كلمة المؤلف
- قد تشكل الطريقة المتبعة في دراسة العمران والعمارة اعتمادا على كتاب الله سبحانه وتعالى عائقا فكريا و نفسيا لكثير من ذوي الاختصاص في هذا الميدان, إلا أن الحقائق التي وقفنا عليها تغنينا عن هذا الكبرياء العقيم وتدعونا إلى الانبهار والدهشة لما اكتشفناه بعون الله من جوانب عديدة متعلقة بهذا الموضوع ,مما يجعلنا نزيح الكثير من الغموض والتردد في تحديد نقاط عديدة مازالت إلى يومنا هذا محل للنقاش والتردد.
و يكفي أن نشير أنه رغم التقدم والتحضر التي توصلت إليه البشرية الحالية ودرجة الاجتماع المتطورة جدا, بحيث تم الانتقال من المدينة البسيطة إلى المدينة العملاقة, وكذا الضخمة, فإن العناصر والعوامل المشكلة لتطور متناسق للمدينة عمارة و عمرانا مازالت محل بحث و جدال للإلمام بهاته الظاهرة التي كشف عنها يوما ابن خلدون في مقدمته.
ولما ابتليت الأمة بداء التخلف والتبعية إلى الحضارة الغربية ,راح أصحاب الاختصاص في هذا الميدان ينهلون من منابع التغريب, ويحاولون مجتهدين لإسقاط جل النظريات والمدلولات على العمارة العربية الإسلامية ,مقتصرين في دراستها على التحولات والتغيرات التي طرأت على الأقواس والمنافذ للمساجد والجوامع عبر الدول والحضارات المتعاقبة, دون التعمق في دراسة لب هذا التغير وأثره على الاجتماع البشري إبان تلك الحقبات من جانب السلوك و تنظيم المحيط.(1/1)
لهذا أردنا أن تكون مساهمتنا هاته لإعادة دراسة جانب العمارة و العمران في تنظيم المحيط الإسلامي وفق تصور جديد, نابع من حقيقة هذا الدين العظيم أين يزال الغبار حول تلاحم التعاليم الدينية و طبيعة السلوك الاجتماعي للإنسان, وتشابكهم مع المعطيات الفيزيولوجية لطبيعة الموقع ليشكل الكل صورة فنية حية تمتزج فيها الروح بالمادة وفق نسق متغير في الزمن سماه القرآن عمرانا في قوله عز وجل(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) هود الآية[ 61]
المهندس المعماري : تومي اسماعيل
الجزائر
toumismail21@maktoob.com
تمهيد:
- انطلاقا من إيماننا الراسخ أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان, وانه شامل كامل.فقد قال سبحانه وتعالى في سورة الزمر (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون , قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الزمر الآية]27, 28 َ [.
كما تولاه كذلك بالحفظ و الصون فلا تناقض فيه , ولا زيغ, فقال جل وعلا (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) يونس الآية ] 37 [ ... ... ...
وقال أيضا (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً( النساء الآية] 82 [ .(1/2)
فخلال قرأتنا لكتاب الله, استوقفتنا آيات بينات ضمن مجالنا اختصاصنا البسيط, وأخذت تتفيء بظلالها على مخيلتنا شيئا فشيئا, وإذا بها تقودنا بين مسالك الآيات والسور, وتدفعنا إلى هناك حيث الأزمنة الغابرة وتعود بنا قبل أن يرتد طرفنا إلينا للوقوف على واقع لا يختلف كثيرا عن واقع القرون الأولى, فالجوهر واحد, والمسيرة واحدة, وكأنها خطوات لم تنمح آثارها أمام رياح التغيير التي عصفت باركان البشرية عبر الأزمنة.
فما أشبه اليوم بالبارحة.....
ولقد صور الكثير أن حركة العمران البشري هو صراع متواصل بين الإنسان والطبيعة لضمان بقائه, والحقيقة أن هاته المعركة هي وهمية يراد من ورائها إفراغ الإنسان من جوهر وجوده, وإبعاده عن معركته الحقيقية وهي خلافة الله سبحانه وتعالى لعمارة الأرض.
إذ كيف يراد لهذا الإنسان أن يقضي حياته, وهو يصارع موجودات قد سخرت لأجله من اجل مساعدته على حمل الأمانة وبلوغ الغايات الأسمى.
فالصراع الحقيقي هو صراع الإنسان مع نفسه لحملها على فعل الخير.
فالنفس أمارة بالسوء كما ورد في كتابه عز وجل (وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ), ولقوله كذلك (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة الآية [30]
والصراع كذلك مع الشيطان ...
هذا الذي يريد أن يضل الإنسان عن الغاية من وجوده, وعن الطريق السوي, وهذا بإتباع أدنى طريقة وأحطها وهي استغلال مواطن ضعف هذا المخلوق الذي فضله الله على كثير من ما خلق, وأمر الملائكة الأطهار بالسجود له تكريما وإجلالا.(1/3)
والصراع كذلك بين المرء و بني جنسه لدرء المفاسد لقوله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ( الحج الآية] 40 [
ويوجد الكثير من العلماء من ينساق في تفسير الظاهرة العمرانية, وطرح إشكالاتها الحضرية بطرح غربي محض, ثم يشرع في تفسيرها, وتعليلها بمفهوم فلسفي غربي, ثم يحاول بكل السبل جاهدا إلى إيجاد توافق وتطابق لا يمكن إلا أن يغذي من ورائه عن قصد أو عن غير قصد أطروحات, ومضامين بعيدة كل البعد عن الواقع التاريخي والاعتقادي, والاجتماعي للفرد المسلم .
فلا يزيد ه بذلك إلا تمزقا في ذاته, وتباين في سلوكه, وفكره.
فتضيع في خضم هذا التناقض شخصيته, ويتسلل الشك إلى معتقده, فتتهاوى مبادئه الواحد تلو الآخر.
ومنهم من ذهبوا في تأويلهم لتطور العمران البشري وفق ثورات أدت إلى انتقال البشرية من القرية الزراعية إلى المدينة, مدعمين قولهم بما ورد في القرآن الكريم من أن المدينة ورد ذكرها مقرونا بوجود الملك, والقضاء في سورة يوسف, وسورة الأعراف.
والحقيقة إنني اعتبر منحاهم اجتهادا منهم للتوفيق بين مدلول المدينة الغربية وما تم ذكره في كتاب المولى عز وجل.
وهذا الاجتهاد في نظري لا يخرج عن القاعدة العامة في تفاعل الثقافات والحضارات وهي أن المغلوب مولع بتقليد الغالب لا غير.
لفصل الأول
الفصل الأول : العمران
- قال الله سبحانه وتعالى :
((1/4)
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ( إبراهيم الآية [ 37]
ا . العمران في القرآن
- روح العمران في القرآن
لقد أقرن الله سبحانه وتعالى في الغاية من وجود الإنسان على الأرض بين استعمار الأرض, وعبادة الله سبحانه وتعالى.
فجاءت الغاية الأولى مرتبطة بالغاية الثانية ارتباط تكامليا لا يمكن الفصل بينهما ,حيث جسده النبي إبراهيم عليه السلام في دعائه:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون)َ إبراهيم الآية [ 37]
ولقد أشار لهذا الارتباط في مواضع عدة من كتابه , نذكر منها قوله عز وجل في سورة هود لآية –61-:
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (
وكذلك في سورة قريش في قوله :
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)1( إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ)2( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)3( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)4.
وإذا كان وجود الإنسان ملخص في علاقاته الثلاث, و هي :
أ علاقته بربه
ب علاقته بنفسه
ت علاقته بالمجتمع
فإن تعاليم عبادة الله سبحانه و تعالى جاءت خاضعة لهذا الترابط بين الغايتين , حيث أن الشهادتين و الصلاة جاءتا لتجسد علاقة الإنسان بخالقه .(1/5)
فالأولى أي الشهادة نفي لوجود غير الله مالك لهذا الكون , و إقرار و إذعان لروبيته, وأما الثانية فهي اتصال للإنسان بربه, واستحضارا له دائما في حركاته و سكناته .
وأما الصوم, فهو تجسيد لعلاقة الإنسان بنفسه, فهو يشكل تربية للنفس وترويضها على تحمل الابتعاد عن الملّذات و الموبقات ظاهرة وباطنة , سواء كانت مادية كالأكل و الشرب و الجماع , أو معنوية كالحقد و الكراهية و الغيبة, و النميمة وغيرها .
فالإنسان بصومه يسعى إلى حرمان نفسه من الفطرة التي فطره الله عليها ,حتى يتمكن من كبح جماح النفس الأمارة بالسوء.
وأما الزكاة فهو حق للفقير في مال الغني, حدده الله بحيث يشعر الغني أنه على علاقة متجددة بالفقراء كل عام ,وان الفقير له علاقة بالغني الشيء الذي يعزز أواصر التعامل بينهما على أساس التراحم والتعاون .
وكذالك الحج, فهو لقاء جامع على طاعة الله, بحيث يلتقي فيه الناس من كل مكان ليشهدوا منافع لهم عن طريق الاحتكاك و التعارف.
و لهذا يعتبر كل من الزكاة و الحج مثالين لعلاقة الإنسان بالآخرين أي بالمجتمع .ومن تم يجب أن يكون العمران المرآة الصادقة لهاته العلاقات التي تلخص وجود هذا الإنسان على الأرض .
ولنا مثال صادق عن أولى خطوات النبي عليه الصلاة و السلام في المدينة المنورة , وهي بناء المسجد لتحقيق أولى غايات الإنسان وهي عبادة الله سبحانه وتعالى .
ثم جاءت البيوت و المساكن , و هي الأمكنة المخصصة بلا منازع لممارسة
الإنسان علاقته بنفسه كالنوم , والراحة , والسكينة وغيرها...
ثم جاءت في المرتبة الثالثة الأسواق والمصانع ,وهي الأماكن التي تتيح للمرء فيها ممارسة الفعل الحضري عن طريق الانفتاح , والانتفاع من الوسط الحضري للقرية أو المدينة , بما يحقق الاحتكاك والتبادل وتفعيل علاقاته بالمجتمع .(1/6)
فالفعل العمراني في روحه فعل إرادي مبرمج, له ضوابطه وغاياته وتتجلى أهميته في قيمته الوظيفية والثقافية والتاريخية داخل المجتمع, ومدى تجسيده لقيمة الإنسان وكرامته.
- 2.التعريف القرآني للعمران البشري
هو إسكان في منطقة معينة ,لهدف معين , يتطور مع الزمن إلى اجتماع بشري, يسوده الأمن و يتوفر على أسباب المعيشة. و هو التعريف المستنبط من دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله سبحانه وتعالى :
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم الآية [ 37]
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( البقرة الآية[ 126]
فلو أجرينا مقارنة مع التعريفات الكثيرة والمتنوعة المحددة لماهية العمران نجد أن إبراهيم عليه السلام قد ألم بجوانبه وحدد أركان تطوره ونموه .
ومن خلال التعريف نستطيع أن نستخرج العناصر التالية وهي :
أ فعل الإسكان :
وهو الإقامة والاستقرار في مكان معين بغرض البقاء مدة زمنية طويلة .
ب تحديد المكان وموقعه :
وهو تحديد لإبعاده , وحدوده لغاية فصله عن المناطق والجهات الأخرى
بغرض تغيير طبيعته الفيزيائية والوظيفية, وتعيين لموقعه بالنسبة للتجمعات
البشرية وطرق المواصلات وغيرها .
لدى نجد أن النبي إبراهيم عليه السلام أشار إلى عنصري المكان والموقع.
فالمكان قصد به الوادي غير ذي زرع عند البيت المحرم .والأصل في
عملية اختيار المكان أن يكون مشجع على نمو العمران .(1/7)
فكان بود إبراهيم عليه السلام أن يسكن ذريته في ارض خصبة
ذات زرع ,تسهل فيها المعيشة .
وأما الموقع فقصد به أن يكون قريبا من التجمعات البشرية ,و موطن
مقصود في ترحالهم و تنقلهم , وان لا يكون مبتورا عن حركية
المجتمعات . فيكون بذلك غير محقق للتواصل العمراني الشامل بكل
جوانبه المكانية والزما نية والوظيفية .
ج- تحديد الهدف :
تبيان للغاية والفكرة المرجوة من الإقامة والإسكان, و هي غايات
ثابتة و متطورة بتغير الحاجات , والأفكار و تتابعها بحسب التطور
الزمني والبشري على السواء .
و لقد كانت غاية إبراهيم من إسكان ذريته في ذاك المكان هو إقامة
الصلاة ,وعبادة الله سبحانه وتعالى, وهي الغاية التى بقيت جديدة
متجددة إلى يومنا هذا ,وبقي العمران البشري معها في تطور إلى الآن .
- 3.عناصر تطور العمران في القرآن
بالإضافة إلى توفر الإرادة والفعل, وكذا المكان والغاية من ذلك. يجب توفر عناصر مساعدة على الاستقرار والتطور هي الروابط التي تحدد علاقة الإنسان بالأرض أو المكان وهي:
أ الأمن :
وهو صلب الاستقرار ونواته ,وهو اطمئنان على الروح والمال
والعرض,وضمان لحقوق الإنسان في الحياة.
وغياب الأمن هو تهديد للاجتماع البشري, وعاملا أساسيا في
زوال الحضارات , لدى جاءت دعوة إبراهيم عليه السلام
(.... رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً ....) البقرة الآية[ 126]
ب المعيشة :
أي توفر أسباب العيش والاسترزاق , وتكاثره وهو ما عبر عنه في الآية الكريمة بالثمرات ,وهي وفرة الخير وسعته ,وهو احد عناصر الاستقرار ,وتطور الاجتماع البشري .لدى جاء رديف الأمن في الآية السابقة في دعوته عليه السلام: (..... وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ......) البقرة الآية[ 126]
ت المواصلات :(1/8)
ومعناها في شموليتها هي الاحتكاك والتبادل والتواصل والتفاعل مع التجمعات الحضرية الأخرى. فتنصهر الثقافات , وتتشابك المصالح والآفاق ,حينها تتأسس عملية التواصل والاستمرارية ,وتنمو بذرة الاختراع والابتكار وهكذا ...
