كليّة الإمام الأوزاعي
للدّراسات الإسلاميّة
بيروت ـ لبنان
قضايا الإصلاح والنّهضة
عند محب الدّين الخطيب
(- 1389/1969)
رسالة أعدّت لنيل درجة الماجستير في الدّراسات الإسلاميّة
إشراف
الدّكتور بسّام عبد الحميد
إعداد
الطّالبة رغداء محمّد أديب زيدان
1427هـ/2006م
الإهداء
إلى من زرع في قلبي حبّ العلم والسّعي له ......... أبي رحمه الله.
إلى من جعل الله الجنّة تحت قدميها ...... أمّي أطال الله في عمرها.
إلى من وقف إلى جانبي وشجّعني وآزرني ...... زوجي العزيز.
إلى معلّمتي الغالية السّيّدة سمر سفّور.
إلى أولادي فلذة كبدي .... إباء, عبد الرّحمن, حباء.
إلى إخوتي وأخواتي الكرام
إلى كلّ المسلمين والمسلمات في كلّ العالم
أهدي بحثي هذا, مع خالص المودّة والعرفان
رغداء
المقدّمة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين, الّذي جعل ديننا الإسلام, وجعل هذا الدّين دين العلم والعمل معاً. وأوصانا في كتابه العزيز بالاعتبار بمن جاء قبلنا, والاستفادة من تجاربهم حتّى لا نقع في مثل أخطائهم قائلاً: (أَولمْ يَهْدِ للذِينَ يَرثُوْنَ الَأرْضَ مِنْ بَعْدِ أََهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوْبِهِمْ ونَطبعُ عَلى قُلوبهمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(1). والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد - صلى الله عليه وسلم -, حامل الرّسالة, ومبلّغ الأمانة, وعلى آله وصحبه وسلّم. أمّا بعد:
أ ـ أهميّة البحث وسبب اختياره:
كان الدّافع لي على كتابة هذا البحث, هو حبّي لطلب العلم والاستزادة منه. ولم يكن في ذهني موضوع معيّن بحدّ ذاته للكتابة والبحث فيه, إلّا أنّ الإطار العامّ لما أريده كان رغبتي في البحث في موضوع يمسّ واقعنا الحالي, وما نعيشه اليوم من ضعف, وما يمكن أن يخرجنا من هذه الهوّة الّتي نحن فيها.
__________
(1) ـ الأعراف, 100.(1/1)
ووجدّت أنّ العودة إلى تاريخنا, وخصوصاً الحديث منه, قد يفيدني في تحقيق هدفي الّذي أودّ الوصول إليه, فوقع اختياري على عصر السّيّد محب الدّين, لما حمل من تغيرات هامّة وخطيرة, أثّرت في حياتنا المعاصرة تأثيراًًًً كبيراً .
والسّيّد محب الدّين رجل له حضوره الفاعل في ذلك الوقت, بالرّغم من وجود كثير من المصلحين والعاملين المخلصين غيره, إلّا أنّ ما يميّز السّيّد محب الدّين هو إيمان عميق بهذه الأمّة, ورغبة صادقة في تقدّمها, وغزارة كبيرة في الكتابة, ومشاركة فاعلة في الأحداث الّتي جرت في عصره. وبالرّغم من صفاته تلك إلّا أنّه لم يحظَ بالدّراسة الكافية, ولم تحظَ كتاباته بالانتشار اللّازم.
وكان لإعجابي بشخص السّيّد محب الدّين دور أساسي في اختياري للبحث, رغم أنّني لم أعرفه إلّا من خلال قراءة مقالاته, تلك المقالات الّتي لم أطّلع عليها إلّا بعد أن بدأتُ الدّراسة في كليّة الإمام الأوزاعي, وكتابة الأبحاث التّمهيديّة, حيث كان بحث من هذه البحوث عن حياة وآثار السّيّد محب الدّين, فاستعنت باللّه, وقررت الخوض في هذا الموضوع.
وتبرز أهميّة الموضوع في أنّه يعالج فترة هامّة من تاريخنا, وأحداثه تكاد تتكرر في عصرنا الحاضر, فوضع العرب والمسلمين اليوم لا يختلف عن وضعهم في ذلك الوقت, تخلّف وضعف, وتعلّق بالقشور دون الجوهر, وتسلّط وخداع من الأعداء الّذين يلبسون ثوب الأصدقاء, ولاهمّ لهم سوى نهب الخيرات وسلب الحقوق, وبلاد إسلاميّة جريحة تئنُّ تحت وطأة الاحتلال الظّالم, ومازلنا نكرر ما كنّا قلناه منذ مائة عام أو أكثر, لذلك كان لابدَّ من العودة إلى الماضي قليلاً, فربّما عرفنا الخلل, واعتبرنا بما حصل, فلا نقع في مثل ما وقع فيه أجدادنا من أخطاء مازلنا ندفع ثمنها إلى الآن.
ب ـ منهج البحث:
اعتمدت في دراستي على منهجين:(1/2)
1 ـ المنهج التاريخي القائم على التحليل: واستخدمت هذا المنهج في الباب الأوّل من البحث, والّذي تحدّثت فيه عن عصر السّيّد محب الدّين وحياته. فقد كان عملي يتطلب مني نقل أحداث تاريخيّة جرت في ذلك العصر, ونقل صورة عن سيرة السّيّد محب الدّين وحياته بصورة موثّقة. وكان الهدف الّذي سعيت إليه هو البحث عن الأسباب والعوامل الّتي أثّرت في هذا الرّجل, وساهمت في تكوين أفكاره ومعتقداته الّتي أنتجت أفعاله فيما بعد, وإعطاء صورة واضحة, قدر الإمكان, عن عصره وعنه, وعن أهله ورفاقه ومدرّسيه.
2 ـ منهج تحليل المضمون: وقد استخدمته في الباب الثّاني من البحث. فقمت بتحليل مقالاته وكتاباته لاستخراج أفكاره وآرائه, ونظرته إلى ما كان يدور في عصره من أحداث, وما يطرح في ذلك العصر من أفكار وآراء, وموقفه من كلّ ذلك.
3 ـ أمّا في الباب الثّالث والّذي كان الحديث فيه عن أعماله, فقد كان المنهج المتّبع هو المنهج التّاريخي والتّحليلي معاً, فقد عرضت لأعماله الّتي قام بها, استناداً إلى أفكاره وآرائه.
وكانت الدّراسة تفرض عليّ في بعض الأحيان التكرار, ولكنّه تكرار له ما يبرره برأيي, ففي الفصل الثّاني من الباب الأوّل مثلاً, تحدّتث عن مراحل حياته, فتحدّثت عن عمله في الصّحافة, وذكرت ذلك بصورة سريعة ومقتضبة, ثمّ كان الفصل الثّالث من الباب نفسه عن المنابر الّتي أطلّ منها لعرض آرائه وأفكاره, وقد تحدّثت فيه عن عمله في الصّحافة بصورة مفصّلة.
وترجمت للأعلام المعاصرين للسّيّد محب الدّين, ولبعض الأعلام الّذين لم يعاصروه, حين وجدت ضرورة للتّرجمة لهم. ولكنّني لم أترجم لأسماء أخرى غير هؤلاء, من مثل مؤلّفي الكتب التّراثيّة الّتي ورد ذكرها في البحث.
ج ـ الصّعوبات الّتي واجهتني أثناء البحث:(1/3)
كنت أتوقّع أن أواجه صعوبات كثيرة خلال بحثي, وذلك لعدم توافر أهمّ أعمال السّيّد محب الدّين وهي مجلّة الفتح, وبسبب بُعد أهله عن سوريا بلدي وإقامتهم في مصر. ولكن بحمد اللّه كنت أصل إلى ما أريد, بعد تعاون أهل الخير, من أمثال الشّيخ نزار الخطيب, خطيب الجامع الأمويّ في دمشق, والّذي سمح لي بالاطّلاع على مجلّة الفتح في داره. ومن أمثال السّيّد عبد الغني شحادة الّذي سافر إلى مصر, وكان صلة الوصل بيني وبين أحفاد السّيّد محب الدّين المقيمين هناك, فجزاهما اللّه عني خير الجزاء.
وبقيت الصّعوبات الأخرى, والّتي تتمثّل ببعد المكتبات العامّة عن مكان إقامتي, وبطء وروتينيّة الإجراءات في هذه المكتبات, والّتي كانت تؤخّر عملي, وعدم تعاون بعض الأفراد الّذين قصدتهم للاستشارة أو الاستفسار لأنّهم بخلوا بما عندهم من علم.
إلّا أنّ هذه الصّعوبات كانت تتحول بحمد اللّه, إلى متعة حقيقيّة عندما أصل إلى ما أريد. ولا أنسى ذلك الشّعور الجميل جدّاً والّذي يماثل لذّة اكتشاف كنز من الكنوز, كلّما عثرت على معلومة كانت غائبة عني, أو خبر لم أكن قد سمعت به من قبل. وكانت تصل بيّ النّشوة إلى درجة البكاء فرحاً وعدم النّوم, عندما أجد أنّ باباً كنت أحسب أنّه لا يُفتح, ولكن بحمد اللّه وتوفيقه أجد نفسي أدخله بكلّ سهولة ويسر.
د ـ خطّة البحث:
قسّمت البحث إلى مقدّمة, وثلاثة أبواب, وخاتمة.
تحدّثت في المقدّمة عن أهمّية البحث, وسبب اختياري له. وتحدّثت أيضاً عن منهجي في البحث, وعرضت للصّعوبات الّتي واجهتني في إتمام بحثي, وتحدّثت عن خطّة البحث, وأهمّ المصادر والمراجع الّتي اعتمدت عليها في دراستي.
وتألّف الباب الأوّل من ثلاثة فصول, الفصل الأوّل تحدّثت فيه عن عصر السّيّد محب الدّين من كلّ النّواحي السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدّينيّة والثّقافيّة.(1/4)
أمّا الفصل الثّاني, فكان عن حياة السّيّد محب الدّين. وقد قسّمت فترة حياته إلى ثلاث فترات زمنيّة, كنت أعتبر كلّ فترة منها مفصلاً هامّاً في حياته, فكانت الفترة الأولى من مولده إلى انتهاء دراسته الثّانويّة. وتمتدّ من عام 1886م إلى عام 1905م, وهي فترة التّكوين والأسرة ورفاق الصّبا. أمّا الفترة الثّانية فقد كانت من زمن سفره إلى الأستانة لمتابعة الدّراسة إلى وقت استقراره في مصر, وتمتدّ من سنة 1905م إلى سنة 1920م, وهي فترة العمل المتحمّس والمقاومة والنّضال. والفترة الثّالثة, تمتدّ من وقت استقراره في مصر عام 1920م, إلى وقت وفاته رحمه اللّه أواخر عام 1969م, وهي فترة الكتابة والتّأليف, وتحقيق الكتب التّراثيّة, والمقاومة بالكلمة.
وكان الفصل الثّالث من الباب الأوّل عن المنابر الّتي أطلّ منها السّيّد محب الدّين لعرض أفكاره وآرائه. وتحدّثت في هذا الفصل عن الصّحافة في عصر السّيّد محب الدّين, والصّحف الّتي عمل بها, والصّحف الّتي أنشأها وهي الزّهراء والفتح. وعن المطبعة السّلفيّة, ودورها في الحركة الثّقافيّة, وتحدّثت أيضاً عن الكتب الّتي ألّفها, والّتي ترجمها, والّتي حقّقها.
الباب الثّاني من البحث, خصّصته للحديث عن أفكار وآراء السّيّد محب الدّين وقسّمته إلى ثلاثة فصول, الفصل الأوّل تحدّثت فيه عن موقفه من الدّولة العثمانيّة, وموقفه من الثّورة العربيّة الكبرى, وموقفه من قضيّة فلسطين.(1/5)
وعرضت في الفصل الثّاني لأفكاره المتعلّقة بالقوميّة العربيّة وقضايا العروبة واللّغة العربيّة. فتحدّثت أوّلاً عن القوميّة العربيّة ومنشئها, وأسباب ظهورها, وأهمّ دعاتها. ثمّ بيّنت معنى القوميّة الّتي آمن بها السّيّد محب الدّين. وزيادة في الإيضاح بيّنت الرّابط بين الدّعوة القوميّة والدّعوة الدّينيّة الّتي تبنّاها السّيّد محب الدّين. وفي نهاية الفصل تحدّثت عن اللّغة العربيّة ومحبّة السّيّد محب الدّين لها, ودفاعه عنها, واعتزازه بالماضي العربيّ العريق.
الفصل الثّالث كان عن الإسلام ومفهومه في فكر السّيّد محب الدّين. وفي هذا الفصل أيضاً تحدّثت عن دعوته إلى الإصلاح ومجالاته, وكيف دعا إلى خدمة الوطن, حيث استمدّ هذه الدّعوة من فهمه للإسلام. وكيف تعاون مع رجال الفكر في عصره من أجل خدمة العالم الإسلاميّ.
ثمّ كان الباب الثّالث الّذي تحدّثت فيه عن جهود السّيّد محب الدّين الإصلاحيّة, وكيف ترجم أفكاره إلى أعمال. وكان هذا الباب مقسّماً إلى ثلاثة فصول, الفصل الأوّل عن جهوده الإصلاحيّة في المجال السّياسيّ, حيث أسس جمعيّة النّهضة العربيّة, وانتسب إلى كثير من الجمعيّات السّريّة الّتي انتشرت في ذلك الوقت, وتحدّثت عن اشتراكه في الثّورة العربيّة الكبرى, وعن عودته إلى سوريا, وقيامه مع رفيقه محمّد كامل القصّاب بتشكيل اللّجنة الوطنيّة العليا.(1/6)
وكان الفصل الثّاني عن جهوده الإصلاحيّة في المجال الاجتماعيّ والتّربويّ والتّعليمي. حيث قام بتأسيس جمعيّة الشّبّان المسلمين, والّتي اعتبرها بعض الباحثين بداية الدّعوة المنظّمة في العصر الحديث. وساند الأحزاب الإسلاميّة الّتي ظهرت في ذلك الوقت, وعمل مع مؤسسيها على خدمة الدّين والدّعوة إليه, ومحاربة التّيارات الإلحاديّة, الّتي تحاول المساس بهويّة وشخصيّة الأمّة العربيّة والإسلاميّة. ثمّ كان الحديث عن جهوده التّربويّة, حيث قام بالتّدريس في الأستانة, وفي مدرسة الدّعوة والإرشاد, وفي مدرسة الحديدة في اليمن, وكيف آمن بأنّ التّعليم والتّربية هما أساس بناء الإنسان الّذي سوف يبني الوطن ويطوّره, وكيف ترجم هذا الإيمان إلى عمل, من خلال نشر كتب التّراث, والمساعدة على إنشاء المطابع.
وكان الفصل الثّالث عن جهوده في مقاومة التّغريب والتّبشير والاستشراق, وعلاقته مع أتباع المذهب الشّيعيّ. وقد عرضت لظهور تيار التّغريب, وأهمّ أفكاره وأهمّ رموزه ودعاته. ثمّ بيّنت اهتمام السّيّد محب الدّين بأعمال المبشّرين والمستشرقين في البلاد الإسلاميّة والعربيّة, وعمله على فضح أهدافهم, وبيان أعمالهم الّتي ترمي برأيه إلى محاربة الدّين الإسلاميّ بصورة أساسيّة, من أجل السّيطرة ونهب ثروات البلاد. وكان آخر الفصل للحديث عن علاقة السّيّد محب الدّين بالشّيعة, وكتابته عن مذهبهم, وردّهم على هذه الكتابات.
ثمّ ختمت البحث بخاتمة تبيّن أهمّ نتائج البحث, وما يمكن أن نستفيده من مثل هذه الدّراسة. وكان فيها تقييم لدور السّيّد محب الدّين في مجال الإصلاح والنّهضة.
وقمت بوضع عدّة ملاحق مع البحث, تتضمّن بعض الصّور الخاصّة بالسّيّد محب الدّين, وبرفاقه, وبمجلّاته. ووضعت قائمة بالمصادر والمراجع الّتي اعتمدت عليها في البحث.(1/7)
وقمت بعمل مجموعة من الفهارس لخدمة البحث, فهناك فهرس للآيات والأحاديث النّبويّة الشّريفة, وفهرس للأبيات الشّعريّة, وفهرس للأعلام, وفهرس للأماكن والأحداث, وفهرس للجماعات والجمعيّات والأحزاب, وفهرس للصّحف والمجلّات.
هـ ـ أبرز مصادر البحث:
اعتمدت في هذا البحث على مجموعة متنوّعة من المصادر والمراجع, كان أهمّها كتاب محب الدّين الخطيب حياته بقلمه, وهو كتاب يتحدّث عن محطّات متنوّعة من حياة السّيّد محب الدّين كتبها بيده, وقامت جمعيّة التّمدن الإسلاميّ بدمشق بجمعها ونشرها بعد وفاته.
ومن المصادر أيضاً صحف السّيّد محب الدّين الفتح, والزّهراء, والعاصمة, والأزهر, الّتي كتب فيها مقالاته الّتي تُظهر آراءه وأفكاره وتعليقاته على الأحداث المختلفة الّتي مرّت في حياته.
وهناك كتب السّيّد محب الدّين, مثل كتاب مع الرعيل الأوّل, وكتاب الحديقة, وكتاب صلاح الدّين القاسمي, وغير ذلك من الكتب الّتي كتبها أو الّتي حقّقها.
ومن الكتب الّتي اعتمدت عليها في البحث, وكانت تُظهر الوضع العام والتّغيرات الّتي طرأت على العصر الحديث, كتاب الفكر العربيّ في عصر النّهضة 1798ـ 1939م لألبرت حوراني, وكتاب جورج أنطونيوس يقظة العرب, وهذه الكتب وغيرها استعنت بها لفهم التّحولات الّتي برزت, وتأثيرها على مظاهر الحياة في العصر الحديث.
وفي الختام لا يسعني إلّا أن أقدّم الشّكر الجزيل لكليّة الأوزاعي, والقائمين عليها, والعاملين فيها, الّذين أتاحوا لي هذه الفرصة القيّمة للاستزادة من العلم.
والشّكر كلّ الشّكر للأستاذ المشرف الدكتور المحترم بسّام عبد الحميد, الّذي وجّهني وأفادني بملاحظاته الثّمنية والمفيدة. والشّكر أيضاً للأساتذة الأفاضل, أعضاء لجنة التّحكيم الّذين أعطوني من وقتهم, وتفضلّوا بقراءة بحثي, وأرجو من اللّه أن ينال القبول منهم, وأرجو أن يفيدوني بملاحظاتهم القيّمة.(1/8)
والشكر أيضاً للأستاذ محمّد أبي اليقظان, والدّكتور محمّد ناصر, من القرارة في الجزائر, اللّذين أجابا عن أسئلتي, وتكرّما عليّ ببعض الكتب الّتي أفادتني في بحثي.
والشّكر أيضاً للسيّد لؤي الخطيب, حفيد السّيّد محب الدّين, والّذي تكرّم في الإجابة عن أسئلتي وجنّبني مشقّة السّفر إلى مصر.
ولا أنسى من الشّكر زوجي العزيز, الّذي وقف إلى جانبي وشجّعني على مواصلة البحث والتّعلّم, وإخوتي الأعزّاء الكرام الّذين دعموني بمالهم وتشجيعهم.
أرجو من اللّه أن يكون عملي نافعاً, وأن يُحسب لي في ميزان أعمالي. فإن أصبت فبتوفيق من اللّه, وإن أخطأت فمن نفسي, وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
رغداء محمّد أديب زيدان
دمشق ـ الرّحيبة
1427هـ/2006م
الباب الأوّل
عصره وحياته
الفصل الأوّل
عصره
تمهيد:
من المفيد قبل الخوض في الحديث عن السّيّد محب الدّين وأفكاره، أن نبيّن حال العصر الّذي عاش فيه، فالإنسان إبن بيئته، يعيش ويكوّن أفكاره من خلال ما يعرض له في حياته من أحداث, وما يدور في مجتمعه من أمور تؤثّر فيه، وتكوّن شخصيته.
والسّيّد محب الدّين عاش في عصر كثير الأحداث، فقد عاصر السّلطنة العثمانيّة في أواخر أيّامها، وشهد قيام الثّورة العربيّة الكبرى، واستقلال العرب عن التّرك, وما جاء بعده من دخول للمستعمر الأوروبيّ إلى البلاد العربيّة، ومن ثمّ خروج هذا المستعمر, واستقلال البلاد العربيّة عنه. وشهد أيضاً التّغييرات الّتي حدثت في شتى مناحي الحياة, نتيجة ما زرعه هذا المستعمر في هذه البلاد. لذلك سأجتهد في بيان حال هذا العصر من النّواحي كافّة, السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة.
أ ـ عصره من النّاحيّة السّياسيّة:(1/9)
عاش السّيّد محب الدّين في مرحلة كانت فيها الدّولة العثمانيّة في أيّامها الأخيرة, حيث كانت مطمعاً للدّول الأوروبيّة، الّتي قررت إنهاء حياة الرّجل المريض, كما كانت تسمّى, فأخذت تتدخّل في شؤون الدّولة، وتحرّض الشّعوب على الثّورة, بل وتقتطع أجزاء منها، بعد أن هزمتها في ساحات القتال(1). وقد بلغ الضّعف فيها مبلغاً عظيماً، حتّى عمّت الفوضى جميع أرجائها، وقامت الثّورات في كلّ نواحيها. وبسبب هذا الضّعف والتّمزق, ساد الظّلم والفساد بين موظفي الدّولة، وتخلخل الجيش وضعف، وتضعضع الاقتصاد.
وقد حاول بعض السّلاطين العثمانيين إنقاذ الدّولة من وضعها المزري الّذي وصلت إليه, فقام بعضهم بإصدار القوانين الّتي ترمي إلى الإصلاح, وإنقاذ الدّولة من السّقوط, غير أنّ الوقت كان قد فات, ولم تنفع هذه القوانين في شيء.
وكان من هؤلاء السّلاطين السّلطان عبد الحميد(2)
__________
(1) ـ الصّبّاغ, ليلى, تاريخ العرب الحديث والمعاصر, دمشق, منشورات جامعة دمشق, ط3, 1411/ 1991, 235.
(2) ـ عبد الحميد بن عبد المجيد بن محمود الثّاني, ولد سنة 1269/ 1842, وتولّى الحكم سنة 1293 / 1876, وخُلع سنة 1327/1909, نُفي إلى سلانيك, وتوفّي في قصر بكلربكي في استانبول سنة 1337/ 1918. اختلف فيه النّاس فبعضهم وصمه بالاستبداد والتّسلّط, وآخرون اعتبروه حاكماً جيّداً. ولكنّ الظّروف لم تساعده على حفظ ملكه, لأنّ المؤامرات الّتي حيكت ضدّه كانت كبيرة . عُرف بالذّكاء والدّهاء, ولم يرضخ لمطالب اليهود في فلسطين. وبعد وفاته نظم الشّاعر رضا توفيق, وهو من كبار أعضاء جمعيّة الإتحاد والتّرقّي الّذين ثاروا على السّلطان, قصيدة, قال فيها:
قلنا إنّ السّلطان ظالمٌ وإنّ السّلطان مجنون
قلنا لا بدّ من الثّورة على السّلطان
وصدّقنا كلّ ما قاله لنا الشّيطان.
وعملنا على إيقاظ الفتنة.
انظر, حرب, محمّد, مذكّرات السّلطان عبد الحميد, دمشق, دار القلم, ط3, 1412/ 1991, 17؛ وعثمّان أوغلي, عائشة, والدي السّلطان عبد الحميد الثّاني, نقله إلى العربيّة صالح سعداوي صالح, عمّان, دار البشير, 1411 / 1991, 11.(1/10)
, الذي حكم الدّولة العثمانيّة في وقت متأخّر من تاريخها بين عامي 1876 ـ 1908م, حيث قام بسنّ قوانين كثيرة بنيّة الإصلاح(1), ولكنّه سلك مسلكاً ظنّ أنّه يستطيع من خلاله الحفاظ على إمبراطوريّته, فسيطر على الحكم، وحشد مستشاريه وكتبته ووزراءه في قصر يلدز، وزاد من الجاسوسيّة، فعمّ الشّك, والقلق، وسوء الظّن, جميع أرجاء الدّولة(2). فكان هذا الأسلوب في معاملة الشّعب, من بين الأسباب الّتي أدّت لقيام الثّورة على هذا الحكم.
وزاد من نقمة النّاس سوء الحالة الاقتصاديّة, حيث عانى النّاس من الفقر والجوع, وزاد على ذلك أيضاً انعدام الأمن في السّلطنة, حيث زاد السّلب والنّهب وقلّ الأمان, مما أدّى إلى سوء الأحوال عامّة.
وكان لتدخل الدّول الأوروبيّة في السّلطنة, وطمعهم فيها, دور مهم في تحريك الثّورات فيها هنا وهناك, وشيئاً فشيئاً خرجت الأمور من يد السّلطان "مما أدى إلى نشوب الثّورة عام 1908م، وكانت الثّورة هذه المرّة في تركيّا نفسها، وضدّ السّلطان عبد الحميد وسياسته"(3). وكان هدف هذه الثّورة المعلن, هو التّخلّص من استبداد السّلطان وإقامة حكومة دستوريّة ووضع حدّ لتدخّل القوى الأوروبيّة(4).
__________
(1) ـ عثمان أوغلي, عائشة, والدي السّلطان عبد الحميد الثّاني, 11.
(2) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, دمشق, منشورات جامعة دمشق, ط4, 1412 / 1992, 370؛ والدّسوقي, محمّد كمال, الدّولة العثمانيّة والمسألة الشّرقيّة, القاهرة, دار الثّقافة للطّباعة والنّشر, 1396/ 1976, 312؛ والدّهان,سامي, الأمير شكيب أرسلان حياته وآثاره, القاهرة, دار المعارف, ط2, 1379/ 1959, 50.
(3) ـ الدّسوقي, محمّد كمال, الدّولة العثمانيّة والمسألة الشّرقيّة, 312 ـ 313.
(4) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق ما بين 1918ـ 1920, القاهرة, دار المعارف, 1391/1971, 17.(1/11)
وسواء كان حكم السّلطان عبد الحميد استبداديّاً, كما يصفه بعضهم, أم لم يكن كذلك, فإنّ الإتحاديّين الّذين تولّوا الحكم بعده كانوا أشدّ استبداداً منه، فعاملوا الشّعوب الّتي كانت تحت سيطرة الدّولة العثمانيّة بعنف واستخفاف، ومجّدوا القوميّة التّركيّة، وأرادوا العودة إلى وثنيّتهم الأولى, فنبذوا الخلافة الإسلاميّة وألغوها, وأُعلنت الجمهوريّة التّركيّة, في 3 آذار 1924(1).
عانت البلاد العربيّة من الظّلم، ومن أقسى أساليب الحكم الاستبداديّ الّذي مارسه الإتحاديون على هذه البلاد(2), فارتفعت الأصوات تطالب بالإصلاح، ولم يكن في نيّة العرب الخروج من الدّولة العثمانيّة, لأنّ الهدف الأساسي لهم كان يتمثّل بالإصلاح(3), فالرّوابط الّتي تربط العرب والتّرك كثيرة, وأهمّها الدّين, لذلك كانت مطالبهم تتلخّص بالإصلاح, ولم يكن التّفكير بالاستقلال وارداً في نفوسهم.
وعندما قامت الثّورة في تركيّا سنة 1908م, شارك العرب فيها على أنّهم عثمّانيون، وكان أملهم كبيراً في أن تأتي هذه الثّورة بما يطلبون, إلّا أنّ الإتحاديّين خيّبوا الرّجاء فيهم، واتبّعوا سياسة مركزيّة شديدة، واستغلّوا السّلطة لمصلحة العرق التّركيّ باحتكار الوظائف، ونقل الضّباط، والتّحكّم في الانتخابات، وتشجيع الصّحافة الّتي تمجّد النّعرة الطّورانيّة, واستخفّوا بالشّعوب الأخرى, فقد كان لهم من الأهداف ما أظهرته الأيّام فيما بعد(4).
__________
(1) ـ الدّسوقي, محمّد كمال, الدّولة العثمانيّة والمسألة الشّرقيّة, 428.
(2) ـ قلعجي, قدري, الثّورة العربيّة الكبرى, بيروت, شركة المطبوعات للتّوزيع والنّشر , 1413/ 1993, 38.
(3) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 377.
(4) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق ما بين 1918 ـ 1920, 18.(1/12)
وكانت سياسة الإتحاديّين الاستبداديّة, وقمعهم الدّمويّ للعرب، ومذابح جمال باشا(1), وإعدامه لرموز الثّقافة والأحرار العرب, من الأسباب الّتي جعلت الشّعوب العربيّة تفكّر بالثّورة. فقد كانت الإدارة التّركيّة فاسدة، والسّياسة ضيّقة الأفق. وبالنّسبة لسوريا بوجه خاصّ, فقد دخلها جمال باشا في 5 كانون الأوّل عام 1913م والياً, وبدأ بخداع الشّعب, بالحديث عن إحياء التّراث العربيّ واللّغة العربيّة والمجد العربيّ, ولم يكن لذلك في واقع الأمر أساس حقيقيّ, فكلّ أعمال هذا الوالي أظهرت معاداته للفكرة العربيّة, وخوفه من الحركة العربيّة, مما دفعه إلى نشر جواسيسه, وتتبّع أخبار رجالات الحركة العربيّة, وتشتيت الكتائب العربيّة الموجودة ضمن الجيش العثمانيّ في دمشق إلى الأناضول, واستبدالها بكتائب تركيّة. وكان من نتائج هذه السّياسة المستبدّة القبض على العديد من رجالات العرب, وتعليق أفواج منهم على المشانق(2). مما جعل العرب يوازنون بين الحكم التّركي واستمراره, أو الثّورة عليه بمساعدة حليف أجنبيّ, فرأى معظمهم أنّ مصلحة العرب تقتضي إضرام نار الثّورة(3).
__________
(1) ـ جمال باشا, أحمد جمال باشا القائد التّركي الشّهير بالسّفاح, وبالدّاغستاني, وبالكبير. ومن مواليد 1288 / 1872. تولّى حكم دمشق بين عامي 1914ـ 1918م, اعتمد على الإرهاب والبطش، وكانت سياسته تقوم على أساس تتريك العناصر العربيّة, وفي عام 1921م قتله في مدينة تفليس أرمني, انتقاماً لأبناء قومه, يدعى اسطفان زاغكيان؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, دمشق, مطبعة العروبة, 1380/1960, 222؛ وقدامة, أحمد, معالم وأعلام في بلاد العرب, دمشق, مطابع ألف باء, 1385/ 1965, القسم الأوّل, 1, 12.
(2) ـ قدّورة, زاهية, تاريخ العرب الحديث, بيروت, دار النّهضة العربيّة, ط2, 1405/ 1985, 240 ـ 241.
(3) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 3.(1/13)
وكان للتّدبير الخارجي, وللخطط الّتي رسمتها الدّول الغربيّة, لتفكيك الدّولة العثمانيّة والقضاء عليها, بمساعدة بعض الفئات العربيّة, وذلك من أجل مصالحها الخاصّة في المنطقة, أثر كبير في حثّ العرب, وتزيين الثّورة في عيونهم على الحكم التركيّ. فعملت على إثارة الفتن والاضطرابات داخل الدّولة, وشجّعت الخلافات المذهبيّة والطّائفيّة والعرقيّة, من أجل الوصول إلى غايتها المرجوّة(1).
وبالفعل قامت الثّورة في عام 1916م, بقيادة الشّريف حسين شريف مكّة(2)، وبتحالف مع بريطانيا العظمى, حيث جرت اتصالات بين العرب والبريطانيين أسفرت عن قيام هذه الثّورة, وتوّجت الثّورة العربيّة بدخول القوات العربيّة دمشق في30 أيلول 1918م, وإعلان الحكومة العربيّة في قلب عاصمة العرب التّاريخيّة, وبذلك تحرّرت معظم أراضي آسيا العربيّة من الحكم العثمّاني(3). وتخلّصت سوريا والبلاد العربيّة الآسيويّة من الحكم العثمّاني، وعرف العرب لأوّل مرّة في تاريخهم الحديث قيام حكومة عربيّة.
__________
(1) ـ الخالدّي, مصطفى, وفروخ, عمر, التّبشير والاستعمار في البلاد العربيّة, صيدا, المكتبة العصريّة, ط3, 1406/ 1986, 135.
(2) ـ الشّريف حسين,1270ـ 1350/1854ـ 1931, أوّل من أعلن في الحجاز استقلال العرب عن التّرك, وآخر من حكم مكّة من الأشراف. ولد في الأستانة, وكان أبوه منفيّاً بها، وانتقل معه إلى مكّة فتأدّب وتفقّه ونظم الشّعر. نفي من قبل الإنكليز إلى قبرص فأقام ست سنين, لكنّه مرض فسمح له الإنكليز بالسّفر إلى عمّان, وبها مات, ودفن في المسجد الأقصى؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, بيروت, دار العلم للملايين, ط10, 1412/1992, 2, 250؛ ومجموعة من المؤلفين, المنجد في الأعلام, بيروت, دار الشّرق, ط23, 1421/ 2001, 221.
(3) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق ما بين 1918ـ 1920, 46.(1/14)
غير أنّ هذه الفرحة لم تدم طويلاً، فقد كانت الدّول الاستعماريّة قد خططت مسبقاً, ودون علم العرب, وقامت بتنفيذ ما خططت له, وسيطرت على الدّول العربيّة، وتقاسمتها في ما بينها, ومزّقت أوصال البلاد العربيّة, ولم يشعر العرب إلّا ووطنهم يئنّ تحت وطأة أحكام مختلفة ومتعسّفة, وقوم يرطنون ويعجمون بين ظهرانيهم(1).
وتقسّمت البلاد العربيّة، وأصبحت دولاً متعدّدة, بعد أن كان كتلة واحدة متّصلة, ونجحت الدّول الاستعماريّة (بريطانيا وفرنسا) في ايجاد واقع جديد لم يعرفه العرب من قبل, وبدأ نضال العرب من جديد ضدّ هذا الاستعمار الغادر الّذي خدعهم, وقسّم بلادهم, وزرع كياناً غريباً بينهم في فلسطين.
كان الدّين يجمع بين الأتراك والعرب, ولولا سوء معاملة الإتحاديين للعرب وظلمهم واستبدادهم, ولولا ما قام به الأوروبيّون من تخطيط محكم لدفع العرب للثّورة, ما فكّر العرب بالاستقلال عن السّلطنة العثمانيّة المسلمة. ولكنّ هذا المستعمر الجديد لا تجمعه مع العرب أيّة جامعة, بل على العكس, أثبت لهم أنّه عدوّ بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى, يريد نهب خيراتهم, واحتلال بلادهم, وتهديم دينهم, لذلك فقد قاوموه منذ أوّل يوم دخل فيه إلى أرضهم, وقامت الثّورات الكثيرة في وجهه, ولم تهدأ حتّى استطاعت أن تخرجه من أرضها, ونالت البلاد العربيّة استقلالها بعد أن دفعت ثمناً كبيراً من دماء أبنائها.
__________
(1) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 411.(1/15)
ولكنّ هذا المستعمر خرج بجسمه وجيوشه, وبقي تأثيره في الحياة العامّة. فقد غيّر من بنية هذه البلاد, وأرسى الضّعف والتّخلّف فيها, وأدخل إليها مفاهيم غريبة عنها, وزرع الخلاف والتّشرذم بين أبنائها. وقد فرّق الاستعمار بين أجزاء القلوب في الشّعب الواحد, فرّق بين البربر والعرب, وهم متّحدون في دينهم ولسانهم, وفرّق بين المسلم والنّصراني في كلّ مكان(1). فانتشرت الطّائفيّة, والعداوة بين أفراد الشّعب الواحد, وما زالت البلاد العربيّة تعاني إلى اليوم من هذا البلاء الّذي حلّ بها, ولم تستطع الاتّفاق أو النّهوض من جديد حتّى وقتنا الحاضر.
ب ـ عصره من النّاحية الاجتماعيّة:
__________
(1) ـ كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, القاهرة, لجنة التّأليف والتّرجمة والنّشر, 1370/1950, 356.(1/16)
انقسم المجتمع في ظلّ الحكم العثمانيّ عموماً إلى طبقتين, طبقة الحكّام, وتضمّ القوّاد والجند وكبار الملاّك. وطبقة الرّعيّة, الّتي تضمّ أفراد الشّعب الفقير. ويصف السّيّد فخري البارودي(1) في مذكّراته, وكان معاصراً لتلك الفترة, الطّبقة الأولى بقوله:" إنّ أكثرهم كانوا ينظرون إلى النّاس نظرتهم إلى العبيد والخدم.... وكان ذوات تلك الأيّام, ومعظمهم من أصحاب المزارع الأغنياء, يُكثرون من اقتناء الخدم, فلكلّ ذاتٍ في داره وكيل خرج يشرف على مصروف الدّار, وكاتب للمحاسبة, وقهوجيّ, وحوذيّ, وندل (سفرجيّ), وسائس, وكانت بيوت الأكابر تعجّ بالخدم من سود وبيض"(2). أمّا الفقراء فكانوا لا يملكون شيئاً, ويكتفون بأقلّ القليل بعد العمل الطّويل. ومع تقدّم الزّمن وتأخّر الدّولة العثمانيّة ازداد فقر هذه الطّبقة ومعاناتها.
وهناك طبقة أخرى كانت تتألّف"من التّجار, والأطبّاء, والمحامين, والمعلّمين, وأرباب الصّنائع والحرف الآخرين"(3).
__________
(1) ـ فخري البارودي, هو محمّد فخر الدّين بن محمود البارودي ولد في دمشق 1304/ 1887, حارب مع العثمانيين في الحرب العالميّة الأولى. صار مرافقاً للأمير فيصل وحارب الفرنسيين فاعتقلوه عدّة مرات. انُتخب نائباً عن دمشق على مدى عشرين عاماً, اعتزل العمل السّياسي سنة 1948م, توفّي في أيّار سنة 1966م؛ انظر, البارودي, فخري, أوراق ومذكّرات فخري البارودي, تحقيق دعد الحكيم, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1419/ 1999, القسم الأوّل, 8؛ وقصّاب حسن, نجاة, صانعو الجلاء في سوريا, بيروت, شركة المطبوعات للتّوزيع والنّشر, ط1, 1419/ 1999, 211ـ 219؛ والبواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريا في القرن العشرين, بيروت, المنارة, 1999م, 1, 193.
(2) ـ البارودي, فخري, أوراق ومذكّرات فخري البارودي, القسم الأوّل, 28.
(3) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 371.(1/17)
وكان النّاس يسكنون في المدن والأرياف، فالمدن يعتمد سكّانها على الحرف والتّجارة، أمّا أهل الرّيف فكانوا يعتمدون على الزّراعة.
أمّا الأسرة فقد كانت متماسكة، للأبّ فيها سلطة قويّة لا يُخالف رأيه، ويشرف على شؤون البيت وتكون له الكلمة الأولى والأخيرة في كلّ ما يتعلّق بأسرته.
وبالنسبة لوضع المرأة فقد كان وضعاً سيّئاً جدّاً, ولم يكن لها أيّة مشاركة فاعلة في بناء المجتمع إلّا ما ندر, فقد "تعرّضت لانحطاط شديد، زاد عن انحطاط المجتمع، وفقدت أيّة مساهمة جديّة في حركة المجتمع وحياته"(1).
ومع ازدياد الاحتكاك بالغرب, وتغلغل الأوروبيّين في الدّولة العثمانيّة, كانت ملامح التّغيير الاجتماعيّ تتّضح تدريجيّاً, بالرغم من معارضة فريق من العلماء وطلبة العلم, ووقوفهم في وجه جهود كبار الدّاعين إلى التّجديد في السّلطنة, عن طريق الأخذ عن الغرب وتقليده, ومناصرة تيار الاقتباس منه(2).
ومع دخول المستعمر الأوروبيّ إلى البلاد العربيّة، دخلت مفاهيم جديدة وأفكار كثيرة أثرّت في المجتمع وفي تركيبته وتكوينه الاجتماعيّ، وبدأت البلاد العربيّة تحتّك بالحضارة الغربيّة العصريّة، وتقتبس منها، فتغيّر اللّباس، وتغيّرت الأفكار والعادات، وظهرت إلى الوجود أصوات تدعو إلى الأخذ عن الغرب, ونبذ الماضي بكلّ ما فيه من أجل النّهوض واللّحاق بركب المستقبل(3), فظهر ما يسمّى بتيّار التّغريب، الّذي كان يدعو إلى الاقتباس عن الغرب, وعمل كلّ ما يمكن عمله حتّى ولو أدّى ذلك إلى تغيير كلّ شيء مهما كان, أملاً في أن يؤدّي ذلك إلى التّقدّم المنشود.
__________
(1) ـ بحبوح, زينب نبّوه, زينب فوّاز رائدة من أعلام النّهضة العربيّة الحديثة, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1420/ 2000, 35.
(2) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 373.
(3) ـ كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, 354.(1/18)
ويمكن أن نقول إنّ المجتمع العربيّ انتقل من حالة اجتماعيّة, إلى حالة أخرى مختلفة تماماً, وكان هذا نتيجة لما حصل من تغييرات على مستوى العالم ككل, ونتيجة لتشجيع الأوروبيّين الّذين خططوا لغزو هذه البلاد, والسّيطرة عليها بطرق كثيرة ظاهرها فيه الرّحمة وباطنها فيه العذاب, وسيكون لنا وقفة أخرى مع هذا الموضوع عند الحديث عن التّغريب والتّغريبيين.
ج ـ الحالة الدّينيّة:
كان الدّين الإسلاميّ هو الرّابط الّذي جمع العرب مع التّرك، وجعلهم يقبلون بحكمهم لبلادهم طوال تلك السّنين، وكان الأتراك يدركون هذا جيداً، وكان العلماء والفقهاء يتمتّعون بالاحترام والتّقدير في ظلّ الدّولة العثمانيّة(1).
وقد عُنيت الدّولة بإقامة المساجد والكتاتيب الّتي تعلّم الدّين الإسلاميّ, ووقفت لها الأوقاف الكثيرة وأنفقت عليها بسخاء.
وكان مذهب الدّولة العثمانيّة هو المذهب السّنيّ، وعُرف عنها أنها شجعت التّصوّف والصّوفيّة تشجيعاً كبيراً "حتّى أنّ عدداً من العلماء أنفسهم انخرط في الفرق الصّوفيّة العديدة، واختلط الأمر على أفراد الشّعب فأخذت مختلف طبقات المجتمع الإسلاميّ تنتمي هي الأخرى إلى تلك الفرق، وغدا للتّصوّف مراكز دائمة, ونشاط مستمرّ، وأصبح من الطّبيعيّ جدّاً, بالنّسبة لذاك العصر, أن يربط كلّ فرد نفسه بطريقة من الطّرق"(2).
وانتشرت الخرافات والخزعبلات، ودخلت مفاهيم غاية في السّذاجة، واعتقد النّاس أنّها من الدّين, فقامت في مقابل ذلك حركات تدعو إلى "الإصلاح الدّيني، والرّجوع بالشّريعة إلى أصولها وقواعدها، وإزالة ما أُدخل عليها في عهود الظّلام والانحطاط من بدع وأكاذيب, مناهضة للعقل, مناقضة للإسلام"(3).
__________
(1) ـ الصّباغ, ليلى, تاريخ العرب الحديث والمعاصر, 193.
(2) ـ المصدر نفسه, 212.
(3) ـ قلعجي, قدري, الثّورة العربيّة الكبرى, 9.(1/19)
وتوسّع هذا الإصلاح ودعا "إلى مواجهة التّحديات الغربيّة للمسلمين بالعودة إلى مصادر الشّريعة الأصيلة, من قرآن وسنّة, وإلى إحياء الإسلام فكريّاً وسياسيّاً, ونبذ الجهل والجمود والتّزمّت"(1).
وكان لظهور الشّيخ جمال الدّين الأفغاني(2) أكبر الأثر في هذه الدّعوة, وكان همّ هذا الشّيخ الجليل "أن يغيّر المسلمون ما بأنفسهم من رثاثة تقاليد, وغثاثة أخلاق بالرّجوع إلى القرآن وتعاليمه, وجعله [أي القرآن] روحاً للحركة الدّينيّة, الّتي دعا المسلمين إليها, وجعل معوّله في تقدّمهم ورقيّهم عليها"(3). وتوسّعت مدرسة الشّيخ جمال الدّين الأفغاني، وضمّت كثيراً من النّبهاء والعظماء من أبناء الأمّة، وكانت أفكاره تعبّر تعبيراً صادقاً عن روح النّهضة العربيّة الحديثة.
__________
(1) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 373.
(2) ـ جمال الدّين الأفغاني, اسمه محمّد بن صفدر, أُختلف في مكان ولادته, فبعضهم قال أنّه وُلد في أسعد آباد على مقربة من كابل, وقد ذكر آخرون أنّه وُلد في إيران, عام 1254/ 1838. نشأ نشأة علميّة, وكان يعرف لغات متعدّدة منها الأفغانيّة والفارسيّة والعربيّة والتّركيّة والفرنسيّة ويلمّ بالإنكليزيّة والرّوسيّة. جال في العالم الإسلاميّ محاولاً النّهوض بالمسلمين, ومحارباً الاستبداد. أصدر جريدة العروة الوثقى سنة 1301/ 1884وكان مضرب المثل في الجرأة والشّجاعة, وله مؤلفّات منها: الرّد على الدّهريين, و تتمة البيان في تاريخ الأفغان, وغيرها, توفّي في 1314/1897؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 168؛ والمغربي, عبد القادر, جمال الدّين الأفغاني, القاهرة, دار المعارف, ط3, د.ت, 9 وما بعدها.
(3) ـ المغربي, عبد القادر, جمال الدّين الأفغاني, 101.(1/20)
ومع دخول الأوروبيّين إلى البلاد العربيّة والإسلاميّة، وانتشار أفكارهم الّتي تدعو إلى فصل الدّين عن الدّولة، وزيادة أعمال التّبشير، ظهرت دعوات تدعو إلى ترك الدّين والابتعاد عن الإسلام، واعتبرت أنّه السّبب في التّخلف والجمود. فظهر مذهب لا يعترف للدّين بأيّ فضل، وطالب بنبذ الدّين، والتّخلّص من كلّ ما من شأنه أن يجعل للدّين مكانة ورأياً في الحياة، وأن يلتحق المسلمون بمدنيّة أوروبّا. ودعا إلى تكّتل العرب دون النّظر إلى دياناتهم, وتشكيل أمّة عربيّة تضمّ جميع العرب مسلمين وغير مسلمين(1).
وبالمقابل نشأ تيار آخر دافع عن الدّين، وبيّن أنّ الانحطاط الّذي أصاب العرب والمسلمين ليس بسبب دينهم وتمسّكهم به, إنّما بسبب فهمهم الخاطئ لهذا الدّين, وعدم تطبيقه التّطبيق الصّحيح, كما أمر الله عزّ وجلّ(2).
__________
(1) ـ الصّباغ, ليلى, تاريخ العرب الحديث والمعاصر, 228؛ وحوراني, ألبرت, الفكر العربيّ في عصر النّهضة 1798ـ 1939, ترجمة كريم عزقول, بيروت, دار النّهار, ط4, 1406 / 1986, 425.
(2) ـ النّدوي, أبو الحسن على الحسني, ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين, الكويت, دار القلم, ط14, 1412/ 1992, 4.(1/21)
ومعلوم أنّ البلاد العربيّة تحفل بديانات أخرى غير الإسلام, كاليهوديّة والمسيحيّة. وقد عاش أصحاب الدّيانات الأخرى من مسيحيين ويهود بين المسلمين بأمان واطمئنان, وتمتعوا بحقوقهم كافّة, فمنذ قيام الإسلام إلى زمن الدّولة العثمانيّة تمتّع الفريقان بالأمن والمواطنيّة, وكانت لهم حريّتهم، وكانت لهم علاقاتهم الجيّدة مع إخوانهم المسلمين. واستمرّت هذه الصّورة إلى أن بدأ التّدخل الأوروبيّ, الّذي حاول التّفريق بين أفراد الشّعب الواحد, وحاول تحريك الفتن الطّائفيّة, ليثبّت نفوذه في المنطقة ويحافظ على وجوده ومصالحه. ومع خروج الأوروبيّين ظهرت أصوات كثيرة تدعو إلى نبذ الخلافات الدّينيّة، وتكوين مجتمع موحّد يعيش فيه المسلمون وغيرهم من أهل الدّيانات الأخرى بأمن وسلام كما كانوا دائماً.
د ـ الحالة الثّقافيّة في عصر السّيّد محب الدّين الخطيب:
لم يكن حال التّعليم في ذلك العصر جيّداً بما فيه الكفاية, فالجهل كان عامّاً، والأميّة منتشرة في كلّ مكان، والمدارس قليلة، والمدرّسون غير أكفاء. وقد حاول بعض الحكّام العثمانيين إصلاح التّعليم, وخصوصاً في زمن عبد الحميد الثّاني, ولكنّ سوء الإدارة كان له الأثر الأكبر في تكريس الجهل والأميّة بين أفراد الشّعب.(1/22)
وكان التّعليم ينقسم إلى أقسام ثلاثة: تعليم أهليّ أُطلق على مؤسساته تسمية المدارس الخاصّة، وتعليم حكوميّ تشرف عليه الدّولة، بالإضافة إلى التّعليم الدّيني، المتمثّل في الكتاتيب والمدارس الدّينيّة. وكانت المدارس الحكوميّة تنقسم إلى مدارس ابتدائيّة, ومدارس رشديّة(1), ومدارس إعداديّة, ومدارس اختصاصيّة مثل دور المعلّمين والمكاتب الصّناعيّة والزّراعيّة والكلّيات المتقدّمة الأخرى, والّتي تمركزت بشكل أساسيّ في الأستانة(2).
ولا يمكن إغفال دور البعثات التّبشيريّة الأوروبيّة الّتي حاولت الدّخول إلى قلوب وعقول المسلمين من بوابة التّعليم، فافتتحت المدارس المتنوّعة, وأنشأت الكليّات العالية مثل الكليّة السّوريّة البروتستانتيّة الّتي سُميّت فيما بعد بالجامعة الأمريكيّة لكلّ من بيروت والقاهرة(3).
__________
(1) ـ المدارس الرّشديّة, هي المدارس التي أُنشئت في عهد السّلطان عبد الحميد, وعددها تسع وعشرون مدرسة في ولايات الدّولة جميعها, وكان هدفها تهيئة الطلّاب لمتابعة الدّراسة الجامعيّة؛ انظر, طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 281؛ وعثمان أوغلي, عائشة, والدي السّلطان عبد الحميد الثّاني, 23.
(2) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 375.
(3) ـ كامل, محمود, الدّولة العربيّة الكبرى, القاهرة, دار المعارف, 1378/ 1958, 372.(1/23)
وبالرّغم من هذا التّنوّع إلّا أنّ المدارس لم تكن كافية, والحالة التّعليميّة فيها كانت متأخّرة ومتخلّفة, بالإضافة إلى أنّها لا تدرّس اللّغة العربيّة, فالدّولة العثمانيّة, وبعد استيلاء الإتحاديّين على الحكم, جعلت التّدريس باللّغة التّركيّة, وكانت تدرّس حتّى اللّغة العربيّة والنّحو والصّرف باللّغة التّركيّة(1). لهذا واجه الطّلاب مصاعب لا قبل لهم بتذليلها, وأهمّها قضيّة اللّغة آنذاك, لغة الحاكم التّركيّة, وهي اللّغة الوحيدة الّتي تُدرّس في مدارس الدّولة, أمّا اللّغة العربيّة فلم تكن تُدرّس إلّا في الكتاتيب والمدارس الدّينيّة"(2).
أمّا المدرّسون فكانوا غير أكفاء, ولم يكن إعدادهم جيداً. وذكر أحد الكتّاب أنّ الوظائف التّدريسيّة كانت تُوضع في المزاد, ليتولّاها من يقبل بأقلّ أجر بغضّ النّظر عن معرفته بالعلم الّذي يريد تدريسه(3). لذلك اتجه النّاس إلى المدارس الأهليّة والتّبشيريّة، والّتي انتشرت في الدّولة العثمانيّة انتشاراً كبيراً لمّا وجدوا أنّها تتقدّم عن مدارس الدّولة الحكومية تقدّماً كبيراً. وتنافس المرسلون الأميركان واليسوعيون والعازاريون في بثّ المعرفة والتّبشير, وإعمار مدارسهم وكلّياتهم, فكان علية القوم يأنفون من وضع أولادهم في المدارس الحكوميّة, فاتّجهوا إلى هذه المدارس, الّتي اهتمّت بتدريس اللّغة العربيّة, واللّغات الأوروبيّة, والعلوم الحديثة بطريقة تفوّقت فيها على المدارس الحكوميّة بصورة كبيرة جدّاً(4).
__________
(1) ـ عوض, عبد العزيز, الإدارة العثمانيّة في ولاية سوريّة 1864ـ 1914, القاهرة, دار المعارف, 1389/ 1969, 262.
(2) ـ قلعجي, قدري, الثّورة العربيّة الكبرى, 39.
(3) ـ كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, 345 .
(4) ـ الدّهّان, سامي, الأمير شكيب أرسلان حياته وآثاره, 50.(1/24)
أمّا الكتب وانتشار الثّقافة، فقد كانت الكتب عزيزة الوجود, وإن وُجدت فقد كانت غالية الثمّن. وصحيح أنّ هناك مكتبات عامّة, لكنّها كانت قليلة, تحوي المخطوطات والكتب, ولكنّ الأيدي لا تصل إليها بسهولة(1).
