كعب الأحبار
هل له ضلع في حادثة مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
طارق محمد سكلوع العمودي
مسؤول الشؤون العلمية والتوجيه بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية
أصدر الدكتور عبد العزيز بن محمد اللميلم ؛ أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض كتابًا
بعنوان ( وضع الموالي في الدولة الأموية )(1) ، عرض فيه بالتابعي كعب بن ماتع الحميري ، المعروف بكعب الأحبار رحمه الله ، واتهمه بأنه شريك في التخطيط لقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وعده ممثلاً لليهودية العالمية ؛ التي تآمرت مع الفرس في هذه الجريمة .
وقد أدهشني كثيرًا هذا الاتهام ، خاصة وأنني لم أجد فيما قرأت أحدًا من أهل العلم الذين يعتد بهم من قال بذلك صراحة أو ضمنًا ، وسواء في ترجمة كعب الأحبار ، أو في أخبار مقتل الفاروق - رضي الله عنه - .
__________
(1) الطبعة الأولى ، سنة 1410هـ ، وقد طُبع بالأردن بجمعية عمال المطابع التعاونية .(1/1)
وكنت منذ سنين عدة حققت في رسالة تخرجي من كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية كتاب ( نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين ) لخاتمة الحفاظ الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله واسترعى انتباهي لدى تحقيقي للكتاب المذكور رواية جمع من الصحابة عن كعب الأحبار ، كما رأيت في كتب الحديث المسندة روايات الصحابة عنه(1) ، و تدوينهم أخباره وحِكَمِه ، ويخبر به عن التوراة من أمور مستقبلية ، والفتن والملاحم ، أو ما يؤيد ما في كتاب الله وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، فطرأت في ذهني حينها كتابة بحثٍ موسّع ؛ أسرد فيه ما رواه الصحابة فقط عن كعب الأحبار مرتباً على أحرف أسماء الصحابة .
وبدأت بجرد ما يقع تحت يدي من كتب الحديث وما يتصل بها قراءةً ، وقطعت في ذلك شوطاً ، ثم فترت لانشغالي بأمور علمية وحياتية أخرى، حتى إذا ما أتيت إليه مرة أخرى لإكماله وقع نظري على كتاب الدكتور ، فرأيت أن أتوقف حتى أرى صحة هذا الاتهام ؛ خصوصاً أنَّ دافعي لكتابة البحث السابق الذكر هو انبهاري بمدى علم الرجل وبروزه ، وهو حديث عهد بالإسلام .
__________
(1) وقد صحت أسانيد روايات كثير من الصحابة عن كعب الأحبار ، وقد نصّ الذهبي كما سيأتي على أسماء بعض من حدث من الصحابة عن كعب ، ولمّا ثبت مثل ذلك استدعى وضع مصطلح ( رواية الصحابي عن التابعي ) الذي كان ضمن نوع ( رواية الأكابر عن الأصاغر ) في مصنفات مصطلح الحديث ؛ حتى جعله نوعاً مستقلاً الذهبي وتبعه السيوطي . انظر مقدمة تحقيقي لكتاب ( نزهة السامعين ) ( ص 7 - 9 ) ولي فيها زيادات ليس هنا مجال ذكرها .(1/2)
هو كعب بن ماتع الحميري(1) ، أبو إسحاق ، من آل ذي رُعين ، ويقال : من ذي الكلاع ، ثم من بني مَيتم ، اليماني ، من مسلمة أهل الكتاب ، فقد كان على الديانة اليهودية ، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يره ، و أسلم بعد وفاته .
__________
(1) مصادر ترجمته : ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم (5/364) ، طبعة دار الكتب العلمية ببيروت ، ( تهذيب الأسماء واللغات ) للنووي (2/68-69) طبعة دار الكتب العلمية ، ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر (/151-176 ) تحقيق عمر العمروي ، دار الفكر، ط1 ، 1417 هـ ، ( تهذيب الكمال ) للمزّي (24/189-193) تحقيق بشار عواد ، مؤسسة الرسالة بسوريا ، ط1 ، 1413هـ ، ( سير أعلام النبلاء ) للذهبي ( 3/489-494) تحقيق محمد العرقسوسي وآخرين ، مؤسسة الرسالة ، ط 9 ، 1413هـ ، ( تذكرة الحفاظ ) للذهبي (1/49) الطبعة الهندية ،
( تهذيب التهذيب ) لابن حجر ( 8/438-40 ) ، الطبعة الهندية ، ( الإصابة ) لابن حجر (5/647-651) ، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار الجيل ببيروت ، ط1 ، 1412هـ ، ( تقريب التهذيب ) لابن حجر ( 5684 ) ، تحقيق صغير أحمد شاغف ، دار العاصمة بالرياض ، ط1 ، 1412هـ ، ( شذرات الذهب في أخبار من ذهب ) لابن العماد الحنبلي (1/201) ، تحقيق محمود الأرناؤوط ، دار ابن كثير بدمشق ، ط1 ، 1406 هـ ، ( الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر الحجاز ) لعبد الغني النابلسي (ص34) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986م. وتنسحب هذه المصادر نفسها على ما سيأتي تحت عنوان : ( أقوال الناس فيه ) .(1/3)
واختلف في زمن إسلامه ، فقال الحافظ جمال الدين المزي في تهذيب الكمال : ( أسلم في خلافة أبي بكر الصدّيق ، ويقال : في خلافة عمر بن الخطاب ) ، وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء : أنه قدم المدينة من اليمن في أيام عمر - رضي الله عنه - فجالس أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية ، وعجائبها ، ويأخذ السنن عن الصحابة ، ورجَّح الحافظ ابن حجر في الإصابة أنَّ إسلامه كان في خلافة عمر .
حدّث عن عمر ، وصهيب ، وغير واحد ، وحدّث عنه من الصحابة : أبو هريرة ، ومعاوية ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير ، وخريم بن فاتك ، ومعاذ بن أنس ، وهذا من قبيل رواية الصحابي عن التابعي ، والذي وصفه الذهبي بأنه نادر عزيز .
وسأل العباس بن عبد المطلب كعباً : ما منعك أن تُسلم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر حتى أسلمت الآن على عهد عمر ؟ فقال كعب : إنَّ أبي كتب لي كتاباً من التوراة ودفعه إليَّ ، وقال : اعمل بهذا ، وختم على سائر كتبه ، وأخذ عليَّ بحق الوالد على ولده أَلاَّ أفض الخاتم ، فلما كان الآن ورأيت الإسلام يظهر ولم أر بأساً ، قالت لي نفسي : لعل أباك غَيَّبَ عنك علماً كتمك فلو قرأته . ففضضت الخاتم ، فقرأته ، فوجدت فيه صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، فجئت الآن مسلماً .
وسمي بـ ( كعب الأحبار ) ، أو ( كعب الحبر ) لكثرة علمه .
وفي تاريخ دمشق أنَّ ابن سيرين كره أن يقول ( كعب الأحبار ) ولكن ( كعب المسلم ) ، وذلك باعتبار أنَّ لفظة ( الأحبار ) وصف ينصرف إلى علماء اليهود ، كـ ( الرهبان ) وصف ينصرف لعلماء النصارى ، فلذا كره ذلك .(1/4)
وسكن بالشام بأخرة ، وكان يغزو مع الصحابة ، كمعاوية بن أبي سفيان وأبي الدرداء ، وشداد بن أوس ، والمقداد بن الأسود لدى غزوهم قبرص(1)
وتوفي بحمص ذاهباً للغزو في أواخر خلافة عثمان - رضي الله عنه - سنة 32 للهجرة ، أو 33 ، أو 34 ، وعلى الأول الأكثر كما قال السخاوي . وقد بلغ مئة سنة وأربع سنين .
روى محمد بن عائذ الدمشقي في ( الصوائف والشواتي )(2) ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق )(3) عن أبي فوزة السلمي ، قال : خرج بعث الصائفة ، فاكتتب فيه كعب ، فلما أنفر البعث ، أُخرج كعب ، وهو مريض ، وقال : لأن أموت بحَرَستَا أحبّ إلي من أن أموت بدمشق ، ولأن أموت بدومة أحبّ إليَّ من أن أموت بحرستا ، هكذا قُدمُاً في سبيل الله - عز وجل - ، قال : فمضى ، فلمّا كان بفج معلولا ، قلت أخبرني ، قال : شغلتني نفسي ، قلت : أخبرني : قال : إنه سيقتل رجل يضئ دمه لأهل السماء . ومضينا حتى إذا كنا بحمص توفي بها ، فدفنّاه هنالك بين زيتونات بأرض حمص ، ومضى البعث فلم يقفل حتى قُتل عثمان .
__________
(1) انظر ( الأموال ) لابن زنجويه (1/374-375) ، تحقيق شاكر ذيب فياض ، منشورات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ، ط1 ، 1406 هـ .
(2) كما في مستخرجه الذي جمعه الدكتور سليمان السويكت ؛ انظر النص رقم 10 ، والمنشور في مجلة ( أم القرى ) العدد (21) من المجلد 13 .
(3) 12/241-242) ، (50/174) .(1/5)
وعليه فما ذكره كل من : تقي الدين المقريزي ( ت 845هـ ) في ( خططه ) المسماة بـ ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار )(1) ، والحافظ السخاوي ( ت 902هـ ) في كتابه ( البلدانيات )(2) بأنه يقال إنَّ قبر كعب الأحبار بالجيزة بمصر مردود بالرواية الآنفة الذكر ، والتي فيها التصريح بدفنه بين شجر الزيتون بأرض حمص ، أضف إلى تصدير زَعْمهما هذا بصيغة التضعيف ( يقال ) فكأنه لا يثبت ذلك لديهما ، وإنما ذكراه من باب الحكاية .
وللفائدة فقد ذكر هذه القصة عن كعب ابن النحاس ( ت 814هـ ) في كتابه القيّم ( مشارع الأشواق إلى مصارع العشّاق ومثير الغرام إلى دار السلام ) - في الجهاد وفضائله -(3) كشاهد لحديث علي بن أبي طالب مرفوعاً : كلما ازداد الغازي في سبيل الله من أهله بعداً ازداد من الله قرباً .
ونستشف من ذلك أنَّ الرجل مع علمه الجم - كما سيتضح - كان عاملاً بعلمه ، غازياً في سبيل الله ، وله أقوال موفورة في فضائل الجهاد والحث عليه مبثوثة في مصنفات الجهاد وفضائله ، أو الفصول المعقودة في الجهاد وأحكامه في كتب الحديث ، ولولا خشية الإطالة لذكرت طرفاً منها ، ونظرة في كتاب ابن النحاس السابق الذكر ، وكتاب ( الجهاد ) للإمام المجاهد أمير المؤمنين في الحديث عبد الله بن المبارك ( ت 181 هـ ) ؛ تؤكد ذلك .
وقد روى لكعب : مسلم في صحيحه ، و أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم ، أما البخاري فقد جرى ذكره في صحيحه لا رواية عنه ، والله أعلم .
قال فيه الصحابي أبو الدرداء : إنَّ عند ابن الحميرية لعلماً كثيراً .
وقال معاوية بن أبي سفيان : ألا إنَّ كعباً أحد العلماء ؛ إن كان عنده لعلم كالثمار وإن كنا فيه لمُفَرِّطين .
__________
(1) 1/206) ، طبعة دار صادر ببيروت .
(2) ص 142) ، تحقيق حسام القطان ، دار العطاء بالرياض ، ط1 ، 1422 هـ .
(3) 1/231) ، تحقيق إدريس محمد علي وآخر ، دار البشائر الإسلامية ببيروت ، ط2 ، 1417هـ .(1/6)
وقال عبد الله بن الزبير لما أُتي برأس المختار : ما وقع في سلطاني شيء إلا أخبرني به كعب ، إلا أنه ذكر لي أنه يقتلني رجل من ثقيف ، وهذه رأسه بين يدي ، وما درى أنَّ الحجاج خبئ له .
وذكره الإمام الحافظ أبو بكر هبة الله اللالكائي فيمن عُرف بالإمامة في السنة والاستقامة ، فقال في كتابه ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة )(1) : ( باب سياق ذكر من رُسِمَ بالإمامة في السنة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ثم ذكر كعباً تحت الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة .
وقال النووي : واتفقوا على كثرة علمه وتوثيقه .
وذكره ابن عبد الهادي في كتابه ( طبقات علماء الحديث )(2) كواحد من الحفاظ ممن لا يسع من يشتغل بعلم الحديث الجهل بهم كما قال في مقدمته .
ووصفه الذهبي بالعلامة الحبر ، وقال : وكان حسن الإسلام ، متين الديانة ، من نبلاء العلماء ، وقال في موضع : كان من أوعية العلم .
وقال الحافظ في ( الإصابة ) : وروّينا ما في ( المجالسة ) بسند حسن ، عن عبد الله بن غيلان ، قال : حدثني العبد الصالح كعب الأحبار .
وقد وجدت في إسنادٍ لدى ( دلائل النبوة )(3) ، و ( شعب الإيمان )(4) كلاهما للبيهقي وصفه بـ ( كعب الخير ) .
وقال الحافظ ابن حجر في ( التقريب ) : ثقة مخضرم .
ومع ما سبق ذكره فقد كان رحمه الله متضلعاً في أحكام الشريعة الإسلامية ؛ حيث كان يُستفتى من أكابر الصحابة ، على نحو ما نجده في الأخبار التالية :
__________
(1) 1/36 ) ، تحقيق أحمد سعد الغامدي ، دار طيبة بالرياض ، ط3 ، 1415 هـ .
(2) 1/105) ، طبعة مؤسسة الرسالة ، تحقيق أكرم البوشي ، ط1 ، 1409 هـ .
(3) 7/39) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي ، دار الريان بالقاهرة ، ط1 ، 1408هـ .
(4) 6/19) ، تحقيق محمد سعيد بسيوني ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1410هـ .(1/7)
روى مالك في ( الموطأ ) - رواية القعنبي -(1) عن عطاء بن يسار أنَّ كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب مُحرمين ؛ حتى إذا كان ببعض الطريق وجدوا لحم صيد فأفتاهم كعب بأكله ، فلما قدموا على عمر - رضي الله عنه - ذكروا ذلك له ، فقال : مَن أفتاكم بهذا ؟ ، قالوا : كعب ، قال : فإني قد أمّرتُهُ عليكم حتى ترجعوا .
ثم لمَّا كانوا ببعض الطريق مرّت رِجلٌ من جراد ، فأفتاهم كعبٌ أن يأخذوه فيأكلوه ، فلما قدموا على عمر ذكروا له ذلك ، فقال : ما حملك على أن تُفتيهم بهذا ؟ ، فقال كعب : هو من صيد البحر ، فقال عمر : وما يُدريك ؟ ، قال : يا أمير المؤمنين ؛ والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرةُ حوتٍ ينثُرُهُ في كل عام مرتين .
