مبادرة وقف العنف
رؤية واقعية ونظرة شرعية.
تأليف وإعداد : أسامة ابراهيم حافظ
... ... عاصم عبدالمجيد محمد
يبدأ المؤلفان هذا الكتاب بالاجابة عن : ماهي الأدلة الشرعية على صحة مبادرة وقف العنف ، فيقولان : بداية أن ذلك موقف إقتتال منعته الشريعة الغراء لمفاسده العظيمة والواجب الشرعي .
الباب الأول : المصلحة والمفسدة.
... وبما أن تحصيل المصالح هو أصل أصول الشريعة التي نزلت لتحصيل ... مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد ، فقد ثبت هذا المعنى يقينا من ... مقاصد الشارع الحكيم في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية ويسوق المؤلفان بعضا من النصوص القرآنية ومن الحديث النبوي، يقول تعالى : ( يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) فجعلت الآية علة التحريم – كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية زيادة المفسدة على المصلحة المتحققين من شرب الخمر ولعب الميسر.
ويقول تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) فمنعت الآية سب آلهة المشركين وتحقيرها وهي مصلحة بلا شك في الدعوة الى الله عز وجل أعظم من كل مصلحة فيها ذم لآلهة المشركين وتبيين مثاليها أو الدعوة لمرتبه على ذلك وكان التحريم بسبب ذلك .ص (12).
ويشير المؤلفان في ذلك الى قول القرطبي وابن كثير اللذان يقران ان المحق قد يكف عن حق له إذ أدى إلى ضرر قد يكون ويترتب عليه مفسدة أعظم .(1/1)
ويورد المؤلفان في موقف النبي (ص) وهو يرى الكعبة مبنية على غير قواعد ابراهيم عليه السلام فقد بناها أهل مكة قبل الاسلام لما هدمتها السيول ولكنه (ص) يمتنع عن هدمها وإعادة بنائها لما يعلمه من حداثة ايمان اهل مكة وما قد يسببه ذلك من فتنه لهم، كما أمتدح (ص) خالد بن الوليد لما عاد من سرية مؤتة منسحباً بالجيش دون أن يفتح عليه ويصف جيشه بإنه الكرار، فقد أدرك خالد بن الوليد ان مقصد الشارع من الجهاد ليس مجرد إراقة الدماء وإدراك الموت, وإنما تحقيق الهدف من القتال وهو إعلاء كلمة الله ونشر دينه، فالجهاد ليس هدفا في ذاته، وإنما لابد من مصلحة راجحة فلما زالت المصلحة لم يعد لاستمرار القتال داع بل صار ذلك مفسدة لابد ان تدفع . ص(15)
كما أن الخليفة عمربن الخطاب رضى الله عنه منع توزيع أرض السواد على الغانمين وابقاها في ايدي اصحابها خلافا لقواعد الشريعة بتوزيعها مخمسة ومكتفيا بفرض الخراج على الأرض لما رآه من مصلحة راجحة في ان يقوم اهلها برعايتها، ومن ذلك ايضا كما يقول المؤلفان : ( ان الفقهاء منعوا ان يحكم القاضي بعلمه رغم ان العلم هنا قد يكون اوثق من الشهود) ولكن لما انتشر الفساد والأهواء كان مصلحة المتقاضين ومصلحة العدالة ان يرتبط الحكم ببينة منضبطة لا بضمير القاضي . ص (16).(1/2)
وفي ذلك ايضا منع اقامة الحد في دار الحرب حين يخشى انضمام المحدود الى الأعداء ، وضمان الأجير المشترك بالمخالفة لقواعد الاجارة التي لا تضمن الأجير لما راوا انتشار الفساد بين الناس ، وترك الرسول (ص) القرآن مفرقا، ورأى الصحابة المصلحة في جمعه وجمع الناس عليه وتحريق كل ماعدا المصحف الامام ، ويقول المؤلفان في هذا السياق : ( ولننظر إليهم وقد نظموا دولتهم فأقاموا الخلافة ، ودونوا الدواوين وأقاموا المرافق ، ونظموا القضاء ، ووثقوا العهود ، وكل ذلك على أمثلة لم تسبق في عصرالنبوة وليس من مستند شرعي الا المصلحة . وفي هذا يقول الفقهاء : ( فحيث تكون المصلحة العامة للمسلمين يكون شرع الله ، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) ص(17). وذلك وفق شروط دقيقة وهو مايسمى ( المصالح المرسلة ) .