وبرزت إلى الوجود الصحف الّتي بدأت بداية خجولة, ثمّ ما لبثت أن انتشرت في كلّ البلاد العربيّة, وتبارى المثقّفون في الكتابة فيها, وكان انتشارها في مصر أكبر من انتشارها في الشّام، وذلك بسبب الرّقابة الشّديدة من قبل السّلطات العثمانيّة. وكانت أكثر الصّحف الموجودة في مصر هي لناس من نصارى الشّام, الّذين هاجروا إلى مصر وأنشأوا فيها صحفهم, لما كانت تتمتّع به مصر من حريّة نوعاً ما في ذلك الوقت(2).
هـ ـ عصره من النّاحية الاقتصاديّة:
عاش السّيّد محب الدّين في مرحلة كانت الدّولة العثمانيّة خلالها ضعيفة في كلّ المجالات, وخصوصاً في المجال الاقتصاديّ, وكانت النشاطات الاقتصاديّة من زراعة وصناعة وتجارة متأخّرة وضعيفة.
1 ـ الزّراعة:
كانت الحياة الاقتصاديّة في أواخر الدّولة العثمانيّة متأخّرة تأخّراً كبيراً. فالزّراعة الّتي تعتبر العماد الأساسيّ للاقتصاد في الدّولة, كانت تعاني من الضّعف والتأخّر. وقد حاولت الدّولة أن تحسّن من أداء هذا القطاع, فكانت تسنّ القوانين الّتي تهدف إلى إصلاح الزّراعة وتحاول تنفيذها, ولكنّها كانت تفشل في ذلك، وذلك لعدّة أسباب كان من أهمّها سوء الإدارة, وتفشّي الرّشوة وضعف الكادر التّنفيذيّ(3).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 46.
(2) ـ سعد الدّين, محمّد منير, الإعلام, بيروت, دار بيروت المحروسة, 1411/ 1991, 109.
(3) ـ عوض, عبد العزيز, الإدارة العثمانيّة في ولاية سوريّة 1864ـ 1914, 245.(1/25)
وكان نظام الإقطاع منتشراً في ذلك الوقت, وقد أضرّ هذا النظام بالزراعة ضرراً كبيراً, فالإقطاعيون كانوا يعاملون الفلاحين معاملة غاشمة ظالمة, وأكثروا عليهم الضّرائب والأعباء الماديّة. وجاء زمان والفلاحون ينزلون برضاهم عن أرضهم إلى الإقطاعيين, لأنّهم لا يستغلّون منها ما يفي بالضّرائب الموضوعة عليها لكثرتها، ليس على الفلاحين والأراضي الزّراعيّة وحدها, بل على كلّ مرافق الحياة الاقتصاديّة, تحاول الدّولة من خلالها أن تعوّض ما كانت تخسره في حروبها الكثيرة(1).
وانتشر نظام الالتزام فكانت "الدّولة تطرح الأعشار في المزاد العلنيّ لكي تقبض ريعها من الملتزم سلفاً, وتطلق له العنان في تحصيلها من المكلّفين. وكم تحمّل النّاس من ظلم الملتزمين عند التّحصيل, فقد كان هؤلاء من أرباب النّفوذ الإقطاعيين, وكانوا يتّفقون مع الحكّام على سلب الفلاّح"(2).
وكان لانعدام الأمن وغارات البدو على القرى أثر في تأخّر الزّراعة "وقد جاء وقت فرض البدو فيه (خوّة ) حتّى على المدن, ولهم على كلّ قريّة مبلغ أو إتاوة سنويّة, وإلّا رعوا الزّروع وقطعوا الأشجار, وخرّبوا المساكن, وقتلوا الأنفس"(3).
ولم يهتمّ الفلاح بتطوير أساليب الزّراعة, أو زيادة الإنتاج، لأنّ الظّلم الواقع عليه لم يكن يسمح له بالتّطوير, لذلك فقد قلّ الإنتاج, وهُجرت القرى, وبارت الأراضي الزّراعيّة.
2 ـ الصّناعة:
كانت ثمّة صناعات يدويّة تقليديّة، يتوارثها في الغالب الأبناء عن آبائهم, وكانت تتركّز في المدن بصورة أساسيّة, أمّا في الأرياف فقد كانت قليلة, لأنّ أهل القرى كانوا يعملون بالزّراعة بصورة أساسيّة.
__________
(1) ـ كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, 317.
(2) ـ البارودي, فخري, أوراق و مذكّرات فخري البارودي, القسم الأوّل, 103.
(3) ـ كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, 317.(1/26)
ولم تكن هذه الصّناعات تستخدم الآلات الكبيرة والمتطوّرة, ولم تكن تنتج مصنوعات فخمة, بل إنّها كانت عاديّة بسيطة, لا تجديد فيها ولا تطوير.
ومع التّدخل الأجنبي انهارت الصّناعات اليدويّة إلّا القليل منها، فقد حصل الأوروبيّون على امتيازات كبيرة لهم في الدّولة العثمانيّة، هذه الامتيازات أثّرت في الصّناعة المحليّة ونافستها, بل وكادت تقضي عليها(1).
3 ـ التّجارة:
كان جلّ رأس المال فيها أوروبيّاً أو مرتبطاً به. فالمراكز التّجاريّة الّتي أنشأها الأوروبيّون في ظلّ الامتيازات الّتي أُعطيت لهم, وقلّة الضّرائب الّتي يدفعونها بالنّسبة إلى أهل البلاد, أدّت إلى أن تكوّنت حولها (برجوازيّة) من أناس ارتبطوا بهم, وحصلوا بواسطتهم على نوع من الحماية(2).
وقد اهتمّ الأوروبيّون بالتّجارة لتأمين المواد الأوّليّة لصناعاتهم الّتي ازدهرت في ذلك الوقت، مما أضرّ بالصّناعة المحليّة، واحتكروا التّجارة، وسيطروا عليها هم ووكلاؤهم المحليّون, مما أبعد السّكّان عن التّجارة, وانصرف اهتمامهم إلى الزّراعة المعنيّة بتأمين طلبات السّوق(3).
وبعد سيطرة الأوروبيّين على البلاد العربيّة كان هدفهم الأوّل والأخير هو نهب ثروات الشّعوب, والسّيطرة على البلاد, فلم يهتمّوا بالتطوير إلّا بالمقدار الّذي يخدم مصالحهم، لذلك فإنّهم لم يطوّروا الاقتصاد تطويراً حقيقيّاً، بالرّغم من دخول الآلات والتقنيّات الحديثة في الزّراعة والصّناعة, إلّا أنّ ذلك لم يسهم في دفع الاقتصاد إلى التّحديث.
__________
(1) ـ الدّوري, عبد العزيز, مقدّمة في التّاريخ الإقتصادي العربيّ, بيروت, د.ن, 1388/1968, 121.
(2) ـ المصدر نفسه, 136.
(3) ـ المصدر نفسه, 136.(1/27)
وبعد ظهور النّفط في البلاد العربيّة زادت أطماع الأورويّين في هذه البلاد. وكبّلوا الاقتصاد العربيّ باتفاقات تخدم مصالحهم، وتُبقي هذه البلاد خاضعة لهم اقتصاديّاً، فلم تقم في البلاد العربيّة صناعات بالمعنى الحقيقيّ للكلمة لكنّها صناعات استهلاكيّة(1).
وكانت التجارة تعتمد على استيراد البضائع الأجنبيّة إلى البلاد العربيّة, مما جعل هذه البلاد سوقاً لتصريف منتجات البلاد المستعمِرة , لذلك بقي الاقتصاد متخلّفاً, وذلك على الرغم من محاولة البلاد العربيّة إصدار قوانين وإصلاحات لتحسين إقتصادها, إلّا أنّها ما تزال إلى الآن في عداد الدّول المتخلّفة اقتصادياً(2).
وهكذا نرى أنّ السّيّد محب الدّين عاش في عصر كثير الاضطراب، يطغى التّخلّف فيه على شتّى مناحي الحياة. فقد كانت الحياة السّياسيّة مضطربة كثيرة الحروب, مما أسفر عن فقدان الأمن والاستقرار. وكان لسقوط الدّولة العثمانيّة، ووقوع البلاد العربيّة تحت سيطرة الأوروبيّين، الأثر البالغ في التّغيير الّذي طرأ على بنية المجتمع العربيّ, وقد أدخل الأوروبيّون إلى هذه البلاد أفكاراً كثيرة, وعادات غريبة لم تكن معروفة فيها من قبل، وفتح عيون العرب على الحضارة الغربيّة، واستخدم أساليب كثيرة للسّيطرة على هذه الشّعوب، وعلى خيرات هذه البلاد, فكان العرب أشبه بنائم مستغرق في نوم عميق وفجأة... أيقظه ضجيج قوي، فقام مذعوراً لا يعرف أين هو وماذا حصل، فهو يحتاج إلى وقت حتّى يستطيع أن يستوعب ما جرى.
__________
(1) ـ الببلاوي, حازم, " النّظام الإقتصادي الدّولي المعاصر, من نهاية الحرب العالميّة الثّانية إلى نهاية الحرب الباردة ", في عالم المعرفة, 257 (محرّم 1421 / أيّار 2000 ), 33.
(2) ـ المصدر نفسه, 33.(1/28)
هذا الاضطراب السّياسي انعكس على كلّ المجالات الأخرى الاجتماعيّة, والاقتصاديّة، والثّّّّّّّقافيّة، فكان له تأثير كبير في حياة السّيّد محب الدّين، وفي صوغ أفكاره، وفي طروحاته الّتي قدّمها، والّتي حاول من خلالها أن يقدّم ولو شيئاً صغيراً لأمّته من إصلاحات كان يراها ضروريّة للنّهوض بهذه الأمّة، لتعود كسابق عهدها أمّة وسطاً بين النّاس، تتبوّأ مركز الصّدارة والرّيادة بين جميع الأمم.
الفصل الثّاني
حياته
أ ـ المرحلة الأولى: من مولده إلى انتهاء دراسته الثّانويّة 1886م ـ 1905م.
1- الأسرة:
يعود نسب السّيّد محب الدّين إلى أسرة آل الخطيب الحسني الشّهيرة في دمشق. الّتي انتقلت إليها قبل مائتي سنة من بلدة عذراء(1) في الغوطة الشّرقيّة لدمشق. وأوّل من انتقل إلى المدينة من آل الخطيب جدّ الأسرة الشّيخ عبد الرّحيم ابن محمّد الخطيب(2)
__________
(1) ـ عذراء, هي بلدة عدرا الآن. تقع إلى الشّمال من دمشق, وتبعد عنها مسافة عشرين كيلو متراً. وقد ذكرها ياقوت الحمويّ في معجم البلدان بقوله: "وهي قريّة بغوطة دمشق, إذا انحدرت في ثنيّة العقاب, وأشرفت على الغوطة, فتأمّلت على يسارك رأيتها أوّل قريّة تلي الجبل ". انظر, الحموي, ياقوت(662/ 1229 ), معجم البلدان, تحقيق أحمد فريد الرّفاعي, بيروت, دار الفكر, 1407/ 1987, 4, 91.
(2) ـ عبد الرّحيم الخطيب, مدفون في الجنوب الغربي من مقبرة الدّحداح في دمشق. وعلى شاهد قبره دُونت سنة وفاته 1199/ 1785, وأبيات من الشّعر تقول:
إليكم كلّ مكرمة تؤول وكلّ ملمّة بكم تزول
كفاكم يابني الزّهراء فخراً إذا ما قيل جدّكم الرّسول
أبوكم فارس الهيجا عليٌّ همامٌ لا تقاومه الفحول
وأنتم ملجأ اللاجين ذخراً وأمّكم المطهّرة البتول
إذا افتخر الأنام بمدح قومٍ ففي التّنزيل مدحكم جليل
انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, دمشق, مطبوعات جمعيّة التّمدن الإسلاميّ,1399/1979, 3.(1/29)
. وأسرة الشّيخ عبد الرّحيم هذا في عذراء هم أشرافها. وكانوا قدموا إليها من حماة، والّذين في حماة منهم آل الكيلاني كانوا قدموا إليها من بغداد, ويحتفظ جماعة عذراء وحماة بشهادة نسبهم الّذي يعود إلى السّيّد عبد القادر الجيلاني(1), ثمّ إلى الحسن سبط النّبي - صلى الله عليه وسلم - (2). وأسرة الخطيب هي إحدى أسر دمشق الكبيرة, ومازالت تحتفظ بمكانتها العلميّة والدّينيّة البارزة والمميزة فيها.
2 ـ النّسب:
يرجع نسب السّيّد محب الدّين إذاً إلى عبد القادر الجيلاني, ثمّ إلى الحسن - رضي الله عنه -سبط رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -. وقد أُكدّ هذا النّسب, وصُدّق عليه, بكتابة ما يزيد عن مائة شخص, من كبار أشراف وعلماء وأعيان دار الخلافة العثمانيّة الإسلاميّة، ومكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، وبلاد الشّام المقدّسة، وبلاد المغرب، والأفغان واليمن، وسائر أقطار الإسلام.
وهناك صور لما كتبه بعض الأشراف والأعيان والوجهاء والعلماء الّذين وقّعوا وصدّقوا هذا النّسب وأكّدوا صحّته(3). وقام بعض أفراد آل الخطيب برسم شجرة نسب للعائلة, تبيّن تسلسلها وتفرّعها, وتذكر أفراد العائلة بصورة مفصّلة(4).
3 ـ مولده ونشأته:
__________
(1) ـ عبد القادر الجيلاني, مؤسس الطّريقة القادريّة, من كبار الزّهاد والمتصوّفين, ولد في جيلان 471/ 1078, وانتقل إلى بغداد، برع في أساليب الوعظ, وتفقّه, وسمع الحديث, توفّي سنة 561/ 1166؛ انظر, الذّهبي (-748 / 1374), سير أعلام النّبلاء, تحقيق شعيب أرناؤوط, ومحمّد نعيم العرقسوسي, بيروت, مؤسسة الرّسالة, ط9 , 20, 451؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 47.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 3.
(3) ـ الخطيب, عبد العزيز, غُرَر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة ومعاصريهم, دمشق, دار حسان 1417/1996, 1, 48.
(4) ـ المصدر نفسه, 48.(1/30)
وُلد السّيّد محب الدّين في دمشق في حيّ القيمريّة(1), في شوّال من عام 1303هـ الموافق لآخر تموز من عام 1886م(2), والده أبو الفتح الخطيب(3), عالم من علماء دمشق الكبار, اُشتهر بالزّهد, وكان أميناً لدار الكتب الظّاهريّة(4). تزوّج قبل والدة السّيّد محب الدّين, ووُلد له ولد توفّي في السّنة الّتي وُلد فيها, وبعد فترة تزوّج من والدة السّيّد محب الدّين, وقد أنجبت له بالإضافة إلى السّيّد محب الدّين ابنتين.
__________
(1) ـ حي القيمريّة في دمشق,من الأحياء العريقة, ويقع شرقي الجامع الأمويّ , تنسب تسميته إلى المدرسة القيمريّة الّتي أنشأها فيه الأمير ناصر الدّين أبو المعالي حسين القيمري, أحد قادة الملك النّاصر يوسف الأيوبي الثّاني, المتوفّى سنة 665هـ, وكان قبل ذلك سوقاً يُعرف بالحريميين؛ انظر الشّهابي, قتيبة, معجم دمشق التّاريخي, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1419/ 1999, 1, 221.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 4.
(3) ـ أبو الفتح الخطيب بن عبد القادر الخطيب, ولد سنة 1250 / 1834, أخذ عن بعض علماء عصره مثل الشّيخ حسن الشّطي, وتصدّر للتّدريس والوعظ في الجامع الأمويّ، عُيّن محافظاً لدار الكتب الظّاهريّة, وتولّى الخطابة والإمامة، وقام باختصار بعض أجزاء تاريخ ابن عساكر, وتوفّي سنة 1314/ 1897؛ انظر, الخطيب, عبد العزيز, غُرَر الشّام, 1, 562؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام , 6, 213.
(4) ـ دار الكتب الظّاهريّة, تأسست سنة 1296/ 1879, على يد الشّيخ طاهر الجزائري, وهي دار عامّة للكتب تحوي مخطوطات كثيرة, وكتباً مفيدة. وكانت تعدّ من المكتبات الهامّة إلى وقت قريب, غير أنّ كثيراً من محتوياتها قد نُقل إلى مكتبة الأسد الوطنيّة بعد ذلك؛ انظر, كرد علي, محمّد, كنوز الأجداد, دمشق, دار الفكر, ط2, 1404 / 1984, 9.(1/31)
كان الشّيخ أبو الفتح, كما قلنا, محبّاً للعلم, عمل بالوعظ, وكانت له مؤلّفات، وكان ميّالاً إلى الزّهد، منصرفاً عن شهوة المال والجاه والسّيادة، بسيطاً, يساعد الفقراء والبسطاء من النّاس, فكان يمرّ وهو رائح إلى الدّار ببياع الخضر، فما وجده عنده من بضاعة كاسدة اشتراها رحمة به، فإذا عاد إلى داره تذمّرت زوجته، فيقول لها: "يا آسية هذا جارنا وهو بيّاع فقير، فإن فسدت البضاعة غرم ثمنها، ونحن أقدر على حمل الغرم منه، وهذه الدّنيا فانية فاعملي شيئاً لآخرتك الباقية"(1). فكان هذا الوالد بزهده وعلمه وورعه الّذي قلّ أن يُوجد مثله, قدوة ومثالاً رائعاً لولده الّذي تأثّر به, وحافظ على ذكراه الطّيبة إلى آخر أيّامه.
أمّا أمّه آسية(2), فهي سيّدة فاضلة, ذات خلق ودين, توفّيت بين مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة, وهي عائدة من أداء فريضة الحجّ، في أواخر سنة1310هـ, الموافق لأواسط تموز من سنة 1893م. وكان ولدها السّيّد محب الدّين صغيراً في حجرها ساعة موتها، لم يتجاوز السّابعة من عمره, وقد دُفنت في فلاة بين الحرمين الشّريفين. وظلّت ذكريات هذه الرّحلة ووفاة والدته بهذا الشّكل المحزن ماثلة في مخيلة السّيّد محب الدّين منذ طفولته إلى آخر أيّامه(3).
__________
(1) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, جدّة, دار المنارة, 1405 / 1985, 2, 119.
(2) ـ آسية, بنت محمّد بن أحمد بن شحادة الجلاّد. أبوها من أصحاب الأملاك الزّراعيّة, وأخوتها من أهل التّجارة والزّراعة؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 4؛ والحافظ, محمد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري, دمشق, دار الفكر, 1406 / 1986, 2, 847.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 5.(1/32)
وهكذا ذاق السّيّد محب الدّين اليتم مبكّراً، فشمله والده بعطفه ورعايته، ولكنّ هذا الوالد الحنون لم يلبث هو الآخر أن تُوفي بعد وفاة زوجته بأربع سنين، فأصبح السّيّد محب الدّين يتيم الأبّ والأمّ معاً، ولم يتجاوز من العمر الثّانية عشرة، فتربّى في بيت أخته الكبرى السّيّدة باهية(1)، فأخذته بالشّدة، فكانت دارها أشبه بمدرسة عسكريّة(2).
4 ـ دراسته الأولى:
تعلّم السّيّد محب الدّين القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم قبل أن يبلغ السّابعة من عمره. وبعد وفاة والدته أدخله والده التّعليم الابتدائي، فدرس في مدرسة التّرقي النّموذجيّة(3), وظلّ طوال فترة التّعليم الابتدائي يحظىبرعاية والده، فيأتي برفقته صباحاً، فيدخل إلى المدرسة، ويدخل الأب إلى دار الكتب الظّاهريّة، ذلك أنّ المدرسة كانت قريبة من دار الكتب، وفي المساء كانا يعودان معاً إلى الدّار. وقد حصل السّيّد محب الدّين على شهادة التّعليم الابتدائي في 23 محرّم 1314هـ / تموز 1896م, بدرجة الأعلى أي جيد جداً, وذلك قبل وفاة والده بسنة واحدة(4).
__________
(1) ـ باهية الخطيب, بنت أبي الفتح الخطيب, ولدت سنة 1288هـ, وهي الأخت الكبرى للسّيّد محب الدّين الخطيب, وقد ربّته, واعتنت به بعد وفاة والده, وقد كانت إمرأة صارمة, شديدة؛ انظر, الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 2, 119.
(2) ـ المصدر نفسه, 2, 119.
(3) ـ التّرقي النّموذجيّة, مدرسة ابتدائيّة حكوميّة في الدّولة العثمانيّة، عنوانها بالتّركي " نمونة ترقي" تقع في بناء كبير، تقوم في الجانب القبليّ منه دار الكتب الظّاهريّة في دمشق القديمة؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 5.
(4) ـ المصدر نفسه, 6.(1/33)
وبعد ذلك ألحقه والده بالتّعليم الثّانوي، وقد درس في الثّانويّة المسمّاة مكتب عنبر(1), وكان هذا المكتب الثّانويّة المركزيّة في سوريا، وهو أكبر من مدرسة، عاش في أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل الحرب الثّانية، وهو يضمّ جمهرة المتعلّمين في الشّام(2). وكان يتألّف من سبعة صفوف، يمنح طلّابه شهادتين، المتوسّطة وتُعطى في انتهاء السّنة الخامسة, والإعداديّة وتُعطى في انتهاء السّنة السّابعة لمن أراد أن يتمّ الدّراسة(3). وكان يُدّرس للطلّاب في هذه المدرسة مجموعة من العلوم دينيّة ورياضيّة وأخلاقيّة ولغويّة وغير ذلك، فيخرج الطّالب منها ملمّاً بمجموعة كبيرة من مبادئ العلوم العامّة. وعندما التحق بها السّيّد محب الدّين، وقبل أن يدخل امتحان السّنة الأولى منها، توفّي والده. وبسبب ضيق ذات اليد ترك المدرسة، ولازم دروس العلماء والمشايخ مدّة سنتين(4).
__________
(1) ـ مكتب عنبر, نسبة إلى الخواجة يوسف عنبر, الثّري اليهودي, الّذي عجز عن إتمام بنائه فصادرته الدّولة العثمانيّة, وجعلت منه أوّل مدرسة تجهيزيّة (إعداديّة) في دمشق, وكان ذلك سنة 1304 / 1886, وعرفت باسم المدرسة الملكيّة الإعداديّة, وفي مطلع القرن العشرين صار مدرسة حكوميّة للفنون, وقد جعلته وزارة الثّقافة اليوم قصراً للثقافة؛ انظر, الشّهابي, قتيبة, معجم دمشق التّاريخي, 2, 321.
(2) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 2, 105.
(3) ـ البارودي, فخري, أوراق ومذكرات فخري البارودي, القسم الأوّل, 43.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 6.(1/34)
وشاء اللّه للسّيّد محب الدّين أن يعود للدّراسة مجدداً في مكتب عنبر، وكان ذلك بمساندة ومساعدة كريمة من الشّيخ طاهر الجزائري(1), والّذي كانت تربطه علاقة صداقة بالشيخ أبي الفتح والد السّيّد محب الدّين, حيث عمل على تعيينه مكان والده في أمانة دار الكتب الظّاهريّة، إلى جانب إتاحة الفرصة أمامه لمتابعة الدّراسة في مكتب عنبر حتّى وصل السّنة السّادسة. وفي ذلك الوقت حدثت له حادثة أدّت إلى نقله إلى مدرسة بيروت الثّانويّة(2)
__________
(1) ـ طاهر الجزائري, هو طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السّمعوني الجزائري، ولد سنة 1268 / 1852, هاجر والده إلى دمشق سنة 1263هـ، أتقن العربيّة والفارسيّة والتّركيّة والفرنسيّة والسّريانيّة والعبرانيّة والحبشيّة والبربريّة. أولع باقتناء المخطوطات, وأنشأ المكتبة الظّاهريّة, والمكتبة الخالدّيّة في القدس. عُيّن مفتّشاً عامّاً للمدارس الابتدائيّة سنة 1285هـ, فألّف كتب التّدريس للصفوف الابتدائيّة في جميع الفروع. من مؤلفّاته مدخل الطّلاب إلى علم الحساب, ورسالة في النّحو, والتّبيان لبعض المباحث المتعلّقة بالقرآن, وغير ذلك. يعدّ من ألمع علماء القرن التّاسع عشر, توفّي 1338/1920؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 222؛ وكرد علي, محمّد, المعاصرون, بيروت, دار صادر, ط2, 1413/ 1993, 268 ؛ والمؤلّف نفسه, كنوز الأجداد, 9.
(2) ـ لاحظ مدرس إحدى المواد أنّ السّيّد محب الدّين لا ينتبه إلى درسه، وأنّه مشغول بشيء ما، فنظر بين يديه فوجده يقرأ في كتاب لشاعر تركي يُمجّد الحريّة، ووجد معه كتباً كانت ممنوعة فأبلغ المدرّس إدارة المدرسة، فعاقبت السّيّد محب الدّين بأن أسقطت له من علامة الأخلاق درجتين, وحاولوا إسقاطه في الامتحان، وتعمّدوا بخسه في تقدير درجاته، فكان له امتحان ملحق إكمالي، وقبل تقديم هذا الامتحان طلب أن ينتقل إلى مدرسة بيروت الثّانويّة بحالته، وهناك أدّى الامتحان ونجح والتحق بالسّنة السّابعة؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 14.(1/35)
, وهناك تابع تعليمه وأنهى السّنة السّابعة النّهائيّة، وحصل على الشّهادة الثّانويّة بدرجة أعلى أي جيد، وكان ذلك في 6 جمادى الأولى من سنة 1323هـ, الموافق 9 تموز من سنة 1905م(1).
وقد دلّه الشّيخ طاهر الجزائري على الشّيخ أحمد النّويلاتي(2), ليعطيه دروساً في اللّغة العربيّة, ليستقيم لسانه, ويتعرّف أصول وقواعد اللّغة العربيّة, وذلك لأنّ الدّراسة في مكتب عنبر كانت تتمّ باللّغة التّركيّة فقط, فكان يتعلّم أصول وقواعد اللّغة العربيّة, إلى جانب تعلّمه في مكتب عنبر.
5 ـ أساتذته, وعلاقته بالشّيخ طاهر:
درس السّيّد محب الدّين الخطيب في مكتب عنبر، وفي مدارس حكوميّة عثمانيّة، وكان المدرّسون في تلك المدارس في معظمهم من الأتراك, يأتون بهم من الأناضول, والرّوم إيلي, والقليلون منهم من الأستانة, وكان معظم هؤلاء المدرّسين غير أكفاء(3), لذلك فإنّهم لم يتركوا أثراً في نفسه, أمّا أساتذته الحقيقيّون الّذين أثّروا فيه فنذكر منهم:
الشّيخ أحمد النّويلاتي :
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 15.
(2) ـ أحمد النّويلاتي, (1285 ـ 1357/1868 ـ 1938) ولد في دمشق، وشبَّ عصاميّاً، فعكف على طلب العلم، لازم الشّيخ طاهر مدّة طويلة وتأثّر به، كان مدرّساً في مدرسة الملك الظّاهر، وتولّى الخطابة في مسجد باب السّلام، وكان واعظاً ومدرّساً في الجامع الأمويّ؛ انظر, البواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريّة في القرن العشرين, بيروت, دار المنارة, 1420/1999, 4, 370؛ والحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, 1, 511 .
(3) ـ البارودي, فخري, أوراق ومذكّرات فخري البارودي, القسم الأوّل, 44.(1/36)
لازم السّيّد محب الدّين الشّيخ أحمد النّويلاتي، وتعلّم منه العربيّة, لأنّه كان يشعر بحاجته لذلك, فبالرّغم من أنّ مكتب عنبر كان يعلّم العربيّة, إلّا أنّ معلّم العربيّة في هذا المكتب كان من الأتراك الّذين لا يتقنون اللّغة العربيّة، وقد وصفه السّيّد محب الدّين قائلاً: " كان معلّم العربيّة في مدرستنا شيخاً تركيّاً مسنّاً, أرسلوه إلينا ليعلّمنا العربيّة في عاصمة العروبة والإسلام, وكان يعلّمنا من كتاب بالتّركيّة اسمه المشذّب, وهذا المعلّم لا يكاد يعرف النّطق باللّغة العربيّة"(1).
لذلك فقد تأثّر السّيّد محب الدّين بالشّيخ أحمد النّويلاتي، ودخل حُبّ العربيّة إلى قلبه، فقرأ على الشّيخ أحمد شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك في النّحو, وحفظ بتلقينه مقامات من كتاب أطواق الذّهب لأبي قاسم الزّمخشريّ. ولمّا كان الشّيخ النّويلاتي قد أتقن قراءة القرآن بدمشق فقد استفاد منه السّيّد محب الدّين جودة النّطق بالحروف العربيّة من مخارجها الأصليّة(2).
وقد تعلّم من الشّيخ أيضاً حبّ العلم والزّهد، فالشّيخ أحمد كان زاهداً, محبّاً للعلم، وكان مدرّساً في المدارس الحكوميّة حتّى بلغ السّنّ القانونيّ, ولكنّه بعد خروجه على المعاش لم يترك التّدريس, فقد تولّى الخطابة والتّدريس في الجامع الأمويّ, وحاول أن يبسّط أساليب التّدريس على العامّة, فهبط إلى مستواهم, وأفاد منه النّاس إفادة عظيمة, وهذا الأسلوب ساهم في تعليم العامّة كثيراً من أمور دينهم الّتي لم يكونوا يعرفونها, وجعل للشّيخ سمعة طيّبة بين النّاس(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الدّكتور صلاح الدّين القاسمي آثاره, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1379/ 1959, 2.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 9.
(3) ـ الحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, 1, 512.(1/37)
ويمكن أن نعدّ الشّيخ أحمد من أتباع مدرسة الشّيخ طاهر الجزائري, إذا صحّ التّعبير, فقدكان يهاجم الخرافات الدّخيلة على الدّين, وكان ينتقد العلماء الّذين يتملّقون الحكّام. وقد عاش حياته منقطعاً عن الزّيارات ومعتزلاً للنّاس, وكان يشبه في معيشته ونظافة غرفته، وانقطاعه عن النّاس والأهل والولد, حيث إنّه ظلّ عازفاً عن الزّواج حتّى تعدّى الخمسين من عمره, بما كان يُذكر عن الزّهاد القدماء الّذين يبتغون بزهدهم مرضاة اللّه سبحانه(1). هذا الشّيخ الجليل الّذي وهب حياته للعلم, ولم يكن يهتمّ بالجاه أو المنصب, بل كان جلّ همّه نشر العلم بين النّاس, علّم السّيّد محب الدّين, وقد تأثّر به, وأخذ عنه حبّ العلم, والعمل لخدمة النّاس.
الشّيخ طاهر الجزائري :
أمّا الرّجل الّذي يعدّ الأستاذ الأوّل والأهمّ للسّيد محب الدّين فهو الشّيخ طاهر الجزائري. الّذي سماه السّيّد محب الدّين بالأبّ الرّوحيّ, وكان يردد: "من هذا الشّيخ الحكيم عرفت عروبتي وإسلامي، منه عرفت أنّ المعدن الصّدئ الآن الّذي برأ اللّه منه في الدّهر الأوّل أصول العروبة، ثمّ تخيّرها ظئراً للإسلام, إنّما هو معدن كريم, لم يبرأ اللّه أمّة في الأرض تدانيه في أصالته"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه,10.
(2) ـ محرّم, أحمد, ديوان مجد الإسلام, القاهرة, دار العروبة, 1383/ 1963, المقدّمة بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب, 6.(1/38)
وكان يعتبر أنّ الله قد أنعم عليه لتعرّفه على الشّيخ طاهر, لأنّه عرف طريقه بتوجيهه، ونظر إلى أهدافه بعينيه، وحرر رسالته في الحياة بالذّوق والمشرب اللّذين اقتبسهما منه(1). وكان يقول: "هو الّذي ربّى عقلي, وهو الّذي حبب إليّ هذا الاتجاه الفكريّ, منذ كنت طفلاً إلى أن صرت رجلاً. ولا أعرف مؤلّفاً ولا حامل قلم, نشأ في ديار الشّام إلّا وقد كانت له صلة بهذا المربّي الأعظم, واستفادة من عقله وسعة فضله,.......وأنا وكلّ ما نشرته لسنا إلّا قطرة من بحر الخير الّذي كان يتدفّق من صدر هذا العالم العامل, الّذي كانت الدّنيا لا تساوي عنده جناح بعوضة, وليس له فيها أمنية, إلّا أن يرى عزّ الإسلام يعود كما كان في أيّام القوّة والعدل والعلم وتقوى اللّه عزّ وجلّ"(2).
__________
(1) ـ برج, محمّد عبد الرّحمن, محب الدّين الخطيب ودوره في الحركة العربيّة, القاهرة, الهيئة المصريّة العامّة للكتاب, 1410/1990, عن مخطوط بعنوان الجيل الّذي عاصر بعث العروبة بقلم السّيّد محب الدّين, 17.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "شيخي", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل , 1356 ), 8.(1/39)
بدأت علاقة السّيّد محب الدّين مع الشّيخ طاهر منذ الصّغر، عندما عيّنه مكان والده في دار الكتب الظّاهريّة, وأصبح يختار له من مخطوطات دار الكتب مما ألّفه أعلام الإسلام، ويكلّفه نسخها، لتتوسّع ثقافته الإسلاميّة، ويشغل وقته بعمل علميّ مفيد، وينتفع بأجر ما ينسخه من هذه الرّسائل(1). فكبر مع السّيّد محب الدّين حبّ المطالعة، فكان يطالع ما يصل إلى دار الكتب الظّاهريّة, وفي غرف للقراءة في جمعيّة القديس يوحنا الدّمشقي الأرثوذكسيّة(2).
وكان للشّيخ طاهر نشاط فاعل في دمشق, فقد كان يتحلّق حوله صفوة المتعلّمين والنّبهاء والمثقّفين, فتألّفت من جماعهم أكبر حلقة أدبيّة ثقافيّة, كانت تدعو إلى تعليم العلوم العصريّة، ومدارسة تاريخ العرب وتراثهم العلميّ، وآداب اللّغة العربيّة، والتّمسك بمحاسن الأخلاق الدّينيّة, والأخذ بالصّالح من المدنيّة الغربيّة(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 7.
(2) ـ جمعيّة القديس يوحنا الدّمشقيّة الأرثوذكسيّة, كانت تقع في مدخل حيّ النّصارى بدمشق, وكانت تأتيها المجلّات المصريّة الكبرى وغيرها، وكانت قد أقامت غرفاً للقراءة تضع فيها ما يصلها من المجلّات والكتب الأخرى ليقرأها العامّة؛ انظر, المصدر نفسه,10.
(3) ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة, تأريخها وقوامها ومراميها, القاهرة, جامعة الدّول العربيّة, معهد الدّراسات العربيّة العاليّة, 1378 / 1959, 53.(1/40)
وكانت هذه الحلقة تجتمع كلّ أسبوع, من بعد صلاة الجمعة، في منزل رفيق العظم(1), وكان السّيّد محب الدّين هو حديث السّن الوحيد الّذي يلازم الاجتماع معهم في هذه الحلقة، ثمّ يكون الصّلة بينها وبين حلقته الصّغرى الّتي ألّفها فيما بعد مع رفاقه كما سيأتي(2). فكان السّيّد محب الدّين هو صلة الوصل بين هاتين الحلقتين، أو كما قيل لولب الحلقة الصّغيرة, وأكثر شبابها اتّصالاً بالشّيخ وحلقته(3).
__________
(1) ـ رفيق العظم, عالم بحّاث, من رجال النّهضة الفكريّة في سوريّة، ولد في دمشق 1284 / 1867، واستقر ّفي مصر, واشترك في كثير من الأعمال والجمعيّات الإصلاحيّة والسّياسيّة والعلميّة. صنّف كتابه المشهور أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسّياسة، وكتاب البيان في كيفيّة انتشار الأديان, وغيرها. أهدى خزانة كتبه للمجمع العلمي العربيّ بدمشق وهي نحو ألف مجلد، توفّي سنة 1343/ 1925؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 30؛ والجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 156.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 14.
(3) ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة, تأريخها وقوامها ومراميها, 53.(1/41)
لقد عاش الشّيخ طاهر في حقبة مظلمة من تاريخ البلاد العربيّة عامّة، وبلاد الشّام ودمشق خاصّة، وقد عُيّن في زمن الدّولة العثمانيّة مفتّشاً على المدارس الابتدائيّة، فسعى لزيادة عددها, ورفع كفاءة معلّميها, من خلال تلقينهم أصول التّدريس والتّربية. وعمل على إنشاء دار الكتب الظّاهريّة في دمشق, والمكتبة الخالديّة في القدس(1)، بالإضافة إلى أنّه كان دائم السّعي في طلب العلم. وقد صادق نخبة من طلاّب العلم ونوابغ الشّباب, فكان له أكبر الأثر فيهم, وكان على رأسهم السّيّد محب الدّين, حيث فتح عينيه على أمجاد العرب وماضيهم الزّاهر، وأدخل إلى نفسه حبّهم والاعتزاز بهم، وجعله يؤمن بحقّ الشّعوب في أن تعيش بكرامتها, وصبغه بصبغة التّسامح وحبّ الآخرين، والانكباب على العلم والدّرس، والتّضحية في سبيل ذلك, وعدم الاهتمام بالدّنيا وزخرفها(2).
__________
(1) ـ المكتبة الخالديّة, أوقفها الحاج راغب الخالدي سنة 1900م، إنفاذاً لوصية والدته، وبمعونة ومشورة الشّيخ طاهر الجزائري, والشّيخ ابن الحبال الدّمشقي، فوضعا فهرساً بأسماء كتبها. تحتوي المكتبة على عشرة آلاف كتاب ثلثاها مخطوط، والثلث من نوادر المطبوعات القديمة في العلوم العربية والإسلامية. وضمّت إليها خزانتا الشّيخ يوسف ضياء باشا الخالدي، ومحمّد روحي الخالدي، وضمّت إليها لاحقاً خزانة الشّيخ أحمد بدوي الخالدي، بالإضافة إلى ما أهدي إليها من نفائس مطبوعات المستشرقين؛ انظر, خنيسة, نافذ, بيت المقدس, المركز الفلسطيني للإعلام, كتب وإصدارات, www.palestine-info.info.
(2) ـ الخطيب, عدنان, الشّيخ طاهر الجزائري، رائد النّهضة العلميّة في بلاد الشّام وأعلام من خرّيجي مدرسته, القاهرة, معهد البحوث والدّراسات العربيّة, في جامعة الدّول العربيّة, قسم البحوث والدّراسات الأدبيّة واللّغويّة, 1391/ 1971, 23.(1/42)
وقد ظلّ السّيّد محب الدّين مخلصاً للشّيخ طاهر, ومحبّاً ومحترماً له طوال حياته, وكان ذكره في صغره بأبيات بسيطة, لكنّها تعبّر عن إعجاب كبير, قائلاً:
بين فوديه(1) للمدارك عشٌّ
صمته إفهام
وبماضيه للحقائق نقشٌ
كذّّب الأوهام
ولآتيه في التّرائب عرشٌ
جنده الأيّام
***
كان والكلّ في ظلام وظلمِ
ناظر الكلّ فاكراً في وجومِ
صاعداً للذرى بعزمٍ وحزمِ
مشرقاً مغرباً كهذي النّجومِ
تشهدُ الأقوام(2)
وعندما كبر السّيّد محب الدّين كبر حبّ الشّيخ في قلبه، وحاول مساعدة الشّيخ طاهر عندما ألجأت الحاجة هذا الشّيخ إلى بيع مخطوطاته ليعيش بثمنها، فتوسّط له مع بعض معارفه لدى الخديوي لإجراء راتب للشّيخ من الخزينة الخاصّة، فرفض هذا بإباء. وقال السّيّد محب الدّين معلّقاً على هذه الحادثة: "فظهر لي أنّني لا أزال أجهل تلك النّفس الكبيرة, رغم معرفتي بصاحبها منذ طفولتي، فقد غضب الشّيخ طاهر من هذه الحادثة غضباً لم أعهده فيه من قبل"(3).
وهكذا نرى أنّ علاقة السّيّد محب الدّين بالشّيخ طاهر لم تكن تقتصر على علاقة الأستاذ بتلميذه، بل تعدّت ذلك إلى آفاق أوسع وأرحب، وكان لها أكبر الأثر في نفس السّيّد محب الدّين إلى أن فارق الحياة.
6 ـ رفاقه وزملاؤه :
كان للسّيد محب الدّين مجموعة من الرفاق والأصدقاء, الّذين تعرّف إليهم في المدرسة، فنشأ معهم, ودرس بينهم, نذكر منهم:
__________
(1) ـ فوديه: فَوْدُ الرأسِ: جانباه. يقال: بدا الشيبُ بفَوْدَيْهِ
(2) ـ محرّم, أحمد, ديوان مجد الإسلام, المقدّمة بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب, 5.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, " زهد الشّيخ طاهر الجزائري ", في الزّهراء, 3 ( رجب , 1345), 464ـ 465.(1/43)
السّيّد عارف الشّهابي(1) الّذي يعدُّ من أقرب أصدقائه إلى نفسه. كان زميلاً للسّيّد محب الدّين في مكتب عنبر, وعندما انتقل السّيّد محب الدّين من مكتب عنبر في دمشق إلى مدرسة بيروت انتقل معه. وكان له مع السّيّد محب الدّين نشاط متميّز, سيأتي ذكره فيما يلي من البحث.
وكان من أصدقائه السّيّد صلاح الدّين القاسمي(2), الطّبيب المشهور, الّذي توفّي في سن مبكرة في الطّائف ودُفن هناك، وكتب السّيّد محب الدّين على شاهدة قبر رفيقه صلاح الدّين القاسمي هذه الأبيات:
بارقٌ لاح في غيوم الحياة ... فرآها كثيفةً فتوارى
صقلته يدُّ الحقيقة حيناً ... فتجلّتْ له فحلَّ الإسارا
آثر النّور والخلود بعيداً ... عن ربوع رأى بهن ازورارا
هام في حبِّ هاشم وبنيه ... فغدا اليوم لابن عباس جارا(3)
__________
(1) ـ عارف الشّهابي, من أمراء الأسرة الشّهابيّة، ولد سنة 1306 / 1889 في حاصبيّا، وتلقّى دراسته الإعداديّة في دمشق وتابع دراسته في بيروت. سافر إلى الأستانة وحصل على الحقوق، احترف المحاماة، وشارك في إصدار جريدة المفيد، وكان من أعضاء العربيّة الفتاة فنفّذ فيه حكم الإعدام في 1334 / 1916. له كتاب تاريخ الإسلام, وقصائد وخطب؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 121 ـ 122؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 246.
(2) ـ صلاح الدّين القاسمي, من طلائع الوعي القوميّ العربيّ في سوريا، ولد سنة 1305 / 1887, شارك في تأليف جمعيّة النّهضة العربيّة، نظم شعراً لا بأس به، وحذّر من الخطر الصّهيوني سنة1911م عمل طبيباً في بعض مدن الحجاز إلى أن توفّي، دُفن بالطّائف بجوار قبر عبد الله بن عباس سنة 1334/ 1916؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 209؛ والخطيب, محب الدّين, صلاح الدّين القاسمي آثاره, 2 وما بعدها.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, صلاح الدّين القاسمي آثاره, 2.(1/44)
ومن أصدقائه أيضاً الشّهيد صالح قنباز(1), وهو طبيب نابغ، ظلّ ذكره في نفس السّيّد محب الدّين وعقله, وكان يعتبره من الّذين أثّروا فيه، وغيّروا من أفكاره, ودفعوه إلى العمل والنّضال .
وكان لهؤلاء الأصدقاء الأربعة السّيّد محب الدّين, والشّهيد عارف الشّهابي, والدّكتور صلاح الدّين القاسمي, والشّهيد صالح قنباز، نشاط فكريّ مبكر, فكان إذا وقع كتاب في يد أحدهم قرأه، فإذا وجد فيه من المعاني ما يستحقّ الدّراسة والقراءة, يُعيد قراءته مع صديق آخر من أصدقائه الّذين يشاركونه الرّؤية والأفكار والتّوجه والرّغبة في الفهم والتّطبيق العمليّ على الحياة بما يسهم في التّقدم والرّقي حتّى كوّنوا فيما بينهم ما عُرف فيما بعد بحلقة دمشق الصّغيرة(2)
__________
(1) ـ صالح قنباز, 1303 ـ 1344/ 1885 ـ 1925, طبيب نابغ، من شهداء الحرب الاستقلاليّة في سوريا، ولد ونشأ واُستشهد في حماة، نفاه التّرك في الحرب العالميّة الأولى، احترف الطّب، واشترك في تأسيس النّادي العربيّ، وأنشأ مدرسة دار العلم والتّربية, كان من أعضاء المجمع العلميّ بدمشق، والجمعيّة الآسيويّة في باريس، له شعر جيد، وكان فقيهاً في الشّرع الإسلاميّ، عالماً بالتّاريخ، داعيّة إصلاح في الدّين والتّربية؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين , بيروت, دار إحياء التّراث العربيّ, د.ت, 5, 12؛ والبواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين, 4, 371؛ والخطيب, محب الدّين, "صالح قنباز الشّهيد السّعيد", في الزّهراء 2( رجب , 1344 ),420.
(2) ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة, تاريخها وقوامها ومراميها, 53.
وقال السّيّد محب الدّين: "تألّفت في دمشق حلقةٌ صغيرةٌ من النّاشئة, تعاهدوا على أن يبيعوا أنفسهم لله والوطن، وأن يكونوا وقفاً على المصلحة العامّة. وكان من أركان هذه الحلقة شهيد اليوم الدّكتور صالح قنباز,...ومن تلك الحلقة أيضاً شهيد الأمس الأمير عارف الشّهابي, ....ومن الحلقة المذكورة أيضاً الأديب الفحل الدّكتور صلاح الدّين القاسمي,...وكان المثل الأعلى لتلك الحلقة الصّغيرة وهي في أيام الدّراسة، أن تعمل مع العاملين على إنعاش روح العربيّة، وعلى تحقيق فكرة الإصلاح الإسلاميّ ". ويذكر السّيّد محب الدّين أنّ هذه الحلقة كانت في مدرسة دمشق الثّانويّة (مكتب عنبر) في عام1320 ـ 1321هـ؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, "صالح قنباز الشّهيد السّعيد", في الزّهراء, 2 ( رجب, 1344 ), 420.(1/45)
. فهؤلاء الأصدقاء كانوا يدرسون معاً في مدرسة واحدة، ويشعرون معاً شعوراً واحداً بضرورة إحياء اللّغة العربيّة، وبعث روح العزّة في نفوس العرب. ولكنّ موت الأصدقاء الثّلاثة المبكر, ترك السّيّد محب الدّين يعارك وحده في سبيل تحقيق المبادئ الّتي آمنوا بها, وسعوا إلى تحقيقها, دون أن يبقى معه من أصدقاء الشّباب المبكر أحد.
ومن رفاق السّيّد محب الدّين الّذين عملوا معه, السّيّد عثمّان مردم بك(1), الّذي كان يستضيف أعضاء حلقة دمشق الصّغيرة في داره معظم الأحيان(2). وكان منهم أيضاً السّيّد لطفي الحفار(3), والّذي كان أحد أعضاء جمعيّة النّهضة, والّتي سيأتي الحديث عنها فيما يلي من البحث. وقد استمرّت علاقته بالسّيّد محب الدّين طويلاً إلى وقت
__________
(1) ـ عثمّان مردم بك, ولد في دمشق سنة 1889م، تلقّى تعليمه في مدارس خاصّة. كان له نشاط في الثّورة العربيّة الكبرى، أُوقف أثناء الحرب العامّة مدّة، ثمّ أُطلق سراحه، وقد ألّف مع عدد من رفاقه جمعيّة النّهضة العربيّة، توفّي قبل دخول الجيش العربيّ إلى دمشق سنة 1919م, وكان عمره ثلاثون عاماً؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 175؛ الفرفور, محمّد, أعلام دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, دمشق, دار الملاح, ودار حسان, 1408 / 1987, 206.
(2) ـ الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 175.
(3) ـ لطفي الحفّار, 1306ـ 1387/ 1888ـ 1968, من رجال الاقتصاد، ومؤسسي الكتلة الوطنيّة. تقلّد وزارة النّافعة والتّجارة، واُنتخب رئيساً لمشروع جرّ مياه الفيجة إلى منازل دمشق، وعُيّن وزيراً في وزارات مختلفة، جمع ما ألقاه من خطب ومحاضرات في كتاب ذكريات لطفي الحفّار؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 5, 243؛ والحفار الكزبري, سلمى, لطفي الحفّار, مذكّراته, دمشق, دار رياض الرّيس, 1997, 5 وما بعدها؛ البواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريا في القرن العشرين, 2, 79.(1/46)
وفاته, ولم تنقطع الاتّصالات بينهما, حيث استمرّت الرّسائل تصل من الطّرفين إلى بعضهما بعضاً بالرّغم من مغادرة السّيّد محب الدّين لسوريا واستقراره نهائيّاً في مصر.
ومن أصدقائه أيضاً زكي الخطيب(1), وسيف الدّين الخطيب(2), وهما من أقربائه, ومن الّذين دفعوا حياتهم في سبيل أفكارهم وما آمنوا به, فكانا من شهداء العرب الّذين قتلوا على يد جمال باشا.
__________
(1) ـ زكي الخطيب, ولد ونشأ في دمشق عام 1887م، نال شهادة الإجازة في الحقوق، وعُيّن في ولاية سوريّة 1907 ـ 1910م, ثمّ عُيّن قائمقام لقضاء سنجار والصّلاحيّة عام1910- 1914م, وعكّار عام 1914 ـ 1916م, وديرا نشهر عام 1916م. نُفي إلى ديار بكر, ومنها إلى سوريا. وتقلّد مناصب عدّة، ألّف مع عبد الرّحمن الشّهبندر الجبهة الوطنيّة المتحدّة، وساهم في تأسيس جمعيّة النّهضة العربيّة؛ انظر, الخطيب, عبد العزيز, غُرَر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة, 1, 559 ـ 561؛ والبواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين, 2, 192؛ العطري, عبد الغني, عبقريات, دمشق, دار البشائر, 1417/ 1997, 39.
(2) ـ سيف الدّين الخطيب, ولد ونشأ في دمشق عام 1888م، وتخرّج من جامعة الحقوق في استانبول، وهو أحد المؤسسين للنّادي العربيّ في استانبول. عُيّن في مجلس القضاء، ثمّ اُعتقل من قبل جمال باشا, وفي سجن عاليه لقي أنواع التّعذيب والتّنكيل المرهق، وقد أعدم في 6 أيار 1916م, وردد بعد الشّهادتين والحبل في عنقه:
لا تنهض الأقوام بعد عثارها إلّا إذا كان النّهوض على الدّم
انظر, الخطيب,عبد العزيز, غُرَر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة, 1, 586 ـ 588؛ والجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 129.(1/47)
وفي حياة السّيّد محب الدّين مجموعة كبيرة من الأصدقاء الّذين تعرّف إليهم فيما بعد, ولكنني قصرت الحديث الآن على أصدقاء الشّباب في سوريا, وسيأتي الحديث عن أصدقائه الآخرين في حينه, بإذن اللّه.
ب ـ المرحلة الثّانية: من سفره للدّراسة في الأستانة, إلى استقراره في مصر. 1905م _ 1920م
رأينا فيما مرّ من البحث, أنّ المرحلة الأولى من حياة السّيّد محب الدّين كانت حافلة بالأحداث، وقد جرت الأقدار أن يشبّ يتيماً، ولكنّ اللّه عوّضه بالرّجل العظيم الشّيخ طاهر، الّذي رعاه ووجّهه، وأوصله إلى أولى درجات السّلم الّذي ارتقى به إلى أعلى المراكز.
1ـ دراسته في الأستانة:
أ ـ بعد حصول السّيّد محب الدّين على شهادة الدّراسة الثّانويّة في عام 1905م، وبعد انقضاء العطلة الصّيفيّة, أبحر من بيروت إلى استانبول، والتحق بكليتي الحقوق والآداب معاً، وليس الغرض من ذلك, على حدّ تعبيره, الإكثار من العلم، بقدر ما هو الإكثار من الآفاق الّتي يغشاها ليكثر من الإخوان الّذين يصطفيهم ويعقد الرّوابط الفكريّة معهم(1). فالسّيّد محب الدّين كان صاحب رسالة، وكان همّه أن يعمل بما يؤمن به، لذلك فقد أقام في حي جنبرلي طاش، هذا الحي الّذي يكثر فيه أبناء العرب.
وقد هاله أن يجد أنّ آمال النّشء العربيّ في البلاد العربيّة, أن يحذقوا لغة التّرك, تكلّماً, وإنشاء, وأدباً، ليتولّوا بعد ذلك وظائف الدّولة في بلادهم والبلاد العثمانيّة الأخرى. فأبناء العرب الّذين يقطنون في حي جنبرلي طاش كانوا يختارون هذا الحي لقربه من المدارس، ومن الباب العالي، ومن مشيخة الإسلام الّتي كانت تعيّن القضاة الشّرعيين، فهم بالدّرجة الأولى طالبو وظيفة، لا همَّ لهم سواها(2).
