مات وأمره إلى الله
الحمد لله الذي تفرّد بكلِّ كمال، واختصَّ بأبهى جلالٍ وأعظم خلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أنّ نبينا محمّدًا عبد الله ورسوله المبعوث بشريفِ السجايا وعظيم الخِصال، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصَحبه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
كلمة مهمة :
في ظلِّ الظروف العصيبةِ الراهنة التي تعصِف بالأمة وفي خِضمّ المتغيِّرات المتسارعة والأحداث المتلاحقة التي يعيشها العالم اليومَ يتطلّع الغيورون بل والمنصفون في العالم إلى كلِّ ما يعزِّز فُرَصَ الأمن والاستقرار الدوليّ والرخاء والسلام العالمي الذي يشعِر الأفرادَ والمجتمعات بل الشعوبَ والأمم بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان، ومن ثَمّ التعاون بشكلٍ متكامل في بناء الحضارة الإنسانية وتحقيق النماء والتقدّم للبشرية، دون استعلاءٍ أو ظلم أو تسلُّط أو استغلال. وإنّ الغيورَ ليعتصِره الأسى وهو يرى العالمَ اليومَ يبدو في معظمِه ليس موقعًا للتضامُن والأمن في ظلّ تصفيةِ حساباتٍ أنانيّة ونظراتٍ مادّية بين عولمةٍ كاسحةٍ وتبعيّة فاضحةٍ وجهلٍ متفاقِم وفقر متعاظِم وظلمٍ مستَشرٍ وإرهابٍ مستفحِل وحروبٍ عرقية وتوازُنٍ دولي جائِر وهيمنةِ القوى الكبرى على كثيرٍ من مقدَّرات الأمم والشعوب، وهنا تتأكَّد أهمّية سيادةِ لغةِ الحوار وتغليب منطِق العقل والحكمة وتحقيق المصالح العليا للأمّة والحرص على استتباب الأمنِ والسلام باعتباره الوسيلةَ الناجعة لحلّ مختلِفِ القضايا العالمية والمشكلاتِ الدولية التي تعترِض سبيلَ إسعادِ البشرية.(1/1)
ولذا فإنّ الحاجةَ ماسَّة إلى فهم الإسلام الحقِّ والجِدِّ في نشر مفاهيمِه الصحيحةِ وتقديمه للعالم بصورته المشرقة رحمةً وعدلاً وتسامُحًا وأمنًا، والتأكيد على أنه ليس عقيدةً متسلِّطة تفرض على العالم مفاهيمها ونُظُمها، خلافًا للدعاية المغرِضة والحملات المسعورةِ التي يُروَّج لها في بعض وسائل الإعلام العالمية، مستغلَّة ما يقوم به بعضُ المنتسبين إلى الإسلام من أعمالٍ إرهابية، وإنّ ذلك لا ينبغي أن يجرَّ أولي العقول والبصيرةِ وذوي الشرف والمروءة في العالم إلى تصديقِ تلك المقالات الرائجة، فالإسلام الحقُّ يحرِّمُ الأعمالَ الإجراميّة الإرهابية والأفعال التخريبيّة الإفساديّة، ويعدُّ من يقوم بها منحرِفًا عن الحقّ، خارجًا عن إطار الشريعة، مخالفًا للنظُم والأعراف والمجتمعات الإسلامية والإنسانية، والذين يقومون بها فئةٌ نَشاز في الأمة، لا يمثِّلون إلاّ فئةً قليلةً لا يؤبَه بها، ولكن مع شديد الأسف أنّ بعضَ وسائل الإعلام المعادِية ضخَّمت من شأنهم.
التوبة إلى الله تعالى ، والعودة لدينه عز وجل ، ديدين الصالحين ، وشأن المتقين ، فمن أراد الله له الخير والفلاح في الدنيا والآخرة ، هداه للتوبة والأوبة ، والرجوع إلى الحق والصراط المستقيم ، والدين القويم .
حرب الرسالات والرسل :
كم كانت الرسالة المحمدية في بدايتها شعلة خافتة ، وشمعة هادئة ، بإذن من الله تعالى ، حتى لا توأد في مهدها ، فلما انتشرت وأمر الله صاحبها عليه الصلاة والسلام بالإبلاغ والصدع بها ، حوربت وحورب أصحابها ، بل عُذبوا وقُتلوا ومُثِّل بهم رضي الله عنهم أجمعين .
ولما كانت غزوة بدر وأحد ، وقتل من المسلمين من قتل ، قتلهم أعداء الله تعالى آنذاك من كفار قريش ، وما ظنكم بمن يقتل مؤمناً يقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم في معسكر واحد ، وخندق واحد ؟ لحياته تعيسة ، ونهايتة مقيتة .(1/2)
لكن لا نغفل عن أن الله تعالى رحيم غفور تواب ودود ، رحمته سبقت غضبه ، وحلمه سبق انتقامه ، وعفوه سبق سطوته ، فسبحانه من إله عظيم ، ورب كريم ، وتأمل قوله تعالى لبني إسرائيل لما كذبوا رسوله موسى عليه السلام ، ماذا قال لهم ربهم : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } [ البقرة64 ] .
يقول لهم ربهم : ثم خالفتم وعصيتم مرة أخرى, بعد أَخْذِ الميثاق ورَفْع الجبل كشأنكم دائمًا ، فلولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته بالتوبة, والتجاوز عن خطاياكم, لصرتم من الخاسرين في الدنيا والآخرة .
ويقول الرحيم المنان ذو العفو والمغفرة : { وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام54 ] .
وإذا جاءك -أيها النبي- الذين صَدَّقوا بآيات الله الشاهدة على صدقك من القرآن وغيره ، مستفتين عن التوبة من ذنوبهم السابقة , فأكرِمْهم بردِّ السلام عليهم, وبَشِّرهم برحمة الله الواسعة; فإنه جلَّ وعلا قد كتب على نفسه الرحمة بعباده تفضلا أنه من اقترف ذنبًا بجهالة منه لعاقبتها وإيجابها لسخط الله -فكل عاص لله مخطئًا أو متعمدًا فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالمًا بالتحريم- ثم تاب من بعده وداوم على العمل الصالح, فإنه تعالى يغفر ذنبه, فهو غفور لعباده التائبين, رحيم بهم.
التوبة الصادقة :(1/3)
ممن حارب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إبان ظهورها ، وعند قيامها ، عمر بن الخطاب خليفة المسلمين رضي الله عنه وأرضاه ، وغيره كثير ممن تاب الله عليهم ورضي عنهم ، وممن قاتل ضد المسلمين في غزوتي بدر وأحد ، أبو سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وخالد بن الوليد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، فأسلموا وحسن إسلامهم ، بل قاتلوا في صفوف المسلمين ، ودحروا أعداء الدين ، فبرحمة من الله وفضل منَّ عليهم بالتوبة والإسلام ، وإلا لكانوا حطباً لجهنم والعياذ بالله ، فالتوبة تمحوا ما قبلها من الذنوب والمعاصي ، فرحمة الله واسعة ، ولا يجوز لأحد أن يحجِّر رحمة الله ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ عَبْداً أَصَابَ ذَنْباً، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْباً آخَرَ، وَرُبَّمَا قالَ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْباً آخَرَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي. قالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَباً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْباً آخَرَ، وَرُبَّمَا قالَ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْباً آخَرَ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً فَاغْفِرْهُ لِي،فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ، فَقَالَ رَبُّهُ: غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلُ مَا شَاءَ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
الله عفو غفور :(1/4)
ما حصل من الرئيس الراحل صدام حسين من الذنوب والخطايا ، والقتل والتعذيب كما يزعم الكفرة الرافضة والمحتل معهم ، فهو من قبيل الخطأ الذي يحاسب عليه العبد عند ربه ، فإن تاب تاب الله عليه وعفى عنه ، وسمح وصفح ، فالله يحب الصفح ويدعو إليه سبحانه ، وهو أهل الرحمة والمغفرة ، قال تعالى : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف56 ] ، وقال سبحانه وتعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف156 ] .
والتوبةُ واجبة على كلِّ أحدٍ من المسلمين، فالواقعُ في الكبيرة تجِب عليه التوبة إلى الله عزّ وجلّ لئلاّ يبغته الموت وهو مقيمٌ على معصية، والواقعُ في صغيرةٍ تجب عليه التّوبة لأنّ الإصرار على الصغيرة يكون من كبائر الذنوب، والمؤدِّي للواجبات التاركُ للمحرّمات تجب عليه التّوبة أيضا لما يلحَق العملَ من الشروط وانتفاء موانع قبوله، وما يُخشى على العمل من الشوائب المحذَّر منها كالرّياء والسّمعة ونحو ذلك، عن الأغرّ بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيّها الناس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإنّي أتوب في اليوم مائةَ مرّة " [ رواه مسلم ] .(1/5)
ولقد نقلت كثير من المنظمات الإنسانية والحقوقية ، عن جرائم صدام حسين إبان سلطته ، بل عندما حكم العراق ، فسجلت ضده مئات القضايا ، بالقتل والتعذيب والتنكيل ، حتى وصلت وسائل التعذيب لديه لدرجة لا يتصورها العقل البشري ، من نشر بالمناشير ، وتعذيب بالكهرباء ، وفعل الفاحشة بأمهات وزوجات وأخوات وبنات السجناء ليستخرجوا منهم الاعترافات ، إلى غير ذلك من وسائل التعذيب التي كتبت عنه ، ونقلها أناس كابدوا مرارة العذاب كما يدعون أو يزعمون _ صدقوا أو كذبوا _ ولست بصدد الحديث عن جرائم صدام من عدمها ، فلم تتسنى لي فرصة لمقابلة أحد ممن عاش فترة صدام آنذاك .
