قطوف من موازين النور
بسم الله رأس كل خير وبدء كل أمر ذي بال .
علينا أن نقول ( بسم الله ) ونعطي باسم الله ونأخذ باسم الله .
إن منبع الشجاعة ككل الحسنات الحقيقية هو الإيمان والعبودية ، وإن منبع الجبن ككل السيئات هو الضلالة والسفاهة.
إن وسيلة الرزق الحلال ليست الاقتدار والاختيار، بل العجز والضعف.
إن الكلام كلامه(القرآن). فهو الحق، وهو الذي يظهر الحقيقة وينشر آيات نور الحكمة
إن خلق شيء من كل شئ وخلق كل شيء من شيء واحد خاصية تعود إلى خالق كل شيء.
إن كل من يجعل الحياة الفانية مبتغاه سيكون في جهنم حقيقة ومعنى
إن معنى الصلاة هو التسبيح والتعظيم والشكر لله تعالى.
إن معنى العبادة هو سجود العبد بمحبة خالصة وبتقدير وإعجاب في الحضرة الإلهية وأمام كمال الربوبية والقدرة الصمدانية والرحمة الإلهية مشاهدا تقصيره وعجزه وفقره
إن التزيينات في هذه الدنيا ليست لأجل التلذذ والتمتع فحسب ، إذ لو أذاقتك اللذة ساعة أذاقتك الألم بفراقها ساعات وساعات في تذيقك مثيرة شهيتك دون أن تشبعك . لقصر عمرها أو لقصر عمرك ، إذ لا يكفي للشبع
إن الإنسان لم يترك حبله على غاربه ، ولم يترك طليقا ليرتع أينما يريد ، بل تسجل جميع أعماله وتلتقط صورها ،وتدون جميع أفعاله ليحاسب عليها .
الدنيا مزرعة ،والمحشر بيدر ،والجنة والنار مخزنان (بتصرف)
كما أن الأجل والقبر ينتظران الإنسان ،فان الجنة والنار كذلك تنتظرانه وتترصدانه .
إن حسن الصنعة المتقنة في خلق الإنسان في احسن تقويم ، مثلما هو إشارة إلى الصانع سبحانه ، فإن ما فيه من قابليات وقوى جامعة ، التي تزول في مدة يسيرة، تشير إلى الحشر .
لا سعادة لروح الحياة العائلية إلاّ بالاحترام المتبادل الجاد والوفاء الخالص بين الجميع والرأفة الصادقة والرحمة التي تصل إلى حد التضحية والإيثار.(1/1)
ما دامت في الدنيا حياة فلابد أن الذين يفهمون سر الحياة من البشر ولا يسيئون استعمال حياتهم ، يكونون أهلاً لحياة باقية ، في دار باقية وفي جنة باقية
إن شق القمر كما انه معجزة لإثبات الرسالة ،أظهرت نبوته (صلى الله عليه وسلم) إلى الجن والأنس كذلك المعراج هو معجزة عبوديته (صلى الله عليه وسلم) أظهرت محبوبيته إلى الأرواح والملائكة
إن كنتم تريدون أن تستمتعوا بالحياة وتلتذوا بها فاحيوا حياتكم بالإيمان وزينوها بأداء الفرائض ، وحافظوا عليها باجتناب المعاصي
إن زوال الألم لذة ، كما أن زوال اللذة ألم
إن الإنسان إن لم يشتت قوة صبره يميناً وشمالاً إلى الماضي والمستقبل وسددها إلى اليوم الذي هو فيه ، فإنها كافية لتحل له حبال المضايقات
من عرف الله وأطاعه سعيد ولو كان في غياهب السجن ، ومن غفل عنه ونسيه شقي ولو كان في قصور مشيدة.
العاقل هو من يعمل على قاعدة : " خذ ما صفا .. ودع ما كَدِر "
الإنسان ،عدو لما يجهل ولما يقصر عنه
اعلم ! إن عدم الاعتقاد بالإله الواحد الأحد يستلزم الاعتقاد بآلهة عدة بعدد الموجودات
الجمال الدائم لا يرضى بالمشتاق الزائل الآفل
الشخص الأناني مثلما يعادي ما يجهله يعادي ما لا تصل إليه يده أيضاً
إن الخير يصدر من الخير المطلق ، وإن الجمال يصدر من الجميل المطلق .. فلن يصدر من الحكيم المطلق العبث البتة
الدنيا شجرة رائعة ترسل ثمارها إلى سوق الآخرة
وجود الشيء يتوقف على وجود جميع الأسباب والشروط ، بينما انعدام ذلك الشيء وانتفاؤه من حيث النتيجة إنما هو بانتفاء شرط واحد فقط وبانعدام جزء منه .
اعلم أن الدنيا مزرعة للآخرة ، فازرع واجنِ ثمراتها واحتفظ بها ، واهمل قذاراتها الفانية . (بتصرف)
اعلم أن الدنيا موضع تجارة سيار ، فقم بالبيع والشراء المطلوب منك، دون أن تلهث وراء القوافل التي أهملتك وجاوزتك ، فتتعب(1/2)
إن السعادة في هذه الدنيا، في تركها .. وتركها يعني: أنها مُلك الله، يُنظر إليها بإذنه وبإسمه.
إن دائرة الحاجة واسعة سعة دائرة النظر
إن كان العدم معدوما فهو موجود ،وان انعدم المعدم يكون موجودا
إن البقاء ينبثق من الفناء ،فجُد بفناء النفس الأمارة لتحظى بالبقاء
تجرّد من كل خلق ذميم هو مبعث عبادة الدنيا . إفنه من نفسك ،جد بما تملكه في سبيل المحبوب الحق . ابصر عقبى الموجودات الماضية نحو العدم فالسبيل في الدنيا إلى البقاء إنما تمر من درب الفناء
إن الحق أغنى من أن يدلس ، ونظر الحقيقة أعلى من أن يدلس عليه
اعلمي أيتها النفس ! إن الأمس قد فاتك . أما الغد فلم يأت بعد ، وليس لديك عهد أنك ستملكينه ، لهذا فاحسبي عمرك الحقيقي هو هذا اليوم . واقل القليل أن تلقي ساعة منه في صندوق الادخار الأخروي ، وهو المسجد أو السجادة لتضمني المستقبل الحقيقي الخالد.
إن ناظم الكائنات بهذا النظام الأتم الأكمل هو ناظم هذا الدين بهذا النظام الأحسن الأجمل .
إنك إذا ألقيت السمع إلى النفس والشيطان فستسقط إلى اسفل السافلين وإذا أصغيت إلى الحق والقران فسترتقي إلى أعلى عليين وكنت (احسن تقويم ) في هذا الكون .
إن الذي يخاف من الله ينجو من الخوف من الآخرين ، ذلك الخوف المليء بالقساوة والبلايا .
إن المحبة التي يوليها الإنسان إلى المخلوقات إن كانت في سبيل الله لا تكون مشوبة بألم الفراق .
إن وظائف العبودية وتكاليفها ليست مقدمة لثواب لاحق ، بل هي نتيجة لنعمة سابقة .
إنه لا يمكن العيش بسلام ووئام في مجتمع إلا بالمحافظة على التوازن القائم بين الخواص والعوام ، أي بين الأغنياء والفقراء ، وأساس هذا التوازن هو رحمة الخواص وشفقتهم على العوام ، وإطاعة العوام واحترامهم الخواص .(1/3)
إن الآيات القرآنية تقف على باب العالم قائلة للربا : الدخول ممنوع . تأمر البشرية : أوصدوا أبواب الربا لتنسد أمامكم أبواب الحرب وتحذر تلاميذ القران والمؤمنين من الدخول فيها .
خلق الشر ليس شراً وإنما كسب الشر شر .. لان الخلق والإيجاد يتطلع إلى جميع النتائج ويتعلق بها ، بينما الكسب يتعلق بنتائج خصوصية ،لأنه مباشرة خاصة
إن العجز كالعشق طريق موصل إلى الله ،بل اقرب واسلم إذ هو يوصل إلى المحبوبية بطريق العبودية .
تزكية النفس وتطهيرها هي بعدم تزكيتها ( بتصرف ) . والعمل على نسيان النفس في الحظوظ والأجرة، والتفكر فيها عند الخدمات والموت.. كمال النفس في معرفة عدم كمالها، وقدرتها في عجزها أمام الله، وغناها في فقرها إليه
من يجد الله فقد وجد كل شيء ، فما الموجودات جميعها إلا تجليات أسمائه الحسنى جل جلاله .
إن القاعدة الشرعية ( الضرورات تبيح المحظورات ) ليست كلية ، لان الضرورة إن كانت ناشئة عن طريق الحرام لا تكون سبباً لإباحة الحرام .
إن كان اجمل شيء يباع مع أقبحه في حانوت واحد جنباً إلى جنب وبالثمن نفسه، ينبغي على مشتري لؤلؤة الصدق الغالي ألاّ يعتمد على كلام صاحب الحانوت ومعرفته دون فحص وتمحيص .
إن الجمال البديع الخالد الأبدي الذي ليس له مثيل يطلب خلود مشتاقيه وبقاءهم، وهم كالمرآة العاكسة لذلك الجمال .
الجسد عش الروح ومسكنها وليس بردائها .
الضياء الدائم الذي لا يتخلله الظلام ، لا يُشعر به ولا يُعرف وجوده إلا إذا حدد بظلمة حقيقية أو موهومة .
إن المعجزة تأتى لإثبات دعوى النبوة عن طريق إقناع المنكرين، وليس إرغامهم على الإيمان .
إن الشمس التي هي سراج هذه الكائنات ، إنما هي نافذة مضيئة ساطعة كنورها تتطلع منها المخلوقات إلى وجود خالق الكون ووحدانيته .
المصادفة ، ستار الحكمة الإلهية الخفية الذي يستر جهلنا .
من لا يقدر على خلق كل الأشياء لا يقدر على خلق شيء واحد(1/4)
إن القدرة الإلهية التي لا تترك النمل من دون أمير ، والنحل دون يعسوب ، لا تترك حتماً البشر من دون نبي ، من دون شريعة .
إن الإنسان يقصد الحق ويتحراه دوماً، لما يحمل من فطرة مكرمة، وقد يعثر على باطل فيظنه حقاً ويحافظ عليه ،وقد يقع عليه الضلالة دون اختيار وهو ينقب عن الحقيقة ، فيظنه حقاً ويصدقه .
كل من لديه استعداد وقابلية على الاجتهاد وحائز على شروطه ، له أن يجتهد لنفسه في غير ما ورد فيه النص ، من دون أن يلزم الآخرين به ، إذ لا يستطيع أن يشرع ويدعو الأمة إلى مفهومه .
الدعوة إلى أي فكر كان مشروطة بقبول جمهور العلماء له ، وإلا فهو بدعة مردودة تنحصر بصاحبها ولا تتعداه .
لا يتنور الفكر من دون ضياء القلب .. فإن لم يمتزج ذلك النور وهذا الضياء فالفكر ظلام دامس يتفجر منه الظلم والجهل .
لا قيمة لبصر بلا بصيرة .
إن لم تكن سويداء القلب في فكرة بيضاء ناصعة ، فحصيلة الدماغ لا تكون علماً ولا بصيرة .. فلا عقل دون قلب .
إن تصوير الأمور الباطلة تصويراً جيداً جرح للأذهان الصافية وإضلال لها .
إن العالم المرشد الحقيقي يهب للناس علمه في سبيل الله دون انتظار عوض ويصبح كالشاة لا كالطير ، فالشاة تطعم بهمتها لبناً خالصاً والطير تلقم فراخها قيئها المليء باللعاب .
إن وجود الشيء يتوقف على وجود جميع أجزائه بينما عدمه يحصل بانعدام جزء منه؛ لذا يكون التخريب اسهل .. من هنا يميل الضعيف العاجز إلى التخريب وارتكاب أعمال سلبية تخريبية ، بل لا يدنو من الإيجابية ابداً .
حبة واحدة من الصدق تبيد بيدراً من الأكاذيب .
سيكون زمان يخفي الضد ضده ، وإذا باللفظ ضد المعنى في لغة السياسة ، وإذا بالظلم يلبس قلنسوة العدالة ، وإذا بالخيانة ترتدي رداء الحمية بثمن زهيد . ويطلق اسم البغي على الجهاد في سبيل الله.(1/5)
إن السياسة الحاضرة الدائرة رحاها على المنافع وحش رهيب . فالتودد إلى وحش جائع لا يدر عطفه بل يثير شهيته ، ثم يعود ويطلب منك أجرة أنيابه وأظفاره .
لقد اظهر هذا الزمان أن الجنة غالية ليست رخيصة وان جهنم ليست زائدة عن الحاجة
لو حصل شرف ومحاسن في شيء ما فانه يسند إلى الخواص والرؤساء . أما إن حصلت منه السيئات والشرور فانه توزع على الأفراد والعوام.
إن لم يكن لفكر الجماعة غاية وهدف مثالي أو نسيت تلك الغاية أو تنوسيت تحولت الأذهان إلى أنانيات الأفراد وحامت حولها .
إن كانت البشرية تريد صلاحاً وحياة كريمة فعليها أن تفرض الزكاة وترفع الربا .
إن الذي يسلك طريقاً غير مشروع لبلوغ مقصده غالباً ما يجازى بخلاف مقصوده . .. فمحبة أوروبا غير المشروعة وتقليدها والألفة بها كان جزاؤها العداء الغادر من المحبوب ! وارتكاب الجرائم .
إن رمت الحياة ، فلا تتشبث بالعجز فيما يمكن حله . وان رمت الراحة فلا تستمسك بالجزع فيما لا علاج له .
ستكون هناك أحوال ، بحيث إن حركة بسيطة عندها تسمو بالإنسان إلى أعلى عليين. وكذا تحدث حالات ، بحيث إن فعلاً بسيطاً يردي بصاحبه إلى اسفل السافلين .
إن حقيقة واحدة تهدم صرحاً من خيال .
الصدق أساس عظيم وجوهر ساطع ، وربما يتخلى عن مكانه للسكوت، إن كان فيه ضرر ، ولكن لا موضع للكذب قطعاً ،مهما يكن فيه من فائدة ونفع .
ليكن كلامك كله صدقاً ولتكن أحكامك كلها حقاً ، ولكن عليك أن تدرك هذا : انه لا يحق لك أن تبوح بالصدق كله .
إن الأمل المندرج في حسن الظن ينفخ الحياة في الحياة ، بينما اليأس المخبوء في سوء الظن ينخر سعادة الإنسان ويقتل الحياة .
إذا وقع مجاز من يد العلم إلى يد الجهل ينقلب حقيقة ويفتح أبوابا إلى الخرافات .
إذا وصفت شيئاً فصفه على ما هو عليه . اعتقد أن المبالغة في المدح ذم ضمني .
لا إحسان اكثر من الإحسان الإلهي .
الشهرة مستبدة متحكمة ، إذ تملّك صاحبها ما لا يملك .(1/6)
إن الدين أساس الحياة .. ان الدين حياة للحياة ونورها وأساسها .
إحياء الدين إحياء لهذه الأمة .
إن رقي أمتنا هو بنسبة تمسكها بالدين . وتدنيها هو بمقدار إهمالها له، بخلاف الدين الآخر . هذه حقيقة تاريخية ، قد تنوسيت .
الموت ، تبديل مكان وتحويل موضع وخروج من سجن إلى بستان . فليطلب الشهادة من يريد الحياة .
الرؤيا ظل عالم المثال ، وعالم المثال ظل عالم البرزخ ، ومن هنا تتشابه دساتير هذه العوالم .
إن سياسة المدنية الحاضرة تضحي بالأكثرية في سبيل الأقلية، بل تضحي قلة قليلة من الظلمة بجمهور كبير من العوام في سبيل مقاصدها.. لو قتل مغرور بريئاً دون ورع ، تحقيقاً لحرصه وإشباعاً لنزواته وهوى رغباته فانه مستعد لتدمير العالم والجنس البشري إن استطاع .
إن مصلحة محققة لا يُضحى بها في سبيل مضرة موهومة .
قد يكون دواء مرض داء لداء آخر وينقلب بلسمه الشافي سماً زعافاً ، إذ لو جاوز الدواء حده انقلب إلى ضده .
إن كان الاتفاق في الحق اختلافاً في الأحق ، يكون الحق أحق من الأحق ، والحسن أحسن من الأحسن .
أيها العالم الإسلامي ! إن حياتك في الاتحاد .. إن كنت طالباً للاتحاد فاتخذ هذا دستورك : لا بد أن يكون " هو حق " بدلاً من " هو الحق " . و" هو حسن " بدلاً من "هو الحسن " .
يحق لكل مسلم أن يقول في مسلكه ومذهبه : إن هذا " حق " ولا أتعرض لما عداه . فإن يك جميلاً فمذهبي اجمل . بينما لا يحق له القول في مذهبه : إن هذا هو " الحق " وما عداه باطل . وما عندي هو " الحسن " فحسب وغيره قبيح وخطأ .
إن ضيق الذهن وانحصاره على شيء ، ينشأ من حب النفس ثم يكون داء . ومنه ينجم النزاع .
إن صاحب كل مذهب يحكم حكماً مطلقاً ومهملاً دون أن يعين حدود مذهبه ، إذ يدعه لاختلاف الأمزجة ، ولكن التعصب المذهبي هو الذي يولد التعميم . ولدى الالتزام بالتعميم ينشأ النزاع .(1/7)
لا تظلم بالتعين والتشخص ، فلو بقيت تحت ستار الخفاء ، منحت اخوانك بركة واحساناً . إذ من الممكن ظهورك في كل أخ لك ،وان يكون هو أنت بالذات . وبهذا تجلب الأنظار والاحترام إلى كل أخ .
لا رحمة تفوق رحمة الله . ولا غضب تفوق غضبه . فدع الأمور للعادل الرحيم . إذ فرط الشفقة أليم وفرط الغضب ذميم .
فيا لضياع الحقائق في الأيادي الوضيعة .
قوة الذاكرة نعمة ، ولكن يرجّح عليها النسيان في شخص سفيه وفي زمن البلاء . والنسيان كذلك نعمة ، لأنه لا يذيق إلاّ آلام يوم واحد وينسى الآلام المتراكمة .
إن نعمة ما مندرجة ضمن كل مصيبة، لاحظها بدقة لتشاهدها. كما توجد درجة حرارة في كل شيء.
إن مقياس العظمة في الكاملين هو التواضع . أما الناقصون القاصرون فميزان الصغر فيهم هو التكبر .
إن عزة النفس التي يشعر بها الضعيف تجاه القوي، لو كانت في القوي لكانت تكبراً وغروراً . وكذا التواضع الذي يشعر به القوي تجاه الضعيف لو كان في الضعيف لكان تذللاً ورياءً .
إن صفح المرء عن المسيئين وتضحيته بما يملك ، عمل صالح بينما هو خيانة وعمل طالح إن كان متكلماً عن الجماعة .
إن التوكل في ترتيب المقدمات كسل ، بينما تفويض الأمر إلى الله في ترتّب النتيجة توكل يأمر به الشرع .
إن رضى المرء عن ثمرة سعيه وقسمته قناعة ممدوحة تقوي فيه الرغبة في مواصلة السعي . بينما الاكتفاء بالموجود قناعة لا ترغب ، بل تقاصر في الهمة .
لا يلزم أن تكون كل وسيلة من وسائل كل حق حقاً ، كما لا يلزم ايضاً أن تكون كل وسيلة من وسائل كل باطل باطلاً .
لا يلزم ايضاً أن تكون صفات الكافر جميعها كافرة ولا نابعة من كفره .. وكذا الأمر في صفات الفاسق ، لا يشترط أن تكون جميعها فاسقة ، ولا ناشئة من فسقه .. إذن صفة مسلمة يتصف بها كافر تتغلب على صفة غير مشروعة لدى المسلم .(1/8)
إذا ما اصبح حق وسيلة لباطل فسينتصر على باطل اصبح وسيلة لحق ، وتظهر النتيجة : حق مغلوب أمام باطل ! ولكن ليس مغلوباً بذاته ،وإنما بوسيلته .
إن ظلّ حقٌ كامناً في طور القوة - أي لم يخرج إلى طور الفعل المشاهد - أو كان مشوباً بشيء آخر ، أو مغشوشاً ، وتطلب الأمر كشف الحق وتزويده بقوة جديدة وجعله خالصاً زكياً ، يسلط عليه مؤقتاً باطل حتى يخلص الحق من كل درن فيكون طيباً ..
إن العدالة التي لا مساواة فيها ليست عدالة اصلاً .
منبع التكبر إظهار صغر النفس .
منبع الغرور ضعف القلب .
الحاجة أم الاختراع .
الضيق معلم السفاهة .
