______ كتابُ تحريمِ مُشارَكَةِ الكُفَّارِ مِنْ أهلِ الكِتابِ ______
________ و الْمُشْرِكِينَ في أعيادِهِمْ أو تهنِئَتِهِمْ بهَا _________
________ بقلم _________
الشيخ / وائل بن عليّ بن أحمد الدِّسُوقيّ
ليسانس في اللغة العربية و العلوم الإسلامية
ودبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية
_________________
النشرة الثالثة : 1429 هـ مزيدة ومنقحة(1/1)
ــــــــــ
حقوق الطبع لكل مسلم
بشرط عدم التغيير في الكتاب
............... *** ................
النشرة الأولى : 1424 هـ
النشرة الثانية : 1428 هـ مزيدة ومنقحة
النشرة الثالثة : 1429 هـ مزيدة ومنقحة
ــــــــــــــــــــ(1/2)
بِسْمِ اللَّهِ الرحْمَنِ الرحِيْمِ
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، أما بعد ؛
فقد تظاهرتِ الدَّلائِلُ من كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وسنةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم على تحريمِ مُشارَكَةِ الكُفَّارِ مِنْ أهلِ الكِتابِ و المشرِكينَ في أعيادِهمْ أو تهنِئَتِهمْ بهَا .(1/3)
[ الدليل الأول ] : سمَّى القرآنُ الكريم أعيادَ أهل الكتاب زُورًا ونهى عن حضورها :
*** قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) [الفرقان:72] .
* قال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في الدر المنثور (6/ 282-283) :
" أخرج الخطيب عن ابن عباس في قوله [تعالى] : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال : " أعياد المشركين " .
و أخرج عبد بن حميد و ابن أبي حاتم عن قتادة قال : " لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم و لا يمالِئُونهم فيه " .
و أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : " لعب كان في الجاهلية " .
و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " إن الزور كان صنمًا بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مَرُّوا به مرُّوا كرامًا لا ينظرون إليه " .
و أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : " الزور : الشرك " .
و أخرج الفريابي و عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية قال : " الزور : الغناء و اللهو " .
و أخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير و ابن أبي حاتم و البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال : " مجالسُ الغناء " ا.هـ
* وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (3/329-330) :
" قال أبو العالية و طاوس وابن سيرين و الضحاك و الربيع بن أنس و غيرهم : هو أعياد المشركين " ا.هـ
* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الصراط المستقيم (1/181-182) :
" روى أبو بكر الخلال في جامعه بإسناده عن محمد بن سيرين في الزور : الشعانين (1) ، وعن مجاهد : هو أعياد المشركين ، وكذلك عن الربيع بن أنس ، وفي معنى هذا ما روى عن عكرمة قال : لعب كان لهم في الجاهلية ، وروى أبو الشيخ بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك قال : الزور أعياد المشركين ، وفي رواية عنه : الزور كلام الشرك " ا.هـ
_____________
(1) الأسبوع الذي يقع في آخر صوم النصارى يعظمونه جدا ويسمون خميسه : الخميس الكبير ، وجمعته : الجمعة الكبيرة ، ويجتهدون في التعبد فيه ما لا يجتهدون في غيره ، بمنزلة العشر الأواخر من رمضان في دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والأحد الذي هو أول الأسبوع يصطنعون فيه عيدا يسمونه : الشعانين ، هكذا نقل بعضهم عنهم ، ونقل بعضهم عنهم : أن الشعانين هو أول أحد في صومهم ، يخرجون فيه بوَرَقِ الزيتون ونحوه ، ويزعمون أن ذلك مشابهة لما جرى للمسيح عليه السلام ، حين دخل إلى بيت المقدس ا.هـ من الصراط المستقيم لابن تيمية (1 / 537 تحقيق العقل) . والصواب أن الشعانين آخر أَحَدٍ في صومهم ، كما سيأتي (ص13) ، والله أعلم .(1/4)
* و قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (13/79) :
" ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) أي لا يحضرون الكذب والباطل ولا يشاهدونه . والزور كل باطل زُوِّرَ وزُخْرِفَ ، وأعظَمُهُ الشرك ، وتعظيم الأنداد . وبه فَسَّر الضحاك وابن زيد وابن عباس . وفي رواية عن ابن عباس أنه أعياد المشركين " ا.هـ
* و قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره (3/378) :
" قال مجاهد : يعني أعياد المشركين " ا.هـ
* و قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في أحكام أهل الذمة (3/1244 وما بعدها) :
" واحتج الإمام أحمد بن حنبل على تحريم شهود أعياد النصارى واليهود بهذه الآية وقال : الزور الشعانين و أعيادهم . وعن الضحاك : الزور عيد المشركين ، و قال سعيد بن جبير : الشعانين ، و كذلك قال ابن عباس : الزورُ عيدُ المشركين " ا.هـ
*** فتبين مما سبق إجماع المفسرين على دخول أعياد أهل الكتاب في قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) [الفرقان: 72] .