وهذا خليفة المسلمين في وقته الراشد عثمان بن عفان يستفتيه في مسألة تخصُّ الأمة المحمدية ؛ فقد سأله حول المال إذا أدّى صاحبُه زكاتَه ، هل يُخشى على صاحبه منه تبعة ؟ فأجاب بـ ( لا ) ، في قصة يطول ذكرها ؛ قد رواها ابن زنجويه في كتابه ( الأموال )(2) ، وغيره .
وروى مالك في ( الموطأ ) - رواية القعنبي -(3) عن عطاء بن يسار أنه قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكعب الأحبار عن الذي يشك في صلاته - أثلاثاً صلَّى أم أربعاً - فكلاهما قالا : فَليَقُم فليصلِّ ركعة أخرى وليسجد سجدتين إذا صلّى .
وكان كلامه في المواقف التي لا يقبل فيها - أصلاً - إلا ماله نص أو أصل شرعي له تأثيره وقبوله لدى الصحابة ، وما ذلك إلا لثقته ومتانة ديانته عندهم .
__________
(1) ص 393) ، تحقيق عبد المجيد تركي ، دار الغرب الإسلامي ببيروت ، ط1 ، 1999م .
(2) 2/788) .
(3) ص 221) .(1/8)
فقد روى ابن أبي الدنيا في ( المطر والرعد والبرق والريح )(1) ، وأبي الشيخ في ( العَظَمَة )(2) ، والطبراني في ( الدعاء )(3) عن عبد الله بن عباس قال : كنا مع عمر بن الخطاب في سفر ، ومعنا كعب الأحبار ، فأصابنا رعد وبرق وبَرَد ، فقال كعب : من قال حين يسمع الرعد : ( سبحان من سبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ) ثلاثاً عوفي مما يكون في ذلك الرعد .
قال ابن عباس : فقلنا فعوفينا ، ثم لقيت عمر بن الخطاب في بعض الطريق ، فإذا بردة قد أصابت أنفه ، فأثّرت به ، فأخبرته بما قال كعب ، فقال : أولا أعلمتمونا حتى نقوله .
قال الحافظ ابن حجر عن القصة في ( نتائج الأفكار في تخريج الأذكار )(4) :
هذا موقوف حسن الإسناد ، وهو وإن كان عن كعب ، فقد أقرّه ابن عباس وعمر ، فدلّ على أنَّ له أصلاً ... إلى آخر ما قاله رحمه الله .
ولذلك لم يرد الحافظ الكبير الخطيب البغدادي ( ت 462هـ ) أن يخلي كتابه القيّم ( الفقيه والمتفقه ) من ذكره ولو بنص واحد ليثبت فقهه .
فقد روى تحت باب أدب الجدال(5) ؛ بإسناد حسن عن كعب ، وقد أتاه رجل ممن يتبع الأحاديث ؛ فقال له : اتق الله ، وارض بدون الشرف من المجلس ، ولا تؤذينَّ أحداً ، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العُجب ما زادك الله به إلا سفالاً ونقصاً .
__________
(1) ص 121) ، بتحقيقي ، دار ابن الجوزي بالدمام ، ط1 ، 1418هـ .
(2) 4/1292) ، تحقيق رضاء الله المباركفوري ، دار العاصمة بالرياض ، ط1 ، 1411 هـ .
(3) 2/1261) ، تحقيق د. محمد سعيد البخاري ، دار البشائر الإسلامية ، ط1 ، 1407هـ .
(4) ذكره عنه ابن علان المكي في كتابه ( الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية ) (4/286) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ببيروت .
(5) 2/58) ، تحقيق عادل يوسف العزازي ، دار ابن الجوزي ، ط1 ، 1417 هـ .(1/9)
ومن خلال الترجمة التي سقتها لا تجد فيها مغمزاً في دينه ؛ فضلاً عن إشارة إلى ضلوعه في مقتل الخليفة الفاروق ؛ بل لا تجد فيها إلا الثناء العاطر وإنزال الرجل المنزلة العالية اللائقة به ، وإنما وقفت على نوع ذم له من إكثاره بالتحديث من التوراة وغيرها ، وسأعرض لهذه القضية في فقرة لاحقة .
ولكن قبل هذا أشير إلى كتب منسوبة لكعب الأحبار ؛ حيث لم يثبت لدي صحة نسبتها إليه ؛ ولم يشر إليها أي ممن ترجم له ، وهي :
- رسالة في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
- رسالة في الجفر ، وهي رسالة فيما نُقل عن النبي دانيال من كلام في الملاحم ، وهي تبحث كذلك في الأنواء وأحوال الرعد والبرق والخسوف وغيرها(2) .
- أحاديث قدسية(3) .
أخذ على كعب الإكثار من إيراد الأخبار الإسرائيلية من التوراة ، أو الكتب الأخرى لبني إسرائيل ، وفيها الغرائب والفرائد والعجائب والتحديث بها، مما أدّى إلى ما يلي :
- أخرج ابن عساكر في ( تاريخه )(4) عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب : لتتركن الأحاديث ، أو لألحقنَّك بأرض القردة .
__________
(1) انظر ( استدراكات على تاريخ التراث العربي ) - قسم السيرة والتاريخ - (6/13) ، إعداد حسين النعيمي وابنه ، وذكرا بوجود نسخة منه لدى المكتبة المركزية بجامعة الملك عبد العزيز في (10) ورقات، والكتاب من مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، دار ابن الجوزي بالدمام ، ط1 ، 1422هـ .
(2) المصدر السابق - قسم الكيمياء .والأنواء - (8/197) ، إعداد حمزة النعيمي ، وذكر أنه توجد مخطوطته بالمكتبة القادرية بجامع الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد ؛ ويقع في (33) ورقة .
(3) المصدر السابق - قسم علوم الحديث - (4/34) ، إعداد د. نجم خلف ، وذكر وجود نسخة منه بدار الكتب المصرية في ( 8 ) ورقات .
(4) 50/172) .(1/10)
- وروى البخاري في ( صحيحه )(1) تعليقاً بصيغة الجزم ، ووصله الحافظ ابن حجر في ( تغليق التعليق )(2) أنَّ معاوية كان يحدّث رهطاً من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار ، فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا - مع ذلك - لَنَبلو عليه الكذب .
والمعروف عند أهل العلم أنَّ كعباً يحدّث عن أمور لم يحضرها ، وعن أنبياء بينه وبينهم أحقابٌ طويلة ، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة ، بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود ، وقد أخبر الله بتبديلهم وتحريفهم ، فلا يحل لمسلم بعد ذلك التصديق ، وبالمقابل ولا التكذيب إلا بدليل .
وإذا كانت مراسيل ثقات التابعين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ قد توَقَّف أهل العلم في قبولها ؛ فمنهم من يردّها مطلقاً ، ومنهم من يقبلها بشروط ، ومنهم من يميز بين من عادته أن لا يرسل إلا عن ثقة .
وكذلك إذا كان صحيح البخاري الذي كتابه أصح كتاب على وجه الأرض بعد القرآن الكريم ، فيه من المراسيل والمعلقات ما جعل أهل العلم يتكلمون حولها ، حتى توصلوا إلى أنَّ ما يجزم به البخاري ، وما يوقفه مما يحتج به ، فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء ، والأخبار ؟
إن ما ذكرته في هذه الفقرة هو خلاصة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الماتع ( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم )(3) .
__________
(1) تحت كتاب الاعتصام ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ) ، انظر ( فتح الباري ) لابن حجر (13/333) ، طبعة محب الدين الخطيب / السلفية .
(2) 5/328) ، تحقيق سعيد القزقي ، طبعة المكتب الإسلامي ، ط1 ، 1405هـ .
(3) 2/350-351) ، تحقيق د . ناصر العقل ، دار العاصمة ، ط6 ، 1419 هـ .(1/11)
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة النمل(1) ، بعدما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان - عليه السلام - : والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم ، كروايات كعب ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل ، من الأوابد والغرائب والعجائب ، مما كان ومما لم يكن ، ومما حُرِّف وبُدَّل و نُسخ ، وقد أغنانا الله بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ، ولله الحمد والمنة .
يمكن مناقشة هذه المآخذ من ثلاثة جوانب :
الجانب الأول :
1 - كان كعب الأحبار حبراً كبيراً من أحبار اليهود ؛ تزامن إسلامه وهو بهذه المنزلة مع كبر سنّه ، وقد تشبّع وتربّى على الديانة اليهودية وكان عَلَماً فيها ، فطبعي جداً أن تبقى رواسب التوراة وغيرها من كتب بني إسرائيل يستحضرها من خلال المواقف والحوادث والمناسبات التي تواجهه ، فمن ذلك :
ما رواه الدارمي في ( الرد على الجهمية )(2) ، والخرائطي في ( فضيلة الشكر )(3) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان )(4) ، و أبو نعيم في ( الحلية )(5) ، واللفظ له : أنَّ كعباً مرَّ بعمر وهو يضرب رجلاً بالدرة ، فقال كعب : على رسلك يا عمر ! فوالذي نفسي بيده إنه لمكتوب بالتوراة : ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء ، ويل لحاكم الأرض من حاكم السماء .
فقال عمر : إلا من حاسب نفسه ، فقال كعب : والذي نفسي بيده إنها لفي كتاب الله المنزّل ما بينهما حرف ( إلا من حاسب نفسه ) .
زاد الدارمي ، والخرائطي في آخره : وكبّر عمر وخرّ ساجداً .
__________
(1) تفسير القران العظيم ) لابن كثير ، ( 3/ 379 ) ، دار المعرفة ببيروت ، ط1 ، 1407 هـ .
(2) ص 59-60) ، تحقيق بدر البدر ، دار ابن الأثير بالكويت ، ط2 ، 1416 هـ .
(3) ص 56) ، تحقيق محمد مطيع الحافظ ، دار الفكر ، ط1 ، 1402 هـ .
(4) 6/23-24) .
(5) 5/389) .(1/12)
2 - إنَّ كعبا ًلم يشغله التحديث بما في التوراة وغيرها عن كتاب الله ( القرآن الكريم ) والدعوة إليه ، وهو القائل كما في ( الحلية )(1) : عليكم بالقران ، فإنه فهم العقل ، ونور الحكمة ، وينابيع العلم ، وأحدث الكتب عهداً بالرحمن .
وهو القائل كذلك(2) : من حسّن صوته بالقران في دار الدنيا أعطاه الله في الجنة قبة من لؤلؤة .
وله أقوال كثيرة في تفسير آيات كتاب الله مبثوثة في عامة كتب التفسير .
3 - إن عددًا من رواياته عن التوراة إنما هو بطلب من الصحابة أو غيرهم في ذلك ، فلا يسعه إلا إجابتهم بما يعلم وهو الحبر الخبير بما في التوراة ، ومن أمثلة ذلك :
- ما جاء في ( نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين ) لابن حجر(3) ، وعزوته في الحاشية لابن سعد في ( الطبقات ) ، والفسوي في ( المعرفة والتاريخ ) ، وأبي نعيم في ( الحلية ) ، والبيهقي في ( دلائل النبوة ) كلهم ، عن ابن عباس أنه سأل كعباً : كيف تجد نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة ؟ ، قال : نجده محمد بن عبد الله ، مولده بمكة ، ومهاجره طابة ، وملكه بالشام ، ليس بفحاش ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يكافئ بالسيئة ، ولكن يعفو ويغفر .
- وفي ( دلائل النبوة ) للبيهقي(4)، و ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر(5) ، عن أم الدرداء ، قالت : قلت لكعب الحبر : كيف تجدون صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة ؟ ، قال : نجده : محمد رسول الله ، اسمه : المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخّاب بالأسواق . أُعطي المفاتيح لِيُبَصِّرَ اللهُ تعالى به أعيناً عُوراً ، ويُسمعَ به آذاناً وُقراً ، ويقيم به أَلسناً معوجة ؛ حتى يُشهَدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . يُعين المظلوم ويمنعه .
__________
(1) 5/376) .
(2) كما في ( الحلية ) (5/377) .
(3) ص 89) ، بتحقيقي ، دار الهجرة بالثقبة ، ط1 ، 1415هـ .
(4) 1/377) .
(5) 50/161) .(1/13)
- وفي ( الحلية )(1) أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسل إلى كعب ، فقال له : يا كعب : كيف تجد نعتي في التوراة ؟ قال : خليفة قرن من حديد لا يخاف في الله لومة لائم ، ثم خليفة تقتله أمته ظالمين له ، ثم يقع البلاء بعده .
- وجاء مسنداً في الأجزاء ( الطيوريات ) - انتخاب أبي طاهر السِّلَفِي -(2) أنَّ معاوية بن أبي سفيان سأل كعب الأحبار ، فقال له : أسألك بالله ، هل تجد لهذا النيل في كتاب الله - عز وجل - خبراً ؟ فقال : إي والذي فلق البحر لموسى ، إنّي لأجده في كتاب الله ، إنَّ الله - عز وجل - يُوحي في كل عام مرتين ؛ عند خروجه فيقول : إنَّ الله يأمرك أن تجري ، فيجري ما كتب الله له ؛ ثم يوحي إليه بعد ذلك : يا نيل ، إنَّ الله يقول لك : عُد حميداً .
4 - من خلال الفقرة السابقة يتضح مدى ثقة الصحابة وغيرهم من التابعين بعلم كعب الأحبار ، وفي أمانة نقله عن التوراة وغيرها من كتب بني إسرائيل .
5 - إنَّ بعض الصحابة الأجلاء كعبد الله بن عمرو بن العاص ممن كان يكثر من رواية الإسرائيليات ، ويرى أنه علم ينتفع به أو يستأنس به مادام لا يخالف نصّاً ، وابن عمر صحابي ابن صحابي ، نشأ في دار الإسلام ، وعاش شطراً في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبين مجتمع أفضل جيل على وجه الأرض ألا وهم جيل الصحابة رضوان الله عليهم ، فكيف بكعب الذي لم يفز بمنقبة من تلك المناقب الغاليات ؛ وهو الذي كان حبرًا من اليهود ثم أسلم .
6 - كان لدى كعب الأحبار معرفة بصحيح كتب بني إسرائيل من باطلها ، ويدل على ذلك أمران :
__________
(1) 6/25-26) .
(2) ص 568) ، بتحقيق مأمون صاغرجي ومحمد أديب ، دار البشائر بدمشق ، ط1 ، 1422هـ ، ثم رأيته مروياً عند ابن عبد الحكم في ( فتوح مصر وأخبارها ) ( ص 103) تحقيق محمد صبيح ، مكتبة ابن تيمية .(1/14)
أ- قول مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي(1) : وكان خبيراً بكتب اليهود ، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة . أهـ .
