ملفات ساخنة..
قضايا وهموم الأمة الإسلامية
(العراق – الفالوجة)
د. رضا الطيب
الامين العام للجمعيات الشرعية
و عضو هيئة العلماء
محتويات الكتاب
عراق ما بعد الحرب (الجزء الاول) ..................... 4
عراق ما بعد الحرب (الجزء الثانى) ..................... 20
الفالوجة مؤتة العصر................................... 35
بسم الله الرحمن الرحيممقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلي آله وصحبه أجمعين، وبعد...فإن الأمم العظيمة والشعوب العريقة.. تولد بعقيدتها.. وتحيا بذاكرتها.والذاكرة .. هي الروح التي تسري في جسد الأمة فيطول بقاؤها..
وهي الدماء التي تتدفق في عروقها فتشتد عافيتها.وبالذاكرة.. تتذكر الشعوب أحداث ماضيها.. وتتفهمها وتتدبر معانيها..
وتستخلص العبر منها.. ودروس ما فيها.وبالذاكرة.. تتذكر الأمم عناصر قوتها وأسباب رفعتها في ما مضي من تاريخها
فتبني حاضرها ومستقبلها علي نهجها.وعندما تذبل الذاكرة في أمة من الأمم.. تذبل، وعندما تموت.. تموت.وفي الصفحات التالية نتناول تباعًا بعض أحداث وقضايا الأمة الإسلامية العظيمة وهموم المسلمين. نعرضها ونحللها لتعيش في ذاكرة الأمة وتحيا بها.
عراق ما بعد الحرب...(الجزء الأول)(1/1)
بغداد الخلافة.. عاصمة الرشيد.. حاضرة الإسلام.. منارة العلم.. بلاد الرافدين.. كان قدرها أن تكون محط الأطماع من تتار كل عصر، ولكنها في تلك المرة تهاجم بغل وحقد يهودي تدعمه قوة صليبية حاقدة.. تؤمن بخراب بابل.. وتنطلق فيه من عقيدة ترسخت في وجدانها.. بل وتعتبره خطوة أولي ومهمة في سبيل تحقيق حلم طالما داعب جفونها. عام ونصف علي سقوط بغداد.. عام ونصف والجرح مازال ينزف.. عام ونصف والمقاومة المجاهدة تكيل ضرباتها الموجعة للغزاة الغاشمين.. فما حصاد تلك المدة علي المستوي التحليلي؟ ولصالح من ترجح كفة الصراع فيها ؟ وما الأسلحة التي يمتلكها كل طرف منهما؟ وكيف يكون تقييم الظواهر التي أفرزتها تلك الفترة من الصراع؟ وما نتائج عام ونصف من الاحتلال والمقاومة؟ وأخيراً كيف يمكننا أن نري مستقبل الصراع في ظل معطيات الحاضر؟ أسئلة مثيرة نحاول الإجابة عنها من خلال هذا الملف الذي نفتحه معًا بفضل الله...
جغرافية العراق(1/2)
يقع العراق في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، تحيط به كل من تركيا شمالاً، إيران غرباً، الكويت والمملكة العربية السعودية والخليج العربي جنوباً. الجزء الشمالي من العراق يعرف باسم الجزيرة ويمتاز بطبيعته الجبلية الخلابة، حيث ترتفع أعلي نقطة فيه عند الحدود التركية مع العراق إلي ما يقارب 2.100 متراً ( حوالي 7000 قدم) فوق مستوي سطح البحر، ويحتل العراق اليوم أكبر جزء من أراضي ما بين النهرين القديمة وهي المنطقة الممتدة ما بين نهري دجلة والفرات. وقد سمي هذا الإقليم مهد الحضارات حيث شهد مولد حضارات مختلفة كانت السبب في انتقالنا من عصور ما قبل التاريخ إلي العصور التاريخية وفي هذا الإقليم بزغت أولي الحضارات وازدهرت ألا وهي الحضارة السومرية التي نشأت منذ حوالي 4000 سنة قبل الميلاد، هذه الحضارة العريقة التي سبقت حضارة مصر والحضارتين الإغريقية والرومانية. تعتبر اللغة العربية اللغة الرسمية في البلاد، وبسبب تعداد السكان الأكراد تعتبر الكردية اللغة الثانية المستعملة في العراق.يمتلك العراق أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم. ومن أهم صادراته النفط والتمور.أهم المدن
(بغداد) هي عاصمة العراق وتقع في منتصفها تقريبًا و(البصرة) أهم المدن في الجنوب وهي مركز لاستخراج وتصدير البترول علي الخليج العربي ثم (النجف) و(كربلاء). أما أهم المدن في الشمال فهي (كركوك) وتشتهر بحقول النفط و(الموصل) و(أربيل) و(السليمانية).
التركيبة السكانية وانعكاساتها علي طبيعة الصراع
عدد سكان العراق(1/3)
يقدر عدد سكان العراق بحوالي 27 مليون نسمة تقطن غالبيتهم علي ضفاف نهري دجلة والفرات، وحسب ماهو معلوم من طبيعة التركيبة السكانية في العراق وحسب ما أقره المجتمعون في مؤتمر المعارضة بلندن والذي عقد إبان التجهيز لغزو العراق فإن التركيبة السكانية في العراق تتألف من أربعة أعراق:1 - العرب: 66% (من السُّنَّة والشيعة).2 - الأكراد: 25% ويتبعون المذهب السُنِّي 3 - التركمان: 6%.4 - الآشوريون والكلدانيون: وهم نصاري العراق3%.وما يهمنا في هذا المقام هو إلقاء الضوء علي هذين الفصيلين- السُنّة والشيعة - الذين يمثلان الواجهة الحقيقية للعراق.. السُنَّة: مانريد أن نؤكد عليه هو أن العراق بلد عربي مسلم تم فتحه في عهد الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو بلد دخله الكثير من الصحابة وأقاموا به، وهو موطن أبي حنيفة النعمان وأحمد بن حنبل وابن الجوزي وابن رجب الحنبلي، وهو عاصمة الراشدين في أيام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ومركز خلافة المنصور والرشيد والمأمون والمتوكل والمعتصم.. وهو مركز قيادة العالم المعروف كله في العصر الذهبي للدولة الإسلامية في مائة العام الأولي من تاريخ الدولة العباسية، وبعد انكسار بغداد وأفول نجم العباسيين كانت بغداد سُنّية في العهود العثمانية، بل إن الجنوب العراقي كانت قبائله سُنّية، لكن بعد نجاح الصفويين ونشاط دعاة الرافضة في «المحمرة» و «عبدان» في إيران انتشرت الشيعة في الجنوب، وهذا يعني أن الأصل في العراق أنها سُنِّية وأن داء التشيع فيها حديث.أما عن التوزيع الجغرافي للعرب سُنَّة وشيعة، فلا توجد دائماً حدود فاصلة بين كل الطوائف داخل العراق وهذا ما يؤكد علي التمازج الشديد بينها اللهم إلا في خصوصيات المذاهب والعادات والتقاليد المتوارثة.(1/4)
وإن كان هناك تركيز للشيعة في مدن الجنوب وتركيز للسُنَّة في الوسط وخاصة ما يعرف بالمثلث السُنِّي وتركيز للأكراد في الشمال.علي أية حال فالتواجد السُنِّي مثلاً في بغداد لا يقل كما هو مشهور عن النصف، وبما أن بغداد بها مايربو علي ستة ملايين نسمة فإن السُنَّة فيها يربو عددهم علي ثلاثة ملايين نسمة، وهناك عدة محافظات كاملة سُنِّية؛ منها ثلاث هي: (الموصل ـ وصلاح الدين «تكريت» ـ والرمادي «الأنبار»)، وأربع محافظات كردية سُنية، وهي: (دهوك ـ وأربيل ـ والسليمانية ـ وكركوك)، ويوجد تجمع سُنِّي كبير في محافظة ديالي، وهي إلي الشرق، وكذلك يوجد تجمع سُنِّي في محافظة بابل (الحلة)، ويوجد تجمع سُنِّي ثالث كبير في محافظة البصرة، ولا يقل التجمع السُّنِّي في تلك المحافظات الثلاث عن المليون، وهذا ما يؤكد تفوق السُنَّة علي الشيعة من حيث العدد داخل العراق..أما عن الشيعة: فلا بد أن نؤكد بداية علي أن المذهب الشيعي منذ بدايته قد عمل علي نشره وتهيئة المناخ له يهودٌ أرادوا من ورائه زعزعة الأصول الإسلامية والترويج لأفكار لا تمت إلي الإسلام بصلة حتي يستطيعوا من خلالها إبعاد الإسلام الحقيقي عن حلبة الصراع.. من هنا فإن الترويج للزعم بأن الشيعة في العراق أكثر من السُنَّة يصب في ذات الاتجاه وذلك بهدف تثبيت ذلك الادعاء حتي يسهم بشكل أو بآخر في تعاظم النفوذ الشيعي علي حساب السُنَّة. ترسيخًا وتعميقًا لانقسام المسلمين علي أنفسهم.وهناك عوامل أخري أسهمت أيضاً في رواج هذه الإحصائيات غير الصحيحة منها: 1-كثرة عدد المحافظات الشيعية النسبي عن المحافظات السُنِّية مما جعل البعض يظن أن أعداد الشيعة أكبر دون النظر إلي الكثافة السكانية.2-عدم وجود إحصاءات رسمية من عهد النظام السابق نظراً لعدم اعتماد التنوع الطائفي أساساً للتعداد.(1/5)
3-القدرة الشيعية علي التجمع والتفافهم حول مرجعياتهم -بعكس السُنَّة- وخروجهم بأعداد غفيرة في تظاهرات توحي بالكثرة في أعدادهم.وهكذا استقر في الأذهان هذا التقسيم المغلوط، وساعد الأمريكان علي ترويجه وبنوا عليه قرارات سياسية.. مثل موضوع العضوية داخل مجلس الحكم حيث أعطي الشيعة خمسة وعشرين صوتاً أو مقعداً في حين أعطي السنة صوتاً.وربما كانت أكثر الإحصائيات اتصافًا بالحياد هي إحصائية (المنظمة الإنسانية الدولية للعراق) والتي تأسست في عام 1997لتوجيه العمل الإنساني داخل العراق في ظل الحصار المفروض عليه آنذاك، وتظهر الإحصائية تفوق السُنَّة بما يزيد عن 819 ألف و950 نسمة علي الشيعة.وما نريد أن نؤكده أننا لم نورد هذا الجدل حول أعداد السُنَّة والشيعة في العراق من أجل ترجيح كفة علي آخري، وإنما بغية الوصول إلي الحقيقة أولاً، ولفت الأنظار إلي المحاولات المستمرة لليهود والأمريكان من أجل بث الخلاف والفرقة داخل الصف الإسلامي، وما أحداث التفجيرات في المناطق الشيعية واغتيال رموزهم عنا ببعيد. لذا فإننا هنا ومن هذا المنبر ندعو الجميع إلي الاجتماع علي الأصول والثوابت المتفق عليها والاعتصام بكتاب الله عز وجل سُنَّةً وشيعةً وأن يكونوا يداً واحدة علي المحتل الغاشم الذي لايريد سُنّةً ولا شيعةً ولا إسلامًا من الأصل، وليتذكروا قوله تعالي: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران:103)
بداية المسلسل
المبررات الواهية(1/6)
منذ صعود صدام حسين إلي السلطة وهو ينفذ - بوعي أو بغير وعي- أجندة صهيونية أمريكية طبقاً لمعطيات الأحداث الوقتية، تختلف فيها الأهداف التكتيكية المرحلية، لكن الهدف الاستراتيجي يبقي واحداً لا يتغير، فحرب إيران التي جرته إليها أمريكا والتي استمرت ما يقرب من ثماني سنوات لم يكن لها هدف إلا ما أرادته أمريكا وهو إضعاف الثورة الإيرانية، ووقف زحفها وتصديرها إلي الدول المجاورة، ناهيك عن إيجاد سوق رائجة لتصدير السلاح، وتدمير ترسانة الأسلحة الأمريكية التي ورثتها الثورة الإيرانية عن الشاة؛ وبعد ذلك كان غزو واحتلال الكويت أيضاً لم يكن له هدف إلا أن توجد أمريكا لنفسها ذرائع مقنعة للعالم بأسره كي تبسط سلطانها علي الأراضي العربية، والمياه العربية، والأجواء العربية؛ وعلي كل. فقد حدث ذلك، وبدأت أمريكا بعد ذلك تنظر إلي العراق النظرة الأخيرة في أهدافها التكتيكية؛ إنها تريد أن يكون العراق هو النموذج الذي يجب اتباعه من كل دول المنطقة، ولذلك فبعد أن انسحبت القوات العراقية من الكويت قامت أمريكا بدفع المجتمع الدولي بأسره إلي الموافقة الصريحة علي فرض عقوبات اقتصادية علي العراق، ثم بدأت حلقة أخري في مسلسل الكذب الأمريكي وهي امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وبدأت مهزلة المفتشين الدوليين الذين كان معظمهم في الحقيقة عيونًا وجواسيس لأمريكا علي منشآت العراق وقدراته التسليحية.. ثم كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة سانحة لأمريكا كي تجد ذريعة أخري لتنفيذ مخططاتها في العراق فكانت فرية علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن الذي اعتبرته أمريكا رمزاً للإرهاب!!بدأت أمريكا بعد ذلك في تسليط الأضواء علي تلك الأكاذيب من خلال أداة إعلامية جبارة يمتلك اليهود كل خيوطها وذلك تمهيداً لدفع العالم كله إلي الإيمان بوجوب التخلص من نظام صدام حسين علي حد زعمهم ونشر الحرية والديمقراطية في العراق..(1/7)
سارت الأمور علي النحو الذي تبتغيه أمريكا، وأصبح العالم كله مهيأً لسماع خبر غزو العراق، وبالفعل وبعد حشد الجيوش والأساطيل.. وتحالف أوصمت الجميع بما فيهم الدول العربية تَمّ الغزو.. وسقطت بغداد!!!نعم سقطت.. لا لضعف أهلها في الدفاع عنها ولا لعجز الشعوب العربية عن حمايتها وإنما من أجل أن يعلم الجميع أنه وبدون أن يكون الإسلام هو المحرك الأساسي لكل تصرفاتنا فلن يكون هناك نصر أبدا.وفي مشهد أشبه بمشاهد أفلام هوليود، ومن فوق إحدي حاملات الطائرات يظهر الرئيس الأمريكي وهو يهبط من طائرة حربية ويعلن علي العالم كله نهاية الحرب في العراق وسقوطها سقوطاً سريعاً تحت وطأة القوة التي لاتقهر.. القوة الأمريكية..لكن خاب ظن الرجل.. وأتت الرياح بما لاتشتهي السفن.. لقد كان سقوط بغداد بمثابة الشرارة التي فجرت «الجهاد» وأظهرت معدن الشعب العراقي صاحب الكرامة الأبية، والأنفة العربية، الذي لايرضي أبداً أن يكون ميدانًا لإحياء الأحلام اليهودية، ولا ساحة لنهب الثروات العربية ولادُمْية في يد حكومة عميلة تستبيح خيراته وثرواته، وتقدمها هبة لمحتل غاشم.وبدأت المقاومة، وبدأ معها التعتيم الإعلامي الأمريكي، وأصبح العالم كل يوم يسمع عن ضحايا الانفجارات والكمائن والسيارات المفخخة والعمليات الاستشهادية من الجنود الأمريكان الذين غرر بهم قادتهم وأقنعوهم أنهم سيقضون نزهة في العراق.. فإذا بأبواب الجحيم تفتح عليهم.. وإذا بهم يساقون إلي الموت سوقًا.فما هي أسلحة المقاومة التي تفعل كل هذا بقوات التحالف اليهودي الصليبي؟ وما هي في المقابل أسلحة ذلك التحالف التي يحاول بها القضاء علي هذه المقاومة أو علي الأقل النجاة من ضرباتها!! هذا ما سنعرفه من العناصر التالية..