ثم يقولان بعد ذلك : ( ولما كان اعتبار المصالح والمفاسد من الأهمية بمكان في توجيه اجتهاد أهل العلم وتقرير الاحكام الشرعية وفي توجيه أعمال وتصرفات المسلمين وضبطها الضبط الشرعي المطلوب فاننا سنشير إشارة سريعة لأهم قواعد هذا الباب نقدمه بين يدي تقييم أحداث العنف التي وصلت الى حد القتل بين بعض الشباب المنتمي الى بعض الجماعات الاسلامية ضد أجهزة الدولة، وتوجيهها توجيها شرعيا سليما، ثم يحدد المؤلفان المقصود بـ ( المصلحة) كما عرفها الامام الغزالي وهي : ( المحافظة على مقصود الشارع، وأن مقصود الشارع من الخلق المحافظة على خمس ضرورات :
1- الدين.
2- النفس.
3- العقل.
4- النسل.
5- المال.
ثم ذكران : ( كل ما يفوت هذه الأصول الخمسة أو أحدهما فهو مفسدة، وإن دفع هذه المفسدة مصلحة ) ص (20).(1/3)
وهناك نوع آخر يسميه الأصوليون ( المصالح الحاجية) وهي التي لا يترتب على غيابها اضطراب في نظام الحياة ، كما هو الحال في المصالح الضرورية ، وانما تبقى الحياة بدونها بمشقة وعسر وضيق، وهناك مصلحة بدونها تخلو الحياة من مكارم الاخلاق ومظاهر الحسن ، وهي ( المصلحة التحسينية ) كما أن الفقهاء كالغزالي يشترطون ثلاثة شروط لاعتبار المصلحة غير المنصوص عليها:
أولاً:
أن تكون المصلحة قطعية او على الاقل ان يغلب على الظن تحققها ولا بد ان يكون نفعها مؤكدا لا شك فيه أو يندفع بها ضرر مؤكد مثل مصلحة جمع القرآن بعد موت النبي (ص) وقتل الكثير من حفظة القرآن .
ثانياً:
أن تكون مصلحة ضرورية فالمصالح الحاجية والتحسينية التي لم ينص الشارع عليها لا ينبني عليها حكم .
ثالثاً:
أن تكون المصلحة كلية عامة تشمل عموم الناس أو أكثرهم والشريعة كما يقول ابن تيمية : ( جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين ) ص(23) .
ويقول ابن تيمية ايضا : ( اذا تزاحمت المصالح والمفاسد ، او تعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي وان كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فان كان الذي يفوت من المصالح او يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به بل يكون محرماً اذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ) ص( 24).
ويلخص المؤلفان كل ذلك في القواعد التالية :
1- ضرورة اعتبارالمصالح في أي عمل يأتيه المسلم أوالجماعة المسلمة .
2- ان المصلحة المرسلة المعتبرة شرعا هي المصلحة القطعية – أو الظنية – الضرورية الكلية.
3- ان المصالح ترتب حسب اهميتها عند الاعتبار : الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية .
4- ان الشرع يختار أعلى المصلحتين ويرفع شر المفسدتين .
5- ان المصلحة من الأمر والنهي لو ترتب على تنفيذه مفسدة أعظم أو فوات مصلحة أعظم ، حرم فعله.