فالتحضر عملية مركبة ومعقدة تنصهر فيها إبعاد ورؤى وأفكار عدة ,ولا يمكن البتة أن يتطور الحضر من العدم أو في معزل عن جهود البشرية جمعاء .لدى جاءت الغاية الاسمى في العمران وعمارة الأرض هي التعارف بين الشعوب والقبائل والأمم .
فجاء في دعوة إبراهيم عليه السلام (.... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ......) إبراهيم الآية [ 37]
أي يتجهون نحوهم ليتم التبادل والتفاعل وتتشابك حركية المجتمع مع خاصية المكان لتشكل وجها من العمارة لفترة زمنية محددة بشروط ومقومات وجودها .
- 4.المبدأ العام لتطور العمران
من خصائص العمران التي دلت عليها آيات القرآن, هي أن القرية تعتبر وحدة التركيب , والتنظيم للأمم التي ذكرها المولى عز وجل في كتابه .
فمن بين المبادئ العامة التي استطعنا استنباطها وردت في سورة سبأ في قوله جل وعلا (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِين) سبأ الآية] 18 َ [
ويذهب الطبري في تفسيره لهاته الآية ,أن الله جعل القرى متوّضعة الواحدة تلوى الأخرى بحيث أن المسافر ينتقل من قرية إلى أخرى ومن منزل إلى آخر فلا يخشى الجوع ولا العطش ولا لأمن.
وهذا ما يجعلنا نستنبط أن مبدأ الإسقاط العمراني هنا كان التواصل (PROJECTION URBAINE CONTINUE ) فبين القرى التي بارك الله فيها جعل بينها قرى ظاهرة .
وهكذا يتم التواصل التسلسلي بين القرى فتنتظم المواصلات ويتم التفاعل بينها فينتظم العمران .(1/9)
ومن المبادئ كذلك, انه جعل لمجموعة من القرى قرية كبيرة تلتقي فيها كل محاور القرى الأخرى ونقصد بالمحاور المبدأ العام المشكل للتواصل بين مجموعة القرى فقد يكون تجاري , امني , رياضي, صناعي إلى غير ذلك .
وقد تتوفر في هذا المبدأ محاور عدة مكملة لبعضها البعض .
وقد أطلق على القرية الكبيرة اسم أم القرى وهي بمثابة العاصمة في وقتنا الحاضر .
فجاء في كتاب الله سبحانه وتعالى (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ( الأنعام الآية [ 92]
كما جاء في سورة القصص, وهنا اشمل واعم الآية 59(وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ( القصص الآية] 59 [
وكذلك في قوله عز وجل (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى الآية] 7 [
الشكل رقم : (01) مبدأ التواصل العمراني
- قرى مباركة - قرى ظاهرة
- 5.التصنيف القرآني للتجمعات الحضرية
فعلى غرار التصنيفات العديدة الموضوعة من طرف أهل الاختصاص ,محاولة منهم لفهم ظاهرة العمران . فانا نجد منهم من يصنف المدن بحسب دورها وتأثيرها على المدن الأخرى إلى مدن ( GENERATRICES ) , و أخرى (PARASITIQUES) .
كما يذهب آخرون إلى بناء تصنيفهم على أساس ثقافي , فيسمي مدن (HETEROGENIQUES) وأخرى (HORTHOGENIQUES)(1/10)
كما أن هناك من يعتمد في تصنيفه على الجانب الاقتصادي فيضع مدن في خانة المدن (PREINDSTRIELLES) وأخرى (INDISTRIELLES) وكذلك (METROPOLITAINES).
لكن تبقى كل هاته التصنيفات وغيرها ناقصة وعاجزة أمام حصر وتصنيف ظاهرة العمران بحسب اختلافها من مكان إلى آخر ومن منطقة أو إقليم إلى غيره .
غير أننا نلمس في ظلال آي القرآن تصنيفا حكيما هو :
أ القرى المباركة
ب القرى الظاهرة
ت أم القرى
مصداقا لقوله سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِين ) سبأ الآية] 18 َ [
وكذلك قوله في سورة الشورى الآية رقم7: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير ).ِ
فالله سبحانه وتعالى قسم القرى إلى قسمين : قرى مباركة ,جعل بينها قرى ظاهرة, وكلاهما لها دور تكاملي في توفير المواصلات فيما بينها ,وتحقيق الأمن بما يضمن تواصل التفاعل الحركي فيما بينها, بغية تطوير العمران وتحقيق الاستقرار .
إذن القرى المباركة هي القرى الآمنة المطمئنة الحاصلة على أسباب العيش والرخاء .
وأما القرى الظاهرة فهي القرى المتوّضعة الواحدة تلوى الأخرى أي المتصلة بحيث تضمن طرق الاتصال والأمن بينها وبين القرى المباركة , فهي بمثابة همزة الوصل .
والحقيقة أن هذا التصنيف يعتبر كاملا شاملا , بإمكانه أن يحتوي أو ينضوي تحت مضماره أي تصنيف آخر مهما كان نوعه أو ميزته .
فالتصنيف هنا جاء معبرا عن ماهية المصنف من حيث أدائه العمراني وتجسيده لمبادئ العمران العامة .
أما تصنيف القرية بأم القرى , فهو تبيان لأنواع التجمعات الحضرية من حيث الدور والحجم و التأثير .(1/11)
ولهذا نجد في تقدير المولى عز وجل أن إنزال الكتاب أو الإنذار ,أو إرسال الرسل كما ورد في الآيات السالفة الذكر (الأنعام , القصص, الشورى ) إلى أم القرى يكون أفضل واشمل لما لها من تأثير على مجموع القرى الأخرى .
ولو أن الأمر تم في قرية غيرها لكانت العملية محدودة في رقعة معينة دون غيرها , فمثل ذلك كمثل العواصم حاليا إذ تشكل مراكز القرار السياسي والثقافي والإعلامي وغيرها .
الشكل رقم: (01) مبدأ التركيب العمراني
... محور تجاري محور زراعي ...
... محور ثقافي محور صناعي
...
- 6.معايير التحضر البشري في القرآن الكريم
يصف الكثير من الناس أهل القرية بالأعراب , وأنهم أصحاب الريف غلاظ الطباع , وإنهم ليسوا أصحاب حضارة إلى آخره من الصفات , مستدلين بالآية المذكورة في سورة يس في قوله عز وجل (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ( يس الآية] 14 [
ففي زعمهم أن الله بعث بهذا القدر من الأنبياء لان أهل القرى ذوو طباع متعنتة جاحدة كافرة, في حين يذكرون أن الرجل في نفس السورة الذي جاء من أقصى المدينة كان متحضرا مدرك للحقيقة طيع النفس والسريرة إلى آخره من الصفات المستلطفة .
والمتتبع لهذا الطرح يعتقد أن المدينة مكان للتحضر والتمدن وان القرية هي البدو والتخلف , وسوء الطباع . غير أن الحقيقة مخالفة لذلك تماما .
فالقرية هي عبارة عن مدينة كبيرة , وهي تعد جزء من القرية فقد تكون قلعة كبيرة أو نواة تتكون باتساعها القرية , واسم المدينة هو مايرادفها بالفرنسية (LA CITE) بينما اسم المدينة في حاضرنا هو ما يرادفه بالقرية كما سنبين ذلك لاحقا .(1/12)
فاسم المدينة في عصرنا الحالي يطلق على التجمعات البشرية وفق خصائص ومعايير تخص كل بلد , وكل إقليم , فمنها ما تعتمد على عدد السكان كفرنسا مثلا لكل 2000 ساكن , والدانمارك لكل 200 ساكنا , بينما اليابان لكل 50.000 ساكن , وهناك من الدول التي تضيف معايير أخرى كالمعيار الاقتصادي أو المعيار الحضري .
غير أننا نرى في القرآن الكريم توجد قرية واحدة انعم الله عليها ,وهي قرية يونس عليه السلام , وهي كما ورد في سورة الصافات تزيد عن 100.000 ساكن فقال سبحانه وتعالى : ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ( الصافات الآية ]147 [
واستنادا لما ذكر في القرآن فانه يمكن إيجاد أسباب الرخاء , والمتعة , والازدهار ضمن هذا العدد السكاني كما ثبت ليونس عليه السلام .
لدى فاني اعتقد انه يمكن اعتماد هذا الرقم كمعيار لتحديد التجمعات البشرية كقرى أو مدن بحسب المصطلح الحديث للمدينة .
فقد ورد في كتاب الله قوله تأكيدا لما تقدم (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ( يونس الآية] 98 [
ويعتبر العدد السكاني مئة ألف (100.000) رقما مرجعيا يعتمد عليه العمرانيين في إجراء دراسات مقارنة لصيرورة ظاهرة العمران في العالم المعاصر نذكر منهم (GERALD BREESE) في كتابه : (URBANISTION ET TRADITION ) حيث يقول : (الاهتمام كان دائما موجه إلى التجمعات البشرية التي تتضمن 100.000 ساكن . فبالإضافة إلى هذا التوجه فهي تشكل مؤشرات خاصة تعتبر ذات درجة حقيقية للعمران ).(1/13)
زيادة إلى هذا المعيار العددي للتجمعات البشرية نجد أن المعيار الحضري يكتسي أهمية بالغة, فكثير ما أقرن اسم القرية في القرآن الكريم بمعالمها الحضرية, وهو الأثر الدال على وجودها , ودرجة تحضرها وكمثال على ذلك قوله عز وجل (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ الحج الآية] 45 [.
- ب .إشكالية القرية والمدينة
1.الآيات الواردة في القرآن
ا- المدينة
? قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [ الأعراف الآية 123]
? وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [ التوبة الآية 101]
? مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [ التوبة الآية 120]
? وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [ يوسف الآية 30]
? وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ [ الحجر الآية 67](1/14)
? وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً [ الكهف الآية 19]
? وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً [ الكهف الآية 82]
? وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ [ النمل الآية 48]
? وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ [ القصص الآية 15]
? فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ [ القصص الآية 18]
? وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ] القصص الآية 20[(1/15)
? لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً] الأحزاب الآية 60 [
? وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ] يس الآية 20 [
? يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ] المنافقون الآية [ 8
ب- القرية
وأما الآيات الواردة في شان القرية فنذكر الآيات التالية :
- (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( البقرة الآية] 259 [
- (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ) الأنعام الآية 92] [
- (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ( الأنعام الآية ] 123 [(1/16)
- (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ( الأنعام الآية [131]
- ( وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ ) الأعراف الآية] 4 [
- وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( الأعراف الآية [ 82]
- (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ( الأعراف الآية 88] [
- (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) الأعراف الآية ]94 [
- (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَاكَانُواْ يَكْسِبُونَ الأعراف الآية 96] [
- (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ( الأعراف الآية[ 97]
- (أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ( الأعراف الآية [ 98]
- (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ) الأعراف الآية [101]
- (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ( الأعراف الآية 161] [(1/17)
- (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف الآية[ 163]
- (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ( يونس الآية] 98 [
- (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ( هود الآية 100 [
- (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود الآية] 102[
- (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ هود الآية] 117[
- (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ( يوسف الآية] 82[
- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ( يوسف الآية[ 109]
-( وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ( الحجر الآية] 4 [
-( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ النحل الآية [ 112].(1/18)
- (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً( الإسراء الآية[ 16]
- (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً( الإسراء الآية 58] [
- (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً) الكهف الآية] 59 [
- (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ( الكهف الآية] 77 [
-( مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ( الأنبياء الآية6] [
- (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ ) الأنبياء الآية] 11[.
- ( وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ( الأنبياء الآية 74] [
- (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) الأنبياء الآية] 95[
- فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ( الحج الآية] 45 [
- وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ( الحج الآية] 48[
- (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً( الفرقان الآية ]40 [(1/19)
-( وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً( الفرقان الآية] 51[
-( وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ) الشعراء الآية] 208 [
-( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ( النمل الآية] 34[
-( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( النمل الآية ]56 [ .
-( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) القصص الآية ] 58[
-( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) القصص الآية] 59 [
-( وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ( العنكبوت الآية[ 31]
-( إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ( العنكبوت الآية [ 34]
-( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِين) سبأ الآية] 18 َ [
-( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ( سبأ الآية] 34[
-( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ( يس الآية [ 13](1/20)
- (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ الشورى الآية] 7[
- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ( يوسف الآية[ 109]
-( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ( الزخرف الآية] 23 [
-( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ( الزخرف الآية] 31[
- (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأحقاف الآية] 27[
- (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُم( محمد الآيةْ[ 13]
- (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( الحشر الآية 7] [(1/21)
- (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُون)َ الحشر الآية] 14 [
- (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً ( الطلاق الآية] 8 [
- (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ( البقرة الآية] 58 [
-( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً( النساء الآية] 75 [
- 2.القرية حضر
لقد علل الباحثون أن تطور البادية إلى ما يسمى بالمدينة كان نتاج تطور المهن وتفرعها, وكذا تخصصها ,وكان نتاج كذلك تطور علاقات الاجتماع إلى درجة التعقيد, مما أسفر عن ظهور ما يسمى الملك و القضاء .
و هذا التعليل لا نرده لكننا ننصف من خلاله القرية التي كانت ومازلت تلفظ على أنها مدلول و مصطلح يعبر به عن الريف وعن البادية, غير أنها لا تحيد في مفهومها كما وردت في القرآن الكريم عن تعليل الباحثين الذي ذكرناه .