عناصر الصراع عند الطرفين بين القوة والضعف(1/8)
المقاومة العراقيةتمتلك المقاومة العراقية عدة عناصر للقوة يمكن تحديدها علي النحو التالي:(1) العقيدة الدافعة للقتال: إن أخطر وأول عنصر تمتلكه المقاومة العراقية هو عنصر العقيدة الدافعة للقتال ووجود القضية التي تحارب من أجلها، فالمقاوم العراقي يحارب دفاعاً عن دينه ومقدساته وأرضه وشرفه وعرضه.. وقتاله هذا من منظوره جهاد في سبيل الله والموت في ذلك القتال هو الشهادة والفوز بالجنة والدليل علي ذلك يتجلي بوضوح شديد في القتال الأخير الذي دار مؤخراً حول وداخل مدينة النجف بين رجال جيش المهدي التابع للزعيم الديني الشيعي الشاب مقتدي الصدر وقوات التحالف الأمريكية ومعها القوات المتعاونة من الشرطة العراقية فقد كان العالم كله يري علي شاشات التلفاز تلك النماذج الفذة للبطولات الخارقة والعقيدة الصلبة عند هؤلاء الشباب الذين يحملون تلك الأسلحة البسيطة ويتصدون بصدور عارية للدبابات والمدرعات الأمريكية وطائرات الآباتشي فيسقط منهم الشهداء بالعشرات والجرحي بالمئات فتتلوهم موجات وموجات أخري من الشباب المجاهد لم يزدهم استشهاد إخوانهم إلا تصميماً وإصراراً علي اللحاق بهم، حتي عجزت القوات المعادية عن دخول المدينة وانسحبت خارجها.- أما تلك الملحمة الرائعة للشجاعة وقوة العقيدة فقد تجسدت في مدينة الفالوجة التي عجزت القوات المتحالفة عن إسقاطها وكسر شوكتها واضطرت إلي الانسحاب منها بعد أن دخلتها بالفعل تحت عنف الضربات القاتلة للمقاومة الباسلة والخسائر الفادحة التي وقعت بين صفوفها من الأفراد والعتاد واضطرت إلي عقد هدنة واتفاق تاريخي مع أبطال الفالوجة حفظت به ماء وجهها.. وغطت به علي تللك الهزيمة النكراء التي ألحقها بها المجاهدون الذين احتفظوا بالمدينة.((1/9)
2) قيادة عسكرية راقية وخبيرة بحرب المدن: لم يتخيل غالبية المهتمين بالأمور العسكرية ولا السواد الأعظم من عامة الناس في العالم أن تكون المقاومة العراقية علي هذا الشكل المدهش من الخبرة والدراية بحرب المدن مما وضع جيوش الحلفاء في وضع خطير وكرب ثقيل جعلها تتراجع إلي مواقع الدفاع. فالمقاومة تنتشر وتغطي معظم أراضي دولة العراق وتوقيتات عملياتها تمتد علي مدي الأربع والعشرين ساعة لا فرق بين الليل والنهار، وعددها يزداد يوماً بعد يوم حتي وصل في بعض الأيام إلي سبعين أو ثمانين عملية قتالية في اليوم الواحد.. والمجموعات التي تنفذ هذه العمليات يتراوح عدد أفرادها ما بين عدد أصابع اليد الواحدة إلي مجموعات يبلغ قوامها ستين أو سبعين مقاتلاً في عمليات تشبه المعارك الحربية وليس العمليات الفدائية والجدير بالذكر أن معظم هذه العمليات ناجحة وتحقق أهدافها في إسقاط العشرات من جنود التحالف يومياً بين قتيل وجريح وتدمير العشرات من آلياته العسكرية، وكل هذه العمليات تتم بتنسيق كامل وتوزيع جغرافي مدروس وحجم وتسليح يناسب العملية المطلوبة بشكل محكم.. من هنا يتضح لنا أن كل هذه العمليات أو الغالبية العظمي منها علي الأقل لها قيادة واحدة تمسك بجميع الخيوط بيدها.. قيادة ذات فكر وذكاء عسكري راق علي المستوي الاستراتيجي والتكتيكي، وقدرة عالية علي التخطيط والتنفيذ ووسائل اتصال واسعة، ودراسة جغرافية لميدان وساحة القتال. والحقيقة أن أعظم ما يثير الاحترام لهذه القيادة هو أنها استطاعت أن تحافظ علي سريتها حتي اليوم فلا أحد يعرف من هي ولا أين تقيم ولا كيف تتنقل ولا كيف تتصل برجالها وتدبر احتياجاتها..(1/10)
وهذا الشعور بالتقدير والاحترام لقيادة المقاومة العراقية لا يمكن إلا أن يثير فينا ذلك الشعور المقابل بالحزن والأسي علي حال قيادات الجهاد الفلسطيني المعروفين بكل تفاصيل حياتهم وتحركاتهم للعدو اليهودي بما يمكنه من اصطيادهم واحدا وراء الآخر في الوقت والزمان الذي يحدده هو وبدون أدني مشقة لا فرق بين أصغر مجاهد وأعلي رمز للجهاد والنتيجة ذلك التراجع الشديد في العمليات الاستشهادية والجهادية علي ساحة الجهاد الفلسطيني وذلك التساقط السريع والخطير للقيادات الخبيرة والمتمكنة للجهاد الفلسطيني.(3) منظومة استخباراتية وأمنية ذات كفاءة عالية: إن من أخطر الأسلحة التي تمتلكها المقاومة العراقية وأشدها تأثيرا في ترجيح كفتها علي قوات الاحتلال سلاحاً لا يري علي ساحة القتال ولكنه يكاد يكون صاحب اليد الطولي في توجيه دفة الصراع.. ذلك السلاح هو تلك المنظومة الاستخباراتية والأمنية ذات الكفاءة العالية للمقاومة.. فمن الواضح والجلي أن المقاومة العراقية تمتلك منظومة استخباراتية وأمنية في منتهي القوة والكفاءة والدليل علي ذلك في المجال الاستخباراتي أنها استطاعت وتستطيع أن ترصد معظم تحركات القوات المحتلة ومن يتعاون معها وأن تنصب لهم الأكمنة الدقيقة والفخاخ المحكمة والمصائد القاتلة ليقع أفرادها ما بين قتيل وجريح وأسير.أما في المجال الأمني فإن الأمر المبهر والذي يثير إعجاب الجميع أن المقاومة حتي تلك اللحظة لم تُخْتَرق أمنياً ولم تستطع قوات الاحتلال وعملاؤها أن تخترق صفوفها بالرغم من كل أصناف المداهمات والقبض العشوائي علي العراقيين وضغوط السجن وأعمال التنكيل والتعذيب الوحشي لمن يقع في أيديهم من أفراد المقاومة.((1/11)
4) خطوط إمداد وتموين مفتوحة وآمنة: تحتاج المقاومة العراقية لاستمرارها في القتال إلي عنصرين هامين هما عنصر الرجال وعنصر الإمداد بالتموين والعتاد والوضع فيهما علي النحو التالي:أ- عنصر الرجال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23) إن الركيزة الأساسية لإمداد المقاومة بالرجال هو الشعب العراقي فهو يشكل المعين الذي لا ينضب لدفع الرجال المجاهدين الذين يجددون دماء المقاومة أولا بأول.. ويضاف إلي ذلك عنصر آخر خطير له دور حيوي في ذلك المجال هو عنصر المجاهدين المسلمين الذين أخذوا يتوافدون من شتي بقاع الأرض لإقامة فريضة الجهاد علي أرض العراق حيث المعركة واضحة وجلية بين جيش الحق وجيوش الكفر وحيث انتقل الجهاد فيها إلي المرتبة الأولي بين ساحات الجهاد في أفغانستان والشيشان وكشمير والفلبين والبوسنة والهرسك ومقدونيا وغيرها من ساحات الجهاد.وقد ساعد علي هذا الجذب أمور ثلاثة:الأول: أن الانتصار أو الهزيمة في أي بقعة من البقاع المذكورة ستكون نتائجه محدودة بمكانها في المقام الأول.. أما النصر أو الهزيمة في العراق فنتيجته إما اندحار ذلك الإعصار المدمر الهادف لاحتلال جميع أراضي الإسلام والمسلمين وإما ازدياد شدته وعنفوانه محققا أهدافه الخبيثة.الثاني: انفتاح الحدود العراقية وسهولة عبورها وصعوبة السيطرة عليها من قوات التحالف خاصة أن الدول المجاورة التي تشترك في حدودها مع العراق دول مسلمة تتعاطف مع المقاومة العراقية إما شعباً وحكومة مثل سوريا أو شعباً فقط مثل الأردن وإما أنها دول معادية للحلفاء مثل إيران مما يجعلها تتعاطف وتغض الطرف عن تلك الموجات العابرة من المجاهدين عبر أراضيها إلي داخل العراق.(1/12)
الثالث: طبيعة القتال الذي يتيح للمجاهدين تحقيق انتصارات واضحة وضربات قاتلة ومدمرة لقوات التحالف الغربي حيث تسير القوافل العسكرية وأرتال المركبات القتالية وقوافل الإمداد والتموين في وضح النهار بين المدن العراقية وداخل شوارعها مما يجعلها صيدا سهلاً للمجاهدين وذلك بعكس أماكن الجهاد الأخري مثل أفغانستان علي سبيل المثال فقوات التحالف اليهودي الصليبي فيها حصرت نفسها في مكانين هما وسط العاصمة (كابول). وقاعدة (باجرام) الجوية حيث تحصنت داخلهما وأقامت الحصون والمتاريس حولهما ولا تخرج منهما إلا نادراً مما جعل وصول المجاهدين إليهم صعباً واصطيادهم عزيز المنال.ب-عنصر الإمداد والتموين: تحتاج المقاومة لاستمرارها إلي إمداد من التسليح وتموين من المواد المعيشية من غذاء وكساء ودواء وغيرها.وإمداد التموين لا مشكلة فيه حيث إن أفراد المقاومة يعيشون حياتهم الطبيعية بين أفراد الشعب العراقي وبعضهم يمارس عمله ويكتسب رزقه وينفق علي أهله خاصة وأن رجال المقاومة لا يطلبون الكثير في معاشهم وأن العراق بلد غني بخيراته.أما إمداد السلاح فحدث ولا حرج.. فإن المصدر الأول والوافر للسلاح في أيدي المقاومة هو ذلك الكم الهائل من الأسلحة والذخائر التي خزنها صدام حسين لوقت احتياجه لها ثم تركها مجبرًا بعد سقوطه للشعب العراقي وهي معين لا ينضب لتزويد المقاومة بالسلاح، أما المصدر الثاني للسلاح فهو ذلك المدد المستمر من الدول المجاورة والذي يتم شراؤه وتهريبه عبر الحدود المفتوحة بينها وبين العراق، لذلك فإن المقاومة لا تجد أي مشقة في الحصول علي تموين الغذاء والكساء والدواء ولا علي إمداد السلاح خاصة أن متطلبات المقاومة من السلاح بسيطة جداً ولا تتعدي البنادق والرشاشات وقاذفات الصواريخ وراجمات الدبابات «آر. بي. جيه» ومدافع الهاون والمواد المتفجرة من الديناميت والـ «تي. إن. تي» المستخدمة في صناعة القنابل والمتفجرات وتفخيخ السيارات.(1/13)
عناصر القوة الأمريكيةتنقسم عناصر القوة في الحروب والمعارك العسكرية إلي نوعين أساسيين:النوع الأول: هو القوة العسكرية بكل مفرداتها وملحقاتها بما فيها الدعم اللوجيستي( النقل والإيواء والتموين).والنوع الثاني: هو القوي الأخري المساندة للقوات العسكري مثل القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية والمعنوية وغيرها وفيما يلي نبين دور كل من هذه القوي في ميزان الصراع لصالح القوات الأمريكية.1- القوة العسكرية: تمتلك القوات المسلحة الأمريكية ومعها قوات الدول التي تساعدها قوات عسكرية تتكون من (157.000 جندي) تقريبًا منهم 137.000أمريكي وعشرة آلاف بريطاني وحوالي 3.300 جندي كوري جنوبي وثلاثة آلاف بولندي و2500 إيطالي و1500 استرالي ثم أعداداً تعد بالمئات من دول أخري وهذه القوة البشرية تدعمها قوة من المعدات والمركبات العسكرية ما بين طائرات قاذفة ومقاتلة وطائرات مروحية وسيارات قتالية ومدرعات ودبابات وغيرها.ولقد كانت هذه القوة العسكرية هي العنصر الأقوي والسلاح الحاسم الذي تفوقت به القوات المتحالفة علي قوات الجيش العراقي في بداية الحرب وحققت به نصرًا حاسمًا انتهي بسقوط بغداد السريع.. وكانت هذه هي المرحلة الأولي من الحرب وهي مرحلة الحرب النظامية بين الجيوش.ثم بدأت المرحلة الثانية وهي مرحلة حرب المقاومة..وهنا تغيرت الأحوال تمامًا فقد انتقلت القوات العسكرية الأمريكية من ميادين القتال المفتوحة علي الأرض وفي السماء والتي تستطيع فيها أن تصول وتجول وأن تملك الغلبة والتفوق بلا منازع إلي حرب المدن والشوارع وأسطح البيوت.. وهو وضع قتالي لم تُعَدَّ له تلك القوات علي الإطلاق ولا تطمع أن تحقق فيه نصرًا حيث تحول العدو من قوات عسكرية وقواعد ومنشآت ضخمة يمكن رصدها وتدميرها بسهولة إلي اشباح تتحرك في الشوارع بين المدن وداخل البيوت حركة خفيفة بأسلحة بسيطة..(1/14)
تظهر للقوات الأمريكية فجأة فتلدغ لدغتها وتضرب ضربتها ثم تختفي كما ظهرت مخلفة وراءها الدمار والخراب ما بين دبابات مدمرة ومدرعات مشتعلة وجنود قتلي وجرحي وحرقي.وبدلاً من أن تراجع القوات الأمريكية نفسها وتعيد حساباتها بفكر عسكري عقلاني صحيح فتري أن هذه القوات ليست هي المُعدَّة والمؤهلة لهذه الحرب، إذ بها تُصرُّ علي الاستمرار في استخدام تلك القوات النظامية وتزيد من ضرباتها حتي وصلت إلي مرحلة الاستخدام الغاشم وغير الفعال للقوة النظامية ضد أشباح لا تراهم مع كل ما يتبع ذلك من تكلفة مالية باهظة واستهلاك سريع للمعدات وانخفاض لمعنويات الجنود وإقرار من الجميع بعجز هذه القوات عن تحقيق الانتصارات في صراعها مع المقاومة مهما طال أمده. وبهذا يمكن القول أن القوة العسكرية الأمريكية التي نجحت في تحقيق نصر واضح وحاسم علي قوات الجيش العراقي في المرحلة الأولي من الحرب قد فشلت فشلاً ذريعًا في تحقيق أي نصر علي المقاومة في المرحلة الثانية من الحرب بل إنها انقلبت إلي عبء عسكري ومالي واقتصادي ومعنوي علي الدول المتحالفة.النوع الثاني: القوة المساندة للقوي العسكرية:هناك عدة قوي استطاعت الولايات المتحدة أن تسخرها لمصلحتها لخدمة حربها في العراق ونجحت فيها بدرجات متفاوتة تذكر منها:1- القوة السياسية: استطاعت الولايات المتحدة وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 1002م أن تشيع جوًا من الإرهاب السياسي في العالم أجمع.. فجميع الدول في العالم وخاصة الدول الإسلامية والعربية تنتظر في خوف وترقُّب انفجار بركان الغضب والانتقام الأمريكي.. ونجحت أمريكا في الصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والدول الإسلامية والعربية وأعلنت سياسة (من ليس معنا فهو ضدنا) في حربها ضد الإرهاب فأخذ الجميع يتسابقون إلي إرضائها خوفًا من غضبها.(1/15)
وكانت النتيجة أن استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق انتصارات مهمة في مواقف سياسية كثيرة بالضغط والإرهاب علي دول العالم مثل نجاحها في اعتراف الأمم المتحدة ودول العالم بأن المنظمات الإسلامية الجهادية في فلسطين وكشمير والشيشان والعراق منظمات إرهابية فبدأت معظم الدول العربية والإسلامية تتبرأ من هذه المنظمات وتتخلي عن دعمها السياسي والمالي والمعنوي لها. كذلك نجحت في أن يعلن العالم أجمع أنه معها ضد الإرهاب فاستطاعت أن تشكل تحالفًا ضخمًا غزت به أفغانستان وحازت به صياغة شرعية دولية حتي عندما أرادت أن تغزو العراق وامتنعت الأمم المتحدة عن اعطائها قرارًا شرعيا يبيح لها ذلك لانعدام المبررات الحقيقية للغزو، ألقت بالأمم المتحدة خلف ظهرها وغزت العراق واحتلت أراضيه ولم تملك الأمم المتحدة تحت الخضوع للهيمنة الأمريكية الطاغية، إلا أن تصدر قرارًا يستدرك مافات ويعطيها شرعية الوجود علي أرض العراق بصفتها قوات احتلال.2- قوة الإعلام: استطاعت الولايات المتحدة أن تستخدم القوي الإعلامية العالمية استخدامًا مزدوجًا ناجحًا في مصلحتها..(1/16)
فعلي الجانب الإيجابي نجحت في أن تسخر تلك القوة الجبارة في إشاعة مفاهيم جديدة في شتي أنحاء العالم يلصق تهمة الإرهاب بالإسلام وبكل ما هو مسلم، واستطاعت قبل غزوها للعراق مباشرة ومن خلال الخديعة وتواطؤ وسائل الإعلام معها أن توحي للعالم أن صدام حسين يشكل خطرًا محدقًا بالعالم وأنه يستطيع أن يضرب دول الغرب بالأسلحة البيولوجية في ساعات معدودات وأنه علي وشك امتلاك أسلحة ذرية ونووية حتي وصل الأمر إلي أن يقف وزير خارجية أمريكا (كولن باول) طيلة ساعتين داخل مجلس الأمن بكل حماسة مدعياً -كذبًا واعتمادًا علي بيانات مضللة- أن العراق بحوزته من الأسلحة التدميرية ما يهدد سلام العالم أجمع وهو ما ثبت أخيرًا كذبه وافتراؤه وحيدته عن الصواب حتي أن ذلك الوزير يعاني اليوم ودولته من الخزي والعار في كل موقف يواجهه فيه الإعلاميون والصحفيون، وسيظل هذا الموقف وصمة عار في تاريخه السياسي.وعلي الجانب السلبي: فقد نجحت الولايات المتحدة في إجراء تعتيم إعلامي غير مسبوق ومفضوح علي أحداث القتال في العراق فحرَّمت علي الجميع تصوير المعارك العسكرية بين جنودها والمقاومة العراقية بكل ما ينتج عنها من تدمير للمركبات العسكرية وقتل للجنود ووصل الأمر إلي منع بعض القنوات الإعلامية الفضائية من بث أخبارها من العراق بالكامل لأنها تنقل الأحداث بشكل حيادي ومنها قناة الجزيرة، وكذلك إغلاق الجريدة التابعة للإمام مقتدي الصدر لأنها تهاجم الاحتلال، بل وصل الأمر إلي حد قتل المراسلين الصحفيين والمصورين الذين يصرون علي تحدي هذا الخطر وتسجيل الحقائق حتي لا تظهر للعالم.(1/17)
ولكن شاءت إرادة الله رغم هذا التعتيم الإعلامي الرهيب أن تُخترق هذه القوة الظالمة والباغية والغاشمة من داخلها فسرّب بعض الجنود العاملين بأحد سجون العراق (سجن أبي غريب) صورًا وشرائط فيديو تفضح ما يتعرض له المسجونون والمعتقلون من فضائح وتعذيب وامتهان لآدميتهم وإنسانيتهم وشرفهم وأعراضهم مما أوجد موقفًا صَدَم العالم أجمع ودمَّر سمعة أمريكا كدولة راقية متحضرة تحترم حقوق الإنسان وتسعي لنصرة المظلومين ورآها العالم علي حقيقتها العارية.. دولة تقوم علي أكتاف رجال ليسوا من البشر وإنما هم عصبة من الشواذ الساديين العنصريين الذين يتلذذون بتعذيب إخوانهم في البشرية ويستمتعون بفضحهم وكشف عوراتهم وإتيان أفعال مخزية معهم لا يأتي بها الحيوان مع الحيوان.. وصدق ربنا عز وجل حين يقول: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة:8)
وسائل المقاومة العراقية لإدارة دفة الصراع
