرد الشديد ، أو شغل القلب شغلاً يصرف عن المعرفة الصحيحة والفهم الدقيق0
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان"0 (خ7158)
ومهما اجتهد القاضي فى معرفة الحق وإصابة الصواب فهو مأجور ولو لم يصب الحق0
عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه قال ، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"0 (خ7352 م1716)(1/3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقُّه بينهما، فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى . قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية". (خ 4327 م 1720)
قال تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً)
(الانبياء78-79)
ذكر المفسرون: أن الغنم انتشرت فى الزرع فأفسدته ، وأن أصحاب الزرع اختصموا معهم فرفعت القضية إلى داود ليحكم فيها فحكم داود بالغنم لأصحاب الزرع ، فخرجا من عنده ومرا بسليمان فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه ، فقال سليمان: لو وليت أمركما لقضيت بما هو أرفق بالفريقين، فبلغ ذلك داود فدعاه وقال: كيف تقضي؟ قال: أدفع الغنم إلى صاحب الحرث مثل حرثه فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى صاحبه وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود : القضاء ما قضيت وحكم بذلك0
الواجب على القاضي أن يسوي بين الخصمين فى خمسة أشياء:
1- فى الدخول عليه.
2- الجلوس بين يديه.
3- الإقبال عليهما.
4- الاستماع لهما.
5- الحكم عليهما.(1/4)
عن عَلِيّ - رضي الله عنه - قالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْيَمَنِ قَاضِياً فَقُلْتُ: يَارَسُولَ الله تُرْسِلُنِي وَأنَا حَدِيثُ السّنّ وَلاَ عِلْمَ لِي بالْقَضَاءِ، فَقَالَ: "إنّ الله سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبّتُ لِسَانَكَ، فَإذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلاَ تَقْضِيَنّ حَتّى تَسْمَعَ مِنَ الآخر كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأوّلِ فَإنّهُ أحْرَى أنْ يَتَبَيّنَ لَكَ الْقَضَاء"ُ. قالَ: فَمَا زِلْتُ قَاضِياً أوْ مَا شَكَكْتُ في قَضَاءٍ بَعْد0 (ح د3582)
قال الخطابي : فيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب. وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا منعه من أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الآخر ففي الغائب أولى بالمنع. وذلك لإمكان أن يكون مع الغائب حجة تبطل دعوى الآخر وتدحض حجته.
عن بُرَيْدَةَ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقاً فَمَا أخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُول".(ص د2943)
عَنْ أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرّاشِي وَالمُرْتَشِيَ في الحُكْمِ.
(ص ت1336)(1/5)
رسالة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فى القضاء التي أرسلها إلى أبي موسى الأشعري: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنّة متبعة ، فعليك بالعقل والفهم وكثرة الذكر، فافهم إذا أدلى إليك الرجل الحجة ، فاقضِ إذا فهمت وامضِ إذا قضيت. فإنه لا ينفع الحكم بحق لا نفاذ له ، آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرّم حلالاً. ومن ادّعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه فإن جاء ببينة أعطيته حقه، وإلا استحللت عليه القضية، فإن ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى.
ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله وسنّة - صلى الله عليه وسلم - ، ثم اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك واعمد إلى أقربها إلى الله تعالى وأشببها بالحق.
المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلوداً في حدّ، أو مجرّباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو نسب أو قرابة، فإن الله تعالى تولى منكم السرائر، وادرأ بالبينات، والأيمان، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذّي بالناس عند الخصومة، والتنكر عند الخصومات، فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالى به الأجر ويحسن به الذكر. فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما ليس في قلبه شانه الله تعالى، فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً. فما ظنك بثواب من الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته والسلام 0 أ هـ
آس بين الناس: سو بينهم.
حيفك : أي ميلك معه لشرفه.
تلجلج : تردد.(1/6)
ظنين : متهم.
درأ : دفع.
القلق والضجر: ضيق الصدر وقلة الصبر.
تخلق الناس : أظهر لهم فى خلقه خلاف نيته.
للقاضي أن يشفع الشفاعة الحسنة فيطلب من الخصوم أن يصطلحوا أو يتنازل أحدهم عن بعض حقه.
عن كعب - رضي الله عنه - أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته، فخرج إليهما، حتى كشف سجف حجرته، فنادى: "يا كعب"، قال: لبيك يا رسول الله، قال: "ضع من دينك هذا"، وأومأ إليه: أي الشطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: "قم فاقضه".
( خ457 م1558)
تقاضى : طلب بالوفاء.
سجف : ستر، وقيل: الستران المقرونان بينهما فرجة.
أومأ : أشار.
الشطر : النصف.
حكم القاضي لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً :
عن أمَّ سلمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها"0 ( خ7181 م1713)
يجوز للمدعي أن يدعى على الغائب الذي هو وكيل له ، ويجوز للحاكم أن يحكم عليه متى ثبتت الدعوى.
قال الله تعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (صّ: من الآية26)
والذي ثبت بالبينة حق فيجب الحكم به0
عن عائشة: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه ، وهو لا يعلم ، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".(خ7180 م1714)
شحيح: بخيل مع الحرص.
بالمعروف : حسب عادة الناس في نفقة أمثالك وأمثال أولادك.
في هذا الحديث فوائد: منها وجوب نفقة الزوجة.
ومنها وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار. ومنها أن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالإمداد.
وهذا قضاء على غائب.(1/7)
عن عمر - رضي الله عنه - قال: من كان له دين فليأتنا غداً فإنا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه ، وكان الشخص الذي قضى عليه ببيع ماله غائباً .
والقضاء على الغائب يجوز عند: مالك والشافعي وأحمد.
الدعاوى والبينات
الدعاوى: هي إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شئ فى يد غيره أو فى ذمته.
والمدعي: هو الذي يطالب بالحق، وإذا سكت عن المطالبة ترك0
والمدعي عليه: هو المطالب بالحق ،وإذا سكت لم يترك.
والدعوى لا تصح إلا من الحر العاقل البالغ الرشيد، فالعبد والمجنون والمعتوه والصبي والسفيه لا تقبل دعواهم وهذه الشروط تجب أيضاً للمنكر للدعوى.
ولا دعوى إلا بدليل يستبين به الحق ويظهر0
والبينات: جمع بينة وهي الحجة الواضحة، سميت الحجة بينة لوضوح الحق وظهوره بها
عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه"0 ( خ455 م1711)
بدعواهم : بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على الآخرين عند حاكم.
لادعى ناس دماء رجال: لضاعت وهدرت.
ويشترط فى الدليل أن يكون قطعياً لأن الدليل الظني لا يفيد اليقين:
قال الله تعالى: (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(لنجم: من الآية28)
وطرق إثبات الدعوى :
1- الإقرار.
2- الشهادة .
3- اليمين.
4- الوثائق الرسمية الثابتة.
1- الإقرار : هو الاعتراف بالمدعى به، وهو أقوى الأدلة
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)(النساء: من الآية135)
قوامين بالقسط : قائمين بالعدل.
شهداء لله : تشهدون بالحق إرضاء لله تعالى.
ويشترط لصحة الإقرار: العقل والبلوغ والرضا وجواز التصرف ، وأن لا يكون المقر هازلاً ، وأن لا يكون أقر بمحال عقلاً أو عادة0(1/8)
فلا يصح إقرار المجنون ولا الصغير ولا المكروه ولا المحجور عليه ولا الهازل ولا بما يحيله العقل أو العادة لأن كذبه فى هذه الأحوال معلوم ولا يحل الحكم بالكذب0
ومتى صح الإقرار كان ملزما للمقر ولا يصح رجوعه عنه متى كان الإقرار متعلقاً بحق من حقوق الناس إما إذا كان الإقرار متعلقاً بحق من حقوق الله كما فى حد الزنا الخمر فإنه يصح فيه الرجوع0
والإقرار حجة قاصرة لا تتعدى غير المقر، فلو أقر على الغير فإن إقراره عليه لا يجوز بخلاف البينة فإنها حجة متعدية إلى الغير، فلو ادعى مدع على آخرين ديناً وأقر به بعضهم وأنكر البعض الآخر فإن الإقرار لا يلزم إلا من أقر
، ولو ادعى هذه الدعاوى وأثبتها بالبينة فإنها تلزم الجميع0
والإقرار كلام واحد لا يؤخذ بعضه ويترك البعض الآخر0
إذا أقر إنسان لأحد ورثته بدين فإن كان فى مرض موته لا يصح ما لم يصدقه باقي الورثة ، وذلك لأن الاحتمال كون المريض قصد بهذا الإقرار حرمان الورثة مستنداً إلى كونه فى المرض، أما إذا كان الإقرار فى حالة الصحة فإنه جائز، واحتمال إرادة حرمان سائر الورثة حينئذ من حيث إنه احتمال مجرد نوع من التوهم لا يمنع حجة الإقرار0
2- الشهادة : هي الإخبار عما علمه بلفظ: أشهد أو شهدت ، وهي فرض عين على من تحملها.
الشاهد : هو حامل الشهادة ومؤديها، لأنه شاهد لما غاب عن غيره
لا يحل لأحد أن يشهد إلا بعلم ، والعلم يحصل بالرؤية أو بالسماع أو باستفاضة فيما يتعذر علمه غالباً بدونها والاستفاضة هي الشهرة التي تثمر الظن أو العلم0
قال الله تعالى: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية283)
ولا تكتموا الشهادة: أي لا تخفوها وتغلوها.
آثم قلبه: فاجر مليء بالإثم والذنب.
قال تعالى:(وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا )(البقرة: من الآية282)(1/9)
فهذا على عمومه إذا دعوا للشهادة، أو دعوا لأدائها، ولا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص، فيكون من فعل ذلك قائلاً على الله ما لا علم به0
عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال:" تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره".(خ6952 )
عن زيدِ بنِ خالدٍ الجهنيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركُمْ بخيرِ الشُّهداءِ الذي يأتي بشهادتِهِ قبلَ أن يُسأَلها"0( م 1719)
ذم من أدى شهادة من غير مسألة :
عن عمران بن حصين قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَن".(خ 2651 م2535 )
قرني: أهل قرني وهم أصحابي، والقرن مائة سنة، أو أهل زمان واحد، سموا بذلك لاقترانهم في الوجود، وقيل غير ذلك.
يلونهم: يأتون بعدهم قريبين منهم.
ويخونون: تظهر فيهم الخيانة.
لا يؤتمنون: أي لا يراهم الناس أمناء ولا يثقون بهم لظهور خيانتهم. وقد ثبت أن الأمانة أول ما يرفع من الناس.
يظهر فيهم السمن: أنهم يحبون التوسع في المآكل والمشارب التي هي أسباب السمن.
فى الحديث دليل على أن الصحابة أفضل من التابعين، والتابعين أفضل من تابعيهم، وتابعي التابعين أفضل ممن بعدهم0
وتجب الشهادة من على قدر أدائها بلا ضرر يلحقه فى بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله0
قال الله تعالى: ( وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ )(البقرة: من الآية282)
وإذا كثر الشهود كانت الشهادة فى هذه الحالة مندوبة إن تخلف عنها أحد لغير عذر لم يأثم0
ومتى تعينت حرم أخذ الأجرة عليها ، إلا إذا تعذر له المشي فله أجر مركبه.
وشروط قبول الشهادة هي :
1- الإسلام :
فلا تجوز شهادة الكافر(1/10)
عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا من ذهب، فأحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم وجد الجام بمكة، فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أوليائه، فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما، وإن الجام لصاحبهم. قال: وفيهم نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}.(خ 2780)
جاما: كأسا.
مخوصا: منقوشا فيه خطوط دقيقة طويلة كالخوص، وهو ورق النخل.
2- العدالة :
بحيث يغلب خيرهم شرهم، ولم يجرب عليهم اعتياد الكذب
قال الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)
(الطلاق: من الآية2)
ذوي عدل: صاحبي عدل ، والعدل: عدم فعل الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة.
وقال تعالى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ )(البقرة: من الآية282)
ممن ترضون : أي من ترضون دينه وعدالته.
عبد الله بن عتبة قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة. ( خ2641 )
يؤخذون بالوحي: ينزل الوحي بما يكشف حالهم وما يعاملون به.
قربناه: أكرمناه بما يستحق.
وتقبل شهادة الفاسق إذا تاب عند: مالك والشافعي وأحمد.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور:4)
3- البلوغ : فلا تقبل شهادة الصغير ، ولو شهد على صبي مثله0(1/11)
4- العقل: لا تقبل شهادة المجنون ولا المعتوه.
5- الكلام: فلابد أن يكون الشاهد قادراً على الكلام ، فلا تقبل شهادة الأخرس إلا إذا كتب الشهادة بخطه0
6- الحفظ والضبط : فلا تقبل شهادة من عرف بسوء الحفظ وكثرة السهو والغلط ، ويلحق به المغفل ومن على شاكلته.
7- نفي التهمة: لا تقبل شهادة المتهم بسبب المحبة أو العداوة ولا يقبل شهادة العدو على عدوه ، ولا شهادة خائن، ولا شهادة الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها0
أما شهادة الأخ لأخيه فتجوز ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال.
ولا تقبل شهادة البدوي على القروي عند: أحمد ومالك فى رواية وأبي عبيد
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تجوز شهادة بدويٍ على صاحب قريةٍ0(ص د3602)
نصاب الشهادة :
أ- شهادة الأربعة : فى حد الزنا
قال تعالى: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)(النساء: من الآية15)
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)
(النور: من الآية4)
وقال تعالى: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)(النور: من الآية13)
ب- شهادة الثلاثة:
فى الفقير المستحق للزكاة يشهد عليه ثلاثة أنه فقير عند: الحنابلة.(1/12)
عن قبيصة بن مخارق الهلالي. قال: تحملت حمالة. فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها. فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة. فنأمر لك بها". قال: ثم قال: "يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش (أو قال سدادا من عيش). ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلت له المسألة. حتى يصيب قواما من عيش (أو قال سدادا من عيش) فما سواهن من المسألة، ياقبيصة ! سحتا يأكلها صاحبها سحتا". ( م 1044)
تحملت حمالة: الحمالة هي المال الذي يتحمله الإنسان، أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين. كالإصلاح بين قبيلتين، ونحو ذلك.
حتى يصيبها ثم يمسك: أي إلى أن يجد الحمالة ويؤدي ذلك الدين، ثم يمسك نفسه عن السؤال.
ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله: الجائحة هي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة. واجتاحت أي أهلكت.
قواما من عيش: أي إلى أن يجد ما تقوم به حاجته من معيشة.
سدادا من عيش: القوام والسداد، بمعنى واحد. وهو ما يغنى من الشيء وما تسد به الحاجة. وكل شيء سددت به شيئا فهو سداد.
فاقة: أي فقر وضرورة بعد غنى.
حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: أي يقومون بهذا الأمر فيقولون: لقد أصابته فاقة.
والحجا: وهو العقل.
ج- شهادة الرجلين :
فى جميع الحقوق وفى الحدود عدا الزنا.
قال الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم)(الطلاق: من الآية2)
د- شهادة رجل وامرأتين :
فى قضايا الأموال كالبيع القروض والديون والإجارة والرهن
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل". قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها.( خ2658)
هـ- شهادة الرجل الواحد:(1/13)
فى العبادات كالآذان والصلاة والصوم
عن ابن عُمَرَ قال: تَرَاءى النّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النّاسَ بِصِيَامِه.(ص د2342)
وشهادة المرضعة وحدها تقبل عند : أحمد.
عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج ، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني ، فركب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فسأله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كيف وقد قيل. ففارقها عقبة ، ونكحت زوجا غيره". ( خ 88)
3- اليمين :
إذا عجز المدعي بحق على آخر عن تقديم البينة وأنكر المدعي عليه هذا الحق فليس له إلا يمين المدعي عليه ، وهذا خاص بالأموال والعروض ولا يجوز فى دعاوى العقوبات والحدود0
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"0 ( هق 10/252 ص غليل 1641)
عن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل خصومة في شيء، فاختصمنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "شاهداك أو يمينه". فقلت له: إنه إذن يحلف ولا يبالي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف على يمين، يستحق بها مالا، وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان"0 ( خ 2670 م 138)
شاهداك أو يمينه: لك ما يشهد به شاهداك، أو يمينه
واليمين لا تكون إلا بالله أو باسم من أسمائه ، أو صفة من صفاته تعالي.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا، إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله، وإلا فليصمت".(خ6108 م1646)(1/14)
إذا عرضت اليمين على المدعي عليه لعدم وجود بينة المدعي فنكل ولم يحلفها اعتبر نكوله هذا مثل إقراره بالدعوى ،لأنه لو كان صادقاً فى إنكاره لما امتنع عن الحلف0
والنكول يكون صراحة أو دلالة بالسكوت ، وفى هذه الحال لا ترد اليمين على المدعي فلا يحلف على صدق الدعوات التي يدعيها ، لأن اليمين تكون على النفس دائماً 0
إذا حلف أحد المتقاضيين كانت اليمين على نية القاضي وعلى نية المستحلف الذي تعلم حقه فيها لا على نية الحالف0
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اليمين على نية المستحلف"0
(م 1653)
4- البينة الخطية والوثائق الموثوق بها :
لما اعتاد الناس التعامل بالصكوك واعتمدوا عليها أفتى بعض العلماء من المتأخرين بقبول الخط والعمل به، وأخذت بذلك مجلة الأحكام العدلية وقبلت الإثبات بصكوك الدين وقيود التجار وغيرها إذا كانت سالمة من شبهة التزوير والتصنيع واعتبرت الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، وكذلك يعمل بالأوراق الرسمية إذا كانت خالية من التزوير والفساد0
التناقض :
التناقض قسمان : تناقض الشهود وتناقض المدعي0
تناقض الشهود: إذا أدى الشهود الشهادة ثم رجعوا عنها فى حضور القاضي قبل إصدار الحكم تكون شهادتهم كأن لم تكن ويعزرون ، وهذا رأي جمهور الفقهاء ، أما إذا رجع الشهود عن الشهادة بعد الحكم فى حضور القاضي فلا ينقض الحكم الذي حكم به يضمن الشهود المحكوم به0
وتناقض المدعي: إذا سبق كلام من المدعى مناقض لدعواه بطلت الدعوى ، فإذا أقر بمال لغيره ثم ادعى أنه له، فهذا الإدعاء المناقض لإقراره مبطل لدعواه ومانع من قبولها0
وإذا برأ أحد آخر من جميع الدعاوى فلا يصح له أن يدعى عليه بعد ذلك مالاً لنفسه0
يجوز للمدعي عليه أن يقدم البينة التي يدفع بها دعوى المدعي ليثبت براءة ذمته إذا كانت لديه هذه البينة.(1/15)
فإذا لم تكن له مثل هذه البينة جاز له أن يقدم بينة تشهد بالطعن فى عدالة الشهود وتحريم بينة المدعي0
وإذا تعارضت البينتان لم يوجد ما يرجح إحداهما قسم المدعي بين المدعي والمدعى عليه0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس لواحد منهما بَيِّنة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اسْتَهِمَا على الْيَمِينِ ما كَانَ، أَحَبَّا ذلك أو كرها"0
(ص د3616)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على قوم اليمين ، فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم فى اليمين، أيهم يحلف0( خ2674)
قال الله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)
(الحج: من الآية30)
عن أبي بكرة ، عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ثلاثا"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا، فقال - ألا وقول الزور". قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت.
(خ 2654 م 87)
السجن :
قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)
(يوسف: من الآية33)
وكان السجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى عهد الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا0
عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلاً في تهمة.
(ح د 3630)
لا يحل حبس أحد بدون حقه0
ومتى حبس بحق يجب المسارعة بالنظر فى أمره، فإن كان مذنباً أخذ بذنبه، وإن كان بريئاً أطلق سراحه
ويحرم ضرب المتهم لما فيه من إذلاله وإهدار كرامته 0
عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"وإني قد نهيت عن ضرب أهل الصلاة".(حم5/250 صحيحة1428)
أي نهى عن ضرب المسلمين.
وإذا اتهم بالسرقة لا يضرب لاحتمال كونه بريئاً ، فترك الضرب فى مذنب أهون من ضرب برئ0(1/16)
وينبغي أن يكون الحبس واسعاً ، وأن ينفق على من فى السجن من بيت المال وأن يعطى كل واحد كفايته من الطعام واللباس 0
ومنع المساجين مما يحتاجون إليه من الغذاء والكساء والمسكن الصحي جور يعاقب الله عليه 0
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"0 (خ2365 م2242)
الإكراه
هو حمل الغير على ما يكره بالوعيد بالقتل أو التهديد بالضرب أو السجن أو إتلاف المال أو الأذى أو الإيلام القوي
ويشترط فيه أن يغلب على ظن المكره إنفاذ ما توعد به المكروه0
ولا فرق بين إكراه الحاكم أو اللصوص أو غيرهم0
والإكراه على قسمين:
1- إكراه على الكلام :
والإكراه على الكلام لا يجب به شئ لأن المكره غير مكلف ، فإذا نطق بكلمة الكفر فإنه لا يؤاخذ ، وإذا قذف غيره فلا يقام عليه الحد، وإذا أقر فلا يؤاخذ بإقراره ، وإذا عقد، عقد زواج أو هبة أو بيع فإن عقده لا ينعقد، وإذا حلف أو نذر فإنه لا يلزم بشيء ، وإذا طلق زوجته أو راجعها فإن طلاقه لا يقع ورجعته لا تصح0
قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106) لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم0
عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - :"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".(ص هـ2043)(1/17)
وإذا كان النطق بكلمة الكفر عند الإكراه رخصة فإن الأفضل الأخذ بالعزيمة والصبر على التعذيب ولو أدى ذلك إلى القتل إعزازاً للدين كما فعل ياسر وسمية0
وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة بل هو كالقتل فى الغزو كما صرح به العلماء0
2- الإكراه علي الفعل:
والإكراه على الفعل قسمان: ما تبيحه الضرورة وما لا تبيحه الضرورة0
فالأول: مثل الإكراه على شرب الخمر أو أكل الميتة أو :أكل لحم الخنزير أو أكل مال الغير أو ما حرم الله:
فإنه فى هذه الحال يباح تناول هذه الأشياء ، بل من العلماء من يرى وجوب التناول حيث لم يكن له خلاص إلا به، ولا ضرر فيه لأحد ، ولا تفريط فيه فى حق من حقوق الله
والله تعالى يقول: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(البقرة: من الآية195)
وكذلك من أكره على إفطار رمضان أو الصلاة لغير القبلة أو السجود لصنم أو صليب فيجعل له أن يفطر ويصلي إلى أي جهة ويسجد ناوياً السجود لله جل شأنه0
والثاني : مثل الإكراه على القتل والضرب والزنا وإفساد المال0
قال القرطبي: أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
ولو قدر أن رجلاً استكره على الزنا فزنى فإنه لا يقام عليه الحد ، وكذلك المرأة إذا أكرهت على الزنا فإنه لا حد عليها لقول رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - :"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".(ص هـ2043)
الوقف
الوقف: هو حبس الأصل وتسبيل الثمرة ، أي حبس المال وصرف منافعه فى سبيل الله0
وهو: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف فى رقبته على مصرف مباح0
والوقف أحياناً يكون على الأحفاد أو الأقارب ومن بعدهم إلى الفقراء ، ويسمى هذا بالوقف الأهلي أو الذرّي0(1/18)
وأحياناً يكون الوقف على أبواب الخير ابتداء ويسمى بالوقف الخيري0
وقد شرع الله الوقف وندب إليه وجعل قربه من القرب التي يتقرب بها إلى إليه، لم يكن أهل الجاهلية يعرفون الوقف وإنما استنبطه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعا إليه وحبب فيه براً بالفقراء وعطفاً على المحتاجين0
عَنْ أَبي هُريرةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلَهُ إلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه"0 ( م 1631)
قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه،وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته".(ح هـ242)
وقد وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقف أصحابه المساجد والأرض والآبار والحدائق والخيل ولا يزال الناس يقفون من أموالهم إلى يومنا هذا0
عن أنس قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ببناء المسجد، فقال: "يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا". قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. (خ 428 م 524)
ثامنوني بحائطكم: ساوموني ببستانكم وخذوا ثمنه.(1/19)
عن أبي عبد الرحمن: أن عثمان - رضي الله عنه - حيث حوصر، أشرف عليهم، وقال: أنشدكم بالله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حفر رومة فله الجنة. فحفرتها، ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة. فجهزته، قال: فصدقوه بما قال". (خ 2778)
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، قال: فتصدق بها عمر:أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول. ( خ 2737 م1632 )
وإذا قال : أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز وإن لم يبين ذلك0
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها. (خ 2756 )
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأما خالد: فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله"0(خ 1468 م983)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من احتبس فرساً في سبيل اللَّه إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة"0
( خ 2853)
ويصح الوقف وينعقد بأحد أمرين:
1- الفعل الدال عليه: كأن يبني مسجداً ويؤذن للصلاة فيه ولا يحتاج إلى حكم حاكم0
2- القول: وهو إما صريح مثل قول الوقف، وقفت وحبست وسبلت وأبدلت.(1/20)
وإما كتابة: كأن يقول: تصدقت ناوياً به الوقف0
وأما الوقف المعلق بالموت مثل أن يقول: داري أو فرسي وقف بعد موتي0
ومتى فعل الواقف ما يدل على الوقف أو نطق بالصيغة لزم الوقف بشرط أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه ، بأن يكون كامل الأهلية من العقل والبلوغ والحرية والاختيار ، ولا يحتاج فى انعقاده إلى قبول الموقوف عليه، وإذا مات الواقف لا يورث عنه لأنه هذا هو مقتضى الوقف لقوله - صلى الله عليه وسلم - فى حديث ابن عمر: "لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث"0 (خ 2737 م1632)
ويصح وقف العقار والمنقول من الأثاث والمصاحف والكتب والسلاح والحيوان وكذلك يصح وقف كل ما يجوز بيعه ويجوز الانتفاع به مثل العقود والشمع والمأكول والمشروب ، ولا ما يسرع إليه الفساد من المشمومات والرياحين لأنها تتلف سريعاً ، ولا ما لا يجوز بيعه كالمرهون : والكلب والخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد وجوارح الطير التي لا يصاد بها0
ولا يصح الوقف إلا على من يعرف كولده وأقاربه ورجل معين، أو على بر كبناء المساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن ، فإذا وقف على غير معين كرجل وامرأة ، أو على معصية مثل: الوقف على الكنائس والبيع فإنه لا يصح 0
من وقف على أولاده دخل فى ذلك أولاد الأولاد ما تناسلوا ، وكذلك أولاد البنات0
عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابن أخت القوم منهم، أو: من أنفسهم".
(خ 6762 م 1059)(1/21)
عن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَ صَفِيّةَ أَنّ حَفْصَةَ قَالَتْ بِنْت يَهُودِيّ، فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ تَبْكي، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ"؟ قَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إنّي بِنْت يَهُودِيّ، فَقَالَ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : "وَإنّكِ لابْنَةُ نَبِيّ، وَإنّ عَمّكِ لنبيّ، وَإنّكِ لَتَحْتَ نَبِيّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْك"ِ؟ ثُمّ قَالَ: "اتّقِي اللّهَ يَا حَفْصَةُ".(ص ت3894)
ويصح الوقف على أهل الذمة مثل النصارى كما يجوز التصدق عليهم0
وقفت صفية بنت حيي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخ لها يهودي0
يجوز وقف المشاع عند: مالك والشافعي وأبي يوسف والهادي والقاسم والناصر.
عَنْ ابْنِ عُمَر قَالَ: قَالَ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ، الَّتي بَخَيْبَرَ، لِمْ أُصِبْ مَالاً قَطْ هُوَ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْهَا وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا. فَقَالَ الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "احْبِسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا".(ص هـ2397)
وسبّل: أي اجعلها في سبيل الله.
إذا وقف المريض مرض الموت لأجنبي فإنه يعتبر من الثلث مثل الوصية ولا يتوقف على رضا الورثة إلا إذا زاد على الثلث فإنه لا يصح وقف هذا الزائد إلا بإجازتهم0
من شرط فى وقفه أو وصيته أن يكون دولة بين الأغنياء ، فقد شرط شرطاً يخالف كتاب الله0
ومن شرط شرطاً يخالف كتاب الله فهو باطل ، وإن شرط مائة شرط: (كتاب الله أحق وشرط الله أوثق)
وإذا اشترط الواقف أو الموصي أعمالاً ليست فى الشريعة لا واجبة ولا مستحبة فهذه شروط باطلة مخالفة لكتاب الله لأن إلزام الإنسان للناس ما ليس بواجب ولا مستحب من غير منفعة له بذلك سفه وتبذير يمنع منه0
يجوز للمتولي أمر الوقف أن يأكل منه لحديث ابن عمر السابق وفيه: لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف.(1/22)
والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة.
فاضل ريع الوقف يصرف فى مثله0
الهبة
هي عقد موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره فى الحياة بلا عوض
والهبة بمعناها العام يشمل:
1- الإبراء: وهو هبة الدين ممن هو عليه التنازل له عنه.
2- الصدقة: وهي هبة ما يراد به ثواب الآخرة.
3- الهدية: وهي ما يلزم به الموهوب له أن يعوضه.
وقد شرع الله الهبة لما فيها من تأليف القلوب ، وتوثيق عرى المحبة بين الناس.
عَنْ أَبي هُريرة - رضي الله عنه - عَنِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "تَهَادُوا تَحَابُّوا"0
(خ فى الأدب المفرد594 ح غليل1601)
عن خالد بن عدي :أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه".
( حم4/221 صحيحة1005)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت".(خ2568)
ذراع: اليد من كل حيوان.
الكراع: ما استدق من ساق الحيوان.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ" .(خ2566 م 1030)
لا تحقرن: لا تستصغرن شيئا تقدمه هبة فتمتنع منها.
فرسن شاة : حافر شاة ، والمقصود المبالغة في الحث على الإهداء ولو في الشيء اليسير.
وخص النساء بالخطاب لأنهن يغلب عليهن استصغار الشيء اليسير والتباهي بالكثرة وأشباه ذلك.
والهبة في اللغة: إيصال الشيء لغيره بما ينفعه، سواء كان مالا أم غيره، يقال: وهبة الله مالا حلالا وولدا صالحا وعقلا سليما.
وشرعا: هي تمليك المال بلا عوض، وفي معناها الهدية، مع ملاحظة تكريم الموهوب له.
عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله إن لي جارين إلى أيهما أهدي قال: "إلى أقربهما بابا منك".(خ 2595)(1/23)
عن عائشة رضي الله عنها: أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بها، أو يبتغون بذلك، مرضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ( خ 2574 م 2441)
عن ابن عباس : أهدت أم حفيد، خالة ابن عباس، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطا وسمنا وأضبا، فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقط والسمن، وترك الضب تقذرا، قال ابن عباس: فأكل على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(خ 2575 م1947)
أضبا: جمع ضب وهو دويبة تشبه الحرذون ومنها ما هو أكبر منه.
تقذرا: كراهية وتقززا منه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بطعام سأل عنه: "أهدية أم صدقة". فإن قيل صدقة. قال لأصحابه: كلوا. ولم يأكل، وإن قيل هدية، ضرب بيده - صلى الله عليه وسلم - فأكل معهم . ( خ2576 م 1077)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة، فدخل قرية فيها ملك أو جبار، فقال: أعطوها آجر"0 (خ2217)
هاجر: سافر بها.
جبار: ملك ظالم باغ.
آجر: هي هاجر أم إسماعيل عليه السلام.
عن أنس : أن يهودية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها، فقيل: ألا نقتلها؟ قال:"لا". فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(خ 2617 م 2190)
يهودية: اسمها زينب، واختلف في إسلامها.
أعرفها: أعرف أثرها.
لهوات: جمع لهاة وهي ما يبدو من الفم عند التبسم، وقيل: هي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم .
عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم. ( خ1481 م 1392)
أيلة: بلدة كانت معروفة بساحل البحر، في طريق المصريين إلى مكة، ولعلها ما يسمى الآن: أيلات.(1/24)
برداً : ثوباً مخططاً.
كتب له ببحرهم: أي جعله حاكما على بلدهم وأرضهم
عن أنس - رضي الله عنه - قال: أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - جبة سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها، فقال: "والذي نفس محمد بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا"0 ( خ2615 م 2469)
الهدية للمشركين :
قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)
تبروهم: تحسنوا إليهم.
تقسطوا: تعاملوهم بالعدل.
عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة، في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟قال: "نعم، صلي أمك".(خ2620م1003)
راغبة: أي في الإسلام، وقيل: عنه، أي كارهة له .
وتصح الهبة بالإيجاب والقبول بأي صيغة تفيد تمليك المال بلا عوض.
ويشترط فى الواهب :
1- أن يكون مالكاً للموهوب.
2- أن لا يكون محجوراً عليه لسبب من أسباب الحجر.
3- أن يكون بالغاً لأن الصغير ناقص الأهلية.
4- أن يكون مختاراً ، لأن الهبة عقد يشترط فى صحته الرضا.
ويشترط فى الموهوب له :
أن يكون موجوداً حقيقة وقت الهبة.
ويشترط فى الموهوب:
1- أن يكون موجوداً حقيقة.
2- أن يكون مالاً متقوما.ً
3- أن يكون مملوكاً فى نفسه، فلا تصح هبة الماء فى النهر أو السمك فى البحر أو الطير فى الهواء ولا تصح هبة المساجد.
4- أن لا يكون متصلاً بملك الواهب اتصال قرار كالزرع والشجر والبناء دون الأرض ، بل يجب فصله وتسليمه للموهوب له0
5- أن يكون مفرزاً أي غير مشاع ، ولا يشترط هذا الشرط عند: مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور.(1/25)
ويحرم الرجوع فى الهبة ولو كانت بين الاخوة أو الزوجين إلا إذا كانت هبة الوالد لولده فإن له الرجوع فيها عند: الجمهور0
عن ابن عباس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"العائد في هبته كالكلب، يقئ ثم يعود في قيئه"0(خ 2589 م1622)
فى الحديث دلالة على تحريم الرجوع فى الهبة.