فلقد أقترن لفظ القرية بلفظ الملك في قوله عز وجل على لسان ملكة سبأ في سورة النمل الآية –34-( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (.(1/22)
هذا الاقتران لازمه في مملكة سليمان اختصاص في المهن و الحرف قوله عز وجل في سورة ص-37- (.... كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ(.
كما استخدم إبان تلك الفترة طير الهدهد ناقلا للبريد في قوله سبحانه وتعالى (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) النمل الآية] 28[
الأمر الذي يجعلنا نستنبط أن تلك الحقبة لها معرفة بتقسيم الأدوار والمهن وهاته خاصية من أهم الخصائص العمرانية للتجمع البشري .
ويقابل هذا كله في الجهة الموازية مبدأ الاحتكام إلى الشورى لدى ملكة سبأ (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ) النمل الآية] 32[
وهو أرقى سلوك في السلطة و الحكم .
بالإضافة إلى ذلك نجد تبادل الهدايا (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ( النمل الآية[ 35] . وهو سلوك حياة حضرية اجتماعية جد متطورة في حياة البشرية .
إذن هذا الاقتران وهذا التقسيم في المهن ,و في تطور السلوك الاجتماعي و تطور الحكم يجعلنا نميل بالكفة إلى اعتبار أن القرية هي حضر وليست بادية .
ولقد ورد في صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني في شرح الآية - 109- من سورة يوسف قوله عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ( .
أن من أهل القرى, بمعنى من أهل المدن والأمصار لا من أهل البوادي , وأن الله لم يبعث نبيا من أهل البادية قط .
وهذا تأكيد على أن القرية ليست البادية أو الريف كما جرت العادة في استعمال هذا المصطلح .
- 3. القرية هي المدينة(1/23)
- من خلال قراءتنا لكتاب الله سبحانه وتعالى استوقفتنا آيات بينات جعلتنا نتساءل عن مفهومي القرية و المدينة في كتاب الله سبحانه وتعالى.
فوردت في سورة الكهف الآية –77- قوله جل و علا(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (.
وجاء في نفس السورة الآية –82- قوله تعالى ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرا) الكهف الآية[ 82]
هنا تساءلنا عن سر تطابق مفهومي القرية والمدينة على السواء..... ؟؟؟
ابن كثير يعتبر في تفسيره للآية –82-من سورة الكهف أن ذلك يعتبر دليل قاطع على انه يمكن إطلاق اسم القرية على المدينة وان القرية هي المدينة .
كما نقرأ في صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني في تفسيره لقوله عز وجل في سورة يوسف ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) يوسف الآية [30]
قال نسوة في المدينة , أي قال جماعة من النساء في مدينة مصر .
هاته المدينة نفسها تسمى بالقرية في تفسيره لقوله عز وجل (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ( يوسف الآية] 82[ , حيث يوضح: أي أسئل أهل مصر عن حقيقة ما حدث .
وهو دليل آخر على أن المدينة هي القرية ...(1/24)
وقد ورد في جامع البيان في تفسير القرآن للطبري قوله في شرح سورة النساء الآية –75- القرية كل مدينة تسمى قرية عند العرب , وهي في هذا الموضع مكة .
واسترسالا في مزيد من الفهم و التقصي , ارتأينا أن نبحث عن مدلول هذين المفهومين من حيث الجانب اللغوي فوجدنا في المنجد في اللغة والإعلام طبعة بيروت , أن المدينة هي المصر الجامع وان القرية كذلك هي جمع الناس, وهي المصر الجامع أيضا .
- 4. القرية مدينة كبيرة
- إن التأمل في الآيات التالية يدرك مليا أن القرية هي أكبر من المدينة وليس العكس فلقد ورد في سور القرآن الكريم قوله عز وجل:
( وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) الحجر الآية[ 67]
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ يوسف الآية [30]
( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ) الكهف الآية[ 82]
( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) النمل الآية[ 48]
وقوله كذلك :
(وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ( الأنبياء الآية74] [
(وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( الأعراف الآية [ 82]
((1/25)
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( النمل الآية ]56 [
(وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ( العنكبوت الآية[ 31]
(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ( الأعراف الآية[ 88]
فنلاحظ أن الله سبحانه وتعالى يتناول المدينة في سياق الآيات بصيغة الخصوص ,ولما يتكلم عن القرية فإنه يتناولها بصفة العموم مما يدل على أن القرية اشمل وأوسع من المدينة .
أضف إلى ذلك فان الله سبحانه لم يطلق اسم المدينة على مكة رغم أنها كانت :
- أكثر كثافة سكانية من المدينة المنورة
- أكثر قوة ,وتجارة, ونشاط
- أكثر شهرة , ومقصدا للقبائل في ترحالهم وأسفارهم
بل إنها هي مكة سميت بالقرية في قوله جل وعلا (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الزخرف الآية] 31[ أي مكة و الطائف .
وكذلك في قوله : (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُم( محمد الآيةْ[ 13]
وسميت كذلك بأم القرى نظرا للخصائص التي تتميز بها عن غيرها من القرى الأخرى .
ولو كانت المدينة اكبر من القرية لسميت بها مكة بجدارة عن غيرها من التجمعات البشرية الأخرى في تلك المنطقة .
ولقد ذكر السيد قطب في تفسيره ( في ظلال القرآن ) الآية رقم –82- من سورة يوسف( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( يوسف الآية] 82[(1/26)
أن أسئل أهل القرية أي بمعنى أهل مصر , ويضيف أن القرية اسم للمدينة الكبيرة .
- ج.القرية في القرآن
- 1. المعالم الحضرية للقرية
الله سبحانه وتعالى في سياق حديثه عن الأمم السالفة لاستخلاص العبر كان يشير إلى معالم حضرية قد يمر عليها الغير مرور الكرام لكن أهل الاختصاص تستوقفهم وتدعوهم إلى الخوض في مدلولها , واستخلاص الحكمة منها كما يلي :
1 – باب القرية
ورد ذكرها في كتاب المولى عز وجل (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( الأعراف الآية[ 161]
فالقرية هنا لها باب أو مدخل, وقد تكون باب فعلية أو تكون الطريق المؤدية إلى داخل القرية .
كما ورد ذلك في سورة يوسف حين أمر يعقوب أولاده ألا يدخلوا من باب واحدة وان ادخلوا من أبواب متفرقة (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ( يوسف الآية] 67 [
وكذلك في قوله سبحانه وتعالى (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) المائدة الآية] 23 [
وعلى ذكر الأبواب نستخلص وجوبا أن حدود القرية معنية ومحددة , وهي بمثابة تحديد لرقعتها بالنسبة للبلد. كما تعتبر كذلك نقاط ومنافذ للتواصل مع المحيط الخارجي .
2 - المساكن والقصور
تعتبر من المعالم القوية للتحضر البشري , ودليل مادي على الاستقرار والتعايش .(1/27)
قال الله في سورة القصص (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ( القصص الآية ] 58[
وبالإضافة إلى المساكن هناك القصور كما ورد في سورة الحج (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ( الحج الآية] 45 [.
ووجود المساكن والقصور يوحي بوجود تنظيم اجتماعي معين يختلف كليا عن بساطة الاجتماع البشري في البادية .
3 – البئر
هي عنوان لوجود الماء والحياة وعامل قوي من عوامل الاستقرار والتمدن . وهي احدى المعالم الأساسية التي تحي القرية بوجودها فقد ذكر المولى في كتابه (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ( هود الآية] 100 [
فبالبئر تكون القرية قائمة ,وأما إذا جفت وانقطع ماؤها أضحت القرية كما عبر عنها القرآن حصيدا . أي عقيمة لا تصلح للعيش والاجتماع .
ونظرا لأهمية البئر في الحياة أضيفت إلى نسب القوم فقال جل و علا في سورة ق الآية 12 (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُود)ُ
فأصحاب الرس أي البئر ...
وبالإضافة إلى كون البئر عاملا مهما في هيكلة المحيط الفيزيائي للقرية, فقد كانت كذلك محددة لطرق وممرات القوافل والمسافرين , إذ شكلت عنصر ضمان لتواصل الشعوب فيما بينها, وساعدت الإنسان في التغلب على قساوة المناخ والتضاريس .
4 – الساحة
(فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ) الصافات الآية] 177[.
يقول الإمام ابن جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره نزل بساحتهم ,أي بهم .(1/28)
غير أني اعتقد أن ساحتهم هو حيز حضري وعنصرا مكون للقرية على شاكلة (agora) بالنسبة لليونانيين , و (forum) بالنسبة للرومانيين أو أماكن العبادة عند الأمم الغابرة .
5 – الأسواق
وهو مكان التبادل التجاري بمعنى البيع والشراء , وهو احد العناصر المهيكلة للقرية .
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الفرقان (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً( الفرقان الآية] 20 [
وكذلك قوله (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) الفرقان الآية] 7 [
وتعتبر الأسواق الفضاء المؤهل بامتياز للاحتكاك بين الناس المحليين والوافدين . فيتم بينهم التبادل في السلع والأخبار والأشعار , فيشكل بذلك السوق همزة التواصل بين الناس ,فضلا عن أثره الجلي في الحياة الاجتماعية والتنظيمية للقرية .
6 – أماكن العبادة
هي الأماكن المقدسة في القرية وتعتبر ذات أهمية روحية كبيرة ,كثيرا ما انعكست على طبيعة البناء المميز , الذي بقيت آثاره شاهدة على تلك العصور .
فوجود أماكن العبادة دلالة لوجود نشاط اجتماعي ديني , كثيرا ما تناوله الرسامون والنحاتون في أعمالهم الفنية .
وهذا نظرا لطغيانه على الحياة العامة للاجتماع البشري في تلك الأزمنة .
وقد وردت آيات كثيرة تشير إلى هاته الأماكن , نذكر منها على وجه المثال قوله سبحانه وتعالى في سورة مريم (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً( مريم الآية] 11[(1/29)
وكذلك في سورة الكهف (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً ( الكهف الآية] 21 [
وكذلك في سورة الحج الآية 40 (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
وقد لعبت دور العبادة أثرا مستحسنا في تطور العمران , وهذا لتهافت الملوك والأمراء على التمايز بينهم في تمثيلهم , لما يعتقدون ما وراء المادة .
فكانت عظمة هاته المواقع مستمدة من قوة التحضر والتطور لتلك القرى .
7 – السجن
حتى السلوك غير السوي أو المخالف للقوانين والتنظيمات المتعامل بها, كان له اثر على الإطار الفيزيائي للتحضر البشري ,والذي تمثل في إنجاز السجون كوسيلة ردعية لتقويم المخالفات ومعاقبة الجناة .
وهو كذلك يعتبر احدى العناصر المشكلة للقرية أو المدينة في معناها الحديث .
ولقد ورد ذكره في سورة يوسف في قوله عز وجل (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ( يوسف الآية] 33 [(1/30)
وقوله كذلك في نفس السورة (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين َ( يوسف الآية [36]
إن وجود السجون مؤشر على وجود حياة اجتماعية جد متطورة . فمعناه أن هناك قضاء وحكم يقوم السلوك , وينزل العقوبات .
وذاك تطور في الاجتماع البشري جد متقدم .
8 – الحدائق والجنان
وهي الأماكن والمساحات الخضراء التي تحف القصور والعمائر , وتكون منتزها و روضة , يتنفس فيها المتجول عذب النسائم وعبير الأزهار والرياحين , ويغرس فيها أنواع الأشجار المثمرة من نخيل و رمان وتفاح وغيرها .
وقد ذكر الله سبحانه في كتابه قوله :( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ( سبأ الآية] 15 [
قال كذلك (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( الشعراء الآية] 57[
وقال أيضا :( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ( النمل الآية] 60[
ويقول الطبري في تفسير الحدائق , جمع حديقة وهو البستان عليه حائط , فان لم يكن عليه حائط لم يكن حديقة .
9 – الحصن و الجدار
وهو الإطار المادي الذي يحدد النسيج العمراني للقرية , وهو بنيان وحاجز يقام حول القرية لاعتبارات أمنية وتنظيمية .
فيراقب من خلال الأبواب المغادرون والوافدون , ويتحصن به في الحروب.(1/31)
فقد ورد في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ( الحشر الآية] 14 [
وسمي كذلك بالسد في قوله عز وجل (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً الكهف( الآية] 94 [
على ذكر جل المعالم ندرك أن حيز القرية مهيكل بعناصر حضرية تشكل نسيجها العمراني ,والتي هي دون شك تلاحم لمقومات روحية وأخرى مادية لفترة زمنية معينة .
هذا التلاحم هو بصمة الإنسان الحضرية في تشكيل الفضاء وتغيير المحيط الفيزيائي للموقع .
– 2. الأبعاد الزمكانية والوظيفية للقرية
في سرده لقصص القرى في القرآن , نجد أن الله سبحانه وتعالى قد تناول القرية بحسب أبعادها الثلاث : المكاني , والزمني , والحركي أو الوظيفي .
ا – البعد المكاني
ونلمسه في قوله عز وجل في سورة الأعراف ( وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( الأعراف الآية [ 82]
وهنا دلالة واضحة على أن القوم يدركون البعد المكاني , أو حددت القرية في أذهانهم مكانيا فجاء تعبيرهم بإخراج النبي من قريتهم إخراج من مكان إلى مكان آخر .
ونجد نفس الإدراك أو التحديد المكاني في قوله عز وجل في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ( البقرة الآية] 58 [
فهو كذلك دخول من مكان إلى مكان آخر لا يماثله ...(1/32)
إذن فالقرية لها وجود فيزيائي محدد بأبعاده وموقعه .
ب – البعد الزمني
وهو أن القرية لها عمر محدد, مثلها مثل الإنسان .فإذا حلت بها أسباب الزوال اندثرت وأصبحت حصيدا , وربما قامت على أنقاضها قرية أخرى , وربما لن تسكن بعد ذلك بتاتا .