الضرورات تبيح المحظورات.. أصدق ميدان تطبق فيه تلك القاعدة الشرعية هو ساحة القتال، خاصة إذا كان القتال يدور بين محتل غاشم وأناس يدافعون عن عقيدتهم وهويتهم ووطنهم؛ وتصديقًا لذلك فقد استخدمت المقاومة العراقية كل ما من شأنه تحقيق أهدافها سواء الاستراتيجية أو التكتيكية، وقد تمثلت أهم تلك الوسائل في: التصفية الجسدية للعملاء المتعاونين مع الاحتلال(1/18)
فطنت المقاومة منذ اللحظات الأولي للصراع إلي أن من أخطر الأسلحة المضادة لها والتي من الممكن أن تزلزل أركانها عنصرين: العنصر الأول: هو عنصر العملاء والخونة الذين تجندهم قوات الاحتلال لاختراق صفوفها وكشف أسرارها. والعنصر الثاني: هو ذلك الصنف من قوات الجيش والشرطة الذي قبل أن يتعاون مع الاحتلال في ضرب أبناء وطنه من رجال المقاومة. فعمدت المقاومة إلي العنصر الأول وقامت برصده وتصفيته جسديا والتنكيل به بلا شفقة أو رحمة كي يكون عبرة لكل من تسول له نفسه الخيانة والعمالة وعينها في ذلك علي التجربة المريرة للشعب الفلسطيني الذي لم يفطن لهذا الأمر منذ البداية وغفل عنه حتي تغلغل الخونة والعملاء الفلسطينيون داخل البيوت الفلسطينية وأصبحوا هم السبب الأول في اغتيال الغالبية العظمي من رجال المقاومة والمجاهدين الفلسطينيين وعلي رأسهم رموز الجهاد كالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهما.. أما العنصر الثاني: وهم رجال الشرطة والجيش المتعاونون مع الاحتلال فقد قامت المقاومة بمهاجمة ثكناتهم ودورياتهم ومراكز تدريبهم وضربهم بيد من حديد ضربات موجعة يسقط فيها العشرات ما بين قتلي وجرحي وذلك بهدف محدد وهو استئصال شأفة ذلك التوجه بين قوات الشرطة والجيش العراقيين ودفع جميع القوات العراقية إلي عدم التعاون مع الاحتلال في ضرب المقاومة العراقية.. وللعلم فإن الغالبية العظمي من تلك القوات هي من الوطنيين الشرفاء الذين لا يعينون المحتل علي إخوانهم وأبناء وطنهم مما دفع بعض القادة العسكريين الأمريكيين إلي اتهامهم بالجبن.. وبالفرار عند أي مواجهة بين المقاومة وبين قوات الحلفاء والشرطة العراقية.. والحقيقة أنهم يفرون من قتال إخوانهم وأبناء وطنهم وهؤلاء لا تتعرض لهم المقاومة علي الإطلاق.إختطاف المدنيين الأجانب(1/19)
اشتد الجدل كثيرا حول هذه القضية بين مؤيد ومعارض ولكل حججه وأسانيده فالمعارضون يقولون إن هذا الأمر مخالف للقيم الإنسانية وان هؤلاء المدنيين مسالمون قد جاءوا لمساعدة أهل العراق في إعمار بلادهم وإن الإسلام براء من عمليات الاختطاف هذه وإن كثيرًا منهم من السائقين البسطاء الذين جاءوا لطلب الرزق علي شاحنات مدنية.أما المقاومة العراقية فلها رأي آخر وإن كنا نحن في مجال التحليل لا نبدي رأينا بقبوله أو رفضه إلا إنه رأي جدير بالتوقف عنده والنظر فيه والاعتبار بنتائجه.:تبرير المقاومة لعمليات الاختطاف ونتائجها:1- إن العراق في هذه المرحلة من الصراع الدموي بين قوات الاحتلال الغاشمة والمقاومة الوطنية الضاربة أصبح ساحة مشتعلة بالنار والبارود ولم يعُد هناك شبر واحد علي أرض العراق بمنأي عن خطر الرصاص والقنابل والصواريخ والسيارات المفخخة والعمليات الإستشهادية فما الذي يدفع المدنيين المسالمين من مختلف أنحاء العالم إلي التكالب علي الحضور لأرض العراق في ظل ظروف بالغة الخطورة لطلب الرزق وعندهم متسع في جميع بلاد العالم الأخري الآمنة السالمة.. وعلي كلٍ فمن قبل المجيء فليتحمل الأخطار!!2- إن الغالبية العظمي من المدنيين الأجانب - إن لم يكن جميعهم - جاءوا لخدمة ودعم قوات الاحتلال والقضاء علي المقاومة والفوز بنصيب من ثروات العراق التي ظنوا أنها أصبحت مشاعًا ونهبًا للجميع..(1/20)
فالعدد الأكبر من المدنيين الأجانب هم عسكريون سابقون في بلادهم ورجال مخابرات سابقون وحاليون جاءوا من خلال منظمات أمن سرية لأداء أدوار بالغة الخطورة في حماية القيادات العسكرية والسياسية الأمريكية والعراقية العميلة وحراسة الأماكن والمراكز الحساسة وتأمين الدوريات والقوافل العسكرية والمدنية للاحتلال والبعض الآخر من الخبراء والفنيين الذين جاءوا لإصلاح وتطوير بعض الأنشطة والقطاعات الهامة والحيوية في العراق مثل قطاع البترول ليس بغرض تحقيق مصلحة الشعب العراقي ولكن بغرض الوصول بإنتاج البترول إلي أقصي طاقاته لاستنزافه واغتصابه لصالح تحالف اليهود الصليبيين.أما هؤلاء السائقون البسطاء الذين يقودون الشاحنات المدنية فإن الغالبية العظمي منهم يقودون شاحنات تحمل كل سبل الإمداد والتموين من الدول المجاورة للعراق مثل تركيا والكويت والسعودية والأردن إلي القوات المحتلة في العراق ما بين سلاح وذخيرة ومواد غذائيةومحروقات ووقود ومياه وأدوية ومستلزمات طبية وغيرها.. وأهل الخبرة يعلمون جيدا مدي أهمية وخطورة هذه الإمدادات للجيوش ومدي الأضرار الفادحة الناتجة عن ضربها وتدميرها.وعندما بدأت المقاومة في تنفيذ عمليات الاختطاف لم يكن الهدف قتل هؤلاء الرهائن ولكن كان الهدف تحقيق مطالب محددة للمقاومة كلها تدخل في نطاق حقها المشروع في الدفاع عن بلدها وشعبها وقد كانت مطالبها كما يلي:* خطف بعض الرهائن لدول تشارك في التحالف المحتل للعراق ومطالبة هذه الدول بسحب قواتها من العراق وإلا قتلت رعاياها.والحقيقة أن هذه العمليات آتت أكلها بشكل مباشر لصالح المقاومة فقد استجابت بعض الدول وقامت بسحب قواتها مثل الفلبين وأسبانيا فأطلقت المقاومة سراح رعاياها..(1/21)
أما الدول التي عاندت مثل إيطاليا وبولندا فقد قامت المقاومة بقتل رعاياها مما أدي إلي ظهور موجات عارمة من السخط الشعبي علي حكومات تلك الدول ساهم في ازدياد الضغوط الداخلية المتزايدة عليها لسحب قواتها من العراق.. كذلك فقد كانت هناك الكثير من المشروعات والأفكار لإرسال قوات إسلامية أو قوات عربية من غير دول الجوار لدعم قوات الحلفاء.. فلما بدأ ذلك التيار بخطف الرهائن تراجعت كل تلك الدول واختفت كل تلك المشاريع والأفكار.* خطف السائقين ومطالبة الشركات التابعين لها بالدول المجاورة للعراق بإيقاف كل أنشطتها بالبلاد والتوقف عن نقل العتاد إلي قوات الاحتلال.. وبالفعل فإن الشركات التي قبلت ذلك وهي الغالبية العظمي قد أطلق سراح رهائنها من السائقين بعد أن أعلنت وقف تعاقداتها مع قوات الاحتلال وإنهاء أعمالها داخل العراق، وهذا الأمر بالذات أدي إلي إلحاق أضرار بليغة ومتزايدة بقوات الاحتلال.* خطف بعض الرهائن وطلب مقايضتهم بالسجناء والسجينات العراقيات المجاهدات.(1/22)
تدمير أنابيب البترول وتخريب المصافي:امتلكت المقاومة العراقية فكراً استراتيجياً شاملاً ورؤية تحليلية واسعة لمفردات الصراع مع قوات الاحتلال فلم تكتف بالنظرة العسكرية الضيقة وإنما امتدت رؤيتها لتشمل تحديد كل أهداف العدو التي يعمل علي تحقيقها في شتي المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والمعنوية فتوجه لها ضرباتها لتقضي عليها وتدمرها.. وكان علي رأس الأهداف الاقتصادية للعدو رفع كفاءة قطاع البترول وزيادة معدلات تصديره لتحقيق ثلاثة أهداف للاحتلال:الأول: توفير الأموال اللازمة لمواجهة تلك النفقات الهائلة التي تبتلعها آلة الحرب العسكرية للحلفاء في صراعها مع المقاومة العراقية.الثاني: ضخ كميات أكبر من البترول في السوق العالمية والتحكم فيه والضغط به علي اقتصاد الدول الغربية لتصفية الحسابات معها، وترسيخ الهيمنة الاقتصادية لأمريكا علي العالم!!الثالث: العمل علي استنزاف أحد أهم وأخطر عناصر الثروة العربية والإسلامية ليخرج من عناصر القوة في معادلة الصراع بين الإسلام وتحالف اليهود والصليبيين.لذلك فقد عمدت المقاومة إلي تخريب مصافي النفط في كركوك والبصرة وبغداد وغيرها من المدن وتفجير الأنابيب التي تنقل البترول إلي ميناء جيهان التركي وميناء البصرة جنوبي العراق وهما أكبر ميناءين لتصدير البترول العراقي.. وبالفعل نجحت المقاومة نجاحاً واضحاً في ذلك الميدان فلا يمر أسبوعان أو ثلاثة إلا وينفجر أحد هذه الخطوط أو تُخَرَّب إحدي هذه المصافي فيتوقف تدفق البترول لأيام وأسابيع وفي بعض الأحيان لشهور.. وما يكاد الإصلاح يتم ويعود الخط للعمل حتي يدَمَّر من جديد وهكذا دواليك..(1/23)
وبالرغم من أن قوات التحالف عمدت إلي تجنيد الألوف من المقاتلين الغربيين المرتزقة ومن رجال الشرطة العراقيين ومن بعض رجال العشائر لحماية تلك المرافق الاقتصادية الخطيرة إلا أن فاعلية ضربات المقاومة أصابته بما يشبه الشلل والانهيار وبالفعل نجحت المقاومة العراقية في تحييد ذلك العنصر وإخراجه من أن يكون عنصر قوة لصالح العدو في معادلة الصراع بينهما.
استخدام السيارات المفخخة والعمليات الاستشهادية(1/24)
تستخدم السيارات المفخخة لتدمير نوعين من الأهداف:-النوع الأول: هو الأهداف المتحركة سواء كانت أرتالاً من ا لمركبات أو قوافل من المدرعات يراد تدميرها أو أفراداً من القيادات العسكرية والسياسية يراد اغتيالها وفي هذه الحالة يتم شحن حقيبة السيارة المستخدمة في العملية بكمية من المتفجرات عادة ما تكون مادة الـ «تي. إن. تي» أو غيرها من المتفجرات المتطورة تتفق مع حجم العملية المطلوبة ثم توقف السيارة علي أحد جانبي الطريق الذي سيمر به الهدف المطلوب تدميره أو في أحد مواقف السيارات لنفس الغرض وعند مرور ذلك الهدف يتم تفجير السيارة بجهاز تحكم عن بعد فتنفجر مدمرة الهدف المطلوب.أما النوع الثاني من الأهداف التي تستخدم السيارات المفخخة لتدميره: فهي الأهداف الثابتة مثل مراكز قيادة العدو ومراكز الشرطة العراقية المتعاونة مع الاحتلال ومراكز تدريب واستقبال المتطوعين الجدد ونقاط التفتيش علي الطرق وفي هذه الحالة تتحول السيارات المفخخة إلي عمليات استشهادية حيث يقوم أحد الاستشهاديين بركوب وقيادة السيارة والهجوم بها علي المركز المراد تدميره حتي يصل إلي داخله أو نقطة محددة بالقرب منه فيفجر السيارة وهو بداخلها لتدمير الهدف المطلوب ومعها الاستشهادي الذي يقودها.. وهذه العمليات الاستشهادية هي المناظرة للعمليات الاستشهادية الفلسطينية مع الفارق أن الاستشهادي الفلسطيني يلف الشحنات المتفجرة حول وسطه وصدره لأنه يستطيع الوصول إلي أفراد العدو والاندساس وسطهم بشكل مباشر بعكس المقاوم العراقي.(1/25)
ومن أهم العمليات الاستشهادية بالسيارات المفخخة التي تركت أثراً استراتيجيا هاماً لصالح المقاومة تلك العملية التي دُمِّر َفيها مقر الأمم المتحدة ببغداد والتي قتل فيها الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، مما نتج عنه انسحاب الأمم المتحدة من العراق وإيقاف نشاطها ببغداد بعد أن حاولت قوات التحالف أن تجعل منها ورقة التوت التي تضفي الشرعية علي وجودها بالعراق.
الكمائن والمصائد القتالية
تستخدم الكمائن والمصائد القتالية في حالة محددة هي أن يكون المطلوب تدميره والقضاء عليه هو العنصر البشري أي قتل وإصابة جنود العدو في المقام الأول وليس الآلية العسكرية.. وفي هذه الحالة يتم تعطيل قافلة المركبات أو رتل المدرعات بتفجير قنبلة تزرع علي جانب الطريق أو بإطلاق صاروخ من علي الكتف أو قذيفة «آر. بي. جي» علي بعض المركبات أو المدرعات في القافلة وحين يخرج جنود العدو من المركبات المصابة يتم اصطيادهم والقضاء عليهم بواسطة أفراد المقاومة الكامنين لهم علي جانب الطريق خلف السواتر وفي المخابيء، ومن أهم عمليات الكمائن ذلك الكمين الذي تم فيه اصطياد وقتل أربعة من أخطر عناصر المخابرات الأمريكية في زي مدني وقيام الأهالي بإخراجهم من السيارات وإشعال النار بأجسادهم في مدينة الفالوجة مما مثل خسارة فادحة وإهانة أليمة للقوات الأمريكية بدأت بسببها حربها علي الفالوجة.
أهداف المقاومة من القتال(1/26)
إن الهدف الاستراتيجي والأساسي للمقاومة علي أرض العراق، هو إخراج المحتل الغاصب وعودة العراق للعراقيين ويتم هذا عن طريق تحقيق عدة أهداف تكتيكية تمثل خطوات علي بداية الطريق لتحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي، ولذلك فإنه يكون مخطئاً من يظن أن هدف المقاومة هو القضاء علي القوات العسكرية الأمريكية وحلفائها فهذا أمر لا يمكن تحقيقه ولم يكن مستهدفاَ في ظل التفاوت الشديد في موازين القوي والعتاد بين الطرفين ولكن المقاومة تهدف من وراء عملياتها القتالية إلي ما يلي:1- محاولة إيقاع أكبر عدد من الإصابات بين جنود العدو ما بين قتيل وجريح ومعاق حتي يكون ذلك ضاغطاً عصبياً ونفسياً مؤلماًعلي طرفين: الطرف الأول هو الجندي الأمريكي الذي يفقد الشعور بالأمن وينتظر الموت علي كل طريق وخلف كل جدار.. والطرف الثاني هو الشعب الأمريكي الذي يعيش في قلق دائم وخوف مستمر علي أبنائه من الجنود مما يدفعه لمعارضة الحرب علي العراق وطلب انسحاب القوات الأمريكية وعودة الشباب الأمريكي إلي بلاده كما حدث من قبل في حرب فيتنام وفي الصومال والتي لم تنسحب أمريكا منهما إلا تحت الضغط الشعبي العنيف علي الحكومة الأمريكية.2- محاولة تدمير أكبر عدد من الآليات العسكرية ما بين دبابات ومدرعات وسيارات عسكرية بالإضافة إلي الطائرات الآباتشي والمقاتلة بهدف تحقيق أكبر قدر من الخسائر المادية مما يحقق ضغطًا علي الحكومة الأمريكية لتوفير الموارد المالية المطلوبة لتعويض هذه الخسائر.3- توسيع ميدان العمليات القتالية ليشمل أكبر مساحة ممكنة لإثبات فشل قوات التحالف في فرض الأمن علي أرض العراق وبيان أن الاحتلال الأمريكي جاء وبالاً علي كل من يمشي عليها وهو عكس ما تدعيه أمريكا من أنها تحكم قبضتها علي مقاليد الأمور وتحقق الأمن والأمان للمواطنين كما وعدتهم.(1/27)
4- العمل علي تفكيك التحالف المزعوم الذي صنعته الولايات المتحدة مدعيةً أنه إجماع دولي علي حرب العراق وذلك من خلال توجيه بعض العمليات لقتل جنود الدول المشاركة في التحالف حتي لو كانت هذه القوات تحتل أماكن غير حيوية وغير استراتيجية وكذلك خطف الرهائن من رعايا تلك الدول والتهديد بقتلهم في حالة ما لم تسحب قواتها العسكرية من أرض العراق وهو ما حدث بالفعل لبعض الدول مثل إيطاليا وبولندا.5- يلحق بذلك مباشرة هدف حيوي آخر هو إيقاف ذلك المد الخطير من تكالب الألوف بل عشرات الألوف من هؤلاء المرتزقة علي أرض العراق الذين يشكلوا جيشاً إضافيا موازياً لجيش الاحتلال وداعماً له من العسكريين السابقين ورجال المخابرات ورجال الأمن في الدول الغربية والمتعاونة معها.6- تحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر الاقتصادية الاستراتيجية وذلك بالتحديد في مجال البترول لحرمان الولايات المتحدة من تحقيق ذلك الهدف الخطير وهو الاستيلاء والسيطرة علي بترول العراق للتحكم به في أسعار السوق العالمية والضغط علي الدول الغربية. وتحقق المقاومة ذلك الهدف بإحداث أكبر قدر من التدمير والتخريب للمنشآت البترولية وعلي رأسها مصافي التكرير وخطوط الأنابيب الموصلة لموانئ التصدير، وذلك ليتحقق قول الله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36) وهكذا ندرك حجم المأزق الذي يعانيه الأمريكان في العراق جراء تلك المقاومة الضارية من المجاهدين العراقيين، وهذا الفكر الاستراتيجي الذي تتبناه المقاومة..(1/28)
وفي الحلقة القادمة بإذن الله سوف نستعرض أهم النتائج التي أسفر عنها ذلك الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، كذلك سنسلط الضوء علي موقف الدول جميعها سواء إسلامية أم غير إسلامية من تلك الحرب، ونحاول أن نري مستقبل الأحداث في المنطقة طبقاً لمعطيات الحاضر الذي نعيشه الآن.
عراق ما بعد الحرب...(الجزء الثاني) نشر هذا الملف في العدد الثالث السنة الأولي من مجلة التبيان
شوال 1425 هـ / ديسمبر 2004م
بغداد الخلافة.. عاصمة الرشيد.. حاضرة الإسلام.. منارة العلم.. بلد الرافدين.. كان قدر ها أن تكون محط الأطماع من تتار كل عصر، ولكنها في تلك المرة تهاجم بغل وحقد يهودي تدعمه قوة صليبية حاقدة.. تؤمن بخراب بابل.. وتنطلق فيه من عقيدة ترسخت في وجدانها.. بل وتعتبره خطوة أولي ومهمة في سبيل تحقيق حلم طالما داعب جفونهم. عام ونصف علي سقوط بغداد.. عام ونصف والجرح مازال ينزف.. عام ونصف والمقاومة المجاهدة تكيل ضرباتها الموجعة للغزاة الغاشمين.. فما حصاد تلك المدة علي المستوي التحليلي؟ ولصالح من ترجح كفة الصراع فيها ؟ وما الأسلحة التي يمتلكها كل طرف فيها؟ وكيف يكون تقييم الظواهر التي أفرزتها تلك الفترة من الصراع؟ وما نتائج عام ونصف من الاحتلال والمقاومة؟ وأخيراً كيف يمكننا أن نري مستقبل الصراع في ظل معطيات الحاضر؟ أسئلة مثيرة نحاول الإجابة عنها من خلال هذا الملف الذي نفتحه معًا في حلقته الثانية بفضل الله...
