الإعلامُ
بحكمِ الموالد في الإِسلامِ
تقديم سماحة العلامة
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
حَفِظَهُ الله تعالى
جمع الفقير إلى عفو ربه العلي
أحمد بن عبد الله السلمي
كاتب عدل الأولى برئاسة محاكم محافظة الأحساء
و
إمام وخطيب جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
رحمه الله تعالى
أيُّها الأَخُ المُوَفَّق : احذَرْ صِغارَ المُحدَثاتِ ، فإنَّ صِغارَ البِدَعِ تَعودُ حتى تَصير كِباراً ، وكذلك كُلّ بِدعةٍ أُحدِثَت في الأُمَّةِ ، كانَ أوَّلُها صَغيراً يُشبِهُ الحَقَّ ، فاغتَرَّ بِذلكَ مَن دَخَلَ فيها ، ثُمَّ لم يَستَطِع المَخرجَ منها ، فَعَظُمَت وصارَت دِيناً يُدانُ بِهِ ، فَخالَفَ الصِّراطَ المُستقيم .
وانظُر رَحمَكَ اللهُ كُلَّ مَن سَمِعتَ كلامَهُ ، فلا تَعجَلَنَّ ولا تَدخُلَنَّ في شَيءٍ منهُ حتى تَسأَلَ وتَنظُرَ : هَل نَطَقَ بذلكَ القُرآنُ ، أو صَحَّت بِهِ السُّنّةُ ، أَو ثَبَتَ عن الصَّحابَةِ - رضي الله عنهم - ؟ .
فَإنْ أَصَبتَ فيه أَثَراً مِن ذلكَ فَتَمَسَّك بهِ ولا تُجاوزه لِشَيءٍ ، ولا تَخْتَر عليهِ غيره .
وإنْ لم تُصِب فيها شيئاً من ذلكَ فاترُكهُ واطرَحهُ غَيرَ مَأسوفٍ عليهِ ، تكُن بإذِن الله - عز وجل - مِنَ الرَّاشدين
ورحم الله امرءاً بعد ما بان له الحق بدليله أن يتبع الحق ويدع ما سار عليه وألفه من بدع وعادات مخالفة للشرعِ والتبعة للآخرين بلا برهان ورحم الله امرءاً انتهى إلى ما سمع
[والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها]
تقريظ فضيلة الشيخ العلامة : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
بسم الله الرحمن الرحيم(1/1)
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه ، وأشهد أنه بلغ ما أنزل إليه ، فلا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته وتمسك بسنته إلى يوم الدين ، وبعد .
فقد قرأت (1) هذه الرسالة التي ألفها الشيخ أحمد بن عبد الله السلمي في بدعة المولد وغيرها من بدع الصوفية والقبوريين ، ولقد أجاد وأفاد وأصاب الحق ودعا إليه ، ومنه نعرف أن في الزوايا خبايا وأنه قد بقي من فحول الرجال بقايا يذبون عن السنة ويحاربون البدع ويبرهنون على ما يقولون ، ولا شك أن زماننا قد استحكمت فيه غربة الدين وتمكن دعاة الشرك والوثنية والكفر والإلحاد والرفض والتصوف والانحلال من الدين ونحوهم ممن يبثون سمومهم في المجتمع الإسلامي ليوقعوا بين المسلمين التفرق والخروج عن دينهم فإذا انتبه المسلمون واستيقظوا وعرفوا عداوتهم وسعيهم للفساد وإيقاع الخلاف حذروهم وهتكوا أستارهم وكشفوا عوارهم وردوا عليهم أباطيلهم وأظهروا العمل بالسنة والابتعاد عن البدع والمحدثات في الدين وبينوا أن ذلك كفيل بجمع الجماعة ولمِّ شتات الأمة مما يكفل لها العزة والظهور نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يوحد صفوفهم وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
كتبه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء
أَصلُ تَقريظ فَضيلة الشيخِ
عبدُ اللهِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ الجبرين
شكر وتقدير
__________
(1) ثُمَّ إِنّي - بِعَونِ الله - عز وجل - أَدخَلتُ عليها زِيادات وإضافات وتَحسينات وموضوعات اقتَضَى ذِكرها .(1/2)
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتقدم بوافر الشكر إلى فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله على مراجعته لهذه الرسالة - على الرغم من كثرة مشاغله - فجزاه الله خير الجزاء وأجزل له المثوبة وبارك في عمره وعمله إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ولا أنسى مشايخ أجلاء وأخوة فضلاء ساهموا في إخراج الرسالة على هذا النحو سواء بإبداء نصح ومشورة أو بمساعدة على تصحيح الرسالة وإبداء بعض الملاحظات القيمة ، فإني وإن لم أذكر أسماءهم فإني معترف لهم بالفضل والامتنان ، أجزل الله - عز وجل - لهم المثوبة وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
أحمد بن عبد الله السلمي
29 / 10 /1427 هـ
( محتوى الرسالة (
( المقدمة : ... - افتتاحية .
- أهم الأسباب الداعية للكتابة في هذا الموضوع .
( تمهيد : ... - كمال الدين و شموليته .
- أهمية العقيدة .
- الهدهد الغيور على التوحيد .
- فائدة مهمة : مسالك أهل البدع في النظر و الاستدلال .
- من أسباب البدع .
- خطورة البدع .
- الرد على مُحَسِّني البدع .
- دعوة للتمسك بالأصلين .
- موقف الأئمة رحمهم الله من السنة .
- موقف أصحاب الأئمة الأوفياء من وصاياهم .
- توطئة [ فضل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ] .
- مع الصَّحابة - رضي الله عنهم - في تعظيمهم للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
- كيف نُعظِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
- صُوَرٌ من البخسِ .
( أصل الرسالة : ... - لمحات تاريخية عن الإحتفال بالمولد .
- أصل الاحتفال بالمولد ونشأته .
- أوَّل مَن أحدثَ المولد .
- تَناقض .
- مُجملُ أسبابِ النشأة وتفاعلاتها الاجتماعية .
- عمدة القوم في المولد وغيرها .
- قضيّة خطيرة .
- محاورة .
- ملاحظة مهمة جداً .
- حكم المولد عند الأئمة الأربعة .
- وقفةٌ .
- ما يحصل في هذه الموالد من بدع وشركيات وخرافات واعتقادات فاسدة و مخالفات .(1/3)
- أهمية السيرة النبوية مع تنبيه مهم .
- المنكرات التي تحصل في المولد .
- مولد البرزنجي نظماً ونَثراً .
- قصيدة البوصيري .
- من ديوان البرعي .
- دلائل الخيرات .
- إحياء علوم الدين للغزالي .
- موقف القوم من قصائد البوصيري ونحوها .
- قاصمة الظهور .
- دمعةٌ على التوحيد .
- قاصمة الظهور .
- تلبيس وتضليل .
- مغالطة فاحشة .
- من شبه المحتفلين بالموالد و دحضها وتفنيدها .
- فتاوى .
- قضية من أخطر القضايا .
( الخاتمة :
- وَقفةٌ أخيرة مع أهلِ الموالد .
- واجبُ طلبة العلم .
- لا صُوفيّة في الإِسلام .
- الخلاصة .
- أهم الوسائل للوقاية من البدع .
- بعض من كتب في الموالد .
الافتتاحية
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (1) .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (2) .
__________
(1) آل عمران : 102 .
(2) النساء : 1 .(1/4)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (1) .
أمَّا بعدُ :
فإنَّ أصدقَ الحديث كتاب الله - عز وجل - ، وخيرُ الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار (2) .
ثم أَمَّا بَعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
وبعد : فالخير كل الخير في الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واتباع سنته والتمسك بها والسير على هديها .
__________
(1) الأحزاب : 70 - 72 .
(2) هذه المقدمه تسمى (خطبة الحاجه) وصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح بها خطبه ، وكذا بعده المؤلفون يستفتحونَ بها كتبهم ؛ ولكنَّ البعض يزيد هنا على ما ورد زيادتين :
الأولى : كلمة (نستهديه) بعد نستعينه ، ولم ترد بها الرّوايه فيما أعلم .
الثانيه : قول البعض ( نشهد ) بصيغة الجمع بدل صيغة ( أشهد ) المفردة ، وقيل الحكمه في ذلك أن الشهادة من أعمال القلوب المحضة التي لا يسوغ فيها النيابة بخلاف الحمد وطلب الاستعانة والاستغفار ، فلذا جاءت بلفظ الجمع ولفظ الشهادة جاء مفرداً والله أعلم .
[ وللإِمامِ شَيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله - عز وجل - رِسالةٌ في شَرح خُطبة الحاجة مَطبوعة ، وللعلامة الأَلباني رحمه الله رِسالة في تخريجِ خُطبَةِ الحاجة ، وراجع في حُكمِ تكرارها والإِكثارِ منها : (تَصحيحُ الدُّعاءِ) للعلامة بكر أبو زيد (454-455) و(النَّصيحة) للعلامة الأَلباني (81-83) فهو هامٌّ ] .(1/5)
بهذا نال السابقون المكانة العالية والخيرية المطلقة والأفضلية التامة ، فأصبح اتباعهم والتّأسي بهم علامة التوفيق والنجاح ودليل السعادة والفلاح .
ثم إنه قد طرأ على صفاء هذا الدين ووضوح أحكامه في عصور انحطاط المسلمين كثير من البدع والمحدثات التي زادت انحطاطهم انحطاطاً وشغلتهم عن العودة إلى العقيدة الصافية والتمسك بها والرجوع إلى الحق : بتتبع المظاهر الفارغة والتقاليد العمياء التي سنها من ضل وأضل ، فحادت بهم عن طريق الحق وسلكت بهم مسالك الضلال ولبَّسَت على المسلمين في عقيدتهم ، وأخمدت فيهم جذوة الإيمان وجمال الاتباع ، وامتصت طاقتهم المتعددة المتقدة قوة وحماساً بمظاهر فارغة وأعمال خاوية .
فانتشرت بينهم أعمال الاحتفالات المبتدعة واتجه رجاؤهم وتعلقهم بالله إلى التعلق بالقبور والأضرحة والتماس الشفاعة منها وطلب الحاجات إليها ، فعاد أكثر المسلمين بهذه الضلالات إلى مظاهر الوثنية وتقديس الأشخاص فاستخفهم أعداؤهم وازداد تدهورهم وتحولت قوتهم إلى ضعف (1) . وقد كان للصوفية (2)
__________
(1) من كلمة لسماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز ، نقلها عنه الشيخ إسماعيل الأنصاري في كتابه (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل - صلى الله عليه وسلم - ) (صَفْحَة : 28) .
(2) ولو تأملنا قليلاً لرأيناهم يحملون لواءَ التوسل بالأَمواتِ واسستشفاعهم بهم واستغاثتهم وطلب العون والمدد منهم ، ويُقيمون الأَضرحة على المقابر في داخل المساجد ويطنطنون بقصيدة البوصيري والبرعي ، ويقيمون الموالد ، ويقولون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر معهم ويُغلِقون الأَنوار ويقولون الذكر المبتدع ( إلا الله إلا الله إلا الله ، الله حي حي ، يا لطيف يا لطيف ... الخ ) .
( وإليكَ هذه الكلمة المختصرة في التَّصوّف : خُطورة الصوفية وهي صنو أهل الرفض وشقيقتها : ” إن لفظ (الصوفية) و(التصوف) من الأَلفاظ الحادثة التي لم تُعرف في الكتابِ والسنة ، وليس لها أصل فيهما ، وكل ما ورد في الشرع هو كلمة (الزهد) أو (الورع) ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس » [ أخرجه ابن ماجه (4102) ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل » [ أخرجه البخاري (6416) ] .
هذا وقد ألَّف كثير من الأَئمة في الزهد منهم الإِمام أحمد ، وأبو داود ، وابن المبارك ، ووكيع بن الجراح ، وهناد السري وغيرهم رحمهم الله ، لكنهم حرصوا على التقيد بالشَّرعِ حتى في استعمال المصطلح وهو (الزهد) ، ولم يستعملوا هذه المصطلحات الحادثة التي لا تخلوا من أحد أمرين :
( الأَول : أن تكون دالة على معاني مخالفة لما جاء به الشرع فيكفي هذا دليلاً على بطلانها ووجوب اطِّراحها .
( الثاني : أن تكون دالة على معانٍ مشروعة ، وفي هذه الحالة فالواجب تسمية هذه المعاني المشروعة بالأَسماء التي سمَّاها بها الشرع ، ولا داعي لاستعمال أسماء محدثة حتى لا تفتح الباب للابتداع في الدين ، والاستحسان بالرأي والهوى . هذا وإن آفة التصوف لما ظهرت وفَشَت بين المسلمين وعمَّت البلوى ، تسببت في أضرار بالغة على المسلمين ومن أهمها :
( أولاً : أنها أدخلت على المسلمين الكثير من العقائد المنحرفة والتصورات الفاسدة والشركية ، بل وأصبح التصوف هو العباءة التي يرتديها كثير من الزنادقة ، كأهلِ الحلول والاتحاد والقائلين بتناسخ الأَرواح وغيرهم .
ومن المظاهر الشركية التي وقع فيها كثير من المسلمين الجهال نتيجة لشيوع فِكرة التصوف قصدهم لقبور وأضرحة الصالحين وغيرهم ، وصرف الكثير من العبادات إليها ، والتي لا تُنبغي أن تُصرف إلا لله ، كالذبحِ لها أو عندها ، والطوافِ بها ، وطلب الحوائج منها ، والاستشفاعِ بها ، واللجوءِ إليها لدفع الضر أو جلب النفع ، وغير ذلك من أنواعِ العبادات ، ويكفي قول الشعراني وهو من أئمة الصوفية في كتابه الجوهر والدرر : ( إن الله - عز وجل - يوكل بقبر الولي ملكاً يقضي حوائج الناس ) . وقول بعض الصوفية : ( قبر معروف الكرخي ترياق مجرب ) . ومما هو شائع عندهم طلب الإِمداد من المقبورين ، كقولهم : ( مدد يا سيدي أحمد البدوي ، مدد يا حسين ، مدد يا سيدة ، يا أم هاشم ، يا عبد القادر الجيلاني ... ) . كل هذه الشركيات الخطيرة التي وقع فيها الجهال من المنتسبين للإِسلام باعتقادهم التصوف في أناسٍ ميتين ، لا حول لهم ولا قوة ، ولم يكن لهم تصرف أصلاً في حياتهم ، ولا نفع ولا ضر ، فكيف بعد موتهم ؟! . بل يظن بعض الجهال أنهم بعد موتهم أكمل منهم في حال حياتهم ، وأقدر على التصرف ، كقول القائل : ( لا خير فيمن يحجب بينه وبين أحبابه شبر من التراب ) يقصد أنه حي في قبره ، يسمع ويرى ويتصرف ، كما كان في حال الحياة ، وهذا والله هو الضلال المبين والإِفك المستبين . ومما دفع كثير من شيوخ التصوف إلى التلبيس على الجهال في هذا الباب ، ما نالوه من الحُظوة والكرامة عند الناس ، في حال حياتهم بما يأتيهم من أموال ، وبما يلقونه من تعظيم وتكريم من تابعيهم ، حتى إنهم قد يركعون لهم ! وكذا ما ينتظرونه بعد موتهم من مظاهر التقديس والعبادة التي تكون عند قبورهم ، فلله الأَمر من قبل ومن بعد .
( ثانياً : ومن هذه الأضرار البالغة ما يظهر في احتفالاتهم وموالدهم من المفاسد الخلقية العظيمة ، كاختلاط الرجال بالنساء ، ورقصهم وغنائهم ، وتبرج النساء ، وشيوع اللهو واللعب ، بل والفسوق وغير ذلك من الأمور ، حتى إن هذه الموالد أصبحت في كثير من الأَحيان بمثابة مواسم وأسواق تقصد لهذه الأمور ، وأين كل هذا من دين الله - عز وجل - ؟! .
( ثالثاً : ومن هذه الأَضرار أن كثيراً من الأَجانب لما رأوا أفعال الصوفية واعتقاداتهم وتصرفاتهم في هذه الموالد ، مع مشاركة بعض المنتسبين إلى العلم لهم في هذه الاحتفالات ممن لبسوا العمائم ، أساءوا الظن بدين الإِسلام ، وقالوا : لا خير في دين يأمر بهذا ويُشَرِّعه لأَهله . وما درى هؤلاءِ أن الاسلام بريءٌ من أفعال أولئك ، وما درى أولئك أنهم صدوا عن سبيل الله بأفعالهم ، وأين كل هذا مما أمر به الله - عز وجل - وشرعه لعباده ؟! .
( رابعاً : أن هذه الفكرة - فكرة التصوف - تسببت في تفريق شمل المسلمين إلى فرق وأحزابٍ وشيع ، ما أنزل الله بها من سلطان ، قال - عز وجل - : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأَنفس } [ سُورة النجم : 23 ] .
وهل ظهرت هذه الأَسماء بين الصحابة - رضي الله عنهم - ، أو التابعين فمن بعدهم كالأَئمة الأَربعة وغيرهم ؟ كلا والله !! ، لقد استمسكوا جميعاً بحبل الله واعتصموا به فلم يقل أحد منهم أنا نقشبندي أو رفاعي أو جيلاني أو غير ذلك ، ولا حتى عمري أو عثماني أو علوي ، وهم من هم - رضي الله عنهم - .
وكل هذه الأَسماء تَسَبَّبَت في تفريق شل المسلمين وتحزيبهم تحت رايات وأسماء وهمية ، أو لا أهمية لها ، أو ما أنزل الله بها من سلطان ، وكل هذا كان من أسباب نزول البلاء وتسلط الأعداء .
( خامساً : يُعْزَى إلى الصوفية الفضل في بَثِّ روح الكسل والخمول ، والتواكل بين المسلمين ، وعدم الجد في أمورِ الدين والدنيا ، وعدم الأَخذ بأسبابِ القوة في مواجهة أعداء الإِسلام ، حتى إنهم لم يُعرَف عنهم وقوف في وجه الأَعداء ، كالتتارِ وغيرهم ، بل إن علماء أهل السنة كشيخ الإِسلام ابن تيمية وغيره ، وقفوا في وجه الكفر بالسيف ، بينما اعتزل هؤلاءِ : ( زعماً منهم أن غزو التتار بلاء من الله ، ولا داعي لمحاولة مواجهة القدر الإِلهي ) . إلى غير ذلك من الأَضرار الخطيرة التي يضيق بذكرها المقام ، ولا تكفيها هذه الوريقات ، وفيما ذكرت كفاية “ ا( . بِتصَرّفٍ يَسير من : مقدمة الشيخ محمد الخميس على كتاب (الحماسة السنية في الرد على بعض الصوفية) لحسن عبد الرحمن السني البحيري المصري (صَفْحَة : 4-9) . ويُنظر (التوحيد ومسيرة العمل) لعبد العزيز عبد الله الزغيبي ، و(ودعوة التوحيد) لمحمد خليل هراس ، و(حقيقة القبورية وأثرها على التوحيد) ، و(حقيقة التوحيد والفرق بين الربوبية والأُلوهية) لعلي العلياني ، و(دمعة على التوحيد) وحقيقة القبورية وآثارها في واقع الأمة) للمنتدى الإسلامي بالرياض .ومصرع التصوف للبقاعي تحقيق وتعليق عبد الرحمن الوكيل ودعوني أرحل قصة امرأة تزوجت رجلا صوفيا بقلم الهاشمية(1/6)
القبورية والمجوسية الخرافية -أهل الرَّفض- الأَثر العظيم في ذلك فعليهم من الله ما يستحقون .
ومن هذه المظاهر الفارغة والتقاليد العمياء بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، والتي هي من أشر البدع التي عمَّ بلاؤها ، واستشرى ضررها ، وانخدع بها من انخدع ، وضل من ضل ، ولو أنَّ المسلمين احتكموا إلى الكِتابِ والسنة وعملوا بما يُرشِدان إليه ، ونظروا إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى سيرة أَصحابه الكرام - رضي الله عنهم - من بعده وسَلف هذه الأُمة : هل حدثت هذه البدع في أزمانهم ؟ وإن لم تحدث ، فَلمَ تَركوها ؟ . لو أخذ المسلمون جميعاً بهذه الاعتبارات ما حَصل بينهم شِقاقٌ وفُرقة وتنابزٌ بالأَلقاب ، فأيُّ أمرٍ مُختَلَفٍ فيه وَدَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةِ فَعَلناه ، وإِنْ دَلَّ على تركه تَركناهُ ... .
سُبحان الله ، هذه الموالد مَن ذا الذي شَرَعها ؟ أو بأيّ سُنّة جاء طلبها ، أو على الأقلِّ إباحتها ؟ فالله المُستعان وعليه وحده التّكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
واعلموا وَفَّقني الله - عز وجل - وإيَّاكم وجميع المسلمين والمسلمات :
أني ما كتبت هذه الرِّسالة إلا لِمناقَشة وبَحثِ هذه القَضيّة بِعدلٍ وإنصاف وتجرد عن كُلِّ هوى ، ومُقرَّرات بَشريّة سابقة ، ووزنها بِميزان الشَّرع ، وعرضها على كِتاب الله - عز وجل - وسُنَّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ، القائل : « إنَّ أحسَنَ الحديث كِتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - » (1) .
والشَّرعُ ميزانُ الأُمورِ كُلِّها وشاهدٌ لِفرعِها وأَصلِها
وأسألُ أخاً يَنتفعُ بهذه الرِّسالة :
أن يدعو لِكاتبها ، ولوالديه ، ولمشايخه ، ولجميع المسلمين .
كما أسألُ الله - عز وجل - جَلَّت قُدرته ، أن يَجعل عملي صالحاً ، ولوجهِهِ خالِصاً ولِعبادهِ نافِعاً ، وأن يكتُبَ لي القَبول .
__________
(1) [ أخرجه البُخاري (6098) (7277) ] .(1/7)
أهم الأسباب الداعية للكتابة في هذا الموضوع
عقدت العزم بِعونِ الله - عز وجل - على الكتابة في هذا الموضوع لما تقدم ولأسباب عديدة أهمها ما يلي :
* إبراءً للذمة أمام المولى - عز وجل - وبياناً للحقِّ { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ } (1)
* القيام بواجب النصيحة ، وفي الحديث : ( « الدين النصيحة » قال الصَّحابة - رضي الله عنه - لمن يا رسول الله ؟ ، قال : « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » ) (2) .
* التعاون على البر والتقوى والنهي عن الإثم والعدوان .
* الدفاع عن التوحيد والذب عن السنة ، والرد على المبتدعة ، وهذا هو طريق السلف الصالح حتَّى إنهم رفعوا من شأنه و جعلوه من الجهاد في سبيل الله تعالى .
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - عز وجل - : ( الرَّادّ على أهل البدع مجاهد ، حتى كان يحيى بن يحيى - شيخ الإمام البخاري - يقول : الذبُ عن السنة أفضل من الجهاد ) (3) .
* فَضْحُ هذه البدعة الشنيعة - بدعة المولد - التي أدخلت على الدين من أهواء الجهال حتى إن أحدهم يتعاهدها و يسعى في محاربة و مجابهة من يتركها وكأنها من الدين بل ربما اعتقدوا أن ذلك من أكبر العبادات و من إظهار شعائر الدين .
__________
(1) سُورَةُ آل عمران : من الآية 187 .
(2) [ أخرجه : مسلم (55) وأبو داود (4944) والنسائي (7/156-157) وابن حِبَّان (10/435-436) (4574،4575) من حديث أبي رُقَيَّةَ تَميمِ بنِ أوسِ الدَّاري - رضي الله عنه - . راجع تَخريجه وشَواهده في (الأَضواءِ السَّماوية في تخريجِ الأَربعينِ النَّووية) لِفوزي عبد الله (73-78) ] .
(3) مجموع الفتاوى (4/13) .(1/8)
وأمعن بعضهم في الضلالة حتى أن الناظر إلى أقوالهم وأفعالهم ليرى كأنما أصبح الإسلام في حسهم هو المولد فمن أجله يوالون ويعادون ويحبون ويبغضون . وبعضهم كتب على نفسه طول عمره الانتصار للمولد والمنافحة عنه وإقامته مهما شق الأمر وكلف الثمن ، والغضب ممن لا يحتفل به أو لا يحضره فضلاً عمن لا يُجَوِّزه والنيل من أهل السنة الذين يبرءون إلى الله من هذا الاحتفال و تشويه سمعتهم (1) .
فَبعضهم قال بسنيته ، وسئلُ بعض مشايخهم عن حكمه فقال : ( هو سنة مؤكدة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أقول مباحٌ فَحَسب ) (2) .
ويلزم على القول بأن الاحتفال بالمولد سُنة مؤكدة أربعة لوازم سيئة :
1 : أن يكون الاحتفال بالمولد من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم . وهذا معلوم البطلان بالضّرورة ؛ لأَن الله - عز وجل - لم يأمر عباده بالاحتفال ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أمر به .
2 : ومن اللوازم السيئة أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - قد تركوا العمل بسنة مؤكّدة . وهذا مما يُنزّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عنه .
3 : ومن اللوازم السيئة أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة مؤكدة لم تحصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه . وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين .
4 : ظاهرٌ جداً من كلام القائل به أنّه لا يعرف مُصطلحات أهل العلم ، فهو يهرف بما لا يعرف ، فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وداوم عليها ، فهل يقول صاحب هذا القول وأمثاله أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمل المولد وداوم عليه ؟! .
__________
(1) الانحرافات العقدية و العلمية (385و386) .
(2) سَمعت ذلك في شَريط .(1/9)
وتجاوز بعضهم فقال بوجوب القيام بالمولد ، مِن هؤلاءِ القليوبي (1) ، ويقولُ قائلهم عبد الرحيم البرعي :
فلو أنّا عملنا كُلّ يومٍ لأَحمد مولداً قد كان واجب
ومنهم حامد المحضار في كُتيّب هزيل له أسماه (الاحتفال بذكر النعم واجب) ولم يقل إن المولد بدعة ، بل قال : (واجبٌ على المسلمين) . وكان اعتماده واستناده في تأييد هذه البدعة بدعة أُخرى قد اخترعها بنفسه بدون أن يسبقه إلى القول بها أحد من علماء المسلمين وهي بدعة الاحتفال بالنعم وأنه واجب ، فاستدل للبدعة ببدعة ، وللمنكر بمنكر وزور ، فعلى من سنّها وزر من عمل بها إلى يوم الحَشرِ والنشور ، وينبغي أن نفهم معنى هذا الاحتفال الذي حُكِمَ بوجوبه على الناس لغة وعُرفاً ، إذ الواجب هو ما يُثابُ فاعله ويُعاقبُ تاركه (2) .
قال في لسانِ العربِ : الاحتفالُ : الاجتماعُ ، مأخوذُ من حَفَلَ القَومِ ، واحتَفَلوا ، إذا اجتَمَعوا واحْتَشَدوا ، ومَحفَلُ القَومِ ، ومُحتَفَلُهم : مُجتَمَعهم . وعِنده حَفلٌ : أي جَمعٌ مِنَ النَّاسِ ا( (3) . فَلو أنَّ كلَّ نعمة يُنعم الله - عز وجل - بها على عِباده يَجبُ الاحتفالُ لها لَعطَّل النَّاس مَنافعهم ومَتاجرهم وبيعهم وشِراءهم في سبيل الاحتفال بكلِّ نعمة ، وبذلك ستنقلبُ النِّعم في حقّهم نِقمةٌ .
__________
(1) انظر كتابه : فيض الوهاب (5/110) و(التبرك أنواعه وأحكامه) للشيخ ناصر الجديع (ص368) .
(2) [ رَ : شَرح الإمام الطُّوفي على مختصر الرَّوضة 1/265 وشَرحُ الكوكب المنير للإمام ابن النَّجَّار 1/345 و(إتحافُ ذوي البَصائر بِشَرحِ رَوضة النَّاظر) للشيخ عبد الكريم النملة 1/351-365 وهو أوسعها ] .
(3) [ لسان العرب (2/118) (حَفَلَ) ] .(1/10)
وقد ردَّ عليه العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشَّرعيّة والإِفتاء بقطر رحمه الله - عز وجل - (1) .
بل قال بعضهم : بأن ليلة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من ليلة القدر (2) ، يقول قائلهم : ( ليلة مولد سيد الأَنام أفضل أيَّام العام ) ، وذاك يقول : ( أفضلُ ما في العامِ ليلة مولد النبي - عليه السلام - ) ، فاجتهد وبذل فيها ما لم يجتهد أو يبذل في ليلة القدر .
والله إنك لتعجب من مسائِلَ يُثيرونها : هل يوم المولد أفضل أم ليلة القدر ؟ . ويأخذ يصطنع لها أقوالاً وفُروعاً ووُجوهاً بعيدة ينتصر في آخرها لقولهم ، وهو واهٍ جداً .
__________
(1) أدعياء الحق رد على كتيب يهذي ، لعبد الله بادغيش (ص42،43) . وانظر (كلمة الحقِّ في الاحتفال بمولد سيد الخلق) للشيخ ابن محمود (ص488) ضِمن مجوعة رسائل في المولد .
(2) انظر : مفاهيم يجب أن تصحح ، لمحمد علوي (ص120) ، وقد رد على هذه المفاهيم السقيمة صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في كتابه ( هذه مفاهيمنا ) . وسيأتي بيانُ شيء من ذلك بإذنِ الله - عز وجل - ، والرد على هذه المقولة . وانظر (صَفْحَة : 128-129) .(1/11)
ومِثالٌ آخر : قولهم في وُجوبِ إظهارِ الفرحة بِيومِ المولد كَفرحة العيدين . ويُفَرِّعونَ مِن هذا القولِ مسألة أُخرى : ما حكم صيامِ يوم المولد ؟ (1) ، حتَّى وَصل بمن أمعن في الضلالة أن يقول : ( بدعية إنكار الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ) . حَتى أُشيعَ في بعضِ البُلدان أنَّ من لم يحضر المولد فهو كافر ، وأن من لم يقم عند ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فليس بمسلم ، وهذا من فنون تنوع البدع (2) .
سُئِلَ الاستاذ محمد رشيد رِضا رحمه الله (3) : هل يجوز للإِنسان حُضور حفلة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وإذا لم يحضر هل يُعدُّ كافراً ؟ ومن لم يَقم أثناء قراءة المولد - أي عند سماع قول مرحباً بالنبي ... - هل يُعد كافراً أيضاً ؟ لأَنَّ العلويين في جاوة يَعقدون حفلات كثيرة في كل سنة وفي أماكن متعددة وفي أوقات مخصوصة ، يذبحون لها الذبائح وتُشد لها الرّحال من أماكن بعيدة ، ويلقنون الناس أثناء الحفلات أن من يحضر المولد ولم يقم عند سماع : ( مرحباً - رضي الله عنه - ) فهو كافر ، أفتونا مأجورين ، وأبقاكم الله عوناً للحقِّ .
__________
(1) انظر هذه المسائل في الكتاب القيم : (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل - صلى الله عليه وسلم - ) .
(2) انظر : (كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق) لفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ، رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بدولة قطر رحمه الله - عز وجل - ضِمن مجموعة رسائل له 1/491 .
(3) فتاوى المنار (5/211) رقم (765) .(1/12)
فأجاب رحمه الله ما ملخصه : هو بدعة سيئة وجناية على دين الله - عز وجل - ، وزيادة فيه ... فكيف إذا وصل الجهل بالنّاسِ إلى تكفير تاركه ... وأما القيام عند ذكر وضع أمه له - صلى الله عليه وسلم - وإنشاد بعض الشِّعرِ أو الأغاني في ذلك ، فهو من جملة هذه البدع ، وقد صَرَّح بذلك ابن حجر المكي الشَّافعي الذي يعتمد هؤلاء العلويون على كتبه في دينهم ... ا( .
( كما ذَكَر صاحبُ كتابِ ( الإنحرافات العَقديّة ) في صَددِ كلامه عن الموالد قائلاً : يَذكر صاحبُ "الخطط التوفيقية" أنَّ الموالد كانت تُعملُ في السَّنة في مدينة من المدن (1) وضواحيها ثَمانونَ مولداً يَحسُن بنا أن نوردها هاهنا لنرى كم كان يُهدر في هذه الموالد من الأوقات والجهود والأَموال ، حتى غدت شُغل المسلمين الشاغل ، حتى لم يبق معها وقت يكاد يذكر لجهاد أو أمر بمعروف ونهي عن منكر ، إلا نزر قليل تَشغله بدع أخرى . وكيف ملأَت هذه الموالد على الناسِ حياتهم وسَيطَرَت على عُقولهم واستولت على اهتماماتهم وجهودهم ، ونحن نذكر هذه الموالد حسب الشهور التي تُعمل فيها وحسب الترتيب الذي رتّب به صاحبُ الخطط ، وهي كالتالي ... . ثم سَرَدها في أربع صَفحات ، ثم قال : وبعضها يستغرق أسبوعاً وبعضها أكثر ، وبعضها يَستمر شهراً ... .
ويقولُ الشيخُ رشيد رِضا متحدثاً عن كثرة الموالد : ( والموالد في هذه الديار كثيرةُ جداً تكادُ تستغرق أيام السَّنةَ ... ) ا( (2) .
* لما نرى من تفاقم أمر المولد عند من يحتفل به واعتقاد الكثير منهم أنه علامة حب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أنكر عليهم قالوا أنت جاف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تعرف قدره ، وإنه بدعة متبعة حسنة ، ومن أنكر عليهم ، قالوا له : غيرت السنة .
__________
(1) وَذَكرَ اسمَها .
(2) الإِنحرافات العقدية (402-406) .(1/13)
وصدق حذيفة - رضي الله عنه - حيث قال : ( والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء قالوا : تركت السنة ) (1) .
بل قالوا : حاربت ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا ومشايخنا وخالفت السواد الأعظم ، ومنذ أن خلقنا الله ونحن نتعبد الله به ومن ثم تنكر علينا لا أبا لك ، وزاد الأمر أن جعلوه علامة شكر لله فيتقربون إليه بنذرهم به ولأتفه الأسباب وأقل المناسبات من ولادة أو زواج أو عقد قِرانٍ أو نجاح أو قدوم من سفرٍ أو بناء بيت ونحوها ، وقد قال لي بعضهم إن أهلي يعملون المولد لأقل مناسبة وإذا لم يكن عندهم من يقوم بعمل المولد يستأجرون من يقوم لهم به فيجتمعون ويطربون ويطعمون ويهدون ويفعلون ما يفعلون .. وبعد ذلك ينتشرون زاعمين أنهم أرضوا مولاهم وتقربوا إليه وشكروه والنتيجة يخسرون ويغرمون ويأثمون .. خاصة النساء المخدوعات المغرر بهن يفعلنه كل حين وبشكل لا يتصور ، بل وتسمع لهن صوتاً وضرباً وردحاً وحجلاً وتصفيقاً وزغردة قال تعالى : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } (2) .
* من الأَسباب أيضاً : أن بعض من ينتسب إلى العلم يُقِرُّ المولد و يضع له ضوابط من عنده ، أو يلبس ويغرر من استفتاه ويجعله في حيرة وتيهان ، فيقول : إن قصد بالمولد السيرة النبوية فلا مانع منه وإلا فلا .
سبحان الله - عز وجل - ! هل هناك عبادة تُسمى المولد ، أو سيرة نبوية يُحدَّدُ لها زمنٌ ويُحتَفَل بها ويُفعَلُ فيها ما يُفعَل بل يُساء فيه إلى السيرة النبويّة الطيبة ، ويُشوّه معالمها المشرقة المُشَرّفة ، وستنظر إلى بعض النماذج للموالد في أثناءِ هذه الرِّسالة بإذن الله - عز وجل - .
__________
(1) رواه ابن وضاح القرطبي في البدع والنهي عنها (صَفْحَة : 58) .
(2) سورة الأنعام من الآية (70) .(1/14)
سبحان الله - عز وجل - ! في أيِّ مُعجَمٍ أو قاموس يُطلَقُ لفظ ( مولد ) على السيرة النبوية (1) ، إن هو إلا الإيهام والتخليط والتخبيط في دين الله - عز وجل - ، نسأل الله - عز وجل - السّلامة والعافية ، ونعوذ بالله - عز وجل - من تأويل المُبطِلين وأنصافُ المتعلمين .
وإنْ أَلقاكَ فَهْمُكَ في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فَهِمتَا
وهذا شأنُ من أعماه هواه وحبه لسمعته وشهرته ودنياه يريد أن يبقى صديقاً للجماهير . { هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } (2) . وإلا فطالبُ العلم يصدع بالحقِّ ولا يُبالي ولا يُجامل ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بيّنة ) ، ونعوذ بالله - عز وجل - من حبِّ الشُّهرةِ والظهور ، فحبّهما يَقصم الظهور ، والله المستعان .
* من الأَسباب : تخصيصهم لمثل هذا المولد أياماً وحفلات ومطاعم ومشارب ومواسم ومناسبات واستئجار صالات من أجله وغلواً وإطراء واعتقادات فاسدة وطقوساً وصوفيات .
* وقاصمة الظهر أن بعض الدول في العالم الإسلامي سخرت كل جهودها حتى إعلامها ، بل عطلت الدوائر الحكومية كلها والشّركات والمؤسّسات وتُقفل المدارس وتُقام حفلات هائلة وتعمل إنارة الطّرقات وتزيينها من أجل هذه الاحتفالات بالمولد ، والأغرب من ذلك كُلّه أنَّ بعض الحكومات التي تدور في فلك المعسكر الشيوعي المُلحد الذي لا يعترف بوجود الله - عز وجل - تجعل ذلك اليوم عيداً رَسميّاً كَالأَعياد الوطنيّة في عصرنا الحاضر للِكَسبِ تأييد رعايا المسلمين فقط دون النظر إلى دوافع دينية ؛ وذلكَ لأَنَّ الدين عندهم : أَفيون الشَّعب ، بِناءً على مبدئهم القائل : ( الغاية تُبَرِّرُ الوَسيلة ) .
__________
(1) وانظر (أهمية السيرة مع تنبيه مهم) في هذه الرسالة (صَفْحَة : 120) .
(2) سُورَةُ النساء : 109 .(1/15)
ونحمد الله أن حفظ دولتنا بالبعد عن تلك الظواهر السيئة والطقوس البدعية وإنا لنفخر بحكومتنا خصوصاً في هذا الجانب ، وأقول لها ما قاله العز بن عبد السلام السلمي - رحمه الله - : ( طوبى لمن تولى شيئاً من أمور المسلمين فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن ) (1) ولها الشرف بذلك ولله الحمد والمنة .
( إِنَّ بعض الاتجاهات الإِسلامية تحتفل بالمولد (2) بإقامة الأمسيات الدينية التي تُذكِّر بهديهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ولو لم يكن في ذلك غير موافقة المبتدعة أو إثبات شبهة سُنِّية الاحتفال أو شرعيته لدى العوام لَكفى بها ضَرراً ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك قصرهم للخطب في ذلك اليوم على مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يدعو إلى تعظيم ذلك اليوم على وجه التَّقرّب ، فالمسألة خطيرة جد خطيرة .
__________
(1) طبقات الشافعية (5/107) .
(2) أو الهجرة أو الاسراءِ أو ليلة النِّصفِ من شَعبانِ ونحوها . وسَنذكر بإذن الله - عز وجل - فَتوى بهذا الصَّدد (صَفْحَة : 272-278) .(1/16)
يَقولُ فَضيلة الشَّيخ : صالح الفوزان عُضو هيئة كِبار العُلماء : يَنشطُ بعض كُتّابنا وشُعرائنا في أوَّل ربيع الأوّل في كتابة المقالات وإنشاء القصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وذِكر سيرته ، وتُساعدهم بعض الصُّحف والمجلات بِنَشرِ تِلك المقالات والقَصائد على ما فيها من غلو وخطأ في المعلومات والأحكام الشرعية ولا نرى لهذا سبباً ظاهراً سِوى مُشاركة المبتدعة في إحياء ذِكرى المولد النبوي في أوّل هذا الشهر ، والتي أحدثها الفاطميون في آخر القرن الرّابع وتوارَثها مَن لا يُميّز من السُّنة والبدعة ، وإن المفروض في صُحُفنا ومجلاتنا أن تكون يَقظة لا تَنشر إلا ما هو جاد ومُثمر ومفيد للأمة ؛ لأَنها تصدر من بلاد التوحيد ومَهبط الوحي ، فهي محل القدوة للعالم الإِسلامي كُلّه فَيجبُ أن لا تَنشِر ما يُخل بالعقيدة ويُشيع البدعة ا( (1) .
( من الأَسباب : جهل بعض المسلمين بحكم بدعة المولد وهو التحريم .
إِنَّ سكوتنا يترتب عليه أمور :
( أولاً : خيانة أهل البدع والمعاصي لأن بعضهم يجهل بِدعيّة المولد .
( ثانياً : خيانة الأمة بحيث تحل البدعة محل السنة ، وما قامت بدعة إلا ماتت سنة .
( ثالثاً : خيانةٌ لأنفسنا في الدنيا ، حيث ينزل العذاب فيعم الصالح والطالح ، وفي الحديث : ( أنهلك و فينا الصالحون ؟ ، قال - صلى الله عليه وسلم - : « نعم إذا كثر الخبث » ) (2) .
( رابعاً : خيانة أنفسنا في الآخرة ، حيث يتعلق العصاة والمبتدعة برقابنا ويقول الواحد منهم لربه سل هذا ؟ لِمَ خانني ؟ لم ظلمني ؟ يارب إن هذا رآني في الدنيا على البدعة فسكت وداهن وجامل فماذا يكون جوابنا ؟ إذاً هذا البحث معذرة ولعلهم يتقون ولعلهم يرجعون .
__________
(1) البيان لأَخطاء بَعض الكُتّاب (صَفْحَة : 245) .
(2) [ أخرجه : البخاري (3097،6535،6602) ومسلم (5128) ] .(1/17)
وقد كان السلف الصالح إذا رأوا مسلماً أخطأ نصحوه خشية أن يموت على هذا الخطأ فيعذب في نار جهنم ، وخوفاً من أن يعذب الذي رآه ولم ينصحه ، ونصيحة للآخرين - الجاهلين - ليحذروا الأخطاء عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » (1) .
بل إني والله لأعجب - ومالي لا أعجب والعجب لا يَنقضي - ممن يتّهم أهل السنة والجماعة الذين يُنكرون الموالد بأنهم يَطعنون في الأَولياء ولا يُحبّونهم (2) بل يُكفرون أهل الموالد ، وأن الاحتفال بالمولد كُفر ، وإليك أخي ردّ سماحة والدنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله على بعض هذه المزاعم : الحمدُ للهِ ، والصَّلاةُ والسَّلام على رسولِ الله وعلى آله وأصحابه ، أما بعد : فقد كَتبت منذ أيّام مَقالاً يَتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفالِ بالمولد ، وأوضحت فيه أن الاحتفال به من البدع المحدثة في الدّين ، وقد نشر المقال في الصّحف المحليّة السّعوديّة وأُذيعَ في الإذاعة ، ثُمَّ علمت بعد ذلك أنَّ إذاعة لندن نَقلت عني في إذاعتها الصّباحيّة أني أقول بأنَّ الاحتفال بالمولد كُفرٌ . فتَعيَّن عليَّ إيضاح الحقيقة للقرّاء ، فأقول :
__________
(1) [ أخرجه : البخاري (13) ومسلم (71) وابن حبَّان (234،235) ] وانظر السلسة الصحيحة (73) .
(2) رَ : ( مغالطة فاحشة ) في هذه الرِّسالة (صَفْحَة : 231) .(1/18)
إنَّ ما ذكَرَته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصَّباحية في لندن منذ أيّام عني أني قُلتُ بأنَّ الاحتفال بالمولد كُفرٌ : كَذِبٌ لا أساسَ له منَ الصِّحة ، وكلّ من يطّلع على مَقالي يَعرف ذلك ، وإني والله لآسف كَثيراً لإِذاعة عالميّة يحترمها الكثير من النّاس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصّريح ، وهذا بلا شك يوجب على القرّاء التّثبّت في كل ما تنقله الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع . وأسألُ الله - عز وجل - أن يحفظنا وجميع المسلمين من الكذب ومن كل ما يغضبه سبحانه إنه جواد كريم .
وللحقيقة جرى نَشره ، وَصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وَصحبه وسلّم (1) .
أقولُ : ولا أعلم مُستنداً لهذا القول وهو التكفير والتجاسر على تكفير من ظاهره الإسلام من غير مستند شَرعي ولا بُرهان يُخالفُ ما عليه أئمة العلم من أهل السّنة والجماعة ، وهذه الطريقة هي طريقة أهل البدع والضَّلال ، وهي ناشئة من عدم الخشية والتقوى فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال . وإطلاق القول بالتكفير دليل الجهل وعدم العلم بمدارك الأحكام ، ومسألة التكفير لم يقل بها السَّلف الصَّالح إلا إذا وُجِدَ في الإنسان ما يُكفّره من أقوال وأفعال تُنافي عقيدة الإسلام .
__________
(1) مَجلة البحوث الإِسلاميّة 6/311 ومجموع فتاوى ومقالات متنوعة للعلامة ابن باز 2/380 جمع الشويعر .(1/19)
فالإِيمانُ : قَولٌ باللسان ، واعتقادٌ بالجِنانِ ، وعملٌ بالأَركانِ (1) ، يَزيدٌ بالطَّاعةِ ، ويَنقُصُ بالعِصيان (2) ، ولا نُكَفِّر أحداً من أهل القِبلة ، ولا نسلب الفاسق المِلِّي اسم الإيمان بالكليّة ، ولا نخلده في النّار (3) ، ولا نكفره بالكبائر التي هي دون الشّرك والكفر (4) ، بل هو مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته .
يَقول سماحة العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله - عز وجل - (5) : ولا يجوزُ تكفير أحد من المسلمين بِشَيءٍ من المَعاصي التي دون الشِّرك والكفر ، كالزنا والسّرقة وأكل الرّبا وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وغير ذلك من الكبائر ما لم يستحل ذلك ؛ لِقوله - عز وجل - : { إنَّ الله لا يَغفر أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغفِر ما دونَ ذلك لِمَن يَشاء } ا( .
وهذا هو مذهب السَّلف - رضي الله عنهم - واعتقاد أهل السنة والجماعة :
أن المسلم لا يخرج من الإِسلام بذنبٍ عمله ولو كان كَبيراً ، إلا إذا استحلَّه أي أنكر تحريمه ما عدا الشّرك ولو لم يستحلّه ، وكل المعاصي دون الشّرك يمكن أن يغفرها الله - عز وجل - ، وقد دلَّ على ذلك الكِتاب والسنة والإجماع ، وذلك لما يأتي :
( أولاً : الأَدلّة من القرآن :
1- قال - عز وجل - : { إنَّ الله لا يَغفر أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغفِر ما دونَ ذلك لِمَن يَشاء } (6) .
__________
(1) [ رَ : حد الإيمان في كتاب (تَقريب وترتيب شَرح العقيدة الطّحاوية) للشيخ خالد فوزي 1/157-159 ] .
(2) [ رَ : مسألة زيادة الإِيمان ونُقصانه في الكتاب السابق (1/193-202) ] .
(3) بعكس ما تقوله المعتزلة : بأنه مخلد في النار .
(4) بعكس ما تقوله الخوارج : بأنه يكفر بفعل الكبيرة .
(5) راجع : (الإِتمام بِشَرحِ العقيدة الصَّحيحة ونواقض الإِسلام) للعلامة ابن باز ، جمعُ عبد العزيز فتحي 119-121 .
(6) سُورة النِّساء : 48 .(1/20)
فَلو كانت المَعاصي - ومنها الكِبائر - دون الشِّرك كُفراً يُخرجُ صاحبه من الإِسلام ما جازَ أن يَغفر الله لأَصحابها ؛ لأَنَّ مَن جوَّز ذلك فقد جوَّز على الله - عز وجل - المغفرة للكافر ، وهذا مُخالفٌ لما دَلَّت عليه النُّصوص الشَّرعيّة الصّحيحة .
2- قوله - عز وجل - : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1) فالله - عز وجل - لم يَنفِ عنهم الإيمان ، بل أثبت لهم اسم المؤمنينَ وجَعلهم إِخوتنا في الدين رَغمَ قِتالهم ، مع العلم بأن الاقتتالِ مِن الكَبائر ، فدلَّ على أنهم لم يكفروا به .
3- قوله - عز وجل - : { الزّانيةُ والزَّاني فاجلدوا كُلَّ واحد منهما مائة جلدة } (2) ولو كانا كافرَينِ بالزِّنا لأَمر بقتلهما رِدّة ، فدلَّ على أنَّ الزّاني لا يكفر بمجرّد الزِّنا ما لم يستحله . وغير ذلك من الآيات الكثيرة .
( ثانياً : الأَدلّة مِنَ السُّنةِ :
__________
(1) سُورة الحجرات : 9-10 .
(2) سُورة النُّور : 2 .(1/21)
وهي كَثيرةٌ جداً يَصعُبُ حَصرها ، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَدَ في الخَمرِ وفي الزِّنا ، ورَجَم في الزِّنا وصَلَّى على المرجوم والمرجومه ، وقَطع يد السَّارق ، ولو كان مُرتكب كُلَّ معصية من هذه المعاصي يَكفر لأَمْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِقَتلهم رِدَّةً لما صَلَّى على مَن رُجِمَ في الزّنى ، وهذا واضحٌ بحمدِ الله - عز وجل - . وأيضاً فقد تواترت الأَحاديث في خروجِ عُصاة الموحدين مِن النَّار، ولو كانوا كُفَّاراً بِمعاصيهم ما خرجوا من النّار ، وسيأتي بإذن الله - عز وجل - ذِكر بعضها .
( ثالثاً : الإِجماعُ :
لقد اتّفق أهل السنة والجماعة على عدم تكفير أَصحابِ الكبائر خَلا الشِّرك ما لم يَستحلوها ، وقد نَقَل ذلك عنهم كُلّ من صَنَّف في تَقريرِ مذهبهم ، فمن ذلك :
1- الإِمام الطَّحاوي فيما نَقله عن الإِمام أبي حنيفة وَصاحبيه رَحمهم الله : ولا نُكَفِّرُ أحداً مِن أهلِ القِبلةِ بِذنبٍ ما لم يَستحلّه ، ولا نقول : لا يَضر مع الإيمان ذَنب (1) .
2- وقال الإِمامُ أبو عُثمان الصَّابوني رحمه الله - عز وجل - : ويَعتقدُ أهلُ السُّنةِ أنَّ المؤمن وإن أَذنبَ ذُنوباً كَثيرة صَغائِرَ كانت أو كَبائر ، فإنه لا يَكفر بها ، وإن خَرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإِخلاص ، فإنَّ أمره إلى الله - عز وجل - ... (2) .
3- وقال الإِمام أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله - عز وجل - في بيانِ عقيدة السّلفِ :
__________
(1) رَ : (شَرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز الحنفي (ص290) .
(2) رَ : (عَقيدةُ السَّلف أصحاب الحديثِ) (ص71-72) .(1/22)
ويَقولون إنَّ أحداً من أهلِ التوحيد ومن يُصلي إلى قبلة المسلمين لو ارتكب ذَنباً أو ذُنوباً كثيرة صَغائر أوكبائر مع الإقامة على التوحيد لله والإقرار بما التزمه وقبله عن الله - عز وجل - فإنه لا يكفر به ، ويَرجون له المغفرة ، قال - عز وجل - : { ويَغْفِرُ ما دونَ ذلكَ لِمَن يَشاءُ } (1) .
4- قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله - عز وجل - : قد تقَرَّرَ مِن مذهب أهل السنة والجماعة ما دلَّ عليه الكتاب والسنة : أنهم لا يُكفرون أحداً من أهل القبلة بِذنبٍ ، ولا يُخرَجونَ مِنَ الإِسلام بِعملٍ إذا كان فِعلاً منهيّاً ؛ كالزنا والسّرقة وشرب الخمر ما لم يتضمّن ترك ما أَمر الله به من الإِيمان . أما إن تضمن ترك ما أمر الله - عز وجل - به من الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت : فإنه يَكفرُ به .
وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوبِ الواجبات الظاهرة المتواترة ، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة ا( (2) .
يقول شيخ الإِسلام : فليسَ لأَحد أن يُكفِّرَ أحداً من المسلمين وإن أخطأ حتى تُقام عليه الحجة وتُبيّن له المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشّبهة (3) .
وقال أيضاً : إن القولَ قد يكون كُفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه (يعني على سبيل الإطلاق لا على سبيل التعيين) ويُقال : من قال هذا فهو كافر ، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ا( (4) .
ويقصد بقيام الحجة : توفر الشروط وانتفاء الموانع .
ولا بد للحكم بتكفير المسلم من شرطين :
__________
(1) رَ : اعتقادُ أئمة الحديث (ص64) .
(2) رَ : مجموع الفتاوى (20/90) ، ونحوه 3/267) و(5/396) .
(3) رَ : مجموع الفتاوى (12/465) .
(4) رَ : مجموع الفتاوى (35/165) .(1/23)
1- أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر ، ولذلك لا يكفر إلا من دلّ الكتاب والسنة على تكفيره ، أو أجمع العلماء على الحكم بكفره .
2- انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث تتوفر فيه الشروط بكونه عالماً قاصداً ... وتنتفي عنه الموانع كالجهل والإكراه ونحوه ، فإن اختل أحد هذه الشروط فلا يكفر ، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسائله : ( أن من قال الكفر أو فعله فقد كفر إلا المكره بالشروط المذكورة ) (1) .
وهكذا قال جميع أهل العلم من الصَّحابة والتابعين ومَن بعدهم ، وهو ما دلَّ عليه الكتاب والسنة - كما سَبَق - .
هذه أهم الأَسباب الداعية لِكتابة هذه الموضوع (2) .
واعلم أخي رحمك الله أنّ هنا مسألةٌ خطيرة وهي : أنَّ البدعة نوعان :
1 : بِدعةٌ مُكَفِّرةٌ .
2 : بِدعَةٌ غير مُكَفِّرة .
أنَّ الحكمَ بالتَّكفيرِ أو التبديع أو التَّفسيق بدون قيام البينة وإقامة الحجة من الأمور التي حذّر منها الإِسلام أعظم تحذير . ففي الحديث : « إذا قال الرّجلُ لأَخيهِ : (يا كافر) فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال ؛ وإلاَّ رَجَعت عليه » (3) .
تمهيد
كمال الدين وشموليته
__________
(1) اُنْظُرْ : (رسائل الإِمام محمد بن عبد الوهاب - رَحِمَهُ اللهُ - دراسة دعوية) للشيخ عبد المحسن بن عثمان بن باز 1/319 .
(2) تنبيه : آملُ عدم الاستعجال في التخطئة في الحكم المزبورِ على الحديثِ بِعدَمِ ثُبوته حتى يتم الرجوع إلى جميعِ المراجع التي ذَكرتها بِلا استثناء ، والله عز وجل هو الهادي لما فيه الصَّواب .
(3) أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقم : 6104) ومُسلم (رَقم : 60) .(1/24)
إن ديننا ولله الحمد والفضل والمنة شامل تام كامل صالح لكل زمان ومكان يقول المولى - جل جلاله - : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } (1) . ويقول - عز وجل - : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (2) . ويقول - عز وجل - : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } (3) .
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : « تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسول الله » (4) . ويقول - صلى الله عليه وسلم - : « تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك » وورد بلفظ آخر : « لقد تركتكم على مثل البيضاء ... » (5) .
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يدع خيراً إلا دلنا عليه ولا شراً إلا حذرنا منه ، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيراً لهم وينذرهم ما يعلمه شراً لهم » (6) . وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به » (7) .
وقالت عائشة رضي الله عنها لمسروق رضي الله عنه : ( ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما نزل عليه فقد كذب ) (8) ، قلت : وذلك كفر .
__________
(1) سورة الأنعام من الآية (38) .
(2) سورة المائدة من الآية (3) .
(3) سورة النحل الآية (89) .
(4) [ ذَكرَهُ الإِمام مالك بلاغاً في موطئه ، برواية يَحيى (2618) وأبي مصعب الزهري (1874) . وأخرجه الحاكم 1/93 . رَ : التَّمهيد (24/331) والسلسلة الصَّحيحة (1761) ] .
(5) أخرجه : ابن ماجه (1/5) رَ : السلسلة الصحيحة [ 2/302 (688) ] .
(6) [ رواه مسلم (1844) وابن حِبَّان (5961) ] وانظر : السلسلة الصحيحة 1/241 .
(7) رواه الشافعي في مسنده (233) والبيهقي (6/76) . رَ : السلسلة الصحيحة (4/1803) .
(8) [ رواه البخاري (4613،7531) مسلم (177) ] .(1/25)
وكما في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - قِيلَ لَهُ قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ، فَقَالَ : ( أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ ) (1) .
ولما في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علماً ) (2) .
وقال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : ( والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً وأحل الحلال وحرم الحرام ونكح وطلق وحارب وسالم وما كان راعي غنم يتبع بها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاة بمخبطه ويمدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيكم ) (3) .
__________
(1) [ أخْرَجَهُ : مسلم في صَحيحهِ (262) والترمذي (16) والنسائي (41،49) وأبو داود (7) وابن ماجة (316) ] .
(2) [ أخرجه : أحمد (5/153 و 162) [ وبرقم (21361،21439،21440) من طبعة الرسالة بتحقيق الشيخ شُعيب الأرنؤوط ] والطيالسي (479) وابن حبان (65) . ويَشهد له حديث المغيرة عند أحمد برقم (18224) ( ط : الرسالة ( ] . انظر : المجمع للهيثمي (8/263-264) وجامع العلوم والحكم (1/195) .
(3) رواه ابن سعد في كتابه (الطبقات) (2/266-267) . وانظر : كتاب (جامع العلوم والحكم) للحافظِ ابن رجب (رقم : 196) .(1/26)
ويقول الإمام مالك رحمه الله : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله تعالى يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم ... } فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ) (1) .
وكان رحمه الله يقول : ( قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تم هذا الأمر واستكمل ) (2) .
ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى أكمل الله له ولأمته الدين وأتمه بما أودع الله فيه من تشريع شمل كافة نواحي الحياة من عبادات ومعاملات وآداب وأخلاقيات وحدود وغير ذلك مما يكفل للبشرية كل أمن ورخاء وطمأنينة متى تمسكت بها وسارت على نهجها القويم .
والآيات والأحاديث الدالة على شمول هذا الدين وكماله وعدم حاجته إلى زيادة أو نقصان أكثر من أن تحصر أو تعد في هذا المقام .
و هذا حق لا يماري فيه إلا متبع لهواه و لله در القائل (3) :
لقد بان للناس الهدى غير أنهم غدوا بجلابيب الهوى قد تجلببوا
أهمية العقيدة (4)
__________
(1) اُنْظُرْ : الاعتصام للشاطبي 1/49 نقلا عن ابن الماجشون .
(2) رواه الطبري في تهذيب الآثار بإسناده إليه .
(3) إشراقة الشرعة (82 و 83) .
(4) يا للأسف : أن كثيراً من الدعاة اليوم لا يهتمون بجانب العقيدة وإصلاحها بل ربما قال بعضهم اتركوا الناس على عقائدهم لا تتعرضوا لها اجمعوا ولا تفرقوا ، لنجتمع على ما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه أو نحواً من هذه العبارات التي تخالف قول الله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ... } [ سورة النساء الآية (59) ] .
انظر : (الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد) للشيخ صالح بن فوزان (صَفْحَة : 5) .(1/27)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن (لا إله إلا الله) : كلمة قامت بها الأرض والسماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب وهو الحق الذي خلقت له الخليقة وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة ولأجلها جردت سيوف الجهاد وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وعنها يسأل الأولون والآخرون ، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين :
1 : ماذا كنتم تعبدون ؟ .
2 : وماذا أجبتم المرسلين ؟ .
فجواب الأولى : بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً .
وجواب الثانية : بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وإقراراً وانقياداً وطاعة (1) .
__________
(1) زاد المعاد لابن القيم (1/34) .(1/28)
وإن العناية بالتوحيد من أهم المهمات وأشد الضرورات لأنه مهما بلغ العبد من الصلاح والتقوى وحافظ على السنن والفرائض وأكثر من الخيرات ولكنه على غير عقيدة صحيحة يسأل غير الله ويذبح لغير الله - عز وجل - ويطوف وينذر لغير الله - عز وجل - ، فإنه بهذا يكون قد صرف نوعاً من العبادة لغير الله فحينئذ لا تنفعه صلاته ولا صومه ولا حجه ولا تقواه ولا محبته للخير لأنه هدم الأساس الذي تقوم عليه العبادة وهو التوجه إلى الله وحده دون من سواه قال تعالى { ألا لله الدين الخالص } (1) وكل الأنبياء والرسل أرسلهم الله لتقرير التوحيد والدعوة إليه عند جميع الأمم قال - عز وجل - : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (2) وقال - عز وجل - : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } (3) وكلهم صلوات الله وسلامه عليهم توجهوا إلى الله بالدعاء وكلهم حاربوا الشرك وأهله وهدموا الوثنية ليبقى التوجه والتقرب وصرف الهمم لله وحده دون شريك ، فحاربوا المشركين واستحلوا دماءهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم وديارهم من أجل البقاء على العقيدة الصحيحة دون خلل أو انحراف قال - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ( إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (4) .
__________
(1) سورة الزمر الآية (3) .
(2) سورة النحل الآية (36) .
(3) سورة الجن الآية (18) .
(4) سورة الزخرف الآية (26-28) .(1/29)
ولا تغتر بالكثرة وما عليه غالب الناس فعمل الناس ليس هو الحكم وإنما الحكم والدليل هو الكتاب والسنة - بفهم السلف الصالح - قال تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } (1) وقال جل شأنه : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } (2) (3) .
أعود مكرراً منذراً مخوفاً من شؤم الشرك وخبثه ودنسه وخطره فأقول : إن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال وأن المشرك لا يقبل الله منه عملاً وهو خالد في النار أبد الآباد إن مات على الشرك فلو قام رجل الليل وصام النهار لله وزكى وحج لله وكان باراً بوالديه واصلاً محسناً أميناً في بيعه وشرائه يختم القرآن كل ليلة ويعمل أعمالاً أخرى كالجبال ولكنه يذبح لغير الله أو يدعو أو يطوف أو ينذر أو يسجد لغير الله فإن أعماله و أخلاقه لا تغني عنه من الله شيئاً و هي حابطة باطلة كما قال تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } (4) وقوله تعالى : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } (5) .
و في صحيح مسلم (6) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه ؟ قال : « لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين » ) . فمع أنه كان واصلاً لرحمه مطعماً للمساكين لم ينفعه ذلك لأنه مشرك وهكذا جميع الأعمال لا تقبل من المشرك (7) . - وللتوسع في معرفة الشرك وخطورته وأحكامه وأنوعه فهناك رسالتين جامعيتين 1_الشرك بالله في القديم والحديث لأبي بكر مجمد زكريا 2_الشرك بالله أنواعه وأحكامه ماجد محمد شبالة
( تنبيهٌ :
__________
(1) سورة يوسف الآية (103) .
(2) سورة الأنعام الآية (116) .
(3) (مسائل مهمة في زيارة الأموات) لعبد الله السلوم ( صَفْحَة : 7-9 ) .
(4) سورة الزمر الآية (65) .
(5) سورة الأنعام الآية (88) .
(6) (1/365) .
(7) تنبيهات على أهم المهمات لعلي الجبالي ( ص 9-10 ) .(1/30)
يَظن بعض النَّاس : أنَّ من نطق بالشَّهادتين فهو مسلم ولو ارتكب ما ارتكب مما يُناقضها مُستدلاً بِقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أُمِرتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ » (1) .
فنقولُ لهم : ما هُوَ حَقُّ ( لا إله إلاَّ الله ) ، فهل رجعتم لِكُتب العقيدة والتوحيد قبل أن تصدروا ما يُخالف مفهومها ؟ .
اعلم بأنَّ مَن نطق ب( لا إله إلا الله ) في اليوم سبعين ألفَ مرة ، ولكنَّهُ يطلب المدد والعون والنُّصْرة والاستعانة والاستغاثة مِن غير الله من شجر وبشر وحجر وجن وملائكة وغيرها ، أو حرَّم ما أحلَّ الله ، أو أحلَّ ما حرَّم الله ، أو سجد أو طاف لغير الله ، لم يُعط ( لا إله إلا الله ) حقَّها .
ومن نطق بلا إله إلا الله في اليوم مائة مرة ثم قال : ( القرآن ناقص أو لا يصلح لهذا الوقت ) أو ترك الصَّلاة أو جحد شيئاً من فرائض الدين لم يعطِ لا إله إلا الله حقَّها .
ومن نطق بلا إله إلا الله في اليوم ما شاء من المرات ! ، وهو يُنكر القيامة ، أو الجنة ، أو النار أو العرش أو أباح الربا أو الزنا أو الخمر ، أو صحح المذاهب الكفرية من يهودية ونصرانية ومجوسية وعلمانية وبعثيّة واشتراكية وحداثية وغيرها ، لم يُعط لا إله إلا الله حقَّها .
__________
(1) [ مسلم (2405) من حديثِ أبي هريرة - رضي الله عنه - ] .(1/31)
[ واعلموا بأنَّ الحديث الذي ذَكرتموه يُعتبرُ مُجمَلاً ، ويجب رَدُّ المُجملِ إلى المُفَسَّر ، فحديث أبي هريرة السَّابق جاء مِن طُرق كثيرة في الصِّحاح مُفَسِّراً كما أخرج مُسلم (1) من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَيُؤْمِنُوا بِي ، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ » .
ولم ينفرد أبو هريرة بهذا بل جاء من حديثِ ابن عمر - رضي الله عنهم - ، أخرج البُخاري من حديثِ ابْنِ عُمَرَ مَرفوعاً : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ » .
وهذا ما فهمه الصَّحابي الجليل الصِّديق - رضي الله عنه - ، فقد روى مسلم من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ : كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ( .
__________
(1) [ مسلم برقم (21/35) ] .(1/32)
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّديق : وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ .
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ ا( (1) .
فإن كان مُجرَّد قولها - بناءً على قولكم - يكفى فلم يُقاتل الصديق هؤلاء ، وفي الحديث إشارة إلى إقرار الفاروق لأَبي بكرٍ ] .
ولهذا أجمع العلماء على أنَّ من قال : ( لا إله إلا الله ) وهو مُشرِكٌ أنَّهُ يُقاتل حتى يأتي بالتوحيد .
ولذلك بَوَّب الإِمام النَّووي على هذا الحديث : بِ بابِ : الأَمر بقتالِ النَّاسِ حتَّى يقولوا : (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ويُقيموا الصَّلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويؤمنوا بجميع ما جاءَ بهِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنَّ من فعلَ ذلك عَصَم نفسه ومالهُ إلا بحقِّها ، ووُكِّلَت سريرته إلى الله تعالى ... .
وقال في شرحه للحديث : لا بُدَّ مع النَّطق بالشهادتين مِن الإِيمان بِجميع ما جاءَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما جاء في الرواية الأُخرى : ( ويؤمنوا بي وبما جئت به ( .
__________
(1) [ ساقها مسلم بطولها في صحيحه (20/32) ] .(1/33)
[ ويُؤكِّده رواية ابن عمر السابقة : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ( حيثُ قُرِنت الصَّلاة والزكاة ، وكأنَّ أركان الإِسلام والإِيمان داخلةٌ فيه ] . ولهذا أفتى شيخ الإِسلام ابن تيمية بِكُفرِ التَّتارِ رغم نُطقِهم بالشَّهادتينِ ؛ وذلك لأَنهم لم يلتزموا بشرائع الإِسلام وامتنعوا عنها ، فقال بوجوب قِتالهم حتى يلتزموا بها ، وأنهم في حكم المرتدين (1) . وللأَسَفِ الشديد ، فإن دعوى الإِسلام مع ارتكابِ شيءٍ من نواقض الشهادتين مُخالفة لإِجماعِ أهل العلم قاطبة (2) .
أخي أخي : إنني أحذرك يا مريد النجاة وباغي الخير من الاغترار بالمنحرفين ودعاة الضلالة الذين يجوزون سؤال الأولياء والصالحين من الأموات ويعلقون العامة بغير الله ويسببون لهم الأوهام والخرافات التي لا مستند لها من الشرع ؛ لأن الله لا يعبد إلا بما شرع ، فهؤلاء المضللون إما جاهل غبي أو داعية سوء أعماه هواه وحبه لسمعته وشهرته ودنياه ، يريد أن يبقى صديقاً للجماهير لا ينكر عليهم بل يفتي لهم بجواز دعاء غير الله وطلب الشفاعة من أهل القبور ويشجعهم على ذلك ، أو منافق يتظاهر بالصدق ومحبة الخير ولكن قلبه يأكله الحقد على السنة ومتبعيها ودعاة التوحيد والعقيدة (3) .
__________
(1) نَقله عن شيخ الإِسلام صاحب تيسير العزيز الحميد (ص150) .
(2) ويُنظَر : (الجهلُ بِمسائل الاعتقاد) لعبد الرزاق معاش (ماجستير) بإشراف الشيخ عبد الرحمن البراك . و(العذر بالجهل تحت المجهر الشّرعي) لأَبي يوسف بتقديم الشيخ عبد الله الجبرين . و(نواقض الإِيمان القولية والعملية) لعبد العزيز العبد اللطيف . و(نواقض الإِيمان الاعتقادية وضوابط التَّكفير عند السَّلَف) لمحمد الوهيبي .
(3) مسائل مهمة في زيارة الأموات لعبد الله السلوم ( ص6-7 ) .(1/34)
لذا جاء هذا الكتاب ليَخدم هذا الغرض ويُحقق هذا الهدف .
الهدهد الغيور على التوحيد
يقول الله سبحانه وتعالى : { وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) } (1) .
وتتحرك الغيرة على العقيدة في قلب طير من الطيور ويأبى أن يرى أحداً يسجد لغير الله لأنه علم أن الشرك شؤم ووبال ، وهي حقيقة يجب أن يعرفها الجميع .
__________
(1) سورة النمل الآية (20-26) .(1/35)
كيف يسجدون لغير الله ؟ وكيف تخضع رؤوسهم وتنحني رقابهم أمام المخلوقين ؟؟ كان المفروض أن يرتفع الرأس و يشرئب العنق وتنتصب القامة أمام المخلوقين لأن المخلوقين سواسية أمام الله في العبودية وإن كانوا يتفاوتون في المقامات فالجبهة لا تذل إلا لله ، والظهر لا ينحني إلا لواهب الحياة وهي كرامة أعطاها الله للإنسان الكريم ، فالعبودية بالنسبة للإنسان مقام عال لا يختارها إلا العارفون فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيَّره الله بين أن يكون ملكاً رسولاً أو عبداً رسولاً فاختار جانب العبودية على الملك لأنه صلى الله عليه وسلم عرف الحقيقة وكيف لا يعرفها وهو معلم الحكمة ؟! .
إن الهدهد كان مؤمناً بمعنى أنه لا يعرف إلا الله وحده قال - عز وجل - : { وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } (1) .
وحقيقة إن الهدهد هذا عالم ومدرك لخفايا بعض الأمور التي لا يعلمها إلا أهل العلم .. ما مر الهدهد على القوم المشركين مرور اللاهين ولا تأول موقفهم ولا قال : إنهم جاهلون لكنه انتفض وجاء لنبي الله عليه السلام بالخبر اليقين .... 0
قد يقول قائل : إن الهدهد هذا أعد إعداداً خاصاً وإنه كان من جنود سليمان المكلفين بالحراسة وإنه في منزلة العقلاء العارفين . وقد يكون هذا الأمر حقاً لكن المهم في الأمر تلك الغضبة والانتفاضة من طير ، بينما نجد بعض الناس وهم من أبناء الإسلام ومع هذا يمرون على مشاهد قريبة من هذا النوع فلا يغضبون ولا ينكرون ، بل قد يبررون موقف المخطئين الضالين عن طريق التوحيد .
__________
(1) سورة الاسراء الآية (44) .(1/36)
( الله الله ، لو مر الهدهد على بعض ديار المسلمين اليوم ورأى ذلك الإقبال وذلك الإندفاع إلى القباب والقبور والأضرحة ، ولو سمع تلك الصيحات لبعض المسلمين تتوجه لغير الله ، إنها حقيقة مؤسفة مرة ؛ فمتى ينتبه لها المسلمون .. ودعاة الإسلام (1) (2) .
فائدة مهمة
· مسالك أهل البدع في النظر والاستدلال :
1- الاعتماد على الأحاديث الواهية الضعيفة أو المكذوب فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
2- رد الأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم .
3- فهم الآية أو الحديث بالهوى والتخرص وعدم الرجوع إلى المعنى العربي للفهم .
4- الانحراف عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات .
5- الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها والعمومات من غير تأمل هل لها مخصص أم لا أو العكس .
6- صرف الدليل عن المناط الذي ورد عليه إلى مناط آخر موهماً أن المناطين واحد .
7- بناء الظواهر الشرعية على تأويلات لا تعقل .
8- التغالي في تعظيم الشيوخ والاحتجاج بهم وغاية حجة من يفعل ذلك يقول شيخنا الفلاني يفعل كذا .
9- الاستدلال بالرؤى والمنامات (3) .
10- الإعراض عن هدي الصحابة قولاً وفعلاً وتركاً في فهم مشكلات الكتاب والسنة ، و الاكتفاء بمقرّرات العقول ، أو بقاعدة لغويَّة أو أُصوليّة .
__________
(1) الأصالة 10/49 .
(2) رَاجع نواقض الإِيمان في كُتب العقيدة .
(3) ( البيان عدد 60ص22) باختصار . ويُنظر فيما يتعلق بالبدع : [ الاعتصام للشَّاطبي ] ، حقيقة البدعة وأحكامها للغامدي ، وتنبيه أُولي الأَبصار للسحيمي ، وقواعد في معرفة البدع للجيزاني ، وأُصول في البدع والسنن للعدوي ، وعلم أصول البدع لعلي الحلبي .(1/37)
وهذا هو الفرقُ بين الفِرق والمميز للمنهج السلفي عن المناهج الخلفية ، حيث يستدل المبتدع على شرعية المولد - مثلاً - بعموم أدلة التوقير ، أو يستدل بعموم مشروعية الذكر بعد الصلاة على الذكر الجماعي بصوت واحد و هكذا ، و لا يجعل هدي الصحابة الذي لم ينخرم في مثل هذه المسائل فيصلاً في نزاعها فالله المستعان .
( ومن أسبابِ البدعِ :
1 : الجهل بأحكام الدِّين ، والقول على الله بغير علم .
2 : اتّباع الهوى والتّعلّق بالشّبهات .
3 : الاعتماد على العقل المجرّد .
4 : تقليد الشّيوخ ، واعتقاد عِصمتهم وعدم ورود الخطإِ منهم ، والتَّعصّب لآراء الرّجال .
5 : جُلساء السّوء .
6 : الاعتماد على الأَحاديثِ الضّعيفة والموضوعة .
7 : التّشبّه بالكُفّار وتقليدهم .
8 : عادات وخرافات لا دليل عليها .
9 : عمل العالم بالبدعة وتقليد النّاس له لوثوقهم به بأنّه لا يفعل إلا ما فيه حق وصَواب .
10 : سُكوت العلماء عن بيان وجه الابتداع في البدعة فيعد العامة سكوتهم إقراراً منهم على ذلك .
11 : تَبَنِّي بعض الوُلاة لبعضِ البِدع وعملهم على انتشارها لموافقتها لأَهوائهم ، وكذا سكوتهم عن الإنكار وتركهم الحبل على الغارب لأَهل البدع .
12 : استحسان البدعة ، انتشار البدعة بين الناس وتحولها إلى عادة يَصعب الإقلاع عنها إلا بعد جهد كبير .
13 : الغلو في الأَقوال والأفعال .
14 : تقديمهم العقل على النّقل ، بمعنى أنَّ ما وافق عُقولهم الفاسدة من النّصوص قَبلوه وما لم يُوافقها رَدوه ولو كان هذا النّصّ في الصّحيحين أو أحدهما .
15 : الأَخذُ بالمُطلقات قبل النَّظر في مُقيّداتها ، وكذا الأَخذ بالعمومات من غير تأملٍ لِمُخصّصاتها .
خطورة البدع
تعريف البدعة لغة : كل ما أحدث على غير مثال سابق .(1/38)
اصطلاحاً : الطريقة المخترعة في الدين تضاهي الشرعية ، يقصد بها التقرب إلى الله ولم يقم على صحتها دليل شرعي صحيح أصلا ووصفاً (1) .
والبدع بريد الكفر وَشَرَكُ الشِّرك (2) وهي زيادة دين لم يشرعه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقول على الله بلا علم ، واستدراك على الشّريعة ، والبدعة شر من المعصية الكبيرة . والشيطان يفرح بها أكثر مما يفرح بالمعاصي الكبيرة لأن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها ، والمبتدع يفعل البدعة يعتقدها ديناً يتقرب بها إلى الله فلا يتوب منها .
والبدع تقضي على السنن وَتُكَرِّه إلى أصحابها فعل السنن وبغض أهل السنة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لا يأتي على الناس زمان إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة حتى تحيى البدع وتموت السنن ) (3) وعن حسان بن عطية - رضي الله عنه - قال : ( ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة ) (4) .
وهكذا قال العلماء ما دخلت بدعة إلا خرجت في المقابل سنة والمشتكى إلى الله من غربة الإسلام وسط بنيه ولكنها غمة توشك أن تزول بإذن الله .
والبدعة تباعد عن الله وتوجب غضبه وعقابه وتسبب زيغ القلوب وفسادها والوقوع في الفِتنة .
__________
(1) الاعتصام للشاطبي (1/37) .
(2) كما ذكر ذلك سماحة الشيخ ابن باز تحت ما كتبه بعنوان ( الاحتفال بالموالد وسيلة للشرك ) من فتاوي ورسائل سماحة الشيخ ابن باز ، واللجنة الدائمة ؛ تحقيق عبد الرحمن عبد السلام يعقوب ( صَفْحَة184 ) .
(3) الإبانة (1/350) و الاعتصام للشاطبي (1/39) .
(4) الاعتصام للشاطبي (1/40) .(1/39)
أخي : يقول ابن مسعود رضي الله عنه : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ) (1) .
وروى الدارمي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ الأَزْدِيِّ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ : أَوْصِنِي ، فَقَالَ : ( نَعَمْ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالاسْتِقَامَةِ اتَّبِعْ وَلا تَبْتَدِعْ ) (2) .
وروى أيضاً عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : ( مَا دَامَ عَلَى الأَثَرِ فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقِ ) (3) .
وحسبك دليلاً على خطورة البدع نهاية السوء التي يؤول إليها المبتدع دنيا وآخرة (4) :
أولاً : عمله مردود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (5) .
__________
(1) [ أَثَرٌ ضَعيفٌ : رواه الدارمي (ط : حسين أسد) 1/288 (211) ووكيع في الزهد (315) والطبراني في الكبير 9/154(8770) وابن نصر المروزي في السنة (78) وابن وضّاح في البدع (10،13،15) واللالكائي في شرح أصول السنة (104) كلهم موقوف عليه . انظر : مجمع الزوائد 1/181.
وجاء نحوه عن عمران بن حصين مرفوعاً عند أحمد 4/445 بسند ضعيف لضعف زيد بن جدعان لكن الحديث له شواهد يصح بها ] .
(2) [ أَثرٌ حَسن : رواه الدارمي (139) وطبعة حسين أسد 1/250 (141) وابن زمنين في أُصول السنة (12) والمروزي في السنة (83) والبغوي في شرح السنة - معلقا - (1/214) ] . رَ : الباعث (15) .
(3) [ أَثرٌ صَحيحٌ : أخرجه الدارمي (141) طبعة حسين سليم 1/250-251 (142،143) وابن عبد البر في بيان العلم (1778،1779) ] .
(4) البدعة و أثرها السيء في الأمة ، تأليف سليم الهلالي (ص 49-51) .
(5) [ أخرجهُ مسلم (1718) البخاري (2697) ] .(1/40)
ثانياً : التوبة عنه محجوبة ما دام مصراً على معصيته وما برح مقيماً على بدعته لذلك يخشى عليه سوء الخاتمة قال - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة حتى يدع بدعته » (1) .
ثالثاً : لا يرد الحوض ولا يحظى بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - صلى الله عليه وسلم - : « أنا فرطكم على الحوض وليرفَعَن رجال منكم ثم لَيُخْتَلَجُنَّ دوني فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إِنَّكَ لا تدري ما أحدثوا بعدك » (2) .
رابعاً : عليه إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة ؛ لقول الله - عز وجل - : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علمٍ أَلا سَآءَ ما يَزِرونَ } (3) ، [ يقول الله - عز وجل - : سَتكون عاقبتهم أن يحملوا آثامهم كاملة يوم القيامة - لا يُغفر لهم منها شيءٌ - ويَحْملوا مع ذلك آثام الذين كذبوا عليهم ؛ ليبعدوهم عن الإِسلام من غير نقص من آثامهم . ألا قَبُحَ ما يحملونه من آثام ] (4) .
وفي الحديث : « من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً » (5) .
خامساً : صاحب كل بدعة ملعون لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من أحدث فيها أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » (6) .
__________
(1) صحيح : أخرجه الطبراني في الأوسط (4360) والبيهقي في الشعب (2/280/2) و ابن أبي عاصم في السنة (37) و المقدسي في الضياء المختارة (6/2054) اُنْظُرْ : السلسلة الصحيحة 4/1620 .
(2) [ أخرجه البخاري (6567) (6575) (7049) مسلم (1882) ] .
(ولُيرفَعَن) أي يظهرهم الله لي حتى أراهم (لَيُخْتَلَجُنَّ) أي ينزعون أو يجذبون مني . الفتح 11/573 .
(3) سورة النحل آيه (25) .
(4) [ من التَّفسير (الْمُيَسَّر) ] .
(5) [ أخرجه : مسلم في صَحيحه (2647) ] .
(6) [ أخرجه : البخاري (2130،3179) ومسلم (1366) ] .(1/41)
سادساً : صاحب كل بدعة لا يزداد من الله إلا بعداً ويشهد لهذا ما جاء في صفة الخوارج من الحديث الصحيح : « ... تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ... ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية » (1) فبين اجتهادهم في بدعتهم ثم بين بعدهم من الله تعالى .
سابعاً : عدم قبول شهادة المبتدع الداعية وروايته .
( تَفرقةٌ :
الابتداعُ المذموم هو ما كان في أمورِ العقيدة والعِبادات ... ، أما ما استحدث بعد زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العلوم والصِّناعات وسائر ما يتعلّق بِصلاحِ الدين والدنيا فلا يُسمى بدعة ؛ لأَنَّ ذلك كله لا يأباهُ الدّين ، بل يدعو إليه ويحثّ عليه ؛ لأَنّه ما جاء الدين إلا لخير الناس وإسعادهم في دنياهم وآخرتهم .
( أمثلةٌ للبدعِ :
لقد كَثُرَت في زماننا البدع وتعددت ألوانها وتشعبت طرقها ، وأمعن الناس في ارتكابها ، وتعاموا عن شَرّها وضررها ، وسنذكر أيها الأخ الراشد - في مسلكه وفِعاله - بعضاً منها ليبعثك على النظر إلى ما حولك من اعتقادات الأمة وعباداتها ، ووزن ذلك بميزان الشَّرعِ المقدّس ، ذلك هو القسطاس المستقيم :
1- الاجتماع بالأضرحة ليذكروا الله - عز وجل - بصوت واحد وهيئة واحدة ونغمة واحدة .
2- الطواف بالأضرحة والمشاهد والمزارات وهذه بدع شائعة فاشية في جلِّ أوطان المسلمين ، وإنما المشروع هو الطواف بالكعبة لا غير .
3- بِناء المساجد والقِباب على القبور ورفعها وزخرفتها وإنارتها وتشييدها .
4- التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بجاه غيره من الصالحين .
5- قراءة القرآن بالأَلحان المخترعة والتمايل في أثناء القراءة .
7- التزام أوراد وأذكار معيّنة صباحاً ومساء لم ترد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
8- اختراع الطرق الصوفية والدخول فيها .
9- زخرفة المساجد والمبالغة في بِنائِها .
__________
(1) [ أخرجه : البخاري (5058) ومسلم (1064) ] .(1/42)
10- التمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقام إبراهيم - عليه السلام - وجبل عرفة وغيرها من الأمكنة رجاءَ البركة .
11- تخصيص يوم أو ليلة بعبادة مخصوصة لا أصل لها في الدين .
12- إقامة الموالد للأَنبياء والصّالحين ، وهو موضوعُ كتابنا هذا .
الرد على محسني البدع (1)
يقول - صلى الله عليه وسلم - : « إيَّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » (2) فليس في الإسلام بدعة في الدين حسنة وبدعة سيئة ، فلفظة : « كل » في الحديث تفيد الاستغراق والعموم ، فكل بدعة في الدين أنها ضلالة بدون استثناء لبعض الأفراد كما في قوله - عز وجل - : { كل نفس ذائقة الموت } (3) فهل يمكن أن يقول أحد : إن بعض الناس لن يموتوا ، خاصة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدم عليها أداة التحذير : « وإياكم ومحدثات الأمور » فهل يمكن مع كل هذا أنه يريد البعض ؟ .
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله في أدلة ذم عموم البدع : ( إنها - أي أدلة ذم عموم البدع - وجاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدى ولا جاء فيها : « كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا » ولا شيء من هذه المعاني ) (4) .
يقول ابن حجر رحمه الله : (كُلُّ بدعة ضلالة) هذه الجملة قاعدة شرعية ، فكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع ؛ لأَنَّ الشرع كله هدي ا( .
__________
(1) ينظر لتمام الفائدة : (إشراقة الشرعة في الحكم على تقسيم البدعة) لأسامة القصاص ، و(اللمع في الرد على مُحَسِّني البدع) للسحيباني ، و(الاعتصام) للشّاطبي 1/61-62 (ت :رشيد رِضا) .
(2) أخْرَجَهُ : أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجة (42،43،44) وأحمد 4/126-127 والحاكم 1/96-97 . انظر : صحيح الجامع (1/2549) .
(3) سورة آل عمران الآية (185) .
(4) الاعتصام (1 / 108 ) .(1/43)
وما ورد : «كل بدعة ضَلالة إلا بدعة في عبادة » فهذا حديثٌ موضوع (1) .
ونسأل القائلين بهذا إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يريد أن جميع البدع ضلالة بقوله : « وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » فأي عبارة ترونها أبلغ من هذا للدلالة على رفض البدع كلها ؟؟ .
وأرجو من أخي المخالف أن يقف عند هذه العبارة التشريعية الدقيقة ممن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولا يتجاوزها ، فالمسلم وقَّاف عند كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا تأخذه العزة بالإثم .
يقول الشيخ ابن عثيمين - حفظه الله - (2) :
وإنَّكَ لَتَعْجَب من قوم يعرفون قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إيَّاكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النَّار » .
ويعلمون أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : « كل بدعة » كليَّة عامة شاملة مُسَوَّرة بأقوى أدلة الشمول والعموم (كل) والذي نطق بهذه الكلية صلوات الله وسلامه عليه يعلم مدلول هذه اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق ، لا يلفظ إلا بشيء يقصد معناه ؛ إذن فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال « كل بدعة ضلالة » كان يدري معنى ما يقول و قد صدر هذا القول منه عن كمال نصح للأُمة ؛ و إذا تمَّ في الكلام هذه الأُمور الثلاثة - كمال النصح والإرادة ، وكمال البيان و الفصاحة ، وكمال العلم و المعرفة - دلَّ ذلك على أن الكلام يُراد به ما يدل عليه من المعنى .
__________
(1) رَ : المصنوع (226) الفردوس 3/4771 م كنوز الحقائق 2/5458 تنزيه الشريعة 1/320 تذكرة الحفاظ (16) اللؤلؤ (395) الأَسرار المرفوعة (350) كِشف الخفا 2/1971 .
(2) في رسالته الموسومة ب( الإبدع في كمال الشرع وخطر الابتداع) (صَفْحَة : 12و13و14) .(1/44)
أفبعد هذه الكلية يصح أن نقسِّم البدعة إلى أقسام ثلاثة ، أو إلى أقسام خمسة ؟ أبداً هذا لا يصح ، و ما ادعاه بعض العلماء من أن هناك بدعة حسنة ؛ فلا يخلو من حالين :
الأول : أن لا تكون بدعة و لكن يظنها بدعة .
الثاني : أن تكون بدعة فهي سيئة لا يُعْلَمُ عن سوئها .
فكل ما ادعى أنها بدعة حسنة فالجواب عنه بهذا ، و على هذا فلا مدخل لأهل البدع في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة و في يدنا هذا السيف الصارم من رسول الله « كل بدعة ضلالة » إن هذا السيف الصارم إنما صُنِعَ في مصانع النبوَّة و الرِّسالة إنه لم يصنع في مصانع مضطربة لكنه صُنِعَ في مصانع النبوة و صاغه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الصياغة البليغة فلا يُمكن لمن بيده مثل هذا السيف الصارم أن يقابله أحد ببدعة يقول إنها حسنة ، و رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « كل بدعة ضلالة » ) ا( .
وأما القول بتقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أو إلى خمسة أقسام محرمة ومكروهة وواجبة ومستحبة ومباحة (1) فهذه الأقوال تتعارض مع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « فإن كل بدعة ضلالة » (2) فهل نأخذ بأقوالهم أم بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعتقد أنه لا يمكن لمسلم أن يقدم قول أي إنسان مهما كان هذا الإنسان على قول المصطفى المعصوم - صلى الله عليه وسلم - (3) .
وقد أبطل التقسيم إلى خمسة أقسام ورده غير واحد من العلماء منهم الشاطبي (4) ، وابن تيمية (5) ، وغيرهما فلا يُغْتَرّ بإطالة السيوطي في استدلاله له .
__________
(1) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2 / 172 .
(2) و ليس من الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و محبته أن يُعَقِّب مسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(3) الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع (ص21-22) .
(4) في الاعتصام ( 1 / 150 - 155 ) .
(5) في اقتضاء الصراط المستقيم ( 274 - 275 ) .(1/45)
قال الشاطبي رحمه الله : إن تقسيم البدعة إلى حسنة و سيئة و إجراء الأحكام الخمسة عليها هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة ، و لكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها ، فالجمع بين عد تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين المتناقضين (1) .
__________
(1) فائدة مهمة : قال الشيخ ابن عثيمين في كتابه (الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع) (ص21-24) ما نصه :
وليعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة :
( الأول : السبب : فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعياً فهي بدعة مردودة على صاحبها ، مثال ذلك : أن بعض الناس يُحْيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عُرِج فيها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالتهجد عبادة ولكن لما قُرِن بهذا السبب كان بدعة لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً .
وهذا الوصف - موافقة العبادة للشريعة في السبب - أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة .
( الثاني : الجنس : فلا بد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة ، مثال ذلك : أن يُضَحِّي رجل بفرس ، فلا يصح أضحية لأنه خالف الشريعة في الجنس ، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام : الإبل والبقر والغنم .
( الثالث : القَدْر : فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة ، فنقول : هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدْر ، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق .
( الرابع : الكيفية : فلو أن رجلاً توضأ بغسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه ثم وجهه ، فنقول : وضوؤه باطل لأنه مخالف للشرع في الكيفية .
( الخامس : الزمان : فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأُضحية لمخالفة الشرع في الزمان ؛ وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً إلى الله تعالى بالذبح ، و هذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية و الهدي و العقيقة ، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح ، كالذبح في عيد الأضحى بدعة ، و أما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز .
( السادس : المكان : فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت . فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان ؛ ومن الأمثلة : لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق و وجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد ، فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت ، قال الله تعالى لإبراهيم الخليل : { وطهر بيتي للطائفين } [ الحج : 26 ] فالعبادة لا تكون عملاً صالحاً إلا إذا تحقق فيها شرطان : 1- الإخلاص . 2- والمتابعة ؛ والمتابعة لا تتحقق إلا بالأمور السابقة .
وإنني لأقول لهؤلاء الذين ابتلوا بالبدع الذين قد تكون مقاصدهم حسنة ويريدون الخير إذا أردتم الخير فلا والله نعلم طريقاً خيراً من طريق السلف رضي الله عنهم .
أيّها الأُخوة عضوا على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنواجذ واسلكوا طريق السلف الصالح وكونوا على ما كانوا عليه وانظروا هل يضيركم شيء ؟! . انتهى كلام الشيخ حفظه الله .(1/46)
( فائدة : البدع محرمة ومنهي عنها ، وهي تتفاوت رتبتها ، فمنها ما هو كُفر ، ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر ، فهذه البدع ليست في رتبة واحدة وليس حكمها واحد .
( وهل في البدعِ ما هُوَ مكروهٌ ؟ :
أجابَ عن ذلك الإِمامُ الشَّاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام فَقالَ : ( ليسَ من البدع ما هو مكروه بِمعنى أنَّ مَن تركه يُثاب ومن اقترفه لا إثمَ عليه ) .
وقال : ( وأمّا تعيين الكراهة التي معناها نَفي الإِثم عن فاعلها وارتفاع الحرج البتة فهذا مما لا يكاد يوجد عليه دليلٌ من الشَّرع ولا من كلام الأئمة على الخصوصِ ، أمّا الشرع ففيه ما يدل على خلاف ذلك ؛ لأَنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ على من قالَ : أمَّا أَنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الآخر : أمّا أنا فلا أنكح النِّساء ... إلى آخر ما قالوا . فَردَّ عليهم - صلى الله عليه وسلم - وقال : « مَن رَغِبَ عن سُنَّتي فَلَيسَ مِنِّي » .
وهذه العِبارة أشَدُّ شيءٍ في الإِنكارِ ، ولم يكن ما التَزَموا إلاَّ فعل مندوب أو ترك مندوب إلى فعل آخر ) .
وقال رحمه الله : ( إنَّ كلام العلماء في إطلاقِ الكراهةِ في الأُمورِ المَنْهِيِّ عنها كالبدع لا يعنون به كراهة التَّنزيه فقط ؛ لأَنَّ هذا اصطلاحُ المتأخرين ، أرادوا به التَّفرقة بين ما هو مكروهٌ كراهة تنزيه ، وبين ما هو مكروهٌ كراهة تحريم .
