آثار
أسماء الله
وصفاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله اللطيف الخبير، الذي له الكمال والجمال والجلال في أوصافه وأسمائه وأفعاله، والصلاة والسلام على أعلم الخلق بربه، أما بعد:
فقد قال ربكم عن نفسه سبحانه:((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) وقال تعالى ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)). وقال حكاية عن يوسف ((إن ربي لطيف لما يشاء)) فما معنى لطيف لما يشاء ؟ قال قتادة: لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن . أيها الإخوة إليكم شيئاً يسيراً من لطفه بعباده حتى قبل الولادة: فمن لطفه خلق الجنين في بطن الأم في ظلمات ثلاث وحفظه فيها وتغذيته بواسطة السرة إلى أن ينفصل ويستقل بالتناول بالفم ثم إلهامه إياه عند الانفصال التقام الثدي وامتصاصه ولو في ظلام الليل من غير تعليم ومشاهدة ، بل فلق البيضة عن الفرخ وقد ألهمه التقاط الحب في الحال ، ثم تأخير خلق السن عن أول الخلقة إلى وقت الاستغناء بالحليب عن السن ، ثم تقسيم الأسنان إلى عريضة للطحن ، وإلى أنياب للكسر وإلى ثنايا حادة الأطراف للقطع ، ثم إستعمال اللسان كالمجرفة وإن تعجب فاعجب لهذه اللقمة التى تناولها من غير كلفة ، سائغة هنيئة مريئة ، فانظر كيف حصلت لك ، فقد تعاون على إصلاحها خلق لايحصى عددهم إلا الله ، من مصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصدها ومنتقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها ، فسبحان اللطيف.(1/1)
أيها الأحبة : ومن لطف الله تعالى الذي لايفهمه كثير من الناس أنه سبحانه يجري على عبده من أصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه وهي عين صلاحه والطريق إلى سعادته ، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم بالجهاد في سبيله الذي لولاه لما حصل التمكين والنصر والعزه قال ابن سعدي رحمه الله تعالى ( فكم لله من لطف وكرم لاتدركه الافهام ، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية أو رياسة أو سبب من الأسباب المحبوبة فيصرفه الله عنها ويصرفه عنه رحمة به ولئلا تضره في دينه ، فيظل العبد حزيناً من جهله وعدم معرفته بربه ، ولا علم ماغفر له في الغيب لحمد لله وشكره على ذلك فإن الله بعباده رؤوف رحيم ، لطيف بأوليائه).
اللهم مارزقتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب ، اللهم الطف بنا في القضاء . اللهم اصرف الشر عنا واصرف عنه واقدر لنا الخير حيثما كان ورضنا به إنك أنت اللطيف الخبير.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العليم الخبير ، الذي لا يعزب عن مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، والصلاة والسلام على أعلم الخلق بربه ، واخبرهم به ، وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين أما بعد:
فإن من أسماء الله الحسنى ((الخبير)) الذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة ولا يجري في الملك الملكوت شيء ولا يتحرك ذرة ولا يسكن ، إلا ويكون عنده خبره.
ولعظيم آثار هذا الاسم فقد ورد ذكره في القرآن خمساً وأربعين مرة منها قوله تعالى ((إن الله بعباده لخبير بصير)) وقوله ((قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير))
ولهذا الاسم الحسن آثار جليلة منها.
أولاً:أن نوقن ان الله هو الخبير بما يكون ، ولا يفوته شيء وإن كان صغيراً دقيقاً:
)) عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير)).
ثانياً:أن الله اخبر بنفسه ، إذ لا أحد أعلم بالله من الله قال سبحانه : (( الرحمن فاسأل به خبيراً )) أي أسأل عنه خبيراً وهو الله تعالى وقال ابن كثير رحمة الله : أي محمد صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى غافر فاسأل عن الله خبيراً عالماً به وبصفاته وبأسمائه ، واعلم الخلق بالله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً:أن الله خبير- أيضاً – بأعمال عباده وأقوالهم ، وما يجول في صدورهم من خير أو شر : ((وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً )) هذه الآية تفسيرها آية أخرى وهي قوله سبحانه : (( ألا يعلم ن خلق وهو اللطيف الخبير )) . فإذا علمنا ذلك وجب علينا أن نعلم أن العليم يريد منا وهو مطلع علينا : أن نتقيه ونعمل بما يجب ، وأن لانعصيه فلا نعمل بما يكره . ولذلك قال جل شأنه : (( واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون )) هذا في الطاعة والتقوى.