__________
(1) ـ برج, محمّد عبد الرّحمن, محب الدّين ودوره في الحركة العربيّة, 18.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 15.(1/48)
ب ـ وقد أيقن أنّ عليه بذل جهده ليغيّر من طموح هؤلاء الشّباب، فبدأ بمحاولة إقناع طائفة منهم بضرورة تعلّم اللّغة العربيّة. وبمساعدة من السّيّد محمّد كرد علي(1) الّذي كان يرسل له الصّحف المصريّة وصحف المهجر بالبريد, أخذ يجمّع هؤلاء الشّبان في غرفته، وفي غرفة صديقه الشّهيد عارف الشّهابي، ويقومان بتعليمهم اللّغة العربيّة, ويقرآن معهم هذه الصّحف. وقد قسّم السّيّد محب الدّين والشّهيد عارف هؤلاء الشّبان إلى مجموعتين, يقوم هو بتعليم المجموعة الأولى، ويتولّى السّيّد عارف الشّهابي تعليم المجموعة الثّانية.
وكان التّعليم يسير وفق خطّة مرسومة، فقد كان السّيّد محب الدّين والشّهيد عارف يعلّمان الشّباب قاعدة واحدة من قواعد اللّغة نظريّاً، ثمّ تُطبّق عمليّاً بالقراءة والإنشاء. وكانا يختاران من الشّعر والإنشاء ما يكون له أثر في تمجيد اللّغة العربيّة، وبعث الرّوح القوميّة العربيّة، والاعتزاز بالماضي المجيد للعرب، ولا ينتقلان إلى تعليم قاعدة أخرى، إلّا بعد إتقان القاعدة الأولى اتقاناً تامّاً(2).
__________
(1) ـ محمّد كرد علي, ولد في دمشق عام 1293/ 1876، وهو رئيس المجمع العلميّ العربيّ بدمشق ومؤسسه، صاحب مجلّة المقتبس. هاجر إلى مصر، وقام بتحرير مجلة الظّاهر, وعمل في المؤيّد، وولي وزارة المعارف مرّتين، من كتبه: خطط الشّام, الإسلام والحضارة العربيّة, كنوز الأجداد, والمعاصرون, وغيرها. توفّي 1372 / 1953؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 202 ـ 203؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين,10, 105.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 16ـ 17.(1/49)
ج ـ وتكّون من جماع هؤلاء الطلاّب ما سمّي فيما بعد بجمعية النّهضة العربيّة, والّتي سيأتي الحديث عنها لاحقاً. وبسبب هذا النّشاط أحسّت السّلطات التّركيّة بما يدور, فبعثت من يفتّش غرفة السّيّد محب الدّين، ووجدوا عنده كتباً وجرائد ممنوعة، وقد نجا السّيّد محب الدّين من الاعتقال بأعجوبة, حيث قام بتفتيش غرفته رجل له صلة بأسرة الخطيب، فحذّر السّيّد محب الدّين وأبلغه أنّ السّلطات تراقبه, ونصحه بالتّخلص من هذه الأوراق والجرائد والكتب وتركه. فقام السّيّد محب الدّين بإخبار رفاقه بما حصل فأحرقوا الأوراق والجرائد، وأودعوا الكتب عند صديق للسّيّد محب الدّين(1).
كان السّيّد محب الدّين وقتها في نهاية السّنة الدّراسيّة الثّانية في كليّة الحقوق, وقد نجح إلى السّنة الثّالثة، ولكنّه ترك دراسة الآداب لاتّساع نشاطه، وباقتراح من إخوانه ترك استانبول في العطلة المدرسيّة، وعاد إلى دمشق 1335/ 1907. وبعد فترة تلقّى من صديقه عارف الشّهابي خطاباً ينصحه فيه بالبقاء في دمشق سنة كاملة حتّى تهدأ الأحوال, وتخفّ المراقبة والملاحقة في استانبول(2). ولم يستطع السّيّد محب الدّين إكمال دراسته، بسبب ظروف الملاحقة الّتي تعرّض لها, وازدياد هذه الملاحقة فيما بعد بسبب قضيّة الصّحيفة الّتي أصدرها في دمشق، والّتي سيرد ذكرها لاحقاً.
2 ـ إلى الحديدة في اليمن(3):
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه,20ـ 22.
(2) ـ المصدر نفسه, 26؛ والحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, 851 .
(3) ـ الحديدة, أشهر موانئ اليمن على البحر الأحمر. يرجع تاريخها إلى القرن الثّامن الهجري, أصبحت قاعدة للأتراك وأصبحت بوجودهم مركزاً إداريّاً هامّاً, وهي تبعد عن صنعاء 226 كم من جهة الغرب؛ انظر, عفيف, أحمد جابر, الموسوعة اليمنيّة, بيروت, دار الفكر المعاصر, 1412/1992, 1, 355.(1/50)
أ ـ وبسبب هذه الظّروف بقي السّيّد محب الدّين في دمشق ذلك الصّيف، فتهيّأت له فرصة للسّفر إلى اليمن، والعمل هناك ترجماناً في القنصليّة البريطانيّة. وتعيّن وقت السّفر في تشرين الثّاني 1907م، فقرر أن يمضي شهر تشرين الأوّل في القاهرة، ثمّ يسافر منها إلى اليمن.
وانطلق فمرّ ببيروت وأقام فيها أيّاماً, ثمّ وصل بورسعيد في 22 تشرين الأوّل 1907م، والتقى بصديقه محمّد كرد علي, وبأستاذه الجليل الشّيخ طاهر, الّذي كان مقيماً في القاهرة. وقد أمضى وقته في القاهرة بزيارة معالمها وأعلامها، وسافر إلى الحديدة في 11 شوال 1325/ 17 تشرين الثّاني 1907(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 26.(1/51)
ب ـ وقد كان للسّيّد محب الدّين نشاط في اليمن, حيث عمل على إنشاء الفرع الرّابع عشر لجمعية الشّورى العثمانيّة(1), وسأقوم بعرض مفصّل لهذه الجمعيّة في حينه. واستطاع أن يقوم هو ومن انتسب إلى فرع جمعيّة الشّورى في اليمن بإزالة الخلاف بين الإمام يحيى(2) والحكومة العثمانيّة. فما كاد يُعلن الدّستور العثمّاني سنة 1908م, حتّى كتب إلى صديقه رفيق العظم, وهو من مؤسسي جمعية الشّورى, يسأله أن يسعى للتّوسّط بين الإمام والحكومة العثمانيّة, فأشار عليه بالمضيّ فيه. فتعاون مع رئيس فرع الشّورى العثمانيّة في اليمن, والّذي كان في الوقت نفسه رئيساً لفرع جمعيّة الإتحاد والتّرقّي(3)
__________
(1) ـ جمعيّة الشّورى العثمانيّة, هي جمعيّة أسسها مجموعة من الرّجال الوطنيين, منهم محمّد رشيد رضا, ورفيق العظم, وحقّي العظم, وعبد اللّه جودت, وغيرهم. وكانوا يطالبون للبلاد العثمانيّة بالحكم النّيابي وإعلان الدّستور، ووضع حد للحكم الفردي. وكان لها فروع في داخل البلاد العثمانيّة, وقد توحّدت مع جمعيّة الاتحاد والتّرقي فيما بعد؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 158.
(2) ـ الإمام يحيى, من أئمة الزّيديّة في اليمن, قاتل الأتراك حتّى تصالح معهم, وانتهى الأمر بجلاء التّرك عن اليمن, وخلص له ملك اليمن استقلالاً. وطالتّ أيّامه وانتهت حياته قتلاً على يد بعض أعوانه؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 202 ـ 203؛ ومجموعة مؤلّفين, المنجد في الأعلام, 618.
(3) ـ الاتحاد والتّرقّي, هي محصّلة اجتماع جمعيّة سريّة ثوريّة أُنشأت في تركيّا سنة 1889م, لمحاربة استبداد السّلطان عبد الحميد, مع جماعة من الشّبان الأتراك الموجودين في باريس, الّذين أصدروا في عام 1895جريدة المشورة, وتقرر أن تندمج الجماعتان في جمعيّة الاتحاد والتّرقّي العثمانيّة. وفي 1906م تطوّرت هذه الجمعيّة حين انضم إليها الضّباط داخل السّلطنة, ونُقل نشاط الجمعيّة إلىسلانيك, وهناك اتّخذت شكلها العسكريّ النّهائيّ, حيث قامت بانقلاب 1908م؛ انظر, طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 284 ـ 285.(1/52)
في اليمن, وقاما بكتابة عدّة رسائل رسميّة وخاصّة, يطلبان فيها منه أن يطلق سراح من عنده من أسرى الحكومة العثمانيّة, وأخبراه بما حدث من تغيير في نظام هذه الدّولة, فلم يلبث الإمام أن أجابهم إلى ما سألاه, وأرسل الأسرى إلى حدود الدّولة العثمانيّة(1).
ج ـ وقام أيضاً بتحويل مدرسة في الحديدة, كان قد وصفها بأنّها أشبه بالزريبة(2), إلى مدرسة نموذجيّة تُقام فيها الأناشيد والألعاب والدّروس العلميّة, مما جعلها تختلف اختلافاً بيّناً عما كانت عليه سابقاً. وشعر السّيّد محب الدّين بحاجة الحديدة وسائر اليمن إلى مطبعة نموذجيّة, تنهض بالمستوى الفكريّ والثّقافيّ للبلد, فحاول أن يمضي في هذا المشروع المفيد, ولكنّ هذا المشروع لم يكتمل, بسبب عودة السّيّد محب الدّين إلى دمشق بطلب من رفاقه(3).
3ـ الكتابة في الصّحافة:
أ ـ بدأ السّيّد محب الدّين الكتابة الصّحفيّة مبكراً, فكان يعرّب بعض القطع الأدبيّة والمقالات العلميّة عن اللّغة التّركيّة, ويرسل بما يترجم إلى صحيفة ثمرات الفنون(4), وكان يوقّع التّرجمة بحرفي (م ـ خ), ثمّ أخذ بعد ذلك يوقّع باسمه الصّريح(5).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "رفيق بك العظم", في الزّهراء , 2(الرّبيعان , 1344),230 ـ 231.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "جزيرة العرب والنّهضة الشّرقيّة الحديثة ", في الزّهراء, 3 (شعبان , 1345), 518.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 45.
(4) ـ ثمرات الفنون, صدرت عام 1885م, واستمرّت إلى عام 1908م, لصاحبها عبد القادر القباني, ويحرّرها أحمد حسن طبارة في بيروت؛ انظر, سعد الدّين, محمّد منير, الإعلام, 116.
(5) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 13.(1/53)
ب ـ عندما عاد من الحديدة, كان يتردد على صاحبه محمّد كرد علي في دار جريدة القبس(1). وفي إحدى زياراته اتّفق مع عمّال الجريدة ومطابعها على إصدار جريدة فكاهيّة تنتقد الحكومة, وتصدر باللّغة العاميّة, واختاروا اسماً لها هو طار الخرج. وبالفعل ظهرت الصّحيفة, ولاقت رواجاً كبيراً, وبيعت النّسخة منها بعشرات أضعاف قيمتها الأولى. ولكنّ السّلطات انتبهت لذلك فأخذت تبحث عن الجريدة وكاتبها وطابعها, وهذا ما جعل السّيّد محب الدّين يغادر دمشق ويتّجه إلى بيروت, ومنها إلى استانبول. وقد حاول العودة إلى الدّراسة ولكنّ تجدّد الملاحقة منعه من ذلك, فسافر إلى مصر, ووصلها في رجب 1327/ آب 1909(2).
__________
(1) ـ القبس, أصدرها السّيّد محمّد كرد علي عام 1906م؛ انظر, صالحة, محمّد, وأبو مغلي, سميح, تاريخ الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, عمّان, دار بيكار, د.ت, 121.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 51 ـ 52.(1/54)
ج ـ وفي القاهرة تعرّف إلى السّيّد أحمد تيمور(1) في دار شيخه طاهر الجزائري, وتوطّدت العلاقة بينهما، وكان السّيّد أحمد تيمور مساهماً في شركة جريدة المؤيّد(2) لصاحبها علي يوسف(3), فطلب من السّيّد محب الدّين أن يلتحق بالعمل في هذه الجريدة فوافق على ذلك, وقد كان السّيّد أحمد
__________
(1) ـ أحمد تيمور باشا, 1288 ـ 1348/ 1871 ـ 1930. أصله من الموصل, درس في بيته مبادئ العربيّة والفرنسيّة والتّركيّة والفارسيّة, ودخل مدرسة مارسيل الفرنسيّة, ولازم الشّيخ طاهر ثلاث عشرة سنة, ترك في خزانته ثلاثة عشر ألف مجلّد, نصفها مخطوط, كان عضواً في المجمع العلمي بدمشق والقاهرة, وأهمّ كتبه: معجم الألفاظ العاميّة المصريّة, وتصحيح أغلاط لسان العرب, وغيرها كثير؛ انظر, كرد علي, محمّد, المعاصرون, 37 ؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 1, 120.
(2) ـ المؤيّد, صدرت في أول ديسمبر 1889م, ودامت إلى سنة 1913م، كانت جريدة وطنيّة، ووجدت تأييداً ساحقاً، فقد عبّرت عن آمال الشّعب باستقلال مصر، وطلب الجلاء من الإنكليز، ونشرت مقالات لكبار الكتّاب؛ انظر, الجندي, أنور, الصّحافة السّياسيّة في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالميّة الثّانية, القاهرة, مطبعة الرّسالة, 1482/1962م, 159؛ والكومي, سامي عبد العزيز, الصّحافة الإسلاميّة في مصر في القرن التّاسع عشر, المنصورة, دار الوفاء, 1413 / 1992, 44.
(3) ـ علي يوسف, ولد عام 1863م في بلصفوّرة, وتلقّى تعليمه في الأزهر، وعمل في الصّحافة, أصدر مجلّة الآداب عام 1885م, ثمّ المؤيّد عام 1889م. عُرف بأسلوبه النّقي البليغ المرن، ترك الصّحافة عام 1913م, حيث عُيّن شيخاً للسّادة الوقائيّة, وتوفّي في 17 نيسان 1916م؛ انظر, نجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, القاهرة, وكالة أنباء الشّرق الأوسط, 1996, 347؛ والجندي, أنور, الصّحافة السّياسيّة في مصر, 166- 167, وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 7, 7.(1/55)
تيمور الواسطة الّتي عرّفت الشّيخ علي يوسف بالسّيّد محب الدّين. وابتدأ العمل في المؤيّد من أوّل أيلول 1909م, واستمرّ إلى ما بعد وفاة الشّيخ علي يوسف(1). ويذكر السّيّد محب الدّين ذلك فقال: " التحقت بتحرير المؤيّد في شعبان من سنة 1327 هـ الموافق لسبتمبر من عام 1909م, فما لبثت أن وجدت من صاحبه شيخ الصّحافة العربيّة علي يوسف رحمه اللّه, عطفاً وتشجيعاً لا ينتظر الإبن من أبيه ما يضارعهما. وبقيت أعمل في تلك الصّحيفة الإسلاميّة, الّتي كانوا يسمّونها (تيمس مصر), إلى ما بعد وفاة صاحبها رحمه اللّه. وقد استفدت من أساليبه الصّحفيّة, ومن خطّته الإسلاميّة, ما أنا مدين له به ما دمت حيّاً. فالمؤيّد كانت مدرستي الأولى في هذه الصّناعة"(2).
وفي تلك الفترة أيضاً أسس السّيّد محب الدّين المكتبة السّلفيّة في مدخل خان الخليلي، فكان يعمل في المؤيّد صباحاً وفي المكتبة مساءً.
د ـ ومع قيام الثّورة العربيّة الكبرى سنة 1916م, سافر السّيّد محب الدّين الخطيب إلى الحجاز بطلب من الشّريف حسين, وذلك من أجل تأسيس جريدة القبلة(3), فقام بذلك وتولّى رئاسة تحريرها, وأشرف على المطبعة الأميريّة لحكومة الحجاز طوال مدّة إقامته هناك, والّتي امتدّت ثلاث سنوات.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 52, 53 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " أستاذي في الصّحافة ", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل , 1356 ), 9.
(3) ـ القبلة, كانت الصّحيفة الرّسميّة للمملكة, تأسست بأمرٍ من الشّريف حسين عام 1916م, وتوقّفت في عهد الملك عبد العزيز بن سعود؛ انظر, صالحة, محمّد, وأبو مغلي, سميح, تاريخ الصّحافة العربيّة, نشأتها وتطوّرها, 150.(1/56)
هـ ـ بعد ذلك عاد إلى دمشق وتولّى تحرير جريدة العاصمة(1), وأُتيح له أن يكتب فيها مقالات توجيهيّة كما يشاء بلا مراقبة, وعمدت الحكومة إلى تغيير إدارة الصّحيفة, ونقلها من يد مدير المخابرات العامّة, إلى مدير سياسة الجريدة المسؤول ليتولّى شؤونها الصّحفيّة, وذلك حتّى يتسنّى للشّعب إدارتها منذ العدد السّابع والأربعين. واستدعي لها السّيّد محب الدّين الخطيب من البلاد الحجازيّة لتسلّم مهام الإدارة, وأخذ هذا المدير الجديد يشكّل الرّأي العام السّوريّ, لتهيئة الجوّ السّياسيّ لحياة دستوريّة جديدة, ومحاربة قوى الاستعمار, ورفض الاتفاقات الدّوليّة(2).
4ـ اشتراكه في الجمعيّات السّريّة, ومشاركته في الثّورة العربيّة الكبرى:
أ ـ انتسب السّيّد محب الدّين إلى الكثير من الجمعيّات السّريّة، الّتي انتشرت في ذلك الوقت مطالبة بحقوق العرب. وقد رأينا كيف أنّه قام مع رفاقه بتأليف جمعيّة النّهضة العربيّة, والّتي قام من أعضائها من ألّف المنتدى الأدبي(3) "ولئن لم يظهر اسم محب الدّين......بين أسماء مؤسسي النّادي المذكور المنتدى الأدبي فلأنّ [محب الدّين] أحسّ بأنّ الحكومة تراقبه, فغادر إلى القاهرة في صيف 1909م"(4).
__________
(1) ـ العاصمة, أصدرتها الحكومة الفيصليّة في دمشق عام 1337/ 1919، وكانت هي الجريدة النّاطقة باسم الحكومة؛ انظر, عثمان, هاشم, الصّحافة السّوريّة ماضيها وحاضرها, 1877- 1970م، دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1417/ 1997, 55.
(2) ـ موصلّي, منذر, الصّحافة السّوريّة ورجالها, إعلام وأعلام, دمشق, دار المختار, 1418/1997, 100.
(3) ـ المنتدى الأدبي, تأسّس في استانبول على يد مجموعة من الطّلاب العرب, الّذين كانوا يدرسون في الأستانة, وانتخب عبد الكريم الخليل رئيساً له، وكان لهذا النّادي اتّصال بالحركات القوميّة العربيّة؛ انظر, الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة,70 ـ 71.
(4) ـ المصدر نفسه,70.(1/57)
ب ـ وقام السّيّد محب الدّين بتشكيل الفرع الرّابع عشر لجمعيّة الشّورى العثمانيّة كما رأينا في اليمن, أمّا أهمّ الجمعيّات الّتي انتسب إليها فنذكر منها:
حزب اللّامركزيّة الإداريّة العثمانيّ(1):
ويظهر لنا من اسم الحزب أنّه كان يدعو إلى اللّامركزيّة في الإدارة، وقد كان يرجو بالدّرجة الأولى تحقيق مطالب عربيّة على رأسها اللّامركزيّة الإداريّة(2). وقد أُسس للحزب فروع في كلّ مدينة من مدن الشّام والبلاد العثمانيّة، وكان السّيّد محب الدّين من أعضاء هذه الحزب. وكان حزباً علنيّاً, غير أنّ نشاطه كان يجري بصورة من التّحفظ والتّكتّم, بسبب اشتداد هجوم الإتحاديّين على العرب(3). وقد اشترك السّيّد محب الدّين في تأليف هذا الحزب, إيماناً منه بحقّ العرب, وبفضائل اللّامركزيّة الإداريّة. وكان السّيّد محب الدّين أميناً للسرّ ثانياً في هذا الحزب(4).
جمعيّة العربيّة الفتاة:
__________
(1) ـ حزب اللّامركزيّة الإداريّة العثمّاني, تأسّس في القاهرة سنة 1912م، وكان من أبرز القائمين به: محب الدّين الخطيب, ورفيق العظم, ومحمّد رشيد رضا, وعبد الحميد الزّهراوي, وداود بركات, واسكندر عمون, وغيرهم؛ انظر, دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, بيروت, المكتبة العصريّة, 1368 / 1949, 37؛ والجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 16.
(2) ـ جدعان, فهمي, أسس التّقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربيّ الحديث,بيروت, المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر, ط2, 1401/1981, 279.
(3) ـ دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, 38؛ وطربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 394.
(4) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 21. وفي الهامش: "يوجد بين أوراق محب الدّين معظم المراسلات والتّنظيمات المتعلّقة باللّامركزيّة"؛ وانظر, الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة, 81.(1/58)
تأسّست عام 1909م, وقد أسّسها بعض الشّبان العرب الّذين كانوا يواصلون دراستهم في باريس. وقد بيّنوا أنّ غايتها هي النّهوض بالأمّة العربيّة إلى مصافّ الأمم الحيّة. وكانت هذه الجمعيّة على غاية من التّنظيم والسّرّيّة, وبالرّغم من ذلك فقد عملت على الاتصال بالجمعيّات والأحزاب العربيّة ومهّدت لعقد المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس سنة 1913م.
وكان السّيّد محب الدّين العضو رقم ثمان وعشرين فيها(1). وقد تمّ دخوله في التّنظيم عن طريق زميله عبد الغني العريسي(2), الّذي كاتبه من باريس, ودعاه إلى الدّخول في الجمعيّة, ليكون صلة الوصل بين حزب اللّامركزيّة الإداريّة العثمانيّة وجمعيّة الفتاة، وقد تّم ذلك وقُبل السّيّد محب الدّين في هذه الجمعيّة, وأصبح عضواً مميّزاً فيها(3)
__________
(1) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 19. تقول الدّكتورة خيريّة في كتابها السّابق في هامش الصّفحة:" اطّلعت بين أوراق السّيّد محب الدّين على كرّاس يتضمّن منهج العربيّة الفتاة، ويشير إلى أنّها قد تأسست في 14 تشرين الثّاني 1909م. من قبل فريق من النّاشئة العربيّة, للقيام بما تفرضه عليهم الوطنيّة, ليتعزز بهم مركزها الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي، وحسب ما تتطلبه طبيعة الوجود".
(2) ـ عبد الغني العريسي, ولد سنة 1890م في بيروت, وتلقّى دراسته فيها, درس في المدرسة العثمانيّة في بيروت مدّة سنتين, أصدر جريدة المفيد الّتي أوقفتها الحكومة التّركيّة مرّات عديدة, سافر إلى باريس طلباً للعلم, وانتظم في مدرسة العلوم السّياسيّة ونال شهادتها العليا, كان أمين سر لجنتي التّحضير والإدارة في المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس, مات على يد جمال باشا السّفاح في 6 أيار 1916م؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 118؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 5, 152.
(3) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد النّهضة القوميّة المناضل محب الدّين الخطيب", في البحث التّاريخي, 3 ( ذو الحجة 1404/ أيلول 1984 ), 36- 37.(1/59)
.
المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس:
عُقد هذا المؤتمر بالتّعاون بين الجمعيّة العربيّة الفتاة، وحزب اللّامركزيّة الإداريّة العثمّاني, والجمعيّات الإصلاحيّة في البلاد العثمانيّة. وكان السّيّد محب الدّين الواسطة الّتي جمعت بين الجمعيّة العربيّة الفتاة وحزب اللّامركزيّة، وقد تولّى جمع أعمال هذا المؤتمر في كتاب نشره في القاهرة سنة 1913م(1).
وسُمّي هذا المؤتمر مؤتمر الشّهداء, ذلك أنّ غالبيّة المشاركين فيه قد أُعدموا أو لُوحقوا فيما بعد (2).
وفي الحرب العالميّة الأولى كانت آراء رجال القوميّة العربيّة في جمعيّة الفتاة واللّامركزيّة متّفقة على أنّ مصلحة العالم الإسلاميّ والأقطار العربيّة في الحرب أن تقف على الحياد فلا تشترك في القتال, وترْك الفريقين المتقاتلين في الحرب يحطّم بعضهم بعضاً, لذلك فقد اختير السّيّد محب الدّين لكي يسافر إلى الخليج العربيّ, ويجتمع بالأمراء العرب في الخليج لأخذ رأيهم في هذا الموقف والاتفاق معهم عليه. وفعلاً فقد سافر السّيّد محب الدّين مع زميل له لإنجاز هذه المهمّة، وقبل وصولهما إلى الخليج العربيّ اُعتقلا من قبل السّلطات الإنكليزيّة الّتي عرفت هدفهما ونُقلا إلى البصرة في العراق حيث سجنا هناك، وبقيا محتجزين في المعتقل حوالي سبعة أشهر(3).
مشاركته في الثّورة العربيّة الكبرى:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 55.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, المؤتمر العربيّ الأوّل, تحرير محمّد كامل الخطيب, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1416/ 1996م, 19.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 58.(1/60)
عندما قامت الثّورة العربيّة الكبرى بقيادة الشّريف حسين, شريف مكّة، طلب الشّريف من السّيّد محب الدّين أن يلتحق به في الحجاز، من أجل تأسيس جريدة القبلة, وأرسل الشّريف برقيّة إلى السّيّد محب الدّين يطلب منه الحضور إليه, وذلك في رمضان من سنة 1334هـ, الموافق لتموز من سنة 1915م. وبالفعل فقد حضر السّيّد محب الدّين إلى الحجاز في شوّال من سنة 1334هـ. وكان الشّريف حسين يستشيره وصديقه محمّد كامل القصّاب(1) بصفتهما من رجال جمعيّة العربيّة الفتاة في أكثر أموره الّتي كانت تتعلّق بالخارج(2). وبقي السّيّد محب الدّين في الحجاز ثلاث سنوات، طلب بعدها من الشّريف حسين السّماح له بزيارة دمشق, وذلك بعد دخول الجيش العربيّ إليها, فأذن له بذلك.
وفي دمشق قام مع الشّيخ محمّد كامل القصّاب بتشكيل اللّجان الوطنيّة العليا, والّتي كانت غايتها الأساسيّة حماية استقلال البلاد, ومنع الانتداب الفرنسي على سوريا. وتألّفت هذه اللّجنة من مختلف الهيئات والأحزاب الموجودة في البلاد في ذلك الوقت, وذلك في تشرين الثّاني من عام 1919م, وقد ترأس الشّيخ محمّد كامل القصّاب هذه اللّجان, بعد أن عقدت اجتماعات متعددة في أحياء دمشق, وقرّرت جمع الأموال من النّاس لمؤازرة الثّوار(3).
5 ـ فراره إلى مصر:
__________
(1) ـ محمّد كامل القصّاب,1290 ـ 1372 / 1873 ـ 1954.من زعماء الحركة الاستقلاليّة في سوريّة، نشأ منصرفاً إلى الفتوّة, ولكنّه دخل مسجداً وانقطع إلى العلم, وخرج إنساناً آخر. أنشأ المدرسة الكامليّة, وكان من أعضاء العربيّة الفتاة؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7 13؛ والحافظ, محمد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري, 2 , 657.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 66ـ 67.
(3) ـ قدامة, أحمد, معالم وأعلام في بلاد العرب, القسم الأوّل, 296.(1/61)
عندما دخل الفرنسيون دمشق واحتلّوها, بعد قبول الحكومة السّوريّة إنذار غورو الشّهير(1), اضطر السّيّد محب الدّين الخطيب أن يختفي عن الأنظار, وذلك بسبب نشاطه الّذي تحدّثنا عنه سابقاً, وتأليفه مع الشّيخ محمّد كامل القصّاب اللّجنة الوطنيّة العليا, فبقي أيّاماً مختفياً في بيت أحد أقربائه(2), وقد وقف هذا القريب معه وسانده إلى أن تمكّن بمساعدته من السّفر إلى مصر, وذلك بعد أن " أبدل بثيابه ثياب تاجر إبل, وركب جملاً وقاد آخر"(3). واجتاز البلاد السّوريّة إلى فلسطين, واستطاع أن يصل إلى يافا, وحين بلغها تمكّن من استخراج جواز سفر باسم مستعار, وهذا الإسم هو (عبد اللّه أبو الفتح ) فاستطاع من خلاله التّحرك بدون ملاحقة, فسافر من يافا إلى القاهرة بالقطار(4).
__________
(1) ـ وذلك في 14 تموز 1920م, حيث وجّه الجنرال غورو إنذاراً إلى الملك فيصل يطلب فيه قبول الانتداب فوراً, وإلغاء التّجنيد الإجباري، وتسريح الجيش العربيّ. وأثار الملك فيصل بقبوله الإنذار غضب الجماهير الّتي طالبت بالمقاومة, ولكنّه واجه هذه المطالب بإجراءات عنيفة, ثمّ وقعت معركة ميسلون في 25 تموز من سنة1920م, ودخل غورو على إثرها دمشق؛ انظر, طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 413.
(2) ـ وهو السّيّد محمّد بن اسماعيل الخطيب, من المجاهدين في سوريّة وفلسطين؛ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 76.
(3) ـ الخطيب, عدنان, طاهر الجزائري رائد النّهضة العلميّة في بلاد الشّام وأعلام من خريجي مدرسته, 50.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 76.(1/62)
واستقرّ في مصر نهائيّاً, وترك سوريا ولم يرجع إليها حتّى بعد استقلالها. وتزوّج من السّيّدة فاطمة قتلان, وهي أخت صديقه عبد الفتاح قتلان(1), الّذي أعانه على تأسيس المكتبة السّلفيّة. وأنجب ولداً واحداً هو السّيّد قصي الخطيب(2) الّذي خلف والده في العمل في المطبعة السّلفيّة ومكتبتها, وست بنات هنّ: عفاف, وإقبال, وربيعة, وسميرة, وأروى, وثريّا(3). وما يزال أحفاده من ابنه قصي(4)
__________
(1) ـ عبد الفتاح قتلان, فاضل من دمشق, رحل إلى مصر, وأصدر بها المجلّة السّلفيّة, وأسس فيها بالاشتراك مع السّيّد محب الدّين الخطيب المطبعة السّلفيّة والمكتبة السّلفيّة.من آثاره: شواهد لسان العرب, وفهرس المؤلّفين بالظّاهريّة, توفّي في القاهرة سنة 1350 / 1931م؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5, 280.
(2) ـ قصي الخطيب, ولد في القاهرة عام 1341 / 1922م, درس في كليّة الآداب, وقد عمل مع والده في المطبعة السّلفيّة ومكتبتها, اُعتقل بعد مقتل السّادات مدّة تسعة أشهر, وقام بإكمال عمل والده الضّخم في تحقيق كتاب الجامع الصّحيح للإمام البخاري, وبعد وفاته تولّى أولاده العمل في المطبعة السّلفيّة ومكتبتها؛ انظر, الخطيب, عبد العزيز, غرر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة, 1, 569؛ وبرج, محمّد عبد الرّحمن, محب الدّين الخطيب ودوره في الحركة العربيّة, 2.
(3) ـ الخطيب, عبد العزيز, غرر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة, 569. وقد تزوجت بنات السّيّد محب الدّين في مصر وسوريا, وأصهار السّيّد محب الدّين هم: جمال الدّين صادق, وأمين محمّد, ومحمّد مصطفى عبد الحميد, وعبد الغني الطّنطاوي, ومحمّد الخطيب, وطوسون شافعي.
(4) ـ وهم: لؤي الخطيب, ومحب الدّين الخطيب سميّ جدّه, وهو مدير دار النّشر للمطبعة, وغياث الخطيب الّذي يدير المطبعة السّلفيّة. من رسالة السّيّد لؤي الخطيب, بتاريخ 10 رمضان 1423هـ الموافق لـ 14 تشرين الثّاني 2002م. انظر الملحق في الصّفحة 357 .(1/63)
يقومون بإدارة المطبعة السّلفيّة ومكتبتها, والإشراف عليها إلى يومنا هذا.
وباستقراره في مصر كان له نشاط جديد ومتميّز, وبدأت مرحلة جديدة من حياته استمرّ فيها بالعمل والنّضال من أجل مصلحة أمّته.
ج ـ المرحلة الثّالثة, من استقراره في مصر إلى وفاته. من عام 1920 م إلى سنة 1969م:
تختلف هذه المرحلة من حياة السّيّد محب الدّين الخطيب عن سابقاتها, فقد انصرف فيها إلى العمل الصّحفي بشكل أساسيّ, لذلك سوف نتحدّث عن عمله في صحف أخرى غير الّتي تحدّثنا عنها في المرحلة الثّانية من حياته, وسوف نجد أنّه قام بتأسيس صحيفتيه الزّهراء والفتح, ورأس تحرير صحف أخرى, وأسس جمعيّة الشّبّان المسلمين, وعمل على نشر كتب كثيرة من كتب التّراث.
1 ـ الكتابة في الصّحافة, وتأسيس الزّهراء والفتح:
عندما قرر السّيّد محب الدّين الإقامة في مصر بشكل نهائيّ عام 1920م، التحق بقلم تحرير جريدة الأهرام(1)، وبقي محرّراً فيها مدّة خمس سنوات, وذلك إلى أواخر عام 1925م(2).
__________
(1) ـ الأهرام, صدرت هذه الجريدة سنة 1876م في الإسكندريّة, ثمّ انتقلت إلى القاهرة سنة 1898م، وقد قام بتأسيسها سليم وبشارة تقلا من نصارى لبنان؛ انظر, صالحة, محمّد, وأبو مغلي, سميح, تاريخ الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, 109.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 76.(1/64)
وقام أيضاً بتأسيس مجلّة الزّهراء, وهي مجلّة أدبيّة اجتماعيّة شهريّة، وقد صدر العدد الأوّل منها بتاريخ 15محرّم من عام 1343هـ, الموافق لآب من عام 1924م، واستمرّت في الصّدور خمس سنوات. وقد بيّن السّيّد محب الدّين في افتتاحية العدد الأوّل منها أنّها "تتوخّى في المواد الّتي تنشرها تقرير الحقائق في علوم العرب, وآدابهم, وتاريخهم, وفي مقوّمات الحضارة الإسلاميّة وأدوارها,..... وتراقب النّهضة الحاضرة في مصر, والبلاد العربيّة, والعالم الإسلاميّ, وتعنى عناية خاصّة بتركة السّلف العلميّة......ومما نعتبره مادة أساسيّة فيما ننشره في هذه المجلّة, إطلاع القرّاء على المساعي العلميّة, والاتجاه القومي والاجتماعي في تركيّا جارة البلاد العربيّة"(1). وسنعود للتّعريف بهذه المجلّة مطوّلاً في الصّفحات القادمة إن شاء اللّه.
أمّا المجلّة الّتي تعدّ الأشهر بين المجلّات والجرائد الّتي عمل بها السّيّد محب الدّين, فهي الفتح, والّتي أسسها بتاريخ 22 ذي الحجة من عام 1345هـ, الموافق لأيّار من عام 1926م. وهي تعدّ من أعظم المجلّات الإسلاميّة الّتي ظهرت في ذلك الوقت, وحتّى في الوقت الّذي جاء بعدها, وقد استمرّت في الصّدور إلى آخر سنة 1367هـ, الموافق لتشرين الثّاني من عام 1948م, وقد لاقت نجاحاً كبيراً, واهتماماً بالغاً من كافّة فئات المثقّفين والشّباب في كلّ البلاد الّتي كانت تصل إليها وتُوّزع فيها. وقد وصفها بعضهم بقوله أنّها كانت أوعى مجلّة إسلاميّة, توجّه حتّى في عناوين الأخبار العامّة الّتي تنقلها عن وكالات الأخبار, فتحوّل بالعنوان مغزى الخبر عما تريده الوكالة, إلى ما يوافق خطّة الفتح, ويريده الإسلام"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مقدمة العدد الأوّل من الزّهراء", في الزّهراء, 1(15 محرّم, 1343), 1.
(2) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 1 ,260.(1/65)
كانت الفتح مجلّة أسبوعيّة, ظهرت في فترة كانت تموج بمختلف الاتجاهات, وكانت الصّخرة الصّامدة في وجه أعداء الإسلام, والّذين يسعون لتهديم الفكر الإسلاميّ, وزعزعة ثقة العالم الإسلاميّ بنفسه, وكانت كما قيل ملتقى أفئدة زعماء العالم الإسلاميّ, وأقدمهم في معالجة جميع القضايا الّتي تهمّ المسلمين(1).
كما قام السّيّد محب الدّين برئاسة تحرير مجلّة "الأزهر"(2) مدّةً تجاوزت ست سنوات, وكان ذلك في الفترة ما بين 1952- 1958م(3), عندما كان صديقه السّيّد محمّد الخضر حسين(4) يتولّى مشيخة الأزهر.
__________
(1) ـ الخطيب, عدنان, طاهر الجزائري رائد النّهضة العربيّة وأعلام من خريجي مدرسته, 49.
(2) ـ الأزهر, أسسها حسن رفقي, وإبراهيم مصطفى, عام 1899م, وهي المجلّة الّتي استأجرها وليم ولكوكس فيما بعد لنشر دعوته إلى العاميّة, ثمّ تركها؛ انظر, سعد الدّين, محمّد منير, الإعلام, 117.
(3) ـ الجندي, أنور, مفكّرون وأدباء من خلال آثارهم, بيروت, دار الإرشاد, 1387/ 1967, 204.
(4) ـ محمّد الخضر حسين, 1293ـ1377/1876 ـ 1958. عالم إسلامي، باحث أديب، تولّى مشيخة الأزهر، انتقل من تونس قاصداً بلاد الشّام ودرّس في الجامع الأمويّ, شارك في الكتابة الصّحفيّة. سُجن في عهد جمال باشا, وترك دمشق بعد دخول الفرنسيين إليها, واستقرّ في مصر هارباً من حكم الإعدام الّذي أصدره الفرنسيون عليه. أسس جمعيّة الهداية الإسلاميّة, وتولّى تحرير مجلّة نور الإسلام, ولواء الإسلام، من كتبه: نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم, ونقض كتاب في الشّعر الجاهلي, ودراسات في العربيّة وتاريخها, وغيرها؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 9, 238؛ والعقيل, عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, حولي, الكويت, مكتبة المنار الإسلاميّة, 1422/2001, 633.(1/66)
وتولّى السّيّد محب الدّين رئاسة القسم الإسلاميّ, في الصّحيفة النّاطقة باسم جماعة الأخوان, وبقي في رئاستها مدّة تزيد عن ثلاث سنوات, وكانت تسمّى جريدة "الإخوان المسلمون" اليوميّة(1). كما تولّى رئاسة تحرير مجلّة "المنهاج"(2), وحوّلها من مجلّة شهريّة إلى جريدة أسبوعيّة, ابتداءً من أوّل محرّم من عام 1348 هـ, واستمرّت مدّة سنتين تقريباً(3).
__________
(1) ـ الإخوان المسلمون, أوّل صحيفة يصدرها الإخوان, وصدر العدد الأوّل يوم الخميس 21 صفر من عام 1352هـ الموافق 15يونيو من عام 1933م, وظلّت تصدر لمدّة خمس سنوات ناطقة باسم الإخوان؛ انظر, هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر, بين عبد النّاصر والسّادات 1952ـ 1981م, المنصورة, دار الوفاء,1410 / 1990, 76.
(2) ـ المنهاج, صدر العدد الأوّل منها في أول محرّم 1344هـ, الموافق 1925م, وقد أصدرها السّيّد ابراهيم أطفيش, وكانت مجلّة إسلاميّة وطنيّة, صدرت في القاهرة, واستمرّت مدّة سبع سنوات؛ انظر, ناصر, محمّد, الشّيخ ابراهيم أطفيش في جهاده الإسلاميّ, القرارة, جمعيّة التّراث,1411/1991, 122.
(3) ـ المصدر نفسه, 138.(1/67)
وكتب في كثير من المجلّات الأخرى مقالات مفيدة, تعبّر عن أفكاره ومنهجه الإسلاميّ, بيّن فيها مكانة العروبة والإسلام, فكان منها: مجلّة "المقتطف"(1), ومجلّة "التّمدّن الإسلاميّ"(2), ومجلّة "المسلمون"(3).
هذه أهمّ الصّحف والمجلّات الّتي عمل بها السّيّد محب الدّين, منذ استقراره نهائيّاً في مصر إلى وفاته رحمه اللّه. وقد رأينا سابقاً أنّه عمل في صحف كثيرة ومتنوّعة، وكان يتولّى في معظم الأحيان رئاسة التّحرير في هذه الصّحف, وهذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدلُّ على كفاءة هذا الرّجل, وخبرته الكبيرة في هذا المجال, بحيث عُدّ من أعلام الصّحافة العربيّة والإسلاميّة. وكان لهذا التّعدد وللغزارة الّتي تميّزت بها كتابته, ولاسيّما من ذلك كتابة افتتاحيّات الصّحف, الدّور الأكبر في تشكّل هذه القدرة والخبرة الكبيرة عنده.
ولا ننسى دوره في المطبعة السّلفيّة الّتي أسسها من قبل, وكان لها درو بارز في مجال نشر الكتب المفيدة وكتب التّراث الإسلاميّ.
__________
(1) ـ المقتطف, أقدم مجلّة علميّة أدبيّة في العالم العربيّ, أنشأها في بيروت يعقوب صرّوف وفارس نمر, سنة 1876م, وانتقلا بها عام 1884م إلى القاهرة, لشدّة الرّقابة والضّغط في بيروت, واحتجبت عن الصّدور سنة 1952م؛ انظر مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, بيروت, دار مكتبة الحياة, 1381/ 1961, 178.
(2) ـ التّمدن الإسلاميّ, صدر العدد الأوّل من هذه المجلّة في ربيع الأوّل من عام 1354هـ, الموافق لعام 1935م, كانت تصدرها جمعيّة التّمدن الإسلاميّ بدمشق, وكان رئيس تحريرها أحمد مظهر العظمة؛ انظر, إلياس, جوزيف, تطوّر الصّحافة السّوريّة في مئة عام 1865 ـ 1965م, بيروت, دار النّضال, 1403/ 1983, 2, 428.
(3) ـ المسلمون, مجلّة إسلاميّة, صدر العدد الأوّل منها عام 1952م وتوقّفت, ثمّ صدرت في جنيف في سويسرا عام 1961م, وكانت بإدارة سعيد رمضان؛ انظر, المصدر نفسه, 2, 431.(1/68)
2- جمعيّة الشّبان المسلمين:
كان السّيّد محب الدّين محبّاً للتّطوير والتّحديث، ولم يكن عنده مانع في أن يقتبس من غيره ما يراه مناسباً وضرورياً لأمّته، وهذا ما حصل عند تشكيل جمعيّة الشّبان المسلمين. وقد اقتبس فكرة الجمعيّة عن دار للشّبّان المسيحيين، كانت قائمة في القاهرة(1). فأحبّ أن يكون للشّبّان المسلمين جمعيّة مماثلة تجمعهم وتلمَّ شملهم أيضاً، فناقش هذه الفكرة مع زميليه الشّيخ محمّد الخضر حسين, وأحمد تيمور، فوجد منهما كلّ تشجيع، وقام السّيّد محب الدّين بعرض الفكرة على الشّباب في الجامعة فلاقت فكرته الرّواج بينهم(2).
وتأسست جمعيّة الشّبّان المسلمين في عام 1346/ 1927, واُنتخب لها مجلس للإدارة, كان السّيّد محب الدّين بين أعضائه كاتماً للسّرّ العامّ(3). ووُضع للجمعيّة نشيد خاص بعنوان (ربّنا إياك ندعو) جاء في بعض أبياته:
ربّنا إياك ندعو ربّنا?
آتنا النّصر الّذي واعدتنا
? إنّنا نبغي رضاك إنّنا?
ما ارتضينا غير ما ترضى لنا?? ... أنفساً طاهرةً طهر الحرمْ
?تملأ التّاريخ مجداً وكرم??
?وافياتٍ بالعهود والذّممْ??
?راقياتٍ للمعالي والهممْ??
?العلا إنّ العلا?
واجبات المسلم??
?خير عالمٍ خلا?
كان فينا ينتمي??
?للعلا فإنّنا?
أمّة التّقدّم??
?للعلا و ها أنا?
__________
(1) ـ جمعيّة الشّبان المسيحيين, تأسست في القاهرة عام 1923م, وكانت مهمّتها جمع شمل الشّبان المسيحيين ورعاية شؤونهم؛ انظر, باروت, جمال, وآخرون, الأحزاب والحركات والجماعات الإسلاميّة, دمشق, المركز العربيّ للدّراسات الاستراتيجيّة, 1419/ 1999, 46.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 77.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "باب أنباء اجتماعيّة ", في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية , 1346), 253.(1/69)
بحياتي ودمي(1)
واُستؤجرت للجمعيّة دار كبيرة أصبحت مقرّاً لها، وساهم السّيّد أحمد تيمور بدفع أجرة هذه الدّار(2). وكتب السّيّد محب الدّين مقالاً في مجلّته الزّهراء حدد فيه أهداف هذه الجمعيّة, والغاية من إنشائها, وأسلوب عملها(3).
وأكثر ما أغاظ أعداء السّيّد محب الدّين، أنّهم لم يكتشفوا أمر هذه الجمعيّة إلّا بعد أن أصبح عدد أعضائها يزيد عن ثلاثمائة عضو، فلم يجدوا ما يفعلونه إلّا أن يحاولوا زجّ السّيّد محب الدّين في مشاكل لا يستطيع الخروج منها، ولكنّه خرج منتصراً وتابع عمله بكلّ نشاط وجدّيّة.
وتعتبر جمعيّة الشّبان المسلمين "بداية الدّعوة المنظمة"(4) والّتي تبعها فيما بعد تنظيمات كثيرة كان محورها اجتماع المسلمين في تنظيم موّحد, يعيد لهم ما فقدوه من عزّ وقوّة.
3 - تحقيق الكتب ونشر التّراث:
__________
(1) ـ الأبيات للشّاعر السّيّد مصطفى صادق الرّافعي, حيث عهدت الجمعيّة لكبار الشّعراء بوضع نشيد لها يرتّله الشّباب الإسلاميّ في جميع أنحاء المعمورة, وقد تمّ اختيار هذا النّشيد من بين عدة أناشيد وردت إلى الجمعيّة. والنّشيد طويل وجميل؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, "نشيد جمعيّة الشّبّان المسلمين", في الزّهراء, 4(ذو الحجة , 1346), 612ـ 614.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 81.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "الشّباب الإسلاميّ", في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية , 1346), 194.
(4) ـ الطّنطاوي, علي, مذكرات علي الطّنطاوي, 1, 260.(1/70)
عندما استقرّ السّيّد محب الدّين في مصر انصرف بنشاطه إلى تحقيق كتب التّراث، فعمل على اختيار العديد منها من أجل نشره بين النّاس, إيماناً منه بأنّ الأمّة العربيّة لا تنهض إلّا باعتزازها بماضيها واستفادتها منه، وأمّتنا الإسلاميّة أمّة عريقة بحضارتها، وكنوزها كثيرة ما تزال مدفونة بين ثنايا المكتبات ودور الكتب, وهي بحاجة إلى من يقدّمها للقرّاء ليستفيدوا منها الاستفادة المرجوّة، لذلك قام السّيّد محب الدّين وبكثير من الصّبر والجلد بتحقيق كتب كبيرة وهامّة منها أسباب حدوث الحروف لأبي علي الحسين بن سينا, والإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير لأبي محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب, والجامع الصحيح لمحمّد بن إسماعيل البخاري, وكتاب العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصّحابة بعد وفاة النّبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر بن العربيّ.
ومنها كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني, واللّمحة البدريّة في الدّولة النّصريّة للسان الدّين ابن الخطيب, والوهّاب فيه الكلمات النّافعة في المكفّرات الواقعة لعبد اللّه بن محمّد بن عبد الوهاب.
ومنها كذلك مختصر التّحفة الإثني عشريّة لعبد العزيز غلام حكيم الدّهلوي, وكتاب المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرّفض والاعتزال للحافظ الذّهبي, وكتاب الميسر والقداح لعبد الله ابن قتيبة, وهدي السّاري مقدّمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني, وغيرها.
ونلاحظ أنّ هذه الكتب هي من أمّهات كتب الحديث والعقيدة والتّاريخ, فالسّيّد محب الدّين كان متنوّع الثّقافة، وعمل كهذا يحتاج إلى جهد كبير وعلم غزير.(1/71)
أمضى محب الدّين أيّامه وهو يعمل في التّحقيق, "حتّى في اللّيلة الأخيرة الّتي انتقل بها إلى المستشفى ليلتحق فيها بالرّفيق الأعلى, كان يصحح, كعادته, صفحات من مؤلّفه الموسوعيّ الأخير توضيح الجامع الصّحيح للإمام البخاري, الكتاب الّذي طالما تمنّى من اللّه أن يساعده على إنهائه قبل أن يوافيه الأجل المحتوم"(1).
4 - وفاته:
توفّي السّيّد محب الدّين الخطيب رحمه الله, يوم 22 شوّال سنة 1389هـ, الموافق 30 كانون الأوّل من عام 1969م, بمستشفى الكاتب بالدّقي بعد إجراء عمليّة جراحيّة(2), بعد أن أمضى حياة مليئة بالعمل والنّشاط. وقد ترك وراءه, رحمه الله, مكتبة ضخمة بلغت ما يقارب مئة ألف مجلد(3).
الفصل الثّالث
المنابر الّتي أطلّ منها
السّيّد محب الدّين
لعرض أفكاره وآرائه
تمهيد:
__________
(1) ـ الخطيب, عدنان, طاهر الجزائري رائد النّهضة العلميّة في بلاد الشّام وأعلام من خريجي مدرسته, 51.
(2) ـ من رسالة السّيّد لؤي الخطيب, حفيد السّيّد محب الدّين الخطيب, أرسلها لي ردّاً على رسالة بعثتها له, أسأله فيها عن جدّه رحمه اللّه, وهي مؤرّخة في العاشر من رمضان 1423هـ الموافق 14 تشرين الثّاني 2002م. انظر الملحق في الصّفحة 357.
(3) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد النّهضة العربيّة المناضل محب الدّين الخطيب", في البحث التّاريخي, 3 (ذو الحجة 1404/ أيلول 1984), 27. ويذكر عبد العزيز الخطيب أنّ مكتبته كانت تحوي على مائتي ألف مجلّد؛ انظر, الخطيب, عبد العزيز, غُرَر الشّام, 569.(1/72)
أطلّ السّيّد محب الدّين أوّل ما أطلّ على العالم لعرض أفكاره من بوّابة الصّحافة, وكتب كثيراً من المقالات القيّمة, وأتبعها فيما بعد بعدد كبير من المؤلّفات والكتب الّتي عبّرت عن آرائه وأفكاره ونظرته للحياة. وقد رأينا أنّه بدأ العمل الصّحفي عندما كان في أوّل شبابه، واستمرّ في عمله هذا طويلاً، حيث عمل في صحف كثيرة، وأنشأ صحفاً مهمّةً أيضاً، وكان رئيساً لتحرير العديد منها، وكتب في صحف أخرى كثيرة.
كان السّيّد محب الدّين يعتبر أنّ الصّحافة "من أعظم القوى الّتي تزجي التّيار الفكريّ في العالم, وهي القوّة الأولى الّتي يمكنها أن تقف في وجه التّيار تدفعه وتغيّر مجراه. والصّحفي الّذي لا يحسن استعمال هذه القوّة, ويناقض نفسه في كلّ حين, ويدعو اليوم إلى الشّيء, ويدعو إلى ضدّه في الغد.....إنّ الصّحفي الّذي هذا شأنه هو الّذي قال حكماؤنا في أمثالهم عن أمثاله: (عدوٌّ عاقل خير من صديق جاهل)"(1).
وبما أنّ الصّحافة كانت منبره الأوّل, فقد رأيت أن أعرض للصّحف الّتي عمل فيها أو الّتي أنشأها بالتفصيل أوّلاً, بعد أن عرضت لها باختصار في الفصل السّابق, ثمّ أتحدّث عن مطبعته السّلفيّة, الّتي كانت منارة في عالم النّشر، واستمرّت حتّى بعد وفاته, وكانت إحدى أهمّ البوّابات الّتي أطلّ منها, ثمّ سأتحدّث عن الكتب الّتي ألّفها والّتي ترجمها والّتي حقّقها. وسيكون هذا العرض بعد تقديم نبذة قصيرة عن تاريخ الصّحافة العربيّة، والصّحافة في عصر السّيّد محب الدّين الخطيب.
أ ـ الصّحافة في عصر السّيّد محب الدّين الخطيب:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الوقوف في وجه التّيار", في الفتح, 403(ربيع الأوّل, 1353), 1.(1/73)
كانت أوّل صحيفة عربيّة تظهر في العالم هي جريدة التّنبيه(1), الّتي أُصدرت في مصر عام 1800م. وتعتبر صحيفة الوقائع المصريّة(2) ثاني صحيفة عربيّة صدرت في مصر, وذلك عام 1828م. أمّا ثالثة الصّحف العربيّة فهي جريدة المبشّر(3), الّتي أصدرها المستعمرون الفرنسيون في مدينة الجزائر عام 1847م(4). وهكذا توالتّ الصّحف في الظّهور. وظهرت فيما بعد صحف كثيرة في كلّ البلاد العربيّة.