وقال : إذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها : ( أكره كذا ، ولا أُحِبّ كذا ، وهذا مكروهٌ ) وما أشبهه ، فلا تقطعن على أنهم يريدون التّنزيه فقط ، فإنَّهُ دَلَّ الدليل في جميعِ البدع على أنَّها ضَلالة ، فَمِن أين يُعَدُّ فيها ما هو مكروهٌ : كراهة تنزيه ) ا( (1) .
__________
(1) الاعتِصام للشَّاطبي (2/36) بِتَصَرُّفٍ . وانظر حجة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - للعلامة الأَلباني رحمه الله - عز وجل - (103) .(1/47)
ونقول لمن يقول بالبدعة الحسنة : إن التشريع حقٌ لِرَب العالمين و ليس من حق البشر ، و لئن جازت الزيادة في الإسلام جاز النقص ؛ لذلك نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الزيادة في الدين : « إذا حدّثتكم حديثاً فلا تزيدنَّ عليه » (1) .
ولله در القائل (2) :
بدين المسلمين إن جاز زيد فجاز النقص أيضاً أن يكونا
كفى ذي القول قبحا يا خليلي ... ولا يرضاه إلا الجاهلونا
نَذكُرُ هنا - بإذن الله - فَصلاً (3) في شُبُهات مُحَسِّني البِدَعِ مُردفين الجوابَ عنها :
( ( الشبهة الأُولى : فهمهم لحديثِ : « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ » (4) .
• الجوابُ عنها : مِن وجوهٍ :
__________
(1) أخرجه أحمد (5،11) الطيالسي (899،900) السلسلة الصحيحة (1/346) .
(2) القول الأسمى في ذم الابتداع والتقليد الأعمى ، أبو عبد الرحمن سليم حمد السالم (ص12،13) .
(3) من كتابِ (اللمع في الرد على مُحسِّني البدع) للشيخ عبد القيوم السحيباني (15-31) [ وقد أخذه الشيخ من كِتاب (الاعتصام) للشاطبي مُتَصَرِّفاً فيه فآثرناه للاختصار ] .
(4) [ أخرجه : مسلم (1017) من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - ] .(1/48)
1- أنَّ معنى ( مَن سَنَّ ) أي من سَنَّ العملَ تَنفيذاً ، وليسَ سَنَّ العملَ تَشريعاً فالمراد بالحديثِ : العملُ بِما ثَبَت من السنة النبويّة . ويدل عليه السّبب الذي لأَجله جاء الحديث ، وهو الصَّدقة المشروعة (1) .
__________
(1) [ بَيَّن الإِمام مُسلم ( برقم : 1017 ) ذلك السَّبب : فجاء فيه أنَّ جَرِيراً قَالَ : ( كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : « { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } إِلَى آخِرِ الآيَةِ : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ : { اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ } تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ » ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ » ) ] .(1/49)
2- أن القائل : ( مَن سَنَّ في الإسلام سُنّة حسنة ) هو القائل : ( كُل بدعة ضَلالة ) ، ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - قول يُكذب له قولا آخر ، ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبداً (1) .
وعليه : فلا يجوز لنا أن نأخذ بحديثٍ ونُعرض عن الآخر ، فإنَّ هذه حال من يؤمن ببعضِ الكتاب ويكفر ببعضه .
3- أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَن سَنَّ ) ولم يقل : ( من ابتدع ) ، وقال : ( في الإسلام ) والبدع ليست من الإسلام ، وقال : ( حَسَنَةٌ ) ، والبدعة لَيست بِحَسنة (2) .
ولا يخفى الفرق بين السنة والبدعة ، فإنَّ السنة هي الطريق المتّبع ، وأما البدعة فهي الإحداث في الدين .
4- لم يُنقَل عن أحد من السّلف أنه فَسَّر السّنة الحسنة بالبدعة التي يُحدثها الناس من عند أنفسهم .
5- أنَّ معنى ( مَن سَنَّ ) أي من أحيا سُنَّة كانت موجودة فَعُدِمَت ، فقام بإحيائِها ، فيكون ( السَّنُّ ) إضافيّاً نِسبيّاً لِمن أحيا سُنّة بعد أن تركت .
ويدل عليه لَفظ ابن ماجة : « مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا » (3) .
__________
(1) رَ : (الإِبداع في مَضار الابتداع) للعلامة ابن عثيمين (ص19) .
(2) رَ : (الإِبداع في مَضار الابتداع) للعلامة ابن عثيمين (ص20) .
(3) [ أخرجه : ابن ماجه (207) من حديثِ أَبِي جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - ] .(1/50)
6- أنَّ قوله : « من سن سنة حسنة » و « من سن سنة سيئة » لا يمكن حمله على الاختراع من أصل ، لأَنَّ كونهما حسنة وسيئة لا يُعرف إلا من جهة الشَّرعِ ، فلزم أن تكون السنة في الحديث إما حسنة في الشرعِ ، وإما قبيحة . فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة ، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي يثبت بالشرع كونها معاصي ، كالقتل المنبَّه عليه في حديثِ ابن آدم حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لأَنه أول من سَنَّ القتلَ » (1) ، وعلى البدع ؛ لأَنه قد ثَبَتَ ذمها والنهي عنها بالشَّرعِ (2) .
( الشبهة الثَّانية : فَهمهم لِقولِ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( نعمَة البِدعَة هذهِ ) (3) .
• الجوابُ عنها :
1- لو سَلَّمنا جدلاً بِصِحَّةِ دِلالته على ما أرادوا مِن تحسين البدع - مع أنه لا يُسلَّم لهم ذلك - فإنه لا يجوز أن يُعارَض كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِكلام أحدٍ من النّاس كائِناً مَن كانَ ، لا بِكلام أبي بكر - رضي الله عنه - الذي هو أفضل الأُمة بعد نبيّها ، ولا بكلام عمر الذي هو الثاني في الأفضلية ، ولا بكلام غيرهما (4) .
قال عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما : ( يُوشِك أنْ تَنزِلَ علَيكم حِجارةٌ مِنَ السَّماءِ ، أَقولُ لَكم : قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتَقولونَ : قال أبو بكرٍ وعمر ) .
وقال عُمر بن عبد العزيز : ( لا رأي لأَحد معَ سُنَّةٍ سَنَّها رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ) (5) .
__________
(1) أخرجه البخاري (3335) .
(2) رَ : الاعتصام (1/236) .
(3) أخرجه البخاري (2010) .
(4) [ راجع فضل أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - في (فضائل الصَّحابة) لمصطفى العدوي [ الطبعة الجديدة ] (صَفْحَة : 31-64) و(صَفْحَة 65-90) ] .
(5) إعلام الموقعين (2/282) .(1/51)
وقال الإِمام الشَّافعي : ( أجمعَ المسلمونَ على أنَّ مَن استَبانَ له سُنَّةَ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَحلَّ له أن يَدَعَها لِقَولِ أَحَدٍ ) (1) .
وقال الإِمام أحمد بن حنبل : ( مَن رَدَّ حديثَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ على شَفا هَلَكَةٍ ) (2) .
2- أنَّ عُمرَ - رضي الله عنه - قال هذه الكلمة عندما جمع النّاسَ في صَلاة التّراويحِ ، وَصلاة التّراويحِ ليست ببدعة بل هي عين السنة ، بدليل ما روت عَائِشَةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : « قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ » وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ) (3) .
__________
(1) إعلام الموقعين (2/282) .
(2) طبقات الحنابلة (2/15) والإبانة (1/260) .
(3) [ مُتَّفَقٌ عليه : أخرجه البُخاري (1129) ومسلم (761) ] .(1/52)
فَنَصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العِلَّة التي مِن أجلها تَرك الجماعة في صَلاة التراويح ، فلما رأى عمر - رضي الله عنه - أن العلة قد زالت (1) ، أعاد التراويح جماعة ، فالذي فَعَله الفاروق - رضي الله عنه - إذاً كان له أَصلٌ مِن فِعلِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
3- إذا تَبيَّن ذلك (أنَّ ما فعله عمر - رضي الله عنه - ليسَ ببدعةٍ) ، فما معنى البدعة في كلامه ؟ .
__________
(1) [ وهي اكتِمالُ الشَّريعة بعد وفاة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - { اليوم أكملتُ لكم دينكم } ، ولهذا نَظائرٌ كَثيرةٌ في الشَّرع ، فَمَثلاً نَهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كِتابة ما يَقوله ، وذلك خَشية أنْ يَلتَبِسَ بالقُرآن ، فلما زالت هذه العِلَّة باكْتِمالِ الشَّريعة صارت الكِتابة مُباحة على الأَصل في إباحتها ، ويا حبّذا لو جُمِعَت هذه النَّظائر مفردة لتمَّ بها نَفعٌ عظيم ] .(1/53)
إنَّ البِدعة في قَولِ عمر - رضي الله عنه - قُصِدَ بِها المَعنى اللغوي (1) ، لا المعنى الشَّرعي .
والبدعة في اللغة : ما فُعِلَ على غَيرِ مِثالٍ سابق (2) .
فلما كانت هذه الصّلاة لم تُفعل في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ولا في أول عهد عمر - رضي الله عنه - ، كانت بدعة من حيث اللغة ، أي : ليسَ لها مِثالٌ سابق .
أما من حيثُ الشَّرعِ ، فلا ؛ لأَنَّ لها أَصلاً من فِعلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) [ وهذا كاستِعمالِ لَفظَةِ ( الصَّلاةِ ) بالمَعنيين - اللغوي والشَّرعي - أمَّا الشَّرعي فواضحٌ وكثير ، والمراد به إقامة الصَّلاة التي هي عبادة ذات أقوالٍ وأفعال مُيتدأة باتكبير مُختتمة بالتسليم ، أما المعنى اللغوي فهي بِمعنَى الدعاء ، قال - صلى الله عليه وسلم - : « اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى » [ أخرجه البخاري (1497،6359) ومسلم (1078) ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « اللهم صَلِّ عليه واغفر له وارحمه » [ أخرجه مسلم (963) وابن ماجه (1500) واللفظ له وابن حبان (3075) ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على سعد بن عبادة » [ أخرجه أبو داود (5185) أحمد 3/421 وضَعَّفه الأَلباني ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ الله وملائكته يُصلون على ميامن الصفوف » [ أخرجه أبو داود (676) وابن ماجه (1055) وابن حبان (2160) وحسنه ابن حجر في الفتح 2/214 ] . ومَعنى صَلاة الله على عباده هو : (ثناؤه عليهم عند ملائكته) كما علَّقه البخاري عند أبي العالية (8/532-533) .
رَ : (جلاء الأَفهام) لابن القيم في معنى الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (صَفْحَة : 253-276) ] .
(2) [ لسان العرب (1/175) ] .(1/54)
قال الشَّاطبي : فَمَن سَمَّاها بِدعة بهذا الاعتبار فلا مُشاحة في الأَسامي ، وعند ذلك لا يجوز أن يُستدل بها على جوازِ الابتداعِ بالمعنى المتكلم فيه ؛ لأَنَّهُ نوعٌ من تحريفِ الكلم عن مواضعه ا( (1) .
وهذه نُقولٌ لِبَعضِ العُلماءِ تَشهدُ لِما ذُكِرَ :
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - عز وجل - : أكثرُ ما في هذا تسمية عمر - رضي الله عنه - تلك بدعة مَع حُسنِها ، وهذه تَسمية لُغويّة لا تَسمية شَرعيّة . وذلك أنَّ ( البدعة اللغويّة ) تَعم كُل ما فُعل ابتداءً من غير مِثال سابق . وأما ( البدعة الشَّرعيّة ) فَكُلُّ ما لم يدل عليه دليلٌ شَرعي (2) .
2- قال تِلميذه الإِمام ابن كَثير رحمه الله - عز وجل - : البدعة على قِسمين :
القسم الأَوَّل : تارة تكون بدعة شَرعيّة ؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - : « فإنَّ كُلَّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضَلالة » .
القسم الثاني : وتارة تكون بدعة لغوية ؛ كقول عمر - رضي الله عنه - عن جمعِهِ إِيّاهم على صَلاةِ التّراويح ، واستمرارهم : ( نَعمت البدعة هذه ) ا( (3) .
3- وقال تلميذه الثَّاني الإمام ابن رجب رحمه الله : وأمَّا ما وَقَعَ في كلام السَّلف من استحسان بَعضِ البِدع ، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية . فمن ذلك قول عمر - رضي الله عنه - : ( نعمت البدعة هذه ) ومراده - رضي الله عنه - أنَّ هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ، ولكن له أصلٌ في الشريعة يُرجع إليها ا( (4) .
4- قال الأُستاذ محمد رشيد رِضا : إنَّ كلمةَ ( البدعةِ ) لها إطلاقان :
__________
(1) الاعتصام (1/250) .
(2) (اقتضاء الصِّراط المستقيم) (ص276) .
(3) (تَفسير القرآن العظيم) سُورة البقرة آية (117) .
(4) (جامع العلوم والحكم) رقم (28) بِتَصرِّفٍ .(1/55)
الإِطلاقُ الأَوَّل : إطلاقاً لُغوياً : بمعنى الشيء الجديد الذي لم يَسبق له مَثلٌ ، وبِهذا المَعنى يَصحُّ قَولهم : إنها تَعتريها الأَحكام الخمسة .
ومنه قول عمر - رضي الله عنه - في جمعِ الناسِ على إمامٍ واحد في صَلاة التراويح : ( نعمت البدعة هذه ) .
الإِطلاق الثَّاني : إطلاقاً شَرعيّاً دينيّاً : بِمعنى ما لم يكن في عَصرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يجيء به من أمر الدين ، كالعقائد والعبادات والتحريم الديني . هو الذي ورد في حديث : « فإنَّ كُلَّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضَلالة » وهو لا يكون إلا ضَلالة لأَنَّ الله - عز وجل - قد أكمل دينه ، وأتم به النعمة على خلقه ، فليسَ لأَحدٍ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في الدين عقيدة ولا عبادة ولا شِعاراً دينيّاً ، ولا ينقص منه ، ولا أن يغير صفته كجعلِ الصلاة الجهرية سرية وعكسه ، ولا جعل المطلق مقيّداً بزمان أو مكان ، أو اجتماع أو انفراد لم يرد عن الشارع ا( (1) .
( الشبهة الثَّالثة : فَهمهم لأَثَرِ : ( ما رآهُ المُسلمونَ حَسَناً فَهُوَ عِندَ اللهِ حَسَنٌ ) (2) .
• الجواب عنها : من وجوه :
1- أنَّ هذا الأَثر لا يصح مرفوعاً ، بل هو من كلام ابن مسعود - رضي الله عنه - .
قال ابن القيم : إنَّ هذا الأَثر ليسَ من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما يُضيفه إلى كلامه مَن لا عِلمَ لهُ بالحديثِ ، وإنما هو ثابتٌ عن ابن مسعود من قوله ا( (3) .
وقال الإمام ابن عبد الهادي : رُوِيَ مَرفوعاً عن أنسٍ بإسنادٍ ساقطٍ ، والأَصحُّ وَقفه على ابن مَسعود ا( (4) .
__________
(1) تَفسير المنار (9/660) وعنه علي الحلبي في (علم أُصول البدع) (ص95) .
(2) أخرجه أحمد 1/379 [ (6/84-85) (3600) ( ط : الرسالة ( وراجع علل الدارقطني 5/66-67 وحَسَّنوا إسنادَه ] .
(3) الفروسية (ص167) .
(4) كَشف الخفا للعجلوني (2/245) .(1/56)
وقال الإِمام جمال الدين الزّيلعي : غريبٌ مَرفوعاً ، ولم أجده إلا موقوفاً على ابن مسعود - رضي الله عنه - ا( (1) .
وقال العلامة الأَلباني رحمه الله - عز وجل - : ( لا أَصل له مَرفوعاً ، وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود ) ا( (2) .
قُلت : ويبقى التنبيه على أنه لا يجوز أن يُعارض كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بِكلام أحد من الناسِ كائناً من كان .
2- أنَّ (أل) في قَولهِ - صلى الله عليه وسلم - : (المسلمون) للعهدِ ، وهو راجعٌ إلى الصَّحابة - رضي الله عنهم - ، فهم المقصودون هنا كما يدل عليه سياق الأَثر حيث قال : ( إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ ، فَمَا رَأَى (3) الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ ) . وقد جاءَ في بَعضِ الروايات زيادة (4) نَصها : ( وقد رأى الصَّحابة جميعاً أن يستَخلفوا أبا بكرٍ ) . ففي هذا دلالة واضحة على أن المراد بالمسلمين في هذا الأَثر الصّحابة - رضي الله عنهم - .
__________
(1) نَصب الراية (4/133) .
(2) السلسلة الضعيفة (2/17) (533) .
(3) [ هذا اللفظُ للإِمامِ أحمد رَحِمَهُ اللهُ في (مُسندهِ) 6/84 (ط : الرسالة) ، ولفظ البَغَويّ في (شَرح السّنةِ) 1/215 (رَقم : 105) : « فما رآهُ المؤمنونَ حَسَناً ... وما رآهُ المؤمنونَ قَبيحاً فَهوَ عندَ اللهِ قبيحٌ » ] .
(4) المستدرك للحاكم 3/78 .(1/57)
ومما يدل على هذا كذلك إخراجُ الأئمة المصنفين للأَثر في كتابِ الصّحابة ، كما فعل الحاكم في المستدرك . فهذا يدل على أن الحاكم فهم أن المقصود بالمسلمين هنا الصّحابة - رضي الله عنهم - .
وإذا كان الأَمرُ كذلك فقد عُلم أن الصحابة - رضي الله عنهم - مجمعون على ذم البدع كُلها وتَقبيحها ، ولم يرو عن واحد منهم تحسين شيء من البدع .
3- على القَولِ بأنَّ (أل) هنا ليست للعهد ، وإنما هي للاستغراقِ ، يكون المراد به الإِجماع ، والإجماعُ حجة . قال العز بن عبد السَّلام : ( إن صَحَّ الحديث فالمراد ب (المسلمين) أهلُ الإِجماعِ ) ا( (1) .
وهنا نَقولُ لمن استدلَّ بهذا الأَثر على أنّ هناك بدعة حسنة : هل تستطيع أن تأتي ببدعة واحدة أجمع المُسلمون على حُسنها ؟ ، إنَّ هذا من المستحيل ولا شك ، فليس هناك بدعة أجمعَ المسلمون على حُسنها ، بل انعقد الإجماع في القرون الأُولى على أن كلّ بدعة ضَلالة ، ولا زال الأمر على ذلك ولله الحمد .
4- كيف يُستدل بكلام هذا الصحابي - رضي الله عنه - على تحسين شيء من البدع ، مع أنه - رضي الله عنه - كان من أشد الصحابة - رضي الله عنهم - نهياً عنها وتحذيراً منها ، وقد سبق النقل عنه أنه قال : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، وكل بدعة ضَلالة ( وكلامه - رضي الله عنه - في النهي عن البدع كثير جداً ( (2) .
( الشبهة الرابعة : جمع الصحابة للقرآن وكتابته في المصحف والاقتصار على مصحف عثمان فهذه بدعة حسنة .
__________
(1) فتاوى العز بن عبد السّلام (صَفْحَة : 42) (رقم : 9) .
(2) انتهى النقل من كتاب اللمع .(1/58)
الجواب عنها : أن ذلك حصل باتفاق الصحابة وذلك إجماع منهم - رضي الله عنهم - وهو حجة لا ريب ، كيف وهم القوم لا يجتمعون على ضلالة (1) ، وقد أجاب عن هذه الشبهة شيخ الإسلام ابن تيمية (2) بقوله : وهكذا جمع القرآن ، فإن المانع من جمعه كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الوحي كان لا يزال ينزل ، فيغير الله - عز وجل - ما يشاء ويحكم ما يريد ، فلو جمع في مصحف واحد لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت ، فلما استقر القرآن بموته - صلى الله عليه وسلم - ، واستقرت الشريعة بموته - صلى الله عليه وسلم - ، أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه ، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم ، والمقتضي للعمل قائم بسنته - صلى الله عليه وسلم - ، فعمل المسلمون بمقتضى سنته ، وذلك العمل من سنته ، وإن كان يسمى في اللغة بدعة ، وصار هذا كنفي عمر - رضي الله عنه - ليهود خيبر ، ونصارى نجران ونحوهما من أرض العرب ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد بذلك في مرضه ، فقال : « أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب » (3) وإنما لم ينفذه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لاشتغاله عنه بقتال أهل الردة ، وشروعه في قتال فارس والروم وكذلك عمر لم يمكنه فعله في أول الأمر لاشتغاله بقتال فارس والروم ، فلما تمكن من ذلك فعل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
( الشبهة الخامسة : ابتداع الأذان في عهد عثمان - رضي الله عنه - : ( قد يقول قائل : ابتدع أو أحدث عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - أذان الجُمُعَة الأَوَّل ولم يكن مشروعاً قبل ذلك ، فما جوابكم ؟ .
__________
(1) انظر البدع وأثرها السيء في الأمة لسليم الهلالي (صَفْحَة : 34-38) .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم (2/591،592) .
(3) [ أخرجه مسلم (1767) ] .(1/59)
• الجواب عنها : لقد فعل عثمان رضي الله عنه ذلك لمصلحة الناس عندما كثروا وتباعدت منازلهم عن المسجد ، رأى هذا الأذان نافعاً للمدينة لاتساعها وكثرة أهلها ، فيدعوهم ذلك للإستعداد ، وهذه علةٌ يدورُ معها معلولها ، فإذا وُجِدَت وُجِدَ ، وإذا انْتَفَت انْتَفَى . وَلِذا لم ير علي - رضي الله عنه - ذلك وهو في الكوفة فكان مقتصراً على الأصل .
وبالنسبة لفعل عثمان فهو سنته - رضي الله عنه - ، ولا يخفى قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي .. » (1) ، فعلى هذا يكون التِزامُنا بفعل عثمان - رضي الله عنه - إلتزاماً بأوامر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ولذلك فلا ينبغي لأحد أن يقول : جاز لي أن أبتدع لفعل عثمان - رضي الله عنه - . فهذا القول باطل وقد تواتر الخبر عنهم - رضي الله عنهم - بالنهي عن الابتداع سواء صدر من حاكم أو وزير أو أدنى منهما ( (2) .
( ( الشبهة السادسة : أنَّ البدعة تَعتريها الأَحكام التكليفية الخمسة ( الواجب والحرام والمكروه والمندوب والمباح) كما قاله العز بن عبد السَّلام في قواعده (3) .
• الجواب عنها :
1- أنه لا يجوز أن يُعارض كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكلام أحد من الناسِ كائناً من كان ، وقد سَبق هذا مراراً .
__________
(1) أخرجه : الترمذي (2676) وابن ماجة (24،44) وانظر صحيح الجامع (2549) .
(2) مختصرٌ من (إشراقة الشرعة في الحكم على تقسيم البدعة) لأسامة توفيق القصاص (ص40،41) .
(3) قواعد الأَحكام (2/173) .(1/60)
2- قال الشاطبي : أنَّ هذا التقسيم أمرٌ مُخترع لا يدل عليه دليلٌ شَرعي ، بل هو في نفسه متدافع ؛ لأَن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده ، إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوبٍ أو ندبٍ أو إباحة لما كان ثم بدعة ، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمورِ بها ، أو المخيّر فيها ، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمعٌ بين مُتنافيين ا( (1) ( (2) وقد تقدم .
3- أنَّ المرادَ بها البدعة اللغوية كما سَبق (3) وبِهذا المعنى يَصحُّ قولهم : إنها تعتريها الأحكام الخمسة .
مَفاسد القول بالبدعة الحسنة (4)
إنَّ القولَ بالبدعة الحسنة مفسدة للدين ومضيعة له ، وممكن لأَعدائه من القضاء عليه إذ يمكنهم حينئذ أن يأتوا المنكرات والفواحش والضلال ويقولون بدعة حسنة حسَّنتها عُقولنا ، وهم كاذبون منافقون ، يَنوون بها هدم الدين ، فلا يقدر القضاء عليهم ودرء شرهم وكيدهم إلا بعدم الابتداع في الدين . وكم أصاب الملحدون والدجالون في الدين بتلك المقالة الخادعة ، ما نالت الباطنية من الدين الحنيف غرضها إلا بالبدع التي أحدثوها وزعموها ديناً ومقرباً لله ، وما هي إلا تضليل وتمويه على الناس . والمشرعون الحكماء يجتهدون في سد الأبواب التي منها يلج الأعداء ، فكيف بأحكم الحاكمين وأحكم المشرعين وربِّ العالمين ؟ .
__________
(1) الاعتصام (1/246) .
(2) رَ : اللمع للسحيباني (41-48) .
(3) في نقلِ الأستاذ محمد رشيد رِضا (صَفْحَة : 52-53) .
(4) من رسالة بِعنوان (الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثّاني عشر المُفتَرَى عليه ودحض تلك المفتريات) تأليف العلامة الشيخ أحمد بن حجر البوطامي (ص168-170) .(1/61)
واعلم أن تجويز الابتداع هو تحكيم لناقصي العلم في الشريعة لما يشاءون وما سوّلت لهم أنفسهم ، وأغلب الناس لا يعرفون الحَسَن من القبيح ، ولا يميزون النافع من الضار ، فيقضون على الدين من حيث لا يعلمون . فإننا نرى جميع المحدثات في الإِسلام المزعومة بأنها حسنة قد جلبت على الدين الويلات وأهلكت أهله وأغرتهم بارتكاب المحرمات من فسوق وشرك . فانظر إلى بدعة البناء على القبور وإسراجها والعناية بها وطرح الزينات عليها وفي مساجدها كيف أفسدت على المؤمنين إيمانهم ، وخلطت عقائدهم بما يكون كُفراً وإشراكاً ، فهم يذهبون إلى هؤلاء الموتى المنسوبين إلى الصلاح يسألونهم حاجتهم الدنيوية والأخروية بخشوع وخضوع واستكانة وتمسكن ، ويأملونهم فوق ما يأملون الله العلي العظيم ، ويخافونهم أكثر من خوفهم من الله رب العالمين ، ويطلبون منهم ما لا يُطلب إلا من الله - عز وجل - ، ولا يخفى ما يقع عند قبر الشافعي والحسين بن علي وأحمد البدوي والدسوقي والرفاعي وعبد القادر الجيلاني والزيلعي والعيدروسي وغيرهم ممن بنوا عليهم المقامات العالية والأضرحة الفخمة ، وطفق الجهلة يحجون إليهم ، فالمريض يسأل الشفاء والعانس تطلب الزواج ، والأعمى يريد البصر ، والفقير يريد الغِنى ، إلى غير ذلك من الأمور البدعية الشركية مما هو ملموس ومحسوس .(1/62)
وفكر في نتائج القول بالبدعة الحسنة ، إن الكثيرين من الشافعية في بلدان شتى ابتدعوا صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة بدعوى الاحتياط والبدعة الحسنة ولسد خلل إن حصل في صلاة الجمعة . انظر كيف تجر هذه البدعة الشنعاء إلى الكفر إن اعتقد المصلون بوجوبها ، لأَن الله - عز وجل - لم يفرض علينا صلاة سادسة أو زيادة ركعة ، لأَن اعتقاد وجوب هذا كفر لا ريب فيه ، كما لو اعتقد بنقص ركعة من ركعات الصّلاة . وهذه البدعة روجها البعض ولم يتأملوا ما ينتج منها من الاعتقادات الفاسدة ، والدليل على ذلك : أن المأموم ينوي فرض صلاة الظهر ، وأي احتياط لمصلين في مسجد يبلغ المأمومون أكثر من أربعين ؟ بل وأحياناً مِئات وأُلوفاً ؟ ، وأي حسنة في هذا ؟ وخصوصاً في بلد لا تُقام فيه إلا جمعة واحدة ، علماً أن قولهم : إذا تعددت الجمع ولم يعرف السابقة ، فيصلي الظهر احتياطاً وجوباً ، أو عرف السابقة فالثانية باطلة وتُصلي الظهر ، كلام غير صحيح ، وقد ذكرت ذلك في كتابي (الجمعة ومكانتها في الدين) .
وانظر أيضاً إلى بدعة الموالد وما نتج عنها من انتشار المنكرات واختلاط الرجال بالنساء واحتكاكهم بهن ، وإلى ما استتبعته من ترك الصلوات ، وإنفاق الأموال الطائلة في غير ما ينفع ، وكل ذلك يفعلونه على حساب الدين ا( .
دعوة للتمسك بالأصلين
يقول - عز وجل - : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } (1) . وقال - عز وجل - : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } (2) .
__________
(1) سورة النساء الآية (59) .
(2) سورة الشورى الآية (10) .(1/63)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » (1) . إن هذه النصوص وما جاء في معناها تأسيس لقاعدة عظيمة ومبدأ مهم وهو : ( وجوب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء في الأصول والفروع في العبادات والعادات والمعاملات ) .
قال ابن عباس - رضي الله عنه - : ( التحاكم إلى الرسول بعد موته هو التحاكم إلى سنته ) .
فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وأين الدليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على مشروعية الموالد لا تجد . ولا تقل المسألة خلافية عند أهل العلم .
فليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر
إذاً ما هو الحل :
تخالف الناس فيما قد رأوا ورووا وكلهم يدعون الفوز بالظفر
فخذ بقول يكون النص ناصره إما عن الله أو عن سيد البشر
ويقول ابن القيم رحمه الله في نونيته :
والخوف كل الخوف فهو على الذي ترك النصوص لأجل قول فلان
ولله در القائل :
فدع عنك آراء الرجال وقولهم فقول رسول الله أزكى وأشرح
و ما أحسن قول القائل :
تجنب ركوب الرأي فالرأي ريبة عليك بآثار النبي محمد
فمن يركب الآثار يعم عن الهدى ومن يتبع الآثار يهدى ويحمد
فلا اجتهاد مع النص ، والاجتهاد مع وجود النص فاسد الاعتبار ، فبهذا يكون الاجتهاد والتقليد المناقض للنصوصِ ساقطاً .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : ( من فارق الدليل ضل السبيل ) (2) .
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/93) ومالك (2/899) . رَ : صحيح الجامع (2937) .
(2) مفتاح دار السعادة (1/83) .(1/64)
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين : ( ومن أحالك على غير (أخبرنا) و(حدثنا) فقد أحالك إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي أو رأي نفسي فلا بعد القرآن و(أخبرنا) و(حدثنا) إلا شبهات المتكلمين وآراء المنحرفين وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل ، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن و السنة فهي طريق الجحيم والشيطان الرجيم ) (1) .
ويقول الإِمام عبد الله بن المبارك - رضي الله عنه - : ( الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ) (2) .
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - : ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإقتداء وترك البدع وكل بدعة ضلالة ) (3) .
وروى الخطيب بسنده عن الأوزاعي قال ( عليك بآثار من سلف وإن رمقك الناس وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه لك بالقول فإن الأمر ينجلي وأنت على صراط مستقيم ) (4) .
وقال الإمام الشعبي : ( ما حدثك هؤلاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذ به ، وما قالوه برأيهم فأكفه في الحش ) (5) .
__________
(1) مدارج السالكين (2 / 468 ، 469 ) .
(2) مقدمة صحيح مسلم (1 / 15) ابن أبي حاتم في الجرح و التعديل (1/1/16) و الحاكم في معرفة علوم الحديث (6) السمعاني في أدب الإملاء والإستملاء (6-7) .
(3) شرح أصول الإعتقاد للإِمام اللالكائي (1/156) وذم التأويل لابن قدامة (ص34) .
(4) شرف أصحاب الحديث (6) الآجري في الشريعة (58) والمؤمل لأبي شامة (44) المختصر .
(5) شرف أصحاب الحديث بلفظ : ( ما حدثوك عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فخذه وما قالوه برأيهم فبل عليه ) (148) و عبد الرزاق في الجامع (11/20476) أبو نعيم في الحلية (4/319) جامع بيان العلم (1/1438-1439) وبلفظ : ( أكفه في الحش ) عند الدارمي (1/67) .(1/65)
أما الاعتماد على الهوى و الاستحسان بغير دليل شرعي فهو فاسد .
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ) (1) .
و يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - : ( من استحسن فقد شرع ) (2) .
ويقول رحمه الله (3) : ( إنما الاستحسان تلذذ ولو جاز الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل الإيمان ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب وأن يخرج كل إنسان لنفسه شرعاً جديداً ) .
والشارع هو الله تبارك وتعالى فمن شرَّع فقد نازع الله جل وعلا في صفة التشريع وادعى التشريع لنفسه أيضاً وهذا هو الشرك بعينه .
و من أعجب العجاب من يترك شمس الضحى ويستنير بنور السهى ، يترك قول الرسول المعصوم عن الخطأ والنسيان فيما يُبلّغ عن ربهِ ويستدل بقول من يجوز عليه الزلة والهفوات ، ولا يؤمن عليه من الذنوب والعصيان ، يترك قول من فرض الله طاعته ويتعلق بقول من نهى الله تعالى أن يقبل قوله إلا بميزان الكتاب والسنة .
ويتساءل المسلم الحريص الغيور على دينه كيف الطريق إلى الله ؟ وكيف الطريق إلى السنة ؟ ولا أجد إجابة أشفى مما أجاب به أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني ، حيث قال : ( الطرق إلى الله كثيرة وأوضح الطرق وأبعدها عن الشبه : اتباع السنة قولاً وفعلاً وعزماً وعقداً ونية ، لأن الله تعالى يقول : { وإن تطيعوه تهتدوا } (4) .
فقيل له وكيف الطريق إلى السنة ؟ فقال : ( مجانبة البدع واتباع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام ولزوم طريق الاقتداء ) (5) .
__________
(1) راجع : إرواء الغليل (1/103) .
(2) المستصفى للغزالي 1/274 والإبهاج في شرح المنهاج 3/188 وشرح الكوكب المنير 4/420 .
(3) الرسالة للإمام الشافعي (ص289) .
(4) سورة النور آية : 54 .
(5) الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للإمام للسيوطي (ص5 و 6) تحقيق : مصطفى عاشور .(1/66)
ولله در الإمام الهمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - حيث قال :
و بالسنة الغراء كن متمسكاً ... هي العروة الوثقى التي ليس تفصم
تمسك بها مسك البخيل بماله ... وعض عليها بالنواجد تسلم
ودع عنك ما أحدث الناس بعدها ... فمرتع هاتيك الحوادث أوخم
< ولله در الإمام مالك رحمه فكثيراً ما كان ينشد :
وخير الأمور ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع
موقف الأئمة - رحمهم الله تعالى - من السنة
إن الأئمة - رحمهم الله - لم يألوا جهداً في اتباع السنة ونشرها وكذلك لم يقصروا في النهي عن تقليدهم خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واحتاطوا - بهذا الصدد - احتياطاً لازماً لكون الإحاطة التّامة ممتنعة على البشر .
وخوفاً من وقوع مخالفة الأحاديث الصحيحة ، أوصى الأئمة أصحابهم - رضي الله عنهم - بأن لا يقلدوهم بخلافها ، وقد حفظت لنا كتب السير والتراجم شيئاً كثيراً من هذه الوصايا والأقوال :
( قال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - : ( إذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعينين ) (1) .
وكان إذا أفتى يقول : ( هذا رأي النعمان بن ثابت - يعنى نفسه - وهو أحسن ماقدرت عليه ، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب ) (2) .
( وقال هو وأبو يوسف وزفر - رحمهم الله تعالى - : ( لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه ) (3) .
( وقال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - : ( ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر - وأشار إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ) (4) .
__________
(1) الإحياء للغزالي (1/79) ومختصر المؤمل مقطع (147) ومعنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي (105) ضمن الرسائل النيرية .
(2) الانصاف في بيان سبب الخلاف ، للدهلوي (ص104) .
(3) إعلام الموقعين (2/201و211) والإنصاف (105) وإيقاظ همم أولي الأبصار (70) .
(4) مختصر المؤمل (160) ومعنى قول الإمام المطلبي (105) .(1/67)
( وقال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - : ( لقد ضل من ترك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِقَول من بعده ) (1) .
وقال : ( كل ما قلت وكان قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى ولا تقلِّدوني ) (2) وقد وردت عنه أقوال كثيرة بهذا الصدد (3) .
( وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - : ( لا تقلدني ، ولا تقلد مالكاً ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا ) (4) .
إن دلَّت هذه الوصايا و التصريحات على شيء فإنما تدل على تمسكهم الشديد بالسنة وحرصهم البالغ على تقديمها على أقوالهم إذا وقعت خلافها لكون الإحاطة ممتنعة على البشر كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله - (5) .
موقف أصحاب الأئمة الأوفياء من وصاياهم
إن كثيراً من أصحاب الأئمة نفَّذوا وصاياهم في ترك قولهم المخالف لسنة صحيحة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : هذا هو مذهب إمامنا وإنه لو بلغته السنة لقال بها وعمل .
إن الإمام أبا يوسف - هو من أجل أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله - عندما اجتمع بمالك بن أنس وسأله عن الصاع والمد وصدقة الخضروات وما إلى ذلك فأجابه فيها بنقل أهل المدينة المتواتر . وقال لأبي يوسف : ( أترى هؤلاء يا أبا يوسف يكذبون ؟ ) . قال : ( لا والله لا يكذبون ) . قال : ( قد رجعت يا أبا عبد الله ولو رأى صاحبي - يعني أبا حنيفة - ما رأيت لرجع كما رجعت ) .
__________
(1) الفقيه و المتفقه (1/149) .
(2) انظر : آداب الشافعي (67-68،93) والحلية (9/106-107) ومناقب الشافعي (1/473) والإيقاظ (50،104) .
(3) مختصر المؤمل مقطع (131) .
(4) إعلام الموقعين (2/201) والإنصاف (105) والإيقاظ (113) مختصر المؤمل (مقطع (144) .
(5) أي قوله السابق : ( لقد ضل من ترك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِقَول من بعده ) .(1/68)
وكان رجوع أبي يوسف إلى هذا النقل كرجوعه هو وصاحبه الإمام محمد إلى أحاديث كثيرة ، وتركهما قول شيخهما لعلمهما أن شيخهما كان يقول : ( إن هذه الأحاديث أيضاً حجة إن صحت ولكن لم تبلغه ) (1) .
قال أبو بكر الأثرم : كنّا عند أبي يعقوب البويطي - أبرُّ تلاميذ الشافعي بمصر - فذكر حديث عمَّار في التيمم ، فأخذ السكين وحته (2) من كتابه وجعله ضربة وقال : ( هكذا أوصانا صاحبنا - يعني الإمام الشافعي - إذا صح عندكم الخبر فهو قولي ) (3) .
نجد أمثلة كثيرة في كتب الفقه لتنفيذ وصايا الأئمة في ترك أقوالهم المخالفة للسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزاهم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين .
توطئة
فضل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -
إن من أوجب ما يجب على المؤمن اعتقاده هو الإيمان بِنَبيّنا محمد عبد الله ورسوله القائم بحقه وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وأنه سيد الأنبياء وإمام المرسلين أرسله الله رحمة للعالمين وإماماً للمتقين وحسرة على الكافرين وحجة على العباد أجمعين بعثه الله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتوقيره ونصره وتحكيمه والرضا بحكمه والتسليم له واتباعه والقيام بحقوقه وسد إلى جنته جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه .
شرح له صدره و وضع عنه وزره و رفع له قدره و جعل الذل و الصغار على من خالف أمره و أقسم بحياته في كتابه المبين و قرن اسمه باسمه فلا يذكر إلا معه كما في التشهد و الخطب و الأذان .
__________
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (20/306-307) وإحكام في أصول الأحكام للإمام ابن حزم (6/855-856) .
(2) أي حتى قول الإمام الشافعي بأنه ضربتان والصحة ضربة واحدة لحديث عمَّار الصحيح .
(3) [ قد بين معنى قول الشافعي هذا تقي الدين السبكي في كتابه (معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي) وهو مطبوع بتحقيق علي نايف بقاعي ] .(1/69)
أوجب تقديمه على النفس و الأهل - فداه نفسي وأمي وأبي - ونعتقد جازمين أن الذي لا يوقره ولا يعظمه ولا يعلي شأنه ويكرهه أو يكره الصلاة عليه كافرٌ حلالُ الدم والمال وليس من جماعة المسلمين .
كما أوجب تبارك وتعالى رد ما يتنازع فيه إليه في قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } (1) .
قال الإِمام ابن القيم رحمه الله : ( فإذا جعل الله من لوازم الإيمان به أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا بعد استئذانه ، فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه ، وإذنه يُعْرَفُ بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه ) (2) .
ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم - (3) : الشفاعة العظمى في الخلق جميعاً ، يوم القيامة يخر ساجداً تحت العرش فيفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبله .
وأول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ، و أول من يؤذن له أن يرفع رأسه ، وأول شافع و أول مشفع ، وأول من يقرع باب الجنة ، وأول من يأخذ بحلق الجنة فيفتحها و لا يُفْتَحُ باب الجنة لأحدٍ قبله وأول من يدخل الجنة .
وهو - صلى الله عليه وسلم - أول من ينشق عنه القبر وأول الناس خروجاً إذا بعثوا وأول من يفيق ولواء الحمد بيده - صلى الله عليه وسلم - فما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائه - صلى الله عليه وسلم - وهو خطيبهم وقائدهم إذا وفدوا .
__________
(1) سورة النور آية : 62 .
(2) [ رَ : إعلام الموقعين (1/41) ( يُنْزَع العلم بموت العلماء ) ( طبعة دار الكتب العلمية ( ضبط : محمد عبد السلام ] .
(3) [ كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و الأمة ، لأبي الحسن مصطفى بن اسماعيل ، تقديم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ص18 - 22 ] .(1/70)
وأكرم ولد آدم على ربه فداه أبي وأمي ونفسي صلوات الله وسلامه عليه ، و هو - صلى الله عليه وسلم - أول من يجيز على الصراط ، وهو صاحب الوسيلة و هي منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهو صاحب المقام المحمود الذي يحمده عليه أهل الجمع كلهم وذلك عندما تنتهي إليه الشفاعة . وأوتي - صلى الله عليه وسلم - حوضاً أبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحاً من المسك ، أكوابه مثل نجوم السماء أو أكثر وأباريقه من الذهب والفضة أبعد ما بين عدن إلى المدينة . يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً ، وهو - صلى الله عليه وسلم - فرطنا على الحوض وهو - صلى الله عليه وسلم - أكثر الأنبياء أتباعاً . وأعطاه ربه - عز وجل - الكوثر وهو نهر في الجنة عليه حوض ترد عليه الأمة حافتاه قباب الدر المجوف ، وطينته مسك أذفر ، يجري على الدر والياقوت وطعمه أحلى من العسل وماؤه أشد بياضاً من الثلج . وجعله الله عز وجل خير الناس نفساً ونسباً وبيتاً وجعل كل نسب وسبب منقطعاً يوم القيامة إلا ما كان من نسبه وسببه - صلى الله عليه وسلم - .
وتجب الصلاة عليه إذا ذكر - صلى الله عليه وسلم - وشقي عبد ذُكرَ عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصل عليه ، وما جلس رجل مجلساً لم يذكر الله فيه ويصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلا وكان هذا المجلس عليه ترة وحسرة وندامة .
والبخيل حقاً من ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يصل عليه . وما بين منبره - صلى الله عليه وسلم - وبيته روضة من رياض الجنة .(1/71)
ومعجزاته - صلى الله عليه وسلم - باقية وأعظمها القرآن لأن معجزاته - صلى الله عليه وسلم - كثيرة ، وغيره من الأنبياء كانت معجزاتهم لمن عاصرهم ومن سمع به - صلى الله عليه وسلم - ولم يؤمن به كان من أهل النار وذلك لعموم رسالته - صلى الله عليه وسلم - . وأرسل - صلى الله عليه وسلم - رحمةً للعالمين . ومنَّ الله عليه - صلى الله عليه وسلم - بالإسراء والمعراج وما في ذلك من الخير الكثير له - صلى الله عليه وسلم - ولأمته . وكان إسراؤه - صلى الله عليه وسلم - بجسده وروحه في اليقظة وشق صدره الشريف فأخرج نصيب الشيطان منه . وقد أخذ الله على النبيين من قبله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمنوا به .
وهو - صلى الله عليه وسلم - أول المسلمين وأقسم الله عز وجل بحياته - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله مع غيره على حسب علمنا من كتاب الله - عز وجل - وكذا أقسم ببلده حال حلوله فيها - صلى الله عليه وسلم - وناداه المولى عز وجل بالرسالة والنبوة وأرسل للناس كافة وخاطب غيره - صلى الله عليه وسلم - بأسمائهم وهذا لمزيد شرفه وفضله صلوات الله وسلامه عليه (1) .
إلى غير ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - و فضله ومنزلته وقدره ورفعته التي بلغت ما بلغت ومع ذلك كله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله » (2) عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
هذا ما نعتقده وندين الله به والله على ما نقول وكيل والله على ما نقول شهيد .
__________
(1) وكل ما تقدم من فضائل وخصائص ومعجزات للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد وردت فيه أحاديث صحيحة .
(2) [ أخرجه البخاري (3445) أحمد (1/23،24،47،55) ] الحميدي (1/27) والترمذي في الشمائل (313) منحة المعبود (2424) الدارمي (2/2887) البغوي (13/3681) صحيح الجامع (2/7363) .(1/72)
مَعَ الصَّحابة في تَعظيمهم - رضي الله عنهم - (1)
اعلم رحمك الله - عز وجل - أنَّ الصَّحابة - رضي الله عنهم - قد نالَوا شَرف لِقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان لهم النصيب الأَوفر في توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم ، ولم ولن يدركهم من بعدهم ، ثم شاركوا الأُمة في تعظيمه بعد موته - صلى الله عليه وسلم - (2) .
كان شأنهم في توقيره أوضح وأظهر من أن يُستدل عليه ، وأجمل من وَصَفَ شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثَّقَفي - رضي الله عنه - ، حين فاوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية ، فلما رجع إلى قريش قال : ( أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن (3) رأيت ملكاً قط يُعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ (4) ، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحدُّون النَّظر إليهِ تعظيماً له ) (5) .
وقد وُصِف الصحابة - رضي الله عنهم - حال جلوسهم واستماعهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة :
منها قول الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : ( وسَكَتَ النَّاس ، كأنَّ على رؤوسهم الطير ) (6) .
__________
(1) من مجلة البيان العدد (139) الصفحة (47-53) بعنوان (منهج أهل السنة في تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - ) للشيخ عبد اللطيف الحسن .
(2) حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته لمحمد التميمي (2/447-461) .
(3) [ ( إنْ ) هُنا بِمعنى ( ما ) النَّافية ، أي : ما رأيتُ ] .
(4) [ جملة الوضوء هذه أخرجها البخاري برقم (189) ] .
(5) [ أخرجه البخاري برقم (2734) ] .
(6) أخرجه البخاري (3/213) .(1/73)
وقال عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ : ( إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، إِنِّي مَا كَانَ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلالا لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ؛ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ) (1) .
ولمَّا زار أبو سفيان ابنته أم حبيبه - رضي الله عنهم - في المدينة ، ودخل عليها بيتها ، ذهب ليجلس على فراش رسول الله ، فطوته ، فقال : يا بنية ! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش ، أو رغبت به عني ؟ . فقالت : هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنتَ مُشركٌ نَجِسٌ ، فلم أُحب أنْ تجلس على فراشه ) (2) .
ومن شِدَّةِ حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه ، قول أنس بن مالك - رضي الله عنه - : ( إنَّ أبواب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تُقرَعُ بالأَظافير ) (3) .
ولما نزل قول الله - عز وجل - : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } (4) .
قال ابن الزبير - رضي الله عنه - : ( فما كان عمر يُسمِع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية حتى يستفهمه ) .
__________
(1) [ أخرجه مسلم برقم (121) ] .
(2) رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأَخلاق الراوي وآداب السامع (2/213) .
(3) [ جامع بيان العلم (2/1217-1219) وصَحَّحه المحقق ] .
(4) سورة الحجرات : 2 .(1/74)
وكان ثابت بن قيس جَهوري الصوت ، يرفع صوته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجلس في بيته مُنَكِسّاً رأسه ، يرى أنه من أهل النَّار بِسَبَب ذلك ، حتى بَشَّره النبي بالجنة (1) .
( وللمحدثين نصيبٌ (2) :
للمحدثين رحمهم الله - عز وجل - و - رضي الله عنهم - منهجٌ رصين ورصيد ثَريٌّ وإسهامٌ قويٌّ في إجلالِ حديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتوقير مجلس الحديث ، والتَّحفّز لاستباق العمل به ، تَعظيماً له ، وهذه بعض الشواهد :
حدَّث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، فكان مما قال : ( وما سمعته قط يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة ، فنظرت إليه وقد حلَّ إزاره وانتفخت أوداجه ، واغرورقت عيناه ، فقال : (أو نحو أو دون ، أو قريباً من ذلك ، أو شبه ذلك) (3) .
وجاء عن عدة من الأَئمة - رضي الله عنهم - أنهم لا يُحدثون بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على وضوء ، منهم : قتادة وجعفر بن محمد ، ومالك بن أنس ، والأَعمش ، بل قد صار ذلك مُستحبّاً عندهم ، وكرهوا خلافه .
قال ضرار بن مرة : ( كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم على غير وضوء ) .
وقال إسحاق : رأيت الأَعمش إذا أراد أن يتحدَّث وهو على غير وضوء تيمم (4) .
وكان مالك بن أنسٍ يلبس أحسن ثِيابه ويتطيب ويأخذ زينته للتحديث بحديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5) .
__________
(1) شَرح الشفا (2/77) .
(2) [ أقول : راجع الحاوي للفتاوي للسيوطي (1/32-33) مسألةٌ في الآذان ، فقد ذكر كثيراً من الأَمثلة في إجلالِ المحدثين لحديثِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطرقهم في تعظيم ذلك ] .
(3) [ جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/1220) ] .
(4) شرح الشفا (2/75) وتعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأَسعد الصاغرجي (ص21) .
(5) شرح الشفا (2/76) .(1/75)
وكان سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - يقول وهو مريض : ( أقعدوني ، فإني أكره أن أحدث حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع ) (1) .
ومرَّ مالك بن أنس على أبي خازم - وهو يُحدِّث - فجازَهُ وقال : ( إنِّي لم أجد موضِعاً أجلسُ فيه ، فَكَرِهتُ أن آخذَ حديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائمٌ (2) .
وكان محمد بن سيرين يتحدث فيضحك ، فإذا جاء الحديث خَشع (3) .
وقال سعيد بن عامر : كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا فقال لهُ هشام : كيفَ تضحك وأنت تطلب الحديثَ ؟! (4) .
( كيفَ نُعَظِّمَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - :
إن الأَمر بتعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره يعني أن ذلك عبادة لله - عز وجل - وقربة ، والعبادة التي أرادها الله - عز وجل - ويرضاها من العبد هي ما ابتُغِيَ فيه وجهه ، وكان على الصِّفة التي شرعها في كتابه العظيم ، وعلى لسان نبيه الكريم - عز وجل - .
( فيُشترط فيها شرطين :
أولها : الإِخلاص : وهو مُقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ، أي : لا معبود بحق إلا الله - عز وجل - .
ثانيها : متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - : وهو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله ، أي : ( طاعته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يُعبد الله - عز وجل - إلا بما شرع ) (5) .
وهذا كمال التعظيم وغاية التوقير ، وأي توقير أو تعظيم للنبي - صلى الله عليه وسلم - لدى من شك في خبره ، أو استنكف عن طاعته ، أو ارتكب مخالفته ، أو ابتدع في دينه وعَبَدَ الله - عز وجل - من غير طريقِهِ .
__________
(1) شرح الشفا (2/89) .
(2) الإِصابة (4/299-300) . البداية والنهاية (4/280) .
(3) البيهقي في الشعب (2/201) (1530) .
(4) صحيح البخاري في التفسير (6/46) .
(5) مجموع مؤلفات الإِمام محمد بن عبد الوهاب (1/190) .(1/76)
ولذا اشتد نكير الله - عز وجل - على من سلكوا في العبادة سبيلاً لم يشرعها ، فقال - عز وجل - : { أم لهم شُركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } (1) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من عمل عملاً ليسَ عليه أمرنا فهو رد » .
ثم إن العبادة محلها القلب واللسان والجوارح ، ويتحقق تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين ؛ إذ لا يتم الإِيمان إلا بذلك (2) ، ثم إنه لا توقير ولا تعظيم بلا محبة ، وإنما يزرع هذه المحبة معرفته لقدره ومحاسنه - صلى الله عليه وسلم - (3) .
وإذا استقرت هذه المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهرٌ للتعظيم ودلائل عليه ، ومن صور ذلك التعظيم :
( الثَّناء عليه بما هو أهلٌ له - صلى الله عليه وسلم - وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه - عز وجل - بِهِ وما أثنى هو على نفسه به ، وأفضل ذلك الصلاة والسلام عليه لأَمرِ الله - عز وجل - وتوكيده بقوله : { إن الله وملائكته يُصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } (4) . ولمكانه الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - شُرِعت في مواضع عديدة أوصلها ابن القيم رحمه الله إلى واحد وأربعين موضعاً (5) .
__________
(1) سورة الشورى : 21 .
(2) كما في الحديث الذي رواه مسلم برقم (44) .
(3) رَ : شعب الإِيمان (2/133) .
(4) سورة الأَحزاب : 56 .
(5) [ راجعها بأدلتها وتعليلاتها في (جلاء الأَفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأَنام) ( ط : ابن الجوزي ) (463-610) . ](1/77)
واعلم بأفضل صيغها ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لصحابته حين قالوا : أما السلام عليك فقد عرفناهُ ، فكيفَ الصَّلاة ؟ ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « قولوا : اللهم صَلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد » (1) .
ولا يخفى على مسلم فضل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من حصوله على وافر الحسنات ، ومحو كثير من السيئات ، وإجابة الدعوات ، وحصول الشفاعة وغيرها الكثير (2) .
( التَّأدُّب عند ذِكرهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بأنْ لا يُذكرَ باسمه مجرّداً ، بل موصوفاً بالنبوة أو الرِّسالة ، وهذه خصيصة له في خطاب الله - عز وجل - في كتابه الكريم دون إخوانه من الأَنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم يُخاطب قط باسمه مجرداً ، وحين قال - عز وجل - : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } بعدها قال : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } (3) .
__________
(1) البخاري (6/27) .
(2) [ راجع الثمرات الحاصلة من جراء الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ( جلاء الأَفهام ) (ص612-628) ] .
(3) راجع تفسير الآيات في تفسير ابن كثير (3/306) والقرطبي في تَفسيره ، والصارم المسلول (422) .(1/78)
( الإِكثار من ذكره - صلى الله عليه وسلم - والتشوق لرؤيته ، وتعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته ، وتعريف الناس بسنته ، وتعليمهم إياها ، وذكر حياته وسيرته وغزواته ، والتمدح بذلك شِعْراً ونَثراً ، وأسعد بذلك المحدثون والمشتغلون بسنته - صلى الله عليه وسلم - ، كل ذلك بشرط كونه في حدود الشرع وسطاً بين الجفاء وبَين الغلو والإطراء (1) .
( استشعار هيبته - صلى الله عليه وسلم - وجلالة قدره وعظيم شأنه ومكانته ، والمعاني الجالبة لذلك ، فمتى كان تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - مُستقرّاً في القلوب على تعاقب الأَحوال ، فإن آثار ذلك تظهر على الجوارح بلا شك ، وحينئذٍ سترى اللسان يجرى بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه - صلى الله عليه وسلم - ، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء بهِ ومتبعة لشرعه وأوامره ومؤدية لماله من الحق والتكريم (2) .
__________
(1) [ ومن المؤلفات في معجزاته ودلائل نبوته وسيرته : فَفِي الدَّلائل : (دلائل النبوة) لأَبي القاسم الأَصبهاني الذي حققه الشيخ مساعد الراشد ، و(دلائل النبوة) للبيهقي فهو جامع . ومن كتب الشمائل : (الشمائل) للترمذي الذي حققه فواز زمرلي . ومن كتب الخصائص : كتاب الإِمام ابن الملقن (غاية السول في خصائص الرسول) ، وكتاب (كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة) للشيخ أبي الحسن مصطفى إسماعيل . ومن كتب السير : كتاب ابن كثير (الفصول في سيرة الرسول) [ حُقِّقَ آخيراً في مكتبة المعارف تحقيقاً جيّداً ] وكتاب الشيخ محمد بن رزق الطرهوني السلمي (السيرة الذهبية) ، وكتاب الشيخ إبراهيم العلي (صحيح السيرة النبوية) ] .
(2) حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته (2/470) للتميمي .(1/79)
( تعظيم ما جاء به من أحكام وسُنن ، وفهمهما كما فهمها السلف الصالح ، واتباعها والتزامها ، وتحكيمها في كل أمور الحياة ، ومُحالٌ أن يتم الإِيمان بدونه قال - عز وجل - : { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريقا منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } (1) ، وقال - عز وجل - : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } (2) .
ولذا نهى الله - عز وجل - عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره أو قول دون قوله ، بل يكون تبعاً لأَمره منقاداً له منتهياً عن نهيه ، قال - عز وجل - : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميعٌ عليم } (3) .
من التقدّم بين يديه : تقديم القوانين والتشريعات البشرية على شريعته ، أو تفضيل حكم غيره على حكمه أو مساواته به ، أو التزام منهج مخالف لهديه وسنته ، { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليما } (4) .
وأقرب الناس لذلك هم أهل السنة والجماعة فهم الذين أحيوا سنته واتبعوا شريعته .
( ومن توقيره توقير أهل بيته - رضي الله عنهم - ، ورعاية وصيته - صلى الله عليه وسلم - بهم بمعرفة حقوقهم وفضلهم وشرفهم ومنزلتهم بقربهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - زيادة على إيمانهم ، فهم أشرف آلٍ على وجه الأَرض وأزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات كما قال - عز وجل - : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } (5) . بل قد أوجب الله - عز وجل - الصلاة عليهم تبعاً للصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد في الصلاة .
__________
(1) سورة النور : 47 .
(2) سورة الحجرات : 1 .
(3) سورة الحجرات : 1 .
(4) سورة النساء : 65 .
(5) سُورة الأَحزاب : 33 .(1/80)
( ومن توقيره : توقير صحابته - رضي الله عنهم - ؛ لأَنهم خير الناس بعد الأَنبياء ، وهم حماة الشريعة والمبلغين عنها ، والأُمناء عليها ، وذلك بمعرفة فضلهم وحقوقهم وعدم الطعن بهم وتنقصهم .
( ومنه : الأَدب في مسجده ، وكذا عند قبره ، وترك اللغط ورفع الصوت ، قال الفاروق لرجلين ارتفعت أصواتهما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ترفعان أصواتكما في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟! لو كنتما من أهل المدينة لأَوجعتكما ضرباً ) (1) .
( ومن تعظيمه : حفظ حرمة بلده المدينة النبوية ، فإنها مهاجره ودار نصرته وبلد أنصاره ومحل إقامة دينه ومدفنه وفيها مسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام . والمقصود من تعظيم المدينة هُو تعظيم حرمها ، وهذا أمر واجب في حق من سكن بها أو دخل فيها ، مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق المجاورة وحسن التأدّب فيها ؛ وذلك لما لها من المنزلة والمكانة عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولما يتأكد فيها من العمل الصالح وتعظم فيها المعصية لشرف مكانه (2) .
( صورٌ من البخس :
اعلم أنه لا يسوغ أبداً لمنتسب إلى السنة أن يجفو في حق نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيخل بما يجب له من الإِجلال والتوقير والتعظيم ، ومن صور الإِخلال : التقصير في معرفته أو معرفة سيرته وهديه أو فهم سنته ، أو الإِخلال في تطبيقها غلواً أو جفاءً ، ومنها إساءة العمل والتقصير في الصالحات ، وخاصة ممن ينتسب لآل بيته الكرام .
__________
(1) أخرجه البخاري (470) .
(2) [ راجع الأَحاديث الواردة في فضائل المدينة في كتاب (الأَحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعاً ودراسة) لصالح الرفاعي ، وكتاب (موسوعة أحاديث الحرمين) لعبد الملك القاضي ] .(1/81)
ومن العجيب مع تأكد هذا الحق العظيم أن يقع التعرض بسوء للمؤمنين الصادقين من آل البيت ، وأعجب منه سب صحابته والنيل من أزواجه الطاهرات ، وأكبر منها الإِساءة إلى ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - والجرأة على نقده ولمز شريعته في ديار المسلمين ! . ثم أين هو من دين النبي - صلى الله عليه وسلم - من يستبدل دين النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته بالقوانين البشرية ، أو يهزأ من هديه ، أو يتعالى على سنته ؟! .
( وبعدُ يا أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - : هل عظمه من حلف به - صلى الله عليه وسلم - ، وهو القائل : « من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت » (1) ويقول : « من حلف بغير الله فقد أشرك » (2) .
وهل عظمه من توسل بذاته ، مع أن الصحابة توسلوا بدعائه لا بذاته ، كما في حديث عمر حين طلب من العباس الدعاء والاستسقاء ، مع العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندهم في قبرهِ .
وهل عظمه من طلب منه الشفاعة مع أن الله - عز وجل - بين للأمة أن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه - عز وجل - ورضاه ، وأمر من أراد الشفاعة بطلبها بطاعته .
أليس هذا تنكراً لطاعته وتعظيمه ، وتعدياً على شرعه وعصيانا لأَمره حيث قال : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله » . بل كيف يُعَظَّم بما نهى عنه وكرهه ، بل وسماه شركاً وكفراً وإطراءاً وغير ذلك .
وهل عظَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - من استغاث به ، أو بغيره من المخلوقات ، أو تمسح بحجرته ، أو احتفل بمولده ، لا والله فإن ذلك بعيد عن التعظيم والتوقير .
فأي حسن في عمل الاحتفالات في ساعات أو أيام ثم التقصير والإِهمال في سائر العام ؟! .
__________
(1) البخاري (7/221) .
(2) أبو داود (3251) وصححه الأَلباني في صحيح أبي داود (2787) .(1/82)
وأي حسن في الاحتفال بزمن توفي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟! . وأي حسن في مشابهة دين النصارى المفتونين بالاحتفالات ؟! .
وأي حسن في التعدي على فقه الفاروق حين أرَّخَ بهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو رمز انتصار دينه ، ولم يؤرخ بمولده ووفاته ؛ تقديماً للحقائق والمعاني على الطقوس والأَشكال ؟! .
ألم يُوصي النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع سنة الخلفاء الراشدين والعض عليها بالنواجذ (1) .
أليس فعل المولد مخالفة لأَمره : « إياكم ومحدثات الأُمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » ، فأي تعظيم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الموالد التي صارت ركباً للمدعين وحجة للباطلين ؟! ، ألا ترون المولد بعد هذا تقصيراً في حق حبيبنا ونبينا - صلى الله عليه وسلم - وظلماً له ؟ ! .
( سبحان الله : كيف أصبحت محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيدة عن دينه وهديه ؟ . بل كيف تصاغرت همم الناس للانشغالِ بذكر شمائل رسولهم - صلى الله عليه وسلم - ومآثره في يوم أو بعض يوم من العام ، ثم يُتناسى ويُهجر ذكره سائر العام ؟! ، ولماذا تنفق الأَموال وتسير الجموع إلى مثل هذه المواقف ، والمسلمون في كل أرض يُتخطفون ؟! .
أسئلة تطرح نفسها مع كل موسم يتنادى فيه القوم لاحتفال من احتفالاتهم ، والتي من أشهرها : الاحتفال بالمولد ، الذي أجروه مجرى الواجبات ، حتى أصبح من الشعائر التي يعزُّ عليهم إغفالها أو ترك القيام بها ، مع تفريطهم في كثير من فروض الأَعيان والكفايات فَضلاً عن السنن والمستحبات .
إنَّ هناك موالد أخرى تولدت عن مسألة الاحتفال بالمولد النبوي وكلها أصبحت تُعَظَّم وتُمارَس فيها أمور بدعوى التقرب إلى الله ( (2) .
أَصْلُ الرِّسَالةِ
لمحات تاريخية عن الاحتفال بالمولد
__________
(1) أخرجه الترمذي (2676) .
(2) مجلة البيان العدد (14) الصفحة (76-77) .(1/83)
وقبل أن نذكر هذه اللمحات ؛ يجدر أن تعرف المراد بكلمة المولد النبوي ، فما هو المولد ؟ .
فنقول : المولد في عُرفِ اللغة هو : المكان أو الزمان الذي وُلِدَ فيه الشَّخص .
ومولد النبي - صلى الله عليه وسلم - المكاني هو مكة ، ومولده الزماني هو يوم الإثنين الثَّاني (1) عشر من شهر ربيع الأَوَّل من عام الفيل على الأشهر ، هذا هو المراد من كلمة المولد النبوي في العرف اللغوي (2) .
__________
(1) على خلافٍ ، وسيأتي بإذن الله - عز وجل - .
(2) أما تعيين مكان ولادته - صلى الله عليه وسلم - يَقيناً فليس بمعلوم ، وذلك لاختلافِ العلماءِ والمؤرخين في تعيين مكان ولادته - صلى الله عليه وسلم - ، ولعدم وجود أدلة صَحيحة تحدد موضعاً لذلك ، وما اشتهر من أنه في شعب بني هاشم (شعب علي) قرب سوق الليل - وقد بني أخيراً في هذا الموضع مكتبة مكة المكرمة - فمحلّ شكّ لدى كثير من العلماء ، وقد تطرق الرّحالة العياشي إلى تحقيق مكان المولد وساق اختلاف العلماء وناقش ذلك ، وختم ذلك بقوله مستبعداً صِحّة تحديد مكانٍ ( والولادة وَقعت في زمن الجاهلية وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة سيما مع عدم تعلق غرض لهم بذلك ، وبعد مجيء الإسلام فقد علم من حال الصّحابة وتابعيهم - رضي الله عنهم - ضَعف اعتنائهم بالتقييد بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي ؛ لصرفهم اعتناءهم - رضي الله عنهم - لما هو أهم من حِفظ الشريعة والذبّ عنها بالسّنان واللسان ) ا( .
ويقول المؤرخ المعاصر المشهور حمد الجاسر : ( وهذا الاختلاف في الموضع الذي وُلد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة النّاس باسم ( المولد ) لا يَقوم على أساسٍ تاريخي صَحيح ) ا( . ولا شك أن اختلاف العلماء والمؤرخين في تحديد موضع الولادة دليل على عدم اهتمام الصحابة - رضي الله عنهم - ؛ لعدم تعلقه بحكم شرعي ، وإلا لنقل اتفاقهم على مكان معيّن معروف كما تعرف أماكن مشاعر الحج مَثلاً . [ بِتَصرفٍ واختصار من (التبرك) للشيخ الجديع (ص355-357) فراجعه لترى هذا البحث القيم ] .
يقول الشيخ صالح الفوزان [ البيان لأَخطاء الكتّاب (ص231-232) ] حفظه الله : ( هل عيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا المكان لأمّته ؟! هل اعتنى الصّحابة والتّابعون ومَن بعدهم من القرون المفضَّلة وأئمة الإسلام المعتبرون بِتعيين هذا المكان ؟! وماذا يرجع على الأُمة من تعيينه ؟! . لو كان في ذلك ما يعود على الأمة بخير ما تركه - صلى الله عليه وسلم - ولا صَحابته - رضي الله عنهم - ، بل إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يهتم بشأن بيته الذي كان يسكنه في مكة قبل الهجرة ، ولما سُئل - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة بِقولهم له : أتنزل في دارك ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( وهل ترك لنا عقيل مِن رِباع أو دور ؟! ( . فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ما كان يهتم بالأمكنة التي سَكنها وعاش فيها ؛ فَضلاً بأن يهتم بالمكان الذي وُلِدَ فيه ، ولم يكن صَحابته - رضي الله عنهم - يَفعلون ذلك ؛ لأَنَّ ذلك يُفضي إلى أن نتخذ الأمكنة متعبّدات ومعتقدات فاسدة . إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة لم يهتم بشأن غار حراء الذي ابتدأ نزول الوحي عليه فيه ؛ لأَنَّ الله لم يأمره بذلك . ولما رأى عمر - رضي الله عنه - الناس يذهبون إلى الشَّجرة التي وَقَعت تحتها بيعة الرضوان قَطَعَها مخافة الفتنة .
ولهذا لا نجد في كتاب الله - عز وجل - ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى البقعة التي ولد فيها - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأَنه لا فائدة من ذلك وليس في الاعتناء بذلك دلالة على محبته - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما علامة محبته - صلى الله عليه وسلم - اتباعه والعمل بسنته وترك ما نهى عنه ) ا( .
وقد ردَّ العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - عز وجل - على مجموعة من الكُتَّاب الذين طالبوا الصُّحف بإحياء الآثار النبوية كطريق الهجرة ومكان خيمة أم معبد ونحو ذلك من الأَمكنة التي نزل بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وَوَضَّح فضيلته : أنَّ ذلك يجر إلى تعظيمها أو الدعاء عندها أو الصّلاة ونحو ذلك ، وهذا من الوسائل المفضية إلى الشرك [ مجموعة فتاواه ومقالاته رحمه الله (3/334) ] .
وبهذا يظهر : أن الأمكنة التي صلَّى فيها - صلى الله عليه وسلم - اتفاقاً كأن يكون في سَفر أو نحوه ، ولم يقصد تخصيصها بالصلاة فيها ، فإنه لا يُشرع تتبعها والتقرب إلى الله - عز وجل - بالصَّلاة فيها ؛ لأَنها لم تكن مقصودة لذاتها .
وإذا كان مواضع الصَّلاة هذه لا يُشرع تتبعها فكذلك الأمكنة التي ارتبطت بحوادث نبويّة معيّنة ، وذلك من بابِ أولى كالغار الذي نزل فيه الوحي وكالغار الذي اختفى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - ، وكموقعة بدر ، ومكان شجرة بيعة الرضوان ونحوهم [ رَ (التبرك المشروع والتبرك الممنوع) للعلياني (ص61-72) ] .
( وأما المولد الزماني للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فكذلك حَصل الاختلاف فيه بين السلف الصالح في تعيين تاريخ ليلة ولادته - صلى الله عليه وسلم - ولقد وصل الخلاف في تعيين تلك الليلة إلى سبعة أقوال أشهرها أنها ليلة ثنتي عشرة ، ثم ليلة ثَمان من شهر ربيع الأول ، بعد أن اتفقوا على أن الولادة كانت يوم الأثنين ، واتفق الجمهور منهم على أن ذلك في شهر ربيع الأول [ رَ : البداية والنهاية لابن كثير (2/260) لطائف المعارف لابن رجب (95) المواهب اللدنية للقسطلاني (1/139-145) التبرك للجديع (ص363) ] . وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عدم احتفال السلف الصالح بالمولد النبوي بها وتعظيمها ، ولو كان يُشرع فيها شيء من العبادات - افتراضاً وجدلاً - لعيّنها الصحابة واهتموا بها ولكانت معلومة مشهورة .
يقول الشيخ حمود التويجري [ الرد القوي (ص83) ] : ( العبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الرأي والابتداع ، فما عظمه الله ورسوله من زمان أو مكان فإنه يستحق التعظيم ومالا فلا . والله - عز وجل - قد أمر عباده أن يتخذوا مقام إبراهيم مُصلّى ولم يأمرهم أن يتخذوا يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عيداً أو يبتدعوا فيه بدعاً لم يؤمروا بها . وتعظيم الأمكنة المرتبطة ببعض الأنبياء من أعظم الوسائل إلى الشرك ، ولو كان تعظيم الأمكنة المرتبطة ببعض الأنبياء جائزاً لما قطع عمر - رضي الله عنه - الشجرة التي بويع عندها كما تقدم . [ رَ : تفضيل ليلة المولد على ليلة القدر الرد عليه (صَفْحَة : 128-129) ] .(1/84)
” أما أصل الاحتفال بالمولد ونشأته :
فإنَّ من أعظم المواسم المبتدعة التي يحتفل بها كثير من المسلمين الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو الأصل في تلك المواسم والاحتفالات الأخرى التي تتخذ للأولياء والصالحين والآباء والأبناء والموالد ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات منذ زمن بعيد ، ولم يكن الاحتفال بالموالد مقتصرا على المسلمين أو على مجتمع دون مجتمع ، بل كانت ظاهرة الاحتفال بالموالد معروفة من زمن العصور المتقدمة والسابقة للإسلام ، فكان الفراعنة واليونان يحتفلون بالآلهة ويجعلون عيداً لظهورها ، وكذلك سائر الأديان الأولى .
ثم انتقل ذلك إلى المسيحية فكانوا يحتفلون بالموالد ، وأهم الموالد عند النصارى ميلاد المسيح عليه السلام ، حيث يتخذونه عيدا فتعطل فيه الأعمال ويجعلونه يوم فرح وسرور ، وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وارتكاب المحرمات وفعل المنكرات من شرب خمور وفعل فاحشة وغير ذلك من المهازل والقبائح .
ثم جاء بعض المنتسبين للإسلام فأخذوا يوم مولده - صلى الله عليه وسلم - عيداً مضاهاة للنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عليه السلام ، فضاهوا النصارى فيما يفعلونه في هذا اليوم فأصبح يوم فرح وسرور وعيد يتكرر كل عام بمراسمه الخاصة .
مِن هنا كان أصل الاحتفال بالمولد النبوي . وفي ذلك يقول السّخاوي : ( إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر (1) ) .
فهذا نص في المشابهة : وهو أن الاحتفال بالمولد النبوي أصله مأخوذ من النَّصارى ، ومن تشبه بقوم فهو منهم . وهو تحقيقٌ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعا بِذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتوهم » فهذا هو أصل المولد ونشأته “ (2) .
__________
(1) التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي (صَفْحَة : 14) .
(2) (الأعياد وأثرها على المسلمين) لسليمان السحيمي (صَفْحَة : 285-286) .(1/85)
ويطلق عليه البعض مولداً ، والبعض الآخر موسماً ، والبعض حضرة ، والبعض زردة ، وإن اختلفت الأسماء وتنوعت فالمُسَمَّى واحد (1) .
فاتخاذ ذلك اليوم عيداً يُحتفل فيه فبدعةٌ محدثةٌ لا أصلَ لها في الشَّرع .
( أَولَ مَن أحدَثَ هذهِ البدعة (2) (
__________
(1) الإِنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإِجحاف للشيخ أبي بكر الجزائري (ص49-50) باختصار .
(2) الخطط المقريزية 1/274 صبح الأعشى في صناعة الانشا 3/494-498 الإِبداع لعلي محفوظ (126) .(1/86)
إن المتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن الاحتفالات بالموالد لم تكن موجودة عند المسلمين (1) في القرون الأُولى التي شهد لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنها خير القرون ، بل وحتى بعد تلك القرون فإن الأمة كانت في عافية من الوقوع في هذه الموالد المبتدعة التي أصبحت وكراً للفَسَاد والمفسدين في العالم الإسلامي إلى يومنا هذا ، حتى أحدثه العبيديون في القرن الرابع الهجري عام 362 ( (2) ، وكان هذا التاريخ هو أول إدخالٍ لهذه البدعة في بلاد المسلمين ، وقبل هذا التاريخ لم يكن موجوداً كما نطقت به كتب التاريخ والسير ، فعلى هؤلاء الباطنيين تَبعتها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، حيث جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : « من سنَّ في الإسلامِ سُنّةً سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها » (3)
وذلك في عهد المتسمِّي ب"المعز لدين الله الفاطمي" (4) العبيدي الباطني .
__________
(1) لأَن الاحتفال بولادة إنسان إنما هي طريقة نصرانية لا يعرفها الإسلام مطلقاً في القرون الأولى كما تقدم ، ولأَن عيسى عليه السلام الذي يحتفل بميلاده المدعون اتّباعه لم يحتفل بولادته مع أنها ولادة خارقة للعادة ، وإنما الاحتفال بولادة عيسى عليه السلام من البدع التي ابتدعها النصارى في دينهم . فإذا كان عيسى عليه السلام لم يحتفل بمولده ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بمولده فالله - عز وجل - يقول { فبهداهم اقتده } .
(2) وممن صرح من المتأخرين بأن أول من أحدث المولد المتسمون بالفاطميين مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي والشيخ علي محفوظ والسيد علي فكري . وقال سماحة مفتي الديار المصرية رحمه الله : ( إنه كان عام 361 ( ) . يُنظر القول الفصل (68) .
(3) أخْرَجَهُ : مُسلم (رَقم : 1017) .
(4) الذي انتسب لفاطمة رضي الله عنها ظلماً وعدواناً من أجل أن يكسب وِدَّ المسلمين .(1/87)
وكانت سياسة العبيديين موجّهة إلى غاية واحدة هي العمل بكل جد وإخلاص لحمل النّاس على اعتناق مذهبهم وجعله سائداً في كل من تحت حكمهم ، بل إنَّ هذا الحاكم العبيدي ادَّعى الألوهية وجعل طريقه الرعية بالمولد ، بدعوى حبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - لبلوغ غرضه الخبيث ونشر مذهبه الإسماعيلي الباطني ليلعب ويضحك على السّذّج وأهل الغباء ، ولم يجد شيئاً يستجلب ويستميل به قلوب الناس سِوى إحياء هذه البدعة التي تتمثّل في تشييد الأَضرحة والاحتفالات بالمولد .
وهذا الخبيث ينتسب حقيقة إلى العبيديين . والعبيديون : هم الذين قال عنهم المحققون من المؤرخين : ( أجمعت الأمة على زندقتهم وأنهم أكفر من اليهود والنصارى وأنهم كانوا وبالاً على المسلمين وبأيديهم وبدسائسهم وما بثوا في الأمة من سموم الصوفية الخبيثة انحرف كثير من المسلمين عن الصراط المستقيم حتى كانوا مع المغضوب عليهم والضالين ) .
سبحان الله يُسمون أنفسهم بالفاطميين وينتسبون إلى ولد علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ، وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوى الباطنية ، فجدهم هو ابن ديصان المعروف بالقدّاح أحد مؤسسي مذهب الباطنية ، وينحدرون من أصل يهودي وقد صَنَّف القاضي الباقلاني كتاباً في الرد على هؤلاء وسماه ( كشفُ الأسرار وهتك الأستار ) بَيَّنَ فيه فضائحهم وقبائحهم وقال فيهم : هم قوم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض ) .
وأن مذهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى ، بل ومن مذاهبِ الغالية الذين يدعون إلهية علي أو نبوته ، فهم أكفر من هؤلاء ، حتى أن القاضي عبد الجبار - وهو من غلاة المعتزلة - يجعل هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة ، فهذه مقالة المعتزلة في حقهم ، فكيف تكون مقالة أهل السنة والجماعة .(1/88)
وقد سُئِل شيخ الإِسلام عنهم ، فأجاب بقولهم : هم من أفسق الناس ومن أكفرهم ، وأن من شهد لهم بالإِيمان والتقوى أو بصحّة النّسب فقد شهد لهم بما لا يعلم ، وقد قال - عز وجل - : { ولا تقف ما ليسَ لك به علم } وقال : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ، وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الإِسلام وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، فالشاهد لهم بالإِيمان شاهد لهم بما لا يعلمه إذ ليس معه شيء يدل على إيمانهم مثل ما مع منازعيه مما يدل على نِفاقهم وزندقتهم .
وكذلك النسب قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود ، هذا مشهور من شهادة علماء الأمة بأجمعها ) (1) .
قال ابن خلكان : ( أهل العلم بالأَنساب من المحققين يُنكرون دعواه في النسب ) (2) .
فانظر يا رعاك الله - عز وجل - كيف لم يعمل بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قرون الخير ،وإنَّما أحدثه الفاطميون العبيديون الباطنيون الذين حكم عليهم أهل العلم بالخروج من الملة ، بل هم أصل النصيرية والدروز والاسماعيلية ، وكثير من الفرق الكافرة ، فكفى بهذا دليلاً على حرمة هذا الاحتفال ، فلا يلتفت إلى ما وراء ذلك من الحجج والشبهات التي أثْرَى بها المبتدعة أقوالهم - كما سيأتي ذكر بعضها والرد عليها - .
” وقد بقيت هذه الموالد فترة ثم أبطلت فأعادها رجل أعجمي يدعى (كوكبوري) أبو سعيد بن أبي الحسن علي بكتكين التركماني صاحب إربل في أواخر القرن السادس وأول السابع ا( .
__________
(1) ينظر : مجموع فتاوى شيخ الإِسلام (35/120-132) البداية والنهاية (11/387) فضائح الباطنية (37) الخطط المقريزية (1/490) صبح الأعشى (3/498-499) القول الفصل .
(2) (3/117-118) .(1/89)
( قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ، في ترجمة أبي سعيد كوكبوري : وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأَوَّل ويحتفلُ به احتفالاً هائِلاً ... إلى أن قال : قال السبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى ... إلى أن قال : ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم ا( (1) .
وقال ابن خلكان : فإذا كان أوَّل صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة ، وقعد في كل قبة جوق من الأَغاني ، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات - طبقات القباب - حتى رتبوا فيها جوقاً .
وتبطل معايش الناس في تلك المدة ، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم ... إلى أن قال : فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج الإِبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن الوصف ، وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأَغاني والملاهي حتى يأتي بها إلى الميدان ... إلى أن قال : فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يُصلي المغرب في القلعة (2) ( (3) .
أقول : وهكذا جرى الناس على سنة - كما زعموا - الاحتفال بهذه الموالد حتى يومنا هذا تقليداً ومحاكاة وجرياً وراء الشهوات وإحياء شريعة الخلف .
وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا ، وتوسع فيها الناس ، ولا نزاع أنها من البدع ا( “ (4) .
__________
(1) البداية والنهاية (13/137) .
(2) وفيات الأَعيان (3/274) .
(3) من مقال للشيخ صالح الفوزان حَفظه الله - عز وجل - عن ( حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي ) في مجلة البيان (عدد14/ص55) .
(4) ذكر ذلك الشيخ العلامة علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الإبتداع ص 250 - 256 .
وهذا الشيخ من أجلة علماء الأزهر - فليكن للعلماءِ دور في القضاء على تلك الموالد وتبيين بدعيتها للعوام من الناس ولكن يا للأسف تعمل الإذاعات المرئية لنقل تلك الاحتفالات ويحاضر فيها الشيوخ الكبار وإلى الله المشتكى وحده ، ولو كان هناك احتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان الأولى به الصحابة الذين نقلوا لنا كل شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقل حركاته في الصلاة وغيرها كانوا ينقلونها ولكن اتخذ الجهال هذا ذريعة لأكل أموال الناس بالباطل والله عز وجل يقول : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ البقرة : 188 ] وفي الصَّحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الله كره لكم ثلاثاً : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال » [ أخرجه البخاري (1477) ومسلم (395) من حديثِ المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - . وأخرجه مُسلم (1715) وأحمد 2/327 ( (8334) مؤسسة الرسالة ( وابن حبان (3388) من حديثِ أبي هريرة - رضي الله عنه - ] .
وما أظن ظهور هذه البدع إلا لشين الإسلام لكن باتخاذ الوسائل الملتوية التي ظاهرها الصلاح والتقوى وما يكون هذا إلا لتضييع بعض معالم الإسلام وكما يقول أحد العلماء : ( ما من بدعة تظهر إلا على حساب سنة تموت ) . وقد أماتوا بهذه البدعة السنة فإلى الله المشتكى وحده والله الموفق .( مقدمة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن حجر الهيثمي للحويني (ص11،12) .(1/90)
فيا طالباً وناشداً للحق والعلم النافع والعمل الصالح إذا كان هذا أصل حدوث الموالد ، فهل ترى أن تكون خلفاً لباطنية ملاحدة زنادقة أو متصوفة خرافيين قبوريين ضالين ، وأن يكونوا سلفاً لك في هذه البدعة . سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله !! أين الأَنفة أين الغيرة أين الشهامة والعزة بالإِسلام ؟ متى صرنا أذناباً لباطنيّة أو صُوفيَّة ؟ .
فَحسبك ببدعة أنشأها ملاحدة باطنيون معروفون بالبدع والمنكرات ، وتولاها من بعدهم متصوفة ضالون مضلون لم يتركوا شيئاً من باطلهم وبدعهم إلا وأدخلوه فيما يسمى بالمولد النبوي .
وهل يليق بك يا أخي المسلم يامن ينتسب إلى أهل السنة والجماعة أن تقلدهم أو تحذو حذوهم ؟ . لا يتوقع ذلك من أي مسلم فالإسلام جعل لنا شرعاً مستقلاً ، قال تعالى : { هو سماكم المسلمين } (1) .
( تناقضٌ (
( إن القائلين بعمل المولد متناقضون في أقوالهم ، ويستدلون بالغَثِّ والسمين ، فمن تناقضهم قولهم بأن المولد لم يحصل في القرون الثّلاثة ولم يُعرف ، وأن أول من اخترعه الملك المظفر في القرن السادس الهجري . ثم يستدلون بأمور لترغيب الناس فيه حصلت منذ القرن الأول فما بعده عمل فيها مولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومن ذلك ما ذكر صاحب كتاب (حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح العين) للشيخ أبي بكر عثمان بن محمد البكري ( ت 1302( ) ، حيث ذكر عن أبي شامة أن المولد ابتدع في زمانه (2) وأبو شامة توفي سنة ( 665 ( ) .
وذكر عن السخاوي أنه قال : ( إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ) (3) .
كما ذكر عن ابن الجوزي أن أول من أحدثه الملك المظفر صاحب اربل (4) .
__________
(1) سورة الحج آية : 78 .
(2) إعانة الطالبين (3/364) .
(3) إعانة الطالبين (3/364) .
(4) إعانة الطالبين (3/364) .(1/91)
ثم يذكر بعد ذلك أموراً عن أناسٍ ماتوا قبل نهاية القرون الثلاثة ، ومنهم في بداية القرن الثاني : أنهم قرأوا المولد النبوي ، ويذكر حكايات لا زمام لها ولا خطام ، حيث قال : قال الحسن البصري : ( وددت لو كان لي مثل جبل أحد ذهباً لأنفقه على قراءة مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) (1) .
قلت : والحسن البصري توفي سنة ( 110 ( ) .
وقال البكري أيضاً : قال الجنيد البغدادي : ( من حضر مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعظم قدره فقد فاز بالإيمان ) (2) .
قلت : والجنيد هو ابن محمد بن الجنيد توفي سنة ( 297 ( ) .
وقال البكري أيضاً : قال معروف الكرخي : ( من هيأ لأجل قراءة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - طعاماً ، وجمع إخوانه وأوقد سراجاً ولبس جديداً وتعطر وتجمل تعظيماً لمولده - صلى الله عليه وسلم - ، حشره الله - عز وجل - يوم القيامة مع الفرقة الأولى من النبيين ، وكان في أعلى عليين ) (3) .
قلت : ومعروف الكرخي توفي سنة ( 200 ( ) .
وقال البكري أيضاً : قال السري السقطي : ( من قصد موضعاً يقرأ فيه مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قَصد روضة من رياض الجنة ؛ لأَنه ما قصد ذلك الموضع إلا محبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ) (4) .
وذكر أيضاً حكايات وروايات البطلان ظاهرٌ عليها ، ثم قال : وإنما أطلت الكلام في ذلك لأَجل أن يعتني ويرغب جميع الإِخوان في قراءة مولد سيد ولد عدنان ، لأَنَّ من لأجله خُلقت الأرواح والأَجسام ، يحق أن يهدى له الروح والمال والطعام ا( (5) .
__________
(1) إعانة الطالبين (3/364) .
(2) إعانة الطالبين (3/365) .
(3) إعانة الطالبين (3/365) .
(4) إعانة الطالبين (3/365) .
(5) إعانة الطالبين (3/365) .(1/92)
أقول : سبحان الله هذا بهتان عظيم ، فلم نعرف من تراجم من سبق أقوالهم ولا من تاريخ الدولة الأموية أو العباسية أنهم تكلموا على الاحتفال بالمولد النبوي أو قراءته ، إلا ما ذكره أهل العلم من حدوثه في القرن السادس الهجري .
وأيضاً هذا فيه خلاف ، حيث أن بعضهم ذهب إلى أنّ أول من اخترع المولد هم الفاطميون في القرن الرابع الهجري . ثم هل هذا مسوغ لعمل المولد والاعتناء به كما ذكر البكري في آخر كلامه ؟ اللهم لا . ثم إن هذا يضع علامة استفهام كبيرة على مشايخ المولد !! . وذلك من استخدام الأحاديث المكذوبة والتي لا أصل لها في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيان مناقبه ومحاسنه فداه أبي وأمي ، ونسبة أقوالٍ إلى أناسٍ لم تُؤْثَر عنهم هذه الأَقوال ، وتحتاج إلى إسنادٍ إلى قائليها ، لمعرفة صِحَّة نسبتها إليهم ( ا( (1) .
مُجمَلُ أسباب النَّشأة
وتفاعلاتها الاجتماعية (2)
1- نشر العقائد الباطلة - كالمجوسية الخبيثة والصوفية الخرافية - من خلال التذرع بحب آل البيت والارتباط بهم ؛ وهذا ما صنعه العبيديون من قبل ، ويفعله أحفادهم والمتأثرون بهم الآن .
2- نيل الشهرة والصيت : وهذا يختص بفئة تُنْفِقُ على هذه الموالد وترعاها من الأَغنياء .
3- كسب الولاء الديني : وهو الدافع الذي يدفع مشايخ الطرق للتسابق في إقامة السُّرادقات والمشي في المسيرات من أجل الاستزادة من الأَتباع .
__________
(1) من ( المولد النبوي وما فيه من البدع والخرافات والأَحاديث الواهية ) لعبد الغفار محمد حميده . في مجلة الحكمة (20/ 129-131) .
(2) مقالة بعنوان ( ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي وآثارها) لعبد الكريم حمدان . مجلة البيان (العدد14/ص77-78) .(1/93)
4- الارتزاق : وهو ما يقوم به طائفة عريضة من تجار الحلوى وغيرهم من البائعين ومؤجري الأَلعاب والملاهي والبائعين المتجولين ، بل مشايخ الطرق المنتفعين بما يجري في الأَضرحة ، والمداحين والقصَّاصين والمُنَشّدينَ والمغنين والراقصات وأمثالهم .
5- إتاحة الفرصة أمام الفساق والفجار الذين يسعون وراء الحرام : فهؤلاء إذا ما سمعوا بمولد قالوا : هلموا لبغيتكم ؛ حيث يتسنى لهم فيه قَضاء مآربهم المحرمة .
6- التَّعمية على بعض الممارسات المعادية لدين الحق : وقد تطور هذا في العصور المتأخرة إلى وسائل أكثر تعمية ، كأن تفتتح في المولد بعض المشاريع الكبرى وتُقام المهرجانات - زعموا أنها مهرجانات دينية (1) - من أجل الاحتفال بسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - ، وتكون الرسالة التي يراد بها أن تبلغ الجميع أنه ليس أغير على النبي - صلى الله عليه وسلم - ودينه من هؤلاء ، ويُقدَّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أدبياتهم على أنه شخصية تاريخية كان لها أثرها في تاريخ الأُمة العربية ! شأن العظماء ؛ مع انتهاء الحفل يسدل الستار حتى إشعار آخر .
حَتَّى نابليون أمر بالاحتفال بالمولد لِيَجذبَ إليهِ قلوبَ العامَّة ، ولِيُرَوِّجَ ما يراهُ بِهذا الأُسلوب .
__________
(1) [ تَمَعَّنوا في تَغيير المُصطلحات المُحَرَّمة وزخرفتها ، فهل سَمِع مؤمن تقي بأنَّ في الدين (مهرجنات دينية) ؟! . وهذا ليسَ بغريبٍ عليهم ، فقد سمُّوا الخمر الرّجس : شراباً روحياً . وسموا انحلال المرأة من الحياء وتَعريتها مِن سترها إلى : حريَّة المرأة . وسمَّوا المدافعين عن الحقِّ : متشددين متطرفين متزمتين ] وسمّو الرّبا الصّريح والملعون صاحبه والمحارَب من ربِّ العالمين فوائد . فلا حول ولا قوة إلا بالله - عز وجل - .(1/94)
وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أنَّ نابليون أمر الشيخ البكرى بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي ، وأمره بتعليق الزينات ، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره .
ويُعلق الشيخ عبد الرحمن الرافعي قائلاً : فنابليون قد استعمل (سياسة الحفلات) ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة ، وليعلن عن نفسه في العالم الإِسلامي بأنه صديق الإِسلام والمسلمين (1) .
ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالمولد عموماً : لما رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والرقص وفعل المحرمات (2) .
لقد أدرك الاستعمار ما يقع بسبب الموالد وعمارة القبور من سلبيات وما تستغل من جهود واموال وتشغله من أوقات وتفكير ، وما في ذلك من صرف للناس عن جهاد المحتلين ومقاومتهم ، وهو ما لم يدركه الكثير من العلماء عن شيء ممن شجعوا تلك الموالد أو حتى غضوا الطرف عنها ، نعم أدرك الاستعمار ما لتلك الموالد والانصراف إلى عبادة القبور من مكانة عظيمة في حياة الناس لذا سارعوا بإعادتهما حتى يلهوا الناس بها وتعود الأُمور إلى مجاريها وكأن شيئاً لم يحدث ، ويغلقوا على أنفسهم باباً واسعاً من أبواب الثورة .
فالمهتمون بالموالد أَصناف :
1- صِنفٌ همهم نشر البدعة والتَّفاني في ذلك وليسوا من أهل العلم والصلاح وإنما مشهور عنهم التقصير في السنة وفي حضور الجُمع والجماعات والطاعات ، وإنما ينشطون عند البدع مع البيان لأَكثرهم أنهم على بدعة ، ولكنهم يُصرون عليها .
2- الجهالُ من العامة الذين يعتقدون أنها عبادة مشروعة ويتبعون من يقودهم إلى الهاوية .
3- أُناسٌ همهم حظوظ الدنيا وشهواتها مما يجدون في الموالد من شهرة وسمعة وأكل وشرب واختلاط .
من عمدة القوم في الموالد
ونماذج منها
__________
(1) تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم للرافعي (ص258-261) .
(2) تاريخ الجبرتي (2/201-202) .(1/95)
أحدثَ القوم عِدَّة موالد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولآلِ البيت - رضي الله عنهم - كَعلي وفاطمة والحسن والحسين وزينب - ولغيرهم من الأَولياء والصَّالحين رحمهم الله - عز وجل - ، بل ولِغَيرهم من أهل الباطل من الخرافيين والقَبوريين ، ولذا تراهم يُدافعون عن المولد النبوي لأَنَّه من باب واسع دخلوا معه إلى إقامة مئات الموالد والمواسم والأَعياد والحضرات .