إن الهياكل والتماثيل الممنوعة شرعاً والصور المحرمة ، إما أنها ظلم متحجر ، أو رياء متجسد ، أو هوى متجمد ، أو طلسم يجلب تلك الأرواح الخبيثة .
الحياة أساس الوجود واصله . والمادة تابعة لها وقائمة بها .
إن اشد الناس شقاءً واضطراباً وضيقاً هو العاطل عن العمل ،لان العطل هو " عدم " ضمن الوجود ،أي موت ضمن حياة .. أما السعي فهو حياة الوجود ويقظة الحياة .
لا تبلغ يد الأدب الغربي ذي الأهواء والنزوات والدهاء .. شأن أدب القرآن الخالد ذي النور والهدى والشفاء .. إذ الحالة التي ترضى الأذواق الرفيعة للكاملين من الناس وتطمئنهم ، لا تسر أصحاب الأهواء الصبيانية وذوي الطبائع السفيهة ،ولا تسليهم .
إن في الوجدان سعادة عاجلة مندرجة فيه ، إنها فردوس معنوي مندمج في سويداء القلب . والتفكر يقطرها ويذيقها الإنسان . أما الشعور فهو الذي يظهرها .
من " المكتوبات"
الموت ، هو تبديل مكان وإطلاق روح وتسريح من الوظيفة ، وليس إعداماً ولا عدماً ولا فناءً .
الموت إنقاذ للإنسان من أعباء وظائف الحياة الدنيا ومن تكاليف المعيشة المثقلة .
إن الجنة وجهنم ثمرتان من غصن شجرة الخلق ، قد تدلتا إلى الأبد ، وموضع الثمرة في منتهى الغصن .
إن التوكل والقناعة والاقتصاد، خزينة عظيمة وكنز ثمين لا يعوضان بشيء .(1/9)
إن اخذ الصدقة والهدية مقابل الأعمال المتوجهة للآخرة يعني قطف ثمرات خالدة للآخرة ، بصورة فانية في الدنيا .
إن في طريق الضلال مشكلات لا نهاية لها ، وفي طريق الوحدانية والهداية سهولة لا نهاية لها .
لا يمكن دخول الجنة من دون إيمان ، بينما يدخلها الكثيرون جداً دون تصوف . فالإنسان لا يمكن أن يعيش دون خبز ، بينما يمكنه العيش دون فاكهة . فالتصوف فاكهة والحقائق الإسلامية خبز .
إذا وجدتَ من ابتلاك ،عاد البلاء عطاء في عطاء ، وصفاء في صفاء ، ووفاء في بلاء .
إن الظلمات لتتبدد وباب النور لينفتح بالعجز والتوكل والفقر والالتجاء.
إن الذي وجده فقد وجد كل شيء . ومن فقده لا يجد شيئاً سوى البلاء.
إن الشفقة خالصة لا تطلب شيئاً من المشفق عليه فهي صافية لا تطلب عوضاً .
العشق يطلب الأجرة والعوض. وما نواح العاشقين إلاّ نوع من الطلب وسؤال الأجرة.
إن إظهار الكرامة فيه ضرر إن لم يكن هناك ضرورة .
أرى أن اسعد إنسان في هذه الحياة الدنيا هو ذلك الذي يتلقى الدنيا مضيف جندية ويذعن أنها هكذا ، ويعمل وفق ذلك .
أخال أن سبباً من أسباب عدم تأثير نصيحة الناصحين في هذا الزمان هو : انهم يقولون لسيئي الخلق : لا تحسدوا . لا تحرصوا. لا تعادوا . لا تحبوا الدنيا . بمعنى انهم يقولون لهم غيّروا فطرتكم وهو تكليف لا يطيقونه في الظاهر . ولكن لو يقولون لهم : اصرفوا وجوه هذه الصفات إلى أمور الخير ، غيروا مجراها ، فعندئذ تجدي النصيحة وتؤثر في النفوس أو تكون ضمن نطاق إرادة الإنسان واختياره .
كما أن الإسلام بلا إيمان لا يكون سبب النجاة ، كذلك الإيمان بلا إسلام لا يكون سبب النجاة .
كما إن لكل شيء حقيقة، فحقيقة ما نسميه بالزمان الذي يجري جريان النهر العظيم في الكون هي في حكم صحيفة ومداد لكتابات القدرة الإلهية في لوح المحو والإثبات.(1/10)
إن تصور الكفر ليس كفراً ، وتخيل الشتم ليس شتماً ، ولاسيما إن كان بلا اختيار، وكان تخطراً فرضياً ، فلا ضرر فيه على الإطلاق .
البحث في المسائل الإيمانية والخوض فيها على صورة مناقشات غير جائز .
إن شراً قليلاً يُقبل به للحصول على خير كثير ، إذ لو تُرك شرٌ ينتج خيراً كثيراً للحيلولة دون حصول ذلك الشر القليل ، لحصل عندئذ شر كثير .
إن السكون والهدوء والرتابة والعطالة نوع من العدم والضرر، وبعكسه الحركة والتبدل وجود وخير .
لا يجوز بحث المسائل الإيمانية الدقيقة بشكل مناقشات جدلية دون ميزان ، ولا أمام جماعة من الناس، إذ تتحول الأدوية عندئذ إلى سموم ، لأنها دون ميزان ، فتضر المتكلمين والمستمعين معاً . وإنما يجوز ذلك عند فراغ البال وسكون القلب وتوفر الإنصاف عند الباحثين ، وتداولاً فكرياً ليس إلاّ .
إن ادعاء الحق إزاء من يظنون الباطل حقاً ، نوع من الباطل .
الدرس القرآني الذي يلقى من موضع طاهر زكي مبرأ من موحيات أفكار التيارات السياسية والانحيازات المغرضة جميعها ويرشد إليه من مقام ارفع وأسمى منها جميعاً،لا ينبغي أن تحجم عنه جهة ، ولا يكون موضع شبهة فئة ، مهما كانت .
مهما كان الإنسان فاعلاً ذا اختيار إلا أن المشيئة الإلهية هي الأصل ، والقدر الإلهي حاكم مهيمن. إذا ما تكلم القدر تسكت القدرة البشرية ، ويصمت الاختيار الجزئي.
إن الإيمان وسيلة الفوز بالحياة الأبدية ومفتاح السعادة الخالدة فينبغي إذاً السعي لأجله .
قوة العضد لا ترد تقدير الله . شمعة أوقدها المولى لا تطفئها الأفواه.
إن الشفقة التي هي ألطف تجليات الرحمة الإلهية وأجملها وأطيبها وأحلاها .. لهي إكسير نوراني، وهي أنفذ من العشق بكثير، وهي وسيلة للوصول إلى الحق تبارك وتعالى.(1/11)
وحدة الوجود.. مشرب ونزعة وحال ، وهي مرتبة ناقصة ، ولكن لكونها مشرّبة بلذة وجدانية ونشوة روحية فإن معظم الذين يحملونها أو يدخلون إليها لا يرغبون في مغادرتها فيبقون فيها ، ظانين أنها هي المرتبة الأخيرة التي لا تسمو فوقها مرتبة ولا يطالها أفق.
إن الاشتياق إليه (صلى الله عليه وسلم) ومحبته إنما هو باتباع سننه السنية وشريعته الغراء .
إن المعجزة تأتي لإثبات دعوى النبوة عن طريق إقناع المنكرين ، وليس إرغامهم على الإيمان.
إن أسمى غاية للخلق ، وأعظم نتيجة للفطرة الإنسانية.. هو"الإيمان بالله".
اعلم أيها الإنسان ! انك تستطيع أن تجعل لذة النعمة أطيب وأعظم منها بمائة ضعف ، وذلك برؤيتك إلتفاتة الرحمة إليك ، وتكرمها عليك، وذلك بالشكر والحمد .
إن العداء ظلم شنيع يفسد حياة البشر : الشخصية والاجتماعية والمعنوية ، بل هو سم زعاف لحياة البشرية قاطبة .
إن الإيمان بعقيدة واحدة ، يستدعي حتماً توحيد قلوب المؤمنين بها على قلب واحد ، ووحدة العقيدة هذه تقتضي وحدة المجتمع .
إذا تغلبت أسباب العدواة والبغضاء وتمكنت في القلب فان المحبة تنقلب عندئذ إلى محبة شكلية تلبس لبوس التصنع والتملق .
إن إضمار العداء للمؤمن والحقد عليه ظلم عظيم ،لأنه إدانة لجميع الصفات البريئة التي يتصف بها المؤمن بجريرة صفة جانية فيه .
عندما تعلم انك على حق في سلوكك وأفكارك يجوز لك أن تقول: "إن مسلكي حق أو هو افضل "ولكن لا يجوز لك أن تقول: "إن الحق هو مسلكي أنا فحسب " لان نظرك الساخط وفكرك الكليل لن يكونا محكاً ولا حكما ً يقضي على بطلان المسالك الأخرى.
عليك أن تقول الحق في كل ما تقول، ولكن ليس لك ان تذيع كل الحقائق. وعليك ان تصدق في كل ما تتكلمه، ولكن ليس صواباً أن تقول كل صدق.(1/12)
إن كنت تريد أن تعادي أحداً فعاد ما في قلبك من العداوة ،واجتهد في إطفاء نارها واستئصال شأفتها . وحاول أن تعادي من هو أعدى عدوك واشد ضرراً عليك تلك هي نفسك التي بين جنبيك . فقاوم هواها ،واسع إلى إصلاحها ولا تعاد المؤمنين لأجلها . وان كنت تريد العداء أيضاً فعاد الكفار والزنادقة ، فهم كثيرون .
إن صفة المحبة محبوبة بذاتها جديرة بالمحبة ، كما أن خصلة العداوة تستحق العداء قبل أي شئ آخر .
إن أردت أن تغلب خصمك فادفع سيئته بالحسنة ، فبه تخمد نار الخصومة .
إن مخاطبة الفاسد بقولك له : " أنت صالح ،انك فاضل " ربما يدفعه إلى الصلاح وكذا مخاطبة الصالح : " انك طالح ،انك فاسد " ربما يسوقه إلى الفساد .
إن كنت حقاً تحب نفسك فلا تفسح له للعداوة مجالاً ليدخل قلبك . وان كان قد دخل فعلاً واستقر فلا تصغ إليه .
الاختلاف الإيجابي البناء المثبت ؛ معناه : أن يسعى كل واحد لترويج مسلكه وإظهار صحة وجهته وصواب نظرته ، دون أن يحاول هدم مسالك الآخرين أو الطعن في وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم ، بل يكون سعيه لإكمال النقص ورأب الصدع والإصلاح ما استطاع إليه سبيلا .. والاختلاف السلبي ؛ هو محاولة كل واحد تخريب مسلك الآخرين وهدمه ، ومبعثه الحقد والضغينة والعداوة .
إن لم تكن تصرفات المؤمن وحركاته وفق الدساتير السامية التي وضعها الحديث الشريف : )الحب في الله والبغض في الله ( والاحتكام إلى أمر الله في الأمور كلها، فالنفاق والشقاق يسودان...
يا معشر أهل الإيمان ! ..إن قوتكم تذهب أدراج الرياح من جراء أغراضكم الشخصية وأنانيتكم وتحزبكم، فقوة قليلة جداً تتمكن من أن تذيقكم الذل والهلاك فإن كنتم حقاً مرتبطين بملة الإسلام فاستهدوا بالدستور النبوي العظيم ) المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً( وعندها فقط تسلمون من ذل الدنيا وتنجون من شقاء الآخرة.(1/13)
أيها المؤمنون ! ..إن كنتم تريدون حقاً الحياة العزيزة وترفضون الرضوخ لأغلال الذل والهوان ، فأفيقوا من رقدتكم ، وعودوا إلى رشدكم ،وادخلوا القلعة الحصينة المقدسة : )إنما المؤمنون اخوة) وحصنوا أنفسكم بها من أيدي أولئك الظلمة الذين يستغلون خلافاتكم الداخلية .
الحرص سبب الحرمان ، أما التوكل والقناعة فهما وسيلتا الرحمة والإحسان.
إن كنت تحب المال حباً جماً فاطلبه بالقناعة دون الحرص حتى يأتيك وافراً.
إن الغيبة سلاح دنيء يستعمله المتخاصمون والحسّاد والمعاندون ؛ لان صاحب النفس العزيزة تأبى عليه نفسه أن يستعمل سلاحا حقيراً كهذا.
إن أمثالنا من أخوان الحقيقية والآخرة لا يمنع اختلاف الزمان والمكان محاورتهم ومؤانستهم، فحتى لو كان أحدهم في الشرق وآخر في الغرب وآخر في الماضي وآخر في المستقبل وآخر في الدنيا وآخر في الآخرة يمكن أن يعدوا معاً، ويمكنهم أن يتحاور بعضهم مع البعض الآخر ، ولا سيما إن كانوا مجتمعين على غاية واحدة ويعملون في مهمة واحدة وواجب واحد ، بل حتى يكون أحدهم هو في حكم عين الآخر.
إذا أحب الله عبداً جعل الدنيا تعرض عنه وتجافيه، ويريه الدنيا قبيحة بغيضة.
إن كان هو ( سبحانه ) وليّك فكل شيء لك صديق
إن القانع يقتصد ، والمقتصد يجد البركة
المعجب بنفسه لا محالة يرى المصاعب ويبتلي بالمصائب بينما الذي لا يعجب بها يجد السرور والراحة والرحمة .
من يذكر الموت ينجو من حب الدنيا ويسعى لآخرته سعيا حثيثاً.
كل ما يخص القرآن والإيمان ثمين جداً مهما بدا في الظاهر صغيراً ، إذ هو من حيث القيمة والأهمية ثمين وعظيم .
ليس صغيراً ما يعين على السعادة الأبدية .
إن كنت راشداً، عوّد نفسك على القناعة وحاول بلوغ الرضى، وإن لم تطق ذلك فقل :يا صبور ! وتجمل بالصبر ، وارض بحقك ولا تشك.
إن هذه الموجودات السيالة ، وهذه المخلوقات السيارة ، ما هي إلاّ مرايا متحركة ، ومظاهر متبدلة لتجديد أنوار إيجاد الواجب الوجود.(1/14)
إن الفضل الإلهي لا يشترط القابلية في ذات الشخص .. فالنفس أدنى من الكل ، والوظيفة أسمى من الكل .
إن ظهور اكثر الأنبياء في آسيا ، وظهور أغلب الحكماء والفلاسفة في أوربا ، رمز للقدر الإلهي وإشارة منه إلى أن الذي يوقظ أقوام آسيا ويدفعهم إلى الرقي ويحقق إدامة إدارتهم هو الدين والقلب .أما الفلسفة والحكمة فينبغي أن تعاونا الدين والقلب لا أن تحلا محلها .
النوم : نافذة تطل على عالم الغيب من عالم الشهادة..
لا يجوز لأحد مناقشة مشكلات الحديث "النبوي" بين العوام من الناس .. ولا الدفاع عن رأيه إظهاراً للتفوق على الآخرين ...
لا حاجة إلى الاستضاءة بنور الشموع ما دامت هنالك شمس ساطعة. فما دمتُ أبين الشمس نفسها، فلا حاجة ولا معنى لطلب ضوء شمعة من شخصي ، ولا سيما إن لم يكن عندي ولا املكه.
إن إظهار نفسك ضعيفاً تجاه حيوان مفترس يشجعه على الهجوم عليك ،كذلك إظهار الضعف بالتزلف إلى من يحمل طباع الحيوان المفترس يسوقه على الاعتداء .
إن الرضا بالكفر كفر،كما أن الرضا بالظلم ظلم .
إن الشكر نتيجة الخلق والغاية منه .
إن أهم نتيجة لخلق الكائنات هي الشكر .
إن مقياس الشكر هو القناعة والاقتصاد والرضا والامتنان، وأما مقياس عدم الشكر والاستغناء عنه فهو الحرص والإسراف وعدم التقدير والاحترام ، وتناول كل ما هبّ ودبّ دون تمييز بين الحلال والحرام.
إن للشكر أنواعاً مختلفة ، إلا أن أجمع تلك الأنواع واشملها والتي هي فهرسها العام هو : الصلاة !
إن الرزق صورة وضّاءة تستحق الحب والعشق ، تلك التي تظهر بالشكر وإلاّ فان عشق الغافلين والضالين للرزق وتلهفهم له ما هو إلاّ بهيمية حيوانية .
عليك أن تعمل بأربعة أشياء : العجز المطلق، الفقر المطلق، الشوق المطلق، الشكر المطلق .(1/15)
فكما أن للولاية كرامة ، فان للنية الخالصة كرامة أيضا، وللإخلاص كرامة أيضا ، ولاسيما الترابط الوثيق والتساند المتين بين الإخوان ضمن دائرة اخوة خالصة لله ، تكون له كرامات كثيرة ، حتى أن الشخص المعنوي لمثل هذه الجماعة يمكن أن يكون في حكم ولي كامل يحظى بالعنايات الإلهية.
إن كل شئ جميل ؛ ولكن إما أنه جميل حقيقة أي بالذات، أو جميل باعتبار نتائجه
إن جهنم ليست زائدة عن الحاجة، فإن كثيراً من الأمور تدعو بكل قوة : لتعش جهنم. وكذا الجنة ليست رخيصة بل تطلب ثمناً غالياً.
إن رضى الله سبحانه والإكرام الرحماني ، والقبول الرباني، لمقام عظيم جداً، بحيث يبقى دونه إقبال الناس وإعجابهم بحكم ذرة بالنسبة إلى ذلك المقام الرفيع.
إن بذرة واحدة تحت التراب تنشئ بموتها حياة سنبلة وتتقلد مائة من الحبات الوظيفة بدلاً عن الحبة الواحدة .
على الرغم من أن آثار السلف الصالحين المحققين خزينة عظيمة تكفي وتفي بعلاج كل داء. فقد يكون لمفتاح خزينة أهمية أكثر من الخزينة نفسها ، لأنها مقفولة . وباستطاعة المفتاح فتح خزائن كثيرة.
الإخلاص هو الطريق الوحيد للخلاص من الشرك الخفي.
إن أفضل نعمة إلهية يمكن أن ينالها شخص مقبول عند الله هي التي توهب له من دون أن يشعر بها.
عصر مريض ، وعنصر سقيم، وعضو عليل ، وصفتها الطبية هي: اتباع القرآن.
إن الذي خلق عين البعوضة هو الذي خلق الشمس أيضاً.
والذي نظم معدة البرغوث هو الذي نظم المنظومة الشمسية أيضاً.
إن عالم الشهادة ستار مزركش ملقى على عوالم الغيب.
إن نور الفكر ظلام يفجر ظلماً ما لم يتوهج بضياء القلب ويمتزج به. فكما إذا لم يمتزج نهار العين الأبيض غير المنور بليلها الأسود فلا تكون بصراً ، كذلك لا بصيرة لفكرة بيضاء لا توجد فيها سويداء القلب.
إن كان في شيء ما محاسن وشرف فسرعان ما يهدى إلى الخواص وينسب إليهم . أما إن كان فيه سيئات فيلصقونها بالعوام وينسبونها إليهم.(1/16)
من أحسن رؤيته حسُنت روّيته وجمُل فكره ومن جمل فكره تمتع بالحياة والتذ بها.
إن الأمل يبعث الحياة في الناس ، واليأس يقتلهم .
إن قطعة ألماس نادرة مهما كانت صدئة، أفضل من قطعة زجاج لامعة دوماً.
إن الذين يبحثون عن كل شيء في المادة،عقولهم في عيونهم ، والعين لا تبصر المعنويات.
إن المصائب العامة إنما تنزل لأخطاء الأكثرية، فالمصيبة نتيجة جناية ومقدمة مكافأة.
إن الخوف والضعف يشجعان التأثيرات الخارجية .
قد يكون دواء مرض سماً لداء آخر . وإذا جاوز الدواء حدّه أنقلب إلى ضده .
إن عاقبة المعصية في الدنيا ، دليل على العقاب الأخروي .
أكثر المسلمين جائعين .. فلا اختيار في التلذذ.
إن النسيان كذلك نعمة. لأنه يذيق الآلام اليومية وحدها، بينما ينسي المتراكمة منها .
إن الهياكل الممنوعة شرعاً،إما أنها ظلم متحجر،أو هوى متجسم،أو رياء متجسد.
يا للحقائق البائسة، إنها تفقد قيمتها في الأيدي الاعتيادية الوضيعة.
من " اللمعات"
إن دار الدنيا هذه ما هي إلا ميدان اختبار وابتلاء ، وهي دار عمل ومحل عبادة، وليست محل تمتع وتلذذ ولا مكان تسلم الأجرة ونيل الثواب .
إن الشكر مثلما يزيد النعمة ، فالشكوى تزيد المصيبة وتسلب الترحم والإشفاق على صاحبها .