6- ان درء المفاسد مقدم على جلب المفاسد.(1/4)
ويقول الكاتبان أن هذه القواعد الأصولية تكاد تكون موضع اتفاق الاصوليين قاطبة واجتمعت عليها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ولذلك لزم العلماء اعتبارها في استنباط الاحكام الشرعية ، ولزم كل من يتخذ قرارا شرعيا ان يتوجه قراره بهذه القواعد . ص (31).
وفي تطبيق هذه القواعد الأصولية على الواقع فان ما يحدث من حرب مستعرة بين بعض الجماعات الاسلامية وبين الحكومة وسفك للدماء وازهاق للأرواح ، يتنافى مع هذه الأصول الشرعية الثابتة المتفق عليها ، وفي هذا الصدد يقول المؤلفان : ( إن أي عمل ينبغي ان تحكمه المصلحة الشرعية سواء في انشائه ابتداء أوفي توجيهه إذا انحرف ، بمعنى أنع ينبغي لمن يتخذ قراراً بعمل شيء أن ترجح لديه مصلحته على مفسدته فإن تبين له سواء قبل إنشائه أو بعد الشروع فيه ترجيح المفسدة بل غياب المصلحة بالكلية فينبغي أن يمتنع على الفور . ص 34 .
و يختتم المؤلفان هذا الباب بقولهما أن من مصالحنا الشرعية جميعاً كمسلمين يعيشون على أرض واحدة و بلد واحدة أن تجتمع الجهود لوقف هذه الأعمال التي لا طائل من ورائها غير الدمار لأبناء الدين الواحد ، ثم انها من مصلحة هذا الدين الذي استغل أعداؤه هذه الفتنة و الدماء التي سالت بين أتباعه لكي يشوهوا صورته و يصفونه بالدموية و الإرهاب حتى صار المسلم في الخارج رمزاً للإرهاب والدموية . ص 35 .
الباب الثاني : رؤية واقعية .
يقر المؤلفان بداية بقولهما " ان المراقب المنصف لواقع ما يحدث من صراع بين بعض الجماعات الإسلامية وبين الشرطة يجد أن مسلمي هذا البلد من الجماعات الاسلامية أو من الشرطة هم أكثرالمتضررين من هذا الصراع وآخر المستفيدين ... فهذه الدماء والطاقات والأموال تصب فائدتها في خزانة أعداء هذا الدين و هذا البلد ويحدد الكاتبان أبرز الأطراف المستفيدة من الداخل والخارج و هي :
1- إسرائيل .
2- أمريكا و الغرب .
3- العلمانيون .(1/5)
فإسرائيل تعتبر المستفيد الأول من هذا الصراع والفتنة في مصر لأنها أي مصر تشكل مركز الثقل الحقيقي في أي مواجهة عسكرية كانت أو ثقافية حضارية للدولة العبرية . إذ أن كل ما يضعف البلاد و يجعلها منشغلة بمشاكلها الداخلية لا شك أنه سيجد تأييداً يهودياً ويظهر ذلك من كتابات وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين مثل قول رابين أن أهم أهدافه هو مقاومة المد الأصولي و يعني به الحركات الإسلامية .
ويقول المؤلفان في هذا " ولا شك أن خطورة الأمر تتضاعف ونحن نرى الدور الإسرائيلي في المنطقة وهو يهدف إلى تفعيل إستراتيجية الهيمنة على المنطقة عسكرياً واقتصادياً ، يزداد بروزاً بينما يتقلص الدور العربي والإسلامي بسبب انكفاء أكثر الدول الإسلامية على ذاتها بمشاكلها وهمومها الداخلية " ص 41 .
وعن دور مصر يقولان " ان محاولة تهميش دور مصر أو طمسه لهو من أخطر الأشياء على مستقبل الصراع مع الدولة اليهودية والذي لن يتوقف بلا شك في ظل العنف المستشري في جسد أمتنا الإسلامية " ص 42 .