ب - واستشهاد أئمتنا بكعب فيما ينقله من التوراة وغيرها في مصنفاتهم العقدية ، وناهيك بأهمية العقيدة ، فهي هوية كل مسلم ، واستشهادهم بأقواله إقرار ضمني من أئمتنا بمعرفة كعب لصحيح كتب بني إسرائيل من باطلها في الجملة ، ويصح أن تكون تلك النقولات عن كعب مما يوافق ما في شرعنا كما سيأتي .
نقل عدد من مصنفي كتب العقيدة روايات وأخبارًا عن كعب ، أعرض فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر مواطن نقلهم عنه :
- ( كتاب الإيمان ) لابن أبي شيبة ( ت 235هـ ) .
روى له في موضعين(2) من كتابه للدلالة على زيادة الإيمان ونقصانه ؛ كما هو مذهب أهل السنة والجماعة .
فقد روى بإسناده ، وحسَّنه الألباني(3) ، عن كعب قال : من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وأطاع محمدًا ، فقد توسط الإيمان ، ومن أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان .
- كتاب ( الرد على الجهمية ) لأبي سعيد الدارمي ( ت 280 هـ ) .
روى لكعب في أربعة مواضع(4) (43) .
وذكره في موضع من تلك المواضع للدلالة على إثبات صفة الكلام لله - عز وجل - ، ولإثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة .
__________
(1) السير ) ( 3/490 ) .
(2) انظرهما في ( ص 43) برقمي ( 127) ، ( 128) ، والكتاب بتحقيق العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ ، دار الأرقم بالكويت ، ط 2 ، 1405هـ .
(3) المصدر السابق .
(4) انظرها في : (88) ، ( 89) ، (201) ، (321) .(1/15)
فقد روى بإسناده(1) ، عن كعب قال : ما نظر الله - عز وجل - إلى الجنة إلا قال : طِيبي لأهلك ، فزادت طيباً على ما كانت ، وما مَرَّ يومٌ كان لهم عيداً في الدنيا إلا يخرجون في مقداره في رياض الجنة ، ويبرز لهم الرب ينظرون إليه ، وتسفى عليهم الريح بالطيب والمسك ، فلا يسألون ربهم شيئاً إلا أعطاهم ، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفاً(2).
- كتاب ( صفة النار ) لابن أبي الدنيا ( ت 281هـ ) .
روى له في تسع مواضع(3) .
وقد أورد له نصّاً يفيد بوجود ما يشبه الفتحات أو النوافذ مابين الجنة والنار .
فقد روى بإسناده(4) عن قتادة في قوله تعالى : { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } (5)، قال : ذُكر لنا أن كعباً كان يقول : إن بين الجنة والنار كُوَىً ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوٍ كان له في الدنيا ؛ اطّلع من بعض تلك الكوى .
- كتاب ( فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) لإسماعيل القاضي (ت282هـ)
ولاشك أن تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - من آكد ما يجب أن يعتقده كل مسلم ، ومن جنس هذا التعظيم الإكثار من الصلاة عليه .
__________
(1) المصدر السابق برقم (201) بإسناد ضعيف كما قال المحقق .
(2) قول كعب ( وقد ازدادوا على ما كانوا من الحسن والجمال سبعين ضعفاً ) لم ترد عنه في رواية أخرى يرويها أبي نعيم في كتابه " صفة الجنة " ( 1/46) ، تحقيق علي رضا عبد الله ، دار المأمون بدمشق ، ط 2 ، 1415هـ ، فلعلها من مناكير يزيد بن أبي زياد الهاشمي أحد رواة الإسناد .
(3) وتلك المواضع بأرقام : (40) ، (89) ، (91) ، (95) ، (137) ، (175) ، (225) ، (248) ، (255) ، والكتاب بتحقيق محمد خير رمضان ، دار ابن حزم ببيروت ، ط1 ، 1417هـ .
(4) المصدر السابق ، (255) .
(5) سورة المطففين ، الآية 34 .(1/16)
وقد روى له المصنف مرة واحدة(1) بإسناد رجاله ثقات كما قال الألباني ؛ من طريق وهب بن منبه قال : أنَّ كعباً دخل على عائشة فذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال كعب : ما من فجر يطلع إلا وينزل سبعون ألفاً من الملائكة ، حتى يحفوا بالقبر ، يضربون بأجنحتهم ، ويصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى إذا أمسوا عرجوا ، وهبط سبعون ألفاً حتى يحفوا بالقبر ، يضربون بأجنحتهم ، فيصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار ، حتى إذا انشقت الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه .
وقد استدل بهذا الأثر عن كعب الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة 842هـ ، في كتابه ( سلوة الكئيب بوفاة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - )(2) .
والإمام ابن القيم كما سيأتي .
- كتاب ( السُّنَّة ) لابن أبي عاصم ( ت 287هـ ) .
روى له في موضع(3) .
- كتاب ( ما جاء في البدع ) لابن وضاح القرطبي ( ت 287هـ ) .
روى لكعب في ثلاثة مواضع(4) .
فقد روى عنه أنه قال(5) : إنَّ لله ملائكة يقومون بين يديه عند كل شارق يُرسلهم فيما يريد من أمره ، منهم ملائكة يقول لهم : اهبطوا إلى الأرض فَسِموا في وجه كل عبد من عبادي يَكبُر في صدره ما يرى مما لا يستطيع تغييره ، لكيما إذ نَزَلت عقوبتي نجَّيته برحمتي .
- كتاب ( العرش ) لأبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة ( ت 297هـ ) .
__________
(1) ص 83 ) ، والكتاب بتحقيق العلامة الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط3، 1397هـ.
(2) ص 181-182) ، تحقيق د. صالح معتوق ، من منشورات دار البحوث والدراسات الإسلامية بدبي .
(3) انظر (379) ، والكتاب بتحقيق الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط3 ، 1413هـ .
(4) انظرها: (182) ، (252) ، (296) ، والكتاب بتحقيق بدر البدر، دار الصميعي بالرياض ، ط 1،1416 هـ .
(5) المصدر السابق رقم (296) .(1/17)
روى له في خمسة مواضع(1) ، فيما فيه رد على الجهمية الذين ينكرون العرش وأنهَّ سبحانه وتعالى فوق عرشه .
فقد روى(2) بإسناد صحيح كما قال الألباني(3) عن كعب قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لهنَّ دوي حول العرش كدوي النحل ، يذكرن بصاحبهن ، والعمل الصالح في الخزائن .
- كتاب ( السنة ) لأبي بكر الخَلاّل ( ت 311 هـ ) .
روى له في خمسة مواضع(4) .
فقد روى عنه بإسناد صحيح تحت عنوان ( جامع أمر الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )(5) عن أبي صالح قال : كان الحادي يحدو بعثمان وهو يقول :
إنَّ الأمير بعده علياً ... ... وفي الزبير خلفاً رضيّاً
__________
(1) انظرها : (35) ، (42) ،(43) ، (44) ، (90) ، والكتاب بتحقيق محمد الحمود ، مكتبة المعلا بالكويت ، ط1 ، 1406هـ .
(2) المصدر السابق رقم (42) .
(3) مختصر العلو ) للذهبي (ص 129) ، تخريج الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط1 ، 1401هـ .
(4) وهي الأرقام : (348) ، (709) ، (1546) ،(1619) ، (1620) ، والكتاب بتحقيق د. عطية الزهراني ، دار الراية بالرياض ، ط2 ، 1415هـ/1420هـ .
(5) المصدر السابق رقم (348) ، ولا أرى أنَّ ذلك من الرجم بالغيب كما صرّح بذلك محقق الكتاب في حق كعب فقط ، فما المانع أن نقول أنَّ الأمر من باب فراسة المؤمن ، ثم كان الأولى بالمحقق أن يُشرك الحادي بالرجم بالغيب من باب الإنصاف ؛ عموماً يدفع ذلك كله حدو الحادي بحضرة الخليفة عثمان وغيره من الحضور من غير نكير ؛ مما يدل أنَّ الأمر يرجع إلى باب التقدير المستقبلي المبني على التحليل ودراسة الأمور، أو من باب الفراسة كما أسلفت والتي يهبها الله لمن يشاء ، وللشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي شريط جميل في هذا المعنى باسم ( المسلمون ودراسات المستقبل ) .(1/18)
قال : فقال كعب : لا ، ولكنه صاحب البغلة الشهباء يعني معاوية ، فقيل لمعاوية إنَّ كعباً يسخر بك يزعم أنك تلي هذا الأمر ، فأتاه ، فقال له : يا أبا إسحاق وكيف وهاهنا علي والزبير وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : أنت صاحبها .
- كتاب ( العَظَمَة ) لأبي الشيخ الأصبهاني ( ت 369هـ ) .
روى له في ثلاث وأربعين موضعاً من كتابه(1) .
- كتاب ( الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ) لابن بطة العكبري ( ت387هـ ).
سيأتي أثر لكعب في كتاب ( العرش ) للذهبي أفاد الألباني برواية ابن بطة له .
- كتاب ( تعظيم قدر الصلاة ) لابن نصر المروزي ( ت 394هـ ).
روى له في ثلاثة مواضع من كتابه(2) .
فقد روى عنه أنه قال(3) : لو أنَّ أحدكم رأى ثواب ركعتين من التطوع ، لرأى أعظم من الجبال الرواسي ، فأما المكتوبة فهي أعظم أن يقال فيها .
- كتاب ( صفة الجنة ) لأبي نعيم الأصبهاني ( ت 430 هـ ) .
روى له في عدة مواضع(4) .
- كتاب ( البعث والنشور ) للبيهقي ( ت 458هـ ) .
روى له في أربعة مواضع من كتابه(5) .
- كتاب ( شُعَبُ الإيمان ) للبيهقي ( ت 458هـ ) .
__________
(1) تحت الأرقام التالية : (54) ، (87) ، (114) ، (191) ، (234) ، (243) ، (244) ، (286) ، (290) ،(300) ،(320) ، (325) ،(328) ، (335) ، (385) ، (447) ، (475) ،(494) ، (537) ، (543) ،(612) ، (624) ، (634) ، (643) ، (713) ، (730) ، (741) ، (777) ، (784) ، (817) ،(836) ، (893) ، (901) ، (911) ، (924) ، (928) ، (944) ،(983) ، (984) ، (1181) ، (1183) ،(1299) ، (1300) .
(2) وهي : (333) ، ( 347) ، (397) ، والكتاب بتحقيق د . عبد الرحمن الفريوائي ، مكتبة الدار بالمدينة ، ط1 ، 1406هـ .
(3) برقم (233) .
(4) انظر مثلاً (21) .
(5) انظرها في : (44) ، (70) ، (71) ، (479) ، والكتاب بتحقيق محمد السعيد بسيوني ، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت ، ط 1 ، 1408 هـ .(1/19)
روى له في ثلاثة وأربعين موضعاً من كتابه(1) .
فقد روى له تحت باب التوكل والتسليم(2) قوله : قال الله - عز وجل - : ليس من عبادي من سَحَر أو سُحِر له ، أو كَهنَ أو كًُهِن له ، أو تطيّر أو تُطيّر له ، لكن مِن عبادي من آمن وتوكّل عليّ .
- كتاب ( الكلام على مسألة الاستواء على العرش ) لابن رجب الحنبلي ( ت 744هـ ) .
ذكره في موضع واحد من كتابه(3) .
- كتاب ( العرش ) للحافظ الذهبي ( ت 748هـ ) .
ذكره في ثلاثة مواضع(4) .
فقد ذكر له نصّاً في إثبات العرش لله ، وصفة الاستواء له ؛ حيث قال(5) : إنَّ الله خلق سبع سموات ، ومن الأرض مثلهنَّ ، ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ، وجعل كثفها مثل ذلك ، ثم رفع العرش فاستوى عليه .
وقد عزى الذهبي رواية هذا النص لأبي الشيخ في ( العظمة ) وصحح إسناده .
- كتاب ( العلو ) للحافظ الذهبي كذلك .
ذكره في أربعة مواضع(6) .
__________
(1) وهي بأرقام : (3740)، (7894)، (2438)، (1180)، (7162)، (916)، (7963)، (7151)، (3636)، (5668)، (2701)، (7389)، (7107)، (3990)، (7963)، (7328)، (3718)، (3719)، (9823)، (7377)، (164)، (6695)، (4555)، (4001)، (1176)، (680)، (1547)، (87)، (3414)، (10564)، (3414)، (4170)، (577)،(10124)، (1176)،(1180)،(7393)، (8184)، (5762)، (373)، (8185)، (3928)، (2701) .
(2) 2/64).
(3) ص 44-45 ) ، والكتاب بتحقيق د . ناصر السلامة ، الناشر دار الفلاح بمصر .
(4) انظرها في : (121) ، (124) ، (251) ، والكتاب بتحقيق د . محمد التميمي ، سلسلة منشورات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، دار أضواء السلف بالرياض ، ط 1 ، 1420هـ .
(5) 2/149) ورقم (124) .
(6) وهي : (315) ، (316) ، (323) ، (324) ، طبعة مكتبة أضواء السلف ، باعتناء أشرف عبد المقصود ، ط 1 ، 1416هـ .(1/20)
فمثلاً ذكره أولا في الترتيب تحت عنوان ( ذِكر ما اتصل بنا عن التابعين في مسألة العلو ) ، حيث قال كعب : قال الله - عز وجل - في التوراة : أنا الله فوق عبادي ، وعرشي فوق جميع خلقي ، وأنا على عرشي ، أدبر أمور عبادي ، لا يخفى عليَّ شيء في السماء ولا في الأرض .
قال الذهبي عقبه : رواته ثقات.
وصحح إسناده ابن القيم في ( اجتماع الجيوش الإسلامية ) كما أفاد العلامة الألباني ووافقه(1) .
- كتاب ( اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ) لابن القيم الجوزية ( ت 751هـ ) .
ذكره في ستة مواضع من كتابه(2) .
- كتاب ( حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ) لابن القيم كذلك .
ذكر اسم كعب ضمن أسماء التابعين الذين يثبتون رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة(3) .
- كتاب ( جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام ) لابن القيم .
ذكر له نصّاً واحداً(4) مذكوراً آنفاً تحت كتاب ( فضل الصلاة على النبي ) .
- كتاب ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) للحافظ ابن حجر ( ت 852هـ ) .
ذكره الحافظ في شرحه لأبواب التوحيد مرة واحدة(5) .
__________
(1) انظر ( مختصر العلو للعلي الغفار ) للذهبي ( ص 128) ، اختصار وتخريج العلامة الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط1 ، 1401 هـ .
(2) ص 129 في موضعين ) ، (ص 259) ،( ص 260 في 3 مواضع ) ، والكتاب بتحقيق د . عواد المعتق ، مكتبة الرشد بالرياض ، ط 3 ، 1419هـ .