لكن لماذا نبتعد بعيداً ، والأمة يكال لها المكيال بمكيالين ، فهي تعاني تعسف ساستها ، وحقد الكفار من الخارج ، فلا تدري أتكابد وتجاهد من بالداخل أم من بالخارج ، وهذه هي الحقيقة المرة ، فالزعماء لا يهمهم إلا هذه المناصب والمآكل والمشارب ، والتنعم في هذه الحياة الدنيا بجميع الملذات ، حلالاً كانت أم حراماً .
ثم إن كان أعوان صدام قتلوا ومثلوا وانتهكوا الأعراض ، فلا أظن أن رئيس دولة عربية أو إسلامية لم يفعل زبانيته مثل ما فعل أعوان صدام ، وتالله وبالله إن الواقع اليوم خير شاهد ، فالسجون ملئ بالمظلومين ، ومدن كاملة أحرقت بمن فيها من أهل السنة في سوريا والعراق وإيران ، ويتعرض أهل العلم والفضل في كل دولة للسجن وممارسة أبشع أنواع التعذيب ، وما مصر عنا ببعيدة وكذلك أختها الأردن ودول المغرب العربي التي تبتعد شيئاً فشيئاً عن لغة القرآن الكريم ، متجهة غرباً لتستمد اللغة من فرنسا أو غيرها .(1/6)
ومع تلكم الحروب الدينية الطاحنة في البلد الواحد ، بل قل : الاضطهاد الذي يعيشه العلماء النصحاء والدعاة الفضلاء في كل دولة من دول الإسلام دون استثناء ، فإننا لا نرى تحركاً لمنظمات حقوق الإنسان أو غيرها ، لأن القضية قضية إسلام ، قضية دين يدعون إلى تطبيقه بكل حذافيره ، وهذا ما لا ترضاه دول الغرب الكافرة ، بترقب وإعجاب من دول الإسلام .
فلا عجب أن تلتهمنا دول الكفر دولة بعد أخرى ، لا أقول خلال سنة ، بل خلال سنسن ، فهم يخططون لعشرات السنين القادمة ، فما لم يحققه رئيس الدولة الحالي يكمله الرئيس الذي بعده ، ونحن لا زلنا تحت رحمة زعمائنا الظلمة العملاء أصحاب الكراسي والمناصب ، سُراق البترول ، آكلوا الميزانيات ، ممتصوا الصفقات الوهمية الكاذبة ، وأكاد أجزم أن معظم الناس يدركون هذا لكنها مسألة وقت لا أكثر ، فاللهم حوالينا ولا علينا .
ولولا أن يطول الكلام لذكرت كل رئيس دولة وماذا فعل ، ولكن كما قيل : إذا سقط الجمل كثر جزاريه .
وما حصل لصدام من اغتيال ومحاكمة ظالمة غاشمة ، لا يقرها عقل ولا دين ، ما هو إلا حقد صليبي صفوي ، لهز المنطقة بأسرها كمن يقول : الدور قادم لا محالة .
فالواجب على الرؤساء عدم الخوض فيما حصل لصدام ، أقصد أن لا ينعتوا صدام بالطاغية أو الجبروت ، مع أن الواقع أننا لم نسمع أحداً منهم قال مثل هذا الكلام ، لأنهم يسيرون في ذات الدرب ، والدور عليهم ، فكل يتحسس رقبته متى تقدم للسيف أو لحبل المشنقة ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
الخطأ والصفح :(1/7)
المؤمِن ليس معصومًا من الخطيئة، وليسَ في منأى عنِ الهَفوة، ليس في معزِل عن الوقوعِ في الذنب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والّذي نفسِي بيَدِه، لو لم تذنِبوا لذَهَب الله بكم، ولجاءَ بقومٍ يذنِبون فيستغفِرون اللهَ فيغفِر لهم " [ أخرجه مسلم ] ، وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " كلُّ بني آدَمَ خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوّابون " [ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة ] .
كلمة حق :
إن الكارثة الأخطرُ في المنطقة التي لا تزال الأمّة تعيش عقابيلَها حتى هذه اللحظةِ هي تلك الهجمَة الصلييّةُ الصفوية الغاشمة على الأمّة الإسلامية في العراق ؛ حيث يشهَد التأريخ هذه الأيامَ أن هناك حالةً من التخبّط والإمعان في الكيد للأمّة ودينها ومقدَّساتها ورموزها، من قبل الرافضة الصفويين ، والمحتلين الأمريكيين ، ولقد كان آخر مسلسَلِ الجرائم البشِعة التي أقدم عليها هذا الشبح الرافضي الصليبي الصهيوني الغاشِمُ ، هو ما رُزِئت به الأمّة الإسلامية عامّةً ، والقضيّة العراقية خاصّة من جريمةِ اغتيال الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله ، وخَلَفه في عقِبه في الغابِرين، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ولقد تولَّى كبرَ هذه الجريمةِ النّكراء ، والحادثةِ الشّنعاء ، قوم طعنوا في دينهم ، وشتموا نبيهم صلى الله عليه وسلم ، واتهموا ربهم تبارك وتعالى ، ولعنوا أصحاب نبيهم رضوان الله عليهم ، وأباحوا الزنا ، والسرقة والجريمة ، وأحلوا تدمير المساجد ، وقتل الأبرياء ، وهتك الأعراض ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
لقد هزّت هذه الجريمةُ البشِعة مشاعرَ الأمّة جميعًا، بل مشاعرَ كلّ الشرفاء ممّن يؤمِن بقيَم الحقّ والعدل والحرّية وحقوقِ الإنسان في العالم، كما أنها تمثِّل في فصولها ومشاهِدها أبشعَ معاني الغدر والظلمِ والخيانة والخسَّة والدناءة التي ينتهجها أحفاد ابن العلقمي .(1/8)
إنّ إقدام حكام العراق الخونة العملاء بمباركة من أمهم أمريكا على اغتيالِ صدام حسين بهذه الطريقة المروّعة ، وفي يوم عيد الأضحى المبارك ، بكل عنجهية وهمجية ، يُعتبَر خرقًا لكلّ المبادئ الإنسانيّة والأعرافِ والمواثيق الدولية ، وتجاوزًا لكلّ الخطوط الحمراءِ ، وإمعانًا في الحِقد السافر ، والكيد الكُبَّار ، والمشروعِ الدمويّ الغادِر لهؤلاء ، وإماطةً للِّثام عن الوجه الكالح ، وإذكاءً للحِقد والكراهية والعنصرية البغيضة ، ومع أنّ الإسلامَ هو دين الرحمة والتسامُح والسلام، فإنّه يأبى كلَّ الإباء معانيَ التخاذل والضَّيم والاستسلام .
ثم لا عجب، فتاريخُ القوم قاتِم بمدادٍ أسود في سلسلةِ قتل المجاهدين والصّلَحاء من أهل السنة .(1/9)
إنّ على المجتمع الدّولي عامة ، والإسلامي خاصة ، تقع المسؤولية أما رب العالمين ، فلابد أن يبادروا بوضع حلٍّ عاجل ، واتِّخاذ موقفٍ حاسِم ، لعلاج ما آل إليه وضعُ إخواننا المسلمين في بلاد الرافدين ، وإيقاف سياسةِ العبَث والعُنف الصفوي ، والطائفية الرافضية المهووسة المستمرة ، واستهتارها بأرواحِ ودماءِ المسلمين في العراق ، والذي لن يؤدّي إلاّ إلى مزيدٍ من العنف والتدهوُر والفوضى، مما يشكِّل عائقًا أمام الجهود الراميةِ لوقف النزيف الدمويّ على أرض الرافدين ، فهل تأخذ الأمّة الدروسَ والعبر من هذه الأحداث المؤلمة؟! وهل تعي أنّ القوّة الحقيقيّة إنما هي قوّة العقيدة والإيمان، وأنَّ بلوغ القمّة إنما هو في القوة وعلو الهمة، وأنّ أمّتنا تأبى الانهزاميّة وتستعصِي على التلاشِي والذوَبان، وأنّ روح المقاومةِ تحفر خنادقَ في القلوب للتضحيةِ بالنفس والنفيس من أجلِ نُصرة دين الله والاضطلاع بهمومِ الأمة وقضاياها، وأنّ السيرَ خلف الوَهم والسراب والوعود الكاذبة ، والأحلام الوَردية الأمريكية ، والديمقراطية الصليبية الكاذبة ، ضربٌ من تخديرِ الأمّة ، وإقصائها عن نُصرة قضاياها العادلَة، وأنّ ما حصل ويحصُل للمسلمين في كل مكان ، إنما هو تمحيصٌ وابتلاء يتمخَّض عنه بحول الله بشائرُ عاجلة وآجلة، تدفع لصحوةِ الأمة من غفوَتها ونهوضِها من كبوتها، وتبعَث همّتها الحضارية وقوّتها المعنويّة والمادية حتى يتحقَّق النصر بإذن الله .
ألم يئِن الأوان ـ يا أمّة الإسلام ـ
ألم يحن الوقت ـ يا أمة المليار ونصف مسلم ـ
لوقفِ نزيف الدمِ المسلم المتدفِّق على ثرَى بلاد الرافدين الحبيسة ، بل وفي كل مكان؟!
بلى آن ، وبلى حان ، قال تعالى : { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [ آل عمران111 ] .(1/10)
وقال تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة14 ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [ الأنفال65 ] .
شهود الحق :
مما نقلته وسائل الإعلام عن شهود عيان من المسلمين بل وحتى من غيرهم ، أن صدام حسين رحمه الله ، قد عاد إلى دين الله تعالى ، وتاب مما كان مقيماً عليه من المذهب البعثي العلماني ، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر .
فقد نقل النعيمي المحامي القطري ، المكلف بالدفاع عن شهيد الأمة وبطلها صدام حسين ، قال أن الرئيس رحمه الله قد عاد إلى دين الله ، وأظهر إسلامه ، بل بين في مذكراته أنه عازم على أسلمة حزب البعث ، والدولة كاملة ، فلا شيعية ولا نصرانية ولا يهودية بل دولة إسلامية سنية ، تحكم كتاب الله تعالى ، وتعمل بمقتضى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وما ذكره حارسه وممرضه الشخصي ، أنه كان يقضي وقته بين قراءة القرآن الكريم ، والصلاة ، ومطالعة الكتب الدينية ، لا سيما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، فهذه دلائل تشير إلى العودة إلى الله عز وجل ، فنسأل الله لنا وله الثبات على الدين ، وحسن الختام ، وحسن الجواب عند السؤال .
خطأ وتبعية فادحة :(1/11)
لا زالت أمريكا رأس الأفعى ، وأساس الشر في العالم كله ، ودولة الإرهاب والإرعاب ، تطيح بالدول الواحدة تلو الأخرى ، حتى تهيمن فيما تزعم على الكرة الأرضية ، وأيم الله لذلك أبعد عن شوارب أهلها ، كبعد الثرى عن الثريا ، لكنها تحاول التفريق بين الدول المتجاورة للفتك بها ، كل على حدة ، فأين العقول ؟
ومن مخططاتها وخدعها التي انطلت على البعض ، ما حصل من احتلال للكويت واعتداء على المملكة العربية السعودية ، من قبل قوات صدام حسين ، لهو خطأ جسيم ، كانت له مبرراته عند صدام ، ولم يقره على ذلك أحد ، لكنه كان بتخطيط ومباركة أمريكية ، حتى يقع في الفخ ، وقد حصل لهم ما أرادوا ، لكن جرائم القتل والاغتصاب والنهب والسرقة والتعذيب التي قامت بها بعض أفراد ومليشيات الجيش العراقي ، كانت من قبل الرافضة أعداء الله في أرضه ، وحزب البعث الطاغي الباغي ، وأعداء أتباعه من أهل السنة والجماعة ، وربما لم يكن الرئيس على علم بما يفعله أولئك الأوباش ، الذين ظهر للعالم بأسره مدى بشاعتهم ووحشيتهم في أهل السنة في العراق ، وأثناء اغتيال صدام حسين رحمه الله .
أمسك عليك لسانك :(1/12)
فإن كان مات رحمه الله فلا يجوز لأحد أن يتفوه بكلمة سيئة ضده ، فقد أفضى لما قدم ، وأمره إلى الله ، وحسابه على الله ، واذكروا محاسن موتاكم ، وكفوا عن مساوئهم ، وما نطقه بالشهادة قبل الموت إلا دليل إيمانه نحسبه كذلك ، ونحسبه شهيداً بإذن الله تعالى عند ربه ، عن مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال : قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من كانَ آخر كلامه لا إِلهَ إِلا الله ، دخلَ الجنَّةَ " [ رواه أبو داود ] ، عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ عِنْدَ المَوْتِ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، هَدَّتْ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ " ، وَعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ : " إِنَّ اللّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِر " [ رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن ] .
وقد سمع الناس في أصقاع المعمورة صدام حسين وهو ينطق بالشهادتين مرتين ، فنسأل الله تعالى أن يكون من الشهداء ، مع الصديقين والنبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، قال تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [ النساء175 ] .
فأمَّا الذين صدَّقوا بالله اعتقادًا وقولا وعملا واستمسكوا بالنور الذي أُنزل إليهم, فسيدخلهم الجنة رحمة منه وفضلا ويوفقهم إلى سلوك الطريق المستقيم المفضي إلى روضات الجنات .
الأسف الشديد :(1/13)
وا أسفا لمن نال من صدام رحمه الله ، وقال لا نترحم عليه ، ولا نصلي عليه ، لأنه مات على غير الإسلام ، ولم نعلم بتوبته ، ونقول له : هلا شققت عن قلبه ، هلا علمت ما يخفيه في قلبه ، أم أنه زعم بلا علم ، وادعاء باطل لا صحة له ، إن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، فهل تُكذِّبون ذلك ؟ وتدعون أنه من الممكن أن يقولها أي إنسان ، فلم لم يقلها أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس لأنه لم يسلم .
ولم قالها الشاب اليهودي عند موته ؟ أليس بعد إسلامه .
ولم مات على التوحيد عمرو بن ثابت بن وقيش ولم يسجد لله سجدة ، ولم كان مخيريق خير يهود ولم يعلم أحد من الناس إسلامه ؟ أليس لأنه أسلم ؟
وانظروا كيف عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد عندما قتل رجلاً كافراً بعدما قال لا إله إلا الله ، عن أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ رضي الله عنه قالَ : " بَعَثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إلَى الْحُرَقَاتِ ، فَنَذِرُوا بِنَا فَهَرَبُوا ، فَأدْرَكْنَا رَجُلاً فَلَمَّا غَشِينَاهُ قالَ : لاَ اله إلاَّ الله ، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ ، فَذَكَرْتُهُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : مَنْ لَكَ بِلاَ اله إلاَّ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقُلْتُ يَارَسُولَ الله : إنَّمَا قَالَهَا مَخَافَةَ السِّلاَحِ ، قالَ : أفَلاَ شَقَقْتَ عنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مِنْ أَجِلْ ذالِكَ قَالَهَا أمْ لاَ ، مَنْ لَكَ بِلاَ اله إلاَّ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى وَدِدْتُ أنِّي لَمْ أُسْلِمْ إلاَّ يَوْمَئِذٍ " [ أخرجه مسلم " .(1/14)
وعن معاذ بن جَبَلٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ : قال : فقال : " يَاا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلى الْعِبَادِ ؟ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " حَقُّ اللَّهِ عَلى الْعِبَادِ : أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَحَقُّهُمْ عَلى اللَّهِ : أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً " ، فَقُلْتُ : يَاا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : " لاَ تُبَشرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا " [ متفق عليه ] .
فليحذر من يتألى على الله ، ألا يغفر لإنسان ، فربما وقع في المحذور كما وقع فيه غيره ، وليحذر من يقول على الله بغير علم ، فيكفر ويخرج من الإسلام .
وليدرك كل مسلم أن من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة .
الخطأ وارد من كل إنسان ، ولا ينفك عنه أحد ، لأنه جبلة جبل عليها العبد ، فالشهوات تحيط به من كل جانب ، فلابد أن يزل ويخطئ ، وخير الخطائين التوابون ، الراجعون إلى الحق قبل الموت ، وقد بشر المبشرون من أهل الصدق والحق ، أن صدام حسين دفن وهو ورافع لأصبعه السبابة دلالة على التوحيد ، وأمارة لحسن الخاتمة ، نحسبه عند الله كذلك ، ونسأل الله لنا وله العاقبة الحسنة عند الله تعالى .(1/15)
وما صدام ببعيد عمن قتل مائة نفس ثم تاب فتاب الله عليه ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ أَنَّ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ : " كَانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ:إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ: لاَ، فَقَتَلَهُ فَكَمَلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ مَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاساً يَعْبُدُونَ اللّهَ، فَاعْبُدِ اللّهَ مَعَهُمْ، وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَّفَ الطَّرِيقَ، فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِباً مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللّهِ تَعَالَى، وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ".
وفي رواية: " فَكَانَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مَنْ أَهْلِهَا " .(1/16)
وفي رواية: " فَأَوْحَى اللّهُ إِلَى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَقالَ: قِيسُوا بَيْنَهُمَا فَوَجَدُوهُ إِلَى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ " [ رواه البخاري ومسلم وابن ماجة بنحوه ] .
وما صدام ببعيد عن هذا السائل ، عَنْ أَبِي طَوِيلٍ شَطْبٍ المَمْدُودِ أَنَّهُ أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " أَرَأَيْتَ مَنْ عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَتْرُك مِنْهَا شَيْئاً، وَهُوَ في ذلِكَ لَمْ يَتْرُك حَاجَةً وَلاَ دَاجَةً إِلاَّ أَتَاهَا، فَهَلْ لِذلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قالَ: فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ : أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ. قالَ: تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ. قالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: نَعم قالَ: اللّهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى " [ رواه البزار والطبراني واللفظ له، وإسناده جيد قوي ] .
ويصدق الحديث قول الحق تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان70 ] .
ويقول المولى جل وعلا : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } [ طه82 ] .
عدم القنوط من رحمة الله :(1/17)
فأبشر يا أبا عدي فالله رحيم عفو كريم يحب العفو ، ويحب المغفرة ، يغفر الذنوب كلها ، أولها وآخرها ، دقها وجلها ، يتوب على من تاب ، ويرحم من رجع إليه وعاد وأناب ، قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر53 ] .
الله ينادي عباده : يا عبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب : لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ، ورجع عنها ، مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم .
من قتل صدام :
مات صدام ظلماً وعدواناً ، قتله الفرس الأنجاس ، المجوس الأرجاس ، الرافضة الأوباش ، قتلة الصفويون ، قتله الأمريكيون ، لحقد في قلوبهم ، وحسد في نفوسهم ، وظغينة لإرضاء أهوائهم ، قتل المسلم كفار صليبيون ، وأعوانهم آل البيت الأبيض ، قتله سفلة الناس وحثالتهم ، قتله المرتزقة ، قتله الفجرة ، قتله الكفرة ، اغتالوه في ليلة ظلماء ، ودفنوه في جنح الظلام ، مات صدام رحمه الله ، ودفنت معه فضائح الأمريكان ، مات صدام رحمه الله ، بتحزب الأحزاب ، وتمالئ الكلاب ، مات شامخاً أبياً عزيزاً كريماً شجاعاً وفياً بطلاً مغواراً ، شهيداً بإذن الله عز وجل ، وهذا ما يغيض الأعداء قاتلهم الله أنى يؤفكون .