وفي عصر السّيّد محب الدّين أصبحت الصّحف كثيرة العدد، بالمقارنة مع انتشار الجهل بين العامّة, وكانت منتشرة في جميع أرجاء الدّولة العثمانيّة, ويمكن تفسير ذلك بسهولة إصدار الصّحف في ذلك الوقت, وبظهور نهضة ثقافيّة بين المتعلّمين والمثقّفين في الدّولة العثمانيّة.
__________
(1) ـ التّنبيه, صدرت إبّان الحملة الفرنسية على مصر, وقد أمر نابليون بونابرت أحد أعوانه بالإشراف عليها, لإذاعة المهمّ مما يجري في ديوان القضايا, ونشر أخبار مصر, وكان رئيس تحريرها إسماعيل سعد الخشاب؛ انظر, مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, 148 ـ 149.
(2) ـ الوقائع المصريّة, أصدرها محمّد علي الكبير في مصر عام 1828م, وجعلها لسان حال الحكومة وظهرت أوّلاً باللّغة التّركيّة, ثمّ بالتّركيّة والعربيّة. وتولّى تحريرها رفاعة الطّهطاوي, وحسن العطار, وغيرهم؛ انظر, المصدر نفسه, 149.
(3) ـ المبشّر, أنشأت في 15 أيلول عام 1847م, وهي صحيفة رسميّة تنطق باسم فرنسا وتصدر مرّتين في الشّهر؛ انظر, المصدر نفسه, 150.
(4) ـ للتّوسّع, انظر, دي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, بيروت, المطبعة الأدبيّة,1913, 1, 45؛ وسعد الدّين, محمّد منير, الإعلام, 84؛ والعوف, بشير, الصّحافة تاريخاً وتطوّراً وفنّاً ومسؤوليّة, بيروت, المكتب الإسلاميّ, 1407 / 1987, 16؛ وصالحة, محمّد, وأبو مغلي, سميح, تاريخ الصّحافة العربيّة, 78.(1/74)
وكانت هذه الصّحف متطوّرة نسبياً, بعد أن كانت في بدايتها ركيكة الأسلوب, رديئة الطّباعة, سيئة الإخراج، وقد أصبحت فيما بعد تعتني بأسلوبها وإخراجها، وتميّزت بمقالات ممتازة وراقية.
ولم يكن هناك ما يقيّد الصّحف من رقابة أو غيرها، فقد كانت الصّحف مطلقة الحريّة تستطيع أن تنشر الأنباء على علاّتها, وتنتقد أعمال الحكومة وموظفيها, غير أنّ هذه الحال لم تستمر, وأُصدرت الأوامر الّتي قيدت من حريّة الصّحافة, وضيّقت على الصّحفيين. وكان أن أدّت هذه الحال من التّضييق إلى هجرة عددٍ كبير من الصّحافيين اللّبنانيين والسّوريين إلى مصر, حيث كانت الصّحافة تتمتّع بحريّة أوسع نسبيّاً(1), ذلك أنّ بريطانيا عرفت كيف تُجَمّع عندها المفكّرين والمثقّفين العرب, وتضعهم تحت جناحها, وتجعلهم ينطقون باسمها. لذلك سنجد أنّ جميع الصّحف الّتي عمل بها السّيّد محب الدّين كانت تصدر في مصر, ما عدا جريدة ثمرات الفنون, الّتي كانت تصدر في لبنان.
ومع دخول المستعمر الأوروبيّ إلى البلاد العربيّة زادت الضّغوط علىحريّة الصّحافة, الّتي ناهضت الاحتلال وقاومته, وكان "يتمّ إغلاق الصّحف بطريق الأمر الإداري, أو التّعطيل الإداري دون إنذار, وإحالة الصّحف أمام القضاء, لأقلّ كلمة يُشتمّ منها رائحة مقت الظّلم, وكراهية الاستعمار"(2).
__________
(1) ـ مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, 149.
(2) ـ المصدر نفسه, 253.(1/75)
عالجت هذه الصّحف جميع القضايا الّتي ظهرت على السّاحة في ذلك الوقت, سواء كانت سياسيّة أم دينيّة, أم ثقافيّة, أم اقتصاديّة, أم غير ذلك. ولم يكن يؤثّر عليها غير قضيّة الحريّة الّتي كانت تحكم عليها وعلى استمرارها، فقد كانت صحف كثيرة لا تستمرّ وتنقطع عن الظّهور بسبب هذا التّعسّف, من قبل الحكومة الاتحاديّة أوّلاً والاستعمار الأوروبيّ فيما بعد. وبعض الصّحف كانت تُغلق وتتوقف عن الصّدور بسبب عدم وجود التّمويل المالي الكافي لاستمرارها, حيث كانت مهنة الصّحافة من المهن الفقيرة في عصر السّيّد محب الدّين(1).
ونلاحظ أنّ الصّحافة في ذلك العصر كانت متقدّمة مقارنة بحال الأمّة المتردي, ومقارنة بحال الصّحافة في عصرنا الحالي, وكأنّ العرب ما يزالون إلى الآن يرددون ما كانوا قالوه من قبل, بل إنّنا نستطيع القول إنّ الصّحافة في عصر السّيّد محب الدّين كانت أسبق من صحافتنا الحاليّة, في طرح كثير من القضايا الهامّة, الّتي ما زالت إلى الآن تمسّ حياتنا, وتؤثّر في مستقبل أيامنا.
ب – أسلوبه في الكتابة الصّحفيّة :
وجدنا فيما مضى من البحث أنّ السّيّد محب الدّين عمل في صحف كثيرة. وقلنا إنّ هذه الصّحف كانت منبره الّذي أطلّ منه لعرض أفكاره, لذلك وجب علينا أن نعرف هذا المنبر, لأنّه يعبّر بخطته, وبالفكر الّذي يقدّمه للنّاس, عن الأشخاص الّذين يعملون فيه. وسنلاحظ من خلال دراستنا لهذه الصّحف مدى التطوّر الّذي طرأ على أسلوبه الصّحفي, وخبرته في هذا المجال.
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 1 ـ 2.(1/76)
بدأ السّيّد محب الدّين الكتابة في الصّحافة في جريدة ثمرات الفنون. حيث اعتبر كتابته فيها تمريناً لقلمه على صوغ المقالات الصّحفيّة, لذلك فقد كان أسلوبه فيها أسلوباً بسيطاً, يختار فيه الكلمة الّتي تعبّر عن المعنى المناسب. وعندما كتب في المؤيّد اكتشف كثيراً من الأشياء الّتي كانت غائبة عنه وتمرّن في تلك المدرسة, وتعلّم فيها, فتبدّل أسلوبه وتطوّر, بما يتناسب مع رسالة المؤيّد, الّتي كانت تُعتبر من كبرى الصّحف الّتي ظهرت في ذلك الوقت. فكان يهتمّ باختيار الإفتتاحيّة, وكان يركّز على قضايا السّاعة, وكان يعرض أفكاره بطريقة مبسّطة, حتّى يستطيع أن يفهمها القرّاء, فالمحرّر الّذي لا يفهم مضمون الخبر أو الحدث وتفاصيله لا يستطيع نقله وإيصاله إلى جماهير القرّاء(1).
وبعد انتقاله إلى الحجاز للمشاركة في الثّورة العربيّة الكبرى, كتب في القبلة. وكان أسلوبه فيها أسلوباً حماسيّاً, يحاول باندفاعه ودفاعه عن الثّورة أن يبيّن أهداف الثّورة وغاياتها, وأنّها قامت من أجل تكوين وطن عربيّ موحّد. وقد كتب فيها مقالات كثيرة من أجل إبراز هذه الصّورة, وتأكيدها في نفوس وعقول القرّاء, سواء الّذين يقيمون في البلاد العربيّة, أم الّذين يعيشون في الخارج.
وقد استمرّ في أسلوبه الحماسيّ هذا في جريدة العاصمة, وكتب فيها مقالات بيّن فيها أوجاع الأمّة, وما تحتاجه من العمل الكثير وتضافر الجهود من أجل خدمة الوطن وتقدّمه. وكانت هذه المقالات تتميّز بالصّدق والقوّة, وبيّنت مدى إيمانه بقضايا أمّته, وإخلاصه في تقديم النّصيحة لهذا الوطن العزيز على قلبه.
__________
(1) ـ ذكرت ذلك الدّكتورة سهيلة الرّيماوي, وقالتّ: إنّ هذا الكلام قاله السّيّد محب الدّين أثناء مقابلاتها معه في القاهرة سنة 1965م؛ انظر, الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب", الجانب الصّحفي, في دراسات تاريخيّة, 10( 33, 34 /1989),30.(1/77)
وفي الزّهراء والفتح برز السّيّد محب الدّين صحفيّاً إسلاميّاً من الطّراز الرّفيع, يعبّر عن نفسه, وعن أفكاره, بأسلوب مباشر, بعيد عن التّعقيد والزّخرفات اللّغويّة, يبتغي الوصول إلى مراده بعبارات موجزة, واضحة بسيطة لا تحمل معنى غريباً, لأنّ هدفه ايصال الفكرة إلى القرّاء دون زخرفة أو عرض لحصيلته اللّغويّة.
ووصف السّيّد علي الطّنطاوي(1) أسلوب السّيّد محب الدّين بأنّه أسلوب يحاول صاحبه أن ينقل ما في نفسه هو بأصحّ عبارة يقدر عليها وأوضحها, لا يقصد إلى تجميلها ولا إلى تحميلها ما لا حاجة بها إلى حمله, يبتغي فيها الإيجاز, ولا يحرص فيها على المجاز, وهذا هو التّرسل(2).
__________
(1) ـ علي الطّنطاوي, ولد في دمشق عام 1327/ 1909م, تخرّج من كليّة الحقوق والآداب, تدرّج في الوظائف التّعليميّة والقضائيّة, غادر إلى السّعوديّة وحصل على جنسيّتها, ودرّس في جامعاتها, له مؤلّفات كثيرة, منها: أبو بكر الصّديق, وذكريات علي الطّنطاوي, وحلم في نجد, وغيرها. توفّي في 4 ربيع الأول 1420/ 18 حزيران 1999؛ انظر, العطري, عبد الغني, عبقريات وأعلام, دمشق, دار البشائر, 1417/ 1996, 281؛ والحسين, زيد بن عبد المحسن, جائزة الملك فيصل ودلالتها الحضاريّة, الرّياض, دار الفيصل, 1419 / 1998, 79؛ وانظر, موقع الطنطاوي: www.alitantawi.com/4_Life.htm
(2) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 2, 26.(1/78)
وهكذا كان أسلوب السّيّد محب الدّين الصّحفي, فمن النّاحية النّفسيّة كان أسلوبه يتميّز بالصّراحة والجرأة. وإذا كان الموضوع الّذي يتحدّث عنه هو الدّفاع عن الثّوابت الّتي يؤمن بها إيماناً راسخاً, كان أسلوبه قاسياً لا مجاملة فيه, يظهر فيه صدقه وإيمانه بالقضيّة الّتي يتحدّث عنها. ونرى من خلال كتابته في الصّحافة, وخصوصاً في الفتح والزّهراء, أنّه كان شديداً على أعداء العروبة, ومن يتعرّض للصّحابة بسوء, وكان يهاجمهم بعبارات قاسية, ولكنّها ليست مقذعة.
ونلاحظ أيضاً أنّه إذا تحدّث عن موضوع ما, كان يشبعه شرحاً وايضاحاً, ويعود إليه المرّة تلو المرّة إذا دعته الحاجة إلى ذلك, وسنرى كمثال على ذلك كتابته عن المذهب الشّيعي, حيث أفرد صفحات كثيرة في أعداد متتالية من الفتح للحديث عن هذا المذهب. وكذلك حين كان يتحدّث عن قضيّة فلسطين وممارسات اليهود فيها, وكيف كان يرى الحلول لهذه القضيّة.
وحين كان يتحدّث عن العرب وأفضليّتهم وخصائصهم العالية, نجد أنّ أسلوبه كان يتميّز بالاندفاع, ويظهر فيه مدى عشقه وتعلّقه بالعرب والعروبة, حتّى أنّه لا يكاد يجد في سيرة العرب والمسلمين الأقدمين أيّ جانب سلبيّ, فيصوّرهم على أنّهم كانوا بلا أخطاء, ويبرر لهم كلّ ما يمكن أن يُؤخذ على تصرفاتهم, أي أنّ السّيّد محب الدّين كان ينحاز في حبّه, مما يجعل كتاباته فيما يخصّ العرب واللّغة العربيّة والصّحابة رضوان اللّه عليهم بشكل خاصّ, أكبر دليل على حبّه الشّديد, وتحيّزه الواضح للعرب والعروبة واللّغة العربيّة.
ومن النّاحيّة الفنيّة, كان أسلوب السّيّد محب الدّين يتميّز بالعبارات البسيطة, الواضحة, وكان يعبّر عن أفكاره بألفاظ سهلة, سلسة, ليس فيها فذلكة أو غرائب, ولم يكن يهمّه تجميل العبارة بقدر وضوحها وتعبيرها عن مراده.(1/79)
وكان يخاطب في كتاباته عامّة النّاس, ولا يقصد في كتاباته علية القوم أو المثقّفين ثقافة عالية, لأنّ قضيّة السّيّد محب الدّين كانت تسعى إلى الإصلاح العام, وكان خطابه موجّهاً إلى كلّ النّاس, ليفهمه العامل البسيط, والطّالب المبتدئ, والبنت في بيتها, والموظف في مكتبه, وكلّ فئات الشّعب.
وكان السّيّد محب الدّين في كثير من كتاباته يعتمد الأسلوب الخطابي, فكان يخاطب القارئ كأنّه شخص أمامه, يحدّثه عن مكنونات نفسه, ويشكو إليه همّه, ويشاركه في فرحه وحزنه, ويتذكّر معه ذكرياته, حتّى أنّ الّذي يقرأ هذه المقالات يحسّ أنّ المقصود بهذا الخطاب هو وحده لا أحد معه, مما يُشعر القارئ بالانسجام التّام. اقرأ مثلاً قوله في الفتح: "ترى هل تغيّرت أخلاقي, فصرت لا أخجل اليوم مما كنت أخجل منه فيما مضى؟ لست أدري كيف اُستدرجت حتّى صرت أستبيح ولو مرّة في العام ما كنت أستنكره في كلّ حال, وقد أكون تغيّرت, فأستغفر اللّه وأضرع إليه أن يجعل تطوّري من الشّر إلى الخير, لا من الخير إلى الشّر"(1). فهذا الخطاب يُشعر من يقرأه أنّه صديق للسّيّد محب الدّين, يشاركه حديث نفسه, ويشكو إليه همّه. وسوف نرى حين عَرْضنا لمقتطفات من مقالاته مدى اعتماد السّيّد محب الدّين على هذا الأسلوب.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإفتتاحيّة", في الفتح, 651 ( ربيع الأوّل , 1358 ), 1.(1/80)
وكان السّيّد محب الدّين يعتمد الأسلوب التّهكمي في بعض كتاباته, ومرّ معنا أنّه أصدر في بداية حياته جريدة هزليّة, كتبها باللّغة العاميّة, لينتقد الأوضاع في السّلطنة العثمانيّة بطريقة تهكميّة. وهذه الجريدة هي طار الخرج. ولم يكن اعتماد السّيّد محب الدّين على هذا الأسلوب فيما بعد كبيراً, ولكنّه كان يلجأ إليه في بعض الحالات الّتي كان يرى أنّها تحتاجه, من ذلك مثلاً قوله منتقداً بعض المشايخ والباشاوات: "من عجائب مجتمعنا الحاضر, الّتي لم يكن للجيل الماضي عهد بمثلها على النّحو الّذي نراه الآن, وبالمقياس الواسع الّذي ألفناه, أنّ طائفة من شيوخنا وباشاواتنا أسرفوا في تلبية كلّ دعوة يُدعون إليها, ........فصار النّاس يحسبون أنّ وجودهم في كلّ حفل ومجتمع من لوازم ذلك الحفل والمجتمع, كسرادق الفرّاشين وكراسيهم وأدواتهم"(1).
ومن مميزات أسلوبه الصّحفي المباشرة وعدم الرّمزيّة, فكان يتحدّث عمّا يريد بطريقة مباشرة, لا لفّ فيها ولا دوران, ولم يكن يعتمد الرّمزيّة الّتي يلجأ إليها بعض الصّحفيين في كتابة خطاباتهم. لذلك فقد أوقعته هذه الصّراحة في بعض المتاعب, حيث إنّه تعرض للمحاكمة بسبب مقال كتبه في الفتح(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإفتتاحيّة", في الفتح, 843 ( جمادى الأولى , 1366 ), 1.
(2) ـ المقال بعنوان "الحريّة في بلاد الأطفال", في الفتح, 119(جمادى الأولى, 1347 ), 1.(1/81)
وكتب في فتحه مبيّناً الأسس الّتي يعتمد عليها في عمله الصّحفي فقال: "إنّ الفتح فكرة, ومن حول هذه الفكرة يجتمع كلّ من يشترك فيها, وكلّ مؤيّد لها, وكلّ حريص على تحقيقها. أنا واحد من هؤلاء, قد قطعت على نفسي عهداً بيني وبين ربّي, وأهتف به الآن على مسمع من الموافق والمخالف بأنّي ما ادّخرت ولا أدّخر وسعاً في العمل من جهتي على المضي في هذا السّبيل ما حييت, وأن أعدّ ابني قصيّاً للقيام على ذلك, بعد أن أستوفي من هذه الدّنيا ما كتب اللّه لي فيها من أنفاس. وعهد آخر قطعته على نفسي بيني وبين ربّي, وأهتف به الآن على مسمع من الموافق والمخالف, بأنّي ما وزنت ولا أزن أحداث البشر وآراءهم إلّا بميزان الإسلام, كما فهمه الصّحابة والتّابعون, ولا حكمت ولا أحكم على تلك الأحداث والآراء إلّا بما تقتضيه وحدة المسلمين, ومصلحتهم العامّة المجرّدة من أغراضنا الزّائلة, وأهوائنا الباطلة"(1).
وبهذا نستطيع أن نكوّن فكرة عامّة عن الأسلوب الصّحفي للسّيّد محب الدّين, والّذي أصفه بكلمات قليلة بأنّه أسلوب يعتمد البساطة والصّدق, ويعبّر صاحبه من خلاله عن مكنون نفسه بصراحة وحماسة.
ج ـ الصّحف الّتي عمل بها:
1 ـ ثمرات الفنون:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "رسالة الفتح ", في الفتح, 551 (ربيع الأوّل , 1356), 1.(1/82)
صحيفة أسبوعيّة, سياسيّة, علميّة, متخصّصة. كانت تُعدّ من أولى الجرائد الإسلاميّة في البلاد العربيّة. و" كانت في بداية عهدها شركة مساهمة, تتألّف من اثني عشر سهماً, وقيمة كلّ سهم ألفان وخمسمائة غرشاً "(1). وصدر العدد الأوّل منها في 20 نيسان 1875م(2). أصدرتها جمعيّة الفنون الإسلاميّة(3), وعهدت بإدارتها إلى السّيّد عبد القادر القباني(4). واستمرّت في الصّدور أربعاً وثلاثين سنة, وتوقّفت عن الصّدور سنة 1909م(5).
__________
(1) ـ دي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, 2, 25.
(2) ـ المصدر نفسه, 25.
(3) ـ جمعيّة الفنون الإسلاميّة, جمعيّة دينيّة, تألّفت من اجتماع أدباء المسلمين وأعيانهم في بيروت, برئاسة الحاج سعد بن عبد الفتّاح حمادة, إلّا أنّ عمرها لم يطل بسبب كثرة الحاسدين ومكر الدّساسين؛ انظر, مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, 176.
(4) ـ عبد القادر القباني, ولد في بيروت عام 1265/ 1849, وتعلّم في مكاتبها الإسلاميّة, وكان من أعضاء جمعيّة الفنون, ألّف مع رفاقه جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة, وكان رئيساً لها. تقلّب في وظائف حكوميّة كثيرة, وكان رئيساً للمجلس البلدي لمدينة بيروت, وجرت على يده إصلاحات كثيرة, ومشاريع كبيرة للمدينة؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 58؛ ودي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, 2, 100.
(5) ـ مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, 176. وقد جاء في كتاب فيليب دي طرازي, تاريخ الصّحافة العربيّة, 2, 26, أنّها انتهت في تشرين الثّاني عام 1908م.(1/83)
كانت ثمرات الفنون مجلّة إسلاميّة, هدفها خدمة الأمّة الإسلاميّة والإسلام, والمحافظة على الجامعة العثمانيّة. وفي كثير من افتتاحيّاتها دعت إلى خدمة الأمّة الإسلاميّة وحثتّ القرّاء على العمل الخيريّ من خلال الإعلانات الخيريّة والوطنيّة. وكانت تدعو المسلمين في مقالاتها إلى التّعاون والاتحاد وعدم التّفرق, والالتّفاف حول عرش السّلطان, الّذي يوحّد المسلمين في كلّ البلاد العثمانيّة أينما كانوا.
وكانت تصل إلى جميع المسلمين في أرجاء السّلطنة العثمانيّة, وكان لها مكانة عظيمة في نفوس المسلمين, لأنّها كانت تنشر أخبارهم, وما يجري في السّلطنة العثمانيّة من أحداث تهمّ المسلمين في كلّ مكان.(1/84)
وكتب فيها مجموعة كبيرة من الكتّاب والأعلام, الّذين أغنوا المجلّة بأقلامهم ومقالاتهم, منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشّيخ إبراهيم الأحدب(1), والشّيخ الشّهيد أحمد طبّارة(2), والسّيّد سليم بن عبّاس الشّلفون(3) وغيرهم.
__________
(1) ـ إبراهيم الأحدب, ولد سنة1242 /1826, في طرابلس الشّام, طلب العلوم اللّسانيّة والأدبيّة منذ صغره ولازم كبار العلماء. عكف على التّدريس وكان نابغة في الحفظ, وله مؤلّفات منها النّفح المسكي في الشّعر البيروتي, وفرائد الأطواق في أجياد محاسن الأخلاق, وغيرها. توفّي في رجب 1308/ آذار 1891؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 60؛ ودي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, 2, 101ـ 102.
(2) ـ أحمد طبّارة, ولد عام 1871م, وتعلّم الصّحافة في جريدة الفنون. أنشأ جريدة الاتحاد العثمّاني وسميّ كاتباً أوّلاً في المؤتمر العربيّ في باريس عام 1913م, أُعدم شنقاً في ساحة الشّهداء في بيروت, في 6 آيار 1916؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 151؛ والعودات, حسن, وآخرون, الموسوعة الصّحفيّة العربيّة, تونس, المنظمة العربيّة للتربيّة والثّقافة والعلوم, 1410 / 1990, 1, 74 ـ 75.
(3) ـ سليم بن عبّاس الشّلفون, ولد في عام 1853م, في بيروت, درس في المدرسة اليسوعيّة, ولازم الشّيخ إبراهيم اليازجي, ساهم في تحرير مجلّات كثيرة منها: ثمرات الفنون, والتّقدم, والعصر الجديد, والمحروسة, وبيروت, والمصباح, ولسان الحال, توفّي في 9 كانون الثّاني 1912م, ويعدّ من الصّحفيين الكبار في البلاد العربيّة؛ انظر, دي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, 2, 151 ـ 152.(1/85)
وكان السّيّد محب الدّين يترجم مقالات علميّة, وقطعاً أدبيّة يرسلها إلى هذه الجريدة للنّشر, وكان يوقّع بحروف مستعارة, كعادة كل مبتدئ يُحرج من ذكر اسمه, وهذه الحروف هي الحروف الأولى من اسمه (م.خ), ثمّ بعد أنّ تمرّن قلمه صار يوقّع باسمه الصّريح(1). كانت هذه المقالات وهذه القطع الأدبيّة مترجمة عن الكتب والمجلّات التّركيّة, ولم يكن فيها نشر لفكر السّيّد محب الدّين إلّا من خلال انتقائه لهذه المقالات الّتي يترجمها, حيث كان ينتقي مقالات ذات قيمة وفكر تتناسب مع نشأته الدّينيّة, ومع خطّة ثمرات الفنون. وإذا تساءلنا لماذا لم يكتب السّيّد محب الدّين مقالات تُظهر أفكاره وآراءه في هذه المجلّة, واكتفى بالتّرجمة فقط؟, قلنا: إنّ ذلك لم يحصل لأنّ السّيّد محب الدّين كان صغير السّن لم ينل الشّهادة الثّانويّة بعد, ولم يكن مستعدّاً لصوغ ما يفكّر فيه وعرضه على النّاس. لذلك كان السّيّد محب الدّين يعتبر كتابته في ثمرات الفنون عبارة عن تمرين لقلمه على صوغ المقالات والكتابة الصّحفيّة, ليعمل فيما بعد في صحف أخرى.
2ـ طار الخرج:
انتشر في عصر السّيّد محب الدّين نوع من الصّحافة سُمّي بالصّحافة الهزليّة, وكانت هذه الصّحافة تنتقد الأوضاع في ذلك العصر, بصورة تحمل من الفكاهة الشّيء الكثير. وكانت هذه الصّحف تجد رواجاً وقبولاً بين النّاس, بسبب أسلوبها الشّيّق الممتع والمضحك بآن معاً, والّذي كان يعبّر عن مشاعر النّاس ومطالبهم في الوقت نفسه.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 13.(1/86)
قام السّيّد محب الدّين في بداية حياته بإصدار صحيفة هزليّة سمّاها "طار الخرج", ومرّ معنا خلال حديثنا عن حياة السّيّد محب الدّين(1) أنّ هذه الصّحيفة لم يصدر منها إلّا عدد واحد فقط, وقد سبّب للسّيّد محب الدّين الكثير من المشاكل مع السّلطة العثمانيّة, وتعرّض للملاحقة من قبل الضّابطيّة العثمانيّة, مما منعه من إتمام تعليمه الجامعيّ.
__________
(1) ـ مرّ معنا في البحث, أنّ هذه الصّحيفة صدرت عن دار القبس, حيث كان السّيّد محمّد كرد علي يصدر منها جريدته في دمشق, وقد جاء السّيّد محب الدّين زائراً إلى هذه الدّار, فطلب منه صديقه السّيّد محمّد كرد علي أن يحلّ محلّه في إصدار عدد جريدة القبس لليوم التّالي. وفي أثناء ذلك جاءه عمّال الصّحيفة وطلبوا منه أن يكتب لهم مواد عدد من مجلّة هزليّة تنتقد أوضاع الفوضى في البلاد, بأسلوبه وباللّغة العاميّة ليروج بسرعة, فينتفعون بثمنه, وفعلاً كتب محب الدّين مواد العدد قطعة قطعة, والعمال يجمعون حروف ما يكتب, فكان من أخباره: "هجوم الدّروز على جيرانهم من أهل حوران", و"تلبية الوالي ناظم باشا لدعوة أحد الأعيان", إلى غير ذلك من الأخبار المشابهة. وطُبع العدد ووزع في اليوم التّالي, ولاقى نجاحاً كبيراً؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 49.(1/87)
كان هذا العدد من طار الخرج أوّل عدد يقوم السّيّد محب الدّين بإصداره وكتابته بنفسه, ولم يترك شيئاً في نفسه إلّا عبّر عنه, ووضعه في تلك الجريدة الصّغيرة(1). وقد كتب مواد هذه الصّحيفة باللّغة العاميّة حيناً, أو بالفصحى والعاميّة معاً حيناً آخر, منتقداً الحكومة العثمانيّة, والوالي العثمّاني, ومدير المعارف, والأوضاع الّتي لم تكن مستقرّة في ذلك الوقت. وصدر هذا العدد, على الأرجح, في أواخر عام 1908م وأوائل عام 1909م(2).
إنّ هذه التّجربة في صحيفة طار الخرج نبّهت الأنظار إلى موهبة السّيّد محب الدّين الصّحيفة, من حيث سيطرته على الخبر ونقله إلى الجماهير, ومخاطبتهم كلّ حسب موقعه(3). وقد لاقى هذا العدد من الصّحيفة رواجاً كبيراً بين القرّاء, وبيعت النّسخة الواحدة منه بعشرات أضعاف ثمنها, مما يدلّ على نجاح السّيّد محب الدّين في هذه التّجربة نجاحاً كبيراً باهراً. وكان اسم الصّحيفة يمسّ مباشرة حياة العامّة, والّذين يستخدمون عبارة "حط بالخرج" عندما لا يهتمّون بشيء أو حادثة معينة. وعبارة "طار الخرج" تعني أنّه لم يبقَ لدى الشّعب خُرْجٌ(4) يضعون فيه همومهم ومشاكلهم, فقد طفح الكيل من الحالة المترديّة الّتي كانت في تلك الأيام.
3 ـ المؤيّد:
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10( 33, 34 /1989), 28.
(2) ـ المصدر نفسه, 28.
(3) ـ المصدر نفسه, 28.
(4) ـ وهو عبارة عن قطعة من القماش السّميك تكون موضوعة على ظهر الدّابّة لوضع الأغراض فيها.(1/88)
لُوحق محب الدّين من قبل السّلطات العثمانيّة بسبب جريدة طار الخرج, وقد اُضطرّ إلى الخروج من دمشق إلى بيروت, ومنها إلى استانبول, ثمّ إلى مصر, الّتي وصلها في رجب 1327 / آب 1909. وبعد أيّام من وصوله إلى القاهرة التحق بجريدة المؤيّد, وكان ذلك في أيلول 1909م(1).
صدرت المؤيّد في السّنة التّالية لصدور المقطّم(2), وذلك في الثّاني من ربيع الأوّل 1307هـ الموافق 1 ديسمبر 1889م(3), وكان الهدف من إصدارها مواجهة الصّحيفة ذات الصّفة الإنجليزيّة الواضحة المقطّم(4), لذلك فقد لاقت تشجيعاً كبيراً. وقد حددّ مؤسّسها الشّيخ علي يوسف أهداف المؤيّد بما يلي:
1 ـ خدمة الوطن.
2 ـ النّصح والإرشاد للحاكم والمحكومين.
3 ـ الحثّ على التّعاون والمشاركة بين أفراد المجتمع.
4 ـ بثّ الأفكار ونشر الأخبار المفيدة الصّادقة.
5 ـ البحث عن الحقيقة النّافعة والتماسها أينما تكون(5).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 52 ـ 53.
(2) ـ المقطّم, أصدرها يعقوب صرّوف, وفارس نمر, وشاهين مكاريوس, سنة 1889م, وقد جرت في سياستها على مناصرة الإنكليز, وبث الدّعاية لهم؛ انظر, مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, 196.
(3) ـ هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات 1952ـ 1981م, 59.
(4) ـ الجندي, أنور, الصّحافة السّياسيّة في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالميّة الثّانية, 159.
(5) ـ هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر, 59 ـ 60.(1/89)
سعت المؤيّد خلال حياتها إلى تحقيق آمال الشّعب, والمطالبة باستقلال مصر, وطلب جلاء الإنكليز عن أرضها. وبذلك أصبحت المؤيّد مجالاً للأقلام الوطنيّة النّاشئة في البيئة المصريّة,..... وذاع أمرها واشتدّ ساعدها, وعالجت الموضوعات المصريّة والإسلاميّة في مقالات طويلة, كما حملت على الاستعمار أيّاً كان لونه أو مداه, وخاصّة إذا اتّصل بالمسلمين في أيّ مكان من الأرض(1)....ومضت الصّحيفة توزّع أربعين ألف نسخة, على حين كانت أعظم الصّحف انتشاراً لا توزّع أكثر من أربعة آلاف نسخة, وكان نصف ذلك العدد من المؤيّد يوزع في بلدان الشّرق العربيّ(2).
والشّيخ علي يوسف صاحب الصّحيفة كان شيخاً أزهريّ النّشأة, سعى بكلّ إمكاناته لتحقيق أهداف المؤيّد, حتّى وُصف بأنّه كان شيخ الصّحافة المصريّة. وكان رجلاً نصفه للأمير ونصفه للجماهير, كما وصفه أحدهم, ومع ذلك لم يحاول أن يميل بصحيفته إلى جهة منهما على حساب الثّانية(3).
__________
(1) ـ لمعرفة المزيد عن الموضوعات الّتي عالجتها المؤيّد يمكن الرّجوع: الكومي, سامي عبد العزيز, الصّحافة الإسلاميّة في مصر في القرن التّاسع عشر, 44؛ وحمزة,عبد اللّطيف, الصّحافة المصريّة في مائة عام, القاهرة, دار القلم,1960, 74؛ وهيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات, 59.
(2) ـ عبده, إبراهيم, أعلام الصّحافة العربيّة, القاهرة, مكتبة الآداب, ط2, 1367 / 1948, 130 ـ 131.
(3) ـ حمزة, عبد اللّطيف, الصّحافة المصريّة في مائة عام, 75.(1/90)
والتحق السّيّد محب الدّين بقلم المؤيّد في سنة 1909م, "وكانت المؤيّد في ذلك الوقت صحيفة تمنح محرريها شهرة عالميّة, إذ كانت أوسع الصّحف المصريّة انتشاراً وأعظمها نفوذاً, كما كانت ميداناً يتبارى فيه أدباء الأمّة وعلماؤها"(1). وقد أثبت السّيّد محب الدّين جدارة كبيرة أثناء عمله في المؤيّد, وأصبح موضع ثقة الشّيخ علي يوسف, ومن تلاميذه المقرّبين. وبلغ من إخلاصه لعمله أن استأجر مسكناً له في درب العتبة, المقابل لدار المؤيّد في شارع محمّد علي, وصار إذا جاءت برقيّات مهمّة,.........يرسلونها من دار المؤيّد إلى منزله في درب العتبة, فينظّم منها ملحقاً صغيراً تُجمع حروفه في المطبعة, ويُسلّم إلى الباعة, فيتنادون عليه في الشّوارع والأسواق, ويصل صوت المنادي إلى دار الشّيخ علي يوسف, فيشتري الملحق ويقرؤه كأيّ قارئ عاديّ(2). ومع ابتكار السّيّد محب الدّين لفكرة الملاحق هذه, أصبح الشّيخ علي يوسف يعطيه حريّة في التّصرّف والعمل على حسب ما يرى, وما يخدم سياسة المجلّة, فبدأ السّيّد محب الدّين يتخيّر المواد للنّشر, ويهتمّ بالافتتاحيّات, وكثيراً ما كان يتخيّرها بنفسه, فيتأخّر في دار المؤيّد ليترجم مقالة تناسب الوضع, وذلك إذا لم يجد ما يمكن أن يكون افتتاحيّة مناسبةً لعدد المؤيّد(3).
__________
(1) ـ عبده, إبراهيم, تطوّر الصّحافة المصريّة, القاهرة, مؤسسة سجل العرب, ط 4, 1402 / 1982, 215.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 53.
(3) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي" , في دراسات تاريخيّة,10( 33, 34/1989), 31.(1/91)
وفي المؤيّد نشر الكتاب الهامّ الغارة على العالم الإسلاميّ لـ أ.ل شاتليه(1), منبّهاً العالم الإسلاميّ إلى أعمال التّبشير الّتي تجري في العالم الإسلاميّ. وقد أحدث نشر هذا الكتاب في المؤيّد ضجّة كبيرة, وأثار اهتمام النّاس, فنُقل إلى مجلّات أخرى ونُشر فيها(2), وكثر الجدل والحوار حوله وحول موضوعاته على صفحات الجرائد والمجلّات, وتناقش النّاس فيه وشغلهم وقتاً كبيراً وصار المبشّرون ينشرون ردوداً على السّيّد محب الدّين, وأصبح هو يردّ على ما يصله منهم في صحيفة المؤيّد. وقد أعاد السّيّد محب الدّين نشر هذا الكتاب على صفحات جريدة الفتح, بعد عشرين عاماً من نشره في المؤيّد.
__________
(1) ـ الغارة على العالم الإسلاميّ, تأليف ا.ل شاتيله, لخّصه ونقله إلى العربيّة السّيّد محب الدّين الخطيب وزميله مساعد اليافي. وهو كتاب يدور حول ما تقوم به إرساليات التّبشير البروتستانيّة في العالم الإسلاميّ, وما قيل في المؤتمرات الّتي عقدتها تلك الإرساليات. أمّا مؤلّفه ا.ل شاتيله, فهو من مواليد 1855م, وقد أشرف على مجلّة العالم الإسلاميّ بالفرنسيّة, والّتي أنشأها سنة 1907, بعد أن كُلّف برئاسة البعثة العلميّة في مراكش, واستمرّت المجلة في الصّدور حتى عام 1926م, فحلّت محلّها مجلّة الدّراسات الإسلاميّة, من آثاره, سلسلة دراسات في مجلّة العالم الإسلاميّ, وكتاب الإسلام في إفريقيا, وغيرها, توفّي سنة 1929م؛ انظر, العقيقي, نجيب, المستشرقون, القاهرة, دار المعارف, ط 4, 1 227؛ وبدوي, عبد الرّحمن, موسوعة المستشرقين, بيروت, دار العلم للملايين, 1404/ 1984, 352.
(2) ـ نُقل هذا الكتاب إلى مجلّة المنار في القاهرة, الّتي كان يصدرها الشّيخ رشيد رضا, وإلى جريدة الاتحاد العثمّاني, في بيروت؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 54.(1/92)
أصبحت المؤيّد مكان السّيّد محب الدّين الّذي يعمل فيه, وكانت بالنّسبة إليه مدرسة متكاملة, فيها تعلّم الصّحافة, وتعلمّ من الشّيخ علي يوسف, مالكها, الأسلوب الحسن والسّلس, وقد ظلّ معترفاً بفضل الشّيخ علي يوسف واستفادته من أساليبه الصّحفيّة ومن خطّته الإسلاميّة طوال حياته(1).
وعندما عُقد المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس سنة 1913م, كتب السّيّد محب الدّين عنه في المؤيّد, وأصدر أعمال المؤتمر العربيّ في كتيّب كملحق كبير لحدث هامّ(2). وتحدّث بالتّفصيل عن هذا المؤتمر, ومكان انعقاده, وعن الأشخاص الّذين حضروا فيه, وعن قراراته والنّتائج الّتي خرج بها(3).
__________
(1) ـ الجندي, أنور, مفكّرون وأدباء من خلال آثارهم, 384.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10( 33 ,34 / 1989),31.
(3) ـ الخطيب, محمّد كامل, المؤتمر العربيّ الأوّل, مقدّمة محب الدّين الخطيب, 4 ـ 5؛ ودي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, 3, 40.(1/93)
ومن خلال كتابته في المؤيّد ظهرت أهدافه الإصلاحيّة, وكانت كتاباته عربيّة الطّابع, إسلاميّة المنبع, تهدف إلى خدمة العروبة والإسلام في آن معاً. واستمرّ السّيّد محب الدّين كاتباً في هذه الصّحيفة إلى سنة 1913م وهي السّنة الّتي انتهت فيها حياة المؤيّد(1). وخلال هذه السّنين الّتي قضاها في العمل في المؤيّد, زادت خبرته, وتعلّم أنّ الصّحفي يجب أن يتعب, ويلاحق الأخبار, ويحرص على نقل الخبر بأسرع وأصدق صورة, وأنّ الصّحفي الجيد هو الصّحفي الّذي يحوز ثقة قرّائه, من خلال ما يقدّمه لهم من مواد تصلهم بالعالم, وتضعهم في جوّ الحدث الّذي يُنقل إليهم. وقد رأينا أنّه كان حريصاً من خلال عمله على الاستحواذ على السّبق الصّحفي, وطبعه للملاحق الّتي تباع مع أعداد المؤيّد, والّتي تواكب الأحداث أوّلاً بأوّل. وساعده على ذلك ما كان قد أعدّه الشّيخ علي يوسف من إمكانات متطوّرة في المؤيّد, فقد أدخل إليها, ولأوّل مرّة في العالم العربيّ, الطّباعة بطريقة حديثة, واشترى آلة متطوّرة للطّباعة, وكانت فتحاً جديداً في طباعة الصّحف العربيّة(2). لذلك فقد كان السّيّد محب الدّين يكرر دائماً أنّ المؤيّد كانت المدرسة الأولى الّتي تعلّم فيها فنون الصّحافة(3), والّتي أهّلته فيما بعد ليتولّى تحرير
__________
(1) ـ ترك السّيّد علي يوسف المؤيّد بعد أن عُيّن شيخاً للسّادة الوفائيّة في 3 آذار 1912م. وكان الشّيخ قد حوّل المؤيّد إلى شركة مساهمة, لأنّ الدّيون قد أثقلت كاهله, ولكنّ الّذين جاؤوا بعده لم يستطيعوا الاستمرار في إصدارها فتوقفت سنة 1913م؛ انظر, الجندي, أنور, الصّحافة السّياسيّة في مصر, 166- 167.
(2) ـ مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة, نشأتها وتطوّرها, 202.
(3) ـ الجندي, أنور, مفكّرون وأدباء من خلال آثارهم, 384؛ والرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10( 33 , 34 / 1989), 31.(1/94)
وإصدار صحفه الأخرى القيّمة والمهمّة.
4 ـ القبلة:
بعد أن ترك السّيّد محب الدّين العمل في المؤيّد سنة 1913م, لبّى دعوة الشّريف حسين للالتحاق بالثّورة العربيّة الكبرى, وسافر إلى الحجاز للإشراف على المطبعة الأميريّة لحكومة الحجاز, وإصدار جريدتها الرّسميّة القبلة, وذلك عام 1334/ 1916.
سافر السّيّد محب الدّين في اليوم الثّالث من عيد الفطر سنة 1334هـ, وصدرت جريدة القبلة في الخامس عشر من شوال سنة 1334هـ الموافق للخامس عشر من آب من عام 1916م, وكانت تصدر مرّتين في الأسبوع, وفي صفحتها الأولى جاء وصفها بأنّها جريدة دينيّة, سياسيّة, اجتماعيّة, تصدر لخدمة الإسلام والعرب(1).
__________
(1) ـ بن عبّاس, محمّد ناصر, موجز تاريخ الصّحافة في المملكة العربيّة السّعوديّة, الرّياض, مطابع مؤسسة الجزيرة, 1391 / 1971, 30.(1/95)
وكانت صحيفة شبه رسميّة, تُطبع في المطبعة الحكوميّة. وقد وصفها الشيخ محمّد نصيف(1) الّذي كان معاصراً للشّريف, بأنّها كانت لسان حال الشّريف, وأنّه وحده الّذي كان يرسم سياستها, للدّفاع عن حركته, والدّعاية لنفسه(2). ولا يمكن أن نطلق هذا الكلام بصورته على جميع السّنوات الّتي صدرت فيها جريدة القبلة, والّتي استمرّت إلى 25صفر من عام 1343هـ(3), فالشّريف حسين عندما قام بالثّورة التحق بثورته أحرار العرب, مطالبين بحقوقهم من الأتراك, ولم يكن همّهم تنصيب الشّريف حسين ملكاً فقط, بغضّ النّظر عن هدف الشّريف حسين نفسه. وقد عرف السّيّد محب الدّين أنّ الغاية الّتي قام الحسين لأجلها هو الاحتفاظ بالكرسي, الّذي كان مهدّداً من الإتحاديّين بإسقاطه, فهو لم يستطع برأيه إدراك المغزى العظيم الّذي كان تاريخ القوميّة العربيّة والحضارة الإسلاميّة يهتف به للحسين بن علي(4). لذلك فليس من الحقّ أن نقول إنّ القبلة كانت فقط من أجل الدّعاية للشّريف حسين.
__________
(1) ـ محمّد نصيف, ولد بمدينة جدّة عام 1302 / 1884, وهو من علماء جدّة, وكان منزله موئل كبار زوّار جدّة, ربّاه جدّه فهيّأ له الجوّ العلميّ الصحيح, كان مرجعاً للباحثين وطلّاب العلم, وله صلات كبيرة مع العلماء والفضلاء, توفيّ في عام 1391/ 1971؛ انظر, العقيل, عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, 673 ؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 149.
(2) ـ العودات, حسن, وآخرون, الموسوعة الصّحفيّة العربيّة, 5, 86.
(3) ـ بن عبّاس, محمّد ناصر, موجز تاريخ الصّحافة في المملكة العربيّة السّعوديّة, 30.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل , 1343), 190.(1/96)
وقد بيّن السّيّد محب الدّين منذ الأعداد الأولى للقبلة أنّها قامت من أجل خدمة الإسلام والعروبة. وبقيت الجريدة محافظة على إبراز هذه المحاور الرّئيسيّة, والسّمات البارزة للحوار السّياسي الدّائر في ذلك العصر بين العرب والتّرك. وكان لابدّ من محرر يؤمن بهذه المحاور, ويتفهّمها جيداً, ليستطيع نقلها إلى الجماهير وإقناعهم بها, وكان الخطيب هو هذا الرّجل(1).
استمرّ السّيّد محب الدّين في عمله في القبلة, ومساندة الثّورة مدّة ثلاث سنوات, عاد بعدها إلى بلاده, بعد أن أحسّ بغاية الشّريف من وراء إعلانه للثّورة, ويئس من إصلاحه(2).
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10(33 , 34 / 1989),33.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 67.(1/97)
عالج السّيّد محب الدّين في هذه الجريدة خلال هذه السّنوات مواضيع هامّة, تتعلّق بمستقبل الأمّة العربيّة. وقد أخذت قضيّة الوحدة العربيّة والدّعوة إليها, حيّزاً كبيراً من كتاباته في هذه الصّحيفة. كما حاول أن يوصل للقرّاء فكرته من أجل تحقيق أهداف الثّورة, وتحقيق أماني العرب في الحريّة والاستقلال, وتكوين أمّة قويّة تأخذ بأسباب التّقدّم والرّقي, ولا تنفصل في روحها وحياتها عن الإسلام والمسلمين. وقد نجح في نقل صورة واضحة عن مجريات الثّورة وأهدافها إلى جماهير العرب والمسلمين في كلّ الأنحاء, وذلك من خلال صِلاته الواسعة ونشاطه المميّز, فكانت صحيفته من أهمّ الصّحف الهاشميّة, وأشدّها تأثيراً في الحياة الثّقافيّة والإجتماعيّة في البلاد, وكانت سجلّاً للحياة الفكريّة والسّياسيّة في تلك الحقبة(1). وبذلك كانت القبلة مرجعاً تاريخيّاً مهمّاً يُؤرّخ لفترة هامّة جدّاً من حياة الأمّة العربيّة والإسلاميّة, لما فيها من مواكبة وعرض لأهمّ المواضيع الّتي كانت مطروحة في تلك الفترة, ولما فيها أيضاً من عرض دقيق لأحداث الثّورة العربيّة الكبرى ومجرياتها.
وكان السّيّد محب الدّين فيها رجلاً مؤمناً بأهداف هذه الثّورة, متحمّساً لها أشدَّ الحماس, فكتب في جريدة القبلة ما يؤمن به حقيقة, وأعلن فيها عن مبادئه ورؤيته لمستقبل الأمّة العربيّة والإسلاميّة, شارحاً أسباب قيام الثّورة, داعياً إلى الوقوف بجانبها. وخاطب العرب في كلّ مكان, وخصوصاً أبناء المهجر, ودعاهم للعودة إلى وطنهم, والمساهمة في تقدّمه ورقيّه, وذلك من خلال معالجته لقضيّة هامّة هي قضيّة الهجرة, وغيرها من المواضيع المهمّة أيضاً(2).
__________
(1) ـ العودات, حسن, وآخرون, الموسوعة الصّحفيّة العربيّة, 5, 86.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10( 33, 34 / 1989),35.(1/98)
ولم يكن السّيّد محب الدّين ليترك القبلة والثّورة ويعود إلى سوريا, لولا إحساسه العميق بسوء ظنّ الشّريف حسين, وعدم سعيه لتحقيق أهداف الثّورة, بل وجده يسعى لتحقيق مجده الشّخصيّ فقط, لذلك فقد تركه, وعاد إلى بلده سوريا.
5 ـ العاصمة:
عندما دخلت القوات العربيّة إلى سوريّة في30 أيلول 1918م, وأُعلنت الحكومة العربيّة هناك, صدرت جريدة العاصمة. وهي جريدة رسميّة تنطق بلسان الحكومة, وتتولّى نشر المراسيم والقرارات والإعلانات الرّسميّة, مع بعض الأخبار المحليّة, والنّشاطات الرّسميّة(1). وكانت تصدر مرّتين في الأسبوع, يومي الإثنين والخميس, وصدر العدد الأوّل منها بتاريخ 17 جمادى الأولى 1337هـ, الموافق 17 شباط 1919م.
وجاء في افتتاحيّة هذا العدد: "لمّا كان لا بدّ لكلّ حكومة من جريدة رسميّة, تتكلم بلسانها, وتنشر قوانينها وتذيع بلاغاتها, وتنبئ عن أخبارها الصّادقة, رأت حكومتنا, أيّدها اللّه بروح من عنده وسدد خطواتها إلى الخير, أن تُصدر هذه الجريدة باسم العاصمة, معتصمة بحبل اللّه المتين, شاكرة آلاءه.....أمّا خطّة هذه الجريدة ومسلكها فهو كما ذكرنا نشر قوانين الحكومة, وأنظمتها, ومقرراتها, وبلاغاتها, وأنبائها الرّسميّة, مع ذكر نتف من الأخبار المحليّة. وستعنى في درج تصاوير بعض رجال النّهضة العربيّة, مع الإلماح إلى شيء من تراجمهم. وتطرق الموضوعات الّتي تظنّ منها فائدة اجتماعيّة أو علميّة, تعود على الأمّة بالخير والصّلاح, وعلى البلاد بالرّقيّ والنّجاح"(2).
__________
(1) ـ الموصلّي, منذر, الصّحافة السّوريّة ورجالها, إعلام وأعلام, 99.
(2) ـ الحنبلي, شاكر, "الإفتتاحيّة", في العاصمة, 1( 17جمادى الأولى 1337/ 17 شباط 1919), 1 .(1/99)
بدأ السّيّد محب الدّين بإدارة العاصمة اعتباراً من العدد السّابع والأربعين, "وأبيح له أن يكتب فيها مقالات توجيهيّة كما يشاء بلا مراقبة"(1). وكانت أوّل مقالة كتبها في العاصمة بعنوان "تجاه التّاريخ", بيّن فيها مسؤوليّة كل فرد تجاه وطنه, سواء كان رجلاً أم امرأة, بغية تحقيق الرّقيّ المطلوب, وطلب "أن نتعاون رجالاً ونساءً على تحسين سمعتنا, وإصلاح أحوالنا, ومجاراة الأمم الرّاقية في الأخذ بأسباب الارتقاء"(2). وقد سار في مقالاته كلّها على هذا المنوال, داعياً الشّعب إلى التّعاون والاتحاد, وكتب مقالات بثّت الحماسة في النّفوس, وأخذ " يُشكّل الرّأي العامّ السّوريّ, لتهيئة الجوّ السّياسيّ في البلاد العربيّة, لحياة دستوريّة جديدة, ومحاربة قوى الاستعمار, ورفض الاتفاقات الدّوليّة, بعد أن تأزّمت الحالة السّياسيّة الدّوليّة, وبالتّالي المطالبة بالوحدة العربيّة الشّاملة, والاستقلال التّامّ في البلاد العربيّة"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 72.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "تجاه التّاريخ", في العاصمة, 47(8 ذي القعدة 1337/ 4 آب 1919), 1.
(3) ـ الموصلّي, منذر, الصّحافة السّوريّة ورجالها إعلام وأعلام, 100.(1/100)
ولم تقتصر كتابة السّيّد محب الدّين في العاصمة على المقالات السّياسيّة فقط, بل تحدّث أيضاً عن موضوعات أخرى, فتحدّث عن "الاقتصاد", ودعا إلى "تأسيس مصرف ماليّ عربيّ", وإلى "إعداد الرّجال"(1) إيماناً منه بأنّ الاستقلال السّياسيّ لا يتمّ إلّا بعد الاستقلال الاقتصاديّ التّام. وكتب أيضاً عن أهميّة التّعليم, وانتقد أهدافه, حيث معظم الدّارسين يكون همّهم الأساسيّ, وربما الوحيد, الحصول على الوظيفة. ودعا إلى تعليم النّشء تعليماً صحيحاً, يُبيَّن لهم فيه معنى التّربية الاستقلاليّة, هذه التّربية الهامّة, والّتي تعدّ الرّجال الّذين سيبنون الوطن, فالتّربية الاستقلاليّة, بنظره, هي الّتي تعدّ "رجالاً ذوي مطامح بعيدة المرمى شريفة السّمعة, يسعون إليها بأجسام قويّة وعزائم ثابتة وصبر جميل, سالكين أقرب طرقها, ومتحليّن بالمعلومات النّافعة لهم في أعمالهم الخاصّة, وواجباتهم العامّة"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الاقتصاد", و"دعوة إلى تأسيس مصرف ماليّ", و "إعداد الرّجال", في العاصمة, انظر الأعداد, 98 و 118 و122.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّربية الاستقلاليّة", في العاصمة, 94 (ربيع الثّاني 1338/كانون الثّاني 1920),1. وكتب مقالاً آخر بعنوان "التّربية الاستقلاليّة, والمبادئ الدّيمقراطيّة ". تابع فيه ما بدأه في مقاله الأوّل وذلك في العاصمة, 96( 6جمادى الأولى 1338/ 26 ك2 1920),1.(1/101)
برز السّيّد محب الدّين من خلال كتاباته في جريدة العاصمة "مفكّراً ومصلحاً, يضع النّقاط على الحروف, ويردّ على قضايا ومشكلات ما بعد الحرب العالميّة الأولى"(1). وظلّ في جريدة العاصمة إلى حين دخول الفرنسيين إلى سوريا وهروبه إلى مصر. ولكنّه جعل هذه الصّحيفة النّاطقة باسم الحكومة, جريدة شعبيّة يُقبل عليها القرّاء, فأصبحت خليطاً بين الصّحافة الرّسميّة, والصّحافة الشّعبيّة(2).