وأما في المعصية فقال: ((وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً )) .(2/1)
أي وإن لم تقيموا الشهادة او تكتموا الشهادة مع الحاجة إليها ، فلا تنسوا اطلاع الله تعالى وانه بهذه المعصية خبير سيجازيكم عليها يوم الجزاء . إن الله خبير بأهل الجنة وأهل النار : (( إن ربهم بهم يومئذ لخبير )) فهو خبير بما كان وما يكون وما سيكون : (( ولا ينبئكم مثل خبير )) أي لا ينبئكم أحد مثلي لأني عالم بالأشياء . فاللهم يا عليم يا خبير أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة اللهم احفظنا واهدنا واهد بنا واصلح فساد قلوبنا أنك أنت العليم الخبير.
-2-(2/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحليم الغفور ، الذي له صفات الكمال والجمال والجلال في أسمائه وصفاته وأفعاله والصلاة والسلام على من دعا إلى ربه ودعاه بأسمائه وصفاته أما بعد:
فإن الأسماء الحسنى التي بلغت في الحسنى مبلغ الكمال . وإنه من الضروري المهم أن نعرف أسمائه تعالى ونفقه معانيها، وندرك آثارها على عبادتنا ومعاملتنا ون هذه الأسماء التى بلغت في الحسن غايتها : أسمه تعالى : ((الحليم)) الحليم الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة ، مع معاصيهم كثرة زلاتهم ، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم ، ويستعتبهم كي يتوبوا ((واعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم)). قال ابن القيم في النونية:
وهوالحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوابوا من عصيان
ومن الآثار الجليلة للإيمان باسمه سبحانه الحليم :
أولا:إثبات صفات الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلا فهو يمهلهم ليتوبوا.
ثانيا:أن حلمه سبحانه من صفات كماله، فليس لعجزه عنهم، وإنما إمهال له مع القدرة مع الانتقام ((وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض))
وحلمه أيضا ليس من عدم علمه بما يعمل عباده ن أعمال قال سبحانه ((والله يعلم مافي قلوبكم وكان الله عليما حليما)) وحلمه أيضا ليس لحاجته إليهم، بل يحلم مع استغنائه عنهم ولذلك قال سبحانه ((قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم )).(3/1)
إن حلم الله واسع قد شمل الكفار ، وكامل لا يعتريه نقص ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم )) رواه البخاري . ومن العجب أن يريد الله للناس الرحمة والإمهال ويرفض الجهال والكفار ذلك (( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب )) ((إن كان هذا هو الحق ن عندنا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )). فاللهم حلمك وعفوك اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا اللهم امنن علينا بالتوبة قبل الممات. اللهم لا تعاجلنا بعذابك وعافنا قبل ذلك يا غفور يا رحيم يا حليم .
-3-(3/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العظيم الحليم ذو السلطان القديم ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثرا
أما بعد:
فإنكم أيها الإخوة تعبدون رب له صفات الكما ل وأسماء بلغت في العظمة والحسن مبلغاً، ولنقف مع اسم الله العظيم الذي له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم، فلا يقدر مخلوق أن يثنىعليه كما ينبغي له، ولا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده . قال ابن القيم في نونيته:
وهو العظيم بكل معنى يوجب التـ ــــعظيم لايحصيه من إنسان
قال ابن سعد رحمه الله شارحا هذا البيت:
] واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان : أحدهما انه موصوف بكل صفة كمال ، وله من ذلك الكمال أكمله وأعظمه وأوسعه فله العالم المحيط والقدرة النافذة والكبرياء والعظمة ، ومن عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن أصغر من خردله كما قال ابن عباس غيره [ .
كما قال تعالى: ((وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه )) وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : إن الله يقول (( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما عذبته ))
فلله تعالى الكبرياء والعظمة،الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما إلا هو .
النوع الثاني معاني عظمته تعالى : أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما يعظم الله ، فيستحق جل جلاله من عباده أن يعظموه بقلوبهم ألسنتهم وجوارحهم ، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته والذل له والخوف منه وكثرة ذكره وشكره .. ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال (( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )) وقال (( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه )) .(4/1)
ومن تعظيمه سبحانه انه لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه (( مالك لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً )) هذا وقد أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسبح الله بهذا الاسم في الركوع ، فقال: (( ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل )) الحديث رواه مسلم .