(3) ص 413) ، طبعة مؤسسة الرسالة ، تحقيق علي الشربجي وقاسم النوري ، ط 3، 1419هـ .
(4) ص 227) ، طبعة دار ابن الجوزي ، تحقيق مشهور حسن آل سلمان ، ط 1 ، 1417هـ .
(5) انظر ( الفتح ) (11/220) ، وانظر ( منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه فتح الباري ) لمحمد إسحاق كندو ( 1/488-489 ) ، مكتبة الرشد ، ط1 ، 1419هـ .(1/21)
فقد تكلم الحافظ في مسألة عدد أسماء الله المحصورة ، هل هي محصورة كما في الحديث الوارد أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى عدم الحصر وساق أدلتهم ، ومن ضمنها :
ما رواه مالك عن كعب في دعاءه : وأسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم .
- كتاب ( الحبائك في أخبار الملائك ) للسيوطي ( ت 911هـ ) .
ذكر له عشرين نصّاً في كتابه(1) .
قال السيوطي(2) : وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن كعب قال : لو خُلّي لابن آدم عن بصره لرأى على كل سهل وجبل شيطاناً ؛ كلهم باسط إليه يده فاغر إليه فاه ؛ يريدون هلكته ، فلولا أنَّ الله وكّل بكم ملائكة يذبّون عنكم من بين أيديكم ، ومن خلفكم ، وعن أيمانكم ، وعن شمائلكم بمثل الشهب لتخطّفوكم .
- كتاب ( شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور ) للسيوطي(3) .
ذكر كعباً في مواضع عديدة .
- كتاب ( الآيات البينات في عدم سماع الأموات ) لنعمان بن محمود الألوسي (ت 1317هـ ) .
ذكر له نصاً واحداً(4) .
- كتاب ( الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل ) للدكتور عبد العليم البستوي .
فقد ذكر لكعب في القسم الثاني من كتابه عشرين نصّا حول المهدي(5) .
__________
(1) وهي بأرقام : (16)، (93)، (94)، (99)، (115)، (121)، (232)، (235)، (404)، (416)، (419)، (424)، (448)، (471)، (485)، (488)، (549)، (611)، (806)، طبعة دار الكتب العلمية ببيروت ، تحقيق محمد السعيد بسيوني ، ط2 ، 1408هـ .
(2) رقم ( 404 ) .
(3) صدر بعدة طبعات منها طبعة المدني بمصر وجدة ، بقراءة محمود خلاف ، ط 1 ، 1415هـ .
(4) ص 101 ) ، طبعة المكتب الإسلامي ، تحقيق الألباني ، ط 4 ، 1405 هـ .
(5) من (164) إلى (183) ، والكتاب صادر عن المكتبة المكية ودار ابن حزم ، ط1 ، 1420 هـ .(1/22)
قد حكم على جميعها بضعف أسانيدها ، وهو مع ذلك ضعف يسير يقبل الاعتبار ، واستثنى رواية واحدة قال عنها أنها أشبه بخرافة إسرائيلية ، وهو كما قال(1) .
ومن أمثل ما جاء في ذلك قول كعب : المهدي من ولد فاطمة .
ذكر فضيلة الدكتور بعد تضعيفه للسند أنَّ للمتن شاهدًا حسنًا من حديث أم سلمة مرفوعاً(2) .
وقول كعب أيضاً : المهدي ابن إحدى أو اثنتين وخمسين سنة(3) .
وهكذا أكون انتهيت من الجانب الأول ، وأنتقل بك أخي القارئ إلى :
الجانب الثاني :
إنَّ ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في حق كعب ؛ ليس فيه دلالة تشكيك عمر فيما يحدّث به كعب من التوراة والإسرائيليات ، وإنما نهى كعباً لوجود سبب لو فتشنا عنه لعلمنا سبب النهي وهو :
أنَّ عمر الفاروق - رضي الله عنه - كان ممن يكره كتابة السنن النبوية في بداية الأمر ؛ حيث قال كما في ( تقييد العلم ) للحافظ الخطيب البغدادي(4) ، و ( ذم الكلام وأهله ) للهروي(5) : إني كنت أردت أن أكتب السنن ؛ وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً ، فأكبوا عليها ، وتركوا كتاب الله تعالى ، وإني والله لا أُلبس كتاب الله بشيء أبداً .
وكذلك كان يُحذّر ممن يقول بالمتشابه كما في قصته مع صبيغ بن عسل(6) ،
__________
(1) انظرها برقم (175) .
(2) انظر (164) .
(3) انظر (179) .
(4) ص49 ، 50 ، 51 ) ، طبعة دار الوعي بحلب ، تحقيق يوسف العش ، ط3 ، 1988م .
(5) 3/84) ، طبعة مكتبة الغرباء بالمدينة المنورة ، تحقيق عبد الله الأنصاري ، ط1، 1419هـ .
(6) ذكر قصته ابن كثير في ( تفسيره ) من سورة الذاريات (4/248) وعزاها للبزار في مسنده ، وذكرها ابن حجر في ( الإصابة ) في ترجمة صبيغ (3/458) وعزاها للدارمي ، والخطيب في ( تاريخ بغداد ) ، وابن عساكر في
(
تاريخه ) ، والدارقطني في ( الأفراد ) ، وابن الأنباري ، وأبي زرعة الدمشقي .(1/23)
أو ممن ينسخ من الكتب السابقة كما في قصته مع صاحب دانيال الذي نسخ كتاب دانيال(1) ، وكان يعاقب على ذلك .
وما كان ذلك منه - رضي الله عنه - إلا بسبب الخوف من انكباب الناس على الكتب وانشغالهم بها عن القرآن ، فكان أمراً طبعياً أن يشمله النهي كعب الأحبار ، علماً أنه - رضي الله عنه - تعامل مع صبيغ ، وصاحب دانيال بالضرب والحبس ، ومنع المسلمين من تكليمهما ، أو الجلوس إليهما ، بخلاف كعب الأحبار فقد اكتفى بالكلام معه ، وما ذلك إلا لمنزلة كعب العالية عنده ، وأنه بخلاف كل مبتدع أو متنطع أو مرجف أو صاحب فتنة أو شبهة .
وبالمقابل فكان موقف ( كعب ) موقف الرجل العالم الذي يعرف ما له وما عليه ، والتزامه الأدب الجم مع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف وأنَّ ذلك الصحابي صاحب النهي هو خليفة المسلمين وولي أمرهم عمر الفاروق - رضي الله عنه - ؛ فلا يسعه إلا الطاعة بكل رحابة صدر.
بل دلّ موقفه على توقفه عند النص النبوي والعمل به ؛ فقد أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير )(2) ، من طريق الأزرق بن قيس عن عوف بن مالك أنه أتى على كعب وهو يقص فقال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا يقص إلا أمير ، أو مأمور ، أو متكلف ) فأمسك عن القصص حتى أمره به معاوية .
__________
(1) انظر ( تقييد العلم ) للخطيب البغدادي ( ص 51 ) ، و ( تدوين السنة النبوية ) لشيخنا الدكتور محمد بن مطر الزهراني ( ص 37)، طبعة دار الخضيري بالمدينة المنورة ، ط1 ، 1419هـ .
(2) 18/76) ، طبعة وزارة الأوقاف العراقية ، تحقيق حمدي السلفي .(1/24)
ونصُّ الحديث صححه الحافظ العراقي في ( الباعث على الخلاص من حوادث القصّاص )(1) ، والعلامة الألباني في ( صحيح الجامع )(2) .
وقال الحافظ في ( الإصابة )(3) : وأخرج ابن أبي خيثمة بسند حسن ، عن القاسم بن كثير ، عن رجل من أصحابه ؛ قال : كان كعب يقصُّ ، فبلغه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا يقصُّ إلا أمير ، أو مأمور ، أو محتال . فترك القصص حتى أمره معاوية فصار يقص بعد ذلك .
فعلى أيّ سبب كان توقفه سواء لأجل النص النبوي أو الأمر العُمَري ، فإنه قد امتثل وتوقف عن القَصَص والتذكير ، حتى أرجعه معاوية .
__________
(1) ص 127 ، 128 ) ، والكتاب بتحقيق د. محمد الصباغ ، نُشر بمجلة ( أضواء الشريعة ) العدد الرابع ( سنة 1393 هـ ) والتي تصدر عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وجاء في مسند الإمام أحمد ( 4/233) ، طبعة مؤسسة التاريخ العربي ، ط2 ، 1414هـ ، بنحو رواية الطبراني من غير تسمية الصحابي ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ، طبعة دار الكتاب العربي ، ( وإسناده حسن ) .
وللعلم لم يكن كعباً المخصوص من قِبَلِ عمر بعدم التحديث والقصص ؛ فقد قال الحافظ العراقي في كتابه ( الباعث على الخلاص ) ( ص 126 ) : ( وكان تميم - الداري - استأذنه مرات ، فلم يأذن له ، وأشار إلى ذم ذلك .... ) ثم ذكر الروايات في ذلك ، ثم قال : ( وهذا يدل على أنه ليس لآحاد الرعية أن يقص إلا بإذن من ولي أمور المسلمين إن كان يعلم من يصلح لذلك كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ، وإن كان متولي أمور المسلمين لا يعلم من يصلح لذلك فيكون ذلك بإذن من أقامه لذلك من الحكام والعلماء ) .
(2) رقم (7753) ، طبعة المكتب الإسلامي ، ط2 ، 1406هـ .
(3) 5/649) .(1/25)
ومما يجدر ذكره هنا قبل الانتقال لنقطة أخرى هو أنَّ عمر بن الخطاب كان ممن يأنس بقصص ومواعظ كعب وما يحدّث به من التوراة وكتب بني إسرائيل الأخرى مما يدل قطعاً أنَّ نهيه كان للسبب المذكور آنفاً ؛ لا للطعن والشك في صدق كعب .
ولذا قال ابن الجوزي : ( وقد كان عمر بن الخطاب يستدعي من كعب الموعظة )(1) .
وذكره ضمن أعيان المُذَكِّرين من أهل الشام في كتابه ( القُصَّاص والمُذَكِّرين )(2) .
وقد تتبعت في ترجمة كعب من ( الحلية ) - وهي ترجمة طويلة - ما نحن في صدد التدليل عليه :
- سيأتي معنا قريباً استماع عمر لكعب في ما عَلِمَهُ مما قرأه قبل الإسلام عن آيةٍ من سورة فاطر .
- سيأتي كذلك طلب عمر من كعب نعته في التوراة .
بل وجدنا أنَّ عمر كان يطلب من كعب أن يقصص عليه ويخوّفه ، ففي :
- ( الحلية )(3) أنَّ عمر بن الخطاب ، قال : يا كعب حدثنا عن الموت ، قال : يا أمير المؤمنين : غصن كثير الشوك ؛ يدخل في جوف الرجل ، فتأخذ كل شوكة بعِرق يجذبه رجل شديد الجذب ، فأخذ ما أخذ ، وأبقى ما أبقى .
- وجاء كذلك في ( الحلية )(4) عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال : جلسنا إلى كعب الأحبار في المسجد وهو يحدّث ، فجاء عمر فجلس في ناحية القوم ، فناداه ، فقال : ويحك يا كعب خوّفنا ، قال : والذي نفسي بيده إنَّ النار لتقرب يوم القيامة لها زفير وشهيق ، حتى إذا أدنيت وقربت زفرت زفرة ، فما خلق الله من نبي ولا صدّيق ولا شهيد إلا جثا لركبتيه ساقطاً ، حتى يقول كل نبي وصدّيق وشهيد : اللهم لا أكلفك اليوم إلا نفسي ، ولو كان لك يابن الخطاب عمل سبعين نبياً لظننت أن لا تنجو ، قال عمر : والله إنَّ الأمر لشديد .
__________
(1) انظر ( القصاص والمذكّرين ) لابن الجوزي ( ص 194) ، طبعة المكتب الإسلامي ، تحقيق د. محمد الصباغ ، ط1 ، 1403 هـ .
(2) المصدر السابق ( ص 278 ) .
(3) 5/365) .
(4) 5/371) .(1/26)
- وفي ( الحلية )(1) ، و ( القُصَّاص والمذَكِّرين )(2) ، و ( الدر المنثور ) للسيوطي(3) وعزاه لابن المبارك وأحمد في كتابيهما ( الزهد ) ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم عن كعب قال : كنت عند عمر ، فقال لي : يا كعب خوّفنا ، قال : قلت: يا أمير المؤمنين أليس فيكم كتاب الله تعالى ، وحكمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : بلى ! ولكن خوّفنا يا كعب ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين اعمل عمل رجل لو وافيت يوم القيامة بعمل سبعين نبياً لازدريت عملك مما ترى ، قال : فأطرق عمر ملياً ثم أفاق ، فقال : زدنا يا كعب ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ، ورجل بالمغرب لغلي دماغه حتى يسيل من حرّها ، فأطرق عمر مليّاً ، ثم أفاق ، فقال : زدنا يا كعب ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين إنَّ جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة ما يبقى مَلك مقرّب ، ولا نبي مرسل إلا خرَّ جاثياً على ركبتيه ، حتى إنَّ إبراهيم - عليه السلام - خليله ليخرَّ جاثياً ، ويقول : نفسي نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي ، قال : فأطرق عمر مليّاً ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين أولستم تجدون هذا في كتاب الله تعالى ؟ قال : قال عمر : كيف ؟ قلت : يقول الله تعالى في هذه الآية : { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفّى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون } (4) ، قال : فسكت عمر .
وفي رواية : فبكى عمر فاشتد بكاؤه .
- وفي ( الحلية )(5) ما قصّه كعب لعمر من قصة الهامة مع سليمان - عليه السلام - ، فلتنظر هناك خشية الإطالة .
وأما ما قاله معاوية في حقه : ( وإن كنا - مع ذلك - لَنَبلو عليه الكذب ) .
__________
(1) 5/368-369) .
(2) ص 194-195 ) .
(3) 4/251) ، طبعة دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1411هـ .
(4) سورة النحل ، الآية 111 .
(5) 5/391) .(1/27)
فظاهر معنى كلامه أي نختبر عليه وقوع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به(1) .
وقد بيّن العلماء مقصده :
- قال ابن حبان في كتابه ( الثقات )(2) : أراد معاوية أنه يخطئ فيما يخبر به ، ولم يرد أنه كان كذّاباً .
- وذكر الحافظ ابن حجر(3) عن بعضهم من غير تسميته أنَّ الضمير في قوله ( لنبلو عليه ) يعود للـ ( الكتاب ) لا لـ ( كعب ) ، وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدّلوه وحرّفوه .
- وقال عياض(4) : يصح عوده - أي الضمير - على الكتاب ، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه ، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده ؛ إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب .
- وقال ابن الجوزي(5) : المعنى أنَّ بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب ، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار .
- وقال ابن كثير في مقصد معاوية - رضي الله عنه - : أي فيما ينقله ، لا أنه يتعمد ذلك(6) .
- قال ابن حجر في ( الإصابة )(7) : أوّله بعضهم بأنَّ مراده بالكذب عدم وقوع ما يخبر به أنه سيقع ، لا أنه هو يكذب .
قلت : زاد هنا الحافظ فائدة تقييده لقصد معاوية المنصرف إلى جنس الأخبار المستقبلية ، أو الملاحم ، والأحداث اللاحقة الوقوع التي يذكرها كعب نقلا عن كتب بني إسرائيل ، وأن ليس مقصوده باقي أجناس ما يحدّث عنه ، ومع ذلك فلا يلحقه تعمد الكذب إن لم تقع ، أو وقعت خلاف ما ذكر .
__________
(1) ذكره بنحوه الحافظ في ( الفتح ) (13/334) .
(2) ذكره الحافظ في ( الفتح ) (13/335) ، ولم أظفر به في ( الثقات ) لابن حبان .
(3) المصدر السابق .
(4) المصدر السابق .
(5) المصدر السابق .
(6) البداية والنهاية ) لابن كثير (1/35) ، تحقيق د. عبد الله التركي ، دار هجر بمصر ، ط1 ،1418 .
(7) 5/650) .(1/28)
- قال السخاوي في ( الأجوبة المرضية )(1) : وهذا معناه أنَّ بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون في نفسه كذباً ، لا أنه يتعمد الكذب ، حاشاه من ذلك .
- والعلامة الألباني في كتابه ( مختصر صحيح الإمام البخاري )(2) ذكر تحت كلام معاوية في الحاشية كلام الإمام ابن الجوزي الآنف الذكر مما يدل على موافقته وتقريره لكلام ابن الجوزي .
قلت : وبعد استعراض بعض توجيهات أهل العلم لمقولة الصحابي الجليل معاوية - رضي الله عنه - ، والتي دلّت على إنصافهم ، ومعرفتهم لمنزلة كعب الحبر ... أقول لهم : هنيئاً لذبّكم عن ما يشين هذا التابعي الكبير ، وأقول لهم كذلك : من طََرَف صاحب المقولة أعني معاوية آتيكم بما تقر أعينكم .
فقد مرَّ معنا انقطاع كعب عن التحديث والإخبار بأمر عمر ... ثم من الذي أرجعه لسابق عهده غير معاوية كما هو منصوص في الرواية .
إذاً فعل معاوية أبلغ ما يعبّر عن مكنون قصده ، وهو عين ما قاله أهل العلم ، فما كان لمعاوية أن يُرجع كعباً للتحديث والإخبار ؛ ولديه أدنى شك في كذبه ، وبذلك قطعنا الشك باليقين ، والحمد لله .
وأما ما ذكره كلٌٌٌ من : شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ المؤرخ ابن كثير عليهما رحمة الله ، ومن في فلكهما ؛ فهو كلام متين وجيه ولاشك ، وتفصيلاً وتوجيهاً لما أجملاه - في نظري - حول ما يخبر ويحدّث به كعب الحبر ؛ أخذت في التتبع والاستقراء لما يرويه ، ويخبر به ، ويقصُّ به ، ويوعظ به ، ويُذكِّر به كعب الأحبار ، فوجدت ذلك على ثلاثة أقسام ، علماً أنَّ ذلك التتبع خاص بكعب الحبر ، ولا ينصرف إلى عموم جنس الأخبار الإسرائيلية ؛ وإن وُجِدَ ارتباط بينهما .
__________
(1) 1/285) ، واسم الكتاب كاملاً ( الأجوبة المرضية فيما سُئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية ) ، تحقيق د. محمد إسحاق محمد ، دار الراية بالرياض ، ط1 ، 1418هـ .
(2) 4/328) ، طبعة مكتبة المعارف بالرياض ، ط1 الشرعية ، 1422هـ .(1/29)
القسم الأول : ما يخبر به موافقة لما في ديننا الإسلامي تصريحاً منه أو ضمناً ، أو شهادة من غيره ، فهذا لاشك أنه من بقايا الحق المبثوث في التوراة ، وغيرها ، ومن أمثلة ذلك :
- مارواه النسائي في ( عمل اليوم والليلة )(1) ، والطبراني في ( المعجم لكبير )(2) ، وأخرجه بإسناده الحافظ ابن حجر في ( الأمالي الحلبية )(3) ، عن كعب الأحبار قال : كان داود - عليه السلام - إذا انصرف من صلاته قال : ( اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي جعلت إليها معادي ، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من نقمتك ، وأعوذ بك منك ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) .
قال كعب : وأخبرني صهيب - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف بهذا الدعاء من صلاته . أهـ .
قال ابن حجر عقبه : هذا حديث حسن .
- وروى أبو بكر الدينوري في ( المجالسة وجواهر العلم )(4) ، عن سفيان بن عيينة قال : قال كعب الأحبار : إني أجد في كتاب الله المُنزَّل أنَّ الظلم يخرَّب الديار . فقال ابن عباس : أنا أُوجِدَكَهُ في القرآن ؛ قول الله تبارك وتعالى { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } (5) .
__________
(1) ص 200) ، تحقيق د. فاروق حمادة ، مؤسسة الرسالة ، ط3 ، 1407هـ .
(2) 8/38) .
(3) ص 31-32) ، تحقيق عواد الخلف ، مؤسسة الريان ببيروت ، ط1 ، 1416هـ ، وكنت قد تكلمت عن هذه الأمالي ووقفت على نسختها الخطية ونُشرت قبل أن يصل المطبوع لمكتبات مدينة الدمام ؛ في مقالة باسم
( أضواء على مخطوط الأمالي الحلبية للحافظ ابن حجر ) نُشر بملحق التراث يوم كان يصدر عن جريدة المدينة ، العدد (12117) ، محرم 1417هـ .
(4) 5/223) ، تحقيق مشهور آل سلمان ، دار ابن حزم ، ط1 ، 1419 هـ .
(5) سورة النمل ، آية 52 .(1/30)
ورد في كتاب نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين لابن حجر روايات تظهر موافقة كعب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الساعة المجابة يوم الجمعة بناءاً على ما في التوراة (1) .
- وفي ( الحلية ) لأبي نعيم(2) وغيره ، عن ابن عمر قال : تلا رجل عند عمر هذه الآية { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } (3) ، قال : فقال عمر : أعدها عليّ - وثمَّ كعب - فقال : يا أمير المؤمنين أما إنَّ عندي تفسير هذه الآية ، قرأتها قبل الإسلام ، قال: فقال : هاتها يا كعب ، فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدَّقناك ، وإلا لم ننظر فيها ، فقال : إني قرأتها قبل الإسلام : كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة . فقال عمر : هكذا سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
القسم الثاني : ما يخبر به مما لم يرد فيه الخبر في شرعنا ، وكان مما تفرد به ، وهو من جنس أخبار الملاحم ، وتفسير الآيات ،والأمور المستقبلية ، فهذا من جنس الإسرائيليات التي لا تُصدّق ولا تُكذّب مادامت لا تخالف نصّاً شرعياً ، أو قاعدة شرعية مجمعًا عليها ، وهذا القسم أخباره كثيرة مبثوثة ؛ مما يغني عن ذكر أمثلة له ، وليعلم أنَّ الكثير من غرائب وعجائب هذا القسم التي تروى عن كعب الأحبار ، والتي قد يستنكرها العقل إنما هي ممن ألزقها به ، وقوّلها على لسانه ؛ الهلكى من الرواة ، أو البلاء فيها من ذات الكتب التي ينقل عنها لأنها قد دخلها غلط كبير وخطأ كثير .
__________
(1) ص 81-84 ) .
(2) 5/374-375) ، زاد السيوطي في ( الدر المنثور ) (2/311) وعزاه لابن مردويه .
(3) سورة النساء ، الآية 56 .(1/31)
وقد أفاد ذهبيّّّّ العصر العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني - رحمه الله - في كتابه ( الأنوار الكاشفة )(1) ، أنه ليس كل ما نُسب إلى كعب الأحبار في الكتب بثابت عنه ؛ فإنَّ الكذابين من بعده نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها .
القسم الثالث : ما يخبر به مما يصادم نصاً شرعياً ، وهو قليل ، ومع ذلك فاللائق في حقه أن يقال عدم علمه بالنص الشرعي ، أو ذهوله عنه ، أو البلاء فيه من الرواة عنه ، ومن أمثلة ذلك :
- ما أخرجه ابن عساكر في ( تاريخه )(2) من طريق ابن أبي خيثمة ، وذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في ( الإصابة )(3) حيث قال : وأخرج ابن أبي خيثمة بسند حسن ، عن قتادة ؛ قال : بلغَ حذيفةَ أنَّ كعباً يقول : إنَّ السماء تدور على قُطب الرحى . فقال : كذب كعب ، إنَّ الله يقول : { إنَّ الله يُمسك السموات والأرض أن تزولا } (4) .
وبمثله جاء عن ابن مسعود غير أنه زاد في آخره فقال : ( وكفى بها زوالاً أن تدور ) أورده السيوطي في ( الدر المنثور )(5) وعزاه لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر .
ومعنى قول حذيفة وابن مسعود ( كذب كعب ) أي : ( أخطأ كعب ) كما في لغة الحجازيين(6) .
__________
(1) ص 99 ) .
(2) 50/172) .
(3) 5/650) .
(4) سورة فاطر ، آية 41 .
(5) 5/479) .
(6) انظر ( لسان العرب ) لابن منظور (13/39) ، طبعة دار صادر ببيروت ، ط1 ، 2000 م ، وأذكر يقيناً أنَّ الحافظ ابن حجر نصَّ على أنها لغة للحجازيين في كتابه ( الفتح ) ولكن غاب عني الموضع .(1/32)
- روى الواسطي في ( فضائل البيت المقدس )(1) و ابن الجوزي في (فضائل القدس)(2) ، وذكر أوله كل من : شيخ الإسلام ابن تيمية في ( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم )(3) ، وابن القيم في ( المنار المنيف في الصحيح والضعيف )(4) ، عن كعب قال : إنَّ الله قال للصخرة : ( أنتِ عرشي الأدنى منك ارتفعت إلى السماء ، ومنك بسطت الأرض ، ومن تحتك جعلت كل ماء عذب يطلع في رؤوس الجبال ).
وقد سمع بذلك عروة بن الزبير فقال : سبحان الله ، يقول الله تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } (5) ، وتكون الصخرة عرشه الأدنى !.
ولهذا قال الإمام ابن القيم : كل حديث في الصخرة فهو كذب مُفترى .
__________
(1) في عدة مواضع مطولاً انظر ( ص 69 ، 70 ، 71) ، تحقيق د. محمد زينهم محمد عزب ، دار المعارف بالقاهرة ، 1423هـ .
(2) ص 145-146) ، تحقيق د. جبرائيل الجبور ، منشورات دار الأفاق ببيروت ، ط2 ،1400هـ .
(3) 2/348) ، تحقيق د. ناصر العقل ، دار العاصمة ، ط6 ، 1416هـ ، وعنده أنَّ ما قاله كعب كان بحضرة عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير ، وهذا ما لم يذكره الواسطي وابن الجوزي في روايتهما .
وقد قال شيخ الإسلام عقب ذلك (2/349) : وقد صنَّف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس ، وغيره من البقاع التي بالشام ، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم . وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار .إلى آخر ما قاله رحمه الله .
(4) ص 72-73)، تحقيق العلامة المعلمي ، وتخريج منصور السماري ، دار العاصمة ، ط2 ،1419هـ .
(5) سورة البقرة ، آية 255 .(1/33)
وإنه مما لا شك فيه تعظيم اليهود للصخرة(1) لكونها قبلتهم ، وأنَّ كعباً - غفر الله له - ممن بقي معه نوع من هذا التعظيم حتى بعدما أسلم ، ودليلي في ذلك ما رواه الإمام أحمد في ( المسند )(2) واللفظ له ، وأبو عبيد في ( الأموال )(3) ،
__________
(1) وبمناسبة ذكر الصخرة ومدى ضخامتها أحببت أن أذكر عن الحافظ السخاوي فيما سطره في كتابه القيّم ( الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ) (1/177) ، تحقيق إبراهيم باجس ، دار ابن حزم ، ط1، 1419هـ - فيما ذكره عن شيخه ابن حجر في رحلته للبلاد الحلبية عن علاء الدين البسطامي أنه سأل القاضي شمس الدين ابن الديري : هل رأيت الشيخ تقي الدين ابن تيمية ؟ ، فقال : نعم ، قلت : كيف كانت صفته ؟ فقال : هل رأيت قبّة الصخرة ؟ قلت : نعم . قال : كان كقبّة الصخرة مُلِئ كتباً لها لسان ينطق .
(2) 1/38) .
(3) ص 182) ، تحقيق محمد خليل هراس ، طبعة إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر .
ورأيت المحقق لدى ترجمته لكعب في الحاشية يقول بما يشبه كلام الدكتور اللميلم حيث قال : ( ... وكان عمر يحسن الظن به ، ولكن بعض المؤرخين يشككون في نواياه ويتهمونه بأن له يداً في المؤامرة التي انتهت بمقتل عمر ) أهـ كلامه . قلت : سبحان الله ليت شعري من هم ( بعض المؤرخين ) الذين يشككون في نوايا كعب ... وما وزنهم حتى نرى وزن كلامهم ، وتحليلهم بأن عمر كان يحسن الظن به تحليل بارد لجؤوا إليه خروجاً من موقفه الحقيقي الذي يدفع اتهامهم وشكِّهم في كعب جملة وتفصيلاً ، و تنزّلاً نقول هل كان وحده الذي يحسن الظن والبقية ممن حوله من الصحابة يتهمونه ؟ !! قليلاً من العقل والتروّي ... عموماً ما نحن في صدده يرد عليه وعلى كل من يدور في فلك هذا الكلام الذي لا يعدو كونه شكاً لا يغني عن الحق شيئاً.(1/34)
وابن زنجويه في ( الأموال )(1) ، وذكره الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية )(2) ، وقال عن إسناد أحمد أنه جيد ، عن عبيد بن آدم أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لكعب - عند فتح بيت المقدس - : أين ترى أن أصلّي ؟ فقال : إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ، فكانت القدس كلها بين يديك ، فقال عمر - رضي الله عنه - : ضاهيت اليهودية ، لا ، ولكن أصلي حيث صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتقدم إلى القبلة فصلّى ، ثم جاء فبسط رداءه ، فكنس الكناسة في ردائه ، وكنس الناس .
ومعنى قول عمر لكعب ( ضاهيت اليهودية ) أي شابهتها وعارضتها .