وكان يدعو فيها للإصلاح, من خلال وحدة الصّف الدّاخلي أوّلاً. والرّقيّ بالوطن, من خلال إصلاح التّعليم والاقتصاد, وبيان مسؤوليّات الأفراد جميعاً, والدّعوة إلى الوحدة العربيّة, واستقلال الدّول العربيّة جميعاً, واندماجها مع بعضها دون التّخلي عن صبغتها الإسلاميّة, واستحقاقها لريادة هذه الأمّة الإسلاميّة. وقد بيّن كلّ هذا من خلال حرصه على كتابة افتتاحيّة كل عدد تولّى تحريره من هذه الجريدة, إلى يوم خروجه من سوريا فارّاً إلى مصر.
6 ـ الأهرام:
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10(33, 34/ 1989 ),36.
(2) ـ الموصلّي, منذر, الصّحافة السّوريّة ورجالها, 101.(1/102)
تعدّ جريدة الأهرام من أهمّ وأقدم الجرائد الّتي ظهرت في البلاد العربيّة، وهي من الجرائد الّتي عمل فيها السّيّد محب الدّين, وما زالت مستمرّة في الصّدور مع مجلّة الأزهر إلى وقتنا الحالي. وقد صدرت هذه الجريدة في سنة 1876م, للشّقيقين اللّبنانيين: سليم تقلا(1), وبشارة تقلا(2). وصدر العدد الأوّل منها في 5 آب عام 1876م, وكانت في أوّل أمرها أسبوعيّة, صغيرة الحجم, وما زالت تنمو حتّى صارت صحيفة يوميّة كبرى, ابتداء من يوم الاثنين 3 يناير سنة 1881م(3).
صدرت الأهرام أوّلاً في الإسكندريّة, ثمّ نُقلت عام 1898م إلى القاهرة. وقد نشر السّيّد بشارة تقلا كلمة مؤثّرة, مودّعاً الإسكندريّة في جريدة الأهرام, جاء فيها: "تودّع الأهرام اليوم ثغر الإسكندريّة,...وهي تبرحه إلى عاصمة القطر, مرتّلة على أهله الكرام آيات الثّناء,...وموعد القطر بها غداً بأهراميه الأهرام طبعة القاهرة في عاصمة البلاد السّياسيّة, والأهرام طبعة الإسكندريّة, في عاصمة البلاد التّجاريّة"(4).
__________
(1) ـ سليم تقلا, ولد سنة 1849م, في قرية كفر شيما في لبنان, تلقّى علومه في بيروت, ثمّ هاجر إلى مصر, وأنشأ فيها الأهرام, توفّي سنة 1892م؛ انظر, مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة, نشأتها وتطوّرها, 193 ـ 194؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 213.
(2) ـ بشارة تقلا, ولد سنة 1852م, وتلقّى علومه في مدرسة عينطورا, هاجر مع أخيه إلى مصر, وأسسا جريدة الأهرام, توفّي سنة 1911م. انظر, مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة, نشأتها وتطوّرها, 194؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 2, 80.
(3) ـ دي طرازي, فيليب, تاريخ الصّحافة العربيّة, 3 ,50.
(4) ـ القباني, عبد العليم, نشأة الصّحافة العربيّة بالإسكندريّة, القاهرة, الهيئة المصريّة العامّة للكتاب, 1393/ 1973, 31 ـ 32. وقد نشر السّيّد بشارة تقلا كلمته في الأهرام عدد 31 أكتوبر 1899م.(1/103)
على أنّه سرعان ما اندمجت الأهرام التّجاريّة في الأهرام السّياسيّة, وصدرتا معاً في جريدة واحدة في القاهرة. وقد ناضل صاحبا الجريدة لجعلها ترقى إلى الأعالي, وقد صرّح السّيّد سليم تقلا أنّه كان يقضي النّهار واللّيل عاملاً بدناً وعقلاً, يحرّر ويدير العمل, ويتولّى معظم الأعمال الّتي تخصّ الجريدة(1).
عالجت الجريدة في مقالاتها كلّ ناحيّة من نواحي الحياة, سواء كانت أدبيّة, أم علميّة أم اجتماعيّة أم طبيّة, ووقفت إلى جانب المصريين, فروّجت لمشروعاتهم الوطنيّة,.........وعجبت من الحكومة كيف تهمل تعليم البنات. وخرجت إلى النّاس بأسلوب أدبيّ صحفيّ, فيه المتانة اللّغويّة, ولكن ليس به كلفة أو تطويل"(2), وقد نشرت روايات عرّبتها عن الرّوايات العالميّة, كانت تصدرها بعد الانتهاء من عرضها في الجريدة في كتيب صغير, وتبيعها بأرخص الأثمان"(3).
__________
(1) ـ سعادة, جورج عارج, النّهضة الصّحفيّة في لبنان, بيروت, منشورات دار وكالة النّشر العربيّة, 1380/1960, 350 ـ 351.
(2) ـ حسنين, أحمد طاهر, دور الشّاميين المهاجرين إلى مصر في النّهضة الأدبيّة الحديثة, دمشق, دار الوثبة, 1407/ 1986, 153.
(3) ـ عبده, إبراهيم, جريدة الأهرام تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة, القاهرة, دار المعارف, 1371/ 1951, 57 ـ 58.(1/104)
وحرص أصحاب الجريدة على تميّزها, لذلك كانت الأهرام "أوّل صحيفة عربيّة تعيّن مراسلين دائمين لها في بعض العواصم الأجنبيّة, والأهرام أيضاً أوّل من أقامت مكاتب صحفيّة خاصّة بها خارج البلاد, وكانت الأهرام أوّل صحيفة عربيّة تبعث بمراسل متحرّك لها خارج مصر"(1). وكانت أيضاً أوّل صحيفة تنشر صوراً فوتوغرافيّة مع الموضوعات الّتي تعالجها(2), لذلك فقد كانت الأهرام من أكثر الصّحف انتشاراً, "وكان يقرؤها الرّأي العامّ النّابه في خاصّته, والرّأي العامّ القارئ في مجموعة المتعلّمين, وقد أصبحت دعامة من دعامات حريّة الفكر"(3).
__________
(1) ـ أبو زيد, فاروق, الصّحافة المتخصصة, القاهرة, عالم الكتب, 1407/ 1986, 14.
(2) ـ سعادة, جورج عارج, النّهضة الصّحفيّة في لبنان, 352 ـ 353.
(3) ـ عبده, إبراهيم, تطوّر الصّحافة المصريّة, 148.(1/105)
وكتب الشّيخ محمّد عبده(1) مقالة في الأهرام بعنوان: "الأهرام جريدة مؤسّسة على أحكم قواعد الأحكام", قال فيه: "جريدة الأهرام المؤسّسة على أحكم قواعد الأحكام, الكاملة بإرشاد المسترشدين, وتنبيه الغافلين, بما فيها من المباني الرّقيقة, والمعاني الدّقيقة, والأفكار العالية, المؤيّدة بالبراهين الشّافية, القائمة بنشر العلوم بين العموم"(2). وقد استمرّت الأهرام بالتّطور والنّمو حتّى غدت من أهمّ وأكبر الصّحف العربيّة انتشاراً وشهرةً, وقد حملت شعار الأهرامات, الّتي ترمز للحضارة المصريّة, وتعدّ الأهرام سجلّاً تاريخيّاً هامّاً, لمرحلة هامّة من تاريخ مصر والبلاد العربيّة.
__________
(1) ـ محمّد عبده, 1266/ 1849- 1323/ 1905, ولد في محلّة نصر, تلقّى علومه في الأزهر, اتصل بالشّيخ الأفغاني. لازم ثورة عرابي وحكم عليه بالنّفي ثلاث سنوات, وهو يعدّ من أكبر زعماء الإصلاح في القرن التّاسع عشر؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 252؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 10, 179.
(2) ـ مجموعة مؤلّفين, الأهرام شهود العصر, القاهرة, مركز الأهرام للترجمة والنّشر, 1407/ 1986؛ وقد نشرت هذه المقالة في الأهرام في 2 سبتمبر عام 1876م.(1/106)
أمّا السّيّد محب الدّين, فقد عمل في جريدة الأهرام محرّراً نحو خمس سنوات, من سنة 1920م إلى أواخر سنة 1925م, وذلك بعد أن عرض عليه صديقه نجيب الأرمنازي(1) الّذي كان يعمل في الأهرام أن يحلّ محلّه في الجريدة, لأنّه كان يريد السّفر إلى باريس لإكمال دراسته, فوافق على ذلك وبدأ العمل في الأهرام(2). وكتب فيها عدّة مقالات, فازدادت خبرته الصّحفيّة, وتعرّف إلى مجال جديد, وجوّ جديد يختلف عن جوّ المؤيّد والقبلة والعاصمة, وهذا أفاده في مستقبل أيّامه, وفي عمله الصّحفي, وهو ما دفعه إلى إنشاء مجلّة الزّهراء أثناء عمله في الأهرام.
7 ـ جريدة الإخوان المسلمون:
هي أوّل صحيفة يصدرها الإخوان المسلمون(3)، وكانت تعبّر عن آرائهم وأفكارهم. صدر العدد الأوّل منها يوم الخميس 28 صفر 1352هـ الموافق 15 حزيران 1933م, وظلّت تصدر مدّة خمس سنوات(4).
__________
(1) ـ نجيب الأرمنازي, 1315 ـ 1389/ 1897 ـ 1969, درس الحقوق في باريس, ونال دكتوراة دولة في الحقوق وشهادة في العلوم الدّوليّة. مارس الصّحافة واحتلّ مناصب مهمّة في سوريا, ومثّلها في عدّة وفود. من كتبه: الحملة المصريّة, والشّرع الدّولي في الإسلام, وغيرها؛ انظر, عيّاش, عبد القادر, معجم المؤلّفين السّوريين في القرن العشرين, دمشق, دار الفكر, 1405/ 1985, 25؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 8, 11؛ البواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريا في القرن العشرين, 1, 74.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 76.
(3) ـ الإخوان المسلمون, جماعة أُسست في مصر عام 1928م, كان هدفها تحقيق مبادئ الإسلام, وقد انتشرت دعوتها في كثير من البلدان العربيّة؛ انظر, قدامة, أحمد, معالم وأعلام, 1, 298.
(4) ـ هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات, 76 ـ 77.(1/107)
وهي جريدة إسلاميّة عالجت مواضيع شتىّ, أهمّها شرح أهداف دعوة الإخوان, وعرض أخبارهم ونشاطاتهم. وشملت عدّة أبواب منها: الباب الدّينيّ, والتّاريخيّ, والأدبيّ, وباباً للمرأة, وأخبار العالم الإسلاميّ, والقضايا المثارة في ذلك الوقت الّذي صدرت فيه(1).
واختير السّيّد محب الدّين الخطيب مديراً لها, بهدف الاستفادة من خبرته, ومطبعته السّلفيّة(2). ولقبول السّيّد محب الدّين رئاسة تحرير هذه المجلّة قصّة طريفة, وهي كما يذكرها حسن البنّا(3) مؤسس جماعة الأخوان, بأنّهم عندما أرادوا إصدار جريدة لنشر دعوة الإخوان, لم يكونوا يملكون المال الكافي لذلك, فتبرّع أحدهم بجنيهين, فجعلوهما رأس مال لهذه الجريدة. وحمل حسن البنّا الجنيهين, وذهب بكلّ بساطة وإيمان إلى المكتبة السّلفيّة، وتفاهم مع السّيّد محب الدّين الخطيب أن يكون مديراً للمجلّة، ولكن تطبع بالسّلفيّة، وأن يكون الجنيهان دفعة أولى، وما بقي بعد ذلك فعلى اللّه. وابتسم الرّجل المؤمن المجاهد المحبوب, كما قال حسن البنّا، ووافق على ذلك هو الآخر بكلّ بساطة وإيمان، فصدر التّصريح, وبدأ الطّبع، فظهرت جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعيّة(4).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 78.
(2) ـ العودات, حسن, وآخرون, الموسوعة الصّحفيّة العربيّة, 2, 90.
(3) ـ حسن البنّا, ولد في بلدة المحموديّة قرب الإسكندريّة, في سنة 1324/ 1906, تخرّج بمدرسة دار العلوم بالقاهرة, واشتغل بالتّعليم. وأسس جماعة الإخوان المسلمون, وأنشأ جريدة لها, وقد كان له شعبيّة كبيرة, واستطاع أن ينشر دعوته في وقت قصير, اغتيل في القاهرة سنة 1368/ 1949, نشرت مذكّراته بعنوان مذكرات الدّعوة والدّاعيّة؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 2, 184؛ ومجموعة مؤلفين, المنجد في الأعلام, 137.
(4) ـ البنّا, حسن, مذكرات الدّعوة والدّاعيّة, تقديم أبو الحسن النّدوي, القاهرة, د.ن, 1966, 168.(1/108)
وتولّى السّيّد محب الدّين إدارة المجلّة حتّى نهاية السّنة الثّالثة, وقام بمهمّته الصّحفيّة خير قيام, وتابع في هذه الجريدة نهجه الّذي بدأه في الصّحف السّابقة. وقد عرفنا أن السّيّد محب الدّين كان يكتب للعروبة والإسلام, وكان يؤمن بأنّ الإيمان بالعروبة لا يتنافى مع الإسلام, لأنّ العروبة هي ظئر الإسلام(1).
8 ـ مجلّة المسلمون :
كتب السّيّد محب الدّين في مجلّة أخرى, يمكن أن نعدّها من صحف الإخوان أيضاً, وهي مجلّة المسلمون, والّتي جاء في مقدّمة عددها الأوّل: "نحن إذ نقدّم اليوم مجلّة المسلمون لتأخذ, بإذن اللّه, مكانها في الرّكب الميمون من دعاة الحقّ, لنستشعر فداحة التّبعة, وثقل المهمّة, وأخطار الطّريق, ولكننا نستمدّ من اللّه العون والتّأييد, ونرتسم الخطى المباركة المسددة للإمام الشّهيد, ونجدّ في نيل المقصد, وكمال الغاية, ما يهوّن الصّعب, ويزكّي الهمّة, ويُذهب وحشة الطّريق"(2).
ووردت في هذه المجلّة مقالات كثيرة للسّيّد محب الدّين, تحمل الطّابع الإسلاميّ, الّذي لا يقتصر فقط على مصر والبلاد العربيّة, بل يتعدّى ذلك إلى جميع أرجاء العالم الإسلاميّ. من هذه المقالات "الجهاد", و"طلائع الإسلام في البلاد الإسلاميّة", و"السّعادة", و"الحجّ", وغيرها من الموضوعات الإسلاميّة الأخرى, الّتي عزّزت مكانة السّيّد محب الدّين بين الكتّاب الإسلاميّين في العالم الإسلاميّ.
__________
(1) ـ لقد تحدّث السّيّد محب الدّين بهذا المعنى في مقدّمة ديوان مجد الإسلام لأحمد محرّم, 6.
(2) ـ رمضان, سعيد, "الإفتتاحيّة", في المسلمون, 1 ( غرة محرّم, 1372/ سبتمبر, 1952), 1 .(1/109)
حاول السّيّد محب الدّين في مقالاته هذه أن يربط بين مفاهيم الإسلام, والواقع الّذي نعيشه, جاء في مقاله "مقدّمات الجهاد" قوله: " إذا أحسنا النّيّة في النّجوى بيننا وبين اللّه, وإذا تطهّرنا من الأنانيّة والختل والغدر, وكنّا أمّة متعاونة متراحمة, وإذا سويّنا الصّفوف, وقام كلّ منا بالجهاد من ناحيته حيثما كان, فإنّ الإسلام يضمن لأبنائه أن يكونوا اليوم منصورين ظافرين كما كانوا في الأمس منصورين ظافرين"(1).
وكتب السّيّد محب الدّين أيضاً في صحيفة الشّهاب(2), إحدى صحف الإخوان المسلمين, وكانت مقالاته فيها تماثل مقالاته في صحف الإخوان السّابقة.
9 ـ المنهاج:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مقدّمات الجهاد ", في المسلمون, 1(محرّم, 1372/سبتمبر1952م), 72.
(2) ـ الشّهاب, أصدرها حسن البنّا رئيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1947م, وكانت علميّة شهريّة, صدر منها خمسة أعداد, ولم تكن ملتزمة بمواعيدها المقرّرة للصّدور, توقّفت بأمر الحكومة المصريّة؛ انظر, سعد الدّين, محمّد منير, الإعلام, 121؛ والقرضاوي, يوسف, "صحافة الإخوان إعلام بلا إمكانات ماديّة ", موقع إسلام أون لاين www.islamonline.net(1/110)
ومن الصّحف الّتي تولّى السّيّد محب الدّين إدارتها مجلّة المنهاج. وكانت هذه المجلّة في بدايتها من إصدار صديق السّيّد محب الدّين الشّيخ ابراهيم أطفيش(1). وقد أصدرها السّيّد ابراهيم اطفيش بعد سنتين من نفيه إلى القاهرة من تونس, الّتي كان نُفي إليها من بلده الجزائر, فكان هذا الإنسان مواطناً غيوراً, حارب المستعمر بكلمته فتمّ نفيه مرّة بعد مرّة. وقد قام بإصدار العدد الأوّل من المنهاج في أوّل محرّم سنة 1344 /1925(2). وسمّاها المنهاج "عنواناً ليعبّر من خلاله عن منهجها الإسلاميّ الواضح, واتجاهها الوطنيّ الصّريح, وقد أوضح ذلك من الآية الّتي كانت تتصدر الغلاف (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاًْ)(3), وهي مجلّة علميّة, سياسيّة, اجتماعيّة, نصف شهريّة, ولكنّها كانت تصدر شهريّاً لما اعتراها من عوائق ماليّة, وعراقيل إداريّة"(4).
__________
(1) ـ ابراهيم أطفيش, ولد ببلدة بني يزقن, إحدى قرى وادي ميزاب, في الجزائر, وذلك سنة 1886م, في بيت علم وفهم, تلقّى تعليمه في بلده, وكان من أساتذته محمّد بن يوسف اطفيش. عمل بالتّجارة مدّة, ثمّ عاد إلى العلم وتتلمذ على يد الشّيخ عبد القادر المجاوي. سافر إلى تونس للدّراسة, انضمّ إلى حزب الحرّ الدّستوري الّذي كان يتزعمه عبد العزيز الثّعالبي مما أدى إلى نفيه إلى القاهرة, وهناك عمل على إصدار مجلّة المنهاج, وله عدّة مؤلّفات, منها الذّهب الخالص في الفقه, وكتاب الرّسم في تعليم الخط, وغيرها, وقد توفّي سنة 1385 / 1965؛ انظر, ناصر, محمّد, الشّيخ ابراهيم اطفيش في جهاده الإسلاميّ, 15؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 90.
(2) ـ ناصر, محمّد, الشّيخ ابراهيم اطفيش في جهاده الإسلاميّ, 122.
(3) ـ المائدة, 48.
(4) ـ ناصر, محمّد, الشّيخ ابراهيم أطفيش في جهاده الإسلاميّ, 122.(1/111)
كانت المنهاج مجلّة وطنيّة دينيّة, تهتمّ بقضايا المغرب العربيّ بشكل خاصّ, وقضايا المسلمين بشكل عامّ. وواجهت كثيراً من الصّعوبات الماليّة والإداريّة, حيث كانت تُهدّد بإلغاء الرّخصة, مما اضطرّ صاحبها إلى اللّجوء إلى صديقه السّيّد محب الدّين فتنازل له عن رخصة المجلّة, ضماناً لبقاء صدورها وقيامها بمهمّاتها.
وهكذا تحوّلت المنهاج ابتداءً من أوّل محرّم 1348هـ, أي ابتداءً من سنتها الخامسة, إلى جريدة أسبوعيّة, تحتوي على ست عشرة صفحة من الحجم المتوسط (25 × 32), وجاء في صفحتها الأولى: " المنهاج صحيفة دينيّة إسلاميّة, صاحب امتيازها أبو اسحاق اطفيش". ويبدو أنّ الإشراف الفعلي أصبح للسّيّد لمحب الدّين الخطيب, إداريّاً وأدبيّاً وفنيّاً, إذ لم نر لأبي اسحاق مشاركة كتابيّة في المنهاج في مرحلتها هذه, الّتي استمرّت مدّة سنتين تقريباً(1).
لقد استلم السّيّد محب الدّين هذه المجلّة لأنّه أراد مساعدة صديقه, ولأنّه كان يعتبر هذه المجلّة ذات اتجاه وطنيّ إسلاميّ, فهي من المجلّات الإسلاميّة الهامّة بنظره, واستمر السّيّد محب الدّين في نشر كلّ ما يهمّ المسلمين في العالم الإسلاميّ, وخصوصاً موضوعات التّبشير والاستشراق وغير ذلك من الموضوعات الّتي كانت تشغل بال المسلمين في تلك الأيّام. غير أن الصّعوبات الّتي واجهت المجلّة كانت كبيرة, ولم تستطع المجلّة الصّمود أمامها, فتوقّفت عن الصّدور سنة1350 هـ.
10 ـ الأزهر:
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 138 ـ 139.(1/112)
أصدرت مشيخة الأزهر مجلّة حملت اسم نور الإسلام, "وذلك في المحرّم سنة 1349هـ, الموافق لأيّار عام 1930م, وبعد ثلاث سنوات تغيّر اسمها وأصبح الأزهر"(1). وهي مجلّة شهريّة جامعة, تصدر في أوّل كلّ شهر عربيّ, ويصدر في العام منها عشرة أعداد, وفي عام 1954م أصبحت تصدر مرّتين في كلّ شهر عربيّ, ثمّ عادت إلى سيرتها الأولى, وصدرت مرّة في غرّة كلّ شهر عربيّ, وذلك في رجب 1374هـ الموافق 24فبراير 1955م(2).
وبما أنّ الأزهر كانت تصدر عن مشيخة الأزهر, فقد كان الكتّاب فيها من المتخصصين, ومعظمهم من أساتذة الجامعة, الّذين كانوا يعملون في الأزهر الشّريف. وتناولوا في موضوعاتهم مجالات تخصصهم, من فقه وتفسير, وحديث, ولغة عربيّة, وغيرها من المواضيع الإسلاميّة الّتي كانوا يدرّسونها في جامعة الأزهر. ولم تقتصر الأزهر على هذه المواضيع فقط, بل شاركت في مناقشة العديد من القضايا المعاصرة وعرضت رؤية الإسلام في قضايا مثارة جديدة, مثل شهادات الاستثمار, وفوائد البنوك. وأولت المناسبات الدّينيّة اهتماماً خاصّاً وأبرزت قيمتها, وحلّلتها, وعلّقت عليها(3).
__________
(1) ـ هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات, 157.
(2) ـ المصدر نفسه, 161 ـ 162.
(3) ـ المصدر نفسه, 165.(1/113)
أمّا السّيّد محب الدّين فقد تولّى رئاسة تحرير مجلّة الأزهر اعتباراً من شهر صفر 1372/ أكتوبر 1952واستمرّ في عمله حتّى شهر شعبان من عام 1378 / فبراير 1959(1). فعندما تولّى السّيّد محمّد الخضر حسين مشيخة الأزهر, عمل على تعيين السّيّد محب الدّين في رئاسة تحرير المجلّة, لما عرف عنه من مقدرة على إدارة هذه المجلّة بالطّريقة اللّائقة. وقد كان السّيّد محب الدّين أهلاً لهذه الثّقة, واستطاع أن يبرز ويتألّق في هذه السّنوات السّت الّتي قضاها محرّراً في الأزهر, فناقش موضوعات كثيرة وهامّة. واهتمّ بصورة أساسيّة بقضيّة التّعليم والشّباب, وكان ينادي: "إنّ إسلامك إذا عرفته من ينابيعه فهو سبب سعادتك, وسعادة وطنك وأمّتك بك, آمن به ولا تخف. ومن شرط إيمانك به أن تعمل به, وإذا عملت به أنت وأبناء جيلك, فأنا الضّامن لكم بأن تؤمن به هذه الأمم الحائرة, الّتي تنشر أهداف رسالة الإسلام, وهي لا تعلم أنّها موجودة في الإسلام"(2).
__________
(1) ـ هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات, 162.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "إيمان ", في الأزهر, 25 ( المحرّم, 1373/ سبتمبر, 1953), 8 .(1/114)
عالج السّيد محب الدّين في الأزهر قضيّة العروبة والإسلام, القضيّة الهامّة جدّاً عنده, وعرضها مدافعاً عن العروبة, مبيّناً أنّ العروبة لا تتنافى مع الإسلام, وقد أخذ منه هذا العرض وقتاً طويلاً. وكان يؤكّد أنّ كون المصريّ مصريّاً لا يتعارض مع كونه عربيّاً, وكون العربيّ المسلم عربيّاً لا يتعارض مع كونه مسلماً(1). وهاجم الاحتلال وأطلق عليه اسم الاستعمار, وكان " يميّز على صفحات الجرائد بين الاستعمار العقلي والاستعمار العسكري, مهاجماً أساليب التّعليم الّتي نشرتها بريطانيا وفرنسا في مصر, وغيرها من البلدان العربيّة ثمّ يشير إلى أنّ أخطر آثار الاستعمار العقلي الإيحاء بأنّ الكلام عن العروبة وأصالتها وعراقتها في الإنسانيّة, قد يُحمل على العصبيّة الجنسيّة, وقد يتنافى مع الدّعوة للإسلام والمسلمين"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "من نحن؟", فيالأزهر, 24(ربيع الثّاني, 1372/ ديسمبر, 1952), 402.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب, الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10(33, 34/ 1989), 43.(1/115)
آمن السّيّد محب الدّين بالعروبة والإسلام, وعمل جاهداً من منبره هذا على إبراز دور العرب ومكانتهم في الحضارة الإنسانيّة. وأنّ العروبة لا تتعارض مع الإسلام, ونبّه إلى خطر الاستعمار قائلاً: " لقد رضي المستعمرون بتقلّص ظلّ استعمارهم العسكريّ, بعد الّذي أصابهم من الوهن في الحربين العالميتين, لكنّهم كانوا يتعلّلون بأنّهم نجحوا في تخديرنا وتضليلنا, وأنّهم خدعونا عن أنفسنا, وأنّنا آمنّا بهم كما آمن بهم أتاتورك والسّائرون من ورائه. فلمّا بدأ العملاق يستيقظ, تبيّن لهم أنّ العرب غير التّرك, وأنّ المسلمين مازالوا بخير, وأنّ ما بذروه في وزارات معارفنا, وما كيّفوه من أدوات التّثقيف في ربوعنا, وما أنفقوه على مرافق التّبشير والدّعاية الأجنبيّة في أوطاننا, قد انهار كلّه بين ليلة وليلة"(1).
واستمرّ السّيّد محب الدّين في هذا حتّى ترك هذه المجلّة, بعد أن جعلها مجلّة إسلاميّة راقية, تهتمّ بشؤون المسلمين أينما كانوا, وتعرض مشاكلهم, وتحارب وتناضل في سبيل إعلاء شأن العروبة والإسلام.
? هذه أهمّ الصّحف الّتي عمل فيها السّيّد محب الدّين, ولكنّه كتب مقالات كثيرة ومتفرّقة في صحف أخرى كثيرة, كانت ناطقة بلسان العروبة والإسلام, دون أن يكون ملتزماً بالعمل بها, بل كان يزوّدها بمقالاته بين فترة وأخرى, وكانت هذه المقالات كما رأينا تدافع عن الإسلام والمسلمين, وتفخر بالعرب واللّغة العربيّة.
د- الصّحف الّتي أنشأها:
1ـ الزّهراء:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "العملاق بين أمسه ويومه", في الأزهر, 29 ( ربيع الآخر 1376 / نوفمبر 1956 ), 338.(1/116)
عرفنا حبّ السّيّد محب الدّين للغة العربيّة وآدابها, وقد أصدر الزّهراء لخدمة العروبة والأدب العربيّ. وصدر العدد الأوّل منها في 15محرّم 1343هـ الموافق لـ 15 آب 1924م. وبيّن السّيّد محب الدّين في افتتاحيّة هذا العدد الغاية الّتي أُنشئت من أجلها الزّهراء, فقال: " إنّ منشئ هذه المجلّة, قد تأصّل في نفسه الاعتقاد منذ أعوام كثيرة, بأنّ النّاطقين بالضّاد لا تثبت لهم نهضة, ما لم تكن قائمة على دعامتين, إحداهما, المرونة في اقتباس ما في حضارات الأمم الأجنبيّة من وسائل القوّة ونظم الإدارة, وانصراف الفرد إلى التّخصص لعمل يجدّ لتجويده. والثّانية, الاحتفاظ بتقاليدنا التّاريخيّة, وأوضاعنا الوطنيّة, وسجايانا القوميّة, ولساننا الغنيّ الأصيل. فعلى هاتين الدّعامتين نستطيع أن نشيّد الباب الّذي ندخل منه إلى دور آخر من أدوار تاريخنا القوميّ, حيث نجد الأفق واسعاً للكيان العربيّ الجديد وحينئذ يُتاح لأبنائنا القيام بنصيبهم من خدمة الحضارة العامّة"(1).
هكذا كانت الزّهراء مجلّة علميّة أدبيّة إجتماعيّة. تصدر كلّ شهر, وتعنى بوجه خاصّ بالأبحاث العربيّة والإسلاميّة والشّرقيّة. وجاء على صفحتها الأولى قول يلخّص اتجاهها, والغاية الّتي سعى السّيّد محب الدّين لتحقيقها طوال حياته, وهي رفعة الأمّة العربيّة, وجعلها في مقدّمة الأمم, هذا القول هو: "إذا استُعبدت أمّة, ففي يدها مفتاح حبسها ما احتفظت بعزّتها".
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الافتتاحيّة", في الزّهراء, 1(15 محرّم , 1343), 1.(1/117)
وقد نجمت الزّهراء تعبيراً عن روح الاعتدال, فهي تنحى باللّائمة على الّذين لا يدعمون كيانهم القوميّ بعناصر التّجديد, وتذمّ الّذين يستهويهم تقليد الأغيار من أهل القوّة, فينسلخون عن كيانهم القوميّ, ويفرّطون في تقاليدهم, ويتركون حدود لغتهم مباحة لاحتلال اللّغات الأخرى, فيذوبون في الأجانب, دون أن يرحمهم الأجانب(1). ونجد في الزّهراء دعوة واضحة " إلى مزج الأصالة بالتّحديث, وضرورة ذلك عند العرب"(2). وقدّم محب الدّين في الزّهراء مقالات كثيرة, كانت غايتها الأساسيّة بيان دور العرب في الحضارة الإنسانيّة, وأحقّيتهم واستحقاقهم لمتابعة المسيرة الحضاريّة, والرّدّ على كلّ من يحطّ من قدرهم, أو يحاول تشويه صورتهم والاستخفاف بهم. وحرص على أن ترد في مجلّته الزّهراء الحقائق في علوم العرب, وآدابهم, وتاريخهم, وفي مقوّمات الحضارة الإسلاميّة وأدوارها, مستعينة من جهة بأقلام أهل العقيدة القوميّة من رجال الاختصاص, ومثابرة من جهة أخرى, على نقل ما كتبه المتعرّبون والمستشرقون, من الإفرنج في هذه الموضوعات(3). وكان السّيّد محب الدّين حريصاً على إبراز هذه العناصر, حتّى من خلال انتقائه للعنوان الّذي يُورد تحته الخبر الّذي يخصّ الأمّة العربيّة.
__________
(1) ـ فيّاض, محمود, الصّحافة الأدبيّة بمصر والاتجاهات القوميّة 1914 ـ 1940, القاهرة, الجهاز المركزي للكتب الجامعيّة والمدرسيّة والوسائل التّعليميّة, 1976, 1, 138.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب, الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10(33, 34 /1989), 39.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "الافتتاحيّة", في الزّهراء, 1(15 محرّم , 1343), 1.(1/118)
كانت المجلّة تبدأ بمقالة لمنشئ الزّهراء, يليها مقالات لكبار الكتّاب والشّعراء. وكانت هذه المقالات تتحدّث في شتّى الموضوعات, القوميّة, والعربيّة, والأثريّة, والبحثيّة, والدّراسات الأدبيّة. بالإضافة إلى قصائد شعريّة تمجّد العروبة والاستقلال وتتغنى بالأوطان. ثمّ يأتي باب حركة النّشر والتّأليف, يعرض لأهمّ الكتب الّتي ظهرت حديثاً في المكتبات أو في المطبعة السّلفيّة, ويعطي لمحة عامّة عن الكتاب, وثمنه, وناشره, ومؤلّفه. ثمّ يأتي بعد ذلك باب أنباء اجتماعيّة, يُورد فيه أخبار البلاد العربيّة والعالم الإسلاميّ والمجتمع الإسلاميّ والعربيّ, من مثل مقال: "الماء في القدس", أو مقال "الأميرسعود في مصر", أو مقال "الجيش الإيراني", وغير ذلك من الأخبار والمقتطفات, الّتي يرى فيها ما يهمّ المسلمين من أخبار العالم ككلّ.
وكتب الشّاعر أحمد زكي أبو شادي(1) للسّيّد محب الدّين قصيدة بمناسبة إنتقال الزّهراء من مكانها الأوّل إلى شارع الاستئناف, وذلك بعد أن توسّعت, وكان مقرّها الجديد في دار كانت مقرّاً لصحف ومجلّات هامّة. فعبّر فيها الشّاعر عن تقديره للسّيّد محب الدّين, ولعمله في نشر مجلّته الزّهراء, قال فيها:
جدّدت بالزّهراء فجر شبابي
قسماً محب الدّين مثلك أُنسه
بالأمس كنت مذكّري بطفولتي
واليوم تنشرها حياةً غضّةً
قد كان مدرسة الصّحافة وقته
وحظيرة الأدباء تجمع شملهم
والآن أنت على غرار نبوغهم ... وأعدت لي صوراً من الأحباب
__________
(1) ـ أحمد زكي أبو شادي, دكتور في الطّب وشاعر وأديب, ولد في القاهرة 1309 / 1892, درس الطّب وعلّمه, انصرف إلى الأدب والشّعر. توفّي بواشنطن في أمريكا عام 1374/ 1955, وله مؤلّفات وأشعار كثيرة, ومن آثاره معشوقات ابن طولون, ومفخرة رشيد, والشّفق الباكي؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 1, 226؛ وفلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره, دمشق, دار القلم, 1424/ 2003, 1, 62.(1/119)
يُنسي عديم الحظّ كلّ طلاب
في مجمع العرفان والآداب
في معهدٍ جدرانه أولى بي
وأب البيان الباذخ الأحساب
ومباءة الأعلام من كتّاب
تأتي فتفتح معلق الأبواب(1)
وبالفعل كانت الزّهراء مجلّة أدبيّة راقية, وكانت منارة لتمجيد اللّغة العربيّة, والدّفاع عنها وإبراز جمالها. وقد خطّ الخطيب فيها مقالات تتحدّث عن هذه اللّغة, وتبيّن عراقتها وجمالها, من مثل مقاله الّذي حمل عنوان "حول المعجم العربيّ", والّذي قال فيه: "إنّ الحالة الّتي كانت عليها كلّ اللّغات السّاميّة قبل ظهور الإسلام, تحملنا على القول, بكلّ جزم وتأكيد, أنّ اللّغة العربيّة أرقاهن, ومعنى هذا أنّها أعرقهن في القدم"(2). وقال في مقال آخر: "نحن مع القائلين بأنّ لغة الأمّة دليل نفسيّتها, وصورة عقليّتها, بل هي أسارير الوجه في كيانها الإجتماعيّ الحاضر, وفي تطوّرها التّاريخيّ الغابر....ولغتنا, مثل أمّتنا, لغة استقلاليّة, ربما كانت أغنى من كلّ لغة أخرى عن الاحتياج إلى غيرها"(3).
__________
(1) ـ أبو شادي, أحمد زكي, الشّفق الباكي, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1345 / 1926, 523.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "حول المعجم العربيّ", في الزّهراء, 2 (ربيع الأوّل والثّاني, 1344), 148.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "القوميّة عند العرب", في الزّهراء, 1 (15 صفر , 1343), 66 .(1/120)
وكانت الزّهراء مسرحاً وميداناً هامّاً لمقاومة المستغربين, الّذين حاولوا في تلك الفترة الانتقاص من قيمة العرب, ودعوا إلى هجر اللّغة العربيّة والأخذ عن الغرب. فهاجمت الزّهراء كتاب اليوم والغد(1), وكتاب أحلام الفلاسفة(2) لسلامة موسى(3), وهاجم السّيّد محب الدّين صاحب الكتاب, وقال: "إنّ تعصّبه للباطل قد وصل إلى شغاف قلبه, حتّى صار لا يرى فظاعة عبوديّة آبائه المصريين للفراعنة, بينما هو يشفق على الإنسانيّة من عبوديتها لله عز وجل"(4).
__________
(1) ـ اليوم والغد, هو كتاب لسلامة موسى. جاء في الزّهراء, 4(جمادى الثّانية, 1346), 223 عنوان: "شرقيّ يكره الشّرق ", فيه:"عرض لكتاب سلامة موسى اليوم والغد, نقدّمه لما فيه من كراهية للشّرق, وتمجيد للغرب".
(2) ـ أحلام الفلاسفة, أيضاً لسلامة موسى نشرته الهلال ووزعته هديّة لقراّئها, عالج فيه موضوعات كثيرة وجد فيها السّيّد محب الدّين مهاجمة للأديان والمحرّمات.
(3) ـ سلامة موسى, 1304 ـ 1378هـ/ 1887 ـ 1958م, مؤرّخ من الكتّاب والصّحافيين. ولد في الزّقازيق في مصر, وتلقّى ثقافته في أمريكا, حرر في الهلال, وأصدر المجلّة الجديدة, من آثاره: تاريخ الفنون, وأشهر الصّور, وغيرها؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم مصنفي الكتب العربيّة, بيروت, مؤسسة الرّسالة, 1406 / 1986, 208؛ وفلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره, 1, 273.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, "باب حركة النّشر والتّأليف", في الزّهراء, 3(صفر , 1345), 141.(1/121)
عرضتْ الزّهراء لكلّ الأفكار والآراء الّتي كانت مطروحة في ذلك الوقت, وناقشتها, وردّت عليها, دون قذف, أو تجريح, أو تهكّم, بل بأسلوب راقٍ, فيه كثير من الاحترام. وكان السّيّد محب الدّين يقول: "نعم إنّنا محافظون, ولكن على كياننا, وعلى حياتنا المعنويّة, وعلى شخصيّتنا القوميّة, وعلى لغتنا الّتي أعجبت جميع المستشرقين بعجائب أسرارها وبدائع جمالها. وعلى ديننا, الّذي كنّا أقوياء وأعزّة يوم كنّا متمسّكين به, وصرنا ضعفاء وأذلّة يوم ضللنا عن هدايته, ومنذ تمسّكنا بالخرافات الّتي سطع نوره لتبديد ظلماتها الحالكة"(1).
ووردت في الزّهراء أخبار قصار تتحدث عن رفعة اللّغة العربيّة, أو المكتشفات الأثريّة, أو العلوم الّتي تؤكّد أقدميّة العربيّة, وأفضليّة العرب. وجاء في المجلّد الثّالث من الزّهراء وتحت عنوان "وحدة اللّغة في الوطن السّامي في العصور القديمة", خبر يؤكّد أنّ اللّغة العربيّة هي لغة عريقة وقديمة, وأنّ البلاد العربيّة كانت بلاداً واحدة يتحدّث أفرادها نفس اللّغة. حيث بينّت المكتشفات أن اللّغة القديمة كانت لغة العلماء والسّياسيين في مصر والشّام والعراق قبل خروج بني إسرائيل(2). وهذا يؤكّد حقيقة وحدة الأمّة العربيّة, ووحدة لغتها منذ عصور سحيقة. ومضت الزّهراء تحمل على عاتقها تكاليف الدّعوة للقوميّة العربيّة تخوض بها الغمرات, في وقت استغرق كلّ صقع عربيّ في محنته(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "محافظون ", في الزّهراء, 3 (محرّم , 1345), 4.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " وحدة اللّغة في الوطن السّامي في العصور القديمة ", في الزّهراء, 3 (محرّم , 1345), 19.
(3) ـ فيّاض, محمود, الصّحافة الأدبيّة بمصر والاتجاهات القوميّة, 138.(1/122)
كتب في الزّهراء كتّاب كبار, وشعراء مجيدون, أغنوا المجلّة بمقالاتهم القيّمة والمفيدة, وقصائدهم الرائعة, من مثل: السّيّد أحمد تيمور باشا, والشّيخ محمّد الخضر حسين, والأستاذ محمّد كرد علي, وأحمد زكي أبو شادي, والشّيخ عبد القادر المغربي(1), وأمير البيان شكيب أرسلان(2), والأديب أحمد محمّد شاكر(3)
__________
(1) ـ عبد القادر المغربي, 1867 / 1956, نشأ في طرابلس, واشترك في الحركة الفكريّة في الشّام, ثمّ قدم إلى مصر وأقام بها. اختير عضواً في المجمع العلميّ العربيّ في القاهرة ودمشق, وكان من تلاميذ الأفغاني, أنشأ جريدة البرهان, وله نظرات في النّقد المسرحي, وفي الفقه, والتّاريخ, والتّرجمة؛ انظر, الجندي, أنور, تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلاميّ, القاهرة, مكتبة الأنجلو المصريّة, 1970, 263؛ والعطري, عبد الغني, عبقريات وأعلام, 179.
(2) ـ شكيب أرسلان, ولد عام 1286/1869في الشّويفات في لبنان, تعلّم في مدرسة الحكمة, والمدرسة السّلطانيّة, وأتقن التّركيّة والعربيّة, وكان من المناصرين للدولة العثمانيّة, وله مؤلّفات منها: تعليقه وتعقيبه على كتاب حاضر العالم الإسلاميّ, وخاتمة تاريخ العرب والأندلس, وله شعر كثير ,حتّى سميّ أمير البيان, توفّي سنة 1946م؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 313؛ والدّهّان, سامي, الأمير شكيب أرسلان حياته وآثاره, 65؛ والبواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين, 1, 70.
(3) ـ أحمد محمد شاكر, 1309- 1377/ 1892- 1958, عالم بالحديث والتفسير, مولده ووفاته في القاهرة. درس في الأزهر ففاز بشهادة (العالمية) سنة 1917 وعين في بعض الوظائف القضائية, أعظم أعماله شرح مسند الامام أحمد بن حنبل، وعمدة التفسير, ومن كتبه نظام الطلاق في الإسلام, وغيرها, وله تحقيقات مفيدة حلّى بها هوامش الكتب, ولم يخلفه مثله في علم الحديث بمصر؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 377؛ ورمضان, محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات 1315- 1424/ 1897- 2003, الرّياض, مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنيّة, 1425/ 2004, 1, 85.(1/123)
, والأديب مصطفى صادق الرّافعي(1), والشّاعر أحمد شوقي(2), وغيرهم من كبار الكتاب والشّعراء. وقد عُنيت الزّهراء بنشر مقالاتهم وقصائدهم, بالإضافة إلى عرض لمقالات بعض المستشرقين, والمقالات المترجمة, الّتي كانت تخدم رسالة الزّهراء.
__________
(1) ـ مصطفى صادق الرّافعي, أديب كاتب وشاعر, أصله من طرابلس الشّام, ولد في القليوبيّة 1297/1880, عيّن كاتباً في محكمة طنطا الأهليّة, وأصيب بصمم, من آثاره ديوان شعر, وتاريخ آداب العرب, وإعجاز القرآن؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 12, 256؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7, 249.
(2) ـ أحمد شوقي, أشهر شعراء العصر الأخير, يلقّب بأمير الشّعراء, ولد سنة 1868م وتوفّي سنة 1932م في القاهرة, درس الحقوق بفرنسا, وعُيّن رئيساً للقسم الإفرنجيّ في ديوان الخديوي عبّاس, ومثّل مصر في مؤتمر المستشرقين, له مؤلّفات منها مصرع كليوباترا ومجنون ليلى والشّوقيات وغيرها, كان يعيش حياة ترف؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 1, 133؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 189.(1/124)
استمرّت الزّهراء في الصدور خمس سنوات, اُضطرّ بعدها السّيّد محب الدّين للتّوقّف عن إصدارها, وبرر ذلك بأنّ الأوضاع العامّة الّتي كانت تمرّ بها المنطقة كانت تستدعي الاتصال بالشّباب والرّأي العامّ والشّباب المثقّف, لمقاومة التّيارات السّياسيّة, والثّقافة الدّخيلة, وامتياز الزّهراء لا يسمح بذلك, فكان لا بدّ من إصدار صحيفة جديدة(1). فالزّهراء مجلّة أدبيّة لا يجوز لها التّدخل في موضوعات الدّين أو السّياسة, وواجب السّيّد محب الدّين يحتّم عليه أن يقاوم ما يجده ضاراً بالأمّة العربيّة, لذلك فقد توقّفت الزّهراء, وباشر السّيّد محب الدّين في تأسيس مجلّة أخرى, تستطيع أن تقوم بما لم تستطع الزّهراء القيام به, فكان أن برزت للوجود صحيفته الأخرى والأهمّ صحيفة الفتح, الّتي استمرّت في الصدور فترة طويلة, حقق السّيّد محب الدّين من خلالها انجازات هامّة ومفيدة.
2 ـ الفتح:
تعدّ الفتح من أهمّ المجلّات الإسلاميّة, الّتي ظهرت في القرن الماضي, وذلك لأنّها استمرّت فترة طويلة من الزّمن, ولأنّها عالجت قضايا مهمّة من قضايا الأمّة العربيّة, واهتمّت بقضايا الأمّة الإسلاميّة, فما من قضيّة كبرى من قضايا العالم الإسلاميّ ظهرت في تلك الفترة, إلّا وكانت الفتح مشاركة فيها, على المدى الواسع والعميق ......وما من كاتب معروف في العالم العربيّ أو الإسلاميّ, إلّا وقد كتب في الفتح في مطلع شبابه(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإفتتاحيّة", في المسلمون, 9 (ذو الحجة , 1384), 582.
(2) ـ الجندي, أنور, مفكّرون وأدباء من خلال آثارهم, 194.(1/125)
وذكر السّيّد محب الدّين الخطيب في ذكرياته, أنّ ظهور الفتح لم يكن ليتمّ, لولا صديقه أحمد تيمور باشا, فقد كان أحمد تيمور باشا هو الوجه المصري الأوّل, الّذي شعر بالخطر الأعظم على مصر والبلاد العربيّة والعالم الإسلاميّ, وأشفق من أن يتمّ فيه, ولو بالتّدريج, ما تمّ في تركيّا, وكان لا ينقطع عن زيارة المطبعة السّلفيّة يوميّاً إلّا لمرض أو سفر. وكانت المطبعة السّلفيّة في شارع خيرت, فانعقدت فيها اجتماعات حضرها أحمد تيمور باشا وعبد الرّحمن قراعة(1), ومحمّد الخضر حسين, وعلي جلال الحسيني(2), ونحو عشرة آخرين من هذه الطّبقة, تذاكروا موجة الإلحاد القويّة الّتي طغت على العالم الإسلاميّ وهو على غير استعداد لدفعها لأنّ أمره ليس في يده, وانتهت هذه الإجتماعات بتقرير تأليف جمعيّة لمقاومة الإلحاد, والتّعاون على ذلك. ثمّ تبيّن أنّ الخطر أسرع من أن يُعالج بمثل هذه الجمعيّة, وأنّه لابدّ من الاتصال بالرّأي العام, والشّباب المثقّف على الخصوص, وأنّ الصّحافة هي الوسيلة الأولى لذلك. وكان الحصول يومئذ على امتياز لصحيفة إسلاميّة لهذا الغرض أشبه بالمستحيل, غير أنّ أحمد
__________
(1) ـ عبد الرّحمن قراعة, 1863 ـ 1939, مفتي الدّيار المصريّة عام 1921م, من مواليد أسيوط, عمل بالتّدريس في الأزهر, ثمّ عُيّن مفتياً بمديريّة سوهاج, وقاضياً بأسوان, ورئيساً لمحكمة بني سويف, وعضواً بالمحكمة الشّرعيّة العليا, وعضواً بجماعة كبار العلماء؛ انظر, نجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 301؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3 , 608.
(2) ـ علي جلال الحسيني, من القضاة المشتغلين بالعلم والأدب والشّعر والتّاريخ, تخرّج بمدرسة الحقوق وولي مناصب في القضاء.من تصانيفه: محاسن آثار الأوّلين فيما للنساء وما عليهن في قوانين قدماء المصريين. توفّي 1351 / 1932؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 7, 53؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 394.(1/126)
تيمور باشا التمس لذلك الأسباب الّتي لا يقدر عليها غيره. وتمّ الحصول على امتياز بإصدار الفتح عام 1926م(1).
إذاً, الفتح صدرت لغاية أساسيّة, هي مواجهة تيار التّغريب, ومواجهة موجة الإلحاد الّتي عمّت وانتشرت في مصر, والبلاد العربيّة والإسلاميةّ في ذلك الوقت. لذلك فقد حددت مبادئها وأعلنتها, وكانت تبدأ بها كلّ عدد من أعداد الفتح اعتباراً من السّنة السّادسة لظهورها بما يلي:
1 ـ الفتح لأهل القبلة جميعاً.
2 ـ العالم الإسلاميّ وطن واحد.
3 ـ المسلمون إلى خير, ولكنّ الضّعف في القيادة.
4 ـ أنت على ثغرة من ثغور الإسلام فلا يُؤتيّن من قبلك.
5 ـ اعمل ليراك اللّه وحده, وتوارَ عن أنظار النّاس.
6 ـ الفتح رسالة الأقطار الإسلاميّة بعضها إلى بعض.
7 ـ الفتح رابطة روحيّة بين قرّائه.
ومن خلال هذه المبادئ كان للفتح أهداف محددة, تظهر بوضوح من خلال مقالات المجلّة وأبوابها, فالفتح لم تترك قضيّة من قضايا العصر إلّا وتحدّثت فيها. وكانت "توجّه حتّى في عناوين الأخبار العامّة الّتي تنقلها عن وكالات الأخبار, فتحوّل بالعنوان مغزى الخبر كما تريده الوكالة, إلى ما يُوافق خطّة الفتح, ويريده الإسلام"(2).
بدأت الفتح في الصّدور عام 1926م, واستمرّت إلى سنة 1948م, وخلال هذه السّنين كانت غايتها هي خدمة العروبة والإسلام, وذلك من خلال:
1 ـ إحياء ذكرى المدنيّة الإسلاميّة.
2 ـ صلاح الأصول الإسلاميّة الصّحيحة, للانطباق على مقتضيات كلّ عصر كان.
3 ـ مقاومة الإلحاد, ودعوى التّجدد الكاذب. وبيان أنّ العلم الصّحيح يتآخى مع الدّين الإسلاميّ, ولا يتنافى مع أصوله.
4 ـ أخبار العالم الإسلاميّ الّتي تتصل بالوجهة الدّينيّة والاجتماعيّة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " ذكريات شاهد عيان ", في الفتح, 861 (ذو القعدة , 1367), 265 .
(2) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 1, 260.(1/127)
5 ـ نقل قطع مختارة من مؤلّفات السّلف, المتعلّقة بالرّوح الإسلاميّة, وبيان أسس التّشريع في الملّة الإسلاميّة, وبيان حكمه في كلّ مسألة اشتملت عليها الشّريعة.
6 ـ تفسير القسم الاجتماعيّ والأخلاقيّ من القرآن الكريم والسّنة(1).
وهكذا لم تترك الفتح أيّ موضوع يهمّ المسلمين أينما كانوا إلّا وتحدّثت عنه, وحاولت بيان الحقيقة فيه على أكمل وجه, حيث واجهت تيار التّغريب, وعرضت لآرائه ونقضتها, وردّت على دعاته, وفنّدت أقوالهم, وقابلت دعواتهم بتقليد الغرب والإندماج فيه بالدّعوة إلى العودة إلى الدّين الصّحيح القويم, والاستفادة من التّاريخ الإسلاميّ. وبيّنت مكانة اللّغة العربيّة, وسماحة الدّين الإسلاميّ, وصلاحه لكلّ زمان ومكان. وتحدّثت أيضاً عن العقائد الصّحيحة في الإسلام, وعن التّحرر السّياسيّ الإسلاميّ في كلّ بلاد الإسلام, في المغرب, وباكستان, وفلسطين, والهند. وعرضت لقضايا التّبشير في البلاد العربيّة والعالم الإسلاميّ, حيث أعادت نشر كتاب الغارة على العالم الإسلاميّ لـ ا. ل شاتليه.
وتحدثت عن قضايا الاقتصاد الوطنيّ, والإصلاح الاجتماعيّ, وقضايا التّربية وإصلاح التّعليم, وكلّ القضايا الّتي تهمّ المسلمين أينما كانوا, لذلك فقد كانت "السّنة من عمرها بمثابة سنة من تاريخ الحركة الفكريّة الإسلاميّة"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مقدّمة", في الفتح, 1 ( 29 ذو القعدة 1344/ 10 يونيه, 1926), 1.