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وشمائلنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا اللهم ياعلي يا عظيم يا ذا العرش العظيم نسألك أن ترحم ضعفنا وتجبر كسرنا وترفع ذلنا، وأن تجعلنا عظماء عندك حقراء عند أنفسنا.
-4-(4/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الشاكر العليم، والصلاة والسلام على القائل:((أفلا أكون عبداً شكوراً)) وعلى آله وصحبه الذين عبدوا ربهم حق عبادته فبهداهم اقتدوا أما بعد:
فإن أسماء الله سبحانه بالغة في الحسن والجمال، متناهية في الكمال والجلال، ومن هذه الأسماء ((الشاكر والشكور)) قال سبحانه: ((ومن تطو خيراً فإن الله شاكر عليم)) وقال أيضاً ((ليوفيهم أجورهم ويزيد هم من فضله إنه غفور شكور )) قال السعدي رحمه الله: ]الشاكر والشكور: الذي يشكر القليل من العمل ، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغير حساب ، ويشكر الشاكرين ،ويذكر من ذكره ، ومن تقرب إليه بشيء من الأعمال الصالحة تقرب الله منه أكثر [وقال :]من أسمائه تعالى ((الشاكر والشكور )) الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه ب يضاعفه أضعافاً مضاعفة ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، وقد اخبر في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بمضعفة الحسنة الواحدة بعشر إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وذلك من شكره لعباده .. ومن فعل لأجله أعطاه فوق المزيد ومن ترك شيئاً لأجله عوضه الله خيراً منه ، فهو الذي وفق المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك وأعطاهم من كراماته ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكل هذا ليس حقاً واجبا عليه ، وإنما هو الذي أوجبه على نفسه جوداً نه وكرماً..فما أصاب العباد من النعم ودفع النقم فإنه من الله تعالى فضلاً منه وكرماً، وإن نعمتهم فبفضله وإحسانه، وإن عذبهم فبعدله وحكمته وهو المحمود على جميع ذلك[.(5/1)
أيها الإخوة: فما دام الله شاكراً، وأنه شكور يعطي على القليل كثيراً، إذاً: فعلينا أن لا نستصغر شيئاً من أعمال البر كما قال صلى الله عليه وسلم ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) وقال ((اتقوا النار ولو بشق تمر، فإن لم يجد فبكلمة طيبه )) بل اسمعوا أعظم من ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم عن مقدار الثمرة في الصدقة: ((فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كمما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )) فلوه أي: الأنثى الصغير من الخيل.
ومما يجب أن نعله : أن هذه الأعمال الصالحة من أولها إلى آخرها لا يمكن أن تكون ثمناً للجنة السرمدية ، جنة الخلد ، إلا بفضل هذا الشاكر العليم سبحانه (( لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة )) الحديث رواه مسلم. فاللهم يا غفور يا شكور وفنا أجورنا وزدنا من فضللك.اللهم ضاعف لنا الحسنات وأغفر لنا السيئات يا شكور يا حليم.
-5-(5/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الغفور الشكور، والصلاة والسلام على عبده الشكور، وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين أما بعد:
فإن الحديث لا يزال موصولاً عن اسم من أسمائه الحسنى تبارك وتعالى ـ وقدمر بعض الكلام عن ذلكم الاسم العظيم وهو:( الشكور و الشاكر) وعرفنا دليله ومعناه وبعضاًمن آثاره، والآن نستكمل بقية الآ ثار في اسم (الشكور والشاكر) وأحسن من تكلم عن هذا الاسم من العلماء هو الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ـ إذ يقول:(( وأماشكر الرب فله شأن آخر... فإنه يعطى العبد و يوفقه لما يشكره عليه، ويشكر للقليل من العمل و العطاء فلا يستقله أن يشكره، و يشكره الحسنه بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفه. ويشكر عبده بقوله بأن يثنى عليه بين ملائكته وفى ملئه الأعلى، ويلقى له الشكر بين عباده 0 ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئاً أعطاه أ فضل منه، وإذا بذل له شيئاً ـ أي عبده رده عليه ـ أي الله ـ أضعافاً مضاعفة 00 ولما عقر نبيه سليمان الخيل غضبا له إذ شغلته عن ذكره، فأرد أن لا تشغله مرة أخرى، أعارضه منها متن الريح، ولما ترك الصحابة ديارهم، وخرجوا منها في مرضاته، أعاضهم(6/1)