وبيان ذلك أن أعيادَ المشركين واليهودِ والنصارى تشتملُ على أنواع من الزور والكفر و الكذب و الباطل :
(1) منها : نسبة الصاحبة - أي الزوجة - والولد لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا :
قال الله عز وجل : ( وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) [الكهف: 4-5] ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) [مريم: 88-93].
وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ تعالى :
" كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا " .
رواه البخاري في صحيحه (4122)
فنسبة الزوجة والولد لله تعالى من أقبح الكفر وأغلظه .(1/5)
(2) ومنها : ادِّعاء صلب المسيح و قيامته بعد ذلك :
و هذا من أعظم الزور . قال الله تعالى : ( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) [النساء : 156-158] .
و ادِّعاءُ صلبِ المسيح من أعظم الكفر لأنه تكذيب للقرآن .
(3) ومنها : قولهم بثلاثة آلهة ؛ الآب والابن و الروح القدس :
قال الله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)[النساء :171-172]
وهذا شرك وكفر صريح .
قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) [المائدة : 72-76] . و قال الله سبحانه : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) [الأعراف : 33] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم (1/183) : " أعياد المشركين جمعت الشبهة والشهوة والباطل ، و لا منفعة فيها في الدين ، وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى ألم ؛ فصارت زورًا ، وحضورها شهودها " ا.هـ(1/6)
[ الدليل الثاني ] : نهي الشرع الشريف عن التشبه باليهود والنصارى :
وهذه قاعدة مطردة من قواعد الإسلام حرص عليها النبي صلى الله عليه وسلم وبينها بقوله وفعله ، وعليها أدلة كثيرة :
1 - قد فرض الله تعالى علينا أن نقول في صلاتنا : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) [الفاتحة : 6-7] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :
" كُلٌّ من اليهود والنصارى ضالٌّ مغضوبٌ عليه ، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب كما قال فيهم : { مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [المائدة: 60] وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال : { قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل } [المائدة : 77] ، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار . وذلك واضح بَيِّنٌ " ا.هـ
* قال الله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) [المائدة : 77-78]
* عن عَدِيِّ بن حاتم رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" اليهودُ مغضوبٌ عليهم والنصارى ضالُّون " .
رواه أحمد (4 / 378) والترمذي (2956-2957) وقال : هذا حديث حسن غريب ، و صححه ابن حبان (2279) والألباني .
2 - قال اللَّهُ تَعَالَى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) [البقرة:120] .
وقال عزوجل : ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) [البقرة:145] .
* قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (1/403) :
" فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى ، بعد ما عَلِموا من القرآن والسنة ، عياذًا بالله من ذلك ، فإن الخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأمر لأمته . وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله : ( حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة كقوله تعالى : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) [الكافرون:6] " ا.هـ
* وقال الشيخ ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في تفسيره :
" أي : ولئن اتبعتهم مثلاً بعدما بان لك الحق وجاءك فيه الوحي ( إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) ، وأكد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه : (أحدها) : الإِتيان باللام الموطئة للقسم . (ثانيها) : القسم المضمر . (ثالثها) : حرف التحقيق وهو أن . (رابعها) : تركيبه من جملة فعلية وجملة اسمية . و(خامسها) : الإِتيان باللام في الخبر . و(سادسها) : جعله من ( الظَّالِمِينَ ) ، ولم يقل إنك ظالم لأن في الاندراج معهم إيهاماً بحصول أنواع الظلم . و(سابعها) : التقييد بمجيء العلم تعظيماً للحق المعلوم ، وتحريضًا على اقتفائه وتحذيراً عن متابعة الهوى " ا.هـ
3 - و عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تَشَبَّهُوا باليهود و لا بالنصارى " .
رواه الترمذي (2696) وهو حديث صحيح بشواهده ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2194) ، و روي موقوفًا و هو أصح ، لكن له حكم الرفع لأنه لا يُقال من قبل الرأي .
4 - و عن عبد الله بن عُمَر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" مَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم " .
رواه أحمد (2/50 ، 92) ، و أبو داود (4031) ، وصححه ابن حبان و الألباني في الإرواء (5/109) ، وجوّد إسناده ابن تيمية ، وحسّن إسناده ابن حجر في الفتح (10/271) .(1/7)
5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" ليس منَّا مَنْ عمل بسُنَّةِ غيرنا " .
رواه الطبرانى فى الكبير (11/11335) والأوسط (9426) وأبو الشيخ الأصبهاني ، و الديلمي في مسند الفردوس (3/415/ 5268) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5439) .
6 - و عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إياكم ولبوس الرهبان ، فإنه من ترهب (1) أو تشبه بهم فليس مني " .
رواه الطبرانى في الأوسط (3909) والديلمي في مسند الفردوس(1534) ، و قال ابن حجر في الفتح (10/272) : " إسناده لا بأس به " ا.هـ ، و قال الهيثمي في المجمع (5/131/8353) : " رواه عن شيخه علي بن سعيد الرازي و هو ضعيف " ا.هـ . قلتُ : لم يتفرد به علي بن سعيد الرازي بل توبع ، قال الطبرانى في الأوسط (4/178) : " تفرد به محمد بن صالح بن مهران " ا.هـ. أي شيخ علي الرازي . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (7/رقم3234) ، وقال : " لعل الحافظ يعني أنه لا بأس بإسناده في الشواهد ، والله سبحانه وتعالى أعلم " ا.هـ
7 - و قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :
" من بَنَى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم و مهرجانهم و تشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشِرَ معهم يوم القيامة " .