كما إن استعمال اليد المكسورة للثأر يزيدها كسراً. فإن مقابلة المبتلي مصيبته بالشكوى والتضجر والاعتراض والقلق تضاعف البلاء .
كلما استعظمت المصائب المادية عظمت وكلما استصغرتها صغرت .
إن الإنسان مثلما يخفف حدّة خصمه باستقباله بالبشر والابتسامة ، فتتضاءل سَورة العداوة وتنطفئ نار الخصومة ، بل قد تنقلب صداقة ومصالحةً، كذلك الأمر في استقبال البلاء بالتوكل على القدير يذهب أثره .
كفى بك يا الهي باقياُ . فبقاؤك ، بديل عن كل شئ .. وحيث إنك موجود فكل شئ موجود إذاً .(1/17)
إن جميع الآهات والحسرات الناشئة من أنواع الفراق . إنما هي تعابير حزينة تنطلق من عشق البقاء . ولولا توهم البقاء لما أحب الإنسان شيئاً .
اعملوا لله ، التقوا لوجه الله ، اسعوا لأجل الله ، ولتكن حركاتكم كلها ضمن مرضاة الله " لله ، لوجه الله ، لأجل الله " وعندها ترون أن دقائق عمركم القصير قد أصبحت بحكم سنين عدة .
انه لا خير في الإفراط والتفريط في كل شئ . وان الاستقامة هي الحد الوسط الذي اختاره أهل السنة والجماعة .
إن العلة في الأوامر والنواهي الشرعية هي الأمر الإلهي ونهيه، أما المصالح والحكم فهي مرجّحات يمكن أن تكون أسباباً لمتعلقات الأمر الإلهي من زاوية اسم الله " الحكيم"
لا تتغير الأحكام الشرعية بحسب الحكم ، بل بحسب العلل الحقيقية .
إن العاملين في خدمة القرآن إما أن يعرضوا عن الدنيا أو الدنيا تعرض عنهم ،كي ينهضوا بالعمل بجد ونشاط وإخلاص .
إن مسائل السنة النبوية الشريفة بل حتى ابسط آدابها ، كل منها في حكم مؤشر البوصلة التي يبين اتجاه الحركة في السنن. وكل منها في حكم مفتاح مصباح يضيء ما لا يحصر من الطرق المظلمة المضرة.
إن محبة الله تستلزم اتباع السنة المطهرة وتنتجه. فطوبى لمن كان حظه وافراً من ذلك الإتباع. وويل لمن لم يقدر السنة الشريفة حق قدرها فيخوض في البدع .
إن السنة السنية هي الحجر الأساس لسعادة الدارين ومنبع الكمال والخير.
إن الدليل القاطع على وجود شياطين الجن هو وجود شياطين الإنس .
إن وجود القوة الحافظة في الإنسان دليل قطعي على وجود اللوح المحفوظ في العالم .
أوصي إخواني : ألا يناقشوا فيما يمكن أن ينجم عنه الانشقاق والافتراق ، وإنما عليهم أن يتعلموا تباحث الأمور من دون نزاع، وعلى نمط التداول في الأفكار.
يا أخوتي ! لا تتدخلوا في أعمال وشؤون لا تعود إليكم ولا تبنوا عليها أعمالكم ولا تتخذوا طور الاختبار تجاه خالقكم.(1/18)
إن محور النجاة ومدارها الإخلاص ، فالفوز به إذن أمر في غاية الأهمية، لأن ذرة من عمل خالص أفضل عند الله من أطنان من الأعمال المشوبة .
يجب ألاّ ينظرإلى الأستاذ أو المرشد على انه المنبع أو المصدر بل ينبغي اعتباره والنظر إليه على أنه معكس ومظهر فحسب .
يمكن أن يكون مريد مخلص لشيخ غير كامل اكمل من شيخه ، فينبري إلى إرشاد شيخه ، ويصبح شيخاً لشيخه .
إن من لا يقتصد ، مدعو للسقوط في مهاوي الذلّة ، ومعرض للانزلاق إلى الاستجداء والهوان معنىً .
إن المال الذي يستعمل في الإسراف في زماننا هذا لهو مال غال وباهظ جداً ، حيث تدفع أحياناً الكرامة والشرف ثمناً ورشوة له ، بل قد تسلب المقدسات الدينية ثم يعطى نقوداً منحوسة مشؤومة .
كما لا إسراف في الخير والإحسان لمن يستحقه كذلك لا خير في الإسراف قط .
إن الحرص يتلف الإخلاص ويفسد العمل الأخروي ؛ لأنه لو وجد حرص في مؤمن تقي لرغب في توجه الناس وإقبالهم إليه ؛ ومن يرقب توجه الناس وينتظره لا يبلغ الإخلاص التام قطعاً ولا يمكنه الحصول عليه .
إن إقبال الناس وتوجههم لا يُطلب ، بل يوهب ، ولو حصل الإقبال فلا يسرّ به ، وإذا ما ارتاح المرء لتوجه الناس إليه فقد ضيع الإخلاص ووقع في الرياء.
إن توجه الناس وإقبالهم لا يراد ، لان ما فيه من لذة جزئية تضر بالإخلاص الذي هو روح الأعمال الصالحة ، ثم انه لا يستمر إلا إلى حد باب القبر . فضلاً عن انه يكتسب ما وراء القبر صورة أليمة من عذاب القبر.
لا بد من جعل شيمة الإيثار التي تحلى بها الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم ونالوا بها ثناء القرآن الكريم نصب العين ، واتخاذها دليلاً ومرشداً.
العمل الإيجابي البناء :هو عمل المرء بمقتضى محبته لمسلكه فحسب ، من دون أن يرد إلى تفكيره، أو يتدخل في عمله عداء الآخرين أو التهوين من شأنهم، أي لا ينشغل بهم أصلاً.
إن الاتفاق مع أهل الحق هو أحد وسائل التوفيق الإلهي وأحد منابع العزة الإسلامية.(1/19)
رضى الله لا ينال إلا بالإخلاص ، فرضاه سبحانه ليس بكثرة التابعين ولا باطراد النجاح والتوفيق في الأعمال .
إن درهماً من عمل خالص لوجه الله أولى وارجح من أرطال من أعمال مشوبة لا إخلاص فيها.
إيثار البقاء في مستوى التابع دون التطلع إلى تسلم المسؤولية التي قلما تسلم من الأخطار .
إن خدمة الحق ليس شيئاً هيناً ، بل هو أشبه ما يكون بحمل كنز عظيم ثقيل والقيام بالمحافظة عليه، فالذين يحملون ذلك الكنز على أكتافهم يستبشرون بأيدي الأقوياء الممتدة إليهم بالعون والمساعدة ويفرحون بها أكثر.
إن طالب الحق المنصف يسخط نفسه لأجل الحق ، وإذا ما رأى الحق لدى خصمه رضى به وارتاح إليه.
ابتغاء مرضاة الله في عملكم. فإذا رضي هو سبحانه فلا قيمة لإعراض العالم أجمع ولا أهمية له .
ينبغي جعل رضى الله وحده دون سواه القصد الأساس في هذه الخدمة..
عدم انتقاد إخوانكم العاملين في هذه الخدمة القرآنية و عدم إثارة نوازع الغبطة بالتفاخر والاستعلاء.
إن القوة في الحق والإخلاص ، حتى إن أهل الباطل يحرزون القوة لما يبدون من ثبات وإخلاص في باطلهم .
الافتخار شاكرين بمزايا إخوانكم ، وتصورها في أنفسكم، وعد فضائلهم في ذواتكم.
إن السعيد هو من يرمي شخصيته، ويذيب أنانيته التي هي كقطعة ثلج في الحوض العظيم اللذيذ المترشح من كوثر القرآن الكريم كي يغنم ذلك الحوض .
إن من يشق طريقاً في الحياة الاجتماعية ويؤسس حركة، لا يستثمر مساعيه ولن يكون النجاح حليفه في أمور الخير والرقي ما لم تكن الحركة منسجمة مع القوانين الفطرية التي تحكم الكون، بل تكون جميع أعماله في سبيل التخريب والشر.
إن الفضيلة المتسمة بالإيمان ، كما لا تكون وسيلة للإكراه، لا تكون سبباً للاستبداد قطعاً، إذ الإكراه والقسر والتسلط على الآخرين رذيلة ليس إلاّ.
إن أهم مشرب لدى أهل الفضيلة هو الاندماج في المجتمع بالعجز والفقر والتواضع.(1/20)
كما انه محال وممتنع وجود نظير أو شريك لله سبحانه وتعالى في ألوهيته، كذلك ممتنع ومحال مثله أن تكون مداخلة من غيره في ربوبيته، أو مشاركة له من أحد في إيجاده الأشياء وخلقها.
إن تسليم أمر كل موجود وتنسيبه إلى واجب الوجود سبحانه فيه السهولة التامة بدرجة الوجوب. أما إسناد إيجاده إلى الطبيعة فهو معضل إلى حد الامتناع وخارج من دائرة العقل.
الإنسان الحزين اليائس الباكي يرى الموجودات باكية بائسة، بينما السعيد الجذلان يراها مبتسمة ضاحكة ومسرورة.
إن سعادة العائلة في الحياة واستمرارها إنما هي بالثقة المتبادلة بين الزوجين، والاحترام اللائق والود الصادق بينهما.
النعمة إن حمدت عليها زادت وأن قوبلت بالنكران تغيرت.
النساء، هن رائدات الشفقة وبطلات الحنان.
إن أول أستاذ الإنسان وأكثر من يؤثر فيه تعليماً، إنما هو والدته.
إن ألزم شيء وأهم أساس في التربية الإسلامية وأعمال الآخرة ، إنما هو الإخلاص .
إن العلاج الناجع لإنقاذ سعادة النساء من الإفساد في دنياهن وأخراهن معا ، وان الوسيلة الوحيدة لصون سجاياهن الراقية اللاتي في فطرتهن من الفساد ، ليس إلا في تربيتهن تربية دينية ضمن نطاق الإسلام الشامل .
إن الزوج الرشيد لا يبني محبته لزوجته على جمال ظاهري زائل لا يدوم عشر سنوات .
إن السعيد هو ذلك الزوج الذي يقلد زوجته الصالحة ، فيكون صالحا مثلها ، لئلا يفقد رفيقته في حياة أبدية خالدة .
كم هي سعيدة تلك الزوجة التي ترى زوجها متدينا فتتمسك بأهداب الدين لئلا تفقد رفيقها الأبدي ، فتفوز بسعادة آخرتها ضمن سعادة دنياها .
إن اللذة الحقيقية في هذه الدنيا إنما هي في الإيمان وفي حدود الإيمان. وإن في كل عمل صالح لذة معنوية ، بينما في الضلالة والغي آلاما منغصة في هذه الدنيا أيضا .
إن الخواطر التي ترد إلى القلب فطريا ينبغي عدم إفسادها بزخرف القول والتفنن والتدقيق. .(1/21)
إن الموت لأهل الإيمان باب الرحمة . وهو لأهل الضلالة بئر مظلمة ظلاما أبديا .
إن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون الأجل مجهولا وقته ، إنقاذاً للإنسان من اليأس المطلق ومن الغفلة المطلقة ، وإبقاءاً له بين الخوف والرجاء ، حفظاً لدنياه وآخرته من السقوط في هاوية الخسران .
فما دام هو موجوداً ينظر إليك فكل شئ موجود لك، والغريب حقاً والوحيد أصلاً هو ذلك الذي لا ينتسب إليه بالإيمان والتسليم أو لا يرغب في ذلك الانتساب .
إن رياءً ثقيلاً، وأثرة باردة وغفلة مؤقتة ، تكمن تحت الستار المزركش للسمعة والصيت التي هي المثل الأعلى لأرباب الشهرة وعشاقها .
ليرحل من يرحل يا الهي فأنت الباقي وأنت الكافي وما دمت باقيا فلتجلٍٍ من تجليات رحمتك كاف لكل شئ يزول .
إن الحياة كلما تتوجه إلى الحي القيوم وتتطلع إليه ، وكلما كان الإيمان حياة للحياة وروحا لها تكسب البقاء بل تعطي ثماراً باقية كذلك بل إنها ترقى وتعلو إلى درجة تكتسب تجلي السرمدية ، وعندها لا ينظر إلى قصر العمر وطوله .
إن الحقيقة المقدسة التي افتدتها ملايين الرؤوس فداء لها رأسنا أيضاً ، فلو أشعلتم الدنيا على رؤوسنا ناراً فلن ترضخ تلك الرؤوس التي افتدت الحقيقة القرآنية ولن تسلم القيادة للزندقة ولن تتخلى عن مهمتها المقدسة بإذن الله.
لا تلقوا اللحم أمام الحصان ولا العشب أمام الأسد .
إن طلاب النور لا يتحرون عن نور خارج دائرة رسائل النور وما ينبغي لهم . ولو تحرّى أحد منهم فلا يجد إلا مصباحاً بدلاً من شمس تضيئ من نافذة رسائل النور ، بل قد يفقد الشمس .
إن الإنسان يملك قلباً واحداً والقلب الواحد لا يمكن أن يكون في داخل الدائرة وخارجها معا .
إن غير المحق ، هو غير منصف ، لا يدع درهماً من راحته لأربعين درهماً من راحة الجميع . أما المحق فيكون ذا إنصاف يضحي براحته التي تعدل درهماً لراحة صديقه التي تعدل أربعين درهماً .(1/22)
إن إفشاء المحبة والسلام في صفوف المؤمنين ، إنما هو حسنة كريمة للمؤمن ، فله ضمن هذه الحسنة لذة معنوية وذوقا وجدانيا وانشراحا قلبيا ما يذكّر بثواب الآخرة المادي . ومن يتفقد قلبه يشعر بهذا الذوق.
إن بث الخصومة والعداء بين المؤمنين إنما هو سيئة قبيحة . فهذه السيئة تنطوي على عذاب وجداني وأي عذاب . بحيث يأخذ بخناق القلب والروح معاً ، فكل من يملك روحاً حساسة وهمة عالية يشعر بهذا العذاب .
إن الاحترام والطاعة توهب ولا تطلب.
إن في سوء الظن وسوء التأويل جزاءً معجلاً في هذه الدنيا . حتى غدت ( من دَقّ دُقّ) قاعدة مطردة فالذي يسئ الظن بالناس يتعرض حتما لسوء ظنهم .
مشرب وحدة الوجود مع أنه في حكم إنكار وجود الكائنات إزاء وجود الله سبحانه ،إلا انه كلما دخل بين العوام يمضي بهم إلى أن يصل في فكر الغافلين منهم ولا سيما الملوثين بالماديات إلى إنكار الألوهية إزاء الكون والماديات .
نعم ، إن محي الدين بن عربي مهتد ومقبول ولكنه ليس بمرشد ولا هاد وقدوة في جميع كتاباته ، إذ يمضي غالباً دون ميزان في الحقائق، فيخالف القواعد الثابتة لأهل السنة، ويفيد بعض أقواله - ظاهراً - الضلالة غير انه بريء من الضلالة إذ الكلام قد يبدو كفراً بظاهره إلا أن قائله لا يكون كافراً .
إن الذي يحب نفسه الأمارة بالسوء - غير المزكاة - ويعجب بها ، هو في الحقيقة لا يحب أحداً غيرها ، وحتى لو أبدى للغير حباً فلا يحبه من صميم قلبه ، بل ربما يحبه لمنافعه ، ولما يتوقع منه من متاع .
إن الرحمة الإلهية ، والحكمة الربانية اللتين تحافظان على حق حياة بعوضة ضعيفة محافظة تتسم بالرحمة الواسعة ، لا يمكن أن تضيعا - بعدم إقامة الحشر - حقوق جميع ذوي الشعور غير المحدودين وتهضما حقوقاً غير متناهية لموجودات غير محصورة .
إن من لا يقدر على أن يتصرف في الكون كله لا يمكن أن يكون مالكاً ملكاً حقيقياً لأي جزء منه .(1/23)
إن الذين يحصرون غاية هذه الحياة في : عيش برفاه، وتمتع بغفلة، وتنعم بهوى، إنما يستخفون - بجهل مستهجن قبيح - بهذه النعمة الغالية الكبرى، نعمة الحياة..
ما دامت في الدنيا حياة ، فلا بد أن الذين يفهمون سر الحياة من البشر، ولا يسيئون استعمال حياتهم ،يكونون أهلاً لحياة باقية ،في دار باقية وفي جنة باقية .
من " الشعاعات"
إن الشرك يحمل ظلماً فاضحاً، لأنه جريمة عظيمة نكراء لتعديه على حقوق كل مخلوق وإهانته لشرفه وكرامته ولا يطهر هذه الجريمة، جريمة الشرك إلا نار جهنم .
إن اخصب مرتع للفكر الفوضوي الإرهابي هو الأماكن المزدحمة بالمظلومين، والقبائل البعيدة عن الحضارة وعن الحكومة والدولة ،التي اعتادت النهب والإغارة .
لا قيمة للنفي في المسائل العامة أمام الإثبات، فحكمه ضعيف وهزيل .
لا يؤخذ بكلام من هم خارج إطار علم أو صنعة في مسالة من مسائلهما ، دارت حولها المناقشة ،حتى لو كانوا عظماء وعلماء وصناعاً مهرة في اختصاصاتهم . ولا يؤخذ حكمهم حجة في تلك المسالة ، ولا يدخلون ضمن إجماع علماء ذلك الضرب من العلم .
إن الذي برأ الوجود معجزة ، وملأه بمعجزاته الباهرة لتفصح عنه وجعلها ألسنة ناطقة بكمالاته، لابد انه سيعرّف ذاته أيضاً بكلامه هو .
كما أن المعدة تطلب رزقاً، فالقلب والروح والعقل والعين والأذن والفم وأمثالها من لطائف الإنسان ومشاعره هي الأخرى تطلب رزقها من الرزاق الرحيم، وتأخذه منه بكل شكر وامتنان فيهب سبحانه لكل منها من خزائن رحمته، رزقها الذي يناسبها وترضى به وتلتذ .
ما دام الموت لا يُقتل، وباب القبر لا يُغلق، فإن اعظم ما سيشغل بال الإنسان ويشكل اكبر معضلة له هو النجاة من يد جلاد الموت هذا والخلاص من سجن القبر المنفرد .
إن الشباب ذاهب وآفل، وسيزول لا محالة، إذ كما أن الصيف يخلفه الخريف والشتاء، والنهار يعقبه المساء والليل، فالشباب كذلك سيتحول إلى مشيب، وإلى الموت بمثل هذه الحقيقة المحتمة .(1/24)
إن كل إنسان لأجل أن تخلد أعماله الطيبة، وتبقى كلماته القيمة، يسعى للحفاظ عليها وصيانتها من الضياع سواء عن طريق الكتابة أو الشعر ،أو حتى بالشريط السينمائي ،وبخاصة إذا كان لتلك الأعمال ثمراتها الباقية في الجنة فيشتاق إلى حفظها اكثر .
إن الدين ليس عبارة عن الإيمان فقط ، بل العمل الصالح أيضاً هو الجزء الثاني من الدين .
إننا بعون الله تعالى وبالقوة التي نستمدها من القرآن الكريم لن نترك الميدان ولن نهرب ولو أقاموا الدنيا بأجمعها ضدنا .
اعلموا يا إخواني إن أهم أساس لقوتنا ونقطة استنادنا هي : التساند . وإياكم النظر إلى تقصيرات بعضكم البعض، مما يولده الانفعال في الأعصاب من جراء هذه المصائب .
اعلموا أن الشكوى اعتراض على القدر والشكر تسليم له .
إن إحساناً إلهياً مهما هو عدم إحساس من لم يدع أنانيته بإحسانه ، كيلا يصيبه الغرور والعجب .
اخوتي إن غروراً رهيباً ناشئاً من الغفلة وحب الدنيا ، يجري حكمه في هذا الزمان ، فعلى أهل الحق ترك الغرور والأنانية وقصد المنافع حتى لو كان في طريق مشروع أيضاً .
فالفضل والسبق إذاً هو : أن لا يترك الطالب أخاه عندما يراه مبتلىً بفساد ، بل يزيد اخوته معه ، ويسعى لإصلاحه فهذا هو شأن الأوفياء الصادقين .
إياكم والمراء ، احذروا المناقشة . فالآذان المتجسسة تستفيد منها ،إذ مهما يكن المناقش فهو على باطل في وضعنا الحالي ، سواء أكان محقاً أم لا إذ ربما يلحق بنا ضرراً جسيماً في حين ليس له إلا النزر اليسير من الحق .
انه لا يشاهد في التاريخ من يتحمل في سبيل الحق اقل المشاق وينال اعظم الثواب مثل طلاب رسائل النور فمهما تحملنا من مشاق فهي زهيدة أيضاً .