منها أن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم 0 ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك ومكن له في الأرض يتبوا منها حيث يشاء 000 ولما بذل رسل أعراضهم فيه لأعدائهم، فنالوا منهم وسبوهم، أعاضهم من ذلك بأن صلى عليهم ـ أي أثنى عليهم ـ وهو وملائكته 000 فأخلصهم بخالصة ذكرى الدار 0 ومن شكره سبحانه: أن يجازي عدوه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا ويخفف به عنه يوم القيامة، وأنه غفر للمرأة البغي بسقيها كلباً كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى، وغفر لآخر بتنحيته غصن شوك عن طريق المسلمين 0فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لفضله 000 وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يحسن به إلى نفسه000 فهو المحسن بإعطائه الإحسان وإعطائه الشكر، فمن أحق باسم الشكور منه سبحانه ؟000 فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته إلا هالك فإنه سبحانه غفور شكور ، يغفر الكثير من الزلل ويشكر القليل من العمل 0 ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه إليه من أتصف بصفة الشكر ، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها واتصف بضدها0 فاللهم يا شكور يا حليم تجاوز عن الذنب الكثير واقبل عل اليسير 0 اللهم يا شاكر يا عليم اقبل توباتنا واغسل حوباتنا0
-6-(6/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
فإن لأسماء الله تعالى جلال في القلب وجمال في الحياة وكمال في النفس 0 ومن هذه الأسماء الجليلة الجميلة الكاملة [العلي و الأعلى والمتعال] وقد ورد اسم العلي في القرآن في ثمانية مواضع منها قوله تعالى (( وهوا لعلي العظيم)) (( فالحكم لله العلي الكبير )) ((إنه علي حكيم )) وأما الأعلى فقد جاء في قوله تعالى (( سبح اسم ربك الأعلى )) وقوله ((إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى )) وأما المتعال فقد جاء مرة واحدة في قوله سبحانه: (( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال )) 0
أيها الإخوة: جاءت صفات علو الله ـ سبحانه ـ في ثلاثة من أسمائه الحسنى وذلك دال على أن جمع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، ومعاني العلو ثلاثة كلها نثبتها
لربنا ـ جل في علاه ـ وهي:
أولاً: علو بالذات فإنه فوق المخلوقات، وعلى العرش استوى، أي علا وارتفع 0
ثانياً: علو القدر وهو علو الصفات وعظمتها، فلا يماثل صفته مخلوق بل لا يقدر الخلائق كله أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى((ولا يحيطون به علماً)) وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته0
الثالث: علو القهر، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم، فنواصيهم بيده، وما شاء الله كان لا يمانع فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه(( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير)) 0
إذاً أيها الأحبة: فنثبت العلو المطلق لله رب العالمين بكل معانيه دون أن نعطل أو نؤول شيئاً، لأن ذلك تحكم لما يأذن الله به، قال ابن القيم في النونية:
وهو العلي فكل أنواع العلو مثبته له بلا نكران
إن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله عالٍِ على كل شيء وفوق كل شيء ولاشيء(7/1)
فوقه بل هو فوق العرش كما أخبر عن نفسه وهو سبحانه أعلم بنفسه: ((الرحمن فاسأل به بصيراً )) اللهم يامن جل في علاه نسألك أن تنصرنا على من بغى علينا، وأن تكفينا شر الأشرار، اللهم يا علي يا كبير ارحم ضعفنا وتول أمرنا0
-7-(7/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله قدر الأقوات، و الصلاة و السلام على خبر البريات، وعلى آله وصحبه و التابعين إلى يوم الممات، أما بعد: فإن أبواب العلم بعضها أشرف من بعض، وقد ذكر العلماء أن أ شرف العلوم ثلاثه
منها: علم الأسماء و الصفات و التوحيد حتى لقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى
( فمن فتح له باب من الفقه في أحكام الأسماء والصفات 000 علم أن الأمر كما أخبرت له الرسل 00 وهذا أي باب الأسماءو الصفات –باب عزيز من أبواب الإيمان فيفتحه على من يشاء من عباده، ويحرمه من يشاء ) أ0هـ
أيها المؤمنون بالله، العارفون بأسمائه الحسنى: لنتعرف على اسم من أسماء الله الحسنى وهو:المقيت
وقد ورد مرة واحد في قوله تعالى:( (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً))
قال الشيخ ابن السعدي ـ رحمه الله ـ ( المقيت الذي أوصل إلى كل موجود مابه يقتات، وأوصل إليها أرزاقها، وصرفها كيف يشاء بحكمته وحمده ) وقال غيره: القدير والقادر على كل شيء فهما معنيان للمقيت:
الأول: أنه خالق ألأقوات وموصلها فيكون بمعنى (( الرزاق ))
الثاني: أنه المطلع القادر على كل شيء فيكون بمعنى ((القدير )) وعلى كلا المعنيين فاسم المقيت دال على الكمال الذي لانقض فيه وعلى الجمال الذي لاقبح فيه 0
ونستفيد فائدة جليلة وأثراً بليغاً من معنى هذا الاسم 0وهي: أن الله هو المقيت الذي خلق الأقوات وقدرها بفضله وحكمته، وأنه ليس المقصود بالقوت هو قوت البدن فقط، بل يتعداه إلى قوت الأرواح بالعلم والإيمان والهداية بل هو القوت الحقيقي قال الشاعر:
فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طمعت وأن شربتا(8/1)
فلكل مخلوق قوت، فالأبدان قوتها المأكول والمشروب، والأرواح قوتها العلوم، والملائكة قوتها التسبيح، والمؤمنون قوتهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأفضل رزق وقوت يرزقه الله العبد: العقل، فمن حرمه فقد حرم فاللهم يا مقيت يا رزاق يا قدير نسألك أن تلبسنا لباس التقوى خير لباس وتزيننا بالأيمان اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح 0
-8-(8/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحفيظ على كل شيء، الحافظ من كل سوء، والصلاة والسلام على من حفظ الله فحفظه وعصم من الناس، أما بعد :
فقد قال الحق سبحانه (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) فقد وصفها سبحانه بأنها حسنى ليس فيها قبح أبداً. ولنأخذ الآن اسماً نعرف وجه الحسن لله تعالى، وهو ماسمى به نفسه وسماه رسوله ب: (( الحفيظ )) و((الحافظ )) ولقد ورد في القرآن بلفظ الحفيظ ثلاث مرات . ففي هود (( إن ربي على كل شيء حفيظ)) وفي سبأ
(( وربك على كل شيء حفيظ )) وفي الشورى (( والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم )) وقد ورد اسمه (( الحافظ )) مرة واحدة في سوره يوسف (( فالله خير حافظاًً وهو أرحم الراحمين )) وأما تفسير الاسمين ( الحفيظ والحافظ ) فقد ذكر العلماء انه يشتمل على معنيين ، أحدهما أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية ، وكتب ذلك في اللوح محفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة وأحصى مقاديرها والجزاء عليها من ثواب أو عقاب أو عفو وفضل .
المعنى الثاني لاسمه الحفيظ أو الحافظ : أنه الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون وذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ] إن الله إذا استودع شيئاً حفظه [ .
قال ابن القيم في النونية:
وهو الحفيظ عليهم وهو الكفـ ـــيل بحفظهم من كل أمر عان
وحفظه لخلقه نوعان: عام وخاص: فالعام يشترك فيه الكافر والمؤمن بل حتى الحيوانات من الرزق والحياة، ودفع المكاره والمضار، فهو الذي وكل بالآدمي حفظ من الملائكة (( يحفظونه من أمر الله )) أي يدفعون عنه ما يضره و يحفظ الخلائق بنعمه، ويحفظ السموات والأرض أن تزولا 0(9/1)
والنوع الثاني: حفظه الخاص لأوليائه إضافة إلي الحفظ العام لهم، يحفظهم عما ينقص إيمانهم من الشبهة والشهوات، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس ويدافع عنهم (( إنا الله يدافع عن الذين آمنوا فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه وحفظه له بلطفه وقد قال صلى الله عليه وسلم (( احفظ الله يحفظك )) أي : يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك وفي جميع ما كان من فضله 0 أيها الإخوة : الله تعالى حفيظ على كل شيء ، فقد حفظ القرآن من التحريف والتغيير وحفظ بيته الحرام ، والكعبة مند آلاف السنيين وحفظ دينه بالطائفة المنصورة وحفظ أعمال العباد وحفظ سماواته فاللهم يا حفيظ يا عليم نسألك أن تحفظ علينا ديننا وأعراضنا ، اللهم اخفضنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ، اللهم اخفضنا بحفظك واكلأنا برعايتك 0
-9-(9/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم الأكرم، الذي يجود بالنوال قبل السؤال، والصلاة والسلام على أكرم الخلق على الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله تعالى سمى نفسه باسم لا أحد أحق به منه، مدح نفسه بهذا الاسم العظيم وهو للحمد والمدح أهل، وذلك في قوله سبحانه (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم )) فمن أكثر كرما ممن يعاتب عباد ويذكرهم أنه كريم، ولذلك قال احد السلف لو قال لي ربي: ما غرك بربك الكريم ؟ لقلت: كرمك يا ربي !.