عن ابن عباس،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجلٍ أن يعطي عطيةً أو يهب هبةً فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده"0(ص د3539)
ويجوز الرجوع فى الهبة فى حالة ما إذا وهب ليتعوض من هبته ويثاب عليها فلم يفعل الموهوب له0
ما لا يرد من الهدايا والهبات:
عن ابن عمر قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث لا ترد: الوسائد والدهن واللبن"0
(ح ت2790)
الثناء على المهدي والدعاء له :
عن أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - َ قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ لاَ يَشْكُرِ النّاسَ لاَ يَشْكُرِ الله"0(ص ت1954)
عن جابِرٍ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَعْطَى عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، وَمَن لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ، فَإِنّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ، وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ تَحَلّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".(ص ت2034)
العُمْرَى
هي نوع من الهبة وهي أن يهب إنسان آخر شيئاً مدى عمره، أي إذا مات الموهوب له عاد الشيء للواهب ، ويكون ذلك بلفظ أعمرتك هذا الشيء أو هذه الدار، وقد أبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاسترداد بعد وفاة المعمر له وأثبت العمرى ملك يمين دائم للمعمر له ما دام حياً ، ثم بعد موته لورثته الذين يرثون أملاكه إن كان له ورثة ، فإن لم يكن له ورثة كانت لبيت المال ولا يعود الشيء إلى المعمر شئ منها قط0(1/26)
عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها. لا ترجع إلى الذي أعطاها. لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث". ( خ2625)
ولعقبه: العقب هم أولاد الإنسان ما تناسلوا.
عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها. فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها. حيا وميتا. ولعقبه" . ( م1625)
أمسكوا عليكم أموالكم: المراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكا تاما. لا يعود إلى الواهب أبدا. فإذا علموا ذلك، فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة. ومن شاء ترك. لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية، ويرجع فيها0
عن جابر قال: إنما العمرى التي أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها. (م 1625)
الرُقْبَى
هي أن يقول أحد الأشخاص لصاحبه : أرقبتك داري وجعلتها لك فى حياتك فإن مت قبلي رجعت إليّ وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك ، فكل واحد منهما يرقب موت صاحبه فتكون الدار التي جعلها رقبى لآخر من بقي منهما0
عن جابر قال: قال رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "العُمرى جائزةٌ لأهلِها. والرُّقبَى جائزةٌ لأهلِها"0 (ص د3558)
العمرى جائزة: أي صحيحة مستمرة، لمن أعمر له ولورثته من بعده.
والرُّقبَى جائزةٌ لأهلِها : أي لمن أرقب له.
عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قال قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ أعْمَرَ شَيْئاً فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ، وَلاَ تُرْقِبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئاً فَهُوَ سَبِيلُه"0 (ح د3559)
عن جَابِرٍ أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لاَ تُرْقِبُوا وَلاَ تُعْمِرُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئاً أوْ أُعْمِرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ"0(ص د3556)
النفقة(1/27)
النفقة: هي الشيء الذي يبذله الإنسان فيما يحتاجه هو أو غيره من الطعام والشراب وغيرهما0
1- نفقة الوالدين المعسرين واجبة على الولد متى كان واجداً لها:
عن عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عن عَمّتِهِ: أنّهَا سَألَتْ عَائِشَةَ: في حِجْرِي يَتِيمٌ أفآكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ فَقالَتْ قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ مِنْ أطْيَبِ مَا أكَلَ الرّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِه"0 (ص د3528)
وأما ما أخذ الوالدين من مال ابنهما أن يأخذا منه سواء أذن الولد أم لم يأذن ويجوز لهما أن يتصرفا فيه ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه0
عن جابر: أن رجلا قال: يا رسول اللّه إن لي مالا وولدا ، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: "أنت ومالك لأبيك"0(ص هـ2291)
اللام للإباحة لا للتمليك فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه.
عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ: أنّ رَجُلاً أتَى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إنّ لِيَ مَالاً وَوَلَداً، وَإنّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالِي. قالَ: "أنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إنّ أوْلاَدَكُمْ مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُم فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أوْلاَدِكُم"0 (ح د3530)
2- نفقه الوالد الموسر على ولده المعسر واجبة :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لاَ يُعْطِينِي مِنَ النّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيّ، إلاّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيك"0 (خ5364)(1/28)
3- نفقة الأقارب الموسرين على أقاربهم المعسرين واجبة من باب البر وصلة الرحم:
قال الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق:7) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدا بمن تعول"0(خ1426)
4- نفقة الحيوان :
يجب على الشخص أن ينفق على بهائمه وحيوانه ويقدم لها ما يقيم حياتها من طعام وشراب، فإن لم يفعل أجبره الحاكم على النفقة عليها أو على بيعها أو على ذبحها ، فإن لم يفعل تصرف الحاكم بما هو أصلح0
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار". قال: فقال والله أعلم: "لا أنت أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها، ولا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض".
( خ2365 م 2242)
في هرة: بسببها.
خشاش: حشرات وهوام الأرض.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له". قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر". ( خ2363 م 2244)
يلهث: يرتفع نفسه بين أضلاعه، أو يخرج لسانه، من شدة العطش.
الثرى: التراب الندي، وقيل: يعض الأرض.
وإن لنا في البهائم لأجرا: أيكون لنا في سقي البهائم والإحسان لها أجر.
في كل كبد رطبة أجر: معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي يسقيه، ونحوه أجر. وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده 0
الحجر(1/29)
الحجر: هو منع الإنسان من التصرف فى ماله ، وهو قسمان :
1- الحجر لحق الغير مثل: الحجر على المفلس فإنه يمنع من التصرف فى ماله محافظة على حقوق الغرماء.
2- الحجر لحفظ النفس مثل: الحجر على الصغير والسفيه والمجنون فإن فى الحجر على هؤلاء مصلحة تعود عليهم بخلاف المفلس0
القادر على الوفاء إن ماطل ولم يف بالدين حل أجله يعتبر ظالماً
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع" .(خ2287 م1564)
فالحديث يدل: على أن المطل مع الغنى كبيرة ويجب على الحاكم أن يأمره بالوفاء ، فإن أبى حبسه متى طلب الدائن ذلك
عن عَمْرِو بنِ الشّرِيدِ عن أبِيهِ عن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيّ الْوَاجِدِ يُحِلّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَه". (ح د3628)
عِرْضَهُ: يُغَلّظُ لَه.
عقُوبَتَه :ُ حْبَسَهُ.
من له مال ولكنه لا يفي بديونه فإنه يجب على الحاكم أن يحجر عليه متى طلب الغرماء أو بعضهم ذلك منه حتى لا يضربهم ، وله أن يبيع ماله إذا امتنع عن بيعه ويقع بيعه صحيحاً لأنه يقوم مقامه0
أما الميت المفلس فإنه يقضي لكل من حضر أو غاب طلب أو لم يطلب ولكل ذي دين سواء أكان الدين حالاً أم مؤجلاً ويقدم حق الله كالزكاة والكفارات على حق العباد0
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟. قال: "نعم فدين الله أحق أن يقضى".
(خ1953 م1148)
إذا وجد الرجل ماله عند المفلس فله عدة صور:
1- إذا وجد الرجل ماله عند المفلس فإنه أحق به من سائر الغرماء:
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أدرك ماله بعينه عند رجل، أو إنسان، قد أفلس فهو أحق به من غيره"0 ( خ 2402م 1559)
2- إذا تغير المال بالزيادة أو النقص فإنه ليس صاحبه أولى به بل يكون أسوة الغرماء ( أي مثل الغرماء).(1/30)
3- إذا باع المال وقبض بعض الثمن فإنه يكون أسوة الغرماء وليس له حق فى استرجاع المبيع عند: الجمهور.
4- إذا مات المشتري ولم يكن البائع قبض الثمن ثم وجد البائع ما باعه فهو أولى به0
الحجر على المفلس فى حالة ما إذا لم يتبين إعساره ، فإن تبين إعساره لا يحبس ولا يحجر عليه ولا يلازمه الغرماء بل ينظر إلى ميسره0
قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )(البقرة: من الآية280)
وإنظار المعسر ثوابه مضاعف :
عن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة ومن أنظره بعد حله كان له مثله في كل يوم صدقة". (حم5/360 صحيحة 86)
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه".
(خ 2078 م1562)
وإذا باع الحاكم مال المفلس من أجل غرمائه فيجب أن يترك له ما يقوم به معاشه من مسكن فلا تباع داره التي لا غنى له عنها، ويترك له من المال ما يستأجر به خادما يصلح لخدمه مثله ، وإن كان تاجراً يترك له ما يتجر به ، وإن كان محترفاً يترك له آلة الحرفة ، ويجب له ولمن تلزمه نفقتهم أدنى نفقة 0
ويحجر على السفيه البالغ لسفهه وسوء تصرفه:
قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)
(النساء: من الآية5)
دلت الآية على جواز الحجر على السفيه0
أفعال السفيه قبل الحجر عليه جائزة حتى يصدر الحكم عليه بالحجر ، فإذا صدر الحكم عليه بالحجر فإن تصرفه لا يصح لأن هذا هو مقتضى الحجر ، فلا ينعقد له بيع ولا شراء ولا وقف ولا يصح له إقرار0
من المستحب إظهار الحجر على السفيه والمفلس ليعلمها الناس فلا يخدعوا بها ويتعاملوا معهما على بصيرة.(1/31)
وكما يحجر على السفيه لسفهه فإنه يحجر على الصغير يمنع من تصرفه فى ماله صيانة من الضياع ولا يمكن منه إلا بشرطين :
الأول: أن يبلغ الحلم.
الثاني: أن يؤنس منه الرشد.
قال الله تعالى:(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)(النساء: من الآية6)
والبلوغ يثبت بظهور علامة من العلامات الآتية :
1- الإمناء :
قال الله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )(النور: من الآية59)
2- تمام خمس عشر سنة :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَال :عُرِضْتُ عَلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشرةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجْزِنِي. وَ عُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوِمَ الخَنْدَقِ وَأَنَا بْنُ خَنْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي. ( خ2664 م 1868)
3- نبات الشعر حول القبل :
والمقصود بالشعر الأسود المتجعد لا مطلق شعر فإنه موجود فى الأطفال
لا ينبت بالإنبات حكم عند : أبي حنيفة
4-الحيض والحمل بالنسبة للأنثى :
عن عَائشةَ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قال: "لا يَقْبَلُ الله صَلاَةَ حائِضٍ إِلاّ بِخِمار".
(ص د641)
أما الولاية على النفس فإنها تنقطع على الشخص بمجرد بلوغه عاقلاً وصيرورته مكلفاً 0
قال الله تعالى: ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً )(النساء: من الآية6)
قال مجاهد : العقل لا يدفع إلى اليتيم ماله وإن شمط حتى يؤنس منه رشد
شمط : كبر سنه.
والولاية على الصغير السفيه والمجنون تكون للأب ، فإن لم يكن الأب موجوداً انتقلت الولاية إلى الوصي لأنه نائبه، فإن لم يكن وصي انتقلت إلى الحاكم والجد والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم إلا بالوصية0(1/32)
الوصي هو الذي وكل إليه أمر المحجور عليه سواء أكان التوكيل من الأقارب أو من الحاكم ، ويجب أن يكون مشهوراً بالدين والعدالة والرشد سواء أكان رجلاً أم امرأة0
الواجب على الموصي أن يعمل فى مال اليتيم والمحجور عليه ما ينميه ويزيد فيه0
التنزه عن الولاية عند الضعف :
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال، قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم"0 ( م 1825)
الولي يأكل من مال اليتيم إذا كان فقيراً :
قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (النساء: من الآية6)
عن عائشة رضي الله عنها: في قوله تعالى: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}. أنها نزلت في والي اليتيم إذا كان فقيرا: أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف.( خ 4575 م 3019)
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير ليس لي شىء ولي يتيم، قال: فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرفٍ، ولا مبادر، ولا متأثِّل"ٍ0 (ح د 2872)
مبادر : أي مبادر كبر الأيتام وبلوغهم الحلم.
متأثل : أي جامع المال.
النفقة على الصغير :
قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء:5) وليس للوصي ولا للزوجة ولا للخازن أن يتصدقوا من المال إلا بإذن صاحب المال إلا أن يكون شيئاً لا يضر المال0
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها، غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا"0 ( خ 1425 م 1024)
الوصية(1/33)
هي هبة الإنسان غيره عيناً أو ديناً أو منفعة على أن يملك الموصي له الهبة بعد موت الموصي.
قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) والمراد أن يوصي لأقربيه وصية لا تجحف بورثته من غير إسراف ولا تقتير
وقال تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )(النساء: من الآية11)
الدين مقدم على الوصية بالإجماع ، وقدمت الوصية فى الآية للاهتمام بها لأنها تبرع0
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ )(المائدة: من الآية106)
عن ابن عمر:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده". ( خ 2738 م 1627)
معنى الحديث: ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده إذا كان له شئ يريد أن يوصي فيه لأنه لا يدري متى تأتيه منيته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك.
يريد أن يوصي : ما يدل على أن الوصية واجبة عليه وإنما ذلك عند إرادته وقد أجمع المسلمون على الأمر بها ، وإنما اختلفوا هل هي واجبة أم لا.
ليلتين : للتقريب لا للتحديد أي لا ينبغي أن يبيت زماناً وقد سامحناه فى الليلتين فى ينبغي أن يتجاوز ذلك. مكتوبة عنده : على جواز الاعتماد على الكتابة والخط وإن لم يقترن بشهادة0
عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء.( م 1635)
عن طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى؟ فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ قال أوصى بكتاب الله. ( خ 2740 م 1634)(1/34)
الوصية واجبة على كل من ترك مالاً سواء أكان قليلاً أم كثيراً عند : الزهري وابن حزم.
الوصية واجبة للوالدين والأقربين الذين لا يرثون عند : مسروق والطبري والزهري.
الوصية مندوبة فى القربات وللأقرباء الفقراء وللصالحين.
الوصية محرمة إذا كان فيها إضرار بالورثة أو أوصى بخمر أو ببناء كنيسة أو دار لهو.
الوصية مكروهة إذا كان الموصي قليل المال وله ورثة محتاجون ، وتكره لأهل الفسق والفجور.
الوصية مباحة إذا كانت لغني سواء أكان الموصي له قريباً أم بعيداً.
ركن الوصية :
الإيجاب من الموصي ، والإيجاب يكون بكل لفظ يصدر منه متى كان هذا اللفظ دالاً على التمليك المضاف إلى ما بعد الموت بغير عوض مثل: أوصيت لفلان بكذا بعد موتي أو وهبت له ذلك أو ملكته بعدي.
وكما لا تنعقد الوصية بالعبارة تنعقد كذلك بالإشارة المفهومة متى كان الموصي عاجزاً عن النطق كما يصح عقدها بالكتابة.
وتصح الوصية المضافة أو المعلقة بالشرط أو المقترنة به متى كان الشرط صحيحاً0
والشرط الصحيح : هو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصي له أو لغيرهما ولم يكن متهيأ عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة0
ومتى كان الشرط صحيحاً وجبت مراعاته ما دامت المصلحة منه قائمة
فإن زالت المصلحة المقصودة منه أو كان غير صحيح لم تجب مراعاته
ويشترط فى الوصية أن تقتضي موصياً وموصى له وموصى به.
ويشترط الموصي أن يكون أهلاً للتبرع بأن يكون كامل الأهلية ، وكمال الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية والاختبار وعدم الحجر لسفه أو غفلة ، فإن كان الموصي ناقص الأهلية بأن كان صغيراً أو مجنوناً أو عبداً أو مكروهاً أو محجوراً عليه فإن وصيته لا تصح.
ويستثنى من ذلك وصية الصغير المميز الخاصة بأمر تجهيزه وذمته ما دامت فى حدود المصلحة0(1/35)
ويستثنى وصية المحجور عليه للسفيه فى وجه من وجوه الخير مثل تعليم القرآن وبناء المساجد وإقامة المستشفيات، ثم إن كان له وارث وأجارها الورثة نفذت من كل ماله ، وكذا إذا لم يكن له وارث أصلاً.
ويشترط فى الموصي :
1- ألا يكون وارثاً للموصي.
عن أبي أُمامةَ قال: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَّ اللهَ قد أعطى كُلَّ ذي حقٍّ حقهُ فلا وصيَّةَ لوارثٍ". (ح د 2870)
2- إن من أوصي أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي إنها تصح وصيته ويفرقه الوصي فى سبيل الخير ولا يأكل منه شيئاً ولا يعطى منه وارثاً للميت عند : الجمهور.
3- أن لا يقتل الموصي له الموصي قتلا محرماً مباشراً وهو قول: أبي يوسف.
ويشترط فى الموصي به: أن يكون بعد موت الموصي قابلاً للتمليك بأي سبب من أسباب الملك ، فتصح الوصية بكل مال متقوم من الأعيان ومن المنافع ، وتصح الوصية بما يثمره شجرة وبما فى بطن بقرته لأنه يملك بالإرث فما دام وجوده محققاً وقت موت الموصي استحقه الموصي له0
وهذا بخلاف ما إذا أوصى بمعدوم ، وتصح الوصية بالدين وبالمنافع كالسكنى ونحوها.