وهذا ما ورد تبيانه في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ( الحجر الآية] 4 [
وقال كذلك (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً) الكهف الآية] 59 [.
ومن ثمة نستخلص أن القرية هي أيضا محددة زمنيا لا يمكن أن تحيد عن وقتها المعلوم وسوف تكون لنا إطالة في فصل زوال العمران حول ذلك .
ج – البعد الحركي أو الوظيفي
الله سبحانه وتعالى لما يتكلم على القرية يقول أهلكناها , دمرناها , متعناها , لا يتناولها من حيث الجانب المكاني و الزمني فقط بل كلية ببعدها الوظيفي.
ونلمس ذلك في قوله في سورة الأعراف (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ) الأعراف الآية [101]
فهو يتكلم عن القرية وكأنها كائن حي يقص علينا من أنبائها, وهو يقصد أهلها في حركتهم , وسلوكهم داخل إطار مكاني وزمني محدد , وكقوله أيضا (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً( الإسراء الآية[ 16]
وقد تفطن إلى هذا البعد الوظيفي الكاتب فر انسوا فان دو مار في قوله ( أنصتوا إلى المدينة إن المدينة تتكلم ) فالمدينة في نظر الكاتب كائن حي يعبر عن نفسه .(1/33)
وهي إشادة إلى أن الوسط الاجتماعي البشري يجب أن ينظر إليه كوحدة عضوية متكاملة لا يمكن تجزئتها .
وهو ما أشار إليه القرآن من ذي قبل باعتبار القرية كائن عضوي متكامل له وجود وعمر ووظيفة .
- د. البيت في القرآن
1 .- الآيات الواردة في القرآن :
- (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ( البقرة الآية] 84[
- يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( البقرة الآية [189]
- فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ آل عمران الآية 195] [
- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ( الأعراف الآية] 78[
- كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ الأنفال الآية] 5[
- وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يونس الآية] 87 [(1/34)
- وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ( يوسف الآية ]23 [
- وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ النحل الآية] 80 [
- أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً( الإسراء الآية] 93[
_ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ(
الأنبياء الآية[ 13]
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( النور الآية] 27[(1/35)
- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون( النور الآية] 61[
- حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ( النمل الآية] 18 [
- فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ( القصص الآية] 81[
- وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ( العنكبوت الآية [38]
- وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب الآية] 33[(1/36)
- وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب الآية] 34[
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً( الأحزاب الآية] 53 [
- فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ الذاريات الآية ] 36 [
2.- التعريف القرآني للبيت
البيت هو أول المعالم الحضرية وأهمها فقد ورد في قوله عز وجل في سورة القصص الآية (81) (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) .
فالله سبحانه لم يكتف في عملية الخسف بالإنسان فقط, بل تعداه إلى الدار كذلك ,وكأن معنى الوجود هنا لا يقتصر على الذات فحسب بل يشمل الدار أو المسكن أيضا فالكل كامل متكامل .
ونفس الأمر نؤكده في سورة الذاريات في قوله (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ( الذاريات الآية] 36 [.
ومن ثمة فإذا كان الإنسان أساس العمران وغايته فان الدار أو المسكن جوهره ومعناه , فلا يمكن أن يكون عمرانا بلا بيوت ومساكن البتة .(1/37)
و يكفينا برهان على ذلك أن الله اتخذ له بيتا فقال في سورة الحج الآية (26) (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )
وقال في سورة قريش (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (قريش الآية] 3[
ونظرا لأهمية البيت فقد ورد على عكس الحصون ,والقلاع ,والقصور في مواضع شتى من القرآن الكريم.
فسمي بالبيت في سورة النحل في قوله عز وجل(وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ( النحل الآية] 80 [
وسمي بالدار كذلك في سورة الإسراء (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولا) الآية]5[
وذكر باسم المسكن في سورة القصص في قوله (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ( الآية ] 58[
- 3 . صيغ البيت في القرآن
ولقد ورد كذلك البيت في القرآن الكريم تحت صيغ كثيرة نذكر منها :
ا - البيت أمنية ورضاء
كما ورد على لسان امرأة فرعون في سورة التحريم :_( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( التحريم الآية] 11 [(1/38)
و قوله في سورة التوبة (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ( الآية [24]
ب- البيت سكن وطمأنينة :
في سورة النحل (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ(الآية] 80 [
ج- البيت مأمن :
في سورة الحجر قوله ( وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ) الآية ] 82[وكذلك في سورة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(الآية] 18 [
د- البيت اثر وشاهد :
في سورة السجدة قوله (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) السجدة الآية 26] [
و- البيت مصلى وقبلة :
كما ورد في سورة نوح قوله :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ( نوح الآية ]28 [
ه- البيت ستر وغطاء :(1/39)
في سورة يوسف قوله :( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ( يوسف الآية ]23 [
ك- البيت جزاء :
في سورة الصف الآية رقم 12 (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( .
وكذلك في سورة التوبة (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الآية [72]
ي-البيت حجة وبرهان :
في سورة الإسراء (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً( الإسراء الآية] 93[
- 4.وظائف البيت في القرآن الكريم
فإذا كان الوجود بالنسبة للإنسان ملخص في علاقته بنفسه وعلاقته بالمجتمع وعلاقته بالخالق, فان البيت جاءت وظائفه في القرآن الكريم حافظة وجامعة ومدعمة لهاته العلاقات الثلاث .
وأولى هاته الوظائف نجد :
أ الراحة :
لقوله عز وجل في سورة النحل (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ(الآية] 80 [(1/40)
فالسكن هنا راحة كاملة غير مجزئة. بمعنى أنها جاءت حسب المعنى راحة جسدية متمثلة في النوم والاستلقاء, يسترجع الجسد فيها قوته ونقاهته بعد سعي وجهد ومشقة في كسب العيش .
وراحة نفسية تسترجع النفس فيه توازنها بعد التوتر والصراع, وذلك بخلو المرء وخلوده إلى ذاته وزوجته وأبنائه .
ب الأكل :
وهو ضرورة بيولوجية لابد من إتيانه . فعد خوار القوى من جراء العمل والجهد تحرق فيها الحريرات وتتضاءل الفيتامينات, فان الإنسان يخلفها أو يسترجعها عن طريق الأكل من طيبات ما رزقه الله مستعيدا بذلك طاقته وقدرته .
ومازال البيت إلى يومنا هذا المكان المفضل لتناول الطعام كما ورد ذلك في الآيات التالية في قوله عز وجل في سورة آل عمران (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( آل عمران الآية[ 49](1/41)
وكذلك في قوله في الآية 61 من سورة النور (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون( النور الآية] 61[
وسورة الأحزاب الآية 53 في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً الأحزاب الآية] 53 [
وتعتبر كلا من وظيفة الراحة و الأكل وظائف تندرج ضمن علاقة الإنسان بنفسه محددة بنواميس الفطرة أو الغريزة التى أودعها الله سبحانه وتعالى في ذات الإنسان ويشترك مع الإنسان فيها كثير من المخلوقات الأخرى .
ج- الضيافة والاستقبال :(1/42)
لقوله عز وجل في سورة يوسف الآية 31 (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ( .
وقوله في سورة الحجر الآية 51 (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ (.
وهاته الوظيفة تجعل من البيت وسطا مصغرا مساهما في تحقيق الغاية من تواجد الإنسان على ظهر هاته المعمورة ألا وهي التعارف بين الناس لقوله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات الآية [13]
فالإنسان و البيت و القرية و الكون كل متكامل وفق نسق واحد لتحقيق الغاية من الوجود .
د- الادخار :
لما ورد في آل عمران على لسان عيسى عليه السلام لقومه :
( .............. وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( آل عمران الآية[ 49]
و الادخار هنا استعداد لمجابهة نوائب الدهر , لما تعتبر ذلك راحة للنفس لشعورها بالاطمئنان على أمنها الغذائى, مما يمكنها من تلبية حاجتها الفطرية وهي الأكل , ويجعلها قادرة على تحقيق وظيفة الضيافة والاستقبال.
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ( الكهف الآية] 77 [(1/43)
ولقد علمنا يوسف عليه السلام أن الادخار طريقة عملية مجدية لضمان الأمن الغذائى أمام تقلب الأيام والأحوال .كما علمنا أن الادخار لا يكون لنا فقط بل لغيرنا كذلك إذا ما اقتضى الحال ذلك .
فوظيفة الاستقبال والضيافة والادخار وظيفتين من وظائف البيت مدعمتان لعلاقة الإنسان بغيره وبمحيطه .
و- العبادة :
لقوله عز وجل في سورة يونس الآية 87 (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
وكذلك قوله (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ( الأحزاب الآية] 34[
فمن و ظائف البيت كذلك عبادة الله سبحانه و تعالى , فهو مكان كذلك لاتصال الإنسان بخالقه لأن في عملية الاتصال تلك راحة للنفس وتطهير لها من المدنسات والموبقات .
وإذا كان من شروط العبادة طهارة المكان وطهارة البدن فانه من الضرورة بمكان أن يكون البيت حاويا لأسباب ووسائل طهارة البدن والمكان .
وتعتبر وظيفة العبادة تجسيدا لعلاقة الإنسان بربه .
5. التصور المكاني والشكلي للبيت في القرآن -
من خلال استقراء الآيات الواردة في القرآن ومن خلال تحديد الوظائف يجعلنا نضع تصورا مكانيا وشكليا للبيت .
ا . التصور الشكلي :
إن إنجاز البيوت يتم بواسطة مواد مختلفة و حسب طبيعة الإقامة . فان كانت الإقامة دائمة كان البناء بواسطة الحجارة وغيرها من المواد التي لا تتآكل بفعل الضر وف المناخية وعامل الزمن .
وأما إن كانت الإقامة محدودة فان البيت يكون بحسب المواد كالجلود وغيرها من المواد السهلة التركيب الخفيفة الوزن .
1. البيت له الواجهة الأمامية(1/44)
وتحتوي على المدخل أو الباب ,وله الواجهة الخلفية وهي الظهر لقوله عز وجل (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( البقرة الآية [189]
2. البيت له المعا رج
و هي السلالم كما ورد في قوله عز وجل في سورة الزخرف الآية رقم 33 (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ(
3 . البيت له الأبواب
1- كما ورد في سورة يوسف قوله (....ِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ ....) الآية ]23 [.وكذلك في سورة الزخرف الآية 34 (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ( الزخرف الآية] 34 [
4. البيت له سقف
قوله عز وجل في سورة الزخرف الآية رقم 33 (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ(
5. البيت له أثاث
كما ورد في سورة الزخرف الآية 34 (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ ).
و كذلك في سورة يوسف الآية 31 (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ(
وسورة النحل كذلك في قوله ( ..... وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ )الآية] 80 [.(1/45)
ب. التصور المكاني للبيت
فمن خلال حصر الأفعال أو الوظائف التي تجري داخل البيت فإننا نتصور الشكل المكاني كالتالي :
فوظيفة الاستقبال لها مكان خاص بالضيافة. وإعداد الطعام له مكان كذلك. بالإضافة إلى مكان الراحة والنوم ومكان الطهارة تحقيقا لشروط العبادة .
غير أن هذا التصور المكاني بحسب الوظائف خاضع إلى مبدأ (الحرمة) والذي نجده يتدرج من اكبر مكان وهو القرية إلى البيت والى داخل البيت كذلك .
فالبيت له حرمة من خلال قوله عز وجل ( ..... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا...... ) وهذا أمر إلاهيا لاحترام هذا المبدأ العام .
ولهذا كان لزاما أن يكون للبيت واجهة رئيسية بها الباب ,وله الواجهة الخلفية كذلك و هي الظهر , حتى يكون التمثيل أو الإسقاط الفيزيائي مطابقا تماما للسلوك داخل الحيز أو المكان .
أضف إلى هاته الحرمة الخارجية هناك حرمة داخلية مؤسسة لمبدأ التوزيع المكاني للوظائف داخل البيت ,حيث نجد في قوله عز وجل في سورة النور الآية 98 ,99 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّه ُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النور الآية] 58[(1/46)
فهذا الاستئذان المشار إليه في هاتين الآيتين هو تثبيت لمبدأ الحرمة الداخلية , حيث انتقل الله وفقه من التوزيع المكاني للبيت وفق هذا المبدأ إلى السلوك داخل المكان محددا بعنصر الزمن حفاظا لهذه المبدأ وتزكيته.
اي اقترن التوزيع المكاني بالتوزيع الزمني لتحقيق ذلك .
فمن خلال ما تقدم نستطيع أن نحدد أن أماكن الضيافة والأكل تكون أولى الأماكن توضعا في البيت قرب المدخل, أما أماكن الادخار والراحة فتكون أبعدها .
وهكذا فان توزيع الأماكن والوظائف لا يتم داخل البيت بطريقة عشوائية, وإنما امتثالا لمبدأ حرمة المكان درجة درجة ,وهذا تحقيق للمقصد العام للبيت ألا وهو السكون بمفهومه الواسع .
الفصل الثاني
فصل العمارة
قال الله سبحانه وتعالى :
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( البقرة الآية [127]
ه.خصائص البناء
1. الآيات الواردة في القرآن الكريم
- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( البقرة الآية [127]
- وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ( الأعراف الآية [74]
- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ الأعراف الآية] 137 [(1/47)
- واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( الأعراف الآية[ 163]
.
- وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يونس الآية] 87 [
- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ( النحل الآية] 26 [
- أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً الإسراء الآية] 93[
- فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً الكهف الآية] 77 [
- آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً( الكهف الآية] 96[
. - وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً ( مريم الآية] 16[
- فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً )مريم الآية ]22 [(1/48)
- لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ( سبأ الآية 15 [
- وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ( الزخرف الآية [33]
- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ الصف الآية[ 4]
- قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( النمل الآية] 44[
2. عناصر البناء
المتمعن في بعض أي القرآن يجد أن ظلالها تتفيأ على عناصر عدة في مجال البناء وهي كما يلي :
1. اختيار الأرض
وهي احدى العناصر وأولاها في عملية البناء ,والتي نستخرجها من سرد هاته الآيات حيث يقول سبحانه وتعالى : (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ( الأعراف الآية [74]
فهم إذن يختارون السهول لبناء القصور ويختارون الجبال لبناء البيوت, فعملية الاختيار هاته في حد ذاتها تشير إلى مقدرة القوم على تحديد الأراضي وطبيعة البناء المراد إنجازه .
2 . الاتجاه :
في الحقيقة انه هناك اتجاهين وليس أربع ,فهناك الشرق والغرب, ولا يوجد ما يسمى بالشمال و الجنوب , لان الاتجاه الثابت يكون بالنسبة لكوكب الشمس .
فهي تشرق وتغرب, وليس لها موقع آخر بحسب حركة الأرض.(1/49)
ولهذا نجد أن الله سبحانه وتعالى يقسم الأرض كلها إلى مشارق ومغارب في قوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ( الأعراف الآية] 137 [
ويقول كذلك جل وعلا في سورة مريم ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً ( مريم الآية] 16[
و قوله في سورة البقرة الآية 115 (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (
غير انه يمكن استعمال يمين الشيء أو شماله لإيضاح المكان , حيث يكون التعبير خاصا بالجزء , و ليس الكل لقوله عز وجل (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ( سبأ الآية 15 [
وهذا التحديد للاتجاه يدخل الإنسان ضمنيا كعنصر يشغل هذا البناء الذي شيده هو ,أي من صنع يده , ولهذا قولنا اليمين والشمال فهو تحديد بالنسبة للإنسان ذاته, وأما الاتجاه المعبر عنه بالنسبة للكون حيث أن الإنسان موجود فيه بقدرة الله سبحانه وليس باختيار الإنسان أو من صنعه فجاء التعبير خاليا من أي تلميح لوجود الإنسان أصلا في كلمتي الشرق والغرب .(1/50)
ويمكن تحديد الاتجاه بالنسبة للبنايات المميزة كما كان ذلك في تحديد القبلة حيث ذكر الله في القرآن الكريم قوله (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ البقرة الآية] 144 [
3 . نقاط التعيين
يقول الله سبحانه وتعالى (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ( الأعراف الآية[ 163]
فهنا اختار الله سبحانه وتعالى نقطة التعيين للقرية البحر ,ثم اتبع باقي الآية عن نشاط القرية وهو الاصطياد .فكان هناك تناسق بين نشاط الشيء المراد تعيينه.
3. عملية البناء :
وهي تتكون من ثلاث عناصر هي كالتالي :
1. تحديد طبيعة وكيفية البناء
وهما عمليتان ضروريتان إذ أنهما بمثابة التخطيط في عصرنا الحالي , فإذا كان المقصد بناء سد ,كانت الكيفية جعل ردم ,كما نلمس ذلك في الآية الكريمة من سورة الكهف (........ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً,( الكهف الآية] 94) [قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً الكهف الآية] 95 . [
وإذا كان الغرض بناء بيت كانت الكيفية هي النحت , وعملية النحت هي التفنن في البناء مع اخذ جميع المكونات والأجزاء بدقة متناهية .
وهي عملية تكون صورة الشيء المراد نحته حاضرة مكتملة في الزمن طبيعة وكيفية .
2. اختيار مواد البناء(1/51)
وهي العملية الثانية في البناء ألا وهي اختيار مواد البناء وكذا الإتيان بها , وطريقة صناعتها , حيث نجد ذلك في قوله عز وجل (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً( الكهف الآية] 96[
وقوله كذلك في سورة القصص (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ(الآية] 38[
وكذلك في سورة الفجر (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ( الفجر الآية] 9[
3. تقنية البناء :
متناولة في القرآن الكريم حيث نلمس ذلك في ظلال بعض الآيات ما يلي :
أول البناء يتم بإنشاء الأسس , فنجد انه من قام بها على لسان القرآن النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما صلوات الله وسلامه وذلك في قوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم)ُ البقرة الآية [127]
وهاته الأسس هي أهم شيء يرتكز عليه البناء فإذا انهارت أو دكت انهار البناء كله لقوله عز وجل(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) النحل الآية] 26 [(1/52)
وأما الأعمدة وهي الحاملة للسقف نجدها في قوله:( اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ( الرعد الآية] 2[
فالسماء بناء ومعجزة الله في ذلك انه رفعه من غير عمد.
فهي قدرة لا تضاهيها في ذلك قدرة , فهي خاصة بالله جل و علا و أما الإنسان فلا بد في إنشاء بنائه من الأعمدة فقد تكون ركائز و إما جدران أو غير ذلك من الأسباب .
بالإضافة لما تقدم نجد أن الله سبحانه و تعالى يتناول عناصر أخرى في بناء البيوت كالسقف حيث يعطي له أهمية بالغة كما ورد في سورة الزخرف (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ( الزخرف الآية [33]
و هاته الأهمية البالغة في جعل السقف من فضة يدفعنا إلى التساؤل هل هذا نوع من الأبهة و الزخرفة , أم أن للسقف من فضة حكم وغايات أخرى ؟؟؟
وكم كان بودنا إجراء تجارب حول هاته المادة في تشكيل السقوف فقد تكون هناك فوائد جمة ولكن ما باليد حيلة ...
وإنها والله لتتجلى الغرابة فعلا في تخصيص السقف دون غيره من أجزاء البناء واستعمال الفضة دون غيرها من المعادن الأخرى ؟؟؟
ثم يذكر المعارج التي عليها يظهرون و هي في اعتقادي بمثابة السلالم التي يصعدون عليها .
ومن بين العناصر الأخرى الوارد ذكرها ,نجد الأبواب التي تسمح بالولوج أو الخروج من مكان إلى آخر .
وكذلك يتناول التزيين الداخلي أو بالأحرى التأثيث حيث يقول سبحانه (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ( الزخرف الآية] 34[(1/53)
طلبا للراحة وزخرفا, أي زينة وأبهة , وهو تصوير دقيق لجميع عناصر البناء من تقنية في البناء إلى تزيين داخلي وخارجي للبيت, فهي عناصر مجتمعة متكاملة.
ولقد استطاع في القديم أن يوفق فيها أهل سبأ بشهادة الله عز وجل و ما أعظمها من شهادة حيث يقول سبحانه (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) سبأ الآية 15 [
و هذه إشارة قوية لإدماج المساحات الخضراء في محيط تزيين البيوت وتنظيمها .
وهنا أقف لأشير أن التفوق في مجال البناء والإنجاز هي دعوة كذلك إلى دين الله سبحانه وتعالى .
فقوم سبأ الذين شهد الله لهم بالتفوق في مجال البناء ها هي ملكتهم تدخل صرح سليمان عليه السلام الممرد بالقوارير فتعتقد انه لجة فتكشف عن ساقيها , فلما عرفت طبيعة البناء , وأدركت مستوى التقدم في مجال البناء عند نبي الله سليمان, الذي لا يمكن أن يرقى إلى مستواه بشرا, إلا إذا كانت هناك قوة أخرى غير عادية ساعدت على بلوغ هذا التطور , ألا وهو الله سبحانه وتعالى الذي سخر له: ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ ( ص الآية [ 37] .
فقالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لرب العالمين, ويا له من تواضع سجّل في كتاب عظيم .
كما كان البيت المزخرف آية ومعجزة, إذا تحقق للرسل آمن به الناس .
كما ورد في قوله سبحانه وتعالى (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولا( الإسراء الآية] 93 [(1/54)
وحتى نتمكن من تحقيق المتانة والصلابة في طبيعة البناء وتقنيته , لا يفوتنا أن نشير أن البنيان مهما كان لابد أن يكون مرصوصا يشد بعضه بعضا , كما وصف به الله المسلمين في سورة الصف حيث قال (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ( الصف الآية[ 4]
إشارة إلى الصلابة والقوة والمتانة التي يجب أن يكون عليها البناء .
4.مواد البناء
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف : (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ( الأعراف الآية [74]
و في سورة الحجر (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ(الآية] 82 [
و في سورة الشعراء (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ(الآية [ 149]
فهو سبحانه يعرّفهم بنحت البيوت كتعبير عن قوتهم , معتبرا بذلك أن عملية بناء البيوت ميزة الأمم القوية .
كما استعملت كلمة النحت للدلالة على أنهم يبنون بطريقة فنية رائعة بحيث أن كل جزء في عملية البناء يأخذ حقه في الإتقان والتكوين .
كما اعتقد انه سبحانه وتعالى قد خصص معنى النحت في سورة الأعراف بنحت الجبل بيوتا, لكن المعنى جاء عاما في سورة الحجر, وسورة الشعراء.
بمعنى أن القوم يتخذون الجبال مصدرا لمواد البناء في كل البنايات سواء القصور أو البيوت .
وهنا أسجل بإعجاب انه رغم الحضارة التى وصل إليها الإنسان حتى في عصرنا هذا, إلا انه مازال يعتمد في تشييد أبنيته على الجبال كمصدر تقريبا لجل مواد البناء .(1/55)
فالاسمنت والحصى يستخرج من الجبال , وكذا الحديد والخشب من الأشجار و الزجاج من الرمال و غيرها من المواد التي تشتق وتحور وتستخرج بحيث في الأخير نجمعها ونركبها بطريقة فنية علمية ودقيقة في تشكيل البنايات .
فإذا ما أردنا أن ننعت هاته العملية التي نجريها وعملية البناء الحالية لقلنا ببساطة أننا نقوم بعملية النحت كالوّصف الذي اتخذه الله سبحانه وتعالى في نعت قوم صالح .
ومن بين المواد التي ورد ذكرها في القرآن الكريم هي كالتالي :
1.- الحجارة
إن أفضل مواد البناء صلابة ومقاومة للزمن نطّلع عليها في قوله عز وجل في سورة الإسراء :( وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً , قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً) الإسراء الآيتين] 50.49[
بمعنى انه حتى لو كنتم في قوة وصلابة الحجارة والحديد فإنكم سوف تبعثون
فنستنتج أن هذان العنصرين من المواد يمثلان مادتين بلا منازع في التشييد والبناء .
و لعل أهل الحجر توصلوا إلى ذلك فقاموا بنحت الجبال بيوتا للحصول على الديمومة المرجوة , ذلك لأنه كما قال القرطبي فان أعمارهم كانت طويلة وكانت البيوت تبلى قبل فنائهم .
2 - الحديد
ورد ذكره في قوله سبحانه و تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ( الحديد الآية [25]
فالله اخبرنا أن فيه باس شديد ومنافع كثيرة للناس , كما اخبرنا أيضا انه قد استعمل في العصور الغابرة من طرف ذو القرنين في عملية البناء ,كما جاء في سورة الكهف قوله عز وجل:
(((1/56)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً)94( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً)95( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)96( فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً)?97 .
ومنه ندرك أن الحديد قد استعمل في البناء منذ الأزمنة الغابرة و لم يكن نتاج الثورة الصناعية في أوربا .
غير أننا ناسف بمرارة شديدة من أن الحضارة الإسلامية كان لها أن ترتقي في عملية البناء لو تدبروا القرآن جيدا .
فوالله لقد أرشدنا الله سبحانه و تعالى , بل وضع أيدينا على مادة الحديد في الآيات السالفة الذكر, وأعطانا طريقة صناعته لم يتوصل إليها الإنسان إلا في العصور الحالية .
حيث أن القرآن يصف على لسان ذو القرنين الصناعة بحسب المراحل التالية :
ا. الإتيان بزبر الحديد
وهو البحث والتفتيش عن قطع الحديد . ولو كانت المادة متوفرة لقال أعطوني زبر الحديد , فالماد لم تكن متوفرة .
ب.المساواة بين الصدفين
أو الجبلين, وتعكس هنا دقة البناء بحسب المقاييس, ولم تكن طريقة اعتباطية عفوية خالية من كل تقدير وتقنية .
ج.-النفخ
و اعتقد أن النفخ هنا ليس لإشعال النار فقط , أو الزيادة في لهيبها لإذابة الحديد, وإنما للأكسدة والتصفية حسب الطرق العصرية للتقليل من مادة الكربون فيزداد الحديد صلابة وقوة . و هذا ما أشار إليه عز وجل حينها قال فلم يستطيعوا له نقبا .
د . - إفراغ القطر
وهي إضافة مادة النحاس لتقوية نوعية الخليط .وهي عملية كيميائية تدل على دراية عالية في مجال الانجاز و صناعة المواد .
.- البلو ر 3(1/57)
فبالإضافة إلى الحديد والحجارة المستعملة في البناء نجد أن الله سبحانه و تعالى يشير في سورة النمل إلى مواد أخرى استعملت خاصة في التزيين وهذا ما نلمسه في قوله :
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( النمل الآية] 44[
فالصرح كما ورد في تفسير ( في ظلال القرآن ) قصرا من البلور أقيمت أرضيته فوق الماء , أو كما ورد في تفسير الطبري كل بناء مسطح فهو صرح كالقصر .
ولهذا ظهر لملكة سبأ كأنه لجة فكشفت عن ساقيها وإنا نعتقد أن جمع عنصرين كالبلور والماء ينم عن تقنية عالية في ميدان البناء , شهدت له ملكة العمارة (بلقيس ملكة سبأ ) .
فان كان الماء متحركا كانت التقنية في البناء جد متطورة, بحيث أن القصر قد شيد على الماء .