وقال سبحانه: (( ومن كفر فإن ربي غني عن كريم )) وقال لنبيه ((اقرأ وربك الأكرم)).وإذا أردت أن تعرف هذا الكرم الإلهي الذي لانتهى له فاسمع إلى هذا الأثر الحسن ؛إذ يقول ربك الكريم: ((ابن آدم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل ، وشرك إلى صاعد، كم أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك ، وكم تتبغض إلى المعاصي وأنت فقير إلي ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح )).
وقال الفضيل بن عياض: ما من ليلة يختلط ظلامها إلا نادى الجليل جل جلاله : ((من أعظم منى جوداً ، الخلائق لي عاصون ، وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ، كأنهم لم يعصوني ، وأتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا ،أجود بالفضل عن العاصي ، وأتفضل على المسيء ، من ذا الذي دعاني فلم ألبه ، ومن ذا الذي سألني فلم أعطه ، أنا الجواد ومني الجود ، أنا الكريم ومني الكرم ، ومن كرمي أني أعطي العبد ما سألني ، وأعطيه مالم يسألي ومن كرمي أني أعطي التائب كأنه لم يعصني ، فأين عني يهرب الخلق ، وأين عن بابي يتنحى العاصون)).
أيها الأخ المؤمن الراجي لربه: (( متى جئتني قبلتك إن أتيتني ليلاً أو نهاراً قبلتك،(10/1)
وإن تقربت مني شبراً تقربت منك ذراعاً، وإن تقربت مني ذراعاً تقربت منك باعاً، وإن مشيت إلى هرولت إليك. ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم أاستغفرتني غفرت لك ولا أبالي.. الحسنة عندي بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له، أشكر اليسير ممن العمل واغفر الكثير من الزلل. فيا من ستر القبيح وأظهر الجميل اللهم يا ذا الجود الكرم، اللهم أكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأعطنا ولا تحرمنا. اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك فنهلك إنك أنت الغني الكريم.
-10-(10/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الجود الكريم، والمواهب لجميع النعم، والصلاة والسلام على من أعطاه ربه فأرضاه، وعلى آله وصحبه وممن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سبق الحديث عما يتعلق باسم تعالى: الكريم الأكرم والآن نستكمل الكلام عن آثار هذا الاسم، وأبلغ وأصدق وأنصح من يحدثنا عن ذلك، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلم الخلق بربه، فيقول: ((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً )) حديث حسن رواه أحمد 0 فاعجب لكريم بلغ من كرمه أن يستحي أن يرد سائله، بل وأعظم من ذلك انه يغضب، نعم ! إذا تركت سؤاله و دعاءه 0
وهو الذي عم الجميع بعطائه حتى على إبليس أن أهمله وأنظره وتركه وما اختار لنفسه ولم يعالجه 0
أيها الإخوة المؤمنون المتعرضون لكرم الكريم سبحانه:
إن أعظم كرم يكرم به الله العبد أن يوفقه للتوبة ثم يقبلها منه وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: فهو الذي جاد بأن وفقه للتوبة و ألهمه إياها ثم قبلها منه فتاب عليه أولاً و آخراً، فتوبة العبد محفوفة بتوبة قبلها عليه من الله إذناً و توفيقاً، وتوبة ثابتة منه عليه قبولاًورضى، فله الفضل في التوبة و الكرم أ ولاً وآخراً لا إله إلاهو0
و لتعرف كرم ربك في التوبة فتأمل قوله تعالى ((إلا من تاب و آمن و عمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات )) ولم يقل مكان كل واحدة واحدة، فهذا يجوز أن يبدل السيئة الواحدة بعد حسنات بحسب حال المبدل،، أ .هـ
وتأمل أيضا كرم آخر، في قول النبي صلى الله عليه و سلم: ] إني لأعلم آخر رجل يخرج من النار، يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: عملت يوم كذا؛ كذا و كذا. وهو مقر لا ينكر، وهو مشفق ممن كبارها 0 فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنه، فبقول: إن لي ذنوباً ما أراها هاهنا [ قال أبو ذر: فلقد رأيت رسول صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، رواه الترمذي بسند صحيح.(11/1)
فتبارك الله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، فمن عظيم كرمه أن يبدل عقاب السيئة بثواب إذا العبد تاب0فـ: لاإله إلا الله، مااعظم كرم الله !0
اللهم ياذا الجود و الكرم نسألك أن لا تتوفانا إلا وأنت راض عنا اللهم يا من تبدأ بالنوال قبل السؤال، نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم اللهم يا أكرم الأكرمين لغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، يامن يده سحاء الليل والنهار لاتغيضها نفقة نسألك من فضلك وجودك وإحسانك إنك أنت الأعز الأكرم0
اللهم أنت الحيي الكريم الذي تستحي أن ترد عبدك إذا دعاك نسألك أن تجيب دعاءنا ياذا الجلال والإكرام0