ولا تصح بما ليس بمال كالميتة ، وما ليس متقوماً فى حق العاقدين كالخمر للمسلمين0
ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث بالإجماع.
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال: "يرحم الله ابن عفراء". قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال:" لا". قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: الثلث؟ قال: "فالثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك، وعسى الله أن يرفعك، فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون. ولم يكن له يومئذ إلا ابنة". (خ2742 م 1628)(1/36)
عن ابن عباس قال: لو غض الناس إلى الربع، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الثلث، والثلث كثير، أو كبير"0 ( خ2743 م 1629)
والثلث يحسب من جميع المال:
والمعتبر الثلث عند الموت عند: أبي حنيفة وأحمد والشافعي فى قول.
وتبطل الوصية بفقد شرط من شروطها كما تبطل أيضاً فى الحالات الآتية :
1- إذا جن الموصي جنوناً مطبقاً واتصل الجنون بالموت ، والجنون المطبق هو الذي يستمر شهراً وقيل سنة.
2- إذا مات الموصي له قبل موت الموصي .
3- إذا كان الموصي به معيناً وهلك قبل قبول الموصى له0(1/37)
الكتاب الثامن عشر
الفرائض
علم الفرائض : هو علم بقسمة المواريث بين مستحقيها0
موضوعه : التركات أي ما يخلفه الميت من أموال وحقوق0
ثمرته : إيصال كل وارث ما يستحقه من التركة0
حكمه : فرض كفاية.
والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع0
قال الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:11) عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألحقوا الفرائض بأهلها0 (خ6732 م1615)
وسبب نزول آية المواريث ما جاء عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال قال فقال يقضي الله في ذلك قال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن ما بقي فهو لك.
(ح هـ2720)
الترهيب من عدم تقسيم المواريث
إن الجاهلية ليست فترة ماضية من فترات التاريخ!(1/1)
لكنها كل منهج يستقى مادته وتصوراته وشرائعه وقوانينه وأوضاعه وتقاليده من مصادر أخرى غير مصدر الوحي! وقد أصبح واضحاً جلياً فى مجتمعاتنا الإسلامية عدم توريث النساء بل والضعفة من الرجال أيضاً ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا شك أن هذه عادة جاهلية وهضم للحقوق وتمرد على شريعة الملك الجبار0
الثمرات المريرة المترتبة على تضييع هذه الفريضة :
يقول الله تعالى فى الذين لا يورثون وفق شرعه من أهل الجاهلية ومن شاكلهم : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء:10) ومن لم يعط كل ذي حق حقه من الميراث فهو :
1- ظالم :
قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )(الطلاق: من الآية1)
2- تصيبه دعوة المظلوم 0
3- قاطع للرحم0
قال الله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد22-23) عن جبير بن مطعم : أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يدخل الجنة قاطع.
( خ5984 م2555)
4- من أصحاب الكبائر :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" ، وذكر منها: "وأكل مال اليتيم".( خ2766 م89)
الموبقات: المهلكات.
5- قد يقع فى الكفر:
إذا استحل ذلك أو كره حكم الله .
قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
(المائدة: من الآية44)
وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)(محمد:9)
6- سوء الخاتمة :
فإن عدم قبول حكم الله وقسمته دليل على أن فى القلب كبراً(1/2)
وإنما يظهر ذلك عند الموت ، فقد يسلب منه الإيمان ، ويحال بينه وبين الشهادة كما قال تعالى:(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) (سبأ:54) 7- ما يحدث عند الموت :
قال الله تعالى: ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام: من الآية93)
8- طول الحساب يوم القيامة :
قال الله تعالى: (كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ - وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ - وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً - وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً - كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً - وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً - وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى - يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي - فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ - وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) الفجر (17-20)
9- دخول النار :(1/3)
قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء 13-14) فيا أيها الغافل عن هذا الأمر العظيم الآكل لمال المرأة واليتيم قد آن لك أن ترد المظالم وتعطي الحقوق لأصحابها قبل القصاص والزن بالقسطاس وأن تقدم لحياتك الباقية ولا تؤثر عليها الحياة الدنيا الدانية قبل أن يهجم عليك الموت وقبل الندم عندما ترى ملك الموت وقد دخل عليك فتصرخ وتقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ! فيقال لك: كلا.
أخيراً ما هو السبيل ؟
1- التوبة النصوح بشروطها ورد المظالم لأهلها.
2- وجوب الوصية من الآن بتحكيم شرع الله فى تقسيم ميراثك لورثتك وتوصيتهم بتقوى الله.
3- إعلان البراءة منهم إن هم خالفوا أمر الله وحكموا الأهواء ومنعوا النساء والضعفاء.
الحقوق المتعلقة بالتركة
1- ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن.
2- الحقوق المتعلقة بعيني التركة كالذي فيه رهن.
3- الديون التي لا تتعلق بعين التركة كالديون التي فى ذمة الميت بلا رهن كالزكاة والكفارات وكالقرض والأجرة وثمن المبيع ونحوها0
4- ما أوصى به الميت فى الحد الذي تنفذ فيه الوصية وهو الثلث فأقل لغير وارث بعد قضاء الدين0
5- تقسيم ما بقى من ماله بين الورثة ، ويبدأ بذوي الفروض وما بقي فللعصبة0
6- الزكاة المفروضة إذا كانت عليه ولم يقم بصرفها0
أركان الميراث
الميراث يقتضي وجوب ثلاثة أشياء وهي :
الأول: المورث : وهو الميت سواء مات حقيقة أم مات حكماً ، والميت حكماً مثل المفقود الذي حكم بموته
الثاني: الوارث : وهو من قام بينه وبين المورث سبب من أسباب الإرث ، ولم يتحقق فيه مانع من موانع الإرث0(1/4)
الثالث: الموروث: وهو التركة أو الميراث ويقصد به كل ما تركه المورث من الأموال فى صورها المتعددة ، كما أنه يشمل الحقوق القابلة لأن تورث مثل حق حبس المرهون لتحصيل الدين0
أسباب الإرث
1- النسب الحقيقي :وهو قرابة الدم بسبب الولادة قريبة كانت أم بعيدة،وهي القرابة الحقيقية لقوله تعالى: ( وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ)(لأنفال: من الآية75)
2- الزواج الصحيح : ولو دون دخول ولا خلوة ، ولا توارث بعقد الزواج غير الصحيح ولو حدث بعده دخول ، قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) (النساء: من الآية12)
3- النسب الحكمي ( الولاء ) : وهو القرابة الحاصلة بسبب العتق
عَنْ عبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر رَضيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "الوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسبِ". (ك4/341 ص غليل1668)
شروط الإرث
شروط الإرث ثلاثة :
1- تحقق موت المورث حقيقة أو حكماً كأن يحكم القاضي بموت المفقود.
2- تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ولو حكماً :
كالحمل بعد نفخ الروح فيه ، فإذا لم تعلم حياة الوارث بعد موت المورث كالغرقى والحرقى والهدمى فإنه لا توارث بينهم ويقسم مال كل منهم على ورثته الأحياء0
3- ألا يوجد مانع من موانع الإرث وهي أربعة :
1- الّرق :
هو وصف يكون به الإنسان مملوكاً يباع ويوهب ويورث0
فلا يرث الرقيق لأنه وما يملكه ملك لسيده ، سواءً أكان هذا الرق تاماً أم ناقصاً.
2- القتل العمد المحرم :
فإذا قتل الوارث مورثه ظلماً فإنه لا يرث اتفاقاً
عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الْقَاتِلُ لاَ يَرِث"0 (ص هـ2735)
3- اختلاف الدين :
فلا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم ، ولا يتوارث أبناء الملل الأخرى فيما بينهم على الراجح.(1/5)
عن أسامة بن زيد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"0 (خ6764 م1614)
4-اختلاف الدارين :
أي الوطن ، والمراد اختلاف الجنسية0
واختلاف الدارين لا يكون مانعاً من التوارث بين المسلمين مهما بعدت الديار ، وأما اختلاف الدارين بين غير المسلمين فهو لا يمنع من التوارث عند الجمهور0
المستحقون للتركة
الاستحقاق بالإرث:
أ- أصحاب الفروض.
ب- العصبة.
ج- الرد على ذوو الفروض أو أحد الزوجين.
د- ذوو الأرحام.
الاستحقاق بغير الإرث:
أ- المقر له بالنسب على الغير.
ب- الموصي له بجميع المال أو بأكثر من الثلث.
ج- بيت المال.
الاستحقاق بالإرث:
أ- أصحاب الفروض :
أصحاب الفروض : كل وارث له نصيب مقدر وفرض محدد من الفروض المعينة التي جاءت فى القرآن الكريم وهي ستة :
وأصحاب الفروض اثنا عشر وهم :
أربعة ذكور: الأب ، والجد الصحيح ، وإن علا، والأخ لأم والزوج 0
وثمان إناث: الأم، والجدة الصحيحة وإن علت، والأخت لأم ، والزوجة، والبنت ، والأخت الشقيقة ، والأخت لأب ، وبنت الابن0
1- أحوال الأب :
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ )(النساء: من الآية11)
للأب ثلاثة أحوال :
أ- حالة يرث فيها بطريق الفرض إذا كان معه فرع وارث مذكر منفرداً أو مع غيره وفى هذه الحالة فرضه السدس0
ب- حالة يرث فيها بطريق التعصيب إذا لم يكن مع الميت فرع وارث مذكراً كان أم مؤنثاً فيأخذ كل التركة إذا انفرد أو الباقي من أصحاب الفروض إن كان معه أحد منهم0
ج- حالة يرث فيها بطريق الفرض والتعصيب معاً وذلك إذا كان معه فرع وارث مؤنث وفى هذه الحال يأخذ السدس فرضاً ثم يأخذ الباقي بعد أصحاب الفروض تعصيباً0
أمثلة : هلك هالك عن أب وابن ؟
- للأب: السدس ، والباقي للابن0(1/6)
هلك هالك عن أب وأم ؟
- للأم: الثلث ، والباقي للأب0
هلك عن بنت وأب ؟
- للبنت النصف وللأب السدس فرضاً والباقي تعصيباً.
2- أحوال الجد الصحيح
وهو الذي يمكن نسبته إلى الميت بدون دخول أنثى ، مثل أب الأب0
أما الجد الفاسد: فهو الذي بينه وبين الميت أنثى كأب الأم.
وارث الجد ثابت بالإجماع.
عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنّ ابْنِي مَاتَ فَمَالِي مِنْ ميراثِهِ؟ فَقَالَ: لَكَ السّدُسُ، فلما وَلّى دعَاهُ فقالَ: لَكَ سُدُسٌ آخر، فلمّا وَلىّ دَعَاهُ قالَ: إنّ السّدُسَ الاَخَر طُعْمَة . (ص حم1973)
ويسقط الجد الصحيح بالأب عند وجوده ، ويقوم مقامه عند فقده إلا فى مسائل وهي:
أ- (أم الأب) لا ترث عند وجود الأب لأنها تدلى به لكنها ترث مع الجد0
ب- إذا ترك الميت أبوين وأحد الزوجين فللأم ثلث الجميع وهذه تسمى بالمسألة العُمَرية لقضاء عمر فيها ، وتسمى أيضا بالغرائية لشهرتها بالكوكب الأغر.
ج- إذا وجد الأب حجب الأخوة والأخوات الأشقاء أو الأب
أما الجد فإنهم لا يحجبون به وهو مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد0
ويحجبون بالجد كما يحجبون بالأب عند: أبي حنيفة رحمة الله.
أمثلة على ميراث الجد :
1- مات شخص عن ابن وبنت وجد صحيح ؟
- الجد: السدس فرضاً ، والابن والبنت الباقي تعصيباً للذكر ضعف الأنثى.
2- مات شخص عن بنت وجد صحيح وأخ لأم وأم أب وأم أب أب ؟
- البنت: النصف ، والجد الصحيح: السدس فرضاً والباقي تعصيباً ، الأخ لأم محجوب بالجد ، أم الأب ، أم أب الأب محجوبة بأم الأب ومحجوبة بالجد0
3- ماتت زوجة عن زوج وأم وجد ؟
- الزوج: النصف ، والأم: الثلث ، والجد الباقي تعصيباً0
3- الأخ لأم :
4- والأخت لأم :(1/7)
قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)
(النساء: من الآية12)
فالكلالة : من لا والد ولا ولد ، ولا ذكراً أو أنثى.
والمقصود بالأخ والأخت هنا: الإخوة لأم ويتبين من الآية أن لهم أحوالاً ثلاثة :
1- السدس للشخص الواحد سواء أكان ذكراً أم أنثى0
2- أن الثلث للاثنين فأكثر يستوي فيه الذكور والإناث0
3- لا يرثون شيئا مع الفرع كالولد وولد الابن ولا مع الأصل الوارث المذكر كالأب والجد فلا يحجبون بالأم أو الجدة0
أمثلة على ميراث الاخوة لأم الأخوات لأم :
1- مات عن أب وأخ من أم ؟
- المال للأب ولا شئ للأخ من الأم.
2- توفى عن بنت وأخ لأم وعم ؟
- البنت : النصف ، والباقي للعم ولا شئ للأخ لأم.
3- هلك عن أم وأخ لأم وأخت لأم وأخ شقيق؟
- للأم: السدس ، ولولدي الأم : الثلث بالتسوية بين الذكر والأنثى والباقي للشقيق.
4- ماتت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم وأخ لأب ؟
- للزوج : النصف ، والأم : السدس ، الأخوين لأم : الثلث
والأخ لأب : الباقي.
5- ماتت امرأة عن زوج وأم وأخوة لأم وأخوة أشقاء ؟
- الزوج : النصف ، والأم : السدس ، والأخوة لأم : الثلث ، والأخوة الأشقاء: الباقي- ولم يبق شئ . (وعندئذٍ فيشترك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث).
تسمى بالمسألة المشتركة أو الحمارية أو الحجرية أو اليمية ( من اليم)حيث قال الأخوة: هب أن أبانا حجراً أو حماراً أفلا نرث بالأم التي ورثوا بها أخوتنا لأمنا فأشركهم مع الأخوة لأم فى الثلث.
5- الزوج
قال الله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)(النساء: من الآية12)
ذكرت هذه الآية أن للزوج حالتين :
الحالة الأولى :(1/8)
يرث النصف عند عدم وجود فرع وارث للزوجة وهو الابن وإن نزل والبنت وبنت الابن وإن نزل أبوها ، سواء كان منه أَمْ من غيره 0
الحالة الثانية :
يرث الربع عند وجود فرع وارث للزوجة منه أو من غيره.
أما الفرع غير الوارث كبنت البنت فإنها لا تنقص الزوج ولا الزوجة0
أمثلة على ميراث الزوج:
1- توفيت امرأة عن زوج وأختين وأخ شقيق ؟
- الزوج : النصف ، الأختان والأخ الشقيق : الباقي تعصيباً للذكر ضعف الأنثى.
2- توفيت زوجة عن زوج وأم وبنت وبنتي ابن وابن ابن :
- الزوج: الربع ، والأم : السدس ، والبنت : النصف ، وبنتي ابن وابن ابن: الباقي للذكر ضعف الأنثي.
6- الزوجة
قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)(النساء: من الآية12)
بينت الآية الكريمة أن للزوجة حالتين :
الحالة الأولى : استحقاق الربع عند عدم وجود فرع وارث سواء كان منها أم من غيرها0
الحالة الثانية : استحقاق الثمن عند وجود فرع وارث كالسابق0
وإذا تعددت الزوجات اقتسمن الربع أو الثمن بينهن بالتسوية0
الزوجة المطلقة :
الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً ترث من زوجها إذا مات قبل انتهاء عدتها0
ويرى الحنابلة توريث المطلقة قبل الدخول والخلوة من مطلقها فى مرض الموت إذا مات فى مرضه ما لم تتزوج وكذلك بعد الخلوة ما لم تتزوج وعليها عدة الوفاة0
أمثلة على ميراث الزوجة:
1- مات رجل عن زوجة وابن بنت وعم شقيق ؟
- الزوجة: الربع فرضاً ، وابن البنت: لا يرث لأنه من ذوي الأرحام العم الشقيق: الباقي تعصيباً.
2- توفى زوج عن زوجة وبنت ابن وأب وأم ؟
- الزوجة : الثمن فرضاً ، وبنت الابن: النصف فرضاً ، والأب: السدس ، ولأم : السدس.
7- البنت الصلبية(1/9)
قال الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ )
(النساء: من الآية11)
أفادت الآية أن البنت الصلبية لها ثلاث أحوال :
الحالة الأولى :
لها النصف إذا كانت واحدة.
الحالة الثانية :
الثلثان للاثنتين فأكثر إذا لم يكن معهن ابن أو أكثر.
الحالة الثالثة :
أن ترث بالتعصيب إذا كان معها ابن (أخوها) أو أكثر فيكون الإرث بالتعصيب ويكون للذكر ضعف الأنثى وكذلك الحال عند تعددها أو تعدده0
أمثلة على ميراث البنت :
1- مات وترك بنتاً وعماً ؟
- للبنت : النصف ، والعم : الباقي.