فما هي يا ترى التقنية المستعملة في ذلك ؟
وما هي يا ترى المواد العازلة لتفادي أضرار المياه ؟..... إلى آخره .
وان كان الماء راكدا فما هي التقنية المستخدمة لحبسه و المحافظة على
نقاوته ؟ خصوصا إذا علمنا أن الماء الراكد يفقد نقاوته .
ثم ما هي التقنية للربط بين الحجارة و البلور بحيث لا ينفذ الماء إلى اعلى ؟؟؟ إلى آخره من الأسئلة المحيرة في هذا الميدان .
4.- الطين :
ففي سورة القصص , وسورة غافر نجد أن الله يشير إلى أن هناك مادة أخرى قد استعملت فى البناء, وهي الطين ,حيث يطبخ أو يسخن ليصبح آجر .
وذلك في قوله عز وجل (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ( القصص الآية] 38[(1/58)
واني اعتقد أن فرعون هنا لم يقصد فعلا و لم يكن جادا في بناء الصرح لبلوغ الأسباب, ولكن أراد من قوله أوقد لي على الطين فاجعل لي صرحا الإشارة إلى عظمته , واستعماله لمواد البناء المخترعة والتى يريد أن يقنع بها الملأ أنها ستمكنه من بلوغ الأسباب .
5 .- الجلود والمواد النسيجية
ولقد ورد في سورة النحل نوع جديد من البنايات أو البيوت ألا وهي الخفيفة التي يمكن نقلها من مكان إلى آخر عند السفر أو الإقامة .
وذلك في قوله عز وجل (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ( النحل الآية] 80[
وهذه المادة المستعملة في صناعة البيوت, وهي جلود الأنعام بالإضافة إلى مادة الصوف , والوبر , والشعر المستخدمة في صناعة الأثاث .
كما ورد في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام الآية 142 : (وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (.
فمما تقدم فإن صناعة البيوت والقصور في القديم احتاجت حسب ذكر القرآن الكريم المواد التالي ( الحجارة,الحديد,والنحاس , الطين - الآجر- , الجلود) بالإضافة إلى مواد الصوف, والوبر , والأشعار المستعملة في صناعة الأثاث .
الفصل الثالث
فصل زوال العمران
قال الله سبحانه وتعالى:
- وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ القصص الآية] 59[
- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ( الأعراف الآية] 34[
د . نهاية العمران(1/59)
فكما للعمران البشري عوامل نشأته وتطوره ,فان له كذلك أسباب زواله وأفوله . وما الآثار التي نشاهدها في أماكن شتى من العالم لأمم سابقة إلا شاهدا على ذلك .
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود : (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ ( هود الآية] 100 [
وقوله كذلك في سورة الحجر (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ) الآية] 4 [
وقال أيضا (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ( إبراهيم الآية] 44[
فهناك القرى التي تزول ولا تقوم لها قائمة أبدا, ومنها ما تبقى أثارها شاهدة عليها .
إذ يقول عز وجل في سورة الحج (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ الحج الآية] 45 [
وهناك من القرى التي يستبدل الله فيها قوما بقوم آخرين كما جاء في سورة الأنبياء (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ الأنبياء الآية] 11[
وهناك من القرى الزائلة لم تسكن إلا قليلا من الزمن لقوله عز وجل في سورة القصص (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) القصص الآية ] 58[
- أسباب زوال العمران البشري
1.- الآيات القرآنية الواردة في هدا الباب هي كالتالي :
- وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ( الأنعام الآية] 123[(1/60)
- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ( الأعراف الآية 96] [
- تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ الأعراف الآية [101]
- وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ( هود الآية] 117[
- وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( هود الآية] 102[
- وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ( النحل الآية [ 112]
- وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ( الإسراء الآية[ 16]
- وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً الكهف الآية] 59 [
- مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء الآية6] [
- وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ الأنبياء الآية] 11[
- فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيد)ٍ الحج الآية] 45 [(1/61)
- وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ الحج الآية] 48[
- وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ الشعراء الآية] 208 [
- وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ( القصص الآية ] 58[
- وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ القصص الآية] 59 [
- وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ( العنكبوت الآية[ 31]
- إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ( العنكبوت الآية [ 34]
- وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُم( محمد الآيةْ[ 13]
- وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً الطلاق الآية] 8 [
2. - الأسباب:
من خلال الآيات السالفة الذكر نستطيع أن نحصر أسباب زوال العمران البشري في اختلال العلاقات الثلاثة التالية :
ا - اختلال علاقة الفرد بنفسه
حيث أن الإنسان أو العامة من الناس عمدت إلى الخروج عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها ,فكانت النتيجة الطبيعية هي الزوال والاندثار .
وكتأكيد على قولنا, نسوق المثال المذكور في القرآن الكريم والتعلق بقوم لوط هؤلاء الذين استبدلوا فطرة الله سبحانه وتعالى فأصبحوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء .(1/62)
و هذا الفعل يعتبر ظلما وحيفا عن فطرة الله سبحانه وتعالى .
فما كان من مجتمعهم أن زال من على وجه الأرض تماما .وكان ذلك سببا كافيا لزوال عمرانهم وحضارتهم .
ب - اختلال علاقة الناس ببعضهم البعض
فاصل العلاقة لا بد أن تبنى على غاية التعارف ,والتعارف هو سلوك سوي كامل يشمل جميع التعاملات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية .
فإذا اختل هذا التوازن انتشر الفساد , وتمكنت الآفات من المجتمع , وأصبح المرء غير آمن على عرضه وماله ونفسه.
عندئذ يتبدد احد أركان تطور العمران وهو الأمن والطمأنينة ,وبذلك يزول المجتمع لا محالة .
ولنا في القرآن مثال حي عن قوم شعيب إذ كانوا يبخسون الناس حقوقهم في المكيال حتى تمكنت هاته الآفة منهم ,فاتت على حتفهم لان هذا السلوك حاد عن المغزى العام للوجود البشري في التعايش . فقال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله
:( وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ( هود الآية] 85 [
وقال أيضا :
(وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ هود الآية] 94[
ج - اختلال العلاقة بين الناس وخالقهم
فعلى عكس القائلين بان الدين أفيون الشعوب, فان الدين يجعل الفرد متصلا بربه محاولا إرضائه بإتباع الأوامر واجتناب النواهي.(1/63)
فيصبح الفرد المؤمن مراقبا لنفسه مستشعرا بذلك ربه في تعامله مع ذاته وفق قوله عز وجل (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( البقرة الآية] [195 وتعامله مع غيره وفق قوله عز وجل (ْ .....وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة الآية [ 2]
فيرتقي عندئذ الفرد بأدائه داخل المجتمع .
ولقد حاول الإنسان سن القوانين الوضعية لتنظيم السلوك وحفظ المصالح ,غير أن هاته القوانين الوضعية تبقى ناقصة لأن الذات البشرية مهما اجتهدت تبقى قاصرة .
ولهذا فان ضرورة إيمان الناس بخالقهم , واستحضار الوازع الديني في سلوكهم ضرورة عمرانية لتحقيق الاستمرارية حيث يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ( هود الآية] 117[
وقد يعتقد قصارى النظر إن زوال الأمم راجع إلى الضعف والحروب وانتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية وغيرها .
وان ضمان الاستمرارية موقوف على إعداد أسباب القوة في تنظيم الجيوش ومحاربة الأمراض والأوبئة , وتطوير وسائل التنبؤ بالكوارث قبل وقوعها
ولعمري إن هاته النظرة هي نظرة مادية بحتة قاصرة في فهم حركة العمران البشري ويكفي أن التاريخ لا يزال يشهد على محدوديتها .
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة محمد الآية 13: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُم(
اذن فان اختلال العلاقة بين الناس وخالقهم سببا كذلك لزوال العمران.(1/64)
ولنا في قوم نوح عبرة , إذ دعاهم عليه السلام سرا وجهرا لعبادة الله الواحد الأحد لكنهم فضلوا الغي على الهدى مدة زمنية طويلة فما كان ليغنيهم كفرهم عن عذاب الله , فحقت كلمته فكانوا من الغابرين .
وكذلك قوم هود وقوم صالح كفروا بربهم فكان الزوال والعذاب نتيجة لاختلال علاقتهم بخالقهم .
ادن فان زوال العمران مصير حتمي للبشرية اذا ما انتفى للإنسان في حركته أسباب وغايات وجوده .
(أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ الأنعام الآية] 6[
وقال كذلك في سورة الروم :( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( الروم الآية] 9[
فصل الرابع :
مظاهر الاجتماع الحضري لمجتمعات-
ورد ذكرها في القرآن الكريم
قال الله سبحانه و تعالى: -
(تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ) الأعراف الآية [ 101]
ه. مظاهر الاجتماع الحضري
بالإضافة إلى ظاهرة الإعمار أو البنيان و الكثافة السكانية فان السلوك الاجتماعي يعد ميزة هامة في تحديد درجة التحضر للاجتماع البشري .
كما يمكن اعتبار ه عاملا مهما في الفصل أو التمييز بين الحضر و البادية .(1/65)
ومن مظاهر الاجتماع تلك نجد:
1 - الوظائف
2- المهن
3 - المعاملات
4 – الجرائم
1- الوظائف :
هي الإطار المنظم للسلوك البشري أين يتم تحديد علاقة الحاكم بالمحكوم , وعلاقة الأفراد بين بعضهم البعض وهي كالتالي :
ا. الحكم :
أو الملك أو السلطة , و نقصد بوظيفة الحكم الدور الذي يلعبه الملك في المحافظة على البنية الاجتماعية للأفراد وفق الخصائص والشروط المهيكلة لذلك الاجتماع وتطوره .
ولقد ورد في القرآن الكريم قوله عز وجل ( وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف , وسبع سنبلات خضر و أخر يابسات يأيها الملا أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ) سورة يوسف الآية 43.
وقوله كذلك في سورة النمل الآية 34 (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) .
ولقد أعان الملك في تأدية وظيفة الحكم وزراء و أمناء كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة غافر الآية 36 (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ( .
وكذلك في سورة يوسف قوله عز وجل (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يوسف الآية ]55 [
و لقد تخلل ممارسة الحكم في بعض المجتمعات مبدأ الشورى , و تبادل الهدايا و هو لجوء بتعبير العصر للقنوات الدبلوماسية في حل القضايا فجاء ذلك في القرآن الكريم على لسان ملكة سبأ قوله جل وعلا (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ( النمل الآية] 32[
وقوله كذلك (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ( النمل الآية[ 35]
ب.القضاء
وهو الفصل في المنازعات , والجنح والجرائم طبقا للشرائع والأعراف وهي وظيفة كانت حكرا على الملك أو الحاكم .(1/66)
ولقد ذكر القضاء في سورة طه على لسان سحرة فرعون (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا طه الآية [ 72]
كما أنشئت السجون كمراكز للتعزير والعقاب, فقال سبحانه وتعالى (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( يوسف الآية [36]
ج. الإعمار والإسكان
وهي بناء البيوت والقصور و إعمار القرى ,وتشييد الحصون والقلاع وخفر الآبار . وهو يشكل الإطار الفيزيائي, وأولى الدلائل على تحضر الاجتماع البشري .
فلقد ورد في كتاب الله قوله (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ( الأعراف الآية [74]
وقوله أيضا ( فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ الحج الآية] 45 [
د . الترفيه
هو الترويح والاحتفال ,وهو سلوك اجتماعي عرفته البشرية مند القدم. ويعتر احد خصائص السلوك المتحضر للاجتماع البشري.
ولقد جاء في القرآن ذكر دلك بحسب الآيات التالية :
- (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى طه الآية] 59[
- (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ يوسف الآية] 12[
- (أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ( الأعراف الآية [ 98]
وأيضا:(1/67)
-( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ العنكبوت الآية] 29[
ولقد عوض الإسلام الناس عن أيام احتفالاتهم بيوم عيد الفطر وعيد الأضحى وجاء قوله سبحانه وتعالى في سورة الجمعة (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ الجمعة الآية] 11[
الشيء الذي يدل على وجود اللهو كسلوك اجتماعي, نهى الله عنه إذا كان يصد عن عبادة الله في قوله (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً مريم الآية [73]
2. المهن
و هي مختلف الحرف و الأشغال لكسب أسباب العيش و توفير الغذاء
ا- التجارة
و هي تبادل للسلع والبضائع والحاجيات مقابل قيمة معينة أو ثمن سواء كان مال أو غير ذلك .
ولقد ورد ذكر هاته المهنة في آيات عدة نذكر منها الآيات التالية :
- (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ يوسف الآية] 20[
(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( الجمعة الآية] 11[
- ( ........ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا .......)َ التوبة الآية [24](1/68)
ولقد أدى ازدهار التجارة إلى تطور المواصلات والطرق , ولم تقتصر في ذلك فقط على حركة الأموال و البضائع , بل شكلت كذلك قناة من قنوات الاتصال والاحتكاك بين المجتمعات اجتماعيا وثقافيا , واقتصاديا.
فأنشئت الأسواق لذلك , و أصبحت من العناصر الهامة المشكلة للبنية الحضرية للتجمع البشري , وفضاء من فضاءات التفاعل داخليا وخارجيا .
ب.البناء وحفر الآبار (الري )
قال الله سبحانه وتعالى ( وبئر معطلة وقصر مشيد ). وقوله كذلك في سورة غافر الآية 36: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ( .
لقد كان الناس يقومون بحفر الآبار من اجل الحصول على الماء الشروب, إذ أن توفر الماء كان ومازال احد العوامل المساعدة على الاستقرار والتمركز, ومن تم الاجتماع البشري .
فوجود الماء كان يشجع الإنسان على عملية البناء , أي بناء المساكن والقصور والحصون والمعابد إلى غيرها .