رواه البيهقي (9/18642و18643) ، وصحح إسناده ابن تيمية وابن القيم .
_____________
(1) كذا في المعجم الأوسط ومسند الفردوس ومجمع الزوائد والسلسلة الضعيفة ، والذي في فتح الباري و جلباب المرأة المسلمة (ص184) : « مَنْ تَزَيَّا بهم أو تشبه فليس مني » .(1/8)
[ الدليل الثالث ] : نَسَخَ الإسلامُ وأبطلَ الشرائِعَ السابقة ومنها أعياد أهل الكتاب :
8 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال : " ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّه قد أبدلكم بهما خيرًا منهما : يوم الأضحى ، ويوم الفطر " .
رواه أبو داود (959) و اللفظ له ، و أحمد (12025 ، 12850 ، 13495 ، 13647 ) و النسائي (1556) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " هذا إسناد على شرط مسلم " ،
* قال شيخ الإسلام في الصراط المستقيم (1 /184) : " فوجه الدلالة أن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا تركهم يلعبون فيهما على العادة بل قال : "إنَّ اللّه قد أبدلكم بهما " يومين آخرين ، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدَلِ منه ، إذ لا يجمع بين البدل و المبدَلِ منه ، و اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا عهد خلفائه . و لو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما لكانوا قد بقوا على العادة إذ العادات لا تُغَيَّرُ إلا بمُغَيِّر يزيلها ، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك و الرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم لقوة مقتضاها من نفوسهم ، وتوفر هِمَم الجماهير على اتخاذها . فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبقيت ، وكل ما منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم منعًا قويًّا كان محرمًا ، والمحذورُ في أعياد أهل الكتاب أشدُّ من المحذور في أعياد الجاهلية ، فإن الأمة قد حُذِّرت مشابهة اليهود والنصارى " ا.هـ(1/9)
[ الدليل الرابع ] : أعيادُ المسلمين التي شَرَعَهَا لهم ربهم عز وجل وحصرها وخصهم بها ، فيها كفاية فلا يحتاجون إلى غيرها :
9 - و عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضى الله عنها عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :
" إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً ، وَهَذَا عِيدُنَا " .
رواه البخاري (909 و 3716) و مسلم (892) .
10 - و عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :
" يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق عيدُنا أهل الإِسلام " .
رواه أبو داود (2419) والترمذي (773) والنسائي (3004) و ابن حبان (3603) وابن خُزيمة (2100) والحاكم في المستدرك (1586) ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " ، وصححه ابن خُزيمة ، و ابن حبان ، وصححه الحاكم على شرط مسلم .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصراط المستقيم (1/193-195) : " هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم كما قال عز وجل : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) [المائدة : 48] وذلك أن اللام تورث الاختصاص . فإذا كان لليهود عيد ، و للنصارى عيد ،كانوا مختصين به ، فلا نشركهم فيه كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم ، وكذلك أيضًا لا نَدَعُهم يشركوننا في عيدنا. و قوله صلى الله عليه وسلم : " هَذَا عِيدُنَا " يقتضي حصر عيدنا في هذا ، فليس لنا عيد سواه .
وكذلك قوله : " وإن عيدنا هذا اليوم "، فإن التعريف باللام والإضافة يقتضي الاستغراق ، فيقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصرًا في جنس ذلك اليوم ، ولهذا رخص في هذا اليوم في لعب الجواري بالدف ، وتغنيهن معللاً بأن لكل قوم عيدًا ، وأن هذا عيدنا ، فالرخصة لا تتعدى إلى عيد الكفار ، و لا يرخص في اللعب فيها ، و لو كان اللعب في أعياد الكفار جائزاً لما قال : " فإن لكل قوم عيداً و هذا عيدنا " لأن تعقيب الحكم بالوصف بحرف الفاء دليل على أنه علة ، فيكون علة الرخصة أن كل أمة مختصة بعيد ، وهذا عيدنا ، وهذا فيه دلالة على النهي عن التشبه بهم في اللعب ونحوه " ا.هـ .
11 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمَ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى " .
رواه البخاري (827) و مسلم (1412-1414) واللفظ له .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصراط المستقيم (ص197تحقيق الفقي) :
" قد سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الجمعةَ عيدًا في غير موضع ، ونهى عن إفراده بالصوم ؛ لما فيه من معنى العيد . وفي هذا الحديث ذَكَرَ أن الجمعة لنا ، كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى ، واللام تقتضي الاختصاص ، ثم هذا الكلام : يقتضي الاقتسام ، ... أوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصا بما جعل له ، ولا يشرك فيه غيره ، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت ، أو عيد يوم الأحد خالفنا هذا الحديث ، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي إذ لا فرق ، بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي ، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك " ا.هـ(1/10)
[ الدليل الخامس ] : نهيُ الشرعِ عن موافقةِ الكفارِ في أعيادهم على أيِّ وجهٍ كان ، لئلا تحيا بل لتَبْطُلَ وتندثر :
12 - عن ثابت بن الضحّاك رضي الله عنه قال : " نَذَرَ رجلٌ على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببُوَانَةَ ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببُوَانَةَ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد ؟ ، قالوا : لا، قال : هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ؟ ، قالوا : لا ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، فإِنه لا وفاء لنذرٍ في معصية اللّه ، ولا فيما لا يملك ابنُ آدم ".