نتائج حرب العراق
من المؤكد أن العراق كشعب ووطن وحضارة قد أُضِير بسبب هذا الغزو والاحتلال الغاشم.. لا شك في ذلك ، لكن المؤكد أيضاً أن هذا الاحتلال كان وبالاً علي المحتلين وبداية الغرق في مستنقع لامخرج منه ولامهرب.. عموماً سنستعرض هنا أهم النتائج التي تمخضت عنها تلك الحرب:إشعال فتيل الجهاد في العالم الإسلامي(1/29)
إن أبلغ ما يعبر عنه الوضع الحالي في العراق هو أن القوات الأمريكية بعدوانها وظلمها وجبروتها قد أيقظت مارد الجهاد وأنها قد أشعلت فتيل البارود في بعث جديد للجهاد الإسلامي ضد كل قوي الكفر والظلم والطغيان التي تجمعت علي أرض العراق مكررة مع الفارق ذلك البعث الجهادي الذي كان علي أرض أفغانستان ضد القوات السوفيتية والذي نال إعجاب واحترام العالم أجمع والذي كان النواة الحقيقة لكل حركات الجهاد الحالية في أنحاء العالم الإسلامي حيث كانت أرض أفغانستان هي الميدان الذي تجمع وتدرب فيه المجاهدون المسلمون من شتي الأجناس والبلاد ليخوضوا حربًا ضروساً ضد قوي الإلحاد الشيوعي استمرت ما يقرب من عشر سنوات انتصر في نهايتها المجاهدون الأفغان ومعهم أخوانهم من المجاهدين المسلمين الوافدين إليهم من شتي بقاع الأرض بعد أن اكتسبوا خبرات نادرة في مجال حرب العصابات وحصلوا علي درجات عالية من التدريب الميداني القتالي والخبرة بالأسلحة والتسلح.. فلما انتهت حرب أفغانستان عاد كل هؤلاء المجاهدين إلي بلادهم ليكملوا جهادهم في حروب انتشرت في معظم بلاد العالم مثل كشمير والشيشان والبوسنة والهرسك والفلبين والصومال وكوسوفا وجنوب السودان وغيرها. واليوم تتكرر نفس الأحداث بحذافيرها مع فارق واحد هو تغير العدو وظهور الحقيقة العارية لذلك الحقد والغل والبغضاء الذي تكنه القوي الصليبية اليهودية العالمية للإسلام والمسلمين وبدئهم في شن حرب شعواء صريحة علي كل ما هو مسلم..(1/30)
وكانت النتيجة أن أصبحت العراق مركز جذب جديد لكل المجاهدين في العالم ولكل من يعادي اليهودية الصليبية العالمية فأخذوا يتوافدون علي العراق بالألوف وبأعداد تتزايد كل يوم فيتدربون علي أحدث الأسلحة ويقاتلون القوات الأمريكية ويكتسبون الخبرات وتزداد قوتهم وتقوي شوكتهم يومًا بعد يوم حتي إذا وضعت الحرب أوزارها بانتصارهم إن شاء الله واندحار قوات التحالف عادوا إلي بلادهم لتبدأ موجة جديدة من الجهاد العالمي في شتي بقاع الأرض مكررة ما حدث بعد نصر أفغانستان علي الشيوعية مع فارق ازدياد الأعداد واكتساب الخبرات والتمكن والتمرس في القتال وظهور أسلحة حديثة تمثل إذا وقعت في أيدي المجاهدين رعبًا هائلاً للغرب مثل المواد النووية والأسلحة الكيماوية و البيولوجية وليس هناك تعبير يجسد ذلك المأزق الرهيب الذي وقعت فيه قوات التحالف من قول الحق عز وجل:(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (لأعراف:183)(1/31)
انكشاف حقيقة الصراع بين الإسلام والصليبية اليهودية:ظل الغرب الصليبي حتي ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 1002م يدعي أنه لا يعادي الإسلام وأن دوره في كل ميادين الصراع التي يخوضها المسلمون ضد أعدائهم هو الحياد وأن يكون حكمًا وليس طرفًا في أي صراع كما هو الحال في فلسطين وكشمير والشيشان والبوسنة والهرسك وجنوب السودان وغيرها بينما هو في الحقيقة العدو اللدود للإسلام والمسلمين الذي يعمل في الخفاء بكل قوة لنصرة أعدائهم عليهم.. فلما وقعت أحداث سبتمبر كشفت الصيلبية اليهودية عن حقيقتها وأعلنتها علي لسان قادتها حربًا صريحة علي الإسلام والمسلمين بدأت باحتلال أفغانستان ثم العراق متوعدة باقي الدول الإسلامية بأن الدائرة ستدور عليها كل في دوره، وصدق ربنا جل وعلا حين يخبرنا عن ذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118) وليس هناك ما هو أبلغ في الدلالة علي توحد قوي الشر اليهودي الصليبي من ذلك التوحد بين القوات الإسرائيلية اليهودية في فلسطين والقوات الأمريكية الصليبية في العراق.. فالزي العسكري واحد وتسلح الجندي في الحالتين واحد والسيارات المستخدمة في القتال واحدة وهي السيارة (همر) والطائرات المستخدمة في القتال واحدة وهي طائرات الأباتشي المروحية والمقاتلات الـ(ف-61) والـ(ف-81).. بل إنه من المضحكات المبكيات أن القيد الذي يستخدم لتقييد الأسري المسلمين في الحالتين واحد..(1/32)
ثم يأتي بعد ذلك الحدث الفاضح وهو ذهاب عدد كبير من الضباط الأمريكان إلي إسرائيل كي يتدربوا علي أيدي الضباط اليهود علي كيفية خوض حرب المدن ولينقلوا عنهم تلك الخبرة الشيطانية التي يستخدمونها في التنكيل بالمدنيين الفلسطينيين العزل ما بين عمليات هدم للمنازل وقتل وترويع للنساء والأطفال وقتل وأسر للرجال وتدمير للبيوت وتجريف للأراضي والممتلكات.(1/33)
توقف ذلك الإعصار الهادر علي بلاد الإسلام والمسلمين والذي كان قد بدأ للتو وبفارق يقرب من العام بغزو أفغانستان والذي خطط لغزو واحتلال الدول الإسلامية دولة وراء دولة، وبالفعل كانت القائمة قد أعدت سلفاً حيث بدأت بأفغانستان ثم ثنت بالعراق وكان الدور بعد ذلك علي سوريا ثم إيران ثم ليبيا «وذلك قبل أن تعود إلي حظيرة الطاعة والهيمنة الأمريكية» ثم اليمن والسودان ثم أخيراً مصر والسعودية ثم بقية دول العالم الإسلامي.. وذلك إما بالاحتلال العسكري المباشر أو الإخضاع والهيمنة علي القرارات والمقدرات.. وكان لعاب التحالف اليهودي الصليبي قد أخد يتدفق وهو يمني نفسه بالتهام تلك الوجبة الدسمة من بلاد المسلمين قضمة وراء قضمة خاصة بعد السقوط السريع لدولة أفغانستان في أيديهم، ويذكر العالم كله كيف أن القوات الأمريكية وقبل أن ينجلي غبار سقوط بغداد قد أخذت تهدد سوريا وتتوعدها وتتهمها بتلك القائمة الجاهزة من التهم والافتراءات التي اعتادتها ما بين تسهيل دخول رجال المقاومة الأجانب إلي العراق وتسليحهم ثم امتلاك أسلحة الدمار الشامل وتوفير الملاذ الآمن لمنظمات المقاومة والجهاد الفلسطيني التي صنفتها أمريكا في عداد المنظمات الإرهابية وغيرها من التهم تمهيداً لاستكمال الغزو تجاه سوريا واحتلالها قبل أن تضع حرب العراق أوزارها.(1/34)
فلما ظهرت المقاومة العراقية غير المتوقعة علي الإطلاق علي أرض المعركة وبدأت تكيل ضرباتها القاسية والموجعة لقوات الاحتلال التي كانت قد أعدت نفسها لنزهة سريعة تنتهي بسقوط بغداد واحتلال العراق ثم العودة بأكاليل الغار ورايات النصر فوجئت القوات الأمريكية بتلك المقاومة الشرسة وغير المتوقعة علي الإطلاق فتوقفت عن الانطلاق في تحقيق مخططها المرسوم واستدارت لتواجهها ممنية نفسها بالقضاء السريع عليها ثم العودة لاستكمال مخططها، ولم تكن قوات التحالف تعلم أن ذلك التوقف وتلك الاستدارة لمواجهة المقاومة كانت هي الخطوة الأولي التي بدأ بها غوص وغرق تلك القوات في مجاهل مستنقع حرب المدن بالعراق والتي أخذت تحيي شبح الهزيمة القاسية للقوات الأمريكية علي أرض فيتنام..وتوقف الإعصار..!! وأخذت القيادات العليا للتحالف تعيد حساباتها بعد ذلك الظهور المفاجيء وغير المتوقع لذلك الرقم في معادلة الصراع.. المقاومة.. والمقصود طبعاً هو مقاومة الشعوب وليست مقاومة الحكام التي كانت قد مُحِيَت من معادلة الصراع.
انكشاف حقيقة القوات الأمريكية(1/35)
كانت الصورة المرسومة في عيون العالم أجمع للقوات الأمريكية وحتي قبل انطلاق الرصاصة الأولي للحرب علي العراق وغزو أراضيه هي صورة الجيش الأسطورة والجندي الذي لا يقهر والأسلحة الذكية التي لا تخطيء الهدف.. وكان العالم يتوقع نصراً سريعاً خاطفاً لقوات التحالف وانهياراً سريعاً لجيش العراق حتي بدأ الغزو ودارت عجلة القتال وأنشبت الحرب أظفارها ففوجيء الجميع ببعض مظاهر المقاومة العراقية الشرسة في بعض مدن الجنوب وخاصة تلك المعركة التي دارت حول مدينة (أم القصر) حيث عجزت قوات التحالف عن دخول واحتلال تلك المدينة الصغيرة وأخذت الأخبار تتوالي ما بين سقوط المدينة في أيدي القوات البريطانية ثم نفي ذلك ثم سقوطها ثم استعادة المقاومة العراقية لها في ملحمة جهادية لم تكن متوقعة علي الإطلاق مما رفع بشدة من معنويات العرب والمسلمين وأصاب قوات التحالف بارتباك شديد، حيث فوجئت بسقوط جنودها قتلي واحتراق مدرعاتها وآلياتها العسكرية وسقوط طائراتها وهو أمر لم يكن في الحسبان علي الإطلاق.. فلما ظهرت ملاحم المقاومة الأخري في بقية مدن الجنوب مثل البصرة والنجف وكربلاء اضطرت قوات التحالف إلي عدم دخول المدن العراقية والالتفاف حولها والاندفاع بسرعة إلي بغداد للاستيلاء عليها قبل أن يتنامي ذلك الكابوس المزعج وينتج عنه ما ليس في الحسبان، وبالفعل وصلت تلك القوات إلي بغداد وحاصرتها والجميع يتوقع أن يري ملحمة تاريخية لصمود بغداد ومقاومتها للحصار وخوضها حربا للمدن قد تستمر أسابيع وشهوراً وقد تقلب كل الموازين والتوقعات للحرب..وفجأة فوجيء العالم أجمع بذلك السقوط السريع والمفاجيء لبغداد والذي أعاد المعادلة إلي نقطة البداية.. حزن وألم وإحباط عربي وإسلامي وأمل وفرحة ونشوة نصر عارمة وعودة للثقة بالنفس لقوات التحالف.. ثم عاد العالم ففوجيء بظهور المقاومة العراقية مرة أخري وبالتدريج في البداية في أعمال فردية ومتناثرة..(1/36)
ثم أخذت تتنامي وتقوي وتشتد ويزداد حجمها وعددها ويتعاظم دورها في التخطيط والتنفيذ المبهر والتمكن من امتلاك زمام الأمور داخل المدن وبين الشوارع في مواجهة ذلك الجندي المدجج بالسلاح من قمة رأسه إلي أخمص قدميه وتلك الآليات الجبارة التي لم تُعَد أصلا لتلك الحرب.. حرب المدن.. وتعود أسهم المقاومة مرة أخري في الارتفاع وأسهم قوات التحالف في الانهيار.. وفوجيء العالم كله مرة ثانية بتلك الصور التي لم يتخيلها علي الإطلاق لأحدث المدرعات والدبابات والمركبات العسكرية في الترسانة الأمريكية تُدَمَّر وتحترق بالعشرات والمئات وأقوي الطائرات المقاتلة والمروحيات تتهاوي وتتساقط وأخذ العالم ينظر في ذهول إلي الجنود الأمريكيين وهم يفرون من تلك المدرعات المحترقة والنيران تشتعل بأجسادهم وأشلاؤهم تتطاير وتتناثر وهم يصرخون ويستغيثون ويتساقطون علي الأرض في الشوارع بين قتيل وجريح ومحروق في صور لم يرها العالم من قبل ولم يتخيلها علي الإطلاق، وظهرت للعالم أجمع الحقيقة.. حقيقة الجندي الأمريكي وحقيقة المجاهد المسلم..(1/37)
فالأول جندي مرفه لا يحمل هماً ولا يؤمن بقضية جاء لغزو بلاد الإسلام وقتل المسلمين في نزهة سريعة وبأحدث الأسلحة وأفتكها دون أن يري بعينيه ذلك العدو أو يلتحم به أو حتي يغبر حذاءه بتراب المعارك، فلما فوجيء بما لم يكن في الحسبان انهار وصرخ واستغاث وصدق الله عز وجل الخبير بمن خلق حين ينبئ عن حقيقتهم: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر:14)، والثاني مجاهد يدافع عن دينه وأرضه وشرفه وعرضه باع نفسه لله وخرج يحمل روحه علي كفه وتصدي لتلك الترسانة الجهنمية فكسر شوكتها وأذل أعناق رجالها وكأنه المُخْبَر عنه في قوله تعالي: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22) الازدياد المتنامي والسريع لموجة الكراهية لأمريكا وإسرائيل(1/38)
حتي قبل غزو العراق كان هناك بين المسلمين سواء علي مستوي الحكام أو المحكومين من يري أن إسرائيل دولة تريد السلام ولكن خوفها من العداء الإسلامي والعربي حولها هو الذي يدفعها لتلك المواقف العدوانية وأننا نستطيع لو مددنا يدنا بالسلام وتقديم بعض التنازلات لها أن نبث في قلبها الطمأنينة فتجنح إلي السلام.. كذلك كانوا يرون أن أمريكا دولة عظمي ذات مباديء وقيم تحرص علي فرض الديمقراطية والعدالة في العالم فلما وقعت تلك الحرب الظالمة والفاجرة والمتحدية لكل القيم والقوانين والخارجة عن كل مظاهر الشرعية الدولية متمثلة في الأمم المتحدة ودول العالم الكبري مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين.. أدرك جميع المسلمين في العالم بلا استثناء أنها حرب صليبية علي الإسلام.. ثم جاءت إسرائيل فاستغلت انشغال العالم بحرب العراق لتفجر كل ما بداخلها من حقد وغل علي المسلمين في فلسطين وتشعل حربها اليهودية الأشد فجرا عليهم.. فظهر للعالم أجمع وبشكل جلي لا يخطئه إلا الأعمي أو المتعامي أنها حرب واحدة يهودية صليبية علي الإسلام والمسلمين وأن الأوهام بأن تلك الدول من الممكن أن تقبل في يوم ما أن تتعايش مع الإسلام والمسلمين في كرامة واحترام متبادل ما هي إلا أضغاث أحلام وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120) وأجمعت الأمة الإسلامية كلها حكامها ومحكوموها علي أن هذه الحرب المزدوجة ليس لها هدف إلا تركيع المسلمين وإذلالهم واحتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم تمهيدا لإقامة دولة إسرائيل من النيل إلي الفرات وهدم المسجد الأقصي و بناء الهيكل المزعوم..