وما هذا القبول له في الأرض اليوم ، إلا نتيجة ميتة حسنة ، وخاتمة طيبة بإذن الله تعالى .
مات صدام رحمه الله رافع الرأس ، شامخ الهامة ، حذاؤه على رؤوس أعدائه ، وقتلوه وهم أذلة صاغرين ، مطأطئو الرؤوس ، منكسو الهامات ، قتلوه وهم يحملون أعداء الله الأمريكان ، قتلوه وأحذية الكفار فوق رؤوسهم ، فشتان بين الفريقين ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير .(1/18)
اليوم وجَّهَ الرئيس الشهيد آخر صفعه بوجه أعدائه وأعداء الإسلام والعروبة والعراقيين ، اليوم وقف الرئيس البطل وقفة الرجال الأبطال وتحدى موت الجسد ، وأثبت خلود الرجال ، اليوم وجه صدام ضربة موجعة للجبناء والمنافقين ، اليوم وقف الأسد وقوف الرجال ، لا يهاب الموت ولا يستجدي الحياة ، اليوم حرمهم صدام من أن يظهروه كجبان أو ذليل أو منكسر ، ومنحنا صورة ستبقى خالدة في القلوب ، من منا أو من أبنائنا أو أحفادنا سينسى هذه الصورة؟
كل من سيركب أرجوحة الأبطال من اليوم ستكون هذه الصورة هي نموذجه الأمثل ، خسئ المجرمون ، لقد أرادوا إهانة المسلمين بإعدامه في أول أيام عيد الأضحى المبارك ، فأعدموه وسط تكبير المآذن ، وعند صلاة العيد ، وحين يكون الدعاء مستجاباً ، والسكينة عامة ، وحيث الملائكة صاعدين هابطين .
أية ميتة شريفه يا أيها البطل؟ من منا لا يتمنى ميتة كهذه وسط تكبير المآذن وتسبيح الملائكة ، من منا لا يتمنى أن يقف هادئا ثابتا في وجه الموت؟ من منا لا يتمنى أن يصبح مثالا يحتذى في وجه الجبن والنذالة وبشاعة الإذلال؟ قارنوا بين شهادة الرئيس هذه وبين ميتة الخميني مذموما مدحورا مقهورا وخاسئا ، قارنوا بين من تسلق أرجوحة الأبطال مندفعا ، وبين من تجرع كاس السم رشفة رشفه وهو راغم ، هنيئاً لك الشهادة يا أبا الشهداء ، هنيئا للعراق فصل آخر من فصول البطولة والفداء ، لقد جمع صدام عز الدنيا وفخارها ، وشرف مقاومة المحتل ، وفخر الشهادة _ بإذن الله تعالى _ فهل هناك من لا يغبطه على ما حصل عليه؟ كلنا سنموت يوما ، كلنا سنشرب من كأس المنية ، لا أحد فيها مخلد ، وقد مضى الرئيس صدام بعزة ورفعه ، فهل ستكون عند قاتليه نفس الشجاعة ساعة سيواجهون المشنقة؟ سنرى سنرى ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } [ النحل 32 ] .
أين الشهامة والأخوة :(1/19)
رسالة عتاب لكل رئيس دولة عربية أو إسلامية ، لم يقم بدوره في اغتيال الرئيس صدام حسين رحمه الله .
رسالة لكل من أكل وشرب معه ، رسالة لكل من قعد إلى جانبه وحادثه وتكلم معه .
رسالة لكل من ناصره صدام أثناء محنته .
رسالة لكل من دافع عنه صدام أثناء حياته .
أين أنتم عن مقتل البطل الضرغام ، أين أنتم عن اغتيال الشجاع الذي صمد للموت ببسالة الشجعان العرب الأبطال ؟
لم ينهزم ، ولم يتحرك ، ولم يرجع للوراء خطوة ، وحبل المشنقة يتدلى أمامه .
أين أنتم عندما سمعتم أصوات الفرس الأنجاس وهي تهين ملايين المسلمين ، وتستهتر بمشاعرهم ؟ تضحي بالبطل يوم عيد الأضحى ، وفي الشهر الحرام ؟ وفي بلد الإسلام ؟
أين أنتم وأنا على يقين أنكم علمتم بموعد قتله واغتياله ؟
كيف ستلقون ربكم ، وقد خنتم أمانة الأخوة التي أمركم الله بها ؟ وخلعتم ربقة البيعة التي بايعتم الله عليها ، من نصرة لدين الله ، ونصرة إخوانكم المسلمين في كل مكان ؟
أتظنون أن الشعوب والجماهير الإسلامية ستنسى عملكم هذا ، وتخاذلكم هذا ؟
نعوذ بالله من حب الكراسي ، ونبرأ إلى الله مما فعل أولئك الحكام والرؤساء .
اليوم قتل صدام بشرف وبسالة الشجعان ، وغداً قادم لا محالة ، ليزحزح كل منكم عن كرسي الحلاق ، الذي لو دام لغيرك لما وصل إليك ، فالموت قادم لا محالة ، ولا يستوي من مات يشرب الخمر ، ويعاقر المومسات ، ويقتل المسلمين ، ويهين الحجاب ، ويعادي دين الله جهاراً نهاراً ، ومن مات في سبيل الله ، بيد أعداء الله .
إياكم أن تلقوا ربكم جبناء ، عملاء ، إياكم أن تكونوا أرضاً يمشي عليها الأمريكي والصهيوني .(1/20)
إياكم أن تكونوا ظهوراً يمتطيها البريطاني والمجوسي الرافضي الصفوي ، فوالله إنه طابور كطابور البنك وصحن الفول ، كل سيأخذ دوره وعقابه ، فأمكم أمريكا لن يرضيها إلا كما قال الله تعالى : { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ البقرة120 ] .
وربما لن يرضيها إلا إعدامكم كما فعلت بأخيكم .
أين أنتم عن نصرة دينكم ، لقد أساء الكفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووالله ما رأينا منكم إلا حبراً على ورق ، وركوداً يتبعه رقود .
لقد أساء الكفار معاملة سجنائكم ، وتالله ما سمعنا لكم صوتاً ، إلا صوت خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ، ما أنقذتموهم ، وما سعيتم لفكاكهم .
لقد قتلوا صاحبكم وأخيكم صدام حسين رحمه الله ، قتل غيلة ، فما منكم من أحد رفع رأسه وصدع بكلمة حق ، بل الصمت ديدنكم كما عرفناكم وعهدناكم ، فأنتم تخشون عقوق أمكم أمريكا ، تطمحون لجنة تحت أقدام الأمهات .
وهذا هو مكانكم حقيقة ، أعرف أنها كلمات مرة ، وقاسية ، لكنها من ابن بار ، يؤدي النصيحة لكم ، خوفاً على مقامكم أمام الله يوم القيامة .
كنا نأمل منكم أن تثوروا وتنتقموا ، وتخرجوا جرذان أمريكا ، وفئران إيران ، وإنقاذ إخوانكم أهل السنة في العراق ، لكن العكس هو ما فعلتم ، بل ربما باركتم وفرحتم ، فإلى الله المشتكى ، وإليه الملتجى .(1/21)
كنا نأمل في إعلان الصلاة على صدام حسين في كل بقعة من بقاع الإسلام ، فهو شهيد الأمة بإذن الله ، الذي لم تنجب الأمة اليوم مثله في شجاعته ، وبسالته ، ووقوفه أمام أشد أعداء الله فتكاً وجرما ، أمريكا وإسرائيل ، الذي ناضل عن القضية الفلسطينية حتى وحبل المشنقة حول رأسه ، والذي حارب إسرائيل ورد كيدها في نحرها ، والذي وقف في وجه المد الصليبي أن يطأ بلاد الإسلام .
فبالله عليكم ما عساكم تقولون إذا خلوتم بأنفسكم ؟
ما عساكم تجيبون هذه الشعوب المتعطشة للانتقام لابنها وقائدها وبطلها المغتال صدام حسين رحمه الله ؟
لا نقول إلا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وأذكركم بهذه النصوص الشرعية علها توقظ من نام منكم ، أو غفل وذهل :
قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الحجرات10 ] .
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ الأنفال72 ] .
وعن عبدَ اللهِ بنَ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلمُه ولا يُسلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيهِ كان الله في حاجتهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسلمٍ كُربَةً فرَّجَ الله عنهُ كُربةً من كُرباتِ يومِ القيامةِ، ومَن سَتَرَ مُسلِماً سَترَهُ اللهُ يومَ القيامة " [ متفق عليه ] .(1/22)
وأسألكم بالله هل جهدتم في النصح لشعوبكم ، هل اتقيتم الله فيهم ؟ أم أن الجواب لا ، لم ننصح ولم نجهد لهم ، بل خناهم وأكلنا أموالهم وثرواتهم ، وبنينا بها قصوراً فارهة في الخارج ، فإذا ما حصل اعتداء على شعوبنا هربنا بأموالنا وأهلينا إلى قصورنا ، فأبشروا بهذا الحديث :
عن معقل بن يسار رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُم لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ " [ أخرجه مسلم ] .
وعنه رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " [ متفق عليه ] .
ولجميع زعماء الدول العربية والإسلامية أقول : جربتم الطاعة فكانت النتائج هي الواقع الذي نعيشه اليوم ، واقع مرير ، وحال عسير ، فلماذا لا تجربون العصيان ؟ فلن تكون نتائجه أسوأ من الطاعة !