رواه أبو داود (3313) ، وقال ابن تيمية : " هذا الإسناد على شرط الصحيحين ، وإسناده كلهم ثقات مشاهير ، وهو متصل بلا عنعنة ". ا.هـ وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (4/180/رقم 2070) .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصراط المستقيم (1/186-193) : " بُوَانة - بضم الباء الموحدة - موضع قريب من مكة "، قال : " لو كان الذبح في موضع العيد جائزًا لسوَّغَ صلى الله عليه وسلم للناذر الوفاء به ، فإذا كان الذبح [لله تعالى وحده] بمكان عيدهم منهياً عنه ، فكيف الموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم ؟ فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح بمكانٍ كان الكفار يعملون فيه عيداً ، وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا العيد ، والسائل لا يتخذ المكان عيداً ، بل يذبح فيه فقط ، فقد ظَهَرَ أن ذلك سدًّا للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم ، خشية أن يكون الذبح هناك سببًا لإحياء أمر تلك البقعة ، وهذا نهيٌ شديدٌ عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أيِّ وجهٍ كان ، وأعياد الكفار من الكتابيين والأميين من جنس واحد " ا.هـ.(1/11)
[ الدليل السادس ] : نزول الغضب الإلهي على أهل الكتاب في أعيادهم:
13 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تَنْزِلُ عليهم " .
رواه عبد الرزاق في المصنف (1609) ، و البيهقي في السنن الكبرى (9/18640) ، وصحح إسناده ابن تيمية في "مسألة في ذم خميس النصارى"، وابن القيم في أحكام أهل الذمة (3/1247) ، وابن مفلح في الآداب الشرعية (3/417) .
14 - وعن عمر رضي الله عنه أيضًا قال : " اجتنبوا أعداءَ الله في عيدهم " .
رواه البخارى فى التاريخ الكبير (4/14) ، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (9/18641) .
* وإنما ذكر عُمَر رضي الله عنه نزولَ سخطِ الله على أهل الكتاب يوم عيدهم لجمعهم بين قول الزور ؛ الذي أعظَمُهُ الشركُ ، ونسبة الزوجة والولد إلى الله تعالى - وهو سَبٌّ لله تعالى كما في الحديث القدسي الصحيح (1) - والسجود لقساوستهم ، وشرب الخمور ، وارتكاب الزنا والفجور.__________
(1) سبق ذكره (ص5) .(1/12)
[ الدليل السابع ] : عدم جواز إظهار أعياد الكفار في بلاد الإسلام :
*** قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [التوبة:33 و الصف:9]
وقال الله عزوجل : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) [الفتح:28]
وقال الله سبحانه وتعالى : ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة:29]
* وفي الشروط العمرية المتفق عليها بين الصحابة رضي الله عنهم :
15 - شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يُظْهِرُوا أعيادَهم في دار الإسلام فكتب في كتابه المشهور حين صالح نصارى من أهل الشام و شَرَطَ عليهم : " و لا نخرج شعانينَ ولا باعوثًا " .
رواه الخلال في كتاب أحكام أهل الملل ، والبيهقي في السنن الكبرى (9/202) ، وَجَمَعَ فِيهَا الْحَافِظُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَبْرٍ جُزْءًا .
* قال العلماء :
( الشعانين ) : ويقال السعانين بالسين المهملة وهو اسم سرْيَاني مُعَرَّبٌ ، وتسميه العرب يوم السَّبَاسِب ، وهو من أعياد النصارى ، ويكون يوم الأحد السابق لعيد الفصح ، يحتفلون فيه بحمل السعف ذكرى لدخول المسيح عليه السلام بيت المقدس في زعمهم .
( والباعوثُ ) : استسقاء النصارى ؛ يخرجون بصلبانهم إلى الصحراء فيَسْتَسْقُون . قال ابن تيمية : " الباعوث اسم جنس لما يظهر به الدين " ا.هـ . والمقصود النهي عن خُرْوجِ النصارى مجتمعين محتشدين مظهرين لدينهم كما يخرُجُ المسلمون يوم الأضحى والفطر والاستسقاء (1) .
* قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " (1/180) : " و في شروط عمر رضي الله عنه ، التي اتفقت عليها الصحابة ، وسائر الفقهاء بعدهم ، أن أهل الذمة لا يُظهرون أعيادهم في دار الإسلام ، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها ، فكيف يسوغ للمسلمين فِعْلُها " .