الموقف الدولي من حرب العراق(1/39)
انقسمت دول العالم فيما يتعلق بموقفها من شن الحرب علي العراق إلي ثلاث مجموعات: مؤيدة للحرب ومعارضة لها ومتفرجة عليها وكان الدافع الأول في تحديد هذه المواقف هو المصالح المباشرة لهذه الدول نتيجة هذه الحرب وليس احترام القيم والمواثيق أو الالتزام بالقوانين الدولية أو احترام آدمية الإنسان أو سيادة الدول وحرمة أراضيها.وقد انقسمت الدول علي النحو التالي:أولاً: دول عارضت الحرب: وقد تَزَعَّم هذه المجموعة فرنسا وألمانيا ومعهما روسيا والصين ثم بعض دول أوروبا الغربية مثل بلجيكا وسويسرا والنمسا ثم بعض الدول العربية والإسلامية التي عارض بعضها الحرب قبل بدئها ثم صمت بعد وقوعها مثل مصر وباكستان وإندونيسيا والبعض مازال يعارضها مثل إيران وسوريا.ثانيا: دول أيدت الحرب: وتأتي علي رأسها بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا في أوروبا الغربية ثم جميع دول أوروبا الشرقية مثل بولندا والمجر وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا والتشيك ثم بعض دول أمريكا الجنوبية مثل هندوراس وكوستاريكا ونيكاراجوا والسلفادور ثم بعض دول الاتحاد السوفيتي المنحل مثل أوكرانيا وليتوانيا وأستونيا ولاتيفيا ثم بعض دول جنوب شرق آسيا مثل استراليا والفلبين وكوريا الجنوبية واليابان.. ثم تأتي دولة إسلامية هامة أيدت الحرب بحكم تحالفها مع الولايات المتحدة وإسرائيل ولعضويتها في حلف الأطلنطي وهي تركيا.وقد اختلفت صور وحجم تأييد هذه الدول للولايات المتحدة في حربها علي العراق ما بين المشاركة الفعلية في القتال بقوات تعد بالآلاف مثل بريطانيا أو بأعداد رمزية بين العشرات والمئات مثل معظم بقية الدول المؤيدة للحرب.. أو بالمشاركة بتقديم الدعم المعنوي غير العسكري مثل الدعم السياسي والإعلامي.ثالثا: دول اكتفت بدور المتفرج: أو عارضت الحرب علي استحياء ويأتي علي رأسها معظم الدول العربية باستثناء مصر التي عارضتها صراحة علي المستويين الرسمي والشعبي قبل نشوبها..(1/40)
حتي إذا ما وقعت الحرب انضمت مصر إلي صفوف الصامتين وما عادت تطالب بخروج القوات المحتلة من العراق بدعوي أن ذلك سوف يؤدي إلي الفوضي وزعزعة استقرار العراق!!! ولايعتقد أن هناك فوضي أو عدم استقرار من الممكن أن تكون أكثر مما هي عليه في العراق الآن وفي ظل الاحتلال.وسوف نحاول تحليل مواقف بعض الدول الهامة في كل مجموعة علي النحو التالي:أولا : دول عارضت الحربفرنسا وألمانيا: عارضتا الحرب بشدة ووقفتا ضد الولايات المتحدة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات بينهما وذلك للأسباب التالية:(أ) إن سيطرة الولايات المتحدة علي أرض العراق وإنشاء قواعد عسكرية فيه سوف يجعل الولايات المتحدة هي اللاعب العسكري والسياسي والاقتصادي الأول في منطقة الشرق الأوسط بالكامل.. كذلك فإن سيطرة الولايات المتحدة علي الثروة النفطية العراقية بعد هيمنتها الكاملة علي البترول العربي ووصولها إلي بترول القوقاز وبحر قزوين وذلك بالإضافة إلي ثروتها الذاتية من البترول.. كل ذلك سوف يجعل الولايات المتحدة المتحكم الأول في بترول العالم أي المتحكم في اقتصاد العالم باعتبار أن البترول هو عصب الاقتصاد.. وهذا الوضع يتعارض تماما مع أحلام وطموحات فرنسا وألمانيا باستعادة أمجادهما الإمبراطورية الغابرة وتبوأ مكانة القيادة في القارة الأوروبية الجديدة التي انضمت إليها دول أوروبا الشرقية بالكامل وبالتالي تبوأ مكانة متقدمة في قيادة العالم.(ب) شهدت العلاقات التجارية في العقدين الأخيرين تناميا واعدا ومثمرا بين العراق وفرنسا التي كانت دائما ما تتبع موقفا متوازنا نسبيا من علاقة الغرب العدائية وحصاره للعراق وكانت فرنسا تري أن وقوع الحرب سوف يدمر هذه العلاقة تدميرا كاملا لحساب أمريكا وبريطانيا.((1/41)
جـ) تجاهلت الولايات المتحدة في خضم نشوتها بانتصارها السريع في أفغانستان فرنسا وألمانيا في مرحلة الإعداد للحرب علي العراق فلم تتشاور معهما في تخطيطها لذلك الأمر ولم تضعهما في حساباتها في تجاهل غير مسبوق لهما.روسيا: عارضت روسيا الحرب علي العراق لثلاثة أسباب:الأول: أن وجود القوات الأمريكية في العراق يعني القضاء النهائي علي أي نفوذ عسكري أو سياسي أو تسليحي لروسيا في الشرق الأوسط الذي كان يعتبر منطقة نفوذ خاصة به في الستينيات والسبعينيات بعد أن كانت روسيا قد سبق وتلقت ضربة قاصمة لذلك النفوذ بتحول مصر من الشرق إلي الولايات المتحدة ودول الغرب فكانت العراق هي الحليف القوي الأخير لروسيا في تلك المنطقة.الثاني: أن لروسيا علي العراق ديونا ضخمة ثمنًا لكميات السلاح الهائلة التي كانت العراق قد اشترتها من روسيا طوال العقود الماضية بالإضافة إلي ديون تجارية أخري.. كذلك كانت روسيا قد بدأت مع العراق مشروعات استثمارية ضخمة في مجال صناعة النفط وغيرها من الأنشطة الصناعية والتجارية.. وكانت روسيا تؤمن إيمانا جازما بأن وقوع الحرب وسيطرة الولايات المتحدة علي العراق سوف يدمر هذه العلاقات ويؤدي إلي ضياع الديون.ومع ذلك ولأن روسيا لها مصالح حيوية وضخمة مع الولايات المتحدة وتطمع في تلقي نصيبا أكبر من المساعدات والمنح والاتفاقيات الأمريكية فقد خفت صوتها في معارضة الحرب فتخلف في قوته عن فرنساو ألمانيا بشوط بعيد.الثالث: كانت روسيا تطمع أن تغض الولايات المتحدة الطرف عما يحدث في الشيشان مقابل تخفيف روسيا من لهجتها في معارضتها للحرب علي العراق.الصين: وقفت الصين موقفا مشابها للموقف الروسي في معارضتها الشكلية للحرب حيث اعتبرت الحرب غير مشروعة ولا تستند إلي القوانين أو القرارات الدولية إلا أن مصالحها الواعدة والهائلة مع الولايات المتحدة جعلتها تقف خلف روسيا في ذلك المضمار..(1/42)
كذلك فقد كانت الصين تطمع هي أيضاً في أن تطلق الولايات المتحدة يدها لقهر المسلمين في تركستان الشرقية، وذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب، وتعقب الأصوليين!!مصر: عارضت مصر الحرب علي العراق علي المستويين الرسمي والشعبي قبل وقوعها حتي إذا اشتعلت الحرب واحتلت أمريكا العراق صمتت تلك المعارضة تماما.. وكان لمعارضة مصر لتلك الحرب ثلاثة أسباب علي النحو التالي:(1) كانت مصر تري ببصيرة سياسية واعية أن الحرب علي العراق هي حلقة من حلقات الحرب الصريحة علي الإسلام والمسلمين وأن الهدف الوحيد والحقيقي لتلك الحرب هو تدمير مقومات تلك الدولة العربية الإسلامية القوية لصالح الهيمنة الإسرائيلية اليهودية علي المنطقة تمهيدا لإقامة مشروعها الديني بإقامة دولة إسرائيل الكبري وهدم المسجد الأقصي وبناء الهيكل المزعوم.(2) تري مصر باقتناع كامل وصادق أن تدمير دولة العراق هو تدمير لأحد أخطر خطوط الدفاع عن الأمة العربية وأن هذا سوف يجعل مصر في موقف أمني خطير وسيضرب أمنها القومي في مقتل لأن سقوط العراق يعني بوضوح شديد سقوط الجبهة الشرقية المضادة لإسرائيل سقوطا كاملاً وذلك بعد سقوط الجبهة الجنوبية أيضا سقوطًا نهائيا بخروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بعد عقدها اتفاقية سلام مع إسرائيل، ومعني ذلك أن إسرائيل سوف تنفرد في المستقبل القريب بتلك العقبة الكؤود أمامها وهي مصر بكل ما يعنيه ذلك من فتح أبواب من الشر والخطر عليها لايعلم إلا الله كيف ستُغلق حيث ستجد نفسها وحيدة دون نصير بعد أن انسحبت كل الدول العربية دولة وراء دولة من الصراع ضد إسرائيل إما بالخضوع للهيمنة الإسرائيلية الأمريكية مثل معظم الدول العربية وإما بعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل مثل مصر والأردن وإما بالتدمير مثل العراق وفلسطين.((1/43)
3) أعلنت مصر دائما ومازالت تعلن أن مشكلة الإرهاب في الشرق الأوسط ليس سببها العراق وصدام حسين وأسلحة الدمار الشامل المزعومة وإنما سببها الوحيد هو دولة إسرائيل وذلك الظلم والقهر والإذلال الذي تشعر به الأمة الإسلامية العربية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل وأن حل مشكلة الإرهاب لن تكون إلا بحل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي.. كذلك كانت مصر تخشي من أن الحرب علي العراق سوف تؤدي إلي زيادة انتشار ظاهرة الإرهاب انتشارا شديدا في منطقة الشرق الأوسط بما فيها مصر وذلك نتيجة الإحساس الشديد والمتنامي بالظلم والقهر واليأس مما يعرض أمن مصر الداخلي لمخاطر شديدة وعودة لمرحلة دموية من تاريخ الإرهاب لا ترغب الدولة في أن تراه يعود مرة أخري.ثانيا: دول أيدت الحرببريطانيا: كانت بريطانيا حتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر تعيش مرحلة وهن وشيخوخة وعزلة عن القارة الأوروبية تماما كالأسد العجوز المتهالك الذي سقطت أنيابه وقُلمِّت أظفاره بعد أن كانت هي الأمبراطورية التي تحكم العالم ولا تغيب عنها الشمس.. فلما جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وجدتها بريطانيا فرصة العمر للعودة إلي أمجادها راكبة صهوة الجواد الأمريكي فألقت بكل ثقلها وراء الولايات المتحدة في حربها علي العراق في تسليم مطلق لها باتخاذ القرار يدفعها إلي ذلك ثلاثة عناصر هي:(أ) التعصب الديني الأعمي والمقيت ضد الإسلام والمسلمين.(ب) الحلم بعودة أمجادها وعودتها كلاعب اساسي في إعادة تشكيل العالم الجديد.. عالم القطب الأمريكي الواحد وبالتالي عودتها لمركز القيادة في قارة أوروبا الجديدة واستعادة لنفوذها القديم في منطقة الشرق الأوسط والعراق.(جـ) الطمع في نيل النصيب الأكبر من الثروة العراقية وخاصة البترولية عند تقسيم الغنائم ومكافأة أمريكا للدول التي تحالفت معها كل علي قدر إخلاصه ووفائه..(1/44)
أسبانيا وإيطاليا: كانت أسبانيا وإيطاليا بشكل خاص تقريبا تحركهما بعض الدوافع السابقة مثل بريطانيا فالتعصب ضد الإسلام ظهر في تصريحات رئيس وزراء إيطاليا (سيلفيو برلسكوني) المتكررة والوقحة التي يهين فيها الإسلام والمسلمين ويدعو إلي إبادتهم.. أما أسبانيا فلم تنس حتي الآن أن المسلمين حكموا دولة الأندلس ثمانية قرون زاهرة لا يستطيع مخلوق أن يمحوها من ذاكرة التاريخ.. أما الدافع الثاني فهو شعور أسبانيا وإيطاليا بأنهما دولتان من الدرجة الثانية في أوروبا مقارنة بفرنسا وألمانيا.. لذلك فقد كانا يطمعان في أن يدفعهما تحالفهما مع الولايات المتحدة إلي الدرجة الأولي في قيادة أوروبا الجديدة.. أما الدافع الثالث فكان بدهيا أن يكون لهما نصيب من الثروة العراقية عند توزيع التركة وإعادة إعمار العراق.دول أوروبا الشرقية وعلي رأسها بولندا: هذه الدول لا تحمل عداء متأصلاً للإسلام والمسلمين بحكم ارتباطها لعقود طويلة ومنذ الخمسينيات وفي ظل الاتحاد السوفيتي السابق بعلاقات طيبة مع العالم العربي ولم يكن تحالفها مع أمريكا إلا استعجالا للعودة السريعة إلي الساحة الدولية علي صهوة الجواد الأمريكي بعد غياب عنها دام عقودًا طويلة خلف الستار الحديدي للاتحاد السوفيتي والشيوعية.دول أمريكا اللاتينية: وهذه الدول أيضا لاتحمل عداء متأصلاً للإسلام والمسلمين ولكنها كلها تتبع أسبانيا في ميراثها السياسي والثقافي والتاريخي والاقتصادي لذلك فقد أيدت الحرب اتباعا لتأييد أسبانيا لها.. فلما عارضت أسبانيا الحرب بعد سقوط رئيس وزرائها (خوزيه أزنار) وسحبت جنودها من العراق سارعت كل هذه الدول بسحب جنودها مثلها.اليابان وكوريا الجنوبية: اليابان ليس بينها وبين الإسلام والمسلمين عداء ولكنها تطمع في أن تتبوأ مكانة سياسية عالمية تتفق مع قوتها وحجمها الاقتصادي وتريد أن تحتل مقعدا دائما في مجلس الأمن..(1/45)
وما من سبيل أمامها لتحقيق تلك الطموحات إلا التحالف مع الولايات المتحدة والعمل علي إرضائها.أما كوريا الجنوبية فإنها تعيش في وهم مرعب نجحت الولايات المتحدة في اغراقها فيه ذلك هو تخويفها وترويعها من قدرات كوريا الشمالية الصاروخية والنووية ومخططاتها لغزو كوريا الجنوبية وإيهامها أن أمريكا هي الوحيدة القادرة علي درء هذا الخطر عنها وذلك من خلال وجود قواعد أمريكية وقوات يقترب عدد أفرادها من ثلاثين ألف جندي أمريكي.. وتهدد أمريكا كوريا الجنوبية بأنها مالم تشارك في الحرب علي العراق فسوف تسحب قواتها من أراضيها مما يعرضها لغزو كوريا الشمالية والسقوط تحت حكم النظام الشيوعي فيها.
الموقف الحالي وتوقعات الأحداث المستقبلية
يتميز الموقف الحالي لقوات التحالف إلي قسمين:القسم الأول
هو موقف تلك الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في حربها علي العراق وعلي رأس هذه الدول بريطانيا وإيطاليا وبولندا وكوريا الجنوبية واستراليا وغيرها من الدول الأخري والتي بلغ عدد جنودها حوالي 000.02 جندي.. وهذه الدول لا تعاني حرجًا شديدًا ولا تعتبر نفسها في مأزق حقيقي بسبب الأوضاع المتردية في العراق وذلك لسببين: الأول: أن معظم هذه القوات ترابط في أماكن بعيدة نسبيا عن ميادين القتال وبالتالي فإن خسائرها من الرجال والعتاد قليلة أيضًا. لذلك فان ضغوط شعوبها عليها للانسحاب من الحرب لا تمثل لها مأزقًا أو حرجَا شديدًا أما الثاني: فهو أن هذه الدول جميعها وبلا أي اعتبار لجميع الضغوط عليها من الولايات المتحدة تستطيع أن تنسحب وتعود إلي بلادها إذا اشتدت الأحداث وتصاعدت المقاومة وأصبحت تشكل خطرا حقيقيا علي جنودها أو رعاياها.القسم الثاني(1/46)
من قوات التحالف: فهو القوات الأمريكية والتي يبلغ تعدادها حوالي 731.000 جندي.. فهذه القوات هي التي وقعت في مأزق حقيقي وتعاني حرجًا شديدًا ولنفس السببين: الأول نتيجة لضربات المقاومة الضارية وازدياد الخسائر البشرية والمادية وذلك بحكم وجودها في معظم أراضي العراق بما فيها مناطق المقاومة وخاصة المثلث السني بين الفالوجة والرمادي وبغداد، وكذلك تحملها الجانب الأكبر من القتال ومحاولة التخفيف عن حلفائها ليس حبًا فيهم وإنما خوفًا من انسحابهم من ذلك التحالف الهش إذا زادت خسائرهم.أما السبب الثاني للمأزق الذي سقطت فيه القوات الأمريكية والحرج الشديد الذي تعانيه فهو أنها لن تستطيع مهما زادت الخسائر وتعاظمت وازداد موقفها حرجًا أن تعلن انسحابها من العراق صراحة وإلا كان ذلك إعلانًا لهزيمة الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب الصليبي واليهودية العالمية في حربها المزعومة ضد الإرهاب الإسلامي.. وهذا أمر لن تسمح به اليهودية العالمية علي الإطلاق مهما تعاظمت الخسائر الأمريكية في الرجال والمال والعتاد فاليهود يحاربون الإسلام حتي آخر جندي أمريكي!! وآخر رصاصة أمريكية!!وهذا أمر يتفق مع واقع الحال حيث إن اليهودية العالمية هي التي تسيطر علي مقدرات ومقاليد الأمور في الأمة الأمريكية وذلك من خلال اللوبي اليهودي الشيطاني وتلك العصبة اليهودية العنصرية من مجموعة المحافظين الجدد أو الصقور أو المسيحيين اليهود كما يطلق عليهم أمثال (ديك تشيني) نائب الرئيس و(رونالد رامسفيلد) وزير الدفاع و(كوندوليزا رايس) مستشارة الأمن القومي و(جون وولفوتز) نائب وزير الدفاع ومخطط الحرب علي العراق وغيرهم..(1/47)
الذين استطاعوا أن يخترقوا الإدارة الأمريكية وأنشبوا فيها مخالبهم فلا تستطيع منها فكاكا لذلك فإن الاحتمال الأرجح أن تتطور الاستراتيجية الأمريكية في العراق علي النحو التالي: كان الهدف الرئيسي قبل بدأ الحرب هو احتلال العراق وإنشاء أكبر قواعد عسكرية لأمريكا فيها والسيطرة الكاملة علي الثروة البترولية العراقية ثم تنصيب حكومة عميلة تقود دولة العراق الي حظيرة الخضوع للهيمنة اليهودية الصليبية وتقيم علاقات كاملة مع الكيان الإسرائيلي وتكون مركزًا عسكريا متقدمًا تهدد منه كل الدول العربية والإسلامية المجاورة وعلي رأسها إيران وسوريا. فلما فوجئت الولايات المتحدة بأن الحال غير الحال وقلب لهاالقدر ظهر المجن وبزغت المقاومة العراقية الفتية وأخذت تكيل لها الضربات في كل بقاع العراق لا فرق بين سُنِّي وشيعي أدركت أيضا أن الهدف الأول للاحتلال العسكري بإقامة قواعد عسكرية دائمة بالعراق قد تبخر ولا يمكن أن يكون له مكان علي أرض هؤلاء الرجال.. وأدركت أمريكا أن بقاء قواتها العسكرية في العراق سوف تدفع مقابله ثمنًا باهظًا لن تستطيع أن تتحمله إلي مالا نهاية في الوقت الذي تزداد فيها أسهم المقاومة ارتفاعًا وتزداد فيه قوة وانتشارًا.(1/48)
لذلك فإن المتصور أن يتغير التفكير الاستراتيجي الأمريكي إلي ما يلي:تخطط أمريكا في الخفاء ودون أن تعلن للانسحاب العسكري من العراق علي أن تربط ذلك ببعض الأحداث الشكلية التي تحفظ ماء وجهها مثل مجئ قوات تابعة للأمم المتحدة لتحل محل قوات التحالف حيث تقوم بسحب جزء من قواتها ثم إجراء الانتخابات في أول العام القادم وتشكيل حكومة جديدة فتقوم بسحب جزء آخر وهكذا حتي يتم انسحاب جميع جنودها من العراق بشكل يظهرها بأنها لم يكن هدفها أبدًا احتلال العراق وإنما إسقاط نظام صدام حسين ثم مغادرة البلاد وتركها لأهلها أو أن تحتفظ بأعداد قليلة من الجنود في مناطق بعيدة عن أيدي المقاومة لا تشكل لها حرجًا أو تحديا كما تفعل حاليا في أفغانستان حيث تتقوقع القوات الأمريكية في مكانين اثنين فقط هما قلب العاصمة (كابول) وقاعدة (باجرام) الجوية.. وفي هذه الحالة سوف يكون القرار للمقاومة إما أن تقبل أمرًا مثل ذلك ولو بشكل مؤقت أو تستمر في مهاجمة القوات الأمريكية حتي يتم انسحابها بالكامل وبنفس الصورة التي اتبعتها في سحب باقي القوات.وهذا الجزء من التصور الاستراتيجي سوف يعتمد بالكامل علي أمرين: عنف ضربات المقاومة، وقوة السخط الشعبي المعارض للحرب داخل الولايات المتحدة ومدي تفوق هذين العنصرين علي قوة السيطرة اليهودية علي الإدارة الأمريكية.وبعد الانسحاب العسكري الكامل أو الاحتفاظ بعدد رمزي من القوات يحفظ ماء الوجه فسوف يتراجع الهدف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة في العراق إلي إقامة حكومة عميلة تخضع للسيطرة والهيمنة الأمريكية تستطيع من خلالها أن تحقق أهدافها التي لم تستطع أن تحققها بالقوات العسكرية وذلك من خلال إجراء تلك الانتخابات التي تعتقد أمريكا أنها يمكن تزويرها والتحكم في نتائجها وهذ الهدف أيضًا يبدو بعيد المنال..(1/49)
فالقوة الضاربة في العراق هي للسُنَّة والشيعة وهاتان القوتان تكنان كل حقد وبغضاء لقوات الاحتلال ولن تقبلا بمثل هذا الوضع ولن تقبلا إلا بحدوث انتخابات حقيقية حرة ونزيهة حيث يمني كل فريق منهما نفسه بالفوز بالنصيب الأوفر بها.. ومن الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا أن تتمكن القوات الأمريكية من عقد انتخابات صورية مزيفة تأتي لها برجالها من العملاء علي سدة الحكم فالسُنَّة لن تقبل بذلك.. أما القوي الشيعية فإنها تخفي في داخلها بركانًا مستعرًا رأت أمريكا بعضًا من ثوراته في حربها مع جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي الشاب مقتدي الصدر في مدينة النجف وهذه القوي الشيعية لم تكبت ثورتها ولم تهادن قوات الاحتلال ولم يصدر كبار مرجعياتها الفتاوي بعدم جواز قتال المحتل الأمريكي إلا انتظارًا وترقبًا لنيل جائزتها بإقامة انتخابات حقيقية تفوز فيها من وجهة نظرها بالنصيب الأكبر من المراكز القيادية ومناصب الحكم في العراق.. فإذا لم تتحقق مثل هذه الانتخابات الحقيقية فسوف يتفجر بركان الشيعة في مرحلة جديدة من الصراع لا تستطيع أمريكا أن تتحملها بسهولة.ومما يصب في اتجاه ذلك التصور تلك المحاولات المحمومة التي قامت بها أمريكا لدفع بعض القوي والتكتلات العالمية لإرسال قوات إلي العراق لتحل محل قواتها مثل ضغطها علي الأمم المتحدة أو حلف الناتو أو الدول الإسلامية من غير المجاورة للعراق وقد باءت كل هذه المحاولات بالفشل حيث هددت المقاومة العراقية كل دولة تفكر في إرسال قواتها هناك بالويل والثبور وعظائم الأمور مما أدي إلي تراجعها جميعاًًً عن تلك المغامرة المحفوفة بالمخاطر، وأصبحت أمريكا تواجه المقاومة بصدر عارٍ.
تأثير حرب العراق علي القضية الفلسطينية(1/50)
كان لحرب العراق علي القضية الفلسطينية تأثيرات بالغة سواء بالسلب أو الإيجاب.. ولكنها في مجملها تصب في صالح القضية الفلسطينية بشكل متعاظم ومتنامٍ.. فالخسائر أصابت الأجساد والبيوت والمزارع والأشجار أما المكاسب فقد قوت الهمم والعزائم فأصبحت الرؤية واضحة والبصيرة جلية ثاقبة.. وعلي مدي التاريخ أثبتت الأيام والشهور والسنون أن عُلُوّ الهمم واشتداد العزائم يرقيان دائما وبلا استثناء علي خسائر الجسد والمال.