ولا ننسى أنَّ هذه الموالد يعتبر المولد النبوي معها قطرة من بحر كما يعتبر معها خيراً فيه شر ، أما هي فإنها شرور لا خير فيها البتة إذ لو قدر لأَخي القارئ الكريم أن يحضر موسماً أو مولداً أو عيداً منها لَحَكَم بدون تردد أنَّ أمة الإِسلام قد عاد منها هؤلاء إلى الجاهلية الأُولى !!! (1) .
( نذكر منها ما يلي : مولد شرف الأنام ومولد البرزنجي نظماً و نثراً (2) ، مولد ابن الديبع ، مولد أبي بصير (، مولد الشيخ الحمصي، مولد العيدروسي، مولد المناوي، مولد ابن حجر
الهيتمي ، مولد البرعي ، مولد محمد بن محمد العزب ، مولد الزيلعي ، مولد الدسوقي
والمولد المدسوس المسمى بمولد العروس المنسوب كذباً وافتراءً إلى ابن الجوزي وفيه من الطامات والأكاذيب الشيء الكثير (3) ،
__________
(1) وجاءوا يركضون لأَبي بكر الجزائري (130) باختصارٍ .
(2) ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب منتشر في كثير من القرى والبُلدان ومتداول بين الصوفيّة وعوام الناس وجهالهم من أهل السنة في بعض النواحي من بلادنا ، ويعتبرونه كتابٌ مقدس عندهم ، ويقرأه العالم والجاهل ويحضر في قراءته في ليلة المولد كثير ممن ينتسب إلى العلم حسب احتمال المولد وحجمه ، ولم يقل أحد منهم أنَّ هذا هو الصحيح وهذا هو الضَّعيف ، وسنذكر بإذن الله - عز وجل - في أثناء هذا البحث جُملاً من الأَقاويل السَّاقطة والأَكاذيبِ والاعتقادات الباطلة .
(3) . اُنْظُرْ : (كتب حذر منها العلماء) لمشهور حسن سلمان 2/303
((1) سورة النور (40)(1/96)
مولد الشَّعراني ، مولد البدوي ، مولد الجيلاني الجارف . وغيرها مما يتداول في الموالد والمناسبات المتعددة الكثير الكثير مما لا يُحصَى كثرة ولا حَصر لها والبدل والبدل والبدل { ظلمات بعضها فوق بعض } (1)
ولعل من المناسب أن نورد هنا جُملاً ونماذج من الأَقاويل السَّاقطة والأَكاذيبِ والاعتقادات والقصص الباطلة ولنبدأ بذكر نموذج من تلك الموالد وليكن مولد البرعي ، وتم -البدء لكونه أخف تلك الموالد تطرفاً وانحرافاً وزوراً وبُهتاناً وكّذباً على الله - عز وجل - بعد مولد البرزنجي _ ، وهو مولد مطبوع في (47صَفحة) من القِطع المتوسط ، راوح فيه بين الشعر والنثر ، مع العلم بأن شعره أقل ضَلالاً من نَثره وإن كان فيه ما فيه ، يقول البرعي : والأَصل في بدء خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أن الله - عز وجل - لما أراد أن يخلق نور سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان عموداً من نورٍ يسبح الله - عز وجل - قبل الدرة والعرش والكرسي بمائتي ألف عام ، وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : ( خلق الله - عز وجل - نور محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يخلق السموات والأرض والعرش والكرسي والحجب والجنة والنار والدنيا والآخرة وآدم وسيشا ونوحا وإبراهيم وسليمان وموسى وعيسى بِستمائة ألف عام وأربعة وعشرين ألف عام ) ثم خلق الله بعده اثنا عشر حجاباً ، الأول : حجاب القدرة ، والثاني : حجاب العظمة ، والثالث : حجاب المنة ، والرابع : حجاب الرحمة ، والخامس : حجاب السعادة ... - وذَكر الاثنا عشر حجاب - ، ثم أقام في حجاب القدرة اثنا عشر ألف سنة وهو يقول : ( سبحان عالم السر وأخفى ) ، وحجاب المنة سبع آلاف سنة وهو يقول : ( سبحان الرفيع الأعلى ) ، وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول : ( سبحان الرؤوف الرحيم ) ... - حتى ذكر الاثنا عشر حجاب .(1/97)
ثُم رفع الله - عز وجل - نور نبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى بحر النظرة وبحر الرحمة وبحر القدرة وبحر الكرامة وبحر السخاوة وبحر الهداية وبحر الشفاعة وبحر الحكمة وبحر المعرفة . فلما خرج من بحر المعرفة ألهمه الله - عز وجل - أن يجري فجرى منه أربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق الله - عز وجل - من قطره نبيّاً ثم ألهمه الله - عز وجل - أن يطوف وهو يقول : ( سبحان العالم الذي لا يجهل ، سبحان الجواد الذي لا يبخل ) ثم خلق - عز وجل - من نور محمد - صلى الله عليه وسلم - جوهرة ، ثم أمر - عز وجل - تلك الجوهرة أن تنشق نصفين ، فنظر إلى الأول بعين الهيبة فصار ماء جاري ، وهو ماء
البحار فإنه لا ينام ولا يفتر من هيبة الله - عز وجل - وخشيته ، وأما النصف الثّاني فنظر إليه بعين الشفقة فخلق الله - عز وجل - منه أربعة أشياء : العرش ، والكرسي ، واللوح ، والقلم ، ولما خلق القلم نظر إليه بعين الهيبة فانشق إجلالاً لعظمته وهيبته ، ثم أمره أن يجري على اللوح ، فقال : ( أي ربي ما أكتب ) ؟ . فقال : ( اكتب لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي في ملكي وأن محمداً عبدي ورسولي ) فَخَرَّ القلم ساجداً لله - عز وجل - باكياً مائة عام ، ثم رفع رأسه وقال :.(1/98)
إلهي وسيّدي علمت أنك لا إله إلا أنت ، فمن محمد الذي قرنت اسمك باسمه ) ؟ قال - عز وجل - : ( يا قلم تأدّب فوعزتي وجلالي لولا محمد ما خلقت عرشاً ولا كرسياً ولا سماء ولا أرضاً ولا جنة ولا ناراً ولا ليلاً ولا نهاراً ، وما خلقت جميع هذه الأشياء إلا إكراماً للذي سميته محمداً - صلى الله عليه وسلم - ) فبقي القلم سكراناً من حلاوة اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ألهمه أن يقول : ( السلام عليك يا محمد ) فقال الله - عز وجل - : ( أيها القلم وعليكم السلام ) فلهذا صار السلام سنة ، والرد فريضة ، ثم أمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب سائر الأمم من أطاع الله فله الجنة ، ومن عصاه فله النار ، فأوحى الله إليه أن اكتب أمة مُذنبة وربٌّ غفور ا( .
رَ : ( الشعر الصوفي إلى مطلع القرن التاسع للهجرة ) لمحمد سعد حسين .
و ذكر محمود مهدي الاستانبولي مولد العروس وأنه نسب لابن الجوزي زورا وكذبا وهاك بعض ما جاء في رسالته ( كتب ليست من الإِسلام ) :
1- لما وُلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى جبريل بالبشارة ، واهتز عرش الرحمن طرباً ، وخرجت الحور العين من القصور ، وقيل لرضوان : زّيِّن الفردوس الأعلى ... وابعث إلى منزل آمنة أطيار جنات عدن ترمي من مناقيرها دُرّاً ، فلما وضعت محمداً - صلى الله عليه وسلم - رأت نوراً أضاءت منه قُصور بُصرى ا( . فيا له من كذب وافتراء ، نعم قد رأت نوراً أضاء منه قُصور الشام ولكن ذلك في المنام .
2- ونار فارس من نوره أُخمدت ، والأسرة بِملوكها تزلزلت ، والتيجان من رؤوس أربابها تساقطت ، وبحيرة طبرية عند ظهوره وقفت ، وكم من عين نبعت وفارت ، وانشق إيوان كسرى وشرفاته تساقطت ... ا( إلى غير ذلك من الارهاصات الكاذبة التي لم يصح منها شيء مطلقاً وسيأتي بإذن الله - عز وجل - ذكر بعضِ المراجع
3- وحديث انتقال نوره - صلى الله عليه وسلم - من نبي إلى نبي ا( وهذا لم يصح .(1/99)
4- وقالت آمنة : أنه - صلى الله عليه وسلم - وُلِدَ مكحولاً [ مختوناً ] مدهوناً مُطيّباً ، وأنّ جبريل حمله فطاف به برّاً وبحراً ا( وكله لا أصل له أمّا أنه - صلى الله عليه وسلم - وُلِدَ مختوناً فَضَعيف .
5- سمعت آمنة صوتاً في العلا يُناديها : يا آمنة لك البشرى ، فهذا أحد الحسنيين وأبو الزهراء ، وكان في بطنها سرا وجهراً ا( . وهذا كذب وافتراء تشمئز له النفوس .
6- سُبحان من خلق هذا النبي ... جعل من فرح بمولده حجاباً من النار وستراً ، من أنفق في مولده درهماً كان - صلى الله عليه وسلم - له شافعاً ومُشفعاً ا( أقول : هنيئاً للأَشقياء والمجرمين على ذمة مؤلف هذا المولد الكاذب ، فليس عليهم إلا أن يقيموا له - صلى الله عليه وسلم - مولداً فيكون لهم شافعاً ومُشفعاً [ وهذا أكذب الكذب في دين الله - عز وجل - ] .
7- تزلزل الجبل تحت قدميه صَحيح .
8- العنكبوت ونسج الحمامة عشها على الغار أحاديثه لم تصح .
9- لما أراد - عز وجل - خلق المخلوقات قبض تلك القبضة من نوره - عز وجل - وقال لها : كوني محمداً . فصارت عموداً ... ا( وهو هراء وكذب ، ومثله حديث ذكر أن محمداً خُلق من نور الله .
10- وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل الله - عز وجل - : إلا من كان اسمه محمداً فليقم يدخل الجنة إكراماً له - صلى الله عليه وسلم - ا( وهو كلام موضوع .
11- قوله ( وفي الحديث الصحيح ) ا( كذا كذب المؤلف على النبي - صلى الله عليه وسلم - كذباً مضاعفاً ، وكذلك قوله : ( إن البيت الذي فيه اسم محمد وأحمد فإن الملائكة تزوره في كل يوم وليلة سبعين مرة ) ا( ألا لعنة الله على الكاذبين الذين يُسيئون إلى الدين اعتماداً على هذه الأقوال التي لا أصل لها .
12- ثم إن الله - عز وجل - قسم نور محمد - صلى الله عليه وسلم - عشرة أقسام فالأول العرش ... ا( وهذا زور وبهتان وأكاذيب .(1/100)
13- ولما خلق الله القلم قال له : اكتب محمد رسول الله . قال القلم : وما محمد الذي قرنت اسمه باسمك ؟ فقال الله : تأدب يا قلم وعزتي وجلالي لولا محمد ما خلقت أحداً من خلقي ا( وهذا لا أصل له .
14- قال آدم : يا رب إني أسمع في جبهتي نشيشاً كنشيش الدر . فقال الله : ذلك تسبيح ولدك محمد ا( وهذا كذب .
15- ولما تزوج عبد الله آمنة مات من نُساء مكة مائة امرأة أسفاً وشوقاً إلى نور محمد - صلى الله عليه وسلم - ا( وهذا لا يصح أيضاً .
16- قول المؤلف الكاذب : أن الملائكة والحيو1نات والوحوش والجن والإنس ضجت لموت ولد محمد - صلى الله عليه وسلم - ا( وهذا لا أصل له .
17- مجيء الأنبياء وتبشيرهم لأمِّه بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ا( افتراءٌ .
18- قول آمنة عند الولادة بانشقاق الحائط وخروج حواء وآسيا ومريم ابنة عمران ثم الحور العين وظهور الأعلام ا( لا صحة له .
19- قول أمه آمنة : سمعت قائلا يقول : ( أعطوا محمداً صفوة آدم وشجاعة نوح ... ) لا صحة له .
20- قال آمنة : أخمدت ليلة مولده - صلى الله عليه وسلم - نار فارس وانشق إيوان كسرى ا( ضَعيف .
21- كشف عنه جده عبد المطلب فإذا هو يمص أصابعه فتشخب لبنا ا( وهو غير صحيح .
22- قالت حليمة : قال محمد : أرسليني مع إخوتي لأرعى الغنم ، فعمدت إلى خرزة جذع علقتها عليه من العين ا( . وهذا لا أصل له .
23- وقول الرعاة إن مشى محمد على يابس اخضَرَّ ، ولا يمر على شجر ولا حجر إلا سلم عليه ا( كله غير صَحيح إلا ما كان بعد النبوة فقد سلم عليه حجر مكة . [ من رسالة (الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر المفترى عليه ودحض تلك المفتريات) للشيخ أحمد بن حجر البوطامي (180-182) . اُنْظُرْ : (كتب حذر منها العلماء) لمشهور حسن سلمان 2/330(1/101)
مولد الحبشي : ( ) والحبشي هذا هو : عبد الله الحبشي الهرري ، له مولدان ، الأول يُسمى (الروائح الزكية في مولد خير البرية) [ اُنْظُرْ : نماذج منه (صَفْحَة : 360-364) من المجلد الأول من موسوعة أهل السنة لدمشقيّة ] والثّاني بِعنوان (المولد الشّريف) ذكر الشيخ سعد الشهراني في كتابه (فرقة الأحباش) 2/93-938 نماذج من القصص والأساطير المكذوبة ثم قال : ( هذا مثال على ما يقوله الأحباش في المولد وهناك الكثير [ اُنْظُرْ : صَفْحَة : 7-13، 18-20، 25-26) وفيها قصص وغرائب موضوعة مكذوبة ) ثم قال : ( بل يحفظون أجيالهم هذه القصص والأساطير بل إني رأيت في شريط فيديوحفل احتفال بالمولد فيه مسرحية قام بها طلاب مدارس الثّقافة التابعة للأحباش وكان الأطفال والشباب يروون هذه القصص بنصها في شريط فيديو بعنوان (احتفالات المولد النبوي) )
والمولد الأول المسمى الروائح الزكية في مولد خير البرية يقول فيه «لما حملت آمنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالاً للذي في بطنها ، وكانت إذا جاءت تستسقي من بئر يصعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالاً وإعظاماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
? قالت : وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي ثم أتاني ملك ومعه ورقة خضراء . فقال إنك قد حملت بسيد المرسلين .
? ولما مات عبدالله ضجت الملائكة إلى باريها وقالت : إلهنا يبقى نبيك وحبيبك يتيماً ؟ قال أسكتوا يا ملائكتي .
? قالت آمنة : لما كان أول شهر من شهوري ،إذ دخل عليّ رجل حسن الوجه طيب الرائحة : وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول مرحباً مرحباً بك يا محمد .
? فلما كان في الشهر الثاني دخل علي رجل جليل القدر ، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول السلام عليك يا رسول الله قلت له من أنت قال أنا شيث . أبشري يا آمنة . فقد حملت بالنبي الكريم والسيد العظيم(1/102)
? فلما كان في الشهر الثالث دخل علي رجل أسمر مليح المنظر وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول : السلام عليك يا مزمل . قلت له سيدي من أنت ؟ قال أنا النبي إدريس . فقلت : وما تريد يا إدريس قال أبشري يا آمنة ، فقد حملت بالنبي الرئيس .
? فلما كان الشهر الرابع دخل على رجل أسمر مليح المنظر وهو يشير إلى فؤادي ويقول : السلام عليك يا صادق . السلام عليك يا صفوة الكريم الخالق . فقلت له سيدي من أنت ؟ قال أنا نوح . فقلت وما تريد يانوح ؟ قال أبشري يا آمنة : فقد حملت بالنبي الممنوح الذي ذكاؤه في الآفاق يفوح .
? فلما كان الشهر الخامس دخل علي رجل حسنه مكمل ووجهه مجمل وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول السلام عليك يازين المرسلين ويا إمام المتقين . قلت له سيدي من أنت ؟ قال انا النبي هود . قلت وما تريد يا هود قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بالنبي الجليل والرسول المسعود .
? فلما كان في الشهر السادس دخل علي رجل جليل المقدار كثير الأنوار وهو يشير على فؤادي ويقول : السلام عليك يا بغية المطلوب . فقلت له سيدي من أنت . قال : أنا إبراهيم قلت ما تريد يا إبراهيم : قال : أبشري يا آمنة : فقد حملت بالنبي الجليل والرسول الفضيل ثم انصرف .
? فلما كان في الشهر السابع دخل علي رجل أملح ووجهه من البدر أصبح وهو يشير إلى فؤادي ويقول : السلام عليك ياصفوة الإله السلام عليك يا عظيم الجاه ، فقلت له سيدي من أنت ؟ قال :أنا أبوه إسماعيل الذبيح . فقلت له سيدي وما تريد ؟ قال أبشري ياآمنة فقد حملت بالنبي المليح . صاحب النسب الصحيح واللسان الفصيح ثم انصرف .(1/103)
? فلما كان في الشهر الثامن دخل على رجل طويل القامة مليح الهامة وهو يشير إلى فؤادي ويقول : السلام عليك يا إمام الأبرار والسلام عليك يا حبيب الملك الجبار . فقلت له سيدي من أنت قال : أنا موسى بن عمران . قلت وما تريد يا موسى ؟ قال أبشري يا آمنة فقد حملت بمن ينزل عليه القرآن ويكلمه الرحمن ثم انصرف.
? فلما كان في الشهر التاسع دخل علي رجل لابس الصوف وهو بالبادة موصوف . فأشار بيده إلى فؤادي ويقول : السلام عليك يازين الخلائق . فقلت له سيدي من أنت ؟ قال أبشري يا آمنة : فقد حملت بالنبي الأكرم وفي هذا الشهر تضعين محمد - صلى الله عليه وسلم - .
? قالت آمنة : وبقيت في المنزل وحيدة إذ سمعت حركة بين السماء والأرض ورأيت ملكاً عظيماً بيده ثلاثة أعلام فنشر الأول على مشرق الأرض والثاني على مغاربها والثالث على البيت الحرام فنظرت إلى ركن المنزل وقد ظهر منه أربع نساء طوال كأنهن الأقمار فقالت الأولى : أنا مريم بنت عمران . والتي على يسارك سارة والتي تناديك من خلفك هاجر أم إسماعيل الذبيح والتي أمامك آسيا امرأت فرعون . فتقدمت الأولى وقالت أبشري يا آمنة من مثلك وقد حملت بسيد أهل الأرض والسماء . ثم جلست بين يدي وقالت : ألق بنفسك علي وميلي بكليتك إلي .
? قالت آمنة : وفي تلك الساعة رأيت الشهب تتطاير يميناً وشمالاً ، ورأيت المنزل قد اعتكر علي بأصوات مشتبهات ، ولغات مختلفات ، فأوحى الله تعالى إلى رضوان : يا رضوان : زين الجنان واهتز العرش طرباً ، ومال الكرسي عجباً ، وتجلى الملك الديان من غير حركة ولا انتقال .
? ثم أن الله تعالى أوحى إلى جبريل أن صف أقداح راح الشراب وانشر نوافح المسك الذكية ، وعطر الكون بالروائح الطيبة الزكية وافرش سجادة القرب ، وقيل يا مالك أغلق أبواب النيران وصفد الشياطين .(1/104)
? قالت آمنة : ولم يأخذني ما يأخذ النساء من الطلق ، إلا أني أعرق عرقاً شديداً كالمسك الأذفر لم أعهده من قبل ذلك من نفسي فشكوت العطش . فإذا بملك ناولني شربة من الفضة البيضاء ، فيها شراب أحلى من العسل ، فشربتها ، فأضاء علي منها نور عظيم . فبينما أنا كذلك ، إذا أنا بطائر عظيم أبيض قد دخل علي وأمر بجانبة جناحيه على بطني ، وقال :انزل يا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأعنني عالم الغيب والشهادة على تسهيل الولادة فوضعت الحبيب محمداً فلما خرج من خرج معه نور أضاء له المشرق المغرب . ولد - صلى الله عليه وسلم - مكحولاً مدهوناً مسروراً مختوناً .
? وحين ولد سارعت إلى طلعته المباركة ثلاثة من الملائكة . مع أحدهم طست من الذهب ، ومع الثاني إبريق من الذهب ، ومع الثالث منديل من السندس الأخضر .
? قالت آمنة بنت وهب : فلما وضعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته رافعاً رأسه إلى السماء مشيراً بإصبعه فاحتمله جبريل وطارت به الملائكة ولفه ميكائيل في ثوب أبيض من الجنة . وأعطاه إلى رضوان (الملك) يزقه كما يزق الطير فرخه . فقال له رضوان : يكفيك ياحبيب الله فما بقي لنبي علم وحلم إلا أوتيته وإذا مناد ينادي طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها . وأعرضوه على موارد الأنبياء . وأعطوه صفوة آدم . فقالت الطير نحن نكلفه ، قالت الملائكة ونحن أحق به وقالت الوحوش : نحن نرضعه قال الله تعالى : أنا أولى بحبيبي ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - . فإني قد كتبت أن لا ترضعه إلا أمتي حليمة . فأدارته إلى ثديها الأيسر فامتنع إلهاماً من الله تعالى وتحريكاً كأنه قد علم أن له في ذلك شريك) . ونذكرمن النماذج التي يوردونها في موالدهم ( ) ما يلي :(1/105)
ما جاء عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال : «قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال يا جابر إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا أنسي فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الأول القلم ومن الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات ومن الثاني الأرضين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم هو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله » أورد هذا منه القسطلاني في الجزء الأول من [من المواهب اللدنية]( ) وزعم أن عبد الرزاق رواه كذا بسنده عن جابر وأشار إلى أن له بقية بقوله بعد إيراد منه الحديث»( ).(1/106)
? وأورده حسين محمد الديار بكري في الجزء الأول من تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس( )«عن جابر بن عبدالله الأنصاري بلفظ [سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول شيء خلقه الله هو نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم من جزء والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة ثم نظر الله سبحانه إليه فترشح النور عرقاً فقطرة منه مائة ألف وعشرون ألف وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبي أو رسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة فالعرش والكرسي من نوري و الكروبيون من نوري والروحانيون من الملائكة من نوري وملائكة السموات السبع من نوري والجنة وما فيها من نعيم من نوري والشمس والقمر والكواكب من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري وأرواح الأنبياء والرسل من نوري والشهداء والصالحون من نتائج نوري ثم خلق سبحانه اثنى عشر حجاباً فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب(1/107)
ركبه الله في الأرض وكان يضيء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم خلق الله آدم في الأرض وركب فيه النور في جبينه ثم نتقل منه إلى شيث ومنه إلى يافث وهكذا كان من طاهر إلى طيب إلى أن أوصله الله تعالى إلى صلب عبدالله بن عبدالمطلب ومنه إلى رحم آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين هكذا بدء خلق نبيك ياجابر]» ( )
? خبر «لما أراد الله أن يخلق محمداً - صلى الله عليه وسلم - أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورها فهبط جبريل في الملائكة الفردوس وملائكة الرفيق الأعلى فقبض قبضة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من موضع قبره الشريف وهي بيضاء وهي منيرة فعجنت بماء التسنيم في معين أنها الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي وفي السموات والأرض والجبال والبحار فعرفت الملائكة وجميع الخلق سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - وفضله قبل أن تعرف آدم » ذكره القسطلاني في المولد من «المواهب اللدنية» ( )وذكر هو والزرقاني شارح المواهب اللدنية أورده عبدالله بن أبي جمرة في بهجة النفوس وأبو الربيع بن سبع في شفاء الصدور وأبو سعد في شرف المصطفى وابن الجوزي في الوفاء.( ).(1/108)
? ومنها ما ذكره المسعودي عن علي بن أبي طالب أن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرء البرية وإبداع المبدعات نصب الخلق في صور كالهباء قبل دُُحِو الأرض ورفع السماء وهو في انفراد ملكوته وتوحيد جبروته فأتاح نوراً من نوره فلمع ونزع قبساً من ضيائه فسطع ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الله عز من قائل : أنت المختار المنتخب وعندك مستودع نوري وكنوزها ... وأن الله مرج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان فطفا عرشه على الماء ... ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح اخترعها ومرت بتوحيده نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض ، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه أسماء الأشياء( ).وذكر المسعودي أيضاً أن الله تعالى أوحى إلى آدم أن يخرج منك نوري الذي به السلوك في القنوات الطاهرة والأرومات الشريفة وأباهى به الأنوار وأجعله خاتم الأنبياء،وأجعل آله خيار الأئمة الخلفاء ( ) ولا يخفى على كل ذي لب أن هذه الروايات تفوح رائحتها بالإسرائيليات والمخالفات العقلية ، ومن يقرأ روايات المسعودي يجدها غير سليمة من أخطاء النقل عن القدامى وغير خالية من رائحة التشيع لآل البيت ، بل حاول المسعودي أن يبني هرماً من الروايات الملفقة التي تدعو إلى تقديس آل البيت وأوشكت الروايات أن تجعل محمد - صلى الله عليه وسلم - إلهاً أو نصف إله ، وهل يصح عقلاً أو شرعاً أن الله تعالى لولا محمد عليه السلام ما خلق آدم ولا خلق هذا الكون .. لماذا ؟ لا شك أن هذه النظرة سطحية بالنسبة لخلق الكون وسطحية بالنسبة لعظمة محمد عليه السلام لأن الله تعالى يقول{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ } فقد خلقه مثل بقية الأنبياء والمرسلين لم يجعل له الخلد في الأرض بل أماته وأقبره ( ).(1/109)
? ما ذكره ابن الجوزي في سلوة الأحزان وهو أن آدم - عليه السلام - لما رام القرب من حواء طلبت المهر منه – فقال يارب وماذا أعطيها . قال يا آدم صل على حبيبي محمد عشرين مرة ففعل ، أورده الملا علي القاري في المورد الروي( )وقال قبل ذلك «عن ابن عباس رضي الله عنهما كان – أي زمن سجود لآدم – يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر ثم خلق الله تعالى له حواء زوجته من ضلع من أضلاعه اليسرى وهو نائم وسميت حواء لأنها خلقت من حي فلما استيقظ ورآها سكن إليها ومد يده لها فقالت الملائكة مه يا آدم قال ولم وقد خلقها لي فقال حتى تؤدي مهرها قال وما مهرها قالوا تصلي على محمد ثلاث مرات » وجمع الملا علي القاري بين الروايتين بقوله «قلت ولعل الثلاث كان مهراً معجلاً والعشرين صداقاً مؤجلاً » .
وأورده المناوي في مولده ( )بلفظ (خلق الله حواء من ضلع من أضلاع آدم الشمالية أي خلقها الله تعالى منه وهو في سنة المنام فلما استيقظ منه ورآها جالسة على كرسي من المعادن الذهبية رام القرب منها فقالت الملائكة له مه يا آدم قال كيف وقد خلقها الله تعالى لي وذلك من الله بالهام فلما انقضت من آدم مقالته اللفظية قالت له الملائكة حتى تؤدي صداقها بالكمال والتمام فقال وما هو قالوا أن تصلي على محمد بن عبدالله ثلاث مرات وفي رواية عشرين مرة عددية ففعل فجرى وجوب الصداق في ذريته على ممر الدهور والأعوام ثم جمع الله رؤساء الملائكة وقال أشهدكم ياملائكتي أني زوجت عبدي آدم من أمتي حواء )( ).(1/110)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى ( )فيما ذكره القصاص « من أن الله قبض من نور وجهه قبضة ونظر إليها فعرقت وزلفت فخلق من كل قطرة نبياً وأن القبضة كانت هي النبي - صلى الله عليه وسلم - وانه بقى كوكباً درياً» قال فيه «هذا كذب – أي على النبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق أهل المعرفة بحديثه وكذلك مايشبه هذا مثل أحاديث يذكرها شيرويه الديلمي في كتابه الفردوس ويذكرها ابن حمويه في حقائقه مثل كتاب المحبوب ونحو ذلك مثل ما يذكرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كوكباً وأن العالم خلق منه وأنه كان موجوداً قبل أن يخلق أبوه وأنه كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل وأمثاله هذه الأمور فكل ذلك كذب مفترى باتفاق أهل العلم بسيرته.والأنبياء كلهم لم يخلقوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - بل خلق كل واحد من أبويه » كما أن فيها تكذيب للقرآن الكريم و السنة المطهرة و استهتار بالعقل السليم و هي - أي هذه النماذج و أمثالها - قد أضرت بالإسلام و المسلمين حتى جعلت هذا الدين الكريم في أعين أعدائه وأبنائه الجاهلين به .... ديناً محشواً بالخرافات و الخزعبلات و الأباطيل ، وموضع التندر والسخرية منه !!! ومجالاً واسعاً للمستشرقين الأخباث ... لأن يعرضوا الدين الإسلامي بهذا العرض القبيح معتمدين في نقولهم على مثل هذه الكتب الصوفية أمثال " الطبقات " للشعراني وكتاب " الإنسان الكامل " لعبد الكريم الجيلي و" فصوص الحكم " لابن عربي وما شاكلها من الكتب المحشوة بالكفر والزندقة والخرافات والخزعبلات على أنها بزعمهم كتب إسلامية معتمدة فلا حول و لا قوة إلا بالله ....0(1/111)
والأدهى والأمر أن ترى في كل بلد ولي يعمل له مولد كمولد البدوي والرفاعي في مصر ، والعيدروسي في عدن ، والزيلعي في اليمن ، وفي المغرب لإِدريس ، وفي الجزائر الشَّاذلي ، ولابن مشيش بليبيا ، ولابن عربي بالشَّام ، وللجيلاني بالعراق ، وهكذا بالهند والسند وأندونيسيا وتركيا وباكستان والأَفغان ... ، وربما كان في بلد واحد عدة موالد لِعدّة أولياء ، وهكذا دواليك .
ومما يتداول أيضاً قصيدة البوصيري والبرعي ودلائل الخيرات ، ( ولذا أوردت للقارئ نماذج من بعض المؤلفات في المولد النبوي - وسيأتي جملة منها منثورة في أثناء البحث والرد عليه غير ما تقدم آنف الذكر – تلك وهذه النماذج التي تري القارئ مبلغ عقول هؤلاء وعلمهم ، وإن أقوالهم كانت في غاية المبالغة في بعضها ونهاية في السخف والسماجة في البعض الآخر ، وأنها لا تليق ألفاظها الهزيلة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الواجب على كل من يكتب في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في علم من العلوم أن يتأكد من صحة ما يكتب ، وأن يترك المبالغات التي تسيء إلى المقول فيه أكثر مما تحسن إليه ؛ لأَن تلك الأقاويل ستنشر وتقرأ في المحافل والمساجد ويتأثر بها القارئ والسامع ، وبالفعل وقع ذلك ، فقد أخذت هذه المؤلفات تُقدّس وتقرأ في محافل المولد ، ويقرها العالم الحاضر في تلك المجالس ، ويتأثر بها القارئون والسامعون ، ويظنون أنها صَحيحة مسلمة لا شيء فيها ، ولا ريب أن أكثرها يُخالف القرآن والأحاديث الصحيحة ، وتناقض العقيدة السليمة ، ونُمَثِّل لِذلك بمِثالَين مع ما تقدم
1- أنه ورد في الحديث الصحيح : « أول ما خلق الله القلم ، فقال : اكتب . قال : وما أكتب ؟ . قال : أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة » . وهؤلاء يقولون أول ما خلق الله نور محمد ، وهو كذب لا يخفى .(1/112)
2- يقولون قال القلم : ( ومن محمد الذي قرنته باسمك ؟ ) في صيغة اعتراض على رب العالمين . وأي عاقل يصدق أن الله - عز وجل - يُحيي مريم أم عيسى وآسيا بنت مزاحم ويأمر الحور العين بحضور ولادة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأن جبريل طاف به مشارق الأرض ومغاربها ... إلخ مما جاء من تلك الهذيان البارد . فإن اعتذروا بأنهم محبين للرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن المحب عن العذال في صمم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بمقامه العظيم أهل لكل وصف جميل . أجبناهم : بأن حبه - صلى الله عليه وسلم - واجب على كل مسلم ، لكن في الحدود الشرعية ، وأن لا يناقض القرآن والسنة والعقيدة ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اطرائه أي المبالغة في وصفه ، كإعطائه مرتبة لم يُعطها ربنا تبارك وتعالى كما زعمت النصارى في عيسى بن مريم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم » أي لا تُنَزِّلوني فوق مَنْزِلتي ثُم قال - صلى الله عليه وسلم - : « إنما أنا عبدٌ ، فقولوا : عبد الله ورسوله » ( (1) .
( قَضية خطيرة :
وقبل الدخول في المحاورة والمناقشة في المولد النبوي ؛ يجدر بنا أن نقول : ” من المعلوم أنّ البدعة لا تقف عند حد معيّن بل تزيد وتتوسّع وذلك أن الاحتفال بالمولد النّبوي أَصبح أصلاً في ابتداع موالد أُخرى للأَولياء والصّالحين والآباء والأبناءِ .
وذلك اتباعاً لأول من أحدث المولد النبوي ، وهم الفاطميون ، حتى أحدثوا معه موالد أُخرى لآلِ البيتِ كفاطمة وعلي والحسن والحسين - رضي الله عنهم - ، بل وللحاكم الحاضر أيضاً “ (2) .
__________
(1) (محمد بن عبد الوهاب المفترى عليه) لابن حجر البوطامي (ص186-187) .
(2) اُنْظُرْ : (الأعياد وأثرها على المسلمين) لسليمان السحيمي (صَفْحَة : 342-343) .(1/113)
ومن اطلع على حال العالم الإسلامي اليوم أدرك ذلك بِحيث لا يكاد يمر أسبوع واحد دون اجتماع بعض النَّاس حول ولي من الأولياء فيهرع البعض منهم من الأقاليم النائية لحضور مولد ذلك الولي ، وغالباً ما يكون هذا الاحتفال عند قبره ، بل توسّعوا في ذلك حتى امتدت إلى الاحتفال بمولد كل عظيم في نظر العامة وإن كان من الملحدين بحجة أنّه ولي من الأولياء ، ولا يقتصر هذا الفعل على بلد دون بلد ، بل كل بلد من البلدان ، أو إقليم من الأقاليم له أولياؤه الذين يحتفل بهم
” ولم يكتفوا بهذا الحد ، بل سرى إلى الاحتفال بمولد الآباء والأبناء والأحفاد وأفراد الأسرة ؛ فأصبح أرباب هذه الموالد كل يوم في عيد ، فضلا عن المواسم المبتدعة الأخرى (1) .
وعلى هذا فبدعة الاحتفال بالمولد النّبوي هي بداية سلسلة متصلة لموالد أُخرى
الولي وصاحب الطريقة ، وانتهاء بالاحتفال بمولد الولد والحفيد “ (2) ابتداء من
محاورة
__________
(1) فعيد لمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآخر لميلاد الرئيس وثالث للوطن ورابعٌ للاستقلال وخامس للمرأة وسادس للأم وسابع للطفل وثامن للشجرة ، وتاسع للعمال وعاشر للنصر ... إلى آخر ذلك مما لا يحصى من الأعياد التي أولها قطر وآخرها طوفان . ويُضاف إلى ذلك ما تستنْزِفه هذه الأعياد من الأموال والجهود والطّاقات والأوقات التي تضيع هدراً على المسلمين في سبيل الشّيطان ، وتشغلهم عن ذكر الله ، وكثير من الفروض والواجبات ، كما أنَّها مفتاح اللهو والعبث والمجون والانحلال في حياة الفرد والمجتمع .
(2) اُنْظُرْ : (الأعياد وأثرها على المسلمين) لسليمان السحيمي (صَفْحَة : 342-343) .(1/114)
أخي في الله : إذا تقَرَّرَ ما سبق في المقدمة وسلمت لهذا المفهوم الاعتقادي تسليماً صادقاً أمكنك أن تعرض كل قول أو عمل تعبدي على هذا الميزان ، هل هو مشروع أم مُحْدَث ؟ هل هو سنة أم بدعة ؟ ولنأخذ مثالاً على ذلك الاحتفال بذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - إمامنا وقدوتنا وحبيبنا وقائدنا إلى صراط الله - عز وجل - المستقيم .
وسنناقش هذه القضية بعدل وإنصاف وتجرد عن كل هوى ومقررات بشرية سابقة ، ونَزِنُها بميزان الشرع ، ونعرضها على كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - القائل : « إن أحسن الحديث كتاب الله - عز وجل - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - » (1) كما أسلفنا في المقدمة .
والشرعُ ميزان الأُمور كلها وشاهد لفرعها وأصلها
والله - عز وجل - المسئول أن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتِّباعه ، وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه (2) .
( أولاً : ما الفرق بين المولد والبعثة والهجرة والفتح فَلم يخصص المولد دون غيره مما هو أفضل من المولد وهي البعثة ؟ { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (3) ولم تتعرّض الآية لِولادته - صلى الله عليه وسلم - .
ومع هذا كله ما ثبت عن أحد من الصحابة أنهم احتفلوا بيوم رسالته ولا بيوم معراجه ولا هجرته - صلى الله عليه وسلم - ولا الفتح الأعظم الذي هو أفضل من مولده ، والله - عز وجل - امتن على هذه الأمة ببعثة رسولها - صلى الله عليه وسلم - ، يقول - عز وجل - ممتنّاً على المؤمنين : { لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } (4) .
وفي الحديثِ : « إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً » (5)
__________
(1) [ أخرجه البخاري (6098،7277) ] .
(2) هل نحتفل ؟ (ص7-9) .
(3) سورة الأنبياء ( 107 ) .
(4) سورة آل عمران ( 164 ) .
(5) [ أخْرَجَهُ : مُسلم (رَقم : 2599) ] .(1/115)
وفي حديثٍ آخر : « وإنَّما بَعَثَنِي رَحْمَةً للعالَمينَ » (1) .
( ولقائل أن يقول : إن كنتم تقولون بالاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - فأنا أبتدع الاحتفال بالبعثة أو يوم البعثة ، اليوم الذي جاء فيه جبريل - عليه السلام - في غار حراء حين كان يتعبد الليالي ، جاءه بالنبوة وقال له : اقرأ . فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أنا بِقارئٍ ) فغطّه (أي ضَمَّه إلى صدره) فعل ذلك ثلاث مرات ثم أطلقه فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق ( خلق الإِنسان من علق } فقرأ - صلى الله عليه وسلم - . ومن هذه الآية الشريفة ابتدأت النبوة التي بها أُزهق كل باطل ، وطهرت جزيرة العرب من الشرك والكفر ، كما طهرت كثيراً من الأمم التي دخلت في الإِسلام من الوثنية والإِلحاد وتركوا عبادة الأصنام والأحجار والنيران والكواكب الملائكة والأنبياء ، ووحدوا الله - عز وجل - وتشرفوا بدين الإسلام ، وأزال الله ظلم الأكاسرة والقياصرة والأقباط ، وانتشر العدل وأزال العنصرية المفرقة بين الشعوب قال - عز وجل - : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فليلة البعث أحق بالاحتفال .
وإذا قال آخر : أنا أحتفل بيوم الهجرة ؛ لأَنها فرقت بين الحق والباطل ، واعتز المسلمون وصارت لهم دولة ، فيستحق الاحتفال وإظهار التعظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وإذا قال آخر : أنا أحتفل بليلة الإسراء والمعراج التي صَعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها إلى السماءِ وخاطب الله والأنبياء والملائكة .
وإذا قال آخر : أنا أحتفل بيوم بدر ؛ لأنه يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ، في يوم نصر الله المسلمين على المشركين .
__________
(1) [ أخْرَجَهُ : أبو داود (رَقم : 4659) ] بسندٍ حسن من حديثِ سَلمان الفارسي - رضي الله عنه - .
[ وأخرجه الترمذي (رَقم : 262) من حديثِ أبي موسى الأَشعري - رضي الله عنه - ] .(1/116)
وإذا قال آخر : أنا أحتفل بيوم فتح مكة ، يوم دخل الناس في دين الله أفواجاً ، ونكست الأصنام واعتز دين الله .
وإذا قال آخر : وأنا أحتفل بيوم وفاته يوم انتقل إلى الرفيق الأعلى .
فماذا يكون جوابنا وجواب من يُحسن بدعة الموالد ؟ فإن أجاز لهم فقد غدا الدين احتفالات وأعياد ، وإن منع فليس عنده حجة يستطيع أن يمنع هؤلاء ، فلذا كان أهل البدع والضَّلالات يحتفلون بموالد أئمتهم ويوم وفاتهم ويوم زواجهم وحروبهم ، وهكذا جعلوا أوقاتهم أعياداً ومآتم . ومما لا يختلف فيه اثنان أن هذه الأمور بدع ما أنزل الله بها من سُلطان ، وينبغي للمسلم أن لا يلتفت إلى هذه البدع ولا يمارسها ولا يحضرها ، بل يُحذر المسلمين منها ( (1) .
( ثانياً : هل احتفل بالمولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل فعله أحب الناس إليه زوجاته وبناته وأصحابه رضي الله عنهم ؟ هل فعله أهل القرون الأولى المفضلة ؟ .
فإن كان الجواب نعم .... فأثبت دليلاً على ذلك ؟
ولو كان الاحتفال بالمولد الشريف مشروعاً أو مقبولاً لكان بإمكانه - صلى الله عليه وسلم - أن يشير إلى ذلك ويشرّعه وأن يقول به كما قال : « صلوا علي » (2) .
__________
(1) (محمد بن عبد الوهاب المفترى عليه) لابن حجر بن طامي (193-194) .
(2) أخرجه النسائي 1/190 وذكره الألباني في فضل الصلاة على النبي ( 69 ) .(1/117)
ولكن لم يحصل شيء من ذلك والرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة والأسوة لم ينقل عنه في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا موضوع (1) أنه احتفل بمولد أحد سابقيه من الأنبياء ولا بأبيه آدم - عليه السلام - ولا بمن مات مسلماً قبله مثل عمه حمزة وزوجته خديجة - رضي الله عنهم - .
هل نجرأُ على الإثم الكبير ، فنقول إنه غاب عن باله وهو الذي ما ضل وما غوى ولا شك أنه بلَّغَ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلوات الله وسلامه عليه .
وحين توفي - صلى الله عليه وسلم - كان بين أحب الناس إليه (2) وخير الأجيال وهو أحب الناس إليهم وهم يحبونه أكثر ممن سواهم ومع ذلك لم يقيموا أربعينية ولم يحتفلوا بذكرى ولادته - صلى الله عليه وسلم - لتخليد ذكراه مع أنه لم يغب عن بال أحدهم أو بعضهم أو بالهم جميعاً التفكير في ذلك عند موته - صلى الله عليه وسلم - أو بعد مرور أيام أو عام على موته وكل ما فعلوه هو الصدق والإخلاص في أتباعه واقتفاء أثره وأحبهم إليه أكثرهم اتباعاً له (3) .
__________
(1) فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما احتفل ؛ إذاً نحن لا نحتفل . فإن قالوا : ما احتفل - صلى الله عليه وسلم - لشخصِه . نقول : ما احتفل أَصحابه أيضاً بشخصه من بعده . فأين تَذهبون ؟ كل الطرق مسدودة أمام هذه الحجة البينة الواضحة التي لا تُفسح مجالا مُطلقاً للقولِ بِحُسن هذه البدعة .
(2) فمن الذي أحدث هذا الاحتفال من بعد هؤلاءِ الرجال الذين هم أفضل الرجال ولا أفضل منهم أبداً ولن تلد النساء أمثالهم إطلاقاً ؟! من هؤلاء الذين يستطيعون بعد مضي هذه السنين الطويلة ثلاثمائة سنة يحتفلون بمولده - صلى الله عليه وسلم - ؟! .
(3) (العقلية الإسلامية وفكرة المولد) 3/44-45 .(1/118)
فسبحان الله كيف يغفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - والتابعون - رضي الله عنهم - عن هذه العبادة ويجهلونها وتأتي أنت بشرعيتها ولو كان خيراً لسبقونا إليه .
وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
أخي الحبيب : هلم وتعال وأقبل لنقرأ كتاب الله كله ولنقرأ صحيح البخاري وصحيح مسلم كله ولنقرأ كتب السنة كلها ، أنجد فيها الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - ؟ لا نجد ، وإذا كنا لا نجد هذا صرنا مقلدين لأولئك الباطنيين - الذين تقدم ذكرهم- (1) ورب العزة والجلال يقول : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون } (2) (3) إذا كان لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وانتفاء المانع فكيف نفعله ؟ ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثر تعظيماً له منا وهم على الخير أحرص وبالشرع أعرف ولنصوصه ومقاصده أفهم وعلى العمل به وأداء حقوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرع وخير الهدي هديهم .
( وإليك هذه المناظرة التي تُخرِص أهل البدع :
قال ابنُ قُدامة المقدسي في ( لُمْعَةِ الإعتقادِ ) : قال محمد بن عبد الرحمن الأَدرمي لِرجلٍ تَكَلَّم بِبدعةٍ ودعا النَّاسَ إليها : هل عَلِمها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، أو لم يَعلموها ؟ .
قال : لم يَعلَموها ؟ .
قال : فَشَيءٌ لم يعلمه هؤلاء أَعَلِمْتَهُ أَنتَ ؟! .
قال الرَّجل : فإِنِّي أقولُ قد عَلِموها .
قال : أَفَوَسِعَهُم أنْ لا يتكلَّموا به ولا يدعوا النَّاسَ إليهِ أم لم يَسَعَهُم ؟ .
قال : بَلَى وَسِعَهم .
__________
(1) انظر (صَفْحَة : 85) من هذا البحث .
(2) سُورة الأعراف : 3 .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم (ص295) .(1/119)
قال : فَشَيءٌ وَسِعَ رسول الله وخلفاءه ، لا يَسَعَك أنت ؟! . فانقطع الرَّجل .
فقال الخليفة - وكان حاضِراً - : لا وسَّعَ الله على من لم يسعه ما وسعهم .
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتَّابعين والأَئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصِّفات وقراءة أخبارها وإمرارها كما جاءت فلا وسَّع الله عليه ا( .
قال الشيخ محمد العُثَيمين رَحِمَهُ اللهُ : ( والمهمُّ أن نعرف مراحل هذه المناظرة لِنَكْتَسِبَ منها طريقاً لِكَيْفِيَّةِ المناظرةِ بينَ الخصومِ ، وقد بَنى الأَدرمي مناظرته هذه على مراحل لِيَعبُرَ من كُلِّ مرحلة إِلَى التي تليها حتى يُفحم خَصمَهُ .
المرحلة الأُولَى : العلم : فقد سأله الأَدرمي هل علم هذه البدعة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه ؟ .
قال البدعي : لم يعلموها . وهذا النَّفي يَتَضَمَّن انتِقاص النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه حيث كانوا جاهلين بما هو من أهم أمور الدين ، ومع ذلك فهو حجة على البدعي إذا كانوا لا يعلمونه ، ولذلك انتقل به الأَدرمي إلى :
المرحلة الثَّانية : إذا كانوا لا يعلمونها ، فكيف تَعْلمها أنت ؟ . هل يُمكن أن يحجب الله عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين علم شيء من الشَّريعة ويَفتَحه لك ؟ .
فتراجع البدعي وقال : قد عَلِموها ، فانتقل به إِلَى :
المرحلة الثَّالثة : إذا كانوا قد عَلِموها ، فهل وسعهم - أي أمكنهم - أن لا يتكلموا بذلك ولا يدعوا النَّاس إليه ، أم لم يسعهم ؟ . فأجاب البدعي بأنهم وسعهم السكوت وعدم الكلام . فقال الأدرمي : فَشَيءٌ وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه لا يسعك أنت فانقطع الرجل وامتنع عن الجواب ؛ لأَنَّ البابَ انسَدَّ أمامهُ .
فَصَوَّب الخليفة رأيَ الأَدرَمِيّ ودعا بالضِّيق على من لم يسعه ما وسع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه .(1/120)
وهكذا كل صاحب باطل من بدعة أو غيرها فلا بُدَّ أنْ يكونَ مآله الانقطاع عن الجواب ا( (1) .
أَعود فأقول لمن قال إنَّ المولد من الدين : نحن لو قُلنا بهذا لَرمينا أَصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقُصورِ والتَّقصيرِ :
بالقصور : عن إدراكِ معاني الدين ، وعن سبيل تكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - وتمجيد رسالته .
وبالتَّقصيرِ : في حقِّ هذا الدين وهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أو بمعنى أصرح : نتهمهم بأنهم كانوا قاصِري الفكر والدين ، ونقول : إننا أحكم وأزكى عقيدة ، وأبعد نظراً في الدين ، وأسلم بصيرة في التّديّن ، وأشد حُبّاً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر وعمر وعُثمان وعلي وجميع الصّحابة - رضي الله عنهم - ... وما يقول بكل ذلك إلا مَن اختلَّ عقله وفَسد قلبه . أفندرك نحنُ اليوم ما يجبُ وما ينبغي له - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أولئك الأَمجاد الأَحبة ، الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله - عز وجل - وقاتَلوا وقُتِلُوا ابتِغاء رِضوان الله - عز وجل - ؟! .
أين نحن من القَومِ الأعزّة المؤمنينَ الموحدين ؟! .
أتَقول : أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - قَصَّر في حقِّ صاحبه فلم يصنع له مولداً ولا احتفل بِذكرى مولده ؟! .
أتقول : أنّ عمر قصّر فلم يجيءَ بمنشد يقرأ له قصّة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويتغزّل في ( بطنِ ووجنات وحواجب وخدود وعيون ) محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟! .
أتقول : قصّر عثمان ذو النّورينِ وعليّ الرَّضيّ ؛ فلم يَصنعا عرائس مولد أو (أحصنة) ، ولم يُقيما احتفالاً حكومياً بمولد محمد - صلى الله عليه وسلم - ! .
( ملاحظة مهمة جداً :
__________
(1) (لُمعةُ الاإعتقاد) للإِمام ابن قدامة مَعَ شَرحِ الشَّيخِ محمد بن صالح العُثيمين (45-47) .(1/121)
لا نزاع في أن الاحتفال بالمولد النبوي هو من البدع الحادثة بين المسلمين حتى باعتراف الذين يفعلونه ولكنهم قالوا : إن خلا عمل المولد من المفاسد فهو بدعة حسنة - وذلك لما فيه من إطعام الطّعام وقراءة شيءٍ من السيرة النبوية ، وإظهارُ السرور بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالحافظ ابن حجر حيث ذكر أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السَّلف الصَّالح .
ويقول السيوطي في الحاوي للفتاوي : فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع ؟ وهل هو محمود أو مذموم ؟ وهل يُثاب فاعله أو لا ؟ .
والجواب عندي : أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماطاً يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة ... إلى أن قال : وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك ... ا( .
وهذا جواب السيوطي أنه من البدع الحسنة ، ومن قبله ابن حجر ، وتلميذ ابن حجر السخاوي . حيث قال السخاوي في فتاويه : ( عملُ المولد لم يُنقل عن أحد من السَّلف في القرون الثّلاثة الفاضلة ، وإنما حدث بعد ) .
وكذلك الشيخُ مُلا علي القاري الحنفي في (المورد الروي) (صَفْحَة : 24) وتعقَّب فيه قَول السخاوي في (التبر المسبوك) (صَفْحَة : 14) : ( وإذا كان أهل الصّليب اتّخذوا ليلة مولد نبيّهم عيداً أكبر ؛ فأهل الإِسلام أولى بالتكريم وأجدر ) هـ
فقال القاري : ( قُلت : مما يرد عليه أنّا مأمورون بِمخالفة أهل الكتابِ ) (1) .
أقول : وكلام السّخاوي الأوَّل حجة عليه (2) .
__________
(1) (صَفْحَة : 29) .
(2) ذكره الإِمام محمد الصّالحي الشّامي وهو تِلميذُ السيوطي في (سُبل الهُدى والرَّشاد في سِيرةِ خَيرِ العِباد) 1/439 .(1/122)
ونَسألُ هؤلاءِ العلماء الأعلام : كيف فاتت هذه الحسنة سَلفنا الذين كانوا أسبق إلى الخيرِ وأكثر توفيقاً إليه منا ؟! .
وأقول : على الرّأسِ والعين كتاب الله - عز وجل - وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما أخطاء الرجال ؛ فمرفوضة ولو كان أَصحابها معذورين مأجورين رحم الله الجميع .
ونقول كيف تكون بدعة وحسنة ؛ لأَن المحسن لها إما الشّارع فلا تكون بدعة ، وإما العقل فليس مذهب أهل السنة والجماعة ، لأَن الحسن والقبح يرجعان للشرعِ فما حسَّنه الشارع فهو حسن وما قبحه فهو قبيح ، وقد غلط كثير من العلماء في هذا المبحث وقد تقدم بحمد الله في ( الرد على محسني البدع ) .
وقد اعترف ابن حجر والسيوطي أنه بدعة ومحدث لم ينقل عن السلف ، هذا وحده كاف في ذم الاحتفال بالمولد (1) .
وقد تقدمت مقولة الإمام مالك رحمه الله : ( من ابتدع في الإِسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة ؛ لأَن الله - عز وجل - يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم } فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ) .
والذي عليه المحققون من سلف هذه الأمة : أنه بدعة وكل بدعة ضلالة وإن كان هذا الاحتفال مجرداً من المنكرات والمعاصي محافظاً على مظهره الإسلامي العام . واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام وإظهار للفرح - كما يقولون - : فهو بدعة محدثة . وأيضاً فهو وسيلة إلى أن يتطور ويحصل في الاحتفالات الأُخرى من المنكرات ، بل قد حَصَل- وحدث ولا حرج - وسيأتي بعض منها بإذن الله - عز وجل - .
ولا أدل على عدم احتفال السلف الصالح بالمولد النبوي من اختلافهم في تعيين تاريخ ليلة ولادته - صلى الله عليه وسلم - فلو كان يشرع فيها شيء من العبادات يخصها لعينها الصحابة واهتموا بها ولكانت معلومة مشهورة .
__________
(1) وسيأتي بقية الردّ على هذا الرأي بمشيئة الله - عز وجل - (صَفْحَة : 238-240) .(1/123)
ولقد وصل الخلاف في تعيين تلك الليلة بين المؤرخين إلى سبعة أقوال أشهرها أنها ليلة ثنتي عشرة ثم ليلة ثمان من شهر ربيع الأول (1) ، بعد أن اتفقوا على أن الولادة كانت يوم الاثنين ، للحديث الصحيح الذي ورد في هذا الشأن ، أخرج مسلم (2) بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - : ( أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن صوم يوم الاثنين فقال : « فيه ولدت وفيه أنزل عليَّ » واتفق الجمهور منهم على أن ذلك في شهر ربيع الأول (3) - وقد تقدم بحمد الله - عز وجل - .
( سؤالٌ نوجهه لأَهلِ المولد نريد إجابتهم عليه (
ما حكم المولد عند الأَئمة الأَربعة - رضي الله عنهم - ؟
فيا أتباع المذاهب الأربعة أسندوا قولاً لأئمتكم بإباحته أو مؤلفاً لهم فيه ؟
ماذا قال الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد { قل هل عند كم من علم فتخرجوه لنا } (4) ، لماذا لم يؤلفوا رحمهم الله في السنة المزعومة عندكم وهي بدعة المولد النبوي ؟ ذلك لأنها حدثت بعدهم بعد مُضِيِّ أكثر من قرن (5) .
__________
(1) وقد انتهى الكوثري إلى الاعترافِ بأنّ الملك المظفّر صاحب اربل كان يراعي الخلاف حول المولد النبوي بين العلماءِ ، فكان يحتفل بالمولد النبوي في الثّامن في عام وفي الليلة الثّانية عشر في عام آخر وهذه مهزلة . { مقالات الكوثري (صَفْحَة : 476-479) } . كما ذكر ذلك أيضاً ابن خلكان في تاريخه { وَفيات الأعيان 1/437 } واُنْظُرْ : (موسوعة أهل السنة) لعبد الرحمن دمشقيّة 1/347 .
(2) 2/820 .
(3) التبرك أنواعه أحكامه (صَفْحَة : 363) .
(4) سورة الأنعام آية : 148 .
(5) ولا يستطيع أحدهم أن يقول إنها حصلت في عهد الأئمة الأربعة ، فينسب إلى أحد ألأئمة ، كما نسبوا للإمام الشافعي رحمه الله أنه يقول بمشروعية التلفظ بالنيَّة زوراً وبهتاناً ، وهو بريء من هذه البدعة - أي بدعة التلفظ بالنية - ولم يقل بهذه البدعة إلا متأخرو الشافعية .
• فائدةٌ : انظر كتاب (براءة الأَئمة الأَربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة) لعبد العزيز الحميدي .(1/124)
وليس الحنابلة هم الذين يعارضون الاحتفال بالمولد فقط كما تزعمون ، بل كل المذاهب في أتباعهم معارضون ، وأكثر المعترضين على المولد من الحنابلة والحنابلة هم ممن يرى وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هي ركن في التشهد الأخير ، وهذا دليل قاطع على أن الاعتراض على فكرة المولد لا تَمُتّ بصلة إلى مقدار محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( وقْفَةٌ (
سبحان الله ! سبحان الله ، هذه الموالد وما شاكلها لم يأذن الله بها ولا ورد فيها ما يُشير إلى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بها أو أشارَ إليها في قولٍ أو فِعْلٍ ، وكذلك لم يَعرفها أحد من الصَّحابة على طبقاتهم المختلفة ، ولم يشهدها أحدٌ من التَّابعين على درجاتهم ، ولم يُنَوِّه بها أحدٌ من الأَئمة المجتهدين الذين ضَبَطُوا أُصول الشَّريعة ، وحرَّروا فروعها ، وبيَّنوا مدلُولاتها .
وفي هذا دِلالةٌ واضحةٌ على أنَّ الموالد - بِجميعِ أنواعها واختلاف أشكالها واختلافِ مقاصد فاعليها - لا شكَّ ولا ريب أنها بدعة محرمة محدثة ، ولو خلت الموالد من الآثام التي تشيع فيها لوجب تَعطيلها بسبب مظاهر التدين الفاسد فيها .
والعجب أن تأتي شرذمة من النَّاس فتحتفل كل عام بمولده - صلى الله عليه وسلم - ثم بمولد السيدة زينب ، ثم بمولد الرفاعي ... وهكذا ، يأتي المولد وراء الآخر وتظل طوال العام احتفالات لا تزيدهم إلا ضلالاً وفساداً ، حتى تنقضي الأَعوام وتنتهي الأَعمار ويخرجوا من هذه الدَّار وقد أغضبوا المولى الغفَّار والواحد القَهَّار والعظيم الجبَّار .
( ونحن لا نلوم العامة الذين يفعلون مثل هذه الأمور وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً بقدر ما نوجه اللوم بوجه خاص إلى بعض المنتسبين إلى العلم ، أولئك الذين يعرفون طريق الحكم ، ولكنهم يحيدون عنها ولا يذكرون أن الاتباع أولى من الابتداع ، ويتجاهلون هذا الحق الذي لا يجادَل فيه .(1/125)
فكيف يجهل هؤلاء أن حقيقة الاحتفالات بذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - تتركز في اتباع ما جاء به وإحياء سنته وإن هذه الذكرى الطيبة ليست مؤقتة بزمن وليست محددة بشهر ربيع الأول ولا غيره بل ينبغي أن نحييها ونحتفي بها في كل لحظة من لحظات حياتنا وفي كل بقعة حللنا بها وذلك باتباع سنته والسير على نهجها وما أظن أن مسلماً يجهل أن فكرة الاحتفال بالمولد أو غير ذلك من الموالد فكرة مبتدعة جاءتنا متأخرة وفيها تشبه باليهود والنصارى الذين لا يعرفون من الدين إلا الاحتفالات على رأس السنة بعيد ميلاد المسيح - عليه السلام - أو غيره الذي هو دس عليهم وليس من دينهم ، ونحن قد قلدناهم في هذا العمل كما قلدناهم في أمور كثيرة وهذا بلا شك مصداق لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه » قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى . قال - صلى الله عليه وسلم - : « فمن » (1) ( (2) .
( ثالثاً : هل هو عبادة ؟ .
فإن قلت : لا . نقول لك : فلست بصادق فيما تقول ، لأنك تزعم أن إقامتك له إنَّما هي محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تريد الأجر عليها من الله - عز وجل - ، ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم العبادات .
وإن قلت : نعم . فإني أقول لك : هل هذه العبادة عَلِمَها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أم جَهِلَها ؟ .
فإن قلت : جهلها ، أقول لك : بئس العلم الذي وصل إلينا ولم يصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهل بعد هذا الاتهام إيمان وإسلام ؟! وهو أننا نعرف عبادة وأمراً من الدين لا يعرفه من أتى به من الله - عز وجل - .
__________
(1) [ أخْرَجَهُ : مسلم (219/16) ] .
(2) من كتاب ( مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية ) لإدريس محمود إدريس (3/1134) .(1/126)
وإن قلت : علمها ، نقول لك : فلماذا لم يبلغها لنا ، فهذه دواوين الإسلام ومسانيد السنة بين أيدينا والله لا تجد فيها حديثاً واحداً - صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً - أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمولد أو إقامته ، أو أقرَّ من أقامه . وهذا إتهام آخر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علم هذه العبادة وكتمها - وحاشاه - صلى الله عليه وسلم - فلم يبلغها لنا .
فهذه يا أخي لوازم لا مفر منها لكل من أحدث عبادة ليست من دين الله الذي أكمله لنا .
يقول الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه : ( كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً ) (1) .
وإنا نقول لمن يحتفل بالموالد ما قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( و الله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - علماً ) (2) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله : ( ولا يغترن أحد بكونها شائعة يفعلها العوام وشبههم ؛ فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بما نهى عنه وحذر منه ) ثم قال رحمه الله ( عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً ) (3) .
__________
(1) اُنْظُرْ : فتح البارى 13/250 والبدع لابن وضاح (10) واللالكائي 1/9 وعبد الله بن أحمد في السنة 1/139 .
(2) الدارمي 1/68-69 ابن وضاح في البدع (9) وابن الجوزي في تلبيس ابليس (16-17) والمنتقى النفيس من تلبيس ابليس (38و39) الأمر بالاتباع للسيوطي تحقيق مشهور (83و84) وأحكام المباني في نقض وصول التهاني (55-58) .
(3) المساجلة العلمية ص 47 .(1/127)
فلا يقولن قائل : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله تواضعاً منه ، فإن هذا طعن فيه - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه طعن لصحابته - رضي الله عنهم - 0 الذين زكَّاهم الله ربهم - عز وجل - بأنهم قصَّروا في الاحتفال به أو لم يفطنوا إلى هذا العمل المبارك ! ، أنعم بهم من رجال وأكرم بهم من أتباع رضي الله عنهم ورضوا عنه .
فلو كان الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - من الأُمور المحبوبة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكانت مشروعة ، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة ؛ لأَن الله - عز وجل - تكفَّل بحفظ الشريعة ، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون - رضي الله عنهم - ، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذلك عُلِمَ أنه ليسَ من دين الله - عز وجل - .
نَسألُ أهلِ المولد ونقول لهم : أَتعتقدون أنَّ الاحتفال بالمولد يُقرّب من الله ؟ .
فإذا كان الجواب : نعم . فما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ما من شيء يُقرّبكم من الله إلاَّ وقد أمرتكم به » فلو كان الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - يقربكم إلى الله لأَمركم به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
( رابعاً : قد يقول من يُقيم هذا الاحتفال المزعوم متسائلاً : ما هو النص الصريح في تحريم الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
نقول : الأصل في العبادات المنع والحظر إلا ما ثبت بدليل شرعي فحينئذ نطالب المبتدع بدليل أو أدلة مؤكدة تثبت المشروعية سواء بالوجوب أو الندب أو على الأقل الإباحة ولن يجد .(1/128)
( وإذا أدرنا عليه الأَحكام الخمسة قُلنا : إما أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً ، وليسَ هو بواجب إجماعاً ، ولا مندوباً ؛ لأَن حقيقة المندوب ما طلبه الشارع من غير ذمٍ على تركه ، وهذا وهذا لم يأذن فيه الشارع ، ولا فعله الصحابة والتابعون - رضي الله عنهم - ، ولا جائزاً ولا مباحاً ؛ لأَن الابتداع ليسَ مباحاً بإجماعِ المسلمين ، فلم يبقَ إلا أن يكونَ مكروهاً أو حراماً ، وما يحصل فيه من تخصيص يوم بعينه أو إطراء أو قيام أو صِيام أو ألفاظ أو بدع تخرجه عن كونه مكروهاً إلى التحريم ، وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن سُئلت عنه ) (1) .
( خامِساً : هل كان اسم - المولد - معروفاً مشهوراً بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم - تقام له المناسبات والاحتفالات وتصنع له المطاعم والمشارب ؟ .
لا شك ولا ريب أن من استقرأ السيرة لا يرى اسم المولد على هيئة مخصوصة في وقت مخصوص يفعل فيه ما يفعل ويقال فيه ما يقال مما ينافي ليس كمال التوحيد فحسب بل أصله .
( سادساً : هل من يحتفل بهذا المولد يحدد وقتاً و زمناً من كل سنة في 12 ربيع الأول ؟ .
نعم هذا ما تيقنا منه وقطعنا به ؛ يفعلونه كل وقت وآكد الأوقات لفعله هو 12 ربيع الأول ، وقد يتوسع بعضهم في ذلك الاحتفال حتى أنه يقام من بداية شهر ربيع الأول ويستمر إلى اليوم الثاني عشر أو إلى نهاية الشهر ، أو ليقام في كل يوم الاثنين أو يوم الجمعة من كل أسبوع فلا يترك بأي حال من الأحوال الاحتفال به فيه ، وقد يتكرر فعله في المناسبات ، كما تقدَّم ، وذلك أعظم إذ شبهوه بالعبادات المشروعة .
فهم يُفضّلون شهر ربيع الأَوَّل على جميع الشهور ، حتَّى شهر رمضان .
يقول بعضهم :
__________
(1) (المورد في عمل المولد) للفاكهاني (20) وتقدم بحمد الله - عز وجل - بيانه في : (الرد على محسني البدع) (صَفْحَة : 45) .(1/129)
لهذا الشهر في الإِسلام فضل ومنقبات تفوق على الشهورِ
فمولود بـه واسم ومعنى وآيات بَهرن لدى الظهور
ربيع في ربيع في ربيع ونورٌ فوق نور فوق نور (1)
أما أهل السنة فعندهم أن شهر ربيع الأول لم يرد في فضله شيء ولا يختص بصلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا نفقة ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجُمع والأَعياد التي رسمها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . " لم يُؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول عبادة مخصوصة بِهذا الشهر ، فلم يخصّه الشَّرع بأي نوع من العبادات على سائر الشهور كما اختص المحرم مثلاً بيوم عاشوراء ، وكما اختص رمضان بأن كان شهر صوم فرض على المسلمين "
فاتخاذه موسماً للاحتفال بذكر مولده بدعة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل ، وإنما أحدثه الأَكَّالون البطَّالون من أصحاب البدع ، وتبع فيه الآخر الأَول ، إلا من عصمه الله - عز وجل - ووفَّقَهُ لفهم ما ورد به الكتاب والسنة { وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } (2) { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } (3) .
وقد طال الكلام على ذلك من أهل العلم طولا لا طائل تحته ، والحق أنه من البدع المنكرة التي لا يدل عليها دليل الشرع ، ولكنه رأي لمن رأى ذلك ، من غير حجة نيّرة ولا بُرهان واضح ينبغي التعويل عليه والسكون إليه كما أوضحنا ذلك في كتابنا ( دليل الطالب على أرجح المطالب ) وغيرنا في ذلك ، ولم يرد في فضل هذا الشهر حديث فيما أعلم والله أعلم (4) .
اللهم اجعلنا متبعين لا مبتدعين ، وتوفنا على الإِسلام والسُّنّة يا أرحم الراحمين .
__________
(1) (المورد الرَّوي في مولد النَّبوي - صلى الله عليه وسلم - ) علي القاري الهروي ، بتحقيق مبروك إسماعيل .
(2) صّ : 24 .
(3) سبأ : 13 .
(4) (الموعظة الحسنة بما يُخطب في شهور السنة) لِصديق حسن خان (صَفْحَة :180-181) .(1/130)
فصل (1)
فيما يحصل في الموالد من المنكرات (2)
__________
(1) وكُلّ هذه المنكرات تُمارَس وتُفعَلُ باسم مَولد وحُب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته النبوية ونشر الخير . وأقول لمن يُطلق هذه المسميات على ما سيُذكَر من الشرور والمنكرات :
إذا لم يكن للمرءِ عَينٌ صَحيحَةٌ فلا غرو أَنْ يَرتابَ والصُّبح مسفر
(2) ولمعرفة بعض هذه المفاسد والمنكرات : يُنظر : [1] السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر لمحمد فهمي (131) [2] تاريخ الجبرتي (1/304) [3] المنهل الصافي (1/556-557) [4] تاريخ ابن الفرات (9/27-42-43) [5] السلوك للمقريزي [6] إنباء الغمر لابن حجر (1/350-357) [7] التبر المسبوك (177) [8] نزهة النفوس والأَبدان لابن الصيرفي (1/169-180) [9] السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة لأحمد صبحي (323-337) [10] هذه دعوتنا لعبد اللطيف مشتهري (220-224) [11] هذه هي الصوفية لعبد الر حمن الوكيل (160) [12] القول الفصل (172-202) [13] حوار مع المالكي للشيخ ابن منيع [14] الرد القوي للتويجري [15] مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود [16] المدائح النبوية بين المعتدلين والغلاة لمحمد حسين (154-166) لِترى ما في الموالد من أباطيل وسَخافات [17] ما قرأت وما سَتَقرأ في هذه الرسالة [18] ومجلة الأُسرة العدد (81) ذو الحجة 1420( فقد ذَكَرت شيئاً من الرزايا والبلايا مما يحصل في بعض المجتمعات المعاصرة . تَقول المجلَّة : ( الموالد لها حكايات وقصص تبكي كثيراً على ما يُقترَف فيه من آثام ... وتضحك قليلاً مما ممارسات تخرج عن جادة الصّواب ... ) إنه منكرٌ عظيمٌ وشَرٌّ مُستطير فهل من مفيق ؟ ! .(1/131)
( لقد اتخذ أصحاب الطرق الصوفية من المولد سِتاراً لترويج باطلهم ونشر بدعتهم عند الجهلة من عوام الناس ، فهم باسم محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقيمون مثل هذه الاحتفالات ، وبذكر شيءٍ من سيرته يفتتحونها ، ولكن سرعان ما يظهر الباطل وتنجلي الغشاوة فيرى صاحب البصيرة ألواناً وأشكالاً من الغلو والبدع المنكرة تظهر من خلال ما يتلفظ به من أقوال وما ينشد فيه من أشعار وما يقام فيه من حركات وأفعال ، مبدية بذلك الوجه الحقيقي والهدف الرئيسي من إقامة مثل هذه الموالد . ومن عجيب حال هؤلاء أنهم سموا كل اجتماعاتهم التي تقام فيها هذه الأباطيل مولداً مع أن التسمية لا تساعدهم على هذا الإطلاق ، وما ذاك إلا أنهم عرفوا أن رواج باطلهم لا يتحقق إلا تحت هذا الستار ليروج أمرهم على خفافيش الأبصار أتباع كل ناعق ( (1) .
قبل أن نذكر ما يحصل في الموالد من الغلو والمنكرات يحسن أن نذكر صُور الاحتفال بِالمولد :
< جرت عادة كثير من المسلمين بعد القرون المفضلة أن تحتفل بِشهر ربيع الأول في اليوم الثَّاني عشر منه من كل عام بذكر ميلاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد اختلفت أساليبهم في الاحتفال بهذه الذكرى باختلاف البيئات والبلدان والغِنى والفَقر ، كل بحسب حاله ، لهذه تنوعت صور الاحتفال ولم تكن على نمط واحد .
فمنهم من يعدون في هذه المناسبة طعاماً خاصّاً تجتمع الأسرة من حوله في هذه الليلة أعني الليلة الثّاني عشر من ربيع الأول فرحة مسرورة حول مائدة واحدة .
ومنهم من يحتفل بأصناف من الحلوى ذات أشكال وصُور مخصوصة يصنعها الباعة لِتلك المناسبة وتُعرف بِحلوى المولد ، والتي تعرض في الأسواقِ في ذلك الوقت .
ومنهم من يجتمع حول المنشدين ليسمعهم قصّة المولد الشّريف ، وهذه هي الصّفة السّائدة في المجتمع الإسلامي اليوم .
__________
(1) حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته (2/773) للدكتور محمد التميمي .(1/132)
وصِفة الاحتفال بذلك : أن يكون عبارة عن اجتماع في أحد المساجد أو الميادين المعدة لذلك أو أحد بيوت الأغنياء ، ويكون الاستعداد من بداية شهر ربيع الأول إلى اليوم الثّاني عشر منه في كل عام . فيجتمع من أراد الحضور إلى هذا المكان ، فيبدأ بقراءة آيات من القرآن التي جاء فيه ذكره - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يتناولون قراءة جانب من سيرته - صلى الله عليه وسلم - وما لاقاهُ في بداية حياته - صلى الله عليه وسلم - ، وبيان نسبة الشريف في خلال ما هو مدون في قصة المولد المعروف (1) والمشتملة على بعضِ الشّمائل الطاهرة الخلقية منها والخَلقية حتى إذا جاء ذكر مولده - صلى الله عليه وسلم - قام الجميع إجلالاً وتعظيماً وترحيباً بِقدومه - صلى الله عليه وسلم - . وفي ذلك يقول البرزنجي : ( هذا وقد استحسن القيام عند ذكر مولده الشريف - صلى الله عليه وسلم - أئمة وذو رواية وروية فطوبى لمن كان تعظيمه غاية مرامه ومرماه ) .
بل قد أوجب بعضهم القيام ، وفي ذلك يقول المناوي في (مولده) : ( ويجب معشر الحاضرين والسّامعين القيام عند ذكر مولده الشّريف تعظيماً لِقدومِ ذاته البهيّة ، فيا سعادة من وقف تعظيماً له على الأقدام ) (2) .
مرددين أبيات الترحيب لقدومه - صلى الله عليه وسلم - كقول القائل (3) :
أَشرقت أنوار محمد ... واختفت منها البدور
أو (4) :
صَلاة ربي ذي الجلال ... على نور الهدى باهي الجمال
أو (5) :
__________
(1) مثل : (مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ) لجعفر البرزنجي . ومولد النبي المسمى (الأسرار الربانية) لمحمد عثمان الميرغني . ومولد المناوي لعبد الله محمد المناوي . و(الأنوار القدسية في مولد المصطفى خير البرية) للطريقة السائدة الشّاذلية ... وغيرها كثير ... .
(2) مولد المناوي (صَفْحَة : 26) .
(3) الأنوار القدسية في مولد خير البرية (8) .
(4) مولد المناوي (26) .
(5) مولد البرزنجي نظم (119) .(1/133)
مرحباً مرحبا يا مرحبا ... مرحبا جد الحسين مرحبا
يا نبي سلام عليك ... يا رسول سلام عليك
ثم بعد ذلك يُواصلون قراءة قصة حياته - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى شكل مقاطع يتخللها قولهم :
مولاي صل وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلقِ كلهم
ويندب لقراءة هذه القصة شاب حسن الصوت ، فيترنم بالمدائحِ والأشعارِ المشتملة على الغلو والإطراء كقصيدة البردة أو غيرها من القصائد المشتمل بعضها على الشرك والعياذ بالله .
ثم يتناولون الطعام لهذه لمناسبة ، وهم يعتقدون أنهم قد تقربوا لله بأعظم قربة ، ويتضح ذلك في دعاء ختم المولد والذي يرددونه في نهاية هذه المناسبة راجين من الله قَبول ذلك العمل ، فمن هذا الدعاء قولهم :
( اللهم إنا قد حضرنا قراءة ما تيسَّر من مولد نبيّك الكريم فأفِض اللهم علينا خلع القبول والتكريم ، واسكنا بجواره في جنات النعيم ) (1) .
وجاء في دعاء ختم مولد ابن الديبع : ( واغفر اللهم بجاهه لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمعلّمينا وذي الحقوقِ علينا ، ولمن أجرى هذا الخير في هذه الساعة ... ) (2) .
بل قد نص الميرغني على قبول الدعاء فقال : ( وأنه يُستجاب الدعاء عند ذكر الولادة وعند الفراغ منه فَنسأل الله الغُفران ) (3) .
وبهذا الدعاء يختم الاحتفال بالمولد النبوي ويقوم بعض الأغنياء بتوزيع بعض الأموال على الفقراء الذين حضروا تلك المناسبة راجياً من الله مُضاعفة الأجر ، ولا سيما أنها أتت عقب عمل صالح في زعمهم ، ثم بعد ذلك يَنْفَضّ هذا الاجتماع .
__________
(1) الأنوار القدسية في مولد خير البرية (23) ومولد المناوي (62-63) .
(2) مولد الديبع (17) .
(3) الأسرار الربانية للميرغني (7) .(1/134)
فهذه الصورة هي أمثل الصّور للاحتفال بالمولد ، وهي التي في زعمهم لم يكن فيها اختلاط ولا غناء ولا ضرب دف . والذين يفعلون مثل ذلك الاحتفال يزعمون أنهم مُلتزمون ومحافظون على المشروعِ من الاحتفال وذلك لمنعهم إدخال الباطل والمنكر فيه ، متناسين أبيات الشرك والغلو التي يرددونها كل حين ، وحقاً فالهوى يُعمي ويُصم والله المُستعان .
ولا يقتصر الاحتفال بالمولد على إقامة حفلة الثاني عشر من ربيع الأول فحسب ، بل هناك صورا أخرى ، كعقد الندوات والمحاضرات التي تنشر في وسائل الإعلام المختلفة المسموعة منها والمرئية ، فتفتح تلك الندوات والمحاضرات بِتلاوة القرآن ، ويحرصون أن تتحدث هذه الآيات عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يتناولون المحاضرون سيرته ، ويكون ذلك العمل ابتداء من ربيع الأول من كل عام .
ومن العجيب والغريب أنّ المغنين والمغنيات وأرباب الفجور يُحيون تلك الليلة بالغناء والسهر والطرب مختلطين رجالا ونِساءً ، مترنمين بابتهالات وأغان وأدعية شركية يواكبها ضرب دف وصوت مزمار وقرع أعواد . كل ذلك زاعمين محبته - صلى الله عليه وسلم - ، وينطبق عليهم قوله - عز وجل - : {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} (1) .
ومن استمع إلى إذاعات بعض الدول الإسلامية في ذلك الوقت أدرك حقيقة ما أَشرت إليه .
ومن صور الاحتفال بالمولد : اعتبار أيام الاحتفال بالمولد عيداً رسمياً تُعطّل فيه المصالح الحكومية عند بعض البلاد الإسلامية ، كما تحتفل بعض الدول به رسمياً وتُقيم لِذلك موكباً خاصاً يتقدمه مسئول من الدولة حتى يصلوا إلى المكان المعد للاحتفال ، وعادة ما يكون في أحد المساجد المشهورة ، أو الميادين المعدة لذلك ، فتلقى الكلمات والقصائد والابتهالات التي يزعمون أنها دينية بهذه المناسبة ، كما يحضرها أرباب الطرق الصوفية .
__________
(1) سُورَةُ الأعراف : 51 .(1/135)
ثم تمتد سمائط الأكل والحلوى فيتناول الحاضرون ما لذ وطاب ، ثم ينصرفون بعد ذلك .
وهذا الفعل هو نظير ما كان يفعله الفاطميون في موالدهم ، وكذلك الاحتفالات التي وقعت بعد ذلك فقد جرت على هذا المنوال من المبالغة والإسراف وصرف الأموال في غير طاعة الله - عز وجل - ، فضلاً عما يحدث في هذه الاحتفالات من المنكرات التي يندى لها الجبين ، مما وصل أربابه ودعاته من البعد عن شرع الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - > (1) .
( أَهَميَّةُ السِّيرَة النَّبَوِيَّة مَعَ تنبيه مُهمّ (
أقولُ : لقد كان الصّحابة - رضي الله عنهم - يتدارسون سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَغازيه ويُعَلِّمُونها أَطفالهم كما يُعلِّمونَهم القُرآن ، كل ذلك لأَجلِ التّأسي به - صلى الله عليه وسلم - باتباعِ أوامره واجتنابِ نواهيه . وليعلم القارئ أنّ قصة المولد باب من أبوابِ سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه ينبغي للمسلم أن يقرأ سيرة هذا النبي الكريم ، وأن يقف على تلك الأَخلاقِ التي منحه الله إِيَّاها حتى قال - عز وجل - : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ } .
( كما ينبغي للمسلم أن يَقف على صِفاته الكريمه ومعجزاته العظيمة وسيرته العطرة وغزواته المظفرة وما إلى ذلك مما ذكر في السيرة ؛ ليزداد إيمانا .
وقد ألَّف العلماء قديماً وحديثاً في سيرته - صلى الله عليه وسلم - كُتباً تفوق العد والإِحصاء (2) .
__________
(1) الأعياد (صَفْحَة : 290-296) .
(2) وإذا أراد أن يفهم الناس سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه ومعجزاته الباهرة فذلك حسنٌ بل أمر مندوبٌ إليه مُرغّبٌ فيه ؛ لأَنَّ أُصول العقيدة أمورٌ ثلاثة :
( الأَمرُ الأَوَّلُ : مَعرِفةُ الله - عز وجل - .
( الأَمرُ الثَّاني : مَعرفةُ رَسوله - صلى الله عليه وسلم - .
( الأَمرُ الثَّالث : مَعرفةُ دينُ الإِسلامِ .
[ ويدل عل عِظَم هذه الأُمور أنَّ الميت عندما يوضعُ في قبره ويأتيانه المَلكان يَسألانه : ( من ربُّك ؟ وما دينك ؟ ومن رسولك ؟ ) فافهم هذا وتدبره ] .
فمعرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بِنسبه وولادته وشمائله ومعجزاته وكونه مرسلاً إلى جميعِ العالمين وخاتم المرسلين يلزم كل أحد أن يعرف ذلك ، وعلى العلماء أن يَفهموا العوام ، ليكونوا عارفين عن نبيهم ولو شيئاً قليلاً ، وأما التبحر والتوسع فللعلماءِ . رَ : (محمد بن عبد الوهاب) لابن حجر البوطامي (194) بتصرف يسير [ زيادة ] .(1/136)
ولكن ها هنا أمران :
( الأمر الأول : أنه ينبغي أن يعرف المسلم الصحيح من الضعيف من الموضوع مما سُطِّر في كتب السِّيَر ، والغَثّ من السمين ، وأما قراءة ما هب ودبّ وما كان صحيحاً وضَعيفاً وموضوعاً فهذا خطأٌ ، بل ينبغي قراءة الصّحيح فقط وهنا يتميز العالم من الجاهل والمحب للرسول - صلى الله عليه وسلم - من مدعي ذلك . وذلك لأَن كتب السيرة وإن كان فيها الكثير من الصَّحيح ، إلا أنها مشحونة بالضّعيف والموضوع ، فينبغي للقارئ أن يعتني بالصحيح والحسن ، ولا يعتمد على مجرد ما يراه منسوباً إلى عالم جليل ؛ لأَن كثيراً من العلماء يوردون في مؤلفاتهم الصحيح والضعيف والموضوع (1) إِما لأَنَّه غير محقق ، أو لأَنَّه يريد أن يورد كل ما في البابِ اتكالاً على فهم القارئ وتمييزه ، أو ناقِلاً عن غيره جاعلاً العهدة على المنقول عنه .
__________
(1) [ قد يقول قائلٌ لماذا يذكرون الأَحاديث الضَّعيفة الموضوعة في كتبهم ؟ . نقول الجواب من وجوه :
1- أنَّ العالم منهم يذكر الأَحاديثَ بأسانيده فعلى القارئ أن يكون مميزاً للأَسانيد ، ومشهورٌ عندهم : ( أن من أسند فقد أحال ) .
2- أنَّ العلماء يذكرون الضَّعيف لأَنهم يريدون البحث عن مُتابعات لها وشواهد .
3- أنهم يذكرون الضَّعيف لأَنهم يذكرون في البابِ كل ما يَصِحُّ أن يكون فيه .
4- أنهم يذكرونها لأَنَّ هذه الأَحاديث بحاجة لبحث أو أنَّ ضَعفها يسيِر ينجبر .
وفي كل ذلك يَعتمدون على فهم القارئ وتمييزه لِمصطلحاتهم ، والله أعلم .
اُنْظُرْ للاستفادة : (رِوايَةُ الأَئمةِ عنِ الضّعفاءِ : أحكامها وأسبابُها) لِعلي حُسين الصَّالح في (مجلة الحكمة) 25/389-443 فِهي مُفيدةٌ ] .(1/137)
( الأمر الثاني : أنه لا ينبغي الاقتصار على قراءة شيء من السيرة كقصة المولد في ليلة معينة في شهر معين كما يفعله فِئامٌ منَ الناس من عصور إلى اليوم في ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول كما تقدم ، بل تقرأ سيرته الطاهرة في أي وقت أراده القارئ .
فالمانعون من الاحتفال بالمولد لا يُنكرون قراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما فيها قصة المولد ، وكيف وقد ألف بعضهم في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ينكرون الاقتصار على ما ذكرت ، والاعتقاد بأن الاحتفال في ليلة الثامن أو الثاني عشر من شهر ربيع الأول خاصة مندوب أو بدعة حسنة يُثابُ فاعلها ، وينكرون المولد لما مر بيانه ، ولما يجري فيه من منكرات واختلاط ودق الطبول واستعمال آلات الملاهي في بعض الأقطار ، وكذلك ألعاب القِمار والميسر ونحوه .
والجدير بالذكر مما ينبغي أن يفهمه المسلم أن كثيراً من الكتب التي أُلفت خُصوصاً في المولد النبوي مُلئت بالأكاذيب والموضوعات التي تخالف العقل وتُسيء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولاً وإلى الإسلام ثانياً (1) ، ويقرأه الناس عالمهم وجاهلهم ، ولم يحصل إنكار من العلماء إلا في قليل على ما جاء في تلك الكتب من الأقاويل الواهية والمدائح الغير صحيحة المزرية .
ومن المسلم به عند العلماء أنه لا حجة في فعل أحد ولا كلامه - سواء كان عالماً أم غير عالم - وإنما الحجة في كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه .
وما كل قول بالقبول مقابل ... ولا كل قول واجب الرد والطرد
سوى ما أتى عن ربنا ورسوله ... فذلك قول جل يا ذا عن الرد
__________
(1) وتقدّم بحمدِ الله - عز وجل - طرفٌ منها ، ويأتي طرفٌ آخر .(1/138)
وأما أقاويل الرجال فإنها ... تدور على قدر الأدلة في النقد (1)
وإن مما لا يخطر على بال بشر أو يدور بخلده أن نقول بتحريم قصة يقصها علينا رجل من الناس يخبرنا بها أن في يوم كذا وكذا من سنة كذا وكذا تزوج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب فوضعت له ولداً اسمه محمد بن عبد الله عرف بعد ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاتم النبيين وأرسله الله - عز وجل - بالبينات والهدى ودين الحق وأرسله الله إلى الثقلين وجعله رحمة للعالمين ... فنصره الله على العرب والعجم و .. و .. الخ ، لا .
فالتحريم لهذه الموالد التي يفعلها الناس اليوم إنما هو لكونها بدعة كما سبق بيانه فضلاً عما يحدثوه فيها من الشرك بالله - عز وجل - والغلو والتوسل غير المشروع مما سيأتي تفصيله .. .
من المُنكَراتُ التي تَحصُلُ في المَوالِدِ
وأما ما يحدث في الموالد من منكرات ( فإن كثيراً من العلماء ذكروا مفاسد عظيمة ومنكرات فظيعة (2) يصعب حصرها لتفاوتها من بلد إلى آخر تحدث في مثل هذه الموالد ، بل اعترف بذلك كل من شارك فيها وحضرها ، ثم وفَّقَهُ الله - عز وجل - للبعد عنها وتركها من المعاصرين ) (3) نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر :
__________
(1) رَ : (الشيخ محمد بن عبد الوهاب والقرن الثاني عشر المفترى عليه) للشيخ أحمد بن حجر البوطامي (صَفْحَة : 162-164) مع بعض التصرف اليسير للمناسبة .
أقولُ أيضاً : ...
(2) وانظر : القول الفصل (صَفْحَة : 172-202) بل تقدم كثير منها من نماذج وغيرها في هذه الرسالة .
(3) هل نحتفل ؟ (صَفْحَة : 18) .(1/139)
( من أعظم المنكرات وأشنعها والتي تقع في الاحتفالِ بالمولد النبوي : الشّرك بالله - عز وجل - ، والذي هو أعظم ذنب عُصِيَ به الله - عز وجل - ، فقد جاء في الحديثِ : ( أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ . قَالَ : « أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ » قُلْتُ : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ) (1) .
وهو المنافي لكلمة التوحيد ، وموجب لسخط الله - عز وجل - وعذابه ، وعدم قبولِ أي عمل منه ، والمخلّد صاحبه في النَّارِ إلا من تابَ . وسيأتي بإذنِ الله - عز وجل - ذكر شيء مما يحصل في الموالد من نماذج نَثرية وشِعريّة تُحيَى به هذه الموالد ، ولا يخلو مولد منها ، حتى أصبحَ ذلك الفعل كأنّه من السّننِ المأثورةِ التي يجب العمل بها وتلاوتها في تلك الليلة والتي يزعمون أنها توافق مولده - صلى الله عليه وسلم - من شرك واعتقادات وخرافات وأباطيل وأكاذيب .
( اتخاذهم يوم المولد عيداً ثالثاً ، يقول قائلهم :
المسلمون ثلاثة أعيادهم الفطر والأضحى وعيد المولد
فإذا انتهت أعيادهم فسرورهم لا ينتهي أبداً بحب محمد
بل بلغ ببعضهم أن قال :
ميلاد طه أكرم الأَعياد ونذير كل الخير والإسعاد
ونرد على هذا الغلو بقولنا :
ثلاثة تشقى بهن الدار المولد والمأتم ثم الزار
ونحن نقول بأن المسلمين ليس لهم إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى في السنة لما روى أنس رضي الله عنه : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين فقال عليه الصلاة والسلام : « كان لكم يومان تلعبون فيهما قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى » ) (2) . فلم يبدلهما الله لنا بعيد المولد ! .
ونرد أيضاً على شاعرهم بقول شاعرنا :
__________
(1) [ أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقم : 4477) واللفظُ لَهُ ومُسلم (رَقم : 86) ] .
(2) رواه أبو داود (1134) والنسائي (1555) وأحمد (3/103،178) البغوي (4/1098) .(1/140)
عيدان عند أولي النهى لا ثالث لهما لمن يبغى السلامة في غد
الفطر والأضحى وكل زيادة فيها خروج عن سبيل محمد
نعم فقد أجمع المسلمون على أنه لم يشرع لهم إلا ثلاثة أعياد :
عيدان في السنة هما الفطر والأضحى وعيد في الأسبوع وهو يوم الجمعة وما سوى ذلك فهو من الأمور المحدثة التي لم يأذن الله بها .
فلم يبح لنا الاحتفال بليلة النصف من شعبان أو ليلة عاشوراء أو ليلة القدر أو ليلة الإسراء و المعراج أو بالأعياد التي تقيمها أي بلد تعظيماً لمناسبة قومية خاصة أو بالأعياد التي يقيمها الأفراد كعيد الميلاد (1) فكل هذه الأعياد بدع محدثة وأعمال لا أصل لها في دين الله وشرعه ولم يحتفل بها أحد من أسلافنا الذين أمرنا باتباعهم .
__________
(1) ومن العجيب أن تتخذ هذه البدعة سنة عند أشباه المسلمين حتى إنهم ينتظرون اليوم الذي يولد فيه أي رجل أو امرأة من كل عام ويقام له ( عيد ميلاد ) وتضيع فيه من الأموال ما الله به عليم . وهذا لا أصل له في دين الله ولا أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نفعله للمولود أن يعق عنه يوم سابعه ويذبح عنه فان كان ذكراً ذُبِحَ عنه شاتان وإن كانت بنت يذبح عنها شاة واحدة وذلك لحديث سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « كل مولود مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى » وفي لفظ : « كل غلام مرتهن بعقيقته » [ أخرجه أبو داود (2837) (2838) والترمذي (1522) والنسائي (4220) وابن ماجه (3165) وابن الجارود (910) رَ : التمهيد (4/307) ] . اُنْظُرْ : ( مقدمة الحويني على مولد ابن حجر الهيثمي {صَفْحَة : 9-10} ) .(1/141)
ومن الأعياد المحدثة عيد مولد عيسى نبي الله ، وعيد رأس السنة المعروف بـ (الكرسمس) ، وعيد النيروز ، وعيد الغدير ، وعيد مولد بعض آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : علي وفاطمة والحسن والحسين وزينب - رضي الله عنه - والجيلاني والدسوقي والشعراني والبدوي والعيدروس والرفاعي وموالد أخرى كثيرة لا حصر لها .
وإني والله لأعجب و مالي لا أعجب و العجب لا ينقضي (1) مما يضحك ويبكي معاً أنهم جعلوا لكل قبرٍ مولداً فترى مولد السيدة زينب ومولد الحسين ومولد فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومولد البدوي و ... و ... وغيرها مما تقدم .
__________
(1) ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء حيث يقول : ( لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب ) .(1/142)
وقد استغل ذلك المشعوذون والدجالون والخرافيون القبوريون فاختلقوا قبور هؤلاء الصالحين في تلك المواضع وكل ذلك كذب وافتراء وزعم باطل ليزداد إقبال الجاهلين عليها ومن أعظم الأدلة على ذلك وجود هذه القبور المنسوبة للأولياء في بلاد عدة كما يزعمون .. ، كما قالوا في رأس الحسين إنه في مصر وفي الشام وفي العراق ... ولكن أهل السنة والجماعة والعقلاء من بني آدم عندهم أنه لا يوجد للحسين إلا رأس واحد (1) .