يرى المؤلفان أن لأمريكا و الغرب مصلحة في هذا الصراع و هذه الفتنة إذ أن بعض قادة أمريكا و الغرب يعتقدون أن العدو القادم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هو الحركات الإسلامية الأصولية و بهذا تلتقي مصالح الغرب وأمريكا مع مصالح اليهود في استمرار هذه المواجهة لكي تخرج مصر من هذه المعركة و تترك لهم الساحة يعربدون فيها كما شاءوا ولهذا فإنه يلزمنا جميعاً أن نسعى لتكاتف الجهود لوضع بلدنا في مكانه الطبيعي وإرغام الآخرين على احترام تلك المكانة .(1/6)
لا يتهم المؤلفان العلمانيين جميعاً بتجاوز مصالح الوطن في سبيل مصالحهم الشخصية أو مصالح طائفتهم ... " فهناك كثير منهم بل قل أغلبية تدرك أن مصلحة البلاد في تضافر الجهود لمواجهة العدو الحقيقي للوطن ، ويمدون أيديهم لكل من يسعى لذلك و إن خالفهم في الفكر و العقيدة ، وهو موقف لا شك جدير بالاحترام وكثيراً ما كنا نقرأ لهذه الأغلبية و ان تخافت صوتهم داعين الحكومة للمحافظة على التيار الإسلامي باعتباره تياراً وطنياً ودعوتها للإستفادة من جهوده في دفع عجلة التنمية و الارتقاء بالوطن بدلاً من تصعيد الصدام معهم مما سيكون ضرره على كل الأطراف " ص 46 .
ويشير المؤلفان إلى قلة من العلمانيين التي تجاهلت مصالح البلاد وحقوق الأخوة والجوار وهؤلاء يرون أن الصراع فرصة يتصارع فيها الطرفان الرجعيان – يعني الحكومة والجماعات الإسلامية - فيضعف كلاهما الآخر مما سيفتح لهم الطريق للتسلط على الحكم وإزاحة من تبقى ممن يعارض مناهجهم " ص 47 .
الباب الثالث : تصحيح مفاهيم
يرى المؤلفان :" أن فترات الاضطهاد في السجون في الستينات قد أفرزت فكراً تكفيرياً لا زالت آثاره موجودة على كثير من الطوائف المبتدعة" .
وقد حاولنا حصرأهم المفاهيم المغلوطة التي لاحت بوادرها أو التي يخشى حدوثها أواستقرارها فوجدنا في مقدمتها ما يمكن تصنيفه تحت أربعة عناوين عريضة :
الأول :
ما يتعلق بالجهاد من مفاهيم غير صحيحة أوغير منضبطة أو مغالية أو مشوشة .
الثاني :
يتعلق بالغلو في الدين و ترك الوسطية فيه و الجنوح إلى تجاوز الحدود في مقابل ما يفعله البعض من تجاوز للدين وأحكامه بخرقها والتهاون بها .
الثالث :
يتعلق بالعقائد التكفيرية مثل تكفير أصحاب الكبائر أو عدم العذر بالجهل في باب العقائد ، أو سحب أحكام التكفير على طوائف بأكملها بدعوى الموالاة .
الرابع :(1/7)
يتعلق بأهل الكتاب و التجاوز في معاملتهم والتهاون بأرواحهم وأموالهم دون اعتبار لقيمة العدل كقيمة إسلامية سامية.
ثم يرد المؤلفان على من يقول لما لا تشيرون إلى تجاوزات أجهزة الأمن في حق الشباب المسلم و المجتمع و الدعوة و الوطن فيقولان " إن نصائحنا لأخواننا هي تواص بالحق و دلالة على الخير كما أمر الرسول صلى الله عليه و سلم و أننا لا نغفل عن أن للطرف الآخر في هذه المواجهات من التجاوزات التي تستحق الانتقاد الشيء الكثير و اننا نتحدث إلى من يقبل نصحنا و يستمع بأذن صاغية إلى توجيهاتنا ، و اننا مطالبون بضبط أعمالنا و تصوراتنا و مفاهيمنا بالشرع بغض النظر عن رأينا في مدى التزام الآخرين به أو مخالفتهم إياه " ص 45 .