وقال (ص124 تحقيق الفقي) : " ومن جملة الشروط : ما يعود بإخفاء منكرات دينهم ، وترك إظهارها ، كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس ، والنيران والأعياد ، ونحو ذلك . (ومنها) : ما يعود بإخفاء شعار دينهم ، كأصواتهم بكتابهم . فاتفق عمر رضي الله عنه ، والمسلمون معه وسائر العلماء بعدهم ، ومن وفقه الله تعالى من ولاة الأمور على منعهم من أن يظهروا في دار الإسلام شيئا مما يختصون به ، مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين ، فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها . (ومنها) : ما يعود بترك إكرامهم وإلزامهم الصغار الذي شرعه الله تعالى .
ومن المعلوم : أنَّ تعظيم أعيادهم ونحوها ، بالموافقة ، فيها نوع من إكرامهم ، فإنهم يفرحون بذلك ، ويُسَرُّون به ، كما يَغْتَمُّون بإهمال أمر دينهم الباطل " ا.هـ
_____________
(1) أحكام أهل الذمة لابن القيم (3/1242 و 1243) ، والصراط المستقيم لابن تيمية (ص213) ، والفائق في غريب الحديث و الأثر للزمخشري ( باب القاف مع اللام ) ، والنهاية لابن الأثير ( أبواب : الباء مع العين ، والسين مع الباء ، والسين مع العين ) ، والقاموس الفقهي (ص198) .(1/13)
.............................. فصل ..................................
كلام العلماء في تحريم مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم أوتهنئتهم بها
ومنعهم من إظهارها في دار الإسلام .
*** قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب أحكام أهل الذمة (3/1245) :
" لا يجوز للمسلمين ممالأتهم على أعيادهم ، و لا مساعدتهم ، و لا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله ، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم ".ا.هـ
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في أحكام أهل الذمة (1/441) :
" التهنئة بشعائر الكفر المختصة به حرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سَلِمَ قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمَنْزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه " ا.هـ.
*** وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " (1/180) :
" موافقة الكفار في أعيادهم لا تجوز من طريقين :
( الطريق الأول ) : أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيكون فيه مَفْسَدَةُ موافقتهم ، وفي تركه مصلحة مخالفتهم ، ومن جهة أنه من البدع المحدثة ، ويدل كثير ٌ منها على تحريم التشبه بهم في العيد ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " ، فإن موجب هذا تحريم التشبه بهم مطلقاً، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين "[متفق عليه].
ودل الكتاب والسنة على تحريم سبيل المغضوب عليهم والضالين ، وأعيادهم من سبيلهم ومن أعمالهم ، التي هي دينهم ، أو شعار دينهم الباطل، وإن هذا محرم كله .
( الطريق الثاني ) : الخاص في نفس أعياد الكفار بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار " . وذكرها ثم قال : " و في شروط عمر رضي الله عنه ، التي اتفقت عليها الصحابة ، وسائر الفقهاء بعدهم أن أهلَ الذمةِ لا يُظهِرون أعيادهم في دار الإسلام ، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها ، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها ؟ " ا.هـ
- وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (25/325-327) : " نص الإمام أحمد على أنه لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى ، واحتج بقول الله تعالى: ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) [الفرقان : 72]. قال : الشعانين وأعيادهم .(1/14)
- وقال عبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك في كلام له قال :
[ وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له ورآه من تعظيم عيده ، وعونًا له على كفره ، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئًا من مصلحة عيدهم ، لا لحمًا ، ولا أدمًا ، ولا ثوبًا ، ولا يُعَارُون دابة ] (1) ، ولا يُعَاوَنُون على شيء من عيدهم ، لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم ، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك ، وهو قول مالك وغيره لم أعلم أنه اُختلِفَ فيه ، وأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهيته ، بل هو عندي أشد ، وقد سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم ، فَكَرِهَ ذلك مخافة نزول سخط الرب عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ) فيوافقهم ويعينهم ( فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) [المائدة:51] .
- وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى قال : { قلتُ لعمر : إن لي كاتبًا نصرانيًا ، قال : مَالَكَ قاتلك الله ، أما سمعتَ اللهَ تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [المائدة:51] ، ألا اتخذتَ حنيفيا ، قال : قلت يا أمير المؤمنين لي كتابتُه وله دينُه ، قال : لا أُكْرِمُهُم إذ أهانَهُم الله ، ولا أُعِزُّهم إذ أَذَلَّهُم الله ، ولا أُدْنِيهِم إذ أقصاهم الله } (2) " ا.هـ
- وقال ابن تيمية في الاختيارات العلمية (ص 324) :
" ويحرم ما ذبحه الكتابي لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمه ، وهو رواية عن أحمد " ا.هـ
______________
(1) زيادة من كتاب أحكام أهل الذمة لابن القيم (3/1250) : وقال في آخره : " هذا لفظه في الواضحة " ا.هـ أي لفظ عبد الملك بن حبيب السلمي ، قال الذهبي : " الإِمَامُ العَلاَّمَةُ فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ " اهـ من النبلاء ، وأما كتاب الواضحة : " قال العتبي - وذكر الواضحة - : رحم الله عبد الملك ما أعلمُ أحدًا ألَّف على مذهب أهل المدينة تأليفه ولا لطالب أنفع من كتبه ولا أحسن من اختياره وألف كتباً كثيرة حسانًا ، منها : الكتب المسماة بالواضحة في السنن والفقه لم يؤلف مثلها " اهـ من الديباج المذهب لابن فرحون .