__________
(1) أما غير أهل السنة والجماعة فعندهم لا مانع أن يكون للحسين رأسان فأكثر ؛ وزينب - رضي الله عنها - قالوا قبرها في مصر وفي الشام وفي العراق . كما أن هناك قبوراً في دمشق وغيرها منسوبة إلى شخصيات لم يروا دمشق في حياتهم مثل الصحابي الجليل أُبَيٌ بن كعب الذي يعزا إليه قبر في شرقي دمشق ؛ وقد قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في الفتاوى 4/516 ما ملخصه : ( أن أبياً لم يقدم دمشق باتفاق العلماء !! وكذلك ما يذكر في دمشق من قبور أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما توفين في المدينة .... وسبب اضطراب أهل العلم بأمر القبور أن ضبط ذلك ليس من الدين ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى أن تتخذ القبور مساجد ، فلما لم تكن معرفة ذلك من الدين لم يجب ضبطه ) .
رَ : (تقاليد يجب أن تزول منكرات المآتم والأفراح) تحقيق محمد مهدي استانبولي (ص57) ؛ وانظر لِزاماً ما كتبه سعد صادق محمد في كتابه (صراع بين الحق والباطل) (صَفْحَة : 128-131) .(1/143)
ويقيمون تلك الأضرحة ، ويبنون عليها القباب والزخارف والنقوش ، ويطلونها ، ويتخذونَ (1) عليها المساجد والسرج .
بل ويزورون تلك القبور لاستِنْزال البركات (2)
__________
(1) وتحق عليهم حينئذ لعنة الله كما حقت على اليهود والنصارى ، ففي حديث عَائِشَةَ ر - رضي الله عنه - عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : ( فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : « لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا » قَالَتْ : وَلَوْلا ذَلِكَ لأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ) لفظ البخاري (1330) وفي رواية : ( يُحَذِّرُ مما صَنَعوا ) [ رواه البخاري (4441،5816) مسلم (529،530) ] .
ولله در ابن القيم - رحمه الله تعالى - حيث يقول في إغاثة اللهفان 1/212 : ( إن في اتخاذ القبور أعياداً من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله - عز وجل - ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار لله تعالى وغَيرةٌ على التوحيد وتهجين وتقبيح للشرك ) هـ .
(2) ( يقول يوسف هاشم الرفاعي : وقصد الأماكن والمعالم المباركة التي يرجى فيها استجابة الدعاء والتوسل كالمساجد والأضرحة شرع منصوص (الرد المحكم المنيع صَفْحَة : 75) استغفر الله استغفر الله .
وأقول إن الروافض والمتصوفة قد وقع كثير منهم في البدع والشرك بسبب غلوهم في التبرك بآثار الصالحين وأمكنتهم وقبورهم والأزمنة المرتبطة بأحوالهم ) هـ
اُنْظُرْ : ( التبرك المشروع والتبرك الممنوع ) للعلياني (صَفْحَة : 97) وكتاب (التبرك) للجديع .(1/144)
أو التماس البرء من مرض أو طلب النسل ويعتبرون أولياءهم المتوفين شفعاء لهم عند الله ويقدمون لهم النذور ويتمسحون بترابهم ويتخذون أصحابها أرباباً من دون الله وهناك تهدر تعاليم الإسلام وتشوه صورته ويحارب الدين ويشرك بالله رب العالمين ويخرج من دين الله ويجعل الدين خرافة وخزعبلات يكذبها العقل والشرع ويشمئز منه الذوق السليم - كل ذلك باسم المولد ومحبة الأنبياء والأولياء وتدارس سيرتهم - ويستغل أعداء الإسلام هذه المواقف المخزية الفاضحة البشعة في أفلام تنشر بين العالمين وأنها تمثل الدين الإسلامي فينفر الناس من الإسلام وأهله ويصمونه بدين الخرافة و الخزعبلات التي يقوم بها الصوفية الخبيثة وهذا ما يشجعه ما بسمى بالاستعمار - وهي في الحقيقة استدمار واحتلال - ويريده (1) .
ومن أضرار ذلك : أن كثيراً من الأجانب لمَّا رأوا أفعال الصّوفيّة واعتقاداتهم وتصرفاتهم في هذه الموالد - مما تقدم ومما سيأتي من خرافات - مع مشاركة بعض المنتسبين للعلم - ويا للأَسفِ - لهم في هذه الاحتفالات ممن لبسوا العمائم ، أساءوا الظن بدين الإِسلام ، وقالوا : لا خير في دين يأمر بهذا ويُشَرِّعه لأَهله . وما درى هؤلاء أنَّ الإِسلام بريءٌ من أفعالِ أولئك ، وما درى أولئك أنّهم صَدُّوا عن سَبيلِ الله بأفعالهم ، وأين كُلَّ هذا مما أمر به وشرعه لِعباده ؟! .
* نعود فنقول في اتخاذهم ليلة المولد عيداً : إن الشهر الذي ولد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو بعينه الشهر الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه .
ولا أحسب عاقلاً يقيم احتفال فرح وسرور باليوم الذي مات فيه حبيبه - صلى الله عليه وسلم - (2) .
__________
(1) باختصار وتصرف من الانحرافات العقدية والعلمية (صَفْحَة : 380) .
(2) الإنصاف (54-55) .(1/145)
وموت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعظم مصيبة أصابت المسلمين حتى إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقولون : ( من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .
أضف إلى ذلك أن الفطرة البشرية قاضية : أن الإنسان يفرح بالمولود يوم ولادته ويحزن عليه يوم موته ، كيف يحاول الإنسان غروراً تغيير طبعه إن أردت زيادة بيان وتفصيل وإيضاح ( فالعجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور كما تقدم لأجل مولده - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر ، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد انتقل فيه إلى كرامة ربه - عز وجل - وفُجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يَتعيَّن البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ليعزى المسلمون في مصائبهم المصيبة بي » (1) فلما ذكَّرَهُ - صلى الله عليه وسلم - المصيبة به ذهبت كل المصائب التي تصيب المرء في جميع أحواله وبقيت لا خطر لها .
وقد أحسن حسَّان - رضي الله عنه - حيث رثاه - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
كنت السواد لناظري فعمي عليك النّاظر
من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر
__________
(1) رَ : سلسلة الأَحاديث الصحيحة (2/97-98) (1106) .(1/146)
فانظر في هذا الشهر حالة كونهم يلعبون فيه ويرقصون ولا يبكون ولا يحزنون ، ولو فعلوا ذلك لكان أقرب إلى الحال لأَجل اقتراف الذنوب والحزن والبكاء من أجل فقد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أنهم لو فعلوا ذلك والتزموه لكان أيضاً بدعة وإن كان الحزن عليه - صلى الله عليه وسلم - واجباً على كل مسلم دائماً ، لكن لا يكون على سبيل الاجتماع والتباكي وإظهار التحزن ، بل ذلك الحزن في القلوب ، فإن دمعت العيون فيا حبذا وإلا فلا حرج إذا كان القلب عامراً بالحزن والتأسف ، إذ المقصود بذلك كله إنما وقع الذكر لهذا الفصل لكونهم فعلوا الطرب الذي للنفوس فيه راحة وهو اللعب والرقص والدف والشبابة وغير ذلك مما تقدم ، بخلاف البكاء والحزن إذ ليس للنفس فيه راحة بل الكمد وحبس النفوس على شهواتها وملاذاتها .
ولو قال قائل : أنا أعمل المولد للفرح والسرور بولادته - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أعمل يوماً آخر للمأتم والحزن والبكاء عليه .
فيجاب عليه : أن من عمل طعاماً بنية المولد ليس إلا وجمع له الإخوان فإن ذلك بدعة ، هذا وهو فعل واحد ظاهره البر والتقرب ليس إلا ، فكيف بهذا الذي جمع بدعاً جملة مرة واحدة ، فكيف إذا كرّر ذلك مرتين مرة للفرح ومرة للحزن ، فتزيد البدع ويكثر اللوم عليه من جهة الشرع ( (1) .
( تفضيل ليلة المولد على ليلة القدر (2) ، حتى قال قائلهم : ( ليلة مولد سيد الأنام أفضل أيام العام ) ، ويقول النبهاني (3) :
صف ليلة المولد وصَفاً حسناً ما ليلة القدر سواها عندنا
قد أشرقت فابتهجت منه الدجا واعتدلت فلم يكن فيها عنا
ما بين حر وَصفها وبرد
من ليلة القدر نراها أحسنا قد جمعت أفراحنا وأنسنا
وأوسعتنا نعماً ومِننا وبلغتنا كل قصد ومنى
وكل مطلوب بغير عدِّ
__________
(1) المدخل لابن الحاج (2/14-16) .
(2) رَ : المولد النبوي لعبد الغفار حميدة (82-83) .
(3) رَ : حجة الله على العالمين (249) .(1/147)
وقد سبق النبهاني في هذا التفضيل : القسطلاني في ( المواهب اللدنية ) حيث ذكر ثلاثة أوجه لهذا التفضيل (1) .
وهذا القول فيه اعتراض واستدراك على الله - عز وجل - ؛ لأَنه - عز وجل - هو الذي فضّل ليلة القدر بنفسه في كتابه العزيز ، وسكت عن ليلة مولد خليله ومصطفاه - صلى الله عليه وسلم - : { وما كان ربك نسياً } (2) ولم يُسلَّم للقسطلاني هذا القول ، حيث اعترض عليه الشهاب الهيتمي (3) ووافقه ملا علي القاري (4) . كما انتقد القسطلاني الزّرقاني والشيخ ملا علي القاري في المورد (5) .
وذَكر المالكي (6) في الذخائر تفضل ليلة المولد على ليلة القدر بأمور ثلاثة :
1- أن ليلة المولد ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أما ليلة القدر فَمُعطاةٌ له .
2- أن ليلة القدر شَرفت بنزول الملائكة ، وليلة المولد شَرفت بِظهوره .
3- أن ليلة القدر خيرها للأمة فقط ، وليلة المولد ففضلها على سائر الموجودات ا( .
والجوابُ عن هذه المفاضلة من أوجه ثلاثة :
1- أن تفضيل زمن على زمن أو مكان على مكان من الأمور الغيبية التي لايُجزم فيها إلا بِنقلٍ صَحيح ، وإلا فالأفضل السكوت عما لم يرد في فضله نصّ ، وهنا لا نجد نَصاً صَحيحاً ولا ضَعيفاً بِتفضيل ليلة المولد على ليلة القدر .
2- أن ليلة القدر وردت النصوص الكريمة بفضلها والاهتمام بها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثَّابتة ، أما ليلة المولد فلم يرد فيها شيء من ذلك .
__________
(1) المواهب (1/145) .
(2) سورة مريم : 64 .
(3) رَ : شَرح المواهب اللدنية للزرقاني (1/256) .
(4) رَ : المورد الروي (52) .
(5) اُنْظُرْ : (صَفْحَة : 97) .
(6) اُنْظُرْ : (صَفْحَة : 25) .(1/148)
3- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاشَ عمره كلّه قبل الرسالة وبعدها فلم نسمع أنه اهتم بليلة مولده أو خَصّها بعبادة أو زيادة تعظيم وتكريم ، ثم جاء خلفاؤه من بعده فلم نسمع أنهم أعطوا ليلة المولد اهتماماً ولا عِناية ، وهكذا سارَت من بعدهم القرون المفضّلة ، ومن بعدهم حتى جاء العبيديون الباطنيون ... (1) .
( تَخصيصُ يوم المولد بأذكارٍ وأدعية وصَلوات :
يَقول العلامة بكر أبو زيد حفظه الله : إنَّ الاحتفال بها وتَخصيصها بذكر أو دعاء أو أناشيد أو دُفٍّ أو صَلاة أو أي عِباد أو شِعار يُتّخذ فيها إعلاماً بهذا اليوم : يوم المولد ، سواء كان مولد نبي أو ولي أو من تُدَّعى ولايته كالرفاعي والبدوي والبيومي والدسوقي وغيرهم في جُلِّ أصقاعِ العالم الإِسلامي ، أو عظيم من الولاة أو العلماء ، أو ما يتخذه بعض النّاس من اتخاذ عيد لمولده بمناسبة إطفاء ثلاثين شمعة ، أي مضي ثلاثين سنة ، وهكذا في كل عام ، وكل هذا : بدعة ضَلالة ، ومنكر يجب إنكاره ، ولاعهد لأَمة محمد - صلى الله عليه وسلم - به قبل اتخاذ العبيدين في عام 362 مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عيداً ، إبّان حكمهم بمصر ، ثم امتد إحداثهم للأَعياد حتى جعلوا في كل يوم عيداً للنبي - صلى الله عليه وسلم - على مدارِ العام ، ثم انتقلت هذه إلى بعض أهل السنة ووقع بسببه معارك كلامية وافتراآت على من أنكر هذه البدعة ، وأنه يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - وحاشاهم . وقد فَصَّلت القول في الأعياد ، وما يحدث فيها برسالة مستقلة باسم (عيد اليوبيل بدعة في الإسلام) والله - عز وجل - أعلم (2) .
__________
(1) (صَفْحَة : 6-8) من (تنبيه البصائر عن ما جاءَ في الذخائر) لسماحة الشيخ عبد الله البسّام .
(2) تَصحيحُ الدعاء (110-111) .(1/149)
( تخصيصهم يوم المولد بالصيام ، واعتقادهم بمشروعيته ، وهذا التخصيص بدعة . فأين الدليل على تخصيص يوم الثاني عشر ربيع الأول بالصيام ، والعبادات مبنية على الاتباع « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » (1) .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول و إنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في الشهر أربع مرات أو أكثر و بناء على هذا فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما ، دون يوم الاثنين من كل أسبوع يعتبر استدراكاً على الشارع وتصحيحاً لعمله ، وما أقبح هذا إن كان والعياذ بالله تعالى (2) .
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم مبيناً هذه الحقيقة : ( تخصيص يوم من الأيام و تمييزه على غيره بشيء من الطاعات أمر توقيفي ، إنما يصار في معرفته إلى الشريعة المطهرة ) (3) .
فهل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو صحابته احتفلوا بهذا اليوم أو خَصُّوه بشيءٍ من الخصوصية من صيام أو قيام أو أحكام أو غيره . وبعضهم يمنع صيامه ويقول بكراهة ذلك ؛ لأَنه أشبه بالعيد (4) .
( تَخصيصهم يوم المولد بالوعظ والإِرشاد (5) ، وعقد المسابقات القرآنية والمحاضرات بمناسبة المولد (6) .
__________
(1) تَقَدَّم تخريجه بحمد الله .
(2) الإنصاف ( صَفْحَة : 65 ) .
(3) فتاوى ابن ابراهيم 3/51 .
(4) كماسيأتي بإذن الله (صَفْحَة : 240-242) .
(5) رَ : فتوى اللجنة الدائمة من هذا البحث (صَفْحَة : 275-276) .
(6) رَ : فتوى اللجنة الدائمة من هذا البحث (صَفْحَة : 277) .(1/150)
( تنبيهٌ : ومما ينبغي التنويه عليه : أنه لا ينبغي إقامة المحاضرات في ليلة النّصف من شعبان وليلة سبع وعشرين من رجب وليلة الثاني عشر من ربيع الأَوَّل - ونحوها من الاحتفالات والمواسم البدعية - إلا لمن كانت له محاضرة دائمة وافقت إحدى هذه الليالي ، فينبغي أن يُنَوه الحاضرين إلى أن المحاضرة لم تُقَم من أَجل هذه الليلة وإنما وافقتها ، ويُبين للناسِ بدعية الاحتفال بهذه الليلة ، والله المستعان (1) .
وأقول : إلقاء المواعظ والمحاضرات مستحبُّ لقوله - عز وجل - : { فَذَكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } ، ولكن لا يتقيّد بليلة معراج أو نحوها .
( والبعض يعتمر في رجب ، ويخصها بالمولد النبوي ، ويسميها ( عمرة المولد ) وهذه بدعة ظاهرة ؛ وذلك لأَنَّ اختصاص هذا الشهر وهذا اليوم بالعمرة لأَجل المولد ، لا أصل له (2) .
جملة من المنكرات باختصارٍ
( إضاعة المال في حفلات المولد من ذبائح وولائم و مطاعم ومشارب ودعوة للآخرين وتسيير المواكب في الطرقات والتسابق في إقامة الزينات والمباهاة والمفاخرة والرّياء والمضاهاة والتنافس بين الأغنياء في إحياء ليالي السهرات وإقامة الحفلات الموالد التي يحيونها بأسمائهم وكل يجتهد أن تكون ليلته أحسن الليالي إلى غير ذلك من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي مما تضيع فيه الألوف المؤلفة من الأموال ، مما فيه من إِسراف وبذخ وتبذير ، بل البعض ربما لا يذبح إلا في الموالد فقط .
__________
(1) (إظهار العجب في بيان بدع شهر رجب) (76-77) ما عدا ما بين الحاصرتين .
(2) السنن والمبتدعات في العبادات لعمرو عبد المنعم (156) .(1/151)
( إقامة حلقات الذكر المحرف وقراءة القرآن المتَغَنَّى به في المساجد وغيرها أيام الموالد فيرجعون فيه كترجيعِ الغناء غير مراعين فيه ما يجب له من الأدب والاحترام والتّوقير ، مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق الحاد والتصفير ومصاحبتها للطبول والدفوف (1)
__________
(1) أقول إن مباشرة الضرب بالدف خاص بالنساء لأن الأحاديث والآثار وردت في ضرب النساء الجواري ولم يؤثر عن أحد من السلف الضرب به ، ويعد فهمهم للنصوص حجة على من بعدهم ويكون المقصود بعموم أحاديث الضرب بالدف النساء { حكم ممارسة الفن (صَفْحَة : 195) } .
الدُّفُّ خاصٌّ بِالنِّسَاءِ
( واعلم أن ضرب الدف من خصائص النساء والجواري ، أما الرجال فلا يجوز لهم ذلك ، والدليل على ذلك :
1- الضرب بالدف أذن به للنساء كما دلت عليه الأحاديث .
2- أقوال أهل العلم في ذلك وسوف نذكر طرفاً منها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [ مجموع الفتاوى (11/565) ] : ولكن رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنواع من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ، وأما الرجال على عهده - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن أحد منهم يضرب بالدف ولا يصفق بكف ، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال : « التسبيح للرجال والتصفيق للنساء » [ أخرجه : البخاري (1203،1204) ومسلم (422) ] و« لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال » [ أخرجه : البخاري (5885) وأبو داود (4097) والترمذي (2784) والنسائي (369) وابن ماجة (1904) ] ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً [ المراد بالمخنث : المتشبه بالنساء في صورته أو حركته ، لا من يفعل فاحشة اللواط كما هو العرف السائد اليوم ] .
اُنْظُرْ : ( الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام ) للشيخ صالح الفوزان .
وقال ابن قدامه المقدسي في الْمُغني 9/174 : وأما الضرب به للرجال فمكروه على كل حال وإنما كان يضرب به النساء وفي ضرب الرجال به تشبه بالنساء وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء .
قال ابن حجر الهيتمي في (كف الرعاع) (صَفْحَة : 35) معقباً على كلام ابن قدامة وظاهر كلامه أنه أراد التحريم .
وقال ابن قدامة في ذم ما عليه مدعو التصوف (صَفْحَة : 13) : وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال ، وقد أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح أيضاً ، ولا يتبين لي تحريمه إلا أن يكون الضارب به رجلاً يتشبه بالنساء فيحرم لما فيه من تشبه الرجال بالنساء ، أو يضرب به عند الميت فيكون ذلك إظهاراً للسخط بقضاء الله - عز وجل - والمحاربة له ، فأما إن خلا من ذلك ، قلت : أراه حراما بحال . ثم قال ابن قدامة في آخر كلامه في المغني : ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا .
وقال ابن حجر الهيتمي في كف الرعاع (ص35) : حكى الإمام البيهقي عن شيخه الإمام الحليمي ولم يخالفه أنا إذا أبحنا الدف فإنما نبيحه للنساء خاصة ، وعبارة منهاجه ( وضرب الدف لا يحل للنساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين بالنساء ) .
وقال ابن حجر في الفتح (9/226) : واستدل بقوله ( واضربوا ) على أن ذلك لا يختص بالنساء ، لكنه ضعيف ، والأحاديث القوية فيها الأذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن .
وعلى افتراض صحة هذا الحديث ، يمكن القول بأنه إذا كان الخطاب في هذا الحديث عام يشمل الرجال والنساء ، فإن الأحاديث الأخرى دلت على أن ضرب الدف من أفعال النساء ، فيحمل المطلق وهو اللفظ الدال على اشتراك الرجال والنساء ( اضربوا ) على المقيد وهو للنساء ، وعلى ذلك يصير الخطاب خاص بالنساء لأن المقيد يقضي على المطلق وهو معلوم عند الأصوليين والله أعلم .
ومن العلماء المعاصرين الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى ، في فتوى له منقول من كتاب الثمار اليانعة لعبد الله بن جار الله (ص445) قال ما نصه : أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أما الطبل فلا يجوز ضربه في العرس ولا في غيره بل يكتفى بالدف خاصة في العرس فقط وللنساء دون الرجال .
وأيضاً ظاهر كلام الشيخ الألباني في آداب الزفاف (ص67) : قال : ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب بالدف فقط .
أما قول السبكي أن الجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء فغير صحيح ، وقبل أن نرد عليه بالتفصيل سوف ننقل قوله الذي نازع فيه الحليمي ، فقد قال الهيتمي في كف الرعاع بعد أن نقل قول الحليمي الذي سبق : ونازعه السبكي في الحلبيات بأن الجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء ، قال : ففرق الحليمي بينهما ضعيف ، والأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرقة ولم ترد هنا وليس ذلك مما يختص بالنساء حتى يقال يحرم على الرجال التشبه بهن فيه فنبه على العموم وقد جاء أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف .
• وما قاله فيه ضعف وذلك لأمور :
1- أن احتجاجه بأن الجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء مردود بما تقدم نقله بأنه لم يحفظ عن أحد من السلف من وجه صحيح أنهم ضربوا به ، بل إنهم كانوا يسمون من يفعل ذلك مخنثاً ، بل إن غير واحد من أهل العلم ممن نقلنا قولهم كالحليمي والبيهقي وابن قدامة وابن تيمية والأوزاعي وابن حجر ، قالوا بالتفريق واعتبروا فاعله متشبهاً بالنساء بل إن ابن قدامة قال إن ذلك هو مذهب الشافعي رحمهم الله - عز وجل - .
2- أما الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم - : « واضربوا عليه بالدف » فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة في مثل ذلك [ أخرجه الترمذي (1089) وعنه ابن الجوزي في العلل (2/627) والبيهقي (7/290) وغيرهم من حديث عائشة مرفوعاً . وضعفه البيهقي وابن الجوزي وقال ابن حجر في الفتح (9/226) : ( سنده ضعيف ) وضعفه الألباني في الضعيفة (978) وضعفه البوصيري في زوائد ابن ماجة (1/611) والسيوطي في جامعه الصغير (1198) والمناوي في فيض القدير (2/11) وانظر حكم النرد والشطرنج والملاهي للآجري (263-264) ] .
3- أما استدلاله بقوله ( اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرقة ولم يرد هنا ) ففيه خلط ، نعم الأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرقة ، وقد وردت الأحاديث والآثار الدالة على أن ضرب الدف من أفعال النساء للإذن لهن في ذلك كما أن عموم النهي عن التشبه بالنساء كاف بالقول بعدم اشتراك الرجال في ذلك فدعوى اشتراك الذكور والإناث في الخطاب دعوى تفتقر إلى دليل والله أعلم ( نص ما قاله محقق كتاب مجلس من أمالي الحافظ أبي نعيم الأصبهاني ، ت : ساعد بن عمر بن غازي (ص71-73)
وانظر :حكم النرد والشطرنج والملاهي للآجري ، تحقيق : د : إدريس (266/271) .
* يتلخص من ذلك كله : أن مباشرة الضرب بالدف خاص بالنساء لأن الأحاديث والآثار وردت في ضرب النساء الجواري ولم يؤثر عن أحد من السلف الضرب به ، ويعد فهمهم للنصوص حجة على من بعدهم ويكون المقصود بعموم أحاديث الضرب بالدف النساء [ حكم ممارسة الفن (195) ] .
وبذلك أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء [ برقم (6773) (1/130) ] فقالت : ( لا يجوز ضرب الدفوف للرجال مطلقاً ويجوز الضرب عليها للنساء في النكاح لاعلانه ) .
( كما أني كتبت لسماحة الوالد العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - عز وجل - استفتاءً عن حكمِ ضَربِ الدّفِّ في غير مناسبة الزواج في حقِّ النِّساءِ ، فكانَ نصُّ جوابه كالتالي : من عبد العزيز بن باز إلى حضرة الأَخ فَضيلة الشيخ أحمد بن عبد الله السلمي رئيس كِتابة عدل الأولى بالأَحساء ، سلَّمه الله - عز وجل - . سَلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : فأُشير إلى كتابكم رقم 1028 وتاريخ 3 / 5 / 1419 ( الذي تسأل فيه عن حكم ضَرب الدف في غير مناسبة الزواج في حقِّ النساءِ . وأُفيدكم : أنه سَبَقَ أن صدر من اللجنة الدائمة للبحوثِ العلمية والإفتاء فتاوى في جواز ضَرب الدف والغناء غير الماجن من النساء في حفلات الزواج ومَنعه في حق الرجال ، فنُرفق نُسخاً منها وفيها الكفاية إن شاء الله - عز وجل - ، وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب . المفتي العام للملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ا( .
وهذه فتوى للعلامة ابن عثيمين حفظه الله - عز وجل - :
س : هنالك اسئلة عديدة عن حكم الأناشيد الإسلامية ؟ .
ج : الأناشيد الإسلامية لا تخلوا من حالين :
الحالة الأولى : أن يكون فيها ضرب بالدف وفي هذه الحالة تكون حراماً ، لأنها مشتملة على اللهو الذي لا يباح في مثل هذه الحالة .
الحالة الثانية : أن تكون سليمة من ذلك فلا يجوز اتخاذها موعظة ، بمعنى أن يكب عليها ويغفل عن موعظة القرآن الكريم والحديث .
أما كونه يستمع إليها أحياناً فهذا أرجو أن لا يكون فيه بأس ، هذا إذا لم تشتمل على أشياء لا تجوز كبعض الأذكار البدعية من الصوفية أو غيرهم ، فإن اشتملت على ذلك فإنها تكون حراماً .
واعلم أنه في هذا الباب لا تكاد تجد أحداً يفرق بين ما كان مشروعاً وغير مشروع ولهذا أرى أن الأناشيد لا بد أن تعرض قبل أن تسمع على طالب علم يميز بين الصحيح وغير الصحيح ، ثم بعد ذلك تأخذ الحكم الذي ذكرته آنفاً أن ما اشتمل منها على دف فلا يجوز وما لم يشتمل فلا بأس به أحياناً ، وإلا ففي القرآن والسنة موعظة لا توجد في غيرهما .
[ اُنْظُرْ : محاضرة ألقاهها الشيخ في جامعة البترول والمعادن عام 1406هـ بعنوان آداب طالب العلم ]
أقولُ : سَلمنا - جدلاً وتنزلاً - جوازه للرجال بشروط وقيود ، هل يُستعمل في موالد تدعى بالسيرة النبوية يتعبد الله - عز وجل - بها وفيها دفوف ، سبحان الله أرأيت قطٌ عِبادة بِملاهي !؟ .
فَقط للنِّساءِ بِشروط وقيود :
- فالدف (المعروف بالطار) إطار خشبي يغشى بالجلد من جهة واحدة فقط .
- وأن يكون خالياً من الجلاجل أو الأجراس أو الصراصر التي تحدث النغمات والترنيمات والإيقاعات الموسيقية المؤثّرة في النفوس تأثير الغناء سواء بسواء بحيث يخلو من الوتر ومن أي شيء زائد عليه وإلا حرم حتى على النساء .
- وخلو الغناء من الفحش والبذاء الباطل .
- وعدم وجود رجال أجانب مع النساء .
- وعدم سماع الرجال لِصوت النساء .
- وأن يضمن صاحب العرس نظافة الألفاظ التي تُقال .
* فإذا أردنا أن يكون زواجنا إسلامياً فالأبواب مفتوحة والطرق واسعة ، فنحن لا نعارض إعلان النكاح ولا الضرب بالدف ، فَشريعتنا جاءت لتحقيق المصالح ودفع المفاسد ، إنما المعارض ما كان فيه تحايل على ما منعته الشّريعة ، فإذا أردنا أن نُعلن نكاحنا بالضَّربِ بالدفِّ فالسبل ميسرة :
1- يوجد نساء يضربن بالدف خاصة وبكلمات محافظة سليمة من البذاءة وساقط الكلام ، ومن يتحرّ الخير يجده ، بل إن بعض الضَّارِبات بالدفوفِ يقلن ويفعلن ما يُطلبُ منهن سواء كان ذلك كلمات مجلوبة من ساحة العَفن أو كلمات طيبة تعبر عن الفرح في حدودِ الالتزام بالآدابِ الإِسلاميّة فيبقى الدور على من دعي إلى هذه الوليمة ويبقى الدور على ما يطلبه هؤلاءِ المستمعون .
2- وجود أشرطة سماعيّة تعلن النِّكاح بالصورة التي يرغبها الجميع ، ففيها الدف وفيها كلمات الترحيب والدعاء وإعلان النكاح ، وهي مع هذا توفر الكثير من النقود التي تذهب سدى في أجرة هؤلاء النسوة .
3- اجتماع النساء فيما بينهن وما أجمل الأنس بتلك الليلة وأن يفرحوا ويعلنوا النكاح بأمر مباح كأن تضرب الواحدة بالدف وتنشد أخريات بأناشيد الترحيب والدعاء ويحصل المقصود ويعلن النكاح ويتم ما أراد الجميع والحمد لله .
[ اُنْظُرْ : رسالة (لا لهذه الدفوف) لأَحمد بن ناصر الخطاف ، صَفحة (26-27) ] .(1/152)
وآلات العزف والرقص والتمايل يمنة ويسرة ومن أعلى لأسفل وهز الرؤوس (1) وصياح وعويل ووجد ودوران واجتماع النساء والرجال وحضور الكثير من المرد مع الرجال والنساء (2) فلا حرمة لبيوت الله - عز وجل - ولا قداسة لكلام الله بل استخفاف واستهانة ، وتشويه صورة الدين بأعمال الخرافيين و المشعوذين و الدجالين على ما يجري عمله في أكثر البلاد .
__________
(1) وذلك لأَن هذا يجلب العامة ويكثر سوادهم ، ولو اقتصروا على المواعظ والقصص لشح الحضور ، إذ أكثرهم يرغب في سماع النشيد والمدائح بأصوات مطربة ، مما يجعل الحضور يطرب لذلك ويصدر لهم صوت جماعي بقولهم : ( الله ) أو ( اللهم صلي على النبي ) أو ( يا سلام ) إلى غير ذلك . ومما يجعل المولد بهذه الطريقة أشبه بالفلكور الشعبي - حتى أن بعضهم يصفق طرباً - ، والمستمع لأشرطة الموالد يعرف هذا رَ : المولد النبوي لعبد الغفار حميدة (88) .
(2) يقول الدكتور سعد الشّهراني { في كتابه (فِرقةُ الأَحباش) 2/936 } : ” بل ويكفي في بُطلانِ ما يقوم به الأَحباش من احتفال بالمولد النَّبوي ما يُمارسونه خلال هذه الاحتفالات من اختلاط بين الرّجال والنّساء ، وظهور النّساء بالزينة وعدم الحِشمة مُتبرّجات بل ويَشربون الدخان والنرجيلة [ أي : الشّيشة ] ، بل ويقومون بإنشادِ الأَغاني المصحوبة بِآلاتِ الطربِ الصّاخبةِ مَصحوبة بالرَّقصِ والتّصفيقِ من الرجالِ والنّساءِ ، وانظر على سبيل المِثال : منار الهدى ( عدد 35 صَفْحَة : 35-41 ) وفيها بالكلمات والصّور نموذج لاحتفالاتهم سواء في بِرلين أو بيروت ، وهناك أشرطة فديو مُسجلة عليها هذه الوقائع المخزية “ هـ . وقد تقدمت نماذج من هذه الموالد .(1/153)
( بل بلغ ببعض البلدان أن يحتفلوا برقص النساء وتغنيهن في حلقات الذكر ، وغير ذلك من المفاسد والشرور ، وسهر وسمر بل وسفر وغيره مما تقشعر منه الأبدان ، وهكذا غدت الموالد وأصبحت في كثير من الأَحيان بِمثابة مواسم وأسواق تُقصد لهذه الأغراض السيئة وغيرها ، وأين كل هذا من دين الله - عز وجل - :
يا عصبة ما ضَرّ أمة أحمد وسعى على إفسادها إلا هي
طارٌ ومزمارٌ ونغمة شادن أرأيت قط عبادة بملاهي
ولو بَعث الله أولئك الأَولياء من أجداثهم لتبرأوا من المحتفلين بهم أشد البراءة ، ولرموهم بالضلال والجهل لارتكابهم الكبائر والمنكرات باسمهم (1) .
فهل يَفطن أولئك الذين لا يزالون يبيحون للمسلمين مثل هذه الاحتفالات بالموالد ويشرّعونها لهم ويزعمون أن الإسلام لم يحرمها ، فإذا كانت عميت بَصائرهم عن الدليل ، فهل عميت أبصارهم عن الواقع ؟ لكن من لم يجعل الله له نوراً فما لهُ من نور .
( تنبيه : من الإنصاف والعدل أن نقول : هذه الاحتفالات قد يحصل فيها اختلاط الرجال بالنساء ، وتبرج النساء الزائرات للموالد والأضرحة ، وصوت المزامير والموسيقى والطبول والأناشيد والرقص والتّصفيق ونحو ذلك ، بل قد يحصل ما هو أعظم وأعظم ، ولكن هذا لا يطرد لا في كل البلاد ولا في كل الموالد ، بل يختلف من بلد إلى بلد ومن جماعة إلى أخرى على حسب قوة الدعاة إليه ، ولكن لا يخلو في الغالب احتفال من الاحتفالات بالمولد من وقوع الشرك والمعاصي فيه ، وذلك بسبب تلك المدائح والأشعار التي يرددونها والأعمال التي يُمارسونها .
__________
(1) صراع بين الحق والباطل لسعد صادق الرفاعي (ص118-119) .(1/154)
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله : انظر رحمنا الله وإياك إلى مخالفة السنة ما أشنعها ، ألا ترى أنهم لما ابتدعوا فعل المولد على ما تقدم تَشَوَّقت نفوس النساء لفعل ذلك ، وقد تقدم ما في مولد الرجال من البدع والمخالفة للسلف الماضين فكيف إذا فعله النساء ، لا جرم أنهن لما فعلنه ظهرت فيه عورات جملة ومفاسد عديدة أعظم وأدهى ؛ لأَن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات ومن السطوح فيرى الرجل المرأة والمرأة الرجل والشبان والفتيات فيكون ذلك سبباً إلى وقوع الفتنة الكبرى والمفسدة العظمى . وهذا وجهٌ .
والوجه الثَّاني : أنّهنَّ اقتدين بالرجال في الذكر جماعة برفع أصواتهن كما يفعله الرجال سيما وأصوات النساء فيها من الترخيم والنداوة ما هو فتنة في الغالب في الواحدة منهن فكيف بالجماعة التي تكثر الفتنة في قلوب من يستمعون من الرجال والشبان ، فإذا كان البيت الذي يعمل فيه الموالد على الطريق أو على السوق زادت الفتنة وعمت البلوى لكثرة من يسمع ويرى ذلك في الغالب .
الوجه الثالث : أن تصفيقهن بالأَكف فيه فتنة وزيادة إظهار للعورات .
الوجه الرابع : أن بعضهن يرقصن وقد تقدم ما في رقص الشبان والرجال من العورات والمفاسد ، وفي رقصهن أكثر وأشنع ، ولذلك أمرن بالستر أكثر من الرجال - فسبحان الله رقص في عبادة عندهم - ، والله - عز وجل - يقول : { ولا يضربن بأرجلهن لِيعلم ما يخفين من زينتهن } (1) .
( فعل أولئك المرتزقة الذين يتأكلون بقصة المولد و يكررون المولد عشرات المرات في اليوم الواحد و يجعلونه باباً للرزق والتكسب .
وإليك أخي القارئ قِصَّة طريفة شوهدت وقائعها في بعض جوامع أحد البلدان :
__________
(1) باختصار من المدخل لابن الحاج (2/11-12) .(1/155)
جاءت امرأة إلى رجل كفيف البصر يجلس في صحن المسجد يتزيّا بزيّ المشايخ وقالت بالعامّية : ( شيخي اقرأ لي المولد ) . فقال لها : ( نصف ليرة ) فشكت له حالها وأنها فقيرة وأنها نذرت أن تعمل مولداً ولا تملك سوى ربع ليره ، وبعد رفض وأخذ وردٍّ وافق الشيخ أن يعمل لها مولداً ، فقرأ لها أقل ما يقرأه مما اعتاد أن يقرأ لأَهل (نصف الليرة) فلاحظت المرأة ذلك منه ، فألحّت عليه أن يزيدها ، فما كان منه إلا أن قال لها وعلى الفور : ( قرأت لك على قدرِ فُلوسك ) .
أقول مُعَلِّقاً فيا غُربَةَ الإِسلامِ ، فقد أَصبَحَ المولدُ باباً للرِّزقِ ، وصارَ مدحُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيه بِقَدَرٍ مُقَدَّر من الفُلوس ، فَرُحْماكَ ياربّ بنا (1) .
( القيام (2) عند ذكر مولده الشريف كما ذكر ذلك البرزنجي في مولده ص 81 (وقد استحسن القيام عند ذكر مولده الشريف أئمة ذوو رواية و روية) .
وفي نظمه ص 127 قال :
وقد سن أهل العلم والفضل والتقى قياماً على الأقدام مع حسن إمعان
بتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر بأي مقام فيه يذكر بل دان
يقول محمد علوي مالكي : إن هذا القيام لتصور شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذهن فالناس يقومون احتراماً و تقديراً لهذا التصور الواقع في نفوسهم (3) .
__________
(1) رَ : (الشِّعر الصوفي إلى مطلع القرن التاسع للهجرة) للأستاذ محمد سعد حسين (ص145) .
(2) يُنْظَرُ : القول الفصل (302-318) و(موسوعة أهل السنة) لدمشقية 1/358-359 .
(3) حول الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف (ص30) وانظر حوار مع المالكي (ص130) .
يقول عبد الغفار محمد حميده في كتابه (المولد النبوي) (ص89) : ( وقد حضرت مولداً في ربيع سنة 1418( وذلك لأجدّد العهد بمعرفة ما يجري في المولد ، فلما ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - قام الناس وهم خليط من العوام والمشايخ بمن فيهم الدكتور المالكي فتمايلوا طرباً وهم وقوف لمدة دقائق ، ثم إني وقفت معهم بنية الفرجة لما يجري أمامي ، وأستغفر الله لذلك ) ا( .(1/156)
( والبعض يقول (الحضرة النبوية) أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر مجلس احتفالهم حينئذ ، فيدخل عليهم في تلك الليلة وأنه يدخل على كل من يقيمون الموالد من الصين إلى المغرب إلى أمريكا شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً !! ، والبعض منهم يقوم بالشرب من الماء الموضوع عند قارئ المولد وهذا مظهر منحرف من مظاهر التبرك المحرم إذ يعتقد بعضهم أن روح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضرت قراءة المولد وشربت من الماء الموضوع ؛ ثم هم يتبركون ببقية الماء (1) ، وقد يوضع له البخور والطيب في ذلك المجلس على أساس أنه يتطيب ويتبخر ، كما يوضع له الماء على أساس أنه يشرب (2) ، وهذا من أعظم الباطل بل غاية الجهالة والضلال (3) وعلى عقول تعتقد مثل هذه التُّرّهات والسخافة العفاء العفاء .
سبحان الله ما هذه الخيالات والأوهام - ولا غرابة على القوم ولا عجب فهم أصحاب الخرافات والخيالات والأوهام وهم الذين يحكون قصة الرفاعي الذي سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج يده من القبر ومدّها للرفاعي ليقبلها فقبلها الرفاعي ، وهي القصة المكذوبة الباطلة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (4)
__________
(1) التبرك المشروع والتبرك الممنوع للعلياني (ص8) .
(2) القول الفصل (302) .
(3) وهذا لا يختلف في بُطلانه اثنان ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان .
(4) تقبيل أحمد الرفاعي ليد الرسول - صلى الله عليه وسلم - : يذكر الصوفية بعامة و الرفاعية بخاصة ضمن كرامات أحمد الرفاعي أنه لما حج سنة [555] وقف تجاه الحجرة الشريفة النبوية و قال على رؤوس الأشهاد السلام عليك يا جدي فقال له عليه السلام و عليك السلام يا ولدي سمع ذلك كل من في المسجد النبوي فتواجد أحمد الرفاعي و أرعد و اصفر لونا و جثا على ركبتيه ثم قام و بكى و أنَّ طويلا و قال يا جداه :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها .... تقبل الأرض عني وهي نائيتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت .... فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده الشريفة العطرة من قبره الأزهر فقبلها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل والناس ينظرون اليد الشريفة وكان في المسجد مع الحجاج الشيخ عبدالقادر الجيلاني والشيخ حياة بن قيس الحراني والشيخ خميس و الشيخ عدي بن مسافر الشامي و غيرهم . وجاء في بعض رواياتها : ( فانشق التابوت ومد النبي - صلى الله عليه وسلم - يده إلى الرفاعي ليقبلها أمام جمع من الناس يزيدون على التسعين ألفا وكان من بينهم عبدالقادر الجيلاني و عدي بن مسافر وحيوة بن قيس الحراني " 0
درجتها : مكذوبة . انظر : قصص لا تثبت (3/171-247) لأبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان لابد من الرجوع إليه ففيه المراجع والبيان والتدليل والتعليل وإقامة الحجج على كذبها وبطلانها كذا يرجع إلى مجموع رسائل الرفاعي (89-106) فتاوى اللجنة (1/316) ولا تكذب عليه متعمداً (127-129) ومجموع الفتاوى (27/391-392) والجواب الباهر (54،55) وقاعدة جليلة (29،30) و مجموع رسائل الرفاعي (89-106) وفرقة الأَحباش للشهراني 2/1053-1058 . فهذه القصة المكذوبة والتي ليس لها أساس من الصحة و هي كذب على الله سبحانه و على رسوله - صلى الله عليه وسلم - و على أحمد الرفاعي نفسه من عدة وجوه .... كما أنها تكذيب للقرآن الكريم و السنة المطهرة و استهتار بالعقل السليم و هي - أي هذه القصة و أمثالها - قد أضرت بالإسلام و المسلمين حتى جعلت هذا الدين الكريم في أعين أعدائه وأبنائه الجاهلين به .... ديناً محشواً بالخرافات و الخزعبلات و الأباطيل ، وموضع التندر والسخرية منه !!! ومجالاً واسعاً للمستشرقين الأخباث ... لأن يعرضوا الدين الإسلامي بهذا العرض القبيح معتمدين في نقولهم على مثل هذه الكتب الصوفية أمثال " الطبقات " للشعراني وكتاب " الإنسان الكامل " لعبد الكريم الجيلي و" فصوص الحكم " لابن عربي وما شاكلها من الكتب المحشوة بالكفر والزندقة والخرافات والخزعبلات على أنها بزعمهم كتب إسلامية معتمدة فلا حول و لا قوة إلا بالله .... الخ 0والقائلون بهذه القصة وبحقيقة وقوعها إنما يكذبون على الله تعالى والعياذ بالله تعالى من الخذلان وسوء المنقلب في الدارين . ولزم أن يكون القائلون بوقوع التقبيل حقيقة .... كاذبين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذباً متعمداً عليه لأنه لم يمد يده وهو ميت وجسده ميت و يده ميتة أما الكذّابون فعليهم لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين { مجموعة رسائل محمد نسيب الرفاعي (صَفْحَة : 89-91) } .
واعلم أن الأصل في الميت نبياً أو غيره أنه لا يتحرك في قبره بمد يد أو غيرها ، فما قيل من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج يده لبعض من سلم عليه غير صحيح ، بل هو وهم وخيال لا أساس له من الصحة { فتاوى اللجنة 1/316 } ويكفيك أيها المسلم الحريص على سلامة معتقدك أن تعلم أن كل من ألف وترجم للصوفية - ستأتي أسماؤهم - ممن قربوا من عصر الرفاعي صاحب القصة لم يتعرضوا لذكرها مع حرصهم الشديد على ما هو دونها . فهذه واحدة . كما أن المؤرخين الثقات - كالحافظ الذهبي والحافظ ابن كثير وابن خلكان - لم يتعرضوا لها اطلاقاً كمثل الذين ترجموا للصوفية كالسبكي والشعراني وابن الملقن والمناوي الذين كانوا أقرب إلى عصر الرفاعي من المتأخرين الذين أثبتوها . وهذه أُخرى كسابقتها تكفي لقطع جذور هذه القصة من أصولها المزعومة . وثالثة -... كما يقال أن هذا العدد الهائل من الناس ( أكثر من تسعين ألفاً ) لا يمكنهم أصلاً أن يوجدوا في المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي فضلاً عن أن يكونوا في وقت واحد أمام القبر ولو وقفوا صفوفاً طويلة لاستغرق ذلك وقتاً طويلاً جداً حتى يشاهد كلا صف اليد الشريفة ! . وقد حاول السيوطي جاهداً أن يصححها فلم يصنع شيئاً وردَّ عليه عصريه وقرينه ومن هو أقعد بعلم الحديث منه وأمكن فيه بمراحل ألا وهو الحافظ السخاوي في رسالته " الإرشاد والموعظة لزاعم رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة ) { انظر الضوء اللامع 8/19 ولا تكذب عليه متعمداً (127-128) } .(1/157)
- يا فتى القرن الخامس عشر الهجري ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميت في قبره حي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها ولاكنهها إلا الله وليست كحياة الدنيا .
كيف يقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموالد و من المعلوم أنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته كان يكره القيام له فأصحابه و هم أشد الناس تعظيماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك .
فعن أنس رضي الله عنه قال : ( ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك) (1) وهم أعرف الناس بحقه ، ولكن القوم سبقوا الصحابة في علم وتقى وورع وحياءٍ !! .
فدعوى رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يَقظة بَعيني الرأس ، هذه الدعوى مخالفة للشرع والعَقل :
( أما من جهة الشَّرع : فليس هناك دليلٌ شرعي يثبت حصول ذلك ، وغاية ما دلت عليه النصوص إمكانية الرؤيا المنامية ، فحملها أهل الباطل على الرؤية البصرية ، ومما يؤكد فساد هذا التأويل للرؤيا واقع القرون المفضلة المشهود لهم بالخيرية من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم ينقل عن أحد منهم أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته ، مع أنه قد حدثت في أزمانهم حوادث كان الحاجة إلى ظهوره شديداً جداً لو كان ذلك ممكناً .
فالصحابة - رضي الله عنهم - قد وقع بينهم اختلاف في عدد من المسائل الدينية والدنيوية وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - ، ولم يبلغنا أن أحداً منهم ادعى أنه رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة وأخذ عنه ما أخذ ، وكذا لم يبلغنا أنه - صلى الله عليه وسلم - ظهر لمتحير في أمر من أولئك الصحابة الكرام فأرشده وأزال تحيره .
__________
(1) رواه الترمذي (2/125) وأحمد 3/132 . رَ : السلسلة الصحيحة (1/358) .(1/158)
( وقد قال ابن عبد البر لمن ظن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد كلم بعض الناس بعد وفاته عند حجرته ما نصه : ( ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من الأَنصار والمهاجرين فهل من هؤلاء مَن سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجابه ؟ .
وقد تنازع الصحابة - رضي الله عنهم - في أشياء ، فهلا سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابهم ، وهذه بنته فاطمة تنازع في ميراثه فهلا سألته فأجابها ؟ (1) .
أقول : ولو كانت حياته - صلى الله عليه وسلم - في قبره كحياة الدنيا (2)
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/407) .
(2) كما يزعم ذلك الخرافيون مُستدلون بحديثِ « حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم » . وهو ضعيف الإِسناد . انظر : القول الجلي (86) الآيات البينات (16) م الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/759-782) الكامل ( 3/945) فيض ( 3/3371) القول البديع (236) تحفة الزوار (44) م الضعيفة (2/975) تخريج أحاديث الإحياء (5/3458) المطالب (4/3853) م البداية والنهاية (5/275) خفا (1/1178) صيانة (258) السنن والمبتدعات (265) الصارم (266و267) علامات النبوة البوصيري (110) م فضل الصلاة (26) م الجامع (3771) بغية الباحث (957) م أوضح (225) هذه مفاهيمنا (26-92) الزخار (5/1925) م الأستار (1/945) الصراع (2/856) البروق (58-62) الصارم (203 - 205) . أما من ناحية المتن فمن وجوه :
1 ) انه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الأعمال تعرض على الله يوم الاثنين والخميس فالقول بثبوت هذا العرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - تشريكاً للمخلوق بالخالق مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه في حياته كان يحب أن تعرض أعماله على الله وهو صائم فكيف يقال أن الأعمال تعرض عليه - صلى الله عليه وسلم - .
2 ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان في الحياة الدنيوية لم يكن يعلم بأحوال من غاب عنه إلا عندما يوحى إليه والأحاديث الدالة على هذا كثيرة منها قصة الإفك فلم يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - براءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول القرآن و قصة ضياع عقد عائشة رضي الله عنها حيث أمر بطلبه مع وجوده تحت البعير الذي تركبه عائشة رضي الله عنها ، فإذا كان - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله في الدنيا فكيف نقول بعلمه في البرزخ . وصدق الله : { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (سُورَةُ الأعراف : 188) .
3 ) أن هذا الحديث يخالف الأحاديث الصحيحة الثابتة منها حديث الحوض المتواتر حيث ورد فيه : « لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ » { البُخاري (رَقم : 6582) ومُسلم (رَقم : 2304) } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على عدم علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما أحدثه هؤلاء بعده صلوات الله و سلامه عليه فيناقض عرض الأعمال الذي يدل على علمه بأعمال أمته فهذا ضعيف و ذاك متواتر 0
4 ) إن العرض إنما ثبت في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون سائر الأعمال كما في الحديث : « إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلام وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام » { أخْرَجَهُ : أبو داود (رَقم : 1047,1531) وابن ماجة (رَقم : 1636) والنسائي (رَقم : 1374) } .
5 ) ثم إنه لو ثبت عرض الأعمال لا يصح الاستدلال به على جواز الدعاء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أو دعائه .... { الدعاء و منزلته من العقيدة الإسلامية (2/771-781) بإختصار }(1/159)
لذهب إليه الصحابة حين قحطوا وأجدبوا وسألوه أن يدعو لهم ليغيثهم ، ولما ذهبوا إلى عمه العباس .
( وأما من جهة العقل : فلما يترتب على هذه الدعوى من اللوازم الباطلة فيلزم منها :
1- أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى في قبره منه شيء فيكون من يزوره في ذلك الوقت يزور مجرد قبر ويسلم على غائب .
2- أن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه .
3- أن يكون الشخص الذي رآه له حكم الصحابة - رضي الله عنهم - .
4- أن يكون الكلام الذي تكلم به - صلى الله عليه وسلم - تشريعاً جديداً لهذه الأمة ، وهذا بلا شك طعنٌ في كمال الدين وكونه عرضة للتبديل والتغيير .
وهذه الجهالات لا يلتزم بها من كان له أدنى مسكة عقل .
ومن ظن أن جسده - صلى الله عليه وسلم - المودع في المدينة خرج من القبر وحضر المكان الذي رآه فيه فهذا جهلٌ لا جهل يشبهه ، فقد يراه في وقت واحد ألف شخص في ألف مكان على صور مختلفة ، فكيف يتصور هذا في شخص واحد ؟ ( (1) .
هذا وإن الذي يعتقده علماء السلف هو أن الأنبياء أحياء في قبورهم حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها ، وقد حرَّم الله - عز وجل - على الأرض أن تأكل أجسادهم ، وأن هذه الأَجساد لا تخرج من القبور حتى يبعث الله الخلائق كما في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - : « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ » (2) .
__________
(1) رَ : صيد الخاطر لابن الجوزي (ص429) .
(2) [ أخرجه مُسلم (2278/3) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ] .(1/160)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ » (1) .
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره إلا يوم القيامة ولا يتصل بأحد من الناس ، بل هو مًنَعَّمٌ في قبره ، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة (2) .
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله في الرد على هذه الفرية في معرض بيانه لمنكرات الموالد : ( و من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد و لهذا يقومون له محيين مرحبين و هذا من أعظم الباطل و أقبح الجهل .
فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، و لا يتصل بأحد من الناس و لا يحضر اجتماعاتهم بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة و روحه في أعلى علّيين عند ربه في دار الكرامة ) (3) . ثم استدل على هذا من الكتاب و السنة و إجماع الأمة .
• والقومُ يَستدلون أيضاً بِقصَّة الأَعرابي المُسمى العتبي وهي باطلة (4) .
__________
(1) [ أخرجه البُخاري (2411) ] .
(2) حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته 2/779-781 .
(3) حكم الاحتفال بالمولد النبوي وغيره (صَفْحَة : 6) .
(4) ( يحكى عن العتبي أنه قال كنت جالسا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : ( و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي وأنشد يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف و فيه الجود و الكرم
ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له ) هـ وهي باطلة . انظر : الجامع للشعب (8/3880) م الصارم (252-253) التوصل (273-290) قاعدة جليلة (439) صيانة (255-258) هذه مفاهيمنا (75-78) تحت المجهر (3/35-45) الصراع (2/ 769-794) البيان لأخطاء بعض الكتاب (247) تيسير العلي القدير (1/407) تحفة الزوار (54و55) م . والعجب من قوم لا يحتجون بالأحاديث الصحيحة في باب الاعتقاد كيف يتعلقون فيما يوافق أهواءهم بروايات المجهولين ، الذين لا يعرفهم علماء الجرح والتعديل الذين دونوا أسماء الثقات والضعفاء والمجهولين وفاتهم هؤلاء المجهولين الذين يتعلق برواياتهم أصحاب الأهواء . ثم العجب - ثانيا - أنهم يتعلقون بالمنامات ويحتجون بها في الاعتقادات . ثم العجب - ثالثا - أنهم يتعلقون بما ينسب إلى الأعراب الأ جلاف و يعرضون عما ثبت عن أئمة الأسلاف من مثل ما روى عبدالرزاق عن معمر عن عبيدالله بن عمر : ( أنه لا يعلم عن أحد من الصحابة أنه كان يزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ) و هي رواية ثابتة صحيحة لا غبار عليها . وهل هذا الأعرابي أفقه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعلم بالقرآن منهم وأحرص على تطبيقه منهم ؟ كيف لم يأت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى قبره مستغفرين من ذنوبهم مستشهدين بهذه الآية ؟ . إذن : فعلى هؤلاء أن يتأدبوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأدب الأعراب ، فقد روى الإمام أحمد 2/288 : ثنا زيد بن الحباب أخبرني محمد بن هلال القرشي عن أبيه أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : ( كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، فلما قام قمنا معه ، فجاءه أعرابي ، فقال : أعطني يا محمد ، قال : « لا ، و استغفر الله » فجذبه فخدشه ، قال : فهمّوا به ، قال : « دعوه » ، ثم أعطاه . قال : وكانت يمينه أن يقول : « لا ، واستغفر الله » . و قال أيضاً 5/65 : ثنا روح بن عبادة ثنا بسطام بن مسلم قال : سمعت خليفة بن عبدالله الغبري يقول : يا رسول الله ! أطعمني ، يا رسول الله ! أعطني ، قال : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل المنزل ، وأخذ بعضادتي الحجرة ، وأقبل علينا بوجهه ، وقال : « والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم في المسألة ، ما سأل رجل رجلاًو هو يجد ليلة تبيته » فأمر له بطعام ) . و روي البخاري (5809) و مسلم حديث رقم (128) كلهم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال : ( كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و عليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجبذه بردائه جبذة شديدة ، حتى نظر إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد ! مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء . و في لفظ عند أحمد 3/310،153 : ( حتى انشق البرد ، وحتى تغيبت حاشيته في عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . وروي البخاري (220) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قام أعرابي فبال في المسجد ، فتناوله الناس ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : « دعوه و هريقوا على بوله سجلاً من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين » .
فهل يحتج بتصرفات هؤلاء الأعراب و يقتدى بهم فيها ، فإذا كانت تصرفاتهم هذه خطأ فتصرف ذلك الأعرابي - على افتراض ثبوتها و دونه خرط القتاد - خطأ لأنه فهم الآيه على غير وجهها و طلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ما لا يجوز أن يطاب منه ولو كان جائزاً لفعله الصحابة الكرام و اشتهر عنهم بل و تواتر عنهم ) [ رَ : قاعدة جليلة (150-151) بتصرف ] .(1/161)
فَتوى اللجنة الدائمة رقم (5782)
وتاريخ 4 / 7 / 1403 هـ
س : ما حُكم اجتماع النَّاس للمولد مع زعمهم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَحضر مجالسهم وهل هذا الاجتماع يَصح شَرعاً ، وماذا يَنبغي لنا أن نفعل في يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومتى وُلد ، من أي يوم ، وأي شهر ، وأي سنة . وهل النبي - صلى الله عليه وسلم - حَيّ في قبره أم لا ؟ .
الجواب : اجتماع الأحياء ليلة المولد وقِراءة قِصّته ليسَ مَشروعاً بل هو بدعة محدثة ، وزعمهم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر مجالسهم كذب . والنبي - صلى الله عليه وسلم - حيّ في قبره حياة برزخية يتمتع فيها بِنعيم الجنة وليست كحياته في الدنيا فإنّه قد توفي وغُسّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه صَلاة الجنازة ، ودُفن كغيره ، ويكون أول مَن يُبعَث من قبره يوم القيامة وقد قال - عز وجل - مخاطباً له : { إنّك ميّت وإنّهم مَيّتون ( ثُم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختَصمون } .
( كذبهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الموالد وهو من وجوه :
الأول : سرد أحاديث ضعيفة و موضوعة ينسبونها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشهدون بها أثناء قراءة المولد (1) .
الثاني : زعمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر في ذلك المجلس ، و قد تقدم .
الثالث : ومن المعتقدات الباطلة حول النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خُلِق من نور الله ، وأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الأصل في المخلوقات ، وأن نوره أول المخلوقات وأن هذا النور تنقل في أولاد بني آدم ، وأن الخلق خلِقوا من نور محمد .
يقول المناوي في نظمه :
فالكل من نوره الرحمن أوجده ... لولاه ما كانت الآفاق قد نظمت (2)
ويقول أيضاً :
والكائنات لأَجل المصطفى خلقت ... دنيا وأخرى جميعاً من ملاحته
__________
(1) ويُنْظَرُ : القول الفصل (205-294) .
(2) مولد المناوي (صَفْحَة : 2-3) .(1/162)
هو أول الخلق سر العالمين به ... كذا جميع البرايا من بدايته
لولاه ما أوجد الله الوجود ولا ... قد كان ما كان إلا من كرامته (1)
واستدلوا بأحاديث لم تثبت منها : ( كنت نورا قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق آدم جعل ذلك النور في صلبه فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى استقر في صلب عبد اللّه ) وهو موضوع (2) .
هذا الحديث معارض بالحديث الصحيح الذي رواه مسلم : ( خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم - عليه السلام - مما قد وصف لكم ) . ففيه دلالة على بطلان الأحاديث التي تقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلق من نور .
فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور ، دون آدم وبنيه فتنبه ولا تكن من الغافلين (3) وأما ما رواه عبد الله بن أحمد في السنة (4) عن عكرمة : ( خلقت الملائكة من نور العزة وخلق إبليس من نار العزة ) ونحوه فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها ، لأنه لم ترد عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - (5) .
__________
(1) مولد المناوي (صَفْحَة : 18) .
(2) رَ : القول الفصل (238-251) علم الحديث (258) تنبيه الحذاق ، النور المحمدي ، منهاج السنة (4/27) حقيقة مذهب الاتحاديين (127-128) كتب ليست من الإسلام (49) تحت المجهر (1/9) شيخ الإسلام (1/686) .
(3) وبالمناسبة فإنَّ فكرة (النور) هذه واردة في الفلسفات القديمة حيث يعتقدون أن الروح تنتقل من شخص لآخر ، وقد بَنوا عليها فِكرة الحلول وتَناسخ الأرواح .
(4) (صَفْحَة :151) .
(5) رَ : السلسلة الصحيحة (1/458) بتصرف .(1/163)
واستدلوا بحديث : ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) ، و في لفظ : ( يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره ) وهو موضوع (1) .
وقد سُئل السيوطي (2) عن هذا الحديث ، فأجاب : ( ليسَ له إسناد ويعتمد عليه ، ويُبطله قوله - صلى الله عليه وسلم - : « النّاس بنو آدم ، وآدم مِن ترابٌ » (3) ) هـ .
ونقول : أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بشر ، وليس من نور الله ، وأن زعمكم يعوزه دليل من الكتاب أو السنة يؤيد هذا الاعتقاد الموروث من اليهود والنصارى والله يقول : { قل إنما أنا بشر مثلكم } (4) وقوله تعالى : { وما جعلنا لِبَشر من قبلك الخلد } (5) ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « كلكم لآدم وآدم من تراب » (6) .
__________
(1) رَ : القول الفصل (217-228) أثر الأحاديث الضعيفة (33-36) البدعة (77) الصحيحة (1/458) تنبيه الحذاق ، الأحاديث القدسية الضعيفة للعيسوي (1/57) السنن المبتدعات (93) علم الحديث (261،262) مجموع الفتاوى (18/366،367) الرد على البكري (9/10) المواهب اللدنية (1/71،72) م الألفاظ الموضحات (23،33،34) النور المحمدي (46) الآثار المرفوعة (42،43) م فتاوى اللجنة الدائمة (1/309-312) 0
(2) الحاوي للفتاوي 1/323-325 .
(3) أخْرَجَهُ : أبو داود (رَقم : 5166) والترمذي (رَقم : 3956) وأحمد 3/361 وصحّحه الألباني في صَحيح الجامع 5/111 .
(4) الكهف (110) .
(5) سورة الأنبياء : 34 .
(6) الدر المنثور (6/99) الإتحاف (8/375) انظر السلسلة الصحيحة (4/1571) .(1/164)
كل هذه الآيات والأحاديث الواضحة تدل على أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - من آدم المخلوق من تراب وأنه بشر من ظهر وبطن بشر كما يشهد - صلى الله عليه وسلم - في حديثه : « إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد » (1) وأنه مرت به جميع أطوار الطفولة كما تمر بكل طفل ، وأنه يأكل طعام البشر ويشرب شرابهم ، فهو بشر كإخوانه من الأنبياءِ عليهم الصَّلاة والسّلام يقول الله - عز وجل - : { ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } (2) ولكنهم مع ذلك يكذبون هذه الآيات الواضحات ويصرون في عناد على موقفهم المخالف لما صرح به كتاب الله وبينته سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ونؤمن أيضاً أن عيسى خلق من تراب بدليل قوله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } (3) العجيب أننا نؤمن بهذا ونخالف النصارى فيما يعتقدون ثم نعتقد بأن محمداً خُلِق من نور ، علماً بأن المخلوق من نور الله هو جزء من الله فكيف نُنْكر على النصارى عقيدتهم بينما نعتنق نحن نفس العقيدة ونرضاها لأنفسنا ... .
__________
(1) أخرجه ابن ماجة (3312) والحاكم (6/192-193ح3573) والبيهقي في الدلائل (5/69) قال البوصيري : إسناده صحيح ورجاله ثقات . اُنْظُرْ : مجمع الزوائد للهيثمي (9/20) السلسلة الصحيحة للأَلباني (4/ح876) .
(2) المائدة (33) .
(3) آل عمران (59) .(1/165)
ومن ألهمه الله حُسن البصيرة والعقل السليم أدرك أن مثل هذا الكلام لا يصح ولا يصدر عنه - صلى الله عليه وسلم - ، حيث أن بُطلانه واضحٌ بالعقل والنّقل . ولقد قال شيخ الإسلام في نقده لِمثل هذه الأحاديث الواردة في هذه الشّأن ، فهذه الأَحاديث وأمثالها مما هو كذب عند أهل العلم لا سيما إذا كانت معلومة البُطلان بالعقلِ بل مُستحيلة في العقل ليس لأَحد أن يرويها ويحدث بها إلا على وجه البيان لكذبها ، كما ثبت في الصّحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : « مَن رَوى عَنِّي حَديثَاً وهُو يُرَى أَنَّه كَذبٌ فهو أَحَدُ الكاذبين » (1) .
فهذه هي المناقضة التي يحملها الجهلة وبيان ذلك أن نقول : عقيدة النصارى في ألوهية عيسَى عليه السّلام هي (عقيدة التَّثليث) التي تقرر أن الإله مركب من ثلاثة أُصول هي : الأب والابن وروح القدس ، ومُعتنقو هذه العقيدة يعرفونها هكذا : الله (الأب) ، والله (الابن) ، والله (روح القدس) . وحجتهم في هذه العقيدة هي : أنه ما دام عيسى لم يولد من أب وأم كما يولد سائر البشر ، وما دام الله قد أَلْقَى كلمته إلى مريم بدليلِ قوله - عز وجل - : { وكلمته ألقاها إِلَى مَريَم وروح منه } (2) . وما دام أن يكون عيسَى هو ابن الله ويُصبح كل منهما عين الآخر ؛ لأن الابن جزء من الأبِ . وقد شاركت الجاهلية الثّانية طائفة من النصارى في هذه العقيدة الفاسدة ، غير أنّ هناك اختلافاً بسيطاً في طريقة إعلان العقيدة ، فالنّصارى تَقول عن عيسى إنه ابن الله . أما الصّوفية فيقولون عن محمد إنه نور انبثَق وفاض من الله فاتّفقت العقيدتان في المعنى واختلفا في التسمية (3) .
__________
(1) أخْرَجَهُ : مُسلم 1/9 . اُنْظُرْ : مجموع الفتاوى 28/371 .
(2) سُورَةُ النساء : 171 .
(3) اُنْظُرْ : (صراع بين الحقِّ والباطل) .(1/166)
( فَتوى اللجنة الدائمة رقم : 5782 بتاريخ 4 / 7 / 1403 هـ : هل النبي - صلى الله عليه وسلم - نور من نور الله كما يقول بعض الناس وهل هو نور عرش الله - عز وجل - ؟ .
الجواب : النبي - صلى الله عليه وسلم - نور هدى ورَشاد كما قال - عز وجل - : { إنّك لَتهدي إلى صِراط مُستقيم } وليسَ بدنه نور ، وليس هو من نور الله الذي هو وَصفه ، بل هو لحم وعظم وما خالطهما ، خُلق من أب وأم كغيره كما مَضت سنة الله - عز وجل - في البشر ، وكان يأكل ويشرب ويقضى من شأنه ، وله ظل إذا مشى في شمس ونحوها . وأما قوله - عز وجل - : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (المائدة: 15-16) فالمراد بالنور في ذلك : القرآن ، وعطفه الكتاب عليه عطف تفسير . ولم يثبت في القرآن ولا في السنة الصّحيحة أنَّه نور عرش الله ، فمن زعم ذلك فهو كذاب هـ .
الرابع : ومن المعتقدات الباطلة حول النبي - صلى الله عليه وسلم - أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو أول خلق الله ويستدلون بحديث مكذوب وموضوع : ( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين وآدم لا ماء ولا طين ) (1) .
__________
(1) رَ : القول الفاصل (229-236) مجموع الرسائل و المسائل (11و14) الحاوي بتخريج الفتاوى
(1283) مجموع الفتاوى (18/369) الجد الحثيث (37) أسنى (1113) المصنوع (233) القصاص (29) النخبة (246) تمييز (1027) الضعيفة (1/302) الأسرار (352) تحذير المسلمين (562) المقاصد (837) الفوائد الموضوعة (89) تحفة الأحوذي 10/3688 الدرر (331) تنزيه (341) المواهب اللدنية (1/59) م شيخ الإسلام (2/242) علم الحديث (270) 0(1/167)
وحديث : ( كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم ) وهو ضعيف (1) .
ونرد عليهم فنقول : إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس أول خَلقِ الله - عز وجل - كما تزعمون ، بل آدم - عليه السلام - هو أوَّل خِلقِ الله - عز وجل - من البشر ، وذلكَ بِشهادة القرآن الذي لا يستطيع أن ينكره ، إلا كل جاحد مُكابر لا يؤمن بالله - عز وجل - واليوم الآخر .
أقول : ألا يعجبهم دليلاً أن الله - عز وجل - أمر الملائكة بالسجود لآدم بعد خلقه بقوله : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } (2) ألا يقنعهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « كلكم لآدم وآدم من تراب » (3) .
الخامس : ومن المعتقدات الباطلة حول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
يقولون : إن هذا الكون خلق من من أجل محمد ووجد إكراما له ، ويرددون كلاماً مخترعاً يقولون فيه : ( لولاك لولاك ما خُلقت الأفلاك ) .
__________
(1) رَ : أثر الأحاديث الضعيفة ( 38 ) الضعيفة (3/66) القول الفصل (237) المقاصد (774) م فيض (5/6423) أسنى (1109) تفسير القرطبي (4/141) م الفوائد (1014) الروض البسام (4/1399) الكامل (3/1209) كنوز الحقائق (2/5574) م كشف الغمة (69) الجامع (6423) فيض ( 5/6423) مجموعة رسائل الرفاعي (56-74) ميزان (3/3146) والخصائص للسيوطي تحقيق محمد خليل هرّاس (1/9) .
(2) سُورة الأعراف (11،12) .
(3) تقدَّم تخريجه .(1/168)
ونرد عليهم فنقول : لقد خلق الله هذا الكون بما فيه من إنس وجن لأجل غاية واحدة ألا وهي عبادة الله دون شريك له سبحانه ودون اتخاذ مثيل له ، وقد صرح القرآن بهذا في أوضح عبارة وأجلى بيان إذ يقول تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (1) ويقول سبحانه في غير الجن والإنس من الموجودات : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } (2) وقوله - عز وجل - : { قل إنَّ صلاتي ونُسكي ومَحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شَريك له وبِذلكَ أُمِرت وأنا أوّل المُسلمين } .
__________
(1) سورة الذاريات (56) .
(2) انظر صراع بين الحق والباطل لسعد صادق محمد (ص180-185) والقول الفصل .(1/169)
السادس : منها ما ذكره البرزنجي في مولده نَثراً (ص79-84) ونَظماً (ص119-112) (1) : ( لما حملت آمنة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أذن الله لنساء الدنيا أن يحملن ذكوراً كرامة له - صلى الله عليه وسلم - (2) ونكست الأصنام ، وفتحت أبواب السماء كلها ، وأبواب الجنة كلها ، ونطق دواب قريش بحمله ، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً ، وفرت وحوش المشرق إلى المغرب بالبشارات ، وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضاً ، والنداء في السماء ، ولم يبق تلك الليلة دار إلا أشرقت ، ولا مكان إلا دخله النور ، ولا دابة إلا نطقت (3) ، وحضرت مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ولادته (4) ، ونزول القمر والسلام عليه (5) ومناغاة القمر له في المهد (6) ،
__________
(1) (المولد النبوي) لعبد الغفار حميدة (ص47-58) والقول الفصل مع المناقشة التفصيلية مع الأَدلة والرد ، وانظر كتاب (كتب ليست من الإسلام) للاستانبولي .
(2) هذا من الكذب المفضوح فلا يعقل أن الحوامل في عام واحد يلدن كلهن ذكوراً ، ولو جرى ذلك لأَصبح من الأَحداثِ الهامة التي يؤرّخ بها [ انظر كتاب : ( الخصائص الكبرى ) للسيوطي (117) تحقيق : الشيخ محمد خليل هرّاس ] .
(3) قال القسطلاني : ( إنه شديد الضعف ) قال محمد خليل هراس : ( إنه كذب فما نطقت دواب قريش ولا حيل بين الجن والإنس إلقاء السمع إلى الكهان إلا بعد البعثة ... ) الخصائص الكبرى للسيوطي تحقيق محمد خليل هراس (119) .
(4) ذَكره السيوطي والقَسطلاني وحكم عليه السيوطي بالنكارة الشديدة . رَ : الخصائص الكبرى (1/47) والمواهب اللدنية (1/124) .
(5) ذَكره القَسطلاني وغيره وقال : ( لا أصل له ) . رَ : المواهب (2/527) والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع (ص261) (ح466)كشف الخفا (2/410) .
(6) مناغاة القمر وإحياء الميت وإيمان الأسكفة الحيطان آثار موضوعة أو واهية ..[ الخصائص الكبرى للسيوطي تحقيق محمد خليل هراس (7) ] .(1/170)
وارتجاج إيوان كسرى ، وسقوط أربع عشرة شرفة منه ، وخمدت نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، وغاضت بحيرة ساوة0 وإليك بعض أقوال أهل العلم في هذه الإرهاصات والغرائب :-
ـ قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه السيرة النبوية (1) بعد ذكره لحديث سطيح (هذا حديث منكر غريب) والحديث هو«لما ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إرتجس إيوان كسرى فسقطت منه أربعة عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوى ورأى الموبذان إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ... إلخ » (2) .
ـ وقال العلامة الألباني رحمه الله في كتابه (صحيح السيرة النبويه ما صح من سيرة رسول صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه للحافظ ابن كثير ص14) قال ذكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات (ليس فيه شيء).
ـ وقال المحدث صفي الرحمن المبار كفوري في كتابه(الرحيق المختوم (3)
__________
(1) (ص 14) .
(2) أخرجه أبو سعيد النقاش الحنبلي في فنون العجائب (69-74) وابن جرير الطبري في تاريخه (2/276-278) وأبو نعيم في الدلائل (1/82:173) والبيهقي في الدلال (1/126-129) والخرائطي في هواتف الجنان (16) والأزهري في تهذيب اللغة (4/276-278) وابن عساكر في تاريخ دمشق (10:ق 309:ب) وابن السكن في معرفة الصحابة كما في الفتح (6/584) والإصابة (6/524)...إلخ نقلاً من نيل الفضائل في تخريج أحاديث كتاب الدلائل (أبي نعيم ) تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم مساعد سليمان الراشد الحميد (4/1221- 1238) أنظره مفصلاً هناك . وانظر الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض تحقيق وتعليق محمد العلاوي أشرف على تحقيقه وقدم له مصطفى العدوي رقم الحديث (1121) ص (386) .
(3) (ص81)(1/171)
"وقد روي أن ارهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد فسقطت أربعة عشر شرفة من إيوان كسرى وخمدت النار التي يعبدها المجوس وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت روى ذلك الطبري و البيهقي وغيرهما وليس له إسناد ثابت ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعي التسجيل"
وعبدالله التليدي علامة المغرب لم يذكر شيئاً من ذلك في كتابه إتحاف أهل الوفاء بتهذيب كتاب الشفاء حيث ذكر في منهجه ص(29) أن قصده بالتهذيب حذف وتنقية الكتاب من كل مالم يثبت ثم قال ولم أبق منها إلا جملة يسيرة مما ضعفها ليس شديداً أو منجبراً حيث ذكر ص(303) ماظهر من الآيات عند ولادته ورضاعته وقبل نبوته وعندها ولم يذكر شيئاً منها .
ـ وقال الدكتور عبد المعطي قلعجي في تعليقه على دلائل النبوة للبيهقي (1/129) ـ بعد ذكر حديث سطيح [ القصة في سيرة ابن هشام (1/11ـ14)ودلائل النبوة لأبي نعيم (96ـ99) والوفا(1/97)وتاريخ الطبري (2/131ـ132) وشرح المواهب اللدينة (1/121) والبداية والنهاية (2/268ـ269) والخصائص الكبرى للسيوطي (1/51) وغيرها.
وهذا الحديث ليس بصحيح وذكره في كل هذه الكتب على سبيل التسهيل لتمحيصه لا لصدقه).أهـ
ـ وقال الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (1) وكذلك وردت روايات موضوعة حول هواتف الجان في ليلة مولده وتبشيرها به وانتكاس بعض الأصنام في المعابد الوثنية بمكة وحول ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نيران المجوس وغيض بحيرة ساوة ورؤيا الموبذان الخيل العربية تقطع دجلة وتنشر في بلاد الفرس.... "ثم نقل في تعليقه قول الذهبي المتقدم.
__________
(1) (1/100)(1/172)
ـ قال الشيخ خالد عبدالرحمن العك في تعليقه في كتاب (أعلام النبوة للماوردي)ص271 بعد أن ذكر حديث سطيح وبعض أعلام النبوة قال (ليس جميع ما ذكره مما يحتج به, فكثير من الأخبار التي ساقها لا يصح ولا يثبت كما رأيت في التعليق عليها,ولكن الأخبار ذات الأسانيد الواهية إذا سقط الاحتجاج بها لا تؤثر على صحة دعوى النبوة وإثبات حقائقها فهي غنية عن كل خبر لا يصح إسناده والحق دائماً غني عن الباطل والصدق لايقر بالكذب والصحيح لاينفعه العليل فليت المؤلف رحمه الله اقتصر على الأخبار الصحاح وأراح القراء من عناء الروايات الضعيفة والواهية وفي الصحيح ما يكفي !)
ـ يقول صاحب كتاب "السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية دراسة تحليلية الدكتور:مهدي رزق الله أحمد (1) ومما لم يثبت بطرق صحيحة ولكنه اشتهر مثل قولهم:أنه حين ولد سقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى وخمدت النار التي كان يعبدها المجوس وغاضت بحيرة "ساوة" وانهدمت المعابد التي كانت حولها"أهـ.
قال عبدالفتاح أبو غدة في تحقيقه لكتاب المصنوع في معرفة الحديث الموضوع للقارئ (2) . ومثله في عدم جواز قوله وإنشاده:ما يقال في بعض المدائح النبوية وغيرها,نظماً ونثراً,من أن ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ارتجس ـ أي انشق ـ إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفه وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام,وغاضت بحيرة ساوة ـ وهي قرية من قرى بلاد فارس,بين مدينة همذان وقم,ورأى الموبذان ـ وهو كبير حكام فارس ـ رؤيا.... وفسرها له كاهن العرب سطيح.)
فهذا الحديث ليس بصحيح,ولا يجوز قوله ولا إنشاده,ويزيد منعا أنه يتعلق بشأن من شؤون النبي - صلى الله عليه وسلم - ,وبأمور خارقة للعادة.
__________
(1) (ص 112و113)
(2) (ص18)(1/173)
ولا يغرنك ذكر بعض العلماء له في كتب السيرة أو التاريخ,مثل ابن جرير الطبري في"تاريخة " 2: 131-132,وأبي نعيم الأصفهاني في "دلائل النبوة" ص96-99,والبيهقي في دلائل النبوة أيضا1: 67-71و121-122, القسطلاني في "المواهب اللدنية"23:1,والزرقاني في"شرح المواهب اللدنية "1: 122-121,والسيوطي في "الخصائص الكبرى"15:1,والشامي الصالحي في السيرة الشامية:"سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد"1: 429-430,وغيرهم...فإن هؤلاء المؤلفين وأمثالهم رحمهم الله تعالى يذكرون في كتبهم هذه كل ما ورد في الباب مما صح ومما لم يصح,لتسجيله ومعرفته,وتمحيصه وغربلته,لا لصدقه وصحته.
قال الإمام ابن جرير الطبري في مقدمة"تاريخه":"وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في
كل ما أحضرت ذكره فيه,إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه,والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه,فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين,مما يستنكره قارئه,أويستشنعه سامعه,من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة,ولامعنى في الحقيقة,فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا,وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا,وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا".انتهى.
وقال الإمام الحافظ السيوطي في"الخصائص الكبرى"1: 47-49,بعد أن أورد من كتاب أبي نعيم الأصفهاني:"دلائل النبوة" ثلاثة آثار طوال,وقع فيها ذكر العجائب التي قيل:أنها وقعت عند مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ,وهي مما يقوله المنشدون والقصاص في المولد النبوي!وهي الكذب البين الصريح بعينه,والعجائب المكذوبه المستنكرة بذاتها,قال الحافظ السيوطي بعدها:"قلت هذا الأثر,والأثران قبله ,فيها نكارة شديدة ! ولم أورد في كتابي هذا أشد نكارة منها, ولم تكن نفسي لتطيب بإيرادها ! ولكني تبعت الحافظ أبا نعيم في ذلك!".انتهى.(1/174)
ولما ذكر الحافظ ابن حجر في"فتح الباري"6: 410 في (باب خاتم النبوة)الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم:ما يورده المؤلفون في السيرة النبوية من أخبار لا تصح في ذلك الموضوع ,أنكر عليهم ذكرها ساكتين عليها,غير مبينين ضعفها وبطلانها.
ونقل كلامه الحافظ الزرقاني في "شرح المواهب اللدنيه"1: 156-157,فقال الزرقاني بعد ذكر تلك الأخبار:لكن قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في"فتح الباري" :لم يثبت منها شيء بل بعضها باطل ,وبعضها ضعيف فلا معنى لذكرها مع السكوت عليها,وقد أطنب الحافظ قطب الدين في استيعابها في شرح السيرة وتبعه الحافظ مغلطاي في الزهر الباسم ولم يبينا شيئاً من حالها والحق ماذكرته ولا تغتر بشيء مما وقع منها في"صحيح ابن حبان ", فإنه غفل حيث صحح ذلك,بإيراده في صحيحه".انتهى.
ـ وقال الإمام الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في فاتحة "ألفيته" في السيرة النبوية ص2:
وليعلم الطالب أن السيرا تجمع ما صح وما قد أنكرا
والقصد ذكر ما أتى أهل السير به وإن اسناده لم يعتبر
قال عبدالفتاح :وهذا الحديث ـ حديث ارتجاس إيوان كسرى ....مما أنكر,فضلاً عن أنه حديث منقطع الإسناد, وقال فيه الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام"1: 28 "هذا حديث منكر غريب" انتهى.
ولفظ (منكر) كثيراً ما يطلقونه على (الموضوع),يشيرون بذلك إلى نكارة معناه مع ضعف إسناده وبطلان ثبوته,كما تراه شائعاً منتشرا في كتب "الموضوعات" وكتب الرجال المجروحين,مثل كتاب "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للحافظ الذهبي ,وكتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" لابن عراق ,وغير هذين الكتابين مثل كتابنا هذ"المصنوع"فانظر منه الحديث66و398والفقرة406و453و455و463ففيها(المنكر)بمعنى (الموضوع).(1/175)
وانظر ايضاً في سبيل ما حضرني الآن من الأمثلة, في "الموضوعات" لابن الجوزي2: 31,و "ميزان الاعتدال" 47:1 و129:3 و7449 4: 211و212 وفي "تنزيه الشريعة المرفوعة" 134:1 حديث 5و135 حديث 7و146 حديث 35و148 حديث 40و170 حديث 2و171 في الحديث 6وفي التعليق عليه ,و193 في التعليق على حديث 42,وفي التعليق على حديث 43و308 حديث 81و334 وحديث 20,و341 وحديث 1و353وحديث 39,و374 حديث 94,والجزء32:2 في التعليق على حديث 16,و36 في التعليق على حديث 41,و205 في التعليق على حديث 24و292 في التعليق على حديث 33 وعلى حديث 34,و309 في التعليق على حديث 85,و320 في التعليق على حديث 4.وهذا البحث مما يستفاد ,ولم أر من كتب فيه من قبل ,فالحمد لله على فضل الله ) انتهى كلام عبدالفتاح أبو غدة .
أقول: وقد أطلت الكلام على هذه الخوارق والإرهاصات خاصة نظراً لانتشار ذلك واشتهاره عند أكثر الناس وتصديقهم بذلك.(1/176)
وأنقل كلاماً للشيخ إسماعيل الأنصاري « ولاحتواء القصص التي تسمى الموالد على أحاديث غير صحيحة بين ابن الحاج في الجزء الثاني من المدخل ص(14-15) في كلامه على المولد بين أن علماء المالكية يمنعون الجلوس إلى القصاص ثم قال بعد ذلك سبب المنع أنهم ينقلون القصة على مانقل فيها من الأقوال والحكايات الضعيفة التي لا يصح أن تنسب إلى منصب من نسبت إليه كما ذكر من مفاسد اجتماع النساء في زمانه في المولد إنهن لا يجتمعن للمولد إلا بحضور شيخة على عرفهن قد تكون وهو الغالب ممن تدخل نفسها في التفسير لكتاب الله - عز وجل - فتفسر وتحكي قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وتزيد وتنقص وربما وقعت في الكفر الصريح وهي لا تشعر بنفسها وليس ثَمَّ من يردها ويرشدها وقال وقد بلغني أنه وقع ذلك منها في بيت شيخ من الشيوخ المعتبرين في الوقت ولا غير عليها أحد بل أكرموها وأعطوها واستمر ابن الحاج إلى أن قال «وكثير من الرجال من يطالع الكتب ويعرف الصحيح من السقيم قل أن يسلم من هذه المخاصمة فكيف بالمرأة التي هي معوجة أصلاً وفرعاً ثم إنها مع اعوجاجها قليلة المطالعة وإن طالعت فالغالب أنه يستوي عندها الصحيح والسقيم . والغالب في القصص والحكايات الضعف والكذب فتنقله إن كانت ثقة على ما رأته فيقع الخطأ فكيف بها إذا حرفته فزادت أو نقصت فيه فتضل فيدخلن النسوة في الغالب وهن مؤمنات فيخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين نسأل الله السلامة بمنه»أ.هـ . والمراد من كلام ابن الحاج في القصاص .(1/177)
يضاف إلى ذلك ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في الجزء الأول من «لسان الميزان » ص(13) عن ابن قتيبة ونصه «قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة منها الزنادقة واحتيالهم للإسلام وتهجينه بدس الأحاديث المستبشعة والمستحيلة والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير والغرائب والأكاذيب من الأحاديث ومن شأن العوام ملازمة القاص مادام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول » أ.هـ (1)
وأقول أين التحقيق والتمحيص ممن يزعم حب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لا يستوثق بل لا يتردد في نسبة أمور إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تثبت عنه نسأل الله السلامة .
ولو لم يكن إلا احتواء هذه الموالد على هذه الأخبار الواهية والأساطير والسخافات والأحداث الغريبة والإرهاصات التي قرنت بمولده لكفى بذلك حرمة .
وإني لأعجب والعجب لاينقضي ولا يزال الناس في خير ما تعجب من العجب أن جُلَّ إن لم يكن كل من مدح قصيدة البوصيري - حسب علمي القاصر – أقروا هذه الأمور ( *). وإليك تتمة لهذه الغرائب والعجائب ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - وُلِد مختوناً لحديث : ( من كرامتي على ربي أني وُلدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي ) وهو ضعيف و قد روي عن عدة طرق كلها معلولة (2) . إلى غير ذلك من الأَقاويل الضَّعيفة والموضوعة .
قال الحافظ العراقي : ( لا يثبت شيءٌ في هذا كله ) .
__________
(1) القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل (294) .
(2) انظر : المتناهيه (264) زاد المعاد (1/81) مناهل الصفا (75) الدلائل لأبي نعيم (1/154) الزوائد (8/13852) الحلية (3/24) ميزان (2/1513) الكامل (2/577) الروض الداني (2/936) الأوسط (7/6144) الدلائل البيهقي (1/114) م البداية والنهاية (2/265) رسالة لطيفة (70) غاية السول (301) زوائد بغداد (1/86) صحيح السيرة للطرهوني (1/289) .(1/178)
وذكر الحافظ ابن حجر أن من أسباب طعن أهل العلم في مُستدرك الحاكمِ رِوايته أحاديث واهية مِثل حديثِ أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وُلد مختوناً ، ثم قول الحاكم : ( وقد تواتر هذا ) (1)
( ومنها ما ذكره صاحب مولد شَرف الأَنام (ص49) : ( قالت حليمة : فأخذته ودخلت به على الأَصنام فنكَّسَ هبل رأسه وخرت الأصنام من أماكنها ، فجئت إلى الحجر الأَسود لأَقبّله فخرج الحجر من مكانه حتى التصق بوجه - صلى الله عليه وسلم - ) فسبحان الله من هذا الكذب والزور .
( منها : قولهم بإحياء أبوي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإيمانهما ونجاتهما من النار ، يقول في مولد برزنجي نظم (ص118) : ( وقد أصبحا والله من أهل الإيمان - إلى أن قال - وإن الإِمام الأَشعري لمثبت نجاتهما نصّاً بمحكم التبيان ) .
ومن أدلتهم : حديث ( إحياء أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى آمنا به ) وهو لا أصل له (2) .
أورده الإِمام الذهبي الحديثَ في الميزان (3) في ترجمة (عبد الوهاب بن موسى)
__________
(1) اُنْظُرْ : لسان الميزان 5/263 ترجمة رقم (8598) .
(2) انظر : الدرر (481) تمييز (40) مختصر المقاصد (34) أسنى (70) الشذرة (35) الكشف الإلهي (1/124) الأسرار (16) الموضوعات (1/283) الفوائد الموضوعة (47) تذكرة (87) خفا (1/150) اللآلئ (1/266) تنزيه (1/322) الفوائد (1000) المواهب اللدنية (1/178-179) م رفع الخفا (1/60-63) الأباطيل و المناكير (1/207) إتقان ما يحسن (1/76) 0
(3) مِيزان الاعتدال للذهبي (4/684) وانظر : (موسوعة أهل السنة) لدمشقية 1/365-374 .(1/179)
وقال : لا يدرى من ذا الحيوان الكذّاب ، فإن هذا الحديث كذب مخالف لما صح أنه عليه السلام استأذن ربه في الاستغفار فلم يأذن له ... وقد ذكر السخاوي قول ابن كثير إنه حديث منكر جداً وإن كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى ولكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه ... (1) ا( .
وثبت عن أنس - رضي الله عنه - في الصحيح أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي ؟ . قال : ( في النار ) فلما قضى دعاه فقال : ( إن أبي و أباك في النار ) (2) .
فَحديثُ ( إحياء أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى آمنا به ) حديث موضوع بلا شك و الذي وضعه قليل الفهم عديم العلم إذ لو كان له علم لَعَلِمَ أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة لا بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع ، ويكفي في رد هذا الحديث قوله - عز وجل - : { فيمت وهو كافر } ، وقول - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح : « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي » (3) .
وقد أنكر بعض المنتسبين للعلم في هذا الزمان أن يكون أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - في النار مثل الغزالي المعاصر ، وأنكر غيرها من السنة الكثير وليس له مستند لإنكاره إلا العقل الذي لا يعرف مصلحته من مضرته ، وهذا مسلك المعتزلة ومن نحا نحوهم .
ومنهج أهل السنة تقديم النص الصحيح على العقل مهما كان التعارض في الظاهر ، فالمتهم بالقصور عندهم دائماً هو العقل وليس النص الصحيح ما دام قد صح النص في أن أبا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمه في النار ، فلا نملك إلا أن نسلم للنص الصريح (4) .
__________
(1) الأباطيل و المناكير (1/225-226-227) م 0
(2) مسلم (1/191) .
(3) [ أخْرَجَهُ : مُسلم (رَ : 976) ] .
(4) تذكرة القرطبي (1/35و36) م ، البسطويسي .(1/180)
( ومنها قولهم : ( نسألك بجاه هذا النبي المصطفى ) كما في (صَفْحَة : 79) من مولد شرف الأنام ، ومن أدلتهم : ( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) ، وفي لفظ : ( إذا سألتم الله فاسألوه .. ) وهو لا أصل له (1) .
__________
(1) انظر : الدعاء - للعوايشة - (42) الألفاظ الموضحات (12) قاعدة جليلة (715) الضعيفة (1/22) غاية الأماني (2/335) الحاوي بتخريج الفتاوي (111) مجموع الفتاوى (1/319و346) المشتهر (53) التوصل (246) السنن و المبتدعات (265) السيف القاطع (86) أثر الأحاديث الضعيفة (39) القول الجلي (57) مجموع الرسائل و المسائل (1/28) اقتضاء الصراط (2/792) الدعاء مفهومه و أحكامه (123) شفاء الصدور (344) الرد على البكري (12و460) .(1/181)
ومما لا شك فيه أن جاهه - صلى الله عليه وسلم - ومقامه عند الله عظيم فقد وصف الله - عز وجل - موسى بقوله : { وكان عند الله وجيها } ومن المعلوم أن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من موسى فهو بلا شك أوجه منه عند ربه - عز وجل - ولكن هذا شيء والتوسل بجاهه شيء آخر فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعض الجهال إذ أن التوسل بجاهه - صلى الله عليه وسلم - يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل إذ أنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها فلا بد من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة وهذا مما لا سبيل إليه البتة فإن الأحاديث الواردة في التوسل به - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى قسمين : صحيح وضعيف ، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعي مثل توسلهم به - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء وتوسل الأعمى به - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه توسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - لا بجاهه و لا بذاته - صلى الله عليه وسلم - و لما كان التوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل به - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته غير ممكن و غير جائز .(1/182)
ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا بعمه - صلى الله عليه وسلم - العباس ولم يتوسلوا به - صلى الله عليه وسلم - و ما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - ولذلك توسلوا بعده - صلى الله عليه وسلم - بدعاء عمه لأنه ممكن ومشروع ، وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى ، ذلك لأن السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ... ) وإنما السر الأكبر في دعائه - صلى الله عليه وسلم - له كما يقتضيه وعده - صلى الله عليه وسلم - إياه بالدعاء له ويشعر به قوله : (اللهم فشفعه فيَّ) أي اقبل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - أي دعاءه فيَّ ( وشفعني فيه ) أي اقبل شفاعتي أي دعائي في قبول دعائه - صلى الله عليه وسلم - فيَّ . فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء كما اتضح للقارئ الكريم بهذا الشرح الموجز ... (1) .