الدروس والعبر :
ألا ما أحوجَ الأمّة إلى استلهامِ الدروس والعِبر الناصعةِ من هذه الأحداثِ المعاصرة، مستشعرين نعمةَ الله علينا بهذا الدين القويمِ والأمن الراسِخ المتين الذي يحرِّم ويجرِّم قتلَ الأنفُس المعصومة، وينهى عن إلحاق الضّرر بالأبرياء، ويحضُّ على البناء والإعمار، ويحذِّر من التخريبِ والدمار ، والتعرُّض للأموال ، والحقوقِ والممتلكات الخاصّة والعامة بسوء، ويدعو بصوتٍ جَهوَريّ: إنّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام.(1/23)
الإسلام الحق _ إسلام أهل السنة _كتب الإحسانَ على كلّ شيء، وحرّم الغدرَ والغيلة والمُثلة، خاصّةً في الرهائنِ والأسرى، والأطفال النساء ، ويعدّ ذلك ضربًا من الهمجيّة والوحشية المقيتة التي لا تقرّها الشرائعُ السماوية ، فبأي دين أم بأية مِلَّةٍ يجري ما نراه اليومَ ونسمعُه مِنِ استمرار المسلسَل التخريبّ وتجدُّد فصولِ المشهَد الإجراميّ، في بلاد الرافدين وأفغانستان والصومال وفلسطين والشيشان ، وأخص أفغانستان والعراق ، التي سقطت بأيدي رافضية صفوية شيعية فارسية خبيثة ، يجب اجتثاثها ، ويجب اقتلاعها .
احذروا الرافضة والإثني عشرية :
وتحذيراً من الرافضة الصفويين ، والاثني عشرية الإيرانيين ، والمجوس الشرسين ، وتبياناً للعداوة التي في قلوبهم ، وبياناً للغيظ الذي تكنه نفوسهم ، وإشاعة لروح البغضاء التي كتموها تقية كما يزعمون ، فإن الله تعالى يقول : " قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ " [ آل عمران : 118 ] ، ويبين لنا المولى تعالى أن ما حصل للأمة من نكبة ونكسة في قتل واغتيال بطل من أبطالها في ظلمة الليل ، وهدأة الرجل ما هو إلا خير لنا ، شر لهم ، قال تعالى : " لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ " [ النور : 11 ] ، وقال تعالى : " وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [ البقرة : 216 ] ، وقال تعالى : " فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً " [ النساء : 19 ] .(1/24)
ومن الأصولِ المقررةِ عند أهلِ السنةِ والجماعةِ أن أقدارَ اللهِ ليست شراً محضاً بل فيها خير ، وفي ذلك يقررُ الإمامُ ابنُ القيم في " شفاء العليل " (1/184) بقوله : " أما الشر المحض الذي لا خير فيه فذاك ليس له حقيقة بل هو العدم المحض ... " .ا.هـ.
إن من الحكمِ العظيمةِ في مشهد إعدامِ صدام ظهور الحقد المجوسي على حقيقته للعالمِ أجمع وذلك من عدة جوانب ... التوقيت ... المكان ... المشاركون فيه ... الهيجان الطائفي قبل الإعدام وبعده ، ولو حاول المجوس الصفويون تبرير فعلتهم لن يصدقهم إلا ساذجٌ ، بل الأهم من هذا ظهور كذبهم - وهم عُرفوا بالكذبِ - عندما وصفوا حال صدام حسين عند شنقه ، فشاء اللهُ أن يظهر كذبهم بمشهد الإعدام الكامل عن طريق أحد الحاضرين له بجواله .
اجتماعُ الحقدِ المجوسي والصليبي في ذلك المشهد رسالةٌ واضحةٌ لأهلِ السنةِ أنهم ورقةٌ يُراهنُ عليها ، وأنهم مستهدفون والذي يكابرُ في قضيةٍ كهذه فهو أجهلُ من حمارِ أهلهِ.
وعلى الحكوماتِ السنيةِ أن تُعدّ العدةَ لهذه الشرذمةِ القليلةِ والتي لا تمثلُ شيئاً بالنسبة لأهلِ السنةِ ، وقد وجدت أمريكا الصليبية ضالتها في تنفيذ أهدافها في المنطقة عن طريقِ هذه الشرذمةِ ، وأن تحذر الحكوماتُ السنيةُ أيضاً أشد الحذر من مخططاتِ المجوسِ الصفويين ... الحذر الحذر ... فالعراق خير دليل .
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " (3/243) : " إِنَّ أَصلَ كُل فِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ هُم الشِّيْعَةُ ، وَمَنْ انْضَوَى إِلَيْهِمْ ، وَكَثِيْرُ مِنْ السُّيُوْفِ الَّتِي فِي الإِسْلاَمِ ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِم ، وَبِهِم تَسْتَرت الزّنَادقَةُ " .ا.هـ.(1/25)
وَقَالَ أَيْضاً (4/110) : " فَهُم يُوالُونَ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ الَّذِيْنَ يَعْرِفُ كُل أَحَدٍ مُعادَاتِهِم مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِيْنَ ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللهِ الَّذِيْنَ هُم خِيَارُ أَهْلِ الدِّيْنِ ، وَسَادَاتِ المُتَّقِيْنَ ... وَكَذَلِكَ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الأَسبَابِ فِي اسْتيلاَءِ النَّصَارَى قَدِيْماً عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ المُسْلِمُوْنَ مِنْهُم " .ا.هـ.
وَقَالَ أَيْضاً (3/38) : " فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى المُسْلِمُوْنَ أَنَّهُ إِذَا ابْتُلِيَ المُسْلِمُوْنَ بَعَدُوِّ كَافِرٍ كَانُوا مَعَهُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ " .ا.هـ.
وَقَالَ فِي " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " (3/244) : " وَقَدْ رَآهُم المُسْلِمُوْنَ بِسَواحِلِ الشَّامِ وَغَيْرِهَا إِذَا اقْتَتَلَ المُسْلِمُوْنَ وَالنَّصَارَى هَوَاهُمْ مَعَ النَّصَارَى يَنْصُرُونَهُم بِحَسَبِ الإِمْكَانِ ، وَيَكرَهُوْنَ فَتَحَ مدائِنهمْ كَمَا كَرِهُوا فَتَحَ عكّا وَغَيْرِهَا ، وَيَختَارُونَ إِدَالَتَهُم عَلَى المُسْلِمِيْنَ حَتَّى إِنَّهُمْ لَمَّا انْكَسَرَ المُسْلِمُوْنَ سَنَةَ غَازَان سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسَمائَة ، وَخَلَتْ الشَّامُ مِنْ جَيْشِ المُسْلِمِيْنَ عَاثُوا فِي البِلاَدِ ، وَسَعَوْا فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الفسَادِ مِنَ القَتْلِ وَأَخَذِ الأَمْوَالِ ، وَحَمَلِ رَايَةِ الصَّلِيْبِ ، وَتَفْضِيْلِ النَّصَارَى عَلَى المُسْلِمِيْنَ ، وَحَمَلِ السَّبْيِ وَالأَمْوَالِ وَالسِّلاَحِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ إِلَى النَّصَارَى بقُبْرُص وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا وَأَمثَالُهُ قَدْ عَايَنَهُ النَّاسُ ، وَتوَاتَر عِنْدَ مَنْ لَم يُعايِنُه " .ا.هـ.
مواقف فخرية لصدام حسين :(1/26)
هذه الأربعين موقفاً لصدام حدثت في العشر سنوات الأخيرة من حكمه وشهد بها عدد من الدعاة العراقيين وسجلوها في كتاب شهادة التاريخ :
1ـ حصة التربية الإسلامية في المدارس العراقية إلزامية في الاختبارات والدرجات وعددها يتفوق على التعليم في الكويت والإمارات.
2ـ أصدر صدام حسين قراراً بإسقاط الضريبة عن أي تاجر يبني مسجداً.
3ـ أمر الرئيس ببناء مسجد في كل محافظة في كل عام مرة كهدية منه لكل محافظة في عيد ميلاده - كما يسمى.
4ـ قام ببناء الكثير من المعاهد الإسلامية والكليات الشرعية للسنة .
5ـ طبق ــ نظام صدام السابق في قضية المرأة العراقية ــ الحكم الشرعي في مسألة السفر ، فلم يجعل لها الحرية في السفر بدون محرم.
6ـ قام صدام بقتل العاهرات مستنداً على فتوى شرعية من مجموعة من المشايخ العراقيين الفضلاء.
ـــ وهذه نادية محمود عضوة حزب العمال الشيوعي العراقي تتحدث في لقاء مع قناة الجزيرة عن مستقبل المرأة العراقية حيث تكلمت عن ظلمه للمرأة العراقية فقالت : إنه كان يحرم المرأة العراقية من وظيفة التدريس إذا كانت غير محجبة ويضيق عليها في الوظائف الأخرى.
7ـ المصحف في بيت صدام : عندما نقل الإعلام العربي صورة منزل صدام السري كان العجب، فقد كان قرآن مفتوحاً ، والسجادة على الأرض ، لا مجلة خالعة ، ولا جهاز تلفاز ، ولا شريط أغنية للترفيه عن نفسه.(1/27)
8 ـ شكلت لجنة بعد أزمة الخليج بإعادة صياغة المناهج التي تشكل العقلية الدينية لحزب البعث ، وفعلاً خرجت تلك اللجنة بتوصيات مهمة وعرضت على المسئولين من أجل النظر فيها ، وكم كان العجب كبيراً فقد كتبت التوصيات كإبراء لذمة كاتبيها أمام الله وهم كانوا على يقين أنها سترفض ، ولكن تمت الموافقة على أمور مهمة جداً ، فقد عُمّم منهج شرعي علمي على جميع الحِلَق الحزبية مهما علت ، وتم إنشاء معهد مدته سنتان ، ويتم فيه تدريس العلوم الشرعية لكوادر الحزب ، وصدرت أوامر تحذيرية بمعاقبة المتخلفين عن حضور مثل هذه الدروس وغيرها في المعهد ، والذي وضع المنهج أحد الشيوخ الذين نثق بدينه وعلمه ، ومن الأمثلة على ما هو مقرر على الطبقة العليا من مستوى [ عضو فرقة ] حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم ، وتم اختيار كتاب " فقه السنة " للسيد سابق ، و " منهاج المسلم " لأبي بكر الجزائري.