(2) رواه البيهقي في سننه الكبرى (10/127) ، وزاد في آخره : " فأخْرَجَهُ " ، أي أن أبا موسى أخرج الكاتبَ النصراني . و زاد في رواية أخرى : { ولا تأتمنوهم إذ خَوَّنَهُمُ اللهُ } .(1/15)
*** قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في " تشبيه الخسيس بأهل الخميس " (ص 35) :
" من يشهدها ويَحضُرها يكون مذمومًا ممقوتًا ؛ لأنه يشهد المنكر ولا يُمكنه أن يُنكره ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " (رواه مسلم 78 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) . وأي منكر أعظم من مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومواسمهم ، ويصنع كما يصنعون : من خبز الأقراص ، وشراء البخور ، وخضاب النساء والأولاد ، وصبغ البيض ، وتجديد الكسوة ، والخروج إلى ظاهر البلد بزي التبهرج ، وشطوط الأنهار ، فإنَّ في هذا إحياء لدين الصليب ، وإحداث عيد ، ومشاركة المشركين , وتشبهًا بالضالِّين " .
- وقال (ص 28) : " فكيف يسوغ لمسلم إظهار شعائرهم الملعونة " .
- وقال : " فإنْ قال قائلٌ : إنَّا لا نقصد التَّشبُّه بهم . فيقالُ له : نفس الموافقة والمشاركة لهم في أعيادهم ومواسمهم حرامٌ , بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها " (رواه البخاري 581 عن ابن عباس رضي الله عنهما) , وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّها تَطلُعُ بين قرنَي شيطان , وحينئذ يسجد لها الكُفَّارُ " (رواه مسلم 832 عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه) , والمصلى لا يقصِدُ ذلك , إذ لو قصده كَفَرَ , لكنَّ نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام .
- وفي مُشابهتهم من المفاسد أيضًا :
أنَّ أولاد المسلمين تنشأ على حُب هذه الأعيادِ الكُفريَّة لما يُصنعُ لهم فيها من الرَّاحات والكسوةِ والأطعمةِ , وخبزِ الأقراص , وغير ذلك .
فبئس المربِّي أنتَ أيُّها المسلم ، إذا لم تَنْهَ أهلك وأولادك عن ذلك , وتعرِّفُهم أنّ ذلك عند النَّصارى , لا يحل لنا أن نشاركَهم ونشابهَهُم فيها .
وقد زَيَّن الشيطانُ ذلك لكثير من الجهلة , والعلماء الغافلين ، ولو كان منسوبًا للعلم , فإنَّ علمَهُ وبالٌ عليه " .
- وقال الذهبي : " قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [المائدة:51] .
قال العلماء : ومن موالاتهم : التشبُّه بهم ، وإظهارُ أعيادهم ، وهم مأمورون بإخفائها في بلاد المسلمين ، فإذا فعلها المسلم معهم ، فقد أعانهم على إظهارها ، وهذا منكرٌ وبدعةٌ في دين الإسلام ، ولا يفعلُ ذلك إلا كلُّ قليل الدين والإيمان " .ا.هـ(1/16)
*** قال الإمام موفق الدين أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ المقدسي من أئمة الحنابلة رحمه الله تعالى في " الكافي " (4/360) :
" ويُمْنَعُون من إظهارِ المنكَرِ كالخمر والخنزير وضرب الناقوس ورفع أصواتهم بكتابهم وإظهار أعيادهم وصلبهم " ا.هـ
*** وقال الشيخ شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى في " الشرح الكبير على المقنع " (10/620-621) :
" (مسألة) يمنعون من إظهار المنكر كالخمر والخنزير وضرب الناقوس ورفع أصواتهم بكتابهم وإظهار أعيادهم وصلبهم " ا.هـ
*** وقال الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي من أئمة الشافعية رحمه الله تعالى في كتاب " المهذَّب " :
" فصل : ويمنعون من إظهار الخمر والخنزير وضرب النواقيس والجهر بالتوراة والإنجيل وإظهار الصليب وإظهار أعيادهم ورفع الصوت على موتاهم " ا.هـ
*** وقال الشيخ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ من أئمة الشافعية رحمه الله تعالى في فتاويه :
" وَالْبَاعُوثُ وَالشَّعَانِينُ أَعْيَادُهُمْ فَلَا يُظْهِرُونَهَا " ا.هـ
*** قال الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب " الأم " (5/8-9) :
" وله منعها [ أي للمسلم منع زوجته النصرانية ] من الكنيسة والخروج إلى الاعياد وغير ذلك مما تريد الخروج إليه ، إذا كان له منع المسلمة إتيان المسجد وهو حق ، كان له في النصرانية منع إتيان الكنيسة لانه باطل " ا.هـ(1/17)
*** قال الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي الحنفي رحمه الله تعالى في " الدر المختار شرح تنوير الابصار " (7/345-346 مع حاشية ابن عابدين) :
" (والاعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام (وإن قصد تعظيمه) كما يعظمه المشركون (يكفر) قال أبو حفص الكبير: لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم أهدى لمشرك يوم النيروز بيضة يريد تعظيم اليوم فقد كفر وحبط عمله اهـ.