وتعتبر مهنة البناء من أقدم المهن,حيث كان يتقاضى البناء على عمله أجرا .
فلقد ورد في القرآن الكريم في سورة الكهف : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً الكهف الآية] 77[
كما عرف من خلال مهنة البناء صناعة مواد البناء كالآجر والحجارة والحديد وغيرها , وقد أوردنا فصلا كاملا حول خصائص البناء وصناعة المواد بحسب ما ورد في ظلال آيات القرآن .
ج. الصيد والغطس
وهي مهنة قديمة حيث اعتمد الإنسان على البحر في ضمان عيشه, فصنع الشراع والسفن ,وما لبث أن استخدمها كذلك فى النقل البحري والمتاجرة عبر البحار , ومن تم الاتصال بالمجتمعات والحضارات البعيدة .(1/69)
فقال سبحانه و تعالى :( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ النحل الآية] 14[
وقوله كذلك : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً( الكهف الآية] 79 [
وقال كذلك في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فاطر الآية] 12[
د. البريد:
وهي مهنة نقل الأخبار والرسائل وتبليغها , وقد استعملت الطيور في القديم للقيام بهاته المهمة كالغراب في عهد سيدنا سليمان , كما استعمل الرسل لذلك .
فقد ورد في القرآن قوله سبحانه وتعالى :( اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ النمل الآية] 28[
ه. السقاية
وهي القيام بالسقي والإرواء بالماء أو بالخمر فقال جل وعلا : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ التوبة الآية] 19[
وقوله كذلك :
(وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ( يوسف الآية] 19[
وقال أيضا :
((1/70)
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً......) يوسف الآية] 41[
وقوله كذلك في سورة القصص (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ القصص الآية] 24[
ولقد كان السقاة يجلبون الماء الشروب من الآبار والوديان ويطوفون على العمائر والبيوت فيزودونهم به لقاء اجر معين .
و. الصناعات
إن المجتمعات التي تناولتها بالذكر آيات القرآن الكريم قد عرفت أنواع عديدة من الصناعات هي كالتالي :
1- صناعة مواد البناء
وذلك في قوله سبحانه وتعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ( القصص الآية[ 38]
حيث تشير هاته الآية إلى صناعة مواد البناء , و هي الطين التي تسخن في الأفران لتكتسب الخصائص اللازمة لذلك, بالإضافة إلى مواد أخرى كالحديد والنحاس والحجارة والقوارير أو البلور .....الخ .
2- الصناعات النسيجية والجلدية
حيث ورد قوله سبحانه وتعالى في سورة النحل (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ( النحل الآية] 80[
لتزيين البيوت .
3- صناعة السفن والنجارة
وأول من قام بهاته الصناعة هو نوح عليه السلام , كما ورد ذكر ذلك في كتاب الله قوله (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ هود الآية] 38 [(1/71)
وكذلك في قوله في سورة القمر (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ( القمر الآية] 13[
فبعد ما كانت السفينة وسيلة نجاة من الغرق أصبح استعمالها بعد ذلك في المواصلات فجاء ذلك في قوله : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ( الكهف الآية] 71 [
وكذلك في قوله : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً( الكهف الآية] 79 [
4- الصناعات الحربية
وهي ما كان لداود عليه السلام من فضل في صناعة الدروع ,كما ورد ذلك في سورة سبأ قوله سبحانه وتعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ( سبأ الآية] 10 [
وقال كذلك في سورة النحل:( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ( النحل الآية [81]
وهنا لنا أن نشير أن الله سبحانه وتعالى قال بأنه جعل السرابيل أو الدروع التي تقينا في الحرب أو البأس لكنه لم يذكر بتاتا انه جعل لنا السيوف والرماح والنبال وغيرها .
مما يدل أن المسلم ليس قاطع طريق ,وليس جبارا في الأرض وإنما مدافعا على دينه وعرضه وماله . ولهذا جاء قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال :
((1/72)
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون)َ الأنفال الآية 60] [
ي- النحت والزخرفة
فبالإضافة إلى نحت البيوت وزخرفتها , عكف القدماء على التفنن في صناعة التماثيل مستخدمين مختلف المواد الحجرية ,الحديدة والنحاسية ..........الخ .
فلقد ورد في كتاب الله قوله جل وعلا (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ) الأعراف الآية [148]
كما كان لهم معرفة بالزخرفة , فقد ورد كتاب الله (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً الإسراء الآية]93 [
ك- السحر
لقد كان السحر مهنة طب مشوبة باعتقادات لاهوتية ميتافيزيقية, يدرك العامة وجودها وأهميتها لكنهم يجهلون الكثير عن ماهيتها وكنهها ,ولا يجدون تفسيرا لكثير من جوانبها .
ولقد عرفت ازدهارا في عهد موسى عليه السلام الذي عزى العلماء طبيعة معجزاته عليه السلام على أنها من جنس الازدهار السائد إبان تلك الحقبة .
فقد ورد في كتابه عز وجل (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ( الشعراء الآية] 36 [
(وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) الأعراف الآية [ 113]
ر- الزراعة(1/73)
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الواقعة (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُون)َ الآية] 64[.
وقال في سورة يوسف الآية 47 (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ( .
فالزراعة مهنة استخدمت دائما وأبدا كفاصل بين الريف والمدينة, ذلك كونها تحتاج إلى الأراضي الخصبة المترامية الأطراف بعيدة عن تعقيدات المدينة وتداخل المهن بها .
وهي همزة الوصل بالنسبة للحضري والريفي حيث يتم التبادل بينهما في سوق المدينة, أين يعرض الأول المواد الجاهزة للاستهلاك و يقدم الثاني المزروعات ومواد الخام كالزيوت والأصواف والأخشاب وغيرها ...
ونظرا لوجود مهنة الزراعة ضمن الإطار الفيزيائي والاجتماعي لكثير من المدن القديمة , فقد ذهب الباحثون إلى تصنيفها مدن زراعية أو ما عرف بالمدينة الزراعية , حيث يعتبرونها إحدى مراحل تطور المدينة إلى غاية بلوغ المرحلة النهائية التي يصبح فيها الفاصل بين فضاء المدينة وفضاء الريف أوضح.
فيصبح الأول أكثر تعقيدا , ويبقى الثاني في بساطته , أو بتعبير آخر فان التغيرات التي تحدث داخل الأول تكون جد متسارعة , نظرا لتداخل وتنافر عوامل عدة اجتماعية و اقتصادية وكذا فيزيولوجية , في حين تكون وتيرة التغير بالنسبة للثاني جد متباطئة , إن لم تكن منعدمة في كثير من الأحيان .
وإنا لنستغرب كيف أن المدينة مع ضيقها اتسعت إلى أن شملت وضمت جميع الحرف والمهن, إلا أنها عجزت أو امتنعت لسبب ما عن احتواء مهنة الزراعة ضمن مجال تطورها ؟؟؟
إنا نعتقد أن الإجابة عن هاته الإشكالية كفيل بحل كثير من مشاكل التحضر المعاصر أين أضحت المدن تعاني من آثاره السلبية : كالتلوث و الاختناق والضجيج وحوادث الطرقات , حتى أضحت مكان غير صحي لعيش الإنسان فيه .(1/74)
لهذا نرى أن الدول أصبحت تضع ضمن أولوياتها هاته الأمراض البيئية بل تعدت ذلك إلى تشكيل وزارات وأحزاب لإيجاد الحلول لها .
فنرى على سبيل المثال كيف أصبح يولى أهمية كبرى للمساحات الخضراء و كيف يسعى الكل إلى ترحيل المراكز الصناعية إلى أطراف العمائر ثم عزلها بعد ذلك بفضاءات نباتية لتفادي أضرارها .
لدى فان إدماج مهنة الزراعة ضمن المحيط الحضري , أضحت ضرورة لتدارك بناء فضاء حضري سليم يساهم بشكل فعال في ربط الإنسان مرة أخرى بالأرض أي بيئته , و لا يكفي الاهتمام بذلك على المستويات الوزارية ما لم يكن هناك جدية في عمل جواري علمي , يصبح الإنسان الحضري ,المصنع والمثقف ,والميكانيكي , والبناء , والطبيب ممارس للزراعة وجزء لا يتجزأ من كيانه وثقافته , وهواياته .
صحيح أن الزراعة تحتاج إلى فضاء واسع مترامي الأطراف بعكس الفضاء الحضري الذي هو في أصله محددا و مهيكلا بحسب النشاطات الاقتصادية والاجتماعية , لكننا نعتقد أن التقدم التكنولوجي و البحوث الزراعية كفيلة بتحديد أنواع من الزراعة التي يمكن إدماجها في المحيط الحضري , حتى نستطيع تجنب الكثير من التسارع العمراني الغير منظم , و الذي ينتج عنه سلبيات عدة بيئية واجتماعية.
ولقد أقرن الله في إعجابه بعمران أهل سبأ بين المساكن و الجنان فقال :
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ( سبأ الآية] 15 [
أضف إلى ذلك نجده جل وعلا في كثير من موضع يدعو أهل العلم إلى التفكر والتدبر في آيات أشارت إلى الزرع والثمار وفضله في ذلك علىالإنسان, فقال في سورة ( الأنعام الآية 99) :
((1/75)
وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( .
3. المعاملات
ا . - الزواج
و هو ارتباط مقدس بين الرجل و المرأة لتكوين أسرة , فهي الخلية المكونة للمجتمع .
فحركة هاته الأسرة وتفاعلاتها وعلاقاتها بغيرها من الأسر على جميع الأصعدة والمجالات هي أساس الاجتماع البشري بمفهومه الواسع .
و هي اللبنة الأولى لتطوره ونموه .
فلقد ورد في كتاب الولى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( الروم الآية] 21 [
ب. - القري و الاستضافة
أولى المعاملات الدالة على مفهوم القرية , وهي الإطعام أو ما يعرف بالقري ,
بالإضافة إلى ذلك فإنها سلوك اجتماعي محض .
و هي عملية تواصل بين الأفراد لتحقيق الغاية الأسمى من التحضر و هي التعارف والتعاون .
وهي التربة الخصبة التي نبتت بين جوانبها بذرة التحضر وهي احدى واجهات المشاركة للفرد داخل مدينته .
لقد ورد في كتاب المولى عز وجل قوله سبحانه وتعالى :
(أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ( البلد الآية] 14[
و قوله كذلك في سورة الإنسان الآية 08 : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً( .
وكذا قوله عن ضيف إبراهيم عليه السلام (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ الذاريات الآية] 26[
ج .- البيع والشراء
...(1/76)
وهنا لا نقصد به مهنة التجارة بمفهومها الواسع , وكذا شموليتها و إنما نقصد المعاملات اليومية بين الأفراد داخل المجتمع في تبادل المنافع بينهم على أساس البيع والشراء .
فلقد ورد في قوله سبحانه وتعالى في سورة يوسف (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ يوسف الآية] 20[
وقال كذلك في سورة الكهف (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدا )ً الآية [19].
زيادة على عملية المبادلة في بساطتها فقد عرفت هاته الشعوب والأمم صك الأموال من الذهب والفضة .....الخ .
د.- الإيجار والاستدانة
ورد في سورة القصص قوله سبحانه وتعالى (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ القصص الآية] 26 [
وقال أيضا في سورة الكهف (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً الكهف الآية] 77 [
فالإيجار و الأجر كانا من المعاملات للأمم التي ورد ذكرها في القرآن, وهو سلوك اجتماعي ينظم علاقة الناس ببعضهم البعض, ويقدر الجهد والصنيع ويحدد له أجرا , وهي درجة من التحضر والرقي للاجتماع البشري في تلك الأزمنة لازلت متواصلة وموجودة إلى يومنا هذا .(1/77)
وكذلك فقد وجدت الاستدانة أو الاقتراض كعلاقة اجتماعية و اقتصادية متجدرة بين الناس في تعاملاتهم , فلما جاء الإسلام عمل على تنظيم تلك العلاقة بما يحفظ لكل ذي حق حقه .
فلقد ورد في كتاب الولى قوله (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ النساء الآية] 12[
ه.- السفر والترحال والهجرة
نظرا لتكرارها وإلفها أضحت عادة أكثر منها وسيلة للعيش , و هي إحدى وسائل التواصل بين التجمعات البشرية يتم خلالها المبادلات التجارية والاجتماعية والثقافية, وهي كذلك أداة احتكاك لتفاعل الشعوب فيما بينها .
وهي ذات اثر مادي في تحديد طرق المواصلات ومنافذها , وأبواب المدن .
وهي مع ذلك بريد الأخبار في النوائب و الأفراح و قراءة الشعر وتواتر الأحاديث والحكايات والفنون .
و.– نقل الأخبار ( الإعلام)
عكفت الأمم السالفة على نقل الأخبار وتواترها في خلال المهرجانات والمبادلات التجارية والمناظرات الشعرية في الأسواق .
فكانت القوافل بالإضافة إلى ميزتها التجارية إلا أنها كانت أداة فعالة في نقل الأخبار والأنباء بين الأفراد والشعوب والأمم .(1/78)
ويكفي أن نشير إلى هذا التواتر وأثره في نقل الأحاديث النبوية وغيرها من المعلقات الشعرية والأقوال والحكم والأمثال لكثير من الشعراء والحكماء .
ك.- الاتفاقات والمعاهدات والمفاوضات
وهي الالتزامات المتبادلة بين فردين أو قبيلتين أو إمبراطوريتين, وهو سلوك متحضر في معالجة النزاعات والتوترات ,وتحقيق بطريقة سلمية لمصلحة معينة.
فقد ورد في قوله عز وجل في سورة الكهف الآية 94 : (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً الكهف الآية] 94 [
ي.- الحروب
وهي احدى المعاملات السلبية التي نشأت بين الشعوب , والأفراد والجماعات في حركيتها عبر الأزمنة,وكانت وسيلة من وسائل التغير في الاجتماع البشري في اغلب الأحيان .