2- مات وترك بنتين وأب ؟
- البنتان: الثلثان ، والأب: السدس فرضاً والباقي تعصيباً.
3- مات وترك بنتاً وابناً ؟
- المال بينهما الذكر ضعف الأنثى.
4- مات وترك زوجة وبنت وبنت ابن وابن ابن ابن ؟
- للزوجة : الثمن لوجود فرع وارث ، والبنت: النصف لانفرادها ، بنت الابن وابن ابن الابن : الباقي تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين.
8- الأخت الشقيقة
قال الله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) (النساء: من الآية176)
للأخت الشقيقة خمسة أحوال :
1- النصف : للواحدة المنفردة إن لم يكن معها ولد ولا ولد ابن ولا أب ولا جد ولا أخ شقيق0
2- الثلثان: للاثنتين فصاعداً عند عدم من ذكر0
3- إذا وجد معهن أخ شقيق مع عدم وجود من تقدم ذكره فإنه يعصبهن ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين0(1/10)
4- يصرن عصبة مع البنات أو بنات الابن فيأخذن الباقي بعد نصيب البنات أو بنات الابن ، كما قيل: (اجعلوا الأخوات مع البنات عصبات)
5- يسقطن بالفرع الوارث المذكر كالابن وابنه وبالأصل الوارث المذكر كالأب0
أمثلة على ميراث الأخت الشقيقة :
1- هلك عن أخت شقيقة وعم ؟
- الأخت الشقيقة: النصف ، والعم : الباقي.
2- هلك عن أختين شقيقتين وعم ؟
- للأختين : الثلثان ، والعم : الباقي.
3- هلك عن أخت شقيقة وابن ؟
- الابن : جميع المال ، والأخت : لا شئ.
4- هلك عن بنت وأخت شقيقة ؟
- للبنت : النصف ، والأخت : الباقي تعصيباً.
5- هلك عن أب وأخت شقيقة ؟
- الأب : المال كله ، والأخت : لا شئ.
6- هلك عن جد وأخت شقيقة ؟
- للجد : المال كله ، والأخت : لا شئ.
7- هلك عن أخت شقيقة وأخ شقيق ؟
- المال بينهما للذكر ضعف الأنثى.
8- مات شخص عن أخت شقيقة وأخت لأب وجد ؟
- الأخت الشقيقة : النصف ، والأخت لأب : السدس ، والجد : الباقي.
9- مات شخص عن زوجة وأم وأخوة لأم وأخت شقيقة وأخ شقيق ؟
- للأم : السدس ، والزوجة : الربع ، والأخوة لأم : الثلث ، والأشقاء : الباقي تعصيباً.
10- مات شخص عن زوجة وبنتين وأم وأم أب وأخت شقيقة :
- للزوجة : الثمن ، والبنتان : الثلثان ، والأم : السدس ، وأم الأب : محجوبة ، و الأخت : الباقي.
9- الأخت لأب
الأخوات لأب لهن أحوال ستة :
1- النصف للواحدة المنفردة عن مثلها وعن الأخ لأب وعن الأخت الشقيقة.
2- الثلثان للاثنتين فصاعداً .
3- السدس مع الأخت الشقيقة المنفردة تكملة للثلثين.
4- أن يرثن بالتعصيب بالغير إذا كان مع الواحدة أو الأكثر أخ لأب فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
5- يرثن بالتعصيب مع الغير إذا كان مع الواحدة أو الأكثر بنت أو بنت ابن ويكون لهن الباقي بعد فرض البنت أو بنت الابن.
6- سقوطهن بمن يأتي :
أ- بالأصل أو الفرع الوارث المذكر
ب- بالأخ الشقيق(1/11)
ج- بالأخت الشقيقة إذا صارت عصبة مع البنت أو بنت الابن لأنها فى هذه الحالة تقوم مقام الأخ الشقيق ولذا تقدم على الأخ لأب والأخت لأب عندما تصير عصبة بالغير0
د- بالأختين الشقيقتين إلا إذا كان معهن فى درجتين أخ لأب فيعصبهن فيكون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين0
أمثلة على ميراث الأخت لأب :
1- مات شخص وترك أختين شقيقتين وأخوات لأب وأخ لأب ؟
- للشقيقتين : الثلثان ، والباقي يقسم بين الأخوات لأب والأخ لأب : الذكر ضعف الأنثى.
2- مات شخص عن أم وأخ لأم وأختين لأب ؟
- الأم : السدس ، والأخ لأم : السدس ، والأختان لأب : الثلثان.
3- مات شخص عن أخت شقيقة وأخت لأب وعم شقيق ؟
- الأخت الشقيقة : النصف ، والأخت لأب : السدس ، والعم : الباقي.
4- مات عن أختين شقيقتين وأخت لأب وأخ لأب ؟
- الشقيقتان : الثلثان ، والأخت لأب والأخ لأب: الباقي تعصيباً.
5- مات عن بنت ابن وأخت شقيقة وأخت لأب ؟
- بنت الابن : النصف ، والأخت الشقيقة: الباقي تعصيباً ، والأخت لأب: لا شئ.
10- بنت الابن:
قال الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ )(النساء: من الآية11)
تشمل أولاد الأبناء مهما نزلوا ذكوراً أو إناثاً.
بنت الابن : هي كل بنت تنتسب إلى المتوفى بطريق الابن مهما نزلت درجة أبيها.
فتشمل بنت الابن ، وبنت ابن الابن مهما نزل.
ولها ست حالات :
الأولى : أن ترث النصف فرضاً إذا كانت واحدة ولا يوجد من يعصبها0
الثانية : أن ترث بنات الابن الثلثين فرضاً إذا تعددن ولا يوجد من يعصبهن0
الثالثة : أن ترث بطريق التعصيب إذا كان معها من يعصبها وهو ابن الابن سواء كان أخاها أو ابن عمها.
الرابعة : أن ترث السدس فرضاً سواء كانت واحدة أو أكثر بشرط ألا يوجد من يعصبها0
الخامسة : لا يبقى لها شئ إذا وجد معها اثنتان فأكثر من الصلبيات أو من بنات الابن الأعلى درجة.
السادسة : لا ترث إذا وجد معها الابن أو ابن الابن الأعلى درجة 0(1/12)
أمثلة على ميراث بنت الابن:
1- توفيت امرأة عن زوج وبنت ابن ، وبنت ابن ابن ، وابن ابن ابن ابن ؟
- الزوج : الربع ، وبنت الابن : النصف ، وبنت ابن الابن : السدس والأخير : الباقي.
2- مات شخص عن بنتي ابن وعم شقيق ؟
- بنتا الابن : الثلثان ، والعم : الباقي.
3- مات رجل عن بنت ابن وابن ابن وبنت ابن ابن وزوجة وأب وأم ؟
- الزوجة : الثمن ، والأم : السدس ، والأب : السدس ، وبنت الابن وابن الابن: الباقي. (وبنت ابن الابن محجوبة بابن الابن)
4- مات عن شخص عن بنتين وبنت ابن وابن ابن ؟
- البنتان: الثلثان فرضاً ، وبنت الابن وابن الابن : الباقي تعصيباً.
5- ماتت امرأة عن زوج وابن وبنت ابن وأب ؟
- الزوج : الربع ، والأب : السدس ، وبنت الابن : لا شئ لها لوجود الابن الابن : الباقي تعصيباً.
6- مات عن بنت وبنت ابن وابن ابن ابن وبنت ابن ابن ؟
- البنت : النصف ، وبنت الابن : السدس ، وابن ابن الابن وبنت ابن الابن: الباقي تعصيباً.
11- الأم
قال الله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(النساء: من الآية11)
للأم ثلاث حالات :
1- السدس إذا كان معها ولد أو ولد ابن أو اثنان فأكثر من الأخوة أو الأخوات مطلقاً من أي جهة كانوا0
2- الثلث: إذا لم يوجد أحد ممن تقدم ذكرهم0
3- ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين وذلك إذا تحضر الميراث فى الأم والأب وأحد الزوجين ، ولم يوجد جمع من الأخوة تسمى (الغرائية )0
أمثلة على ميراث الأم
1- مات شخص عن ابن وأب وأم ؟
- الأب : السدس ، والأم : السدس ، والابن : الباقي.
2- توفيت امرأة عن زوج وأم وجد ؟
- الزوج : النصف ، والأم : الثلث ، والجد : السدس.
3- مات رجل عن أب وأم وزوجة وابن ؟(1/13)
- الأب : السدس ، والأم : السدس ، والزوجة : الثمن ، والابن: الباقي.
4- مات عن أم وأب ؟
- الأم : الثلث ، والأب : الباقي.
5- هلك عن أم وأخوين لأب ؟
- الأم : السدس لوجود عدد من الأخوة ، والأخوان لأب : الباقي.
12- الجدة الصحيحة:
الجدة الصحيحة : هي التي لا يتخلل نسبتها إلى الميت جد فاسد0
والجد الفاسد : هو من تخلل بينه وبين الميت أنثى كأب الأم0
الجدة الصحيحة مثل: أم الأم ، وأم الأب ، وأم أم الأم ، وأم أم الأب ، وأم أب الأب0
عن ابن بريدة عن أبيه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جعل للجدَّة السدس، إذا لم تكن دونها أمّ0 (د2895)
للجدات الصيحات ثلاث حالات :
1- السدس : للواحدة وتشترك فيه الأكثر بشرط التساوي فى الدرجة كأم الأم وأم الأب0
2- القريبة من الجدات تحجب البعيدة من أي جهة كأم الأم تحجب أم أم الأم ، وتحجب أيضاً أم أب الأب0
3- الجدات من أي جهة يسقطن بالأم وتسقط من كانت من جهة الأب به ولا تسقط به من كانت من جهة الأم وتحجب الجد أيضاً أمه لأنها تدلى به0
أمثلة على ميراث الجدة الصحيحة
1- هلك عن أم أم وأم أب وعم ؟
- للجدتين: السدس بالسوية ، وللعم : الباقي تعصيباً.
2- هلك عن أم أم أم وأم أب وعم ؟
- لأم الأب: السدس ، والباقي : للعم.
3- هلك عن جدة هي (أم أم أمه، وأم أم أبيه ) وأم أبى أبيه وعم ؟
- الأولى : ثلثا السدس ، والثانية : ثلث السدس ، والباقي : للعم.
4- توفيت امرأة عن زوج وهو ابن عمها وبنت وأم وأم أب وأم أم أم ؟
- الزوج : الربع ، والأم : السدس ، والبنت: النصف ، والجدات : تحجب بالأم.
5- مات شخص عن جد (أب أب) وأم أب ؟
- الجدة : السدس ، والجد : الباقي تعصيباً.
6- مات شخص عن ابن ، أم أم، وأم أم لأم ، أم أم الأب ؟
- أم الأم : السدس ، والابن : الباقي تعصيباً .(والباقي محجوبات بالجدة القربى منهن).
الوارثون من الرجال:
خمسة عشر وهم :(1/14)
الابن ، وابن الابن وإن نزل، والأب ، والجد (أبو الأب ) وإن علا ، والأخ الشقيق ، والأخ لأب، والأخ لأم، وابن الأخ الشقيق ، وابن الأخ لأب ، العم الشقيق ، والعم لأب ، وابن العم الشقيق ، وابن العم لأب، والزوج ، والمعتق0
الوارثات من النساء
عشر و هن :
البنت، وبنت الابن ، وإن نزل أبوها ، والأم ، والأم ، والجدة لأم ، والجدة لأب ، إن علتا، والأخت الشقيقة ، والأخت لأب ، والأخت لأم، والزوجة، والمعتقة.
أصناف الوارثين
1- صنف يرث بالفرض وهم سبعة :
الزوج ، والزوجة ، والأخ لأم ، والأخت لأم ، والأم ، والجدة لأم ، والجدة لأب0
2- صنف يرث بالتعصيب وهم اثنا عشر :
الابن ، وابن الابن ، وإن نزل، والأخ الشقيق وابنه، والأخ لأب وابنه، والعم الشقيق وابنه ، والعم لأب وابنه، والمعتق والمعتقة 0
3- صنف يجمع بين الفرض والتعصيب وهم ستة :
الأب والجد ( أبو الأب ) وإن علا والبنت وبنت الابن وإن نزلت ، والأخت الشقيقة ، والأخت لأب.
ب- العصبة
العصبة : هم بنو الرجل وقرابته لأبيه ، وهم الذين يستحقون التركة كلها إذا لم يوجد من أصحاب الفروض أحد0
العاصب: من لم يرث بلا تقدير فإذا انفرد أخذ جميع المال، وإن كان معه صاحب فرض أخذ الباقي وإن استغرقت التركة سقط0
عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". (خ6732 م1615)
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}. فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا، أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه"0 (خ2399 م1619)
والعصبة قسمان : نسبية وسببية :
والنسبية ثلاثة أصناف : عصبة بنفسه، وعصبة بغيره ، وعصبة مع غيره0
1- العصبة بالنفس : كل ذكر لا يدخل فى نسبته إلى الميت أنثى وهي أربعة أصناف :
أ- البنوة : وتسمى جزء الميت.(1/15)
ب- الأبوة : وتسمى أصل الميت.
ج- الأخوة : وتسمى جزء أبيه.
د- العمومة : وتسمى جزء الجد.
2- العصبة بالغير: هي الأنثى التي يكون فرضها النصف فى حالة الانفراد والثلثين إذا كانت معها أخت لها فأكثر فإذا كان معها أو معهن أخ صار الجميع حينئذ عصبة به وهن أربع :
أ- البنت أو البنات.
ب- بنت الابن أو بنات الابن.
ج- الأخت الشقيقة أو الأخوات الشقيقات.
د- الأخت لأب أو الأخوات لأب.
فلكل صنف من هذه الأصناف الأربعة يكون عصبة بغيره وهو الأخ ويكون الإرث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين0
أما من لا فرض لها من النساء عند عدم أخيها العاصب لا تصير عصبة به عند وجوده فلو مات شخص عن عم وعمة.
فالمال كله للعم دون العمة ولا تصير العمة عصبة بأخيها لأنها عند فقده لا فرض لها،ومثل هذا ابن الأخ مع بنت الأخت.
3- العصبة مع الغير: كل أنثى تحتاج فى كونها عاصبة إلى أنثى أخرى وتنحصر العصبة مع الغير فى اثنتين فقط من الإناث وهي:
أ- الأخت الشقيقة أو الأخوات الشقيقات مع البنت أو بنت الابن0
ب- الأخت لأب أو الأخوات لأب مع البنت أو بنت الابن ويكون لهن الباقي من التركة بعد الفرض0
كيفية توريث العصبة بالنفس :
علمنا فيما مضى أن العصبة بالنفس أصناف أربعة وترث حسب الترتيب الآتي :
1- البنوة وتشمل الأبناء وأبناء الابن وإن نزل0
2- فإن لم توجد جهة البنوة انتقلت التركة أو ما يتبقى منها إلى جهة الأبوة وتشمل الأب والجد الصحيح وإن علا0
3- فإن لم يكن أحد من جهة الأبوة حياً استحق التركة أو ما بقي منها الأخوة وتشمل الأخوة لأبوين والأخوة لأب وأبناء الأخ لأبوين وأبناء الأخ لأب وإن نزل كل منهما0
4- فإذا لم يكن أحد من هذه الجهة حياً انتقلت التركة أو الباقي منها إلى جهة العمومة من غير فرق بين عمومة الميت نفسه أو عمومة أبيه أو جده إلا أن عمومة الميت نفسه تقدم على عمومة أبيه وعمومة أبيه تقدم على عمومة جده وهكذا0(1/16)
فإن وجد أشخاص متعددون من مرتبة واحدة كان أحقهم بالإرث أقربهم إلى الميت ، وإن وجد أشخاص متعددون تساوت نسبتهم إلى الميت0
من حيث الجهة والدرجة كان أحقهم بالإرث أقواهم قرابة ، فإذا ترك الميت أشخاصاً متساوين فى نسبتهم إليه من حيث الجهة والدرجة والقوة استحقوا على السواء بحسب رءوسهم0
العصبة السببية :
العاصب السببي هو المولى المعتق ذكراً أم أنثى ، فإذا لم يوجد المعتق فالميراث لعصبته الذكور0
أمثلة للعصبة بالنفس :
1- توفى رجل عن زوجة وابن ؟
- الزوجة : الثمن لوجود الفرع الوارث ، والابن : الباقي تعصيباً (عصبة النفس).
2- توفيت امرأة عن زوج وأخ لأب وأخت شقيقة ؟
- الزوج : النصف ، والأخت : النصف ، والأخ لأب : سقط لأنه عصبة ولم يبق له شئ.
3- توفى رجل عن أخ شقيق وعم شقيق ؟
- الأخ الشقيق: التركة كلها لأنه عصبة بنفسه ولا يوجد صاحب فرض ، العم الشقيق: محجوب بالأخ الشقيق.
أمثلة للعصبة بالغير:
توفيت امرأة وتركت زوجاً وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن وابن ابن ؟
- الزوج : الربع ، والأب: السدس ، والأم : السدس ، والبنت: النصف
ولا شئ لبنت الابن وابن الابن وهنا حرمت بنت الابن لوجود أخيها،(ويسمي بالأخ المشئوم).