ـ11ـ(11/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل [ وكان الله على كل شيء رقيباً ] والصلاة والسلام على أتقى الناس لله وأخشاهم له وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فان لله الأسماء الحسنى، والصفات العلا التي لا يعتريها قبح، لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه، ولنضرب على ذلك مثلا في اسم من أسمائه تعالى وهو: (( الرقيب )) فقد قال عن نفسه وهو اصدق القائلين (( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا))وقال حكاية عن عيسى: (( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم )) فما معنى الرقيب، وعلى أي شيء يشتمل ؟ قال ابن القيم في النونية: وهو الرقيب على الخواطر واللواحظ كيف بالأفعال بالأركان 0
وهو الرقيب على الخواطر واللوا حظ كيف بالأفعال بالأركان
أي هو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، فالله هو المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت 0
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن اسمه سبحانه ( الرقيب ) قال: (وهو نور يقع في القلب، يريه ذلك النور: انه واقف بين يدي ربه عز وجل، فيستحي منه في خلواته وجلواته، ويرزق عن ذلك ـ: دوام المراقبة للرقيب، ودوام التطلع لعلي الأعلى، حتى كأنه يراه ويشاهد ه فوق سماواته، مستويا على عرشه، ناظرا إلى خلقه، سامعاً لأصواتهم، مشاهداً لبواطنهم0 فإذا استولى عليه هذا الشاهد غطى عليه كثيراً من الهموم بالدنيا ومافيها، فهو في وجود والناس في وجود آخر 00وقال:( المراقبة000
هي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على علمه كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين 000 والمراقبة هي التعبد باسمه ((الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير )) فمن عقل هذه الأشياء وتعبد بمقتضاها، حصلت له المراقبة 0(12/1)
أيها الإخوة: إذا عرفنا اسم الله (الرقيب ) حق المعرفة وراقبنا الله تعالى في أعمالنا قبل العمل وبعده، فإن ذلك يثمر لنا سعادة وانشراحا سرمدياً عظيماً لقربنا من ربنا عز وجل، ومن لم يجد هذا السرور ولا شيئا منه فليتهم إيمانه وأعماله، حتى لقد احد السلف: إنه لتمربي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب 0 اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، اللهم يامن لا تخفى عنه خافية احفظ علينا ديننا انك على كل شيء رقيب 0
ـ12ـ(12/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواسع العليم والصلاة والسلام على من عرف ربه في سعة علمه ورحمته وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين أما بعد:
فإن ربكم سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، وقد اختار لنفسه من الأسماء أحسنها ومن الصفات أعلاها0 ولنقف عند واحد من هذه الأسماء لنتعبد لله بمقتضاه، وندعوه به، ممتثلين قوله سبحانه: ((ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ))0 إن الله سمى ذاته المقدسة بـ(الواسع) في تسع آيات من كتابه، منها قوله سبحانه ((فأينم تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم )) وقال ((وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما))0
والواسع مشتق من السعة فهو سبحانه الواسع لمطلق في أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته ومتعلقاتها بحيث لا يحصي أحد ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه 0 وحسبما بلغ علمنا وفهمنا لكلام أهل العلم، تبين أن الله واسع في عدة أمور منها:
أولاً: أن الله واسع في علمه، ولذلك جاء في اسمه (الواسع ) مقترنا بالعليم في سبع آيات من كتابه كقوله ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ))0(( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما )) أي أحاط علمك بكل شيء ((ولا يحيطون بشيء من علمه )) 0
وإذا أردت أن تعرف مدى سعة علمه سبحانه، فاستمع إلى قوله عز وجل : ((ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم )) . أي لو أن أشجار الأرض كانت أقلاما و البحار حبرا وسبعه بحار مثلها، و كتبت بتلك الأقلام من ذلك البحر كلمات الله، لنفذت البحار قبل أن ينفذ ما عند الله من علم و حكمة وآيات .(13/1)
ثانياً: أن الله واسع الرحمة، فإن رحمته شملت جميع مخلوقاته حتى الحيوان بل وحتى الكافر (( ورحمتي وسعت كل شئ )) وقد وسعت رحمة أرحم الراحمين جميع مراحل الإنسان و مراحل الحياة الدنيا والآخرة. قال ابن القيم رحمه الله ( بها أرسل إليهم رسله، وأنزل إليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم و عافاهم و أنعم عليهم )) أ.هـ.