القلق يضاعف المصيبة ويكوّن جذراً في القلب لتستقر عليه المصيبة المادية فضلاً عن أنه يومئ ويشم منه نوع من الاعتراض والنقد تجاه القدر الإلهي وهو نوع من الاتهام تجاه الرحمة الإلهية .(1/25)
إن الكشف والكرامة والأذواق والأنوار التي تعتبر في نظر العوام مدار الكمالات لا يكون قطعاً محكاً ولا مداراً لتلك المقامات والقيمة المعنوية .
يا اخوتي : تأملوا جيداً وراقبوا أنفسكم لئلا تخدعكم نفوسكم الأمارة بالسوء من زاوية قياس الآخرين بالنفس ، ومن حيث سوء الظن بالآخرين ، ولا تساوركم الشبهة في أن رسائل النور لا تربي طلابها .
إن مسلكنا هو ترك الأنانية والغرور والالتزام بالأخوة لذا فلا شطحات تنم بالغرور عندنا .
في زمن عجيب كزماننا هذا ،لابد من تطبيق خمسة أسس ثابتة ،حتى يمكن إنقاذ البلاد وإنقاذ الحياة الاجتماعية لأبنائها من الفوضى والانقسام . هذه المبادئ هي : الاحترام المتبادل، الشفقة والرحمة، الابتعاد عن الحرام، الحفاظ على الأمن، نبذ الفوضى والغوغائية ، والدخول في الطاعة .
ألا فلتعلموا جيداً بأنه لو كان لي من الرؤوس بعدد ما في رأسي من الشعر ،وفصل كل يوم واحد منها عن جسدي ،فلن احني هذا الرأس الذي نذرته للحقائق القرآنية أمام الزندقة والكفر المطلق ،ولن أتخلى بحال من الأحوال عن هذه الخدمة الإيمانية النورية ،ولا يسعني التخلي عنها .
إن القرآن الحكيم بمثابة عقل الأرض وفكرها الثاقب فلو خرج القرآن - والعياذ بالله - من هذه الأرض لجنت الأرض ، وليس ببعيد أن تنطح رأسها الذي اصبح خالياً من العقل بإحدى السيارات وتتسبب في حدوث قيامة .
لقد قررت أن اقبل - في ضوء مسلكي الحالي - أي أذى وأية إهانة وأي عذاب وأي عقاب موجه إلى شخصي بشرط ألاّ يأتي ضرر إلى رسائل النور وإلى طلابها بسببي ففي هذا ثواب لي في الآخرة وهو وسيلة لإنقاذي وخلاصي من شرور نفسي الأمارة بالسوء .
إن رسائل النور من نوع الصدقة المقبولة التي تكون وسيلة لدفع المصائب ، فمتى ما هوجمت تجد المصائب الفرصة سانحة أمامها فتنزل، وأحياناً تغضب الأرض بالزلازل(1/26)
مع أنني شخص مقصر، فقد نذرت كل حياتي في سبيل سعادة هذه الأمة وفي سبيل إنقاذ إيمانها، ولقد سعيت بكل جهدي للعمل برسائل النور لكي أضحى بنفسي في سبيل حقيقة افتدتها ألوف الأنفس، وهي الحقيقة القرآنية واستطعت بتوفيق من الله تعالى وفضل منه أن أتحمل شتى ضروب التعذيب ، فلم أتقهقر ولم انسحب .
إن اكبر مسالة بعد مسالة الإيمان هي الصلاة ، ومن لا يصلي يعد خائناً وحكم الخائن مردود .
إن وضعنا الحاضر كله جد لا هزل فيه . ومع هذا فلا تضطربوا قطعاً واعلموا أننا تحت رعاية العناية الإلهية وقد عزمنا على مجابهة المشقات بالصبر الجميل بل بالشكر العظيم لله . فنحن مكلفون بالشكر لان درهماً من التعب والمشقة يورث طناً من الثواب والرحمة .
إن أنجع علاج في هذه الدنيا ،لا سيما في هذا الزمان، وبخاصة للمبتلين بالمصائب ، ولطلاب النور الذين انتابهم ضجر شديد ويأس قاتم هو : تسلية أحدهم الآخر وإدخال السرور في قلبه ،وإمداد قوته المعنوية وضماد جراحات الضيق والحزن والسأم ، وتلطيف قلبه المغموم ،كأخ حقيقي مضح . إذ الاخوة الحقة والأخروية التي تربطهم لا تتحمل التحيز والإغاظة .
فحذار .. حذار وإياكم أن تهتز تلك المحبة الصميمية الصادقة التي ربطت قلوبكم ،إذ إن اهتزازاً طفيفاً في الاخوة والمحبة بقدر ذرة واحدة تضرنا أيما ضرر .
وحيث إن امتحان الدنيا عابر ويمضي، ويسلم لنا ثوابه وثمراته، فعلينا الاطمئنان إلى العناية الإلهية شاكرين ربنا من خلال الصبر .
اصلحوا فوراً الجفاء الموجود فيما بينكم . حذار .. حذار من هذا .. لان انحرافاً ولو طفيفاً جداً يلحق بدائرة النور ضرراً أيما ضرر..
قررت ألا انظر إلى تقصير أي منكم رغم أنني أقاسي - في سبيل الحفاظ على مشاعركم - المتاعب والمضايقات اكثر منكم بعشر مرات، فاطلب منكم باسم أستاذنا الشخص المعنوي لطلاب النور، ترك الأنانية وعدم الأخذ بها محقاً كان المرء أم غير محق .
من " اشارات الإعجاز"(1/27)
النعمة لذة تميل النفس إليها .
كل الألم في الضلالة وكل اللذة في الإيمان .
إن الحجر مع حجريته إذا خرج من يد المعقد الباني في السقف المحدب يميل ويخضع رأسه ليماس رأس أخيه ليتماسكا عن السقوط . فالإنسان الذي لا يدرك سر التعاون لهو اجمد من الحجر ، إذ من الحجر من يتقوس لمعاونة أخيه .
اعلم إن الإيمان هو النور الحاصل بالتصديق بجميع ما جاء به النبي عليه السلام تفصيلاً في ضروريات الدين وإجمالاً في غيره .
إن الصلاة نسبة عالية، ومناسبة غالية، وخدمة نزيهة بين العبد وسلطان الأزل ، فمن شان تلك النسبة أن يعشقها كل روح .
الزكاة جسر يغيث المسلم أخاه المسلم بالعبور عليها، إذ هي الواسطة للتعاون المأمور به .
إن هداية القرآن براق إلهي أهداه للمؤمنين ليسلكوا ، وهم عليه في الطريق المستقيم سائرين إلى عرش الكمالات .
لا يلزم من لزوم صدقِ كل قولٍ قولَ كلَّ صدق .
إن الإسلامية كهف المساكين وملجأ الفقراء وحامية الحق وحافظة الحقيقة ومانعة الغرور وقامعة التكبر ، وما مقياس الكمال والمجد إلا هي .
إن الإسلامية مؤسسة على العقل والحكمة والعلم . فمن شأنها أن يقبلها كل عقل سليم لا كسائر الأديان المبنية على التقليد والتعصب .
الجبل العالي يتحمل مشاق الثلج والبرد ،وتخضر من تحته الأودية .
اعلم : إن العبادة هي التي ترسخ العقائد وتصيرها حالاً وملكة ، إذ الأمور الوجدانية والعقلية إن لم تنمها وتربها العبادة - التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي - تكن آثارها وتأثيراتها ضعيفة .
إن الإخلاص يقتضي أن تكون العلة هي الأمر ، فان كانت الحكمة علة فالعبادة باطلة . وان بقيت مرجحة فجائرة .
إن اللذة والنعمة إنما تكونان لذة ونعمة إن كانتا خالدتين .
إن الله تعالى لما أودع في الإنسان جزءاً اختيارياً وجعله مصدراً لعالم الأفعال ،أرسل كلامه لينظم ذلك العالم .(1/28)
إذا وقع في قلب أحد اختلال ،تخرب في قلبه الكمالات وتتساقط الحسيات العالية ، فيتولد فيه ميل التخريب فينتج له لذة في التخريب فيتحرى لذته في الإفساد والاختلال .
من " المثنوي العربي النوري"
إن العزة والعظمة تقتضيان وضع الأسباب الظاهرية لرد الشكايات الباطلة ،ولئلا يرى العقل الظاهري مباشرة يد القدرة بالأمور الخسيسة الجزئية ولكن التوحيد والجلال يردان أيدي الأسباب عن التأثير الحقيقي .
إن جعل شيء كل شيء وجعل كل شيء شيئاً سكة خاصة بصانع كل شيء وخالق كل شيء جل جلاله . .
إن هذا العالم كما يستلزم صانعه بالقطع واليقين ، كذلك يستلزم صانعه الآخرة بلا شك ولا ريب .
إن " أنا " نقطة سوداء ، وواحد قياسي ، التف على رأسه خطوط الصنعة الشعورية ، تشاهد فيها أن مالكه اقرب إليه منه .
اعلم : انك إذا تدهشت من العذاب وما وفقت للعمل ، تتمنى عدم العذاب، فتتحرى ما ينافيه، فترى الأمارات المنافية براهين فتخطفك الشياطين. فاستمع بقلب شهيد قوله تعالى: ) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم (.
وكذا من مرضك غرورك ، فبحكمه نظرت إلى الأسلاف العظام من بُعد فتصاغروا في عينك ، فحرمت محاسن إرشاداتهم ، وابتليت بالأوهام المتطايرة من تحت أقدامهم في سلوكهم مع أوهامك . فانظر إليهم من قرب ترهم أعاظم كشفوا في أربعين يوماً ما لم تقتدر على كشفه إلا في أربعين سنة .
فالشفقة على خلق الله من حيث هو خلق الله كلما تزايدت تنبسط الروح . والشفقة الناشئة من الغفلة والمبنية على توهم المالكية بتزايدها ينقبض الروح ويتألم القلب بظلمة الغموم .
أرى القرآن منبع كل الفيوض ، وما في آثاري من محاسن الحقائق ما هو إلا من فيض القرآن. فلهذا لا يرضى قلبي أن يخلو اثر من آثاري من ذكر نبذ من مزايا إعجاز القرآن .(1/29)
ولقد شاهدت أن مشاهدة جمال القرآن تابعة لدرجة سلامة القلب وصحته . فمريض القلب لا يشاهد إلا ما يشوه له مرضه . فأسلوب القرآن والقلب كلاهما مرآتان ينعكس كل واحد في الآخر .
ولأن الإيمان يؤسس الاخوة بين كل شيء لا يشتد الحرص والعداوة والحقد والوحشة في روح المؤمن ،إذ بالدقة يرى أعدى عدوه نوع أخ له .
قد شاهدت ازدياد العلم الفلسفي في ازدياد المرض . كما رأيت ازدياد المرض في ازدياد العلم العقلي فالأمراض المعنوية توصل إلى علوم عقلية ، كما أن العلوم العقلية تولد أمراضاً قلبية .
وكذا شاهدت أن ما في الممكن من وجه الوجود بالأنانية يوصل إلى العدم وينقلب إليه وما فيه من وجه العدم بترك الأنانية ينظر إلى الوجود الواجب فإن أحببت الوجود فانعدم لتجد الوجود .
اعلم : إني شاهدت في سيري في الظلمات ،السنن السنية نجوماً ومصابيح ،كل سنة وكل حد شرعي يتلمع بين ما لا يحصر من الطرق المظلمة المضلة وبالانحراف عن السنة يصير المرء لعبة الشياطين ومركب الأوهام ومعرض الأهوال ومطية الأثقال - أمثال الجبال - التي تحملها السنة عنه لو اتبعها .
وشاهدت السنن كالحبال المتدلية من السماء من استمسك ولو بجزئي استصعد واستسعد ورأيت من خالفها واعتمد على العقل الدائر بين الناس كمن يريد أن يبلغ أسباب السموات بالوسائل الأرضية فيتحمّق كما تحمّق فرعون بـ ( ياهامان ابن لي صرحاً ) .
إن الدعاء لا سيما من المضطرين، له تأثير عظيم، يسخر بسببه أقوى الأشياء وأعظمها لأضعف الأشياء وأصغرها، كسكوت غضب البحر لأجل معصوم على لوح منكسر دعا بقلب منكسر، فيدل على أن المجيب يحكم على الكل فهو رب الكل .
اعلم : انه كما أن الكلمة الفردة مسموعة لألوف من المخاطبين كواحد لا فرق بين الواحد والملايين . كذلك نسبة الأشياء إلى القدرة الأزلية ،لا فرق بين الفرد والنوع .(1/30)
يا من يطلب الشهرة المسماة في العرف بـ " شان وشرف " اسمع مني : فقد شاهدت الشهرة عين الرياء وموت القلب ، فلا تطلبها لئلا تصير عبد الناس ،فإن أعطيتها فقل ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) .
إن الدعاء أنموذج لأسرار التوحيد والعبادة إذ الداعي في نفسه خفية ،لا بد أن يعتقد سماع المدعو لهواجس نفسه وقدرته على تحصيل مطلبه، فيستلزم هذا الاعتقاد، اعتقاد أن المدعو عليم بكل شيء، وقدير على كل شيء .
إن من اشد ظلم البشر إعطاء ثمرات مساعي الجماعة لشخص، وتوهم صدورها منه فيتولد من هذا الظلم شرك خفي، إذ توهم محصل كسب الجماعة، واثر جزئهم الاختياري من شخص، لا يمكن إلا بتصور ذلك الشخص ذا قوة خارقة ترقت إلى درجة الإيجاد، وما تولدت آلهة اليونانيين والوثنيين إلاّ من أمثال هذه التصورات الظالمة الشيطانية .
إن في الذاكر لطائف مختلفة في الاستفاضة، بعضها يتوقف على شعور العقل والقلب واستفادة بعض لا شعوري تحصل من حيث لا يشعر. فالذكر مع الغفلة أيضاً لا يخلو من الإفاضة .
إن الذكر من شأنه أن يكون من الشعائر، فالشعائر أرفع من أن تنالها أيدي الرياء .
إن عربية الخطبة وَسمٌ سماوي مسدد ومزين في سماء وحدة الإسلام ، وبالتغيير يصير وشماً مشتتاً مشيناً .
إن إعجاز القرآن ،حفظ القرآن عن التحريف، فلا يتيسر لكلام مفسر أو مؤلف أو مترجم أو محرف وغيرهم ،أن يلتبس بالآيات أو يلبس زيها كما التبست واختلطت سائر الكتب المنزلة حتى صارت محرفة .
إن الله سبحانه ، إذا احب عبداً لا يحبب إليه محاسن الدنيا بل يكرهها إليه بالمصائب .
أيواه : وا أسفا : قد أظهرت هذه المدنية السفيهة خوارق جلابة وملاهي جذابة، يتساقط إليها سكان قصور الإنسان ومخدراتها ،كتساقط الفراش على النور المشرق المنقلب إلى النار المحترقة .
إن هذه الأمة الإسلامية مع أن قسما منهم لا يؤدون الصلاة . إلا انهم يتطلعون أن يكون رؤسائهم صالحين أتقياء حتى لو كانوا هم فسقة .(1/31)
إن ظهور اكثر الأنبياء في الشرق واغلب الفلاسفة في الغرب رمز للقدر الإلهي بان الذي يستنهض الشرق ويقومه إنما هو الدين والقلب ،وليس العقل والفلسفة . فما دمتم قد أيقظتم الشرق ونبهتموه فامنحوهم نهجا ينسجم مع فطرته . وإلا ستذهب مساعيكم هباءا منثورا ، أو تظل سطحية موقتة .
إن هذا العصر عصر الجماعة ، إذ الشخصية المعنوية - التي هي روح الجماعة - اثبت وامتن من شخصية الفرد . وهي اكثر استطاعة على تنفيذ الأحكام الشرعية.
إن التهاون في تطبيق الشعائر الدينية يفضي إلى ضعف الأمة ، والضعف يغري العدو فيكم ويشجعه عليكم ولا يوقفه عند حده .
اعلم ! انه قد تصير شدة محبة الشيء سببا لإنكاره ، وكذا شدة الخوف ، وكذا غاية العظمة ، وكذا إحاطة عدم العقل .
كما إن الحبة من بذور الحيوانات ونوى الثمرات إذا ثقبت في قلبها ،لا تتكبر بالتنبت. كذلك حبة "أنا" إذا ثقبت بشعاع ذكر : الله .. لا تتعاظم تلك الأنانية متفرعة بالانتعاش ومتفرعنة بالغفلة ،ومستحصنة ومستندة بآثار النوع، ومبارزة بالعصيان لجبار السموات والأرض .
إن العجز معدن النداء ، وان الاحتياج منبع الدعاء .
إن ما أنعم الله عليك من وجودك وتوابعه، ما هو إلا إباحة وليس بتمليك . فلك أن تتصرف فيما أعطاك كما يرضى من أعطى ،لا كما ترضى أنت ،كمن أضاف أحدا ،ليس للضيف أن يسرف أو يصرف فيما لا إذن للمضيف فيه .
من كان لله تعالى كان له كل شيء ،ومن لم يكن له كان عليه كل شيء ،والكون له بترك الكل له والإذعان بأن الكل ماله .
إن الأهم الألزم بعد علوم الإيمان، إنما هو العمل الصالح، إذ القرآن الحكيم يقول على الدوام : (الذين آمنوا وعملوا الصالحات ).
نعم هذا العمر القصير لا يكفي إلا لما هو أهم .. وأما العلوم الكونية المأخوذة من الأجانب فمضرة، إلا للضرورة وللحاجات وللصنعة واستراحة البشر .
فالسليم بحياة القلب لا يفهم درجة تأثير الترياق في السقيم بلدغ حية الهوى كما يفهمه هو .(1/32)
إن مثلك وقد تصيب رأسك المصائب المرماة "بالقدر" كمثل أغنام مرسلة في المرعى، يراها الراعي قد تجاوزت فيرمي الأحجار خلفها لترجع، فيقول المصاب رأسه بلسان الحال: نحن تحت أمر الراعي، وهو اعرف بنا منا فلنرجع . فيرجع . فيرجعون .
القلب مرآة الصمد : فلا يقبل حجر الصنم بل ينكسر به .
إن المعلومات الآفاقية لا تخلو عن الأوهام والوساوس . وأما إذا استندت إلى الأنفس واتصلت بالوجدانيات المشعورة بالذات ،تصفّت عن الاحتمالات المزعجة . فانظر من المركز إلى المحيط . ولا تعكس فتنتكس .
إن هذه المدنية السفيهة المصيّرة للأرض كبلدة واحدة، يتعارف أهلها ويتناجون بالإثم وما لا يعني بالجرائد صباحا ومساء ،غلظ بسببها وتكاثف بملاهيها حجاب الغفلة، بحيث لا يخرق إلا بصرف همة عظيمة ، وكذا فتحت لروح البشر منافذ غير محدودة نظارة إلى دنيا يتعذر سدها إلا لمن خصه الله بلطفه .
إن في ماهية المعصية -لاسيما إذا استمرت وكثرت - بذر الكفر .. إذ المعصية تولد ألفة معها وابتلاء بها ،بل تصير داء ،دواؤها الدائم نفسها ،فيتعذر تركها . فيتمنى صاحبها عدم عقاب عليها، ويتحرى بلا شعور ما يدل على عدم العذاب، فتستمر هذه الحال حتى تنجر إلى إنكار العذاب ورد دار العقاب .
إن القرآن الحكيم كتاب ذكر، وكتاب فكر، وكتاب حكم، وكتاب علم، وكتاب حقيقة، وكتاب شريعة، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين .
إن كنت له تعالى كان لك كل شيء، وان لم تكن له كان عليك كل شيء .
كل شيء بقدر، فارض بما آتاك تزد يسرا على يسر، وإلاّ زدت مرضا على مرض .
لا لذة للقلب حقيقية فيما لا دوام فيه، تزول أنت، وتزول دنياك، وتزول دنيا الناس .
إذا صرت عبداً خالصاً له، ثم نظرت إلى الكائنات تراها ملك مالكك وحشمته وحواشيه فتتنزه بها، كأنها ملك لك بل أعلى، بلا كلفة ولا ألم زوال إذ الخادم الخالص للملك والفاني في محبته يفتخر بكل ما للملك .(1/33)
يا ناظر ! أظنني احفر بآثاري المشوشة عن أمر عظيم بنوع اضطرار مني . فيا ليت شعري هل كشفت .. أو سينكشف .. أو أنا وسيلة لتسهيل الطريق لكشافه الآتي .