المانع :
المانع كمفهوم يعرفه الأصوليون بأنه ما يلزم من وجوده عدم الشيء . أي أنه أمر يحول وجوده دون الحكم كالأبوة المانعة من القصاص عقوبة للقتل العمد العدوان . يقول الشوكاني في إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول " و المانع وصف ظاهر منضبط يستلزم وجوده حكمة تستلزم عدم الحكم أو عدم السبب" وبمثل هذا قال الأمدي من قبله ، و يقول د. عبد الوهاب خلاف في تعريفه " هو ما يلزم من وجوده عدم الحكم أو بطلان السبب " ثم يقول المؤلفان " بقي أن نقول أنا سنذكر هذه الموانع على سبيل الإجمال سواء منها ما هو خاص بحالنا أو ما هو أعم منها و ان لكل مانع منها تفصيلات أوسع ..." ص57 .
موانع القتال :
المانع الأول : إذا غلب الظن أن الجهاد لن يحقق المصلحة التي شرع من أجلها .(1/8)
من المعلوم أن الجهاد لم يشرع لذاته و ليس مطلوباً لما فيه من إراقة دماء وإزهاق أرواح و قتل أنفس و تقطيع أطراف بل هو مشروع لغيره و لتحقيق مصلحة أو مصالح مشروعة من نصرة الدين و إزالة الفتنة و نحو ذلك و يعرض الكاتبان في هذا المعنى قول ابن عابدين : الجهاد ليس إلا الايمان و إقامة الصلاة فكان حسناً لغيره و قول ابن دقيق العيد : الأصل عدم اتلاف الأنفس و لو كافرة مفسدة و إنما أبيح للمصلحة .
ويقول المؤلفان في كل ذلك ( وإذا غلب على الظن أن الجهاد لن يتحقق من جرائه المصالح التي شرع لأجلها فقد انتفت مشروعيته و صار غير مطلوب شرعاً ، أي ان المكلفين غير مخاطبين به من قبل الشرع و ناحيته فمن أقدم عليه رغم علمه بذلك فليس هو ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " يقول الشاطبي رحمه الله تعالى في كلام نفيس له : لما ثبت ان الأحكام شرعت لصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك لأنه مقصود الشارع ، فإذا كان الأمر في ظاهره و باطنه على أصل المشروعية فلا إشكال و إن كان الظاهر مرافقاً لمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح و غير مشروع لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لنفسها و إنما قصد بها أمور أخرى هي معانيها و هي المصالح التي شرعت لأجلها" ) ص 59 ، 60 .(1/9)
المانع الثاني : إذا تعارض القتال مع هداية الخلائق . معلوم أن الحكمة من إرسال الرسل و إنزال الكتب هي هداية الناس و قد قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيرا ، و داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا " كما قال الله تعالى " و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون " و قد حث الرسول صلى الله عليه و سلم على دعوة الناس و السعي في هدايتهم فقال " لإن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم " و قال :" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً " .
و يقول الكاتبان :" و القتال ذاته لم يشرع إلا لخدمة الدعوة و حمايتها من عدوان المعتدين و فتح السبيل أمامها و تحطيم القوى الجاهلية التي تمنع وصول الدعوة إلى الناس أجمعين ، و لم يكن القتال قط مطلوباً لذاته أي لغاية . و اتفق الفقهاء على حرمة قتال من لم تبلغه الدعوة قبل دعوته و قالوا فإن كانت الدعوة قد بلغت فيستحب تكرارها . و كذا اتفقوا على أن من يطلب الأمان ليسمع القرآن و يعرف إلى أي شيء يدعو هذا الدين وجب إعطاءه الأمان و حرم قتله و قتاله حتى يسمع كلام الله ثم يجب بعد ذلك أن تبلغه مأمنه سواء آمن أو أعرض . كما أجمعوا على أن أهل الكتاب يقرون في ديار الإسلام بعقد الذمة . ص63
ويقول المؤلفان :" كل هذا يدل على ان هداية الناس هي المطلوب الأسمى وأن الدعوة والبيان مقدمة على القتال و النزال " وروى ابن اسحق لسنده مرفوعاً على النبي صلى الله عليه و سلم :" لإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر " .
المانع الثالث : العجز .. أي عدم القدرة
قال الله سبحانه و تعالى : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " .
و قال ... ... ... : " فاتقوا الله ما استطعتم " .
و قال سبحانه : " لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها "(1/10)
و قال : " و ما جعل عليكم في الدين من حرج " .
و قد أجمع علماء المسلمين قاطبة من الصدر الأول إلى يومنا هذا على أن مناط التكليف هو القدرة و ان العاجز غير مكلف أصلاً .
و قال ابن تيمية رحمه الله :" و قيد الأمور بالقدرة و الاستطاعة و الوسع و الطاقة " و قال الشاطبي : ان شرط التكليف أو سببه القدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعاً "
وقال صاحب تنوير الأبصار : وشرط لوجوبه القدرة على السلاح أضاف ابن عابدين في حاشيته " و على القتال و ملك الزاد و الراحلة .. إلى أن قال و إلا سقط الوجوب لأن الطاعة بحسب الطاقة فتأمل " . ص 66 ، 67
و يقول المؤلفان : فإن قيل هذا الذي ذكرتموه و ذكره العلماء من العجز و عدم القدرة و عدم مكافأة العدو في السلاح و نحوه يصلح حجة على إسقاط وجوب الجهاد لا مانعاً منه " ص 67 .
فيقول المؤلفان :" ليس في جعله مانعاً وهم و ذلك لأن الجهاد من الأمور الخطيرة إذ فيه تستحل دماء و أموال بل و أبضاع . وتحدث فيه غالباً نكايات شديدة في طرفي القتال كليهما . فإن أقدم عليه البعض مع عجزهم وعدم قدرتهم فسيكون تحت ذلك و من جرائه مفاسد عظيمة وفتن شديدة و هلكة للمسلمين . فمن ثم لا عجب أن جعلنا العجز مانعاً لا لذاته بل لما يترتب عليه . ص68
المانع الرابع : الهلكة
قال الله تعالى :" و لا تلقوا بايديكم إلى التهلكة "
يقول المؤلفان في ذلك : " هذا نهي و النهي على ما تقرر من علم الأصول يفيد التحريم . فإن كان الجهاد لا يحقق شيئاً سوى إهلاك الطائفة الداعية إلى دين الله و إبادتهم و استئصال شآفتهم و محو دعوتهم فلا مناص من القول بخطره و منعه " . ص 70
و يشير الكتاب إلى تفسير الشوكاني في الآية السابقة حيث يقول :" الحق أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدنيا و الدين فهو داخل في هذا و به قال ابن جرير الطبري .... "(1/11)
المانع الخامس : وجود مسلم في صفوف المشركين
يقول الله تعالى:" و لولا رجال مؤمنون و نساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً " .
يقول المؤلفان أن الآية نزلت في المستضعفين من المؤمنين ممن كانوا بمكة عام الحديبية فلم يأذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بقتال كي لا يصاب هؤلاء . وهذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن إذ لا يمكن إذاية الكافر إلا بإذاية المؤمن " ص 75
وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه و إن فعل ذلك فاعل فأتلف احداً من المسلمين فعليه الدية والكفارة فإن لم يعلموا فلا دية و لا كفارة ". وقال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن : قال مالك و قد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء فكانوا ينزلون الأسارى يستقون لهم الماء فلا يقدر أحد على رميهم بالنبل فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا .. وقال الشافعي بقولنا . وهذا ظاهر فإن التوصل للمباح بالمحظور لا يجوز سيما بروح مسلم فلا قول إلا ما قاله مالك " ص 75 .