أمثلة للعصبة مع الغير:
1- توفى رجل عن بنت وأخت شقيقة :
- البنت : النصف ، والأخت الشقيقة: الباقي تعصيباً .
2- توفى عن بنت وبنت ابن وأخت شقيقة وأخت لأب ؟
- البنت : النصف ، وبنت الابن : السدس ، والأخت الشقيقة : الباقي تعصيباً ، الأخ لأب : لا شئ.
الحجب والحرمان
الحجب : منع شخص معين من ميراثه كله أو بعضه لوجود شخص آخر0
الحرمان : منع شخص معين من ميراثه بسبب تحقق مانع من موانع الإرث كالقتل ونحوه من الموانع0
والحجب نوعان :
أ- حجب نقصان : وهو نقص ميراث أحد الورثة لوجود غيره ويكون لخمسة أشخاص :
1- الزوج : ويحجب من النصف إلى الربع عند وجود الفرع الوارث0
2- الزوجة : وتحجب من الربع إلى الثمن عند وجود الفرع الوارث0(1/17)
3- الأم : وتحجب من الثلث إلى السدس لوجود الفرع الوارث أو الأخوة.
4- بنت الابن : وتحجب من النصف إلى السدس بوجود بنت واحدة أو بنت ابن أعلى درجة منها.
5- الأخت لأب : وتحجب من النصف إلى السدس بالأخت الشقيقة0
ب- حجب حرمان : وهو منع جميع الميراث عن شخص لوجود غيره كمنع ميراث الأخ عند وجود الابن.
وهذا النوع لا يدخل فى ميراث ستة من الوارثين وإن جاز أن يحجبوا حجب نقصان وهم :
1 ، 2 : الأبوان : الأب والأم 0
3 ، 4 : الولدان : الابن والبنت 0
5 ، 6 : الزوجان : الزوج والزوجة 0
ويدخل حجب الحرمان فيما عدا هؤلاء من الورثة.
والحجب حرماناً قائم على أساسين :
1- أن كل من ينتمي إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص كابن الابن فإنه لا يرث مع وجود الابن سوى أولاد الأم فإنهم يرثون معها مع أنهم ينتمون إلى الميت بها0
2- يقدم الأقرب على الأبعد فالابن يحجب ابن أخيه فإن تساووا فى الدرجة يرجح بقوة القرابة كالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب0
الفرق بين المحروم والمحجوب
وذلك فى أمرين :
1- المحروم ليس أهلا للإرث أصلاً كالقاتل ، بخلاف المحجوب فإنه أهل للإرث ، ولكنه حجب لوجود شخص آخر أولى منه بالميراث0
2- المحروم لا يؤثر فى غيره فلا يحجب غيره أصلاً ، بل يجعل كالمعدوم فإذا مات شخص عن ابن كافر وأخ مسلم فالميراث كله للأخ ولا شئ للابن ، أما المحجوب فإنه قد يؤثر فى غيره فيحجبه سواء كان حجب حرمان أم نقصان 0
فالاثنان فأكثر من الأخوة مع وجود الأب والأم لا يرثان لوجود الأب ولكنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس0
تطبيق حالات الحجب على أصحاب الفروض
1- الزوج : يحجب حجب نقصان من النصف إلى الربع بالفرع الوارث للزوجة.
2- الزوجة : تحجب حجب نقصان من الربع إلى الثمن بالفرع الوارث للزوج.
3- البنت : لا تحجب حجب نقصان ولا حرمان0(1/18)
4- بنت الابن : تحجب حجب حرمان بالفرع الوارث للميت ، وتحجب حجب نقصان من النصف إلى السدس بوجود بنت واحدة أو بنت ابن أعلى درجة منها0
5- الأب : لا يحجب حجب حرمان ولا نقصان0
6- الأم : لا تحجب حجب حرمان وإنما تحجب حجب نقصان من الثلث إلى السدس بوجود الفرع الوارث أو الإخوة الاثنين فأكثر0
7- الجد الصحيح : يحجب حجب حرمان بالأب وبالجد الصحيح الأقرب منه.
8- الجدة الصحيحة : تحجب حجب حرمان بالأم ، وكذلك الأب والجد الصحيح يحجبان الجدة من جهتهما.
9- الأخت الشقيقة : تحجب حجب حرمان سواء كان معها أخوها أو لم يكن -بالابن وابن الابن والأب والجد0
10- الأخت لأب : تحجب حجب نقصان من النصف إلى السدس بالأخت الشقيقة ، وحجب حرمان بالأصل أو الفرع الوارث المذكر وبالأخ الشقيق وبالأخت الشقيقة التي هي عصبة مع الغير وبالأختين والشقيقتين إلا إذا كان معها أخوها فيعصبها0
11- الأخ لأم : يحجب حجب حرمان بالفرع الوارث وبالأب والجد0
12- الأخت لأم : تحجب أيضاً كالأخ لأم.
أمثلة على الحجب :
1- توفى شخص عن : أب وأم أب ، وأم أم أم ؟
- الأب له كل التركة ، ولا شئ للآخرين0
2- توفى شخص عن أب وأم وأخوين شقيقين ؟
- الأم السدس فرضاً لوجود الأخوين الشقيقين ، والأب : الباقي تعصيباً0
وبذلك حجب الأخوان الأم من الثلث إلى السدس مع أنهما محجوبان بالأب0
3- توفى عن زوجة وأب وابن وجد وأخوين شقيقين وعم لأب ؟
- الجد محجوب بالأب ، والأخوان والعم : محجوبون بالأب وبالابن أيضاً والزوجة : الثمن ، والأب : السدس ، والابن: الباقي تعصيباً.
4- توفيت عن زوج وأم وأخ وجدة وأخ شقيق وأخوين لأب ؟
- الجدة : محجوبة بالأم ، والأخوان لأب: محجوبان بالأخ الشقيق ، الزوج : النصف ، والأم : السدس ، والأخ لأم : السدس ، والأخ الشقيق : الباقي.
5- توفيت عن زوج وبنت وأم وأب وأخوين لأم وأختين لأب ؟(1/19)
- الأختان لأب : محجوبتان بالأب ، والأخوان لأم : محجوبان أيضا بالأب وبالفرع الوارث ، والزوج : الربع ، والبنت : النصف ، والأم : السدس ، والأب : السدس فرضاً وبالباقي تعصيباً 0
العول
هو زيادة فى سهام ذوي الفروض ونقصان فى مقادير أنصبتهم فى الإرث.
وأول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال للورثة :
والله ما أدري : أيكم قدم الله ولا أيكم أخر؟ فقسم المال بينهم بالحصص وأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة (أي نقصانها) فالنصف يصير فى الحقيقة أقل من نصف التركة والثلث يصير أقل من ثلثها 0
وهكذا تقل باقي الفرائض كل بمقداره بحيث تظل نسبة الفروق بين الأنصبة ثابتة وقد وافق جمهور الصحابة والفقهاء عمر على هذا 0
(منهج عمر بن الخطاب فى التشريع د محمد بلتاجى 332 : 335)
من مسائل العول
1- توفيت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين أختين لأم وأم :
تسمى هذه المسألة الشريحية لأن الزوج شفع على شريح القاضي المشهور حيث أعطاه بدل النصف ثلاثة من عشرة فأخذ يدور فى القبائل قائلاً : لم يعطني شريح النصف ولا الثلث ، فلما علم به شريح جاء به وعزره وقال له: أسأت القول وكتمت العول !
2- توفى رجل عن زوجة وبنتين وأب وأم :
تسمى هذه المسألة المنبرية لأن علياً - رضي الله عنه - كان على منبر الكوفة يقول فى خطبته: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً ، ويجزي كل نفس بما تسعى ،وإليه المآب والرجعى ، فسئل عنها فأجاب على قافية الخطبة، والمرأة صار ثمنها تسعاً ثم مضى فى خطبته0
والمسائل التي قد يدخلها العول هي المسائل التي يكون أصلها6،12،24 فالستة قد تعول إلى سبعة أو ثمانية أو تسعة أو عشرة
والاثنا عشر قد تعول إلى ثلاثة عشر أو خمسة عشر أو سبعة عشر
والأربعة والعشرون لا تعول إلا إلى سبعة وعشرين0
والمسائل التي لا يدخلها العول أصلا هي المسائل التي تكون أصولها 2 ، 3 ، 4 ، 8(1/20)
فالعول زيادة سهام الفروض عن أساس المسألة بزيادة كسورها عن الواحد الصحيح0
طريقة حل مسائل العول
هي أن تعرف أصل المسألة أي مخرجها تعرف سهام كل ذي فرض وتهمل الأصل ثم تجمع فروضهم وتجعل المجموع أصلاً فتقسم التركة عليه وبذلك يدخل النقص على كل واحد بنسبة سهامه ، فلا ظلم ولا حيف وذلك نحو:
زوج وشقيقتين ، فأصل المسألة من ستة0
للزوج : النصف وهو ثلاثة ، وللأختين : الثلثان وهو أربعة فالمجموع سبعة هو الذي تقسم عليه التركة.
أصول المسائل
أصل المسألة : هو أقل عدد تؤخذ منه سهام الورثة من غير كسر0
كيفية استخراج الأصل :
1- إذا كان فى المسألة صاحب فرض واحد فأصل المسألة عندئذ مقام هذا الفرض0
2- إذا كان فى المسألة أكثر من صاحب فرض نظرنا إلى مقامات الكسور.
أ- فإن جدنا المقامات عدداً واحداً كان هو الأصل.
ب- وإن وجدناها متعددة لكن بعضها مضاعف بعض كان أكبرها هو الأصل.
ج- وإن كان بين المقامات قاسم مشترك تقبل القسمة عليه كان الأصل : حاصل ضرب المقامين الكبيرين فى المسألة مقسوماً على القاسم المشترك بينهما.
د- وإن لم يكن هناك علاقة ما بين المقامات من العلامة السابقة كان الأصل فيها هو حاصل ضرب أكبر رقمين فيها.
مسائل على العول :
(1) الستة قد تعول إلى 7 و 8 و 9 و 10 :
1- توفيت امرأة من زوج وأختين وأب ؟
- الزوج: النصف ، والأختان:الثلثان .
السهام 3: 4 ،أساس المسألة 6 ويعول إلى سبعة0
2- توفيت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين وأخ لأم ؟
- الزوج: النصف ، والأختان: الثلثان ، والأخ لأم :السدس.
السهام 3 : 4 : 1 ، أساس المسألة 6 ويعول إلى 8.
3- توفيت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين وأختين لأم ؟
- الزوج: النصف ، والأختان:الثلثان ، والأختان لأم: الثلث.
السهام 3 : 4: 2 ، أساس المسألة 6 ويعول إلى 9.
4- توفيت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين وأختين لأم وأم ؟
- الزوج: النصف ، والأختان: الثلثان ، والأختان لأم: الثلث ، والأم: السدس.(1/21)
السهام 3 :4 :2 :1 ، أصل المسألة 6 ويعول إلى 10.
(2) 12 قد تعول إلى 13 أو 15 أو 17 :
5- توفى رجل عن زوجة وأختين شقيقتين وأخت لأم ؟
- الزوجة: الربع، والأختان: الثلثان ، والأخت لأم: السدس.
السهام 3 : 8 : 2 ، أصل المسألة 12 وتعول إلى 13.
6- توفى رجل عن زوجة وأختين شقيقتين وأختين لأم ؟
- الزوجة: الربع، والأختان: الثلثان، والأختان لأم: الثلث.
السهام 3 :8 :4 ، أساس المسألة 12 يعول إلى 15.
7- توفى رجل عن زوجة وأختين شقيقتين وأختين لأم وأم ؟
- الزوجة: الربع ، والأختان: الثلثان ، الأختان لأم: الثلث ، الأم: السدس.
السهام 3 :8 :4 :2 ، أصل المسألة 12 يعول إلى 17.
(3) 24ويعول إلى 27 فقط :
8- توفى رجل عن زوجة وبنتين وأب وأم ؟
- الزوجة: الثمن ،والبنتان: الثلثان ، الأب: السدس+ الباقي ، والأم: السدس.
السهام 3 :16 :4 : 4 ، أصل المسألة 24 ويعول إلى 27
ج _ الرد علي ذوو الفروض أو أحد الزوجين :
هو إعادة تقسيم الباقي من التركة بعد الفروض على أصحاب الفروض بنسبة فروضهم حيث لا يوجد عاصب يرث الباقي0
ولا يتحقق إلا بوجود أركانه الثلاثة :
1- وجود صاحب فرض.
2- بقاء فائض من التركة.
3- عدم وجود عاصب.
وفى الرد قولان :
الأول: أن ما يبقى بعد الفروض يكون لبيت المال.
الثاني : أن ما يبقى من التركة بعد الفروض يرد على أصحاب الفروض بنسبة فروضهم.
الدليل: عن سعد بن أبي وقاص قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: بالشطر؟ فقال: لا ثم قال: الثلث والثلث كبير، أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس0 (خ2742)(1/22)
فلم ينكر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصر ميراثه فى بنته ومنعه من الزيادة فى وصيته حتى تكون بنته غنية بميراثها فدل ذلك على أن البنت ترث جميع ما يبقى من التركة بعد الوصية0
عن بريدة عن أبيه قال: بينا أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . إذ أتته امرأة. فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية. وإنها ماتت. قال. فقال: "وجب أجرك. وردها عليك الميراث".( ص حم22928)
ورجوع الجارية فى الميراث لا يكون إلا إذا ورثت البنت أمها فرضاً ورداً.
فأصحاب الفروض أولى من بيت المال0
والرد على ثمانية أصناف وهم :
1-البنت 2-بنت الابن 3-الأخت الشقيقة 4-الأخت لأب
5-الأم 6-الجدة 7-الأخ لأم 8-الأخت لأم
ولا يرد على الزوجين لأن الرد يستحق بالرحم ولا رحم لهما من حيث الزوجية
لا يرد الأب الجد لأن الرد لا يكون إلا عند عدم وجد عاصب فلو كان الأب أو الجد موجوداً لأخذ الباقي تعصيباً ولم يكن هناك رد فى المسألة0
ولا يرد إلى الزوجين إلا فى مسألة واحدة وهي إذا مات أحد الزوجين ولم يترك وارثاً سواه فإن الزوج الحي يأخذ التركة كلها بطريق الفرض والرد0
طريقة حل مسائل الرد:
هي أنه إذا وجد مع أصحاب الفرض من لا يرد عليه من أحد الزوجين فإنه يأخذ نصيبه منسوباً إلى أصل التركة والباقي بعد فرض يكون لأصحاب الفروض بحسب رؤوسهم إن كان صنفاً واحداً سواء أكان الموجود منهم واحداً كبنت أو متعدداً كثلاث بنات وإن كانوا أكثر من صنف واحد كأم وبنت فإن الباقي يقسم عليهم بنسبة فروضهم ويرد عليهم بنسبتها أيضاً0
وأما إذا لم يكن مع أصحاب الفروض أحد الزوجين فإن الباقي بعد فروضهم يرد عليهم بحسب رؤوسهم إن كانوا صنفاً واحداً سواء أكان الموجود منهم واحداً أو متعدداً 0
وإن كانوا أكثر من صنف واحد فإن الباقي عليهم بنسبة فروضهم وبذلك يكن نصيب كل صاحب فرض قد زاد بنسبة فرضه واستحق جملته فرضاً ورداً 0
مسائل على الرد :
1- مات شخص عن بنت وزوجة ؟(1/23)
- الزوجة: الثمن ، والبنت: النصف فرضاً ، والباقي رداً ، ولا رد على الزوجة0
2- مات شخص عن أم وخال ؟
- الأم: الثلث ، والباقي رداً ، ولا ميراث للخال0
3- مات شخص عن زوجة وبنت بنت ؟
- الزوجة: الربع ، وبنت البنت الباقي ، ولا رد على الزوجة0
4- مات شخص عن زوجة وعاصب سببي ؟
- الزوجة: الربع فرضاً ، والباقي رداً ، ولا شئ للعاصب السببي0
5- ماتت امرأة عن زوج فقط ؟
- الزوج : النصف فرضاً والباقي رداً 0
د- ذوو الأرحام :
قال الله تعالى: (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) (الأحزاب: من الآية6)
ومعناه أحق بالتوريث فى حكم الله تعالى0
عَنِ المقْدامِ بنِ معد يكَربَ قالَ:قالَ رسولُ - صلى الله عليه وسلم - :الخالُ وَارثُ من لا وارثَ لَه.(ص ت2103)
قال ابن القيم : جاء توريثهم - أي أصحاب ذوى الأرحام- من وجود مختلفة وليس فى أحاديث الأصول ما يعارضها وجمهور العلماء يورثونهم وهو قول أكثر الصحابة وأسعد الناس من ذهب إليه0
ذوو الأرحام : وهم كل قريب بذي فرض ولا عصبة 0
وهم لا يرثون ويكون المال لبيت المال عند : مالك والشاقعى وزيد والزهري والأوزاعي ودواد0
ويرثون عند : أبي حنيفة وأحمد بشرط أن لا يوجد عاصب ولا ذوو فرض
وذووا الأرحام أربعة أصناف مقدم بعضها على بعض فى الإرث على حسب الترتيب الآتي:
1- أولاد البنات وإن نزلوا ، وأولاد بنات الابن وإن نزل0
2- الجد غير الصحيح وإن علا ، والجدة الصحيحة وإن علت0
3- أبناء الإخوة لأم وأولادهم وإن نزلوا أولاد الأخوات لأبوين أو لأحدهما إن نزلوا ، وبنات أبناء الإخوة لأبوين أو لأب وإن نزلوا وأولادهن وإن نزلوا0
4- ويشمل ست طوائف مقدم بعضها على بعض فى الإرث على الترتيب الآتي :
أ- أعمام الميت لأم وعماته وأخواله وخالاته لأبوين أو لأحدهما0(1/24)
ب- أولاد من ذكروا فى الفقرة السابقة وإن نزلوا ، وبنات أعمام الميت لأبوين أو لأب ، وبنات أبنائهم وإن نزلوا ، وأولاد من ذكرن وإن نزلوا0
ج- أعمام أبي الميت لأم وعماته وأخواله وخالاته لأبوين أو لأحدهما0
وأعمام أم الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها لأبوين أو لأحدهما0
د- أولاد من ذكروا فى الفقرة السابقة وإن نزلوا ، وبنات أعمام أب الميت لأبوين أو لأب، وبنات أبنائهم وإن نزلوا ، وأولاد من ذكرن وإن نزلوا0
هـ- أعمام أب أب الميت وأم أبيه وعماتها وأخوالها وخالاتها لأبوين أو لأحدهما 0
وأعمام أم أم الميت وأم أبيه وعماتها وأخوالها وخالاتها لأبوين أو لأحدهما0
و- أولاد من ذكروا فى الفقرة السابقة وإن نزلوا ، وبنات أعمام أب أب الميت لأبوين أو لأب، وبنات أبنائهم وإن نزلوا وأولاد من ذكرن وإن نزلوا0 هكذا
أحوال ذوي الأرحام :
1- أن يكون الموجود واحداً فله جميع المال بالتعصيب إن أدلى بعاصب 0
وبالفرض والرد إن أدلى بذي فرض :
فلو هلك عن بنت أخ لأم : فلها السدس فرضاً والباقي رداً0
2- أن يكون الموجود اثنين فأكثر والمدلى به واحد فلهم جميع المال0
فلو هلك عن ابن بنت أخ شقيق وأخته فالمال بينهما تعصيباً 0
ولو هلك عن ثلاثة أخوال متفرقين فالمال للخال لأم والخال الشقيق فرضاً رداً 0
الخال لأم : السدس ، والخال الشقيق : الباقي.