إن التفكر نور يذيب الغفلة الباردة الجامدة والدقة نار تحرق الأوهام المظلمة اليابسة، لكن إذا تفكرت في نفسك فدقق وتمهل وتغلغل وفصله تفصيلاً، بمقتضى الاسم )الباطن( المتعمق، إذ كمال الصنعة أتم في تحليله وتفصيله. وإذا تفكرت في الآفاق ،فأجمل وأسرع ولا تغص ولا تخض إلا لحاجة إيضاح القاعدة ،ولا تحدد النظر ،كما هو مقتضى الاسم ) الظاهر ( الواسع ،إذ شعشعة الصنعة أجلى وابهر واجمل في إجماله ومجموعه ،ولئلا تغرق فيما لا ساحل له . فإذا فصلت هناك - يعني في نفسك - وأجملت هنا ،تقربت إلى الوحدة . فصارت الجزئيات أجزاءً ،والأنواع كلاً، والمختلط ممتزجاً ،والممتزج متحداً فيفور منه نور اليقين .وإذا عكست بأن أجملت فيك، وفصلت في الآفاق تتشتت بك الكثرة وتستهوي بك الأوهام وتستغلظ أنانيتك وتتصلب غفلتك، فتنقلب طبيعة . فهذا طريق الكثرة المنجزة إلى الضلالة .. اللهم لا تجعلنا من الضالين .. آمين .
ان العبودية تستلزم التسليم دون الاختبار والتجربة إذ للسيد أن يختبر عبده، وليس للعبد أن يختبر ربه .
كل حي في الدنيا كعسكر موظف، إنما يعمل بحساب الملك وباسمه. فمن زعم أنه مالك، فهو هالك .
إن الإنكار نفي ،وألف ناف لا يرجحون على اثنين من أهل الإثبات .
فالكفار الذين لا دين لهم نوع خبيث من حيوانات الله، خلقهم لعمارة الدنيا، وللنار .. وليكون واحداً قياسياً لدرجات نعمه تعالى على عباده المؤمنين .
وحتى متى تدمع عينك ويجزع قلبك على فراق جمال زائل ! فانظر إلى كثرة ووسعة الدوائر المتداخلة المحيطة بما تحبه تنسيك ألم فراقه بإذاقة لذة تجدد أمثاله وترادف أشكاله .(1/34)
إن الثواب فضل الله وفيضه ،ونظر العبد لا يحيط بما يعطي مَن لا نهاية لتجليات فيضه لعبده الذي لا نهاية لاحتياجه في دار بقاء لا نهاية لدوامها .
التوافق في أساسات أعضاء أفراد الإنسان والحيوان يدل بالبداهة على أن الصانع واحد أحد، والتخالف في التعينات المنتظمة يدل بالضرورة على أن الصانع مختار حكيم .
اعلم ! يانفسي، إن أرضيت خالقك بالتقوى والعمل الصالح كفاك إرضاء الخلق. فإن رضوا منك بحسابه تعالى فنافع ، وبحساب أنفسهم فلا فائدة إذ هم عاجزون مثلك. فإن أردت الشق الأول فارض ربك ، وإن أردت الثاني أشركت بلا فائدة .
إن أنياب الأسد كما تدل أن من شانه الافتراس، وإن لطافة البطيخ على أنه للأكل، كذلك استعداد الإنسان يدل على أن وظيفته الفطرية العبودية.
إن المدنية الفاسقة أبرزت رياءً مدهشاً يتعذر الخلاص منه على أصحاب المدنية ،إذ سمت الرياء بـ " شان وشرف " وصيرت المرء يرائي للملل ويتصنع للعناصر كما يرائي للأشخاص، وصيرت الجرائد دلالين له، وجعلت التاريخ يصفق ويشوق بالتصفيق وأنست الموت الشخصي بحياة العنصرية المتمردة بدسيسة الحمية الجاهلية الغدارة .
إن من كمال السعادة واللذة الحقيقية، ترك كل شيء حتى الوجود لأجل أنه جل شانه هوهو، ولأجل أنه واجب الوجود، ولأجل أنه الكامل المطلق، ولأجل أنه ذو الجلال المطلق، فليكن له فداء كل شيء لي وكلي والكل وكل شيء .
لله در العلة والمصيبة والذلة، ما أحلاها وهي مرة ! إذ هي التي تذيقك لذة المناجاة والتضرع والدعاء .
اعترف وأنادي بأعلى صوتي : بأني عاجز، قاصر في الإفهام . لكن أقول تحديثاً بالنعمة وأداء للأمانة بأني لا أخدعكم إنما اكتب ما أشاهد أو أتيقن عين اليقين أو علم اليقين.(1/35)
لا تحسبن أن ما اكتبه شيء مضغته الأفكار والعقول . كلا ! بل فيض أفيض على روح مجروح وقلب مقروح، بالاستمداد من القرآن الكريم، ولا تظنه أيضاً شيئاً سيالاً تذوقه القلوب وهو يزول . كلا ! بل أنوار من حقائق ثابتة انعكست على عقل عليل وقلب مريض ونفس عمي.
لا تقل :إذا لم ادر الكل ،لا أريد الكل فإذا كنت في بستان أتترك كل الثمرات إن لم تأكل كلها ؟ .
إن اكثر معلومات البشر الأرضية ومسلماته، بل بديهياته مبنية على الألفة، وهي مفروشة على الجهل المركب. ففي الأساس فساد. فلهذا السر توجه الآيات أنظار البشر إلى العاديات المألوفة، وتثقب نجوم القرآن حجاب الألفة ويأخذ أذن البشر ويميل رأسه، ويريه ما تحت الألفة من خوارق العادات في عين العادات .
إن من هيأ البطيخ والتفاح لأكلك ،لابد أن يكون أعلم بأكلك منك . وخبيراً بذوقك الوجداني الذي لا يدريه غيرك . فأين العروق والأغصان الجامدة الميتة من هذا العلم؟ فما الأسباب والأغصان إلا موازيب الرحمة ومسيلات النعمة .
إن من حكمة إمهال الكافر المتوجه بالمعنى الإسمي والقصد الذاتي إلى هذه الحياة الدنيوية، خدمته لتظاهر ألوان نعمه تعالى الحاصلة بالتركيب الصنعي، وإن لم يشعر هو .. وكذا تنظيمه لمحاسن جميلات مصنوعاته تعالى وإن لم يفهم هو .. وكذا تشهيره بطرز جالب للنظر لغرائب صنعته سبحانه، وإن لم يتفطن هو .. كالساعة تعلّمك عدد الساعات وهي لا تعلم ما تعمل هي .
إن الحياة تقول : لا اله إلا هو وحده، وترد الأسباب .. وان الموت يقول : لا اله إلا هو لا شريك له ،ويرد الأنفس .
إنه يمكن أن يذهب الموفق من الظاهر إلى الحقيقة بلا مرور على برزخ الطريقة، وقد رأيت من القرآن طريقاً إلى الحقيقة بدون الطريقة، أي المشهورة وكذا رأيت طريقاً موصلاً إلى العلوم المقصودة بدون المرور على برزخ العلوم الآلية . نعم ومن شان الرحمة الحاكمة أن تحسن لأبناء هذا الزمان - السريع السير - طريقاً هكذا قصيراً سليماً .(1/36)
إن من وظائف حياة الإنسان، شهوده لتحيات ذوي الحياة لواهب الحياة . ثم الشهادة عليها، أي يشاهد عبادة الكل فيشهد عليها ويعلنها كأنه ممثل الكل ولسانهم يخبر الكل بعمل الكل في الإعلان لدى سيدهم .
لا تجعل مقاييس العلوم الإنسانية محكاً لحقائقهما -أي : القرآن والمنزل عليه القرآن (صلى الله عليه وسلم) - ولا تزنهما بميزانها ،إذ لا توزن الجبال الراسيات ،بميزان الجواهر النادرات، ولا تطلب تزكيتهما بها بجعل دساتيرها الأرضية، مصداقاً على تلك النواميس السماوية. فلا تظنن التزلزل بتحريك الأهواء الضالة لبعض التفرعات الجزئية، فأهمية الشيء بقدر قيمته .
إن من عظمة إحاطة الإسلامية ،امتداد أساسات جدرانها من أعلى عليي كليات صفات ذي العرش، ومسائل خلق العرش والسماوات والأرض وملائكتها،إلى جزئيات خطرات القلب، مع امتلاء ما بينهما بدساتير محكمة رصينة .
التواضع قد ينافي تحديث النعمة وقد ينجر تحديث النعمة إلى الكبر والغرور ،فلابد من الدقة والإمعان وترك الإفراط والتفريط .
إن في النفس أمراً لطيفاً كدرهم من ورق رقيق . أظن انه مرصاد الأبد . إذ ما يمسه شيء إلا ويعطيه حكم الأبد ويموهه بوهم الأبدية وإذا استعمله الهوى والهوس، صار آلة تجلب أحجار الآخرة وأساساتها إلى الدنيا، فيبني قصرها عليها فيأكل أثمار الآخرة بلا نضج في الدنيا الفانية .
إن النفس شيء عجيب !.. وكنز آلات لا تعد وموازين لا تحد لدرك جلوات كنوز الأسماء الحسنى إن تزكت .. وكهف حيات وعقارب وحشرات إن دست وطغت . فالأولى - والله اعلم - بقاؤها لا فناؤها ،فالبقاء مع التزكية - كما سلكت عليه الصحابة - أوفق بسر الحكمة من موتها الأتم كما سلك عليه معظم الأولياء .(1/37)
إن في جرثوم النفس جوعاً شديداً، واحتياجاً عظيماً ،وذوقاً عجيباً. وإذا تحول مجرى سجاياها، انقلب حرصها المذموم اشتياقاً لا يشبع، وصار غرورها المشؤوم وسيلة النجاة عن جميع أنواع الشرك ،وتحول حبها الشديد لنفسها وذاتها، حباً ذاتياً لربها، وهكذا .. حتى تنقلب سيئاتها حسنات .
إنه لا حق لك في أن تطلب حقاً من الحق سبحانه، بل حق عليك أن تشكره دائماً، إذ له الملك والحمد .
إن عفوه تعالى فضل ،وعذابه عدل ، إذ كما أن من أكل سماً ، فهو مستحق للمرض بحكم عادة الله المستمرة فإن لم يمرض، فهو فضل وكرامة من الله بخرق العادة .
إن الإنسان مبتلى بالنسيان، واسوأ النسيان نسيان نفسه، إلا أن نسيان النفس إن كان في المعاملة والخدمة والسعي والتفكر فهو الضلال . وإن كان في النتائج والغايات فهو الكمال .
ان سر تساند المؤمنين في عباداتهم، ودعواتهم في جماعاتهم سر عظيم، وأمر جسيم له شان فخيم، إذ يصير به كل فرد كالحجر المجصوص، في البناء المرصوص يستفيد من إخوانه في الإيمان بألوف ألف ألف ما يستفيد من عمل نفسه .
اعلم ! أنى قد شاهدت أن النظرإلى الغير مع نسيان النفس، يقلب الحقائق. كالنظر في الماء يريك الأشياء المعنوية معكوسة منتكسة، فمع أنك تجهل تعتقد أنك تعلم .
اعلم ! يا " أنا " إذا كان نفسك احب إليك لأنها أقرب إليك من كل شيء ،فلابد أن يكون ربك احب إليك منك ،إذ هو اقرب إليك من نفسك ألا ترى أن ما يصل اختيارك وخيالك إليه من أسرار ما ركب فيك ،هو حاضر مشاهد لربك .
إذا ما دخلت بستاناً فلا اجني إلا الأجود من الثمرات ،حتى إذا ما تعبت في قطفها أجد المتعة واللذة . ولو وقع نظري على الفاسدة منها ،اصرفه عنها ،أخذاً بالقاعدة : " خذ ما صفا دع ما كدر " .. هكذا أنا ،فأرجو أن يكون قرائي أيضاً مثلي .
إن البذرة الفاسدة لا تؤتي شجرتها الثمار الغضة كل حين .
من " الملاحق في فقه دعوة النور"(1/38)
ونحن وان لم نكن قد نجونا بعد من شرور النفس الأمارة وأحابيل شياطين الجن والإنس إلا أننا نجد الذوق واللذة في الانهماك للعمل في حقل هذه الخدمة القرآنية المقدسة . فلئن قصرنا في العمل ولم نتمكن منه بما يستحق هذه الخدمة الجليلة فحسبنا أننا داخلون فيها والحمد لله، وإنما الأعمال بالنيات ( خلوصي).
إن خزينة المجوهرات مهما كانت مليئة وغنية ونفيسة، لابد أن يكون دلالها والبائع لها، على معرفة بأصول البيع والشراء . إذ لو لم تكن له تلك القابلية أو المعرفة فان ما يملكه من الخزائن الثمينة وما فيها من الأمتعة القيمة تحجب عن أنظار الناس أي لا يكون قد أدى ما يستحقها من قدر ( صبري ).
يا أخي ! اعلم إن الحياة اثمن شيء في عالم الموجودات وان ما يخدم الحياة هو أرقى واجب من بين الواجبات كلها، وان السعي لصرف الحياة الفانية إلى حياة باقية هو أغلى وظيفة في الحياة .
من المعلوم أن العمر قصير جداً، والوظائف المطلوبة كثيرة جداً، فالواجبات اكثر من الأوقات، فإذا تحريت ما في دماغك من معلومات، مثلما فعلته أنا، ستجد بينها ما لا فائدة له ولا أهمية من معلومات تافهة شبيهة بركام الحطب . لقد قمت أنا بهذا الضرب من البحث والتفتيش، فوجدت شيئاً كثيراً مما لا فائدة له ولا أهمية .
نعم ! انه لا تردد قطعاً في بذل تلك الهدية العظيمة، هدية الحياة في سبيل الرب الجليل الذي أنعمها علينا . ( الحافظ علي ).
إن الأغصان الدانية تقلم وتقطع لترتفع الشجرة وتعلو وتصان من الأحياء المضرة . فليس لتلك الأغصان حق الاعتراض على ذلك العمل قطعاً. حيث إنها لو ظلت على ما هي عليه ربما يقطعها حيوان مضر، وتتفسخ جذورها وتعدم.( الحافظ علي ).
إن الذين يحملون على أكتافهم أعباء خدمة الإيمان والقرآن والتي هي بمثابة خزينة الحق والحقيقة العظيمة الرفيعة يفتخرون كلما انضم إليها أكتاف قوية متعاونة معهم، فيشكرون ربهم .(1/39)
حذار حذار من فتح باب النقد فيما بينكم . ان ما يستحق النقد خارج الصف كثير بل كثير جداً . فكما أنني افتخر بمزاياكم، واجد الراحة والسلوان من مزاياكم التي حرمت منها، واعدها كأنها عندي وأنا المالك لها، فانتم كذلك عليكم النظر إلى مزايا إخوانكم على هذا النمط . فليكن كل منكم ناشراً لفضائل الآخرين .
إخواني الأعزاء ! إن أستاذكم ليس معصوماً من الخطأ، بل الخطأ الاعتقاد انه لا يخطئ . ولكن وجود تفاح فاسد في بستان لا يضر بالبستان، ووجود نقد مزور في خزينة لا يسقط قيمة الخزينة .
اعلموا يا اخوتي ويا رفقائي في الدرس ! إنني اسر إن نبهتموني بكل صراحة لأي خطأ ترونه عندي. بل أقول : ليرض الله عنكم إذا قلتموه لي بشدة. إذ لا ينظر إلى أمور أخرى بجانب الحق. إنني مستعد لقبول أية حقيقة كانت يفرضها الحق ، وان كنت أجهلها ولا اعرفها فاقبلها واضعها على العين والرأس ولا أناقشها وان كانت مخالفة لأنانية النفس الأمارة .
اخوتي ! نحن في اشد الحاجة في هذا الزمان إلى القوة المعنوية تجاه الضلالة والغفلة. فأنا مع الأسف باعتباري الشخصي ضعيف ومفلس . فليست لي كرامة خارقة كي اثبت بها هذه الحقائق. وليست لي همة قدسية كي اجلب بها القلوب. وليس لي دهاء علوي كي اسخر به العقول، بل أنا بمثابة خادم متسول أمام ديوان القرآن الكريم .
إن المهمة الجليلة في هذا الوقت هي خدمة الإيمان . إذ هي مفتاح السعادة الأبدية .
إن هذا الزمان، زمان الجماعة فالأهمية والقيمة تكونان حسب الشخصية المعنوية للجماعة. وينبغي ألا تؤخذ بنظر الاعتبار ماهية الفرد المادية الفردية الفانية ولا سيما شخص ضعيف مثلي لا حول له ولا قوة فإن منحه أهمية تفوق قيمته ألف درجة وتحميل كاهله ألوف الأرطال وهو الذي لا يتحمل رطلاً واحداً لاشك انه ينسحق تحت الحمل هذا .(1/40)
كما أن صورة النجاسة في المرآة ليست نجسة، وصورة الحية لا تلدغ، وصورة النار لا تحرق، كذلك لا ضرر من الخواطر النجسة والقبيحة والكفرية التي ترد دون رضى من المرء، وتتمثل في مرايا القلب والخيال دون اختيار منه، فقد تقرر في علم الأصول: إن تصور الكفر ليس كفراً وتخيل الشتم ليس شتماً .
إن طلاب رسائل النور تحت حماية رحمة الله ونظارة عنايته . ولما كانت مشقات الدنيا تورث الثواب والأجر الأخروي وإنها عابرة زائلة كذلك، ينبغي أن تقابل تلك المصائب بالثبات والصمود مع التحلي بالصبر الجميل ضمن الشكر .
انه لا يمكن قبول حسن الظن المفرط نحوي ومنحي مقاماً وأهمية تفوق حدي ألف درجة، إلا إذا كان باسم رسائل النور وخدمتها، وكونها داعية ودلالة إلى جواهر القرآن الكريم..
يا سعيد ! كن صعيداً، في نكران تام للذات وترك كلي للأنانية، وتواضع مطلق كالتراب، لئلا تعكر صفو رسائل النور وتقلل من تأثيرها في النفوس .
نعم ! إن إيمان شخص واحد إنما هو مفتاح ونور لعالم ابدي خالد أوسع من هذه الدنيا، ولهذا فان رسائل النور تكسب المتعرض إيمانه للهلاك ملكاً اعظم من هذه الكرة الأرضية، وتورثه سلطنة أجدى منها، وتمنحه فتوحات اعظم منها .
إن خاصية هذا العصر العجيبة هي غلو المسلمين في السذاجة وتسامحهم وتجاوزهم عن خطيئات جناة رهيبين، إذ لو رأى أحدهم حسنة واحدة من شخص ارتكب ألوف السيئات وتعدى على حقوق ألوف العباد، سواء على حقوقهم المعنوية أو المادية، ينحاز إلى ذلك الظالم لأجل تلك الحسنة الواحدة . وبهذه الصورة يشكل أهل الضلالة والطغيان الأكثرية العظمى من الناس رغم انهم قلة قليلة جداً، وذلك لموالاة أولئك السذج لهم . ولأجله ينزل القدر الإلهي المصيبة العامة التي تترتب وتنبني على خطا الأكثرية . بل إن عملهم هذا يعين على دوام المصيبة واستمرارها ، بل على شدتها . حتى يقولوا هم بأنفسهم : نعم نحن نستحق هذه المصيبة .(1/41)
ينبغي النظر إلى الأمور بمنظار رسائل النور، والسعي في الخدمة السامية بجد اكثر وشوق اعظم كلما ازدادت المشكلات . لان فتور الآخرين وتخليهم عن الخدمة مدعاة لإثارة غيرة أهل الهمة وتحفيز شوقهم ،إذ يجد نفسه مضطراً إلى حمل شيء من أعبائهم ومهماتهم، بل ينبغي له ذلك .
نعم، ان المدنية الدنية الظالمة قد عوقبت بكفرانها بالنعمة الإلهية وعدم إيفائها الشكر لله، تجاه ما انعم عليها سبحانه من الخوارق الحضارية، لصرفها تلك الخوارق إلى الدمار حتى سلبت سعادة الحياة كلياً وأردت الناس الذين يعدون في ذروة الحضارة والمدنية إلى أدنى من دركات الوحوش الضالة ،وأذاقتهم عذاب جهنم قبل الذهاب إليها
اخوتي ! إن مسلكنا دفاع لا اعتداء، تعمير لا تخريب، ونحن محكومون لا حكام . فالذين يتعدون علينا كثيرون لا يحصون . ولاشك أن في مسلكهم حقائق مهمة هي بضاعتنا نحن، فلا حاجة لهم إلينا في انتشار الحقائق فلهم الألوف ممن يقرأونها وينشرونها، فنحن بسعينا لمعاونتهم تتزعزع كثير من الوظائف التي وضعت على كاهلنا ونكون وسيلة إلى ضياع ما يجب محافظته من أسس وحقائق رفيعة تخص الطوائف، كل على حدة .
فما دامت خدمة الإيمان والقرآن أسمى من أية خدمة في هذا العصر، وان النوعية تفضل الكمية ،وان التيارات السياسية المتحولة المتغيرة وأحداثها المؤقتة الزائلة لا أهمية لها أمام خدمات الإيمان الثابتة الدائمة بل لا ترقى لمقارنتها ولا يمكن أن تكون محوراً لها، فينبغي الاطمئنان بما منحنا ربنا سبحانه وتعالى من مرتبة نورانية مفاضة علينا من نور القرآن المبين .