ولو أهدى لمسلم ولم يرد تعظيم اليوم بل جرى على عادة الناس لا يكفر، وينبغي أن يفعله قبله أو بعده نفيا للشبهة، ولو شرى فيه ما لم يشتره قبل إن أراد تعظيمه كفر، وإن أراد الاكل والشرب والتنعم لا يكفر " ا.هـ
*** قال الشَّيْخُ عثمان بن علي الزَّيْلَعِيُّ الحنفي رحمه الله تعالى في " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " (6/228) :
" ( وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ ، وَأَهْدَى لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً يُرِيدُ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلَكِنْ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً ، وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ تَشَبُّهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْمُشْرِكُونَ كَفَرَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالتَّنَعُّمَ لَا يَكْفُرُ " ا.هـ
*** قال قَاضِي خَانْ الحنفي رحمه الله تعالى في فتاويه (3 / 577 الفتاوى الخانية بهامش الهندية) رحمه الله تعالى :
" رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَشْتَرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ : إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْكَفَرَةُ يَكُونُ كُفْرًا ، وَإِِنْ فَعَل ذَلِكَ لأَِجْل السَّرَفِ وَالتَّنَعُّمِ لاَ لِتَعْظِيمِ الْيَوْمِ لاَ يَكُونُ كُفْرًا . وَإِِنْ أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إِِلَى إِنْسَانٍ شَيْئًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ ، إِنَّمَا فَعَل ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ لاَ يَكُونُ كُفْرًا .
وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَفْعَل فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا لاَ يَفْعَلُهُ قَبْل ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلاَ بَعْدَهُ ، وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْكَفَرَةِ " ا.هـ
*** قال الشَّيْخُ زين الدين ابن نجيم الحنفي رحمه الله تعالى في " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " (5/132) :
" وَيَكْفُرُ بِإِتْيَانِهِ عِيدَ الْمُشْرِكِينَ مع تَرْكِ الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لهم " ا.هـ (1)
_____________
(1) وانظر : البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/555) ، وحاشية ابن عابدين (5 / 481) ، والفتاوى الهندية (2 / 276-277) ، والفتاوى البزازية بهامش الهندية (6 / 333 ، 334) ، والفتاوى الأنقروية (1 / 164) ، وبذل المجهود في حل أبي داود (6 / 160) .(1/18)
______ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ______
*** السؤال العاشر من الفتوى رقم (18074)
* س 10 : مدرسونا غالبهم من المشركين أو الكتابيين ، فما حكم تهنئتهم في أعيادهم ؟
* ج 10 : أولا : لا تجوز مشاركة النصارى في أعيادهم ولا تهنئتهم بها ؛ لأن في هذا نوع رضا بما هم عليه ، ومداهنة لهم على باطلهم ، وتعاونا على الإثم والعدوان ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [المائدة:2]
* اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء *
عضو ... بكر أبو زيد ، عضو ... عبد العزيز آل الشيخ
عضو ... صالح الفوزان ، عضو ... عبد الله بن غديان
الرئيس ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " ا.هـ (1)
*** السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 2882 )
* س 2 : هل يجوز للمسلم أن يأكل من الأطعمة التي أعدها أهل الكتاب أو المشركون في أيام عيدهم أو يقبل عطية منهم لأجل عيدهم ؟
* ج 2 : لا يجوز للمسلم أن يأكل مما يصنعه اليهود أو النصارى أو المشركون من الأطعمة لأعيادهم ، ولا يجوز أيضا للمسلم أن يقبل منهم هدية من أجل عيدهم ، لما في ذلك من تكريمهم والتعاون معهم في إظهار شعائرهم وترويج بدعهم ومشاركتهم السرور أيام أعيادهم ، وقد يَجُرُّ ذلك إلى اتخاذ أعيادهم أعيادا لنا ، أو إلى تبادل الدعوات إلى تناول الأطعمة أو الهدايا في أعيادنا وأعيادهم على الأقل ، وهذا من الفتن والابتداع في الدين ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري (2550) ومسلم (1718) ، كما لا يجوز أن يهدى إليهم شيء من أجل عيدهم .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
* اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء *
عضو ... عبد الله بن قعود ، نائب الرئيس ... عبد الرزاق عفيفي
الرئيس ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " ا.هـ (2)
*** قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى :
" أما مشاركة الكفار في احتفالاتهم بأعيادهم فليس للمسلم أن يشاركهم في ذلك " ا.هـ (3)
_____________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية (1/448) .
(2) فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى (22/399) .