(2) ـ فيّاض, محمود, الصّحافة الأدبيّة بمصر, والاتجاهات القوميّة, 211.(1/128)
وفي سنواتها الأخيرة احتلّت قضيّة فلسطين مكاناً مميّزاً فيها, حيث عُدّت في طليعة المجلّات الّتي عالجت هذه القضيّة, سواء بما كتبه صاحبها السّيّد محب الدّين الخطيب, الّذي توّجت مقالاته صدر الفتح, تبثّ الحميّة في الصّدور وتروي للقرّاء غدر اليهود والإنكليز, وتبارك الدّماء العربيّة المراقة, أم بما نظم شعراء الفتح وكتّابها(1). وكان السّيّد محب الدّين رائد هذه المجلّة, الّذي يحرص على كتابة افتتاحيّاتها, ويختار لها المواضيع الّتي تنشر فيها, وكان في عمله فيها متماشياً مع ما يدور حوله من أحداث, يتابعها, ويناقشها, ويردّ على الآراء الّتي تُثار حوله.
وبصدور الفتح أسبوعيّاً كان يصدر منها خمسون عدداً في العام الواحد, ولكنّها في السّنتين الأخيرتين واجهت صعوبات كثيرة, فاضطرّت إلى أن تصدر نصف شهريّة, ثمّ شهريّة. ومع استمرارها من 1926م إلى 1948م, نجد أنّه قد صدر منها أكثر من ثمانمئة وخمسة وستين عدداً, تعدّ بحق ثروة فكريّة بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 256.(1/129)
وانتشرت الفتح في أنحاء كثيرة من العالم, فكانت تُوزّع في البلاد العربيّة, من الشّام إلى المغرب, وجنوب أفريقيا, وسنغافورة, والبلقان, وإنجلترا, والولايات المتحدة الأمريكيّة, وغيرها من البلاد. وبسبب مقالاتها فقد كانت تلاقي صعوبات كثيرة, وكانت تُمنع من الدّخول إلى بعض البلدان, ولكنّها كانت تدخل بجهود محبّيها ومشجّعيها في كلّ مكان, حيث بلغت من الشّهرة مبلغاً عظيماً. ويقول أحد محبيّ هذه المجلّة واصفاً ترقّبه ورفاقه لصدور الفتح: " كانت الفتح هي الصّحيفة الدّينيّة المتخصصة الّتي احتلت مكاناً بارزاً بين مجلّات عصرها, وكنّا ونحن طلّاب بالأزهر نترقّب صدورها الأسبوعيّ بتطلّع وشوق على أبواب الأزهر, ونتخطّفها من الباعة, لننهل من معينها الثّقافيّ ونتتبّع الحركات الإسلاميّة"(1). ويقول غيره: "لمّا وصلت مصر كان مرّ على ظهور الفتح سنتان, ولكنّها استطاعت أن تكون بتوفيق اللّه مجلّة العالم الإسلاميّ"(2). وقد وصل حبّ أحدهم لها إلى درجة أن قال عنها: "إنّ مجلّة الفتح مقدّسة, لا يمسّها إلّا المطّهرون, لأنّها تنطق عن لسان ربّ العالمين, ولو عرفها النّاس حقّ معرفتها, وقدروها حقّ قدرها, لما خلا منها مكتب عالم, ولا منضدة محام, ولا محفظة تلميذ, ولا خزانة طبيب, ولا ملّف موظف"(3).
__________
(1) ـ المراغي, أبو الوفا, "محب الدّين كما عرفته ", في الأزهر, 41(ذو الحجة 1389/فبراير 1970), 777.
(2) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 1, 260.
(3) ـ الشّيخ بلحاج, قاسم أحمد, "الشّيخ أبو اليقظان ومعالم من جهاده الإسلاميّ", في الموافقات, 5 (محرّم 1417/ 1996), 498. وهذا القول هو نقلٌ لما قاله الشّيخ أبو اليقظان عن مجلّة الفتح.(1/130)
إنّ هذه المجلّة كانت بحقّ مجلّة هامّة, لما فيها من غنى وأصالة وتنوّع, فإذا رحنا نتصفّح المجلد الرّابع منها مثلاً, نجد في مقدّمته قول السّيّد محب الدّين: "هذه خطوة رابعة أخطوها أنا وهذا الجيش البدريّ من إخوان الفتح المنتشرين في أقطار الأرض, من جزائر جاوة وأقصى الهند, إلى سيف البحر من بلاد المغرب الأقصى نقف معاً نجدد العهد على نصرة الحق, ثمّ نترك ما وراء ذلك لصاحب هذا الكون, الفعّال لما يريد"(1). ثمّ نجد في هذا العدد مقالات مهمّة ومتنوّعة, من مثل: "الإسلام في بلاد الصّين بعد الحرب العظمى", ومقال "شيعة الهند والسّنيون", و "مدارس التّبشير في تونس", و"الثّورة في إيران", و"الذّهب الأفغاني", وغير ذلك من المواضيع الكثيرة الّتي تهمّ المسلمين أينما كانوا. لذلك فلا عجب أن كانت هذه الصّحيفة هي صحيفة العالم الإسلاميّ كلّه من أقصاه إلى أقصاه.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإفتتاحيّة", في الفتح, 151 ( 6 محرّم, 1348 / يونيّة 1929), 1.(1/131)
واستمرّت الفتح على هذا الطّريق الّذي رسمه لها منشؤها السّيّد محب الدّين الخطيب, يساعده في ذلك إيمانه بقضايا أمّته, وحماسه الشّديد لنصرة هذه القضايا والدّفاع عنها. وكتب السّيّد محب الدّين عن رسالة الفتح مقالاً جاء فيه: "إنّ الفكرة الّتي تمثّلها الفتح فكرة عظيمة في ذاتها, وهي وليدة الإسلام, فليس لنا ولا لغيرنا فضل في ايجادها وتكوينها, وإنّما الفضل كلّ الفضل هو في الإكثار من العاملين لها, والعارفين بمراميها, والمجاهدين في سبيلها"(1). وقد بيّن أنّ مجموعة من المخلصين قد أعانوه على تحقيق فكرة الفتح واستمرارها, وكان من هؤلاء كتّاب من كلّ بلاد العالم العربيّ والإسلاميّ, "وبواسطة الفتح عرف العالم الإسلاميّ أقلاماً فتيّة, كانت الفتح بالنّسبة لهم مدرسة تخرّجوا منها, كتّاباً يبذلون النّفيس في سبيل الدّفاع عن الإسلام, وحضارته, ومثله العليا"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " رسالة الفتح ", في الفتح, 551 (ربيع الأوّل , 1356), 1 .
(2) ـ الخطيب, عدنان, الشّيخ طاهر الجزائري رائد النّهضة العربيّة في بلاد الشّام, وأعلام من خريجي مدرسته, 49.(1/132)
وتنوّعت جنسيات هؤلاء الكتّاب, فكان هناك كتّاب من مختلف البلاد العربيّة والإسلاميّة, منهم: أمير البيان شكيب أرسلان من لبنان, والشّيخ المناضل ابراهيم أطفيش من الجزائر, والسّيّد أحمد تيمور باشا من العراق, والشّيخ العالم محمّد الخضر الحسين من تونس, والأديب الكبير علي أحمد باكثير من اليمن(1), والشّيخ مسعود غانم النّدوي(2) من الهند, والشّيخ المجاهد محمّد كامل القصّاب من سوريا, والشّاعر الإسلاميّ أحمد محرّم(3)
__________
(1) ـ علي أحمد باكثير, ولد في سوربايا بأندونيسيا, لأبوين يمنيين عام 1910م, وقيل عام 1903م درس في مدرسة النّهضة العلميّة في سيئون, وتعلّم الفقه والأدب والنّحو. أصدر صحيفة التّهذيب, هاجر إلى عدن, ثمّ إلى مصر عام 1934م, والتحق بكليّة الآداب قسم لغة انجليزيّة, وكان من أشدّ أعداء التّغريب, عمل مدرساً للغة الإنجليزيّة, وكتب مسرحيات كثيرة منها مسرحيّة شيلوك الجديد, ومأساة أوديب, وواسلاماه, مات عام 1969م. انظر, البابكري, أبو بكر, علي أحمد باكثير أوّل دعاة الإصلاح في اليمن,صنعاء, إصدارات دائرة الإعلام والثّقافة بالتّجمع اليمني للإصلاح, 2000, 1 ـ 15؛ وفلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره, 2, 61.
(2) ـ مسعود غانم النّدوي, ولد عام 1328 /1910 وتوفّي عام 1373 / 1954, في كراتشي, وهو فاضل من العلماء, من آثاره: نظرة إجماليّة في تاريخ الدّعوة الإسلاميّة في الهند وباكستان, وغيرها؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 12, 232؛ والعقيل,عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, 181.
(3) ـ أحمد محرّم, شاعر مصريّ, تركيّ الأصل أو شركسيّ, ولد في أبيا الحمراء من قرية الدّلنجات بمصر سنة 1294 / 1877, تلقّى مبادئ العلوم وتثقّف على يد أحد الأزهريين, توفّي بدمنهور 1364/1945. من آثاره ديوان مجد الإسلام؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 1, 192؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 294 – 295.(1/133)
من مصر, ومحمّد بهجة الأثري من العراق(1), والأستاذ عجاج نويهض من فلسطين(2), والشّيخ مصطفى السّباعي من سوريا(3), والأستاذ يحيى الدّرديري من مصر(4)
__________
(1) ـ محمّد بهجة الأثري, 1322ـ 1416/ 1904 ـ 1996, كاتب علّامّة. ولد ببغداد, ولازم الشّيخ محمود شكري الآلوسي, كان عضواً في كثير من المجامع اللّغويّة, وله مؤلّفات منها: أعلام العراق, والمجمل في تاريخ الأدب العربيّ, وغيرها؛ انظر, أباظة, نزار, والمالح, محمّد رياض, إتمام الأعلام, دمشق, دار الفكر, بيروت, دار صادر, ط2, 1424/ 2003, 344؛ ومجموعة مؤلّفين, موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين, تونس, المنظمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم, بيروت, دار الجيل, الإشراف العام د. المنجي بو سنينة, 1425/ 2004, 1, 226.
(2) ـ عجاج نويهض, 1315 ـ 1403 /1897 ـ 1982. مؤرّخ سياسيّ صحفيّ أديب, ولد في رأس المتن بلبنان, وحصل على دبلوم الحقوق, عمل في الحركة الوطنيّة, وأسس مجلّة العرب, من مؤلفاته: أبو جعفر المنصور وعروبة لبنان, وبروتوكولات حكماء صهيون, وفتح القدس؛ انظر, أباظة, نزار, ومحمّد رياض المالح, إتمام الأعلام, 276؛ وفلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره, 2, 41.
(3) ـ مصطفى السّباعي, 1333 ـ 1384/1915 ـ 1964. ولد بحمص وتعلّم بها وبالأزهر, فأحرز شهادة دكتور في التّشريع الإسلاميّ وتاريخه, أسس كليّة الشّريعة في دمشق, وكان أميناً عامّاً مراقباً لجمعيّة الإخوان المسلمين في سوريا, من كتبه اشتراكيّة الإسلام, والسّنة ومكانتها في التّشريع الإسلاميّ. أنشأ مجلّة حضارة الإسلام؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, المستدرك على معجم المؤلّفين, بيروت, مؤسسة الرّسالة, 1406/1985, 787؛ والبواب, سليمان سليم, أعلام سورية في القرن العشرين, 2, 417.
(4) ـ يحيى الدّرديري, فاضل مصري من مؤسسي جمعيّة الشّبان المسلمين تولّى رئاسة الاتحاد التّعاونيّ العام, وتوفّي في القاهرة سنة 1375/1956؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 13, 183؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 8, 181.(1/134)
, والسّيّد تقي الدّين الهلالي من المغرب(1), والسّيّد أبي الحسن عليّ الحسنيّ الندويّ من الهند(2), وغيرهم من الكتّاب والشّعراء الّذين أخلصوا للفتح, وأمدّوها بعصارة فكرهم, وأغنوها بمقالاتهم وأشعارهم.
__________
(1) ـ تقي الدّين الهلالي, ولد في قرية الفرخ من بادية سجلماسة في المغرب عام 1311/1893, تلقّى تعليمه على يد المشايخ في فاس والجزائر, سافر إلى القاهرة, والمدينة المنورة, والزبير في العراق, وسويسرا, وألمانيا, والهند, وعمل فيها بالتدريس والإمامة, له مؤلّفات كثيرة منها: الإسفار عن الحق في مسألة السّفور والحجاب, الأنوار المتّبعة في تحقيق سنّة الجمعة, قبسة من أنوار الوحي, وغيرها, توفّي عام 1407 /1987؛ انظر, العقيل, عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, 485؛ وأباظة, نزار, والمالح, محمّد رياض, إتمام الأعلام, 346.
(2) ـ أبو الحسن الندوي, هو علي بن عبد الحي بن فخر الدّين الحسني, ولد عام 1333 / 1914, في قرية تكيّة كلان, في ولاية أترابرديش, في الهند, كان أبوه يلّقب بـ (ابن خلّكان الهند), درس في جامعة لكهنؤ الأدب العربي, وكان أصغر الطلّاب حيث لم يكن عمره قد تجاوز 14 سنة, عمل في التدريس في ندوة العلماء, وأسس حركة رسالة الإنسانيّة, والمجمع الإسلامي العلمي بدار العلوم, وشارك في تأسيس هيئة التعليم الدّيني في أترابرديش, وفي تأسيس المجلس الإستشاري الإسلامي لعموم الهند, وهيئة الأحوال الشّخصيّة لعموم الهند, له مؤلّفات كثيرة, منها, قصص النبيين, وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين, والقادياني والقاديانيّة, وغيرها كثير, توفّي في تكيّة كلان عام 1420/ 1999 انظر, النّدوي, أبو الحسن علي الحسني, مذّكرات سائح في الشّرق العربي, ضبط وتعليق سيّد عبد الماجد الغوري, دمشق, دار ابن كثير, 1422 / 2001, 6 وما بعدها, والتّرجمة من وضع سيّد عبد الماجد الغوري؛ وموقع الندوي, http://nadwi.net.in/a/main.htm(1/135)
وقد زُودت الفتح بأخبار العالم الإسلاميّ من كلّ أنحاء هذا العالم, وكانت "منبراً لقضايا وأخبار دنيا العروبة والإسلام, وكان الخطيب يصدر منها خمسين عدداً في السّنة, أرّخ فيها تاريخ الحركة الفكريّة, والاجتماعيّة, والأدبيّة, والدّينيّة من سنة 1345هـ/ 1926م. غير أنّ الأوضاع الصّحفيّة قد تغيّرت في زمنه, وأصبحت تعبّر عن أغراض خاصّة, بدلاً من الأغراض العامّة, وأصبحت الكتابة تجارة ونهماً, وأصبحت الأقلام تُسخّر لخدمة الجشع الماديّ والإسفاف .
وكان المجلد الثّامن عشر الّذي صدر في ذي الحجة سنة 1367/ 1948, المجلد الأخير من هذه المجلّة, الرّائدة في الدّعوة للإسلام والعروبة"(1). ولم يصدر من المجلد التّاسع عشر إلّا عددان, وذلك بسبب الصّعوبات الكثيرة الّتي ضغطت على صاحب الفتح, واضطرته إلى إيقاف صدورها, ومنها ارتفاع سعر الورق إلى أربعين ضعفاً وانقطاع المواصلات مع أكثر الأقطار الّتي كان للفتح فيها مشتركون وصدور قرار إلغاء الإعلانات القضائيّة, وذلك بسبب الحرب العالميّة(2).
ونقل لنا السّيّد أبو الحسن علي الحسني الندوي, مدى حزن السّيّد محب الدّين بسبب الظروف الّتي اضطرته لإغلاق الفتح, فقال: "اجتمعنا بالأستاذ محب الدّين ......قلت: ما بال الفتح؟, قال: أوقفتها من يوم أصبح حامل المصحف في هذا البلد مجرماً يُفتّش ويُعاقب"(3).
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة,10( 33, 34 / 1989 ),42
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الفتح بين مرحلة ومرحلة", في الفتح, 850( ذو الحجة, 1366), 875 .
(3) ـ النّدوي, أبو الحسن علي الحسني, مذّكرات سائح في الشّرق العربي, 74.(1/136)
وجاءت الأعداد الأخيرة من الفتح خاتمة المسك لعمل عظيم وراق, لم يعرف العالم العربيّ والإسلاميّ له مثيلاً حتّى الآن. فبالرّغم من صدور مجلّات إسلاميّة كثيرة بعد الفتح, إلّا أنّ أيّاً منها لم يحقق ما حققته الفتح من انتشار, ومعالجة لشتّى المواضيع المطروحة في العالم الإسلاميّ, وبطريقة واضحة شاملة استحوذت على إعجاب القرّاء في كلّ مكان.
وأختم هذا العرض بتقديم أبيات من قصيدة نُشرت في الفتح, يبيّن فيها الشّاعر ما لاقاه السّيّد محب الدّين من صعوبات في حياته, ورغم ذلك ظلّ محافظاً على مبادئه, وعاملاً بكلّ ما يستطيع لاستمرار الفتح الّتي كانت سلاحه الّذي تسلّح به لخدمة العروبة والإسلام:
تلك السّنون لقيت من إعناتها ... ما يذهل الآساد عن أجماتها
قد جبتها و(الفتح) في يمناك من ... نورٍ أضأْت بها دجى ليلاتها
أسطارها تغزو النّفوس بلاغةً ... و هدىً وتغزو الغيّ في جنباتها
ألقى عليها الرّشد منه محبّةً ... وظلاله رفّت على صفحاتها
ما ملت للدّنيا وغيرك راصدٌ ... فرص انتهاب المال خوف فواتها
لك يا محب الدّين منه تحيّة ... قد رتَلّت أمجاده آياتها(1)
هـ - المطبعة السّلفيّة ودورها في نشر كتب التّراث:
كانت المطبعة السّلفيّة من أهمّ وأكبر دور النّشر في البلاد العربيّة, وقد أسس السّيّد محب الدّين هذه المطبعة في سنة 1909م. وكانت في البداية مكتبة صغيرة, أسسها مع صديقه عبد الفتاح قتلان, وكان يعمل بها بالإضافة إلى عمله في المؤيّد, ثمّ أغلقها عندما التحق بالشّريف حسين, وعندما عاد مرة أخرى إلى مصر فارّاً من الفرنسيين في دمشق, أعاد افتتاح المكتبة والمطبعة معاً, وذلك بعد عام 1920م(2).
__________
(1) ـ الغزالي, الحسن, " الفتح في نظر أوليائه", في الفتح, 820 (ربيع الأوّل, 1364), 7.
(2) ـ راجع, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 52 .(1/137)
واحتلّت مكانة عظيمة في نفوس المثقّفين في مصر, وأصبحت دار المطبعة السّلفيّة "نبع القلوب الصّادية, تردها من الشّباب فئة قليلةُ الصّبر على ضيم ينزل بالأمّة العربيّة من ظلم الاستعمار"(1).
وكان يتجمّع فيها المثقّفون, ويتناقشون فيما بينهم بأهمّ ما يعرض في السّاحة من أحداث. وقد ذكرنا سابقاً أنّ مولد مجلّة الفتح كان في المطبعة السّلفيّة, بعد اجتماع لعلماء وأدباء مسلمين كبار عُقد في هذه المطبعة. وسنجد أنّ مولد جمعيّة الشّبان المسلمين كان في المطبعة السّلفيّة أيضاً.
فالمطبعة السّلفيّة لم تكن مجرد دار نشر عاديّة, بل يمكن أن نطلق عليها اسم مركز القيادة للحركة الفكريّة في ذلك الوقت, وذلك بسبب نشاط السّيّد محب الدّين, ومكانته العلميّة, واجتماع العلماء والأدباء فيها, فلا نكاد نسمع عن كاتب مهمّ, أو مفكّر عظيم, إلّا وكان له مع المطبعة السّلفيّة ومكتبتها حضور وقصة تُذكر بين ثنايا الكتب المتفرّقة.
__________
(1) ـ الجندي, أنور, أعلام الدّعوة والفكر, القاهرة, مكتبة الأنجلو المصريّة, 1981, 385.(1/138)
قام السّيّد محب الدّين ببناء المطبعة السّلفيّة ومكتبتها, وألحقها مع داره في بناء واحد, فلا يضيّع وقته في التّردد بين المنزل والمكتبة, ويقضي معظم وقته من الصّباح إلى المساء وهو يعمل فيها(1). ويجتمع إليه جلّة من علماء مصر وأدبائها, ومن علماء الأقطار الإسلاميّة الّذين يفدون عليها, منهم أحمد تيمور باشا, ومحمّد الخضر حسين, وغيرهم(2). وظلّ السّيّد محب الدّين متابعاً لعمله في هذه المطبعة, وكان "يشارك عمّاله في عملهم, ويحلّ محلّ من يتأخّر أو يغيب منهم, يعمل أكثر ساعات اليوم, لا يملّ ولا يتأفف, ولا ينام إلّا قبيل الفجر, يحرّر ويؤلّف ويصحّح ويطبع إذا حزب الأمر"(3). واستطاع بهذا الجهد العظيم أن يصل بمطبعته هذه إلى أعلى الدّرجات, فكانت المطبعة السّلفيّة "دار الأمان من الأخطاء [ المطبعيّة ] لأنّ السّيّد محب الدّين كان يصحّح تجارب الطّبع بنفسه"(4).
وأوصى السّيّد محب الدّين قبيل وفاته بأن تبقى المطبعة السّلفيّة ومكتبتها دون تقسيم, حتّى تستمرّ متابعة مشوارها في نشر العلم في كلّ مكان.
__________
(1) ـ المراغي, أبو الوفا, "محب الدّين الخطيب كما عرفته ", في الأزهر, 41 ( ذو الحجّة 1389 / فبراير 1970), 779.
(2) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 7, 131.
(3) ـ الخطيب, عدنان, الشّيخ طاهر الجزائري رائد النّهضة العلميّة في بلاد الشّام وأعلام من خريجي مدرسته, 51.
(4) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 3, 29.(1/139)
لقد كان للمطبعة السّلفيّة دور عظيم في نشر التّراث, فقد نشرت المطبعة السّلفيّة كثيراً من الكتب الهامّة, واهتمّت بصورة خاصّة بنشر كتب التّراث, بعد تحقيقها, وتنقيحها, وعرضها بالصّورة اللّائقة. وجاء في إعلان عنها أنّها تُعنى بصورة خاصّة ببيع ونشر كتب السّلف الصّالح, وبيع وشراء الكتب المخطوطة. وقد صدر عنها كثير من كتب التّراثيّة القيّمة, والّتي نشرتها وعُنيت بها, نذكر من هذه الكتب(1): الأدب المفرد للبخاري, وعلل الحديث لابن أبي حاتم الرّازي, والميسر والقداح, وأدب الكاتب وكلاهما لابن قتيبة, وأيمان العرب في الجاهليّة للنجيرمي, وكتاب الملاحن لابن دريد .
كما "صدر عن المكتبة السّلفيّة الثّلث الأوّل من خزانة الأدب للبغدادي, وظهر هذا الثّلث في أربعة أجزاء,......ومن أوسع ما نشر محب الدّين في مطبعته كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني"(2). وتوفّي السّيّد محب الدّين وهو يعمل في تصحيح وتحقيق العمل الضّخم توضيح الجامع الصّحيح للإمام البخاري. ونشرت المطبعة السّلفيّة أيضاً كتاب الصّاحبي في فقه اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارس, وكذا كتاب الموشّح في مآخذ العلماء للمرزباني(3).
__________
(1) ـ لم أترجم لمؤلفي هذه الكتب التّراثيّة, إلّا لمن وجدت ضرورة لترجمته, لأنّهم لا يدخلون في مجال بحثي.
(2) ـ الطّناحي, محمود محمّد, مدخل إلى تاريخ نشرالتّراث العربيّ, القاهرة, مكتبة الخانجي, 1405 / 1984, 63 ـ 64.
(3) ـ حسنين, أحمد طاهر, دور الشّاميين المهاجرين في مصر في النّهضة الأدبيّة, 250.(1/140)
وهناك أيضاً كتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي, ورحلة الإمام الشّافعي بقلمه, وكتاب العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصّحابة بعد وفاة النّبي - صلى الله عليه وسلم - تأليف أبو بكر بن العربيّ, والإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير وهو من تصنيف أبي محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمذاني. وكتاب اللّمحة البدريّة في الدّولة النّصريّة للسان الدّين بن الخطيب, ومختصر التّحفة الإثنى عشريّة لعبد العزيز غلام حكيم الدّهلوي, وكتاب المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرّفض والاعتزال للحافظ الذّهبي, وهذه الكتب الخمسة الأخيرة هي من تحقيق السّيّد محب الدّين الخطيب.
وكان السّيّد محب الدّين حريصاً على ذكر مخطوطات الكتب الّتي ينشرها, وكان يُعنى بالفهارس الفنيّة الّتي تغني الكتاب المحَقّق, بحيث يعود بالفائدة العظيمة على قارئه.
وكان لمطبعة دار المؤيّد أثر هامّ في توجّه السّيّد محب الدّين للعمل في المطبعة السّلفيّة, واتقان هذا العمل بهذا الشّكل, حيث تعلّم واستفاد من عمله فيها, قبل أن ينشئ مطبعته السّلفيّة, فقد كانت المؤيّد, كما أسلفنا, مدرسة له تعلّم فيها الصّحافة, وتعلّم من مطبعتها العمل في داره السّلفيّة(1).
__________
(1) ـ الطّناحي, محمود محمّد, أوائل المطبوعات العربيّة في مصر, أبو ظبي, منشورات المجمع الثّقافي, 1996, 408.(1/141)
كانت رسالة المطبعة السّلفيّة واضحة, وهي نفض الغبار عن كنوز تاريخنا العربيّ الإسلاميّ, وإخراج هذه الدّرر وعرضها على النّاس, بصورة تُبرز جمالها, وتبعث العزّة في نفوس العرب والمسلمين, لأنّ حضارتهم حضارة عظيمة. يقول السّيّد محب الدّين أنّه قرأ رواية آخر بني سراج(1) من تأليف فيكونت شاتوبريان(2), وترجمة شكيب أرسلان, وكتاب خلاصة تاريخ الأندلس لمؤلّفه شكيب أرسلان, منذ أن كان يدرس في الجامعة, مع صديقه الشّهيد عارف الشّهابي, وقرر أن يقرأ هذين الكتابين على عدد كبير من إخوانه طلبة المدارس العليا, فكان هذان الكتابان, كما يقول: " أحد العوامل الّتي أيقظت فينا عاطفة الإعجاب بسلفنا, والحرمة لماضينا, وكوّنت في أنفسنا عقيدة قوميّة قائمة على أساس الاتصال بين الحاضر والماضي والمستقبل"(3). وهذا ما دفعه إلى الاهتمام بنشر كتب
__________
(1) ـ كتب شاتوبريان رواية آخر بني سراج عام 1826, واسمها بالفرنسيّة Le Dernier d'Aben Serraj, وهي قصة رومانسية تحكي عشق نبيل من نبلاء غرناطة لفتاة أسبانية لا ينالها حتى الموت. انظر, " أوراق غرناطة ", في أخبار اليوم, أخبار الأدب , 389 ( 28 رمضان 1421/ 24 ديسمبر 2000), مأخوذ عن www.akhbarelyom.org.eg
(2) ـ فيكونت دي شاتوبريان, ولد في 1768م بسان مالو, وسط عائلة أرستقراطية, بدأت اهتماماته السياسية تتنامى مع اندلاع الثّورة الفرنسية 1789م, واتّخذ موقفاً معادياً منها. هاجر إلى أمريكا عام 1791م, وفي سنة 1800م عاد لباريس, ومع مطلع سنة 1806م انطلق الى الشرق, من مولّفاته روايات آتالا ورينيه, وآخر بني سراج, ومسرحيّة مأساة موسى, وقد عدّه بعضهم المؤسس الحقيقي للرومانسية الفرنسية؛ انظر, مجموعة مؤلفين, المنجد في الأعلام, 326؛ والمختار, الحسن, "مبدعاً ومتسكّعاً", بيان الثقافة, عن www.alimbaratur.com
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "آخر بني سراج", في الزّهراء, 2(15 محرّم , 1344), 61.(1/142)
التّراث, إيماناً منه أنّ الماضي لا ينفصل عن الحاضر ولا عن المستقبل, بالعكس كلّما كنّا أكثر معرفة واعتزازاً بماضينا, كنّا أقدر على إصلاح حاضرنا والنّهوض بمستقبلنا.
وكانت المطبعة السّلفيّة مهتمّة أيضاً بنشر المفيد من الكتب المعاصرة, وخاصة تلك الّتي تتحدّث عن الأدب والدّين والعلم, والملتزمة بالنّهج الرّاقي, البعيد عن الإسفاف, وإثارة الغرائز. فكانت مبتعدة عن نشر قصص الجريمة, أو الإثارة, أو الشّعر الهابط, أو كتب الطّبخ, وغيرها من الكتب الّتي لا تحمل قيمة, ولا تفيد في نهضة, بل كانت تشجّع كلّ كاتب جادّ له رسالة, ويحمل فكراً, أن يُسهم في نهضة الأمّة العربيّة والإسلاميّة.
وكانت المطبعة السّلفيّة تنشر مجلتي الزّهراء والفتح, ونشرت معهما كتباً كثيرةً, ألّفها أو ترجمها السّيّد محب الدّين الخطيب, مثل كتابه الضّخم الحديقة, الّذي نشره في أربعة عشر جزءاً. وكتاب الدّكتور صلاح الدّين القاسمي, آثاره, الّذي يُعدّ وثيقة تاريخيّة هامّة في عصرنا. ونشرت كتاب مذكّرات غليوم الثّاني, الّذي ترجمه ونقله إلى قرّاء العربيّة, وكتاب مع الرّعيل الأوّل الّذي يتحدّث فيه عن الصّحابة الأوائل, وما يمكن أن نستفيد منهم في حياتنا, وغيرها من الكتب الهامّة الّتي ألّفها أو الّتي ترجمها أو الّتي حقّقها.
وقامت المطبعة السّلفيّة, كما قلنا, بنشر كتب هامّة أيضاً لكتّاب كبار, مثل كتب العالم الفاضل محمّد الخضر الحسين, والّتي نذكر منها الدّعوة إلى الإصلاح, ونقض كتاب في الشّعر الجاهلي, ونقض كتاب الإسلام وأصول الحكم, وكتاب الخطابة عند العرب, وكتاب علماء الإسلام في الأندلس, وكتاب العظمة, وغيرها من كتبه الكثيرة والقيّمة.
ونشرت أيضاً كتب العلّامّة أحمد تيمور, ونذكر منها نظرة تاريخيّة في حدوث المذاهب الأربعة, و رسالة في الطّربوش, وتصحيح أغلاط القاموس المحيط, وغيرها.(1/143)
ونشرت المطبعة السّلفيّة أيضاً كتاباً هامّاً للكاتب الكبير عبد الوهاب خلاف(1), وهو السّياسة الشّرعيّة أو نظام الدّولة الإسلاميّة. وكتب السّيّد محب الدّين مقدّمة له جاء فيها: "إنّ الإسلام عقيدة وعبادة وحكم, لأنّه جاء للناس بسعادتي الدّنيا والآخرة, وقد زخرت المكتبة الإسلاميّة بالمؤلّفات في بيان عقيدة الإسلام, والاحتجاج, والرّدّ على أهل الأهواء, وحفلت بالتّصانيف الفقهيّة, من عبادات ومعاملات. أمّا علاقة الإسلام بنظام الدّولة وأصول الحكم, فقلّما أُفرد بالتّأليف قبل اليوم........, فكان من نتيجة ذلك ظهور هذا الكتاب الفريد في بابه, الّذي نتقدّم به اليوم إلى القرّاء, راجين من اللّه عز وجل أن يكون فيه النّفع والمثوبة, واللّه وليّ التّوفيق"(2).
ونشرت أيضاً كتاباً آخرَ للكاتب عبد الوهاب النّجار(3), وهوكتاب الخلفاء الرّاشدون, وهو أوسع تاريخ عصريّ كُتب في هذا الموضوع.
__________
(1) ـ عبد الوهاب خلّاف, فقيه أصولي من أهل مصر, درس الشّريعة بكليّة الحقوق بجامعة القاهرة, من آثاره مصادر التّشريع فيما لا نص فيه, وعلم أصول الفقه, وغيرها, توفّي سنة 1375/ 1956؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5, 221؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 266.
(2) ـ خلاف, عبد الوهاب, السّياسة الشّرعيّة, القاهرة, المطبعة السّلفيّة,1350, 2.
(3) ـ عبد الوهاب النّجار, عالم أديب مؤرّخ, فقيه مشارك في علوم اللّغة والشّريعة والطّبيعة والكيمياء, ملمّ ببعض اللّغات السّاميّة, ولد في مصر, سنة 1278/1862, وتخرّج بمدرسة دار العلوم, واشتغل بالمحاماة, واشترك في جمعيّة الشّبان المسلمين, من مؤلّفاته قصص الأنبياء, وتاريخ الخلفاء الرّاشدين, وتوفّي سنة 1360/1941؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5, 220؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 263.(1/144)
ونشرت كتاب الحضارة الإسلاميّة والحضارة الأوروبيّة, للشّيخ عبد الباقي سرور نعيم(1). جاء في مقدّمته بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب: "إنّ صديقي المرحوم الشّيخ عبد الباقي سرور نعيم كان من أجود علماء الأزهر تفكيراً,...... وكان كلّما ازداد علماً بمعارف الحكماء ونظريّات الفلاسفة, ازداد مع هذا العلم رسوخاً في احترام الإسلام, ودعوة إلى إحياء تعاليمه,........وإنّي أنشر له هذه الكرّاسة في معنى من المعاني الّتي كان يجول فيها فكره"(2).
__________
(1) ـ عبد الباقي سرور نعيم, كاتب وأديب, ولد في فراقص من قرى دمنهور, وتعلّم بالأزهر, و تولّى تحرير جريدة الأفكار اليوميّة, واشتغل في ميدان الجهاد الوطنيّ والدّينيّ, وصارع الاستعمار, وله مؤلّفات منها كتاب تنزيه القرآن الشّريف عن التّغيير والتّحريف, وكتاب الإسلام ماضيه وحاضره, وغيرها, توفّي سنة 1347/ 1928؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5, 71؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 420؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 290.
(2) ـ سرور نعيم, عبد الباقي, الحضارة الإسلاميّة والحضارة الأوروبيّة, القاهرة, المطبعة السّلفيّة,1350/ 1930, 2, المقدّمة بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب.(1/145)
واهتمّت المطبعة السّلفيّة بنشر الكتب الّتي تفضح مؤامرات المبشّرين وأعمالهم في البلاد الإسلاميّة. وفي هذا المجال نشرت كتاب الغارة على العالم الإسلاميّ لمؤلفه ا.ل.شاتليه, والّذي أحدث ضجّة كبيرة عندما نُشر في المؤيّد وفي الفتح. ونشرت أيضاً كتاب ظاهرة مريبة في سياسة الإستعمار الفرنسي, ليحذّر من أعمال الإستعمار, الّذي يفتح المجال للمبشّرين ليعملوا براحتهم في البلاد الإسلاميّة الّتي تقع تحت سيطرته. وكتب السّيّد محب الدّين مقدّمته قائلاً: "سيرى القارئ في هذه الرّسالة تاريخاً صادقاً لأمور وقعت, وتصريحات ثمينة, تكشف السّتار عن الخطط المرسومة في الظّلام, لأمور أخرى ستقع إن لم نهبّ من نوم طال أمده, ولا عذر لمسلم بعد الآن إذا لم يفهم ما وراء الأكمة"(1).
__________
(1) ـ مكتب الأخبار التّونسيّة, ظاهرة مريبة في سياسة الاستعمار الفرنسي, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1349, 2.(1/146)
وكان من منشورات المطبعة السّلفيّة روايات إسلاميّة اجتماعيّة, لها رسالة في إبراز صورة نضال, أو تنبيه لشرّ وخطر قادم, من ذلك مثلاً رواية قميص من نار لخالدة أديب(1), والّتي ترجمها السّيّد محب الدّين عن التّركيّة. وهي رواية عن مآثر الجهاد الوطنيّ في الأناضول. وقد نشرت أيضاً بعض المذكّرات والتّرجمات لشخصيات إسلاميّة وعالميّة, وجدت فيها ما يخدم سيرتها ومنهجها.
__________
(1) ـ خالدة أديب, وزيرة المعارف في أنقرة، اشتركت في حرب الاستقلال التركية برتبة "ومباشي" ثم "جاووش" وكانت لها إسهامات بين الجنود، كما كانت صديقة شخصية لمصطفى كمال أتاتورك ثمّ أختلفت معه، وعبّرت عن حرب الاستقلال بمفاهيمها في روايتها " قميص من نار" الّتي ألّفتها في عام 1922م. ماتت عام 1964م، وتركت مدرسة أدبية واجتماعية، تمثالها يقوم الآن بجانب جامع أياصوفيا؛ انظر, الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net.qa/ver2/Archive/readart.php?id=11919 ؛ وأديب, خالدة, قميص من نار, ترجمة محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1341, 2.(1/147)
وكان السّيّد محب الدّين يكتب في مقدّمة الكتب الّتي ينشرها, معرّفاً بالكتاب وأهميّته, مشيداً بكاتبه, وفي معظم الأحيان كان يذكر أنّ الهدف من نشر هذا الكتاب أو ذاك هو رفعة العرب والمسلمين, وتنبيههم إلى ما يُحاك ضدّهم وضدّ دينهم, وحثّهم على التّخلّص من ضعفهم, فإنّ " الضّعف إن لم يكن جريمة من الجرائم فهو رذيلة من الرّذائل, وإن لم يكنهما فهو مرض"(1). لذلك يجب على المسلمين التّخلّص من هذا المرض, والتّنبّه لما يعدّه أعداء الإسلام والمسلمين, فمن البلاهة أن يبقى العرب والمسلمون في غفلة عن دخائل ما يُبيّت لقوميّتهم ومليّتهم(2).
بقيت المطبعة السّلفيّة مثابرة, تعمل في نشر كتب التّراث, ونشر كلّ ما يفيد من كتب العلم والأدب, والدّين والسّياسة, بكلّ ما تملك من وسائل كانت متاحة لها. واستمرّت في عملها إلى يومنا هذا, إلّا أنّها تعرّضت لبعض المتاعب, حيث أُغلقت بأمر الشّرطة المصريّة, فانتقلت إلى منطقة صناعيّة بدلاً من مكانها القديم بشارع الفتح بجزيرة الرّوضة في القاهرة. واستمرّت في نشر كتب التّراث, وحدّثت ماكيناتها القديمة. ويقوم اليوم على إدارتها أحفاد السّيّد محب الدّين, يحاولون قدر استطاعتهم المحافظة على رسالة جدّهم التّنويريّة(3).
و ـ الكتب الّتي ألّفها والّتي ترجمها والّتي حقّقها:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, المنتقى من محاضرات جمعيّة الشّبان المسلمين, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1348, 1.
(2) ـ مكتب الأخبار التّونسيّة, ظاهرة مريبة, المقدّمة بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب, 2.
(3) ـ هذه الأخبار من رسالة بعثها إليّ السّيّد لؤي الخطيب, حفيد السّيّد محب الدّين من ابنه قصيّ, وذلك في 10 رمضان 1423هـ الموافق 14 تشرين الثّاني 2002م, ردّاً على رسالة بعثتها له أسأله فيها عن أخبار المطبعة السّلفيّة. انظر الملحق في الصّفحة 357.(1/148)
ترك السّيّد محب الدّين كتباً كثيرة, ومن خلال اشتغاله في المكتبة السّلفيّة, ومتابعة منه لرسالتها, وتحقيقاً لشعارها: (تقديم كلّ ما يطلب منها من كتب الدّين, والعلم والأدب, والتّاريخ والاجتماع, وعنايتها الخاصّة بنشر كتب السّلف الصّالح), فقد قدّم السّيّد محب الدّين خلاصة فكره في هذه الموضوعات, في الكتب الّتي ألّفها, والّتي ترجمها, والّتي حقّقها, ومن أهمّ الكتب الّتي ألّفها نذكر:
1 ـ كتاب الحديقة: ويقع في أربعة عشر جزءاً, وجاء في وصفه: " أنّه مجموعة أدب بارع, وحكمة بليغة, وتهذيب قوميّ ". وكتب السّيّد محب الدّين في مقدّمته قائلاً: " كثيراً ما تمرّ بي وأنا أطالع صحيفة سيّارة, أو كتاباً لم يعمّ انتشاره في أيدي جماهير الأمّة, قطعة جليلة من شعر متخيّر, أو جملة بديعة من نثر مصطفى, أو كلمة ذات روعة من حكمة جرت بها حقائق الحياة على لسان الرّجل البليغ, فأتمنّى لو يكون ذلك مجموعاً في كتاب, قريب التّناول, سهل المأخذ, صالح لطبقات الجمهور, من رجال الأعمال, وطلاّب المدارس, وربّات الخدور, فيستلطفه طالب النّزهة في نزهته, والمسافر في رحلته, والفتاة في مدرستها وفي منزلها, ويكون مع ذلك عوناً للنّهضة القوميّة الحاضرة, على تهذيب النّفس الفرديّة, والنّفس الاجتماعيّة. ولمّا صحّت عزيمتي على تحقيق هذه الأمنية, جعلت أراقب الصّحف والكتب الّتي أطالعها, فأنتقي منها خيارها, وأصطفي كلّ ما توفرت فيه المزايا الّتي أشرت إليها"(1).
وانتقى السّيّد محب الدّين ما وجده مناسباً لوضعه في هذه الحديقة, من مقالات وأشعار وأمثال وحكم, لكثير من الكتّاب والشّعراء والأدباء. وطُبع في أجزاء من القطع الصّغير ليسهل على القارئ حمله, والمطالعة فيه. ووصف أحد الشّعراء هذا الكتاب بقوله :
أهديتني ثمر الحديقة ولقد حرصت بأن أذوقه
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الحديقة, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1341, 1, 2 .(1/149)
فإذا هو السّحر الحلال يشيع في نفسي المشوقة
أغصانه متهدلاتٌ أوشكتْ أن لا تطيقه
فاعجب له قد صار قبل قطافه خمراً عتيقه
لا غول فيها بل رشادٌ تستقيم به الطّريقة (1)
2 ـ ومن كتبه أيضاً كتاب مع الرّعيل الأوّل. وهو كتاب ألّفه ليذكر فيه بعضاً من الصّور الّتي التقطها من حياة الرّسول - صلى الله عليه وسلم - والصّحابة الأوائل رضوان اللّه عليهم. وذكر فيه كيف كان يحلم هو وأصدقاؤه بتكوين ناد للكُمُلة, أي الّذين يكتملون بأخلاقهم من خلال التّربية والتّعليم والتّدريب "وبذلك يكون لأبناء الجيل طبقة من المعاصرين الممتازين, الّذين يمثّلون الإنسانيّة المنشودة بأعلى كمالاتها"(2). لذلك فقد عرض في هذا الكتاب مجموعة من الصّور الحيّة, الّتي تجسّد أخلاق وصفات الرّعيل الأوّل من الصّحابة, الّذين استطاعوا بأخلاقهم وعبادتهم الحقّة لله عزّ وجلّ أن يرتقوا ليبنوا حضارة عظيمة, سادت العالم كلّه. والّذين يمثّلون القدوة العليا, الّتي يجب على الجيل المعاصر أن يقتدي بها, ليصل إلى ما وصلوا إليه من رقيّ وحضارة.
__________
(1) ـ عرنوس, محمّد صادق, "الحديقة", في الفتح, 157(صفر , 1348 / يولية , 1929), 5.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, مع الرّعيل الأوّل, بيروت, دار الكتب العلميّة, 1409 / 1988, 30.(1/150)
3 ـ تاريخ مجيد ينتظر من يكتبه: وقد جاء في هذا الكتيّب قول السّيّد محب الدّين: "إنّ تاريخ الأمّة هو الأمّة, وكلّ جيل من أجيالها حلقة من حلقاتها الممتدّة بين الأزل والأبد, والجيل المعاصر إحدى هذه الحلقات, وسيكون له تاريخ, وسيكون تاريخه فصلاً من تاريخ أمّته, وسيكون من تاريخه علمه بتاريخ أمّته, ووفاؤه لها وجهله به وبغيه عليها"(1). فالسّيّد محب الدّين يدعو في هذا الكتيّب إلى الاستفادة من الماضي ومعرفة التّاريخ العربيّ الإسلاميّ المجيد, لنستطيع بناء حاضر جديد, فيه العزّة والرّفعة والتّقدّم المنشود.
يقع هذا الكتيّب والكتيّب الآخر محمّد بن القاسم الثّقفي(2) ضمن سلسلة كانت تصدر خصّيصاً لطلّاب الجامعة, لتكون لهم زاداً في طريقهم, لأنّ الرّجوع إلى التّاريخ المجيد, والتّراث الخالد والإقتداء به, سيعيد العزّة لأبناء الجيل الحاضر, كما كانت لأبناء الجيل الماضي.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, تاريخ مجيد ينتظر من يكتبه, دمشق, لجنة مسجد جامعة دمشق, قسم النّشر 61 (شعبان, 1383), 6.
(2) ـ محمّد بن القاسم الثّقفي, ابن عم الحجّاج بن يوسف الثّقفي, الّذي اختاره لقيادة جيش الفتوحات المتّجه إلى الهند, وكان عمره ستة عشر سنة وذلك سنة 89 هـ, واستطاع أن يفتح الثّغور ويصبح والياً على السّند. وعندما تولّى سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة 96هـ عزل محمّد ابن القاسم عن الولاية, وحُمل إليه مقيّداً ونكّل به؛ انظر, ابن عساكر, علي بن الحسن بن هبة الله (499– 571/1150ـ 1221) تاريخ مدينة دمشق, تحقيق علي شيري, دمشق, دار الفكر, 1415هـ, 65, 164؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 333.(1/151)
وتحدّث السّيّد محب الدّين عن محمّد بن القاسم قائلاً: " إنّي إذا ذكّرت قرّاء العربيّة بمحمّد بن القاسم, لا أذكّرهم ببطل تسنّم ذروة البطولة وهو في ميعة الصّبا, ولكنّي أذكّرهم بحامل رسالة الإسلام إلى الهند"(1) حتّى يكون قدوة لغيره من الشّباب المسلم في كلّ مكان وزمان, والّذين يُطالَبون بكلّ وقت بأن ينشروا رسالة الإسلام في كلّ بقاع الأرض, وذلك بسلوكهم وعلمهم وعملهم.
4 ـ واهتمّ السّيّد محب الدّين بالفِرق والمذاهب, الحديثة والقديمة, والّتي كان يحسّ أنّ فيما تحمله من أفكار, وتدعو إليه من أمور, ما يُلحق الضّرر بعقيدة المسلمين, وما يريده أعداء الدّين لهذا الدّين من شرّ وانحراف. وله في هذا المجال كتب ألّفها يوضّح فيها هذه الأفكار, ويشرحها, وينبّه إلى ما تحمله من ضرر يلحق بالمسلمين ودينهم. من هذه الكتب دراسات عن البهائيّة والبابيّة, الّذي قال في مقدّمته: "هذه صورة جامعة وجيزة للبهائيّة, وما تقدّمها قبلها من مساعي الكيد للدّين الإسلاميّ ابتغاء تغييره, وتحويل أهله عنه. وأظنّ أنّ فيما أوردته, ما يكفي للحكم على هذه الضّلالة بما تستحقّه, هي والّذين سعوا لها"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, محمّد بن القاسم الثّقفي, 31.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, دراسات عن البهائيّة والبابيّة, بيروت, المكتب الإسلاميّ, 1391, 40.(1/152)
5 ـ ومن كتبه كتاب الخطوط العريضة للأسس الّتي قام عليها دين الشّيعة. وفيه يقول: "التّقريب بين المسلمين في تفكيرهم واقتناعاتهم واتّجاهاتهم وأهدافهم, من أعظم مقاصد الإسلام, ومن أهمّ وسائل القوّة والنّهوض والإصلاح,......وقد كثُر الحديث في السّنوات الأخيرة عن هذه الدّعوة, ثمّ تطور التّأثّر به وبها حتّى بلغ الأزهر,......فخرج الأزهر عن ذلك النّطاق, إلى رغبته في التّعرّف على المذاهب الأخرى, وفي طليعتها مذهب الشّيعة الإماميّة الأثني عشريّة,.....لذلك كان هذا الموضوع الخطير جديراً بالبحث والدّراسة, والعرض على كلّ مسلم له إلمام به"(1). وفي هذا الكتاب عرض السّيّد محب الدّين لمذهب الشّيعة الإثني عشريّة, معرّفاً بهم, ومنتقداً لبعض أفكارهم.
وقام بعض علماء الشّيعة بالرّدّ على هذا الكتاب, وما جاء فيه, فقال أحدهم: "يظهر أنّ معقوليّة الأستاذ محب الدّين الخطيب ضيّقة جدّاً, فهو يستنكر إدخال الفقه الجعفري في دراسات الأزهر كنمط من دراسات الفقه الإسلاميّ, بينما أخذت الجامعات والكليّات في العصر الحاضر, تشكّل لجاناً خاصّةً لدراسة القوانين الرّومانيّة واليونانيّة والفارسيّة والهنديّة, لتستفيد من دراستها علماً وثقافة واطّلاعاً, وتناظر بينها وبين القوانين الحاضرة, وقد تأخذ الأصلح من هذه الدّراسات. فما الّذي يمنع الأزهر الشّريف, وهو كجامعة عالميّة, أن يُدخل الفقه الجعفري الّذي عُرف بمادته وغزارته وحسن تبويبه في دراساته؟"(2). وقد سار الرّدّ على هذا المنوال, حيث قام كاتبه بعرض كتاب السّيّد محب الدّين, والرّدّ على ما جاء فيه من أقوال تخصّ الشّيعة ومذهبهم.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الخطوط العريضة للأسس العريضة الّتي قام عليها دين الشّيعة, د.م, د.ن, ط10, 1410, 5.
(2) ـ الخاقاني, أحمد, مع الخطيب في خطوطه العريضة, قُم, مركز الأبحاث العقائديّة, 25 /12/ 1389هـ, 26.(1/153)
6 ـ وله أيضاً في هذا الموضوع تحقيق لكتاب مختصر التّحفة الأثني عشريّة, لمؤلّفه عبد العزيز غلام حكيم الدّهلوي(1), الّذي ذكر في مقدّمة مؤلَّفه أنّ هذا الكتاب هو: "رسالة في كشف حال الشّيعة, وبيان أصول مذهبهم ومآخذه, وطريق دعوتهم الآخرين إلى مذهبهم. وفي بيان أسلافهم ورواة أخبارهم وأحاديثهم, وبيان قليل من عقائدهم في الإلهيات, والنّبوات, والإمامة, والمعاد"(2).
__________
(1) ـ عبد العزيز غلام حكيم الدّهلوي, من محدّثي الهند المشهورين, وكان لكتابه التّحفة أثر كبير حين صنّفه, وقد صنّف الشّيعة في الرّد عليه كتباً كثيرة جداً, وكان ذلك في بداية القرن الثّالث عشر الهجري, من هذه الكتب الّتي أُلّفت للردّ على التّحفة كتاب صوارم الإلهيات من التّحفة, وحسام الإسلام في الرّد على باب النّبوات منها, وهما للسّيّد دلدار علي بن محمّد, وغيرها كثير جداً؛ انظر, الحسني, عبد الحي, الثّقافة الإسلاميّة في الهند, دمشق, مجمع اللّغة العربيّة, ط 2, 1403 / 1983, 219.
(2) ـ الدّهلوي,عبد العزيز غلام حكيم, مختصر التّحفة الأثني عشريّة, ترجمة محمّد بن محي الدّين الأسلمي, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1373, 2.(1/154)
7 ـ وللسّيّد محب الدّين أيضاً كتاب عن الفرق والمذاهب, هو كتاب من الإسلام إلى الإيمان, والّذي يعرض فيه بعض الحقائق عن الفرقة التّيجانيّة(1). وفي هذا الباب أيضاً قام السّيّد محب الدّين بتحقيق كتاب المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرّفض والاعتزال, وهو للحافظ الذّهبي.
8 ـ ومن كتبه أيضاً كتابه الزّهراء دار الخلافة الأمويّة بالأندلس وهو كتاب تاريخيّ يصف فيه مدينة الزّهراء الأندلسيّة. وجاء في مقدّمته: " في هذه الرّسالة وصف تاريخيّ لذلك الأثر العمراني العظيم, ولمعة من جلال ما كانت عليه الدّولة العربيّة لذلك العهد, وقد أردت بنشرها في أيدي النّاشئة العربيّة والإسلاميّة, أن يتعرّف شبابنا حقيقة الزّهراء, الّتي ينقّب الإسبانيون عن آثارها هذه الأيام"(2).
9 ـ ومن كتبه أيضاً كتاب الأزهر ماضيه وحاضره, يتحدّث فيه عن الأزهر ذلك المعلَم الإسلاميّ الكبير, ويصفه, ويتحدّث عن تاريخه, وتاريخ بنائه, وعن حاضره, وما يرجو له من الخير.