خسائر القضية الفلسطينية
أصيبب الفلسطينيون بخسائر مادية شديدة وعنيفة.. فبعد الحادي عشر من سبتمبر نجح السفاح الداهية رئيس وزراء إسرائيل (أرئيل شارون) في إقناع الإدارة الأمريكية بربط الجهاد الفلسطيني ضد إسرائيل بجماعات الإرهاب العالمي وبتصوير نفسه وإسرائيل أنه يقف مع الغرب الصليبي في حربه ضد الإرهاب الإسلامي كتفا بكتف في خندق واحد وأنه عندما يقوم بمحاربة الجهاد الفلسطيني فإنه يكون بذلك متحملا لجزء هام وخطير من حرب الغرب ضد الإرهاب لذلك فقد أعطت أمريكا له الضوء الأخضر ومنحته صلاحيات بلا حدود وفتحت له جميع أبواب خزائنها وترسانات أسلحتها ينهل منها كما يشاء لضرب وتدمير تلك الكتيبة الجهادية (الإرهابية في نظر الغرب الصليبي) المجاهدة علي أرض فلسطين..وبالفعل لم يضيع السفاح تلك الفرصة فانطلق يضرب الفلسطينيين بكل قسوة وجبروت مستخدما أحدث وأعتي الأسلحة وأساليب التكنولوجيا المتقدمة في الفتك بكل فلسطيني علي أرض فلسطين لا فرق بين أن يكون طفلا أو امرأة أو شيخًا عجوزًا ومدمرًا كل مظاهر الحياة من زرع وضرع وبيوت ومدارس ومستشفيات فأصاب ذلك الفلسطينيين بخسائر هائلة في الأرواح وازداد عدد الشهداء بشدة وتعاظمت أعداد الجرحي بشكل لم يسبق له مثيل في مراحل الصراع الإسلامي اليهودي علي أرض فلسطين.
مكاسب القضية الفلسطينية(1/51)
فازت القضية الفلسطينية بمكسبين غاليين أثبتت الأيام والسنون أنهما ما إن يتوافرا للجهاد الإسلامي في حقبة من الأحقاب إلا نما وامتد وتعاظم واشتد حتي يفوز بنصر الله المبين.. هذان المكسبان هما:الأول: وضحت الرؤية عند جميع الفصائل والفرق الفلسطينية واتفقوا بلا استثناء ومن ورائهم الأمة الإسلامية بالكامل حكامها ومحكوموها علي حقيقة أن عداء الغرب الصليبي واليهودية العالمية للإسلام والمسلمين هو عداء أسود تربي في أحضان اليهودية العالمية وأنه عداء لايمكن أن ينتهي إلا بالقضاء علي أحد الطرفين.. وبذلك انخرست وللأبد تلك الأصوات والألسنة التي طالما تشدقت ببناء السلام وتغنت باستعادة المحبة والوئام بين المسلمين واليهود واتفق الجميع علي أنه لا خيار أمام القضية الفلسطينية والمسلمين عامة إلا طريق الجهاد في سبيل الله حتي نيل النصر أو الشهادة.الثاني: أثبتت الأيام والسنون أن الأمة الإسلامية مثل الذهب الإبريز لا تخلص ولا تنقي إلا بالإنصهار في النار أو مثل الماس لايخرج من الفحم إلا بدرجات الحرارة العالية وبالضغوط الشديدة المستمرة لذلك فقد فجر هذا الظلم والطغيان الأمريكي علي الشعب العراقي والإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني آيات الجهاد علي أرض العراق وفلسطين ورأي العالم أجمع تلك الموجات المتزايدة من المجاهدين والاستشهاديين في تلك الملاحم الجهادية النبيلة وتفجر الابداع الفلسطيني في تصنيع صواريخ (القسام) التي ألقت الرعب في قلوب اليهود والمصنوعة من مواد وخامات بدائية وذلك بعد أن تخلي العالم أجمع عن مدهم بأي قطعة سلاح يكسرون بها شوكة هذه الترسانة الجبارة من أحدث ما رأته البشرية من السلاح.. وبهذين المكسبين وضوح الرؤية.. وشحذ الهمم وتفجير الطاقات.. يكون الجهاد الفلسطيني قد وضع أقدامه علي أرض صلبة وعلي بداية الطريق الصحيح الذي لن ينتهي إن شاء الله إلا بنصر الله المؤزر والمبين للإسلام والمسلمين..(1/52)
وهم يسيرون متغلبين ومتعالين علي تلك التضحيات الأليمة والخسائر الجسيمة ما بين فقد للأحباب واستشهاد للأبناء ودمار للبيت والسكن.. واضعين نصب أعينهم قول الحق تبارك وتعالي: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104)
هل تقع حرب أهلية في العراق؟
يتكون العراق من طوائف مذهبية وأعراق متعددة كما ذكرنا في بداية الملف ويأتي علي رأس الطوائف السُنَّة والشيعة ثم المسيحيون الأشوريون وعلي رئيس الأعراق العرب والاكراد ثم التركمان. وهناك عناصر جذب تدفع بهذه الطوائف والأعراق إلي التوحد في دولة واحدة قوية تجد لها مكانا بين دول قوية مجاورة مثل تركيا وإيران في منطقة مليئة بالتقلبات وعلي درجة عالية من الحساسية وتتشابك فيها مصالح عالمية وإقليمية.. وفي المقابل فإن هناك عناصر تنافر تدفع هذه الطوائف والأعراق إلي التصارع والفرقة والاختلاف مثل أحلام إنشاء دولة قومية أو الحصول علي نصيب أكبر من الثروات الطبيعية أو حصة أكبر من مراكز القيادة والسلطان. وتتداخل عناصر التوحد والتفرق هذه بصورة لايمكن الفصل بينها، وفي السطور التالية سنحاول أن نبين احتمالات التصارع والتفاعل بين هذه العناصر ومدي دفع كل منها نحو ترابط الدولة العراقية أو تفرقها وتشرذمها في حرب أهلية تنهي من علي الخريطة دولة الرشيد الزاهرة،
بالنسبة للأكراد(1/53)
يرغب الأكراد في الانفصال عن دولة العراق وإنشاء دولة كردية قومية مستقلة شمال العراق تفوز بنصيب كبير من الثروة البترولية في الشمال وتكون نواة لإحياء حلم دولة كردستان التاريخية التي تجمع شمل الأكراد في العراق وتركيا وإيران وسوريا ويناصرها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ولكن في المقابل تقف الدولتان القويتان إيران وتركيا في تربص وتأهب لمنع هذا الحلم من التحقق.. وذلك لأن قيام مثل هذه الدولة سوف يشجع الأكراد في جنوب تركيا وفي شمال غرب إيران والبعض الموجود في سوريا علي المطالبة بانفصالهم عن هذه الدول والانضمام إلي الدولة الوليدة.. وطبعا هذا مرفوض رفضا جازما.. ولو بتدخل هاتين الدولتين عسكريا لمنع ذلك الحلم من التحقق بما يؤدي إليه ذلك من اشتعال الموقف بمنطقة الشرق الأوسط.الشيعة
يري الشيعة أنهم ظلموا طويلا في العراق لحساب السُنَّة وأنه قد أن الآوان لكي يستعيدوا حقهم بتبوء مراكز القيادة والحكم في دولة العراق ولكن الولايات المتحدة تنظر بهلع إلي هذا الحلم لأن قيام دولة شيعية في العراق يعني ببساطة شديدة اتساع نفوذ دولة إيران العدو اللدود لأمريكا بقدر مساحة العراق.. ولو وقعت حرب أهلية بين السُنَّة والشيعة فإن إيران سوف تلقي بثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري وراء الشيعة لتحقيق مطالبهم بما يعني ازدياد النفوذ الإيراني في العراق و الشرق الأوسط.. فإذا قامت دولة شيعية حليفة لإيران في العراق فمعني ذلك أن صواريخ وأسلحة إيران لم يعد يفصلها عن إسرائيل إلا دولة الأردن وهي مساحة صغيرة تعرض الأمن القومي الإسرائيلي لخطر شديد وتجعل كل دولة إسرائيل في مرمي الصواريخ الإيرانية وتحت رحمتها.. وهذا أيضا مرفوض رفضا جازما كذلك ولو باستخدام القوة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية.
السُنَّة(1/54)
يحرص السُنَّة علي بقاء دولة العراق قوية متماسكة ويكونون هم علي رأس الحكم كما كانت طوال عقود من الزمان وهم علي استعداد لخوض حرب أهلية من أجل منع تشرذم وتمزق العراق.. ولكن للأسف الشديد يقف أهل السُنَّة في العراق وحيدين دون سند دولي أو اقليمي فالدول المحيطة بالعراق ليس بينها وبين السُنَّة في العراق أي تحالفات.. فبينما نجد إيران الشيعية في الشرق تناصر الشيعة فإن الدول السُنِّية مثل الكويت والسعودية في الجنوب والاردن في الغرب بدعم ومساندة السُنَّة ليست علي استعداد للمشاركة في هذا الآتون المشتعل بأي شكل من الاشكال وعلي أي مستوي من المستويات.. وكذلك تركيا السُنِّية في الشمال فهي لاتناصرهم وإن كانت علي استعداد للتحالف مع أي قوي تقف عقبة في طريق تحقيق حلم الأكراد بالانفصال وإنشاء دولة كردية مستقلة عن العراق.من هذا نري أن عوامل الانفصال والتفكك وهي كلها تمثل الطريق إلي الحرب الأهلية محكومة بضوابط شديدة ودقيقة وحساسة لايمكن تجاوزها أو الاقتراب منها.. وأن من مصلحة الجميع أن يبقي الحال علي ما هو عليه..وعلي أية حال فإنه يبقي هناك عنصران هامان يتجاذبان أطراف الصراع بين الفرقة والتوحد.. العنصر الأول هو وجود العدو المحتل الذي يدنس أرض الوطن ويلوث شرف البلاد.. وهذا يدفع تجاه توحد العراقيين وتحالفهم لقتاله وطرده من أرض الوطن.أما العنصر الثاني فهو تسلل إسرائيل إلي العراق وبث جواسيسها وعيونها تنشر الفتن والدسائس وتشعل نار التناحر والاختلاف وهذا يدفع في اتجاه الفرقة والانقسام..ولكن تبقي المحصلة النهائية أن الحرب الأهلية في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي مستبعدة إلي أبعد الحدود.وفي نهاية هذا الملف فإن هذا اجتهاد البشر وقد يخطيء ويصيب أما الحقيقة الكاملة والتطورات المستقبلية فلا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالي.
الفالوجة .. أسطورة الجهاد ومؤتة العصر(1/55)
نُشر هذا الملف في العدد الرابع السنة الأولي من مجلة التبيان
بتاريخ ذو القعدة 1425 هـ / يناير 2005م
الفالوجة.. حروف من نور كتبتها يد القدر بأذكي مداد خلقه الله.. دم الشهداء.. الفالوجة.. شمس وهاجة سطعت في ظلام دامس غرقت فيه أمة الإسلام حتي النخاع.. الفالوجة.. بدر مضيء بزغ في ليل أسود حالك غابت فيه أمة الإسلام عن الوعي حتي قاربت الموات.. الفالوجة.. أسطورة الزمان والمكان ومؤتة العصر الحديث.منذ أسابيع قليلة وبعد إرهاصات الاستعداد والحصار وتحديداً مساء الاثنين الثامن من نوفمبر لعام ألفين وأربعة فوجيء العالم بوقوع معركة حامية الوطيس علي أرض الفالوجة بالعراق.. بلاد الرافدين وأرض الخلافة العباسية الزاهرة، هذه المعركة وقعت بين جماعة من الفتية المؤمنين بربهم المجاهدين في سبيل الله -يبلغ عددهم ما بين ألفين وثلاثة آلاف يتسلحون بالعقيدة أولا ثم بأبسط ما استطاعوا تدبيره من سلاح وعتاد- وجحافل من قوات التحالف اليهودية الصليبية، المحتلة لأرض العراق يبلغ عددهم ما يزيد علي عشرين ألفا من القوات الأمريكية والإنجليزية وما يقرب من خمسة آلاف من القوات العراقية المتعاونة معهم مدججين بأعتي ما أنتجته ترسانات االعالم من السلاح.. وقد احتار العالم أجمع في محاولات فهم وتبرير أسباب ونتائج هذه المعركة ما بين منبهر ومذهول من هؤلاء الفتية لما يملكونه من شجاعة فريدة وإرادة فولاذية وعزم لا يلين.. وما بين منكر لصمودهم وثباتهم وتصديهم لهذه الجحافل من جنود الكفر والطغيان واتهامهم بإلقاء أنفسهم في التهلكة..(1/56)
وما بين عاجز عن الفهم بين هذا وذاك، ونسي الجميع قول الحق جل وعلا: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:249) وكذالك قوله:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (لأنفال:65) ونحن بفضل الله وعونه سنحاول إلقاء بعض الضوء علي أحداث تلك الملحمة الجهادية الفريدة من خلال تحليل الأحداث التي مرت بها والمخاض الذي مهد لها والنتائج التي أفرزتها ثم نستخلص بفضل الله العبر والدروس المستفادة منها في وقت لم تكن أمة الإسلام أشد حاجة للاستفادة من العبر والدروس مما هي عليه الآن.
الفالوجة.. أسطورة الجهاد(1/57)
مدينة المآذن.. هكذا تسمي الفالوجة.. تلك المدينة التي أراد الله لها أن تكون رمزاً للأنفة والإباء ومثوي لفتية ضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة والفداء،، حيث تتوزع علي مداخلها ومخارجها وفي شوارعها أكثر من سبعين منارة مسجد تقف شاهدة علي تمسك أهل المدينة بإسلامهم مصدراً للعزة والفخار..و (فلوجة) لغويا تعني الأرض الصالحة للزراعة، ويبلغ طولها أربعة كيلومترات، وعرضها مثل ذلك، وتنتشر في الفالوجة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية تتخللها مزارع كثيفة من أشجار النخيل، وَفَّرَت إلي حد بعيد مساحة واسعة من المناورة وغطاءً جيدا لرجال المقاومة.ويعمل غالبية أهالي الفالوجة بالزراعة، بينما انتقل بعضهم إلي العمل في التجارة بسبب وقوع بلدتهم علي طرق المنافذ الحدودية التي ترتبط بالأردن وسوريا، واشتهروا خصوصا بتجارة الأقمشة.كذلك فهي أحد أضلاع المثلث السُنِّي المعروف في العراق، حيث تضم المدينة مجموعة من العشائر السُنِّية المتجانسة يغلب عليها طابع البداوة الذي يتميز بحدة الطباع والشجاعة والفروسية والغيرة المفرطة.وتسكن الفالوجة بشكل أساسي عشيرة البو عيسي التي تنحدر إلي عشائر طي والبو علوان والمحامدة والفلاحات والحلابسة وكلها تعود إلي الديلم، إضافة إلي عشيرتي الجميلات وزوبع اللتين تنحدران من قيس، وهذه العشائر مجتمعة كانت تشكل في العشرينيات من القرن العشرين لواءً منفصلاً يطلق عليه "لواء الديلم،
معضلة صعبة(1/58)
ونبدأ تحليلنا لملحمة الفالوجة بسؤال صعب أعضل الناس جميعا إلا من رحم ربي، هذا السؤال أعضل المتخصصين في فنون الحرب والقتال كما أعضل العامة البسطاء.. وهو كما يقول العسكريون المتخصصون: إن أبسط أصول حروب الجهاد (التي يسمونها حروب المدن والعصابات) هو الكَرّ والفَرّ وأن القاعدة الذهبية التي تتيح للمجاهد أن ينال من جحافل الجيوش النظامية هي قاعدة (إضرب واهرب) وأن من أهم ركائز فنون الحرب الجهادية هي ألا تخوض حربًا صدامية مع جيش نظامي، لأن النتيجة في هذه الحالة حتمية ومعروفة للجميع باتفاق ولا خلاف وهي انكسار المجاهدين وانتصار الجيش النظامي الذي أُعِدَّ خصيصا لذلك النوع من الحروب بما يملك من أعداد هائلة من الجنود وقوي تسليحية وتدميرية فائقة وخطوط إمداد وتموين تزوده بكل ما يحتاجه من عتاد وسلاح.. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا خاض المجاهدون في الفالوجة حربا صدامية ضد جيوش الحلفاء الصليبيين الأمريكان والإنجليز ومعهم قوات الأمن العراقية المتعاونة معهم وهم يعلمون أن المدينة سوف تحاصر حصارا قاتلا ومميتا لايملكون معه كرًا ولا فرًا ولا أن يتزودوا بزاد أو سلاح ولا أن يعالجوا جريحا أو يدفنوا شهيدا؟. وما ذلك السبب الغامض الذي جعلهم يتخذون هذا القرار القاتل والمميت لهم كما يراه العسكريون المتخصصون في ذلك المجال في وقت كان من الممكن لهم أن ينسحبوا من المدينة قبل أن يتم حصارها حصارا كاملا خاصة وأن جيوش الحلفاء حرصت علي الإعلان عن نيتها وخططها بفترة كافية تكفي لانسحاب المجاهدين من المدينة لعلهم يفعلون ذلك فيتقي الحلفاء مؤنة قتال شرس وخسائر فادحة طالما أصيبوا بها علي أيدي المجاهدين.؟والإجابة عن هذا السؤال من الممكن أن يستخلصها المتخصصون من النتائج التي أفرزتها هذه المعركة والتي سنذكرها لاحقا.. ولكن هناك هدفا آخر يعجز الكثير من الناس عن إدراكه واستشعاره..(1/59)
هدف تنزوي بجانبه وتتضاءل كل الأهداف والمكاسب المادية والنتائج التي سنذكرها والتي توالت بعده في تداع وتلقائية تتفق وعظم هذا الهدف ولكننا قبل أن نذكر ذلك الهدف وبقية أهداف المجاهدين ونتائج المعركة نبدأ بالذي هو أدني فنقول:
لماذا الفالوجة؟!