وبالإضافة إلى كونها سلوك غير متحضر فهي مجانبة للغاية الكبرى في تواجد الشعوب , والأمم على هاته الأرض وهي التعارف و التبادل و التنافس في إعمار الأرض وزراعة الخير .
وقد عرفت الشعوب و الأمم الغابرة التطاحن و التقاتل كما دل على ذلك القرآن في قوله عز وجل (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ النمل الآية] 34[
وقوله كذلك (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ النمل الآية] 37[
4.- الجرائم والآفات
الغريب انه لا يمكن التطرق إلى التحضر دون الإشارة إلى الجرائم والآفات .
فقد اثبت الواقع أن العلاقة بينهما مطردة فكلما تقدم الإنسان وتحضر كلما ازدادت الجرائم و تنوعت .(1/79)
ويكفي أن نشير إلى العواصم الأكثر تقدم ورفاهية فهي تحتوي على نسبة عالية من الجرائم والآفات , وتكاد هنا كذلك أن تصدق المقولة ( إن الشيء يعرف بضده ).
وان البشرية أو المجتمعات الوارد ذكرها في القرآن قد شهدت أنواع كثيرة من الجرائم والآفات , ولا يسعنا هنا إلا تناول أعظمها و أكثرها تأثيرا على بنية الاجتماع البشري , وأكثرها تحطيما لأركانه والتي كانت سببا في زوال أمم عبر العصور وهي كالتالي :
1.- السرقة :
و هي التعدي على ممتلكات الغير و أخذها في غفلة أو ضعف من صاحبها . ويكفينا دلالة على ذلك موقف إخوة يوسف من أخيهم يوم اتهم بسرقة صواع الملك , لندرك مدى صرامة الأمم و الأفراد فيما مضى على معاقبة الجاني ورفضهم كلية لهذا السلوك الذي يقوض أركان المجتمعات, ويهدد الناس في أمنهم على حاجتهم , ومصالحهم .
قال سبحانه وتعالى في سورة يوسف : (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ( يوسف الآية [73]
02 .- القتل
هو سفك للدماء بغير وجه حق . وهو اعتداء على جوهر الوجود وهو الحياة
وهو ترويع للذات البشرية واعتداء على أولى الحقوق للإنسان .
و هو كذلك انتفاء للغاية الكبرى في إعمار الأرض .
ولهذا فان زوال الدنيا أهون عند الله من قتل نفس واحدة .فقدسية الحياة أساس للعيش والاجتماع .
وقد عدت جريمة القتل دائما و أبدا اكبر الموبقات عند كل المجتمعات عبر العصور والى يومنا هذا .
و لهذا فقد شدد الإسلام في حد القتل فجاء حكمه أن السن بالسن والعين بالعين .
وقد ورد في القرآن الكريم ذكر ذلك في الآيات التالية فقال سبحانه و تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً( الإسراء الآية 33] [.
03 . - الزنا واللواط(1/80)
و هما إشباع للغريزة الجنسية بطرق مخالفة للشرع و الفطرة . فالأولى محطمة لعلاقة الرجل بالمرأة , وبالتالي لبنية الأسرة التي تعتبر أساس الاجتماع البشري
والثانية هي مروق عن الفطرة , ومخربة لبناء المجتمع القائم على قدسية العلاقة بين المرأة والرجل والذي سماه المولى عز وجل بالميثاق الغليظ .
وكلا الجريمتين كانتا محل ذم ونكران عبر العصور .
ولنا في الأمم التي ورد ذكرها في القرآن الشاهد على ذلك فلقد ورد في سورة يوسف ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) يوسف الآية [30]
وكذلك في سورة الإسراء (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً الإسراء الآية] 32[
و هناك آيات تناولت ظاهرة اللواط في قوم لوط , وكيف أن حضارتهم قد زالت نتيجة ما أقترفوه من إثم , ومخالفة للجبلة التي فطر الله عليها الإنسان.
فقال سبحانه وتعالى :
( وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ( الأنبياء الآية 74] [
04 .- الغش
مصدر لسلوكيات منحرفة وأظهرها هو بخس الكيل أو تطفيفه, وهو نوع من السرقة لأموال الناس واكلها بالباطل .
وانتشار الغش هو إهدار لأمن الناس على أموالهم وممتلكاتهم وضياع بالتالي لأهم ركن في الاجتماع البشري ألا وهو الأمن .
ولقد ضرب الله لنا مثلا في قوم شعيب حيث كانوا يطففون الكيل إذا اكتالوا فحق عليهم غضبه فدمرهم تدميرا .(1/81)
فانتفاء لمظهر الاجتماع في علاقتهم ببعضهم البعض كان سببا في زوالهم واندثارهم فقال سبحانه (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ( هود الآية] 84 [
وإذا كان الغش في صورته المادية مرفوضا , فهو كذلك في سورته المعنوية كالكذب , وشهادة الزور لأنه و فقط تضييع لمصالح الناس , وتضييع كذلك لحقهم .
و هو فوق ذلك حجب للحقيقة في تعامل الناس مع بعضهم البعض وهدم لعلاقة التعارف التي تعتبر أساس الاجتماع البشري وتطوره .
الخاتمة
في اعتمادنا على القرآن الكريم , استطعنا بعون الله ومشيئته أن نحدد جميع المفاهيم العمرانية والمعمارية , التي يستطيع بها المسلم أن يتميز عن غيره من الملل , ويشكل بها المثل والقدوة التي يدعو بها إلى دينه ورسالته , ويعبر بها عمليا وميدانيا عن المجتمع الفاضل المنشود .
وفي حصرنا لهاته المفاهيم , تمكنا أن شاء الله من تغيير بعض المصطلحات والمسلمات التي أيقن الناس أنها راسخة , في حين وكما رأينا لم يكن رسوخها اصليا بل شكليا وظاهريا على نسق القاعدة التي تحدد العلاقة بين الغالب والمغلوب , فتجعل الأخير مولع بتقليد الأول .
ومن ضمن هاته المفاهيم , نجد ما يسمى بالقرية والمدينة , فالقرآن قد تناول في آيات كثيرة كلمة القرية , أما كلمة المدينة فجاء ذكرها عرضيا في آيات معدودة .
ولقد بينا الحكمة في ذلك وهي أن القرية في تعريفها هي المدينة الكبيرة .
لكن واقعنا العلمي والميداني يجعل من القرية اقرب إلى الريف منها إلى الحضر بعكس المدينة التي أخذت أبعاد اصطلاحية وعمرانية جد مذهلة .(1/82)
بل الأخطر من ذلك أن الإنسان الذي يقرأ آيات القرآن وهي تشير بين ثنياها إلى القرية وأم القرى و لا يجد مقاربة بين معتقده وواقعه , أي أن القرآن صالح لكل زمان ومكان , ثم يجد أن أهل القرى في آية هم نفسهم أهل المدينة في آية أخرى, فانه لا محالة سيصاب برجة في إيمانه وعقيدته .
وهذا ما وفقنا الله إليه في رفع اللبس والغموض عنه .
كما أننا في كتابنا هذا حددنا المفاهيم التي مازالت إلى يومنا هذا محل جدال ونقاش, كتعريف العمران ,وتحديد مبادئه وعناصر تطوره وكذا معاييره .
وعزونا الفضل في ذلك إلى أبينا إبراهيم عليه السلام , وزدنا على ذلك وربما لأول مرة فصل في توضيح أسباب زوال العمران البشري واندثاره .
وانطلاقا مما تقدم , فان التكلم عن المدينة الإسلامية في غياب المفاهيم العمرانية والمعمارية المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام هي نوع من الاجتهاد البشري أو الترف الفكري إن لم نقل ضرب من الفنتازيا الفكرية
فكل يمكن أن يكون له تصوره كما كان من ذي قبل للمدينة الإسلامية في غياب الضوابط والمعايير .
إن المدينة الإسلامية ليست تلك التي كثرت الأقواس والنقوش على واجهات عماراتها , و ليست تلك التي تعددت قبب مبانيها , وإنما المدينة الإسلامية أو القرية الإسلامية هي ذلك المحيط الذي يتلاءم وشخصية الإنسان المسلم سلوكيا , واعتقاديا , ونفسيا , ويمنحه القدرة على تثمين ملكاته فيكون القدوة الحسنة لغيره في عمارة الأرض.
إذن فبعد أن اتضحت التعريفات وتحددت المصادر بمفهومها , يمكن لنا أن نوجد نماذج لمدن إسلامية كثيرة , واضحى بمقدورنا أن نقيس مدن أخرى على ضوء المعايير والمبادئ للعمران البشري في الإسلام .
المرا جع
01) - Introduction à l'histoire de l'architecture islamique ( Brahim Ben Youcef ) O. P. U Alger .
02) - Comprendre l'urbanisme ( Paul Boury )
Collection Vie Locale.(1/83)
03) - Urbanisation et tradition ( Gerald breese )
imp montligeon 1969.
04) - Calcul Des Structures Métalliques
( f.z aoudja ) edi ... . El hidaya .
05 - Grandes villes arabes à l'époque ottomane
(André Raymond ) biblio.; arabe Sind bad 1985.
06- المدينة وتنظيمها الحضري (مجلة شهرية العدد رقم 03
07 - Le Peuplement Humain Du Sahara
( Edmond sergeut ) archives de l'institut pasteur d'Algérie .
08 - Construire Avec Le Peuple ( Hassen
Fathy) biblio ... arabe Sind bade d 1985.
09- في ظلال القرآن ( لسيد قطب ).
10 – Camillo Sitte Et Les Débuts De
L'urbanismeModerne( Daniel wiezczorek
ed:O.P.U Alger.
11- التغيير الاجتماعي والتخطيط ( الدكتور محمد عاطف غيث) دار المعرفة الجامعية 1987.
12- إشكالية العمران والمشروع الإسلامي – الدكتور إبراهيم بن يوسف – مطبعة أبو داود الحراش 1992 .
13- علم اجتماع السكان – الدكتور علي عبد الرازق جلبي – دار المعرفة الجامعية إسكندرية 1987.
14- صفوت التفاسير ( محمد علي الصابوني ).
15- جامع البيان في تفسير القرآن (الإمام بن محمد بن جرير الطبري).
16- المنجد في اللغة و الإعلام ( طبعة بيروت ) .
17 - Introduction A L’urbanisme Opérationnel Et A La Composition Urbaine ( zucchulli
Alberto ) ed ..O.P.U Alger 1984.
17- قصص الأنبياء ( عبد الوهاب النجار ) دار الإحياء التراث العربي بيروت لبنان .
18- الفكر الاجتماعي عند بن خلدون ( عبد الغني مغربي ) المؤسسة الوطنية للكتاب 1988 الجزائر .
19 - Le m’zab espace &société ( Brahim ben
youcef ed. Abou daoud Alger .
20- مدارس الفن القديم ( الدكتورة عائدة سليمان عارف الجامعة الأردنية ) .. دار صادر بيروت 1972.
21- L’art de bâtir les villes ( camillo sitte ) ed
l’équerre .
22 - Les Cités Jardins De Demain ( Ebenezer(1/84)
Oward ) Aspects De L’urbanisme .
23 - Forme Urbaines De L’îlot A La Barre ( j.castex , j.ch depaule , ph panerai ) collection
aspects de l’urbanisme ..
24 – Urbanisme &Libertés ( édition moniteur
1979 paris ).
25 - Eléments D’introduction A L’urbanisme
Histoire , Méthodologie Réglementation ( maouia saidouni ) edi ... casbah 2001 .
26 - Urbanisation Et Système Sociaux
– la planification urbaine en algerie –
Kheladi Mokhtar O.P.U Alger 1993 .
27 - Architecture Et Urbanisme Islamiques
( Denis grandet ) O.P.U Alger 1992.
فهرس الكتاب
*******************
الفهرس
* * *
كلمة المؤلف -
- تمهيد
الفصل الأول :العمران
ا . العمران في القرآن
1. روح العمران في القرآن................................ 09
2. التعريف القرآني للعمران البشري........................13
3. عناصر تطور العمران في القرآن.............................15
4. المبدأ العام لتطور العمران...............................17
5. التصنيف القرآني للتجمعات الحضرية ..................20
6. معايير التحضر البشري في القرآن الكريم ........24
ب. إشكالية القرية والمدينة
1. الآيات الواردة في القرآن................................27
2. القرية حضر ............................................38
3. القرية هي المدينة ........................................40
4. القرية أكبر من المدينة................................43
ج. القرية في القرآن
1. المعالم الحضرية للقرية ......................................46
2. الابعاد الزمكنية و الوظيفية للقرية.............................54
د. البيت في القرآن
1. الايات الواردة في القرآن.................................58
2. التعريف القرآني للبيت ...................................62(1/85)
3. صيغ البيت في القرآن.....................................64
4. وظائف البيت في القرآن..................................67
5. التصور المكاني والشكلي للبيت في القرآن..................72
الفصل الثاني : العمارة
ه . خصائص البناء
ه.خصائص البناء :
1. الآيات الواردة في القرآن .................................79
2. عناصر البناء .............................................82
3. عملية البناء .............................................85
4. مواد البناء................................................90
الفصل الثالث:زوال العمران
د. نهاية العمران
1. الآ يات الواردة في القرآن..............................102
2. أ سباب الزوال...................................106
الفصل الرابع : مظاهر الاجتماع الحضري
لمجتمعات ورد ذكرها في القرآن الكريم
ه- مظاهر الاجتماع الحضري ...............................113
1 – الوظائف.................................... 113
2 - المهن ........................................118
3 - المعاملات ....................................129
4 - الجرائم .....................................135
- الخاتمة ......................140
- المراجع .....................143(1/86)