9ـ قام صدام بإلزام أعضاء حزب البعث ببرنامج عملي فضلاً عن البرنامج النظري الذي ذكرناه في النقطة السابقة ، حيث أمرهم بأداء الفروض الخمس جماعة في المسجد.
10ـ الدكتور عبد اللطيف هميم رجل ذكي وفطن ، وقد ناصح الدكتور عبد اللطيف صدام بضرورة فتح بنك إسلامي ، وكانت الاستجابة سريعة جداً ، فلم تستغرق سنوات أو عقود وإنما عدة أشهر بسيطة وإذا البنك قائم بنظامه وأفراده وماله.(1/28)
11ـ ناصح الدكتور عبد اللطيف هميم حفظه الله صدام بضرورة الاهتمام بالسنة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بعدما نشر الرافضة شبههم حول أحاديث السنة ، وطالبه بضرورة إنشاء موقع يعتني بمثل هذا العمل ، وتفاجأ الدكتور بموافقة الرئيس على ماهو أكبر من هذا بكثير بحيث لم يخطر على باله ، فقد أمر بإنشاء مركز لجمع السنة النبوية كلها وقد سمي بـ " مركز الإمام البخاري " ولم يسمه مركز صدام حسين ، حيث تولى مسؤوليته الفعلية الدكتور ماهر فاضل ، وقد كان عدد العاملين فيه كبير جداً على نفقة الرئيس ، وقد وفرت لهذا المركز مصادر السنة كلها.
12ـ في منتزه لبنان في مدينة البصرة والذي جاءه وقت وهو يعد مرتعاً لبيع الأعراض وعقد الصفقات المشبوهة ، وقد تم تحويل هذا المنتزه إلى مسجد يصلي فيه الناس الجمع والجماعات ، وقد سمي مسجد صدام الكبير ، وهو الآن أكبر مساجد البصرة فعلاً.
13ـ فتح باب البرامج الدينية في القنوات والإذاعات العراقية ، ومن ذلك نقل صلاة الجمعة ، وتعاد الساعة الثامنة مساءً ، وتوجد برامج دينية تربوية ووعظية يومية في فترة الصباح وما بعد الظهر ، خاصة بالحملة الإيمانية ، وذلك في محطة بغداد والتي يستمع الناس فيها لمثل هذه البرامج بكثرة ، وهذه يسمونها بالفترة الذهبية والتي يستمع الناس فيها لمثل هذه البرامج بكثرة.
14ـ لصدام رأي آخر ، فقد جعل إجازة الشيخ في العلوم الشرعية تعدل هناك شهادة بكالوريوس في الشريعة ، فيستطيع الطالب المجاز بعد الحصول عليها التقديم إلى الدراسات العليا.
15ـ بعد البدء بحملة الإيمان في العراق أقيمت على مستوى رقعة تلك الدولة الدورات القرآنية في العطلة الصيفية والتي يحضرها عشرات الآلاف في المحافظة الواحدة ، وهذا بتكليف من الأوقاف ، وتستمر هذه الدورات حتى بعد انتهاء فترة الصيف لمن يرغب في ذلك.(1/29)
16ـ أمر بإلقاء ثلاثة من فدائيي صدام [ وهم نخبته وخاصة جنده ] من أعلى مبنى في البصرة كتعزير لهم على جريمة اللواط.
17ـ صدر قرار بحفظ حق الكويتيين والسعوديين وغيرهم ممن يملكون بيوت أو عقارات مستأجرة في العراق ، وبما أن المالك غير موجود ولا وكيل عنه هناك فإن الدولة العراقية تتكفل بحفظ أملاكهم وادخار إيجار بيوتهم إلى أن يرجعوا.
18ـ صدر قرار بعقوبة من سب الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة.
19ـ في إطار محاربته لليهود ككيان مزروع في بلاد المسلمين أصدر صدام قراراً يلزم كل شركة تتعامل مع العراق أن توقع على شرط يمنعها من التعامل مع الكيان العبري.
20ـ بعد فشو السحر في منطقة " هيت " تجرأ سحرة تلك المنطقة فأخذوا بوضع المصاحف في الحمامات وذلك تقرباً للشياطين كما هو معروف من عادة السحرة ، فأمر الرئيس بالقبض على كل ساحر وساحرة ، ولا يعرف مصيرهم حتى الآن ، ويقال أنهم قتلوا جميعاً.
21ـ وأمر الرئيس بتشكيل لجنة لمنع الربا من البنوك ، وقد كلف الدكتور عبد اللطيف هميم بذلك ، وهو صاحب البنك الإسلامي العراقي ، وطُلِب من اللجنة بيان كيفية تحويل البنوك الموجودة من النظام الربوي إلى النظام الإسلامي ، ونلاحظ أن اللجنة ستقوم بإصدار أوامر منع وليست مجرد توصيات فقط ، لأن التوصيات في الغالب جرى التعامل بها على أنها من باب دغدغة مشاعر الجماهير المسلمة. ولم تتمكن هذه اللجنة من إتمام عملها بسبب الحرب الأخيرة.
22ـ وآخر القرارات كان بتاريخ 27 من ذي الحجة 1423للموافق 28 -2 -2003 والذي نص على أن كل عضو في حزب البعث يلعب القمار يطرد من الحزب ، أيا كانت رتبته ، ويسجن ثلاث سنوات.(1/30)
23 ـ فتح صدام للناس الحق في بناء المساجد ، فلم يعد هناك تضييقاً على مثل هذا العمل ، بل إنك تعجب عندما تتوجه إلى العراق تريد بناء مسجد فإن الوضع سيكون أمامك أسهل من أي بلد آخر ، فيكفي أن تختار أي مكان لبناء المسجد حتى تحصل الموافقة المباشرة بشرط خلو هذه الأرض من الحق الخاص ، وأما الإجراءات فهي حسب علمنا أنها أسرع من إجراءات مثيلاتها من البلدان العربية.
ثم صدر قرار لا نظن أن أي بلد قد طبقه وهو أن أي شخص يريد أن يبني مسجداً فإن الدولة تعطيه جميع مواد البناء بنصف سعر السوق.
24ـ أمر بفتح محطة إذاعية للقرآن الكريم بحيث يستطيع أهل بغداد الاستماع إليها.
ــ صرحت خادمة عدي الخاصة لقناة العربية بأن عدي كان إذا علم أن والده صدام سيحضر إلى قصره قبل أسبوع قام بتنظيف البيت من الخمر وغيره من أدوات اللهو حتى لا يغضب والده، بل أشارت إلى أن صدام قد حاول قتل عدي بسبب سوء سلوكه وانحراف خلقه.
25ـ أهل العلم والدعوة عموماً وأهل الأنبار خصوصاً ، يذكرون جيداً الأخ محمد الكبيسي الذي نسأل الله تعالى أن يتقبله من الشهداء ، ذلك الذي فجر السينما الوحيدة في منطقة الفلوجة ومحلين لبيع الخمور ، ومحلين لفرق موسيقية تحيي الحفلات والأعراس ، ومحل لبيع أشرطة الفيديو ، وبعد ذلك رمى مقر حزب البعث بعدد من القنابل اليدوية ، فحاصروه ، وطلبوا منه الاستسلام فرفض ، واستمر في المقاومة حتى قتل رحمه الله وقد وقف العلماء هناك في لحظات رهيبة بانتظار العقاب ولكن ماذا كانت النتيجة التي اتخذتها الحكومة بعد هذه الحادثة ؟!! إنها كانت كالتالي :-
أ. تحولت السينما التي فجرها الأخ محمد إلى قاعة للاجتماعات والاحتفالات الدينية وكانت هذه هي آخر عهد للسينما في الفلوجة ، بحيث لا توجد في الفلوجة سينما واحدة الآن .
ب. جميع محلات الفيديو في الفلوجة أغلقت أبوابها وعددها تسعة ، ولم تسمح الدولة لفتح محل بيع خمر أو فيديو .(1/31)
ج. تم اعتقال مجموعة من الشباب ثم أطلق سراحهم ، والمهم أن هذه الأحداث وقعت سنة 1996 م . فماذا ترى لو أن مثل هذه الأحداث وقعت في بلد آخر ...؟!
26ـ لقد قال دان راذر ... بعد لقائه الشهير مع صدام ، حينما سألته مجلة نيوزويك بتاريخ 11 مارس 2003 ... عن الجديد الذي رآه في صدام : هناك الكثير من المفردات الإسلامية الآن ، يكثر من استخدام المصطلحات الإسلامية ، لقد أعاد أسلمة العراق ، وهو الآن يصلي خمس مرات في اليوم بشكل متفاخر ، ويقول إن القرآن يسري في عروقه .
27ـ من المعلوم لدى من كان في العراق أنه في أوائل التسعينات عقدت اجتماعات هامة في قيادات الحزب في العراق ، وكان على الحزبيين أن يقرروا عندها خطاً واحداً من خطين لمنهجية حزب البعث : إما الخط العلماني وإما الخط الإيماني ، وانتهى الأمر إلى اختيار الخط الإيماني ، وذلك بعد إصرار الرئيس صدام على هذه الاختيار ، رغم المعارضة السرية لدى أعضاء في حزب البعث على مثل هذا التوجه والذي اتضح أثرها في خيانة أعضاء من البعث مع القوات الأمريكية في لغز سقوط بغداد ، وبعد هذه الاجتماعات دشَّن صدام حسين حملة سماها الحملة الإيمانية كما هو معروف لكل عراقي اليوم .