أهداف الحلفاء من معركة الفالوجةكان للحلفاء عدة أهداف من خوض تلك المعركة وهي علي النحو التالي:(1) القضاء علي مركز ركيز وركن ركين للجهاد في العراق وملاذ آمن تخرج منه مفارز المجاهدين لتضرب الحلفاء ضرباتها القاتلة والمميتة وتعود إليه لتلتقط الأنفاس وتجمع الصفوف وتتتزود بالسلاح مما جعل الفالوجة شوكة أليمة في جنب الحلفاء تتمني الخلاص منها.(2) الثأر لكرامتهم المهدرة وشرفهم العسكري الضائع خاصة في تلك المعركة التي وقعت في الفالوجة مع المجاهدين منذ ما يقرب من سبعة أشهر وتحديدا في أبريل عام 4002 من الميلاد والتي انكسرت فيها شوكة قوات الحلفاء وعجزوا عن دخول المدينة وأجبروا علي الانسحاب من المناطق التي كانوا قد دخلوها بالفعل تحت عنف ضربات المقاومة.(3) القضاء علي عقبة كؤود من المتوقع أن تمنع أو علي الأقل تعرقل انعقاد الانتخابات المزمع عقدها في العراق بما فيها مدينة الفالوجة وبقية المدن السُنِّية الأخري خاصة وأن الحلفاء يعتبرون أن انعقاد الانتخابات ولو بشكل صوري هو الفرصة الأكيدة والمخرج الوحيد الذي يحفظ لهم ماء وجههم للخروج من ذلك المستنقع الدموي الرهيب الذي سقطوا فيه بجهلهم وغبائهم وهم ينتظرون بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي سوف تكتب لهم فيه حياة جديدة بالخروج منه.(4) استعادة الصورة البراقة والنظرة الخادعة للقوي الصليبية التي لا تقهر في نظر العالم والتي جعلتها ضربات المقاومة العراقية المؤلمة مثار السخرية علي أرض العراق كلها وأثارت انبهار العالم بتلك الضربات وبصانعيها.(1/60)
هذه هي أهداف الصليبيين من خوض معركة الفالوجة وقبل أن ننتقل للحديث عن أهداف المجاهدين من القتال في تلك المعركة المعضلة يجب علينا أن نبين حقيقة أخري هي معضلة عويصة أيضا للحلفاء الصليبيين علي أرض العراق وكرب ثقيل علي قلوبهم لأنها تجرهم جرا إلي طريقين أحلاهما مرٌ كمن يستغيث من الرمضاء بالنار.. تلك الحقيقة المعضلة هي:الانتخابات العراقيةفالقتال الذي خاضته ومازالت تخوضه القوات الإنجليزية والأمريكية في الفالوجة يهدف من بين أهدافه التي ذكرتها إلي ضمان إقامة الانتخابات المزمع عقدها في يناير من عام 5002 من الميلاد والجانب المضيء الذي يحلم به الحلفاء هو أن انعقاد هذه الانتخابات سوف يتيح لهم الانسحاب من العراق بدعوي أنهم حققوا أهدافهم من حملتهم العسكرية عليه وأنهم أتموا المهمة التي جاءوا من أجلها وهي تحرير شعب العراق من الديكتاتورية وإقامة ديمقراطية معاصرة وبذلك ينجون من المستنقع الدامي ويعودون إلي بلادهم وقد حفظوا ماء وجوههم رافعين رايات النصر والفخار مدعين أنهم قد انتصروا في معركتهم في العراق ضد قوي التخلف والإرهاب وإن كانوا في حقيقة الأمر يعودون وقلوبهم تتمزق حسرة وألماً وندماً علي اللبن المسكوب والأحلام الضائعة علي أرض العراق تحت وطأة ضربات المجاهدين والتي طالما حلموا بها وهي احتلال وتدمير جزء غال وحصن منيع للإسلام والمسلمين في بلاد الرافدين.هذا هو الجانب المضيء الذي يراه الحلفاء من وراء انعقاد الانتخابات في موعدها.. أما الجانب المظلم والمرعب لهم من وراء انعقاد تلك الانتخابات والذي يرونه رأي العين فهو أنهم يدركون جيدا أن الانتخابات لو تمت في موعدها المقرر وهذا أمر مشكوك فيه فسوف تكون وبالا عليهم سواء كانت انتخابات حرة ونزيهة أم مزورة ومزيفة..(1/61)
ففي حالة انعقاد انتخابات مزيفة فسوف يتفجر بركان الشيعة الكامن والمدمر والذي رأت قوات الحلفاء بعضا من ثوراته وفوراته كما ذكرنا من قبل في النجف وكربلاء ومدينة الصدر ببغداد علي أيدي مجاهدي جيش المهدي من أتباع الزعيم الشيعي الشاب مقتدي الصدر.. وهذا أمر لا ِقَبَل للحلفاء ولا طاقة لهم به.. أما في حالة انعقاد انتخابات حرة ونزيهة فسوف تفوز بها الشيعة فوزا ساحقا خاصة إذا التزم جميع الشيعة في العراق بفتوي مرجعيتهم العليا (آية الله السيساتي) بوجوب المشاركة في الانتخابات وهذا أمر متوقع من جانب.. وإذا نفذ أهل السُنَّة تهديدهم بمقاطعة الانتخابات.. وهذا أمر متوقع أيضًا من جانب آخر.. وخاصة أن الشيعة قد خططوا لذلك اليوم تخطيطا دقيقا ودبروا له تدبيرا محكما ودفعوا الثمن مقدما حين امتنعوا عن قتال العدو المحتل وهادنوه في موقف لا يخلو ولا يتنزه عن الانتهازية والنفعية الضيقة في الوقت الذي كان إخوانهم من أهل السُنّة يخوضون حربا جهادية ضروسًا لا هوادة فيها ضد قوي الكفر والطغيان في وسط العراق خاصة في ذلك المثلث السُنِّي المسمي بمثلث الموت والذي ينحصر بين بغداد والفالوجة والرمادي.نتائج الانتخابات الصحيحةوفي هذه الحالة -أي حالة انعقاد انتخابات نزيهة وفوز الشيعة بها وتوليهم مقاليد الحكم في البلاد- فإن أبواب جهنم سوف تنفتح علي كل المخططات اليهودية الصليبية.. ذلك لأن طوفان المد الشيعي الأصولي لابد وأن يتدفق من إيران إلي العراق ــ شاء العالم أم أبي ــ بما يترتب عليه من نتائج؛ لعل أهمها : (1) قيام الحكم الشيعي في العراق بوضع دستور إسلامي للبلاد يستبدل به الدستور العلماني الذي وضعه الحلفاء الصليبيون للحكومة العراقية المؤقتة والذي فتح علي البلاد كل أبواب الفساد وعلي الأفراد كل سبل التفسخ والانحلال وعلي القوميات والأعراق كل طرق التشرذم والتمزق والانفصال.((1/62)
2) التوسع الفعلي وليس الجغرافي لإيران بمساحة الجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية والامتداد غربا حتي الحدود الأردنية وذلك في شتي المجالات العسكرية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية أي أن حد النفوذ الإيراني الفعلي غربا لن تكون هي دولة العراق وإنما دولة الأردن أي أنه لن يكون هناك فاصل بين يد إيران الطولي ودولة إسرائيل إلا مساحة أراضي دولة الأردن مما يضرب الأمن القومي الإسرائيلي في مقتل.. وهذا أمر يثير الرعب والفزع في إسرائيل ويعتبر تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء ومن المحرمات التي لايجوز مجرد التفكير فيها في الفكر الاستراتيجي اليهودي الصليبي . (3) زد علي ذلك أن «حزب الله » في لبنان سوف يجد أن جذوره وقواعده التي يستمد منها قوته المعنوية والمادية في إيران قد اقتربت منه إلي حد كبير حيث أصبح الفاصل بينهما دولة سوريا فقط وهي حليفة للاثنين معاً بعد أن كان الفاصل بينهما سوريا والعراق والأخيرة كانت بالطبع معادية لهما معاً..وعلي الجانب الآخر وفي مقابل تلك الحرب الطاحنة التي تخوضها قوات التحالف ضد المجاهدين في الفالوجة لفرض انعقاد الانتخابات في موعدها إثباتاً لسطوتها وسلطانها ولعلها تفوز من ورائها بالجانب المضئ فقط.. في مقابل ذلك فإن هدف المجاهدين العراقيين هو منع عقد هذه الانتخابات في موعدها سواء كان ذلك بشكل مؤقت أم بشكل دائم وذلك لإثبات عجز الحلفاء عن فرض إرادتهم علي الشعب العراقي وعن حفظ الأمن علي أرضه وانفلات مقاليد الأمور من بين أيديهم. أهداف المجاهدين من القتالكان للمجاهدين عدة أهداف كما ذكرنا يأتي علي رأسها الهدف الأكبر والأنبل والأسمي من هذا القتال وهذه الأهداف هي كما يلي:(1) إعلان براءة الله ورسوله والمجاهدين في سبيل الله من أمة الإسلام في إهمالها وتقاعسها عن إقامة وإحياء فريضة الجهاد..(1/63)
فإذا كانت الأمة قد ضيعت هذه الفريضة الغالية التي ما تركها قوم إلا ذلوا تصديقا لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)..وإذا كانت فئة المنافقين المستسلمين قد ركنوا إلي الحياة الدنيا بملذاتها وشهواتها وأخذوا يروجون لنبذ هذه الفريضة واتهام من يدعو لإقامتها وإحيائها بالعنف والإرهاب والإلقاء بالنفس إلي التهلكة حتي أنهم سموا الاستشهاديين البررة بالانتحاريين الكفرة.. وإذا كان السواد الأعظم من الأمة قد ركن إلي الدعة والراحة وما عاد يستشعر ما في هذه الفريضة من عز وفخار وشرف وكرامة في الدنيا بالانتصار أو فوز بالفردوس الأعلي ومصاحبة النبيين الأخيار في الآخرة بالشهادة.. إذا كان هذا هو حال أمة الإسلام بما نتج عنه من ذل وهوان واستكانة وضياع فأصبح شرفها ضائعاً وعرضها مستباحاً ودماء أبنائها مسفوحة بلا حساب وأراضيها محتلة ومقدساتها أسيرة وطمع فيها وأستأسد عليها كلاب الأرض وخنازيرها.. إذا كان هذا هو حال أمة الإسلام وإذا كانت قد وصلت إلي تلك النقطة التي أصبح الموت لها فيها أكرم من الحياة وباطن الأرض أشرف من ظهرها.. فإن الأمة بذلك تكون قد وضعت نفسها في موقف عصيب لا تملك فيه التراجع للخلف ولو لخطوة واحدة أو نصف خطوة.. وإنما السبيل الوحيد أمامها هو أن تنطلق إلي الأمام فترفع راية الجهاد وأن تحيي تلك الفريضة الغائبة كي تعود إلي عزها ومجدها وقوتها ومنعتها.. وإذا كان الناس يستصعبون الجهاد لما فيه من تعريض النفس للموت تصديقا لقول لله عزوجل:(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (البقرة:216) وهو أمر عصيب علي النفس البشرية التي جبلت علي حب الحياة..(1/64)
فها هو المثل الفذ والفريد يضربه هؤلاء الفتية لأمة الإسلام قاطبة وكأنه درس عملي يشرحونه لأمتهم في فصل دراسي هو ميدان المعركة والقتال: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف:13) يقفون علي ملأ ومسمع من العالم يعلمونه كيف تقام فريضة الجهاد.. فيقفون بصدور عارية وبأسلحة خفيفة أمام أعتي الدبابات والمجنزرات وتحت سماء تعج بأخطر المروحيات والمقاتلات وتحت دوي مدافع تصم الآذان وصواريخ وأسلحة تتناوشهم من أمامهم ومن خلفهم ومن فوق رؤوسهم ومن أسفل منهم في موقف تتزلزل منه القلوب وتقشعر الجلود وتنخلع له المفاصل وتتفكك الأوصال وكأنهم هم المعنيون بقوله تعالي: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) (الأحزاب:10) وكان في إمكانهم الانسحاب مبكرا من ذلك الموقف العصيب.. ولكنهم بقوا وصمدوا وهم يدعون بقول ربهم (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:250)، فثبت الله أقدامهم وربط علي قلوبهم وسدد رميتهم فقاتلوا وهم يعلمون علم اليقين أنهم علي طريق الشهادة سائرون وبالفردوس الأعلي فائزون حتي إذا استشهدوا فازوا هم بما وعدهم به ربهم وعلموا أمتهم ذلك الدرس الغالي الذي لم يسطر بحبر ومداد وأنما سطر بدماء الشهداء.. علموا أمتهم كيف تقام فريضة الجهاد.. كيف واجهوا الموت بشجاعة منقطعة النظير وثبتوا أمامه وهو يتناوشهم ويتخطفهم واحدا وراء الآخر وهم يرونه رأي العين في عزم لا يلين وإيمان صادق اليقين حتي يعطوا الفرصة كاملة لأمة الإسلام كي تنظر.. وتتأمل.. وتفهم.. وتستوعب.. وتستشعر ما يفعله هؤلاء الفتيان.. إنهم يحيون ويقيمون فريضة الجهاد..(1/65)
فإذا نظرت الأمة ورأتهم وهم يستشهدون بالعشرات والمئات وهم يتسابقون لنيل ذلك الشرف العظيم والنور المبين.. وإذا رأت الأمة وقع ذلك الجهاد علي الأعداء مزلزلاً قلوبهم ومدمرًا بنيانهم وقاصفًا سلاحهم وبالرعب والفزع يصيبهم.. إذا رأت الأمة ذلك فقد قامت عليها الحجة وأقيمت عليها البينة فما عاد أمامها سبيل للتراجع أو علة للاعتذار.(1/66)
طلب الشهادة(2) أما الهدف الثاني للمجاهدين من خوضهم معركة الفالوجة فهو هدف يخصهم مباشرة.. ذلك هو طلب الشهادة والفوز بالحياة الأبدية في جنة الخلد والفردوس الأعلي تصديقا لقول الله عزوجل ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169)، ففي المعارك المفتوحة للمجاهدين حيث الكَرْ والفَرْ تكون الشهادة محتملة والنصر متوقعاً أما في معركة الفالوجة حيث الحصار مميت وأحزاب الكفر والطغيان عاتية فإن الشهادة كانت مؤكدة.. فتداعي إليها من المجاهدين من داخل الفالوجة ومن خارجها كل من كان صادقا مع ربه في طلبها.. جاءها وهو يعلم علم اليقين أنه ليس بينه وبين الجنة إلا أن يصاب برصاصة في القلب أو قذيفة في الرأس تماما كما جاء الصحابي الجليل عمير بن الحمام في معركة بدر يقول للنبي الكريم صلي الله عليه وسلم: « أرأيت إن قاتلت مقبلا غير مدبر؟» فقال له صلي الله عليه وسلم: «الجنة» وكان في يده رضي الله عنه تمرات فقال بخ بخ لإن عشت حتي أكل هذه التمرات إنها إذن لحياة طويلة، وانطلق فقاتل حتي استشهد في سبيل الله رضي الله عنه.. فسار هؤلاء المجاهدون الفتيان علي درب ذلك الصحابي الجليل وإخوانه من السلف الصالح فاعتصموا بالفالوجة وتحصنوا بها ولم يكونوا في حاجة إلي اغتسال أبدان أو تجهيز أكفان فالشهداء تغسلهم الملائكة ويكفنون في ملابس قتالهم ووقفوا ينتظرون في ترقب وقلوب يملؤها الفرح والاستبشار بالشهادة والفوز بلقاء الله..(1/67)
ووالله ما أحسب هؤلاء الفتية و هم يخوضون غمار تلك المعركة الدامية التي تزلزل قلوب الشجعان وتنخلع منها مفاصل الصناديد وهم في ثبات ورباط إلا أنهم كانوا يرون الجنة رأي العين ويشمون ريحها ويمدون أيديهم فيتلمسون ثمارها وأنهم كانوا يرون بأعينهم الحور العين تناديهم وصحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين تنتظرهم فيستعجلون الشهادة ويلقون بأنفسهم بصدورهم العارية علي جحافل الكفر والطغيان داعين الله ألا يردهم خائبين وأن يقبل دعاءهم ويكونوا بالشهادة فائزين.ضربة قاصمة(3) أما الهدف الثالث للمجاهدين في الفالوجة فكان توجيه ضربة قاصمة لذلك العدو الكافر المتغطرس.. ضربة تقصم ظهره وتكسر عظمه وتذل كبرياءه وتمرغ أنفه في التراب.. ضربة عنيفة تكون ثمنا زهيدا لتلك الأرواح الغالية والدماء الزكية التي ستسيل أنهارًا وأنهارًا في تلك المعركة وبالفعل حقق الله سبحانه وتعالي رجاءهم واستجاب دعاءهم فألحقوا بذلك العدو خسائر فادحة أذهبت عقله وأطارت لبه ما بين رجال وعتاد وقد ظهرت مجموعة من المجاهدين في الأيام الأولي من المعركة علي إحدي القنوات الفضائية وهم يعلنون خسائر العدو المحتل بأنها مايقرب من خمسمائة جندي قتيل وألفين من الجرحي والمصابين واحتراق أكثر من خمسين دبابة ومجنزرة واسقاط ثماني طائرات أباتشي من المروحيات المقاتلة وطائرتين مقاتلتين من طراز (إف ـ 81) وهذه الخسائر بجميع المقاييس مذهلة فلم يتخيل الجهلة الأغبياء من أساطين العسكرية الأمريكية وقادتها الذين أسقطوا دولتهم في ذلك الفخ القاتل أنهم من الممكن أن يخسروا هذه الخسائر الفادحة في الحرب العراقية كلها وليس في مجرد ثلاثة أو أربعة أيام من قتال في مدينة صغيرة.(1/68)
ومما يؤكد هذه الحقائق أن القوات الأمريكية حرصت حرصاً شديداً علي أن تعتم تعتيماً إعلامياً كاملاً علي القتال الذي دار في الفالوجة حيث كان المجاهدون يصطادونهم والموت يتناوشهم فيسقط قتلاهم بالمئات وتدمر دباباتهم بالعشرات وتهوي طائراتهم كالطيور الذبيحة.. ومما يؤكد هذه الحقائق أيضا أننا رأينا بأعيننا علي شاشات التلفاز الجرحي من جنود الحلفاء ينقلون بالطائرات العملاقة إلي مستشفياتهم ومراكزهم الطبية في ألمانيا وأوروبا يوميا بالمئات.(1/69)
وشهد شاهد من أهلهاوهذا ماأكدته مصادر رسمية للجيش الأمريكي من أن هناك سيلاً من الجنود الأمريكان المصابين في الفالوجة بدءوا يتدفقون علي مستشفيات تابعة للجيش بأوروبا.وقالت متحدثة باسم مستشفي 'لاند ستوهل' بألمانيا: إن 90 مصابًا من الجيش الأمريكي - علي الأقل - حالتهم خطيرة جدًا ولا يمكن علاجهم بالعراق تم نقلهم في يوم واحد لعلاجهم بالمركز.وأضافت المتحدثة: 'نحن مشغولون جدًا وقد رأينا زيادة كبيرة في عدد المصابين الذين وصلوا إلي المستشفي منذ بدء الهجوم علي الفالوجة'.واستطردت أن هناك 38 جنديا وصلوا يوم الاثنين 51/11/4002 و23 أو أكثر يوم الثلاثاء وأكثر من 64 يوم الأربعاء - حسبما ذكرت الإسوشيتد برس -.وقالت: إن المستشفي تحاول زيادة طاقتها وعمل توسعة حتي تتحمل الأعداد الإضافية للمصابين الأمريكان وقد زدنا حوالي 10 أسرة في العناية المركزة وأكثر من 04 سريراً في الغرف الخاصة بالجراحة.وأضافت أن هذا المستشفي يعتبر أكبر مستشفي خارج الولايات المتحدة وقد جهز في الأصل لخدمة 250.000 فرد من القوات الأمريكية وأسرهم.وجدير بالذكر أن مستشفي'لاندستوهل' قد جهز لاستقبال المصابين من القوات الأمريكية بالعراق وأفغانستان وقد حدث توسع في الأَسرَّة نتيجةً للزيادة في أعداد المصابين الذين ينقلون إليه.وأكدت المتحدثة أن معظم المصابين من الجنود الأمريكان في الهجوم الأخير علي الفالوجة بالإضافة إلي أجزاء متفرقة بالعراقتخبط شديدومما يؤكد هذه الحقائق أيضا ويؤكد أن المعركة كانت عنيفة وقاسية ذلك التخبط الذي عاشته قوات التحالف ومعها القوات العراقية الموالية لها طوال تلك الأيام العصيبة عليهم جميعا والتي لم يتوقعوها علي الإطلاق.. فقد خرج علينا وزير الأمن العراقي بعد خمسة أيام من المعارك الطاحنة ليعلن أن العمليات في الفالوجة قد انتهت وأن القوات المتحالفة قد سيطرت علي المدينة وانتزعتها من أيدي المجاهدين..(1/70)
فإذا بوزير الدفاع الأمريكي يرد عليه في اليوم التالي مكذبا إياه ومعلنا أن القتال في الفالوجة مازال دائرا وعلي أشده.. وعلي جانب آخر خرج علينا قائد الحملة الصليبية علي الفالوجة يعلن أن سقوط المدينة واستشهاد من كان فيها من المجاهدين قد قصم ظهر الإرهابيين في العراق (يقصد المجاهدين) فإذا برئيس أركان الجيش الأمريكي يرد عليه في اليوم التالي بأن سقوط الفالوجة لم يقصم ظهر الإرهابيين (المجاهدين) لأن عددا كبيرا من قادتهم قد استطاعوا الانتقال بمراكز قيادتهم من المدينة قبل أن تسقط.. وهكذا كانوا يتخبطون ويختلفون ويكذبون ولهم العذر في ذلك فالحدث جلل والمصاب عظيم والخسائر فادحة والكارثة ليس لها مثيل..