__________
(1) ـ التّيجانيّة, وتنسب لأحمد بن محمد بن مختار التيجاني، ولد سنة 1150هـ بقرية بني تيجين من قرى البربر، ومن مزاعمه أنّه خاتم الأولياء فلا ولي بعده، وأنّه الغوث الأكبر، وأنّ أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلّا بواسطته، وأنّه وأتباعه أوّل من يدخلون الجنة، وأنّ الله أعطاه ذكراً يسمى "صلاة الفاتح" وأنّ هذا الذكر يفضل كلّ ذكر على وجه الأرض ستين ألف مرّة، وأنّ أتباعه يدخلون الجنّة بلا عذاب ولا حساب مهما عملوا من المعاصي؛ انظر, الشّبكة الإسلاميّة, مقالات, الصّوفيّة, 3/8/2004م, www.islamweb.net
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, الزّهراء دار الخلافة الأمويّة بالأندلس, القاهرة, المطبعة السّلفيّة,1343, 2(1/155)
10 ـ ولمّا كان السّيّد محب الدّين يتقن اللّغة التّركيّة, فقد قام بترجمة بعض الكتب عن تلك اللّغة وعرضها على قراء العربيّة, من هذه الكتب كتاب مذكّرات غليوم الثّاني, الّذي قام بترجمته مع صديقه الأستاذ أسعد داغر(1), حيث ترجمه عن التّركيّة, وأسعد داغر قام بترجمته عن الفرنسيّة, وقابلا التّرجمتين, وقارنا بينهما, ثمّ أخرجا هذه المذكرات لقرّاء العربيّة(2). وقد جاء في وصف هذا الكتاب أنّه: "من أصدق الأمثلة على كلمة الأقدمين المشهورة, كلام الملوك ملوك الكلام, لأنّ الإمبراطور غليوم الثّاني(3) الّذي قاد أعظم جيش عرفه التّاريخ, وشهد أدهش حادث وقع في التّاريخ, أراد بعد الحرب العظمى أن يقول كلمته في أعظم ما وقع له من الوقائع السّياسيّة والحربيّة في ألمانيا, وكيف كانت تتقدّم في مضمار القوّة زمن إمبراطوريّته"(4).
__________
(1) ـ أسعد داغر, 1303 ـ 1378/1886 ـ 1958, كاتب صحفيّ من طلائع النّهضة القوميّة العربيّة ومن مجيدي التّرجمة عن الفرنسيّة, من أهل تنّورين في لبنان. درس الحقوق في الأستانة, وهاجر إلى مصر, وعمل في المقطّم والأهرام, وأصدر جريدة القاهرة, له كتاب مذكّراتي على هامش القضيّة العربيّة, وحضارة العرب, وغيرها؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 301؛ و كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 2, 118.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, وداغر, أسعد, مذكّرات غليوم الثّاني, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1341, 2.
(3) ـ غليوم الثّاني, أو وليم إمبراطور ألمانيا, تولّى الحكم سنة 1888م, وعُزل سنة 1918م؛ انظر, المصدر نفسه, 2.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, "باب النّشر", في الزّهراء, 1(15 محرّم, 1343), 62.(1/156)
11 ـ وترجم أيضاً كتاب أسباب هزيمة الجيش العثمّاني والأرنؤوط, لمؤلّفه أحمد حمدي, وهو من قوّاد الجيش العثمّاني. وفي هذا الكتاب يبيّن الكاتب أسباب هزيمة التّرك في حروبهم, ويبيّن أنّ السّبب في ذلك هم أصحاب جمعيّة الاتحاد والتّرقّي وتصرّفاتهم المشينة, بالإضافة إلى أنّ السّبب الأساسيّ هو فقدان "الوحدة الفكريّة في الجيش, وأنّ جيشاً غير متّحد اتّحاداً فكريّاً لا يمكن أن يكون بينه وبين عصابات اللّصوص فرق أبداً"(1). ويعرض الكتاب لبعض القصص الّتي تؤكّد هذه المقولة, وتبيّن التّصرفات الّتي قام بها أعضاء جمعيّة الاتحاد والتّرقّي, والّتي كان لها أكبر الأثر في هزيمة الجيش العثمّاني.
12 ـ وقام السّيّد محب الدّين أيضاً بترجمة روايّة قميص من نار, لمؤلّفتها خالدة أديب, والّتي كانت تشغل منصب وزيرة المعارف في أنقرة في ذلك الوقت, وهذه الرّواية رواية اجتماعيّة, وهي " تمثال علويّ نصبته السّيّدة خالدة أديب في ميدان الأدب, ليكون ذكرى خالدة لشهداء الأناضول وغزاته"(2), وهي رواية تتحدّث عن مآثر الجهاد الوطنّي في الأناضول.
__________
(1) ـ حمدي, أحمد, أسباب هزيمة الجيش العثمّاني والأرناؤوط, ترجمة محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1329, 3.
(2) ـ أديب, خالدة, قميص من نار, ترجمة محب الدّين الخطيب, المقدّمة.(1/157)
13 ـ وهناك نوع آخر من الكتب الّتي قام السّيّد محب الدّين بجمع موادها, أو ساعد في ذلك ونشرها على قرّائه, وكانت تحمل سيرة رجل مهمّ من رجالات الأمّة العربيّة, منها كتاب جعفر العسكري موجز عن حياته(1). يقول السّيّد محب الدّين في مقدّمته: "الأمّة برجالها, هذه قضيّة مجمع على صحّتها,....وكلّما كانت الأمّة غنيّة بعدد رجالها الّذين عاركوا الدّهر وعاركهم, واختبروه فازدادت بذلك معارفهم, ونمت مداركهم, كان ذلك من سعادة الأمّة الّتي ينتمون إليها, ومن أسباب ارتقائها في معارج القوّة والعظمة,..........إنّ جعفر العسكري, رحمه اللّه, عاش للعروبة والعراق,.......ومن حقّ العروبة على رجالها أن يعرفوا لهذا الرّجل النّابغة القدير مكانته, وأن يعرّفوا الأجيال الآتية بها"(2).
14 ـ وقام السّيّد محب الدّين أيضاً بالمساعدة في جمع مواد كتاب عن صديقه صلاح الدّين القاسمي وهو كتاب صلاح الدّين القاسمي صفحات من تاريخ النّهضة العربيّة في أوائل القرن العشرين, وقدّم له, وحقّقه, ونشره في مطبعته السّلفيّة سنة 1959م.
__________
(1) ـ جعفر العسكري, قائد وسياسيّ عراقيّ, ولد ببغداد سنة 1302/ 1885, وتخرّج بالمدرسة الحربيّة في الأستانة ثمّ ببرلين, حارب مع التّرك, وكان وزيراً للدّفاع في أوّل حكومة وطنيّة في العراق, وولي رئاسة الوزراء, قُتل على يد بعض الضّباط سنة 1936م؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 2, 130؛ ورمضان, محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات 1315- 1424/1897- 2003, 1, 150.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, جعفر العسكري موجز عن حياته, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1355/ 1936, المقدّمة.(1/158)
15 ـ ويعتبر السّيّد محب الدّين الخطيب من الكتّاب المحقّقين الكبار, الّذين أغنوا المكتبة العربيّة بتحقيقاتهم لكتب هامّة من كتب التّراث العربيّ, وكان له الفضل في إظهار كثير من الكنوز الّتي كانت مخبّأة في أركان المكتبات المظلمة. من هذه الكتب كتاب العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربيّ, وهو كتاب يبيّن فيه مؤلّفه مواقف الصّحابة بعد وفاة النّبي - صلى الله عليه وسلم -, ويردّ على من ينتقص من قيمة الصّحابة, وقد أكّد السّيّد محب الدّين أنّه أراد بتحقيقه لهذا الكتاب أن يردّ على من يرددون " خلافات عفى عليها الزّمن, والصّحابة كانوا أسمى أخلاقاً, وأصدق إخلاصاً لله, وترفّعاً عن خسائس الدّنيا, من أن يختلفوا للدّنيا, لكن كان في عصرهم من الأيدي الخبيثة الّتي عملت على إيجاد الخلاف وتوسيعه, مثل الأيدي الخبيثة الّتي جاءت فيما بعد فصوّرت الوقائع بغير صورتها"(1).
وأورد أحد الكتّاب أنّ السّيّد محب الدّين لم ينشر الكتاب كاملاً, إنّما نشر قسماً منه, وهو مبحث الصّحابة سنة 1954م, وحَسِب النّاس أنّ هذا القسم هو الكتاب بتمامه(2). وكان الكتاب قد نُشر قبل ذلك في جزأين عام 1927م, ونُشر مرة أخرى بعد ذلك في عام 1974م(3).
__________
(1) ـ ابن العربي, أبو بكر, العواصم من القواصم, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1371, 7.
(2) ـ قال هذا الكلام شعيب أرناؤوط ومحمّد نعيم العرقسوسي, في تحقيق كتاب سير أعلام النبلاء؛ انظر, الذّهبي (-748 / 1374), سير أعلام النّبلاء, تحقيق شعيب أرناؤوط, ومحمّد نعيم العرقسوسي, بيروت, مؤسسة الرّسالة, ط9, 20, 200.
(3) ـ المصدر نفسه, 20, 200. وكانت الطّبعة الأولى بتحقيق الشّيخ عبد الحميد بن باديس, والأخيرة بتحقيق عمار طالبي.(1/159)
16 ـ ومن الكتب الّتي حقّقها أيضاً, الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير, لأبي محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمذاني, ويبيّن السّيّد محب الدّين في مقدّمة هذا الكتاب أنّه أحبّ التّراث العربيّ منذ الصّغر, وقد أدخل الشّيخ طاهر الجزائري هذا الحبّ إلى نفسه, وآمن بضرورة الكشف عن هذا التّراث, ونشر ما يمكن نشره منه, لأنّه لن تكون للعرب والمسلمين حضارة ما لم يستفيدوا من هذا التّراث, الّذي يبعث في نفوسهم العزّة والكرامة. لذلك فقد عاش "مسروراً بعمل كلّ عامل في دنيا العروبة وعالم الإسلام وبيئات الشّرقيين والمستشرقين لبعث حيويّة تلك الأجيال"(1).
17 ـ ومن الكتب الّتي حقّقها أيضاً كتاب الميسر والقداح لأبي محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة. وقد اختار هذا الكتاب لأنّ تاريخ القداح والميسر جزء من تاريخ العرب الاجتماعي قبل الإسلام, ونحن اليوم في حاجة إلى نشر كلّ ما تصل إليه أيدينا من الكتب عن ماضي أمّتنا(2). وقد تولّى السّيّد محب الدّين تحقيق هذا الكتاب, وعارض ما فيه من النّصوص بمظانّها من كتب اللّغة والأدب, وفسّر ما يحتاج إلى تفسير, ووضع ترجمة واسعة لابن قتيبة, ثمّ ذكر مؤلّفاته, وبيّن مكان وجودها, وما هو مطبوع منها, ووضع الفهارس المنوّعة لهذا الكتاب(3).
18 ـ وقام السّيّد محب الدّين بتحقيق كتاب ضخم هو كتاب الجامع الصّحيح المسند من حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -, لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري.
__________
(1) ـ الهمذاني, أبو محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب, الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير, تحقيق محب الدّين الخطيب, د.م, الدّار اليمنيّة للنشر والتّوزيع, 1407/1987, 10.
(2) ـ ابن قتيبة,عبد الله (-286 / 899 ), الميسر والقداح, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1342, 1.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "باب النّشر", في الزّهراء, 1(المحرّم , 1343), 62.(1/160)
19 ـ وقام أيضاً بتحقيق كتاب أسباب حدوث الحروف, وهو من تصنيف ابن سينا, وقد قام بنسخه, وتصحيحه, وطبعه في مطبعته.
20 ـ وقد قام بتصحيح وإخراج كتاب مجموعة التّوحيد النّجديّة, وكتاب الوهّاب فيه الكلمات النّافعة في المكفّرات الواقعة, لمؤلّفه عبد اللّه بن محمّد بن عبد الوهاب, وهما كتابان يبحثان في عقيدة المسلم.
21 ـ ومن الكتب الّتي قام بتحقيقها أيضاً كتاب هدي السّاري مقدّمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري, لابن حجر العسقلاني.(1/161)
22 ـ ومن أوسع ما نشر السّيّد محب الدّين الخطيب كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني الّذي طُبع من قبل بمطبعة بولاق(1). وصدرت هذه الطّبعة السّلفيّة بمقدّمة للشّيخ عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز(2) في شهر شعبان سنة 1379هـ, وذكر أنّه قابل المجلد الأوّل من هذا الكتاب على الطّبعة الأميريّة, وعلى نسختين خطّيتين, ثمّ علّق على ما وجده من أخطاء للشّارح, لا يحسن السّكوت عنها(3).
__________
(1) ـ مطبعة بولاق, أنشأها محمّد علي باشا, وذلك سنة 1819م أو1821م, وتمثّل هذه المطبعة الباب الواسع الّذي دخل منه العرب إلى النّهضة الحديثة؛ انظر, الطّناحي, محمود محمّد, أوائل المطبوعات العربيّة في مصر, 357.
(2) ـ عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز, ولد في المملكة العربيّة السّعوديّة عام 1330/1912, تلقّى العلوم الشّرعيّة والعربيّة على أيدي كبار العلماء والمشايخ, وعمل قاضياً في الخرج, ثمّ مدرّساً للتّوحيد والفقه والحديث في المعهد العلمي, ثمّ في كليّة الشّريعة في الرّياض, وأصبح نائباً لرئيس الجامعة الإسلاميّة في المدينة, وأصبح مفتياً عامّاً للبلاد. رئس العديد من الهيئات الإسلاميّة, من مؤلّفاته: الفوائد الجليلة في المباحث الفرضيّة, ونقد القوميّة العربيّة, وغيرها كثير؛ انظر, أباظة, نزار, والمالح, محمّد رياض, إتمام الأعلام, 239؛ ورمضان, محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات 1315- 1424/ 1897- 2003, 1, 357.
(3) ـ الطّناحي, محمود محمّد, مدخل إلى تاريخ نشر التّراث العربيّ, 64.(1/162)
23 ـ ومن الكتب الّتي حقّقها كتاب اللّمحة البدريّة في الدّولة النّصريّة, للسان الدّين ابن الخطيب, وهو " كتاب في تاريخ بني الأحمر آخر دول العرب في الأندلس,.......وهو من أجود ما كتبه المسلمون في التّاريخ, لتوخّي مؤلّفه الصّدق فيما روى, وبُعد نظره في درك الحقائق, ولطف إشارته إلى ما يحسن بمثله ألّا يُسرف في التّصريح به, ( وذلك لأنّ لسان الدّين ابن الخطيب كان وزيراً لبني الأحمر, ومعاصراً للأحداث الّتي تحدّث عنها )"(1).
24 ـ وحقّق السّيّد محب الدّين الخطيب كتاب أربعون حديثاً رواية شيخ الإسلام ابن تيميّة, للشّيخ ابن تيميّة.
25 ـ وهناك أيضاً كتاب آخر قام بتحقيقه السّيّد محب الدّين هو كتاب أيمان العرب في الجاهليّة, لأبي إسحاق إبراهيم بن عبد اللّه النّجيرمي.
__________
(1) ـ ابن الخطيب, لسان الدّين (-776 / 1402), اللّمحة البدريّة في الدّولة النّصريّة, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1347, المقدّمة بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب.(1/163)
26 ـ وقام بتحقيق كتاب نبذة عن آخر حياة شيخ الإسلام ابن تيميّة, لمؤلّفه ابراهيم بن أحمد الفيّاني, خادم ابن تيميّة(1). وكان السّيّد محب الدّين قد عثر على هذا الكتاب في دار المكتبة الظاهريّة, عندما كان يعمل بها مكان والده, وقد احتفظ بما كتب سنوات طويلة, ثمّ نشره فيما بعد. وتحدّث عن عمله في تحقيق الكتاب في المقدّمة, فقال: "في جمادى الأولى من سنة 1321، وكنت يافعاً, أتطلّع إلى علم السّلف بلهفة الناشئ المتزوّد، عثرت في المجلّد الحادي والأربعين من (الكواكب الدراري)(2) على مذكّرات لشاهد عيان, ألمّت بنواحي من حياة شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله لا يغني عنها ما كتبها الكاتبون, وألّفه المؤرّخون في ترجمته ..... وقد علّقت على مواضع من هذه المذكّرات بما يزيدها وضوحاً, ولا سيّما في تعيين أوقات الحوادث وتسمية أيّامها، مقتبساً ذلك مما كتبه أبو عبد الله محمّد بن عبد الهادي المقدسي (704-744) في العقود الدريّة, وما نقله عن العالم المؤرّخ علم الدّين القاسم بن محمّد البرزّالي الأشبيلي (665-739), والحافظ شمس الدّين أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( 673 – 748), وغيرهما من أعلام ذلك العصر....وكان يجب أن أنشر هذه الرسالة قبل عشرات السنين، ولكنّ نسختها التي كتبتها بخطّي في طفولتي لم تقع في يديّ إلى الآن, فحمدت الله على وجودها، فبادرت بنشرها وإحيائها
__________
(1) ـ الفيّاني, ابراهيم بن أحمد, نبذة عن آخر حياة شيخ الإسلام ابن تيميّة, تحقيق محب الدّين الخطيب, طبعة أنصار المهدي, عن موقع أنصار المهدي www.almahdy.net
(2) ـ كتاب الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري, لمؤلّفه ابن عروة الحنبلي الدّمشقي, يقع في مئة وخمسين مجلّداً كبيراً, يوجد منها في المكتبة الظاهريّة سبع وأربعين مجلّداً فقط, كما ذكر ذلك السّيّد محب الدّين في مقدّمة كتاب نبذة عن آخر حياة شيخ الإسلام ابن تيميّة, 2.(1/164)
لما أرجوه من فوائدها العلميّة والتاريخيّة، والله الموفق"(1).
27 ـ وقام السّيّد محب الدّين بتحقيق كتاب خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق 1188 ـ 1242. وهو اختصار لكتاب مطالع السّعود بطيب أخبار الوالي داود, لؤلفه عثمان بن سند البصري(2), وقام باختصاره الشّيخ أمين الحلواني(3). وكتب مقدّمة هذا الكتاب وجاء فيها: " حاول كاتب هذه السّطور أن يخدم الكتاب على قدر ما يستطيعه ناشر بعيد عن آفاق العراق, فعلّقت عليه ما تيسّر لي وأردفت هذا التّصدير بترجمة مستفيضة لابن سند بقلم صديقي العالم الكبير محمّد بهجة الأثري,.......أمّا ترجمة الشّيخ أمين الحلواني فقد استنبطّت بعضها من تعليقاته في هذا الكتاب, واقتطفت بعضاً آخر من الكتب الّتي نشرها واقتنيتها في خزانة كتبي .......وإني
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة نبذة عن آخر حياة شيخ الإسلام ابن تيميّة, 2.
(2) ـ عثمّان بن سند البصري الوائلي, مؤرخٌ أديب ولد بنجد سنة 1180/ 1766, وسكن البصرة, وتوفّي في بغداد سنة 1242/ 1826, من مؤلّفاته الغرر في وجوه القرن الثّامن عشر, ومنظم الجوهر في مدائح حمير؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 206؛ والمبارك, محمّد بن حسن, "الشيخ عثمان بن سند البصري الوائلي مؤرّخ الخليج العربي" في الجزيرة, 10419( الأحد 14 محرّم 1422/ 8 نيسان 2001), صفحة ورّاق الجزيرة, عن موقعwww.suhuf.net.sa/2001jaz/apr/8/wo5.ht
(3) ـ أمين الحلواني, كان مدرّساً في الحرم النّبوي, وله اشتغال بعلم الفلك, وعكف على الأدب, وكان يحتفظ بمخطوطات نفيسة, ونشر رسائل من تأليفه منها الهذيان في تاريخ جرجي زيدان, والسّيول المغرقة على الصّواعق المحرقة, وغيرها, قتل في بادية طرابلس سنة 1316 ـ 1898؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, من مقدّمة كتاب خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق 1188 _ 1242, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1371؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 2, 15.(1/165)
تعبت كثيراً في استخراج فهرس الأعلام التّاريخيّة لهذا الكتاب, ...... ولم يهوّن عليّ ما لقيت في خدمة هذا التّاريخ للعراق إلّا إيماني بأنّ العراق جزء عزيز من صميم وطني, وطن العروبة والإسلام"(1).
28 ـ وحقق أيضاً كتاب النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد, هو من نظم محمد بن علي العمري المقدسي(2), وهو كتاب في الفقه الحنبلي.
لقد كان شغف السّيّد محب الدّين بالتّراث كبيراً, وقد عاش حياته عاملاً لحفظ هذا التّراث بما يستطيع, وعاملاً أيضاً لنشره, حتّى أنه ظلّ مواظباً على شراء الكتب التّراثيّة القيّمة, الّتي باعها أبناء وأحفاد العلماء, الّذين يجهلون قيمة هذه الكتب(3) . وأورد في مقدّمة كتاب الإكليل قصّة شرائه لهذا المخطوط, من بائع متجوّل لا يعرف قيمة هذا الكتاب, وقد عمل السّيّد محب الدّين على ترتيب هذه المخطوطة وغيرها, وتنسيقها حتّى أخرجها للنّاس.
وإذا تحدّثت عن كتب السّيّد محب الدّين لا أدّعي أنّني قد أحطت بها جميعاً, فهناك كتب لم أستطع الحصول عليها, أو التّعريف بها, لأنّ أمر الإحاطة بإنتاجه صعب جدّاً, بسبب غزارته وكثافته. ولكن لنا أن نلاحظ أنّ هذه الكتب, تحمل رسالة واحدة, وهي خدمة قضايا العرب والمسلمين. وقد أمضى السّيّد محب الدّين معظم حياته عاملاً في الكتابة, وله مجموعة كبيرة جدّاً من المقالات في الصّحف والمجلّات العربيّة, والّتي إذا جُمعت كوّنت مجلّدات كبيرة وضخمة, وغنيّة بالأفكار والآراء المفيدة.
الباب الثّاني
أفكاره وآراؤه
الفصل الأوّل
موقفه من السّلطنة العثمانيّة
والثّورة العربيّة الكبرى وفلسطين
تمهيد
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق, 3.
(2) ـ وقد نشره السّيّد محب الدّين في سنة 1344/ 1925.
(3) ـ من رسالة السّيّد لؤي الخطيب بتاريخ 10 رمضان 1423هـ الموافق لـ 14 تشرين الثّاني 2002م. انظر الملحق في الصّفحة 357.(1/166)
تحدّثنا في الباب الأوّل من هذا البحث عن حياة السّيّد محب الدّين الخطيب، ووجدنا أنّها كانت حافلةً بالجدّ والعمل والإنتاج الغزير. وسنتحدّث في هذا الباب عن أفكار وآراء السّيّد محب الدّين, والّتي يمكن أن نضعها تحت عنوان ضخم وهو العروبة والإسلام. فمحب الدّين كان رجلاً قوميّاً, يفخر بالعرب والعروبة, ويسعى لخدمة الإسلام, ويبيّن أنّ الإسلام قد دعا أهله لمحبّة العرب والعربيّة, وبنفس الوقت أمر العرب بمحبّة إخوانهم في الدّين, دون تكبّر أو تمييز بين مسلم وآخر. فكان هدفه الّذي ظلّ طوال حياته ساعياً لتحقيقه هو إنهاض الأمّة العربيّة والإسلاميّة, ورغبته القويّة في أن تلحق هذه الأمّة بركب الحضارة وتستعيد سيادتها الّتي تستحقّ على العالم أجمع. وسنلمس هذه الحقائق فيما يلي من البحث بإذن اللّه.
أ ـ الإتجاهات الّتي كانت قائمة في عصره, وموقفها من السّلطنة العثمانيّة:
بسطت السّلطنة العثمانيّة نفوذها على أنحاء شاسعة من الأرض واستطاعت أن تقضي على الإمبراطوريّة البيزنطيّة, وأن تتوسّع في أوروبّا وآسيا وإفريقيا, وضمّت معظم البلاد العربيّة إليها. وعاشت هذه الدّولة أكثر من ستة قرون, حكم خلالها ستة وثلاثون سلطاناً, وكانت تمثّل بسلطتها الخلافة الإسلاميّة في العالم(1). وقد دخل العرب في حكم العثمانيين كونهم مسلمين مثلهم, والحكم العثماني الّذي تأسس في هذه الصّورة أصبح مألوفاً في البلاد العربيّة, لطول أمده من ناحية, ولاكتسابه صفة الخلافة الإسلاميّة من ناحية أخرى(2).
__________
(1) ـ الصّبّاغ, ليلى, تاريخ العرب الحديث والمعاصر, 54.
(2) ـ الحصري, ساطع, أبحاث مختارة في القوميّة العربيّة, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربيّة, 1985, 299.(1/167)
قسّم المؤرّخون حكم العثمانيين للبلاد العربيّة إلى عصرين متمايزين, الأوّل وهو الّذي يمتدّ من القرن السّادس عشر إلى أواخر القرن الثّامن عشر وبداية القرن التّاسع عشر. وفي هذا العصر خضع العرب لأنظمة الحكم الّتي وُضعت للولايات, وهي أنظمة تركت قدراً كبيراً من حريّة التّصرف للسّلطات المحليّة, وتميّز الحكم فيها باللّامركزيّة والبساطة والسّطحيّة والمحافظة. وبهذا لا يُنتظر أن يحدث هذا الحكم تغييراً جوهريّاً في نظم البلاد, أو حياة المجتمع (1).
وتقبّل العرب حكم الأتراك العثمانيين لهم, بالرّغم من قيام بعض الثّورات هنا وهناك, طمعاً في منصب, أو تصفية لحسابات خاصّة, وفي هذه الفترة لم ترد على بال أحد فكرة الانفصال عن الدّولة العثمانيّة, فالعالم العربيّ بمعظمه يدين بالإسلام, والعثمانيون كانوا أيضاً مسلمين, وكانت هذه الرّابطة, رابطة الدّين, هي أهمّ سبب جعل العرب يقبلون حكم العثمانيين لهم طوال هذه المدّة. فالعثمانيون بدؤوا ينظرون إلى أنفسهم كورثة للخلافة الإسلاميّة, وذلك بعد أن نجحوا في ضمّ الأراضي العربيّة ومكّة والمدينة إلى امبراطوريّتهم في القرن السّادس عشر, واتّخذ السّلطان العثماني لنفسه دور حامي العالم الإسلاميّ بأكمله(2).
__________
(1) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 3.
(2) ـ ماردين, شريف, وحوراني, ألبرت, وس خوري, فيليب, وويلسون, ماري ك, الشرق الأوسط الحديث, ترجمة أسعد صقر, دمشق, دار طلاس, 1996, 3, 17.(1/168)
وعندما جاء العصر الثّاني, والّذي يمتدّ من أوائل القرن التّاسع عشر, إلى حين جلاء العثمانيين عن البلاد العربيّة بعد الثّورة العربيّة الكبرى, وذلك سنة 1918م, أصبحت المركزيّة الشّديدة هي الرّابطة الّتي ربطت الولايات العربيّة بالعاصمة العثمانيّة, وتكلّفت الدّولة أداء واجبات, وتحمّل مسؤوليات لا عهد للرعيّة بها من قبل. وسجّل هذا العصر بداية التّقدّم والنّهوض في الدّولة, بفضل التّنظيمات الإصلاحيّة, الّتي أحدثت انقلاباً عظيماً في الأمور الإداريّة والقضائيّة, وأثّرت تأثيراً عميقاً في الأحوال السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة والأدبيّة, بحيث يمكن اعتبارها أهمّ الخطوات الّتي اتّخذتها الدّولة نحو اقتباس النّظم الغربيّة(1).
وكان لتدخّل الأوروبيين في أمور السّلطنة وطمعهم فيها, أثر كبير في فتح العيون على أمور لم تكن معروفة من قبل, فاتّسعت المطالبة بالإصلاح والتّغيير. وجاء سوء الإدارة في الدّاخل, ليزيد الأمور تعقيداً, فكان أن أدّت هذه الظّروف مجتمعة إلى انقسام سكان السّلطنة إلى أقوام شتّى, كلّ منها له هدف غير الآخر, ومنها ما هو عدوّ عامل لا يرضيه إلّا زوال الدّولة العثمانيّة(2).
ومع مرور الوقت تدهورت حال السّلطنة العثمانيّة, ولم تجدِ محاولات حكّامها لبعث إصلاحات في جسم السّلطنة المريض. وبدأ تدخّل الأجانب وظهرت أطماعهم فيها, وقامت الثّورات في أجزاء السّلطنة مطالبة بالإصلاح دون التّفكير بالانفصال, فما زالت الجامعة الدّينيّة هي "الجامعة الوحيدة الّتي كانت تجمع بين التّرك والعرب والكرد والأرناؤوط والجركس, ولولاها لكانت هذه السّلطنة تفكّكت منذ قرون"(3).
__________
(1) ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, 3 ـ 4.
(2) ـ أرسلان, شكيب, سيرة ذاتيّة, بيروت, دار الطّليعة, 1969, 58.
(3) ـ المصدر نفسه, 68 ـ 69.(1/169)
عندما قامت الثّورة في تركيّا نفسها وتسلّم الإتحاديّون السّلطة, استبشر العرب وغيرهم من الشّعوب الّتي كانت خاضعة للسّلطنة العثمانيّة بهذا الحكم الجديد, لأنّهم اعتقدوا أنّه سيحمل لهم الإصلاحات الّتي يريدون, وسيعطيهم حقوقهم في المشاركة في حكم البلاد, وحقوقهم في إبداء الرّأي فيما يحصل في السّلطنة. لكنّ الإتحاديّين كانوا مستبدّين لدرجة كبيرة, وسيطرت عليهم فكرة بعث القوميّة التّركيّة, دون الاهتمام بغيرهم من أهل القوميّات الأخرى, وبدأوا بإضفاء "الطّابع القوميّ, وتتريك دولتهم ومجتمعهم, وكانت اللّغة التّركيّة هي اللّغة الّتي نصّ القانون على استعمالها من قبل مكاتب البريد, واللّغة الّتي يجب أن تستعمل في جميع الإتصالات الّتي تجري مع وزارة الماليّة, وتبع ذلك مرسوم يقضي بأن تكون لافتات جميع المخازن التّجاريّة باللّغة التّركيّة"(1).
وكرد فعل على هذه الحركة القوميّة التّركيّة, وبتشجيع من الأوروبّيين الطامعين, قامت الدّعوة العربيّة المطالبة بحقوق العرب, وكانت هذه الحركة تسعى لغاية اتّفق عليها أصحابها, وهي قيام كيان قوميّ يضمّ مختلف الأقطار العربيّة, موّحد الشّعور, والثّقافة, والأهداف, والمصالح, والجهاز السّياسي, والاقتصادي, والعسكري. ويكون من القوّة بحيث يضمن للأمّة العربيّة الحريّة والكرامة والسّيادة"(2). لذلك فقد كان التّحوّل نحو أفكار وعمليّة الانفصال "هو المخرج الوحيد المفتوح والّذي دُفع إليه العرب دفعاً, للنجاة من خطر التّتريك, أو محو الشّخصيّة والثّقافة الوطنيّة, أو اللّغة والتّاريخ والثّقافة العربيّة, وذلك على الرّغم من كلّ مخاطر عمليّة الانفصال"(3).
__________
(1) ـ حوراني, ألبرت, وس خوري, فيليب, وويلسون, ماري ك, الشّرق الأوسط الحديث, 1, 170.
(2) ـ دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, 1, 6.
(3) ـ الخطيب, محمّد كامل, المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس, 16.(1/170)
وبدأت تظهر إلى حيّز الوجود الأفكار الّتي تناقش أحقّيّة العرب في أن تكون لهم دولة مستقلّة, تحفظ حقوقهم ولغتهم وتاريخهم. وظهرت أيضاً الأفكار الّتي تبيّن أنّ الخلافة الإسلاميّة يجب أن تكون في العرب وحدهم دون سواهم لأنّهم أهل الرّسالة, مستندةً إلى أساس فقهي في الشّريعة الإسلاميّة(1). وهكذا بدأ التّفكير والتّحضير لقيام الثّورة العربيّة, وانفصال العرب عن التّرك.
وخير من يبيّن لنا التّيارات والمواقف من الدّولة العثمانيّة في أواخر القرن التّاسع عشر, الكاتب الأستاذ ساطع الحصري(2) الّذي يقول: "إنّ مواقف العرب المسلمين من الدّولة العثمانيّة في أواخر القرن التّاسع عشر كانت تنمّ عن عدة تيارات واتّجاهات:
1ـ السّواد الأعظم منهم مرتبط بالدّولة على علّاتها.
2ـ ولكنّ جماعات من المتنوّرين المتجددين كانت تنتقد أحوال الدّولة, وتشتكي منها, وتدعو إلى تغييرها:
أ ـ جماعة تتمنى قيام خلافة عربيّة تعيد الحقّ إلى أصحابه.
ب ـ جماعة تُطالب الدّولة بإجراء إصلاحات جدّيّة في البلاد.
ج ـ جماعة تشترك مع أحرار الأتراك للدعوة إلى إصلاحات عامّة تشمل جميع البلاد العثمانيّة.
__________
(1) ـ وذلك لحديث النّبي - صلى الله عليه وسلم - " الأئمة من قريش, أبرارها أمراء أبرارها, وفجّارها أمراء فجّارها..." إلى آخر الحديث, وهو حديث صحيح؛ انظر, السّيوطي, جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال (- 911/ 1505 ), الجامع الصّغير, بيروت, دار الفكر, 1401, 1, 480.
(2) ـ ساطع الحصري, ولد في صنعاء اليمن عام 1879م. أصبح وزيراً للمعارف في الحكم الفيصلي بدمشق, وخرج معه من سوريا والتحق به في العراق, حيث تولّى شؤون المعارف والثّقافة, عمل مستشاراً للجنة الثّقافيّة في جامعة الدّول العربيّة, توفّي في بغداد عام 1968م؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 70؛ والعطري, عبد الغني, أعلام ومبدعون, دمشق, دار البشائر, 1420/ 1999, 98.(1/171)
د ـ جماعة تطالب بمراعاة حقوق العرب في مختلف شؤون الدّولة"(1).
و"إذا أردنا أن نُجمل التّيارات الّتي تولّدت في البلاد العربيّة بين سكانها المسلمين والمسيحيين وجدنا أنّها تجتمع في خمسة تيارات أساسيّة:
1 ـ السّعي لإقامة خلافة عربيّة تقوم مقام الخلافة العثمانيّة, [وهو مطلب إسلاميّ].
2 ـ المطالبة بإصلاحات خاصّة بالبلاد العربيّة.
3 ـ الاشتراك مع أحرار الأتراك للمطالبة بإصلاحات عامّة تشمل جميع الولايات العثمانيّة.
4 ـ الدّعوة إلى انفصال البلاد العربيّة عن السّلطنة العثمانيّة, لتأسيس دولة عربيّة مستقلّة. [وهذه التّيارات الثّلاثة الأخيرة كانت مشتركة بين المسلمين والمسيحيين العرب].
5 ـ طلب الحماية من دولة أوربيّة. [وهو مطلب المسيحيين وحدهم]"(2).
__________
(1) ـ الحصري, ساطع, محاضرات في نشوء الفكرة القوميّة, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربيّة, ط2, 1985, 123 ـ 131.
(2) ـ المصدر نفسه, 131.(1/172)
أخذت هذه التّيارات تتصارع في مرحلة عصيبة على السّلطنة العثمانيّة. وعندما أُعلن الدّستور أيّده العرب في محاولة منهم لنيل حقوقهم, فواصلوا المطالبة بالإصلاحات, إلّا أنّ الحكّام الجدد كانوا مع سلطة مركزيّة حديثة, ولم يولوا قضايا الأمم الّتي تتشكل منها السّلطنة أيّ اهتمام, وكانت المؤامرات على السّلطنة تزيدهم قناعة بخطر المساعي الإنفصاليّة, فازداد قمعهم واستبدادهم وبطشهم(1). وعندما حاول السّلطان عبد الحميد استعادة سلطانه خُلع, وظهر الوجه الحقيقي للإتحاديين, وجه الظلم والاستبداد والتآمر. فكان لهذه الظّروف الّتي تعرّضت لها الدّولة العثمانيّة في القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين, تأثير كبير في انتقال العرب من قبول الحكم التّركي, إلى الرّغبة الأكيدة في الانفصال عن الدّولة العثمانيّة وتكوين كيان عربّي موحّد ومستقلّ, يضمن للعرب حقوقهم ويحفظ كيانهم. ونلاحظ أنّ هذه التّيارات تتّفق في أنّها جميعاً لم تكن ترى أنّ في وضع السّلطنة العثمانيّة ما يجعلها تسكت أو تغضّ النّظر عما يجري من تجاوزات وأخطاء في هذه السّلطنة, فالوضع كما رأينا كان قد بلغ من السّوء ما لا يمكن السّكوت عليه.
ب ـ موقف السّيّد محب الدّين من السّلطنة العثمانيّة:
__________
(1) ـ علوش, ناجي, مختارات المفيد, بيروت, دار الطّليعة, 1981, 8.(1/173)
عاش السّيّد محب الدّين في زمن انتشرت فيه الأفكار والآراء الّتي كانت تدعو لإصلاح الدّولة العثمانيّة, وتنتقد الاستبداد الّذي كان يقع على العرب من الحكّام, وتطالب بحقّهم من التّرك, وتأثّر بهذه الأفكار أيّما تأثّر, وتأثّر أيضاً بالمفكّرين الّذين كانوا يطرحون هذه الأفكار والمطالب. فكان منذ صغره كلّما وقع في يده كتاب جديد يصوّر الواقع وما فيه من أحداث, ككتاب أمّ القرى(1) لعبد الرّحمن الكواكبي(2), أو كتاب الإسلام والنّصرانيّة مع العلم والمدنيّة للشّيخ محمّد عبده, وفيه ردّ الشّيخ محمّد عبده على هانوتوه(3)
__________
(1) ـ كتاب أمّ القرى, هو تخيّل فيه الكواكبي أنّ مؤتمراً انعقد في أمّ القرى, مكّة المكرّمة, ناقش فيه المجتمعون السّبل الّتي تؤدي إلى نهضة إسلاميّة عامّة, وقد حدّد سنة انعقاده في عام 1316هـ؛ انظر, الكواكبي, عبد الرّحمن, ديوان النّهضة, اختار النّصوص أدونيس, وخالدة سعيد, بيروت, دار العلم للملايين, ط1, 1982, 163.
(2) ـ عبد الرّحمن الكواكبي, ولد في حلب عام 1265/ 1849 م, تلقّى علومه في المدرسة الكواكبيّة. أتقن التّركيّة والفارسيّة, ووقف على العلوم الرّياضيّة والطّبيعيّة, وكان ميّالاً إلى الأدب والثّقافة والصّحافة. أصدر جريدة فرات, والاعتدال, والشّهباء, وقد زار مصر, وزنجبار, والحبشة, وأكثر شطوط شرقي آسيا وغربيها. ومن مؤلّفاته كتاب أمّ القرى, وطبائع الاستبداد. توفّي في القاهرة مسموماً سنة1320/ 1902؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5 , 115؛ والبواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريا في القرن العشرين, 4, 118.
(3) ـ هانوتوه 1853/ 1944, كان عضواً في المجمع اللّغوي الفرنسي, ووزيراً مؤرخاً من الطّبقة الأولى, وقد كتب مقالاً عن الإسلام والمسألة الإسلاميّة ترجمتها جريدة المؤيّد, وأتى بمقارنة بين المدنيّة النّصرانيّة والمدنيّة الإسلاميّة, وفيها طعن بالإسلام وعقائده, وقد قام الإمام محمّد عبده بالرّد عليه في ست مقالات بيّن فيها فضل الإسلام ومكانته, وجُمعت هذه المقالات في كتاب الإسلام والنّصرانيّة؛ انظر, العقيقي, نجيب, المستشرقون, 1, 270؛ والكومي, سامي عبد العزيز, الصّحافة الإسلاميّة في مصر في القرن التّاسع عشر, 54 .(1/174)
, يقرأه أوّلاً لنفسه, وإذا رآه مما يدخل في معاني الرّسالة الّتي آمن بها يحرص على أن يعيد قراءته مع طالب آخر يختاره من زملائه(1).
وكبر السّيّد محب الدّين وقد امتلأت نفسه بأفكار الإصلاح ونبذ الاستبداد, والفخر بماضي العرب المجيد. وكان من أهمّ المفكّرين الّذين تأثّر بهم السّيّد محب الدّين الشّيخ طاهر الجزائري, كما رأينا سابقاً, فقد التزم بحلقته الّتي كان يعقدها في دمشق. والشّيخ طاهر كان "يرى أنّ الدّولة العثمانيّة موشكة على الإنهيار, فيدعو العرب إلى التّأهّب بالعلم والأخلاق والتّجدد والتّحفّز, لنيل استقلالهم وصون بلادهم من أن تبتلعها حيتان الاستعمار, حتّى تقوّضت دعائمها, وتداعت عليها الأمم لاكتسابها واقتسام بلادها"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 12.
(2) ـ قلعجي, قدري, السّابقون, بيروت, دار العلم للملايين, 1954, 25.(1/175)
وراح يبثّ هذه الأفكار بين طلّابه ومريديه, وكان إخلاصه وثقافته العالية قد جعلا كلّ من يميل إلى الثّقافة والعلم والتّحرر يتقرّب منه وينهل من علمه. ولم يكن الشّيخ طاهر يفرّق بين أحد من هؤلاء, لا بسبب الدّين ولا المذهب ولا غير ذلك, مما جعل له شهرة كبيرة في الشّام. وكان السّيّد محب الدّين من أشدّ المعجبين به, وكان صلة الوصل بين حلقة هذا الشّيخ الجليل, وبين أصدقائه من الشّباب الصّغار الّذين شبّوا على هذه الأفكار. فالشّيخ طاهر, في رأيه, كان يفهم الإسلام بعقليّة التّابعين والأئمة الأوّلين, ويعرف تاريخ المسلمين المدنيّ والعلميّ عصراً عصراً, وكان يعرف مواطن الدّاء في الدّولة العثمانيّة, وفي الأمّة الّتي أوقعها سوء الحظ تحت سلطانها, فكان بسبب ذلك يقدّر صعوبة موقفه, وما يمكن أن يتهدد حياته من خطر لو جاهر بكلّ ما يعرف(1). وعندما غادر الشّيخ طاهر دمشق متوجّهاً إلى مصر للإقامة فيها, خلّف وراءه "ثورة فكريّة تسري تحت الرّماد, وسرعان ما وجدت هذه الثّورة متنفّساً لها في الانقلاب العثمّاني, سنة 1908م"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " نهضة العرب للاضطلاع برسالتّهم ", في الفتح, 823 (جمادى الآخرة , 1324), 363.
(2) ـ قلعجي, قدري, السّابقون, 26.(1/176)
وإذا رحنا نلخّص موقف السّيّد محب الدّين من السّلطنة العثمانيّة فيمكننا أن نقول إنّه كان في بداية حياته يفهم أنّ السّلطنة بحاجة إلى الإصلاح ولا شيء غيره, وكان يرى أنّ للعرب حقّاً لابدّ لهم من الحصول عليه, لذلك فقد كان سروره بالانقلاب العثمانيّ كبيراً. ويذكر لنا أنّ الدّستور قد أُعلن وهو في اليمن, وأنّ الجهة الرّسميّة الحاكمة في اليمن تجاهلت هذا الحدث, فقام ورفاقه باتخاذ جميع المراسم وأعلنوا الدّستور, حيث أطلقوا المدافع وأقاموا الزّينات, واحتفلوا بإعلان الدّستور احتفالاً عظيماً(1). وفي رسالةٍ له إلى الإمام يحيى يخبره فيها عن إعلان الدّستور, يصف السّيّد محب الدّين هذا الحدث بقوله: " إنّ نهار الجمعة الخامس والعشرين من شهر جمادى الآخرة لهذا العام 1326هـ, هو النّهار الّذي انتصرت فيه الحريّة على العبوديّة, والعدل على الجور, والشّورى على الاستبداد, والمساواة والإخاء على الكبرياء والتّمرّد"(2). وهذا إن دلّ على شيء, فإنّه يدلّ على أنّ السّيّد محب الدّين كان يأمل من هذا الانقلاب إصلاح الأوضاع المتردّيّة في السّلطنة, وفي البلاد العربيّة الّتي كانت خاضعة لها. وكان يقول إنّه كان يعيش "بنفحات الأمل, أمل حياة الأمّة العربيّة, أمل الاعتزاز بارتقاء الشّرق"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 41 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " رسالة نشرها السّيّد محب الدّين كان قد بعثها إلى الإمام يحيى ", في الفتح, 854 (ربيع الآخر , 1367), 93.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, صلاح الدّين القاسمي, 302.(1/177)
ثمّ انتقل السّيّد محب الدّين إلى مرحلة القناعة بوجوب الإنفصال عن الدّولة العثمانيّة, والسبب في ذلك هو جور الإتحاديّين الّذي دفع به وبغيره من مفكّري تلك الأيام للعمل على الانفصال, لأنّهم لم يعودوا يرون أنّ هناك مجالاً لإصلاح هؤلاء الإتحاديّين المستبدّين, الّذين لا يراعون الشّعوب الّتي كانت تخضع لسلطتهم. وهكذا حصلت الثّورة, حتّى أن الشّيخ طاهر "لم يبتهج بشيء مثل ابتهاجه بالثّورة العربيّة "(1). وقد انتقل هذا الإبتهاج إلى طلّابه والمؤمنين بأفكاره, وكان منهم السّيّد محب الدّين الّذي يقول: "من المسلّم به أنّ لكلّ أمّة حقّها في الحياة, والنّاطقون بالضّاد من أجدر الأمم بأن يجدّدوا شباب حياتهم الاجتماعيّة, لأنّ في ذلك إحياء للحضارة الإسلاميّة, ونهوض للشّرق الإسلاميّ كلّه, وكان العرب العثمانيون يحسبون أنّ في الإمكان تحقيق مطلبهم في التّقدّم والنّهوض مع بقائهم عثمانيين, ولكنّ الإتحاديّين كانوا يسيئون الظّن في كلّ حركة حيويّة يبديها العرب أو الأرنؤوط أو الكرد أو الشّركس أو غيرهم فيصمونها بالخيانة, ويقمعونها بالقوّة والإرهاب"(2).
__________
(1) ـ قلعجي, قدري, السّابقون, 28.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات ", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل, 1343), 193.(1/178)
ويمكن أن نؤكّد أنّ السّيّد محب الدّين لم يكن يكره العثمانيين كحكّام, بقدر ما كان يكره منهم سوء إدارتهم, واحتقارهم للعرب, فيقول: " إنّ العرب كرهوا سوء الإدارة زمن الحكومات التّركيّة المختلفة, إلى أن قضى اللّه بالانفصال.........فأهل اليمن والحجاز وكلّ بقعة من جزيرة العرب كان فيهما للتّرك سلطان, إنّما كانوا يكرهون الظّلم والرّشوة والعدوان والخراب والجهل, ولم يكونوا يكرهون التّرك"(1). لذلك فقد كانت مطالبه الأولى بالإصلاح, والإصلاح فقط, ولم يفكّر لا هو ولا غيره من المفكّرين والدّاعين للإصلاح بغير ذلك. واجتمعت الظّروف, فكان من سوء حظّ القوميّة العربيّة, كما يقول السّيّد محب الدّين " أنّ الحوادث الطّائشة جعلت تسابق الخطوات الحكيمة الّتي كان يخطوها رجال النّهضة العربيّة ......., ورأوا أنفسهم أمام أمر واقع بالحركة الحجازيّة الّتي قامت باسم استقلال العرب فلم يكن لشبابهم بدّ من خوض غمارها"(2).
ج ـ الثّورة العربيّة الكبرى وموقف السّيّد محب الدّين منها:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "جزيرة العرب والنّهضة الشّرقيّة الحديثة ", في الزّهراء, 3 (شعبان, 1345), 519.
(2) ـ المصدر نفسه, 193.(1/179)
إنّ من أهمّ العوامل الّتي أدّت إلى نشوب الثّورة العربيّة هي سياسة الإتحاديّين الجائرة, الّتي استخفّت بالعرب واحتقرتهم, وحاولت إذابتهم في بوتقة الطّورانيّة التّركيّة. وكانت هذه المعاملة نتيجة لخطّة إستعماريّة غربيّة, كان هدفها القضاء على الخلافة العثمانيّة, والسيطرة على البلاد العربيّة الّتي كانت خاضعة لها(1). وقام العرب وكردّ فعل على هذه السّياسة, بالتّفكير بالمستقبل العربيّ وكيفيّة حصولهم على حقوقهم من أيدي الأتراك الطّورانين. فاتّجهوا, وبتشجيع من الأوروبيين, إلى تشكيل الجمعيّات السّريّة, الّتي كان هدفها حصول العرب على حقوقهم من أيدي التّرك, وانتهى الأمر بهذه الجمعيّات إلى عقد المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس في 18 حزيران 1913م. "ورغم أنّ موقف الإتحاديّين كان عدائياً في البدء, إلّا أنّهم اضطرّوا إلى إرسال سكرتير حزبهم إلى باريس, واتّفقوا على بعض مبادئ تكون أساساً لمفاوضات تالية"(2). إلّا أنّ هذا الموقف ظهر فيما بعد على أنّه خطّة للمراوغة وإهمال القضيّة, وعندما نشبت الحرب العالميّة الأولى اشترك الإتحاديون فيها, وهذا أدّى إلى توقّف المفاوضات بين الطرفين.
__________
(1) ـ يكن, فتحي, العالم الإسلاميّ والمكائد الدّوليّة خلال القرن الرابع عشر الهجري, 49, مأخوذ عن موقعwww.alwihdah.com؛ وقطب, محمّد, مذاهب فكريّة معاصرة, القاهرة, دار الشّروق, ط8, 1993م, 497, وموقع الصحوة www.sahwah.net
(2) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 21.(1/180)
ووجد العرب أنّهم قد دخلوا في هذه الحرب وليس لهم فيها مصلحة تُذكر, وقد ذكر الخطيب في مذكّراته أنّ "رجالات القوميّة العربيّة...., رأوا أنّ من الضّروري التّفكير في مستقبل البلاد العربيّة بعد هذه المحنة.......وكانت الآراء متّفقة ومتلاقية على أنّ مصلحة العالم الإسلاميّ والأقطار العربيّة في ملحمة الحرب العالميّة الأولى هي في الوقوف على الحياد, وترك الفريقين المتنازعين على استعمار الأرض واستعباد الأمم, يحطّم بعضهم بعضاً"(1). إلّا أنّ دخول الإتحاديّين في الحرب زاد من إرهابهم, وأخذوا يصادرون المحاصيل, ويفرضون الإعانات للجيش باسم التّكاليف الحربيّة, وينقلون الجنود إلى مناطق بعيدة, مما أدّى إلى إحساس العرب العميق بالظّلم. وزاد من هذا الإحساس تولّي جمال باشا الحكم في بلاد الشّام, وسياسته الظّالمة الغاشمة, الّتي أرهقت النّاس, ومن ثمّ إعدامه لرموز القوميّة العربيّة بلا وجه حقّ, "وخاف النّاس عندما رأوا صبيحة 21 آب 1915م الأجسام المعلّقة, وشعر جمال باشا بالرّاحة لهذا الخوف, وأسرع في تلافي موجة السّخط العارمة الّتي حلّت بالنّاس الّذين لم يصدّقوا أنّ الّذين أعدمهم جمال باشا كانوا حقّاً خونة"(2). وجاء في بيان أصدره جمال باشا بعد إعدامهم, أنّه أعدمهم بسبب عملهم على "سلخ سوريا وفلسطين والعراق عن راية السّلطنة العثمانيّة, وجعلها إمارة مستقلّة [وذلك من خلال اتّصالهم بفرنسا]"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 56 ـ 57.
(2) ـ سلطان, علي, تاريخ سوريا 1908ـ 1918م, دمشق, دار طلاس, 1987, 304 ـ 305.
(3) ـ نبهان, عبد الإله, عبد الحميد الزّهراوي, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1995, 1, 72.(1/181)
وقد حاول الشّريف حسين التّوسّط عند جمال باشا للعفو عن هؤلاء العرب الأشراف, فأرسل ولده إليه, لكنّ جمال باشا رفض هذه الوساطة, وأتمّ إعدامهم. وكان الشّريف حسين يتولّى منصب شريف مكّة, وكان " شاغل هذا المنصب عادة يتمتّع بقيمة خاصّة, ويستشعر لنفسه مركزاً ممتازاً, فهو من سلالة النّبي - صلى الله عليه وسلم - من ناحية, وهو الحاكم المباشر لأرض الحرمين الشّريفين من ناحية أخرى"(1). ولم تكن العلاقات بينه وبين الإتحاديّين على ما يرام, فقد "ساد سوء الظّن بين الجانبين, إلى حدّ أنّ الدّولة العثمانيّة كانت تريد إقصاء شريف مكّة عن مركزه الدّينيّ, والقضاء على المركز الممتاز الّذي يتمتّع به الحجاز, وكانت تعارض أن تكون إمارة الحجاز متوارثة في أسرة الحسين بن علي"(2).
لعبت الدّول الأوروبيّة دوراً مهمّاً وأساسيّاً في تشجيع العرب على الثّورة(3), فكانت هذه الظّروف مجتمعة دافعة للمثقّفين العرب والشّريف حسين إلى الإتفاق مع الأوروبيين, وقرّروا إعلان الثّورة على التّرك.
بدأت الثّورة في مكّة المكرّمة, تحت زعامة أمير مكّة, ولكنّها لم تكن ثورة حجازيّة, بل كانت ثورة عربيّة, فقد كانت ترمي إلى استقلال الولايات العربيّة بأجمعها, وكانت تصبو إلى تكوين دولة عربيّة جديدة موحّدة, تنهض بالأمّة نهضة حقيقيّة, تعيد إليها مجدها السّالف......., لذلك فقد اشترك في الثّورة وقام بأعبائها رجال من مختلف البلاد العربيّة, فكان بينهم السّوريّ والعراقيّ واللّبنانيّ والحجازيّ والفلسطينيّ"(4).