وقال تعالى (( ربنا وسعت كل شئ رحمة و علما ))
ثالثاً: انه سبحانه واسع المغفرة، قال تعالى: (( الذين يجتنبون كبائر الاسم و الفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة )) فإن صغار الذنوب مع الإتيان بالواجبات
وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شئ، فلولا مغفرته لهلكت البلاد و العباد وللحديث بقيه نكملها في كلمة قادمة
اللهم يا من وسع علمه كل شئ ارحم ضعفنا وتول أمرنا. اللهم يا واسع المغفرة اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا.
-13-(13/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وسعت رحمته وحكمته ومغفرته وعلمه كل شيء، والصلاة والسلام على السراج المنير، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سبق الكلام عن اسم سمى الله به نفسه وعظمه في كتابه وأثنى به على ذاته سبحانه، وهو:الواسع0 وعرفنا في كلمة سابقه أن الله واسع في عدة أمور، وذكرنا منها: 1ـ أن الله واسع في علمه2- أن الله واسع في رحمته0
3ـ أن الله تعالى واسع في مغفرته 0
والآن نتكلم عن الأمر الرابع في كون الله هو الواسع، وهو:
4ـ أن الله واسع في حكمته: قال سبحانه في كتابه العزيز عن الزوجين: (( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيما)) 0
قال ابن السعدي رحمه الله:( يغني الله الزوج والمرأة المطلقة من سعة فضله أما هذه فبزوج هو أصلح لها من المطلق الأول، أو برزق واسع وعفة، أما فبرزق واسع وزوجة هي أصلح له من المطلقة أو عفة (وكان الله واسعا )لهما في رزقه إياهما وغيرهما من خلقه (حكيماً) فيما قضى بينه وبينها في الطلاق
إذا في الطلاق سعة، ولذلك نسمع هذه الأيام أن الغرب الكافر يتجه لإباحة الطلاق عندهم بعد أن حرموه على أنفسهم، وضيقوا ما وسع الله عليهم 0
خامساً: أن الله واسع الكرم والفضل والعطاء فالخلق كلهم يتقلبون بين هذا الكرم المتناهي، ومن كرمه انه يجازي على النفقة واحدة سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ((والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )) ومن واسع كرمه انه يعدنا ((مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم )) 0
سادساً: انه تعالى واسع السمع، وفي ذلك تقول عائشة رضي الله عنها [ تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة وإنه ليخفى علي بعض كلامها فأنزل الله ((قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )) الآيه0(14/1)
سابعاً: أنه ـجل في علاه ـ واسع الخلق والعظمة: ولذلك هذه السموات والأرض خلقها على عظمها، ولكن الكرسي أعظم منها، قال تعالى ((وسع كرسيه السموات والأرض )) ولا تسعه أرضه ولا سماواته ولم تحط به مخلوقاته 0 قال ابن القيم رحمه الله: "العرش نحيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى (( ورحمتي وسعت كل شيء )) 0 فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء 0 اللهم يا واسع يا حكيم اجعل ما وسعت علينا عونا على طاعتك 0 اللهم يا واسع الكرم نسألك من فضلك وجودك 0 اللهم وسع سمعك الأصوات اللهم اجب دعاءنا 0 اللهم يا ذا الجلال والإكرامارزقنا خوفا يجنبنا معصيتك، وهيبة من عظمتك 0 -14-(14/2)