(3) مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز (4/267) و (6/285) .(1/19)
*** قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (3/رقم404) :
" تهنئة الكفار بعيد ( الكريسميس ) أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القَيِّمِ رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة ، حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يُهَنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سَلِمَ قائلُه من الكفر فهو من المحرّمات ، وهو بمنزلة أن تُهنئَهُ بسجوده للصليب بل ذلك أعظمُ إثماً عند الله ، وأشدُّ مَقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كُفْرٍ فقد تعرّضَ لِمَقْتِ الله وسخطه " . انتهى كلامه رحمه الله .
- وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراما وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر ، ورِضًا به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئ بها غيره ؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال تعالى : ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) [الزمر:7] .
وقال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة:3]
- وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .(1/20)
- وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك ، لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها اللهُ تعالى ، لأنها إما مبتدعة في دينهم ، وإما مشروعة لكن نُسِخَتْ بدين الإسلام الذي بَعَث اللهُ به محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق ، وقال فيه : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [آل عمران:85]
- وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .
- وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا ، أو توزيع الحلوى ، أو أطباق الطعام ، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم ".
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " [ص219 تحقيق الفقي] :
" مُشابهتهم في بعض أعيادهم تُوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستزلال الضعفاء ". انتهى كلامه رحمه الله .
- ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك فهو آثم سواء فَعَلَه مُجاملة أو تَودُّداً أو حياءًا أو لغير ذلك من الأسباب ؛ لأنه من المُدَاهَنَةِ في دين الله ، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدِينهم .
والله المسؤول أن يُعِزَّ المسلمين بِدِيْنِهم ، ويرزُقَهُم الثباتَ عليه ، وينصُرَهُم على أعدائِهِم ، إنه قوي ٌّ عزيزٌ " ا.هـ.(1/21)
*** قال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين حفظه الله تعالى في " شرح عمدة الأحكام " (الدرس 24) :
" العيد اسم لما يعود ويتكرر مع الاجتماع العام على وجه مخصوص ، ويصحبه شيء من الفرح والابتهاج ، وأن أعياد المسلمين هي : عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، وهي تعود كل سنة ، وعيد الأسبوع هو يوم الجمعة ، وذكرنا أن هذه الأعياد شرعت لأجل الابتهاج بنعمة الله تعالى على إكمال ما أتمه لهم ، فعيد الأسبوع فيه الفرح والسرور بما يسَّرَ اللهُ لهم في ذلك الأسبوع من إقامة العبادة التي هي هذه الصلوات الخمس مدة أسبوع ، ثم بعد ذلك يجتمعون في مسجد واحد ، ويؤدون هذه الصلاة الخاصة .
وعيد الفطر فرح وابتهاج بإكمال الصوم الذي هو ركن من أركان الإسلام ، فبعد ما يكملونه ؛ يظهرون الفرح والسرور ، ويُصَلُّون هذه الصلاة الخاصة .
وعيد الأضحى فرح وابتهاج بإكمال ركن آخر من فرائض الإسلام وهو الحج ، وإن لم يكونوا كلهم أدَّوه ، ولكن أداه إخوتهم الذين حجوا وكانوا في المناسك ، وهم شاركوهم في بعض الأعمال : من تكبير ، وصوم ، وذكر ، وذبح قرابين ، وما أشبه ذلك .
هذه هي الحكمة في شرعية هذه الأعياد ، وهي أعياد الإسلام ، ولا يجوز أن يضاف إليها أعياد أخرى ، وقد جاء الإسلام بالاقتصار على هذه الأعياد ، فلا يجوز مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم كعيد الميلاد النصراني ، وعيد النيروز ، وعيد المهرجان ، ونحوها من أعياد أهل الكتاب وغيرهم ، بل يقتصر المسلمون على أعيادهم الشرعية .
وما يعمله المسلمون في هذه الأعياد مخالف لما يعمله أولئك ، فاليهود والنصارى ونحوهم يجعلون أعيادهم أشراً وبطراً ، ولعباً ولهواً ، ومعاصٍ ، ومآكل آثمة ، ومشارب محرمة ، واختلاط رجال بنساء ، وغير ذلك من المآثم .
وأعياد المسلمين بخلافهم ، فهي مشتملة على ذكر ، وعلى شكر ، مبدوءة بالتكبير في الصباح وفي الليل ، ومبدوءة في أول النهار بهذه الصلاة الخاصة التي تختص بالعيد ، والتي يُكْثِرُ فيها المصلون من التكبير الذي أمروا به في قوله تعالى : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) [البقرة:185] ، فهذه هي أعياد الإسلام وما اشتملت عليه " ا.هـ(1/22)
........................ ( تم بحمد الله تعالى ) ..........................
_______ كتابُ تحريمِ مُشارَكةِ الكُفارِ مِنْ أهلِ الكِتابِ _______
_________ و المشرِكينَ في أعيادِهمْ أوتهنِئَتِهمْ بهَا _________
وصلي الله وسلَّم وبارك علي مَن أرسلَهُ اللهُ رحمة للعالمين ، محمد بن عبد الله ، رسول الله إلى الناس كافة ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسبحان الله وبحمده ، سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
__________________________ كتبه _________
__________________________________ وائِلُ بنُ عَلِيٍّ الدِّسُوقِيُّ ________
_____________________________ ليلة الجمعة تمام ذي القعدة 1429 هـ ____(1/23)