28ـ صدام نفسه في خطابه سنة 2002 في ذكرى انتصار العراق على إيران ، قال بعدما ذكر ابتداء الحزب ومراحل تطوره إلى أن وصل المرحلة الأخيرة ... قال : وأرجو أن لا تحاسبونا أو تقيسونا منذ سبع سنين على ما سبق ، فإن ثمة اختلافاً جذرياً في إيماننا .
29ـ ولقد قال الدكتور محمد الدوري وهو ممثل العراق في الأمم المتحدة في لقاء مع قناة العربية والذي بث يوم 28 / 4 / 2003 م : " بأن تعليمات حزب البعث في العراق وضعت على الرف !! فلا يؤخذ ولا يعمل بها .. "(1/32)
30ـ وكان صدام حسين يديم قطع اجتماعاته وإنهاءها علانية إذا حضر وقت الصلاة حتى مع الأجانب كما ذكر ذلك الصحفي الأمريكي " راذر " فقال : دام اللقاء معه ثلاث ساعات ، لم يقطعه إلا للصلاة ، وهكذا كان الأمر مع مسؤولين كبار عرب نعرفهم معرفة شخصية لم تنشر اجتماعاتهم به ، ولا نريد إحراجهم هنا ، فحين حضرت وقت الصلاة قال لهم قوموا نصلي .
31ـ إنا لا نشك أن كل ذلك التغيير الإسلامي الذي ذكرناه في العراق كان مرصوداً ومحسوباً ومراقباً على المستوى الشعبي والرسمي من قِبَل الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا ، وأن تقديرهم أن أمر العراق إذا ترك سنين قليلة فسوف يشب عن الطوق ... حتى تصورات صدام الذي تنكب فيها لحقيقة البعث كعقيدة ومبادئ ، وأقبل زاحفاً قولاً وعملاً شيئاً فشيئاً نحو الإسلام مرصودة ، وأن لها أثراً مخيفاً بالنسبة لهم ، فمن يدري فلعله يطبق ما أشار له في لقائه مع وزرائه بأنه يريد دولة إسلامية حقيقية لا كالدول المجاورة ، بل على منهاج خلافة أبي بكر وعمر وعلي وعثمان ، هكذا قالها بالحرف ، في لقائه كما رأيناه وسمعناه بأنفسنا قبل الحرب الأخيرة بعام ونصف تقريباً ، وكررها في لقاء آخر وهي مسجلة عندنا .
32ـ إن الأيام تثبت أن صدامًا كان على حق في كثير من شدته على الرافضة .. ونحن نطالب من أي معارض لهذه الفكرة أن ينظر فيما صنعه الشيعة في مساجد السنة
33ـ وللحقيقة التاريخية المتيقن منها نقلًا عمن سمع صدام نفسه، أن العلماء العراقيين بلغوا أكثر من سبعين ألف عالم متخصص.
34ـ وفي آخر زيارة شارون لأمريكا قال بوش لشارون: لعل الانتفاضة أتعبتكم وآذتكم ..؟! فقال شارون: "إن الانتفاضة مثل الزكام .. أما العراق فهو الصداع النصفي ..!".
وقد قال بوش وطاقمه مرارًا وتكرارًا: "بأن السلام بين إسرائيل والعرب لن يتحقق مادام صدام في السلطة، وسنتمكن من تحقيق السلام بعد زوال هذا النظام ؟ !"(1/33)
ــ كانت فرحة اليهود الإسرائيليين بسقوط بغداد أعظم من فرحة الأمريكان أنفسهم، حتى قال بعض مسئوليهم: "الآن يعيش الإسرائيليون بأمان". وهذا التصريح في الإذاعة الإسرائيلية.
35ـ وقف صدام بمسدسه أمام جميع القادة المجتمعين في آخر مؤتمر لهم في بغداد قائلًا:" و الله ... من يعمل أي علاقة مع إسرائيل أقتله بهذا المسدس ... ولو كان على فراشه ".
ويخبرنا أحد الوزراء الذين حضروا ذلك المؤتمر أن الرئيس الليبي معمر القذافي اقترح قبل تهديد صدام لهم مقترحًا [ غريبًا كعادته ] يطالب فيه بكسر الحاجز النفسي مع إسرائيل، يقول هذا الوزير: فقاطعه صدام وقد بلغ به الغضب منتهاه، وصاح عليه بأعلى صوته باللهجة العراقية: "إنجب" بمعنى: اخرس . فسكت القذافي ولم ينبس ببنت شفة ...! ثم هددهم بما ذكرنا آنفًا.
36ـ وله إعانات كثيرة جدًا للشعب الفلسطيني فمن إعانته للانتفاضة الفلسطينية: كفالته عائلة كل شهيد فلسطيني وذلك بمنح عائلته منحه قدرها خمسة وعشرون ألف دولار،كما يعطي لكل من يهدم بيته خمسة وعشرين ألف دولار بشرط ألا يخرج من فلسطين ..
37ـ ولقد صرح الشيخ الشاعر محمد صيام بعد مؤتمر إسلامي انعقد في بغداد سنة 2002 بأن الرئيس العراقي المخلوع أمر بتسجيل كل عائلة فلسطينية في البطاقة التموينية العراقية كي يتكفل بها كما يتكفل بكل عائلة عراقية ...
38ـ الحقيقة تقول أن العلامة الفارقة الفاصلة في رد أخطر هجمة عقدية باطنية في التاريخ المعاصر على الإسلام لم تكن إلا : صدام ... الذي استطاع أن يسخر الشعب العراقي سنة وشيعة لهذه الحرب سواء كان رغبة أو رهبة .(1/34)
39ـ شهادة التاريخ تحكي لنا بعد سقوطه حكاية السودان ونصرته له حينما تقوى قرنق بالخطط الأمريكية والأسلحة والخبراء الإسرائيليين، وزحف من جنوب السودان حتى أصبح على مقربة من الخرطوم، فما أنقذه جيرانه ولا عرب آخرون ولا مسلمون، إنما كان الغوث من صدام حيث فتح جسرًا جويًا عسكريًا إلى السودان، وسيطر طيرانه على سماء السودان، واندحر قرنق إلى أن تخلى عن جميع مواقعه الرئيسية الأولى،ويشهد التاريخ بأن الدولة العربية الوحيدة الحاضرة في حرب اليمن والتي كان لها نصيب الأسد من تحرير اليمن من الشيوعيين وطردهم إلى الأبد حتى عاد اليمنان يمنًا واحدًا هي العراق بالطائرات العسكرية العراقية
40ـ لاحتلال الكويت أسبابه التي لم تعد خافية على أحد، ولا ينبغي أن يجتزأ الناس النظر إلى ردة الفعل العراقية المتهورة، وينسون أساس المؤامرة ... وقضية المؤامرة ليست هنا وهمًا، ولا استنتاجا، بل هي ظاهرة قاطعة قد عجز الكويتيون عن الإجابة عليها، حين عجزوا عن الإجابة على أسئلة صدام الأربع في رسالته التي اشتهرت، برسالة الاعتذار .
قال للكويت في تلك الأسئلة: لقد أعطيتمونا معونات بصورة هبات، وما أن انتهت الحرب حتى حولتموها إلى ديون ثم ديون حالة الأجل، ثم بعتم هذه الديون لأمريكا ... فهل هذا جزاؤنا لما حميناكم ودفعنا بشبابنا ونسائنا تجاه تصدير الثورة الخمينية التي كانت ستنالكم وغيركم ؟!!!
هذه الحقيقة فضلًا عن الإجابة عليها ؟
قال لهم: تعلمون حاجتنا بعد خروجنا من الحرب لتقوية الاقتصاد، فأغرقتم السوق بالبترول، ونحن لا نستطيع أن نواكب المعروض لحاجتنا إلى الصيانة والميناء، ولم يستطع الكويتيون إنكار ذلك ...!
قال لهم: أوصلتم سعر البرميل إلى ستة دولارات والتي لن يكون منها إلا زيادة انهيارنا فهل هذا حقنا عليكم ؟!!! ولم ينكر الكويتيون ذلك ...!(1/35)
قال لهم: كنتم تشفطون النفط من حقولنا ونحن منشغلون بدفع إيران عنكم .. ولم ينكر الكويتيون ذلك ...!
إلا أنهم قالوا أخذنا 25 ألف برميل !!!
قال لهم: جاء لكم قائد القوات الأمريكية " شوارسكوف " لغزو العراق بعد ذلك، وعمل معكم خططًا ومؤامرات، وعندنا وثائق تثبت ذلك، ولم ينكر الكويتيون مجيئه في تلك الظروف ...!
إلا أنهم قالوا إنه جاء عابر سبيل ولم يبق في الكويت إلا يومًا أو يومين !!!
ونحن والله، نعرف عالمًا في كلية الشريعة ناصحه وصارحه في عزت الدوري، فأتى به، هو ووزير الأوقاف، وكلمه بشكوى العلماء و أنّبه أمام الشيخ، والشيخ نفسه يروي الحادثة، ولقد تقلص دور عزت بعد هذه الحادثة على المساجد وأهلها، وعلى حملات الحج العراقية ... فكانت هذه المعاتبة منه لعزت كالطامة ... ولكن كان ذلك قبل سنة من نهاية حكمه تقريبًا .
? لكن؛ تأكد أيها الرئيس بأن التاريخ لن يظلمك، وإن تنكر لك القريب قبل البعيد .. وسود عليك صفحات الكتب، والصحف بمداد السواد .. لسواد عيون اليهود .. وسواد قلوبهم السود ...
لن يكون ما نذكره هنا تزكية لك مطلقة ... ولا اعتذارات ملفقة ... بل هي بالنظر لما سبق عقدك الأخير مما عملته من جرائم ماحقة، وبالنظر لعقدك الأخير وما فيه من قربات عملية نحسبها صادقة، وبالنظر كذلك لما سيعقبك من مصائب في الدين بدت طلائعها ناطقة وليس بالنسبة لما نرجوه ونؤمله من الأمالي الصادقة .