__________
(1) الضعيفة (1/30) وفتاوى اللجنة الدائمة (1/87،88) (228-231) 0(1/183)
وقد أجابت اللجنة الدائمة (1) لما سئلت عن الدعاء بجاه فلان أو حق فلان ... فأجابت : ( الدعاء بجاه رسول الله أو بجاه فلان من الصحابة أو غيرهم أو بحياته لا يجوز لأن العبادات توقيفية ولم يشرع الله - عز وجل - ذلك وإنما شرع لعباده التوسل إليه سبحانه - عز وجل - بأسمائه وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات ، وليس جاه فلان وفلان وحياته من ذلك فوجب على المكلفين الاقتصار على شرع الله - عز وجل - وبذلك يعلم أن التوسل بجاه فلان وحياته وحقه من البدع المحدثة في الدين ، وقد صح عنهُ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) ا( (2) . كتب مصنفة في التوسل : 1- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية . 2 القول الجلي في حكم التوسل بالنبي والولي للشقيري 3- التوسل أنواعه وأحكامه للعلامة الألباني وتلميذه عيد عباس 4- التوصل إلى حقيقة التوسل لمحمد نسيب الرفاعي 5- التوسل لمحمد جميل زينو 6- التوسل إعداد أبو لوز أعده من كلام أهل العلم المعاصرين كالألباني وابن عثيمين . 7- فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال لأبي بكر محمد عارف خوقير الكتبي المكي تحقيق أبي بكر بن سالم الشهال
( وفي (ص21) من مولد شرف الأَنام وفيه : ( أن أول شهر من شهور حملها أتاها في المنام آدم وأعلمها أنها حملت بأجل العالم ، وفي الشهر الثاني أتاها في المنام إدريس وأخبرها بفخر محمد وقدره النفيس ) وهكذا أخذ يذكر كل شهر نبياً حتى الشهر التاسع حيث قال : ( أتاها في المنام عيسى المسيح وقال لها : إنك قد خصصت بمظهر الدين الصحيح واللسان الفصيح . وكل واحد منهم يقول لها : يا آمنة إذا وضعت شمس الفلاح والهدى فسميه محمداً ) .
__________
(1) (1/87-88)
(2) وسيأتي – بمشيئة الله - عز وجل - زيادة بيان (صَفْحَة : 287) .(1/184)
( ومنها قولهم : ( إن طه ويس من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ) كما في (ص33) من مولد شرف الأنام : ( أنت طه أنت يس ) . ومن أدلتهم : ( إن الله أسماني [ وفي لفظ : سماني ] في القرآن سبعة أسماء : محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله ) وهو ضعيف جداً (1) .
فما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - غير صحيح ليس ذلك في حديث صحيح ولاحسن ولا مرسل ولا أثر عن صاحب وإنما هذه الحروف مثل : (الم) وَ (حم) وَ (الر) ونحوها (2) .
وقال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : ( وليس طه وياسين من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصح قولي العلماء بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور مثل ص وَ ق وَ ن و نحوها ، وبالله التوفيق (3) .
واستدلوا بحديث : ( لي [ وفي لفظ : إن لي ] عند ربي عشرة أسماء ) فذكر طه ويس . وهو لا أصل له (4) .
__________
(1) رَ : تفسير القرطبي (15/7) م أحكام القرآن لابن العربي (4/1607-1608) تخريج أحاديث الأحياء 3/2310 تفسير الماوردي 5/5 م المواهب اللدنية 2/13م مخالفات متنوعة 1/52-53 الشريعة (407) م تحفة المودود (80) الشفا (1/31) الألفاظ الموضحات (18،19) كتب ليست من الإسلام (29) 0
(2) تحفة الذكرين صفحة (8) 0
(3) مجلة الدعوة عدد (1162) في 7/3/1409هـ ؛ مخالفات متنوعة القسم الأول صفحة (52) 0
(4) انظر : تخريج أحاديث الإحياء (3/2310) الكامل (3/1273) الألفاظ الموضحات (18-19) مناهل الصفا (35) تفسير القرطبي (11/88) و (8/7) المواهب اللدنية (2/43) مخالفات متنوعة (1/52و53) الشريعة (407) تحفة المودود (80) عيون كتب ليست من الإسلام (29) 0(1/185)
يقول الشيخ عبد العزيز محمد السدحان (1) : ( لفظ (طه) و(يس) حيث يتبادر إلى ذهنِ كثيرين أنَّ هذين اسمين من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومما قووا به كلامهم : أنَّ سِياقَ الخطابِ يدل على أنَّ (طه) اسم من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - كما قال - عز وجل - { طه ( ما أنزلنا عليك القرآن ... } الآية ، فكأنَّ هذا كلام يتعلَّق بما قبله . وقوله - عز وجل - : { يس ( والقرآن الحكيم ( إنَّك لمن المرسلين } فكأنَّ الضّمائر ترجع إلى أنَّ اللفظَ الذي جعلوه اسماً وهو (طه) و(يس) .
والصّواب : أنَّهما ليسا من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد بالغ ابن القيم في كتابه (تحفة المودود) (ص127) في ردّ هذا وقال : ( ما يَذكره العوام في ذلك غير صَحيح ، فليس في ذلك حديثٌ صَحيحٌ ولا حسن ولا مُرسل ، ولا أثر عن صاحب ، وإنما هذه الحروف مِثل : ألم ، وحم ، آلم ... ونحوها ) هـ . وممن اختار اختار هذا القول العلامة ابن باز رَحِمَهُ اللهُ ) هـ .
( ومنها ما ذكره البرزنجي بقوله :
(ص59) هذا النبي الذي لولا جلالته لم يخلق الخلق لا جنّا ولا بشرا
فما أعظم مصادمة هذه الألفاظ الشنيعة لقوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (2) .
( وفي ص19 منه يقول : فجميع الأنبياء خلقوا من نور محمد - صلى الله عليه وسلم - (3) .
ص28 يا إلهي بأحمد اسقنا الغيث في البلاد
ص108 ونتوسل إليك بشرف الذات المحمدية
والاحتفال بالمولد عادة ما يختم بدعوات تحمل ألفاظ التوسلات المنكرة إن لم تكن فيها كلمات شركية .
وفي ص199 فاعلم بوجوب المعرفة
من واجب لله عشرين صفة
له صفات سبع تنتظم
فقدرة إرادة وسمع وبصر
__________
(1) (آراء خاطئة وروايات باطلة في سير الأنبياء والمرسلين عليهم الصَّلاة والسّلام) (صَفْحَة : 95) .
(2) سورة الذاريات ( 56 ) وتقدم الكلام عليه (صَفْحَة : 149) .
(3) وتقدم الرد على هذا القول (صَفْحَة : 146-14 ) .(1/186)
حياة العلم كلام استمر
فهم يجاهرون و يصرحون بهذه العقيدة الفاسدة وهي عقيدة الأشاعرة المخالفة لمذهب أهل السنة و الجماعة من الإيمان بكل أسماء الله و صفاته وليس حصر للصفات في سبع و تأويل الباقي ، إن هذا كلام باطل و عقيدة فاسدة كاسدة (1) .
فَعقيدة أهل السنة والجماعة :
الإيمان بكل ما أخبرنا الله تعالى أو أخبرنا به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أسماء الله وصفاته ، نثبتها على الحقيقة ثبوتاً يليق بجلاله وعظمته ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ، على حد قوله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (2) .
وما الفرق في إثبات صفات أخبرنا الله بها هل نؤمن بها كلها أو نثبت البعض وننكر أو نؤول البعض الآخر ، فالذي قال : { هو السميع البصير } وقال : { وهو على كل شيء قدير } (3) وقال : { وكلم الله موسى تكليماً } (4) فالقائل لهذه الآيات هو القائل - عز وجل - : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } (5) والقائل - عز وجل - : { وجاء ربك } (6) والقائل جل علاه : { يحبهم ويحبونه } (7) .
وفي السنة : قال - صلى الله عليه وسلم - : « يضحك الله إلى رجلين » (8) .
__________
(1) للإستزادة عن موضوع الأشاعرة راجع : (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) للدكتور عبد الرحمن الحمود (رسالة دكتوراه ) و(منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله - عز وجل - ) لخالد عبد اللطيف محمد نور ( رسالة ماجستير ) و(منهج الأشاعرة في العقيدة وتعقبات على مقالات الصابوني) للشيخ سفر الحوالي .
(2) سورة الشورى الآية (11) .
(3) سورة الروم الآية (50) .
(4) سورة النساء الآية (164) .
(5) سورة الزخرف الآية (55) .
(6) سورة الفجر الآية (22) .
(7) سورة المائدة الآية (54) .
(8) [ البخاري (806) (2826) (7438) مسلم (182) (1890) ] .(1/187)
وفيها : « ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا » (1) (2) .
وفيها : « إن الله رضي عنك وسخط على صاحبيك » (3) .
فالمؤمن يؤمن بكل ما ورد ، لا أنه يأخذ البعض وينفي البعض ، ولماذا نفرِّق وهو في كل صفاته ليس كمثله شيء .
( بعد الانتهاء من المولد وختمه بالدعاء يقرأون الفاتحة ، وبعضهم يقول ( بسر الفاتحة ) ويستدلون بحديث ( الفاتحة لما قرئت له ) وهو لا أصل له (4) .
أقول : وكم دعا - صلى الله عليه وسلم - في كثير من المواطن ولم ينقل لنا أنه قرأ الفاتحة ، وعلى هذا سار السلف الصالح من لدن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - ومن اقتفى أثرهم واتبع سبيلهم .
( مجاهرتهم بأن الصوفية سادتهم :
فيقول في (ص192) : ( وإلى أرواح السادات الصوفية المحققين ) وفي الحديث : ( لا تقولوا للمنافق سيد ، فإنه إنْ يك سيداً فقد أسخطتم ربكم - عز وجل - ) (5) .
ومتى جاءت بدعة لفظ الصوفية لم تأت إلا بعد مضي القرون المفضلة ، يقول الشيخ صالح السدلان في تحقيقه على الرهص والوقص لمستحلي الرقص (6) : ( والصوفية كلمة مولدة ليس لها أصل ترجع إليه في اللغة العربية ... .
__________
(1) [ البخاري (1/289) مسلم (2/175) . رَ : إرواء الغليل (2/450) ] .
(2) والأشاعرة تقول : تنْزِل رحمته ، فهل رحمته هي القائلة : ( هل من سائلٍ فأُعطيه ... ) . هل رحمته هي التي تُدعى وتُسأل ويُطلب منها المغفرة أم الله - عز وجل - ؟! .
(3) [ البخاري (3464) مسلم (2964) ] .
(4) انظر : المصنوع (204) الدرر (312) م المقاصد (734) اسنى (971) تمييز (901) مختصر المقاصد (682) النوافح (1167) النخبة (215) فتاوى اللجنة 2/384 .
(5) أخرجه أبو داود (4977) وأحمد (5/346،347) .
(6) (صَفْحَة :40-46) .(1/188)
إلى أن قال : والتعريف الصحيح للتصوف هو أنه بدعة ضلالة من شر البدع وأكثرها إضلالاً وأكبرها ضلالة ، إذ أنه لم يعرف في الوحي المحمدي ولا في عصور الصحابة والتابعين ولا قال به أحد من أئمة الدِّين ( .
ويقول الشيخ أبي بكر الجزائري في رسالته إلى التصوف يا عباد الله (1) :
إن التصوف إما أن يكون هو الإسلام أو يكون غيره فإن كان غيره فلا حاجة لنا به ، وإن كان هو الإسلام فحسبنا الإسلام الذي تعبدنا به { هو سماكم مسلمين } (2) { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (3) لأن غير الإسلام باطل ، وينبغي إبعاد هذه الألقاب والمسميات وليكتفوا بما سماهم الله - عز وجل - المسلمين المؤمنين هـ (4) .
( قَصائدُ المَديحِ النَّبَويِّ (
ما يحدث في مثل هذه الاحتفالات من إلقاء القصائد والمدائح النبوية والتي ترفع مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الربوبية والألوهية وتشم رائحة الشرك والكفر [ والتي تُزْكِمُ أنْفَ المُوَحِّدَ ] تفوح من هذه القصائد ، وفيها ما يُخالف عقيدة أهل السنة والجماعة من عَثَراتٍ عَقدية وتوسلات شركية وغلو وإطراء وخرافات وطوام عظام ، والتي غالباً ما تلقى في الاحتفالات بذكر مولده - صلى الله عليه وسلم - ، بل في بعضها اعتقاد ابن عربي الملحد ومن على شاكلته .
__________
(1) (صَفْحَة : 8) .
(2) سورة الحج الآية (78) .
(3) سورة آل عمران الآية (85) .
(4) وانظر ما قاله الشيخ بكر أبو زيد في آخر الرسالة (303) .(1/189)
وقد عثرت على شريطين (1) فيهما من الشرك والدجل والتصوف الشي الكثير ، كقولهم : ( يا رسول الله مدد مدد مدد ) وفيه طبول ودبكة وانفعال الصوفية وصراخ وصِياح بل خوار ونخير ، وفيه يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
إني في حال العسر وفي اليسر ألوذ به مَدى العمر
وأقول أغثنني أغثنني يا ذخري وأنلنا من كفيك ندى
ويقول :
فلذلك مددت إليه يدي وبذلك كنت من السعداء
لا أرجو غيرك (2) إن جار دهري وعدمت الأنصارا
أيكون مُحبك في وجل وبجاهك لا نخشى أحداً
ويقول :
لئن جئت تبغي من كريم إعانة فأكرم (3) من من خير البرية لا تَلْقَى
وكن في حِمى خير الأنامِ ومت به إذا كُنتَ في الدارين تبلغ أن تَرقَى
ويقول :
يا سيدي يا رسول الله خُذ بيدي في كل حادثة ما لي بها قبل
ويقولون : وزج بنا في بحار الأَحدية ، وانشلنا من أوحال التوحيد ، وأغرقنا في بحار عين الوحدة حتى لا نرى ولا نسمع ولا نجد ولا نحس إلا بها ، واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه وسر حقيقتي وحقيقته ، وجميع عوالمي بتحقيق الأول .
ويقول :
زدني بفرط الحب فيك تحيراً وارحم حشى بلظى هواك تسعرا
وإذا سألتك أن أراك حقيقة فاسمح ولا تجعل جوابيا لن ترى
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سر أرق من النسيم إذا سرى
فأباح طرفي نظرة أمَّلْتها فغدوت معروفاً وكنت منكراً
وقال :
نرجو شفاعتك العظمى لمذنبنا بجاه وجهك عنا يغفر الزلل
يا رسول الله يا حبيب الله كن لنا عوناً يوم نلقى الله
إلى آخر ما في هذين الشريطين من الشرك وغيره .
__________
(1) وهي لِصوفيّ في بلدنا أرجعهم الله للحقِّ والصّوابِ وكان لي معهم محاورات ومناقشات . وأما حججهم فأوهَى من بيتِ العنكبوتِ . وسيأتي بعضها إن شاء الله - عز وجل - (صَفْحَة : 292-294) .
(2) فأين الله - عز وجل - ؟! .
(3) فأين الله - عز وجل - ؟! .(1/190)
( ومما يتداولونه في موالدهم على هذا النمط نظم البرزنجي وقصيدة البوصيري والبرعي ، ولا تزال هذه القصائد مُنتشرة إلى اليوم في حفلات الموالد وحلقات الذكر الصوفي (1) ، ونقتطف منها بعض الأبيات باختصار وإيجاز .
منها على سبيل المثال مما يتعلق بمولد البرزنجي و هو يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(ص4) السلام عليك يا عون الغريب ... السلام عليك يا جالي الكروب
(ص8) يا رسول الله خير كل الأنبياء ... نجنا من هاوية يا زكي المنصب
فمن ذا الذي يجلو الكروب ومن الذي ينجي من الهاوية أليس هو الله عَزَّ وَجَلَّ القائل { قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون } والقائل - عز وجل - : { ثم ننجي الذين اتقوا ... } (2) .
ص17 فجد يا رسول الله منك برحمة لعبد أسير بالذنوب مقيد
أدعوك أحمد يا محمد يا سيد الرسل المقدم
فمن ذا الذي يدعى ؟ أليس الله قال تعالى : { ادعوني أستجب لكم } (3) .
ص61 ألا يا نبي الهدى أغث من بذكرك يصح
ألا يا نبي الهدى أغث من بذكرك يلح
ص36 يا نبي سلام عليك يارسول سلام عليك
يا حبيبٌ سلام عليك صلوات الله عليك
__________
(1) وما أوردته أو سنورده إلا نماذج وأمثلة فقط لما يُردد في الاحتفالات بالمولد من أشعار ومدائح ، ولا يخلوا مولد من ذلك لا سيما هذه القصائد ، بل إن جل من يحضر المولد يحفظها عن ظهر غيب ، فلا أدري : هل يجهلون معاني تلك الأبيات وما انطوت عليه من شرك وتنقص لله - عز وجل - في ألوهيته وربوبيته فبذلك يكونون جهلة مقلدين لا يفقهون ما يقولون على حد قوله - عز وجل - : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } (الزخرف : 33) أم أنه الهوى والإعراض عن السنة وحب البدعة والخرافة على حد قول الشاعر :
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ
(2) سورة مريم ( 72 ) .
(3) سورة غافر ( 60 ) .(1/191)
فيا أيُّها القارئ الكريم قِف وتأمّل ما قال ، هل يُخاطب الرسول بمثل هذه الصيغ الهزيلة التي تدل على الاستهزاء لا على التعظيم ، ولولا ثِقتنا بِحب المؤلف للرسول لقلنا أنه تعمد الإِساءة بتلك الأَلفاظ للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن نقول إنه لم يحسن خطابه له - صلى الله عليه وسلم - .
ص38 أنت للرسل ختام أنت للمولى شكور
عبدك المسكين يرجو فضلك الجم الغفير
فيك قد أحسنت ظني يا بشير يا نذير
فأغثني وأجرني يا مجير من السعير
يا غياثى ياملاذي في ملمات الأمور
كل هذه العبارات لا تصرف إلا لله وصَرْفُها لغيره شرك أكبر والدليل غير خافٍ (1) .
وفي ص23 من كتاب (مولد شرف الأنام) يقول :
ولد الحبيب وخده متورّد والنور من وجناته يتوقّد
ولد الحبيب ومثله لا يولد ولد الحبيب وخدّه متورّد
فهل يوصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الوصفِ الغزلي ، ويتغزل فيه كأنه يتغزل بمعشوقته ، سبحانك هذا بُهتان عظيم .
قَصيدة البوصيري المُسَمَّاة بـ (البردة) (2) .
( التَّعريف بِصاحب القَصيدة :
هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي المشهور بالبوصيري (3) ،
__________
(1) انظر الأدلة صفحة (184-190) من هذا الكتاب .
(2) ( - تنبيه مهم جدا
وقد عزمت بإذنِ الله - عز وجل - على إفرادها بِرسالة مُستقلّة مع التوسع فيها - يَسَّر الله إخراجها – بعنوان ثلاث رسائل في الدفاع عن العقيدة: قصيدة البوصيري ودلائل الخيرات وإحياء علوم الدين للغزالي .
(3) [ وهو غير البوصيري المتأخِّر الإِمام المحدث شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر البوصيري الكناني الشَّافعي ، المولود سنة 762 ( والمتوفي سنة 840 ( وهو من نفس الْمَحِلَّة أبو صير . وهو من تلامذة العراقي والهيثمي والبلقيني وابن حجر . وصاحب المؤلَّفات النافعة : (إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة) وهو أوسع كتبه وأهمها وله مُخْتَصَرٌ عليه ، وكتاب (مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه) .
يُنْظَرُ ترجمته في : إنباء الغمر لابن حجر (8/431-432) والضوء اللامع للسخاوي (1/251-252) وذيل طبقات الحفاظ (379) وشذرات الذهب (9/340) ] .(1/192)
نِسبةً إلى بلدته (أبو صير) بينَ الفيوم وبَني سويف بِمصر .
وُلِد سنة 608 ( ، واشتغلَ بالتصوفِ ، وعمل كاتباً مع قِلَّة معرفته بِصِناعة الكتابة ، بل ويظهر من ترجمته وأشعاره أنَّه لم يكن عالماً فقيهاً ، كما لم يكن عابداً صالحاً ، بل كان ممقوتاً عند أهلِ زمانه ؛ لإِطلاقِ لِسانه في الناسِ بكلامٍ قبيحٍ ، كما أنه كثير السؤال للناسِ ، ولذا كان يقف مع ذوي السلطان مؤيداً لهم ، سواءً كانوا على الحق أم على الباطل .
ونافح البوصيري عن الطريقة الشاذلية التي التزم بها ، فأنشد أشعاراً في الالتزام بآدابها كما كانت له أشعارٌ بذيئة يشكو من حالِ زوجه التي يعجز عن إشباعِ شَهوتها ! ، وكانت حياته في بيته جحيماً لا يُطاق ؛ من فقرٍ وسوء خلق وشيخوخة وسقم (1)
توُفِّيَ البوصيري سنة 695 ( ، ولو ديوانُ شعر ، وهو مطبوع (2) .
وقد نظم عدَّة قصائد في المدائح النبوية ، وأشهرها قصيدتان :
1- الميمية : وتحتوي على ( 160 ) بيتاً - وهي التي سنتطرق لها - مطلعها :
أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم
2- الهمزية : ومطلعها :
كيف ترقى رقيك الأَنبياء يا سماء ما طاولتها سماء
والميمية - وهي المقصودة بهذا البحث - أشهر عند عامة المتصوفة ومقلديهم .
__________
(1) فالعجب ممن يعتقد أن قصيدة البردة تجلب الرزق وتطرد الفقر مع ما عرفته من حال صاحبها !! .
(2) انظر ترجمته : فوات الوفيات (3/362) والوافي بالوفيات (3/105 وشذرات الذهب 5/432 والأَعلام (6/139) مقدمة ديوان البوصيري بتحقيق محمد سيد كيلاني (ص5-44) وللمحقِّق كتابٌ آخر بعنوان (البوصيري دراسة ونقد) . ومعجم المؤلفين 3/717 ومعجم أعلام شعراء المدح النبوي لمحمد أحمد 353/358 وشرح البردة لخالد الأزهري 5-10 وبردة البوصيري لمحمد رجب النجار ، والبوصيري دراسة ونقد لمحمد كيلاني . وانظر البيان العدد (139/ص69) تحت عنوان ( قوادح عقدية في قصيدة البوصيري ) لعبد العزيز العبد اللطيف .(1/193)
ومن العجب والعجب لا ينقضي أن يقول بعض من ينتسب إلى أهل السنة والجماعة ( إن قصيدة البوصيري من عيون الشعر العربي وهي التي حظيت بما لم تحظ غيرها من القصائد بالشروحات والتخميسات وغيرها . بل من المؤسف حقاً أن يكون لهذه القصيدة المملوءة بالضلال والشرك مهابة في قلوب الباحثين أم أنه الجهل بحقيقة الإسلام ؟! حتى أحمد شوقي أبدى مهابة في معارضته للبردة [والمعارضة في الشعر هي كتابة الشاعر قصيدة توازي وتطابق قصيدة أخرى في الوزن والقافية وتركيب الأبيات ، وليس معناه الرد والتعقب فتنبه ] ، ونهج البردة لشوقي أقل ضلالاً من بردة البوصيري ، لكن فيها من الطَّامات والشركيات أشياء ، وهذا ليس مجال الكلام عن ذلك ، لكن نكتفي بمثال حتى يستبين الحال ، وقد قال :
كل نبي عند رتبته ويا محمد ! هذا العرش فاستلم
خططت للدين والدنيا علومهما يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم (1)
وقد نُسجت حولها المنامات والأَساطير ابتداءً بناظمها الذي جاء عنه أنه بسبب استشفاعه بهذه القصيدة مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام عليه فبرئ من فالج كان قد أبطل نصفه ، وألقى عليه بردة ، فسميت القصيدة لذلك بالبردة . وهذه الحكايات من تسويل الشيطان وإضلاله للعبد ليشجع على الغلو والشرك ويغريهم بذلك .
وتبعه في نسج الأَساطير أتباعه ومحبوه من ذوي عقيدته ، حتى أصبحت رمزاً للاستشفاع والتبرك والغلو ، فأصبحت تسمى بالبُرأة ، والبُروة ، وقصيدة الشدائد .
وغالى المتصوفة فيها حتى عملوها تميمة تُعَلَّق على الرؤوس ، وزعموا فيها مزاعم كثيرة من أنواع البركة ، وهم على ذلك إلى يومنا هذا (2) .
__________
(1) من تعليق سليم الهلالي على هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان (ص74) .
(2) دراسة محمد النجار لبردة البوصيري (ص62) من كتاب المقفى للمقريزي . وكشف الظنون لحاجي خليفة 2/1331-1337 .(1/194)
ويظهر أن كل هذه التسميات كانت بعد موت البوصيري ، أما هو فسماها : (الكواكب الدرية في مدح خير البرية ) ، و أطلق عليها ( البردة ) من باب المحاكاة والمشاكلة للقصيدة الشهيرة لكعب بن زهير - رضي الله عنه - في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد اشتهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى كعباً بردته حين أنشد القصيدة إنْ صَحَّ ذلك (1) .
ولم يكتف بعضهم بما اخترعوه من قصص حول البردة ، بل وضعوا لقراءتها شروطاً لم يوضع مثلها للقرآن ، كالتوضؤ ، والاستقبال ، والدقة في تصحيح ألفاظها ، وإعرابها ، وأن يكون القارئ عالماً بمعانيها إلى غير ذلك ، ولا شك أن هذا كله من اختراع الصوفية الذين أرادوا احتكار قراءتها للناسِ ، وقد ظهرت منهم فئة عرفت بقراءة البردة كانت تستدعى في الجنائز والأَفراح نظير أجر معين (2) ، والموالد المبتدعة ، بل هي أهم ما ينشد فيها وتُنشَدُ أيضاً في الحروب واحتفالات الحجيج (3) .
و إن مما يؤسف عليه أن يوجد كثير ممن ينتمي إلى الإسلام يحفظ هذه القصيدة عن ظهر قلب و لا يكاد يتتعتع فيها مع هجرانه لكتاب الله تعالى 0
وهذه القصيدة فيها الشرك بأنواعه و تبدي عوار قائلها وفساد معتقده و دينه ، بل هي مُباينة لِدعوة التوحيد التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتيك تفصيله وبيانه .
__________
(1) يقول ابن كثير في البداية والنهاية (4/73) : ورد في بعض الروايات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهُ بردته حين أنشده القصيدة ... وهذا من الأمور المشهورة جداً ، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه ، فالله أعلم ا( . وانظر ( قوادح عقيدة البوصيري ) (ص67) وانظر (القول المُستجاد في بيان صِحّة قَصيدة (بانت سُعاد) لإسماعيل الأنصاري ، واعتناء عبد العزيز الراجحي .
(2) قوادح عقيدة البوصيري (ص67) .
(3) مظاهر الغلو في قصائد المديح النبوي لسليمان الفريجي (63) .(1/195)
وكأنَّ بعض المتأخرين عن البوصيري أحسَّ شدَّة هذا الغلو ، فأراد أن يخففه فزاد في القصيدة - وما أكثر ما زيد عليها - بيتاً ناشِزاً ألقاه في مكان غير مناسب في القصيدة ، وهو قوله :
فمبلغُ العلمِ فيه أنَّهُ بشرٌ وأنه خير خلقِ الله كلهم
ولم يرض كثير من الصوفية بهذا البيت ؛ للنص فيه على بشريته ، وأنها منتهى العلم فيه ، فغيروه إلى :
مولاي صل وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم
ونسبوا فيه مناماً خاصّاً للبوصيري فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي ألقى بشطره الثَّاني على البوصيري (1) .
وهذه القصة الخيالية المنامية الطريفة حصلت مع البوصيري ، وذلك أنه أنشد هذه القصيدة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كما زعم - مناماً حتى أتى إلى قوله ( فمبلغ العلم فيه أنه بشر ) ولم يستطع أن يكمل البيت ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ ) . قال البوصيري : إني لم أوَفَّق للمصراع الثاني (2) .
فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( قل : وأنه خير خلق الله كلهم ) ؟! .
والرؤيا المزعومة فيها كذب وافتراء وما دعوا وما اختلقوا هذه الأَكاذيب إلا ليرفعوا من شأن هذه القصيدة ، إذ كيف يرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الكلام المخالف للقرآن الكريم ولهديه - صلى الله عليه وسلم - وفيه شركٌ صريح ، وكيف تصح هذه الرؤية والقصيدة مبايعة لدعوة التوحيد التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي من أكذب الكذب .
هذا ويعلم آحاد المسلمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن مدحه بقوله :( لا تطروني ... ( الحديث .
ويعلم الناس كذلك قوله - عز وجل - : { وما عَلَّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } .
__________
(1) مظاهر الغلو في قصائد المديح النبوي (62) .
(2) أي عجز البيت .(1/196)
فإذا لم يقل - صلى الله عليه وسلم - الشعر في حياته أيقوله بعد مماته في المنام . تباً لهذه العقول (1) .
وهل المنامات حجة تؤخذ منها الأحكام ؟ ، ولا يكون الجواب نعم إلا عند أصحاب التصوف والتشوف .
والمُضحك المبكي - وشر البلية ما يُضحك - أنْ جَمَعَ من يُدعى إبراهيم بن محمد اليلواجي رسالة أسماها ( رسالة خواص أبيات قصيدة البردة ) ذكر فيها عظائم وطوام ، وجعل لقصيدة البردة خواص وأمور لم تجعل إلا لكلام الله - عز وجل - ، مما يجعل المسلم يعجب ويحتار من أين يستقي هؤلاء دينهم وعقيدتهم ، وأين عقولهم من الدين الصّحيح والمحجة البيضاء ، ثم ساقَ هذه الرسالة بتمامها حتى يقف المسلمون على حال هؤلاء ، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى والعلم (2) .
و إليك بعض الأبيات التي تبين ما اشتملته هذه القصيدة من الغلو و الشرك و ما فيها من مخالفات للقرآن الكريم و سنته - صلى الله عليه وسلم - باختصارٍ وإيجازٍ - (3) :
يقول في قصيدته :
? أقسمت با القمر المنشق أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
الشاعر يقسم و يحلف بالقمر و الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه أحمد 0 و إذا كان القسم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يصح فالقسم بالقمر من باب أولى و كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على جهل البوصيري بأبسط مبادئ التوحيد 0
قد يقول بعضهم : و كيف أقسم الله تعالى في القرآن بالقمر و غيره 0 الجواب أن الله تبارك و تعالى له أن يقسم بما شاء و أراد من مخلوقاته لبيان عظمة مخلوقاته التي تدل على قدرته 0 أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم إلا بالله 0 و خاصة و قد قيد الحديث السابق أن القسم لا يكون إلا بالله وحده 0
__________
(1) كتاب ( تربية الأَولاد في الإِسلام ) لعبد الله العلوان في ميزان النقد العلمي للعتيبي (6/7) .
(2) انظرها في مجلة الحكمة (20/104-127) .
(3) لم نذكر إلا بعضاً منها .(1/197)
قال ابن عبد البر : ( لا يجوز الحلف بغير الله - عز وجل - في شيءٍ من الأَشياء ، ولا على حال من الأَحوال ، وهذا أمر مجمعٌ عليه ... - إلى أن قال : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها ، لا يجوز الحلف بها لأَحدٍ ) (1) .
? يا لائمي في الهوى العذري معذرة ... مني إليك و لو أنصفت لم تلم
إن التعبير عن حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالهوى تعبير لا يجوز إطلاقه على هذا النبي العظيم وهو إنما يطلق على السفهاء من العشاق (2) .
? آيات حق من الرحمن محدثة .... قديمة صفة الموصوف بالقدم
و هذا من أقوال البوصيري الشاذة جعله صفة القدم من أسماء الله الحسنى 0
قال ابن أبي العز في شَرحِ العقيدة الطحاوية : ( و قد أدخل المتكلمون في أسماء الله : القديم و ليس هو من الأسماء الحسنى ، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره ، لا فيما يسبقه عدم ! كما قال - عز وجل - : { حتى عاد كالعرجون القديم } 0 وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ) رواه مسلم ( اهـ (3) .
? كيما تفوز بوصل آي مستتر .... عن العيون و سر آي مكتتم
و أي وصل هذا ؟ و هو تعبير صوفي لا يليق بالمقام الإلهي ؛ و أي سر هذا !! فلا يصح أن يقال إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئاً عن أمته 0
? و كل آي أتى الرسل الكرام بها .... فإنما اتصلت من نوره بهم
وفي كلام البوصيري هذا إخلال بتوحيد الربوبية إذا لم يكن فيه وحدة الوجود ، بجعل نور محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أصل الأشياء ، مما يعبر عنه المتصوفة المنحرفون ( بالحقيقة المحمدية ) 0
__________
(1) التمهيد (14/366-367) .
(2) شرح العقيدة الطحاوية 113-114 باختصار والفتوى الحموية (صَفْحَة : 456) .
(3) شرح العقيدة الطحاوية (113-114) باختصار 0(1/198)
( لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه .... طوبى لمنتشق منه و ملتثم (1)
أقول : ما هذا الكلام الشاذ المنحرف ؟ فمتى كان تقبيل التراب واستنشاقه من القربات ؟! فهذا الفعل هو عمل المشركين الذين يعظمون الأحجار والأشجار ويعتقدون نفعها وضرها وكيف وأمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - يقول في الحجر الأسود : ( والله إنك حجر لاتضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك ؟ ) فعمررضي الله عنه يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الفعل و يعلم أن تقبيل الأحجار والأشجار والتراب هو من فعل المشركين الذين يعتقدون فيها نفعا أو ضرا فهذا من البوصيري الغلو المنهي عنه فمتى كان حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتقبيل التراب و استنشاقه فلو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يفعل ذلك لاستتابه ؟ ! .
يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية : واتَّفق الأَئمة على أنه لا يمس قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقبله ، وهذا كله محافظة على التوحيد ا( (2) .
لقد أوضح الرسول - صلى الله عليه وسلم - آداب الزيارة للقبور وحصر ذلك بالسلام على أهلها والدعاء لهم فقط فلا قراءة الفاتحة ولا غيرها من القرآن الذي جاء للأحياء لا للموتى 0
وقول البوصيري ( طوبى ) أي الجنة لمستنشق طيب تراب قبره - صلى الله عليه وسلم - ومقبله كذب وغلو منهي عنه ، وإفراط يؤول إلى الشرك فضلاً عن الابتداع والإِحداث في الدين .
وما أجهل وأحمق الذين يتمسحون بقبور الصالحين و يتمرغون ( كالبهائم ) بترابهم و يترامون على عتباتهم مع ما يصحب كل ذلك من الإستغاثه بهم و الذبح لهم مما هو كفر صريح لحديث : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) رواه مسلم 0
? يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
__________
(1) كما قال برعيهم الخرافي الصوفي الوثني :قبر يحط الوزر مسح ترابه
(2) الرد على الأَخنائي (ص41) .(1/199)
يستغيث الشاعر بالرسول - صلى الله عليه وسلم - و يقول له : لا أجد من ألتجئ إليه عند نزول الشدائد العامة إلا أنت (1) فهذا من الشرك الأكبر الذي يخلد صاحبه في النار إن لم يتب منه لقوله - عز وجل - : { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } أي المشركين لأن الشرك ظلم عظيم 0
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من مات و هو يدعو من دون الله نداً دخل النار ) الند : المثيل .
وأقول - للبوصيري وأمثاله - وأين رب العالمين ؟ ومتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محل لياذة في غيابه ؟! .
فلو قال البوصيري :
يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سِواكَ عند حلول الحادث الهمم
لكان مصيباً محقاً و لكن غلوَّه أوقعه في الشرك الصريح فإذا لم يكن هذا شركاً فما في الدنيا شرك أبداً ، فهذا الكلام لا يجوز أن يقال إلا لله خالق الخلق أما المخلوقون - و على رأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوصفهم بهذا الوصف شرك لا مرية فيه 0
ونحن نقول :
لُذ بالإِله لا تلذ بسواه من لاذ بالمولى الكريم حماه
فتأمَّل ما في كلام البوصيري - السابق - من الشرك :
منها : أنه نَفى أن يكون له ملاذ إذا حلَّت به الحوادث إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - وليسَ ذلك إلا لله وحده لا شريك له فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو .
ومنه : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه ، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله وذلك هو الشرك في الإِلهية (2) .
وقال العلامة الشوكاني عن هذا البيت : فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إنَّا لله وإنا إليه راجعون (3) .
__________
(1) وأقول يا للعار و الشنار و غضب الجبار و خروج من الإسلام 0
(2) تيسير العزيز الحميد (219،220) .
(3) تيسير العزيز الحميد (220) والدرر السنية (9/52) .(1/200)
( إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي فَضلاً وإلاَّ فقل يا زلة القدم
والشَّاعر في هذا البيت ينزل الرسول منزلة رب العالمين ، إذ مضمونه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المسئول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر ، فانظر إلى قول الشاعر ، وانظر إلى قوله - عز وجل - : لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : { قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } (1) .
ويزعم بعض المتعصبين للقصيدة أن مراد البوصيري طلب الشفاعة . ولو صحَّ ذلك فالمحذور بحاله لما تقرَّر أن طلب الشفاعة من الأَموات شركٌ بدليل قوله - عز وجل - : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأَرض سبحانه وتعالى عما يُشركون } (2) فَسَمَّى الله - عز وجل - اتخاذ الشفعاء شركاً (3) .
? فإن من جودك الدنيا و ضرتها .... ومن علومك علم اللوح والقلم
أقول : و ماذا أبقى البوصيري لخالق الخلق إذا كانت الدنيا و الآخرة من جود النبي - صلى الله عليه وسلم - وعطائه وإفضاله ، فمعنى الكلام أن الدنيا والآخرة له - صلى الله عليه وسلم - فليس لله فيها شيء ، ومن بعض علمه علم اللوح و القلم !؟ ، وهذا في غاية البطلان ، فعلى هذا الكلام لم يبق لله - عز وجل - علم ولا تدبير - والعياذ بالله - .
__________
(1) سورة الزمر (13) .
(2) سورة يونس : (18) .
(3) الدرر السنية (9/49،82،271) .(1/201)
ومثل هذه الأَوصاف لا تصح إلا لله - عز وجل - ، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يُسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فإن من جودك الدنيا وضرتها ) ومن للتبعيض ، والدنيا هي الدنيا ، وضرتها هي : الآخرة ، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس كل جوده ، فما الذي بقي لله - عز وجل - ؟ ، فعلى كلامه لم يبق له شيءٌ من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة والعياذ بالله .
وكذلك قوله : ( ومن علومك علم اللوح والقلم ) ، ومن هنا تبعيضية أيضاً ، ولا أدري ماذا بقي لله - عز وجل - من العلم ، إذا خاطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخطاب .
فيا أخي المسلم : إن كنت تتقي الله - عز وجل - فأنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلته التي أنزلهُ الله - عز وجل - إيّاها ، إنه عبد الله ورسوله ، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه للناسِ عامة ، { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلاَّ ما يوحى إلي } وما أمره الله به في قوله - عز وجل - : { قل إني لا أملك لكم ضَرّاً ولا رشداً } وزيادة على ذلك : { قل إني لن يجيرني من الله أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحداً } حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله - عز وجل - .
فالذين قاتلهم الخليفة الرابع علي رضي الله عنه كما في البخاري على ما ادعوه فيه لم يصل إلى هذا الذي ادعاه البوصيري للنبي - صلى الله عليه وسلم - 0(1/202)
وأقول : إن ما ذكره البوصيري فيه تكذيب للقرآن الذي يقول - عز وجل - فيه : { وإن لنا للآخرة والأُولى } فالدنيا و الآخرة هي من الله ومن خلقه وليست هي من جود الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلقه ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم ما في اللوح المحفوظ ، إذ لا يعلم ما فيه إلا الله وحده ، وهذا إطراء ومبالغة في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول وأنه يعلم الغيب الذي في اللوح المحفوظ بل ما في اللوح من علمه وقد نهانا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الإطراء فقال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري .
( ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : سؤاله منه أن يشفع له في قوله : ( ولن يضيق رسول الله ... ) وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله - عز وجل - وذلك هو الشرك .
وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله ، فلا معنى لطلبها من غيره ، فإن الله - عز وجل - هو الذي يأذن للشافع أن يشفع ؛ لا أن يشفع ابتداءً (1) .
? ما سامني الدهر ضيماً و استجرت به .... إلا و نلت جواراً منه لم يُضم
يقول : ما أصابني مرض أو هم و طلبت منه الشفاء أو تفريج الهم إلا شفاني و فرَّج همي . والقرآن يذكر عن إبراهيم عليه السلام قوله عن الله عز وجل : { وإذا مرضت فهو يشفين } والله يقول : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ) رواه الترمذي وصححه .
? دع ما ادعته النصارى في نبيهم .... و احكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
__________
(1) تيسير العزيز الحميد (220) والدرر السنية (9/52) .(1/203)
وهذا ضلال واضح بين ، إن البوصيري ينهانا فقط أن نقول أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة ، وهي مقولات النصارى في نبيهم عيس - عليه السلام - ، وأما ما عدا هذه المقولات (واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم) ، ولذلك سار المبتدعة على هذا فقالوا : إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - أول خلق الله - عز وجل - ، وأنه خلق من نور ، وأن الخلق خلق لأَجله ، وأنه ليس له ظل ، وأنه يعلم علم اللوح والقلم - كما سبق عنه أيضاً - .
يظهرُ أنَّ هذا الشاعر جاهلٌ بأبسط أصول الإسلام ! إذ يُنصَح بالاكتفاء عن مثل غلو النصارى في المسيح عليه السلام في شَخصِ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم راح لجهله ينسب إليه معرفة الغيب مما هو مخالف لِما جاء في القرآن وجواز دعائه عند الشدائد والحلف به والغلو والإطراء الذي تنزل رسوله - صلى الله عليه وسلم - منزلة الله وغير ذلك مما هو شرك صريح لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الدعاء هو العبادة ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) وكم رأينا من المخالفات لكل ذلك في أبيات قصيدته البردة المشؤومة التي ضللت الكثير من أدعياء العلم الذين يتلونها في مجالسهم اكثر مما يتلون القرآن .
( لو ناسبت قدره آياته عظماً .... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
ومعناه لو تناسبت معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدره في العظم لكان الميت الذي اصبح بالياً يحي وينهض بذكر اسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما أنه لم يحدث هذا فالله لم يعطه حقه .(1/204)
وهذا كذب و افتراء على الله ، فالله تعالى أعطى كل نبي المعجزات المناسبة له ، فمثلاً أعطى عيسى عليه السلام معجزة إبراء الأعمى و الأبرص و إحياء الموتى ، وأعطى سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - معجزة القرآن الكريم و تكثير الماء و الطعام و انشقاق القمر وغيرها والبوصيري يتهم الله بأنه لم يوفه حقه فاللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول و قائله و ممن ارتضاه .
يقول الشيخ محمود شكري الأَلوسي منكراً هذا البيت : ولا يخفى ما في هذا البيت من الغلو فإن من جملة آياته - صلى الله عليه وسلم - القرآن العظيم الشأن ، وكيف يحل لمسلم أن يقول : إن القرآن لا يناسب قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو منحط عن قدره ، ثم إن اسم الله الأَعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لها تحيي دارس الرمم ؟ (1) .
? وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
? محمد سيد الكونين والثقليـ ـن والفريقين من عرب ومن عجم
وهذا من أكاذيب البوصيري في بردته0
__________
(1) غاية الأَماني للأَلوسي (2/350) باختصار ، وانظر الدر النضيد لابن حمدان (ص136) .(1/205)
وأقول : ما هذا الكلام ، وما هذا الغلو الشنيع في حق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فهل الدنيا خلقت من أجل النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أن خلقها الله وإلى أن تقوم الساعة ؟ فالدنيا خلقت وخلق الخلق فيها من أجل عبادة الله وحده ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أحد عباد الله المخلصين فلو سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا البيت من البوصيري لاستتابه فإن تاب و إلا ضرب عنقه ، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقل من هذا الغضب و الإنكار حين تنتهك حرمة التوحيد والعقيدة كما في المسند وغيره في الرجل الذي قال له : ما شاء الله وشئت فقال له : ( أجعلتني لله ندا ؟ ما شاء الله وحده ) وصح عنه في الرجل الذي سمعه يخطب فقال و من يعصهما - أي الله ورسوله - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( بئس الخطيب أنت ) و لم يرض - صلى الله عليه وسلم - في يوم من الأيام الشرك به أو بغيره مع الله تعالى فكيف لو سمع مثل هذا الكلام ؟! .
والبوصيري وأتباعه يعتمدون في أقوالهم تلك على الحديث الموضوع كما قال الصاغاني وغيره : ( لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك ) والله يكذبهم ويقول : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (1) .
وحتى محمد - صلى الله عليه وسلم - خلق للعبادة و الدعوة إليها يقول الله تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } - اليقين : الموت - و الحقيقة بعكس ما قاله البوصيري فلولا العالمين ما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟! قال الله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } .
ومن هو سَيد الكونين ؟ هو الله - عز وجل - وفي الحديثِ : « السّيد هو الله » .
( فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلقٍ ولم يدانوه في علم ولا كرم
( وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفا من البحر أو رشفاً من الديم
__________
(1) وتقدم الكلام على مثل هذه المقالات .(1/206)
والمعنى : أن جميع الأَنْبِياء السابقين عليهم السلام قد نالوا والتمسوا من خاتم الأَنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فالسابق استفاد من اللاحق فتأمل ذلك وقارن بينه وبين مقالات زنادقة الصوفية كالحلاج القائل : ( إن للنبي - صلى الله عليه وسلم - نوراً أزلياً قديماً كان قبل أن يوجد العالم ، ومنه استمد كل علم وعرفان وحيث أمدَّ الأَنبياء السابقين عليهم السلام ) .
وكذا مقالة ابن عربي الطائي : ( أن كل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي يأخذ من مشكاة خاتم النبيين ) (1) .
? فإن لي ذمة منه بتسميتي محمداً .... و هو أوفَى الخلق بالذمم
وهذا تخرص وكذب ، فهل صارت له ذمة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمجرد أن اسمه موافق لاسمه ؟! فليس بينه وبين اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة ، لا لمجرد الاشتراك في الاسم وهو مشرك .
يقول الشاعر : إن لي عهداً عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلني الجنة لأن اسمي محمداً ، و من أين له هذا العهد ؟ و نحن نعلم أن كثيراً من الفاسقين والشيوعيين و العلمانيين أسموا محمداً فهل التسمية بمحمد مبرر لدخولهم الجنة ؟ و الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لبنته فاطمة رضي الله عنها : ( سليني من مالي ما شئت فإني لا أغني عنك من الله شيئاً ) .
وكل ما ورد من فضل التسمي بأحمد ومحمد فهو باطل لا أساس له من الصّحة (2)
طلبه العفو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا من أكبر انحرافات البوصيري ، وهو مذكور في عدة أبيات ، منها :
( إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض من النبي ولا حبلي بمنصرم .
__________
(1) رَ : تفصيل ذلك في كتاب ( محبة الرسول ) لعبد الرؤوف عثمان (ص169-196) .
(2) اُنْظُرْ : الموضوعات 1/320-328 اللآلئ 1/100-106 الفوائد المجموعة 1328-1332 المنار 57-94 تنزيه 1/172-175 و197-199 المصنوع 248 فَضائل التسمية بأحمد ومحمد لابن بكير .(1/207)
وعندما ذكر العفو والرحمة من الله رجا أن تكون الرحمة مقسومة على حسب العصيان لا الإِحسان ، فقال :
? لعل رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم
وهذا غير صحيح فلو كانت الرحمة تأتي قسمتها على قدر المعاصي كما قال الشاعر ، لكان على المسلم أن يزيد في المعاصي حتى يأخذ من الرحمة أكثر وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل ولأنه يخالف قوله - عز وجل - : { إن رحمة الله قريب من المحسنين } والله - عز وجل - يقول : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } .
( ولا التمست غنى الدارين من يده إلا استلمت الندى من خير مستلم
فجعل البوصيري غنى الدارين ملتمساً من يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن الله - عز وجل - يقول : { وما بكم من نعمة فمن الله } (1) ، ويقول : { قل من يرزقكم من السماء والأَرض } (2) ، وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله - عز وجل - : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ } (3) .
وبات إيوان كسرى وهو منصدع كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاسِ من أسف عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساء ساوة أن غاصت بحيرتها ورد واردها بالغيظِ حين ظمي
وكل ذلك لا يصح (4) . وهكذا الأمر في باقي الأبيات التي فيها من الشرك (5) والغلو والكذب وما هو غير ثابت واضح لكل ذي عقيدة سليمة .
واقرأ القصيدة بنفسك وتمعن بها تجد محال الخطر والانحراف والغلو والكذب في ثنايا هذه القصيدة ، والكلام على أخطار البردة كلها و شطحاتها يستغرق صفحات كثيرة .
__________
(1) سُورة النحل : 53 .
(2) سورة يونس : 31 .
(3) سورة سبأ : 22 .
(4) وتقدم ذلك (صَفْحَة : 151) .
(5) فتاوى اللجنة الدائمة (3/22) .(1/208)
والعجيب أن يزعم الزاعمون ويخرص الخارصون ويكذب الكاذبون أن البوصيري كان أصيب بفالج - ليته لم يشف منه وقضى نحبه و أنقذ المسلمين مما في البردة من شركيات وأكاذيب - فأنشد قصيدة البردة في المنام للرسول - صلى الله عليه وسلم - فأعجب بها ، فألبسه جبته وشفي للحال - كما أسلفنا - : وهل يعقل أن يستمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قصيدة البردة و لا يؤنب ناظمها على ما جاء منها من كفر و انحراف وكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و التي يدخل مؤلفها و قائلها بعد علمه بها و عيد قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) و كفى كذبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زعمهم أنه أقرَّ هذه القصيدة الشركية كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .(1/209)
وكيف يقرها - صلى الله عليه وسلم - وهو القائل - صلى الله عليه وسلم - لامرأة سمعها تغني في عرس : ( و فينا نبي يعلم ما في غد ) فقال - صلى الله عليه وسلم - : « لا يعلم ما في غد إلا الله » (1) .
__________
(1) [ أخرجه الطبراني في الأَوسط (3/360) (3401) {ط : دار الحرمين} ومجمع البحرين للهيثمي (2290) والصغير (1/214-215) (343) {الروض الداني} والحاكم (2/185) وقال : ( صحيح على شرط مسلم ) وسَكت الذهبي . والبيهقي (7/289) (14690) كُلُّهم مِن طريقِ : أبو أُويس بن عبد الله ، عن يحيى بن سعيد الأَنصاري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة أم المؤمنين به . أقول : أبو أُويس هو (عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك الأَصبحي) قريب مالك وصهره ، وهو صَدوقٌ يَهم {تقريب (3412) رَ : تهذيب المزي 4/179 (3348)} . وخالفه في الإِسناد : (سُليمان بن بلال التَّيمي) وهو ثِقةٌ {تقريب (2039)} فرواه : عن يحيى بن سعيد الأَنصاري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أنَّها قالت ... . ولم يَذكر عائشة أمّ المؤمنين . أخرجه البيهقي (7/289) (14689) ، وهذا مُرسلٌ ؛ لأَنَّ (عمرة) من الطَّبقة الوُسطى من التابعين {تقريب (8643)} . ولذلك قال البيهقي في الرِّواية المرسلة - وقد أخرجها قبل الموصولة - : ( مُرسَلٌ جيّد ) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 9/203 { 9/254 دار الكتب العلمية } تحت رقم (5147) عن الرِّواية الموصولة : ( إسناد حسن ) . مع أنَّ كلام المجرحين في (أبي أُويس) قَويٌّ ويكاد أنْ يكونَ ضَعيفاً مُعْتَبراً به ، ومما يدل على عدم حفظه لهذه الرواية مخالفته للثِّقةِ سُليمان بن بلال ، والله أعلم .
ويُغني عنه ما أخرج البخاري (1039،4697،4627) وابن حبان (70،71،6134) من حديث ابن عمر رَضيَ الله عنهما : « مَفاتيحُ الغَيبِ خَمسٌ لا يَعلمها إلا الله » وذَكر منها : « ولا يَعلمُ ما في غدٍ إلا الله » ] .(1/210)
جاء في كتاب ( هذا بيان الحجة في الرد على اللجنة ) أما بعد : فإني وقفت على جواب للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ، و قد سئل عن أبيات من البردة و ما فيها من الغلو والشرك العظيم المضاهي لشرك النصارى و نحوهم ، ممن صرف خصائص الربوبية والإلهية لغير الله كما هو صريح الأبيات المذكورة في البردة 0
ولا يخفى على من عرف دين الإسلام أنه الشرك الأكبر الذي لا يغفره لمن لم يتب منه وأن الجنة عليه حرام 0 وذكر الشيخ في جوابه أن الأبيات المذكورة تضمنت الشرك وصرف خصائص الربوبية و الإلهيه لغير الله 0
وأكتفي بهذا القدر من نقد بعض أبيات البردة وقد عشت معها لحظات باكيا على التوحيد ، آسفاً على كثير من المسلمين الذين سبقوا في الغلو الجاهلية الأُولى التي كانت تعتقد بخلاف البوصيري و أمثاله ، فقد كانت تعتقد أن النافع والضار هو الله وحده قال - عز وجل - في وصفها : { قل من بيده ملكوت كل شيء و هو يجير و لا يجار عليه إن كنتم تعلمون ؟ سيقولون لله قل فأنى تسحرون } (1) 0
و قصائد البوصيري و أشباهه كلها من هذا الوادي ، فقصيدة الهمزية المشهورة فيها من البلايا و العظائم ما تنبو عنه الأسماع و تتقطع له الأكباد ، و قصائد الصوفية في جميع العصور معظمها من هذا الباب 0
ومن هذا نعلم أن الصوفية كان لهم الحظ الوافر في نشر الشرك في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - علماً و عملاً و إنشاداً و تأليفاً و ما يزالون حتى الآن يتغنون بالشرك و ينشرونه بكل وسائلهم نرجوا الله أن يكفي المسلمين شرهم 0
هذا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون الموحدون برءاءٌ جميعاً من هذه القصيدة .
__________
(1) سورة المؤمنون : 88 - 89 .(1/211)
( تنبيهٌ : لا شك أن في بعض أبيات البردة شيئاً من الفوائد ، لعل ناظمها أثبتها لتضليل المسلمين واستدراجهم لتلاوتها والتمسك بها ، فعلى كل مسلم واع وعلى كل مسلمة واعية أن لا ينخدع بذلك و أن يحاربها هي وغيرها من الكتب والرسائل والقصائد التي على منهج البوصيري ، كقصيدة البرعي ، ودلائل الخيرات ، وإحياء علوم الدين للغزالي .
على كل مسلم علق بهذه القصيدة وماكان على شاكلتها وولع بها أن يشتغل بما ينفعه ، فإن حق النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يكون بتصديقه فيما أخبر ، واتباعه فيما شرع ، ومحبته دون تفريط أو إفراط ، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة - لا سيما الصَّحيحين - والتفقه فيهما ، فإنَّ البوصيري وأمثاله استبدلوا سماع هذين الأَصلين والوحيين بسماعِ هذه القصائد ، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة ، وإن كان محبّاً للقصائد التي فيها مدائحٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه بقصائد شعراء الصحابة - رضي الله عنهم - كحسان بن ثابت وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك والعباس بن مرداس وغيرهم من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - ، وغيرهم رحمهم الله - عز وجل - .
( فَتوى للجنة الدائمة :
السُّؤالُ : ما حكم الكِتاب المسمى بالبردة المديح التي تُستعمل في الدعاء في وطننا ؟ وهل هذا الكتاب إذا قرأته تُثاب أم لا ؟ وهل قراءة هذا الكتاب تصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يقول بعض الناسِ أم لا ؟ .(1/212)
الجَواب ُ: أَكْثِرْ مِن قِراءة القرآن الكريم ومِن ذِكرِ الله - عز وجل - بما ثَبَت من الأَذكارِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واستغن بذلك عن قِراءة البردة وغيرها ، فإنَّ التعبد بقراءتها وقراءتها وقراءة أمثالها بدعة محدثة ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردّ » وفي رواية : « من عما عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » وعلى هذا فلا ثواب في قراءتها ، بل في بعض ألفاظها شِركٌ أكبر ، مثل قوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سِواكَ عند حلولِ الحادثِ العمم
إلى أن قال :
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فَضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإنَّ من جودك الدنيا وضرّتها ومِن عُلومك علم اللوح والقلم
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصَحبه وسلم ، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء
عُضو ... عُضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديّان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن باز
فتوى اللجنة رقم (17468) وتاريخ : 2 / 12 / 1415 هـ :
السؤال :جاء في العدد 37 من مجلتكم الموقرة وبالضّبط في ركن الفتاوى (فتوى رقم : 5783) أنَّ قراءة البردة بدعة محدثة . واستدليتم على ذلك بالحديث الشريف ، وقلتم أن لا ثواب في قراءتها بل في بعض أبياتها شرك أكبر ...
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سِواكَ عند حلولِ الحادثِ العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فَضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
والسؤال المطروح : أين يتمثل الشرك الأكبر في الأبيات ، أو فيم يتمثل ؟ .(1/213)
الجواب : ( الشرك في هذه الأبيات حصل لكونه استعاذ بغير الله عند حدوث الشدة يوم القيامة ، والاستعاذة بغير الله شرك ؛ لأنها نوعٌ من أنواع العبادة لا تجوز إلا لله . ولأنه جعل الدنيا والآخرة مِجود النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا كذب وغلو وسلب للملك عن الله - عز وجل - ، ومن جهة ثالثة : أنه جعل من علوم النبي - صلى الله عليه وسلم - : علم اللوح والقلم ، وهذا وصف له بأنه يعلم الغيب ، وقد قال - عز وجل - : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } ) هـ .
( ومِمَّن نقدَ وتكلَّمَ على البردة وهم كثر بحمد الله (1) ومنهم :
ابن تيمية في (الرد على البكري) 1/308 .
محمود شكري الألوسي في (غاية الأماني) 2/350 .
الشّوكاني في (الدر النّضيد) 26-27 .
محمد رشيد رِضا في تعليقه على (صيانة الإِنسان) للسهسواني .
محمد بن عبد الوهاب في (مجموع مؤلّفاته الشّخصية) 5/52 والدرر السنية 1/62 3/20-22 .
سليمان بن سَحمان في (الألسنة الحداد في ردِّ شبهات علوي الحداد) 129-137 .
حسن وعبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (الدرر السنية) 8/116 .
عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في (منهاج التأسيس والتَّقديس) 212 و(مصباح الظّلام) 195-210 و(التوضيح عن توحيد الخلاق) 320-335 .
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في (تيسير العزيز الحميد) 220 (والدرر السنية) 9/52 .
وعبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد في (فتحِ المجيد) 180 و(بيان المحجة في الرد على اللجنة) رسالة مُستقلة .
وإسماعيل محمد الأنصاري في (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل) 295-301 .
وعبد الله عبد الرحمن أبا بطين في كتابه (الرد على البردة) . و(تأسيس التقديس في كَشف شبهات داود بن جرجيس) .
وابنُ باز وعبد الرزاق عفيفي في (فتاوى اللجنة) 3/22 .
__________
(1) ليعلم أن إنكارها ليس مقتصراً على علماء الدعوة السلفية بالجزيرة العربية .(1/214)
وابن عثيمين في (القولِ المفيد بشرح كتاب التوحيد) 1/218 .
وأحمد بن حجر البوطامي في (الشيخ محمد بن عبد الوهاب المفترى عليه ودفع تلك المفتريات) وفي (تطهير الجنان) 96-99 .
وصالح محمد الشثري في كتابه : (تأييد الملك المنان في نقضِ ضَلالات دحلان) .
وعبد الله إبراهيم الأنصاري في مقدمة كتابه (مجموع المتون في مختلف الفنون) .
وعبد البديع صَقر في (نقد البردة) .
وعبد المحسن العباد في (الرد على الرفاعي والبوطي) 68 .
وصالح السحيمي في (تنبيه أُولي الأبصار) 248-250 .
ومحمد جميل زينو في (معلومات مهمة في الدين) 160-166 .
وصالح الفوزان في (الإرشاد إلى صَحيح الاعتقاد) 51-52 .
ومحمود مهدي استانبولي في (كتب ليست من الإسلام) 5-24 .
ومحمد المغراوي في (العقيدة السّلفية ومَسيرتها التاريخية) .
وعبد العزيز العبد اللطيف في (قوادح عقدية في بردة البوصيري) .
وصالح عبد العزيز آل الشيخ في (هذه مفاهيمنا) 234-239 .
وسُليمان الفريجي في (مظاهر الغلو في قَصائد المديح النبوي) .
ومحمد نجيب في (تحذير الأمة الإسلامية من بردة البوصيري الشركية) نُشرت في مجلة (الاستجابة) والتي تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان (السنة الثّانية ، العدد العاشر ، صَفْحَة : 10-11 ) .
بيان بعض الأَخطاء العقدية في ديوان البرعي(1/215)
ومن ديوان البرعي خذ على سبيل المثال بعض الأبيات (1) التي فيها الكفر البواح والشرك الصراح والقبورية الوثنية الخرافية حيث يقول :
(ص83) يا سيدي يا رسول الله يا أملي ... يا موئلي يا ملاذي يوم تلقاني
(ص84) هب لي بجاهك ما قدمت من زلل ... وداً ورجح بفضل منك ميزاني
واسمع دعائي واكشف ما يساورني ... ن الخطوب ونفِّس كل أحزاني
فأنت أقرب من ترجى عواطفه ... وإن بعدت داري وأوطاني
إني دعوتك من نيابتي برع ... وأنت أسمع من يدعوه ذو شاني
(ص88) يا صاحب القبر المنير بيثرب ... يا منتهى أملي وغاية مطلبي
يا من به في النائبات توسلي ... وإليه في كل الحوادث مهربي
يا من نرجيه لكشف عظيمة ... ولحل عقد ملتو متصعب
يا غوث من في الخافقين وغوثهم ... وربيعهم في كل عام مجدب
(ص145) يا من نناديه فيسمعنا على ... بعد المسافة سمع أقرب أقرب
وكلما صرعتك النائبات فقل ... يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي
(ص219) وأدعوه في الدنيا فتقضى حوائجي ... وإني إليه في القيامة أحوج
(ص75) قبر يحط الوزر مسح ترابه ... وينال زائره عظيم ثوابه
__________
(1) من شرح ديوان البرعي لمحمد سعيد كمال . فانظر كلام الشارح لها حفظه الله ص218 -219 . ومن الجدير بالذكر إن هذا الديوان لمؤلفه عبد الرحيم البرعي مليء بالشرك والدجل والخرافة ولا غرابة فهو صوفي قبوري خرافي وقد أجاد وأفاد شارحه فبين ذلك ودلل على بطلان كثير من هذه القصائد وتوجد فيه أبيات وعظية جيدة سليمة 0 قال الزركلي :البرعي ( 803)م (1400)م عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني شاعر متصوف من سكان النيابتين في اليمن أفتى ودرس له ديوان شعر طبع أكثره في المدائح النبوية نسبته إلى برع (كعمر) جبل بتهامه كما في التاج [الإعلام للزركلي (3/343)]
وقال صاحب هدية العارفين اسماعيل باشا البغدادي (1/559) عبد الرحيم بن أحمد البرعي العارف بالله الصوفي اليمني له ديوان شعره مشهور في المدائح النبوية . وهو من رجال القرن الخامس .ا.هـ -(1/216)
(ص107) ومالي يا رسول الله ذخر ... ألوذ به سواك ولا كريم
(ص135) فلأنت أمنع من لجأت إليه في الدا ... رين دار إقامتي ومعادي
(ص149) ولولاه ما كان الوجود بموجد ... ولا أرسل الرحمن رسلاً ولا نبا
(ص155) دعوتك بعد ما عظمت ذنوبي ... وضاع العمر فاستجب الدعا
(ص195) ولا نرتجي مولى سواك لعلمنا ... بأنك موجود وغيرك يفقد
(ص198) يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي ... في كل حادثة مالي بها قبل
أعوذ بالله وأستغفر الله أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، فإذا لم تكن هذه الأَلفاظ شِرك صراح وكفر بواح فلا يوجد في الدنيا شِرك .
إلى غير ذلك من الألفاظ التي تقدم بعضها في الموالد وقصيدة البوصيري ، التي تنافي أصل التوحيد لا كماله مما هو شرك أكبر ، وصاحبه خارج من الملة ولا يغفر له إن مات من غير توبة ، وقد حبط عمله وهو خالد مخلد في نار جهنم ، أعظم إثماً من القاتل والزاني ، لأن القتل والزنى واللواط من أكبر الكبائر وصاحب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا نخرجه من الإسلام و هو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه و إن شاء غفر له .
أقول : من اعتقد جواز دعاء الأموات و الاستغاثة و الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله - بعد إقامة الحجة عليه وبيان المحجة - فهو كافر . و لو لم يتلفظ بهذه الألفاظ فكيف بالاعتقاد المصحوب بالقول والدعوة إلى الباطل الظاهر .
سبحان الله يدعون أمواتاً سكنوا الأضرحة ، وهم عنهم غافلون ولندائهم لا يسمعون ، قال تعالى : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين } (1) فالله وحده القريب السميع لدعائنا القادر على الاستجابة .
__________
(1) سورة الأحقاف الآية (45،46) .(1/217)
أي حقارة وخسة وذلة ومهانة أحط من أن ينصرف الإنسان بقلبه عن خالقه ورازقه ، عن ربه الذي هو معه يسمع ويرى ، ثم يتوجه في ضراعة وخشوع إلى عظامٍ نخرة عجزت عن صد غارات الدود الذي اقتتل على التهام اللحم المحيط بها في القبر !! إلا الأنبياء فإن الله حرَّم على الأرض أجسادهم (1) ومع هذا كله فهم كغيرهم في أن دعاءهم والاستغاثة بهم شرك بالله تبارك وتعالى .
فَتراهُ يَتوجَّه إليها فيطلب منها العون والمدد ، داعياً إياها ، مستغيثاً بها لإنقاذه من الغرق !! ، فإنَّ للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ .
إنها و الله حماقات يتأذى منها نظر المؤمن و ينكوي قلبه من تلك المهازل الشركية والتصرفات الجاهلية (2) .
__________
(1) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء » . وهو حديثٌ صَحيحٌ : أخرجه النسائي (1374) وأبو داود (1531،1047) واللفظ له وابن ماجة (1085،1636،1637) وأحمد 4/8 والدارمي (1572) والحاكم 1/278 وابن حبان (910) [ وموارد الظمآن (550) تحقيق حسين سليم أسد ] وابن خزيمة (1733،1734) رَ : التلخيص الحبير 2/72 وإرواء الغليل 1/34 .
(2) لطيفة : يحكى أن أحد الظرفاء كان جالساً في مزار مشهور فجاء رجل يطلب من صاحب القبر " الولي " النجدة لأن امرأته تلد ولادة متعسرة ! وانصرف هذا الرجل ثم جاء رجل آخر من بعده ليطلب من صاحب القبر مساعدة ابنه الذي دخل في الامتحان ، فهو يطلب أن ينجحه ، وفي هذه اللحظة قال له ذلك الرجل الظريف : إن الولي " صاحب القبر " ليس هنا الآن فقد ذهب لتوليد امرأة حامل تعسرت ولادتها !! .
رَ : المنهاج للمعتمر والحاج ، لسعود بن إبراهيم الشريم إمام الحرم المكي (ص114) .(1/218)
وصدق الله : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة ، وهم عن دعائهم غافلون } (1) أي لا ضلال أعظم ممن يدعو من دون الله . وقال - عز وجل - : { و لا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } (2) أي المشركين لأن الشرك ظلم عظيم . وقال تعالى : { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون } (3) فسمى من دعا غير الله كافراً . وقال تعالى : { قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغاً من الله ورسالاته } (4) . وقال تعالى : { و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } (5) فسمى الدعاء عبادة و توعد من استكبر عن دعاء الله بجهنم .
وقال - عز وجل - : { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله } (6) وهذا مقتضى قولنا في صلاتنا : { إياك نعبد وإياك نستعين } (7) . وقال تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم } (8) .
والآيات في ذلك كثيرة ، فأين الألباب ؟ وأين العقول ؟ .
وأما الأحاديث فنقتصر على جملة منها :
__________
(1) سورة الأحقاف آية (5) .
(2) سورة يونس آية ( 106 ) .
(3) سورة المؤمنون آية ( 117 ) .
(4) سورة الجن آية ( 20 - 23 ) .
(5) سورة غافر آية ( 60 ) .
(6) سورة الأعراف (188) .
(7) سورة الفاتحة (4) .
(8) سورة الأعراف : 194 .(1/219)
حديث الرجل الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما شاء الله وشئت فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « أجعلتني لله نداً ؟ ، بل : ما شاء الله وحده » (1) .
وفي الحديث الآخر : « من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار » (2) .
وفي الحديث الآخر : « إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله » (3) .
وفي الحديث الآخر : « الدعاء هو العبادة » (4) .
وفي الحديث الآخر : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله » (5) .
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : « إِيَّاكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين » (6) .
وفي الحديث الآخر : « آكلُ كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد » (7) .
وفي حديث آخر : « أنا سيد ولد آدم » (8) .
__________
(1) أخرجه : أحمد (1/214) والبخاري في (الأدب المفرد) (783) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) (995) وابن ماجه (2117،2117) انظر : السلسلة الصحيحة للشيخ الأَلباني (1/139) .
(2) [ أخرجه البخاري (4497،1238) ومسلم (92) نحوه ] .
(3) رواه الترمذي (2518) أحمد (1/303،307) وأبو يعلى (4/430)(2556) .
(4) [ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (714) [(1/376) ط : المعارف] أبو داود (1479) الترمذي (3432) ابن ماجه (3828) أحمد (4/267) وصَحَّحه الشيخ الأَلباني رحمه الله ] .
(5) تقدَّم تخريجه .
(6) أخرجه النسائي (5/268) ابن ماجة (3029) أحمد (1/215،347) .
(7) رَ : السلسلة الصحيحة (544) .
(8) رَ : السلسلة الصحيحة (4/ح1571) .(1/220)
وفي حديث : « كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب » (1) .
ولا يعلم الغيب إلا الله ومن ادعى علم الغيب أو أن أحداً يعلم الغيب فهو كافر لتكذيبه لنصوص القرآن الصريحة { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } (2) وقوله - عز وجل - : { فقل إنما الغيب لله } (3) وقوله - عز وجل - : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } (4) .
وقوله تعالى : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } (5) وقوله تعالى : { وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم } (6) وقوله عز وجل : { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } (7) .
وفي الحديث : « لا يعلمُ ما في غدٍ إلاَّ الله سبحانه » (8) فإذا كان الأنبياء لا يعلمون الغيب فكيف بمن دونهم ؟ .
__________
(1) [ حديث صحيح بشواهده : أخرجه أحمد (4/158) من حديث أبي هريرة ، قال الهيثمي في المجمع : ( رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وفيه لين ، وبقية رجاله وثقوا ) . والعجيب أنه رحمه الله عدة من الزوائد وهو عند الترمذي (2639،3956) . وأخرجه البزار عن حذيفة ، قال الهيثمي في المجمع (8/86) : ( رواه البزار وفيه الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف ) . انظر المداوي لعلل المناوي لأَحمد الغُماري (5/80) رقم (2559) ] .
(2) سورة الأنعام آية ( 59 ) .
(3) سورة يونس آية ( 20 ) .
(4) سورة النمل آية ( 65 ) .
(5) سورة الأنعام آية ( 50 ) .
(6) سورة الأحقاف آية ( 9 ) .
(7) سورة الاعراف آية ( 188 ) .
(8) [ أخرجه البخاري (4697) : « مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إِلا اللَّهُ : لا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلا اللَّهُ ، وَلا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلا اللَّهُ ، وَلا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، وَلا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا اللَّهُ » ] .(1/221)
ومما يدل على عدم علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغَيبِ أمورٌ كثيرة :
1- أنه كان في المدينة منافقون لا يعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله - عز وجل - مخاطباً لنبيّهِ : { وممن حولكم من الأَعرابِ مُنافقون من أهل المدينة مردوا على النِّفاقِ لا تَعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم } (1) .
2- وما وقع له - صلى الله عليه وسلم - من أن جرواً كان تحت سَريره وهو لا يدري ، فلما تأخَّر جبريل - عليه السلام - وبيَّن سبب تأخره أنَّه وجود ذلك الجرو ، علم بذلك فأخرجه - صلى الله عليه وسلم - (2) .
3- وكذا واقعةُ خَلعِ نِعلهِ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّلاة (3) .
4- وكذا واقِعة فقد عائشة في السَّفر عن هودجها وضَياعِ عِقدِها (4) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : « وإن كنت ألممتِ بِذنبِك فاستَغفري الله وتُوبي إليه » .
5- ولما أُشيعَ في غزوة الحديبية أن عُثمان قد قُتل ، وكان ذلك كذباً ، ولم يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - حقيقة الأمر ، لذلك طلب من أصحابه - رضي الله عنهم - أن يبايعوه على الموتِ أو على ألا يِفِرُّوا ليناجز القومِ من أجل تلك الإشاعة ، ولو كان - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب لاطّلع على أن عثمان حي ولم يكن بِحاجة إلى تِلكِ البيعة .
__________
(1) سورة التوبة آية (101) .
(2) أخرجه مسلم (2104) .
(3) [ أخرجه أبو داود (650) وأحمد (3/20) [ 17/242-244 (11153) ط : الرسالة ] وأبو يعلى
(1194) وابن خزيمة (1017) وابن حِبَّان (2185) من حديثِ أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - ] .
(4) [ أخرجه البخاري (2661،4750،4141) ومسلم (2445،2770) وأبو يعلى (4927) ] .(1/222)
6- وفي حديثِ فاطمة بنت قيس ، قالت : خَطَبَني أبو جهم ومُعاوية ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ » (1) ، فلو كان - صلى الله عليه وسلم - يَعلمُ الغيبَ لَعَلِمَ أنَّ مُعاوية سيكون مَلِكاً ، وسيكون أغنى العرب .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم ما غاب عن بصره حال حياته إلا إذا أعلمه الله - عز وجل - بالوحي ، فكيفَ يَعلم ما غاب عنه بعد موته - صلى الله عليه وسلم - وهو في عالمِ البَرزَخِ ؟! .
7- أما يَعلم هؤلاء الغُلاة أنه حينما تُرَدُّ طائفةٌ من أمته - صلى الله عليه وسلم - عن حَوضِهِ وتُطردُ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : « أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ، ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أَصْحَابِي ، فَيُقَالُ : ( إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) » (2) .
__________
(1) [ أخرجه مُسلم (1480) والترمذي (1135) والنسائي (6/150) وأبو داود (2284-2286،2289) وابن ماجه (1869) وأحمد (6/411-412) وعبد بن حميد (1584) ] .
(2) [ أخرجه البخاري 6576) ومسلم (2297) وابن ماجه (3057) ] .(1/223)
[ ونحوه : قَوله - صلى الله عليه وسلم - : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا، قَالَ - عز وجل - : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } ... وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي . فَيُقَالُ : ( إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) ، فَأَقُولُ : كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فَيُقَالُ : إِنَّ هَؤُلاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ » (1) ] . فقد صَرَّح الله - عز وجل - بأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم ما يقع في عالم الدنيا ، فمن يزعم أنه - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب أو يعين من استعان به أو يُغيث من استغاث به بعد موته فقد كفر بعد إقامة الحجة عليه ، وإصراره على ذلك .
وبالجملة فمن تتبع الكتاب والسنة سيجد من الأدلة ما لا يحصى على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعلم شيئاً من الغيب إلا ما عَلمه الله - عز وجل - .
· سُبحان الله وكأن القوم ما مرَّت على أسماعهم هذه الآيات (2) والأحاديث وهي صريحة واضحة بَيِّنَة محكمة ، وربما قرؤوها مراراً وتكراراً بل وحفظوها ، وإني عليهم والله وبالله وتالله مُشْفِق وناصح أدعوهم أن يتدبروها ويتأملوها ويفكِّروا فيها وهل عملوا بما دلَّت عليه ؟ .
سبحان الله على أي مذهب تجوز الألفاظ المتقدمة ؟ وعلى أي ملة صحيحة تقر وتذكر ؟ و الأدهى و الأمر أن يتعبد الله بها .
__________
(1) [ أخرجه البخاري (4625) ومسلم (2860) ] .
(2) ومثلها الآيات التي سنذكرها (صَفْحَة : 226-227) .(1/224)
ليت شعري أين إيمانهم ؟ أين فطرتهم ؟ أين توحيدهم ؟ وقائلهم يقول الألفاظ المتقدمة كخطابه لرسول الله - يا غياثي يا ملاذي في ملمات الأمور - إني دعوتك من نيابتي برع - وكلما صرعتك النائبات فقل يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي - و أدعوه في الدنيا فتقضى حوائجي - قبر يحط الوزر مسح ترابه - و من ألوذ به سواك - فإن من جودك الدنيا و ضرتها - ومن علومك علم اللوح والقلم - أقسمت بالقمر المنشق - ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به إلا ...... إلخ .
( فائدة : قال الشيخ حسين والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد : ( إنَّ صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين وماتوا لا يحكم بكفرهم ، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام وبيان أنَّ من اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر ، وأما القائل فيرد أمره إلى الله - عز وجل - ولا ينبغي التعرض للأَمواتِ ؛ لأَنه لا يُعلم هل تابوا أم لا ، وأما شعر ابن الفارض فإنه كفر صريح ؛ لأَنه شاعر الاتحادية الذين لا يفرقون بين العابد والمعبود والرب والمربوب ، بل يقول بوحدة الوجود ، وهو من طائفة ابن عربي الذين قال فيهم ابن المقري الشافعي : ( من شكّ في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر ) والله أعلم وصَلَّى الله على سيدنا محمد (1) .
ونحن لا نكفر إلا رجلاً عرف الحق وأنكره بعد ما قامت عليه الحجة ودُعي إليه فلم يقبل وتمرد وعاند ، وما ذكر عنّا من أنّا نُكفّر غير من هذا حاله فهو كذب علينا .
__________
(1) الدرر السنية (8/116) حكم المرتد .(1/225)
وأما ابن الفارض وأمثاله من الاتحادية فليسوا من أهل السنة ، بل مقالات شنّع بها عليهم أهل السنة ، وذكروا أن هذه الأقوال المنسوبة كفريات . فمن أهل العلم من أساء الظن بهذه الألفاظ وأمثالها ، ومنهم من تأولها وحملها على غير ظاهرها وأحسن فيه الظن ، ومن أهل العلم والدين من أجرى ما صدر منه على ظاهره وقال : هذه الأشعار ونحوها تتضمن مذهب الاتحادية القائلين بوحدة الوجود والحلول ، كقصيدته المسماة ( نظم السلوك ) ومثل كثير من شعر ابن إسرائيل وابن عربي وابن سبعين والتلمساني ، وما يوافقها من النثر الموافق لمعناها ، فهذه الأَشعار من فهمها علم بأنه كفر وإلحاد وأنها مناقضة للعقل والدين ، ومن لم يفهمها وعظم أهلها كان بمنزلة من سمع كلاماً لا يفهمه وعظمه وكان ذلك من دين اليهود والنصارى والمشركين ، وإن أراد أن يحرفها أو يبدل مقصودهم بها كان من الكذابين المحرفين لكلام هؤلاء عن مواضعه ، أو زنديق منافق ، وإلا من كان مؤمناً بالله ورسوله عالماً بمعاني كلامهم لا يقع منه إلا بغض هذا الكلام وإنكاره والتحذير منه (1) .
أقول : ومما سبق نجد أن المولد تأسس على الغلو والخرافات والقصص والأحاديث الواهية والمكذوبة ، والاعتقادات الباطلة ، والمنكرات الشنيعة والأفعال المشينة بل تنحر العقيدة هناك وما يحصل فيها مما تقدم من ضَلالات ، والقيام والفرجة بما يصنعه المحتفلون .
وهنا أتمثل قول النبهاني في مولده المنظوم حيث قال :
يا هل ترى هذا يسوء أحمد أو هل تراه ليس يرضي الصمدا
فدتك نفسي اعمل ولا تخشى الورى وكرر المولد ثم المولدا
تَعش سعيداً وتمت في سعد ا( (2) .
أقول : حاشا أن تسر هذه الأمور أحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الله - عز وجل - يرضى عن هذه الأَفعال الشنيعة ، بل لا تسرّ أي مسلم موحد أو يرضاه .
__________
(1) الدرر السنية 3/20-22 .
(2) حجة الله على العالمين (241) .(1/226)
نعم ؛ هذه الموالد ، هذه السيرة النبوية ، هذه محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا هو الاتّباع !!! . سُبحانك هذا بُهتان عظيم .
الكلام على كتاب دلائل الخيرات
أما عن كتاب (1) دلائل الخيرات لمؤلفه الجزولي(2) وهو من الكتب المتداولة بين الصوفية فهو في الحقيقة لم يطابق اسمه مسماه ، فهو دلائل الشر والمنكرات .
ونختصر ونوجز إيجازاً مقتضباً في أسطر معدودة نذكر بعض ما فيه من أباطيل وسخافات ومخالفات شرعية (2) ؛ منها :
__________
(1) ( ( - تنبيه مهم جدا
وقد عزمت بإذنِ الله - عز وجل - على إفرادها بِرسالة مُستقلّة مع التوسع فيها - يَسَّر الله إخراجها – بعنوان ثلاث رسائل في الدفاع عن العقيدة: قصيدة البوصيري ودلائل الخيرات وإحياء علوم الدين للغزالي)وانظر : (معلومات مهمة من الدين لا يعلمها كثير من المسلمين) للشيخ محمد جميل زينو ص (167-180) ، و(فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) للشيخ عبد المحسن العباد . و(كتاب أخبار رجال أحاديث تحت المجهر) للشيخ عبد العزيز السّدحان 3/16-18 ، و(الألفاظ الموضحات لأخطاء دلائل الخيرات) للشيخ عبد الله الدويش ، و(كتب ليست من الإسلام) (ص27-46) ، و(الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث والرابع عشر من الهجريين وآثارها في حياة الأمة) لعلي الزهراني (ص421-427) و(وقفات مع الكتاب المسمى (دلائل الخيرات) للمغراوي ، فإنه مهم .
ترجمة موجزة لمؤلفه :
فنقول : هو محمد بن سليمان بن عبدالرحمن الجزولي السملالي الحسني المغربي ثم المكي المالكي الشاذلي أبو عبدالله فقيه صوفي صاحب دلائل الخيرات من أهل سوسة المراكشية وله أيضاً حزب الجزولي بالعامية وحزب الفلاح ومطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات وله أتباع يسمون الجزولية يقال مات مسموماً )سنة 870هـ.
(2) ثم يأتي محمد علوي المالكي فيجمع هذه الضَّلالات وغيرها في كتابٍ أسماهُ ( مشارقُ الأَنوار ) .(1/227)
يقول في ( حزب النصر لأبي الحسن الشاذلي ) ( يا هو يا هو يا هو يا من بفضله لفضله نسألك العجل ) [ص7] .
يقول في كتابه أن من أسماء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( محيي منجٍ ناصر غوث غياث صاحب الفرج كاشف الكرب شاف ) [ص38] و [ص40و43و47] 0
ثم ذكر أن من صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( أحيد أجير جرثومة ) [37و115] .
ثم بعد هذا الكلام الباطل يعود ليصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأوصاف كاذبة فيها الشرك الذي يحبط العمل كقوله : " اللهم صل على من تفتقت من نوره الأزهار واخضرت من بقية ماء وضوئه الأشجار " [ص90] .
فالله هو الذي خلق الأشجار وفلق الأزهار و أعطاها لون الخضرة 0
ثم يقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " و السبب في كل الوجود " 0
ثم يقول المؤلف : " اللهم صل على محمد ما سجعت الحمائم و حمت الحوائم و سرحت البهائم و نفعت التمائم "
ثم يذكر في آخر الكتاب ( الصلاة المشيشية ) و هذا نصها " اللهم صل على من منه انشقت الأسرار و انفلقت الأنوار و فيه ارتقت الحقائق و لا شيء إلا و هو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط " [ص259-260] 0
أقول : هذا كلام باطل .
ثم يقول في تتمة هذا الدعاء : " وزُجَّ بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلا بها " [ص26] (1) .
ثم يقول : " اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره " [ص15] 0
و هذا كلام باطل يكذبه الحديث : ( إن أول ما خلق الله القلم ) (2)
جاء في بعض النسخ من كتاب (دلائل الخيرات) و في آخر قصيدة جاء فيها :
يأبى خليل شيخنا و ملاذنا .... قطب الزمان هو المسمى محمد
__________
(1) وهذا من أقوال القائلين بِوحدة الوجود نسأل الله العافية .
(2) أخْرَجَهُ : الترمذي (رَقم : 2155؛3319) وأبو داود (رَقم : 4755) وأحمد 5/317 .(1/228)
وممن تكلم عن هذا الكتاب الشيخ : عبد المحسن بن حمد العباد (1) قائِلاً : ( ومما أُلف في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مَبنيّاً على غير علم ومشتملاً على فضائل وكيفيات ما أنزل الله بها من سلطان ، كتاب ( دلائل الخيرات ) للجزولي المتوفى سنة 854 ( ، وقد شاع وانتشر ، حتى قال عنه صاحب كشف الظنون (1/495) : ( هذا الكتاب يُواظب على قراءته في المشارق والمغارِب ، لا سيما في بلاد الروم ) ثم أشار إلى بعضِ شروح هذا الكتاب .
أقول : ولم يكن إقبال الناس على تلاوته مبنياً على أساس يعتمد عليه ، وإنما كان ذلك تقليداً عن جهل من بعضهم لبعض ، والأمر في ذلك كما قال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في كتابه ( مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني ) : ( فإن الناس مولعة بحب الطارئ ، ولذلك تراهم يرغبون دائماً في الصلوات المروية في دلائل الخيرات ونحوه ، وكثير منها لم يثبت له سند صحيح ، ويرغبون عن الصلوات الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري فقلَّ أن تجد أحداً من المشايخ أهل الفضل له ورد منها ، وما ذلك إلا ( للولوعِ بالطارئ ) ، وأما لو كان الفضل منظوراً إليه لما عدل عاقل - فضلاً عن شيخ فاضل - عن ( صلاة ) واردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤاله كيف نصلي عليك يا رسول الله ؟ فقال : قولوا كذا . وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . أقول : لما عدل إلى صلاة لم يرد فيها حديثٌ صحيح بل ربما كانت منامية من رجل صالح في الظاهر ) ا( .
__________
(1) المُدَرِّس بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنوّرة ، في رسالة له بِعنوان (فضل الصّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .(1/229)
ولا شك أن ما جاءت به السنة وفعله الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان هو الطريق والمنهج القويم والفائدة للآخذ به محقَّقة ، والمضرة عنه منتفية ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » وقال - صلى الله عليه وسلم - : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضِلالة » .
وقد حذر - صلى الله عليه وسلم - أمته من الغلو فيه فقال - صلى الله عليه وسلم - : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله » . ولما قال رجل له - صلى الله عليه وسلم - : ( ما شاء الله وشئت ) قال - صلى الله عليه وسلم - : « أجعلتني لله نداً ؟ ما شاء الله وحده » .
وكتاب (دلائل الخيرات) قد اشتمل على الغث والسمين وشيب فيه الجائز بالممنوع ، وفيه أحاديث موضوعة وأحاديث ضَعيفة ، وفيه مجاوزة للحد ووقوع في المحذور الذي لا يرضاه الله - عز وجل - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو طارئ لم يكن من نهج السابقين بإحسان .
كيفيات مبتدعة في دلائل الخيرات
وحسبي أن أشير إلى بعض الكيفيات المبتدعة في الصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أتبع ذلك بنماذج مما فيه من الأحاديث الموضوعة في فضل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - والتي يتنزه لسانه - صلى الله عليه وسلم - عن النطق بها .
فمن الكيفيات الواردة فيه : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء ، وارحم محمداً وآل محمد حتى لا يبقى من الرحمة شيء ، وبارك على محمد وعلى آل محمد حتى لا يبقى من البركة شيء ، وسلم على محمد وعلى آله حتى لا يبقى من السلام شيء ) ا( .(1/230)
فقوله : (حتى لا يبقى من الصلاة والرحمة والبركة والسلام شيء) من أسوأ الكلام وأبطل الباطل ؛ لأَن هذه الأفعال لا تنتهي ، وكيف يقول الجزولي : (حتى لا يبقى من الرحمة شيء) والله - عز وجل - يقول : { ورحمتي وسعت كل شيء } .
وقال في (ص71) : (اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك وأسرارك ولسان حجتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك ... إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود ) ا( .
وقال في (ص64) : ( اللهم صل على من تفتَّقت من نوره الأزهار ... اللهم صل على من اخضرّت من بقية وضوئه الأشجار ، اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الأنوار ) ا( .
فإن هذه الكيفيات فيها تكلف وغلوٌّ لا يرضاه - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي يقول : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله » (1) .
وقال في (ص144-145) : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم وحمت الحوائم وسرحت البهائم ونفعت التمائم وشدت العمائم ونمت النوائم ) ا( .
فقوله : ( ونفعت التمائم ) إشادة بالتمائم وحثٌّ عليها ، وقد حرَّمها - صلى الله عليه وسلم - فقال : « من تعلَّق تميمة فلا أتمَّ الله له » .
نماذج مما في كتابِ الدلائل
من الأحاديث الموضوعة والواهية
وأذكر فيما يلي أمثلة لما فيه من أحاديث موضوعة أو ضَعيفة جداً مع الإشارة إلى بعض ما قاله أهل العلم فيها وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر .
قال في (ص15) : ( وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من صلى علي صلاة تعظيماً لحقي خلق الله - عز وجل - من ذلك القول ملكاً له جناح بالمشرقِ والآخر بالمغرب ورجلاه مقرورتان في الأرض السابعة السفلى وعنقه ملتوية تحت العرش يقول الله - عز وجل - له (صل على عبدي كما صلى على نبيي فهو يُصلي عليه إلى يوم القيامة) .
__________
(1) [ أخرجه البخاري (3445) من حديث عمر - رضي الله عنه - وبرقم (6830) ابن عباس - رضي الله عنه - ] .(1/231)
وقال في (ص16) : ( وقال - صلى الله عليه وسلم - : ما من عبد صلى عليَّ إلا خرجت الصلاة مسرعة من فيه فلا يبقى بر ولا بحر ولا شرق ولا غرب إلا وتمر به وتقول : أنا صلاة فلان بن فلان صلى على محمد المختار خير خلق الله . فلا يبقى شيء إلا وصلى عليه . ويخلق من تلك الصلاة طائر له سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يُسبح الله - عز وجل - بسبعين ألف لغة ويكتب الله له ثواب ذلك كله ا( ) .
هذان حديثان من أحاديثِ دلائل الخيرات يصدق عليهما قول العلامة ابن القيم في كتابه (المنار المنيف) : والأحاديثُ الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وَضعِها واختلاقها ثم ضرب على ذلك أمثلة ، ثم قال : فَصلٌ : ونحن ننبه على أُمور كُلَّية يُعرف بها كون الحديث موضوعاً :
فمنها : اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي كثيرة جداً ، كقوله في الحديث المكذوب : ( من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائراً له سبعون ألف لسان ، في كل لسان سبعون ألف مدينة ، في كل مدينة سبعون ألف قصر ، في كل قصر سبعون ألف حوراء ) .
وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا تخلو من أحد أمرين :
الأول : إما أن يكون في غاية ( الجهل والحمق ) .
الثاني : وإما أن يكون ( زنديقاً ) قصد التنقص من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بأضافة شيء من هذه الكلمات إليه ) ا( .(1/232)
” وكم في دلائل الخيرات من الطامات الكبرى ، والحق أن الناظر في هذا الكتاب يجد فيه العبارات المخالفة للشرعِ الشيء الكثير ، وفي بعضها شرك ووحدة وجود - والعياذ بالله - كِقوله : اللهم جدد من صلواتك وتحياتك الزاكيات على الذي أقمته لك ظِلاً ، وجعلته لحوائج خلقك قبلة ومحلاً ، وأظهرته بصورتك ، واخترتهُ مستوى لتجليتك ، ومنزلاً لتنفيذ أوامرك ونواهيك في أرضِك وسمائك ، وواسطة بينك وبين مكنوناتك “ (1) .
و أسوق هنا أبيات الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى يمتدح بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عندما بلغه أن الشيخ محمداً أحرق كتاب دلائل الخيرات فقال :
وحرَّق عمداً للدلائل دفتراً ... أصاب ففيها ما يجل عن العد
غلو نهى عنه الرسول و فرية ... بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم و لا ... تساوي فُلَيساً إن رجعت إلى النقد
وصيَّرَها الجهال للذكر ضُرَّةً ... يرى درسها أزكى لديهم من الحمد
احذر أخي المسلم قراءة هذا الكتاب وما كان على شاكلته وعليك بقراءة كتاب (فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) للشيخ إسماعيل القاضي تحقيق المحدث الألباني (2) .
__________
(1) (الشيخ محمد بن عبد الوهاب المفترى عليه) (37-43) .
(2) [ وطبع الكتاب بحمد الله بتحقيق وتخريج علمي من قبل الشيخ : عبد الحق التركماني ] .(1/233)
ومن الكتب المطبوعة المتداولة كتاب (جلاء الأَفهام في الصَّلاة والسَّلام على خَيرِ الأَنامِ) للإِمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله ، وهو مِن أحسن ما كُتِبَ في هذا الموضوع ، وأكثر فائدة من غيره ، فقد جمع مؤلّفه فيه بين ذِكر الأَحاديثِ مُبَيِّناً صِحَّتها مِن ضَعفها ، وبين فِقهها ، مع الاستنباط العجيب الذي بَهر العُقول ، ولذلك شَهِد الإِمام السَّخاوي لابن القيّم وكتابه هذا بأنَّهُ لم يُؤَلَّف مِثله في موضوعه (1) .
كما أن هناك كتاباً جيداً اسمه ( دليل الخيرات ) : لمؤلفه خير الدين وانلي ، جمع فيه صلوات و أدعية صحيحة يغنيك عن دلائل الخيرات الذي يوقعك في الشرك والآثام ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وحببنا فيه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه وصلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً .
الكلام على كتاب إحياء علوم الدين للغزالي(1) باختصار
وهو كتاب مشهور كثير التداول وهذا بحد ذاته لا يكفي في تزكية الكتاب وسلامته ، بل عليه مآخذ شنيعة كما ستعرف ومن أثنى عليه من العلماء فثناؤهم مقصور على جانب المواعظ والرقائق مع أن غالب تلك المواعظ منقول من كتب أخرى .
وأسوق الآن ملخص كلام العلماء في المآخذ التي على الكتاب :
1- فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد و النبوة و المعاد ، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين .
2- فيه أحاديث و آثار ضعيفة ، بل وموضوعة كثيرة .