فيا اخوتي الأحبة ! الثبات الثبات ،الوفاء الوفاء .. إن طريقنا في السمو والرقي هو الغلو في الارتباط والتساند فيما بيننا والسعي لنيل الإخلاص والاخوة الحقة، بدلاً من الغلو في حسن الظن والتطلع إلى مقامات أعلى من حدنا .(1/42)
إن خاصية هذا العصر هي أنها تجعل المرء يفضل - بعلم - الحياة الدنيا على الحياة الباقية. حتى اصبح تفضيل الزجاج القابلة للكسر على الألماس الباقية عن علم، يجري وكأنه دستور وقاعدة عامة .
نعم، إن الأضرار الطفيفة الموقتة للحياة الدنيوية الفانية القصيرة بالنسبة للحياة الأخروية الخالدة إنما هي كلسع الذباب . بينما أضرار الحياة الأخروية هي كلدغ الثعابين .
إن هذه الدنيا دار عمل وليس موضع اخذ الأجرة فثواب الأعمال الصالحة وثمراتها وأنوارها تمنح في البرزخ والآخرة وان جلب تلك الثمرات الباقية إلى هذه الدنيا وطلبها في هذه الدنيا يعني جعل الآخرة تابعة لهذه الدنيا .
إن هذا العصر قد غرز حب الحياة الدنيوية في الإنسان وأجراه في عروقه فجرحه جروحاً بالغة ،حتى ان شيخاً هرماً وعالماً وتقياً صالحاً يطلب أذواق الحياة الأخروية في الدنيا لجريان حكم الأذواق الحياة الدنيوية فيه أولاً .
إن هذا الزمان - لأهل الحقيقة - زمان الجماعة، وليس زمان الشخصية الفردية وإظهار الفردية والأنانية. فالشخص المعنوي الناشئ من الجماعة ينفذ حكمه ويصمد تجاه الأعاصير. فلأجل الحصول على حوض عظيم، ينبغي للفرد إلقاء شخصيته وأنانيته التي هي كقطعة ثلج في ذلك الحوض وإذابتها فيه وإلا ستذوب حتماً تلك القطعة من الثلج، وتذهب هباءً وتفوت الفرصة من الاستفادة من ذلك الحوض أيضاً .
في مثل هذه الأوقات العصيبة، وأمام هذه الأحداث الجسام فان اعظم قوة لدينا - بعد قوة الإخلاص - هي قوة " الاشتراك في الأعمال الأخروية " إذ يكتب كل منكم في دفتر أعمال اخوته حسنات كثيرة مثلما يرسل بلسانه الإمداد والعون إلى قلعة التقوى وخنادقها .
الانشغال بالأمور الفاسدة فساد أيضاً .
نحن إذن مع أننا مفلسون ليس لنا شيء أننا أصبحنا خداماً و دلالين في معرض أغلى المجوهرات .(1/43)
إن الرياء لا يدنو من الفرض والواجب والشعائر الإسلامية واتباع السنة النبوية الشريفة واجتناب الحرام فإظهار هذه الأمور ليس من الرياء قطعاً ،إلا إذا كان الشخص قد جبل على الرياء مع ضعف شديد في الإيمان بل إن إظهار العبادات التي تمس الشعائر الإسلامية اجزل ثواباً من إخفائها بكثير.
انه لا تعد من الرياء والعجب قط تلك الأطوار والأوضاع الرفيعة التي يقتضيها مقام أداء الواجب الديني، وجعل الناس يتقبلونه قبولاً حسناً. اللهم إلا إذا كان الشخص يسخر تلك الوظيفة الدينية طوع أنانيته ويستغلها لأغراضه الشخصية .
إن في كل حادثة يد الإنسان ويد القدر معاً، ولكن الإنسان يظلم حيث ينظر إلى السبب الظاهري، بينما القدر يعدل لأنه يرى السبب الخفي لتلك المصيبة .
انه في خضم التيارات الرهيبة والحوادث المزلزلة للحياة، ينبغي أن يكون الإنسان على ثبات وصلابة لاتحد بحدود، وضبط للنفس لا نهاية له واستعداد دون حدود للتضحية .
فانتم يا اخوتي محتاجون ومكلفون في هذه العواصف الهوج اكثر من أي وقت آخر بالحفاظ على ترابطكم واتحادكم وغض النظر عن تقصيرات إخوانكم وعدم نشر الانتقاد فيما بينكم . حذار حذار أن يمتعض أحدكم من الآخر .. فلا ينتقدن أحدكم الآخر .. وبخلاف ذلك فإن إظهاركم ولو قليلاً من ضعف يستغله أهل النفاق فيلحقون بكم أضراراً بليغة .
فأسفاً، وألف أسف لأهل العلم ولأهل التقوى الضعفاء الذين يتعرضون - في الوقت الحاضر - إلى هجوم ثعابين مرعبة، ثم يتحججون بهفوات جزئية شبيهة بلسع البعوض فيعاونون بانتقاد بعضهم البعض تلك الثعابين الماردة ،ويمدون المنافقين الزنادقة بأسباب لتدميرهم وتحطيمهم، بل يساعدوهم في هلاك أنفسهم بأيدي أولئك الخبثاء.(1/44)
ولو حدث تعد وتجاوز علينا، فلا تقابلوه حتى بالدعاء عليهم . إذ إن ذلك المتجاوز أو المتعرض أيا كان، هو أخونا من حيث الإيمان لأنه مؤمن. حتى لو عادانا، فلا نستطيع أن نعاديه بمثل عدائه، حسب ما يرشدنا إليه مسلكنا. لان هنالك أعداء شرسين وحيات لاذعة ونحن لا نملك سوى النور، لا الصولجان، والنور لا يؤلم، بل يلاطف بضيائه، ولاسيما الذين هم ذوو علم فلا تثيروا غرورهم العلمي إن كانوا على غرور وأنانية.
إن دفع الضلالة والفساد سهل ويسير إن كانت آتية من الجهل ،بينما إزالتها عسير جدا ان كانت آتية من العلم .. ففي هذا الزمان تأتى الضلالة من العلم . لذا لا يمكن إزالتها وإنقاذ من تردى فيها من الجيل المقبل إلا بان يكون لديهم مؤلفا كاملا كرسائل النور .
أشاهد في كل أمر عسير اثر الرحمة الإلهية ولمعة عنايته تعالى. فلا تتضايقوا إن سعيكم وهمتكم ومعاونتكم لي تزيل كل ضيق وينشر السرور والانشراح دوما .
إن المظالم والذنوب التي ترتكب في هذا الزمان لا تدع مجالا لطلب الرحمة من الله. وحتى الحيوانات الأبرياء تتأذى من جرائها .
انه لكثرة اختلاط الحرام في الأموال والأرزاق بسبب تفشي الحيل والغش والرشوة .. يسلب الناس حق الترحم عليهم بسبب الظلم أو عدم الشكر أو خلط الحرام بأموالهم .
وفي الحقيقة، انه من الصعوبة بمكان، الحفاظ على سر الإخلاص في خضم الصراعات المتنافرة للتيارات الحالية، ومن العسير الحيلولة دون جعل الدين وسيلة لمكاسب دنيوية، لذا فان أفضل علاج لهذا هو الاستناد إلى العناية الإلهية وتفويض الأمر إلى توفيق رب العالمين بدلاً من الاستناد إلى قوة التيارات الحالية. .(1/45)
إن جميع المسائل العظمى التي ينهمك بها أهل الدنيا إنما تدور ضمن الدستور الظالم، دستور الجدال والصراع وفي نطاق الحياة الفانية ،بأبشع صورها واظلمها حتى يضحي في سبيلها بالمقدسات الدينية حصولا على حطام الدنيا ،لذا يلقيهم القدر الإلهي في عذاب جهنم معنوية من خلال جرائمهم التي يرتكبونها .
إن الذين اتخذوا السياسة هدفا لهم يأتي الدين لديهم في المرتبة الثانية ويكون حكمه حكم التابع . أما المتدين حق التدين فيرى العبودية لله تعالى أعظم غايته في الكون، فلا ينظر إلى السياسة نظر العاشق الولهان، بل ينظر إليها - حسب مرحلتها - في المرتبة الثانية والثالثة ويستطيع أن يجعلها أداة طيعة للدين والحقيقة . إذ بخلافه يهون من قيمة الألماس الثمينة إلى قطع زجاجية تافهة .
إن اعظم إحسان أعده في هذا الزمان واجل وظيفة ،هو إنقاذ الإنسان لإيمانه والسعي لإمداد إيمان الآخرين بالقوة . فاحذر يا أخي من الأنانية والغرور وتجنب من كل ما يؤدي إليهما، بل ينبغي لأهل الحقيقة في هذا الزمان نكران الذات، ونبذ الغرور والأنانية، وهذا هو الألزام لهم ، لان اعظم خطر يأتي من الأنانية والسمعة، فعلى كل فرد من أفراد أهل الحق والحقيقة أن ينظر إلى تقصيرات نفسه ويتهمها دائما ويتحلى بالتواضع التام .
إن حقيقة خالدة دائمة لا تبنى على أشخاص فانين زائلين . ولو بنيت عليهم لنجم ظلم وإجحاف شديدان إذ المهمة التي لها الدوام والكمال من كل جانب لا تربط بأشخاص معرضين للفناء، ومبتلين بالإهانات . فان ربط الأمر بهم، تصاب المهمة نفسها بضرر بالغ .
إن الكرامات والكشفيات إنما هي لبث الثقة في نفوس السالكين في الطريقة من الناس العوام الذين يملكون إيمانا تقليديا ولم يبلغوا مرتبة الإيمان التحقيقي، وهي أحيانا لتقوية الضعفاء ممن تساورهم الشكوك والشبهات .(1/46)
من المعلوم أن مئات من رياض الدنيا لا توازي شجرة من أشجار الجنة، وذلك لان الأولى فانية والثانية خالدة . وان أحاسيس الإنسان المادية وهي أحاسيس مطموسة تعجبها اللذة العاجلة، فتفضل ثمرة حاضرة على روضة آجله من رياض الجنة الباقية، لهذا لا يسأل طلاب النور الأذواق الروحانية والكشفيات المعنوية في الدنيا . فلا تستغل النفس الأمارة هذه الحالة الفطرية في الإنسان .
إن ما نراه من حصيلة خدمتنا وجهدنا في ترسيخ الإيمان وتحقيقه في قلوب ألوف المؤمنين، لكاف لخدمتنا هذه ،بحيث لو ظهر من هو بمرتبة عشرة أقطاب من الأولياء الصوفية، واستطاع سوق ألف من الناس إلى مراتب الولاية، فان عمله هذا لا ينقص من أهمية عملنا وقيمته ولا من ثمراته شيئا .
اخوتي ! عليكم بمنتهى الحيطة والحذر .. وإياكم إياكم أن تفتحوا باب النقاش مع العلماء . بل يجب التعامل معهم بالحسنى والمصلحة على قدر الإمكان، فلا تتعرضوا لغرورهم العلمي حتى لو كان أحدهم ميالا إلى البدع ومستحدثات الأمور . لان الزندقة الرهيبة تجاهنا . فيجب عدم دفع هؤلاء المبتدعين إلى صف الملحدين .
حب الظهور وكسب إعجاب الناس .. كل ذلك مناف ومخالف للإخلاص الذي هو أساس من أسس مسلك النور وطريقه . فنحن نجفل ونهرب مذعورين من هذه الأمور باعتبارنا الشخصي ، ناهيك عن الرغبة فيها .
إذا مت تزداد خدمة النور - للقرآن والإيمان - وتتوضح وتتبين بإخلاص أتم، بلا حساد ولا اتهامات، فضلاً عن النجاة من آلام التكلف الثقيلة المقيتة، والخلاص من أثقال العجب وأضرار التصنع بدلا من ذوق جزئي موقت لا أتحراه - في هذا الزمان - ولذة ناشئة من رؤية فتوحات النور بنظر الدنيا .
إن هناك تيارات قوية تجعل أهل الإيمان في حيرة من أمرهم حيث تبدل الشعائر الإسلامية، ويشن هجوم عنيف على القرآن والإيمان، لذا لا ينبغي فتح باب المناقشة في الأمور الفرعية الجزئية التي تسبب الاختلاف إزاء هذا العدو اللدود . .(1/47)
إنه لا يليق بالمؤمن الحصيف ولا بوظيفته المقدسة في هذا الوقت أن يهمل الذين ينزلون ضرباتهم القاضية بالإسلام فعلا ممن يستحقون اللعنة والذم بألوف المرات ويذهب إلى أزمان غابرة ليتحرى في الأحوال التي لم يأمر الشرع بالتحري فيها والتي لا جدوى منها بل فيها ضرر. .
إن من الضروري ترك العداء الصغير الطفيف الداخلي لدى هجوم الأعداء الضخام الخارجيين. إذ بخلاف ذلك سيكون الأمر في حكم العون للعدو الكبير الخارجي. ولهذا فعلى المنحازين من المسلمين إلى جهة من الجهات ضمن دائرة الإسلام، أن يتناسوا تلك العداوات الداخلية موقتاً، كما تقتضيه مصلحة الإسلام.
إن المسلم يختلف عن أفراد الأمم الأخرى، إذ لو تخلى عن دينه فلا يكون إلا إرهابيا فوضويا لا يقيده شيء أيا كان، بل لا يمكن إدارته بأي من وسائل التربية والإدارة إلا بالاستبداد المطلق والرشوة العامة .
إننا لا نجعل الدين أداة للسياسة، فليس لنا غاية إلا رضاه تعالى، ولن نجعل الدين أداة لا للسياسة ولا للسلطة ولا للدنيا برمتها . هذا هو مسلكنا .
إن اخطر شيء في هذا الزمان هو الإلحاد والزندقة والفوضى والإرهاب. وليس تجاه هذه المخاطر إلا الاعتصام بحقائق القرآن .
إن الذين يشنون هجومهم على الدين يريدون أن يرجعوا بالبشرية إلى عهود البداوة والجهل بقانون أساس ودستور جار لديهم متسترين باسم المدنية، والذي يفني سعادة البشرية وراحتها وعدالتها وسلامتها فهم يريدون أن ينفذوا هذا القانون في بلادنا المنكوبة فيزرعون بذور الشقاق والاختلاف وبلبلة الأفكار بالتخريب وصولا إلى مآرب شخصية وإشباعا للحرص والعناد .
إن رسائل النور التي هي ثمرة واحدة ونتيجة عظيمة كلية لنشاط العلم والمعرفة في الشرق جديرة بأن تلقى اهتمام العاملين للإسلام وهذه الأمة والعالم الإسلامي . .(1/48)
حذار حذار .. لا تفسحوا المجال لانتقاد بعضكم البعض الآخر فيستغل أهل الضلالة اختلاف مشاربكم وعروقكم الضعيفة وحاجاتهم المعاشية . صونوا آراءكم من التشتت بإقامة الشورى الشرعية بينكم، اجعلوا دساتير"رسالة الإخلاص" نصب أعينكم دائماً.
من " صيقل الإسلام"
إن الحق سينمو، نمو البذرة النابتة، وان تسترت تحت التراب . وان أهله سينتصرون وإن كانوا قلة وضعفاء بظلم الأحوال .
إن حقيقة الإسلام هي التي ستسود قارات العالم وتستولي عليها..
فيا للعجب! كيف يكون العبد عدوّ سيده، والخادم خصم رئيسه، وكيف يعارض الابن والده!! فالإسلام سيد العلوم ومرشدها ورئيس العلوم الحقة ووالدها.
إن معاصري - مع الأسف - وإن كانوا أبناء القرن الثالث عشر الهجري إلا انهم تذكار القرون الوسطى من حيث الفكر والرقي . وكأنهم فهرس، ونموذج، وأخلاط ممتزجة لعصور خلت - من القرن الثالث إلى الثالث عشر الهجري - حتى غدا كثير من بديهيات هذا الزمان مبهمة لديهم .
إن من توغل كثيراً في شيء، أدى به في الغالب إلى التغابي في غيره
من توغل في الماديات تبلد في المعنويات وظل سطحياً فيها .
لا يكون حكم الحاذق في الماديات حجة في المعنويات بل غالباً لا يستحق سماعه .
إن الذين يبحثون عن كل شيء في الماديات عقولهم في عيونهم، والعين عاجزة عن رؤية المعنويات .
يجب البحث عن الثريا في السماء لا في الأرض . فابحث عن معاني القرآن في أصدافه، لا في جيبك الحاوي على أخلاط، فإنك لن تجد شيئاً، وحتى لو وجدت فالقرآن يرفضه، إذ لا يحمل طغراء البلاغة .
إن الحديث النبوي معدن الحياة، وملهم الحقائق .
إن لكل زمان حكمه، والزمان كذلك مفسر.
الشهرة تملّك الإنسان ما لا يملك، إذ من سجايا البشر، إسناد الشيء الغريب أو الثمين إلى من اشتهر بجنسه، لإظهاره أصيلاً .
الاطمئنان والقناعة بالإحسان الإلهي في التوصيف فرض .
يجب ألا يخل بنظام المجتمع من كان داخلاً فيه .(1/49)
اصل الشيء تبينه ثمرته . شرف الشيء في ذاته لا في نسله .
إن إسناد قسم من الأحاديث الموضوعة إلى " ابن عباس " رضي الله عنه وأمثاله من الصحابة الكرام ، لأجل الترغيب أو الترهيب إثارة للعوام وحضاً لهم، إنما هو جهل عظيم .
تسعنا الأحاديث الصحيحة المفسرة الحقيقية للقرآن الكريم ونثق بها ونطمئن إلى التواريخ الصحيحة الموزونة بميزان المنطق .
إذا وقع المجاز من يد العلم إلى يد الجهل ينقلب إلى حقيقة، ويفتح الباب للخرافات. إذ المجازات والتشبيهات إذا ما اقتطفتها يسار الجهل المظلم من يمين العلم المنور، أو استمرتا وطال عمرهما، لانقلبت إلى " حقيقة " مستفرغة من الطراوة والنداوة، فتصير سراباً خادعاً بعدما كانت شراباً زلالاً، وتصبح عجوزاً شمطاء بعدما كانت فاتنة حسناء.
من الأصول المسلمة أنه يلزم اختيار أهون الشرين، إذ ترك ما فيه خير كثير لأجل شر جزئي فيه، يعني القيام بشر كثير .
من ادّعى الكل فاته الكل ..
إن التفسير والشريعة شيء وما ألف فيهما من كتب شيء آخر، فالكتاب يسع الكثير . ففي حانوت الكتاب أشياء تافهة غير الجواهر النادرة .
المبالغة تشوش الأمور وتبلبلها.
المبالغة افتراء على القدرة الإلهية. وهي فقدان الثقة بالكمال والحسن في العالم واستخفاف بهما.
إن كل حقيقة من حقائق الإسلام برهان نير كالنجم الساطع، يتلألأ عليه نقش الأزل والأبد .
إن الماضي مدرسة الأحاسيس والمشاعر المادية، بينما المستقبل هو مدرسة الأفكار .
إن ما يفتح حظ آسيا وسعد الإسلام هو الشورى والحرية، المشروطتان بتربية الشريعة الغراء .
إن الأمور التي تسمى بمحاسن المدنية ما هي إلا مسائل شرعية حولت إلى شكل آخر.
لابد من الدخول إلى البيوت من أبوابها، فان لكل باباً، ولكل قفل مفتاحاً .(1/50)
من لم يجد اللب ينهمك في القشر .. ومن لم يعرف الحقيقة يزل إلى الخيالات . ومن لم ير الصراط المستقيم يقع في الإفراط والتفريط .. ومن لا يملك ميزاناً ولا موازنة له يخدع وينخدع كثيراً .
إن الصديق الجاهل يمكنه أن يضر الدين بمثل ما يضر به العدو .
إن العلم بوجود شيء غير العلم بنوعيته وماهيته فلابد من التمييز بين هاتين النقطتين.
المحبة في القلب .. والعقل في الدماغ وطلبها في اليد والرجل عبث .
إن كل ما يمس الدين لا يلزم أن يكون من الدين، فان قبول كل مادة تمتزج مع الإسلام أنها من عناصر الإسلام، يعني الجهل بخواص عنصر الإسلام نفسه، لان العناصر الأربعة الأساسية للإسلام، هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس ،لا تولد مثل هذه المواد ولا تركبها .
إن مفتاح دلائل إعجاز الآيات وكشاف أسرار البلاغة، هو في معدن البلاغة العربية ، وليس في مصنع الفلسفة اليونانية .
لابد في كل خيال من نواة من حقيقة .