3- أن يكون الموجود اثنين فأكثر والمدلى بهم اثنان فأكثر : فيقسم المال بين المدلى بهم ثم نقسم نصيب كل واحد من المدلى بهم على من يدلون به على حسب إرثهم منه والذكر والأنثى سواء0
فلو هلك عن ثلاث خالات متفرقات وثلاث عمات متفرقات :
الخالات يقسم بينهن للشقيقة 3 والتي لأب 1 والتي لأم 1
العمات الباقي يقسمن بينهن للشقيقة 3 والتي لأب 1 والتي لأم 1
جهات ذوي الأرحام ثلاثة
1- الأبوة : ويدخل فيها جميع من يدلي بالأب من الأجداد والجدات الحواشى.(1/25)
2- الأمومة : ويدخل فيها جميع من يدلي بالأم من الأجداد والجدات الحواشى.
3- البنوة : ويدخل فيها جميع الفروع الذين لا فرض لهم ولا تعصيب ، وهم من بينه وبين الميت أنثى كأولاد البنات وأولاد بنات الابن ومن أدلى بهم0
1- فلو هلك عن بنت بنت ، وبنت بنت بنت ، وبنت بنت عم ؟
- بنت البنت: النصف ، وبنت بنت بنت العم: الباقي ، ولا شئ للباقي0
2- هلك عن بنت بنت وبنت خال وبنت بنت عمة ؟
- بنت البنت: النصف ، وبنت الخال: السدس ، وبنت العمة: السدس فرضاً والباقي تعصيباً0
الاستحقاق بغير الإرث
الميت إذا لم يكن له ورثة استحق التركة ثلاثة :
أ- المقر له بالنسب على الغير :
إذا أقر الميت بالنسب على غيره استحق المقر له التركة إذا كان مجهول النسب ولم يثبت نسبه من الغير ولم يرجع المقر أو وقت الحكم باعتباره ميتاً وأن لا يقوم به مانع من موانع الإرث0
ب- الوصية بما زاد عن الثلث :
إذا مات الميت ولم يكن له ارث ولا مقر له بنسب على غيره جازت الوصية للأجنبي بالتركة كلها أو بأي جزء منها ، لأن التقييد بالثلث من أجل الورثة وليس منهم أحد0
ج- بيت المال :
إذا مات الميت ولم يترك ورثة ولم يوجد مقر له بالنسب على غيره ولا موصى له بأكثر من الثلث فإن المال يوضع فى بيت مال المسلمين ليصرف فى مصالح الأمة العامة0
الحمل
هو ما يحمل فى البطن من الولد ، وهو إما ما ينفصل عن أمه وإما أن يبقى فى بطنها وأحكامه هي :
إذا انفصل الحمل عن أمه فإما أن ينفصل حياً أو ينفصل ميتاً0
وإن انفصل ميتاً فإما أن يكون انفصاله بغير جناية ولا اعتداء على أمه أو بسبب الجناية عليها فإن افصل كله حياً ورث من غيره وورثه غيره 0
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إذا استهل المولود وُرِّث".
(ص د 2920)
الاستهلال وهو رفع الصوت وعلامة الحياة صوت أو تنفس أو عطاس ونحوه0
وإذا انفصل ميتاً بغير جناية على أمه فإنه لا يرث ولا يورث اتفاقاً0(1/26)
وإذا انفصل ميتاً بسبب الجناية على أمه فلا يرث عند : مالك والشافعية والحنابلة 0
ويرث عند : أبي حنيفة
أقل مدة الحمل ستة أشهر لقول الله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (الاحقاف: من الآية15)
مع قوله تعالى : (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ )(لقمان: من الآية14)
فإذا كان الفصال فى عامين لم يبق إلا مدة ستة أشهر للحمل وهو مذهب الجمهور0
المفقود
إذا غاب الشخص وانقطع خبره ولم يدر مكانه ولم يعرف أحيّ هو أم ميت وحكم القضاء بموته قيل إنه مفقود0
المدة التي يحكم بعدها بموت المفقود لم تحدد عند : أبي حنيفة والشافعي ومالك0
وبعد أربع سنوات عند: أحمد.
وميراث المفقود يتعلق به أمران :
1- إذا كان مورثاً0
يبقى ماله على ملكه ولا يقسم بين ورثته إلى أن يتحقق موته أو يحكم القاضي بالموت0
فإن ظهر حياً أخذ ماله وإن تحقق موته أو حكم القاضي بموته ورثه من كان وارثاُ له وقت الموت أو وقت الحكم بالموت ولا يرثه من مات قبل ذلك ، أو حدث إرثه بعد ذلك بزوال مانع عنه كإسلام وارث له0
هذا إذا لم يسند الحكم بالموت إلى وقت سابق على صدوره وإلا ورثه من كان وارثاً فى الوقت الذي أسند الحكم بالموت إليه0
2- إذا كان وارثاً لغيره 0
يوقف له نصيبه من تركة المورث وبعد الحكم بموته يرد ذلك الموقوف إلى وارث مورثه0
مسائل على ميراث المفقود :
توفى عن : ابن مفقود وأخوين شقيقين ؟
- تحجز التركة كلها للابن ، ولا ميراث للإخوة معه لأنهم محجوبون به0
أما إذا كان معه ورثة غير محجوبين فإننا نقسم التركة على أساس حياته ثم نقسمها مرة أخرى على أساس وفاته وبعد ذلك نعامل المفقود على أساس ما ينتجه التقسيم الأول ونعامل الورثة الآخرين بأقل الفروض أي نعطيهم أقل الأنصبة فى التقسيمين ، ويودع نصيب المفقود وفروق أنصبة الورثة عند أمين حتى تنجلي الأمور0
الأسير(1/27)
من أكثر الحالات شبهاً بالمفقود حالة الأسير ، لأنه وقع فى أيدي الأعداء واحتجزوه عندهم فهو معرض لأخطار جسام سواء فى دينه أو فى حياته ، ومن ثم فإن أخباره قد تنقطع فلا تعلم له حياة ولا يتأكد له وفاة0
والمسلم إذا وقع أسيراً فى يد العدو ، فإن ذلك لا يؤثر مطلقاً عليه من حيث أحكام التوارث ، بل ولا يؤثر فى غيرها من الأحكام الأخرى0
فالمسلم فى أي مكان يرث ويورث متى قامت أسباب الميراث ، وتوافرت شروطه واتفقت موانعه0
ومتى كان حال الأسير معلوماً فإنه يعامل على مقتضاه ، من حياة أو موت أو ردة عياذاً بالله0
أما إذا جهل حاله، فلم تعد له حياة ولا وفاة فإنه يأخذ حكم المفقود من كل الوجوه ، فإذا توفي أحد أبويه أو زوجته أو أقاربه فإننا نتبع فى تقسيم التركة ما سبق بيانه بالنسبة للمفقود0
الخنثى
هو شخص اشتبه فى أمره ولم يدر أذكر أم أنثى إما لأن له ذكراً وفرجاً معاً أو لأنه ليس له شئ منهما أصلاً0
كيف يرث ؟
إن تبين أنه ذكر ورث ميراث الذكر ، وإن تبين أنه أنثى ورث ميراث الأنثى ، وتتبين الذكورة والأنوثة بظهر علامات كل منهما وهي قبل البلوغ تعرف بالبل فإن بال بالعضو المخصوص بالذكر فهو ذكر ، وإن بال بالعضو المخصوص بالأنثى فهو أنثى وإن بال منهما كان الحكم للأسبق0
وبعد البلوغ إن نبتت له لحية أو أتى النساء أو احتلم كما يحتلم الرجال فهو ذكر 0
إن ظهر له ثدي كثدي المرأة أو حاض أو در له لبن أو حبل فهو أنثى وهو فى هاتين الحالتين يقال له : خنثي غير مشكل 0
فإن لم يعرف أذكر هو أم أنثى فإن لم تظهر علامة من العلامات أو ظهرت وتعارضت فهو الخنثى المشكل0
وقد اختلف الفقهاء فى حكمه من حيث الميراث :
قال أبو حنيفة : إنه يفرض أنه ذكر ثم يفرض أنه أنثى ويعامل بعد ذلك بأسوء الحالين حتى لو كان يرث على اعتبار ولا يرث على اعتبار آخر لم يعط شيئاً وإن ورث على كلا الفرضين واختلف نصيبه أعطى أقل النصيبين0(1/28)
وقال مالك وأبو يوسف : يأخذ المتوسط بين نصيبين الذكر والأنثى
قال الشافعي : يعامل كل من الورثة والخنثى بأقل النصيبين لأنه المتبقي إلى كل منهما
وقال أحمد : إن كان يرجى ظهور حاله يعامل كل منه ومن الورثة بالأقل ويوقف الباقي وإن كان لا يرجى ظهور الأمر يأخذ المتوسط بين نصيبي الذكر والأنثى ، وهذا هو الأرجح0
المرتد
هو المسلم الذي رجع عن اعتناق الدين الإسلامي بإرادته الحرة الواعية أو جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة ، وذلك كأن ينكر فرضية الصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج أو ينكر حرمة الربا أو الخمر أو غير ذلك من الأمور الثابتة التي لا مجال لإنكارها0
ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن المرتد عن الإسلام لا يرث من غيره إطلاقاً مهما كانت ديانة المورث0
فإذا كان المورث مسلماً فإن المرتد يحرم من ميراثه ولا يستحق شيئاً من تركته وكذلك لو كان المورث غير مسلم ، بل ولو كان المورث مرتداً هو الآخر، لا توارث بينهما 0
والسر فى ذلك أن المرتد برجوعه عن الإسلام قد زالت يده عن ملكه الموجود فمن باب أولى لا يثبت له ملك جديد لأن توريثه من قريبه غير المسلم يعتبر إقراراً له على ردته واعترافاً بها ومكافأة له عليها0
وعلى هذا فالمرتد لا يرث من غيره ولا يرثه غيره وإنما ميراثه يكون لبيت مال المسلمين0
ابن الزنا وابن الملاعنة
ابن الزنا: هو المولود من غير زواج شرعي0
ابن الملاعنة : هو الذي نفى الزوج الشرعي نسبه فيه0
وكلاهما لا توارث بينهما وبين أبويهما بإجماع المسلمين لانتفاء النسب الشرعي0
وإنما التوارث بينهما وبين أميهما0
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً لاعن امرأته في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها، ففرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وألحق الولد بالمرأة. ( خ5315 م1494)
مثال :
توفي ولد زنا عن أمه وأبيه وعمه وخاله وأبي أبيه وأخيه من أمه :(1/29)
الأم : السدس ، والأخ لأم : السدس ، ويرد عليهما الباقي.
ومثل ولد الزنا ولد الملاعنة0
التخارج
هو أن يتصالح الورثة على إخراج بعضهم عن نصيبه فى الميراث نظير شئ معين من التركة أو غيرها وقد يكون التخارج بين اثنين من الورثة على أن يحل أحدهما محل الآخر فى نصيبه فى مقابل مبلغ من المال يقدمه له0
حكمه : التخارج جائز متى كان عن تراض0
وقد طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته تماضر بنت الأصبغ الكلبية فى مرض موته ثم مات وهي فى العدة فورثها عثمان - رضي الله عنه - مع ثلاث نسوة أخر فصالحوها عن ربع ثمنها على ثلاثة وثمانين ألفاً قيل هي دنانير وقيل هي دراهم0
صور التخارج :
1- إذا تخارج أحد الورثة مع آخر منهم استحق نصيبه وحل محله فى التركة.
2- إذا تخارج أحد الورثة مع باقيهم فإن كان المدفع له من التركة قسم نصيبه بينهم بنسبة أنصبائهم فيها0
3- وإن كان المدفع من مالهم ولم ينص فى عقد التخارج على طريقة قسمة نصيب الخارج قسم عليهم بالسوية بينهم0
المناسخة
هي أن يموت وارث فأكثر قبل قسمة التركة ، وأحوالها ثلاثة :
1- أن يكون ورثة الثاني هم بقية ورثة الأول من غير اختلاف فتقسم التركة على من بقي كأن الميت الأول مات عنهم0
فلو هلك هالك عن ثلاثة أبناء ثم مات اثنان منهم فمن بقي فالمال له0
2- أن يكون الميت الثاني من ورثة الأول، وورثته لا يرثون غيره، ففي هذه الحالة تصحح مسألة الميت الأول ويعرف سهم كل وارث منها ، ثم تصحح مسألة من مات بعده وتقسم سهامه من المسألة على مسألته فإما أن تنقسم أو تتباين أو تتوافق.
فإذا انقسمت صحت بما صحت عنه الأولى وكانت الأولى هي الجامعة0
وإن باينت سهامه مسألته أثبتت المسألة ، إن وافقتها أثبتت وفقها ومثال الانقسام : أن يهلك رجل عن زوجة وثلاثة بنين ثم يموت أحدهما عن ثلاثة أبناء وبنت والثاني عن ابنتين وثلاث بنات0
الزوجة ثلاثة ، ولكل ابن سبعة ومسألة الميت الثاني من سبعة.(1/30)
ومسألة الميت الثالث من سبعة وسهام كل ميت منقسمة على مسألته0
3- ما سوى الحالين الأوليين لها ثلاث صور :
أ- أن يكون ورثة الميت الثاني هم بقية ورثة الأول مع الاختلاف0
ب- أن يكون ورثة الثاني من ورثة الأول غيرهم0
ج- أن يكون الميت الثاني من غير ورثةالأول0
مسائل على المناسخة :
1- توفى شخص عن بنين وبنات من زوجة واحدة ثم توفيت إحدى البنات لا يوجد لها وارث سوى الأخوة والأخوات الشقيقات ؟
- تقسم التركة كلها على البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين.