( فائدة : قال الإمام السبكي في طبقات الشافعية (2)
__________
(1) [ ومِن أحسن من خدم هذا الكتاب القيم هو الشيخ مَشهور بن حسن آل سلمان ضَبطاً وتَحقيقاً ومُقابلةً وتَخريجاً وتَعليقاً فجزاه الله - عز وجل - خير الجزاء ] .
(2) (6/287) ( ( - تنبيه مهم جدا
وقد عزمت بإذنِ الله - عز وجل - على إفرادها بِرسالة مُستقلّة مع التوسع فيها - يَسَّر الله إخراجها – بعنوان ثلاث رسائل في الدفاع عن العقيدة: قصيدة البوصيري ودلائل الخيرات وإحياء علوم الدين للغزالي)
ترجمة موجزة عن حياة الغزالي( )
[450-505]
فنقول : هو الشيخ محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي الشافعي المعروف بالغزالي ( )أبو حامد فيلسوف متصوف وكان والده يغزل الصوف ويبيعه فلما حضرته الوفاة وصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوف فقام عليهما . تفقه على إمام الحرمين ومهر في الفقه والخلاف والكلام والجدل و المنطق والحكمة والفلسفة وتأثر بكتب ابن سينا وإخوان الصفا وولي التدريس في المدرسة النظامية في بغداد بأمر من الوزير نظام الملك الذي أعجب به ؛ثم ترك ذلك ومال إلى الصوفية والغلو وكان من الأذكياء صاحب ذهن سيال جوال ولذلك يلاحظ عليه التقلب بين الفقه والالتزام بآداب الشرع وبين الخوض في الفلسفة والكلام والصوفية ولهم في ذلك ألفاظ مستبشعة جداً سقط فيها على أم رأسه له تآليف مشهورة في الفقة والتصوف والرد على الفلاسفة ( ) بلغت نحو مئتي مصنف منها البسيط والوسيط والوجيز والخلاصة والإحياء والمستصفى والمنخول واللباب وتهافت الفلاسفة وكيمياء السعادة والمعتقد وإلجام العوام والرد على الباطنية ومعتقد الأوائل وجواهر القرآن الغاية القصوى وفضائح الإباحية ومسألة عوز الدور وغير ذلك ولد أبو حامد سنة (450)وتوفي سنة (505هـ) يوم الاثنين رابع عشرة جمادى الآخرة في بلدة طوس بخرسان بعد أن رحل وطاف إلى نيسابور ثم بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر ثم إلى بلده حيث توفيبها) انظر ما ذكره الزركلي في الإعلام (7/22) والذهبي في سير أعلام النبلاء (19/322-346).ولمزيد من الترجمة الكامل لابن الأثير (10/491) وفيات الأعيان (4/216) تاريخ الإسلام (4/173) العبر (4/10) طبقات الشافعية للسبكي (6/191) البداية والنهاية (12/173) والنجوم الزاهرة (5/203) شذرات الذهب (4/10) معجم المؤلفين (3/671-675) والمنتظم (17/124(1/234)
في ترجمة الغزالي : ” وهذا فصل جمعت فيه ما قد وقع في كتاب «الأحياء» من الأحاديث التي لم أجد لها إسناداً “ ، ثم شرع في سردها . قم قال : ” وقد قمت بعدها فبلغ العدد : (923) حديثاً “ .
3- فيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُرَّهاتهم .
4- يستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له .
5- فيه تخليط في الأحاديث و التواريخ .
6- جزم ابن عقيل الحنبلي أن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة .
هذه جملة المآخذ على كتاب " الإحياء " و واحد من تلك المآخذ كفيل بنبذ الكتاب فكيف بها مجتمعة
و لهذا قال صاحب كتاب " نظم الجمان " : ( إن كتاب " إحياء علوم الدين " لما وصل إلى قرطبة تكلموا فيه بالسوء و أنكروا عليه أشياء لا سيما قاضيهم ابن حمدين فإنه أبلغ في ذلك حتى كفر مؤلفه و أغرى السلطان به و استشهد بفقهائه فأجمع هو و هم على حرقه ، فأمر علي بن يوسف بذلك بفتياهم فأحرق بقرطبة على الباب الغربي في رحبة المسجد بجلوده بعد إشباعه زيْتاً بمحضر جماعة من أعيان الناس و وجّه إلى جميع بلاده يأمر بإحراقه ، و توالى الإحراق على ما اشتهر عنه ببلاد المغرب في ذلك الوقت .
7- ومن جملة ما قاله الإِمام ابن رشد الحفيد (ت595() في أبي حامدٍ الغزالي : ولم يلتزم مَذهباً من المذاهب في كتبه ، بل هو مع الأَشعريّة أَشعري ومع الصُّوفية صُوفي ومع الفلاسفة فيلسوف ا( (1) .
8- وقال الإِمام الذَّهبي عن الإِحياء : أمَّا الإِحياء ففيه من الأَحاديث الباطلة جملة ، وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومُنحرفي الصوفية نَسأل الله عِلماً نافعاً ا( (2) .
وقال أيضاً : ” وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام والحكمة وأدخله سيلان ذهنه في مضايق الكلام ومزالق الأَقدام “ (3) .
__________
(1) وَقفات مع إحياء علوم الدين لعبد الرحمن دمشقية (ص131-132) .
(2) سير أعلام النُّبلاء (19/340-342) .
(3) سير أعلام النبلاء 19/327 .(1/235)
9- وقال فيه تلميذه ابن العربي المالكي : ” شَيخنا أبو حامد ؛ دخل في جوفِ الفلسفة ثم أراد الخروج فلم يُحسن “ (1)
[ أقول ولا نَنْسَى محمد الحسيني الزُّبَيْدي شارحُ الإِحياء المُسَمَّى ( إتحافُ السَّادة المُتَّقين بِشَرحِ إحياء علوم الدين ) فقد زاد على ضَلالات البدع بِدعاً ، وعلى انحرافات العقيدة زندقةً ، يَلحظه مَن قَرَأَ المجلَّد الأَول ، ويَتَّجِه عليه التَّشنيع أضعافاً بالنِّسبة للغزالي ، وقد رأينا بعض المشايخ العارفين لعقيدة السَّلف يمدح الكتاب لما فيه من مباحث حديثية وفقهية ولغوية - ونحن لا نُنْكِرُ ذلك - لكن كان الواجب عليه أولاً إنكار ما سَطَّره في مسائل العقيدة المخالفة لِمَنْهَجِ السَّلف ، ثم يمدح الممدوحَ بما أراد أنْ يَمدَح ؛ لِكي لا يغترَّ فيه المبتدئ فَضلا عن العامي ؛ والله - عز وجل - أعلم ] .
انظر للاستزادة في الكلام عن الإحياء :
1- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/99) (6/54-55) (10/551-552) (17/362) .
2- سير أعلام النبلاء (19/323) .
3- العقيدة السلفية في مسيرتها وقدرتها على مواجهة التحديات (القسم الخامس : قسم مواقف السلف ، السنة السابعة والثلاثون بعد الخمسمائة ، الأسباب الحقيقية لحرق إحياء علوم الدين بأمر الخليفة للمسلمين ابن تاشفين) تأليف محمد عبد الرحمن المغراوي . والرجوع إليه مهم جداً .
4- القول المبين في التحذير من كتاب إحياء علوم الدين ، للشيخ عبد اللطيف ابن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ، تحقيق : عبد العزيز الحمد .
5- كتاب إحياء علوم الدين في ميزان العلماء والمؤرخين ، لِعلي حسن عبد الحميد
6- مقدمة تخريج أحاديث إحياء علوم الدين ، استخراج محمود الحداد .
7- مؤلفات سعيد حوى ، تأليف : سليم الهلالي ص (31-39) ] (2) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء 19/323 .
(2) من كتاب تحت المجهر ، لعبد العزيز السدحان (3/18-21) مع إضافات وزيادات .(1/236)
8- الإعلام بذكر المصنفات التي حذّر منها شيخ الإسلام في كتابه مجموع الفتاوى ، لرائد صبري ابن أبي علفة .
9- الكشف عن حقيقة الصوفية (850) .
10- (كتاب ”تربية الأَولاد في الإِسلام“ لعبد الله علوان في ميزان النقد العلمي) ، لإِحسان العتيبي ، مراجعة علي حسن عبد الحميد (66-73) ، ذكر بعض ما فيه من ضلال وزندقة باختصار .
11- وَقفات مع إحياء علوم الدين للغزالي ، تأليف عبد الرحمن دمشقية . دراسة حول العديد من كتب الغزالي وخاصة كتابه الإحياء ، وفي هذا الكتاب أثبت رجوع الغزالي إلى عقيدة السلف (ص359-370) فلينظر لتُرى العظة والعبرة من رجوع هذا الإمام ، كما أنه ألف كتاباً أسماه ( إلجام العوام عن علم الكلام ) .
12- زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً لصلاح الدين مقبول (391-402) .
13- فجر الساهد وعون الساجد في الرد على الغزالي أبي حامد ؛ لعبد السلام علوشموقف القوم من قصائد البوصيري
والبرعي والبرزنجي ومن على شاكلتهم
إذا نوقش أحدهم في هذه القصائد والعقائد وأمثالها ، وما فيها من الشرك الصراح والكفر البواح والخرافات والبدع والأوهام ، مما يروجها وينشرها أهل العقائد الزائفة والآراء الكاسدة ، أخذ يؤول ويقول : ( هذه بلاغة واختصار وحذف وتقدير ومجاز ، وقصده هذا ولم يقصد ذاك ، ونحسن الظن بالأموات ، وما دام لها وجه فنحملها على المحمل الحسن ويتأولون موقفهم ، وأنهم جاهلون ) ويبررون موقف هؤلاء المخطئين الضالين عن التوحيد .
وتراه يدافع ويكافح وينافح وينافخ ويراوغ ويلف ويدور ويتلمس لهم الأعذار الكاذبة والأقاويل الباطلة ، وهكذا يكفر بالله ويشرك به ويقال الزور والفجور وعظائم الأمور ، ثم تختلق لهم الأعذار ثم يدافع عنهم بالزور والبهتان ، تذبح العقيدة ويذبح التوحيد ثم يقال نحسن الظن فيهم ويُعذَرون في أخطائهم كل ذلك على حساب الدين .(1/237)
إن أبيتُم إلا ذلك من تحسين الظن وتأويلها ، فلماذا تنشرون قصائدهم الشركية وتروجونها وتظهرونها للناس ؟ فيا سُبحان الله (1) .
ثم هم - هؤلاء المدافعون عنهم - تجدهم شديدين على أهل السنة مُنَفِّرين عنهم مُحذِّرين منهم ، يلصقون بهم أشنع الألقاب وشتَّى التُّهَم تحذيراً وتنفيراً .
فيا سبحان ربي العظيم أولئك الذين كلامهم شرك صراح وكفر بواح تلتمس لهم الأعذار ويحمل كلامهم على أحسن المحامل ويؤول تكلفاً وتعسفاً لإظهار براءتهم ، وأهل الحق يوسمون بأنهم يُكفرون الناس ويُفَرقون الأُمة وهم من ذلك براء ، فالله المستعان وإليه المشتكى .
ولله در القائل :
الدين رأس المال فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسران
وقول الآخر :
يقضى على المرء في أيَّام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وصدق الله - عز وجل - : { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم مَن يكون عليهم وكيلاً } (2) .
__________
(1) يُنظر أسئلة طال حولها الجدل لعبد الرحمن عبد الصمد (105-131) ، والشعر الصوفي في مطلع القرن التاسع للهجرة لمحمد سعد حسين (ص149-152) .
ومن آخر ما سمعته : في شريط مُسجَّل كلاماً لمن يؤيد الموالد ، وهو أن وَصَمَ وألصَقَ ورمى ولمز مَن لم يَرَ الاحتفال بالموالد بالضَّلالِ والجهلِ وطمس البصيرة ، وأنَّ كلامهم هراء وعبث وسفه وجفاوة ... !!!
(2) سُورة النساء : 109 .(1/238)
سبحان الله يتركون المحكم البين الواضح و يتمسكون بالمتشابه المختلف يقول - صلى الله عليه وسلم - محذراً و منبهاً على من يتبع المتشابه و يترك المحكم ، [ رَوى الشَّيخان عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : « فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ » ] (1) .
أقول : لو لم يكن إِلاَّ سداً للذريعة وحماية لِجنابِ التوحيد ورحمة بأصحابها ترك هذه القصائد ، لكان في ذلك مندوحة .
قاصمة الظهور (2)
فاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ
__________
(1) [ أخرجه : البخاري (4547) مسلم (2665) والترمذي (2993،2994) وأبو داود (4598) وابن ماجه (47) والدارمي (147) وابن حبان (73،76) وأحمد (6/124،132،256) والطحاوي في بَيانِ المشكل (2517) ] .
(2) ذكرت هذا فيما يتعلق بالمولد لأَن هذه الأفكار المنكوسة والاعتقادات الفاسدة مما تتداول في موالد القوم .
( تنبيهٌ : هذا موطن من المواطن التي لم يَطّلع المُقَرِّضُ لِهذِهِ الرِّسالة فضيلة الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله - عز وجل - عليها ؛ لِكونِهِ لم يلحَق بالرِّسالة إِلامُؤَخَّراً ، ولم أعرضه على فضيلته اكتِفاءً بِنَقلِ كلام سَماحة الوالد العلامة ابن باز رحمه الله - عز وجل - في المالكي وأبي غدّة ، وكلام العلامة بكر أبو زيد في أبي غدة وحسبك بهما .
إذا قالت حذام فَصَدِّقُوها فإنَّ القَولَ ما قالَت حذام
وأيضاً فما ذَكرته إنما هو من كُتبهم أنفسهم ، فلا يَستطيع أحدٌ أنْ يُنكره . والله - عز وجل - أعلم .(1/239)
أقول : إن البعض لا يتوقع صدور هذه الاعتقادات الفضيعة والمنكرات الشنيعة منهم ، والتي بعضها شِرك صراح وكفر بواح . فأقول : خذ هذه الأَمثلة الجلية والبراهين القطعية على صدورها منهم - ولا غرابة ولا عجب - (1) .
فهذا سماحة العلامة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - عز وجل - يقول في تقديمه لكتاب (حوارٌ مع المالكي (2) في ردِّ منكراته وضلالاته ) (3) تأليف الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع ـ يقول شيخنا ابن باز رحمه الله : الحمد الله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه ، أما بعد :
__________
(1) ومنها ما تقدم في قصيدة البوصيري والبرعي والذخائر المحمدية . وانظر : (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) لمحمد بشير السهسواني الهندي ، (البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار) لفوزان السابق ، (الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق جميل أفندي صدقي الزهاوي) لمؤلفه سليمان بن سحمان ، (غاية الأماني في الرد على النبهاني) للعلامة محمود بن شكري الأَلوسي ، (الصارم المنكي في الرد على السبكي) لابن عبد الهادي الحنبلي و(الأَسنة الحداد في ردِّ شبهات علوي الحداد) لسليمان بن سحمان ، (حوار مع المالكي) لابن منيع ، (الرد القوي) للتويجري ، (هذه مفاهيمنا) لصالح آل شيخ ، (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين :أحمد بن تيمية وأحمد بن حجر الهيتمي) لنعمان الألوسي ، (كتب حذر منها العلماء) لمشهور سن سلمان ، (تحاسد العلماء) لعبد الله الموجان (625-663) تحت عنوان : الردود (معاصرون) .
(2) وليته يرجع إلى منهج الإمام مالك رحمه الله في إثبات العقيدة حتى يعرف مدى انتسابه إليه ، اُنْظُرْ : ما كتبه محمد عبد الرحمن الخميس في (عقيدة إمام دار الهجرة مالك) وما كتبه سعود الدعجان .
(3) ولا بُدَّ من الرجوع إليه فإنَّهُ مهم جداً في موضوعه .(1/240)
فقد اطَّلعت على أمورٍ منكرة في كتب أصدرها محمد علوي مالكي ، وفي مقدمتها كتابه الذميم الذي سماه ( الذخائر المحمدية ) من تلك الأمور نسبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفات هي من خصائص الله - عز وجل - كقوله : ( بأن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاليد السموات والأَرض ، وأن له أن يقطع أرض الجنة ، ويعلم الغيب والروح ، والأمور الخمسة التي اختصَّ الله - عز وجل - بعلمها ، وأن الخلق خُلِقوا لأَجله ، وأن ليلة مولده أفضل من ليلة القدر ، وأنه لا شيء إلا وهو به منوط - يعني بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك إقراره قصائد نقلها في الذخائر مشتملة على الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاستجارة به ، وأن إليه الفزع عند الكروب وأنه إذا لم يستجب فإلى أين يفزع المكروب ) وأشياء أخرى مما جاء استعراض بعضها في هذا الكتاب الذي ألفه صاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان بن منيع أحد قُضاة محكمة التمييز بالمنطقة الغربية وعضو هيئة كبار العلماء المسمى ( حوار مع المالكي في رد منكراته وضلالاته ) والذي يسرني التقديم له .(1/241)
وقد ساءني كثيراً وقوع هذه المنكرات الشنيعة والتي بعضها كفر بواح من محمد علوي المذكور ، كما أثار بما نشره في كتبه من ضلالات وشركيات وبدع منكرة كثيراً من أهل العلم وفي مقدمتهم هيئة كبار العلماء حيث أصدروا قرارهم رقم 86 وتاريخ 11 /11 / 1401 ( باستنكار ما اتجه إليه المذكور من الدعوة إلى الشرك بالله - عز وجل - والدعوة إلى البدع والمنكرات والضلالات والبعد عما عليه سلف هذه الأمة من سلامة العقيدة وصدق العبودية لله - عز وجل - في ألوهيته وربوبيته وكمال ذاته وصفاته ، ولم يكن في نيتي الاكتفاء بالاشتراك مع زملائي أعضاء هيئة كبار العلماء في إصدارهم القرار المستنكر ما عليه المذكور من سوء المعتقد وخبث الاتجاه فقد كنت عازماً على تتبع أغلاطه ومنكراته والرد عليها بما ندين الله - عز وجل - به من عقيدة مستمدين ذلك من كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن بعد أن اطلعت على مؤلَّف الشيخ عبد الله بن منيع المذكور حمدت الله - عز وجل - أن وُفِّقَ فضيلته للرد على هذا المبتدع الضال واكتفيت بذلك عن الرد على المذكور حيث إن فضيلة الشيخ عبد الله قد أتى بالكثير مما في نفسي فقابل الحجة بالحجة الدامغة ، والدليل بالدليل القاطع ، وبين للناس ما عليه المذكور من سوء عقيدة وخبث اتجاه وبعد عن الحق والصَّواب فجزاه الله خيراً على غيرته الاسلامية ، وإنكاره المنكر وكشفه شبه أهل الضلال بالبراهين الساطعة والحجج النيرة من كتاب الله المبين وسنة رسوله الأَمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم ، وقد جاء كتابه المذكور بحمد الله شافياً كافياً مقنعاً لطالب الحق ؛ لوضوح أدلته وحسن أسلوبه وإنصافه لخصمه على ضوء الكتاب والسنة فأجزَلَ الله مثوبته وزاده من العلم والهدى ، وجعلنا وإياه من أنصار الحق والدعاة إليه على بصيرة إنه سميع قريب ، كما نسأله - عز وجل - أن يهدي محمد علوي مالكي إلى الصواب وأن يرده إلى رشده ويمن(1/242)
علينا وعليه بالتوبة النصوح إنه جواد كريم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ا( (1) .
ومما قاله محمد علوي المالكي (ص54) من الذخائر : ( أن عثمان بن حنيف عَلَّمَ مَن شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته ، هذا الدعاء الذي فيه التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والنداء له مستغيثاً به بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ) ا( .
وفي نفس الصفحة : ( استغاثة الخلق يوم القيامة بالأنبياء وآخرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشفع إلى ربه في أهل الموقف ... الخ ) قال : ( فهذا إجماع من الأنبياء والمرسلين وسائر المؤمنين وتقرير من رب العالمين بأن الاستغاثة عند الشدائد بأكابر المقربين من أعظم مفاتيح الفرج ومن موجبات رِضى رب العالمين ) ا( .
وفي (ص93) : قال ( لا شك أن الأرواح لها من الانطلاق والحرية ما يمكنها أن تجيب من يناديها وتغيث من يستغيث بها كالأحياء سواء بسواء بل أشد وأعظم ) ا( .
وثالثة الأَثافي ( قال المالكي داعية الموالد (2) : ( فأنت باب الله ) للقطب الكبير سيدنا محمد بن أبي الحسن البكري المصري ، وهي مجربة لِقضاءِ الحوائج ، تُقرأ في آخر الليل بعدما تيسر من الصّلاة ، ويكرر بيت : ( عجل يا ذهاب الذي أشتكي ) (73) مرَّة .
ما أرسل الرحمن أو يرسل ... من رحمة تصعد أو تنزل
في ملكوت الله أو ملكه ... من كل ما يختص أو يشمل
إلا وَطه المصطفى عبده ... نبيّه مختاره المرسل
واسطة فيها وأصل لها ... يعلم هذا كل من يعقل
فلذ به من كل ما تشتكي ... فهو شفيعٌ دائماً يقبل
ولذ به في كل ما ترتجي ... فإنه المأمن والمعقل
وحط أحمال الرجا عنده ... فإنه المرجع والموئل
__________
(1) مقدمة سماحة الشيخ لكتاب (حوار مع المالكي) (ص5-6) وانظر : قرار هيئة كِبار العلماء (9-19) من الكتاب المذكور لكي تكون على بيّنة وبَصيرة ودِرايَة بالمذكور ، وكيف رحمة هيئة كِبار العلماءِ به وشَفقتهم عليه .
(2) انظر كتاب (الذخائر المحمدية) (ص158) .(1/243)
وناده إن أزمة أنشبت ... أظفارها واستحكم المعضل
يا أكرم الخلق على ربه ... وخير من فيهم به يُسأل
قد مسّني الكرب وكم مرة ... فرجت كرباً بعضه يذهل
فبالذي خصّك بين الورى ... برتبة عنها العُلا تنزل
عجّل بإذهاب الذي أشتكي ... فإن تَوقفت فمن ذا أسأل ؟
فحيلتي ضاقت وصبري انقضى ... ولست أدري ما الذي أفعل (1)
كيف ترضى أن يهمل الله - عز وجل - إلى هذا الحد ، وتدعو عباد الله إلى التوجه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهل هذا هو الظن بالله ؟ .
ثم إن المالكي جاء بطامة حيثُ قال : ( وهي مجربة لِقضاء الحوائج تقرأ في آخر الليل بعد ما تيسر من الصلاة ) .
فأقول : أين أنت من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : : « إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ » (2) .
ثم ذكر طامة أُخرى ، وهي تكرير البيت ( فَعَجِّلْ بِإِذهابِ ) (73) مرّة !! ، ترى ما هو السر في هذا العدد ؟ ( (3) ، ألله أعلم .
ما رأيك أخي المسلم الموحد في هذا الكلام ، هل تَبَيّنَت لك حقيقة قائله ومُعتقده .
كما رد صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشئون الإِسلامية والأَوقاف والدعوة والإِرشاد بكتاب سماه ( هذه مفاهيمنا ) على كتابٍ لمحمد علوي الماكي يُدعى ( مفاهيم يجب أن تُصَحَّح ) .
وللعلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسّام ردٌّ مختصرٌ بِعنوان (تنبيه ذوي البصائر عما جاء في الذَّخائر) .
__________
(1) نُجيبك على سُؤالك فنقول : توجّه إلى الله - عز وجل - كاشف الكرب ومُنجي العبد الذي قال : { وإذا سألك عِبادي عني فإني قريب } والذي يسألُ غير الله فيما لا يَقدر عليه إلا الله فَلَيسَ من عباد الله .
فأقول للمالكي : ...
(2) أخرجه مسلم (757) .
(3) مجلة الحكمة (20/102-103) باختصار .(1/244)
ولشيخنا العلامة الدكتور سفر الحوالي رسالة مختصرة رد فيها على المالكي بِعنوان (مجدد ملة عَمرو بن لحي الخزاعي وداعية الشرك في هذا الزمان) كتبها في تاريخ 6 / 5 / 1412 هـ .
كما وقع بصري على رسالة صغيرة الحجم بعنوان (مسائل كثر حولها النقاش والجدل) تأليف زين آل سميط . الناشر لها والمروج يوسف هاشم الرفاعي (1) فوجدت فيها العجب العجاب :
منها : ما ذكره في (ص9) : ( ما حكم التوسل بالأنبياء والأولياء ؟ .
ج : حكم التوسل والاستغاثة والاستعانة بهم في قضاء الحوائج الدنيوية والأخروية جائز شرعاً بإجماع أهل السنَّة والجماعة وهم السواد الأعظم والجمهور من المسلمين وإجماعهم حجة لعصمتهم من الخطأ ... ) .
أقول : سبحان الله - عز وجل - ، أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تجمع على إباحة الشرك بالله ، هذا القول كفر بالله .
وفي (ص9) : ( التوسل بهم أن يتخذهم وسيلة أي واسطة إلى الله - عز وجل - في قضاء الحوائج وحصول المطالب لكونهم أقرب إلى الله منا ، فهو يجيب دعاءهم ويقبل شفاعتهم ) .
__________
(1) اُنْظُرْ : رسلة (البيان بالدليل لما فيه نصيحة الرفاعي ومقدمة البوطي من الكذب الواضح والتّضليل) للعلامة صالح الفوزان . وينظر رسالة بعنوان (عقيدة الإمام الشّافعي) للدكتور محمد الخميس .(1/245)
أقول : سبحان الله ، هذه مقالة المشركين الذين عابهم الله بقولهم هذا ، فقال { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } ( الزمر : 3 ) ويقول : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( يونس : 18 ) .
وفي (ص11) : ( هل يجوز التوسل بالأموات ؟ .
ج : قال العلماء رحمهم الله لا فرق في جواز التوسل بأحباب الله تعالى سواء كانوا في حياتهم الدنيوية أو بعد انتقالهم إلى الحياة البرزخيَّة فإن أهل البرزخ منهم في حضرة الله ومن توجه إليهم توجهوا إليه أي في حصول مطلوبه ) .
وفي (ص16) : فهذا الحديث صريح في جواز الاستغاثة والنداء بالغائبين من الأحياء والأموات والله أعلم ) ثم ذكر كلاماً لأحمد دحلان - يستحيا من ذكره - .
أقول : سبحان الله : ( أموات غير أحياء وما يشعرون أيَّان يُبعثون ) .
وفي (ص35) : ( ما حكم تقديم النذور إلى الأولياء ؟ .
ج : ذكر العلماء نفع الله بهم : أن النذر لمشاهد الأولياء والعلماء جائز صحيح إن قصد الناذر أهل ذلك المحل من أولادهم أو الفقراء الذين عند قبورهم أو قصد صرفه في عمارة ضرائحهم لما في ذلك من إحياء الزيارة المشروعة ) .
وفي (ص38) : ( ما كان قصد بعض الناس من الحلف بالقبور أو بأصحابها ؟ .(1/246)
ج : فاعلم أنهم لا يقصدون بذلك حقيقة الحلف الذي هو اليمين وإنما ذلك من باب التوسل والتشفع إلى الله بمن له منزلة عنده والكرامة لديه في حياتهم وبعد وفاتهم لأن الله تعالى قد جعلهم أسباباً لقضاء حوائج عباده بشفاعتهم ودعائهم .... ) .
وفي (ص42) : ( هل يمكن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة ؟ .
ج : رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة ممكنة وواقعة فقد ذكر العلماء نفع الله بهم أن كثيراً من أئمة الصوفية رأوه في المنام ثم رأوه في اليقظة وسألوه عن أشياء من مصالحهم ومآربهم ) .
وفي (ص43) : قال الإمام السيوطي رحمه الله : ( فحصل من مجموع هذه النقول والأحاديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حي بجسده وروحه وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غُيِّبَت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله تعالى رفع الحجاب عمَّن أراد كرامته برؤيته رآه على هيئته التي هو عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال ا( ) (1) .
أقول : سبحان الله - عز وجل - من هذا القول الفاسد والاعتقاد الكاسد الذي يُنافي توحيد الربوبية .
ويقول يوسف هاشم الرفاعي الناشر لهذه الرسالة في كتابه : " الرد المحكم المنيع " (ص75) ما نصه : ( وقصد الأماكن والمعالم المباركة التي يرجى فيها استجابة الدعاء والتوسل كالمساجد والأضرحة شرع منصوص ) .
أقول : أي شرع هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن هذا » (2) ومتى كانت المقابر أماكن يُرجى فيها استجابة الدعاء والتوسل ؟ .
__________
(1) الحاوي للفتاوي للسيوطي (2/265) ط : دار الجيل .
(2) [ أخرجه مسلم (532) وأبو عوانة (1/401) من حديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - ] .(1/247)
أقول لهذا وأمثاله : إن اختصاص القبور والأضرحة والمشاهد بأنواع مختلفة من العبادات - ومنها الدعاء - منهيٌّ عنه في الشرع الحنيف بل هو عين ما كان يفعله الكفار من عبَّاد الأصنام والأوثان وقبلهم اليهود والنصارى وقد حذَّرَنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من صنيعهم هذا فقامت علينا الحجة أمام الله سبحانه وتعالى (1) .
( أما الكوثري الحنفي (2) فحدث ولا حرج ، فقد أغرق في الخرافة والشرك والضلال وإليك بعضاً من هذه النماذج باختصار وإيجاز - وللبيان والتفصيل يُنظر المراجع المذكورة في الهامش - حتى يُعْرَف مناقضته لأصول التوحيد عامَّة وتوحيد الألوهية خاصَّة - ولا غرابة على القوم ولا عجب - فأقول وبالله - عز وجل - أصول وأجول :
1- إن النبي يعلم علم اللوح والقلم وليس الغيب ولا العلم كله ما في اللوح فقط (3) .
__________
(1) وانظر : وجَاءَ يركضون ... مهلاً يا دُعاة الضَّلالة
(2) من مقالة (الكوثري والكوثرية) للشمس السلفي الأفغاني ، من مجلة الأصالة العددان الخامس عشر والسادس عشر عام (1415هـ) (ص102-118) باختصار وتصرف يسير ؛ انظرها لزاماً لتتم الفائدة فما ذكرت إلا طرفاً .
وانظر ما كتبه الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس بعنوان ( بيان مخالفة الكوثري لاعتقاد السلف ) حتى تقف على حقيقته وحقيقة أتباعه ، و(براءة أهل السنة) للعلامة بكر أبو زيد ، فقد نقل نُقولات موَثَّقة عن هذا الرجل الهالك ، و(التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل) للعلامة المُعَلِّمي ، و(بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري) لأحمد صديق الغماري [ ط : الصميعي ] ، بِتحقيق علي الحلبي ، والكوثري وتعليقاته لمحمد بهجت البيطار . وكذا كتب حذَّر منها العلماء لمشهور حسن سلمان (1/303-307) . و(الماتريدية) للشمس السلفي الأفغاني .
(3) مقالاته (373) .(1/248)
2- يجوز زيارة القبور للبركة والدعاء عندها فيستجاب لهم ، كما يجوز زيارة القبور للاستعانة بنفوس من الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات ودفع الملمات (1) .
قلت : تدبر أيها المسلم الموحد إلى قلة حياء هذا الرجل القبوري كيف يُصَرِّحُ جِهاراً بما هو من صميم عقيدة مشركي العرب الوثنية ، بل كان مشركو العرب يدعون الله - عز وجل - وحده لدفع الملمات كما أخبر الله تعالى .
3- يعتقد الكوثري أن أرواح الأولياء تظهر منها آثار في أحوال هذا العالم ، فأرواح الأولياء هي المدبرات لهذا العالم ؟! (2) .
أقول : وعلى هذا الكفر البواح والشرك الصراح حمل قوله - عز وجل - : { والمدبرات أمراً } (3) ، وسلف الكوثري في هذا الكفر هو الفخر الرازي [ وهو مِن أئِمَّةِ أهلِ الكلام والأشعريين ، ( والذين مَزَجوا المَذهبَ الأَشعريِّ بالفَلْسَفَةِ والاعتزالِ ( (4) ] .
وقد كنا نظن أن هؤلاء الغلاة وقعوا فيما يضاد توحيد الألوهية ، ولكن تبين الآن أنهم ارتكبوا الشرك حتى في الربوبية وتدبير هذا العالم ، والله تعالى وفق العلامة الألوسي مفتي الحنفية ببغداد فوقف لهم بمرصاد ورد كيدهم في نحرهم كفانا الله - عز وجل - شرهم .
__________
(1) مقالاته (385) ، رَ : تبديد الظلام (162) عن التفتازاني الحنفي الماتريدي الخرافي ، وقارنه بـ(عقيدة البريلوية ) رَ : البريلوية (56-61) تجد العجب العجاب وتحكم على الكوثرية أنهم خرافيون بدون ارتياب .
(2) مقالاته (382) وتبديد الظلام (ص61) .
(3) سورة النازعات الآية (5) .
(4) [ من كلام الشيخ العلامة : محمد رشاد سالم في حاشيته النَّفيسة على ( درء التعارض ) (1/4) . وقد وَصفه شيخ الإِسلام بِمن لَبَّسوا الكلام بالفلسفة ، وأنه من أكابر أهل الكلام . رَ : مجموع الفتاوى (4/62) . وأيضاً بأنه جَهمي جَبري . كما في مجموع الفتاوى (16/213،236) ] .(1/249)
4- يجوز النداء للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته لتفريج الكربات وأنه عمل متوارث بين الصحابة - رضي الله عنهم - ، كما يجوز النداء له - صلى الله عليه وسلم - في غيبته (1) .
أقول : وما أعظمه من كذب وزعم وادعاء وافتراء على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل التوحيد . وأقول : هذه بعينها عقائد الوثنية ... الخ .
أما كتابُ المقالات للكوثري ، فهو كتابٌ فيه السب والشتم للأئمة الأعلام الذين نقلوا لنا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه افتراءات عليهم ونسبتهم إلى الضّلال والكفر .
فقد قال عن الإمام الدَّارِمي : فيا ترى هل يوجد في البسيطة من يَكفُر هذا الكفر الأخرق سوى صاحب ( النَّقض ) (2) ومتابعيه ا( (3) .
وقال عن الإِمام عبد الله بن أحمد رحمهما الله : والآن نتحدث عن كتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد بن حنبل تحذيراً للمسلمين عما فيه من صنوف الزيغ ؛ لاحتمال انخداع بعض أُناس من العامة بسمعة والد المؤلف ، مع أن الكفرَ كفرٌ كائِناً من كان الناطق به ا( (4) .
__________
(1) مقالاته (391) (389) .
(2) [ يَعني كتاب (نَقضُ عُثمان بن سعيد على المِرِّيسي الجَهميّ العنيد فيما افترى على الله في التوحيد) وقد مدح الكتاب ومؤلَّفه شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في (اجتماعِ الجيوش الإِسلامية) (228-231) : قال ما نَصُّهُ : كتابي ( الرد على الجهمية) و(النقض على المريسي) مِن أجلِّ الكتب المصنّفة في السُّنَّةِ وأنفعها ، ويَنبغي لِكُلِّ طالبٍ السنّة مراده : الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمةأن يقرأ كِتابيهِ ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يُوصي بهذين الكتابين أشد توصية ويُعظّمهما جدا ، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما ا( ] .
(3) (ص356) .
(4) (ص403) .(1/250)
وقال عن إمام الأئمة ابن خزيمة : وللكتابين السابقين ثالثٌ في مجلد ضخم يسميه مؤلفه ابن خزيمة (كتاب التوحيد) وهو عند محققي أهل العلم كتاب الشرك ! وذلك لما حواه من الآراء الوثنية !! ... ا( (1) .
وقال عن شيخ الإِسلام ابن تيمية : وقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين الذي ضاعت مواهبه في شتى البدع ، في تكملتنا على (السيف الصقيل) - وهو كتاب ألفه ابن السبكي ردّاً على نونية ابن القيم في العقيدة السلفية - ما يشفي غلة كل غليل في تعقب مخازي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ا( (2) .
وفي (تكملته) يقول : ابن تيمية وارثُ علوم صابئة حرّان حقا ، والمستلف من السلف ما يكسوها كسوة الخيانة العظمى ا( (3) .
وقال عن ابن القيم أوصافاً يَستحي سليط اللسان - فضلاً عن العفيف - من قولها ، فوصفه بأنه : ضال مُضل ، وزائغ ، ومبتدع ، وكذاب ، ووقح ، وبليد ، وخارجي ، وحمار ، وتيس ، وملعون ، ومن إخوان اليهود والنصاري ، ومنحل عن الدين والعقل ... الخ ) (4) .
وقال عن الشوكاني رحمه الله ، بعد أن نقل عن (ابن حريوه اليمني) فيه : ( إنه يهودي مندس بين المسلمين لإِفساد دينهم ) قال الكوثري : وليس ذلك ببعيد لمناصبة العِداء لعامة المسلمين وخاصّتهم على تعاقب القرون ا( (5) .
وأما أتباع الكوثرية فهم ليسوا بأحسن حالاً من الكوثري ، وفيما يلي ذكر أربعة ( كبار ) منهم :
1- أحمد خيري (1387هـ) وهو حنفي ماتريدي بل قبوري خرافي ، بل له ميل إلى الباطنية .
2- كوثري آخر يدعى " محمد يوسف البنوري " (1397هـ) وكان من كبار أئمة الديوبندية .
__________
(1) (ص409) .
(2) (ص399) .
(3) (ص80) .
(4) (ص22،24،28 ... ... ) .
(5) (ص418) . وراجع البقية في كتاب الشيخ بكر أبو زيد (براءة أهل السنة) (ص278-287) ضمن كتابه (الردود) .(1/251)
3- رضوان محمد رضوان المصري ، وهذا هو الذي تولى كبر جمع مقالات الكوثري وطبعها (1) وهذا دليل قاطع على كونه خرافياً كبيراً ، وربما ظن أنه كسب بجمع هذه المقالات رضوان الرحمن ، ولكنه اكتسب رضوان الشيطان وسخط الرحمن .
4- عبد الفتاح أبو غدة السوري أبو الزاهد الكوثري ، وهو على حظ وافر من العلم قد حصَّلَ كثيراً من العلوم كما حصَّلَ جانباً من الدنيا ولكنه أصيب بداء الكوثري فصار أبا غدة حقاً بل أبا غدد صدقاً (2) . وهو مستوطن في بلاد نجد وهي بلاد التوحيد والسلفية (3) ، وأطرق رأسه إطراق الكرى خوفاً من سيف البرهان والسلطان يبث في غضون تعليقاته سموم سلفه وشيخه الكوثري بطرق خفية سرية لا يتنبه لها إلا من عرف السنة وأهلها والبدعة وأهلها حق المعرفة (4) .
فنقولُ لهُ :
دَعْ عنكَ الكِتابَ فَلَستَ مِنها وَلَوْ سَوَّدْتَ صحفك بالمِدادِ
وقال آخر :
فخلِّ المطي وحاديها وأعط القوس باريها
وكان يصرح ويجاهر في خطبه على المنبر في بلده - قديماً - بما كان يرتكبه ضد التوحيد والسنة وأهلها من البهتان والعدوان ولا سيما ضد من يسميهم " الوهابية " كعادة خلطائه من أهل الأغراض والأمراض ويرميهم بأنواع التهم ومنها العداء والضغينة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن لما نزل البلاد النجدية - بلاد التوحيد - اكتفى ببث سمومه بطرق سرية مع شيء من المداراة والتملق ولسان حاله ينشد :
دارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما دمت في أرضهم
__________
(1) كما صرح بذلك البنوري في مقدمته لـ " مقالات الكوثري " : ل .
(2) " الغدة " طاعون الإبل ، انظر " القاموس " .
(3) أما عند الكوثرية فهي بلاد الشرك والوثنية .
(4) راجع مقدمة الألباني على شرح الطحاوية (ص44) .(1/252)
ولشيخنا الألباني كلمة تصلح (رسالة) وهي مطبوعة في مقدمة (شرح الطحاوية) منذ سنين كثيرة كشف فيها عن كثير من مخازيه ، وقد اعترف بصحة تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية والصفات (1) ، فإن كان من إخلاصه لا لغرضه ففيه دواء لبعض مرضه .
وقد كتبت رسالة بعنوان " العمدة لكشف الأستار عن أسرار أبي غدة " ولكن فوجئت برسالة قيمة للشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله وعليها تقريظ سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى ، عنوانها " براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة " (2) حيث قال : لقد اطَّلعت على رسالتكم التي كتبتم بعنوان (براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأُمة) وفضحتم فيها المجرم الآثم محمد زاهد الكوثري بنقل ما كتبه من السب والشتم والقذف لأَهل العلم والإِيمان واستطالته في أعراضهم وانتقاده لكتبهم إلى آخر ما فاه به ذلك الأَفَّاك الأَثيم ، عليه من الله ما يستحقه . كما أوضحتم أثابكم الله تعلق تلميذه الشيخ أبو غدة به وولاءه له وتبجحه باستطالة شيخه المذكور في أعراض أهل العلم والتُّقَى ومشاركته له الهمز واللمز ، وقد سَبَق أن نَصحناه بالتبرئ منه وإعلان عدم موافقته له على ما صدر منه وألححنا عليه في ذلك ، ولكنه أصرَّ على مولاته له هداه الله للرجوع إلى الحق ، وكَفَى المسلمين شَرَّه وأمثاله . وإنا لنشكركم ونسأل الله - عز وجل - لكم المثوبة لتنبيه إخوانكم إلى المواضع التي زلَّت فيها قدم هذا المفتون أعني محمد زاهد الكوثري ، كما نسأله - عز وجل - أن يجعلنا وإيَّاكم من دعاة الهدى وأنصار الحق والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ا( .
• وقد ذَكَر الشيخ العلامة بكر أبو زيد في الرسالة المذكورة أنَّ للكوثري نواقضٌ أربعة :
__________
(1) كلمات في كشف أباطيل وافتراءات (ص37) .
(2) (ص3/4) .وكان الأنسب أن تسمى " براءة أهل السنة عن وقيعة أهل البدعة " .(1/253)
1- انتصابه للتَّقليد الأَصم في عصبيةٍ سادرة .
2- وثبته إلى التَّمشعر غالياً فيه جافياً .
3- انفلاتُ وِكاءِ عقيدته في عجم دلائل توحيد الله - عز وجل - في عبادته إلى : قُبوُرِيَّة زائفة .
4- ثم انسيابُ صَريف قلمه في التَّكفيرِ (1) والقَذفِ للأَبرِياءِ والتَّنقُصِ للأَوفياءِ لِكُلِّ ناجٍ من تلك المَشارِب الثَّلاثة .
وهذه - النَّواقض الأَربعة - جَرَّت التلميذ - أبو غدَّة - إلى أَربعٍ :
1- تَنَكّر لِعلماء السَّلَفِ .
2- غلائل التَّقديسِ المصبغة .
3- احتضانُ المبتدعة .
4- الدَّنِيَّةُ بالدِّينِ .
فهذه الأَربع مع الأَربعِ السَّابق ذكرهن .
مساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن إلا بالطَّلاقِ ا( .
أقولُ : ثُمَّ يأتي هذا التلميذ فَيَنْبُذُها في حواشيه وتعليقاته وتحقيقاته - كما يزعم - .
فكيف يؤخذ منهما علم أو تحقيق أو تعليق .
يقول الشيخ بكر أبو زيد : ومن قال : آخذ ما صَفى وأترك ما كدر ، قيل له : هذا غير مقبول فيمن غلا وجفا ونأى عن الصِّدق والتّقى مع السكوت عن مسالكه في التضليل والرَّدى ، والمعقود في اعتقاد أهل السنة والجماعة أنه لا ولاء إلا بالبراء ، فلا موالاة للسنة إلا بالبراءة من البدعة ، ولا موالاة لِعلماء السنة وأهلها إلا بالبراءة من علماء المبتدعة وحملتها وهلم جرا ا( (2) .
__________
(1) وانظر منهج الأشاعرة في العقيدة للشيخ سفر الحوالي .
(2) وانظر لزيادة البيان والإيضاحِ : (الرد على المخالف) و(تحريف النصوص) و(البراءة) و(التحذير) و(تصنيف الناس) كلها لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد وقد طبعت في مجلدٍ بعنوان (الردود) ، و(الصواعق والشهب المرمية على ضَلالات وانحرافات السقاف البدعية) لعبد الرحمن الرحمة (241-152) .(1/254)
فكفى الله - عز وجل - المؤمنين القتال ، وبهذه الرسالة قد عرفه كثير ممن جهلوا حقيقته ، ولعل رسالتي تظهر فتظهر شيئاً من سيرته وسريرته . وقد ذكرت بعض نماذج لمسايرته لشيخه الكوثري في كتابي الماتريدية : (1/370) وفيما يلي ما يدل على كونه عريقاً في البدع القبورية :
ذكر قصة رحلته إلى الهند وزيارته لقبر عبد الحي اللكنوي وذكر أنه مدفون في بستان الأنوار وبجانبه مسجد تقام فيه الصلوات ! وقال : ( رأيت قبره منحوتاً من المرمر الرخام الأبيض مكتوباً عليه قول تلميذه عبد العلي المِدْراسي من قصيدة له في رثائه :
أيها الزوار قف واقرأ على هذا المزار سورة الإخلاص والسبع المثاني والقنوت (1)
وهذا الكلام عليه تنبيهات :
1- أن البناء على القبور وتشييده من المحرمات الموجبه للعنة وهو صنيع اليهود والنصارى .
2- أن من الواجب إنكاره لأنه منكر عظيم إما باليد بهدمه أو باللسان وعلى الأقل تقدير بالجنان .
وأبو غدة لم يفعل ذلك ولم يتمعر وجهه وجبينه في الله - عز وجل - بل أخذ يتفاخر به ويمدحه ، وكيف يُنْكِرَه وهو لا يراه منكراً وربما يراه تعظيماً للمقبور وإكراماً له ، ثم إن أسرة المقبور أحسنوا ضيافته فكيف ينكر عليهم وهم قد ألقموه لقمة بل لقماً .
خلق الله للحروب رجالاً ورجالاً لقصعة وثريد
3- تزيين القبور لهذا العالم في بلاد الهند المكتظّة بالشركيات القبورية والخزعبلات الصوفية دعوة للشرك والوثنية .
4- ما الدليل على قراءة سورة الإخلاص والسبع المثاني والقنوت على القبور أو وقت زيارتها ؟ هذا مع تصريح أئمة الحنفية بأنه لا يجوز لزائر القبور إلا ما ورد في السنة الصحيحة من الدعاء لأهلها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله (2) .
__________
(1) انظر مقدمة أبي غدة للرفع والتكميل (ص8) ط/1 و(14-15) ط/2 .
(2) رَ : فتح القدير (2/142) والبحر الرائق لابن نجيم (2/192) والفتاوى الهندية (1/66) ورد المحتار (2/259) .(1/255)
كما ذكر العلامة حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله في مقدمة رسالته الموسومة (تنبيه الإخوان على الأخطاءفي مسألة خلق القرآن) (ص5) : أمّا بعد ، فقد رأيت رسالة للشيخ عبد الفتاح أبي غدة سماها (مسألة خلق القرآن ، وأثرها في صفوف الرواة والمحدثين وكتب الجرح والتعديل) وفي هذه الرسالة أقوالٌ غير مَقبولة ، بل فيها أقوال من أقوالِ الجهمية ، ولما كانت هذه الأقوال قد تخفى على بعض طلبة العلم رأيتُ أنه يتأكد التنبيه عليها لئلا يغتر بها بعضهم ، والله المسئول أن يعصمني من الزلل ... ) ا( .
ومعَ ما تَقدَّمَ من خرافات وشِركيّات وضَلالات للكوثري ، فإنَّ أبا غدّة يَتّخذ الثَّناء على الكوثري الجهمي سَبيلاً ومنهجاً ، ومع أنَّ جماعةً من العُلماءِ بيَّنوا زيغَ الكوثَري وانحرافه وشِدَّة عداوته لأَهلِ السّنّة إلا أنَّ أبا غدّة لا يَزالُ يُبجّله ويُثني عليهِ ويَصِفُهُ بالإِمامَةِ في الدّينِ ، والله المُستعانُ .
يَقول في وَصفِ شيخه الكوثري ومدحه : أستاذ المحققين ، الحجة المحدث الفقيه الأُصولي المتكلم النّظار المؤرخ النّقاد الإمام (1) . وتراه قد سَمَّى ابنه الأَكبر بـ (زاهد) وانتسب للكوثري .
ويقول أبو غدة عن الإمام ابن القيم رحمه الله : بل تراهُ (أي ابن القيم) إذا روى حديثاً وجاء على مَشربه المعروف بالَغَ في تَقويته وتمتينه كل المبالغة ، حتى يُخيل للقارئ أنَّ ذلك الحديث من قسم المتواتر ا( (2) .
ثُمَّ تُوفِّيَ أبو غدّة في التَّاسع مِن شوّال 1417 ( ، فَنسألُ الله - عز وجل - أن يَغفر لنا وله ، وأن يَعفو عنّا وعنه ، ونَسأله - عز وجل - أنْ يُطَهِّرَ الأَرضَ من كُلِّ صاحبِ بِدعةٍ .
__________
(1) انظر طرة كتاب (الأجوبة الفاضلة للأَسئلة العشرة الكاملة) لعبد الحي اللكنوي .
(2) الأجوبة النافعة (ص130) .(1/256)
وإليك كلاماً للشيخ علي رضا عبد الله علي رضا عن كتاب ( جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ) ، حيث قال حفظه الله :
من أكبر المؤلفات - إن لم تكن أكبرها إطلاقاً - التي جمع فيها كاتبها بين كثرة المصادر ، وقوة الاستدلال ، وإقامة الحجج القاطعة فيما يريد إثباته ، كتابٌ لأَخينا العالم الدكتور شمس الدين السلفي مؤسس الجامعة الأَثرية ببشاور ، والذي نال به درجة العالمية ( الدكتوراه ) في العقيدة الإِسلامية من الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة .
هذا الكتاب قرة عين الموحدين وقذى وعوار في أعين القبورية ودعاتهم قديماً وحديثاً ، هذا الكتاب قد قطع به مؤلفه ظهر دعاة الضلال والشرك ، فقد أثبت أن علماء الحنفية كغيرهم من علماء المذاهب الأُخرى كانوا حربا شعواء على عباد القبور والمشايخ والأَولياء ، وأثبت جزاه الله خيراً أن علماء الحنفية فرقوا بين توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون الأَوائل وبين توحيد الألوهية الذي أبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبوله والإِيمان به ، فقد ساق المؤلف أقوال علماء الحنفية ما إذا اطلع عليه القبوريون لأَذعنوا ورجعوا إلى عقيدة التوحيد التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا هو الإِمام أبي حنيفة وتلميذاه ( الإِمامُ القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشَّيباني ) - رضي الله عنهم - يقولون : ( لا ينبغي لأَحد أن يدعو الله - عز وجل - إلا به ) وكرهوا أن يقول الداعي : أسألك بمقعد العز من عرشك ا( وقالوا : بأن الدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله - عز وجل - : { ولله الأَسماء الحسنى فادعوه بها } (1) .
كما كرهوا قول الداعي : ( بحق رسلك وأنبيائك وأوليائك أو بحق البيت الحرام ) (2) .
__________
(1) سورة الأَعراف : 18 .
(2) نقلاً عن مختصر القدوري كما في الدر المختار للحصكفي (5/254) والبداية مع الهداية (4/431-432) والبناية للعيني (9/384) .(1/257)
فهذه النقول تقطع دابر المجوزين للتوسلات البدعية كقولهم : بفلان ، ببركة فلان ، بحق فلان ، بجاه فلان . هذا فضلاً عن التوسلات الشركية كقولهم : يا فلان اشفع لي ، أو أغثني ، أو أنت حسبي ، أو لا تحرمني ... وغيرها من العبارات التي لا يجوز صرفها إلاَّ لله - عز وجل - .
وقال الإِمام البزازي في الفتاوى البزازية (1) بأن زعم الولي أنه يُصلي صلاة كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، ويصلي صلاة أخرى في مكان آخر - سنة الفجر بخوارزم وفرضه بمكة - قال بأنه يكفر .
وقال أحمد الرومي الحنفي : بأن استغاثة بعضهم بالصالحين والأَنبياء أو الأَولياء شرك بالله ، وأن الشيطان يتصور بصورة هؤلاء المشايخ والصالحين ويقضي حاجة هؤلاء المستغيثين لِيُضلَّهم ويوقعهم في الكفر (2) .
ألا فليتب إلى الله - عز وجل - هؤلاء القبوريون وليستغفروه من هذه البلايا والرزايا قبل أن يحق عليهم العذاب السرمدي الأَبدي ! .
ألا فليتب إلى الله من اتبع الكوثري القبوري القائل : ( لا بد لأَهل السلوك والرشاد من التوسل والاستغاثة والاستمداد بأرواح الأَجلة والسادة الأَمجاد إذ هم المالكون لأَزمة الأمور في نيل المراد ! ) (3) .
وقال - داعياً إلى الوثنية جهاراً دون حياء ولا خوف من الله ! - : ( الولي في الدنيا كالسيف في غمده فإذا مات تجرد منه فيكون أقوى في التصرف ) (4) .
وأما محمد علوي المالكي فيقول : ( إن الاستغاثة بأكابر المقربين من أعظم مفاتح الفرج ! ! .، ومن موجبات رضا رب العالمين ) (5) .
__________
(1) (6/348) .
(2) مجالس الأَبرار (ص24) .
(3) إرغام المريد شرح النظم العتيد لتوسل المريد (ص5) .
(4) إرغام المريد (ص28) .
(5) مفاهيم يجب أن تصحح (ص54،86) .(1/258)
ويقول أحدهم - داعياً إلى الشرك الأَكبر الذي لا يغفره الله أبداً ! - : ( إن التوجه إليه - صلى الله عليه وسلم - ونداءه بقوله : ( يا محمد ) والاستنجاد به ليس شركاً !! ، ولا حراماً ، ولا مكروهاً ، ولا خلاف الأَولى !! ، بل ذلك أفضل في الأَدب من الربوبية ، وأشد اجتلاباً للرحمة ، واستنزالاً للقبولِ !! ، وأقوى مظنة للإِجابة وأدنى للرشد وأبعد من الرد والحرمان !! ) (1) .
فاللهم يا ولي الإِسلام وأهله مسكنا الإِسلام حتى نلقاك عليه . وقد زود المؤلف - جزاه الله خيراً - كتابه بفهارس علمية دقيقة ، ومراجع علمية نادرة ، فلا يفوتنك أخي المسلم اقتناء هذه التحفة النادرة فإنها والله أعظم وأجمع ما رأيت في موضوعه ، وجزى الله المشرف على هذه الرسالة فضيلة الشيخ : صالح العبود خير الجزاء ، ووفقه لكل خير ورشاد (2) وإليك ترجمة موجزة لبعض الصوفية
__________
(1) البراهين الساطعة للقضاعي الخرافي (ص449) .
(2) من كتاب (المباحث العلمية بالأَدلة الشرعية) لعلي رضا (ص18-20) . وانظر لزاماً : (براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة) للدكتور عبد العزيز الحميدي ، ورسالة (تسفيه الغبي في تنزيه ابن عربي) للحلبي ، دراسة وتحقيق علي رضا . وما كتبه الشيخ إحسان العتيبي في كتابه (كتاب تربية الأَولاد في الإسلام لعبد الله العلوان في ميزان النقد العلمي) بمراجعة وتقديم علي حسن عبد الحميد (ص108-113) . وانظر كتاب ( كتب حذَّر منها العلماء ) لمشهور حسن سلمان بتقديم الشيخ بكر أبو زيد ؛ لترى ما فعله القبوريون والخرافيون من تأليف وكتابة فيها محاربة وقدح وطعن لعقيدة التوحيد عقيدة أهل السنة والجماعة . وعليك بكتاب (أُصول الدين عند الإمام أبي حنيفة) للدكتورِ محمد الخميس لتعرف أُصول هذا الإمام الجهبذ رَحِمَهُ اللهُ - عز وجل - .(1/259)
الحلاج : وهو أبو مغيث الحسن بن منصور الحلاج البيضاوي الفارسي ، العراقي إمام الزندقة والزنادقة والاتحادية في هذه الأمة كان جده مجوسياً ، نشأ بتستر ، وصحب سهل بن عبدالله التستري ، وصحب ببغداد الجنيد ، تبرأ منه سائر الصوفية ، والمشايخ والعلماء قتل لست بقين من ذي القعدة سنة 309هـ انظر ترجمته وخرافاته مستوفى فيما ذكره الذهبي في السير (14/313-354) ، والبغدادي في الفرق بين الفرق (165-167) وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/204) وابن حجر في لسان الميزان (3/255).
ابن الفارض : وهو عمر بن علي بن المرشد الحموي المصري ، أحد الأئمة المجاهرين بالزندقة والقبورية والاتحادية والوثنية ، قال الإمام الذهبي: ( صاحب الاتحاد الذي ملأ به التائية . قال ابن عساكر / فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده ، فما في العالم زندقة ولا ضلال ، اللهم ألهمنا التقوى وأعذنا من الهوى ) توفي سنة 632هـ انظر بعض كفرياته في تائية من ديوانه (26-71)، وما ذكره خير الدين الآلوسي في جلاء العينين (78-81)ومحمود شكري الآلوسي في غاية الأماني (1/403) ومحمود عبدالرؤوف القاسم في الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة (155-158) ، وانظر ماذكره الذهبي في السير (22/368)وفي العبر (5/129) وفي ميزان الاعتدال (2/266) ، وابن كثير في البداية والنهاية (13/143) ، وابن حجر في لسان الميزان (4/317) ومجموع الفتاوى (4/73) و(11/247).(1/260)
ابن عربي : وهو أبو بكر محمد بن علي بن محمد ، الحاتمي الطائي الأندلسي ، الملقب عند المتصوفة بالشيخ الأكبر ، محيي الدين ، أحد كبار أئمة أهل الإلحاد والاتحاد والزندقة ، وكان يقول بإيمان فرعون ، انظر بعض كفرياته وشركياته فيما ذكره نعمان خير الدين الآلوسي في جلاء العينين (69-78) ، وأبو الثناء الآلوسي في غاية الأماني (1/427،426،406،390) و(2/374،372،356،91)،والقاسم محمود عبدالرؤوف في كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية (143-152) ، وذكر الذهبي في السير كلاماً مجملاً وهو (ومن أراد تواليفة كتاب الفصوص ، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر ، نسأل الله العفو والنجاة ، فواغوثاه بالله) السير (23/48)توفي سنة 638 ومجموع الفتاوى (11/239) و (4/131) و(2/356و464).
ابن سبعين : وهو محمد عبد الحق بن إبراهيم الإشبيلي ، من أئمة الاتحاد ، كان يقول : إن النبوة مكتسبة ، وكان يسخر من الطائفين بالبيت ، ويقول : كأنهم حمير حول المدار ، ولوطافوا بي كان طوافهم أفضل من طوافهم به ، انظر ترجمته وأحواله فيماذكره النعمان خير الدين الآلوسي في جلاء العينين (81-82) ، ولشيخ الإسلام كتاب ” التسعينية “ في الرد عليه مطبوع محقق بعنوان” بغية المرتاد“ وانظر ماذكره ابن كثير في البداية والنهاية (13/276)توفي هذا الخبيث سنة 669هـ ومجموع الفتاوى (2/364).(1/261)
البدوي :هو أحمد بن علي بن محمد أبي بكر البدوي المعروف بأحمد البدوي ولد سنة (516هـ)بفاس بالمغرب وتوفي (675هـ) . أقر بالدقة والإمعان في مولده ونشأته اإنحرافه وزندقته وذلك من خلال النقل عنه فيما ذكره عبدالوهاب الشعراني المتوفي (973هـ) والمناوي في طبقاته ونقله ابن العماد في شذرات الذهب من الكفر الصريح والزندقة والإلحاد ، ودعوى الشعراني بأنه استغاث بالبدوي بمصر فجاء إليه عبدالعال تلميذ البدوي الذي توفي منذ مئات سنين فحمل عبدالوهاب وزوجه أم عبدالرحمن فوضعهما على قبته فاتصلا هناك إتصالاً جنسياً لأن الشعراني ما كان يستطيع ذلك منذ خمسة أشهر تقريباً وقد ثبت حسب الدراسة أن البدوي كان عابداً للشمس ثم قتل البدوي مريده عبدالمجيد بمجرد ايقاع البدوي النظرة إليه والرد عليه من وجوه عديدة ثم قضية عبدالوهاب الجوهري ، ثم كلام شيخ الإسلام (180) في هذا الموضوع يضع حداً لهذا الكفر الذي ادعاه الشعراني ثم قصة الشيخ أبي الغيث ودخول شوكة السمكة في حلقه لأنه كان يعادي البدوي فاقرأ هذه المهزلة على لسان الشعراني (1) .
الشبلي : هو دلف بن جحدر . وقيل : ابن جعفر الشبلي (نسبة إلى قرية شبلية وراء سمر قند ) كنيته أبو بكر . كان حاجباً للموفق ثم عزل ، فذهب إلى جنيد ورافقه وتصوف على يديه بعد أن تفقه على مذهب مالك ، كان له شطحات وتجاوزات لا تكون قدوة ، وسبب انحرافه المبالغة في المجاهدات كما يقول الذهبي وحقيقته أنه كان مع الحلاج على مذهب واحد ، إلا أنه أخفى والحلاج أظهر . توفي سنة (334هـ).
انظر : «سير أعلام النبلاء » (15/367) و«طبقات الأولياء» (204) و «شذرات الذهب » (2/338).
__________
(1) ) ) التصوف لعبدالقادر بن حبيب الله السندي (771) وانظر رسالة بعنوان «السيد البدوي » دراسة نقدية د/ عبدالله صابر .(1/262)
البسطامي :هو أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي ، وكان جده مجوسياً فأسلم واسمه سروشان من أهل بسطام – بلدة بين خرسان والعراق- أصله منها ووفاته بها ، وأبو يزيد ثاني إخوته – آدم وطيفور وعلي – كلهم كانوا من الصوفية ، ولكن أبا يزيد كان أشهرهم ، وكان له أحوال وأقوال لم يسبق إليها ... وكان يستشعر اتحاد ذاته بذات الله .
وهو أول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد ،ويؤيد ذلك نيكولسن خلافاً لماذكره ماسينيون في نسبة ذلك إلى ذي النون المصري وتوفي أبو يزيد عام (261هـ) .
التلمساني :هو سليمان بن علي بن عبدالله بن على الكومي التلمساني ، مشهور بعفيف الدين ، صوفي شاعر ، ولد سنة (610هـ) تنقل في بلاد الروم وسكن دمشق فباشر فيها بعض الأعمال .
قال الذهبي :«أحد زنادقة الصوفية ، وقيل له مرة أأنت نصيري ؟ فقال النصيري بعض مني . وأما شعره ففي الذروة العليا من حيث البلاغة والبيان لا من حيث الإلحاد » .
وقال ابن كثير : « وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول ولاتحاد والزندقة والكفر المحض وشهرته تغني عن الأطناب في ترجمته » توفي بدمشق سنة (690هـ) وله ثمانون سنة .
ومن العجب كل العجب إذا كانت هذه أحوالهم أن نرى من يدافع عنهم ويتأول لهم.(1/263)
الجيلاني :هو عبدالقادر بن موسى بن عبدالله الكيلاني ، صوفي ، تنسب إليه الطريقة القادرية ، ولد بكيلان سنة (470هـ) ودخل بغداد فسمع الحديث وتفقه ، له بعض الأقوال في الأسماء والصفات صحيحة ، وله بعض التشريعات في العبادات المبتدعة . توفي سنة (561) انظر ترجمته فيما ذكره عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (5/307) . وللتعرف على شخصية الجيلاني يراجع كتاب (الشيخ عبدالقادر الجيلاني :آراؤه الاعتقادية والصوفية للدكتور سعيد بن مسفر القحطاني وهي رسالة للدكتوراه وتعتبر بحثاً قيماً في بابه ) ختمه بقوله : « أن الشيخ الجيلاني سلفي العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة في جميع قضايا العقيدة كمسائل الإيمان والتوحيد والنبوات واليوم الآخر كما أنه يقر وجوب طاعة ولاة الأمور وعدم جواز الخروج عليهم .
كما أنه من مشايخ الصوفية في مراحلها الأولى وبمفهومها المعتدل والأقرب إلى السنة والتي تعتمد في الغالب على الكتاب والسنة مع التركيز على أعمال القلوب .
وبالنظر إلى تلقيه علوم التصوف من مشايخ يفتقرون إلى العلم المعتمد على الكتاب والسنة أمثال شيخه الدباس الذي كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب فقد وقع - رحمه الله – في بعض الشطحات ومارس بعض البدع في العبادات ولكن هذه الهفوات مغمورة في بحر حسناته ، والعصمة ليست إلا للأنبياء وغيرهم معرض للخطأ وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث .
وإن معظم مانسب إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني من كرامات مبالغ فيه وبعضها غير صحيح ، وما يمكن قبوله منها فهو إما من باب الفراسة أو من باب الكرامات التي يقول أهل السنة والجماعة بجواز وقوعها بالضوابط الشرعية الموضحة في رسالته » (1) .
__________
(1) ) ) (660-661) .(1/264)
أحمد زيني دحلان – وهو أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية بمكة ، من أعظم الأعداء الألداء للعقيدة السلفية ، ونهضة التوحيد ، تجرد للدعوة إلى الوثنية القبورية ، من كتبه الكثيرة الدرر السنية في الرد على الوهابية ، ناظره العلامة السهسواني (1316هـ) بمكة فصرعه ثم ألف في الرد عليه كتابه المشهور القيم «صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان » -
النبهاني : هو يوسف بن اسماعيل بن يوسف النبهاني الشافعي الفلسطيني من قضاة الدولة العثمانية بفلسطين وبيروت وسافر إلى القسطنطنية «إسلام بول » وعمل في جريدة الجوائب بآستانه وتعلم بالأزهر وجاور المدينة كان له كتب كثيرة كان شاعراً مجيداً وأديباً بارعاً لكنه وثني داعية إلى الشرك والكفر وهو أحد كبار أئمة القبورية كان عدواً لدوداً لأئمة الدعوة من أهل نجد وغيرهم من أخبث كتبه وأعمقها في الشرك والوثنية والضلال وأبعدها غوراً في الكفر والإلحاد والإتحاد والإضلال شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق وجامع كرامة الأولياء والمجموع النبهانية في المدائح النبوية وأسماء رجالها (4) مجلدات والكتاب الأول رد عليه العلامة الالوسي في كتابه القيم غاية الأماني في الرد على النبهاني فذبحه من قفاه لئلا يفتح فاه ثم ألف النبهاني رسالة فاشلة في الرد عليه سماها الرائية الصغرى فرد عليه برسالة سماها الآية الكبرى فقضى عليها صريعاً سريعاً انظر جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية للأفغاني (1/431-433) وغاية الأماني والإعلام للزركلي (8/218) ومعجم المؤلفين (13/276.275) وانظر «الضوء القرآني والسني على عقيدة النبهاني » لعبدالقادر حبيب الله السندي حيث ذكر بعض كلام أهل العلم فيه فليحمد الله من عوفي من شقائه وعضال دائه .
.(1/265)
وبعد فهذه نبذة مُختصرة عن المالكي والكوثري ومن نحا نحوهما من الخرافيين والقبوريين ، لعل الله - عز وجل - يهدي بها بعض من لا يزال غافلاً من الطيبين المخلصين ، ممن راج عليهم تلبيس الملبسين وتزيين المزينين والله المستعان .
أقول : هذا اعتقاد القوم من كتبهم ومن أفواههم ومما يدعون إليه ويؤلفون فيه ، أتريد ضلالاً وباطلاً وخرافات وأوهاماً أعظم من هذه فقارن بين هذا الكلام وبين موقف القوم الذي تقدم واحكم بينهم وبين من يدافع عنهم ولا يتوقع صدوره منهم أتريدون قاصمة للظهر أفضع وأشنع وأبشع وأخبث من هذه :
أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب
سؤالٌ : انتشَر اليوم بينَ الشَّباب ؛ أنه يلزم الموازنة في النَّقد ، فيقولون : إذا انتقدت فلاناً من النَّاس - في بدعته - وبَيَّنت أخطاءه ، يلزمك أن تذكر محاسنه ، وهذا من باب الإِنصافِ والموازنة . فهل هذا المنهج في النَّقد صحيح ؟ وهل يلزمني ذكر المحاسن في حالة النَّقد ؟ .
الجوابُ : إذا كان المُنْتَقَدُ من أهل السنة والجماعة ، وأخطاؤه في الأُمورِ التي لا تُخِلّ بالعقيدة ، فنعم ، هذا تذكرُ ميزاته وحسناته ، وتغمر زلاَّته في نُصرته للسنة .
أما إذا كان المُنْتَقَدُ من أهل الضلال ومن أهل الانحراف والمبادئ الهدامة أو المشبوهة ؛ فهذا لا يجوز لنا أن نذكر حسناته - إن كان له حسنات - ؛ لأَنَّنا إذا ذكرناها فإنَّ هذا يُغَرِّرُ بالنَّاسِ ، فَيُحْسِنونَ الظَّنَّ بهذا الضَّال ، أو الحزبي ، أو هذا المبتدع ، فيقبلون أفكاره .
والله - عز وجل - ردَّ على الكفرة والمجرمين والمنافقين ، ولم يذكر شيئاً من حسناتهم وكذلك أئمة السَّلف (1) .
__________
(1) الأَجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة للشيخ صالح الفوزان (ص29) .(1/266)
( تنبيهٌ : وإنَّا لَنُطالب دور النَّشرِ التي تتولَّى طبع مؤلَّفات المبتدعة وتحقيقاتهم وتَعليقاتهم أن تَتقي الله - عز وجل - في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن تكفَّ وتتوقف وتتوب إلى الله وأنها ستوقف بين يدي الله - عز وجل - في يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ، ولله در القائل :
ولا تكتب بِخَطِّكَ غير شيءٍ يسرّك في القِيامة أنْ تراهُ
وليَعلم أَصحابُ المَكتباتِ الذين يَبيعون كُتب أهل البِدَعِ أنَّهم مأزورون غَير مأجورين ، ولهم حظٌّ وافرٌ مِنَ الإِثمِ ؛ لإِعانتهم على نَشرِ العَقائِدِ الفاسِدَةِ ، وقد قال - عز وجل - : { وتَعاوَنُواْ على البِرِّ والتَّقْوَى ولا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ والعُدْوانِ } والذي يَبيعُ كُتُبَ المُبتَدعة هو مِمَّن يُعينُ على الإِثْمِ والعُدوان ، فَليَستَيقِظ السُّنِّيُّ مِن غَفلَتِهِ ولا يَفتَحُ مَجالاً لأََهلِ البِدَعِ يَبُثُّونَ بِدَعهم وعَقائِدهم الفاسِدة في عُقْرِ دارِهِ (1) .
دمعة على التوحيد
__________
(1) [ وقد رأينا - والحمدُ لله - عز وجل - كَثيراً مِن دورِ النَّشر إذا أرادوا نَشرَ كتابٍ ذَهَبَ مندوبهم إلى العُلماءِ السَّلفيّين - وهم مَعروفون بحمد الله - لكي يَستَشيرهم في هذا الكتاب ، وهذا أمرٌ في غاية الأَهميّة ، وهو ما تَفعله (الرِّئاسة العامَّة لإِدارةِ البحوثِ العلميّة والإِفتاء والدعوة والإِرشاد) - وفَّقهم الله وسدَّدَ خُطاهم ، وبَعض دور النَّشر في المملكة ] .(1/267)
( ولا تحسب - أيها المنعم عليه بسلوك صراط الله المستقيم - أن أولئك المتصوفة شرذمة قليلة مبثوثة هنا وهناك - ويا ليتهم كذلك - ، بل هم خلق لا يحصيهم إلا خالقهم ، ومن كان له أدنى معرفة بواقع هذه الأُمة فإنه يُدرك جيداً أن هذا الأَمر قد عمَّ وطم بحيث لا تكاد تجد بلدة من بلاد الإِسلام ولا قرية من قراه - عدا من تأثر بالدعوة السلفية في بعض مناطق المسلمين - إلا وفيها ما تقدم من الشرك ، بأن توجد قبور ومشاهد يعتقدونها وينذرون لها ، ويهتفون بأسمائها ، ويحلفون بها ، ويطوفون بِفنائها ، ويسرجونه ، ويلقون عليه الورود والرّياحين ، ويُلبِسونه الثِّياب ، ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلل والافتقار إليه . بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلو من قبر أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصّلاة ، يصنعون ما ذكر أو بعضاً مما ذُكر (1) .
أقول : إن أهل مكة كانوا أعلم بكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) من كثير من المسلمين في وقتنا الحاضر ، فهم لم يقولوها لأَنهم يعلمون تماماً أنها ليست مجرد كلمة تقال باللسان ، ثم يأتي الإِنسان بِما يُناقضها ، وإلا لقالوها ، وانتهى ما بينهم وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - من العداوة والشحناء . أما كثير من المسلمين اليوم : فإنهم يرددونها صباح مساء دون أن يعوا معناها فَضلاً عن شروطها ، ولهذا تراهم يقعون في الشرك الأكبر وهم يحسبون أنهم مهتدون وهم على غير ذلك .
__________
(1) رَ : (الدين الخالص) لمحمد صديق حسن خان (2/568) .(1/268)
ولعلي بهذه المناسبة أسوق قصة محزنة مبكية ، تصور واقع كثير من أفراد هذه الأمة ، وقعت للشيخ محمد أحمد باشميل رحمه الله - عز وجل - يقول : ... كنا أكثر من ثمانين راكباً في سفينة شراعية صَغيرة ، وعندما هاج علينا الموج وغشينا من كل مكان صارت السفينة تهبط بنا بين الأمواج الهائلة ، وكأنها تنوي الاستقرار في قاع البحر وترتفع مع المد وكأنها تريد الطيران من البحر ، وفي تلك الساعة العصيبة ، ضج القبوريون بالدعاء وطلب العون والمدد لا من الحي القدير على كل شيء ، وإنما من الميت الذي لا يقدر على شيء ، فقد توجه وبقلوب خاشعة كَسيرة إلى الشيخ سعيد بن عيسى رحمه الله الذي فارق الحياة منذ أكثر من ستمائة سنة ، وأخذوا يدعونه في فزع مشوب بالرجاء قائلين : ( يا بن عيسى يا بن عيسى حلها يا عمود الدين ) وأخذوا يتسابقون بنذر النذور له ، والتعهد بتقديمها عند قبره إن هم نجوا من الغرق ، وكأن أمرهم بيده لا بيد الله - عز وجل - ، وعندما حاولت إقناعهم بأن هذا موقف لا يصح أن يتوجه فيه مسلمٌ إلى غير الله - عز وجل - ورجوت منهم - في شفقة وإخلاص - أن يلجئوا إلى ربهم ويخلصوا له الدين بالتضرع إليه وحده وأن يتركوا الشيخ ابن عيسى الذي ليس له من الأمر شيءٌ ، والذي لا يسمعهم فضلاً عن أن يجيبهم دعاءهم ، ثاروا وصاحوا جميعاً ( وهّابي وهّابي ) وكادوا يقذفون بي بين الأمواج الهائجة لولا أن الله حماني منهم ، ثم ببعض الذين يكتمون إيمانهم في السفينة . وعندما هدأت العاصفة ونجوا بفضل الله وعونه وحده وليس بفضل ابن عيسى طبعاً ، وأقبل بعضنا يهنئ بعضاً أخذ هؤلاء القبوريون يؤنبونني ويخوفونني من سوء الظن بالأولياء ممتنين عليَّ بالنجاة ومذكرين بأنه لولا حضور القطب ابن عيسى في تلك الساعة العصيبة لكنا جميعا في بطون الأسماك ا( .(1/269)
هذا الواقع المر الأَليم الذي أصاب كثيراً من المسلمين وأدى بهم إلى الابتعاد عن عقيدتهم ومصدر عزهم ، جعل الأديب المسلم لطفي المنفلوطي يقول بكل أسى وحسرة :
( أيُّ عينٍ يجمل بها أن تستبقي من محاجرها قطرة واحدة من الدمع لا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن ، منظر أولئك المسلمين وهم ركع سجد على أعتابِ قبر ميت ، ربما كان بينهم من هو خير من ساكنه في حياته فأحرى أن يكون كذلك بعد مماته .
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة فلا يخفق وجداً أو يطير جزعاً حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكاً بالله ، وأوسعهم دائرة في تعدد الآبهة وكثرة المعبودات . لِمَ ينقم المسلمون التّثليث من المسيحيين لِمَ يحملون لهم في صدورهم تلك الموجدة وذلك الضّغن ، وعلام يُحاربونهم وفيما يُقاتلونهم وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم ، ولم يغرقوا فيه إغراقهم ... يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبُعده عن العقلِ فيتأوّلون فيه ويَقولون إنَّ الثّلاثة في حكم الواحد . أما المسلمون : فيوجد من بينهم من يَدين بآلافِ من الآلهة أكثرها جذوع أشجارٍ وجُثث أموات وقطَع أحجار من حيث لا يَشعرون (1) .
__________
(1) (دمعة على التوحيد : حقيقة القبورية وآثارها في واقعِ الأمة) (صَفْحَة : 212-213) لا بد من الرجوع إليه للأَهمية . وانظر رسالة (كيف نفهم التوحيد) لمحمد أحمد باشميل (صَفْحَة : 27-29) .
وللمزيد من هذه القصص المؤلمة اقرأ ما ذكره الشيخ محمد جميل زينو في (كيف اهتديت إلى التوحيد والصراط المستقيم) لترى مدى الشرك والخرافة ومدى انتِشارها الواسع من خلالِ مواقفه مع الصوفية .
أقول : وفي أمريكا بدأ ويا للأَسَفِ التّصوّف ينتشر ، وبدأ كمحاولة للصدِّ عن سبيل الله ! أي أن الأمريكي الذي يريد الدخول في الإسلام يُقال له : (ادخل في هذا الدين !) فيدخل في التصوف فيحرم المسلمون منه ، وربما ينفرون ! لأنه إذا رأى ما في التصوّف من الخرافات نفر من الإسلام نِهائيّاً بل ويُنَفِّرُ غيره قائلاً لهم : (خرافات النصرانية أخف من خرافات الإسلام) وهذا والعياذ بالله من صور الصد عن سبيل الله - عز وجل - . ولا شك يا أخي : أن وراء ذلك مؤامرات يَحِيكها أعداء الإسلام من اليهود والنَّصارى مُستغلين هؤلاء المتصوفة والذين يغلب عليهم الزندقة والاستتار لهدم الإسلام .
وعندما أقول ذلك لا تفهم مني أنني أقول أن كل من يحضر المولد زنديق أو كل من يحب الطرق الصوفية زنديق ! ليس الموضوع أنهم يحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر منا كما يزعمون الخلاف بيننا وبينهم ليس في المولد وليس في كيفية الذكر وليس في أنواع التوسل التي أطالوا وألَّفوا في تفصيلها وليس في تعريف البدعة (هل هي خمسة أنواع أو نوعين أو نوع واحد) ... لا يا أخي الخلاف بيننا وبين الصوفية مع ما تقدم هو أعظم وأقوى ... هو خلاف بين الإسلام وبين ديانة وثَنية فلسفية قديمة ... وخلاف في الربوبية والألوهية أهي لله وحده - عز وجل - أمم له فيها شركاء كما يدون . لأن دعوى الصوفية : أن الربوبية والألوهية كثيراً من حقائق الألوهية والربوبية إعطاؤها للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو للأولياء أو ما يُسموهم الصّالحين وهذا شرك كبير لكن ليست هذه فقط !! يعني الصوفية لم تكتف بأن تصرف الألوهية لهؤلاء وإنما صَرفتها للزنادقة والدجالين والكهان والمشعوذين .(1/270)
ومع هذا كله ، فإنك تجد من يقول : (لا يوجد شرك فالمسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويُصلّون ويحجّون ... ) . ومَن يقول إذا سمع الكلام عن الشرك وخطورته : (أتُكلّمونا عن الشركِ ونحن الأمة الموحدة ؟ والتوحيد ينتشر بيننا فنحن من آباء مسلمين موحدين وأمهات موحدات ... فلماذا إذاً تُكلمونا عن الشرك ؟) ؟ ! ... إلى غير ذلك من الأقاويل الباطلة التي تدل على جهل مركب بالإسلام ونواقضه ، وغفلة عن واقع المسلمين وحالهم المتردي وانعدام الشّفقة والرحمة عليهم وهم : البؤساء في عدم الاهتمام بما يَصلح به مآلهم .
لا اجتماع على غير التوحيد ولا طرق إلا طريق الأنبياء المرسلين ، فهم أهدى طريقاً وأقوم سبيلاً ، ولا يجوز العدول عن فهمهم إلى المنهج الخلفي ، ولا العدول عن أصلهم إلى الفروعِ .
أعود وأُكرّر وأَقول : يتقطَّع قلب المسلم أَسى وحسرةً على هذا الواقع المحزن لبعضِ المسلمين ، ويذوب قلبه حزناً حينما يرى الجهلة والسّذّج قد عبثت فيهم مختلف البدع والشّركيّات ، فترى الأوراد البدعية تُتلَى ، والمدائح الشركية تُنشَد ، وتدور الرؤوس طرباً وهياماً بالدفوفِ ليالي الموالد المزعومة ، جماعات في إثر جماعات ، وأفواج في إثر أفواج ، يتقاطرون كالسيل المنهمر ، يستندون بِذلك المَقبور ، ويستغيثون به ، ويَذبحون له ، ويعقرون وجوههم بالترابِ ، ويتمرّغون على أعتابه ، ويتعلّقون بأستاره قائلين مُستصرخين : يا فُلان أغثني ... وارزقني ... الخ .(1/271)
ويرحل أحدهم الليالي ذوات العدد ، ويتكبّد من المشاقّ الشيء الكثير ؛ حاملاً نذره ليذبحه بين يدي ذلك القبر ، يلتمس القربى والبركة والعون والمدد ... فسبحان الله : أهكذا يكون الإسلام عند هؤلاءِ الضّالون ؟ لقد سيطرت الدروشة بِصورها العَبثية المختلفة وألوانها الشركية على عقول كثير من المنتسبين إلى الإسلام ... ثم يأتي مَن يقول : ( لا يوجد بين المسلمين شرك ) . سبحان الله : كم هو محزن أن تطل علينا من جديد الجاهلية بِصورتها الأولى ! وما جاءت هذه الجاهلية الشركية القبورية إلا من المجوسية الخبيثة الباطنية الملعونة ، والصّوفية الخرافية ولا صُوفية في الإِسلام .
ومن أفعال القبوريين الشّنعاء ما جاء في (العقائد السّلفية) (1) : ( القبوريون اليوم وقبله بقرون وقعوا فيما وقع فيه المشركون السالفون ، بصرفهم جل العبادات للقبور المقدسة لديهم كالنحرِ لها والطواف حولها والاستغاثة بها والتبرك بترابها وطلب الشّفاء منها وشد الرحال إليها . لقد صرفت الأموال الباهضة من أجل القبور وعفّروا على أعتابها الخدود وكثرت الاستغاثات وطلب قضاءِ الحاجات من الغائبين والأموات . وفي بعضِ الجهات قدم الجهلاء عرائض الشكوى وطلب الحاجات إلى أولئك المقبورين الرفات ، وهكذا يتقدمون بعرائضهم وتضرعاتهم وتوسّلاتهم التي لا يجوز صرفها إلا لله وحده فمن هذه الأقوال : (أريد أيها الشيخ ولداً ، أو وظيفة) وذاك يستغيث من ظالم ظلمه ، وتلك تريد ولدا وزوجاً وغيره وهكذا دواليك .
__________
(1) للشيخ العلامة أحمد بن حجر آل بوطامي (1/34-36) .(1/272)
ولا أدري أيعتقدون أنَّ الله - عز وجل - لا يعلم بِحاجاتهم ؟ أو لا يُجيب دعواتهم ؟ أو أنه وَكل هؤلاء الموتى بِقضاءِ حوائج الشّافعين ؟ أما قرع سمعهم قوله - عز وجل - : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة:186) { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر:60) .(1/273)
قال - عز وجل - : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } . آالله خير ؟ آالله خير ؟ آالله خير ؟ ... الله خيرٌ الله خيرٌ الله خيرٌ مما يُشركون .(1/274)
أما فهموا أن الله لم يُرسل الرّسل إلا لِمحوِ الوَثنية من الأرضِ وإقامة صَرح التوحيدِ ؟! .
أما كان كل رسول يقرع أسماع قومه أول مرة : يا قوم اعبدوا الله :
[ قال - عز وجل - : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (الأعراف:59) . و قال - عز وجل - : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ } (الأعراف:65) . و قال - عز وجل - : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الأعراف:73). و قال - عز وجل - : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (الأعراف:85) ] .
أما أبطَلَ الله - عز وجل - عِبادة المسيح وسَفَّه أحلام عابديه ؟! أما قال - عز وجل - : { وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:80) (1) . • هل يعذر الإنسان بالشرك :
__________
(1) (مصرع الشرك والخرافة) لخالد الحاج (صَفْحَة : 296-297) .(1/275)
كيف يُعذَرُ العامي على الشرك وقد نَشأ في بلد إسلامي ، وكيف يكلفه سُبحانه بالإقرار بالتوحيد إذا كان أقصر نظراً وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا كان رآها ماثلة في النّصب والتماثيل والأضرحة والقبور .
إن ما عليه العامي اليوم من الفساد العقدي هو وحده المسؤول عنه ، نتيجة اهماله استخدام عقله ، وعدم سؤاله للعلماء الحقيقيين ، وقد خلقه الله - عز وجل - على الفطرة التي تلهمه التوحيد ، وتنكر عليه الاستغاثة بمخلوقات مثله قد ماتت وهي لا تملك حتى لِنفسها نفعاً ولا ضَراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . أقول هذا ؛ مع اعترافي بتبعة أدعياء العلم الذين يُضللونه ويحجبون عنه أصوات علماء السّلفَِ .
تلبيسٌ وتضليلٌ
قد اطلعت على رسالة بعنوان : ( هل نحتفل ؟!! نعم نحتفل في كل سنة في كل شهر وفي كل أسبوع وفي كل ساعة وفي كل لحظة ) (1) ، وفي (ص6) في معرض ذكره أقوال أئمة الهدى في الاحتفال بالمولد ( أي بجوازه ) ، ذكر ما نصه :
( 2- شيخ الإسلام ابن تيمية : قال في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم ) (2) ما نصه : وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً له والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ... ) وقال : ( فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه انتهى قول شيخ الإسلام .
فهذا قول من ترك التعصب جانباً وتكلم بما يرضي الله ورسوله ، أما نحن فلا نفعل الموالد إلا كما قال شيخ الإسلام : محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً له والله قد يثيب على هذه المحبة والاجتهاد ... ( اهـ .
__________
(1) الناشر لهذه الرسالة : دائرة الأوقاف والشئون الإسلامية دُبي - إدارة الإفتاء والبحوث ! - .
(2) طبعة دار الحديث (ص266) السطر الخامس من الأسفل .(1/276)
أقول : هذا زورٌ وبُهتانٌ مُعَرِّضٌ صاحبه في الدنيا والآخرة للشقاوة والخسران وهو وصمهم شيخ الإسلام بأنه يقول بجواز المولد وإثابة الله لمن يفعله محبة وتعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
أقول : قد لبَّس الكاتب على الناس ببتر كلامه وسوقه في غير سياقه .
( فأما البتر :
فإن شَيخَ الإِسلامِ قال ما نصه : ( والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع ...) (ص266) ، فحذف الكاتب الكلام الأخير حتى لا ينتقض مقصوده من كلام ابن تيمية . وشيخ الإسلام لا يرى أنهم يثابون على عمل المولد ، وإنما قد يثابون على ما قام في قلوبهم من المحبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أصل من أعظم أصول ديننا ، ولكنهم لا يثابون على البدع والتفريق بين الثواب على المحبة وعدم الثواب على البدع لا يحتاج إلى فقيه ليُفهم ولكنه يحتاج إلى قلب متجرد عن الهوى فالله حسيب الظالمين .
( أما سوقه في غير مسا قه :
فإن الكاتب أوهم قُرَّاءه أن قول ابن تيمية رحمه الله : فإن هذا لم يفعله السلف مع وجود المقتضى له وعدم المانع منه ) ، أوهم قُرَّاءه أن هناك في الشريعة ما يقتضي المولد وليس فيها ما يمنع منه ، وهذا من أعظم الخداع إذ أن تقي الدين رحمه الله لم يرد هذا بل قرر قاعدة عظيمة وهي أن ترك السلف لأمر ما ، مع وجود ما يقتضيه وعدم ما يمنع منه ، دليل على عدم مشروعيته ، فمقصود شيخ الإسلام من عبارته أن كون السلف تركوا المولد مع وجود ما يقتضيه وهو محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم المانع منه دليل على عدم مشروعيته ؛ ولكن صاحب الرسالة لبَّسَ ودلَّس وعكس المقصود فالله المستعان .(1/277)
وبتمام الكلام يتبين مراد الشيخ رحمه الله حيث قال : فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيراً . ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً ، لكان السلف - رضي الله عنهم - أحق به منَّا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً له منَّا ، وهم على الخير أحرص (1) .
وأقول : الأصرح من هذا كله أن شيخ الإِسلام ابن تيمية قال بدعية المولد نصّاً وهو ما ذكره رحمه الله وهو يتحدث عن حكم المولد : وأما اتخاذ الموسم غير المواسم الشَّرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأوَّل التي يُقال أنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لا يستحبها السَّلف ولم يفعلوها ا( (2) .
كما نحا نحو هذا الكاتب في الافتراء والبهتان على شيخ الإسلام محمد علوي مالكي في رسالته (حول الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف) (ص22) حيث قال : ( رأي الشيخ ابن تيمية في المولد ، يقول : قد يثاب بعض الناس على فعل المولد ) .
وأقول : لا والله إن ابن تيمية قال : قد يثابون على المحبة والاجتهاد لا على بدعة المولد ، فأطلق على المولد أنه بدعة (3) .
مغالطة فاحشة
لنأخذ الحذر منها
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/619) (ط : مكتبة الرشد) .
(2) الفتاوى الكبرى المصرية 1/312 وموسوعة أهل السنة 1/353-354 .
(3) والكل يعرف موقف ابن تيمية مع البدع وأهلها أنه شجى في حلوقهم بل سفه أحلامهم ودحض باطلهم ورد عليهم ردوداً كافية شافية وافية وكتبه رحمه الله طافحة شاهدة ولذا وصمه رحمه الله بعض أهل البدع بالفسق لمخالفته للإجماع ، وإذا رأيت حاقداً على ابن تيمية فاعلم أنه مبتدع .
وانظر كتاب ( كتب حذَّر منها العلماء ) لمشهور حسن سلمان .(1/278)
إنه لمن المؤسف حقاً أن يغالط الكثير ممن تسمى بالمشايخ وبعض المنتسبين إلى العلم (العوام) بقولهم : ( الوهابية - يعنون السلفيين - مذهب خامس ينكرون المذاهب وينكرون كرامات الأولياء ويكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ، تنفر نفوسهم عند ذكره ويحرمون الصلاة عليه ويحرمون الذكر وقراءة القرآن على الأموات ويحرمون المولد النبوي الشريف ومدح النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحرمون و ... و ... الخ ، وهل المولد النبوي الشريف إلا مدح له عليه الصلاة والسلام وتعظيم لشأنه وتكريم له وقراءة القرآن وصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ) ؟ .
وقد راجت - و ياللأسف - هذه الأغلوطة بل تلك الأغلوطات عند غالب الشعوب العربية والإسلامية ، وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها ، وشاعت في جميع الأوساط العامة والخاصة ، وجرت على ألسنة الكثيرين من الناس ، يرددونها زوراً وبهتاناً ، وما روّجها في الحقيقة إلا أعداء الإسلام ، وأهل الأهواء والبدع وأنصار الخرافات والشعوذة والترهات ، الذين يحاولون جادين أن تحل البدعة محل السنة ، والخرافة وأساطير الأولين محل الكتاب والسنة ، وهدي الروافض واليهود والنصارى والمجوس والجاهلية الأولى محل هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره أعداء الإسلام .
و قد زعق بهذه العبارات الآثمة أعداء الإسلام منذ عدة قرون ؛ ليبعدوا المسلمين عن حقيقة دينهم القويم ، ويصرفوهم عن جوهره النقي ، وتعاليمه القيمة الواضحة المعالم ، ويبعدوهم عن الصراط المستقيم الذي سار عليه سلفنا الصالح ، المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان رضوان الله عليهم أجمعين (1) .
ونقول لهم :
__________
(1) أسئلة طال حولها الجدل : لعبدالرحمن عبد الصمد (105-106) . وانظر (حوار مع الصوفية) لأَبي بكر العراقي . وانظر كتاب ( كتب حذَّر منها العلماء ) لمشهور حسن سلمان .(1/279)
إِلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
واعلم بأنَّ الله - عز وجل - يقولُ : { إِنْ جاءكم فاسقٌ بِنبأ فَتَبَيَّنوا } ، فآمل ممن غرّر وخُدع ولُبِّسَ عليه أن يَقف بنفسه على كتب الأَئمة : ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب مُتجرِّداً من العصبيّة والهوى والعاطفة ، وأن لا يسير خلف كل ناهق وناعق بلا بيّنة وبرهان ، ويعرض كلامهما على الكتاب والسنّة بِفَهم السّلف الصالح من الصَّحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم وسار على منهجهم ، وسيتبيَّن له - بإذن الله - عز وجل - الهُدى ، ويَتَّضحُ لهُ طريقُ الرَّشاد ، وأَقربُ مِثال على ذلك : رِسالةُ ( كَشِف الشّبهات ) و( كتابُ التوحيد ) لإِمام الأُمَّة الإِمام محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله - عز وجل - (1) .
__________
(1) [ مِن أَهَمِّ شُروحِ كِتابِ التوحيدِ لِشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - عز وجل - :
1- تَيْسيرُ العَزيزِ الحميد بِشَرحِ كتابِ التّوحيد : للشيخ سُليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت : 1233) ومات قَبلَ إتمامه . وأجود طبعاته التي بِتحقيق زهير الشّاويش (ط : المكتب الإسلامي) 1423-202 .