إن مراتب الأسلوب متفاوتة جداً، بعضها أرق من النسيم إذا سرى في السحر . وبعضها أخفى من دسائس دهاة الحرب في هذا الزمان، لا يشمه إلا ذوو الدهاء.
إن النظرة العابرة كثيراً ما تزل .
يجب أن يرفع مقام كل شيء بقدر استعداده، إذ العين والأنف وما شابههما من الأعضاء إن كان جميلاً فإنه يتشوه إذا جاوز الحد ولو كان ذهباً .
قد يذهب جندي بسيط إلى مواضع من العدو لاستكشاف ما لا يقدر عليه المشير، أو يؤدي تلميذ صغير من العمل ما لا يؤديه عالم كبير . إذ الكبير لا يلزم أن يكون كبيراً في كل أمر، بل كلٌ كبير في صنعته.
لا تمد نظرك إلى الخارج إلا مضطراً . أو بتعبير آخر، قاطع أموال الأجانب، فهو أساس مهم للحيلولة دون تبعثر ثروة البلاد .
أقول : انظر إلى من قال ؟ ولمن قال ؟ وفيمَ قال ؟ ولمَ قال ؟ إذ يلزم مراعاة هذه الأمور كمراعاة القول نفسه في نظر البلاغة بل هذا هو الألزم .
لا يلزم لكل علم أن يكون كلُ عالم ماهراً فيه .
الفهم اسهل من الإفهام .(1/51)
إن تحري النتيجة بتمامها من كل جزء من أجزاء المجموع ستر للحقيقة بالأوهام والشكوك.
إن الذي يحجب ظهور الحقيقة : الرغبة في المعارضة .. والتزام جانب المعارض .. وإعذار المرء نفسه - بالتزامه لها - وإرجاع أوهامه إلى اصل موثوق .. وتتبع الهفوات والعيوب .. والتحجج بحجج واهية صبيانية .. وأمثالها من الأمور .
إن شان الباطل هو انه إذا نظر إليه الإنسان نظر التبعي العابر يعطى له صحة الاحتمال، بينما إذا انعم النظر فيه يرفع ذلك الاحتمال ويدفع.
كم للوهم من حيل تروج ؟!
كما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، كذلك سطور كتاب العالم يفسر ما وراءه من إتقان وحكمة .
إن الإفراط والتفريط في الأخلاق يفسدان الاستعدادات والمواهب. وهذا الإفساد ينتج العبثية، وهذه العبثية مناقض للحكمة الإلهية المهيمنة برعاية المصالح حتى على اصغر شيء في العالم .
إن الأخلاق العالية إنما تتصل بأرض الحقيقة بـ"الجدية" وان حياتها وانتظام مجموعها إنما هي بـ"الصدق". ومتى ما انقطعت عرى الصدق والجدية منها صارت كهشيم تذروه الرياح .
يمكن بالقهر والجبر، تحكم ظاهري وتسلط سطحي، لكن الغلبة على الأفكار والتأثير بإلقاء حلاوته في الأرواح والتسلط على الطبائع مع محافظة حاكميته على الوجدان دائما لا يكون إلا من خوارق العادات وليس إلا الخاصة الممتازة للنبوة . فان لم تعرف هذه الحقيقة فأنت غريب عنها .
إن تعليم المعلوم عمل ضائع .
لو لم تنجر الكائنات إلى السعادة الأبدية لصار ذلك النظام ،صورة زائفة خادعة واهية، وتذهب جميع المعنويات والروابط والنسب في النظام هباء منثورا . بمعنى أن الذي جعله نظاما هو السعادة الأبدية .
ما أعظم ضرر الإطلاق في مقام التقييد، والتعميم في مقام التخصيص! ومن هذا تتعادى الاجتهادات المتآخية .
إن من محاسن الخلقة والفطرة: تقسيم المحاسن، ومنه انقسام المشارب، ومنه تفريق المساعي، ومنه امتثال فروض الكفاية في الخلقة، ومنه تقسيم الأعمال .(1/52)
إن في العالم اختلافا وتغيرا ونظاما شاملا . فالاختلاف هو الذي اظهر الحقائق النسبية التي هي اكثر بكثير من الحقائق الحقيقية . والنسبة لها وقع عظيم قد التفت رعايتها بوجود شرور مغمورة . فلولا القبح لانتفى حسن المحاسن الكثيرة .
سطحية الذهن اشد مرض ألمّ بنا .
إن الشجاعة والكرم في الرجل تدفعانه إلى النخوة والتعاون ،بينما تسوقان المرأة إلى النشوز والوقاحة وخرق حقوق الزوج .
إن عزة النفس التي يشعر بها الضعيف تجاه القوي، لو كانت في القوي لكانت تكبرا، وكذا التواضع الذي يشعر به القوي تجاه الضعيف، لو كان في الضعيف لكان تذللا .
إن جدية ولي الأمر في مقامه وقار، بينما لينه ذلة. كما أن جديته في بيته دليل على التكبر، ولينه دليل على التواضع .
إن تفويض الأمر إلى الله في ترتيب المقدمات كسل، بينما في ترتّب النتيجة توكل . كما أن رضا المرء بثمرة سعيه وقسمته قناعة، يقوي فيه الرغبة في السعي، بينما الاكتفاء بالموجود تقاصر في الهمة .
إن صفح المرء - عن المسيئين - وتضحيته بما يملك عمل صالح، بينما هو خيانة إن كان متكلما عن الغير - باسم الجماعة - وليس له أن يتفاخر بشيء يخصه، ولكن يمكنه أن يفخر باسم الأمة من دون أن يهضم حقها .
إن أركان الدين وأحكامه الضرورية نابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية المفسرة له، وهي تشمل تسعين بالمائة من الدين، أما المسائل الخلافية التي تحتمل الاجتهاد فلا تتجاوز العشرة منه ..
الكتب الفقهية إذن ينبغي أن تكون شفافة لعرض القرآن الكريم وإظهاره، ولا تصبح حجابا دونه كما آلت إليه - بمرور الزمن - من جراء بعض المقلدين، وعندئذ تجدها تفسيرا بين يدي القرآن وليست مصنفات قائمة بذاتها .
فلو وجهت حاجات المسلمين الدينية كافة شطر القرآن الكريم مباشرة، لنال ذلك الكتاب المبين من الرغبة والتوجه - الناشئة من الحاجة إليه - أضعاف ما هو مشتت الآن من الرغبات نحو الألوف من الكتب .(1/53)
ان هناك خطرا عظيما في مزج الضروريات الدينية مع المسائل الجزئية الفرعية الخلافية ،وجعلها كأنها تابعة لها، لان الذي يرى الآخرين على خطا - ونفسه على صواب - يدعى : إن مذهبي حق يحتمل فيه الخطأ والمذهب المخالف خطا يحتمل فيه الصواب !.. وحيث إن جمهور الناس يعجزون عن أن يميزوا تمييزا واضحا بين الضروريات الدينية والأمور النظرية الممتزجة معها، تراهم يعممون - سهوا أو وهما - الخطأ الذي يرونه في الأمور الاجتهادية على الأحكام كلها، ومن هنا تتبين جسامة الخطر ...
إن كل من يجد في نفسه كفاءة واستعدادا للاجتهاد يمكنه أن يجتهد ، ولكن لا يكون هذا الاجتهاد موضوع عمل إلا عندما يقترن بتصديق نوع من إجماع الجمهور .
إن استخدام أي شيء في غير موضعه يكون مآله التعطل، ولا يبين أثره المرجو منه .
المصلحة المرجحة المحققة لا تُضحى لأجل مضرة موهومة .
إن المصيبة ليست شرا محضا، فقد تنشا السعادة من النكبة والبلاء، مثلما قد تفضي السعادة إلى بلاء .
كانت خصومة الشرق تخنق انبعاث الإسلام وصحوته . وقد زالت وينبغي لها ذلك . أما خصومة الغرب فينبغي أن تدوم لأنها سبب مهم في تنامي الاخوة الإسلامية ووحدتها .
إن السياسة الحاضرة لإستانبول شبيهة بالأنفلونزا يسبب الهذيان. فنحن لسنا متحركين ذاتيا، بل نتحرك بالوساطة. فأوروبا تنفخ ونحن نرقص هنا، فهي تلقن بالتنويم - المغناطيسي - ونحن نتصورها نابعة من أنفسنا ونجري اثر تلقينه بتخريب أعمى أصم.
مَن فضّل رفيقه السياسي الفاسق على متدين يخالف رأيه السياسي، بإساءة الظن به، فالدافع هو السياسة . ثم أن إظهار الدين الذي هو مُلك مقدس للناس كافة -بالتحيز والتحزب - أنه أخص بمن في مسلكه دون غيره، يثير الأكثرية الغالبة ضد الدين . فيكون سببا في التهوين من شأن الدين ..فالدافع إذن التحيز .(1/54)
إن خدمة الدين وسوق الناس إليه إنما تكون بالحث على الإلتزام وتذكير أصحابه بوظائفهم الدينية . وبخلاف ذلك، فإن مخاطبتهم بأنكم ملحدون ،يسوقهم إلى التعدي .
العدو الذي غرز خنجره في قلب الإسلام لا يكتفي بسكوتنا عليه بل يقول : رحّب بي، تلذذ من أعمالي، وكنّ لي حبا .
يلبس الانتقام الشخصي الظالم أحيانا لباس الفكر .
إن إهمال السياسة الإسلامية الرفيعة في الحج والمتضمنة توحيد الأفكار بالتعارف وتشريك المساعي بالتعاون هو الذي أدى إلى تهيئة الوسط الملائم للأعداء ليستخدموا ملايين المسلمين في العداء للإسلام .
ستشرق شمس الحقيقة يوما، أ فيظل العالم في الظلام إلى الأبد .
إن إسناد محاسن المدنية إلى النصرانية التي لا فضل لها فيها، وإظهار التدني والتقهقر بالإسلام الذي هو عدو له، دليل على دوران المقدرات بخلاف دورتها، وعلى قلب الأوضاع .
إنني أظن أن الباعث على ذل هذه الأمة اكثر من الجهل هو الذكاء الأبتر العقيم غير المرافق لنور القلب ..
أيها المسلم ! إياك أن تنخدع، فلا تخفض رأسك ؟ فإن قطعة ألماس نادرة مهما كانت صدئة أفضل من قطعة زجاج لامعة دوما . فإن ضعف الإسلام الظاهري ناشئ من خدمة هذه المدنية الحاضرة في سبيل دين آخر .
نعم : نعم : اجل : اجل لو سكن طنين البعوض وهدأ دوي النحل فلا تأسوا ولا تحزنوا ولا تخمد أشواقكم أبدا ،فالموسيقى الإلهية العظيمة التي تجعل بنغماتها الكون في رقص وانتشاء، وتهز بأشجانها أسرار الحقائق، لم تسكن أبدا ولم تهدا .. بل تستمر قوية عالية هادرة. إن ملك الملوك وسلطان السلاطين ملك الأزل وسلطان الأبد ينادي بقرآنه الكريم الذي هو موسيقاه الإلهية، مالئا الكون كله صوتا صداحا هادرا في قبة السماء(1/55)
اروني مفسدا يقول : أنا مفسد ،وما هو الاّ مفسد إلا انه يتراءى في صورة الحق، أو يرى الباطل حقا ،نعم ما من أحد يقول : مخيضي حامض .. فلا تأخذوا شيئا إلاّ بعد إمراره على المحك، لأن أقوالا مغشوشة مزيفة قد كثرت في تجارة الأفكار .. حتى كلامي أنا لا تأخذوه على علاّته - بحسن ظنكم - لأنه صادر عني فقد أكون مفسداً أو افسد من حيث لا اشعر، فعلى هذا تيقظوا ! ولا تفتحوا الطريق إلى القلب لكل طارق. فليظل ما أقوله لكم في يد خيالكم ،واعرضوه على المحك ،فإن ظهر انه ذهب فأرسلوه إلى القلب، واحفظوه هناك، وان ظهر انه نحاس، فاحملوا على عاتق ذلك الكلام المنحوس كثيراً من الغيبة وشيعوه بسوء الدعاء علي وردوه خائباً إلي .
إن الذي عرف الحق ،لا يستبدله بشيء ،لأن شأن الحق رفيع وسام ما ينبغي أن يُضحى به لأجل أي شيء كان..
إن قطرات المطر ولمعات النور كلما بقيت متفرقة وظلت متناثرة ،جفت بسرعة وانطفأت حالاً . فينادينا رب العزة سبحانه قائلاً : ( ولا تفرقوا ) ( أل عمران : 103 ) (لا تقنطوا ) ( الزمر:53 ) ليحول بيننا وبين الانطفاء والزوال .
إن القلب أو الوجدان الذي لم يتزين بالفضائل الإسلامية لا ترجى منه الحمية الحقة والوفاء الصادق والعدالة الخالصة . ولكن لان الصنعة غير الفضيلة، فقد يقوم الفاسق برعي الأغنام جيداً، وقد يصلح شارب الخمر ساعة بإتقان حين لا يكون سكران، ولكن وا أسفى على ندرة الذين جمعوا النورَين معاً : نور القلب ونور الفكر، أو بعبارة أخرى الفضيلة والصنعة، فهم نادرون لا يكفون لملء الوظائف، فإذن إما الصلاح وإما المهارة .. وإذا تعارضا فالمهارة مرجحة في الصنعة .
فيا للعجب إن الشريعة التي نهت عن تعذيب نملة وأمرت ألا تداس عمداً . أتهمل حقوق بني آدم ؟ كلا ! .. ولكن نحن الذين لم نمتثل الشريعة .(1/56)
لا يكون المرء محبوباً لذاته، بل لصفته وصنعته لذا فكما لا يلزم أن تكون كل صفة من صفات المسلم مسلمة، كذلك لا يلزم أن تكون جميع صفات الكافر وصنعته كافرة أيضاً. فعلى هذا، لم لا يجوز اقتباس ما استحسناه من صفة مسلمة أو صنعة مسلمة فيه؟ فإن كانت لك زوجة كتابيه ،لا شك انك تحبها .
الداء إذا ما ظهر يسهل علاجه .
إن إعلاء كلمة الله في الوقت الحاضر يتوقف على الرقي المادي .
إن هناك كثيراً من السيئات كلما بقيت مستورة تحت ستار الحسنة ولم يمزق عنها حجابها وتغوفل عنها انحصرت في نطاق ضيق وربما يسعى صاحبها لإصلاحها تحت حجاب الحياء . ولكن ما إن يمزق الحجاب ويرفع حتى يرمى بالحياء فيزال، وإذا ما اظهر معه الهجوم، فالسيئة تتوسع توسعاً هائلاً .
أيا من أخاطبكم، ألا معذرةً، إني اصرخ عالياً، وأنا معتل منارة العصر الثالث عشر الهجري، أدعو أولئك المدنيين المتحضرين صورة وشكلاً والمتهاونين في الدين حقيقة، والذين يجولون في أودية الماضي السحيق فكراً .. أدعوهم إلى الجامع .. فيا أيتها القبور المتحركة برجلين اثنتين، أيتها الجنائز الشاخصة ! ويا أيها التعساء التاركون لروح الحياتين كلتيهما .. وهو الإسلام انصرفوا من أمام باب الجيل المقبل، لا تقفوا أمامه حجر عثرة، فالقبور تنتظركم .. تنحوا عن الطريق ليأتي الجيل الجديد الذي سيرفع أعلام الحقائق الإسلامية عالياً ويهزها خفاقة تتماوج على وجوه الكون .
لا يقطف عالم الممكنات من يد القدرة الإلهية تلك الثمرات التي نطلبها بهندسة عقولنا وتشهي هوانا وميولنا ..
فوا أسفى ! انه مثلما انتقلت محاسننا إلى غير المسلمين فسجايانا الحميدة هم الذين سرقوها كذلك، وكان قسماً من أخلاقنا الاجتماعية السامية لم يجد رواجاً عندنا، فنفر منا والتجأ إليهم، وان قسماً من رذائلهم لم يلق رواجاً عندهم فجُلب إلى سوق جهالتنا .(1/57)
لو أعطى الأذكياء زكاة ذكائهم، وصرف الأغنياء ولو زكاة زكاتهم لمنفعة الأمة، لتسابقت امتنا مع الأمم الأخرى .
إن الأمة باقية، بينما الفرد فان .
لا يحصل الاتحاد بالجهل، بل الاتحاد امتزاج للأفكار، هذا الامتزاج لا يتم إلاّ بالنور الوضيء للمعرفة.
إني على عزم جازم أن اقتحم المهالك - أياً كانت - أمام ما أصبو إليه من سلامة الإسلام، ولن يثنوني عن عزمي بالتهديد والتخويف. وما قيمة هذه الحياة الدنيا التي يفديها أدنى ارمني لقومه ؟ . فكيف أخاف عليها وعلاقتي واهية معها ..
إن مذهبي هو إبداء الحب للمحبة، وإظهار الخصام للعداء ،أي أن احب شيء إليّ في الدنيا هي المحبة، وابغض شيء عندي هو الخصام والعداء .
إن رفع أمر مستأصل في الطبيعة البشرية رفعاً آنياً يقتضي قلب الطبيعة البشرية رأساً على عقب .
ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الحديثة، فبامتزاجهما تتجلى الحقيقة، فتتربى همة الطالب وتعلو بكلا الجناحين، وبافتراقهما يتولد التعصب في الأولى والحيل والشبهات في الثانية .
إن إدانة العلم، بذنب ناشئ من عدم الحلم لشخص - اقترن علمه بعدم الحلم - كم هي حماقة وبلاهة، وكذلك فان إدانة العلماء المساكين - وهم المرشدون دوماً إلى قدسية الإسلام وسموه، والمبلغون لأحكام الدين حسب طاقاتهم والذين يستحقون اكثر احتراماً ومحبة ورحمة في الوقت الحاضر - إدانتهم بذنب وخطأ ناشئ عن عدم وجود علماء بمستوى لائق لهذا العصر، ثم إلقاء ذلك الذنب وتلك الخطيئة على كاهل هؤلاء المساكين، إن لم تكن هذه حماقة اعظم وبلاهة اكبر فما هي إذن.
يا أرباب الصحف ! على الأدباء أن يلتزموا بالآداب، وعليهم أن يتأدبوا بالآداب اللائقة بالإسلام، فينبغي أن تكون أقوالهم صادرة من صدور لا تحيد لجهة، ومن قلوب عموم الناس فيشترك معهم عموم الأمة .(1/58)
انه ثابت بالتجربة أن العقاب يأتي نتيجة ذنب إلا انه أحياناً ينزل العقاب ولمّا يُرتكب ذلك الذنب إلا انه اظهر نفسه في صورة ذنب آخر . فذلك الشخص رغم انه بريء من هذا الذنب إلا انه يستحق العقاب لذنب آخر خفي . فالله سبحانه ينزل به المصيبة فيلقيه في السجن لذنب خفي، فيعدل . بينما الحاكم يظلم لعدم ارتكاب الشخص ذلك الذنب، ولخفاء الذنب الخفي عنه .
أقول بكل ما املك من قوة : انه لا رقي لنا إلا برقي الإسلام الذي هو مليتنا، ولا رفعة لنا إلاّ بتجلي حقائق الشريعة .
لو دعيت من قبل المستقبل، من قبل محكمة العقلاء الناقدين باسم التاريخ لما بعد ثلاثمائة سنة . فسأبرز هذه الحقائق أيضاً إلا ما تحتاج من ترميم بعض جوانبها المتشققة .. بمعنى أن الحقيقة لا تتحول إلى أمر آخر.
ينبغي لنا الاقتداء باليابانيين في المدنية، لأنهم حافظوا على تقاليدهم القومية التي هي قوام بقائهم واخذوا بمحاسن المدنية من أوربا . وحيث إن عاداتنا القومية ناشئة من الإسلام وتزدهر به فالضرورة تقتضي الاعتصام بالإسلام .
إن الشريعة الغراء تمضي إلى الأبد لأنها آتية من الكلام الأزلي. والبرهان الباهر عليه هو أن الشريعة تتوسع وتنمو نمو الكائن الحي أي بنسبة نمو استعداد الإنسان وتشربه من نتائج تلاحق الأفكار وتغذيه عليها.
إن سبب تأخرنا وتدنينا وسوء أحوالنا إلى الآن ناتج مما يأتي:1- عدم مراعاة أحكام الشريعة الغراء 2- تصرفات بعض المداهنين تصرفاً عفوياً 3- التعصب المقيت في غير محله سواء لدى عالم جاهل أو جاهل عالم 4- تقليد مساوئ المدنية الأوروبية تقليداً ببغائياً.