عوامل صمود المجاهدين في الفالوجة(1/71)
هناك عدة عوامل هامة وخطيرة أدت إلي أزدياد قدرة المجاهدين علي ذلك الصمود الفذ وتكبيدهم العدو الصليبي تلك الخسائر الهائلة..ومن أهم هذه العوامل:(1) صلابة عقيدة المجاهدين: فالمجاهدون جميعا وكل من رابط بالفالوجة وهو يري بعينيه دائرة ذلك الحصار الجهنمي تحكم علي المدينة وتضيق فلا تترك له سبيلا للفرار حاملة معها نذر الموت وبشريات الشهادة.. كل هؤلاء الصناديد لا يجرؤ مخلوق علي وجه الأرض أن ينكر أو مجرد أن يجادل في أنهم يحملون في قلوبهم جميعا عقيدة صادقة نقية خالصة.. وتسليما كاملاً بأوامر ربهم سبحانه وتعالي وتوجيهات نبيهم صلي الله عليه وسلم.. أمرهم ربهم بقتال الذين يقاتلونهم فقال: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) فقالوا سمعنا وأطعنا.. ووعدهم ربهم بالجنة ثمنًا لأنفسهم وأموالهم فقال: )إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111) فصدقوا وباعوا.. ووعدهم ربهم بكرامة المنزلة عند الشهادة فقال: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169) فرضوا وفرحوا..أما نبيهم الكريم فقد بشرهم بمكانة الشهداء عند ربهم فقال صلي الله عليه وسلم «للشهيد عند ربه سبع خصال...(1/72)
» وحذرهم تحذيرا شديدًا من الخذلان والنكوص عن الجهاد فقال صلي الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات علي شعبة من النفاق» فانصاعوا وأسلموا وصدقوا الله فصدقهم.(2) الالتزام العقائدي والديني عند أهالي الفالوجة:من المهم أن ننبه إلي أن مجاهدي الفالوجة ليسوا جميعا من أبنائها.. ذلك أنهم تجمعوا فيها من مختلف أنحاء العراق فوجدوا نعم العون والمساعدة من أهالي الفالوجة الذين يتميزون بالتزامهم الديني إضافة إلي ما عرف عنهم بين أهل العراق جميعًا من الاعتزاز بهويتهم الإسلامية وحبهم للجهاد والمجاهدين.. لذلك فقد وسعت تلك المدينة ذلك الكم الهائل من المجاهدين سواء من أبنائها أو من أتي إليها من شتي الأنحاء (فثلاثة آلاف مجاهد يعتبر عددًا ضخمًا بجميع المقاييس في حروب المدن والعصابات) ثم احتضنتهم وآوتهم في بيوتها وشوارعها وأزقتها وحتي في مقابرها، وأطعمتهم من طعامها وهو قليل، وسقتهم من مائها وهو نزير يسير، وتقاسمت معهم ما ستأتي به تلك الأيام من البأساء والضراء.(3) الطبيعة العشائرية المتماسكة:يأتي بعد عنصر الالتزام العقائدي والديني عند أهل الفالوجة عنصر آخر له دور هام في القلوب والنفوس ذلك هو الطبيعة العشائرية المتماسكة لتلك المدينة فالجميع لهم ببعضهم صلات رحم وأنساب تدفع كلاً منهم دفعا إلي الدفاع عن أخيه والذود عنه بحياته لتأييده ولنصرته.. وقد ذكرنا حالاً أن المدينة تضم مجموعة من العشائر السُنِّية المتجانسة يغلب عليها طابع البداوة الذي يتميز بحدة الطباع والشجاعة والفروسية والغيرة المفرطة علي الدين والشرف والعرض والأرض.((1/73)
4) الطبيعة الجغرافية لمدينة الفالوجة:كما ذكرنا سابقاً فإن انتشار مدينة الفالوجة علي مساحات واسعة من الأرض الزراعية بما يتخللها من مزارع كثيفة وأشجار النخيل وفرت للمجاهدين مساحة للجهاد يتحركون فيها بحرية ويتمكنون فيها من المناورة وتوفر لهم غطاءً جيدًا لشتي أعمالهم من نصبٍ للمصائد والأكمنة وزرعٍ للعبوات الناسفة وكرّ وفرّ وإن كان في حدود ضيقة.يضاف إلي ذلك أن وقوع الفالوجة علي نهر الفرات وعلي أحد أفرع نهر دجلة صعب مهمة القوات الأمريكية في إحكام الحصار علي المدينة وأتاح للمجاهدين فرصةً للحصول علي بعض الإمدادات الخارجية سواء البشرية أو المادية من المناطق المحيطة القريبة مثل الرمادي وتكريت.
نتيجة المعركة وحساب المكاسب والخسائر لكلا الطرفين(1/74)
قبل أن نتحدث عن نتيجة المعركة وحساب الخسائر والمكاسب لكلا الطرفين يجب علينا أن نتبين عدة حقائق أصبحت معلومة وثابتة ويقينية عند العالم أجمع وهذه الحقائق هي:[1] أن القوات اليهودية الصليبية في العراق تعتبر الإعلام ووسائله المتنوعة والمتعددة أحد أخطر الأسلحة التي تخوض بها حربها ضد المجاهدين.[2] في حالة فوز قوات التحالف علي المجاهدين في أي موقعة وبأي شكل من الأشكال (وهو مالم نره بالفعل حتي الآن) وفي حالة قيام طائراتهم ودباباتهم بقصف مواقع للمجاهدين وفي حالة قيامهم بعمليات مداهمةٍ للمنازل والبيوت للبحث عنهم واعتقالهم.. في كل هذه الحالات فإن قوات التحالف تصطحب معها وسائل الإعلام وتستحضر أكبر عددٍ منها ــ علي اختلاف مشاربها واتجاهاتها ــ لتستغلها في الإعلان عن انتصاراتها وإظهار قوتها علي ملأٍ من العالم فتسمح لجميع القنوات الفضائية والتلفاز والصحافة بزيارة الأماكن المعينة وتصويرها والتجول بحرية كاملة فيها.أما في حالة انكسار هذه القوات وإصابتها بالهزائم والنكبات فإنها تنقلب إلي النقيض تماما فتعتم تعتيما إعلاميا يتفق مع حجم الكارثة حتي لايطلع العالم من خلال وسائل الإعلام علي الهزائم الساحقة والخسائر البشرية الدامية والاستنزافات المادية الهائلة في السلاح والعتاد.
تعتيم إعلامي(1/75)
وعلي مدار حرب العراق الثانية ومنذ بدء غزو قوات التحالف اليهودي الصليبي لأرضه وحتي يومنا هذا لم ير العالم أجمع تعتيما إعلاميا في شدة وكثافة ذلك التعتيم الذي تفرضه قوات التحالف علي ماحدث في الفالوجة منذ بدء المعركة وحتي الآن.. وتحت هذا التعتيم الإعلامي المذهل فإن أي محللٍ أو قاريءٍ للأحداث لا يمكن أن يحدد المكاسب والخسائر لكلٍ من الطرفين ولكننا نستطيع بعون الله أن نستقريء من هذا الموقف ما وراء الأحداث قدر الاستطاعة فنقول بفضل الله والله أعلم:[1] خسائر قوات التحالف في الرجال والعتاد هائلة وغير متصورة وغير متوقعة علي الإطلاق فإذا كانت الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولي قد أسقطت خمسمائة قتيل وألفي جريح وخمسين دبابة وثماني طائرات أباتشي ومقاتلتين.. فلك أن تتصور أن خسائر الحلفاء في المعركة عندما أعلنوا انتهاءها قد يصل إلي أربعة أو خمسة أضعاف هذه التقديرات وهي بجميع المقاييس تقديرات مذهلة تصيب الغرب عامة والحلفاء خاصة بالصدمة والذهول.[2] إن الخسائر في الأرواح التي تمت في صفوف المجاهدين والتي كانت بادعاء الحلفاء ألفًا ومائتي شهيد إن كانت حقيقية -وهذا أمر مشكوك فيه- لا يمكن أن تكون قد تمت من خلال حرب شريفة ملتزمة بالقيم والأخلاق والمبادئ أبداً وإنما تمت من خلال حرب قذرة استخدم فيها الصليبيون أحط وأقذر الأسلحة المحرمة دوليا ما بين أسلحة كيماوية تحصد الأرواح حصداً وأسلحة مزودة باليورانيوم المنضب وهي تدخل في عداد الأسلحة الذرية التي تترك آثار الدمار في الحياة البشرية لعشرات السنين وبين خسة ونذالة في التعامل مع الجرحي والأسري المجاهدين.[3] إن الفضائح المخزية التي استطاعت بعض وسائل الإعلام أن تسربها بالصوت والصورة من أرض المعركة تفضح اليهودية الصليبية العالمية عامة وقوات التحالف الأمريكي الإنجليري خاصة وتنزع عنهم كل ما يتشدقون به ويخدعون به العالم من رفع لرايات القيم والمباديء والأخلاق..(1/76)
فقد رأي العالم كله موقفين بالصوت والصورة يحدد كل موقفٍ منهما صفةً من أخس وأقذر وأحط الصفات التي من الممكن أن يتصف بها مقاتلُ في ميدان القتال ولو اجتمعت هاتان الصفتان في جيش فقد خرج باعتراف كل أساطين الحرب وقادة العسكرية وأرباب القتال من تعريف الجيش المقاتل الجدير بالاحترام وانحدر وسقط إلي درجة جيش من اللصوص السفلة والرعاع الأقذار.هاتان الصفتان هما: صفة الخسة والنذالة وصفة الجبن وقد تجسدت كل من هاتين الصفتين في موقف من الموقفين التاليين:
الخسة والنذالة(1/77)
رأي العالم أجمع بأم عينيه جنديا أمريكيا خسيسا قذرا يقف علي رأس جريح من المجاهدين المسلمين وهو يئن ويتألم فيقول لجندي آخر معه إنه حي ــ يقصد المجاهد ــ فيرد عليه الجندي الآخر والذي كان أكثر خسة وقذارة ونذالة قائلاً: اقتله.. فيطلق القاتل النذل وابلاً من الرصاص علي رأس الجريح فتصعد روحه إلي بارئها معلنة للعالم أجمع براءتها وبراءة الله ورسوله والمؤمنين من كل مسلم علي وجه هذه الأرض يري هذا المنظر ولا يعقد النية فورا علي إعلان فريضة الجهاد ضد هؤلاء الكفار الأنجاس الذين تشتعل قلوبهم بكل ما في الأرض من حقد وغل علي الإسلام والمسلمين.الجبن والخور رأي العالم أجمع بأم عينيه أيضا أربعة أو خمسة من جنود التحالف وقد صعدوا إلي سطح أحد المنازل من منزل مجاور له ثم أخذوا ينزلون علي السلم إلي الدور الأرضي لهذا المنزل وهم مدججون من أخمص قدمهم حتي مفارق رؤوسهم بالسلاح، ومع ذلك يتحركون في حذر ووجل وخوف يقدمون قدما ويؤخرون الأخري.. وفجأة سمعوا صيحة لمجاهد جريح في أسفل الدار صائحا (الله أكبر) فما كان من هؤلاء الأشاوس إلا أن انقلبوا علي أعقابهم يصعدون السلم إلي السطح مرة ثانية وهم يتدافعون ويصرخون في فزع ورعب فيسقط بعضهم علي بعض ويركب بعضهم ظهر بعض في منظر أذل كبرياء العسكرية الأمريكية والبريطانية وكسر أنفها ومرغ رأسها في تراب العار.هذان العنصران الخسة والنذالة.. والجبن اجتمعا في جيش الحلفاء..فما عاد جيشاً لمقاتلين شرفاء.. وإنما عصابة من اللصوص السفلة والرعاع..(1/78)
سؤال محير!!ولكن هناك سؤال يجول بخاطر الناس جميعا ولايجد إجابة ذلك هو:إذا كانت قوات التحالف قد استولت بالفعل علي المدينة وقضت علي المجاهدين بها فما سر استمرار ذلك التعتيم الإعلامي؟ وما سر احتفاظها بذلك الحصار المميت علي المدينة ومنع أهلها الذين أخرجوا منها قبل القتال من العودة إليها؟ ولماذا لا تسمح لهيئات الإغاثة بالدخول للمدينة لإغاثة وانقاذ من بقي فيها من الجرحي والأحياء؟! لدرجة أن وزارة الصحة العراقية كانت قد أعدت وكلفت قافلة طبية بالدخول للمدينة لإغاثة الجرحي أو بمعني أصح من تبقي من الجرحي بعد أن استشهد السواد الأعظم منهم لغياب من يضمد جراحهم.. وعندما وصلت القافلة حتي مشارف المدينة ردتها قوات التحالف علي أعقابها ومنعتها من دخولها..والإجابة علي هذا السؤال أيضا لايمكن التنبؤ بها ولنفس السبب وهو التعتيم الإعلامي الشديد وعدم السماح لأي مخلوق بالدخول أو الخروج من المدينة.. ولكننا نستطيع أن نقول بفضل الله والله أعلم أن السبب في ذلك ثلاثة أمور.. الأول: هو أن تحصل قوات التحالف علي الفرصة الكافية لرفع خسائرها الكثيفة من الدبابات والطائرات والمدافع والمجنزرات التي دمرها المجاهدون وحتي لايراها العالم علي شاشات التلفاز فتثير فضيحة لهم علي مرئي ومسمع من العالم أجمع.الثاني: هو محاولة التخلص من مئات الجثث للمجاهدين ولأهل الفالوجة الذين قتلهم الحلفاء بأشرس ما عرفته الحروب من أسلحة محرمة مابين كيماوية ويورانيوم منضب ومحاولة إزالة أي أثر يدل علي استخدامهم لهذه الأسلحة وهذا الأمر من الممكن أن يتم ولو مؤقتا بإحراق تلك الجثث ودفنها في مقابر جماعية تخفي معالمها لذلك فهي تحتاج لوقت طويل قد يمتد لأيام أو أسابيع أو شهور تبعًا لكم الخسائر وعظم الكارثة.(1/79)
الثالث: أن القتال مازال دائرًا والمقاومة مازالت مستمرة وأن المدينة لم تسقط وأن المجاهدين مازالوا يتوافدون من وراء نهر الفرات لدعم إخوانهم ونجدتهم واستمرارالجهاد والمقاومة التي أفقدت قوات التحالف صوابها وهو ما تعتبره أمريكافشلاً ذريعاً لها لذلك فهي لا تريد أن يعرف أحد شيئاً عما يحدث، خاصة بعد إعلانها للعالم أجمع أن المدينة قد سقطت وأن المجاهدين قد انهزموا.
الخلاصة
وفي النهاية فإننا نخلص في حساب المكاسب والخسائر إلي ما يلي:أولاً: فيما يتعلق بالمجاهدين
تحققت الأهداف الثلاثة التي عملوا من أجلها:(1) فقد أقاموا الحجة علي أمة الإسلام بوجوب إحياء وإقامة فريضة الجهاد.(2) فازوا بالشهادة والفردوس الأعلي وجنة الرضوان بإذن الله(3) كسروا أنف العدو الصليبي وجرعوه من كأس المذلة والهوان وفضحوا العسكرية الأمريكية والإنجليزية علي مرأي ومسمع من العالم أجمع.(4) زد علي ذلك مكسباً آخر ربما لم يكن في حساب المجاهدين، وهو أنهم بصمودهم وثباتهم ثم خروج قادتهم ورؤوسهم قد «حبسوا» قوات التحالف داخل المدينة ووضعوها في مأزق خطير فلا هي تستطيع تركها خشية عودة المجاهدين إليها مرة أخري، ولا هي تستطيع البقاء فيها أو في كل مدينة تدخلها وإلا فإنها ستحتاج لمئات الألوف من القوات الإضافية وهذا مالا تستطيعه أمريكا ولا غير أمريكا. ثانياً: فيما يتعلق بالحلفاء(1/80)
فقد فشلوا في تحقيق أهدافهم الثلاثة:(1) فشلوا في القضاء علي ركيزة الجهاد والمجاهدين في الفالوجة حيث استطاعت الرؤوس القيادية للمجاهدين الانتقال إلي أماكن أخري ينطلقون منها في حربهم ضد الأعداء.. أما من بقي في الفالوجة فما يزال يقاتل حتي اليوم.(2) فشلوا في الثأر لأنفسهم من معركة الفالوجة الأولي فشربوا من نفس كأس المذلة والهوان مرة ثانية(3) فيما يتعلق بالانتخابات فقد زاد السخط الشعبي وزادت الموجات المعارضة للانتخابات تمثل بعضها في انسحاب الحزب الإسلامي الذي يتزعمه إبراهيم الجعفري من الحكومة ومن التقدم للانتخابات.. وتمثل أيضا في إعلان هيئة علماء السُنَّة بدعوة العراقيين لمقاطعة الانتخابات وتمثل أيضا في اشتعال نار المعارك في شتي أنحاء العراق مما يهدد بنسف عملية الانتخابات وإحجام كل من تسول له نفسه بالمشاركة فيها من الخروج من بيته في ذلك اليوم.(4) أما الهدف الرابع وهو إعادة البريق إلي العسكرية الأمريكية فقد انقلب السحر علي الساحر فأصيبت العسكرية الأمريكية القذرة السافلة بالمزيد والمزيد من الفضائح.
لماذا مؤتة؟(1/81)
ربما يثور هذا التساؤل عند من يطالع تشبيهنا معركة الفالوجة بغزوة مؤتة.. ونحن نجيبه قائلين: إن وجه الشبه واقع وجلي، ذلك أن المسلمين في غزوة مؤتة كانوا قليلي العدد لايتجاوز عددهم ثلاثة آلاف مجاهد وذلك في مواجهة أكثر من مائتي ألف جندي من الروم الصليبيين مدججين بأحدث سلاح العصر الذي يعيشون فيه.. تماماً كما هو الحال في الفالوجة فلا نسبة بالمقاييس البشرية بين هؤلاء وأولئك،.. كذلك فإن المجاهدين في مؤتة كان يمكنهم الانسحاب والتراجع قبل بدء القتال، وبالفعل حدثت بعض المشاورات التي قطعها الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة بقوله لإخوانه من جند الإسلام: «لقد أتيتم من أجل واحدة من اثنتين النصر أو الشهادة وكلتاهما الآن أمامكم فعلام التشاور؟»، وهو ماحدث في الفالوجة بالضبط فإنهم من البداية قدعلموا النتائج ولم ترهبهم قوة أعدائهم، وتجمعوا وتحصنوا بعقيدتهم، واستمدوا العون والمدد من ربهم، فكانت تلك الملحمة الرائعة، وكانت مؤتة ثانية، ونظنها لن تكون الأخيرة..(1/82)
وفي النهاية لانجد أبلغ من قرآن ربنا ليعبر أصدق تعبير حيث يقول تعالي: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (آل عمران:12،13) ، ويقول جل شأنه: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142) ، ويقول سبحانه: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة:154)(1/83)