2- فَتحُ المَجيدِ بِشَرحِ كِتابِ التَّوحيدِ : للشيخ عبد الرَّحمن بن حَسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت : 1285) وهو أجود شُروحه وأغزرها مادَّةً عِلميّة ، وأجودُ طَبعاته التي حَقَّقها الدكتور : الوليد بن عبدالرحمن الفريان ، طُبِعَت في مجلدين عن دار الصُّمَيعي . ثم في مجلد في دار المؤيّد 1423-2002 .
3- القَولُ المُفيدِ بِشَرحِ كِتابِ التَّوحيد : للشيخ العلامة مُحمدُ بنُ صالحِ ا لعُثيمين - حَفِظَهُ الله - عز وجل - وَرَعاه - ، وهو شَرحٌ يَعجزُ من هو مِثلي عن وَصفه ومدحه ، وقد حَقَّقه الشَّيخان الفاضِلان : خالد بن علي المشيقح ، والشيخ سليمان أبا الخيل ، وطُبِعَ في مَطبعة العاصمة في ثلاثِة مُجلّدات ، ثُمَّ طُبِعَ في دار ابن الجوزي بأمرٍ من الشَّيخِ مَع بعضِ الحذفِ والتَّغيير اليَسير مع الاحتفاظ بالتعليقات النَّفيسة للمحقِّقَيْن السَّابقين . ثم حَذفت دار ابن الجوزي التعليقات للشيخين الفاضلين وطبعته في مجلدين .
4- إعانَةُ المُستَفيدِ بشَرحِ كتابِ التوحيد : للشيخ العلامة صالح الفوزان حَفِظَهُ الله - عز وجل - ، طُبعَ في مُجلَّدين عن مُؤَسَّسةِ الرِّسالة في مجلدين (الطبعة الثانية المصحّحة والمعدلة 1422-2001) ] .
5- مُغني المُريد الجامع لِشروحِ التوحيدِ : لجامعه عبد المنعم إبراهيم في ثماني مجلدات ، جمع فيه أهم الشروحات وزاد عليها من عنده خيراً .(1/280)
( قِصّة مدرس هندي مع كتابِ التوحيد :
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رَحِمَهُ اللهُ : ( أقصّ الآن قِصّة عبد الرحمن البكري من أهل نجد : كان أولاً من طلاب العلم على العمِّ الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ وغيره ، ثم بدا له أن يفتح مدرسة في عمان يعلم فيها التوحيد من كسبه الخاص ، فإذا فرغ ما في يده أخذ بضاعة من أحد وسافر إلى الهند ، وربما أخذ نِصف سنة في الهند . قال الشيخ البكري : كنت بجوار مسجد في الهند ، وكان فيه مدرس إذا فرغ من تدريسه لعنوا ابن عبد الوهاب يعني الشيخ محمد ، وإذا خرج من المسجد مَرَّ بي وقال : أنا أجيد العربية لكن أحب أن أسمعها من أهلها ، ويشرب عندي ماء بارداً ،. فأهمّني ما يفعل في درسه . قال : فاحتلت بأن دعوته وأخذت (كتاب التوحيد) ونزعتُ ديباجته ووضعته على رف منزلي قبل مجيئه ، فلما حضر قلت : أتأذن لي أن آتي ببطيخة ؟ فذهبتُ . فلما رجعت إذا هو يقرأ ويهز رأسه . فقال : لمن هذا الكتاب ؟ . فقلت : لا أدري . ثم قلت : ألا نذهب للشيخ الغزوي لِنسأله وكان صاحب مكتبة عامرة وله رد على جامع البيان . فدخلنا عليه : فقلت للغزوي : كان عندي أوراق سألني الشيخ مَن هي له ؟ فلم أعرف . ففهم الغزوي المراد ، فنادى من يأتي بكتاب (مجموعة التوحيد) فأتي به فقابل بينهما فقال : هذا لمحمد بن عبد الوهاب . فقال العالم الهندي مغضباً وبِصوت عال : الكافر . فسكتنا وسَكت قليلاً ، ثم هدأ غضبه فاسترجع وقال : إن كان هذا الكتاب له فقد ظلمناه . ثم صار كل يوم يدعو له ويدعو معه تلاميذ له ، وتفرّق تلاميذه في الهند ، وإذا فرغوا من القراءة دعوا جميعا للشيخ ابن عبد الوهاب ) (1) .
أخي : لم يغلبك هذا وأمثاله وأنت أحق وأجدر .
__________
(1) اُنْظُرْ : فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم رَحِمَهُ اللهُ 1/75-76 .(1/281)
أخي وحبيبي : لم تصم أُذنك وتُغمِض عينك وتُغلق فطرتك وتُغَطِّي عقلك عن سماعِ كلام ابن عبد الوهاب ، ما المانع أن تطّلع وتقرأ ، فإن صلح ورأيته موافقاً للكتاب والسنة فُخذه وإلا فلا يضيرك معرفة كلامه شيئا .
فأزل ما بأذنك من كرسف وأعرض ما قلدت فيه الغير على الوحيين تخرج بكل فضيلة وخير ولا تقل كما قال الظالمون : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } (الزخرف:22) . وقال - عز وجل - : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } (الزخرف:23) .
لا تكن كمسلمة الدار وكن كمسلمة الاختيار على بينة وهدى وبصيرة ونور من الله تعبد ربك ومولاك { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (الزمر:22) .
أخي وحبيبي : اقرأ الرسالة التي بين يديك (الإعلام بحكم الموالد في الإسلام) مِراراً وتكراراً من فاتحتها إلى خاتمتها وانظر إلى الأدلة التي ذكرناها ، لعلها تحرك ساكناً وتبعث يقظة وتنبه غافلاً وتُعلِّم جاهلاً .
وأنت ولله الحمد عندك تمييز ومعرفة وعقل وإدراك . وأنت أنتَ طالب علم ، أنت لست حاطب ليل يأخذ ما هب ودب ، بل لا تأخذ إلا ما صفا وبالكتاب والسنة وفهم الصحابة .
من شبه المحتفلين بالمولد ودحضها باختصار وإيجاز (1)
__________
(1) يُنظر (القول الفصل) لإِسماعيل الأَنصاري (31-71) والرد القوي للتويجري ، وحوار مع المالكي .(1/282)
تعلق أصحاب المولد بشبهات متهافتة هي أوهى من بيت العنكبوت واستدلوا بأدلة من الكتاب والسنة (1) وغيرهما وليسَ فيها ما يدل على جواز المولد لا من قريب ولا من بعيد ، لكنها الأَهواء تحمل صاحبها على التحريف والتزوير كالغريق الذي لا يجد شيئاً يتعلّق به إلا قشّة وأَنَّى له النَّجاة بهذه القشّة إن لم يتعلّق بشيءٍ متين ، فليَتَّقِ الله - عز وجل - مَن يخالف ويُجازف ، فإنَّ محبّة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - باتّباعه لا في الابتداع والزيادة على الشَّرع ، ذاكرين أهم الشبه ثم نورد على كل شبهة الجواب مستمدين من الله أن يُلهمنا الحق والصواب :
( شُبهةٌ : احتجوا بقوله - عز وجل - : { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } (2) . يقول قائلهم : فالله - عز وجل - أمرنا أن نفرح بالرحمة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم رحمة لأن الله - عز وجل - يقول : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (3) .
__________
(1) بِفَهمِهم القاصر وليسَ بِفهم السَّلف الصالح رحمهم الله - عز وجل - .
(2) سورة يونس (58) .
(3) سورة الأنبياء (107) .(1/283)
( الجواب : استدلالهم بالآية في غير محله ، وحمل للآية على غير مرادها وإثبات وجه لم يثبت عن أعلم الناس بكتاب الله - عز وجل - وأفهمهم لمراد الله - عز وجل - وأبصرهم بنصوص القرآن ومخالفة لقواعد الشريعة في أخذ معاني القرآن واستنباط معانيه من فهم السلف الصالح والقرون المفضلة وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله - عز وجل - أن قول السلف في المراد بهذه الآية أن فضل - عز وجل - ورحمته هما القرآن والسنة (1) (2) وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما ، كلما كان أرسخ فيهما كان قلبه أشد فرحاً ، حتى أن القلب إذا باشر روح السنة ليرقص فرحاً ، فإن السنة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين ، وبابه الأعظم الذي من دخله كان إليه من الواصلين ، تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم ويَسعى نورها بين أيديهم إذا أطفئت لأَهل البدع والنِّفاق أنوارهم .
مع أنَّ قولهم فيه تعسف ظاهر للأَدلة ، وذلك بجعلها موافقة للهوى ومجانبة لما عليه هذه الأمة من كبار المفسرين وأئمة علم التفسير الذين نصّوا على أن المقصود بالفَضلِ والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } (3) .
__________
(1) هل نحتفل ؟ (ص21،22) . وانظر البدع الحولية (1/209-216) .
(2) انظر إلى تَفسير كِبارِ المفسرين : كابن جريرِ الطبري والقُرطبي وابن كثير وابن القيم لهذه الآية ، وكلام ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (427) .
(3) سورة يونس : 57-58 .(1/284)
( قال الإمام الطبري رَحِمَهُ اللهُ (1) : ” يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين بك وبما أنزل إليك من عند ربك: بِفَضْلِ اللّهِ أيها الناس الذي تفضل به عليكم, وهو الإسلام, فبينه لكم ودعاكم إليه, وَبِرَحَمتِهِ التي رحمكم بها, فأنزلها إليكم, فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه, وبَصّركم بها معالم دينكم وذلك القرآن. فَبِذلكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم, خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها “ .
وقال القرطبي في تفسيره نحوه (2) .
وقال ابن كثير : ” يقول تَبارَكَ وتَعَالَى ممتنا على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ) أي : زاجر عن الفواحش ( وشفاء لما في الصدور ) أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس وهدى ورحمة أي يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه كقوله تعالى ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) وقوله ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) الآية وقوله تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ( هو خير مما يجمعون ) أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة “ هـ .
وقال ابن القيم : ( وقد دارت أقوالُ السَّلفِ على أنَّ (فضل الله) و(رحمته) : الإسلام والسنة ) (3) .
__________
(1) 15/105 .
(2) 8/353 . اُنْظُرْ : تفسير البغوي 2/358 والتفسير القيم لابن القيم (صَفْحَة : 307) .
(3) اُنْظُرْ : (اجتماع الجيوش الإسلامية) (صَفْحَة : 6) .(1/285)
وبِهذا يتبيَّن لطالب الحقِّ أنه لا دليلَ بهذه الآية وهو حال المبتدعة ؛ فإنهم يتعسَّفون الأدلة لِمجاراتِ آرائهم وأهوائهم وإن خالَفت ما هو مُجمعٌ عليه “ ) (1) .
( من شُبَهِهم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه فلما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك قال : « هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه » (2) ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - صامه شكراً لله - عز وجل - على نجاة موسى ومن معه ، فنحن نتخذ يوم ولادة نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم شكر وفرح وسرور وعيد .
( الجواب : استدلالهم بالحديثِ المتعلّق بِصيامِ يومِ عاشوراءِ على جوازِ الاحتفالِ بالمولد قِياساً على ذلك لِعِلَّةِ حُصولِ النِّعمة ، مردودٌ ؛ لأَنَّ إظهارَ الشُّكرِ فيهما على طَرَفي نَقيض ، وذلك أنَّ يوم عاشوراء يوم صوم ، وأنَّ الاحتفالَ بالمولد يوم أكلٍ وشُربٍ ، ولو عمل في يوم المولد مِن جِنسِ ما يُفعل في يوم عاشوراء وهو الصّيام ، لكان أقرب ، وإن كان ذلك لا يُخرجه عن البدعة لعدم مَشروعيّته في ذلك اليوم الموافق 12 من ربيع الأوّل .
وأيضاً فإنَّ مِثل هذه الأَعمال التي يُتقرَّب بها إلى الله لا تَثبت بالقِياسِ كما يُقال : أنَّ لأَصلَ في العِبادات ألا يُشرعَ فيها إلا ما شَرَعَهُ الله - عز وجل - ، وأنَّ الأَصلَ في العادات ألاَّ يُحْظَر فيه إلا ما حَظَرَهُ الله - عز وجل - (3) .
__________
(1) (الأعياد) (صَفْحَة : 321-323) .
(2) [ أخرجه البخاري (2004) ومسلم (1130) واللفظ له ] .
(3) رَ : ( التّأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ضَوءِ الكِتابِ والسُّنَّةِ ) لحسن نور حسن (ص303) .(1/286)
وأقول : النبي - صلى الله عليه وسلم - صام عاشوراء فكان صيامه سُنَّة وسكت عن يوم ولادته فلم يشرع فيه شيء ، فوجب أن نسكت كذلك ولا نحاول أن نشرع فيه صياماً ولا قياماً فضلاً عن اللهو واللعب . فسبحان الله ! كيفَ فات الصّحابة هذا الاستدلال والاستنباط ؟ ! فلم يهتدوا إلى شكر الله على وِلادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ... فهل اليهود أحرَص على شُكرِ اللهِ من الصّحابة ؟! .
فَلِمَ لا نتأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إن كنا ندعي حبه فنفعل ما فعل ونترك ما ترك لا أن نتخذ يوم ولادة نبيننا - صلى الله عليه وسلم - يوم مدائح مبتدعة وإطراء وغلو واستغاثة بغير الله - عز وجل - ويوم أكل وشرب وارتكاب ما حرم الله - عز وجل - كاختلاط الرجال والنساء وغير ذلك ، وإن تعجب فعجب من فهمهم المنعكس المنتكس ، و الله المستعان (1) .
كما أنَّ الحافظ ابن حجر ذكر أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح - كما في الحاوي (1/196) - وهذا وحده كافٍ في ذم الاحتفال بالمولد (2) . إذ لو كان خيراً لسبق إليه الصّحابة والتابعون وأئمة الهدى من بعدهم ، فهم خير الناسِ وأولاهم باتباعه - صلى الله عليه وسلم - ، فكيفَ يعزب عنهم ذلك ؟! .
__________
(1) المورد حكم الاحتفال بالمولد لعقيل المقطري ص 23 ، 24 .
(2) كما تقدَّم شيء من ذلد بحمد الله - عز وجل - (صَفْحَة : 107-108) .(1/287)
وتخريج ابن حجر فتواه على عمل المولد على حديثِ صوم عاشوراء لا يُمكن الجمع بينه وبين جزمه أوَّل تلك الفتوى بأن ذلك العمل بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الأُولى ، فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه منه من بعدهم يمنع من اعتبار ذلك الفهم صَحيحاً إذ لو كان صَحيحاً لم يعزب عن فهم السلف الصالح ويفهمه من بعدهم ، كما يمنع ذلك النص دليلاً عليه إذ لو كان دليلاً عليه لعمل به السلف حيثُ كانت الفطرة سليمة والحرص على التّديّن أصيل ، ولا يسعنا إلا ما وسعهم ، وعلينا أن نتّبع ولا نبتدع ، ولله در القائل : ( لَنْ يُصْلحَ آخر هذهِ الأُمَّةِ إلا ما صلح به أوَّلها ) ، فاستنباطُ ابن حجر الاحتفال بالمولد من حديث صوم يوم عاشوراء مخالف لما أجمع عليه السلف من ناحية فهمه ومن ناحية العمل به ، وما خالف إجماعهم فهو خطأ ؛ لأَنهم لا يجتمعون إلا على هدى ، وبمثل هذا يُرد على السيوطي ومن نحا نحوهما باستحسان المولد ، عفا الله عنا وعن جميع المسلمين .
يَقول ابن الحاج بعد أن تكلَّم عن المفاسد المصاحبة للاحتفال بالمولد كالطرب وغيرها : وهذه المفاسد مركّبة على فعل المولد إذا عمل بالسّماع فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدّم ذكره فهو بدعة بنفس نيّته فقط ، إذ أنَّ ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين ، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد من مخالفة ما كانوا عليه ؛ لأَنهم أشد الناس اتّباعاً لسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتَعظيماً له ولسنته - صلى الله عليه وسلم - ، ولهم السَّبق في المبادرة إلى ذلك ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ، ونحن تَبعٌ لهم فليسعنا ما وسعهم (1) ا( .
__________
(1) المدخل لابن الحاج (2/10) .(1/288)
ولهذا لا يمكن الاستدلال بهذا الحديث مع ثبوته ؛ لعدم مطابقته هذا المقام الذي نحن بِصدده ، وقد قَرَّرَ الأُصوليّون في مُصنّافتهم : أنه يَجبُ على كُلِّ ناظرٍ في الدّليلِ الشّرعي مُراعاةُ ما فَهِمَ السَّلف الأَوَّلونَ من هذا الدَّليل ، فما كانوا عليهِ في العملِ به فَهو أحرى بالصَّوابِ وأقوم في العلم والعَمَل (1) . ومِنَ المُتّفق عليه بَين المؤالف والمخالف : أنَّ عمل المولد لم يكن مِن فِعلِ السَّلف الأُوَلِ - رضي الله عنهم - ، إذن فَهُوَ حَقيقٌ بالرَّدِّ .
وما أحسن ماذكره سليمان السحيمي في رسالته (الأَعياد وأَثرها على المسلمين) حيث قال : ” وما وجد من أهل العلم نسب إليه القول بالاحتفال بالمولد واستحسانه كابن حجر والسيوطي والسخاوي وغيرهم من العلماء الذين لهم باع في أُصول العلم الشرعي وفروعه ، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه عن المواسم المبتدعة من الموالد وغيرها : ( وإذا فعلها قوم ذوي فضل فقد تركها قوم في زمن هؤلاءِ معتقدين لكراهيتها ، وأنكرها قوم كذلك ، وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلوها فليسَ دونهم في الفضل فتكون حينئذ قد تنازع فيها أولو الأمر فترد إذن إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . وكتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مع من كرهها لا مع من رخّص فيها ، ثم إنّ عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاءِ التاركين المنكرين ) (2) .
ومن ناحية أخرى : فلعلها تكون زلة عالم ، والحقّ يُعرف بالدليلِ لا يُعرف بالرجال وكثرة المؤيدين ... وفي ذلك قول الإمام مالك : ( ليسَ أحد بعد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو يؤخذ من قوله ويُترَك ) (3) .
__________
(1) كما في الموافقات (3/17) وإعلام الموقعين (2/390) .
(2) (اقتِضاء الصّراط المستقيم) 2/610 .
(3) جامع بيان العلم وفضله 2/91 .(1/289)
والإنسان في مراحل علمه المختلفة تعتريه بعض الشّبه في مسائل من العلم تجعله بسببها يُخالف الحق ، وحسب العالم في ذلك صدقه وتحريه الحق والبحث عنه ، ولعله قد ظهر لِمثلِ هؤلاءِ العلماءِ الحق فيما خالفوا فيه الدليل فرجعوا عن القولِ الباطلِ ولم نقف نحن عليه .
والبدعة مهما عمل بها من عمل ، ومهما قال بها من قال ، ومهما بقيت من زمن ... فلا تكون سنة في يوم من الأيام ، بل هي بِدعة مَذمومة حتى تزول “ (1) .
( ومن شبههم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن يوم الاثنين قال : « ذاك يوم وُلِدتُ فيه » فهذا دليلٌ على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُعَظِّم يوم مولده ، وكان يُعبر عن هذا التَّعبير بالصَّومِ وهو في معنى الاحتفال . والمعنى موجود ، سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام ... ونحو ذلك .
( والجواب : أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثَّاني عشر من ربيع الأَوَّل - إنْ صَحَّ أنَّهُ كذلك - وإنَّما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات (2) ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - صامه ، ونحن نتبعه بأن نصومه فقط ولا نحدث شيئاً من احتفال ونحوه .
وبناء على هذا فتخصيص يوم (12) ربيع الأول بعمل ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع يُعتبر استدراكاً على الشارع وتصحيحاً لعمله ، وما أقبح هذا إن كان والعياذ بالله - عز وجل - (3) .
__________
(1) (الأعياد) (صَفْحَة : 340-341) .
(2) رَ : البدع الحولية (1/207-209) .
(3) الإِنصاف للجزائري (44) .(1/290)
وأيضاً : فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يخص يوم الاثنين بالصيام ، بل كان يتحرى صيام الاثنين والخميس كما ثبت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - بقوله : « تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحبُّ أن يعرضَ عملي وأنا صائم » (1) ففي الاثنين والخميس تعرض فيه الأعمال وأيضاً الاثنين يوم أُنزل عليه فيه كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ، فالاستدلال بِصوم يوم الاثنين على جواز الاحتفال ببدعة المولد في غاية التكلف والبعد (2) ، ومزيّة يوم الاثنين لا تقتصر على حُصولِ ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بل له مزايا أُخرى ذَكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أُخرى : فعلينا أن نشكر الله - عز وجل - بِمثل ما شكره به - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصّيام مع مراعاة الوقت الذي شرع فيه ، لا أنْ نحتفل ونأكل ونشرب ونعمل المدائح والأنغام والتجمعات وما أشبه ذلك . فسبحان الله ألا يكفي هذه الأمة ما كَفى نبيّها - صلى الله عليه وسلم - . ويسعها ما وسعه - صلى الله عليه وسلم - ، وهل يقدر عاقل أن يقول لا ؟ .
وعليه فليسعها صيامه كما وسع النبي - صلى الله عليه وسلم - صيامه غير أنَّ أرباب الموالد لا يصومونه ؛ لأَن الصيام فيه مقاومة للنّفسِ بحرمانها من لذة الطعام والشّرابِ وهم يُريدون ذلك ، فتعارض الغَرضان ، فآثروا ما يُحبون على ما يُحبّ الله ... وهي زلة عند أهل البصائر والنّهى .
ويوضح ذلك : أنَّ بعضَ أربابِ الموالد نصَّ على كراهة صوم يوم الاثنين الموافق للثاني عشر من ربيع الأول ؛ بحجة أنه عيد من أعياد المُسلمين .
__________
(1) أخْرَجَهُ : الترمذي (رَقم : 447) والنسائي (رَقم : 5436) وأحمد 5/201 اُنْظُرْ : صَحيح الترمذي 1/227 .
(2) البدع الحولية لعبد العزيز التويجري (1/193) .(1/291)
وقد نقل ذلك الحطاب (1) حيث قال : ” قال الشيخ زروق في شرح القرطية : صيام يوم المولد كرهه بعض من قرب عصره ممن صح علمه وورعه وقال إنه من أعياد المسلمين فينبغي ألا يُصام فيه ) هـ .
وجاء في حاشية الدردير : تنبيه : ومن جملة الصيام المكروه كما قال بعضهم صوم يوم المولد المحمدي ؛ إلحاقاً بالأعياد “ هـ .
وهذا نص في مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهو - صلى الله عليه وسلم - صامه ورغب بِصيامه ، وأولئك تعمدوا مخالفته ... ومن هنا يتبيّن بُطلان دعوى محبته إذ المحبة في المتابعة لا في الأعياد (2) .
وأيضاً فقولهم : إنَّ هذا في معنى الاحتفال به والمعنى موجود سواء كان ذلك بِصيام أم إطعام طعام ... .
في هذا القول اتهام خطير لخير هذه الأمة صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم ورمي لهم بالتَّقصيرِ حيث لم يفهموا مقصوده - صلى الله عليه وسلم - من صيام هذا اليوم فلم يحتفلوا بهذه لمناسبة .
( ومن شبههم في جعل الاحتفال مشروعاً : ما قال ابن الجزري : رئي أبو لهب في المنام فقيل له : كيف حالك ؟ قال : في النار و لكنه يخفف عني كل ليلة اثنين لأني فرحت بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - و اعتقت جاريتي ثويبة . فما دام هذا حال كافر استفاد بسبب فرحه بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكيف حال من يفرح و يحتفل بمولده كل عام و هو مسلم يعبد الله ؟ .
( الجواب : لم أر دليلاً أوهى من هذا الدليل ، فالرائي مجهول و المرئي المخبر كافر لعنه الله ومتى كانت الأحلام دليلا على إثبات حكم شرعي ؟ (3) يقول - عز وجل - : { تبت يدا أبي لهب وتب .. } (4) ، والجوابُ على ذلك من وجوه :
__________
(1) مواهبُ الجليل 2/405 .
(2) اُنْظُرْ : (الأعياد) (صَفْحَة : 317) .
(3) الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع لمحمد سعد شقير (ص27) .
(4) سورة المسد الآية (1) .(1/292)
1 - الحديث مرسل كما تبين من سياقه عند أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به .
2 - ولو كان الخبر موصولاً لا حجة فيه لأنه رؤيا منام .
3- الحديثُ أصله في صحيح البُخاري في باب (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وذكر الحديث الثالث برقم (5101) قال : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ ؟ فَقَالَ : ( أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ ) . فَقُلْتُ : نَعَمْ ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ (1) ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّ ذَلِكِ لا يَحِلُّ لِي ) . قُلْتُ : فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ . قَالَ : ( بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ) قُلْتُ : نَعَمْ . فَقَالَ : ( لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي ، إِنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ ) قَالَ عُرْوَةُ : وثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ (2) ، قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ . قَالَ أَبُو لَهَبٍ : لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ (3)
__________
(1) اسمُ فاعلٍ من (أَخْلَى يُخلي) ، أي : لست بمنفردة بك ولا خالية من ضرّة .
(2) أي سوء حال .
(3) أي : لم ألقَ بعدكم رخاء أو راحة كما في بعض الروايات ..(1/293)
غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ هـ .
فالحديثُ ثابت عن عروة بن الزبير لا كلام فيه ، ولكن ما جاء في آخره : (قَالَ عُرْوَةُ : وثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي ... ) ذكر في الشرح أن هذه رؤيا منامية ، والرائي لأَبي لهب هو أخوه العبّاس بن عبد المطلب فرآه في سوء حال ، وأخبره أبو لهب أنه يخفف عنه من العذاب في كل يوم اثنين ؛ لأَنه أعتق ثويبة عندما بشرته بمولده - صلى الله عليه وسلم - ، والقارئ على علم أن هذه رؤيا منام ورؤيا المنام لا يحتج بها في الأحكام حتى لو رئي النبي - صلى الله عليه وسلم - ونقل الرائي عنه ما يُخالف الكتاب والسنة لا يُقبل ، ومن أجل هذا قلنا في سابقاً إنها رؤيا منام ، وإلا فأصل الحديث مروي في بيان الرضاع وحكمه ، والله أعلم بالصواب .
4 - أن ما في مرسل عروة هذا من أن إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالف ما عند أهل السير من أن اعتاق أبي لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح وأوضحه في الإصابة (1) .
__________
(1) (4/250) .(1/294)
5 - وأيضاً مرسل عروة مخالف لظاهر القرآن كما أوضحه الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال في كلامه على ذلك المرسل ( ومنه دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة لكنه مخالف لظاهر القرآن { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } (1) . ونقل عن حاشية ابن المنير : أن ما في هذا المرسل من اعتبار طاعة الكافر مع كفره مُحالٌ لأَن شرط الطاعة أن تقع بقصد صَحيح وذلك مفقود من الكافر ، فإعتاق أبي لهب لثويبة ما دام الأمر كذلك لم يكن قربة معتبرة ، فإن قيل : إن قصة إعتاق أبي لهب ثويبه مخصوصة من ذلك كقصة أبي طالب ، قلنا : إن تخفيف العذاب عن أبي طالب ثبت بنص صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما ما وقع لأبي لهب في ذلك المرسل فمستنده مجرد كلام لأبي لهب في المنام ، فشتان بين الأمرين . والله - عز وجل - يقول { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5) } .
بهذا كله يتضح بطلان الاستدلال بذلك المرسل على عمل المولد النبوي (2) .
( ومن شبههم : أنَّ المولد إنما هو مدارسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعرفته - صلى الله عليه وسلم - .
( والجوابُ : أن معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشمائله ومعجزاته وسيرته وخِصاله الكريمة ميسّر لمن أرادها في أي وقت ، ولا يتقيد ذلك بوقت معين وعلى هيئة خاصة واجتماع مبتدع . ومن يفعل ذلك فإنما هو سائر على طريقة سلطان إربل وما أحدثه من الاحتفال بالموالد واتخاذه عيداً يعتادون إقامته كل عام .
__________
(1) سورة الفرقان الآية (23) .
(2) من رسالة (الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن العشرين المفترى عليه) (ص173-176) .(1/295)
( ومن شبههم : ما أخرجه البيهقي (1) عن أنس - رضي الله عنه - قال : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن نفسه بعد النبوة مع أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ) فَيُحْمَلُ هذا التكرار الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على إظهار الشكر لله - عز وجل - على إيجاده رحمة للعالمين كما أنه تشريع لأمته لتسنَّه من بعده .
( الجواب : إن هذا الحديث جعله الإمام مالك من الأباطيل كما نقله عنه ابن رشد في كتابه العقيقة من كتاب المقدمات الممهدات ، وقد نُقِلَ ضعفه عن الأئمة : عبد الرزاق وأبو داود وأحمد وابن حبان والبزار وابن حجر والنووي وابن القيم والذهبي (2) وغيرهم ، لضعف عبد الله بن حوار أحد رواته وعلى فرض صحته فلا دليل فيه (3) لما نحن بصدده وهو الاحتفال بالمولد ، وإنما غاية ما يُستدل به عليه : مشروعيّة العقيقة بعد البلوغ ، هذا إن فرضنا صِحَّته ، وهيهات أن يصح .
( ومن شبههم أن المولد استحسنه السواد الأعظم من المسلمين فإنكاره إنكار لما استحسنه السواد الأعظم .
( الجواب : نقول له ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : « كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة » (4) ، وفي رواية : « إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك » (5) .
__________
(1) في السنن الكبرى (9/300) .
(2) انظر : فتح الباري (9/595) وتلخيص الحبير (4/147) والمجموع (8/431،432) وتحفة المودود (88) وميزان الاعتدال (2/500) ومصنف عبد الرزاق (4/329) (7960) .
(3) هل نحتفل ؟ (ص24،25) .
(4) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/92) وابن بطة (205) والبيهقي في المدخل (191) وابن نصر في السنة ( 24 ) الباعث على إنكار البدع والحوادث (17) تخريج إصلاح المساجد (13) .
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/160) .(1/296)
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : « الجماعة ما وافق الحق و إن كنت وحدك » (1) .
يقول - صلى الله عليه وسلم - : « إن الإِسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فَطوبى للغرباء » قيل من هم يا رسول الله ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : « هم الذين يُصلِحون إذا فَسَدَ الناس » .
فالكثرة لا يحتج بها و لا تدل على موطن الصواب في زمن الغربة ، ولله در القشيري رحمه الله حيث يقول (2) :
قد عرف المنكر واستنكر الـ ... معروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدة ... وصار أهل الجهل في رتبة
حادوا عن الحق فما للذي ... سادوا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى ... والدين لما اشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت ... نوبتكم في زمن الغربة
والحق لا يعرف بكثرة الأتباع و الجماهير فالمولى - عز وجل - يقول : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } (3) . و قال - عز وجل - : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } (4) . و قال - عز وجل - : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } (5) .
وقال - عز وجل - : { وقليل من عبادي الشكور } (6) . قال - عز وجل - : { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } (7) .
( شبهة : الاحتجاج بأنَّ هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان :
__________
(1) الحوادث والبدع لأبى شامة (ص22) ومشكاة المصابيح (1/61) .
(2) رسالة المورد فى عمل المولد ص 26 .
(3) سورة الأنعام الآية ( 116) .
(4) سورة يوسف الآية (103) .
(5) سورة ص الآية (24) .
(6) سورة سبأ الآية ( 13) .
(7) سورة الأعراف الآية ( 102) .(1/297)
( والجواب : إن الحجة بما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، والثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - النهي عن البدع عموماً ، وهذا منها ، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة وإن كثروا قال - عز وجل - : { وإن تطع أكثر من في الأَرض يُضلوك عن سبيل الله } (1) .
وما أحسن قول القائل :
تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل
مع أنه لا يزال بحمد الله في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها ، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق . فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإِسلام ابن تيمية في اقتضاء ، والشاطبي في الاعتصام ، وابن الحاج في المدخل ، وتاج الدين اللخمي ألف فيه رسالة مستقلة ، ومحمد السهسواني الهندي في كتابه (صيانة الإِنسان) وابن النحاس في (تنبيه الغافلين) والشّقيري في (السنن والمبتدعات) ، ومحمد جمال الدين القاسمي في (إصلاح المساجد) وأحمد آل بوطامي في (تحذير المسلمين) ومحمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة ، ومحمد بن إبراهيم آل شيخ ألف رسالة مستقلة ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهم الله - عز وجل - ، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات في الوقت الذي تقام به البدعة (2) .
( شبهة : ومما يزيد المسلم هماً وكمداً وغماً أن من أنكر عليهم هذه الموالد قالوا له : غيرت السنة وحاربت ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا ومشايخنا ومنذ أن خلقنا الله ونحن نتعبد الله به ومن ثم تنكر علينا لا أبا لك ؟ .
وبعضهم يحتج بالعرف ، وهو ما عليه كثير من الناس - بزعمه - من بدع تعارفوا عليها وتمسكوا بها ؛ لأَنها أعرافهم التي أدركوا عليها آباءهم .
__________
(1) سورة الأَنعام الآية (116) .
(2) من مقال للشيخ صالح الفوزان في مجلة البيان (العدد 239/ص56) .(1/298)
( الجواب : سبحان الله أي سنة غيرت سنة الآباء و الأجداد ؟ و هل فعلهم حجة ؟ أم أنها مقالة المشركين التي عابهم الله بها بقوله - عز وجل - : { حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } (1) { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } (2) وقوله - عز وجل - : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } (3) { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } (4) و قوله - عز وجل - : { قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا } (5) .
( شبهة : إذا كانت الموالد بدعاً مستحدثة وعملاً جاهلياً باطلاً ، فلماذا يقيم المسلمون مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - كل عام من عهد بعيد ، ويحتفلون به في جميع الأَقطار الإِسلامية ؟ .
( الجواب : احتفال أكثر المسلمين بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - من عهد بعيد لا يدل على شرعيته ، بل ليس ذلك بحجة للمحتفلين به أو حجة على المنكرين له ، فإن أكثر المسلمين فتحوا أعينهم فوجدوا الاحتفال بالموالد تُقام من قديم العهد ، فمشوا هم أيضاً فيه تقليداً لآبائهم [ كما وصفهم الله - عز وجل - : { حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } (6) وغيرها من الآيات الكثيرة ] .
__________
(1) سورة المائدة الآية (104) .
(2) سورة الزخرف الآية (22) .
(3) سورة الزخرف الآية ( 23 ) .
(4) سورة البقرة الآية (170) .
(5) سورة يونس الآية ( 78 ) .
(6) سورة المائدة الآية (104) .(1/299)
( شُبهة : ( يقولُ أحد الذين كتبوا في تاريخ المولد : ( إن الخلفاء الراشدين لم يُفكر أحد منهم في الاحتفال بالمولد النبوي ، لانصرافهم إلى تثبيت دعائم الدين ، أما الأمويون فشغلوا بمنازعة خصومهم من العلويين تارة ، وبالزبيريين والخوارج تارة أخرى ، وبالاستمرار في الفتوحات ، وكذلك كان حال العباسيين بانشغالهم بعدواة الأمويين في بادئ الأمر ، ثم منازعة أبناء عمومتهم من العلويين ، وكذلك استمرارهم في الفتوحات ، وإزجاء الصوافي والشواتي إلى الأطراف .
ثم قال بعد هذا : ولهذه الأسباب كلها مجتمعة أو متفرقة ، لم تجر فكرة اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عيداً إسلامياً أو موسماً قومياً ، يُحسن الاحتفال به على قلب أحد من هؤلاء جميعاً .
( والجواب : أن هذا الكلام باطل من أصله خصوصاً كلامه على الخلفاء الراشدين ، وقد سيق من كلام شيخ الإسلام ما يرد ذلك ، وكذلك كان أهل القرون المفضلة الذين لم يعملوا هذه البدعة ، وهكذا من جاء بعدهم من المسلمين ، حتى نبتت دولة العبيديين الذين استهانوا بالشرائع والسنن ، واستباحوا الحرمات والأعراض ، وتولوا الكافرين ، وأحيوا من البدع ، وأحدثوا منها الشيء الكَثير ، فكان من جملة ما ابتدعوه الاحتفال بالمولد المختلف في تاريخ وقوعه كما بين شيخ الإسلام .(1/300)
ومع إقرار هذا الكاتب أن المواسم والأعياد والموالد وما شاكلها من البدع التي لم يأذن الله بها ، ولا ورد فيها ما يُشير إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها ، أو أشار إليها ، أو باشرها في قول أو فعل - حاشا عيد الأضحى والفِطر - ولم يَعرفها أحدٌ من الصَّحابة ، ولم يشهدها أحد من التابعين ، ولم يُنوه بها أحد من الأئمة المجتهدين الذين ضبطوا أُصول الشريعة وحرروا فروعها ، وبينوا مدلولاتها ، فإنه أتى بعد ذلك بأمر عجيب ، وقال كلاماً مؤداه : ( إن هذه البدعة أصبحت حقيقة واقعة وأمراً جماعياً ، وما دامت كذلك فإنه يحسن النظر إلى نتائجها ، فإن كانت نافعةٌ عمل بها ، وإن لم تكن كذلك أهمل أمرها حتى تزول من تلقاء نفسها مع مرور الزمن ) ا( . هكذا قال ، ثم أخذ يعدد ما للموالد من الفوائد والمنافع ، ليؤيد صِحة إقامتها ( (1) .
وما ذكره من المنافع وفوائد لا يُلتفت إليها ، فإن العبرة بما شَرعه الله - عز وجل - لا بما يُعتقد منفعته ، [ بل الشارع أثبت أن للخمر منافع كما أثبت لها مضار ، ولكنه شَرع تحريمها ، ، وأيضاً فإنَّ ما يَنفع الناس لا يُعرف إلا مِن خلال الشارع ، فهو المخوَّل بِذلك لا غير ، وذلك لأَن طبيعة البشر الميل وحب المنافع الدنيوية ، بل ومنافعه وهمية يُظنُّ نفعها ، فالزاني يَزني لأَنه يظن أنّه ينفعه في حَقن لذته ، والسارق يسرق لظنه أنه ينفعه في رِزقه ، والكاذب يكذب لظنه أنه ينفعه في النجاة من العقاب وغيره ... ] .
__________
(1) (الإِنحرافات العقدية والعلمية في القرنين 13،14 وأثرهما في حياة الأمة) للشيخ : علي الزهراني (382-384) .(1/301)
( شبهة : إن الاحتفال بالمولد سنة حسنة (1) ، و في الحديث : « من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ... » الحديث (2) .
( الجواب : السنة الحسنة تكون فيما له أصل في الشرع كالصدقة التي هي سبب ورود الحديث (3) ، أما احتفال المولد فهو بدعة أحدثت بعد مضيّ القرون المفضلة وليس له أصل في الشرع - وتقدم ذلك مراراً - .
( شبهة : دعواهم أنَّ في ذلك تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) وتقدم بحمد الله - عز وجل - الرد على مُحسني البدع وأن التقسيم إلى بدعة حسنة سيئة قسمة ضيزى جائرة (صَفْحَة : 43-59) .
(2) [ رواه مسلم (1017) النسائي (5/75) الترمذي (2675) ابن ماجة (203) وابن حبان في صحيحه (8/3308) ] .
(3) [ كما في المسند لأحمد (18701) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مرفوعاً : « مَنْ سَنَّ سُنَّةً صَالِحَةً فِي الإِسْلامِ فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ » ] .(1/302)
( والجواب : إنما يكون تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - بطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ومحبته ، - صلى الله عليه وسلم - ، وليس ذلك بالبدع والخرافات والمعاصي ، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم ؛ لأَنه معصية ، وأشد الناس تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة - رضي الله عنهم - كما سبق بيانه - ومع هذا التعظيم من الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما احتفلوا بمولده ، ولو كان مشروعاً ما تركوه (1) .
( شبهة : أن الاحتفال بالمولد علامة حب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مظهر من مظاهر محبته - صلى الله عليه وسلم - ، وإظهار محبته مشروع ، ومن لا يحتفل بمولده - صلى الله عليه وسلم - فهو مبغض كاره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
( الجواب : أقول سبحان الله هل أنت يا صاحب المولد تحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظمه وتوقره أكثر من حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وبقية زوجاته وجميع الآل والصحب ؟ ، وهل يحيي هذه الموالد أهدى سبيلاً من خيار هذه الأمة وفضلائها من الصحابة ومن بعدهم وأشد حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
لا شك أن الجواب : لا ، إذاً هل عمل أحد من الصحابة مولداً واحتفالاً بمولده - صلى الله عليه وسلم - حتى يبرهنوا و يثبتوا أنهم صادقون في حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزعمك ، وهل تقول بأن الصحابة يبغضون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعدم احتفالهم بمولده ؛ لا شك أنك تقول : لا .
__________
(1) من مقال للشيخ صالح الفوزان في مجلة البيان (العدد 239/ص55) وتقدم كيفَ نُعَظِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - (صَفْحَة : 73-77) .(1/303)
وعمر الذي يستشهد مؤيدو الموالد بحادثة إظهار محبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفضيله على نفسه حتى قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الآن يا عمر ) وهو ما أخرجه البخاري بسنده عن عبد الله بن هشام : ( كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر : يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك » فقال عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( الآن ياعمر ( (1) أي الآن آمنت ، نسوا أنه مع قوة محبته لم يقم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتفالاً بمولده ولا أربعينية . وهل يمكن أن يتهم هو أو من قبله بالتقصير وعدم حبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
وأحسب أنني في غنى عن بيان محبة الصحابة - رضي الله عنهم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك التابعين وسائر العلماء المهتدين ؛ لأَن محبتهم معلومة لكل من قرأ سيرة أصحابه - رضي الله عنهم - أو سمعها ، وقد تقدم شيء من ذلك بحمد الله - عز وجل - .
ومن يقول أن مقتضى اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاحتفال بالمولد .
فنقول له : إن هذا والله لهو الظن الآثم والرأي الفاسد الكاسد ، إذ المحبة في الاتباع لا في الابتداع ، قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } .
__________
(1) [ أخرجه البخاري (6632،6264،3694) ] .(1/304)
قوله تعالى : { فاتبعوني } (1) ولم يقل امدحوني وأقيموا الموالد والاحتفالات التي إن سلمت من شوائب الفسق ومواقف الدجل وعثرات المروءة فهي بدعةٌ ، والاتباع هو الذي يشرح لفظه معناه و لا غبار ولا هجس ولا لبس (2) .
(جريمة قبيحة : والأدهى والأمر أن يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يحبونه بل يجفونه ، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ . إذ بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو عدم حبه كفر بواح لا يبقي لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى (3) .
فإحياء هذه الليلة ليس دليلاً على محبته - صلى الله عليه وسلم - ، فكم ترى ممن يحيون هذه الاحتفالات وهم أبعد الناس عن هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وما أكثر من يُحْييها من الفسقة والفجَّار ممن تعاملوا بالربا وتهاونوا في الصلوات ، وضيعوا السنة الظاهرة والباطنة ، وعرفوا بكثرة المعاصي والآثام وارتكاب الفواحش والموبقات (4) .
( شبهة : وأن من يقولون يجب أن نحتفل بمولد محمد - صلى الله عليه وسلم - لنثبت للعالم أننا نحب محمداً وأن من لا يحتفل بمولده قد يتهم بنقص محبته له .
( الجواب : يحسن أن يرد عليهم بأننا يجب ألا نحتفل بمولده - صلى الله عليه وسلم - لنثبت للعالم أننا نحب نبينا محمداً و أصحابه و ذلك باتباعهم و اقتفاء أثرهم و عدم الخروج عن جادتهم كما يجب أن نبين للعالم لماذا لا نحتفل بالمولد (5) .
__________
(1) سورة آل عمران ( 36 ) .
(2) وحبه - صلى الله عليه وسلم - يَقتضي متابعته وتعظيم سنته ، وتقدم ذلك بحمد الله في أول البحث (صَفْحَة : 73-77) .
(3) الإنصاف لأبي بكر الجزائري (ص5) .
(4) هل نحتفل ؟ للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة (ص16-17) .
(5) العقلية الإسلامية ( 96 ) .(1/305)
ونقول : لا شك أن محبته - صلى الله عليه وسلم - واجبة على كل مُسلم أعظم من محبة النّفسِ والولدِ والوالد والناسِ أجمعين بأبي وأمي - صلى الله عليه وسلم - ولكن ليسَ معنى ذلك أن تبتدع في ذلك شَيئاً لم يُشرع لنا . إن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي طاعته ومحبته و السير على نهجه - صلى الله عليه وسلم - ، أما من يزعم محبته - صلى الله عليه وسلم - وذلك من أعظم مظاهر محبته و هو مخالف معاكس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما هو إلا ادِّعاء حب فقط خالٍ من الصدق .
ولله در القائل :
أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حبَّا له ما ذاك في الإمكان
شرط المحبة أن توافق من تحب ... على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع ... خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان
وقال آخر :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً أطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
والمحبة الطبيعية لا تغني عن المحبة الدينية شيئاً .
فهذا أبو طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد الحب و قد تربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره ، و بالغ في حمايته و نصرته و شهد بصدق نبوته ، لكنه لما لم يطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره و لم يجتنب نهيه و لم يدخل في دينه حشر يوم القيامة في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه جزاء كفره ، و قد نهى أن يستغفر له ، و لما ادعى الناس محبة الله ورسوله أنزل الله عليهم هذه الآية : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ... } الآية (1) .
وفي ختام هذا الرد على هذه الشبهة أنقل كلاماً جديراً بالذكر في هذا المقام للأَخ سُليمان السحيمي (2) حديثُ يقول :
__________
(1) سورة آل عمران ( 31 ) .
(2) (الأَعياد) (صَفْحَة : 329-332) بتصرف يسير واختصار .(1/306)
” يصف بعض دعاة الاحتفال بالمولد من يُنكره ولا يحتفل به : بأنه لا يُحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه يُبغضه ولو كان محباً له لاحتَفَلَ بِمولده - صلى الله عليه وسلم - .
والجوابُ : أن يُقال : إنَّ محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست أهازيج تُردد ، ولا قَصائد تُنشد ، ولا دعاوى تُدعى .
والدَّعاوي ما لم يُقيموا عليها بيّنات فأهلها أدعِياءُ
إن حقيقة محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - : هي اتباعُ أمره واجتناب نهيه ، والسّير على نهجه ، وأن لا يُعبد الله لا بما شرع . ولا تتحقق المحبة إلا بذلك ، قال - عز وجل - : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (1) فقد جعل - عز وجل - الاتباع والانقياد دليل تلك المحبة وبه يعرف الصّادق من المدّعي .
وفي ذلك يقول ابن كثير : ( هذه الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله ؛ كما ثبت في صحيح البُخاري 2697 عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » . ولهذا قال { إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) أي : يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه ، وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض العلماء الحكماء : ( ليس الشأن أن تُحِب ، إنما الشأن أن تُحَب ) . وقال الحسن البصري وغيره من السلف : ( زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ) هـ .
وقال ابن القيم : ( {يُحببكم الله} إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها . فدليلها وعلامتها : اتباع الرسل ) (2) .
__________
(1) سُورَةُ آل عمران:31 .
(2) مدارج السالكين 3/22 .(1/307)
فالاتباع هو الميزان الذي يُعرف به من أحب حقيقة ومن ادعى ولا ريب أنه يجب تقديم محبته - صلى الله عليه وسلم - على : النّفس والمال والولد والوالد والناسِ أجمعين ، قال - صلى الله عليه وسلم - : « لا يُؤمنُ أحدكم حتى أكون أحبّ إِليهِ مِن والدِ وولدهِ والنَّاسِ أجمعين » (1) .
أخرج البُخاري (2) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ : ( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ؛ إِلا مِنْ نَفْسِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ » فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الآنَ يَا عُمَرُ » ) هـ .
ولكن هذه المحبة يجب أن تكون ضِمن ما حدده الشارع ، بأن يكونَ بعيداً عن الغلو ، فلا إفراط ولا تفريط ، قال - صلى الله عليه وسلم - : « لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ » (3) .
وعلامة كون الإنسان محباً للرسول - صلى الله عليه وسلم - : هي اتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - والسير على نهجه ظاهراً وباطناً والوقوف على ذلك ، وكلما قلَّ الاتباع نقصت المحبة ، فبكمال الاتباع تكمل المحبة والعكس كذلك (4) .
فيا تُرَى : مَن الصّادق في تلك المحبة :
__________
(1) أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقم : 15) ومُسلم (رَقم : 44) .
(2) أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقم : 6632) .
(3) [ أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقم : 3445) ومسلم (رَقم : 1691) ]
(4) اُنْظُرْ : مدارج السّالكين 1/39 .(1/308)
ـ من أطاع وامتَثَل .
ـ أم : مَن أحدثَ وابتدع .
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ (1) : ( لا يكونُ مُحِبّا للهِ - عز وجل - إلاَّ من يَتّبع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومُتابعته لا تكونُ إلا بتحقيقِ العبوديّة . وكثير مِمن يدعي المحبة يخرج عن شَريعته وسنته - صلى الله عليه وسلم - ) هـ وهذا كثير فيمن يحتفلون بتلك المواسم بِدعوى محبته - صلى الله عليه وسلم - .
وبِهذا يَتّضح لمن أراد الحق أن حقيقة محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تكمنُ في امتِثالِ أمره واجتنابِ نهيه والمحافظة على طاعته والتّمسك بِسنته . ومن خالف ذلك فقد ضلَّ في معرفة تلك المحبة ، وما يفعله أرباب الموالد والمواسم المحدثة فهو من هذا القبيل حيث ظنوا أن محبته - صلى الله عليه وسلم - تتمثل في إقامة الحفلات والذكريات والتي قوامها تحسين المآكل والمشارب وإنشاد القصائد والطرب والتمايل ، فأضافوا إلى الإحداثِ في الدين ارتكاب المحرمات والمنكرات .
وهذا هو حال من أعرض عن سنته - صلى الله عليه وسلم - ، حيثُ تتجاذبه الأهواء ويقع في الفِتن نسأل الله - عز وجل - السلامة من الفتن وأن يرزقنا المحبة الصادقة له ولنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يوفقنا لاتباعِ سنته والسير على نهجه ، وأن يحفظنا من الخطأ والزللِ في القولِ والاعتقادِ والعملِ إنه وليّ ذلك والقادر عليه “ (2) .
( شبهة : إذا كان الكفرة والمشركون قد اتخذوا أعياداً لسادتهم وقادتهم واحتفلوا بهم احتفالات كبيرة أفلا نحتفل نحن بمولد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو أولى بالتكريم وأجدر بالاحتفال والتعظيم ؟ .
يَقولُ قائلهم - عامله الله بما يستحقه - : ( إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر ، فأهل الإِسلام أولى بالتكريم وأجدر) ا( .
__________
(1) اُنْظُرْ : العبودية (صَفْحَة : 93) .
(2) الأعياد 329-232 .(1/309)
( الجواب : هذه الشبهة العقلية ابتكرتها أذهان دعاة البدعة ومناصريهم اخترعتها عقولهم ورضيت بها قلوبهم على الرغم أنها مخالفة للشرع من وجهين :
( الأول : أننا مأمورون بمخالفة الكفرة والمشركين ، إذْ تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساءًا التشبه بالكفار سواء في عبادتهم أم في أعيادهم ، بل إن الأعياد من أظهر شرائع الأمم كما قرر ذلك شيخ الإسلام في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ، أم في أزيائهم الخاصة بهم ، والحكمة في ذلك أن المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن وهذا ما دل عليه الشرع والعقل والحس .... فمن استدل بهذه الحجة وما أوهاها من حجة فقد شهد على نفسه بالتشبه بالكفرة والمشركين وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « من تشبه بقوم فهو منهم » (1) .
( الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر فيما آتاه الله - عز وجل - من معجزاته أنه سيكون أقوام يتبعون أهل الكتاب بأقوالهم وأفعالهم ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ » قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، قَالَ : « فَمَنْ ؟ » متفق عليه (2) . فهل نَسوا هذا الحديث أو تناسوه ؟! .
__________
(1) [ أخرجه : أحمد (2/50،92) وأبو داود (4031) رَ : التمهيد لابن عبد البر (6/80) والسنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار) لسهيل حسن (ص97-103) ] .
(2) [ أخرجه : البخاري (3456 [ واللفظ له ] 7320) ومسلم (2669) ] .(1/310)
فالمستدل بتلك الحجة المذكورة شهد على نفسه أيضاً بالجهل الشديد بالعلم النبوي الشريف فتأمل !! (1) .
( شبهة : لعلَّ قائلهم أن يقول : جرت العادة أن نكرم العظماء بمثل هذا !! .
( الجواب : نعم جرت عاداتكم ، وعاداتكم وثنيات جاهلية أو وثنيات الغرب فتنكم شيطانه الأثيم ، أفتحكِّمون دين الله - عز وجل - بِعاداتكم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ليسَ كعظمائكم يا قوم ، بل هو فوقهم وأسمى وأجل ، إنه رسول عظيم خاتم الأنبياء ، كرمه الله بوجوب طاعته وبالصّلاة عليه حيا وميتاً ... فلنقف عند ما أمر الله به .
__________
(1) من كتاب (تصحيح الأخطاء والأوهام الواقعة في فهم أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : لرائد صبري علفة (ص158و159) باختصار .(1/311)
واعلم بأن تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون بما هو جائزٌ ، أما تعظيمه بأمور محرمة فلا يجوز ، لذا لما أراد مُعاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور محرمة ، نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وزجره ، قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - : ( لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : « مَا هَذَا يَا مُعَاذُ » قَالَ : أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَلا تَفْعَلُوا ، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ؛ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ... » ) هـ (1) . فقصد معاذ - رضي الله عنه - هو تعظيم النبي لا غير ، ولكن مع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر عليه ذلك ومنعه .
( زعم وافتراء :
والمصيبة أن من أنكر عليهم موالدهم هذه قالوا له أنك وهابي نجدي حنبلي مبغض جاف لا يعرف قدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ونقول لهم :
قل للذي اتخذ التجهم مركباً ورآه ديناً وارتضاه مذهبا
ولمذهب الأبرار صار مكذبا إن كان تابع أحمد متوهبا
فأنا المقر بأنني وهابي
وقد ألف فى حكم الاحتفال بالمولد النبوي وبدعيته قبل الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بمئات السنين الفاكهاني المتوفى سنة 734 رحمه الله في رسالته المسماه " المورد في عمل المولد " فهل يقال إن مؤلفها وهابي مع أنه قبل الإمام محمد بأكثر من ثلاثمائة سنة .
__________
(1) أخْرَجَهُ : ابن ماجة (رَقم : 1853) وابن حبان (رَقم : 1290) اُنْظُرْ : (الإِرواء) 7/292 .(1/312)
كما ذكر أيضاً غيره من العلماء ممن هم قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن المولد بدعة كشيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى 728 في الاقتضاء (1) ، وابن الحاج المتوفى سنة 737 في المدخل (2) ، والإمام الشاطبي المتوفى 790 في الاعتصام (3) ، فهل يقال بأن هؤلاء العلماء وهابيون وهم إنما جاءوا قبله بمئات السنين وغيرهم كثير .
وهل أتباعُ الشَّيخِ محمد بن عبد الوهّاب لم يَقولوا هذا القَول من الاحتفالِ بالمولد دونَ دليلٍ واتِّباعِ ، بل سَبَقَهم من هو أفضلُ منهم عِلماً وعَمَلاً وتَقوى وصَلاحاً من السَّلَفِ الصَّالحِ رحمهم الله أجمعين .
( شبهة : « ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن » (4) وقد استحسنه العلماء .
( الجواب : فنقول : هذا ليس بحديث حتى يحتج به و إنما هو أثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قاله في قضية تولي أبي بكر - رضي الله عنه - الخلافة .
وعلى فرض كونه حديثاً صحيحاً ، فالمراد به ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسنا ، لا ما رآه بعضهم و استحسنه فهل كل المسلمين أجمعوا على استحسان المولد ؟ .
__________
(1) (صَفْحَة : 294و296) وقد تقدم بيان ذلك في كتابه المذكور (صَفْحَة : 247) .
(2) (2/2) حيث قال : ( ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد .... ) الخ .
(3) (1/39) قال في ذكر البدع : ( ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عيداً أو ما أشبه ذلك ) ..
(4) رَ : كشف الخفا (2/2214) المقاصد (959) مختصر المقاصد (889) الحلية (1/375) البداية والنهاية (10/327) نصب الراية (4/133) تحفة الطالب (344) أصول في البدع والسنن (51-53) السلسلة الضعيفة (2/ 17) وقال الألباني : ( لا أصل له مرفوعاً وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود - رضي الله عنه - ) .(1/313)
والزعم بإجماع الأمة على المولد أمرٌ عجيب ، سبحان الله أي أمة أجمعت على إباحة الموالد والأعياد المحدثة ؟ ، اللهم إلا إن كانت أمة التصوف والرفض والبدع ومن تابعهم من دهماء المسلمين ، أما رضا العامة فصدق الله العظيم حين يقول : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } (1) وقد تقدم شيء من ذلك .
وقد نقل الشيخ ابن منيع في تقريظه ل(القول الفصل في الاحتفال بمولد خير الرسل) صفحة 24 إجماع الأوائل على ابتداعها يعني الاحتفالات بالمولد !! فهل يجمعون على باطل ومنكر ؟ ثم ما حكم مخالفي الإجماع ؟ (2) .
وأيضاً : فإن ذلك القول دعوى يعوزها الدليل ، وهو مخالف للحقِّ ، ولقد أنكر ذلك الاحتفال أكابر العلماء من السلف وقد تقدم ذكرهم وقالوا ببدعيته ومخالفته لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكل ما خالف السنة فهو ساقط الاعتبار مردودٌ بنصِّ الرسول « من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ » .
( شبهة : ربما قال قائلهم : إنهم إنما فعلوا المولد عن حسن نية وقصد .
( الجواب : فنقول : حسن النية والقصد لا يبيحان الابتداع في الدين ، فإن جل ما أحدثه من قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية وقصد وما زالوا يزيدون وينقصون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم خلاف ما جاءت به رسلهم .
__________
(1) سورة الانعام ( 116 ) .
(2) من تعليق علي حسن عبد الحميد على المورد ص 21 .(1/314)
فَحُسنُ النيَّة لا يُحلل حراماً ولا يُحرّم حلالاً ، كما أنَّها لا تكون مُبرِّراً للزِّيادةِ في دينِ الله - عز وجل - أو النّقصانِ منه ؛ لأَنَّ المرجع في كلِّ ما يتعلّق بأمر الدين هو كتاب الله - عز وجل - وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى المُسلمِ أنْ يُراعي ذلك الجانب حتى لا يَقعُ في مُنزَلقٍ لا يُحمدُ عُقباهُ ، وأن ينظر إلى ما يتقرَّب به إلى الله - عز وجل - قبل أن يُقدم عليه ، فَيعرف سنده من الكتاب والسنة عملاً بِقوله - عز وجل - : { لا تُقَدِّموا بَينَ يَدَي اللهِ وَرَسولهُ } .
قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث الصحابي الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - شاتك شاة لحم (1) وقال ابن أبي جمرة : ( وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع ) (2) .
( شبهة : الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله - عز وجل - .
( الجواب : البدعة في الدين مرفوضة ولا تُقبل من أي أحد كان ، بل مردودة على صاحبها كما نص على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأيضاً قولهم : (بأنه أحدثه هذا الملك) خطأ تاريخي أن أول المروجين لبدعة المولد هم الفاطميون الباطنيون .
وتنَزّلاً على قولهم ؛ فمتى كان عمل الملوك حجة شرعية يُحسم بها الخلاف بين المختصمين ؟! .
وحسن القصد لا يسوِّغ العمل السيئ ، وكونه عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته (3) .
__________
(1) رواه البخاري (5556) أبو داود (2801) البيهقي (3/284) .
(2) الفتح ( 10 / 17 ) .
(3) من مقال للشيخ صالح الفوزان في مجلة البيان (العدد 239/ص56) .(1/315)
انظر أيها القارئ إلى هؤلاء المحتفلين وإلى الملوك والأمراء الذين يؤيدون هذه البدعة ويتظاهرون بحب الرسول ، ويضللون العوام بأن نحن معشر الملوك مسلمون ونجل الإسلام ونحب النبي - صلى الله عليه وسلم - بشبهة المولد . والله - عز وجل - أعلم والناس شهود أنهم أبعد الناس من شريعة الله وأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله - عز وجل - فيتركون القرآن الكريم ويتركون أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستوردون القوانين الغربية وينصبون المحاكم الطاغوتية بل آل ببعضهم بالإِضافة إلى تحكيم القوانين ونبذ الشريعة الغرّاء أنهم يتصرفون في الشريعة بأنْ زاد بعضهم بأن أخذ يحرم ما أحل الله كتعدد الزوجات والطلاق ، ويبيحون ما حرم الله كالخمور والبغايا والربا والقمار ، ومع هذه المخزيات يموهون على العوام جهال المسلمين بأنهم مسلمون ويحبون الله ورسوله ، وبرهان محبتهم الكاذبة لا شيء سوى تأييدهم لهذا الاحتفال المبتدع وحضورها ، فهل هذا هو الإِسلام الذي ارتضاه لنا الله - عز وجل - بقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإِسلام دينا } وقال - عز وجل - : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقال - عز وجل - : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .
( شبهة : ولربما قال قائلهم : إنما فعلناه نريد الخير .
( الجواب : فنقول له ما قاله ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( كم مريد للخير لن يصيبه ....) الأثر (1) .
__________
(1) الدارمي (1/204) .(1/316)
إن هذا يفعل بدعته (1) ويظن بفعله أنه يؤجر ويثاب ولا يدري ما ينتظره من العقاب ، وهو يحتج على نهيك بقول ساقط وخيم ، وهو أنه يصلي أو يذكر أو يزكي أو يصوم ، ويتجاهل أن هذه العبادات لها كيفيات وأوقات فإن خرجت عنها استحق صاحبها العقوبات وخرجت عن كونها قربات ولم ينفع حينئذ حسن النية والقصد وإرادة الخير .
و ما أجمل هذه الحادثة التي سيرد ذكرها و هي من الأمثلة على ما نقول :
فقد ورد : ( أن سعيد بن المسيب رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود ، فنهاه فقال له : يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة ؟ . قال : لا ؛ و لكن يعذبك على خلاف السنة ) (2) .
فانظر إلى سؤال هذا الرجل كيف أطلق الكلام بقوله : (أيعذبني الله على الصلاة ؟) فهو يغتر بكونها من حيث الشكل صلاة ، ولم يهتم أهي مشروعة في هذا الوقت أم لا ؟ ، فقد ظن أنه يفعل الصواب وأنه سيلقى من الله الثواب ، ولكن هيهات !! فالخير يأتي من المشروعات لا المبتدعات .
قال الشيخ الألباني رحمه الله - عز وجل - : ( وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله ، وَهُوَ سِلاحٌ قَوي عَلَى المبتدعَةِ الذينَ يَسْتَحْسِنونَ كَثيراً من البدعِ باسمِ أَنَّها ذِكْرٌ وصلاةٌ !! ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة !! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك ) .
__________
(1) من إشراقة الشرعة فى الحكم على تقسيم البدعة للقصاص ص 94 - 96 .
(2) رواه عبد الرزاق (3/52) والدارمي (1/116) البيهقي (2/466) رَ : إرواء الغليل (2/236) .(1/317)
وهذا الصحابي عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ينهى ويحذر بعض المبتدعين من اجتماعهم حول الذكر الجماعي ، فقالوا له محتجين - وما أوهى حجتهم !! - : ( والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير . قال : و كم من مريد الخير لن يصيبه ) (1) .
فهذا فقه عظيم أين هم منه ؛ إنه يضع لنا قاعدة شريفة ، وهي : أن لا علاقة للنيات بالمنهيات ، أي العمل إذا كان مبتدعاً لا يقال : نيتي كذا أو كذا تذرعاً بها ، وكذلك إذا كان مشروعاً لا نفع له إن كان بغير نية .
فالمبتدع الجاهل يظن أن اختياره لنفسه حق وإن خالف اختيار النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في هذا الضلال إلا لكونه ظن الزيادة على العمل زيادة في الأجر والخير .
__________
(1) رواه الدارمي (1/204) وأبو نعيم في الحلية ، انظر اشراقة الشرعة (ص95) .(1/318)
روى أبو بكر الخلال في ( الجامع ) بسنده : ( أن رجلاً جاء إلى الإمام مالك رحمه الله فقال : من أين أحرم ؟ . فقال : من الميقات الذي وَقَّتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أحرم منه . فقال الرجل : فإن أحرمت من أبعد منه ؟ . فقال مالك : لا أرى ذلك . فقال : ما تكره من ذلك ؟ . قال : أكره عليك الفتنة ! . قال و أي فتنة في ازدياد الخير ؟ . فقال مالك : فإن الله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم } (1) وأي فتنة أكبر من أنك خصصت بفضل لم يختص به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ؟! وفي رواية : ( وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟! ) (2) .
وعَنْ نَافِعٍ - رضي الله عنه - : ( أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ) هـ (3) .
__________
(1) سورة النور الآية (63) .
(2) الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (ص11) وفي رواية حكاها ابن العربي فيها : (وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) الاعتصام (1/100) . والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/148) أبو نعيم في الحلية (6/326) البيهقي في المدخل (236) ابن بطة في الإبانة (98) .
(3) أخْرَجَهُ : الترمذي (رَقم : 2738) والحاكم 4/265-266 اُنْظُرْ : (الإرواء) 3/245 .(1/319)
والاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أن تتبع شرعه في كل يوم و كل دقيقة من عمرك فإن أقمت في نفسك ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنت بحق تحتفل به .
( شبهة : وقالوا بأنها بدعة حسنة - كما أسلفنا - فَهو مُقرٌّ بأنها بدعةٌ ، ولكنها في نظره حسنةٌ ، انطلاقاً من اعتقاده أن البدعةَ قِسمان : بدعةٌ حسنة ، وبدعة سيئة .
(الجواب : إذا كانت البدعة ( الحسنة ) سَتُثيرُ شِقاقاً وانشِقاقاً وخِلافاً وفتنة كلامية قد ينبثق عنها ما لا تُحمد عُقباه ، وبلبلة في أذهان الدهماء أليسَ الحسن أو الخطوة الحسنة بدلاً من البدعة ( الحسنة ) ، هو تركها لا يُخِلُّ بالدّين ، ولا يُعدّ تقصيراً فيه ، ولا خُروجاً عن سُنَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - (1) .
وأقولُ : هل قام الذين يحتفلون بالمولد بكل تعاليم الإسلام كبيرها وصَغيرها من الأركان والفروض والواجبات والسنن ، حتى يبحثوا عن بدعة حسنة - كما يزعمون (2) - رغبة في زيادة الأجر والثّواب من الله - عز وجل - ؟!! سُبحانك هذا بهتان عظيم ! .
( شبهة : قولهم : إنما نحتفل بمولده - صلى الله عليه وسلم - إحياء لذكره .
__________
(1) العقلية الإِسلامية وفِكرة المولد عن التربية والمجتمع لِعلي محمد العيسى (ص94) .
(2) تقدم بحمد الله - عز وجل - في (الرد على مُحسّني البدع) ما فيه كِفاية ومَقنع (صَفْحَة : 43-59) .(1/320)
( الجواب : فنقول لهم : و هل ذكره - صلى الله عليه وسلم - ميت فتحيوه بموالدكم ، ألم يسمعوا قول الله - عز وجل - : { ورفعنا لك ذكرك } ، ألم يعلموا أن ذكره - صلى الله عليه وسلم - مرفوع مشروع في الصلاة والأذان والخطب وكلما ذُكِرَ - صلى الله عليه وسلم - ، وأما القول بجواز الاحتفال بالمولد بحجة رفع ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا قول باطل ، وليس يوم الثاني عشر ربيع أول مما شرع فيه الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ورد النص بالإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة .
يقول أبو بكر الجزائري : ( كون المولد ذكرى ... إلى آخره ، هذه تصلح أن تكون علة لو كان المسلم لا يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل يوم عشرات المرات ، فتقام له ذكرى سنوية أو شهرية يتذكر فيها نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليزداد إيمانه وحبه له . أما والمسلم لا يُصلي صَلاة من ليل أو نهار إلا ذكر فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يدخل وقت صلاة إلا ويُقام لها ويتذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويُصلى عليه . إن الذي تقام له ذكرى خشية النسيان هو من لا يُذكر ، أما من يُذكر ولا يُنسَى فكيف تُقام له ذِكرى حتى لا يُنسى . أليس هذه من تحصيل ما هو حاصل ، وتحصيل الحاص عبثٌ يُنَزَّه عنه العُقلاء ) (1) .
( شبهة : وبعضهم يقول : إحياؤه إنما هو من أجل الإكثار من ذكر الله .
( الجواب : أن نقول : الإكثار من ذكر الله - عز وجل - لا يرتبط بالاحتفال بالمولد كما أن كثرة الذكر تتنافى مع تحديد يوم واحد وليلة واحدة من 354 يوم .
__________
(1) الإنصاف فيما قيل في المولد (صَفْحَة : 36-37) .(1/321)
وأيضاً المعترضون على المولد لم يعترضوا على الذكر في حد ذاته أو على قراءة السيرة العطرة - الخالية من المحرمات - و استخلاص العبرة منها في أي وقت مناسب ، فهي تزيد الإيمان وتقويه وينبغي للمسلم أن يكون ملماً بسيرته ومناقبه - صلى الله عليه وسلم - حتى يعرف حقيقة هذا الرسول الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، وإنما اعترضوا على تخصيص وقت لهما يتكرر سنوياً مرة واحدة أو مرات عدة في أوقات معلومة معروفة .
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ألف مختصر السيرة وقد طبع عدة مرَّات وانتشرت في سائر الأقطار ، فلو لم يكن محباً للرسول - صلى الله عليه وسلم - لما ألف سيرة له ومن لا يحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يكون مسلماً بل يكون يهودياً أو نصرانياً (1) .
( شبهة : ولعل البعض يذكر أن لهذه الموالد منافع وفوائد فنقول :
( الجواب : مهما كان من منافع و فوائد لهذه المحدثات فلا يلتفت إليها ، فالعبرة بما شرعه الله و رسوله لا بما يعتقد الناس منفعته ، فإذا حرم الله شيئاً أو رسوله لم يلتفت بعد ذلك إلى ما يزخرفه أرباب الابتداع و الضلال و يزينونه عن هذه الموالد والله - عز وجل - قد أخبر أن الخمر و الميسر فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما ، فكون الأمر الحرام فيه بعض الفوائد لا يزيل عنه صفة الحرمة .
( شبهة : قولهم : إن هذه الموالد خير وبركة ورحمة ، ومن يحضر المولد يحصل له من الربح كذا ، أو يُعافى في جسمه وأهله وعياله ، ومن يتغيّب عنه فإنه يخسر كذا أو يُصاب بالمرض أو موت أولاده ونحو ذلك من الإرهاصات الناشئة عن هذه البدعة .
( الجواب : نقول لهم : إذا قلنا إنها بدعة وهي كذلك فتكون شر وشؤم وشقاء ومحاربة للسنة وإحياء للبدعة وصدق من قال :
ثلاثة تشقى بهن الدار المولد والمأتم ثم الزار
__________
(1) نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين ، لأحمد بن حجر أل بن علي (ص67) .(1/322)
( شبهة : ومن العلل التي يتعللون ويتمسكون بها ويعتبرونها أدلة لعمل المولد والاحتفال به :
1) سماع النسب النبوي و سيرته و شمائله .
2) إطعام الطعام في هذا اليوم .
3) إظهار الفرح بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
4) التقاء المسلمين وتعرف بعضهم مما يقوي الروابط بينهم ، وغيرها من العلل الواهية .
( الجواب : و هذه العلل بل كل ما يتعللون به غير كاف لارتكاب هذه البدعة المنكرة ، فسماع النسب النبوي و سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - و شمائله لا يكفي أن يسمع مرة في العام بل الواجب على كل مسلم أن يعرف نسب نبيه - صلى الله عليه وسلم - و أن يعرف سيرته وصفاته بصورة دائمة .
أو أن يحدد لها زمن ويفعل فيه ما يفعل ويحتفل به فهو بدعة (1) .
أما إطعام الطعام فمرغب فيه على الدوام و ليس مرة في العام و النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
« أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام .... » (2) الحديث .
وأما إظهار الفرح بمولده عليه الصلاة والسلام فليكن هذا الفرح دائماً دون تخصيص وقت على آخر ، وإظهار الفرح يكون بمتابعته عليه الصلاة والسلام والعمل بسنته .
وأما التقاء المسلمين ... الخ ، فالمسلمون يلتقون في اليوم والليلة على أقل تقدير خمس مرات في مساجدهم وليسوا بحاجة إلى من يقيم لهم مثل هذه البدع لهذه العلة الواهية أيضاً (3) .
__________
(1) وقد تقدم الرد على هذه الشبهة بحمد الله في أسباب الكتابة في هذا البحث ( صَفْحَة : 18 و120-122) .
(2) [ حديثٌ صَحيحٌ : أخرجه الترمذي (2485) وابن ماجه (1334،3251) وأحمد (5/451) والدارمي (1468) والبغوي (926) والحاكم (3/13) (4/160) رَ : تحفة الأَشراف (4/354) (5331) ] والإرواء ( 3 / 239 ) .
(3) المورد فى حكم الاحتفال بالمولد للمقطري (ص15-21) باختصار وتصرف .(1/323)
( شبهة : ومن أبشع و أشنع ما يسمع من الكلام قول بعض الجهال إذا ما نهيته عن بدعة : أهذا الأمر بدعة ؟ . أو يقول : إنها بدعة ولكنها بدعة صغيرة .
( الجواب : فنقول : أما يكفي في وجوب تركها و البعد عنها كونها بدعة ولو كانت صغيرة .
قال الإمام الشاطبي رحمه الله : ( و إذا قلنا إن من البدع ما يكون صغيرة فذلك بشروط :
1) ألا يداوم عليها .
2) ألا يدعو إليها .
3) ألا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس أو المواضع التي تقام فيها السنن
وتظهر فيها أعلام الشريعة .
4) ألا يستصغرها و لا يستحقرها ، و إن فرضناها صغيرة فإن ذلك استهانة بها ، والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب (1) .
فلا يقال : هذه بدعة صغيرة يتساهل بها ، لأنها تكبر و تتطور مع مرور الزمن .
وقد قال البربهاري صاحب إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله :
( واحذر صغار المحدثات فإن البدع تعود حتى تصير كباراً ، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به مخالف الصراط المستقيم ) (2) .
ويقول ابن حجر : ( إن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر و لا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة ) (3) .
وهذا على تقدير أن المولد بدعة صغيرة و ليس هو كذلك بل هو بدعة كبيرة .
( شُبهةٌ : إنَّ المولد إن قُلنا إنه بدعة فيجب أنْ يُعرضَ على أدلة الشَّرع ، فإنْ كان فيها مصلحة فهي واجبة ، وإن اشتملت على محرمٍ فهي محرّمة ... وهكذا بقيّة الأَحكام التكليفيّة الخمسة .
( الجوابُ : أن نَقول :
( أولاً : الوجوبُ حكمٌ شَرعيٌّ ، ولا بُدَّ له من دليلٍ شَرعي ، وهذا التَّقسيم الذي ذَكرتُم لا دليلَ عليه ، بل الدليل على أنَّ كُلَّ بدعة حرام .
__________
(1) الاعتصام 2 / 65 .
(2) طبقات الحنابلة ( 2 / 18 - 19 ) .
(3) فتح الباري (13 / 302) .(1/324)
( ثانياً : إنَّ مُجرَّد وجود المَصلحة في الشَّيءِ لا يَكفي [ لإِلِقاءِ أحدِ الأَحكام التكليفية عليه ] حتى يُنظر : هل هذه المصلحة مَصلحَةٌ خالصِةٌ ، أم مَصلحةٌ يَشوبها بعض المفاسد ؟ .
فإنْ كانت من الثَّانية نَنظُر أيضاً : هل المَصلحة راجحةٌ على ما تحتويها مِن مفاسد أو بالعَكسِ ؟ .
ونحن نَعلم أنَّ الاحتفال بالمولد إنْ قُدِّرَ فيه مَصلحة ، فَمَضَرَّته أرجح ؛ لأَنَّه بِدعةٌ ، ومَفاسدُ البِدَعِ كَثيرة وليسَ بالإِمكانِ حصرها ، وقد تقدم بحمد الله جملة من ذلك (1) .
( شبهة : قالوا : صحيح أنَّ الصَّحابة والتَّابعين وتابعي التابعين لم يحتفلوا ، وذلك لقرب عهدهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وليسوا في حاجة إلى الاحتفال لهذا السبب .
( الجواب : إنَّ بعد المسافة الزمنية بيننا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُبرِّر الإِحداث في دين الله - عز وجل - ما ليسَ منه وما دام أنَّ هذه القرون الثلاثة المفضلة وهم أفضل القرون إلى يوم القيامة ما دام أنهم لم يحتفلوا مع كونهم أشد حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن بعدهم ، فإنَّ الصَّواب أن نَتَرَسَّم خُطاهم لِنَنالَ المحبة الحقيقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأَنهم على الحَقِّ يَقيناً (2) .
__________
(1) رَ : البيان لأَخطاء بعض الكتّاب للشيخ صالح الفوزان (256-258) مع بعض الزيادات والتوضيحات .
(2) الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع لمحمد بن سعد بن شقير (ص23-24) .(1/325)
( شبهة : لا داعي لإثارة (1) هذه الموضوعات في هذا الزمان الذي ضعف فيه المسلمون وتكالب فيه أعداء الإسلام ، و لا نريد أن نعمل فرقة و نزاعات في أمور فرعية خلافية بيننا نحن المسلمين فنمكن أعداء الإسلام منا فيستغلوا فرقتنا و ضعفنا وخلافاتنا فنصبح لقمة سائغة لهم بل علينا أن نتحد ونجتمع ونكون يداً واحدة ونزيل كل ما يفرق صفوفنا و يخالف كلمتنا .
( الجواب : ونقول لهذا وأمثاله :
يا فيلسوف لقد شغلت عن الـ ــهدى بالمنطق البدعي والبطلان
وهل سبب ضعفنا وتمزقنا وفرقتنا إلا المنكرات والبدع والمعاصي ؟
فكيف بالشرك والكفر الذي و قع فيه بعض المسلمين ؟
وفي اجتماعنا على التوحيد طاعة لله - عز وجل - ووحدة للمسلمين وجمع لكلمتهم و نصر على أعدائهم ، قال - عز وجل - : { و اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } (2) وقال - عز وجل - : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } (3) .
وقضية الموالد وما يحصل فيها مما تقدم ليست قضية فرعيه خلافية ، حاشا وكلا بل هي أُمُّ القضايا عقدية أصلية منافية لكمال التوحيد بل لأصله في بعض صورها .
__________
(1) إذاً نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونترك أهل البدع والمنكرات يفعلون ما يريدون وفي هذا تعطيل لدعامة من دعائم الاسلام التي لا يقوم الدين إلا بها وفي تعطيلها نشر للفتن والشرور والمحن نسأل الله السلامة والعافية من سخطه وعقابه .
(2) سورة آل عمران (103) .
(3) سورة النعام (153)(1/326)
كيف ننتصر ونحن لم نحقق التوحيد ؟ إن انتصارنا متوقف على إيماننا وكمال توحيدنا لمولانا وخالقنا ، يقول - عز وجل - : { إن تنصروا الله ينصركم } (1) ويقول - عز وجل - : { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } (2) ويقول - عز وجل - : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } (3) .
فجعل - عز وجل - الشرط للاستخلاف والتمكين وكل خير ونصر وعزة في عبادة الله وحده وعدم الإشراك ؛ فبالرجوع إلى العقيدة الصافية وتجريد التوحيد لرب العالمين الذي لا يشوبه بدعة ولا شرك يحصل النصر لهذه الأمة وجمع كلمتها ولم شملها وصلاح أمرها .
يقول الإمام مالك رحمه الله : ( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) .
وكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة .
( شبهة : وبعضهم إذا ذكرت أمامه قضية المولد راح يستهزىء ويقول : (كيف تدعو إلى هذا و هناك أهم منه ؟! ) .
( فالجواب : هل هناك أهم من الدفاع عن التوحيد وتصفيته من بدع الجاهلين ، حتى لا تشوبه شائبة فتقع بذلك نائبة ؟! ، و نسي هذا المسكين أن التوحيد هو الأساس الذي تبنى عليه صحة الأعمال وقبولها ولا اجتماع للقلوب ولا صلاح للعالم إلا بالتوحيد .
فالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد أعظم ما صرفت إليه الهمم وصرفت نفائس الأوقات من أجله لأن به سعادة المسلم وفي تركه شقاوته (4) .
__________
(1) سورة محمد (7) .
(2) سورة الروم (47) .
(3) سورة النور (55) .
(4) وانظر ما تقدم في هذا البحث تحت عنوان ( أهمية العقيدة ) (صَفْحَة : 29-34) .(1/327)
( فائدة : قال شيخنا الفاضل الشيخ صالح الفوزان : ( ولو كانوا صالحين في نفوسهم ما دام أنه لا ينكر الشرك ولا يدعو إلى التوحيد ولا يتبرأ من المشركين فإنه يكون مثلهم ) (1) . والشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي كثيرة وليس هذا مجال حصرها ؛ لأن استقصاءها والإحاطة بها تحتاج إلى مؤلف منفرد خاص بها ، والقصد هنا الإِشارة والتنبيه إلى بعض هذه الشبه وقد ذكرت بشكل موجز الردود على هذه الشبه وأنه ليس في أي واحدة منها دليل على جواز الاحتفال بالمولد ، ولكن القائلين بهذه البدعة أرادوا إضفاء الصبغة الشرعية على هذا الأمر المبتدع ، فاستشهدوا بهذه الأدلة وفسَّروها بما يوافق هواهم وعقيدتهم الفاسدة (2) .
وبهذا تتهاوى وتتساقط هذه الشبهات { ظلمات بعضها فوق بعض } (3) ويظهر الأمر جلياً بأن المولد النبوي والاحتفال باليوم الثاني عشر من ربيع الأول أو في غيره أو غيره من الموالد كل ذلك بدعة منكرة ، و خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - . ولا يُلتَفَتُ إلى ما وراء ذلك من حجج وشُبهات أكثر بها المبتدعة أقوالهم وأَثْروا بها كلامهم ، وقد حرصنا على الاختصار في الجواب على هذه الشبه المتهافتة .
__________
(1) البدعة تعريفها وأنواعها وأحكامها (ص33،34) لفضيلته .
(2) البدع الحولية لعبد العزيز التويجري (1/216) .
(3) سورة النور الآية (40) .(1/328)
” فتبين بِغاية الوضوحِ أن المبتدعة أَصحاب هوى ، وربما كانوا أَصحاب مصالح ، فكل ما أوردوه من شبه زعموا دلالتها على بدعتهم إنما هي شبه واهية لا قرار لها ولا ثبات فهي بِجانب الأدلة الشّرعية الواضحة سراب لا حقيقة له ، وخيط عنكبوت لا قوة ولا صلابة فيه { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } (1) . ومن فكر بعقل سليم باغياً للحقِّ لا غير استرشد إلى أن الصواب بدعية الموالد . وأما من كان متبعا لهواه فلا تزيده الأدلة إلا عناداً واستكبارا عن الحق والعياذ بالله { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } (2) “
ولله در القائل :
ومالك في الموالد من دليل ... من القرآنِ والسّنن العوالي
ومالك في الصّحابةِ من إمام ... ولا في التّابعين ذوي الكمال
وبعدهم الفحول ذوو اجتهاد ... حماهم ربهم من ذي الخلال
وهذه [12وقفة مع المحتفلين بيوم
12ربيع الأول] إعداد الشيخ حسن الحسيني نفع الله به . ذكرتها هنا تتمة للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين أما بعد :
فهذه وقفات مع المحتفلين بميلاد خير البشر - صلى الله عليه وسلم - أسأل الله أن ينفع بها .
الوقفة الأولى
لقد أمر الله نبيه باتباع الشريعة الربانية وعدم اتباع الهوى قال تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلم الجاثية 45 فالعبادات كلها توقيفية بمعنى أنه لامجال للرأي بل لابد أن يكون المشرع هو الله سبحانه وتعالى ولذلك أ مر الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من موضع باتباع الوحي : (إن أتبع إلا مايوحى إلي ) الأنعام 6 وقد قرر العلماء إن العبادات مبنية على الاتباع لا الابتداع 0
الوقفة الثانية
__________
(1) سُورَةُ العنكبوت : 41 .
(2) سُورَةُ الرعد: 33 .(1/329)
لقد امتن الله على عباده ببعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس بميلاده قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ )164ال عمران
الوقفة الثالثة
السلف الصالح لم يكونوا يزيدون من الأعمال في يوم ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأيام ولو فعلوا لنقل إلينا ولايخفى أنهم أشد الناس حبا وتعظيما واتباعا 0 قال العلامة أبو عبدالله محمد الحفار المالكي :( ألا ترى إن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس وأفضل مايفعل في اليوم الفاضل صومه وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -
عن صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله فدل هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا مكان إلا إذا شرعت و ما لم يشرع لا يفعل إ ذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها 000والخير كله في اتباع السلف الصالح 0)المعيار المعرب 7/99
الوقفة الرابعة
انظر إلى فقه الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أرخ بهجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - رمز انتصار دينه ولم يؤرخ بمولده ووفاته أتدري لماذا ؟ تقديما للحقائق والمعاني على الطقوس والأشكال والمباني !
الوقفة الخامسة
إن أول من أحدث بدعة المولد :الخلفاء الفاطميون بالقرن الرابع للهجرة بالقاهرة فقد ابتدعوا ستة موالد :المولد النبوي ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنه - ومولد الخليفة الحاضر وبقيت هذه الموالد على سومها إلى أبطلها ابن أمير الجيوش ثم أ عيدت في خلافة الحاكم بأمر الله سنة 524 بعد ما كاد الناس ينسونها فعلى هذا لم تعرف الأمة هذا المولد قبل هذه الدولة فهل هي أهل للاقتداء بها ؟ والغريب أنه وصل الأمر بالبعض تفضيل ليلة المولد على ليلة القدر!
الوقفة السادسة(1/330)
اختلف المؤرخون وأهل السير في ا لشهر الذي ولد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل :ولد في
شهر رمضان والجمهور على أنه ولد في شهر ربيع الأول ثم اختلف هؤلاء في تحديد تاريخ يوم مولده - صلى الله عليه وسلم - على أ قوال فقيل: اليوم الثاني من ربيع الأول قاله ابن عبد البر وقيل: اليوم الثامن صححه ابن حزم وهو اختيار أكثر أهل الحديث وقيل: اليوم التاسع وهذا ما رجحه أبو الحسن الندوي وزاهد الكوثري وقيل: اليوم العاشر اختاره الباقر وقيل: اليوم الثاني عشر نص عليه ابن اسحاق وقيل: السابع عشر من ربيع الأول وقيل: الثامن عشر من ربيع الأول 000 وهذا إن دل على شيء فهو يدل على عدم حرص الصحابة - رضي الله عنه - على نقل تاريخ مولده - صلى الله عليه وسلم - إلينا فلو كان في ذلك اليوم عبادة لكانت معلومة مشهورة لايقع فيها خلاف ولنقل إلينا مولده - صلى الله عليه وسلم - على وجه الدقة قال الشيخ القرضاوي : إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من الناحية التاريخية نجد إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يحتفلوا بذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بذكرى إسرائه ومعراجه وهجرته بل الواقع أنهم لم يكونوا يبحثون عن تواريخ هذه الأشياء فهم اختلفوا في يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه اشتهر أنه في الثاني عشر من ربيع الأول ، لكن البعض يقول: لا الأصح اليوم التاسع من ربيع الأول وليس يوم الثاني عشر وذلك أنه لا يترتب عليه عبادة أو عمل ليس هنالك قيام في تلك الليلة ولا صيام في ذلك اليوم فلذلك فالمعروف إن الصحابة والتابعين والقرون الأولى وهي خير قرون هذه الأمة لم تحتفل بهذه الذكريات بعد ذلك حدثت بعد عدة قرون بدأت هذه الأشياء ) .
ولمراعاة هذا الخلاف كان صاحب إ ربل الملك المظفر أبوسعيد يحتفل بالمولد سنة في ثامن شهر ربيع الأول وسنة في ثاني عشر11(انظر ابن خلكان 1/437 )
الوقفة السابعة(1/331)
إن التاريخ الذي ولد فيه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو بعينه التاريخ الذي توفي فيه - صلى الله عليه وسلم - (يوم الاثنين 12 ربيع الأول ) فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم ابن الحاج المالكي والإمام الفاكهاني 0 قال ابن الحاج المالكي:(العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور كما تقدم لأجل مولده - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو - صلى الله عليه وسلم - فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدا فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير 00000فانظر في هذا الشهر الكريم والحالة هذه كيف يلعبون فيه ويرقصون ) المدخل 2/16 0
الوقفة الثامنة
من الملاحظ إن انتشار الاحتفال بالمولد النبوي بين المسلمين كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى كما في الشام ومصر 000فالنصارى كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده وميلاد أفراد أسرته فكان ذلك سببا في سرعة انتشار تلك البدعة بين المسلمين تقليدا للنصارى حتى قال الحافظ السخاوي مؤيدا الاحتفال بالمولد: (وإذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر ) وقد تعقبه الملا علي القاري: ( قلت: مما يرد عليه أنا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب )المورد الروي في المولد النبوي /29
الوقفة التاسعة(1/332)
إن محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تتحقق بالاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - وإنما تتحقق بالعمل بسنته وتقديم قوله على كل قول وعدم رد شيء من أحاديثه ولنعلم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفال بمولده إذا فليسعنا ما وسع رسول الله والفرح بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يقتصر على يوم واحد بل بكل لحظة من لحظات حياة المسلم بالتزام أوامره واجتناب نواهيه والخضوع لكل ما جاء به من عند الله تعالى فلا تقف الفرحة أمام يوم واحد بل نجعل لنا من كل يوم جديد التزاما أكثر بالسنة لنحول ضعفنا إلى قوة ونرسي في أنفسنا قواعد عقيدتنا ومبادىء الإسلام العظيم
الوقفة العاشرة(1/333)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ) البخاري 3445 وأكثر تلك الموالد فيها إطراء ومبالغة في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - والغريب إن المؤيدين للموالد قد أقروا بوجود الغلو الذي يصل إلى درجة الكفر خاصة عندما تجرأ البعض على تأليف كتب عن المولد النبوي ثم وضع الأحاديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأييدا لذلك يقول عبد الله الغماري أحد كبار الصوفية المعاصرين: (وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات وأصبحت عقيدة راسخة في أذهان العامة وأرجو أن يوفقني الله إلى تأليف حول المولد النبوي خال من أمرين اثنين الأحاديث المكذوبة والسجع المتكلف المرذول 000والمقصود إن الغلو في المدح مذموم لقوله تعالى: (لاتغلوا في دينكم ) المائدة 77وأيضا فإن مادح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر لم يثبت عنه يكون كاذبا عليه - صلى الله عليه وسلم - فيدخل في وعيد (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) البخاري 110 مسلم 3 وليست الفضائل النبوية مما يتساهل فيها برواية الضعيف ونحوه لتعلقها بصاحب الشريعة ونبي الأمة الذي حرم الكذب عليه وجعله من الكبائر حتى قال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين بكفر الكاذب عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فما يوجد في كتب المولد وقصة المعراج من مبالغات وغلو لا أ ساس له من الواقع يجب إحراقه لئلا يحرق أصحابها وقارئوها في نار جهنم نسال الله السلامة والعافية (من نقده لبردة البوصيري ص75 ) وقد جرت العادة في الموالد أن تختم بالعبارات البدعية والتوسلات الشركية ولاحول ولاقوة الابالله 0
ا لوقفة الحادية عشرة(1/334)
ما يدور في الموالد من المفاسد لا يخفى على مسلم من أهمها إن المحتفلين بالمولد يرمون المخالفين وللأسف بعدم محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - متناسين إن التعظيم والمحبة يكونان بالا تباع لا الابتداع وكذلك ما يجري داخل الموالد من إطفاء الأنوار وهز الرؤؤس وتمايل الأكتاف ناهيك عن الأذكار المكذوبة والقصص الموهومة ويقول
· الشيخ علي محفوظ الأزهري: (فيها إسراف وتبذير للأموال وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة منه ولا خير فيه ) (الإبداع/324
والقواعد الشرعية تقضي إن المباح وهذا على فرض أنه مباح إذا أدى إلى محرم فإنه يحرم من باب سد الذرائع فكيف وهو يحوي المنكرات
الوقفة الثانية عشرة
· وقد أجمع المسلمون على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي لكنهم اختلفوا في حسنه وقبحه فذهب البعض منهم إلى أنه بدعة حسنة كابن حجر والسيوطي والسخاوي وغيرهم نظرا للمصلحة التي ظنوها !! لكن العلماء المحققين المتقدمين منهم والمتأخرين أفتوا بحرمة الاحتفال بالمولد عملا بالأدلة الشرعية التي تحذر من البدع في الدين والأعياد والاحتفالات من أمور الشريعة ووقفوا أمام فتح باب شر متيقن لخير موهوم ثم ما وراء هذا الخير المزعوم عمل لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته ولا التابعون لهم بإحسان قرونا طويلة !!علما بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفرق بين بدعة حسنة وأخرى سيئة بل قال - صلى الله عليه وسلم - : )كل بدعة ضلالة ) قال الإمام مالك: )من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم إن محمدا خان الرسالة !!لأن الله يقول: )اليوم أكملت لكم دينكم ) المائدة 3 فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا )الاعتصام للشاطبي بعض العلماء الذين أفتوا ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي
· الإمام الشاطبي قال ببدعية المولد النبوي فقد ذكر بعض أنواع البدع في أول كتابه الاعتصام 34/1 وعد منها اتخاذ يوم ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدا وذم ذلك(1/335)
· الإمام الفاكهاني قال ببدعية المولد النبوي في رسالته المفردة /9 -8 0
· والعلامة ابن الحاج المالكي في المدخل قال ببدعية المولد النبوي 12- 11 /2
· وعلامة الهند أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي قال ببدعية المولد النبوي وكذلك شيخه العلامة بشير الدين قنوجي الذي ألف كتابا سماه غاية الكلام في إبطال عمل المولد والقيام انظر تعليقه على حديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه في سنن الدار قطني
· الشيخ العلامة أبو عبدالله محمد الحفار المالكي من علماء المغرب العربي حيث قال (ليلة المولد لم يكن السلف الصالح 0 وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع تعظيمه وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع ) المعيار المعرب 7/99(1/336)
· الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين حيث قال :( يقيمونها لأنهم كما يزعمون يحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويريدون إحياء ذكرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نقول لهم : مرحبا بكم إذا أحببتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرحبا بكم إذا أردتم إحياء ذكرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن هناك ميزان وضعه أحكم الحاكمين وإله العالمين هناك ميزان للمحبة ألا وهو قوله تعالى :( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران 31 فإذاكان الإنسان صادقا في دعوى محبة الله ورسوله فليكن متبعا لشريعة الله متبعا لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يكن متبعا له فإنه كاذب في دعواه لأن هذا الميزان ميزان صدق وعدل إذن فلننظر هل إحداث احتفال بليلة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل هو من شريعة الله ؟ هل فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ هل فعله الخلفاء الراشدون ؟ هل فعله الصحابة هل فعله التابعون لهم بإحسان ؟هل فعله أتباع التابعين ؟ إن الجواب على كل هذه التساؤلات بالنفي المحض القاطع ومن ادعى خلاف ذلك فليأت به (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )البقرة111 (موقع الشيخ )
· الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حيث قال:(وقالوا إن الذي ابتدع هذه الموالد وهذه الأشياء الفاطميون في مصر ومن مصر انتقل إلى بلاد أخرى وربما كان وراء ذلك أهداف سياسية معينة أنهم يريدون أن يشغلوا الجماهير والشعوب بهذه الموالد وهذه الاحتفالات حتى لا يبحث الناس في أمور السياسة ولا في أمر القضايا العامة إلى آخره ولذلك إذا نظرنا إلى الأمر باعتباره عبادة نقول :إنه لم ترد هذه العبادة ولا تصح 0) قناة الجزيرة 0(1/337)
· الشيخ محمد الغزالي أفتى ببدعية المولد النبوي في كتابه ليس من الإسلام /252 حيث قال :( والتقرب إلى الله بإقامة هذه الموالد عبادة لا لا أصل 00ومن ثم فنحن نميل إلى تعميم الحكم على هذه الموالد جميعا ووصفها بأنها مبتدعات ترفض ولا يعتذر لها 00) إن إلغاء الموالد ضرورة دينية ودنيوية وهكذا انتظم المولد النبوي وليلة الاسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وليلة القدر ورأس السنة الهجرية 0 وقد حددت لهذه الاحتفالات تواريخ كيفما اتفق وجعل البذل لها من مظاهر التدين !!وأحياها العوام والخواص بمزيد من الكلام الطعام وهكذا تكون نصرة الإسلام !!)