وإذا تذكرنا خبرة عمر بالرجال ونفسياتهم ، فإن استشارته لكعب - وهو خليفة المسلمين - فيها من التقدير لكعب أيُّما تقدير ، فلمّا أشار عليه بما علمت ، لم يعنّفه ، أو يشك في إسلامه ؛ مع ما عرف من شدة عمر في الحق ، بل راعى حق الرجل وأنه كان حبراً كبيراً من أحبار اليهود قد أسلم على كِبر وقد بقي في معتقده تعظيم الصخرة ، فما زاد إلا أن قال له : ( ضاهيت اليهودية ) التي فيها مشابهة الفرد المسلم بخصلة في ديانة أخرى ، ولم يقل له ما يفيد إرادة كعب تسريب ذلك المعتقد اليهودي تحت غطاء إسلامه ، فإنه - رضي الله عنه - يعلم رسوخ قدم كعب في الإسلام .
وأرى مع ذلك أنَّ هذا النوع من تعظيم كعب للصخرة والذي قد يكون زال وانمحى مع تعاقب الأيام والليالي لا يعني روايته لذاك المنكر من القول في شأن تعظيم الصخرة أعني ( إن الله قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى ) ، وعليه تُحمل تلك الرواية عنه على :
__________
(1) 1/390) .
(2) 9/662) .(1/35)
أ - عدم صحتها عن كعب ، أي أنَّ هناك من قوّل كعباً ما لم يقله ؛ خصوصاً إذا علمنا أنَّ البلاء ممن دونه من الرواة كثير عنه(1) .
ب - أو أنَّ ما رواه مما انطلى عليه من أكاذيب بني إسرائيل مما لم يشعر به ولم يتعمده ، مع علمنا المسبق بخبرته وذوقه بصحيح كتب القوم من باطله ، ولكن طبيعة النقص البشرية تأبى الكمال في كل شيء ، فكيف وقد وافق ذلك بقايا تعظيم الصخرة في قلبه تبعا للمعتقد اليهودي سواءً من خلال تلك الرواية التي رواها أوغيرها مما في كتبهم .
الجانب الثالث : لماذا أكثر كعب من النقل عن التوراة ؟
يروي الحافظ البيهقي - باختصار - في ( دلائل النبوة )(2) ، وروى بإسهاب الحافظ الذهبي في ( سير أعلام النبلاء )(3) ، أنه عند فتح مدينة تستر(4) في عهد عمر بن الخطاب ، عثر على كتاب قديم يعتقد أنه نسخة من التوراة الأصلية قبل تحريفها ، وأن هذا الكتاب وقع في يد كعب .
__________
(1) وهو الذي يظهر معنا هنا ؛ حيث أردف الإمام ابن الجوزي بعد روايته لأثر كعب من طريق إبراهيم بن أعين ، عن رديح بن عطية ، عن عبد الله بن بشر الحمصي ، عن كعب الأحبار ؛ قول أبي حاتم الرازي في إبراهيم بن أعين ، والذي يقول فيه : ( هو منكر الحديث لم يروه عن عبد الله بن بشر ) ، ولم أجد من كلام أبي حاتم في كتاب ( الجرح والتعديل ) موضع الشاهد ( .. لم يروه عن عبد الله بن بشر )، وكذلك في ترجمة إبراهيم من كتب الرجال ، والله أعلم .
(2) 1/391) .
(3) 3/493-494) .
(4) بالضم ، ثم السكون ، وفتح التاء الأخرى ، وراء ، أعظم مدينة بخوزستان اليوم كما قال ياقوت الحموي ، ويقصد بذلك في زمنه ؛ بها قبر البراء بن مالك الأنصاري ، وبها أول سور وضع بعد الطوفان . انظر ( معجم البلدان ) لياقوت الحموي (2/34-35)، تحقيق فريد الجندي ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1410هـ ، قلت : وخوزستان إقليم بخراسان في دولة إيران اليوم .(1/36)
قال همام : وحدثني بسطام بن مسلم ، حدثنا معاوية بن قرة ، أنهم تذاكروا ذلك الكتاب ، فمرَّ بهم شهر بن حوشب ، فقال على الخبير سقطتم ؛ إنَّ كعباً لمَّا احتُضر ، قال : ألا رجلٌ أَأتمنه على أمانة ؟ فقال رجلٌ : أنا ، فدفع إليه ذلك الكتاب ، وقال : اركب البحيرة ، فإذا بلغت مكان كذا وكذا ، فاقذفه ، فخرج من عند كعب ، فقال : كتابٌ فيه علمٌ ، ويموت كعبٌ لا أُفَرِّطُ به ، فأتى كعباً ، وقال : فعلتُ ما أمرتني به ؛ قال : فما رأيت ؟ قال : لم أر شيئاً ، فعلم كذبه ، فلم يزل يناشده ، ويطلب إليه حتى رَدَّه عليه ، فقال : ألا من يُؤدِّي أمانة ؟ قال رجلٌ : أنا . فركب سفينة ، فلمَّا أتى ذلك المكان ، ذهب ليقذفه ، فانفرج له البحر ، حتى رأى الأرض فقذفه ، وأتاه ، فأخبره ، فقال كعب : إنها التوراة كما أنزلها الله على موسى ما غُيِّرت ولا بُدِّلت ، ولكن خشيتُ أن يُتَّكَلَ على ما فيها ، ولكن قولوا : لا إله إلا الله ، ولقِّنوها موتاكم .
قال الذهبي : هكذا رواه ابن أبي خيثمة في ( تاريخه ) عن هدبة ، عن همَّام ، وشهرٌ لم يلحق كعباً .
ثم قال معلقاً : وهذا القول من كعبٍ دالٌّ على أنَّ تيك النسخة ما غُيِّرت ولا بُدِّلت ، وأنَّ ماعداها بخلاف ذلك .
فمن الذي يستحلُّ أن يوردَ اليوم من التوراة شيئاً على وجه الاحتجاج معتقداً أنها التوراة المنزلة ؟ كلا والله . أهـ كلامه رحمه الله .
فإذا علمنا أنَّ فتح ( تستر ) كان سنة عشرين للهجرة ، وعلى فرض وقوع تلك النسخة من التوراة في يد كعب بعد سنتين من ذلك ، وأخذنا بالقول الأشهر بوفاته سنة اثنتين وثلاثين للهجرة ، وليس ما بعدها ، فيكون على أقل تقدير أنَّ كعباً كان يحّدث عن تلك النسخة من التوراة ما يقارب عشر سنين ، والعلم عند الله وإسناد العلم إليه أسلم .
شبهة ضلوع كعب في مقتل عمر بن الخطاب :(1/37)
اتكأ فضيلة الدكتور على رواية ؛ من خلالها بثَّ شكوكه ؛ بل اتهامه الصريح في حق كعب الحبر ، ونصّها كما ذكرها :
كان عمر بن الخطاب يطوف في السوق ، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أعدني على المغيرة ، فإنَّ عليَّ خراجاً كثيراً ، فقال عمر : وكم خراجك ؟ قال : درهمان كل يوم ، قال عمر : وأيش صنعتك ؟ قال : نجار نقاش حداد ، قال عمر : فما أرى خراجك كثيراً على ما تصنع من الأعمال ، وقد بلغني أنك تقول : لو أردت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت ، قال : نعم ، قال عمر : فاعمل لي رحى ، قال : لئن سلمت لأعملنَّ لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ، ثم انصرف عنه . فقال عمر : لقد توعدني العبد الآن ، ثم انصرف عمر إلى منزله .
فلما كان الغد جاءه كعب الأحبار ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنك ميت في ثلاث ليال ، قال عمر : وما يدريك ؟ قال كعب : أجد في كتاب التوراة ، قال عمر : أتجد عمر بن الخطاب في التوراة ؟ قال كعب : اللهم لا ، ولكني أجد حليتك وصفتك ، وأنك قد فني أجلك ، فلما كان الغد جاءه كعب ، فقال : بقي يومان ، فلما كان من غد الغد جاءه كعب ، فقال : مضى يومان وبقي يوم ، فلما أصبح عمر خرج إلى الصلاة ، فدخل أبو لؤلؤة في الناس ، وبيده خنجر له رأسان ، نصابه في وسطه ، فضرب عمر ست ضربات ؛ إحداهنَّ تحت سرته وهي التي قتلته ، وطعن اثني عشر رجلاً ؛ مات منهم سبعة وجرح خمسة(1) .
__________
(1) سيأتي تخريج القصة .(1/38)
- فقد رأى الدكتور من خلال هذه الرواية التعاون السري بين الفرس واليهود في مؤامرة قتل الخليفة ؛ حيث يقول(1) : ومن هنا كانت المؤامرة محبوكة وسرية إلى أقصى الحدود ، ومع ذلك فلم يغفل المؤرخون المسلمون تحالف اليهود مع الفرس ،واشتراكهم في المؤامرة ، فقد كان كعب الأحبار يتحدث سواءً مع عمر بن الخطاب أو مع غيره ، أو على الأقل يذيع بعض الإشاعات عن أجل عمر ، وقرب نهايته ، وعما طالعه في التوراة ، والتواريخ - بزعمه - وما إلى ذلك من إذاعات .
- ويتساءل فيقول : ومادام أنَّ كعباً ادّعى بأن حلية عمر وصفته موجودة في التوراة، وأنه سيموت في يوم حدده له كعب ، أقول مادام أن كعباً يعلم بصفة عمر ، وأنه ميت لا محالة في اليوم ، بل الساعة التي حدها له كعب ، فلماذا لم يكن في تراثه ما ينبئ عن حلية وصفة من تآمر عليه ، بل حلية وصفة من سيقتله ؟
- ثم وضع الدكتور سؤالاً ، فقال : ... فماذا يدعو كعباً إلى إنباء عمر بهذا النبأ ؟
ثم أجاب فقال : الجواب على ذلك سهل ، فإنه ينال بذلك بين المسلمين مركزاً عظيماً ، فإن كثيراً منهم يرون بعد ذلك أنَّ توراته فيها علم كل شيء ، وأنه صادق في كل ما يخبر به ، فلا يتردد سامعه لحظة في تصديقه بما يوحى إليه .
- ثم توالت تهمه الصريحة لكعب الحبر التابعي المسلم فبدأ بقوله : وكعب هذا أفاض علينا ثروة من الأخبار الإسرائيلية التي لا ندري حقيقتها ، ولاريب أنَّ فيها شيئاً هو كذب محض لأن التوراة بأيدينا وليس فيها ما أنبأ ذلك الرجل عنه .
مناقشة الشبهة :
أ - قوله عن أخبار كعب ( لا ندري حقيقتها ) ينقصه ما سبق عرضه من نقل الصحابة لها ، ثم التابعين : قد درى عنها من ذكرناهم ، وأهل العلم بعدهم كالذهبي وغيره.
__________
(1) تجد كلامه هذا وما بعده في الصفحات التالية من كتابه : 21، 23 ، 24 .(1/39)
ب - وقوله ( ولا ريب أنَّ فيها شيئاً هو كذب محض ) هل لأجل أنّ ذلك الكذب هو من ذات الكتب الإسرائيلية وليس لكعب أي يد فيها كما نقلناه عن أهل العلم الثقات الراسخين في العلم ؟ .... الحقيقة كان دليل الدكتور من نوع آخر جديد ، وهو قوله مباشرة ( لأن التوراة بأيدينا وليس فيها ما أنبأ ذلك الرجل عنه ) ، فقد جعل الدكتور التوراة المعاصرة هي الفيصل ، وكأنها لم يدخلها خطأ أو تحريف ، ولأجل عدم وجود ما ذكره كعب فيما نقله من التوراة التي بين يديه من حلية وصفة الفاروق وموته بعد ثلاث استدل الدكتور على كذب النسخة التي لدى كعب وصدق التي بأيدينا .... وهذا ليس بدقيق .
مع أننا لو وافقنا على ما نقله لاستدللنا من نقله أنَّ رواية كعب التي ذكرها في إبلاغه لعمر بموته بعد ثلاث لم تثبت عن كعب أصلاً تنزّلاً لما قاله الدكتور من عدم وجودها في نصوص توراة اليوم !! فلمَ بعد ذلك المجازفة باتهامه في الضلوع في مقتل الفاروق ، وتضخيم الأمر بأن اليهودية العالمية اتحدت مع مجوس الفرس بذلك ، وليس من طرق الاستدلال العلمي الصحيح ؛ أن نستدل بما هو محرَّف في شريعتنا لا نعلم بقايا الحق فيه لاختلاطه بالتحريف المدسوس الجمّ ، بل لدينا طرق علمية صحيحة أخرى .
إن اتهام كعب بتهمة التآمر والضلوع في مقتل الفاروق متدرج من الظن إلى اليقين دون أي دليل ؛ حيث قال ( يبدو أن الأمر على خلاف ذلك ، وأن الرجل - أقصد كعباً - قد تواطأ مع هؤلاء على قتل عمر .. )
وكرر فقال ( الواقع يؤكد أنَّ كعباً لديه علم أكيد بما يُدَبَّر للخليفة ، وقد تمَّ ما تنبأ به في اللحظة التي أخبر بها عن نهاية هذا الخليفة ) .
وهذه استنباطات لا دليل عليها ، يمكن أن تنقض من وجهين :
الوجه الأول : استقراء وجمع الروايات التي يتكلم فيها كعب الأحبار عن قرب حضور أجل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
وقد وجدتها بعد تصنيفها تقع تحت خمسة عناوين ؛ هي :(1/40)
أولاً : ما جاء عن كعب في موت عمر في ثلاث وإتيانه في كل يوم منها وتذكيره بقرب أجله
وهي الرواية التي ذكرها الدكتور الآنفة الذكر .
فقد رواها مطوّلاً بلفظ قريب جداً من لفظ الرواية التي ساقها الدكتور : الطبري في ( تاريخ الأمم والملوك )(1) ، وبنحوه مختصراً ابن شبّة في ( تاريخ المدينة )(2) .
ومدار الإسناد عندهما على : عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المعروف بابن أبي ثابت .
هذه محصلة اسمه ونسبه الصحيحة .
قال فيه الحافظ كما في ( التقريب )(3) : متروك ، احترقت كتبه فحدّث من حفظه فاشتد غلطه .
قلت : وغلطه حاصل معنا هنا ، فقد اختلف فيه في الإسناد والمتن :
أما الإسناد : فمرة يروي عن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن المسور بن مخرمة وهي رواية الطبري .
ومرة يروي عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده ، وهي رواية ابن شبة .
وأما المتن : فتجد رواية الطبري مطولة مفصلة ما لا تجده في رواية ابن شبة المختصرة ؛ مع تأخير وتقديم في رواية ابن شبة لمن تأمل ، ومع اختصار روايته إلا أنه أفاد بأن ذلك حدث بعد قدوم عمر من آخر حجة حجها ، وهذا ما لا تجده في رواية الطبري المطولة .