وجاء في المدونة الكبرى : وقال سحنون عن الوليد عمن سمع الأوزاعي يقول في القوم من المسلمين يلقون سفينة من سفن العدو وفيها سبي من المسلمين قال يكف عن تحريقها ما كان فيها من أسارى المسلمين أحد بل إن طائفة من أهل العلم ذهبت إلى امتناع رمي الكفار لو تترسوا بنسائهم و صبيانهم " . ص 76
قال الشوكاني : واحاديث هذا الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وعلى ذلك ذهب مالك و الأوزاعي فلا يجوز عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أوتحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم " . ص 77
المانع السادس: نطق الكافر بالشهادتين وقومه المرتد ورجوعه إلى الاسلام ورجوع الباغي إلى الطاعة.(1/12)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي (ص) قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله ) وقال أسامة بن زيد رضي الله عنه : ( بعثنا رسول الله (ص) في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة ، فادركت رجلا فقال : لا إله إلا الله فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي (ص) فقال رسول الله (ص) أقال لا إله إلا الله وقتلته ، قلت يارسول الله : إنما قالها خوفا من السلاح ، قال (ص) : ( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا) .
وفي المرتد يتند المؤلفان الى قوال الشيرازي : ( واذا تاب المرتد قبلت توبته سواء كانت ردته إلى كفر ظاهر به أهله أو الى كفر يتستر به أهله كالتعطيل والزندقة لما روى عن أنس رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله (ص) ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فاذا شهدوا أن لا إله إلا الله واستقبلوا قبلتنا وصلوا صلاتنا واكلوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ) ص( 79).
وفي الردة يشير المؤلفان الى أنه اذا ارتد ثم أسلم ثم أرتد وتكرر ذلك منه قبل إسلامه ويعزر على تهاونه بالدين . وقال أبواسحاق : ( لا يقبل اسلامه اذا تكررت ، وهذا خطأ لقوله عز وجل : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وعن الحديث عن البغاة : ( اذا رجعوا الى الطاعة لم يقاتلوا حتى تفئ إلى أمر الله ).
المانع السابع :
اذا كانت المفاسد والفتن المترتبه على القتال أعلى من المصالح المتوقعة منه . أو كان ما يضيعه من المصالح أعلى مما يجلبه . وقد بين المؤلفان ذلك في الباب الأول.
المانع الثامن : وهو خاص بأهل الكتاب.(1/13)
يقول المؤلفان ، وخلاصته أنهم اذا أدوا الجزية الى الحاكم وعقد لهم عقد الذمة أمتنع قتالهم سواء دفعوها اليه باسم الجزية اوغيرها، فما داموا قد أبدوا رغبتهم في الدخول مع المسلمين في عقد ذمة ودب اجابتهم وامتنع قتالهم ، ويورد المؤلفان حديث بريدة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله (ص) اذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه بخاصته ) الى أن يقول : ( واذا حاصرت أهل حصن فارادوك أن تنزلهم على حكم الله ، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن انزلهم على حكمك فانك لا تدري اتصيب حكم الله فيهم أم لا ) ص(83).
ويتسائل المؤلفان ولكن ماذا عن أيامنا هذه حيث لا تطالب الدول أهل الكتاب فيها بأداء جزيه ولا عقد ذمة ، فكيف يكون الحال بين الجماعات الاسلامية وبين أهل الكتاب ؟ ويجيبان : قلنا اما استغلال أفراد وطوائف غير ممكنة بأخذ الجزية وعقد الذمة فهذا لا سبيل الى القول به لان العقد يتضمن التزامات على الطرفين ولا يتأتى لأفراد أداء هذه الالتزامات ) ص( 85).
المانع التاسع : عدم بلوغ الدعوة .
في حديث بريدة رضي الله عنه : اذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى احدى خصال ثلاث : أدعهم إلى الاسلام فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم . وقال ابن قدامه في كتابه المقنع : من لم تبلغه الدعوة يدعى قبل القتال ولا يجوز قتالهم قبل الدعاء) ص(87).