2- توفي شخص عن أخ وأخت أشقاء ثم توفي الأخ عن ابنين:
- الأخ 2 ، والأخت 1
يقسم نصيب الأخ بالإضافة إلى الأموال الخاصة التي تركها وقت موته على الابنين0
3- توفي شخص عن أخ وأخت أشقاء ثم توفي الأخ عن أم وابن ؟
- الأخ 2 الأخت1 أساس المسألة 3
السهام 6 : 3 الفروض 1 الباقي أساس المسألة 6 الأم 1 الابن 5
4- توفي شخص عن أخ وأخت أشقاء ثم توفي الأخ عن بنت وابنين ؟
- الأخ 2 الأخت1 أساس المسألة 3
السهام بعد التصحيح 10 : 5 ، وتوزع تركة الميت الثاني : بنت 1 الابنان4 أساس المسألة 5 السهام بعد التصحيح 2 :8
الوصية الواجبة
قد يموت أحد الأولاد قبل أبيه أو أمه ويترك أولاداً فهؤلاء الأولاد يأخذون نصيب أبيهم كما لو كان حياً بالوصية الواجبة بحيث لا يزيد عن ثلث التركة0
قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) على أن الآية محكمة غير منسوخة0
وفيها من معاني الإيجاب (كتب عليكم) و (حقا على المتقين )
قال ابن حزم فى المحلى10/421: إن الأقربين الوارثين قد خرجوا من مفهومها وبقي من لا يرث منهم على هذا الفرض0
فتجب الوصية :
1- لأولاد الأبناء مهما نزلوا كابن ابن الابن0
لا يستحق هذه الوصية إلا أولاد البنات دون أولادهم0(1/31)
2- للفرع ومن مات مع أبيه بحيث لا يعلم من مات منهم أولاً كالغرقى والحرقى والهدمى يكون حاله كحال من مات قبل أبيه وأمه0
شروط استحقاق الوصية :
1- ألا يكونوا وارثين0
ألا يكون المتوفى قد أعطاهم ما يساوي الوصية الواجبة بغير عوض كالهبة0
تنبيه :
الوصية الواجبة ليست ميراثاً وإنما هي وصية مشروعة أوجبها القانون الوضعي فقط0
طريقة حمل المسائل التي تشتمل على الوصية الواجبة :
1- يفرض الولد الذي مات فى حياة أبيه أو أمه حياً وارثاً ويقدر نصيبه0
2- يخرج من التركة نصيب المتوفى ويعطى لفرعه المستحق الوصية الواجبة إن كان يساوي الثلث فأقل فإن زاد على الثلث يرد إلى الثلث ثم يقسم على الأولاد للذكر ضعف الأنثى0
3- تقسم باقي التركة بين الورثة الحقيقيين على حسب فرائضهم المشروعة.
أمثلة على الوصية الواجبة :
1- توفى عن بنت وبنت ابن وبنت بنت وعم شقيق:
تحجب الوصية لبنت البنت دون بنت الابن لأنها وارثة0
2- توفى رجل عن أولاد بنت توفيت فى حياة أبيها وعم شقيق :
أولاد البنت المتوفاة يستحقون وصية واجبة بمقدار نصيب أمهم أو الثلث أيها أقل ، وهنا فأمهم نصيبها النصف فلذا لا يستحقون إلا الثلث فقط0
مسائل عامة
المسألة الأكدرية :
وهي اجتماع زوج وأم وجد وأخت لأب فى ميراث زوجة :
الزوج: النصف فرضاً ، والأم الثلث فرضاً ، والجد السدس فرضاً ، والأخت لأب : النصف فرضاً0
السهام = 3 : 2 : 1 : 3 ، أساس المسألة ويعول إلى 9
المسألة الخرقاء :
هي اجتماع أم وأخت شقيقة وجد فى ميراث :
الأم : الثلث ، والأخت الشقيقة: النصف ، والجد: السدس ، وهو الباقي فرضاً أو تعصيباً.
المسألة المشتركة :
هي اجتماع الإخوة الأشقاء والإخوة لأم مع زوج وأم أو جدة صحيحة :
توفيت امرأة عن زوج وأم وأخوة لأم وأخوة أشقاء :
- الزوج: النصف ، والأم: السدس ، والأخوة لأم الثلث ، والأشقاء الباقي تعصيباً.
وهنا لا يبقى للأشقاء شيئاً فيشتركون هم والأخوة لأم في الثلث.(1/32)
المسألة العمرية :
إذا انحصر الإرث فى الأبوين وأحد الزوجين أصبح نصيب الأم ضعف نصيب الأب إذا كان معها زوج فى الميراث ، وترث الأم نصيباً يكاد يساوي نصيب الأب إذا كان معها فى الميراث زوجة0
ماتت امرأة عن زوج وأب وأم :
الزوج: النصف فرضاً ، والأم: الثلث فرضاً ، والأب الباقي تعصيباً0
السهام :3 : 2 : 1 أساس المسألة 6
وفي هذه الحالة يكون للأم : الثلث الباقي بعد نصيب الزوج لا ثلث التركة كلها حتي لا تزيد عن نصيب الأب.
القريب المبارك
هو الذي يكون وجوده سبباً فى ميراث قريب ، وعدم وجوده يكن سبباً فى حرمان هذا القريب من الميراث0
توفى رجل عن بنتين وبنت ابن وابن ابن الابن وأخ شقيق :
- البنتان: الثلثان ، وبنت الابن وابن ابن الابن : الباقي تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين0
فوجود ابن ابن الابن كان هو السبب فى ميراث بنت الابن0
القريب المشئوم :
هو الذي يكون وجوده سبباً فى حرمان أحد الورثة 0
توفيت امرأة عن زوج وأم وأب وبنت صلبية وبنت ابن وابن ابن :
- الزوج: الربع ، والأم: السدس ، والأب : السدس ، والبنت: النصف ، بنت الابن وابن الأبن الباقي : لا شئ.
نلاحظ أن وجود ابن الابن حرم أخته من الميراث ، بل إن أساس المسألة عال من 12 : 13
وبافتراض عدم وجود هذا الابن يكون :
- الزوج: الربع ، والأم: السدس ، والأب: السدس ، والبنت: النصف ، وبنت الابن السدس تكلمة للثلثين.
مسألة المباهلة :
اجتماع زوج وأخت شقيقته وأم 0
توفيت امرأة عن زوج وأخت شقيقته وأم ؟
- الزوج: النصف ، والأخت: النصف ، والأم: الثلث.
3 : 3 : 2 ، الأساس 6 وتعول إلى 8
المسألة المروانية :
وقعت هذه المسألة فى عهد مروان بن الحكم ، وهي أن يجتمع زوج وأختان شقيقتان وأختان لأم وأختان لأب فى ميراث امرأة ؟
الزوج: النصف ، والشقيقتان: الثلثان ، والأختان لأم: الثلث ، والأختان لأب : لا شئ.
المسألة الشريحية :
نسبة إلى شريح القاضي 0(1/33)
توفيت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين وأختين لأم وأم :
- الزوج: النصف ، والشقيقتان: الثلثان ، والأختان لأم: الثلث ، والأم: السدس.
السهام 3 : 4 : 2 : 1 ، الأساس 6 ويعول إلى 10
المسألة المنبرية
توفى رجل عن زوجة وبنتين وأب وأم :
- الزوجة: الثمن ، والبنتان: الثلثان ، والأب: السدس فرضاً والباقي تعصيباً الأم: السدس.
السهام 3 : 16 : 4 : 4 ، الأساس 24 ويعول إلى 27
اليتيمتين
وتسمى بالفريضة العادلة لأنها تتساوى فيها سهام أصحاب الفروض مع الأساس.
توفيت امرأة عن زوج وأخت لأب
- الزوج: النصف ، والأخت: النصف.
مسألة لرياضة الذهن
توفيت امرأة عن أم وأختين شقيقتين وأخت لأم وأخ لأب ( هو زوج الأخت لأم )
- الأم: السدس ، والأختان: الثلثان ، والأخت لأم: السدس ، والأخ لأب الباقي.
ويستنتج : إذا كانت الأخت لأم حية لا يبقى شئ للزوج لأنه أخ لأب لا يرث إلا بالتعصيب ولم يبق له شىء.
وإذا كانت الأخت لأم ميتة فيرث هو الباقي تعصيباً ... .
عمة تورث ولا ترث :
توفى رجل عن عم شقيق وعمة شقيقة :
- العم : التركة كلها ، والعمة لا ترث لأنها من ذوي الأرحام.
عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تُورَثُ وَلا تَرِثُ. (الموطأ 958)
أي أن ابن أخيها يرثها بالتعصيب إذا ماتت أما إذا مات ابن أخيها فإنها لا ترثه وسبحان العليم الحكيم.
الوصية
هي هبة الإنسان غيره عيناً أو ديناً أو منفعة على أن يملك الموصي الهبة بعد أن يموت الموصي0
مشروعيتها : الوصية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع 0
ففي الكتاب يقول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) ويقول سبحانه وتعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )(النساء: من الآية11)(1/34)
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ)(المائدة: من الآية106)
وجاءت فى السنة الأحاديث الآتية :
عن ابن عمر أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"0 (خ2738 م1627)
قال ابن عمر: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك إلا وعندي وصيتي. ( م1627)
عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: بالشطر؟ قال: لا. قلت: الثلث؟ قال: الثلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس0
( خ2742 م1628)
َعَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قالَ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تَصَدَّقَ عَلَيْكمْ بثلثِ أَموالكُمْ عِنْدَ وَفاتِكُم زيادة في حَسَنَاتِكُمْ0 (ص حم 27355)
لا تستحق الوصية للموصي له إلا بعد موت الموصي وبعد سداد الديون فإذا استغرقت الديون التركة كلها فليس للموصي له شئ0
شروط الموصي :
يشترط فى الموصي أن يكون أهلاً للتبرع بأن يكون كامل الأهلية0
وكمال الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية والاختيار وعدم الحجر لسفه أو غفلة فإن كان الموصي ناقص الأهلية بأن كان صغيراً أو مجنوناً أو عبداً أو مكرهاً أو محجوراً عليه فإن وصيته لا تصح ويستثنى من ذلك أمران :
1- وصية الصغير المميز الخاصة بأمر تجهيزه ودفنه ما دامت فى حدود المصلحة0
2- وصية المحجور عليه للسفه فى وجه من وجه الخير مثل تعليم القرآن وإقامة المساجد والمستشفيات ، ثم إن كان له وارث وأجازها الورثة نفذت من كل ماله وكذا إذا لم يكن له وارث أصلاً 0
وأما إن كان له ورثة ولم يجيزوا هذه الوصية فإنها تنفذ من ثلث ماله فقط0
شروط الموصى له :
1- أن لا يكون وارثاً للموصي :(1/35)
عن أبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إنّ الله قَدْ أعْطَى كُلّ ذِي حَقَ حَقّهُ فَلاَ وَصِيّةَ لِوَارِث0(ص د1127)
2- أن يكون الموصى له موجوداً وقت الوصية تحقيقاً أو تقديراً 0
3- أن لا يقتل الموصى له الموصي قتلا محرماً مباشراً0
شروط الموصى به :
يشترط فى الموصى به أن يكون بعد موت الموصي قابلاً للتمليك بأي سبب من أسباب الملك وتصح الوصية بكل مال متقدم من الأعيان ومن المنافع وتصح الوصية بما يثمره شجره وبما فى بطن بقرته لأنه يملك بالإرث0
فما دام وجوده محققاً وقت موت الموصي استحقه الموصى له0
وهذا بخلاف ما إذا أوصى بمعدم0
وتصح الوصية بالدين وبالمنافع كالسكنى ونحوها ،ولا تصح بما ليس بمال كالميتة وما ليس متقدماً فى حق العاقدين كالخمر للمسلمين0
وتجوز الوصية بالثلث ولا تجز الزيادة عليه والأولى أن ينقص عنه0
وقد استقر الإجماع على ذلك ، لحديث سعد بن أبي وقاص فى مرضه وقد مضى0
والثلث يحسب من جميع المال0
تم بحمد الله الجزء الثالث والأخير من كتاب
مختصر القنديل في فقه الدليل
وصلي الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
والحمد لله رب العلمين(1/36)
المراجع
كتب التفسير
1- أحكام القرآن للجصاص.
2- أحكام القرآن للكيا الهراسي.
3- أحكام القرآن لأبن العربي.
4- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
5- أضواء البيان للشنقيطي.
كتب الحديث
1- فتح الباري شرح صحيح البخاري.
2- عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني.
3- صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاء عبد الباقي.
4- صحيح مسلم بشرح النووي.
5- معالم السنن للخطابي.
6- تحفة الأحواذي بشرح سنن الترمذي.
7- سنن النسائي.
8- سنن ابن ماجه.
9- مسند الإمام أحمد.
10- الموطأ للأمام مالك.
11- شرح موطأ الإمام مالك للزرقاني.
12- صحيح ابن خزيمة تحقيق الأعظمي.
13- الإحسان في تقريب ابن حبان تحقيق الأرناؤط.
14- المستدرك للحاكم.
15- سنن الدارمي تحقيق عبد الله هاشم اليماني.
16- سنن الدار قطني تحقيق عبد الله هاشم اليماني.
17- مجمع الزوائد للهيثمي.
18- جامع الأصول لابن الأثير.
19- كنز العمال للمتقي الهندي.
20- شرح السنن للبغوي تحقيق الأرنؤوط.
21- مصابيح السنة للبغوي تحقيق المرعشلي.
22- صحيح الجامع الصغير للألباني.
23- السلسلة الصحيحة للألباني.
24- فيض القدير للمناوي.
25- عون المعبود شرح سنن أبي داوود لشمس الحق العظيم آبادي.
26- الفتح الرباني لأحمد عبد الرحمن البنا.
27- المنتقي لابن جارود.
28- صحيح سنن : ابي داوود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه للألباني.
29- التاج الجامع للأصول .
30- المرقاة شرح المشكاة.
31- التيسير شرح الجامع الصغيرللمناوي.
32- ترتيب أحاديث صحيح الجامع.
33- غريب الحديث لابن قتيبة.
34- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
35- الترغيب والترهيب للمنذري.
36- الأدب المفرد للبخاري.
37- تيسير مصطلح الحديث لمحمود الطحان.
كتب الفقه
1- فتح القدير للكامل ابن الهمام (حنفي).
2- تحفة الفقهاء للسمرقندي (حنفي).
3- المدونة الكبري للامام مالك.
4- حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير (مالكي).
5- الأم للشافعي.(1/1)
6- المجموع شرح المهذب للنووي (شافعي).
7- مسائل الإمام أحمد : اسحق ، أبو داود ، عبد الله.
8- المغني بالشرح الكبير لابن قدامة(حنبلي).
9- العدة شرح العمدة (حنبلي).
10- المعتمد في فقه الإمام أحمد.
11- المحلي لابن حزم(ظاهري).
12- عيون الأزهار للمرتضي(زيدي).
13- فقه الامام جعفر الصادق محمد جواد مغنية (إمامي).
14- الفتاوي الواضحة لمحمد باقر الصدر.
15- نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار للشوكاني.
16- سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني.
17- الدراري المضيئة شرح الدرر البهية للشوكاني.
18- الدين الخالص للسبكي.
19- فقة السنة لسيد سابق.
20- تمام المنة في التعليق علي فقه السنة للألباني.
21- صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني.
22- حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني.
23- أحكام الجنائز للألباني.
24- آداب الزفاف للألباني.
25- الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للألباني.
26- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (فقه مقارن).
27- الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة (فقه مقارن).
28- معجم فقة السلف لمحمد منتصر الكتاني.
29- نصب الراية لأحاديث الهداية للزليعي.
30- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر.
31- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني.
32- مجموعة الفتاوي لابن تيمية.
33- الفتاوي الكبري لابن تيمية.
34- زاد المعاد لابن القيم.
35- أصول الفقة لعبد الوهاب خلاف.
36- المساجد في الإسلام لخير الدين وانلي.
37- فقه العبادات لابن عثيمين.
38- الروضة الندية للقنوجي البخاري.
39- الفقه علي المذاهب الأربعة للجزيري.
40- أخطاء المصلين لمشهور بن حسن آل سلمان.
41- تصحيح الدعاء لبكر بن عبد الله أبوزيد.
كتب أخري
1- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي للفيف من المستشرقين.
2- مفتاح كنوز السنة لمحمد فؤاد عبد الباقي.
3- موسوعة أطراف الحديث لأبي هاجر.(1/2)
4- مراتب الإجماع لابن حزم.
5- الإجماع لابن المنذر.
6- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم.
7- الملل والنحل للشهرستاني.
8- البداية والنهاية لابن كثير.
9- الإصابة في تمييز الصحابة.
10- الروض الأنف للسهيلي.
11- الأعلام للزركلي.
12- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي.
13- القول المفيد علي كتاب التوحيد لمحمد بن صالح العثيمين.
14- الكواشف الجلية علي معاني الواسطية لعبد العزيز السلمان.
15- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم.
16- مختصر معارج القبول للحكمي.
17- الفكر الصوفي في ضوء القرآن والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق.
18- إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية.(1/3)
الكتاب الثامن الأطعمة والأشربة
الباب الأول : الأطعمة ............... 5
الباب الثاني : الأشربة ............ 47
الكتاب التاسع اللباس والزينة
اللباس والزينة .................... 67
الكتاب العاشر الزواج
الزواج .......................... 111
الكتاب الحادي عشر الطلاق
الطلاق .......................... 171
الكتاب الثاني عشر الأيمان والنذور
الباب الأول : الأيمان ............ 205
الباب الثاني : النذور ............ 223
الكتاب الثالث عشر البيوع
البيوع ........................... 233
الكتاب الرابع عشر الحدود
الحدود .......................... 273
الكتاب الخامس عشر الجنايات
الجنايات ........................ 321
الكتاب السادس عشر الحرب والسلام في الإسلام
الحرب والسلام في الإسلام ...... 349
الكتاب السابع عشر القضاء
القضاء .......................... 385
الكتاب الثامن عشر الفرائض
الفرائض ........................ 327
المراجع
المراجع ......................... 475
الفهرس
الفهرس ......................... 481(1/1)