وسيأتي سياق آخر في المتن يؤكد خلط وغلط عبد العزيز بن أبي ثابت .
وسيأتي كذلك في مبحث آخر رواية لكعب يناقض ما هو هنا .
أضف إلى أنَّ ابنه الذي يروي عنه كما في الطبري وهو ( سليمان ) لم يعرفه الحافظ المزي كما نقله عنه الزيلعي في ( نصب الراية )(4) .
__________
(1) 4/190-193) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت .
(2) 3/891) ، تحقيق فهيم شلتوت .
(3) 4142 ) .
(4) 1/325)، طبعة إدارة المجلس العلمي بالهند ، وصوّرتها دار إحياء التراث العربي ببيروت ، ط3 ، 1407هـ .(1/41)
ولا يظهر لي أنه المترجم في ( لسان الميزان )(1) ، فإن كان هو فقد جهّله ابن القطان .
ويضاف أنَّ في رواية ابن شبه ( عبد الله بن زيد بن أسلم ) متكلم فيه وهناك من وثقه ؛ انظر ( تهذيب التهذيب )(2) .
وبناءاً على ما سبق نجد هذه الرواية والتي اتكأ عليها الدكتور ضعيفة جداً ، لا تصلح للاستشهاد بأي حال من الأحوال ، مع ملاحظة أنَّ مقتل الفاروق على يد أبي لؤلؤة المجوسي ثابتة من طرق ومصادر أخرى .
ثانيًا : ما جاء عن كعب في الاكتفاء بتبليغ عمر أنه ميت في ثلاث
روى ابن أبي الدنيا في ( ذكر الموت )(3) ، و ( المحتضرين )(4) ، وعنه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق )(5) ، من طريق سَلم بن جنادة ، نا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت القرشي، نا أبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن المسور بن مخرمة ، قال : قال كعب لعمر : يا أمير المؤمنين اعهد ؛ فإنك ميت في ثلاثة أيام ، فقال عمر : الله إنك لتجد عمري في التوراة ؟ ( وفي رواية : الله إنك تجد عمر بن الخطاب في التوراة ؟ ) قال : اللهم لا ، ولكن أجد صفتك وحليتك ، قال : وعمر لا يحسّ أجلا ً ولا وجعاً ، فلما مضى ثلاثة ، طعنه أبو لؤلؤة ...... إلى آخر الخبر .
وإسناد هذه الرواية كسابقتها من وجود سليمان وأبيه وقد عرفنا حالهما آنفاً .
أضف إلى أن هنا في المتن لم يذكر تردد كعب على عمر خلال تلك الأيام .
مما يعزز اضطراب المتن ، وعليه فالرواية ضعيفة جداً .
ثالثًا : ما جاء عن كعب في تشبيه عمر الفاروق بأحد ملوك بني إسرائيل وإشارة قرب أجله
__________
(1) 3/392-393) ، تحقيق مكتب التحقيق بدار إحياء التراث العربي ، وإشراف محمد المرعشلي ، ط1 ، 1416هـ .
(2) 5/222) .
(3) ص 22) ، تحقيق مشهور آل سلمان ، مكتبة الفرقان بعجمان ، ط1 ، 1423هـ .
(4) ص 54) ، تحقيق محمد خير رمضان ، دار ابن حزم ، ط1 ، 1417 هـ .
(5) 44/408) .(1/42)
روى ابن سعد في ( الطبقات )(1) ، وابن شبة في ( تاريخ المدينة )(2) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق )(3) كلهم من طريق حماد بن سلمة ، نا يوسف بن سعد ، عن عبد الله بن جبير ، عن شداد بن أوس ، عن كعب قال : كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر ، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه ، وكان إلى جنبه نبي يوحى إليه ، فأوحى الله إلى النبي أن يقول له : اعهد عهدك ، واكتب وصيتك ، فإنك ميت إلى ثلاثة أيام ، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فلما كان اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السرير ، ثم جاء إلى ربه فقال : اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم ، وإذا اختلفت الأمور اتبعت هواك وكنت ُ وكنتُ ، فزدني في عمري حتى يكبر طفلي وتربو أمتي ، فأوحى الله إلى النبي أنه قد قال كذا وكذا ، وقد صدق وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة ، ففي ذلك ما يكبر طفله وتربو أمته ، فلما طُعن عمر قال كعب : لئن سأل عمر ربه ليبقينّه الله ، فأخبر بذلك عمر ، فقال : اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم .
قلت : إسناد هذا الأثر ضعيف .
فيه عبد الله بن جبير بن حية الثقفي ذكره كل من البخاري في ( التاريخ الكبير )(4) ، وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل )(5) ، وسكتا عنه ، وجرى ذكره في ( الثقات ) لابن حبان(6) كعادته في توثيق المجاهيل ؛ إذ إن عبد الله هذا لم يذكر عنه من الرواة غير يوسف بن سعد المذكور هنا ، فهو إذاً في عداد المجاهيل .
__________
(1) 3/269) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1410 هـ .
(2) 3/908) .
(3) 44/420) .
(4) 5/61) ، دار الكتب العلمية ببيروت تصويراً عن الطبعة الهندية .
(5) 5/27) ، دار الفكر تصويراً عن الطبعة الهندية في طبعتها الأولى لسنة 1373 هـ .
(6) 5/19) ، دار الكتب الثقافية تصويراً عن الطبعة الهندية في طبعتها الأولى لسنة 1393هـ .(1/43)
وعلى فرض صحته فهو بعيد عن محل النزاع ، فليس فيه إبلاغ كعب لعمر أنه ميت في ثلاثة أيام ، وتتبعه في كل يوم منها ، بل وليس فيما قاله كعب هنا كان في حضرة عمر من الأصل ، والله أعلم .
( ملحوظة ) قول كعب في آخره : ( لئن سأل عمر ربه ليبقينه الله ) قد ثبت عنه ذلك بلفظ القَسَم عند عبد الرزاق الصنعاني في ( المصنف ) و ( التفسير ) وغيره ، وسيأتي .
رابعًا : ما جاء عن كعب بلفظ القَسَم بأنه لا ينسلخ ذو الحجة حتى يدخل عمر الجنة
روى ابن سعد في ( الطبقات )(1) ، والخطيب في ( الرواة عن مالك )(2) ، والدارقطني في ( غرائب مالك )(3) من طريق مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أنَّ عمر بن الخطاب دعا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، وكانت تحته ، فوجدها تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين هذا اليهودي تعني كعب الأحبار ، يقول إنك على باب من أبواب جهنم ، فقال عمر : ما شاء الله ، والله إني لأرجو أن يكون ربي خلقني سعيداً . ثم أرسل إلى كعب فدعاه ، فلما جاء كعب قال : يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة . فقال عمر : أي شيء هذا ؟ مرة في الجنة ومرة في النار ، فقال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا متّ لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة .
قلت : في إسناده سعد الجاري ، قد اختلف في اسمه واسم أبيه ونسبه ، وهل هو مولى عمر أم ابن عمر .
__________
(1) 3/253) .
(2) ذكره عنه الحافظ ابن حجر في ( تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة ) (1/578) ، تحقيق د. إكرام الله إمداد الحق ، دار البشائر الاسلامية ، ط 1 ، 1416هـ .
(3) ذكره الحافظ كما في المصدر السابق ( 1/579) ، وذكر قول الدارقطني : هذا صحيح عن مالك .(1/44)
وتوصل الحافظ ابن حجر(1) ومن قبله ابن حبان(2) إلى أنه : سعد بن نوفل الجاري مولى عمر بن الخطاب ، وهو عامله على الجار وهو ساحل المدينة المنورة .
وسعد هذا ذكره البخاري(3) وابن أبي حاتم(4) من غير جرح ولا تعديل ، وذكره ابن حبان في ( الثقات ) كعادته .
وقال فيه الحسيني : مجهول(5) .
وردّ عليه الحافظ بأنه : معروف(6) .
قلت : قول الحافظ أنه معروف أخرجه بذلك من جهالة العين ولكن بقيت جهالة حاله .
وعلى فرض صحة القصة فهي خارجة عن محل النزاع كما لا يخفى .
خامسًا : ما جاء عن كعب نقلا ًعن التوراة في قتل عمر شهيداً على العموم من غير تحديد موعد
روى ابن سعد في ( الطبقات )(7) ، وابن شبة في ( تاريخ المدينة )(8)، وأبو نعيم في ( الحلية )(9) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق )(10) - واللفظ له - من طرق ، وألفاظ متقاربة أنَّ كعباً قال لعمر : أجدك في التوراة كذا ، وأجدك كذا ، وأجدك تُقتَل شهيداً ، قال : فقال عمر : وأنَّى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب ؟!
وعند ابن شبَّة : دخل كعب على عمر بعد ما طعن فقال : { الحق من ربك فلا تكوننَّ من الممترين } ، قد أَنبأتك أنك شهيد ، فقلت : من أين لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب ؟
ونبوءة كعب إنما استنبطها مما في التوراة كما بينتها الرواية الأولى.
وطلباً للاختصار فإني ظفرت بأربع طرق هنا كلها لا تخلو من لين ولكن تعضد بعضها بعضاً .
__________
(1) المصدر السابق .
(2) في ( الثقات ) (4/297) .
(3) في ( التاريخ الكبير ) (4/66) .
(4) في ( الجرح والتعديل ) (4/96) .
(5) كما في ( تعجيل المنفعة ) (1/577) .
(6) المصدر السابق (1/578) .
(7) 3/258-259) .
(8) 3/917) .
(9) 6/13) .
(10) 44/403) .(1/45)
مما يجعل الروايات المندرجة تحت هذا العنوان من أمثل ما جاءت الرواية به عن كعب ، وهو اللائق به ، فهي في حقيقة الأمر بُشرى يزفّها للفاروق عمر - رضي الله عنه - ، في وقت قد أُثر عن عمر كما هو معروف طلبه للشهادة(1) وهو في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ ولم يزد عند سماعه لكعب غير استبعاد هذه الشهادة ؛ لأن بالمقياس البشري الواقعي من أين تأتيه الشهادة وهو في جزيرة العرب ؛ بل وفي مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ و مع ذلك كان يتمنى في قرارة نفسه الشهادة وإن كان في جزيرة العرب لأن ذلك ليس على الله ببعيد إذا قضى له بتلك الشهادة ، وقد قضى له بها ، فكان ما تمنَّى - رضي الله عنه - .
ووجدنا ما يعضّد ذلك من شدة يقين عمر في ذلك ؛ ففي ( تاريخ دمشق )(2) قوله: إنَّ الذي أخرجني من مكة إلى هجرة المدينة لقادر أن يسوق إليَّ الشهادة .
ويوافق ما قاله كعب هنا ما جاء في صحيح الإمام البخاري(3) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أُحداً وأبا بكر وعمر وعثمان ، فَرَجَفَ بهم ، فقال : ( اثبُت أُحد ، فإنما عليك نبي وصدّيق ، وشهيدان ) .
وثمة جوانب أخرى في قضية استشهاد عمر والإنذار به قبل وقوعه ، منها :
__________
(1) كقوله : ( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك ، واجعل موتي في بلد رسولك ) رواه البخاري في ( صحيحه ) في كتاب فضائل المدينة ؛ انظر ( الفتح ) ( 4/100) ، زاد في آخره كلاً من : ابن سعد في ( الطبقات ) (3/331) بإسناد حسن ، وابن شبة في ( تاريخ المدينة ) ( 3/872 ) بإسناد صحيح أنه قيل له : وأنَّى يكون ذلك ؟ قال : يأتي به الله إذا شاء . وانظر ( محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ) لابن المبرد الحنبلي (3/791 مع الحواشي) .
(2) 44/404) .
(3) الفتح ) (7/22) .(1/46)
1 - لم يكن كعب فرداً وحيداً في ذكره بقرب أجل عمر الفاروق - رضي الله عنه - مع أنه كما علمنا لم يأت بهذا من عند نفسه تخرّصاً - حاشاه - بل بما نقله وأدّاه فهمه واستنبطه بما في تلك النسخة من التوراة التي كانت بين يديه ... أقول لم يكن فرداً في ذلك ؛ بل كانت هناك إرهاصات وإشارات ورؤى تكلم بها البعض حول قرب حضور أجل الفاروق عمر فََسَحَت بها حناجرهم ونقلتها لنا المصادر فجمعتها وهي على قسمين :
القسم الأول : ما تكلَّم به الفاروق عمر عن قرب حضور أجله :
فقد روى ابن شبة(1) وغيره عن أسامة بن زيد قال : قال عمر - رضي الله عنه - على المنبر : إنه وقع في نفسي أني هالك في عامي هذا ؛ إني رأيت في النوم ديكاً نقرني ثلاث نقرات حول سرتي ، فاستعبرت أسماء بنت عميس ، فقالت : هذا رجل من العجم يطعنك .
وروى ابن شبة(2) من طريق ابن عوف ، عن محمد قال : حَدَرَ عمر - رضي الله عنه - عن مكة وأتبعه رجل ، فلما نزل جعل الرجل يرمقه ، فوضعوا له طهوره فبات فأتيته وهو مذعور ، فأتى الماء فأصاب منه ، ثم رقد ، ثم أتيته الثانية وهو مذعور ، فأتى الماء فأصاب منه ، ثم أتيته الثالثة وكان مذعوراً فأتى الماء فأصاب منه ، فصلى ، فقال : اللهم اجعلها حقاً ، اللهم اجعلها حقاً ، اللهم اجعلها حقاً . فلما أصبح دعا الرجل ليتبعنّه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما شيء رأيتك فعلته الليلة ، فقال : ما هو ؟ فأخبره . قال : رأيت ديكاً نقرني ثلاث نقرات ، وإنه سيقتلني أعجمي ، فاذهب فإن رجعت وأنا حي فافعل كذا وافعل كذا ، قال فجاء وقد أُصيب عمر - رضي الله عنه - .
القسم الثاني : ما تكلم به الآخرون عن قرب حلول أجل الفاروق عمر :
والروايات فيها عنهم على ضربين :
__________
(1) 3/890-891) .
(2) 3/888) .(1/47)
الضرب الأول : ما جاءت فيه الرواية عن شدة قرب أجله من غير تحديد للزمن ، فقد يكون الأجل من عامه الذي فيه ، أو شهره ، أو في أيام قليلة ، أو ربما بعد ساعات معدودة .
والروايات هي :
أ - روى ابن شبة في ( تاريخ المدينة )(1) ، و ابن سعد في ( الطبقات )(2) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق )(3) عن أبي موسى الأشعري قال : رأيت كأني أخذت جوادَّ(4) كثيرة ، فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة ، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقه ، إلى جنبه أبو بكر ، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال ، فقلت إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مات والله أمير المؤمنين ، فقلت ألا تكتب بهذا إلى عمر ؟ فقال : ماكنت لأنعي له نفسه .