قال ابن قدامة من الشرح : ان وجد منهم من لم تبلغه الدعوة قبل القتال وكذلك ان وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعي قبل القتال وكذلك ان وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعي قبل القتال . ص 88(1/14)
ويقول المؤلفان :" والمقصود أن من لم تبلغه دعوة الاسلام لا يحل قتاله إلا بعد دعوته فإن استجاب و آمن فلا معنى لنصب القتال حينئذ بل يجب الامتناع من حربه وهذا المعنى لا يقتصرعلى الكفارالأصليين بل يمتد ليشمل غيرهم من البغاة - وهم الخارجون عن الإمام العادل بغير حق – ويشمل أيضاً المرتدين فهؤلاء وهؤلاء ينبغي دعوتهم أيضاً قبل القتال " ص88، 89
المانع العاشر : عقد الصلح
يقول الشيخ الحصكفي في شرحه على تنوير الأبصار " و يجوز الصلح " على ترك الجهاد " معهم بحال" منهم أومنا "لوخيروا" لقوله تعالى " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" وقال ابن عابدين في حاشيته . والآية مقيدة برؤية المصلحة إجماعاً وقال صاحب الدر المختار في شرحه على تنوير الأبصار عند الحديث عن البغاة :" ولو طلبوا الموادعة أجيبوا" إليها " ان خيرا للمسلمين" كما في أهل الحرب ، وقال في أهل الردة : " و" صالح " المرتدين لوغلبوا على بلدة وصارت دارهم دار حرب "وخيراً" بلا مال وإلا يغلبوا على بلدة "لا" لأن فيه تقرير المرتد على الردة و ذلك لا يجوز .
والمقصود أن الصلح جائز بين مختلف الطوائف المتقاتلة وهذا الصلح متى أبرم امتنع القتال سواء كان الصلح مؤقتاً أوغير مؤقت . ص 90
قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن : فإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لنفع – يجتلبونه أوضرر يدفعونه فلا بأس أن يبتدأ المسلمون به إذا احتاجوا إليه - . وقال ابن حبيب عن مالك رضي الله عنه : تجوز مهادنة المشركين السنة والسنتين والثلاث وإلى غير مدة . قال ابن قيم الجوزية : جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه ولا يتوقف ذلك ابتداء الطلب منهم ... ان مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ماهو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما . ص91(1/15)
وفي ختام هذا الكتاب يقول المؤلفان أنهما كجزء من الحركة الإسلامية وقد اتضح الهدف الذي يسعيان إليه وهوهداية الخلائق، فلا بد أن يمتلكا الشجاعة الكافية للإقدام على أي قرار يريانه يحقق هذا الهدف .
ويقولان : ولا بد أيضاً أن نمتلك الشجاعة الكافية للإحجام عن أي قرار نراه مباعداً بيننا وبين هذا الهدف ولا بد كذلك أن نمتلك شجاعة أكبر وأكبر للعدول عن أي قرار أو خطوة قد أقدم عليها بعضنا بالفعل و يتبين لنا أنها لن تعين على الوصول إلى هدفنا سالف الذكر أعني : هداية الناس . وليس من الشجاعة في أي شيء أن نترك رحى الحرب دائرة بين أبناء وطننا ونحن متأكدون أنها قبل أن تطحن جماجم وعظام ستطحن دعوة هذا الدين . ص 93 .
ثم يقولان :" نعم يجب أن تتوقف أعمال العنف التي وصل بعضها إلى حد القتال لأن الشرع يأمرنا بإيقافه فمن سخط علينا فليفعل فما كنا نرجو يوماً رضا مخلوق حتى نخاف اليوم سخطه ومن وجدها فرصة سانحة للهجوم علينا فليفعل فما هي باول مرة يهاجموننا ولا هي – إنشاء الله – آخر مرة يدافع الله عنا ... " ص 95(1/16)