الختام : وختاما أسال الله أن يأذن لهذه الورقات بالقبول عنده وأن ينفع بها فإن الهدف الانتفاع بها وليس وراء القبول مبتغى ولا سواه مرتجى فا للهم إن مفزعنا إليك لا إلى غيرك فثبت أقدامنا على الحق وبصرنا بأنفسنا ولا تجعل من عملنا لأحد سواك شيئا والله الهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 0
فتاوى
المُشارَكَةُ في المَولِدِ (1)
فتوى (2) اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية والإفتاء رقم 6524
هل يجوز حضور الاحتفالات البدعية كالاحتفال بليلة المولد النبوي و ليلة المعراج وليلة النصف من شعبان لمن يعتقد عدم مشروعيتها لبيان الحق في ذلك ؟ .
الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
أولاً : الاحتفال بهذه الليالي لا يجوز بل هو من البدع المنكرة .
__________
(1) أقولُ : إنَّ المقيمَ للمولدِ والمُشاركَ فيه واقِعٌ في ثلاثةِ مَحظوراتٍ شَرعيَّة :
1- الابتداعُ في الدِّينِ .
2- التَّشبّه باليهودِ والنَّصارى .
3- الإعانة على الإِثم .
(2) مجلة البحوث الإسلامية (37/146و147) وتتمة للفائدة انظر مجلة البحوث الإسلامية (37/114-166) ولا بد .(1/338)
ثانياً : غشيان هذه الاحتفالات وحضورها لإنكارها وبيان الحق فيها وأنها بدعة لا يجوز فعلها : مشروع ولا سيما في حق من يقوى على البيان ويغلب على ظنه سلامته من الفتن .
أما حضورها للفرجة والتسلية والاستطلاع فلا يجوز لما فيه من مشاركة أهلها في منكرهم وتكثير سوادهم وترويج بدعهم .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبدالله بن قعود ... عبدالله بن غديان ... عبد الرازق عفيفي ... عبد العزيز عبدالله بن باز
الاحتفالُ بمن مات بالأَنبياء والصَّالحين
وإحياء ذكراهم بالموالد
قالت اللجنة الدائمة : لا يجوز الاحتفال بمن مات من الأَنبياء والصّالحين ، ولا إحياء ذكراهم بالموالد ورفع الإَعلام ، ولا بوضع السّرج والشموع على قبورهم ، ولا بِبِناءِ القِبابِ والمساجد على أضرحتهم ، أو كِسوتها أو نحو ذلك ؛ لأَنَّ جميعَ ما ذُكِرَ من البدع المحدثة في الدّين ومن وَسائل الشّرك ، فإنَّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك بمن سبقه من الأَنبياء والصَّالحين ، ولا فعله الصَّحابة - رضي الله عنهم - بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحد من أئمة المسلمين في القرون الثَّلاثة التي شهد لها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّها خير القرون مِن بعدِه ، بأحد من الأَولياء والصَّالحين ، أو الملوك أو الحكام ، وكل خير في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - واتباع خلفائه الرّاشدين المهديين ومن اهتدى بهديهم وسَلَكَ طريقهم ، وكل شر في اتباع المبتدعة والعمل بما أحدثوا من البدع في شؤون الدين ، قال - عز وجل - : { لقد كانَ لكم في رسولِ الله أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لمن كانَ يرجوا الله واليومَ الآخِرَ وذَكَرَ الله كثيراً } (1) .
__________
(1) سورة الأَحزاب : 21 .(1/339)
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « لعن الله اليهود والنَّصارى اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « ألا وإنَّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك » (2) .
وثبت عنه أيضاً أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها .
وصَحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « خير الحديث كتابُ الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة » رواهُ مسلم في صحيحه (3) .
وعَنِ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قال : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ : « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ » أخرجه أبو داود والترمذي وقال ( حسنٌ صحيح ) (4) .
__________
(1) أخرجه البخاري (435،1330) ومسلم 529) .
(2) أخرجه مسلم (432) .
(3) أخرجه مسلم (867) .
(4) [ أخرجه أبو داود واللفظ له (4607
( ) [ أخرجه أبو داود واللفظ له) والترمذي (2676) وابن ماجه (42،44) والدارمي (95) ] وانظر صحيح الجامع (2546) .(1/340)
وبالله التَّوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وَصحبه وسلم (1) .
تخصيص يوم مولد النَّبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوعظ والإِرشاد
سُئلت اللجنة الدائمة : ما حكم الوعظ في يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
فأجابت : الحمد لله وحده والصّلاة والسَّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وصَحبه ... وبعد : الأَمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وإرشاد النّاس وتعريفهم بدينهم ووعظهم بما يرقق قلوبهم : مشروعٌ في كلِّ وقت ؛ لورود الأَمر بذلك مُطلقاً دون تقييد بوقت معيّن ، قال - عز وجل - : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (2) .
وقال - عز وجل - : { ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } (3) .
وقال - عز وجل - في بيان حال المنافقين وموقف الدعاة منهم : { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } (4) . إلى غير ذلك من الآيات ، فأطلق الله الأَمر بذلك ولم يخصّه بوقت .
__________
(1) ( البدع والمحدثات وما لا أصل له ) (ص626-628) .
(2) سورة آل عمران (104) .
(3) سورة النَّحل (125) .
(4) سورة النِّساء (61-63) .(1/341)
ويتأكّد الوعظ والإِرشاد عند وجود ما يقتضيه كخطب الجمع والأَعياد لِثبوتِ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكرؤية منكر ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه » (1) ، وليسَ مولد النّبي - صلى الله عليه وسلم - في يومٍ من مقتضيات تخصيص ذلك اليوم بقربة من القرب ، ووعظ وإرشاد ، أو قراءة قصة المولد ، لأَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخصّه بذلك ولو كان في تخصيصه بذلك خير لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى به وأحرص عليه ، لكنه لم يفعل ، فدلَّ على أنَّ تخصيصه بذلك أو بأيِّ عبادة من البدع ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ » (2) ، وفي رواية : « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » (3) ، وكذا الصَّحابة - رضي الله عنهم - لم يفعلوا ذلك ، وهم أعرف وأعلم بالسنة وأحرص على العمل بها . وبالله التَّوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وَصحبه وسلم (4) .
عقد المسابقات القرآنية والمحاضرات وذبح الذبائح
بمناسبة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -
سُئلت اللجنة : نرجو الإِفادة عن التاريخ الصّحيح لمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد خطَّطنا لعقد مسابقة قرآنية وذبح خروف وإلقاء محاضرات عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه المناسبة ، نرجو إرشادنا ما إذا كان البرنامج يجوز شرعاً ؟ .
فأجبت : الحمد لله وحده والصّلاة والسَّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وصَحبه ... وبعد :
__________
(1) أخرجهُ مسلم (49) .
(2) متفق عليه : البخاري (2697) ومسلم (1718) .
(3) أخرجها مسلم (1718/18) .
(4) ( البدع والمحدثات وما لا أصل له ) (ص628-630) .(1/342)
( أولاً : وُلِدَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل في ربيع الأَوَّل كما ذكره محمد بن إسحاق وعلماء السير في كتب السيرة .
( ثانياً : مِن البدع الممنوعة إقامة احتفال في ليلة مولد النّبي - صلى الله عليه وسلم - أو ليلتها ، وعقد مسابقات قرآنية فيها ذبح خرفان وإلقاءُ محاضرات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه المناسبة ؛ لأَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرف بقدر نفسه وما ينبغي أن يكرم به ، وأعرف بشرع الله - عز وجل - ، ولم يثبت عنه أنه احتفل بمولده ولا بمولد نبي من إخوانه السَّابقين صَلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولا بمولد أحد من صحابته - رضي الله عنهم - ، وقد ثبت عنه أنه قال : : « مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ » (1) ، وفي رواية : « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » (2) .
وبالله التَّوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وَصحبه وسلم (3) .
الاحتفالُ بالمولدِ والمعراج بِقصدِ الدَّعوة للهِ
سُئِلَت اللجنة الدائمة (4) :
ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي وبليلة الإِسراء والمعراج بِقصد الدعوة الإسلامية كما يرى في اندونيسيا ؟ .
__________
(1) [ متفق عليه : أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718) ] .
(2) [ أخرجها مسلم (1718/18) ] .
(3) ( البدع والمحدثات وما لا أصل له ) (ص630-631) .
(4) فتاوى اللجنة الدائمة (3/14-15) .(1/343)
فأجابت : قد دعَا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإِسلام بالقول والعمل والجهاد في سبيل الله - عز وجل - ، وهو أعرف بطريق الدعوة إليه ونشرها وإظهارِ شَعائره ، ولم يكن من هديه في الدعوة وإظهار شعائر الإِسلام الاحتفال بمولده ولا الاحتفال بالإِسراء والمعراج ، وهو الذي يعرف قدر ذلك ويقدره قدره ، وسلك أصحابه - رضي الله عنهم - طريقه ، واهتدوا بهديه في الدعوة إلى الإِسلام ونشره فلم يحتفلوا بذلك ولا بنظائره من الأَحداث الكبار ، ولا عُرِفَ الاحتفال بذلك عن أئمة الإِسلام المعتبرين أهل السنة والجماعة رحمهم الله - عز وجل - ، وإنما عُرف ذلك عن المبتدعة في الدين والغلاة فيه كالرافضة وسائر فرق الشيعة وغيرهم ممن قلّ علمه بالشرع المطهر ، فالاحتفال بما ذكر بدعة منكرة لمخالفته لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين وأئمة السلف الصالح في القرون الثلاثة المفضلة - رضي الله عنهم - ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ » وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من عمل عملاً ليسَ عليه أمرنا فهو رد » وقال - صلى الله عليه وسلم - : « إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضَلالة » الحديث .
وبالله التوفيق وصَلى الله على نبينا محمد وآله وصَحبه وسلم .
عُضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديّان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن باز
ما جرَّت هذه الموالد من بدع وخرافات
سُئِلَت اللجنة الدائمة (1) :
عِندنا بِقُرى الريف الأردني ، وأخصّ بالذكر بلدي أنهم باستمرار يقروءن سيرة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على النحو التالي :
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (3/16-17) .(1/344)
1- يجتمع ثلاة من الرجال وأحيانا بينهم بعض النسوة ويتلون قصة المولد الشريف ، ويوجد بالقصة كلمات مثل : من كان اسمه محمد يناديه مناد يوم القيامة من قبل الله قم فادخل الجنة كرامة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - . ومنها : من صلى على محمد - صلى الله عليه وسلم - ألف مرة حرم الله جسده على النار . ومنها : لما تزوج عبد الله والد محمد - صلى الله عليه وسلم - بآمنة مات بمكة مائة امرأة لأَنهن لم يتزوجن عبد الله . ومنها : لما يصل المقرئ إلى ذكر ولادة أمه - صلى الله عليه وسلم - تقوم المجموعة وقوفاً ويكون المولد تلاوة احترام لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويوجد أكثر من ذلك وأبلغ في مولد يسمى مولد العروي .
2- يَضعون كميه من الشعير وسط الجلسة ويأتون ببخور ويحرقونه وبعد التلاوة كل فرد يأخذ قليلاً من الشعير باعتبار أنه قرئ عليه مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يعتبر عِلاجاً لأَي مرض مثلاً .
3- تَقوم ببعض البلدان الموالد النسائية بالزغاريد بباب الغرفة التي يُتلى بها المولد وأمام الرجال سروراً بالتلاوة ، ولا أحد ينكر ذلك ، وإنما يوافقون على ذلك ، وأنا بدوري أنكر ذلك ولا أقرّه كما سمعت من فتواكم أكثر من مرة بالإِذاعة ، لكنهم لم يسمعوا مني .
فأجابت : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه - رضي الله عنه - وبعد :
أولاً : قراءة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها لمعرفة ما كان عليه من النسك والعبادة قولاً وعملاً ، وما كان عليه من الأخلاق الكريمة مشروعة مرغوب فيها .
وتخصيص قصة المولد بالقراءة والاجتماع لذلك والمداومة عليه ، وتخصيص أوقات لقراءته : كل ذلك بدعة ممقوتة لم تكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا القرون المفضّلة الأولى التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخيرية .(1/345)
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ » وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من عمل عملاً ليسَ عليه أمرنا فهو رد » .
وما ذكرت أنه في قصة الموالد التي تقرأ عندكم من الجزاء الأخروي ، وموت مائة امرأة بمكة حينما تزوج عبد الله بآمنة لأنهن لم يتزوجنه ، لم يثبت تاريخيّاً ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو ثبت لم تقم به حجة على شرعيّة الاحتفال بالمولد .
ثانياً : وضع كمية من الشعير أو غيره وسط الجلسة والتبخير والتحريق وتوزيع ما ذكر رجاء بركته لتلاوة المولد عليه والاستشفاء به والاعتقاد في بركتها بدعة منكرة وفساد في العقيدة .
ثالثاً : إعلان النساء سرورهن بالزغاريد عند تلاوة المولد واختلاطهن بالرجال من المنكرات والفتن التي تُفضي إلى الفاحشة والعياذ بالله .
وبالله التوفيق وصَلى الله على نبينا محمد وآله وصَحبه وسلم .
عُضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديّان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن باز
( ( (
سُئِلَت اللجنة الدائمة (1) :
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (3/18-19) .(1/346)
استفتيكم في عمل مجموعة من المسلمين : تقرأ وتعظم في 12 ربيع الأول من كل عام وفي مناسبات الزواج وفي مكان تسمية المولد كتاباً يُسمى ( مولد النبي ) من تأليف الشيخ عثمان بن محمد المرغني ، وموضوع الكتاب هو سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويزعم كاتبه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر أثناء قراءة هذا الكتاب ، وفيه بابان : أحدهما : يقرؤه كبيرهم وبالوقوف ، والباب الثاني : يفهم منه التوصل بأشخاص مجهولين ، وهكذا يبدأ : ( يا رب بهم وبآلهم عجل بالنصر وبالفرجى ) ولم نعرف مرجع هذين الضميرين ؛ لأَنه أول بيت في نفس الباب وبالتالي أرجو من سماحتكم في إفتائي ، هل يصح صلاة شخص خلف هؤلاء الناس ، وقد قلت لهم لا يصح تقدير هذا الكتاب بهذه الدرجة ولا بأس بقراءته لكل من أراد السيرة منفرداً من غير الشكل الذي نراه ونسمعه . وأرجو أن تذيعوا الإجابة عدة أيّام كي يمكننا سماعها ودمتم ذِخرا للإِسلام والمسلمين .
فأجابت : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه - رضي الله عنه - وبعد :
الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الأول أو غيره بدعة ممنوعة ، وقراءة ما أُلف في مولده في ربيع الأول وفي مناسبة الزواج أو في ولادة أولاد أو في الأسبوع عند تسميتهم وذبح العقيقة عنهم أو نحو ذلك من المناسبات : لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أحد من صحابته - رضي الله عنهم - ولا من بعدهم من أئمة الهدى في القرون المفضلة الأولى - رضي الله عنهم - . فهي بدعة محدثة وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ » وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من عمل عملاً ليسَ عليه أمرنا فهو رد » .
وبالله التوفيق وصَلى الله على نبينا محمد وآله وصَحبه وسلم .
عُضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديّان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن باز
( ( ((1/347)
سُئِلَت اللجنة الدائمة (1) :
يحتفل الناس هنا بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والطلاب يضربون الدفوف ، والكبراء يجتمعون في المساجد ويقرءون القرآن وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هل هذا من الدين ، وبعض الحكومات يعطلون في هذا اليوم ويؤجرون العاملين ، هل هذا من الدين أم لا ؟ . عَرِّفوني لأَنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - حَثّنا على السنة وحذّرنا من البدعة وبعض المسلمين لا يحتفلون ولا يذهبون إلى المساجد لكرامة هذا اليوم ، فهل هم من أهل السنة أم يُنكرون كرامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وما حكمه ؟ .
فأجابت اللجنة : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه - رضي الله عنه - وبعد :
ليسَ هذا من الدين بل هو بدعة ، وينصح من يفعل ذلك ويُرشدون بعمارة المساجد بالصّلاة ودراسة العلم وتلاوة القرآن ونحو ذلك مما ورد بالشرعِ عمارة المساجد به ، دون تخصيص يوم المولد بشيء من ذلك .
وبالله التوفيق وصَلى الله على نبينا محمد وآله وصَحبه وسلم .
عُضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديّان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن باز
( ( (
بدعة الموالد النِّسائيّة
سؤالٌ : ما حكم ما يُسمى بـ(الموالد النسائية) حيث أنه إذا مات الميت يجتمع النساء في بيت الميت ، وتكون هناك مُقرِئة تقرأ لهن بعض الآيات والأذكار ، ويكررون هذا العمل بعد مضي ثلاثة أيام على موت الميت ، وكذلك بعد مرور سبعة أيام ، وأيضاً بعد مرور شَهر ، وهكذا حتى تنقضي عدة المرأة المتوفى عنها زوجها ، فهل هذا العمل يجوز ؟ .
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (3/26-27) .(1/348)
الجواب : هذا العمل لا يجوز ، وهو بدعة ، والإِنسان مأمورٌ بأن يسترجع عند المصيبة ويقول : ( إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها ) ثم يتناساها ، وأما ما يفعل هؤلاء النساء ومما ذكرت فهو أصلاً بدعة ، ثم إن تجديده لكل ثلاثة أيّام أو كل أسبوع أو كل شهر بدعةٌ أخرى (1) .
خطبة للمؤلف
الحمد لله الذي خلقنا في الدنيا لينظر كيف نعمل وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له وعد المتمسكين بدينه بالجنة وفي تكريمهم أجزل وتوعد بالنار من فرط وابتدع وأشرك وأضاع وأهمل وأشهد أن سيدنا و نبينا وقرة أعيننا وفداء آبائنا وأمهاتنا بل وأنفسنا محمد الذي به الله أتم لنا الدين وكمل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ورزقنا التمسك بما كان من الأمر الأول .
أما بعد :
فالتقوى العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله .
تقوى الله : أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر .
أخوانا : لعل سائلاً يسأل عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي فأقول : لا أريد انطق أو أتفوه بأي كلمة تجاه المولد النبوي حلاً أو حرمةً ومن أنا حتى أقول بأن المولد واجب أو مستحب أو محرم أو مكروه أو مباح ، بدعة أو سنة . وليس الحكم لمعشر السادة الحنابلة أو الوهابية كما يلمزون أو غيرهم ومن نحن ومن هم رحمة الله على الجميع حتى ويوقعوا عن رب العالمين ويثبتوا حكماً من تلقاء أنفسهم إنما المشرع الذي يملك حق التحليل والتحريم هو الله وحده لا شريك له .
أخي : تعالى وهلم وأقبل نلقي بعض الأسئلة باختصار وإيجاز في أسطر معدودة على هيئة محاورة ومناقشة مجملة بلا تفصيل.
__________
(1) (إجابات مفيدة وتوجيهات سديدة) للشيخ ابن عثيمين ، جمع محمد العريني (ص95096) .(1/349)
? ما الفرق بين المولد والبعثة والهجرة والفتح ؟ فلِمَ يخصص المولد دون غيره مما هو أفضل منه وهي البعثة{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }؟ (1) .
? لِمَ أرخ الصحابة بهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو رمز انتصار دينه ولم يؤرخوا بمولده تقديماً للحقائق والمعاني على الطقوس والأشكال والمباني ؟.
? هل احتفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمولد أحد من إخوانه من الأنبياء أو بمولده - صلى الله عليه وسلم - وهل احتفل بمولده - صلى الله عليه وسلم - أو فعله أحب الناس إليه زوجاته بناته أصحابه - رضي الله عنهم - أو القرون الأولى المفضلة ؟ فإن كان الجواب نعم فأثبت ولو دليلاً واحداً وإن كان الجواب لا فسبحان الله كيف يغفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه عن هذه العبادة ويجهلونها ثم تأتي أنت بشرعيتها { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } (2) . واسأل من يفعله هل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم - فعلوه أم لا ؟ فإن قال : لم يفعلوه فقل له : الخير في اتباعه وطاعته - صلى الله عليه وسلم - لا في ابتداعك
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
? ما حكم المولد عند الأئمة الأربعة ؟ وهل ذكروه في كتبهم وهل ألفوا وصنفوا فيه ؟ يا أتباع المذاهب الأربعة أسندوا قولاً لأئمتكم بإباحته أو أذكروا مؤلفاً لهم فيه ؟
? يامعشر السادة الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة يا أتباع ومقلدي أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد انقلوا لنا عن أئمتكم رحمهم الله قولاً في المولد { هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } (3) .
__________
(1) )) سورة الأنبياء (107) .
(2) )) سورة الأحقاف (11) .
(3) )) سورة الأنعام (148) .(1/350)
? هل هو عبادة أم لا ؟ فإن كان الجواب لا فكيف تقول في نذرك إن شفى الله مريضي أو تم بناء بيتي أو تزوج ابني أو... أو ... أو .... لأفعلن مولداً شكراً لله تعالى على هذه النعمة وتقرباً إليه ، والتقرب إلى الله لا يكون إلا بالعبادات المشروعة لا غيرها ؟ ! .
وإن كان الجواب بنعم هو عباده يتقرب بها إلى الله فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «ما بقي شي يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم » (1) والله يقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (2) فالله أكمل لنا الدين واتم النعمة وليس من الدين هذا المولد .
? فهل خان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين ؟ وهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتمه أو أن الدين ناقص لم يتم ولم يكمل لأنه بقيت عبادة لم تكن موجودة آنذاك عند نزول الآية ؟ فهل الدين ناقص فأتممتموه بالمولد سبحان الله سبحان الله !!!
? هل كان اسم المولد معروفاً مشهوراً بين الرسول وصحبه يعمل له مناسبات ومطاعم ومشارب واحتفالات ويفعل فيه ما يفعل ؟ ولا شك ولا ريب أن من استقرأ التاريخ لا يرى اسم مولد على هيئة معلومة مخصوصة في وقت مخصوص يفعل فيه ما يفعل ويقال فيه مايقال مما ينافي ليس كمال التوحيد فحسب بل ربما ينافي أصله .
? هل من يحتفل بهذا المولد يحدد وقتاً وزمناً من كل سنة في 12ربيع الأول ؟
نعم هذا ما تيقنا منه وقطعنا به ويفعلونه كل وقد وعند كل مناسبة وآكد الأوقات لفعله هو ربيع الأول فمهما كان لا يترك في هذا التاريخ .
? من أول من أحدث المولد ومتى ؟
__________
(1) )) رواه الطبراني في الكبير (1647) وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (4/1803) .
(2) )) سورة المائدة (3)(1/351)
أول من أحدثه هو من سمى نفسه بـ «المعز لدين الله الفاطمي» الشيعي العلوي العبيدي والعبيديون: هم الذين قال عنهم المؤرخون أنهم شر من اليهود والنصارى وبدسائسهم وما بثوا في هذه الأمة من سموم وانحراف كثير من المسلمين عن الصراط المستقيم عام 362هـ وقبل هذا التاريخ لم يكن موجوداً البته وقد بقيت هذه الموالد فترة ثم أبطلت فأعادها رجل أعجمي يدعى «كوكبوري أبو سعيد التركماني » صاحب إربل في أواخر القرن السادس وأول السابع فبم يقتدي المقتدون وعلى نهج من يسير السائرون وعلى آثار من يقلد المقلدون ؟! حتى الذين يحتفلون بالمولد يعترفون بذلك ، وأنه محدث ومبتدع ولكنه عندهم بدعة حسنة إذا خلا من أي منكر كان . يكفي في رد قولهم هذا أنه محدث ومبتدع . باعترافهم والله يقول : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } (1)
? هل الموالد محصورة عندهم ؟
نعم تكاد تكون محصورة في كتببات ورسائل معلومة كمولد البرزنجي نظماً ونثراً وابن الديبع والبرعي ومولد الهيثمي والمناوي والعروس ونحوها ، وربما قرأوا فيها قصيدة البوصيري أو البرعي أو دلائل الخيرات أو غيرها ، وأقلها خطراً ونكراً مولد البرزنجي : فيه من البدع والخرفات والغلو والإطراء والانحرافات العقدية والتوسلات الشركية والأحاديث المكذوبة والضعيفة وما لا أصل له من
أقوال فاسدة وآراء كاسدة وأكاذيب وأباطيل ومنكرات شنيعة وأفعال مشينة الشيء الكثير بل تنحر العقيدة هناك .
ولكي تقف على حقيقة الأمر بنفسك وتعرف مدى ضلال القوم وجهلهم خذ على سبيل المثال باختصار من مولد البرزنجي وهو يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول :
أنت للرسل ختام أنت للمولى شكور
عبدك المسكين يرجو فضلك الجم الغفير
فيك قد أحسنت ظني يا بشير يا نذير
فأغثني وأجرني يا مجير من السعير
يا غياثى ياملاذي في ملمات الأمور
السلام عليك ياكاشف الكروب السلام عليك ياغفار الذنوب
__________
(1) )) سورة الأحقاف (11) .(1/352)
أدعوك أحمد يا محمد ياسيد الرسل المقدم
هذا النبي الذي لولا جلالته لم يخلق الخلق لا جن ولا بشر
ويقول : فجميع الخلق خلقوا من نور محمد .
ومن قصيدة البوصيري يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به ... إلا نلت منه جوار لم يضم
وكل آي أتي الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
أقسمت بالقمر المنشق أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
ومن قصيدة البرعي يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
دعوتك بعد ما عظمت ذنوبي ... وضاع العمر فاستجب الدعاء
وكلما صرعتك النائبات فقل ... يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي
يا غوث من في الخافقين وغوثهم ... وربيعهم في كل عام مجدب
ومالي يا رسول الله ذخر ... ألوذ به سواك ولا كريم
فلأنت أمنع من لجأت إليه في الدا ... رين دار إقامتي ومعادي
ولا نرتجي مولى سواك لعلمنا ... بأنك موجود وغيرك يفقد
يا من به في النائبات توسلي ... وإليه في كل الحوادث مهربي
واسمع دعائي واكشف ما يساورني ... من الخطوب ونفِّس كل أحزاني
فأنت أقرب من ترجى عواطفه ... وإن بعدت داري وأوطاني
إني دعوتك من نيابتي برع ... وأنت أسمع من يدعوه ذو شاني
إلى أخر هذا الهراء والغثاء والشرك الصراح والكفر البواح الذي هو من أععظم المنكرات وأشنعها والذي هو اعظم ذنب عصي الله به - عز وجل - فقد جاء في الحديث « أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك قلت : إن ذلك لعظيم » (1) كيف لا يكون ذلك كذلك وهو المنافي لأصل التوحيد وموجب لسخط الله وعذابه وعدم قبول أي عمل منه والمخلد لصاحبه في النار إلا من تاب .
? ماذا يحصل في الموالد ياترى ؟
__________
(1) )) البخاري (4477) واللفظ له ومسلم (86) .(1/353)
يحصل في المولد علاوة على ما تقدم القيام في المولد عند ذكر مولده ، قولهم مر الرسول قولهم الحضرة النبوية أي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حاضر صيامهم ذلك اليوم اعتبارهم لهذا اليوم عيداً بل من أبرك الأعياد بإقامة الولائم وبذل الأموال الضخمة بل ربما صاحبها شيء من المحرمات كالطبول والدفوف واجتماع النساء بالرجال والغناء والتصفيق والتمايل والدوران وأعمال شركية .
بل قد يحصل فيها اختلاط الرجال بالنساء إلى حد لا يؤمن معه وقوع الفاحشة وتبرج النساء الزائرات للموالد والأضرحة وهنك يحصل ما يحصل من فجور وانتهاك حرمات في ساحتها وصوت المزامير والموسيقى وهز للرؤوس وأناشيد الخنا والعشق والفجور وشرب للدخان ونحو ذلك – لكن ما ذكرناه أخيراً لا يطرد في كل البلاد ولا في كل مولد ، ولكن هذا لا يغير حكم المولد من البدعة إلى الجواز فهو بدعة وإن خلا من كل معصية .
وبعض الدول الإسلامية سخرت كل جهودها حتى إعلامها بل عطلت الدوائر الحكومية كلها من أجل الاحتفال بالمولد وجعله عيداً رسمياً كل الأعياد الوطنية في عصرنا الحاضر والإسلام لا يقر إلا عيدين الفطر والأضحى وما سواهما فباطل ونحمد الله أن حفظ دولتنا بالبعد عن تلك الظواهر السيئة والطقوس البدعية .(1/354)
فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه والقرون المفضلة لم يحتفلوا بأي مولد – وهذا بإجماع الأمة – فسبحان الله كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، كيف يستبعون زعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد باتهامهم أن من لا يحتفل بالموالد أو ينكرها أنه مبغض وكاره وجاف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفهم له بأنه حنبلي وهابي غير محب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه مسألة عقدية خطيرة لأن فيها تهمة للصحابة - رضي الله عنهم - وأنهم لم يبرهنوا على حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاحتفال لمولده - صلى الله عليه وسلم - كما يزعمون أيضاً أنها مجالس خير وذكر وبركة وشكر لله وقربى وهي في الحقيقة عكس ذلك لله در القائل
ثلاثة تشقى بهن الدار المولد والمأتم ثم الزار(1/355)
وأي خير وبركة فيها وفيها ما فيها مما تقدم فضلاً من أن اصلها محدث ولو خلت فهي شر وشقاء ولا يقبل قول أحدهم أنهم إنما فعلوها عن حسن نية وقصد وأن قصدهم تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبته وإحياء ذكره وشكر الله على وجوده - صلى الله عليه وسلم - . وأنه عمل أكثر الأمة فنقول إن الدين مبني على أصلين الإخلاص لله والمتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومدام محدثاً لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وانتفاء المانع فكيف نفعله ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف أحق به منا فإنهم كانوا أشد حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثر تعظيماً وهم على الخير أحرص وبالشرع أعرف ولنصوصه ومقاصده أفهم وعلى العمل به وأداء حقوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرع وخير الهدي هديه - صلى الله عليه وسلم - وحسن النية والقصد لا يبيحان الابتداع في الدين فإن جل ما أحدثه من كان قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية وقصد وما زالوا يزيدون وينقصون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت اديانهم خلاف ما جاءت به رسلهم والله يقول : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ } (1) ويقول : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } (2) فالحجة ليست بفعل الناس وإنما الحجة الكتاب والسنة والله أعلم أقول قولي هذا واستغفر الله
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .
أما بعد :
__________
(1) )) سورة الأنعام (116)
(2) )) سورة يوسف (103)(1/356)
فقد تقدم لنا أن الأمة أجمعت على أن الموالد محدثة حتى المحتفلين بمولده - صلى الله عليه وسلم - يقرون بذلك ولكنهم يقولون بأنها بدعة حسنة أقول : والقول بالبدعة الحسنة من المصائب التي فتحت باب الشرور والابتداع في الدين والزيادة والنقصان على حسب الأحوال والأمزجة والأهواء وإلا كيف يقال بالبدعة الحسنة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » (1) وكل من صيغ العموم ولم يستثي من هذا العموم شيء سبحان الله سبحان الله كيف يتأتى من مسلم أن يعقب على كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول لا لا يارسول الله فليس الأمر كما ذكرت أن كل بدعة ضلالة بل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة .
أقول سبحان الله سبحان الله إن هذا الكلام خطير حداً ومزلق كبير أين قول الله :{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا } (2) فراجع نفسك يا هذا وانقد وأذعن وإلا فالله يقول : { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } (3) .
ولعل البعض يقول : لا ينبغي إثارة هذه الموضوعات في هذا الزمان الذي ضعف فيه المسلمون وتكالبت فيه أعداء الإسلام ولا نريد أن تعمل فرقة ونزاعاً بين المسلمين في مسائل فرعية خلافية فنمكن أعداء الإسلام منا فيستغلوا ضعفنا وفرقتنا فنصبح لقمة سائغة لهم فإثارتها وما تزعمون أنها بدعة إنما هي خدمة لليهود والنصارى فعلينا أن نتحد ونجتمع ونكون يداً واحدة ونزيل كل ما يفرق صفنا ويخالف كلمتنا فنقول لهذا وأمثاله :
__________
(1) )) [ أخرجه أبو داود واللفظ له) والترمذي (2676) وابن ماجه (42،44) والدارمي (95) ] وانظر صحيح الجامع (2546) .
(2) ))سورة النساء (65).
(3) )) سورة الأحزاب (36) .(1/357)
وإن ألقاك فهمك في مهاو فليتك ثم ليتك ما فهمت
ونقول له : لقد قلت منكراً من القول وزوراً وهل سبب ضعفنا وفرقتنا وعدم اجتماعنا إلا فعل المعاصي والمنكرات من بدع وخرفات ومحدثات بل إشراك برب الأرض والسموات وقضية الموالد ليست قضية فرعية خلافية حاشا وكلا بل قضية عقدية أصلية لا تنافي كمال التوحيد فحسب بل ريما تكون منافية الأصل التوحيد . وكيف ننتصر ونحن ما وحدنا الله حقاً ونسينا أن النصر متوقف على إيماننا بالله وعقيدتنا وتوحيدنا الخالص لرب العالمين القائل : { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } (1) والقائل : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } (2) والقائل :{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } (3) والقائل :{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (4)
فبالرجوع إلى الإيمان وإصلاح ما فسد من العقيدة وتجريد التوحيد لرب العالمين والبعد عن البدع والشرك دقيقة وجليله قليله وكثيره يحصل لنا كل الخير ونصرة وعزة وتمكين .
تقول : نجتمع . نجتمع على ماذا على معصية على المجاملات والمداهنات في دين الله ، نجتمع على السكوت والإقرار للمنكرات إنه اجتماع شر وخبث ونكر ، الاجتماع الحق وتوحيد الكلمة والصف ، على طاعة الله وتجريد التوحيد والعبودية لله هذا هو الاجتماع الحق والمأمور بهع وما عداه فضلال وشقاء وفرقة وعذاب .
__________
(1) ))سورة محمد (7) .
(2) )) سورة الروم (47)
(3) )) سورة الحج (38)
(4) )) سورة النور (55) .(1/358)
فياشباب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تدنسوا إيمانكم ببدع وشركيات وخرافات ، فتضيعوا أيما ضياع وتندموا ، ولا ساعة مندم . إذا كانت العقيدة خربة مهزوزة ، فأين الصلاة والصيام ، وأين العلم وأين الدعوة وأين الجهاد { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } (1) { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } (2) والظلم هو الشرك : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (3)
ياشباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورجالها الحذر الحذر والبعد البعد عن هذه الطقوس الصوفية فلا صوفية في الإسلام ولا تصوف ، فالتصوف إما أن يكون هو الإسلام أو يكون غيره فإن كان غيره فلا حاجة لنا به وإن كان هو الإسلام فحسبنا الإسلام فإنه الذي تعبدنا الله به .
ناصحوهم وأنقذوهم لا بالحضور معهم في موالدهم ، لأن حضورها إقرار بالمعصية والله يقول : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } (4) نعم تحضرها شريطة تغيير المنكر وإلا فلا يجوز .
إخواني جردوا أنفسكم من التعصب والتقليد الأعمى والتبعية الهوجاء ولا تقل المولد حرام ، فلان حرمه أو مباح فلان أباحه ، ولكن بيننا وبينهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تكن بدعياً لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وصلى الله على نبينا محمد وآله صحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تتويجاً لهذا البحث نختمه بكلمة
__________
(1) )) سورة الزمر (65)
(2) )) سورة الأنعام (82)
(3) )) سورة النساء (48)
(4) )) سورة الأنعام (68) .(1/359)
سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رَحمهُ الله - عز وجل -
في المولد النبوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ..
أما بعد : فقد تكرر السؤال ، من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - والقيام له أثناء ذلك ، وإلقاء السلام عليه ، وغير ذلك مما يفعل في الموالد .
والجواب : أن يقال لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين ، لأن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون و لا غيرهم من الصحابة - رضوان الله على الجميع - ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه و سلم و متابعة لشرعه ممن بعدهم .
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) أي مردود عليه .
وقال في حديث آخر : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور » (2) ، من إحداث البدع والعمل بها ، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله - عز وجل - لم يكمل الدين لهذه الأمة ، و أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلِّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله وهذا بلا شك فيه خطر عظيم و اعتراض على الله - عز وجل - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والله - عز وجل - قد أكمل لعباده الدين و أتم عليهم النعمة .
__________
(1) تقدَّم تخريجه .
(2) تقدَّم تخريجه .(1/360)
و قد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد و التحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها ، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر ، وظنوا أنها من البدع الحسنة .
والقاعدة الشرعية : رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال الله عز وجل : { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } (1) .
و قد رددنا هذه المسألة - وهي الاحتفال بالموالد - إلى كتاب الله - عز وجل - فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه ، ويخبرنا بأن الله - عز وجل - قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وليس هذا الإحتفال مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط و يجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله - عز وجل - عليه من حضور الجمع و الجماعات ، و لا يرفع بذلك رأساً ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً ، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي ، ونسأل الله العافية لنا و لسائر المسلمين .
__________
(1) سورة النساء آية : 59 .(1/361)
و من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد و لهذا يقومون له محيين و مرحبين ، و هذا من أعظم الباطل و أقبح الجهل فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، و لا يتصل بأحد من الناس و لا يحضر اجتماعاتهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، و روحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال الله تعالى في سورة المؤمنين : { ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } (1) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : « أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع » (2) عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام ، فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث ، كلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم ، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور ، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به .
__________
(1) سورة المؤمنون الآيتان : 15و16 .
(2) رواه مسلم (4/2278) أبو داود (4673) أحمد (2/540) .(1/362)
أما الصلاة و السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي من أفضل القربات و من الأعمال الصالحات ، كما قال الله تعالى : { إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما } (1) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً » (2) و هي مشروعة في جميع الأوقات ، و متأكده في آخر كل صلاة ، بل واجبة عند جمع من أهل العلم و عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - و في يوم الجمعة وليلتها - كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة .
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه ، و أن يمن على الجميع بلزوم السنة ، والحذر من البدعة إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
هذه الفتوى مقتبسة من كتاب التحذير من البدع ( مع الاختصار )
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - عز وجل - .
قضية من أخطر القَضايا
وهي أن تُحصَر محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - والتوسل به وشد الرحال إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - فمن فعل هذه الثّلاثة فهو محب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يفعل ذلك أو نهى عنه فهو فاقد لمحبته - صلى الله عليه وسلم - .
أقول : قد قُلنا من قبل : إنّ أمامنا في كل قضية الكتاب والسنة وفِقه السّلف . فهل الشرع دَعى إلى شَيء من ذلك ؟ وهل جعلها علامة على حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
__________
(1) سورة الأحزاب آية : 56 .
(2) [ أخرجه مسلم (408/70) وأبو داود (1530) والترمذي (485) والنسائي (3/50) وفي الكبرى (1128) وأحمد (2/262،372،375،385) وابن حبان (906) والبخاري في الأدب المفرد (645) والدارمي (2772) وأبو يعلى (6495) وقال الترمذي : ( حسنٌ صَحيحٌ ) ] .(1/363)
الثّابت أن الشرع لم يأمر بالاحتفال بالمولد النبوي ، لكنه في ذات الوقت لم ينه عن تدارس سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخراج العبر منها في كل زمان ومكان ، بل هو من المقربات إلى الله - عز وجل - .
والشّرع لم يعلق حبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على فعل تلك الأمورِ الثّلاثة ، بل علّقه على اتباعه وتعظيمه ... .
وأما التوسل : فإن الشرع لم يأمر بالتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مماته ، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتوسّلون به في حال حياته ، أي يطلبون منه الدعاء ، وكان هذا جائزاً حينذاك ، لكنه لما مات تركوا ذلك لعلمهم أنَّ الميت ولو كان نبيّاً لا يملك أن ينفع أحداً .
لِذا فإنهم لما قحطوا في عام الرّمادة في عهد عمر - رضي الله عنه - استسقوا بالعباسِ - رضي الله عنه - عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما استسقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( « اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا » فَيُسْقَوْنَ ) (1) .
وفي خلافهم في سَقيفة بني ساعدة حول الخلافة لم يتوسّلوا به في حل ذلك الخلاف ، ولا في المحنة التي تعرَّض لها عُثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - ، ولا في الخلاف بين علي ومعاوية - رضي الله عنهم - .
فلو كان التوسل به أي : طلب الداء منه بعد مماته جائزاً لم يفرط الصّحابة - رضي الله عنه - فيه ، فعدم فعلهم وهم الأحرص على الخير يدل على المنعِ منه .
وأما التوسل بِجاهه : فذلك أمرٌ لم يفعله الصحابة - رضي الله عنهم - أبداً لا في حال حياته ولا بعد مماته ، وما ورد من أثر يجيز التوسل بِجاهه فهو ضَعيف ، وما عرف عن السلف مثل هذا النوع من التوسل (2) .
__________
(1) [ البخاري (رَقم : 1010) ] .
(2) وانظر (صَفْحَة : 153-154) .(1/364)
وأما شَد الرحال إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - : فإنه نهى عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد فقال : « لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدي هذا ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى » (1) .
أما من قَصد غيرها لأجل العبادة فقد خالف الأمر ووقع في النهي ، لكن قد يأتي من يُخالف فيقول : ( ليس في الحديثِ النهي عن شد الرحال إلى القبر ، وليس فيه ذكر القبور أَصلاً ، فمن أين قُلتم أن الحديثَ ينهى عن شد الرحال إلى القبر ) .
الجواب : أن المساجد إنما ذكرت لأن المقصود هو العبادة ، فالقاصد للمسجد إنما يقصده لأجل الصلاة وقراءة القرآن والذكر والاعتكافِ ... وهذه عبادات ، وزيارة القبور لا ريب أنها عبادة لأَن الشارع أمر بها ... وكل ما أمر به الشارع فهو عبادة ، وعلى ذلك فلا يجوز السّفر من أجل زيارة القبر ؛ لأن السفر لأجل العبادة لا يجوز إلا لهذه المساجد الثلاثة .
وليس في هذا الكلام منع لزيارة القبور ، بل الزيارة الشرعية مَشروعة في كل حال ، وأما الممنوع فهو السَّفر لأجلها . فإن لم يسلم المخالف بهذا فحينئذ الحكم الذي يحكم بين المسلمين إذا اختلفوا في فهم نص من نصوصِ الشرعِ هم السلف وعلى رأسهم الصحابة - رضي الله عنهم - ، فماذا يقول الصحابة في هذه المسألة ؟ :
أبو هريرة - رضي الله عنه - : ورد أنَّ أبا هريرة - رضي الله عنه - خرج إلى الطور فلما بلغ ذلك بصرة بن أبي بصرة الغفاري قال له حين أقبل : « لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت ، سمعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ... » فذكر الحديث (2) .
__________
(1) [ البخاري (رَقم : 1189) ومسلم (رَقم : 827) ] .
(2) [ أخْرَجَهُ : النسائي (رَقم : 1430) ومالك (رَقم : 243) ] وصححه الألباني .(1/365)
ابن عمر - رضي الله عنهم - : وجاء رجل لابن عمر - رضي الله عنهم - فقال له : (أريد الطور) فقال : ( إنما تُشد الرحال لى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصَى فدع عنك الطور ولا تأته ) (1) .
أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - : [ وعَنْ شَهْرٍ قَالَ لَقِينَا أَبَا سَعِيدٍ وَنَحْنُ نُرِيدُ الطُّورَ ( وفي رواية : وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ صَلاةٌ فِي الطُّورِ ) فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « لا تُشَدُّ الْمَطِيُّ إِلا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ » (2) ] . والطور ليست بمسجد ،بل هي بُقعة مباركة كلم الله فيها موسى - صلى الله عليه وسلم - ، فالصحابة - رضي الله عنهم - ما فهموا من الأثر أن المنع خاص بالمساجد ، بل فهموا المنع لأجل العبادة ، ولو فهموا أنه مخصوص بالمساجد لما أنكروا على من خرج إلى الطور يريد التبرك ...
فهذه فتوى الصّحابة - رضي الله عنهم - في المسألة ، لا أظن مُسلماً إلا وهو يرضى بما ثبت عنهم ورضوه ديناً ؛ لأنهم هم الكُمل ، وهم خيار الأمة وقدوتها .
? وكل حديثٍ ورد في فضلِ زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو ضَعيف كما ذكر الأئمة المحققون كابن تيمية وغيره ، بل الذي ورد : هو النهي عن اتخاذ قبره عيداً : « لا تتخذوا قبري عيداً » أي تعتادونه بالزيارة . والعيد في اللغة : اسم لما يعتاد مجيئه ، سُمي عيد الفطر والأضحى عيداً لكونهما تجيء كل عام ، فالذي يزور قبر في كل موسم أو عيد أو نحوه فقد اتخذ هذا القبر عيداً ؛ وهذا هو ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أخْرَجَهُ : أحمد وعمر بن شبة في أخبارِ المدينة .
(2) [ أخْرَجَهُ : أحمد (رَقم : 11215و11473) ] .(1/366)
وعن سهيل بن أبي سهيل قال : ( أتى الحسن بن الحسن بن علي عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشَّى فقال : هلم إلى العشاء . فقلت : لا أريده . فقال : مالي رأيتك عند القبر ؟ . فقلت : سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال : إذا دخلت المسجد فسلم . ثم قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تتخذوا قبري عيداً ، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر ، وصَلّوا عليَّ ؛ فإنَّ صلاتكم تَبلغني حيثما كُنتُ . لعنَ الله اليهودَ اتَّخذوا قُبورَ أنبيائِهِم مَساجدَ » وما أنتم ومَن بالأَندلس إلا سواء ) هـ (1) .
فقد أنكر عليه زيارة القبر وأرشده إلى السنة وهي أنَّ من أراد السَّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ في الأرضِ ملائكة سياحة تبلغه عن أمته السّلام . فلا فرق بين القريب والبعيد عنه . فالسنة لمن أراد السلام عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يسلم عند دخوله المسجد ، والسنة أن يصلي ويسلم عليه في الصلاة . فهذا الذي يشق على نفسه بالسفر وإتيان الغير لأجل السلام يستوي هو ومن قعد في بيته في أقصى الأرض في بلوغ السلام ، فلم هذا العناء ورسول الله لم يأمر بزيارة قبره ... ؟! . وما عُرف عن صحابته - رضي الله عنهم - أنهم يعتادون القبر ، بل لم يكونوا يزورونه إلا ما كان من ابن عمر ؛ فقد كان إذا قدم من سفر مر القبر فسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أبي بكر ثم أبيه كما في مُصَنَّفِ عبد الرزاقِ وابن أبي شيبة . قال عُبيد الله بن عمر : ( لا نعلم أحداً من أَصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذلك ) [ رَ : الجواب الباهر (60) ] .
__________
(1) [رواه سَعيد بن منصور كما في تيسير العزيز الحميد بِشرح كتاب التوحيد (صَفْحَة : 300) (الباب 16) ورواه القاضي إسماعيل في (فضل الصّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) (رَقم : 30) ] .(1/367)
إذن : تعليق محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بِفعل هذه الأمور الثّلاثة إذا كان صادراً من جاهل لا يعلم حقيقة الأمر النبوي وما هو مشروع وممنوع ؛ فهو معذور لجهله وظنه ما لم يثبت ، وإن كان لا يُعذر في تركِ سؤال أهل العلم ...
وأما إن كان صادراً من عالم يعلم عدم ثبوت ذلك في الشرعِ ويُخفي اعتقاده الخاص ويقصد به تقويض ملة الإسلام وهدم أركان الإيمان بالله ؛ فهنا تكمن الخطورة المصادمة للإسلام التي ينبثق عنها ادعاء محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والنسبة إليها عند هؤلاء الذين سموا صوفية وأشغلوا العالم بهذه الدعوى لكي نعلم هل هم صادقون في هذه المحبة أم أن لهم غرضاً آخر من الدعوة إليها ؟ حيث جعلوا أمورا غير مشروعة بل محدثة علامة على حبه الذي هو أصل من أُصول الإسلام .
الخاتمة
وَقْفَةٌ أَخِيْرَةٌ مَعَ أَهْلِ المَوالِدِ
يا شباب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - : لا تدنسوا إيمانكم ببدع وشركيات وخرافات وأوهام فتضيعوا أيما ضياع و تندموا ولات ساعة مندم .
إذا كانت العقيدة خربة مهزوزة مدنسة بشركيات و بدع و خرافات فأين الصلاة
و الزكاة و الصيام و القيام و الدعوة و الجهاد و العلم ؟ أين العبادة ؟ أين الأعمال الصالحة ؟ إذا فسدت العقيدة فلا إسلام ولا عبادة { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين } (1) ولما ذكر المولى الأنبياء والرسل قال : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } (2) .
يا عبد الله :
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
بلغت بالقوم - أهل البدع - من المهازل : أقول صمتا أذناي وعميت عيناي إن لم تكن هذه المهازل حصلت يقينا أمام ناظري :
__________
(1) سورة الزمر ( 65 و 66 ) .
(2) سورة الأنعام ( 88 ) . وانظر ما تقدم بعنوان ( أهمية العقيدة ) (صَفْحَة : 29-34) .(1/368)
( أن العامي ينكر عليهم قيامهم ويقول متعجباً مندهشاً محتاراً مستنكرا : كنا جلوساً معهم ثم قاموا كلهم وقالوا : قد حضر الرسول و مر .... ) .
( وذاك يسأله سائل لماذا لم يفعل الرسول المولد فيقول العالم العلامة البحر الفهامة وحيد دهره وفريد عصره مفتي الأنام وفقيه الزمان المنتسب للإمام الشافعي :
( بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بالمولد لكونه مشغولاً بالفتوحات والحروب والجهاد ) (1) سبحان الله من هذا الرد السقيم والجهل المركب .
( ولله در العامي عندما ناقشهم هل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المولد ؟ قالوا له : لا ، فقال لهم : الخير والهدى والحق والنور في اتباع رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - لا في اتباعكم وابتداعكم . فألجمهم وأسكتهم وما تجرأ أحدهم أن يتفوه بكلمة (2) .
( وجاءني شابٌّ فقال لي : ما حكم المولد عند الأئمة الأربعة ؟ .
فَقُلتُ له : لم تكن موجودة في عهدهم ؛ لأَنها محدثةٌ بعدهم .
فقال مندَهِشاً مُتَعَجِّباً : إذاً مَن يفعله قَلَّد مَنْ مِنَ الأَئمة ؟ .
وأدعُ الإِجابة لكم أيُّها القرّاء .
( وشابٌّ مُوظّف في أحد الشّركات يُنكر كل ما يفعله أهل الموالد ، ويقول : هذه الأمور كلها محرمة ، ولا أعرف مولداً في الشرعِ ، بل نعرف التاريخ أو السيرة النبويّة .
( وذاك العامي الآخر في مكة يقول : نحن نصلي قيام رمضان في العشر الأواخر في المسجد الحرام والقوم مساكين مشغولون بالرقص والأناشيد واللعب والتصفيق وهز الرؤوس والتمايل والحضرة النبوية والقيام والقعود { اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } (3) .
__________
(1) يا مقلداً للإمام الشافعي رحمه الله لماذا الإمام الشافعي لم يفعل المولد ؟ . وتقدم (صَفْحَة : 109) .
(2) وهكذا الحق أبلج والباطل لجلج ، الباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة .
(3) سورة الأنعام : 70 .(1/369)
( وقد ناقشت البعض منهم فكانت حجته التأويل والأحاديث الموضوعة وفلان كان يفعل كذا وكذا وقول الشاعر وهذا ما وجدنا عليه مشايخنا وهذا حب للرسول - صلى الله عليه وسلم - والتعرض للعقيدة إنما هو خدمة لليهود والنصارى .
( ومنهم ذو الوجهين يأتينا بوجه ويأتي زمرته بوجه آخر ، وأحياناً ينكرون ما يفعلون .
( ومنذ سنوات وزعنا رسالة سماحة الشيخ الوالد ابن باز في التحذير من البدع ، في بعض المساجد ، فغضب البعض ومنع البعض وأنكر البعض وتبين لنا أناس كانوا يتسترون بصلاح العقيدة وهم مع القوم .
( كما أني تكلمت في بعض المساجد وخطب الجمعة عن المولد وذكرت أني على أتم استعداد للمناقشة ولكن لم نر في الساحة أحداً يذود عن بدعته البتة .
بل إني ألقيت محاضرة تعرضت فيها للبدع وخطورة الصوفية وذكرت أمثلة وكان بعض مشايخهم حاضراً مع طلبته متستراً في الخلف فوالله ما تفوّة بكلمة وفي عصر اليوم الثّاني يرسل إلي أحد إخواني قائلاً له قل لفلان لا يتعرض لنا ولا يتكلم فينا ولا يتطرق لنا بشيء . أقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله لِمَ لم يُوقفني أو بعد المحاضرة يُناقشني ولو على انفراد ، وكل ذلك لم يحصل ... عجب أيما عجب !! .
( كما أني أخذت كتاب المولد وعرضته على بعض مشيختهم وذكرت له ما فيه من ألفاظ شرك وكفر - مما ذكرته في موضعه في هذه الرسالة - مما يخالف الكتاب والسنة ، فقال لي رحمه الله : لا تناقش ولا تثير هذه الأمور ، ويتهرب من الجواب ، بل قال : دع عنك هذه الأمور . أقول صمتا أذناي إن لم أكن سمعت هذا القول .(1/370)
وأقول : لا حجة لهم بالجهل وأن علماءنا ومشايخنا لم يبينوا لهم ويعلموهم لا بل إن مشايخنا لم يألوا جهداً في الاجتماع بهم ومناقشتهم وتبيين الحجة وإقامة المحجة بالبرهان و الدليل ، كما في حوار مع المالكي لابن منيع ، والرد القوي للتويجري ، والقول الفصل للأنصاري ، وصيانة الإنسان للسهسواني ، وغاية الأماني في الرد على النبهاني ، و هذه مفاهيمنا لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ وغيرها كثير كثير (1) .
مشايخنا رحمهم الله و حفظهم إذا سمعوا بمبتدع رحموه و أخذوا على يديه و بذلوا الجهد في البيان على حد قول القائل :
وإذا همو سمعوا بمبتدع هذى صاحوا به طراً بكل مكان
والردود والمحاورات لم تكتب وتؤلف إلا بعد بذل الجهد والمناقشة
وإصرارهم على هذه الآراء الكاسدة والأقوال الفاسدة ،
وإلا فالتأليف في الرد عليهم لم يأت إلا
في آخر مرحلة .
أَخي قِفْ وَتَأَمَّلْ
أخي في الله : تبين لنا مما تقدم أن الاحتفال بالموالد وسيلة للشرك - إن خلت من الشرك - وأن الموالد كلها بدعة سواء كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره وهي من المحدثات التي تعكر صفو الدين ويرتكب فيها المنكرات وتفسد العقائد وهي بالجملة ليست من الإسلام في شيء ولعل بعض الناس يقول : ( أنتم بقولكم هذا تسدون أبواب الخير ) .
والجواب على هذا نقول :
أليس الإسلام هو الخير كله ؟ .
ألم يأت في الإسلام من أبواب الخير ما يكفي حتى تفتح أبواباً أخرى ؟ .
هل ترك الإسلام باباً من الخير لم يفتحه للناس ؟ .
هل الخير يكون باتباع ما جاء في الدين أم بالابتداع ؟ .
أم هل يريد بعض المسلمين أن يكونوا أكمل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و صحابته الذين اكتفوا بما شرعه الله لهم ؟ فإذا أرادوا ذلك فليراجعوا إيمانهم .
__________
(1) ذكرنا بعضها في بابِ (قاصمة الظهور) (صَفْحَة : 204) .(1/371)
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفال بمولده إذاً فليسعنا ما وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
أخي في الله : جرد نفسك من الهوى والعصبية وعليك بالكتاب والسنة ولا تأخذك العزة بالإثم فتكابر و تجحد الحق بعد ما تبين .
أخي يا طالباً للحق و ناشداً : إن الاحتفال بالموالد أدى إلى مفاسد و مخالفات وعثرات في العقيدة سبق ذكرها و القواعد الشرعية تقضي بأن المباح إذا أدى إلى محرم فإنه يحرم من باب سد الذريعة فكيف بالمحرم المفضي إلى ما هو أشد حُرْمَة .
أخي : يا من تجريد التوحيد قصده و غايته ، يحسن بك التوقف طويلاً للتأمل والتحليل وقياس المدى ما أمكن عند قوله - صلى الله عليه وسلم - : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (1) وسيؤثر بلا شك مغزى الحديث و أبعاده في المتفكر فيه .
قل في قرارة نفسك إن لم أحتفل بالمولد النبوي الشريف فيكفيني أني في ذلك مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد والزبير وعبد الرحمن وخالد وعمار وبلال وسلمان وصهيب وابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وفاطمة و الحسن والحسين والمقداد وأبي ذر وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وابن المسيب والزهري وسفيان وابن تيمية وابن القيم وآخرين كثير كثير - رضي الله عنهم - .
فبمن يقتدي الداعون إلى الاحتفال بالمولد النبوي ؟ و أين من يقتدون بهم من هؤلاء ؟ كما يجدر بكل مسلم أن يحسب حساباً لثواب وأجر السنة وإثم وعقاب السيئة وكسب أجر أو حمل إثم من عمل بها إلى يوم القيامة .
__________
(1) [ أخرجه : الترمذي (2518) والنسائي (8/327ح5269) وأحمد (1/200) والدارمي (2535) وابن حبان (2/722) وقال الترمذي : ( حَسَنٌ صَحِيْحٌ ) ] .(1/372)
فجدير بالمسلمين اليوم أن يتخذوا مِن أحكامِ اللهِ - عز وجل - مِنهاجاً ، ومِن كلام رِسولِهِ - صلى الله عليه وسلم - عِلاجاً ، ومِن حياةِ السَّابقين الأَوَّلينَ قُدوة وأُسوةً وسِراجاً .
( أخي : جرد نفسك من التعصب والتقليد ولا تقل هو حرام فلان حرمه أو مباح فلان أباحه ، لا ولكن بيننا وبينهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
إلى ديان يوم الدين نمضي و عند الله تجتمع الخصوم
لا تقلد الأشخاص فالحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق ، وهذا ما أشار إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ( يا حارث لا يعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله ) .
وتقدم لنا قول الأوزاعي رحمه الله : ( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك ورأي الرجال و إن زخرفوه لك بالقول فإن الأمر ينجلي و أنت على صراط مستقيم ) (1) .
أخي في الله : أكرر وأقول على الرأسِ والعين كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما أخطاء الناسِ فَمرفوضة ولو كان أَصحابها معذورين مأجورين .
يا هذا : إقبل الحق ممن قاله و إن كان بغيضاً وردَّ الباطل على من قاله و إن كان حبيباً و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، و الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
قال القاضي عياض - رحمه الله - (2) : ( عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين ، وإيَّاك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين ) .
ولا ينبغي للمسلم أن يغتر بكثرة من يفعله و لا بأحسابهم و لا بأنسابهم و إنما الحكم بيننا جميعاً الكتاب و السنة .
( وليعلم أن من لم يشرب البدعة قلبُه وإنما استحسنها وظن أنها قربة إلى الله - عز وجل - ، ثم ظهر له الدليل على خلافها وتعقَّل ذلك فالغالب رجوعه وتوبته .
__________
(1) شرف أصحاب الحديث للخطيب ص 6،7 .
(2) مدارج السالكين لابن القيم (1/22) .(1/373)
ويمثل العلماء لمثل ذلك : بمن رجع من الخوارج بعد مناظرة ابن عباس لهم ، وبرجوع المهتدي والواثق عن بدعة القول بخلق القرآن (1) .
أخي من خلال ما سبق تقريره من أن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرون المفضلة ، وأن من تَقَرَّب إلى الله - عز وجل - بعبادة من العبادات ولم تكن في تلك الحقبة المباركة والعصور الفاضلة ، فعبادته مردودة عليه يتحمل وزرها وإثمها ، ولو أخلص فيها وبذل كل جهده ووقته (2) .
واجب طلبة العلم تجاه هذه البدعة وغيرها
أخي في الله :
بعد ما بانت لك الحجة واتضحت لك المحجة وصرت على بينة من أمرك وأراك الله الحق والصواب واجبك أخي أن تسارع إليه وتعمل به لتكون ممن قال الله - عز وجل - فيهم : { فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب } (3) .
فيا من هداك الله يا من هو من أولي الألباب :
احذر البدع وناصح وارحم وأنقذ وخذ على أيدي من وقع فيها وارتكس وانتكس في حياضها ، انتشلهم منها لا بالحضور معهم في موالدهم و مجاملتهم والسكوت عن باطلهم وضلالهم فالله يقول : { و إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره و إما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } (4) .
وقال - عز وجل - : { و قد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم } (5) نعم تحضرها شريطة تغيير المنكر في بداية حضورك و إلا فلا يجوز لك الحضور .
__________
(1) البدعة وضوابطها وأثرها السيء في الأمة ، بقلم علي محمد ناصر الفقيهي (ص21) .
(2) هل نحتفل ؟ (ص12) .
(3) سورة الزمر ( 18 ) .
(4) سورة الأنعام ( 68 ) .
(5) سورة النساء ( 140 ) .(1/374)
أخي : يا من علم حكم الله في هذه المسألة احذر كتمانها بل بيِّنْها وأظهرها { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } (1) .
احذر أن تسكت ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس عليه من الله ما يستحق قال المولى - عز وجل - : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار » (3) .
وفي لفظ : « جاء يوم القيامة ... » ويحمل في الآخرة أوزارهم ألا ساء ما يزرون .
والواجب عليك يا طالب العلم تجاه البدع أن يكون موقفك موقف العلماء عندما جاهدوا المبتدعين بأقوالهم وأفعالهم ؟!! وحضوا على التزام السنة والدفاع عنها حتى اعتبروها أعظم الجهاد .
قال شيخ الإِمام البخاري الإِمام يحيى بن يحيى رحمها الله - عز وجل - : ( الذَّبُّ عن السنة أفضل الجهاد ) .
و قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم رحمه الله : ( المتبع للسنة كالقابض على الجمر وهو اليوم أفضل عندي من ضرب السيف في سبيل الله عز وجل ) (4) .
و ذلك لأن حامل البندقية قد يدافع عن الأرض أو المال و أما المتَّبع للسنة فلا بد أن يدافع عن الدين الحنيف في كل الأحوال .
ويقول علي محفوظ (5) مادحاً أهل السنة العاملين على هدم البدع التي عم ضررها : ( والموفق السعيد من انتظم في سلك من أحيا سنة وأمات بدعة ) .
__________
(1) سورة آل عمران ( 187 ) .
(2) سورة البقرة ( 159 ) .
(3) أخرجه : أحمد 16/8514 - شاكر - وأبو داود (3658) والترمذي (2649) وابن ماجه (261) وابن حبان (95) والحاكم (1/102) . وانظر : صحيح الجامع (6284) وصحيح الترغيب (1/116و117) .
(4) طبقات الحنابلة (1/ 262) .
(5) في كتابه الابداع في مضار الابتداع (ص 22 - 23 ) .(1/375)
فكن يا أخي إياه فقد كثرت البدع و عم ضررها و استطار شررها و دام الانكباب على العمل بها مع السكوت عن الإنكار لها حتى صارت كأنها سنن مقررات وشرائع من صاحب الشرع محررات فاختلط المشروع بغيره و عاد المتمسك بمحض السنة كالخارج عنها كما سبق فتأكد وجوب الإنكار على من عنده فيها علم و لا يهولنه أن المتعرض لهذا الأمر اليوم فاقد المساعد عديم المعين فالموالي له يخلد به إلى الأرض و يمد له يد العجز عن نصرة الحق بعد رسوخ البدع في النفوس و المعادي يصوب إليه سهام الطعن و يرميه بمقذوفات الأذى لأنه يحارب عاداته الراسخة في القلوب و يقبح بدعه المألوفة .
لا صوفِيَّةَ في الإِسلامِ
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (1)
ما هي الصوفية ؟
الصوفية : من الفرق المنتسبة للإسلام ؛ تعود نشأتها إلى القرن الثاني الهجري على الأرجح ، وهي نسبة إلى لبس الصوف على القول الراجح أيضاً .
مرت نشأتها بمراحل ؛ حيث بدأت بمرحلة الزهد في النسك والعبادة ، ثم بمرحلة الشطح والرهبنة نتيجة الجهل ، ثم مرحلة التأثر بالأجنبي كالفلسفة اليونانية والديانات الأخرى ! فبدأت عليها مظاهر الغلو والانحراف في الاعتقاد والعبادة والسلوك ؛ حتى حكم على بعض أعلامها بالكفر ، ثم بالقتل والصلب كما هو الحال مع الحلاج ، والسهروردي المقتول . وهي لا تزال قائمة بطرقها المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي ، للأسف !! تدعو إلى أفكارها المنحرفة ، يزعم البعض أنها قدمت ولا تزال خدمة للإسلام في القارة الأفريقية !! نسأل الله للمعتدلين من هذه الطائفة الهداية والعودة إلى حياض هذا الدين الخالص من البدع والخرافات . والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ ونبذ دواعي الفرق والاختلاف
__________
(1) سورة الأنعام الآية (153) .(1/376)
0 هل الصوفية هي نفسها الإسلام ؟
الرد على هذا السؤال: إما بالإيجاب أو بالنفي .
فإن كان الرد بالنفي فلا حاجة لنا في الكلام والمناقشة.
أما إن كان الرد بالإيجاب ففيم ذا التناحر والتنابذ والعصبية ، ولماذا لا يسمي الصوفية أنفسهم «مسلمين» كما سمى الله كل أنبيائه ومرسليه ومن تبعهم ، وهل مجرد أن الصوفيين أو المتصوفين ينفذون شعائر الإسلام بحذافيرها يلزم أن يكون لهم اسم مغاير للمسلمين أو أرقى من اسمهم ؟ أم أنهم يصرون على هذه التسمية لأنهم جاءوا بشيء جديد وأضافوا إلى دين الله ما ليس منه ولكنه أحسن منه !؟ .
وفي هذه الحال يلاحظ أن الرد بالإيجاب تشعب إلى شعبتين :
الأولى: أن الصوفية لم تأت بجديد في الإسلام، وفي هذه الحال لا حاجة للمسلمين إليها، ولا داعي لهذه التسمية التي تسبب بلبلة في الأفكار ، وتفكيكاً في الصفوف ، وانقساماً في الآراء ، ولنجمع المسلمين على « كلمة سواء » بينهم .
الثانية: أن الصوفية أتت بجديد في الإسلام وفي هذه الحال فهي بدعة وضلالة وليست من الإسلام في شيء..
إن المسلمين يعرضون ما يسميه الصوفيون «صوفية» وغيرها من المبادئ والمذاهب والآراء على القرآن والسنة ، وكل شيء من هذه المبادئ مأخوذ من الإسلام يسمونه إسلاماً ويتمسكون به ، ولكنهم لا يسمونه إسلاماً صوفياً ولا صوفية إسلامية وغير ذلك من التسميات المستحدثة المتكلفة المفتعلة ، وكل شيء ينافي القرآن والسنة فلا حاجة للمسلمين إليه .
ولكن لماذا نبلبل أفكار المسلمين ولا ندعوهم إلى الاكتفاء بالإسلام والكتاب والسنة ونعرض عليهم كل آن وآخر عبادات وأفكار وأذكار ومبادئ ومذاهب واتجاهات... جديدة وندعوهم إلى دراستها فيستخرجون منها ما هو الإسلام ويستبعدون ما ليس إسلاماً ؟
لماذا نرهق المسلمين بما هم في غنى عنه، إذ أن كتابهم وسنتهم تغنيهم عن كل شيء آخر أبعد عن دين الله فهو تام لا حاجة له لمن يكمله، وجميل لا يحتاج إلى من يحسنه.(1/377)
أخي المسلم جرد التوحيد الخالص لله وحده لا شريك له ، وابتعد وجانب واحذر كل ما ينافي كماله ، فليس في الإسلام ولا من الإسلام صوفيات وأشعريات وماتريديات وطرق وانحرافات ، ولا أقطاب وأوتاد وأبدال ونقباء وأنجاب ، ولا بناء الشريعة على رؤى ومنامات وذوق ومكاشفات وإلهام وأحاديث واهيات وإسرائيليات ، ولا تَعَبُّد لله - عز وجل - بطرق الزيغ والضلال من شاذلية أو رفاعية أو نقشبندية أو تيجانية أو مجوسية ، ممن ينتسب إلى الإسلام ، ولا طريقة وحقيقة وشريعة وتصوف وتشوف ، ولا استغاثات ودعوات واستعانات بغير الله - عز وجل - من أموات وغياب ، ولا بدع وخرافات وإطراءات وغلو في خير البريات تخرج عن دين الإسلام ، ولا ألفاظ واعتقادات تناقض دين الإسلام كقولهم : ما خلق الخلق إلا لأجل محمد ، أو خلق الله محمد من نوره ، أو ما خلق الخلق إلا من نور محمد ، أو قولهم : لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك .
ولا تمسح وتبرك وطواف وتقبيل وعكوف وإقامة قباب وبناء ووضع أستار ، واتخاذ سرج وأنوار ونذور وذبائح وشد رحال للقبور والأضرحة وترامٍ وبكاء وصراخ عند عتباتها واستشفاء بترابها وأن تقبيلها هو الترياق المجرب ، ولا إدعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مد يده للرفاعي وصافحه وقبلها ، وأنه لولا القبر ما شرف المسجد النبوي ، أو ترويج مذاهبهم الباطلة وآرائهم الكاسدة الفاسدة بأحاديث باطلة لا أصل لها : - ( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) و ( إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور ) و( من حج ولم يزرني فقد جفاني ) و( لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به ) وغيرها كثير كثير .
ولا حلف بغير الله - عز وجل - من ولي أو نبي ، أو السؤال بهما أو حقهما أو جاههما ، ولا نشر لقصائد الشرك كقصيدة البوصيري والبرعي ولا دلائل الشر والمنكرات (1) ،
__________
(1) المسمى عندهم دلائل الخيرات ، للجزولي .(1/378)
أو قولهم : ( مدد مدد يا رسول الله ) أو ( حي حي ) أو ( آه آه ) أو ( هو هو ) أو
( إلا الله إلا الله ) ، أو الترضي والترحم على زعماء الصوفية كالحلاج وابن عربي الزنديقين الكافرين ونحوهما من أهل الباطل ، وتفضيل الولي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا رقص وغناء ودف وطرب وتواجد وتمايل في الخلوات والجلوات ولا زوايا ولا تكايا ، ولا اتخاذ مريدين ومردان ، وتقديس أشياخ من كل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة وسبحة طويلة وأذكار وأحزاب ، كلها همهمة وشقشقة وطلسمة وأوهام ، تراه يزهو بنفسه قد مد يده للآخرين للتقبيل والتمسح به والتبرك بآثاره ، ولا أدعية وأذكار مخترعة كصلاة الفاتح والصلاة النارية وغيرها .. 0
ولا خلوات ولا جلوات ولا عشق ولا غرام ولا هيام ولا إحياء لموالد تقام لها حفلات ومواسم ومناسبات ومآدب وطقوس صوفية ومظاهر خرافية فيها إحياء للبدع والخرافات وتشبه بأعداء الله، وزعمهم الباطل أن من لم يحييها فهو جاف مبغض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه وهَّابي حنبلي لا خير فيه ، ولا حضرات نبوية ولا قيام فيها لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر من بينهم ، ولا اختراع أدعية لأول السنة وآخر السنة وليلة النِّصف من شعبان و27 رجب والاحتفال بها والعمرة الرجبية أو دعاء عاشوراء ، أو زعمهم أن التعرض للعقيدة ومحاربة البدع إنما هو خدمة لليهود والنَّصارى وتفريق للأُمَّة وإيقاظ للفتنة .
فالإسلام لا يعترف بهذه الخرافات والأباطيل والخزعبلات بل بريء منها كلها ، جاء بتوحيد خالص وعقيدة صافية وتجريد للعبادة لله وحده : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } .(1/379)
فدع عنك بنيات الطريق وخذها من مصدرها صافية نقية فلا طريق ولا شعارات ولا أسماء ولا انتساب إلا إلى كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وليسعك ما وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه - رضي الله عنهم - .
قال فضيلة الشيخ الدكتور بكر عبد الله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في كتابه (معجم المناهي اللفظية) (1) تحت لفظ التصوف ، ما نصه : قاعدة الباب في الألقاب عند أهل الإسلام الخلوص من النسبة إلى اسم معين لم يسم الله - عز وجل - به عباده ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فمقامات الدين هي :
الإسلام والإيمان والإحسان وعباده المسلمون المؤمنون المتقون وهكذا الإسلام دين التوحيد عقيدة وسلوكاً وشعاراً وعنواناً ، فالنسبة إلى اسم معين لم يرد به الشرع عنوان للفرقة والتحزب وضرب الأُمة بعضها ببعض ، وتشتيت جمعها فرقاً وأحزاباً ينتج إيجاد سدود منيعه تمنع وحدة المسلمين ؛ وقد لهج علماء الأمة سلفاً وخلفاً في طرح تلكم النسب المستحدثة ، ولهذا فإنه في كتب التراجم لدى المتقدمين من طبقة ابن الجوزي كما في المنتظم وما تقدمه ، لا تجدهم في التراجم ينسبون إلى المذاهب الفقهية كفلان الحنفي ونحوه ، وهذا من بالغ التوقي .
( والخلاصة : أن القول في الألقاب في ذلك كالقول في الطريق الموصلة إلى الله - عز وجل - فكما أن كل طريق إلى الله - عز وجل - مسدودة إلا طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - بما دل عليه كتاب الله - عز وجل - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكذلك كل نسبة - كالمتصوف والسائر والواصل والواجد ونحوها - نسب وألقاب ممنوعة إلا ما قام الدليل الشرعي عليه من كتاب أو سنة .
__________
(1) (صَفْحَة : 114) . وانظر ( الحماسة السنية في الرد على بعض الصوفية ) للسني البحيري ، تقديم محمد الخميس . وتقدم طرف منها (صَفْحَة : 9-10) .(1/380)
وإذا أردت فتح باب لك من العلم في ذلك فانظر مدارج السالكين (1) ولأبي منصور عبد القاهر ابن طاهر التميمي م سنة 429هـ رسالة في معنى التصوف والصوفي ، مُرتبة على حروف المعجم ذكر فيها ألف قول من أقوال الصوفية على ما ذكره ابن الصلاح بما في " طبقات السبكي " وتجد في كتابي : " المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأشرف اللغى " ما يشفي ويكفي بإذن الله - عز وجل - ، وللأدفوي " الموفي بمعرفة التصوف والصوفي " .
الخلاصة
و الخلاصة التي خرج بها أهل الحق و طالبوه :
أن الموالد ليست من الإسلام و يجب أن تظهر الإعلان والنكير على المفتونين بمولد البشير النذير و تشرح الصدور بتبيين ما في الموالد من مساوىء و شرور .
قال الشاعر الإسلامي وليد الأعظمي في ديوانه الزوابع :
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي ... أنَّا بغير محمد لا نقتدي
إسلامنا لا يستقيم عموده ... بدعاء شيخ في زوايا المسجد
إسلامنا لا يستقيم عموده ... بقصائد تتلى بمدح محمد
إسلامنا نور يضيىء طريقنا ... إسلامنا نار على من يَعتدي (2)
ختاماً أقولُ (3) :
لا أحسب إيمانك وتقواك واتباعك لحبيبك محمد - صلى الله عليه وسلم - وتقديم شرعه على هواك ورأيك وآراء الناس وأقوالهم .
لا أحسب ذلك كله إلا يقول لك :
لا تحتفل
أهمّ الوسائل للوقاية من البدعِ
ونختم بحثنا هذا بِذكر وسائل الوقاية من والبدع ، والتي من أهمهما :
نشر السنة والتعريف بها على أوسع نطاق .
تطبيق السنة في سلوك الفرد والمجتمعِ .
القضاء على أسبابِ البدع التي ذكرناها ؛ وهي كالتالي :
1. منع العامة من القول في الدين ، وعدم اعتبار آرائهم مهما كانت مناصبهم فيه .
2. الرد على ما يوجه إلى الدين من حملات ظاهرة أو خفية ، وكشف مظاهر الابتداع ، وتسليط الضوء عليها من القرآن والسنة ، لمنعها من التغلغل والانتشار .
__________
(1) (3/117و316، 411) .
(2) للشاعر الاسلامي وليد الأعظمي من ديوانه ( الزوابع ) .
(3) هل نحتفل (ص32) .(1/381)
3. الاحتراز من كل خروج عن حدود السنة ، مهما قلَّ أثره أو صغر أمره .
4. صد تيار الفكر العقائدي والتي لا حاجة للمسلم فيها ، بل ورد النص بالتحذير منها ، كآراء الكفار فيما يتصل بالمسلمين وبعقيدتهم ، أو بالأمور الغيبية ونحو ذلك .
5. الاعتماد على الكتاب والسنة فقط في أمور العقيدة ، التي لا مجال للرأي والاجتهاد والاستحسان والقياس فيها . وعدم الاعتماد على ما يعده بعض أهل الضلال مستنداً ، كالعقل ونحوه ، وما هو أوهى من ذلك كالإسرائيليات ونحوها .
6. ترك الخوض في المتشابه ، لأَن الخوض فيه علامة على أهل الزيغ والبدع ، وسبب كل بلاء ومصيبة دخلت على المسلمين (1) .
7. نبذ التعصّب لرأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات باعتبار قائليها ، والاهتمام بالوصولِ إلى الحقِّ من أي طريق ( فالحكمة ضالة المؤمن ) .
بعض ما كُتِبَ في الموالد
ألَّف غير واحد من العلماء المعاصرين كتباً ورسائل في إثبات بدعية المولد نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر من أراد الاستزادة والاستنارة فليرجع إليها :
1- القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل : إسماعيل الأنصاري .
2 - الإبداع في مضار الابتداع : علي محفوظ .
3 - الاحتفال بالمولد بين الاتباع و الابتداع : محمد سعد شقير .
4 - حوار مع المالكي في رد منكراته و ضلالاته : عبدالله بن منيع .
5 - الرد على الرفاعي و المجهول و ابن علوي و بيان أخطائهم في المولد النبوي :
حمود التويجري .
6 - الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو و الإجحاف : أبو بكر الجزائري .
7 - التحذير من البدع : عبد العزيز بن باز .
8 - العقلية الاسلامية وفكرة المولد : علي محمد العيسى .
9 - الموالد : عمرو عبد المنعم .
10 - و جاءوا يركضون : أبو بكر الجزائري .
11 - تقاليد يجب أن تزول منكرات المآتم و الموالد : محمودمهدي استانبولي .
12 - مجلة البحوث الإسلامية العدد 37 .
__________
(1) باختصار من البدع الحولية (1/98) .(1/382)
13 - المورد في حكم الاحتفال بالمولد : عقيل محمد المقطري .
14- رسالة ( هل نحتفل ؟ ) للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة المنورة .
15- مجلة البيان العدد (139) فيه مقالتان :
1 : حكم الاحتفال بالمولد النبوي للشيخ صالح الفوزان (ص54-57) .
2 : ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي وآثارها لعبد الكريم الحمدان (76083) .
16- مجلة الحكمة العدد العشرون (المولد النبوي وما فيه من البدع والخرافات والأحاديث الواهية) جمع ودراسة عبد الغفار محمد حميده (23-131) .
17- (موسوعة أهل السنة) لعبد الرحمن دمشقية 1/343-374 .
18- (الأعياد وأَثرها على المُسلمين) لسليمان السحيمي (283-245) .
• • •
وذكر مؤلف معجم البدع (1) من كتب في هذا الصدد فذكر بعض ما تقدم وزاد :
الموالد وأول من أحدثها في خطط المقريزي (1/490) ، صبح الأعشى للقلقشندي (3/498) ، تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي (69) ، البدعة للشيخ شلتوت (41) ، تصحيح الأخطاء والأوهام لابن أبي علفة (157) ، البدعة لعزت عطية (411) ، السنن والمبتدعات للشقيري (17،93-94،138) ، إصلاح المساجد القاسمي (114) ، تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (2/74-76) المدخل لابن الحاج ، الشذرة للقاسمي ، فتاوى رشيد رضا (5/2112) حقيقة البدعة لسعيد الغامدي (2/11) ، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/615) ، المعيار المعرب (8/2555) (9/255) (7/100-101/114) (12/48-49) .
كما ذكر الشيخ محمد بن صالح المنجد في كتابه الدليل إلى مراجع الموضوعات الإسلامية (2) بعض المراجع عن المولد منها :
1- أسئلة طال حولها الجدل لعبد الرحمن عبد الصمد (ص205) .
2- البيان في أخطاء بعض الكتاب صالح الفوزان (ص255) .
3- تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين لابن النحاس (ص316) .
4- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة (2/256) .
5- فتاوى اللجنة الدائمة (3/2) .
__________
(1) لرائد صبري بن أبي علفة (ص640) .
(2) (ص132) .(1/383)
وقد أثمرت هذه الجهود المباركة أثراً ملموساً في توعية الناس بمضار الابتداع وثمار الاتباع وهكذا يقال للدعاة في كل بلد ابتلي بالبدعة : اجتهد في تبصير الناس بالحق ، فعلى الحق نورٌ لا يُطفئه خفافيش الجهالة والظلام ، وعليك بالسنة فهي سفينة نوحٍ مَن ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غَرق .
عن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال : ( اعلم أخي أن الموت كرامة لكل مسلم لقي الله - عز وجل - على السنة فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فإلى الله نشكوا وحشتنا وذهاب الإخوان وقلة الأعوان وظهور البدع ) (1) .
أيُّها المُسلمُ الكريم :
نَحنُ لم نَتَّهم سَريرة أَحَدٍ ، وليسَ لنا إلا ما ظَهَرَ ، وأنت يا أخي لا تتهم سَريرة إخوانك ، فوالله ما كتبنا حرفاً من هذه الرّسالة إلا حُبّاً لله وحُبّاً لِرسوله - صلى الله عليه وسلم - ودِفاعاً عن سُنَّتهِ وهديه ، فإن رأيتَ في قَولِنا غَيرَ الحَقِّ فأرشِدنا إليه يرحمك الله - عز وجل - . واستمع إلى قوله - عز وجل - لِكلِّ أتباعِ الرِّسالات : { يا أَهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُم ولا تَقولوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقِّ } .
ونَحنُ نَقول : جَزَى الله كُلَّ الكاتبين والقُرَّاء عن حُبِّهم لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنّا لا نُقِرُّ أحداً على العدوان على مَقامِ الأُلوهيّة ، أو شَيءٍ من الأَسماءِ والصِّفات الإِلهية ، وعند ذلك نَقِف في وجوههم ونرفع الصَّوت بِقولهِ - عز وجل - : { وأنيبوا إلى رَبِّكُم وأَسلِموا له } ، ونَقولُ للذين يزعمون الدِّفاعَ عن مَقامِ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - : إنَّنا نُدافِعُ عَن مَقامِ اللهِ - عز وجل - أَوَّلاً وَنحن ندافع عن مقامِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - أيضاً .
وبهذا تمت الرسالة الموسومة[ الإعلام بحكم الموالد في الإسلام]
__________
(1) الاعتصام (1/57) .(1/384)
وفي ختام هذه الرسالة أسألُ الله - عز وجل - للجميع الهداية والتوفيق إلى صِراطه المستقيم ، وأن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
اللهم ربَّ جبرائيل وإسرافيل وميكائيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنَّكَ تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، كما نَسأله - عز وجل - أن يَهدينا سَواءَ السَّبيل ، وأن يُؤلّفَ بينَ قُلوب المسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
تبلى يدي بعدما خطت أناملها ... كأنه لم يكن طوعاً له القلم
يانفس ويحك نوحي حسرة وأسى ... على زمانك إذ وجداننا عدم
واستدركي فارط الزلات واغتنمي ... شرخ الشبيبة فالأوقات تغتنم
وقدمي صالحاً تزكو عواقبه ... يوم الحساب إذا ماأبليت الأمم
يدوم خطي زماناً في الورى وأنا ... تحت التراب ويبقى وجه بارينا
فأعجب لرسم بقي قد مات راسمه ... وهذه عادة الباري جرت فينا
فرحمة الله تهدى نحو كاتبه ... ياناظراً فيه قل بالله آميناً
لي مطلب من كل قارئ قرأ أن يستر العيب الذي فيه يرى
من خطأ في السبك والتعبير فكلنا مظنة التقصير
وليس يخلو أحد من عيب ثم الدعاء لي بظهر الغيب
ــ
تم الكلام وربنا محمود له المكارم والعلى والجود
وعلى النبي محمد صلواته ما ناح قمري وأورق عود
وكتبه
أبو عبد الملك أحمد بن عبدالله السلمي
كاتب عدل الأحساء الأولى
برئاسة المحاكم
29/10/1427هـ
المُحتَوى
- محتوى الرسالة -
( المقدمة : ... - تقريض فضيلة الشيخ عبد الله عبد الرحمن الجبرين ... 2
- شكر وتقدير . ... 4
- محتوى الرسالة . ... 5
- افتتاحية . ... 8
- أهم الأسباب الداعية للكتابة في هذا الموضوع . ... 13
( تمهيد : ... - كمال الدين و شموليته . ... 26
- أهمية العقيدة . ... 29
- الهدهد الغيور على التوحيد . ... 35
- فائدة مهمة : مسالك أهل البدع في النظر و الاستدلال . ... 37(1/385)
- من أسباب البدع . ... 38
- خطورة البدع . ... 39
- الرد على مُحَسِّني البدع . ... 43
- دعوة للتمسك بالأصلين . ... 60
- موقف الأئمة رحمهم الله من السنة . ... 64
- موقف أصحاب الأئمة الأوفياء من وصاياهم . ... 66
- توطئة [ فضل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ] . ... 67
- مع الصَّحابة - رضي الله عنهم - في تعظيمهم للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - . ... 70
- كيف نُعظِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - . ... 73
- صُوَرٌ من البخسِ . ... 77
( أصل الرسالة : ... - لمحات تاريخية عن الإحتفال بالمولد . ... 81
- أصل الاحتفال بالمولد ونشأته . ... 83
- أول من أحدث المولد . ... 84
- تناقض . ... 88
- مُجملُ أسبابِ النشأة وتفاعلاتها الاجتماعية . ... 91
- عمدة القوم في المولد وغيرها . ... 94
- قضيّة خطيرة . ... 99
- محاورة . ... 101
- ملاحظة مهمة جداً . ... 106
- حكم المولد عند الأئمة الأربعة . ... 109
- وقفةٌ . ... 110
ما يحصل في هذه الموالد من بدع وشركيات وخرافات واعتقادات فاسدة و مخالفات . ... 115
- أهمية السيرة النبوية مع تنبيه مهم .
- المنكرات التي تحصل في الموالد . ... 120
- حكم ضرب الدف . ... 123
- مولد البرزنجي نظما ونثراً ... 132
- قصيدة البوصيري ... 139
- من يوان البرعي . ... 164
- دلائل الخيرات . ... 183
- إحياء علوم الدين للغزالي . ... 192
- موقف القوم من قصائد البوصيري ونحوها . ... 198
- قاصمة الظهور . ... 202
- دمعةٌ على التوحيد . ... 204
- تلبيس وتضليل . ... 223
- مغالطة فاحشة . ... 228
- من شبه المحتفلين بالموالد و دحضها وتفنيدها . ... 231
- فتاوى . ... 345
- قضية خطيرة من أخطر القضايا . ... 271
287
( الخاتمة : ... - وَقفةٌ أخيرة مع أهلِ الموالد . ... 292
- واجبُ طلبة العلم . ... 298
- لا صُوفيّة في الإِسلام . ... 301
- الخلاصة . ... 304
- أهم الوسائل للوقاية من البدع . ... 305
- بعض من كتب في الموالد . ... 306
- المحتوى . ... 311
صَدر للمؤلِّف عفا الله عنه(1/386)
1 : (الإِحداد) و(رسائل أُخرى : الصَّبر ، خُطورة الفَتوى ، موعظة ، كلمة لا بُد منها في أخطر القَضايا وأهمها) تقريظ الشيخ : عبد الله بن جبرين ، تقديم الشيخ : سليمان الماجد 1418 هـ (ط : مكتبة المعارف) .
2 : (أخطاءٌ شائعة واعتقادات باطلة تتعلَّق بِشهرِ رمضان وزكاة الفِطرِ والعيدين) بتقريض الشيخ : عبد الله بن جبرين . وتقديم : الدكتور صالح بن محمد الحسن . 1416هـ (ط : مكتبة المعارف) .
3 : (أَفراحنا وما لَها وما عليها ومُعالجة بَعض الظّواهر) بِتقريضِ الشّيخ عبد المحسن البنيان . 1418 هـ (ط :دار الذخائر) .
• وللكتاب طبعة أُخرى : مَزيدة ومُنَقَّحة ومُخرَّجة الأَحاديث والآثار مع الحكم عليها تَصحيحاً وتَضعيفاً ؛ سَتصدر بإذنِ الله - عز وجل - قريباً 1427 هـ ( ط دار ابن خزيمة) 0
4 : (وَفاةُ سَيِّدِ البَشَرِ : وما فيها منَ العِظاتِ والعِبَرِ) 1420 هـ (ط : مكتبة المعارف) .
5 : (بِدَعٌ وأَخطاءٌ شائِعةٌ في الجَنائِزِ والقُبورِ والتَّعازِي) ) تقريظ الشيخ : عبد الله بن جبرين 1414 هـ) (رسالة صَغيرة) ( ط مطابع الكفاح .)
6 : (أخلاقٌ على طريقِ الضّياعِ) 1424هـ ( ط دار ابن الجوزي )
7 : (تَزَوَّد للذي لا بُدَّ منهُ) 1423. هـ ( ط دار القاسم )
8 : (خمسمائة حديث لم تثبت في الصِّيام والاعتِكافِ وزكاة الفِطرِ والعيدَين والأَضاحي) 1423هـ (ط دار ابن الجوزي .)
9 : (بِدَعٌ وأَخطاءٌ شائِعةٌ في الجَنائِزِ والقُبورِ والتَّعازِي) تقريظ الشيخ : عبد الله بن جبرين وهو كتابٌ مَبسوط . 1423هـ (ط مكتبة المعارف)
10: قصص وعبر ووقفات ووصايا وعظات 1427هـ (ط دار ابن خزيمة) .
11: بدع وأخطاء تتعلق بالأيام والشهور تقريظ الشيخ : عبد الله بن جبرين 1427هـ ( ط . دار القاسم)
12 : إتحاف الملاح فيما يحتاجه عاقد النكاح .تقديم الشيخ عبد الله المحيسن 1425هـ (ط دار ابن الجوزي ).(1/387)
13 : أحاديث لم تثبت في العقيدة والعبادات والسلوك 1427هـ (ط مكتبة الرشد ) .
14 : (ثلاث رسائل في الدفاع عن العقيدة ) :
الرسالة الأولى : القوادح العقدية في قصيدة البوصيري البردية
الرسالة الثانية : الخيرات من شطحات تنبيهات على ما في دلائل
الرسالة الثالثة : إتحاف الأحياء بخلاصة الكلام على أبي حامد وكتابه الإحياء
وهي بِتقريض :
الشيخ العلامة : د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين .
والدكتور الشيخ : سعد بن ناصر الشثري .
والشيخ : عبد المحسن بن محمد البنيان 1427هـ .
15: إتحاف الأنام بالصلاة والسلام على خير الأنام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
تقريظ العلامة الشيخ : د. عبد الله بن جبرين 1427هـ (ط. دار القاسم) . 16: الإِعلامُ بِحكمِ الموالدِ في الإِسلامِ : تقريظ الشيخ : د. عبد الله بن جبرين وهو هذا الكتاب .(1/388)