ب - وروى ابن شبة(5) ، وابن سعد(6) ، وابن عساكر(7) ، واللفظ لابن شبة عن جبير بن مطعم قال : حججنا مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - آخر حجة حجّها ، فإنَّا لوقوف على جبال من جبال عرفة إذ قال رجل ياخليفة يا خليفة ، فقال رجل من أزد شنؤة من لهب : والله لا يقف عمر - رضي الله عنه - هذا الموقف بعد العام - وكانوا قوماً يعيفون - قال : ونظرت إليه فعرفته سَبَبتَه وأدَّبته ، فبينا هو يرمي الجمار إذ جاءت حصاة ففصدت فيه عِرقاً ، فقال رجل : أُشعِرت ورب الكعبة ، لا والله لا يقف عمر بعد هذا العام أبداً ، قال : فنظرت فإذا هو اللَّهبي الذي قال بعرفة ما قال .
__________
(1) 3/877) .
(2) 3/253) .
(3) 44/406) .
(4) الجوَادُّ جمع جَادّة : وهي معظم الطريق ، وأصل هذه الكلمة من جدَدَ . انظر ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) لابن الأثير (1/313) ، تحقيق محمود محمد الطناحي ، المكتبة العلمية ببيروت .
(5) 3/875-876) .
(6) 3/254) .
(7) 44/397) .(1/48)
ج - وروى ابن شبة(1) وغيره أنَّ عمر - رضي الله عنه - مرَّ يوماً على خولة بنت حكيم السلمية ، وهي في المسجد ، فلم تقم إليه ، فقال : ما لك يا خولة ؟ قالت : خيراً يا أمير المؤمنين ، ورأى الحزن في وجهها ، فقالت : يا أمير المؤمنين رأيت في النوم كأن ديكاً نقرك ثلاث نقرات ، فقال: فما أوّلته يا خولة ؟ قالت : أوّلته أنَّ رجلاً من العجم يطعنك ثلاث طعنات ، فقال : وأنَّى لعمر ذاك ؟ .
د - وروى ابن شبة(2) ، وابن عساكر(3) ، واللفظ لابن شبة أنَّ عيينة بن حصن أراد سفراً ، فلما استقلت به ركابه قال لأصحابه : أرفقوا عليَّ فإنَّ لي إلى أمير المؤمنين حاجة ، فأتاه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أرى هذه الأعاجم قد كثرت ببلدك فاحترس منهم ، قال : إنهم قد اعتصموا بالإسلام ، قال : أما والله لكأني أنظر إلى أحمر أزرق منهم قد جال في هذه ، ونخس بأصبعه في بطن عمر - رضي الله عنه - ، فلما طُعن عمر - رضي الله عنه - قال : ما فعل عيينة ؟ قالوا هو بالجباب ، قال : إنَّ بالجباب لرأياً ، والله ما أخطأ بأصبعه الموضع الذي طعنني فيه الكلب .
الضرب الثاني : ما جاءت فيه الرواية بتحديد قرب أجله بثلاث .
فقد روى ابن عساكر(4) ، وذكره ابن المبرد في كتابه ( محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب )(5) عن عائشة رضي الله عنها قالت : بكت الجنّ على عمر قبل أن يقتل بثلاث فقالت :
أبعد قتيل بالمدينة أصبحت ... له الأرض تهتز العضاة بأسوق
جزى الله خيراً من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ماسَدَّت بالأمس يسبق
قضيت أموراً ثم عادت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق
فما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بكفي سبنتي أخضر العين مطرق
__________
(1) 3/890 ) .
(2) 3/890) من غير سند ، ولم ينبه المحقق إن كان وجده هكذا في الأصل المخطوط .
(3) 44/407) بإسناده .
(4) 44/399) .
(5) 3/800) .(1/49)
2- بناءاً على الروايات السابقة ، ومسايرة للطريقة التي اتهم بها الدكتور كعب الأحبار كان عليه ألاَّ يقتصر فيما زعمه على تحالف اليهود مع الفرس لقتل عمر الفاروق ؛ بل كان عليه أن يضيف تحالف العرب معهم وأنَّ لهم ضلعًا في ذلك ؛ بل عليه أن يترك ما سبق ويقول بتحالف الجن مع الأنس لقتل عمر ، فهل يقول ــذلك أحد ؟ بل أيعقل ذلك من الأصل ؟ فإن كان الجواب بالنفي فلا وجه حينئذ بتخصيص كعب الحبر بتلك التهمة الشنيعة .
3 - وللمتأمل أن يتساءل : أيعقل أنَّ ما فهمه فضيلة الدكتور واستنبطه من تلك الرواية على هدف ومرمى كعب من اتفاقه السري مع الطرف الآخر على مقتل عمر الفاروق أقول أيعقل أن يكون غَفَلَ عنه الخليفة العبقري الملهم والنهاية في الفراسة عمر الفاروق ، وهو الذي اكتوى وكان الضحية - إن صح التعبير - لذلك الاتفاق السري المزعوم ؟!! خاصة بعد علمه وهو ينازع الموت أنَّ قتله كان على يد رجل كافر هو أبو لؤلؤة المجوسي ، وذلك بعد مدة يسيرة من تحذير كعب له بأنه سيموت بعد ثلاثة أيام ، فلا يربط بعد هذا كله بين الأحداث والوقائع !!!
أكان الفاروق بهذه السذاجة والغفلة - حاشاه - ؟!!
أم أنَّ الأمر كان أكبر من هذا ، وأنَّ كعب الحبر كان قد جاوز القنطرة عنده وعند الصحابة أجمعهم لنبله ومتانة ديانته .
وأستميح القارئ أن يقرأ معي ما قاله عمر الفاروق شعراً عندما رأى كعباً مقبلاً عليه بعد طعنه(1) :
فأوعدني كعبٌ ثلاثاً يعدّها ... ولاشك أنَّ القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت ، إني لميت ... ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
فلو كان لدى الفاروق أدنى شك في كعب ولو ( 1% ) لأبدل شعره ذلك والذي فيه منقبة التصديق والتسليم بما قاله كعب له ؛ بالقبض عليه والتحقيق معه .
__________
(1) انظر : ( تاريخ الطبري ) (4/192-193) ، ( ذكر الموت ) لابن أبي الدنيا (ص 22)، ( تاريخ المدينة ) لابن شبة (3/891) ، ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر (44/408) .(1/50)
وينسحب مثل ذلك على الحاضرين من الصحابة .
علماً أنَّ الشعر الذي تمثّل به عمر هنا مدرج في آخر الرواية التي اتكأ عليها الدكتور ، وذلك لدى كل من أخرجها من أصحاب المصنفات ، والتي أثبتنا شدة ضعفها سابقاً ، ومع ذلك لم يذكر الدكتور تلك الأبيات ؛ لأنها ببساطة تدفع ما أراده من اتهام كعب .
وبالمقابل نُقِلَ لنا ما يدل على منزلة عمر الفاروق عند كعب الأحبار ، وذهوله عندما عَلِمَ بطعن عمر :
فقد ثبت بإسناد صحيح عند عبد الرزاق الصنعاني في كتابيه ( التفسير )(1) ، و ( المصنف )(2) من رواية سعيد بن المسيب ، وجاء عند ابن شبة(3) ، وابن عساكر(4) من رواية ابن عباس ، وابن سعد(5) من رواية ابن أبي مليكة ، وهو في ( نزهة السامعين ) لابن حجر(6) : لمّا طُعن عمر جاء كعب فجعل يبكي بالباب ، ويقول : والله لو أنَّ أمير المؤمنين يُقسم على الله أن يؤخّره لأخّره .
وفي رواية : والذي أنزل التوراة على موسى ، وأنزل الإنجيل على عيسى ، وأنزل الفرقان على محمد إن دعا أمير المؤمنين ليبقيه الله لهذه الأمة حتى يأمر فيهم بأمره ويقضي فيهم بقضائه ليرفعنَّه .
فقال الناس : سبحان الله ، قد قال الله : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } (7) ، فقال كعب : أوليس قد قال : { وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } (8) .
فسمع بذلك ابن عباس فأبلغ عمر ، فقال عمر : ادع إليَّ كعباً ، فدُعيَ ، فقال : ما تقول ؟ ، قال : أقول كذا وكذا .
__________
(1) 2/137) ، تحقيق د . مصطفى مسلم ، مكتبة الرشد بالرياض ، ط1، 1410 هـ .
(2) 11/224) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، ط2 ، 1403 هـ .
(3) 3/ 908 ، 909 ، 910) .
(4) 44/420 ، 421) .
(5) 3/269-270 ، 275) .
(6) ص 94 مع الحاشية ) .
(7) سورة الأعراف ، الآية : 34 .
(8) سورة فاطر ،الآية : 11 .(1/51)
فقال عمر : لا والله لا أدعو ( وفي رواية : إذاً والله لا أسأله . وفي رواية : لا أقسم على أن يؤخر عنّي وقتي ) ولكن ويل لعمر من النار إن لم يرحمه ربه . وفي رواية : ويل لي ولأمي إن لم يغفر الله لي .
وهذه الرواية - في نظري - تجعلنا أمام أحد أمرين :
- إما أن نقول أنها تعضّد قولنا بضعف الرواية التي اتّكأ عليها الدكتور والتي أثبتنا ضعفها الشديد سنداً سابقاً ، فنزيد هنا بأنها منكرة المتن ، لأنه ليس من المعقول أن يحذّر كعباً عمر من الموت بعد ثلاث ، ويأتيه في كل يوم منها للتذكير والتحذير ، وقد وطّن نفسه بناءّ على ما في التوراة من موت عمر شهيداً ، ثم يأتيه - كما في هذه الرواية - هذا الذهول والبكاء ؛ بل ويقسم بالله أنَّ عمر لو أقسم على الله أن يؤخر أجله لأخّره ، فهلاَّ ذكر له هذا القَسَم عندما حذّره ، فإنَّ في ذلك تناقض بين الروايتين لا يمكن جمعه على فرض صحتهما سنداً ، فكيف وقد ثبت ضعف إحداهما ضعفاً شديداً ، فليس بعد ذلك أي تناقض .
- أو نقول : إنَّ سبب ذهول كعب وبكائه وذكره للقَسَم كان بسبب عدم تصوّره لقتل عمر بهذه الطريقة البشعة الموصوفة في ترجمته والتي يغني ذكرها هنا ، فيكون ليس هناك تناقض بين الروايتين ؛ تنزّلاً وافتراضاً بصحة الرواية التي اتكأ عليها الدكتور ،وندفع بذلك تهمة الدكتور لكعب بأن له ضلوعًا في قتل عمر.
وبعد هذا :
أرى ببساطة أن القراءة الصحيحة الاستنباطية التي كان على الدكتور أن يقرأها للرواية التي بنى عليها ما بنى ؛ هكذا :
أنَّ ما أبلغه كعب لعمر عن قرب أجله بناءاً على استنباطه لما في التوراة ، كان مجرد إبلاغ عن قرب أجله ، وليس فيه هويِّة القاتل لأجل أنَّ هذا ليس مذكورًا في التوراة ، فلما تزامن ذلك مع مقتل الفاروق على يد المجوسي كان ذلك بقدر من الله - عز وجل - ليقضي أمراً كان مفعولاًً .(1/52)
وبناءاً على النقطة الآنفة لم نجد من اتهم كعباً أحد من أهل العلم سواء أكان محدّثاً أو فقيهاً أو مؤرخا ؛ من السلف أو الخلف ، مما يعزز فردية وشذوذ ومخالفة ما ذهب إليه الدكتور ، وأنَّ قوله : ( ومع ذلك فلم يغفل المؤرخون المسلمون تحالف اليهود مع الفرس ، واشتراكهم في المؤامرة ) ليس من الصحة في شيء .
أما إلزام الدكتور لكعب واستغرابه لعدم وجود صفة وحلية من تآمر على قتل عمر؛ بل وصفة وحلية قاتله في التوراة ، فهو مردود من وجهين :
- إنَّ مثل هذا موجود في سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فقد تقدم قوله ما يفيد أنَّ عمر وعثمان من الشهداء ، وفي ترجمة عثمان - رضي الله عنه - تجد تفاصيل أكثر من النبي - صلى الله عليه وسلم - حول البلوى التي تصيبه ، وكذلك في قوله عن قتل سبطه الحسين - رضي الله عنه - ، وغير ذلك ، فلم نجد بعد ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - ما يشير إلى صفة وحلية المتآمرين عليهم ، أو صفة وحلية قاتليهم ، ولم يذكر أحدٌٌ ممن يعتد به من أهل العلم إلزاماً أو استغراباً في ذلك ، ثم إنَّ في كشف ذلك مخالفة لنواميس الكون التي وضعها الله سبحانه وتعالى .
- إنَّ صاحب الشأن والمعني في موضوعنا هنا ألا وهو عمر الفاروق - رضي الله عنه - لم يطرأ عليه ذلك الإلزام أو الاستغراب وهو من هو من اليقظة والفطنة والدهاء كما أفصحنا من قبل.
كان الواجب تقديم إحسان الظن لهذا التابعي الكبير ، فكيف وهو كلمة إجماع على توثيقه ، ومتانة ديانته .
ولعلي أختم هذه الردود بأن أقول لفضيلة الدكتور : إنَّ ما اعتبرته مما جاء في الرواية التي ذكرتها دليلاً على اتهام كعب وبثّ سهام الشك حوله ؛ قد اعتبرها ممن تقدمك من علمائنا بشارة في حق الخليفة عمر من أخيه كعب الأحبار .(1/53)
فقد بوّب القاضي محمد بن يحيى بن أبي بكر الأندلسي في كتابه ( التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان بن عفان )(1) باباً باسم : ( ذكر بشارة كعب الأحبار عمر - رضي الله عنه - بالشهادة ) ، ثم ذكر تحته الرواية التي نقل مثلها فضيلة الدكتور غير أنها مطوَّلة هنا .
إنَّ من يقول - وأعني به بطبيعة الحال كعب الحبر - : ( يلومني أحبار بني إسرائيل أني دخلت في أمة فرَّقهم الله تعالى أولاً ، ثم جمعهم فأدخلهم الجنة جميعاً ، ثم تلا قوله تعالى : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } حتى بلغ { جنات عدن يدخلونها } (2)(3) .
والله أعلم
-
__________
(1) ص 143) ، بتحقيق د. كرم حلمي فرحات ، دار الأفاق العربية ، ط1 ، 1423هـ .
(2) سورة فاطر ، الآيتين : 32 ، 33 .
(3) تاريخ دمشق ) (50/164) ، وذكره السيوطي في ( الدر المنثور ) (5/474) وعزاه لعبد بن حميد في تفسيره .(1/54)