على الوعاظ والمرشدين المحترمين أن يكونوا محققين ليتمكنوا من الإثبات والإقناع . وان يكونوا أيضاً مدققين لئلا يفسدوا توازن الشريعة. وان يكونوا بلغاء مقنعين كي يوافق كلامهم حاجات العصر. وعليهم أيضاً أن يزنوا الأمور بموازين الشريعة .(1/59)
هناك ستة أمراض، جعلتنا نقف على أعتاب القرون الوسطى في الوقت الذي طار فيه الأجانب - وخاصة الأوربيين - نحو المستقبل. وتلك الأمراض هي :1- حياة اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه 2- موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية 3- حب العداوة 4- الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض 5- سريان الاستبداد، سريان الأمراض المعدية المتنوعة 6- حصر الهمة في المنفعة الشخصية .
إن المستقبل سيكون للإسلام، وللإسلام وحده . وان الحكم لن يكون إلا لحقائق القرآن والإيمان ..
ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم أخلاق الإسلام وكمال حقائق الإيمان ،لدخل اتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعات وأفواجاً . بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام .
نحن معاشر المسلمين خدام القرآن نتبع البرهان ونقبل بعقلنا وفكرنا وقلبنا حقائق الإيمان، لسنا كمن ترك التقليد بالبرهان تقليداً للرهبان كما هو داب اتباع سائر الأديان. وعلى هذا فان المستقبل الذي لا حكم فيه إلا للعقل والعلم، سوف يسوده حكم القرآن الذي تستند أحكامه إلى العقل والمنطق والبرهان .
إن قصدنا من المدنية هو محاسنها وجوانبها النافعة للبشرية، وليس ذنوبها وسيئاتها، كما ظن الحمقى من الناس أن تلك السيئات محاسن فقلدوها وخربوا الديار فقدموا الدين رشوة للحصول على الدنيا فما حصلوا عليها ولا حصلوا على شيء .
كما أن الشتاء يعقبه الربيع والليل يخلفه النهار، فسيكون للبشرية ربيع ونهار إنشاء الله، ولكم أن تنتظروا من الرحمة الإلهية شروق شمس حقيقة الإسلام، فترى المدنية الحقيقية في ظل سلام عام شامل .(1/60)
كما أن وجود الجنة والنار ضروري في الآخرة فان الغلبة المطلقة ستكون للخير وللدين الحق في المستقبل، حتى يكون الخير والفضيلة غالبين في البشرية كما هو الأمر في سائر الأنواع الأخرى، وحتى يتساوى الإنسان مع سائر إخوانه من الكائنات، وحتى يحق أن يقال : انه قد تحقق وتقرر سر الحكمة الأزلية في النوع البشري أيضا
اليأس داء قاتل .
الصدق هو أس أساس الإسلام، وواسطة العقد في سجاياه الرفيعة ومزاج مشاعره العلوية. فعلينا إذا أن نحيي الصدق الذي هو حجر الزاوية في حياتنا الاجتماعية في نفوسنا ونداوي به أمراضنا المعنوية.
إن الكفر بجميع أنواعه كذب. والإيمان إنما هو صدق وحقيقة. وعلى هذا فالبون شاسع بين الصدق والكذب بعد ما بين المشرق والمغرب. ولا ينبغي أن يختلط الصدق والكذب اختلاط النور والنار، ولكن السياسة الغادرة والدعاية الظالمة قد خلطتا أحدهما بالآخر. فاختلطت كمالات البشرية ومثلها بسفسافها ونقائصها .
إني افضل حقيقة واحدة من حقائق الدين على ألف قضية سياسية من سياسات الدنيا
ان شمس الإسلام لن تكون تابعة لأضواء الأرض ولا أداة لها . وان محاولة جعلها آلة تعني الحط من كرامة الإسلام، وهي جناية كبرى بحقه .
إن الانقلاب العظيم الذي حدث في خير القرون أدى إلى أن يكون البون شاسعاً بين الصدق والكذب كما هو بين الكفر والإيمان إلا انه بمرور الزمن قد تقاربت المسافة بين الصدق والكذب، بل أعطت الدعايات السياسية أحيانا رواجاً اكثر للكذب. فبرز الكذب والفساد في الميدان واصبح لهما المجال إلى حد ما .
لا نجاة إلا بالصدق، فالصدق هو العروة الوثقى، أما الكذب للمصلحة فقد نسخه الزمان
عليك أن تصدق في كل ما تتكلمه ولكن ليس صوابا أن تقول كل الصدق، فإذا ما أدى الصدق أحيانا إلى ضرر فينبغي السكوت . أما الكذب فلا يسمح له قطعا .(1/61)
عليك أن تقول الحق في كل ما تقول ولكن لا يحق لك أن تقول كل حق ،لأنه إن لم يكون الحق خالصا فقد يؤثر تأثيرا سيئا، فتضع الحق في غير محله .
إن اجدر شيء بالمحبة هي المحبة نفسها واجدر صفة بالخصومة هي الخصومة نفسها
إن أسباب المحبة هي الإيمان والإسلام والإنسانية وأمثالها من السلاسل النورانية المتينة والحصون المعنوية المنيعة أما أسباب العداوة والبغضاء تجاه المؤمن فإنما هي أمور خاصة تافهة تفاهة الحصيات .
ان الود والمحبة والاخوة هي من طباع الإسلام وروابطه. والذي يحمل في قلبه العداء فهو أشبه ما يكون بطفل فاسد المزاج يروم البكاء بأدنى مبرر للبكاء، وقد يكون ما هو اصغر من جناح ذبابة كافيا لدفعه إلى البكاء. أو هو أشبه ما يكون برجل متشائم لا يحسن الظن بشيء مادام سوء الظن ممكنا. فيحجب عشر حسنات للمرء بسيئة واحدة ومن المعلوم أن هذا مناف كلياً للخلق الإسلامي القاضي بالإنصاف وحسن الظن .
إن سيئة امرئ واحد في هذا الزمان ،لا تبقى على حالها سيئة واحدة، وإنما قد تكبر وتسري حتى تصبح مائة سيئة كما أن حسنة واحدة أيضاً لا تبقى على حالها حسنة واحدة بل قد تتضاغف إلى الآلاف .
إن تكاسلكم وعدم مبالاتكم وتقاعسكم عن العمل لتحقيق الاتحاد الإسلامي والوحدة الحقيقية للامة الإسلامية، إنما هو ضرر بالغ وظلم فاضح.
إن الذي يأكل رغيفاً عليه أن يفكر كم يحتاج إلى الأيدي التي تحضر ذلك الرغيف فهو يقبل تلك الأيدي معنىً . وكذا الثوب الذي يلبسه ،كم من الأيدي والآلات والأجهزة تضافرت لتهيئته وتجهيزه، وقيسوا على منوال هذين المثالين لتعلموا أن الإنسان مفطور على الارتباط بأبناء جنسه من الناس لعدم تمكنه من العيش بمفرده وهو مضطر إلى أن يعطي لهم ثمناً معنوياً لدفع احتياجاته، لذا فهو مدني فطرة. فالذي يحصر نظره في منافعه الشخصية وحدها إنما ينسلخ من الإنسانية ويصبح حيواناً مفترساً.(1/62)
إن مفتاح سعادة المسلمين في حياتهم الاجتماعية إنما هو " الشورى"فالآية الكريمة تأمرنا باتخاذ الشورى في جميع أمورنا .
إن الإيمان يقيم دائماً في القلب والعقل حارساً معنوياً أميناً، لذا كلما صدرت ميول فاسدة عن تطلعات النفس والنوازع والأحاسيس المادية قال لها ذلك الحارس الرادع : محظور .. ممنوع .. فيطردها ويهزمها.
إن أفعال الإنسان إنما تصدر عن تمايلات القلب والمشاعر وهي تنبعث من شدة تحسس الروح وحاجتها والروح إنما تهتز بنور الإيمان، فان كان خيراً يفعله الإنسان والا يحاول الانسحاب ،وعندئذ لا تغلبه النوازع والأحاسيس المادية التي لا ترى العقبى .
إذا لم يفق الإنسان من غفلته بسرعة، ولم يسترشد بعقله ،ويفتح أبواب المحاكم لتنفيذ عدالة الله ضمن حقائق الإسلام ،فستنفلق على رأسه قيامات مادية ومعنوية ويسلم السلاح إلى الفوضويين والإرهابيين ومن هم أمثال ياجوج وماجوج.
اعلموا إن اليأس مانع كل كمال .
إن الاتفاق في الهدى وليس في الهوى والهوس .
إن السبيل المحمدي مستغن عن كل ما يومئ إلى الحيلة والشك لأنه منزه عن الخداع والشبهة .
إن نهر العلوم الحديثة والثقافة الجديدة الجاري والآتي إلينا من الخارج كما هو الظاهر ،ينبغي أن يكون أحد مجاريه قسماً من أهل الشريعة كي يتصفى من شوائب الحيل ورواسب الغش والخداع . لأن الأفكار التي نمت في مستنقع العطالة، وتنفست سموم الاستبداد وانسحقت تحت وطأة الظلم ،يحدث فيها هذا الماء الآسن العفن خلاف المقصود . فلابد إذن من تصفيته بمصفاة الشريعة وهذا الأمر تقع مسؤوليته على عاتق أهل المدرسة الشرعية .
إن الشريعة الغراء باقية إلى الأبد ،لأنها آتية من الكلام الأزلي وان النجاة والخلاص من تحكم النفس الأمارة بالسوء بنا هي بالاعتماد على الإسلام والاستناد إليه والتمسك بحبل الله المتين .(1/63)
من أراد العبودية الخالصة لرب العالمين لا ينبغي له أن يذل نفسه فيكون عبدا للعبيد . وحيث إن كل إنسان راع في ملكه وعالمه فهو مكلف بالجهاد الأكبر في عالمه الأصغر ومأمور بالتخلق بأخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) وإحياء سنته الشريفة .
ان إهمالا طفيفا في الدين أدى إلى إرساء قواعد طوائف الملوك وظهور الجاهليات الميتة قبل ثلاثة عشر قرناً وبالتالي إلى ظهور الفتن والقلاقل . وقد ظهرت فعلا وشاهدناها .
إن الظهور على المدنيين من منظور الدين إنما هو بالإقناع وليس بالإكراه . وبإظهار الإسلام محبوباً وسامياً لديهم وذلك بالامتثال الجميل لأوامره وإظهار الأخلاق الفاضلة. أما الإكراه والعداء فهما تجاه وحشية الهمجيين .
إن الأمور الأخروية لا حسد فيها ولا تنافر ولا تزاحم فأيما جمعية حسدت وزاحمت الاتحاد (الإسلامي ) فكأنما تنافق في العبادة وترائي فيها .
إن الجماعة التي تهدف إلى إعلاء كلمة الله لن تكون وسيلة لأي غرض مهما كان، وإذا تشبثت بالأغراض فلا يحالفها التوفيق قطعاً لأنه نفاق ،فشأن الحق عال وسام لا يضحى به من اجل أي شيء كان.
لقد تحملت آلامي الشخصية كلها ،ولكن آلام الأمة الإسلامية سحقتني، إنني اشعر بان الطعنات التي وجهت إلى العالم الإسلامي، إنها توجه إلى قلبي أولاً. ولهذا ترونني مسحوق الفؤاد. ولكني أرى نوراً سينسينا هذه الآلام إن شاء الله .
نحن نقًّبل يد المعاونة، ولا نقْبَل يد المعاداة فهما شيئان متغايران، لان كل صفة من صفات الكافر ليست بكافرة أو ناشئة من كفره، لذا لا مشاحة في مصافحة يد الكافر الذي مدها لمعاونة الإسلام، وذلك لدفع عدو الإسلام المعتدي العريق. بل قبولها إنما هو خدمة للإسلام .
من " سيرة ذاتية"
إنني مسلم، ملتزم، ومكلف بهذا الالتزام والوفاء به من حيث الإسلام. فعليّ أن أفكر فيما ينفع الأمة والدين والدولة ولا أقول ذلك القول الفاسد المميت :"مالي وهذا .. فليفكر فيه غيري "(1/64)
"المشاركة" في الماديات تعظم النتائج وتجعلها فوق المعتاد، بينما تصغرها بل تجعلها بسيطة وقبيحة في المعنويات. أما "دستور التعاون" فهو خلاف هذا تماما إذ يكون في الماديات وسيلة لنتائج جليلة بالنسبة للشخص، ولنتائج صغيرة جدا بالنسبة للجماعة، بينما في المعنويات تصعد النتائج إلى حيث الأمور الخارقة .
الإمكان شيء والوقوع شيء آخر . فمن الممكن أن يقتل أي إنسان أناساً كثيرين . فهل يحاكم أحد بتهمة "إمكان القتل " ؟ ومن الممكن أن يحرق عود الكبريت بيتا كاملا . فهل يمحى وجود الكبريت بناء على هذا الممكن ؟ .
إن العلوم الإيمانية التي هي شغلنا الشاغل تأبى أن تستغل لشيء سوى رضا الله ..
المسلم الحقيقي والمؤمن الصادق لا يكون مؤيدا للفوضى والتخريب. والدين يمنع الفتنة والفوضى بشدة، لان الفوضى لا تعترف بحق من الحقوق، وتقلب سجية الإنسانية وآثار الحضارة إلى سجية الحيوان المتوحش.
انه لا يقلقني سوى المخاطر المحدقة بالإسلام . إذ كانت المخاطر سابقا تأتى من الخارج وكانت مقاومتها يسيرة . أما الآن فإنها تأتي من الداخل حيث دبت الديدان في الجسد وانتشرت فيه فتعسرت المقاومه. إنني أخشى ما أخشاه ألاّ تتحمل بنية المجتمع هذا الداء الوبيل، لأنه لا يشتبه بالعدو. إذ يظن من يقطع شريانه ويمص دمه صديقاً. ومتى عميت بصيرة المجتمع إلى هذا الحد فقلعة الإيمان إذن في خطر داهم. لذا لا قلق لي إلا هذا ولا اضطرب إلا من هذا . بل ليس عندي زمن أضيعه في التفكير في التعب والمشاق التي أتعرض لها بنفسي . وليتني أتعرض لألف ضعف من شقائي ويسلم مستقبل قلعة الإيمان .(1/65)
العالم يمر بأزمة خانقة وقلق معنوي عظيم . فالمرض الذي دب في جسم المجتمع الغربي وزعزع دعائمه المعنويه كأنه وباء طاعون وبيل. فما الحلول التي يجابه بها مجتمع الإسلام هذا المرض المعدي الرهيب ؟ هل بوصفات الغرب النتنة المتفسخة الباطلة ؟ أم بأسس الإيمان الحيوية لمجتمع قلعة الإيمان ؟ إنني أرى الرؤوس الكبيرة سادرة في الغفلة . فقلعة الإيمان لا تسند بأعمدة الكفر النخرة ،ولهذا ابذل كل جهدي وسعيي في الإيمان وحده .. لذا ركزت جهدي كله من اجل الإيمان فقط .
يقولون : لماذا تجرح فلاناً وعلاناً ؟ لا ادري . لم اشعر ولم أتبين مما أرى أمامي من حريق هائل يتصاعد لهيبه إلى الأعالي يحرق أبنائي، ويضرم إيماني وإذ أنا أسعى لإخماده وإنقاذ إيماني، يحاول أحدهم إعاقتي فتزل قدمي مصطدمة به . فليس لهذه الحادثة الجزئية أهمية تذكر وقيمة أمام ضراوة النار ؟ يا لها من عقول صغيرة ونظرات قاصرة ! .
إن قراءة رسائل النور افضل مائة مرة من الحديث معي .
إن وظيفتنا هي العمل الإيجابي البناء وليس السعي للعمل السلبي الهدام. والقيام بالخدمة الإيمانية ضمن نطاق الرضى الإلهي دون التدخل بما هو موكول أمره إلى الله . إننا مكلفون بالتجمل بالصبر والتقلد بالشكر تجاه كل ضيق ومشقة تواجهنا وذلك بالقيام بالخدمة الإيمانية البناءة التي تثمر الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي .
إن المسألة الأساسية في هذا الزمان هو الجهاد المعنوي وإقامة السد المنيع أمام التخريبات المعنوية وإعانة الأمن الداخلي بكل ما نملك من قوة . .
ما دام الإخلاص التام هو مسلكنا. فبمقتضى الإخلاص التام لابد من التضحية والفداء ليس بالأنانية فحسب، بل لو منحت سلطنة الدنيا يستوجب تفضيل مسألة إيمانية واحدة باقية على تلك السلطنة .
أبنائي، لا تخافوا أبداً، فقد قصمت رسائل النور ظهر الملحدين والشيوعيين، فرسائل النور غالبة دائماً بإذن الله .(1/66)
أوصي بعدم إعلام موضع قبري حفاظاً على سر الإخلاص ولئلا اجرح الإخلاص الذي في رسائل النور . .
إن وظيفتنا الخدمة، أما التوفيق وإفهام الناس فهو يخص الله سبحانه. ونحن مكلفون بأداء مهمتنا . فلا داعي لليأس . فلا أهمية للكثرة بل الأهمية في النوعية . فرب طالب مخلص مضح خير من ألف من غيره .
أخي، أنا لست شيخاً، أنا إمام كالغزالي والإمام الرباني، فأنا مثلهم إمام، فعصرنا عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة .
نحن مكلفون بحسن الظن .
إن الاصطدامات التي تحدث جراء التيارات السياسية الضالة تجعل المحافظة على الإخلاص، والحيلولة دون جعل الدين وسيلة للدنيا، عسيرة .. والحل الوحيد أمام هذه التيارات هو الاستناد إلى العناية الإلهية واستمداد القوة منها .
لقد التحم في تأليف رسائل النور طي المكان وطي الزمان . أي أنها أصبحت تنهي أعمالاً كثيرة في زمن قصير وهذا التسخير الرباني إحسان من الله تعالى، وأنا اكتبها كما تلهم إلى قلبي وبشكلها الأصلي فلا أجرأ على تغييرها .
انتم تهتمون بشخصيتي اكثر مما استحق ،فأنا اعد الاهتمام والاحترام لشخصي إهانة لي، لأنكم بذلك تتعلقون بي وليس برسائل النور - المرتبطة بالقرآن الكريم - فأنا لا احب نفسي .. إنني لا شيء، أنا عدم، فلا تنتظروا مني شيئاً من الخوارق .
إن " سعيداً " لم يتراجع قط عن التضحية برأسه في سبيل دعوة الحق بل ضحى بكل ما لديه لرسائل النور .
إن الكمية دائماً تخدع الإنسان . ولكن الأهم هو النوعية، فلئن أصبحتَ وسيلة لتعريف رسائل النور إلى شخصين اثنين يبحثان بفطرتهما عن رسائل النور، وكنت سبباً لإنقاذ إيمانهما فقد أنجزت وظيفتك طوال حياتك الدراسية، فالإخلاص ليس في الكمية بل في النوعية .(1/67)
ليس هناك إنسان لا يفتح الله قلبه للإسلام، فعلى الذين يعملون في خدمة الإسلام أن يكونوا نابهين واعين، إذ الإنسان يشبه قصراً ذا مائة باب ولابد أن هناك باباً يدخل منه إلى ذلك القصر، ثم تفتح الأبواب كلها . بيد أن منافقي آسيا وزنادقة أوروبا منذ ألف سنة يعملون بالمكر والدسائس حتى اعموا عيون أبناء هذا الوطن وحجروا على عقولهم فسدوا تسعة وتسعين باباً أمام الإسلام، إلا باب الفطرة فهو مفتوح دائماً. فالمؤمن بفراسته يمكنه أن يكشف الباب المفتوح ،وعند الدخول من هذا الباب للإسلام سوف تفتح الأبواب المسدودة الأخرى لأجل الإسلام . فإذا ما غذي الإنسان بموازين رسائل النور الملائمة لفطرته، ولم يستعجل الأمور واخذ بالإخلاص وتمسك به فسينشرح بإذن الله قلب الشخص المقابل للإسلام . أما إذا ما بنى الإنسان عمله على الاستعجال، ومناقشة الأمور الجانبية، واتهام الشخص المقابل ،فهذا يعني انه يتوجه إلى الأبواب المسدودة فيتسبب في غلق الباب المفتوح كذلك.
الحقائق التي فهمتموها من الأمثلة التي تسوقها رسائل النور تكفيكم . كالذي يدخل بستاناً مزدهراً بالتفاح يكفيه ما تصل إليه يده أما الذي لا تصل إليه يده فذلك من حصة طويلي القامة فالذي لا يستوعب رسائل النور عليه ألا ييأس من عدم فهمها، فإنني أيضاً محتاج إلى رسائل النور مثلكم فكلما اقرأها مرة بعد مرة آخذ قسطاً من درسي وأفهم اكثر.
إن دعوتنا هي الإيمان، والجهاد يلي الإيمان وان زماننا هذا هو زمان خدمة الإيمان ووظيفتنا هي الإيمان وخدمتنا تنحصر في الإيمان .(1/68)