شهادة لك ... وهي ترى مظاهر الوثنية تعود في بلاد الرافدين .. بأعداد كأعداد الحجيج أو يزيد .. تسيل دماؤها كالأضاحي أضاحي يوم أكبر عيد .. تقول للعالم: انظروا ... هذا هو الإسلام الحنيف يعود من جديد ..!
شهادة لك ... من على أدراج الطلاب في المدارس ... حيث قررت تفسير القرآن كاملًا لكل طالب ودارس ... وأحكام التلاوة ومنهج الأحكام .. وفقه سنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام .(1/36)
شهادة لك ... على أنك لم تتوقف عند القول وجمود الدراسات، ومقابر اللجان بل أخذت للتغيير عدته ... وقطعت منه شوطه ومسافته .. فأدرك العدو أن للأمر خطورته ...
هناك تنادى الأعداء : أن اقطعوا الطريق بقطع رأس الأفعى أولاً ..!
? لم يكن من منهج صدام أن يجاهر في الإعلام بحسناته الشرعية .... فلم تجد الحملة الإيمانية أثرا يذكر في الإعلام الخارجي ... بدليل أن أغلبية القراء لا يعرفون عنها شيئًا ... كما لم تحض لقاءاته الشعبية شبه اليومية بالمواطنين والتي تبدأ عادة في الساعة الثالث فجرًا وحتى الثامنة إلا خمس دقائق صباحًا ...
وهكذا ... مراكز القرآن الصيفية ... ونحو ذلك الكثير ... الكثير ...
ولا أدري .. فلعل السر في عدم إظهارها ربما يكون خشية صدام من وأدها في مهدها .. وخنقها حتى الموت قبل فطامها ... وقد كان ما كان ... و طوت أمته صفحة حسناته، وشموخه، وإبائه، بطي النسيان أو الكتمان ... ولعنته بلعنة اليهود وأهل الصلبان ... وعبدة النيران ...
ــ نُشْهِد الله عز وجل بأن صدام حسين كان بعثيًا طاغية أسرف على البلاد والعباد قبل عقد من الزمن،
ونشهد الله أن الناس قتلهم الخوف من صدام حتى آخر يوم من حياته، وذلك راجع لحكمه الحديدي الذي كان شديد البأس فأذل به الناس .
ونشهد الله عز وجل أن صدام قد تغير في آخر عقد من حياته وكلما مضت سنة كان أكثر قربًا إلى الخير، ولو ترك على ما هو عليه لزاد خيره ولقَرُب معروفه .
ونشهد الله عز وجل أن من أهم الأسباب في حرب العراق وذهاب ملك صدام هو توجهه الديني الأخير الذي لن يكون منه مضرة إلا على الكيان العبري، ويا ليت قومي يعلمون .
ونشهد الله أن هذا الرجل لو لم يكن من خيره إلا إيقاف الجيش الخميني لكفاه شرفًا وهاهو بعد ذهابه تتسابق الدول لاسترضاء الرافضة خوفًا من مطامعهم التي لم تظهر إلا بعد سقوط صدام(1/37)
ونشهد الله أنا صلينا في المساجد وكانت أخبار المجاهدين معلقة على جدران المساجد وأكثر هذه الأخبار من صحف أبناء صدام حسين .
ونشهد الله أنا مررنا على مدارس الفتيات فوجدنا الشرطة تحميهن من كل فاجر وفاسد، وتخرج البنت بزي نحمد الله عليه قد اكتست بالحياء والعفاف .
ونشهد الله أنا رأينا أهل السنة في العراق بعد صدام أذلة صغارًا بعد أن كانوا أعزة كبارًا لا يدرى أهم يدركون صباحهم أم إن مساءهم هو القريب .
المرجع كتاب: شهادة التاريخ: عقدٌ من حياة صدام ... في ميزان الإسلام ، من موقع مفكرة الإسلام .
قصيدة ورثاء :
وهذه قصيدة جميلة للدكتور : سعد عطية الغامدي ، وقد نشرت في جريدة الجزيرة عدد رقم : 21514 ، بتاريخ 13- 12- 1427 هـ
سقط الحجاب غداة يوم العيد ****عن لون غدر في الخصام شديد
لم يعدموه صباح حج أكبر ******إلا لفصل في الشقاق جديد!
لِمَ لم يتيحوا للحقيقة فسحة *****كي تستبين لشاهد وشهيد؟
لِمَ بادروا في صفقة مشبوهة ****توحي بعجز مسود وعبيد؟
تطوى صحائف من دسائس لم نزل **نشقى بها من كائد ومكيد
لِمَ لم يخوضوا في التفاصيل التي ****لم تخل من وعد وطول وعيد؟
في كل واقعة سؤال شارد *****سقي الشهود مرارة التهديد
عمن يقيمون المبادئ سلعة ****في السوق بين مزايد ومزيد
ويطوعون الحق ما شاءت لهم ****أهواؤهم بقذائف وحديد
أنى اتجهت رأيت نفعاً حاضراً *****في كل شأن للغزاة مفيد
ومن الليالي السود ألف رواية ****حكي عن التنصير والتهويد
يسعى بها الكيد الخفي لغاية ****هوي بهام في الثرى وبجيد
وتذيق من غصص الندامة أمة ****تحظى بذكر في الزمان مجيد
يروي لها التاريخ أنصع سيرة ****عن منهج بين الأنام رشيد
قمم يعانقها الضياء فتنتشي ****شغفاً لإنجاز الهداة الصيد
ومواكب من صفوة البشر اجتبت ****خلقاً إلى خلق أغر حميد
لكنها ألقت زمام قيادها *****لمغامر صعب المراس عنيد
لهو به أهواؤه وظنونه ****عن أمر رشد في الحياة سديد(1/38)
لم ينج من بيداء كالحة السرى****إلا استظل من السراب ببيد
يبني ويهدم ما بناه بطيشه ****طيش على قلق أصم شديد
ويظل يقتحم الحياة مخاطراً ****بتراثه من طارف وتليد
فتناوشته حبالهم وعصيهم ****في وهم سحار ورجس مريد
لا يستقيم على سبيل واضح ****يسمو به في سلم التوحيد
أو يرعوي في غيه عن باطل ****يزري بعزم الفارس الصنديد
ولربما أحيا شعور كرامة ******في أهله وسعى إلى التصعيد
وأتاح أبواب العلوم فأثمرت *****جيلاً يتوق لمتعة التجديد
كنه أرخى عنان خياله *****في مسرح لم يخلو من تحديد
ورأى الإشارة فاستجاب لوحيها ****من غير بينة ولا توكيد
فغدا رواق العلم أكثر جرأة ****في منظر زاهي السمات فريد
وأقام للأنثى مكاناً بارزاً ****في مسلك يفضي إلى التسديد
وتجاوز الممنوع في أوهامه ****في خانة التأليب والتجنيد
فأغار من منحوه أوسمة الرضا ****من بعد ما رفعوا عصا التأييد
يغزون بغداد العريقة جهرة ****ما بين مستلب وبين طريد
وجرت دماء في العراق وقطعت ****أوصاله في زحمة التنديد
واليوم يختم سر فصل غائر ****بجريمة الإعدام صبح العيد
كلمة للمجاهدين :
صِدقًا صِدقًا أيها المجاهدون المسلمون الصامدون ، وصَبرًا صبرًا أيها المجاهدون الأبطال ، وليستيقِنْ الجميعُ أنّ ثمةَ حقيقةً شرعيّة ينبغي أن لا تعزب عن الأذهان مطلقًا ، وهي أن عاقبةَ التدافعِ بين القوى وثمرةَ الصراع بين الحقّ والباطل إنما هي للمؤمنين المتّقين ، المرابطين المجاهدين ، فليهنَأ المسلمون بذلك، وليقرَّ المؤمنون أعُينًا بهذا، ولتُشفَ صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم، فالنصر للإسلام وأهله، طالَ الزمان أو قصر، وما علينا إلاّ الإخلاص والصدقُ والجدّ والعمل ، { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ يوسف21] .
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت69].(1/39)
خاتمة المطاف :
ولا أقول ما قلت جازماً بأن أحداً من الناس استحق الجنة أو النار ، استحق الرحمة أو العذاب ، بل أعوذ بالله أن أقول زوراً أو أغشى فجوراً ، ولكن هناك علامات ودلالات توضح حسن الخاتمة من عدمه ، أو الشهادة من ضدها ، كما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كالموت بعرق الجبين ، كالموت بالطاعون ، والموت بالنطق بالشهادة .
وهناك علامات مستشفة من أقوال العلماء ، كرفع السبابة ، وابيضاض الوجه ، وغير ذلك كثير .
وقد اقتبست شيئاً مما وقع بين يدي من كلمات لبعض الكتاب ، فأرجو السمح والعفو لمن لم أذكر اسمه ، وله الأجر والمثوبة ، فالأجر فيما كتب .
قلت ما قلت ، فما كان من صواب فمن الله وتوفيقه ، وما كان من خطأ فمن تقصيري وتفريطي ، والله ورسوله بريئان منه .
اللهمّ صلِّ على النبيِّ المصطفى المختار، اللهمّ صلّ عليه ما غرَّدت الأطيارُ ، وأزهرت الأشجَار ، وهطَلت الأمطار، اللهمّ صلّ عليه ما سالت الأوديةُ والأنهار ، وفاضت العيون والآبار، اللهمّ صلّ عليه وعلى المهاجرين والأنصار ، وعلى جميع الآل والصحب والأخيار ، وآخر دعوانا أن الحمد لله العزيز الغفار .
كتبه
الراجي عفو ربه ومغفرته
الناصح لأمته(1/40)