__________
(1) ـ قدّورة, زاهية, تاريخ العرب الحديث, 241.
(2) ـ المصدر نفسه, 241.
(3) ـ المصدر نفسه, 247؛ وللتوسّع, انظر, رافق, عبد الكريم, العرب والعثمانيون, دمشق, د.ن, ط2, 1993م, 546؛ ويحيى, جلال, العالم العربي الحديث, القاهرة, دار المعارف, 1996م, 627.
(4) ـ الحصري, ساطع, محاضرات في نشوء الفكرة القوميّة, 157.(1/182)
أعلن العرب الثّورة وكان هدفهم, كما قلنا, قيام كيان عربيّ قوميّ عامّ, يضمّ مختلف الأقطار العربيّة, ويتمتّع بالقوّة والسّيادة والتّقدّم, دون تدخل من أجنبيّ أو تسلّط من عدوّ. و"قيل إنّ العامل الاقتصاديّ الحجازيّ, وخاصّة مسألة التّموين والحجّ, كانت من الحوافز القوّيّة الّتي حفّزت الحسين على خطوته الخطيرة, واتّفاقه مع الإنكليز على الثّورة. كما قيل إنّ الطّموح الشّخصيّ الأصيل فيه, كان الدّافع له عليها. وقيل إنّ مما دفعه عليها حسبانه عواقب التّشادّ الّذي قام بينه وبين الوالي الاتحادي"(1).
ومهما يكن, ومهما قيل عن أسباب دفعت الشّريف حسين إلى القيام بالثّورة, فإنّ الثّورة قد قامت, وكان السّيّد محب الدّين من الّذين اشتركوا فيها. وقد " طلبه الشّريف حسين بتعيين الاسم, والظّاهر أنّ الّذي زكّاه له هو الشّيخ كامل القصّاب ممثل العربيّة الفتاة, الّذي وصل الحجاز قبل الثّورة, وكان ذلك ببرقيّة صدرت في رمضان سنة1334هـ الموافق تموز 1916م, أي في الأسابيع الأولى من قيام الثّورة"(2). وقد التحق السّيّد محب الدّين بالثّورة يدفعه الإيمان والأمل بحياة أفضل وأكثر تطوّراً وتقدّماً للعرب والمسلمين. وكان عمل السّيّد محب الدّين في الحجاز هو تأسيس المطبعة الأميريّة, وإصدار جريدة القبلة الّتي كانت تنشر أخبار الثّورة, وتوضّح وجهة النّظر العربيّة وتنقلها إلى العالم.
__________
(1) ـ دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, 54.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 65.(1/183)
حاولت السّلطات التّركيّة تهوين شأن هذه الثّورة, وإثارة الحملات الشّديدة ضدّها وضدّ المشاركين فيها, فكان للسّيّد محب الدّين دور بارز في تفنيد هذه المزاعم, ومقابلة الحجّة بالحجّة. فالسّيّد محب الدّين كان من أشدّ المناصرين للثّورة العربيّة, ومن أكثر المدافعين عنها. إلّا أنّه وبعد فترة أحسّ أنّ الشّريف حسين كانت له غايات مختلفة عن الغايات الّتي شارك لأجلها أحرار العرب في الثّورة, ويظهر لنا هذا في قوله: "من مظاهر التّعارض بين الغاية الشّخصيّة الّتي قام الملك الحسين لأجلها, وبين الغاية القوميّة الّتي لبّى رجال الأمّة العربيّة دعوة الملك حسين لتحقيقها, أنّ هؤلاء الرّجال كانوا يرون وجوب المبادرة إلى استعمال كلّ قوى الأمّة العربيّة لتكوين الدّولة الجديدة,........ فحاولوا أن يقنعوا الملك حسيناً, بكلّ طرق الإقناع, أن يسمح لهم بالسّعي لدى أمراء العرب....... لتأسيس روابط بين الجميع, أساسها بقاء كلّ واحد منهم مستقلّاً في شؤونه الدّاخليّة واشتراكهم جميعاً في الشّؤون العامّة برياسة الحجاز. [ وقد حاول الشّيخ محمّد كامل القصّاب التّوسّط لدى هؤلاء الأمراء لتحقيق هذه الغاية, لكنّ الشّريف حسين رفض ], فكان الملك حسين يمنع كلّ المنع من المضي في هذا العمل, ويقسم باللّه أنّه لا يسير فيه خطوة واحدة"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات ", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل, 1343), 197.(1/184)
وبسبب هذه الأمور, أصبح السّيّد محب الدّين متأكّداً من " أنّ الغاية الّتي قام الملك حسين لأجلها هي الاحتفاظ بالكرسي الّذي كان مهدّداً من الإتحاديّين بإسقاطه, ولم يستطع إدراك المغزى العظيم الّذي كان تاريخ القوميّة العربيّة, والحضارة الإسلاميّة يهتف به للحسين بن علي"(1). ولم يكن هذا الشّعور لدى السّيّد محب الدّين بمفرده, إنّما كان يشاركه في ذلك مجموعة من أصدقائه, رأوا ما رأى, وأحسّوا بإحساسه, وعند ذلك قرروا الرّحيل عن الحجاز, وترك الشّريف حسين. منهم مثلاً السّيّد أحمد محمّد شاكر الكرمي(2), الّذي غادر الحجاز مع السّيّد محب الدّين لنفس السّبب(3).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 194.
(2) ـ أحمد محمّد شاكر الكرمي, 1312 - 1346/1894 – 1927, كاتب صحافي، ولد في طول كرم بفلسطين وإليها نسبته. وتعلم بالأزهر في القاهرة، واشتغل بالصحافة، وأحسن الإنكليزية. ثمّ استقر في دمشق فأنشأ مجلّة الميزان. وترجم قصصاً وروايات صغيرة، نشرها في الميزان، وتوفّي بدمشق شاباً؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 186؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 1, 241.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "أحمد شاكر الكرمي", في الزّهراء, 4 (جمادى الأولى, 1346), 178.(1/185)
ولكنّ الشّيخ محمّد كامل القصّاب كان يرى "أنّ الملك حسيناً عارض قبل قيامه بثورته أن يكون نفوذ ما لأجنبيّ في البلاد العربيّة, وقد وُفّق لتحقيق هذه الأمنية بادئ الأمر, غير أنّ خيانة الخائنين من بطانته, ودهاء السّاسة من الغربيين أوقعاه في الفخّ, فوافق على اتفاقيّة سايكس بيكو المشؤومة(1).......وكان هذا الإتفاق سبباً مباشراً في انسحابي أنا والسّيّد محب الدّين الخطيب من الحجاز أثناء الحرب العالميّة الأولى, فقصدنا مصر, وعملنا فيها مع الجالية السّوريّة على مقاومة هذه الفكرة, الّتي لا تتفق ومصلحة العرب"(2).
__________
(1) ـ وهي المعاهدة السّريّة الّتي قامت بين فرنسا وبريطانية, وعقدت في 16 /5/1916م, وتتألّف من اثني عشر مادة. قسّم الطّرفان بموجبها البلاد العربيّة إلى أجزاء استولى كلّ واحد منهما على عدد منها؛ انظر, سعدي, سعد, معجم الشّرق الأوسط, شيكاغو, د.ن, 1/6/1997, 95.
(2) ـ القصّاب, محمّد كامل, " من خفايا الثّورة العربيّة الكبرى ", في الفتح, 844 (جمادى الآخرة, 1366), 750.(1/186)
وكان من نتائج انسحاب السّيّد محب الدّين ورفاقه موافقة الإنجليز على ما سُمي بعهد السّبعة, حيث كان هؤلاء السّبعة من السّوريين الّذين أبدوا " شكوكهم في سياسة بريطانيا وفرنسا تجاه سوريا والبلاد العربيّة, ولذا قدّموا بعد عدّة اجتماعات لهم مع أعضاء المكتب البريطاني في القاهرة في 26 أبريل 1918م, مذكّرة فيها أسئلة إلى الحكومة البريطانيّة, يودّون معرفة الجواب عليها"(1), وكان من هؤلاء السّبعة السّيّد محب الدّين, ورفيقه محمّد كامل القصّاب(2).
ومن المعروف أنّ اتفاقيّة سايكس بيكو هي اتفاقيّة قامت بين بريطانية وفرنسا لاقتسام أجزاء كبيرة من أراضي الدّولة العثمانيّة و"في هذه الاتفاقيّة احتفظت فرنسا لنفسها بمساحة كبيرة من أراضي الأناضول الجنوبيّة والجزء الشّمالي من سوريا الطّبيعيّة ولواء الموصل, واحتفظت بريطانيا لنفسها بولايتي البصرة وبغداد ولواء كركوك, بالإضافة إلى الجزء الجنوبي من سوريا الطّبيعيّة, ابتداء من غزّة والعقبة في الجنوب الغربي, على أن تلتقي بحدود العراق في وسط البادية. واتّفقت الدّولتان على جعل فلسطين باستثناء الجزء المعروف بالنّقب منطقة تخضع لحكم دوليّ خاصّ"(3).
__________
(1) ـ سلطان, علي, تاريخ سوريا, 1908ـ 1918م, 510.
(2) ـ المصدر نفسه, 511. و الباقون هم: عبد الرّحمن شهبندر, ورفيق العظم, وفوزي البكري, وحسن حمادة, ومختار الصّلح. ولم يذكر محمّد عزّة دروزة السّيّد محب الدّين بين هؤلاء, وقال إنّ السّبعة هم: رفيق العظم, وعبد الرّحمن الشّهبندر, وفوزي البكري, والشّيخ محمّد كامل القصّاب, وخالد الحكيم, ومختار الصّلح, وحسن حمادة؛ انظر, دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربية الحديثة, 1, 98. وكذلك لم يذكره أمين سعيد في كتابه؛ انظر, سعيد, أمين, الثّورة العربيّة الكبرى, مصر, مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه, د.ت, 2, 40.
(3) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 37 .(1/187)
وعندما عرف السّيّد محب الدّين ورفاقه بهذه الاتفاقيّة, الّتي عُقدت في 16 أيار 1916م, وذلك قبل حوالي شهر من إعلان الحسين الثّورة, وصعقوا بوعد بلفور في 2 تشرين الثّاني 1917م(1), الّذي أعطى حقّاً لليهود في فلسطين, وكانوا قد أحسّوا أنّ الشّريف حسين لم يحفظ حقّ العرب, لأنّه استهتر بمعاملته ومباحثاته مع الإنكليز, وحسب أنّ مراسلاته معهم هي معاهدات تضمن للعرب حقوقهم, كلّ ذلك وغيره أدّى إلى انسحاب السّيّد محب الدّين ورفاقه من الحجاز.
كان السّيّد محب الدّين يتمنّى لو أنّ الثّورة العربيّة قد نجحت, ولكنّه كان يضع اللّوم على الملك حسين, فلو كان الملك حسين دستوريّاً, والحركة الّتي قامت في الحجاز يُوسّد كلّ عمل من أعمالها إلى رجال الكفاءة والاختبار, ولو أُطلقت أيدي الّذين أرادوا إصلاح المعارف, وتكوين الجيش, وتوحيد قوى الأمّة العربيّة, ولو كان التّصرف بالأموال الّتي مرّت بأيدي الملك حسين وأولاده تصرّفاً حكيماً, لكان للمسلمين الآن دولة عربيّة مستقلّة, عزيزة الجانب, ذات قوّة وبأس, تسير بخطوات واسعة نحو تجديد الحضارة الإسلاميّة, وتجهيزها بمعدّات الكمال"(2).
__________
(1) ـ بلفور هو وزير خارجية بريطانية, الّذي وعد اليهود بإقامة وطن قوميّ لهم في فلسطين, بالرّغم من أنّ عددهم في ذلك الوقت لا يزيد عن نسبة 8 % من عدد السّكان والباقي من العرب. وجاءت الحكومات البريطانيّة المتعاقبة بعده واعتبرت هذا الوعد بمثابة إلزام دوليّ يلزم بريطانية بتحقيقه؛ انظر, سعدي, سعد, معجم الشّرق الأوسط, 47.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات ", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل, 1343 ),200 .(1/188)
قد يظنّ بعض المتابعين أنّ السّيّد محب الدّين اتّخذ هذا الموقف من الشّريف لسبب شخصيّ, ولكنّ هذا غير صحيح, فالسّيّد محب الدّين كان ذا مكانة خاصّة عند الشّريف حسين, وكان هو بنفسه يكنّ للشّريف احتراماً كبيراً, نستدلّ على ذلك بقول السّيّد محب الدّين يصف الشّريف حسيناً: "الملك حسين من أشجع الّذين عرفتهم, ومن أربطهم جأشاً....., ومن مزاياه عزيمته الفولاذيّة, وقد يلين الفولاذ ولا تلين له عزيمة......, ويمتاز الملك حسين بذكائه النّادر في فهم شؤون الحجاز, واستكشاف ضمائر المكّيين"(1). وحتّى عندما أراد السّيّد محب الدّين الخطيب أن يغادر الحجاز, استأذن من الشّريف حسين فأذن له, وأصحبه بكتاب وصاة كتبه بخطّه, وقلّما كان يكتب مثله, وفيه الثّناء الجمّ على السّيّد محب الدّين(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات ", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل, 1343 ), 194.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 72.(1/189)
لكنّ السّيّد محب الدّين, مثل كثير غيره من أحرار العرب, صُدم بما رآه من حرص الملك حسين على مصالحه, وتفريطه بكلّ الفرص المتاحة للتّحالف مع جيرانه العرب, لزيادة القوّة, وضمان الوحدة, ولعدم فهمه للأوروبيين, ولحسن ظنّه بهم حتّى استطاعوا خداعه وخداع العرب, ولو " كان العرب قد علموا من قبل ما قد تمّ من عقد المعاهدة السّريّة في شهر أيّار من السّنة الخالية بين بريطانية وفرنسا, لما قدحوا لثورتهم زناداً, ولا أضرموا لها ناراً "(1). لذلك فقد انقلب موقف السّيّد محب الدّين من مؤيّد للثّورة العربيّة ومتحمّس لها, وعامل على إنجاحها, من خلال عمله في جريدة القبلة, وكتابته لافتتاحيّاتها, وتبنّيه لأفكار الثّورة في مقالاته, وفي أفعاله ومشاركته للملك حسين كمستشار له بصفته من أعضاء الجمعيّة العربيّة الفتاة, إلى رجل رأى أن يغادر الملك حسيناً, لأنّه وجد أن لا سبيل إلى إصلاحه, ووجد أنّ من واجبه أن يعود إلى وطنه ليدافع عنه ضدّ اتفاقيّة سايكس بيكو وضدّ الأطماع الفرنسيّة فيه.
وصل السّيّد محب الدّين سوريا سنة 1919م, بعد دخول القوات العربيّة إليها, وتولّى في دمشق تحرير جريدة العاصمة, وهي الجريدة النّاطقة باسم الحكومة العربيّة, كما بيّنا, وقد عمل في هذه الجريدة, وكان حماسه واضحاً للدّولة العربيّة, من خلال مقالاته الّتي كانت تعبّر عن انتماءه الشّديد للعروبة, وكان يشعر بأنّ حلمه بتكوين دولة عربيّة مستقلّة قد تحقق, وبقي الآن أن يتعاون الجميع حتّى تلحق هذه الدّولة بركب الحضارة.
__________
(1) ـ ستودارد, لوثروت, حاضر العالم الإسلاميّ, تعليق شكيب أرسلان, ترجمة عجاج نويهض, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1343, 2, 171.(1/190)
وكتب مقالات عديدة يحثّ فيها المواطنين على العمل والتّعاون لرفعة الوطن وخدمته, وكان يقول: " سمعت فريقاً يقول: دلّونا على عمل نعمله, فيماذا يجب أن نبدأ ؟ والجواب على هذا, أنّنا ناقصون في كلّ شيء, ومرض الضّعف والمسكنة مستولٍ على كلّ مشاعرنا ومرافقنا, فيجب علينا قبل كلّ شيء أن نخلع عنّا رداء المسكنة البالي, وأن يندفع كلّ فريق منّا وراء حاجة من حاجاتنا الكثيرة, بنشاط ونظام"(1).
ومن شدّة حماسه كان يريد أن تكون الخطوات المتّخذة في سبيل الإصلاح سريعة, وذلك لأنّ العالم قد سبق العرب والمسلمين بخطوات كثيرة, ويجب أن نبدأ بالأجيال الجديدة, ونعوّدهم على طلب العلم لأنّه مفتاح التّطوّر, وبالإمكان تسريع خطوات نهضتنا الأدبيّة, إذا عنيت مدارسنا بتعويد تلاميذها على المطالعة, وحبّبت إليهم اقتناء الكتب العربيّة, وتوسيع المعارف والمدارك بها(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حيّ على الفلاح", في العاصمة, 49 (ذو القعدة, 1337/ آب, 1919), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " الإفتتاحيّة ", في العاصمة, 106 ( 14جمادى الثّانية 1338 / 4 آذار 1920), 1.(1/191)
وقف السّيّد محب الدّين مع الدّولة الوليدة, وكان يدعمها بقوله وعمله, وعندما تسارعت الأحداث, وظهرت بشكل واضح أطماع الأوروبيين في البلاد العربيّة سافر الأمير فيصل(1), والّذي كان يحكم سوريا في ذلك الوقت, إلى أوروبّا ليطالب بحقوق الاستقلال, وذلك بعد أن وصلته رسالة باسم الحلفاء, جاء فيها إنّ الفريقين اجتمعوا في سان ريمو(2), وقرروا إعطاء الفرنسيين الوصاية على سوريا والإنكليز الوصاية على العراق باعتبارهما دولتين اثنتين مستقلّتين, وطُلب فيها إلى الأمير فيصل بإلحاح المجيىء إلى أوروبّا ليتمكّن من بسط قضيّته وقضيّة البلاد(3)
__________
(1) ـ الأمير فيصل, 1300ـ 1352/ 1883 ـ 1933, ولد بالطّائف, ورحل مع أبيه حين أُبعد إلى الأستانة 1308 هـ, وعاد معه سنة 1327هـ, اختير نائباً عن جدّة في مجلس المبعوثان, وانتسب إلى العربيّة الفتاة, وتولّى قيادة الجيش الشّمالي في الثّورة العربيّة الكبرى, نُودي به ملكاً على سوريا, وبعد الاحتلال الفرنسي رحل إلى أوروبّا, ثمّ عاد إلى العراق, وأصبح ملكاً عليه فانصرف إلى الإصلاح الدّاخلي, توفّي في سويسرا حيث كان في زيارة لها, دفن في بغداد؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 5, 165.
(2) ـ مؤتمر سان ريمو, عقد في المرفأ الإيطالي الواقع على خليج جنوى سان ريمو, في 25 / 4 / 1920م, حيث اجتمع مجلس الحلفاء المنتصرين في الحرب العالميّة الأولى, واتّخذ القرارات التّاليّة: تقسيم البلاد السّوريّة إلى ثلاثة أقسام, فلسطين ولبنان وما تبقّى من سوريا, يبقى العراق دون قسمة, توضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي, توضع العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني, يتضمّن صك الانتداب على فلسطين نص وعد بلفور, وقد أُعلنت هذه القرارات يوم 5 / 5 /1920؛ انظر, أبو غضيب, هاني خيرو, أطلس تاريخ العالم القديم والمعاصر, نابلس, المكتبة الجامعيّة, 2004, 117.
(3) ـ الشّهبندر, عبد الرّحمن, المقالات, تحقيق محمّد كامل الخطيب, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1993, 233.(1/192)
. وقد سافر الأمير فيصل إلى أوروبّا, بعد أن " تلقّى تفويضاً من وفود أعيان سوريا لإدارة سياسة البلاد الدّاخليّة والخارجيّة, وذلك في اجتماع كبير في دار البلديّة في 14 أيار, عاهدهم فيه على الاستقلال ........, وشجّع حملة صحفيّة من أجل التّطوع والتّجنيد الاختياريّ......وقد طلب الموافقة على تجهيز جيش قوامه 14000 جندي يتمكّن به من محاربة فرنسا عند الضّرورة"(1).
ساند السّوريّون الأمير فيصل, وكانوا يرفضون رفضاً باتّاً أيّ تدخّل أجنبيّ في البلاد, وكان السّيّد محب الدّين ورفاقه من أعضاء العربيّة الفتاة من أشدّ الرّافضين لأيّ انتداب أو تدخّل أجنبيّ, لذلك فقد قام الشّيخ محمّد كامل القصّاب والسّيّد محب الدّين ورفاقهم بتشكيل ما سُمّي اللّجنة الوطنيّة العليا, وهي اللّجنة "الّتي تألّفت من مختلف الهيئات والأحزاب في 2 تشرين الثّاني سنة 1919م, برئاسة الشّيخ كامل القصّاب بعد أن عقدت اجتماعات متعددة في أحياء دمشق وقرّرت جمع الأموال بنسبة 2% من ثروة كلّ فرد لمؤازرة الثّوار ........., وتجهيز ألف متطوّع للقتال, ودعت إلى رفض المعاهدة مع أيّة دولة أجنبيّة, والدّفاع عن البلاد مهما كانت النّتائج"(2).
__________
(1) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 104.
(2) ـ قدامة, أحمد, معالم وأعلام في بلاد العرب, القسم الأوّل, 296.(1/193)
ولسنا هنا في معرض التّفصيل التّاريخي للأحداث الّتي جرت في تلك الأيّام, لكن ما يهمّنا من هذا هو الموقف الّذي وقفه السّيّد محب الدّين من تلك الأحداث. وقد عرفنا أنّ السّيّد محب الدّين كان من أشدّ المتحمّسين لبقاء الدّولة العربيّة في دمشق, بل كان يتمنّى أن تشمل هذه الدّولة جميع البلاد العربيّة الأخرى. لذلك فعندما ظهرت أطماع فرنسا في سوريا اشترك في المقاومة الشّعبيّة وفي اللّجنة الوطنيّة العليا, حتّى أنّ علاقته الجيدة مع الأمير فيصل قد تأثّرت لهذا السّبب. ويذكر لنا في مذكّراته أنّ الأمير فيصل عندما عاد من أوروبّا, وخرج المستقبلون لاستقباله لم يجد السّيّد محب الدّين بينهم, فسأل عنه فأُخبر أنّ السّيّد محب الدّين قد أُصيب في فخذه برصاصة وهو يقلّب مسدسه, فقال الأمير بصوت خافت "يا ليتها كانت القاضية......, وذنب السّيّد محب الدّين أنّه عمل مع الشّيخ كامل القصّاب على تحويل دمشق وسوريا إلى ثكنة عسكريّة باللّجنة الوطنيّة العليا, وفروعها الّتي تأسّست في مدّة غيابه في أوروبّا, وهذا يتنافى مع قبول الانتداب الّذي اتّفق عليه"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 73.(1/194)
حاول السّيّد محب الدّين دراسة أسباب تمكّن الفرنسيين من احتلال سوريّا بهذه السّهولة والسّرعة, وأرجع ذلك إلى انشقاق الملك فيصل, ورجوعه عن موقفه الأوّل الرّافض للانتداب, والدّاعي لمقاومة الفرنسيين, وقبوله الانتداب. وفي إحدى مقالاته بيّن بأنّ الإحتلال الفرنسي لسوريّا كان نتيجة "احتلالهم الثّقافيّ والاقتصاديّ في الخمسين سنة الأخيرة للحكم التّركي, وكان هذا نتيجة ضعف الأمّة العربيّة القوميّ والإجتماعيّ من ألف سنة أو تزيد"(1). واضطرّ السّيّد محب الدّين إلى الهرب من سوريا بعد دخول الفرنسيين إليها, لملاحقتهم له, بسبب نشاطاته السّابقة الّتي تحدّثنا عنها, ورفضه الصّريح لقبول الانتداب الفرنسي.
كان السّيّد محب الدّين يعتقد أنّ استقلال سوريا سيؤدّي حتماً إلى استقلال جميع البلاد العربيّة, وسوف يساعد على إرجاع هذه الأمّة إلى موكب الحضارة. وكان يعتبر نفسه " أوّل إنسان على وجه الأرض دعا أبناء جيله من شباب العرب المثقّفين المخلصين لا على وحدة سوريا واستقلالها وحسب, بل إلى بعث الأمّة العربيّة وإرجاعها إلى دولاب العمل في حياة الإنسانيّة, بعد أن كفّ الشّعوبيون وأعداء الإسلام يدها عن هذه المهمّة أكثر من ألف سنة"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حادثة الجلاء عن سوريّا", في الفتح 834 (جمادى الأولى, 1365),531.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "السّم في الدّسم", في الفتح, 838 (رمضان, 1365), 596.(1/195)
ويخطر سؤال على البال, وهو لماذا لم يبقَ السّيّد محب الدّين في سوريا لمقاومة الإحتلال الفرنسي مع من بقي من رفاقه, وآثر الهروب والخروج إلى مصر؟, و يمكن أن نجيب عن ذلك بأنّ طلب الفرنسيين للسّيّد محب الدّين, وملاحقتهم له من أوّل يوم دخلوا فيه إلى سوريا, كان سيُقيّد حركته, وبالتّالي, وبسبب ظروف البلد, وعدم وجود جيش ومقاومة منظّمة فيه, رأى السّيّد محب الدّين أنّ الخروج من البلد أولى, لذلك خرج إلى مصر, ليجد هناك مكاناً ملائماً لمتابعة نشاطه. وهناك ناحيّة أخرى يجب الانتباه إليها, وهي إيمان السّيّد محب الدّين بوحدة البلاد العربيّة, ونظرته إلى أنّ البلاد العربيّة وحدة واحدة لا تتجزّأ, لذلك فهو لم يكن يرى أنّ خروجه من سوريا إلى مصر هو ترك للواجب, بل هو انتقال من ميدان إلى ميدان آخر, والهدف واحد, هو استقلال البلاد ورفعة الأمّة. فالبلاد العربيّة كلها أجزاء من وطن واحد كبير هذه الأجزاء تشترك فيما بينها بكثير من السّجايا والخصال والمواهب والتّضاريس والامتداد الجغرافيّ والتّاريخيّ. لهذا فهو أينما وُجد في أيّ بقعة من هذا الوطن الكبير يقوم برسالته الّتي آمن بها على حسب تصوّره, وبالطّريقة الّتي يراها مناسبة.(1/196)
وبالرّغم من مغادرته لسوريا, إلّا أنّه كان على صلة واطّلاع على ما يجري في بلده أوّلاً بأوّل. فعندما قامت معاهدة عام 1936م بين سوريّا وفرنسا(1), مثلاً, بيّن رأيه بصراحة فيها قائلاً: "إنّ فرنسا فرضت إنتدابها على سوريا بقوّة السّلاح, وباشرت ذلك على طريقتها المعلومة من يوم ميسلون إلى أن عقد هؤلاء الإخوان معاهدة معها, يُراد أن يحلّ التّحالف والصّداقة محلّ الانتداب, وأن تكفّ فرنسا يدها عن شؤون الإدارة والحكم والقضاء والتّشريع, مكتفية بالإحتياط, لحماية البلاد من مفاجآت خارجيّة, إلى وقت محدود, تكون سوريا قد أعدّت فيه قوات مسلّحة تدافع بها عن نفسها. إنّ سوريا ليست محتاجة إلى اعتراف رسميّ من فرنسا باستقلالها ......, إنّما الّذي تحتاجه سوريا هو انتهاء هذا الانتداب, وسحب فرنسا قوّاتها المسلّحة من البلاد إلى نقط محددة واضحة, وأن تُطلق أيدي السّوريين في شؤونهم التّشريعيّة والقضائيّة والإداريّة, فتكون كلّ بقعة, غير النّقط المعيّنة والمحدّدة, آمنة من أيّ احتلال عسكريّ, وتكون الإدارة الدّاخليّة سالمة من كلّ سيطرة أجنبيّة. ولمّا كانت سوريا عضواً في جسم القوميّة العربيّة والملّة الإسلاميّة, فيجب أن لا تكون المعاهدة مصدر خطر على الأقطار العربيّة والإسلاميّة المجاورة لها"(2)
__________
(1) ـ تمت بين حكومة هاشم الأتاسي عام 1936م وفرنسا بشأن حريّة سوريا. ومن أهمّ بنودها: قيام سلم وصداقة بين الجانبين, وتقدّم فرنسا لسوريا حماية, وتقوم فرنسا بمدّ سوريا بالمستشارين الفنيّين والقضاة والموظفين. وكانت المعاهدة مؤلّفة من تسعة مواد وملحق عسكري, وتسري فعاليتها لمدة 25 سنة. وقد لاقت اعتراضات كثيرة من معظم الفئات الوطنيّة؛ انظر, سعدي, سعد, معجم الشّرق الأوسط, 110 ـ 111؛ والشّهبندر, عبد الرّحمن, المقالات, تحقيق محمّد كامل الخطيب, 96.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "إلى الأمّة العربيّة الكريمة, المعاهدة السّوريّة مع فرنسا هل حققت استقلال سوريا؟", دمشق, الوثائق التّاريخيّة, القسم الخاصّ, الإتحاد الوطني, البيانات, الوثيقة رقم 8/8, 8 ـ 9.(1/197)
. وهذا الرّأي للسّيّد محب الدّين طُبع مع رأي آخر مشابه للمجاهد الدكتور عبد الرّحمن الشّهبندر(1) في كتيّب صغير, أصبح فيما بعد وثيقة هامّة من وثائق الحركة التّحرريّة في سوريا. وبهذا نجد أنّ السّيّد محب الدّين ورغم بعده عن سوريا, إلّا أنّه لم يكن بعيداً عن أحداثها وهمومها ومصالحها, فهي بلده وحبّه الأوّل والأخير.
د ـ قضيّة فلسطين وموقفه منها:
شغلت قضيّة فلسطين حيّزاً كبيراً من اهتمام السّيّد محب الدّين, وهو كغيره من المسلمين تألّم لهذه المصيبة الكبيرة. ولكنّه حاول في مقالاته, وخصوصاً في مجلّته الفتح, أن يحلّل أسباب هذه المصيبة وأن يقترح الحلول المناسبة لها, وجاء المجلد السّابع عشر من مجلّة الفتح غنيّاً بالمقالات الّتي تتناول قضيّة فلسطين وتحلّلها, وتنشر الأخبار العالميّة والإسلاميّة والعربيّة المتعلّقة بفلسطين, وجاء فيه أيضاً قصائد كثيرة تتحدّث أيضاً عن القضيّة. وقد خُصص العدد 828 بمجمله من مجلّة الفتح لفلسطين, وحمل عدداً كبيراً من المقالات الّتي كتب منها السّيّد محب الدّين الشّيء الكثير, وجاءت الأعداد 835 و836 أيضاً غنيّة بمثل هذه المقالات.
1 ـ العرب والمسلمون لا يقبلون التّخلي عن فلسطين:
__________
(1) ـ عبد الرّحمن الشّهبندر, ولد في دمشق عام 1879م, درس في الكليّة السّوريّة الإنجيليّة في بيروت, وتخرّج من كليّة الطّب عام 1906م, كان من الخطباء المفوّهين, ومن رجال الوطنيّة والقوميّة, هرب من جمال باشا عام 1915م, وعاد إلى دمشق مع دخول قوات فيصل, شارك كوزير للخارجيّة في الحكومة الفيصليّة, حكم عليه بالإعدام, اغتيل عام 1940م, من كتبه القضايا الإجتماعيّة الكبرى؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5, 141؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 555؛ والشّهبندر, عبد الرّحمن, مذكّرات وخطب, تحقيق محمّد كامل الخطيب, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, ط1, 1993, 69 وما بعدها.(1/198)
أكّد السّيّد محب الدّين أنّ العرب والمسلمين لا يقبلون التّخلي عن هذه البقعة الغالية من الوطن مهما كانت الأسباب, فمائة مليون عربيّ, ومن ورائهم ثلاثمائة مليون مسلم غير مستعدّين للتّضحية بهذا الجزء من قلب وطنهم وصميمه, لا لليهود ولا لغير اليهود(1). وسيعتبرون أيّ دخيل على هذه الأرض هو غازٍ لها, يجب عليهم محاربته, ومحاربة من يعاونه. فهم يرون تمكين الصّهيونيّة من وطنهم فلسطين غزواً, وسيعاملون معاملة العدوّ المحارب كلّ من يشعرون فيه الميل إلى هذا البغي, والمساعدة عليه, والتّوطئة له, والدّعوة إليه, والسّرور به, حتّى لو كان من أبنائهم وعشيرتهم(2).
فأرض فلسطين في نظر السّيّد محب الدّين هي أرض غالية لا يجوز التّفريط فيها, بل يجب الدّفاع عنها ضدّ أيّ شخص أو هيئة تريد التّعرّض لهذا الجزء الغالي من العالم الإسلاميّ, لذلك فقد اعتبر أنّ الضّعف في الدّفاع عن هذا الجزء هو جريمة, لما لفلسطين من قدسيّة خاصّة. ذلك أنّ الضّعف في نظره جريمة, وأقبح ما تكون جريمة الضّعف إذا لصقت بمن أقامهم اللّه حرّاساً على نصيب من الحقّ ومن الحقّ الّذي أقام اللّه المسلمين حرّاساً عليه, حقّ السّيادة الإسلاميّة على وطن الإسراء والمعراج أولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين (3).
2 ـ الضعف والغفلة هما من مكّن اليهود من فلسطين:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظرات جديدة إلى قضيّة فلسطين", في الفتح, 827(شوال, 1364), 420.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "قضيّة فلسطين في طورها الحاسم", في الفتح, 835 (جمادى الآخرة, 1365), 551.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "حقّ العروبة والإسلام في فلسطين", في الفتح, 837 (شعبان, 1365), 578.(1/199)
وكان السّيّد محب الدّين يرى أنّ السّبب الّذي مكّن اليهود من فلسطين هو عدم وجود القوّة الّتي تقف في وجه اليهود وتقاتلهم, وذلك بسبب ضعف الأمّة العربيّة, هذا الضّعف الّذي استولى عليها زمن الدّولة العثمانيّة. فحقّ العروبة والإسلام في فلسطين لم يكن مسلّحاً بالقوّة الّتي تستطيع الدّفاع عنه, لأنّ نظام الحكم في دولة آل عثمان, كجراثيم السّلّ الرّئويّ في شرايين الأمم, الّتي كانت تتألّف منها الدّولة(1).
وكان يرى أنّ الخوف على المسلمين ليس من أعدائهم, بقدر ما يكون من التّقصير والغفلة الّتي أضاعوا بها هذا الجزء الغالي من الوطن, فكان يقول دائماً أنّ الخوف علينا ليس من أعدائنا مهما كانوا, وإنّما الخوف علينا من تقصيرنا وغفلتنا, ومن التّسامح في تسرّب أموالنا إلى خزائن أعدائنا, فإذا استيقظنا, واتّخذنا للأمور أسبابها, ودخلنا البيوت من أبوابها وصلنا إليها لا محالة, وكلّ من سار على الدّرب وصل(2). فهو في هذه المقالات يبيّن أنّ الضّعف والغفلة كانتا السّبب الرّئيس الّذي مكّن اليهود من فلسطين وعلى العرب والمسلمين إذا أرادوا إستعادة هذا الجزء الغالي من الوطن, أن ينفضوا عنهم غبار الضّعف, ويتنبّهوا لما يُحاك في الظّلام ضدّهم وضدّ أرضهم.
3 ـ مسؤوليّة العرب والمسلمين والعالم تجاه فلسطين:
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 578.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "مصيبة العرب باليهود, ومصيبة اليهود بالصّهيونيين", في الفتح, 842 (ربيع الآخر, 1366), 685.(1/200)
حمّل السّيّد محب الدّين العرب والمسلمين مسؤوليّتهم تجاه ما جرى في فلسطين, وبيّن في مقالاته أنّ زمن الإحتجاج والثّرثرة والدّفع بالقول قد انقضى, وعلى المسلمين من سور الصّين وجزائر إندونسيا إلى سواحل بحر الظّلمات, أن ينظّموا دفاعهم عن فلسطين, على اعتبار من يدعو إلى الصّهيونيّة ويهشّ لها محارباً لا يجوز معاملته ولا تمكينه من أيّ خير, واعتبار من يقاومها ويدرأ شرّها, صديقاً يُحفظ له جميله, ويقابل عليه بخير منه(1). وكان يعتبر أنّ الدّول والحكومات مسؤولة عن فلسطين, كلّ حسب ما يستطيع. وكان يدعو المسلمين إلى نوع من المقاطعة مع كلّ من يقف ضدّ القضيّة, وإلى المساندة والتّعاون مع كلّ من يقف مع القضيّة. وكان يحمّل الأفراد أيضاً مسؤوليّتهم تجاه فلسطين, فعلى أغنياء العالم الإسلاميّ وزعماء البلاد العربيّة, أن ينظّموا قوى عرب فلسطين الاقتصاديّة والعمرانيّة والعلميّة والأدبيّة, تنظيماً فنّياً يذلل العقبات في طريق الحياة القوميّة, ويبيّن لهم وسائل الخير ليستفيدوا من كثرتهم, ومعادن نفوسهم, وقوى إيمانهم, وبذلك وحده تنهزم قوى الشّرّ ويبيد اللّه المعتدين(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "قضيّة فلسطين في طورها الحاسم", في الفتح, 835 ( جمادى الآخرة,1365), 552.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "من تاريخ الصّهيونيّة", في الفتح, 828 (ذو القعدة, 1364), 444.(1/201)
ولم يكتفِ السّيّد محب الدّين بالطّلب من العرب والمسلمين أن يجاهدوا في سبيل حلّ هذه القضيّة وإعادة الحقّ إلى أصحابه, بل كان يحمّل الحكومة البريطانيّة مسؤوليّتها, ويطلب منها أن تصلح خطأها, لأنّها كانت السّبب المباشر لما يعانيه الفلسطينيون من ظلم وتشريد, وكانت هي العون الأوّل الّذي ساعد اليهود على احتلال فلسطين. وإنّ أبسط قواعد العدل الأوّليّة تقضي على الدّولة البريطانيّة المنتدبة بتحقيق مجموعة من المطالب, منها منع الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين, وعدم منع اليهود من العودة إلى بلادهم وعدم تسهيل بيع الأراضي لهم في فلسطين, ومطالبة الأكثريّة العربيّة في فلسطين بحقّها بأوقافها وشؤونها الإسلاميّة بلا إشراف ولا تدخّل من أحد, ويطالبون أيضاً بحقّهم من الوظائف في الدّولة, ويطالبون بمحاسبة السّفّاكين والخارجين على القانون من اليهود"(1).
كما أنّه طالب الأمم المتّحدة أن تحكم بعدل في قضيّة فلسطين ودون تحيّز. وحمّل هذه الهيئة مسؤوليّتها فقال: "هيئة الأمم واقفة أمام طريقين لا ثالث لهما, فإمّا أن تذعن للباطل الّذي أذعن له البريطانيون يوم صدر عنهم قرار بلفور....., أو أن تذعن هيئة الأمم للحقّ, وتعلن بطلان وعد بلفور, وبطلان كلّ ما يترتب عليه, وتلك هي الحريّة الّتي ستكون بداية عهد جديد للإنسانيّة, تنتقل منه إلى خير مما كانت فيه"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مطالب العرب في فلسطين ريثما تحلّ قضيّتها", في الفتح, 828 (ذوالقعدة, 1364), 1 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "قضيّة فلسطين أمام هيئة الأمم المتّحدة", في الفتح, 848 (شوال, 1366), 846.(1/202)
أمّا بالنّسبة للسّاسة والدّول والهيئات العالميّة فهي واقفة كلّها موقف الإمتحان, ليحكم التّاريخ حكمه في مبلغ عبوديتها للضغط اليهودي ومبلغ شعورها بروح الإنصاف الإنساني. إنّ العرب لا يستجدون الحريّة لفلسطين من دول أوروبّا أو من ساسة أمريكا أو من الهيئات الدّوليّة فالحقّ حقّ لصاحبه وصاحب الحقّ لا يستجديه. ولكنّ مائة مليون من النّاطقين بالضّاد, ومن ورائهم ثلاثمائة مليون آخرون من المؤمنين برسالة محمّد بن عبد اللّه, واقفون الآن موقف الحزم والجدّ والاستعداد, يراقبون رجال الغرب وحكوماته وهيئاته وشعوبه, متسائلين هل آن لهؤلاء أن يتحرّروا من تأثير اليهود عليهم, وتوجيههم لهم في غير الطّريق الّذي تقتضيه مصالحهم, ويحفظون به شرفهم أمام الأجيال الآتية؟"(1).
4 ـ التّحذير من أطماع اليهود ووسائلهم:
حذّر السّيّد محب الدّين العرب والمسلمين من أطماع اليهود, لأنّها لا تقف عند حدود معيّنة, وقد جنّدوا لحربهم كلّ الوسائل, من شهوات وزخارف, وكماليات وضروريات, وأوهام وحقائق وأكاذيب وأسلحة وأخلاق وأقلام وأفلام, وسيحاربوننا بهذا كلّه. لذلك يجب علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الخطر الدّاهم, ويجب أن نرجع مسلمين ولنا أخلاق الإسلام, ويجب أن نرجع عرباً, ولنا كلّ ما في العروبة من سلامة الفطرة, وصدق اللّهجة, ومضاء العزيمة, عندئذ فإنّ الدّجّال وقومه وأعوانهم ستكون نهايتهم بأيدي أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم -, وما علينا إلّا أن نستعد(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "قضيّة فلسطين امتحان لروح الإنصاف واستقلال الرّأي في ساسة هذا العصر ودوله", في الفتح, 849 ( ذو القعدة, 1366), 687.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "فتنة المسيح الدّجال آخر أهداف الحركة الصّهيونيّة", في الفتح, 848 (شوال, 1366), 829.(1/203)
وإذا كان السّيّد محب الدّين مدركاً لأسلحة اليهود الّتي يحاربوننا بها, فإنّه مدرك أيضاً أنّه يجب علينا أن نتسلّح بما ندفع به هؤلاء الأعداء, فالمسلمون يستطيعون أن يجهّزوا المجاهدين العرب في فلسطين بكلّ ما جهّز به يهود العالم يهود فلسطين من سلاح, ولكنّ يهود العالم لا يستطيعون أن يجهّزوا يهود فلسطين بمثل ما جهّز اللّه به قلوب عرب فلسطين من بسالة وإيمان. ويجب أن نبادر من الآن إلى إقامة مصانع للذّخيرة والأسلحة, نبدأ بما نستطيعه, ثمّ نعمل جهدنا على التّوسّع بها ما استطعنا التّوسّع بها فإنّها من تمام الجهاد وهي من الواجبات الشّرعيّة لأنّنا مأمورون في ديننا أن نعدّ لهم ما استطعنا من قوّة(1).
5 ـ قضيّة فلسطين توحّد العرب والمسلمين:
اعتبر السّيّد محب الدّين الخطيب أنّ قضيّة فلسطين يجب أن تُوحّد العرب والمسلمين, وأن يتعاونوا مع بعضهم بعضاً لطرد هذا العدوّ بكلّ ما يستطيعون, وبكلّ الوسائل المتاحة أمامهم, وأن يكون الإخلاص لدينهم وعروبتهم هو السّبيل للنّصر, وبغير ذلك لن يستطيع العرب والمسلمون أن يستعيدوا هذا الجزء الغالي من العالم الإسلاميّ.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "بماذا نجاهد ؟", في الفتح, 852 (صفر, 1367), 36.(1/204)
لذلك فإنّ فرح السّيّد محب الدّين بالجيوش العربيّة المتّجهة إلى القدس كان كبيراً. واعتبر أنّ قضيّة فلسطين هي السّبيل إلى السّيادة والوحدة العربيّة. فهذه الجيوش الزّاحفة إلى فلسطين لتقيم فيها الحقّ, وتقمع الباطل وتسحق أهله تمثّل أمماً منّا, تحمل مواريث الإنسانيّة بجميع أمجادها....ومن أوّل ثمرات جهادنا هذا وحسن ختامه ما نشاهده من تكتّل النّاطقين بالضّاد وتعاونهم المشترك, وما كان الإسفين الصّهيوني الّذي يهدد مستقبل الشّعوب العربيّة كلّها ليُقاوم مقاومة محقّقة النّتائج, ومحمودة العواقب, إلّا بالتّعاون بين دول الجامعة العربيّة(1).
6 ـ رأي طريف بوعد بلفور:
وللسّيّد محب الدّين الخطيب رأي طريف بالنّسبة لوعد بلفور, فهذا الوعد في رأيه هو شؤم على اليهود, وخير على العرب والمسلمين. وذلك لأنّ هذا الوعد أفقد اليهود مكانتهم بين أمم أوروبّا, ولأنّه جرّ عليهم عداء المسلمين في كلّ أرجاء الأرض, وبالتّالي هو شؤم أيضاً على الإنكليز لأنّه ورّطهم, أمّا العرب فهو خير عليهم لأنّه أيقظهم من نومهم.
ووعد بلفور هو الّذي جرّأ اليهود على هذا البغي, ففقدوا مكانتهم القديمة في أمم أوروبّا, واستنفروا مائة مليون من العرب, وأربعمائة مليون من المسلمين لمقاومتهم. فهو مشؤوم عليهم بما جرّه عليهم في العشرين سنة الماضيّة من شرّ قليل, وبما سيجرّه عليهم في العشرين سنة المقبلة من شرّ عظيم, وكان مشؤوماً على الإنكليز لأنّهم لا يعرفون كيف ينقذون أنفسهم من الورطة الّتي وقعوا فيها بسبب هذا الوعد...........أمّا العرب والمسلمون فكان مباركاً لهم, لأنّه أيقظهم من نومهم, وحثّهم على استعمال قواهم الكامنة, وسجاياهم الّتي عطّلوها, وكادوا ينسون أنّهم أصحابها(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "هذا هو طريق السّيادة", في الفتح, 857 (رجب, 1367), 155 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "مشؤوم", في الفتح, 828 (ذو القعدة, 1364), 436.(1/205)
وكان يرى أنّ مصيبة العرب باليهود أيسر من مصيبة اليهود بالصّهيونيّة, لما جرّته على اليهود من مصائب لا يعرفون كيف يخرجون منها. فمصيبة العرب في فلسطين أيسر بكثير من مصيبة اليهود أنفسهم بنفر منهم اعتنقوا الأوهام الصّهيونيّة, وخادعوا بني قومهم, وورطوهم في سراديب عرفوا مداخلها, وعُمّيت عليهم المخارج(1).
7 ـ عودة اليهود إلى بلادهم:
واعتبر السّيّد محب الدّين أنّ السّبب الّذي دفع اليهود للخروج من بلادهم, وهو الاضطهاد الّذي تعرّضوا له على يد أتباع النّازيّة, قد زال, لذلك يجب أن تعود الحالة كما كانت قبل الاضطهاد وأن يُسمح لليهود بالعودة إلى أوطانهم, لأنّ المنطق الفطريّ السّليم في رأيه صار يقضي بالرّجوع في أمر اليهود على ما كانوا عليه قبل الاضطهاد, أي أن يرجع كلّ مولود في بلد إلى البلد الّذي وُلد فيه......., ثمّ إنّ الحلّ الجديّ لقضيّة اليهود المظلومين فيما مضى, بإخراجهم من أوطانهم لا سبيل إليه إلّا برفع هذا الظّلم عنهم, بإعادتهم من فلسطين إلى أوطانهم, إلى ألمانيا والنّمسا وبولندا وروسيا وأمريكا وأيّ مكان آخر وُلدوا فيه, ولم يعد يقدر أحد أن يمنعهم من العودة إليه(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مصيبة العرب باليهود ومصيبة اليهود بالصّهيونيين", في الفتح, 842 (ربيع الآخر , 1366), 685.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " نظرات جديدة إلى قضيّة فلسطين ", في الفتح, 827 (شوال, 1364), 420.(1/206)
مما سبق, يتّضح لنا أنّ السّيّد محب الدّين كان يعرف أنّ السّبب الّذي مكّن اليهود من فلسطين هو الضّعف, وأنّ السّبيل إلى استعادة الحقّ لا يكون إلّا بمعرفة العدوّ, والاستعداد الكامل لمواجهته. وعلى جميع العرب والمسلمين أن يقدّموا كلّ ما يستطيعون لهذه المواجهة, من مال وعلم ومعرفة وجهاد. وأنّ العالم كلّه وخصوصاً بريطانية, مسؤول عن إعادة الحقّ لأصحابه, وإعادة اليهود إلى أراضيهم. وأنّ الصّهيونيّة ووعد بلفور هي شؤم على اليهود, لما جرّته عليهم من شرور, ولما ستجرّه عليهم من مصائب في المستقبل القريب.
وعاش السّيّد محب الدّين مخلصاً للقضيّة الفلسطينيّة, ومعتبراً أنّ هذه القضيّة هي قضيّة العرب والمسلمين جميعاً, وهم مسؤولون أمام اللّه عن استعادة هذه الأرض المقدّسة إلى حظيرة العروبة والإسلام, وإنقاذها من براثن الصّهيونيّة البغيضة.
الفصل الثّاني
الاتجاهات القوميّة في فكر
السّيّد محب الدّين
العربيّة والعروبة في فكره
تمهيد :
بسطت السّلطنة العثمانيّة سيطرتها على البلاد العربيّة فترة طويلة من الزّمن, ولم تلقَ مقاومة من جانب العرب, والسّبب هو اشتراك العرب والتّرك في الدّين. وكان العرب المسلمون التّابعون للدّولة العثمانيّة ينظرون إلى التّاريخ بنظرات إسلاميّة بحتة, فيذهبون إلى أنّ المفاخر والأمجاد تنحصر فيما دوّنه تاريخ الإسلام ......., ولهذا السّبب ما كان يرتسم في أذهان هؤلاء صورة تاريخ يستحقّ التّسمية باسم تاريخ الأمّة العربيّة(1).
__________
(1) ـ الحصري, ساطع, محاضرات في نشوء الفكرة القوميّة, 122 ـ 123.(1/207)
وفي هذا الوقت لم يكن هناك شيء يُسمّى بالقوميّة العربيّة, ولم يكن هناك تفكير بها, ولكنّ أمارات نشوء القوميّة العربيّة ظهرت في القرن التّاسع عشر, وذلك مع بداية النّهضة الأدبيّة والعلميّة الّتي ظهرت في البلاد العربيّة, نتيجة للاحتكاك مع الغرب والتأثّر به, وبما انتشر فيه من أفكار عن القوميّة والحريّة والعدالة والمساواة والتقدّم(1).
ورافق ذلك ظهور مفكّرين ومصلحين تجلّت عندهم مظاهر الانحطاط والتّأخّر في السّلطنة العثمانيّة. وكانت مظاهر الانحطاط في الدّولة العثمانيّة في القرن التّاسع عشر كثيرة لكنّ أعراض الضّعف السّياسيّ والتّفكك الإداريّ والانقضاض الأوروبيّ على أطراف الدّولة, هي الّتي ولّدت لدى هؤلاء المفكّرين وعياً مباشراً بواقعة الانحطاط والتّقهقر(2), وبدأ التّفكير بالإصلاح. وكانت دعوات الإصلاح من مفكّرين ومصلحين ينتمون إلى السّلطنة العثمانيّة ويخلصون لها.
هؤلاء المفكّرون كانوا يدركون أنّ الغرب قد تجاوز الشّرق في بعض النّواحي, وكانوا يشعرون في الوقت ذاته أنّ الإسلام وطريقة العيش العثمانيّة سليمان في الأساس, وكانوا يظنّون أنّ كلّ ما تمسّ الحاجة إليه هو اقتباس بعض الأمور من الغرب, وبذلك يمكن ردم الفجوة(3). لكن بسبب فشل الإصلاحات الّتي دعا إليها هؤلاء المفكّرون وغيرهم, بدأ التّفكير العربيّ يتّجه اتّجاهاً آخر. ويمكن أن نبيّن مراحل نشوء القوميّة العربيّة كما يلي:
__________
(1) ـ خوري, رئيف, الفكر العربي الحديث, تحقيق وتقديم محمّد كامل الخطيب, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, ط3, 1993م, 114؛ وقطب, محمّد, مذاهب فكريّة معاصرة, 498.
(2) ـ جدعان, فهمي, أسس التّقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربيّ الحديث, 254.
(3) ـ حوراني, ألبرت, و س خوري, فيليب, وويلسون, ماري ك, الشّرق الأوسط الحديث, من العثمانيّة إلى العروبة أصول إيد يولوجيّة, بقلم أرنست دون, 1, 52.(1/208)
1ـ بدأ التّفكير بأنّ السّلاطين العثمانيين لا يستحقّون الخلافة, لأنّ الخلافة الإسلاميّة يجب أن تكون في العرب, ومن قريش خاصّة, تصديقاً لحديث الرّسول - صلى الله عليه وسلم - (1). وهذا التّفكير يعتبر بداية الشّعور بالكيان العربيّ القوميّ.
2 ـ وظهر أوّل مجهود عربيّ من أجل إحياء القوميّة العربيّة في عام 1875م(2). وذلك عندما ألّف مجموعة من الشّبّان في بيروت جمعيّة سرّيّة, نشرت مجموعة من المنشورات الّتي فضحت مساوئ الحكم التّركيّ, ودعت العرب إلى القيام بثورة لتحطيم الظّلم والاستبداد. وحاولت هذه المنشورات أن توحّد بين العرب, حتّى لا يقعوا فريسة بين براثن الاستعمار الأجنبي, وذكّرتهم بمجدهم السّالف, وبضرورة العمل على إعادته(3).
__________
(1) ـ حديث النّبي - صلى الله عليه وسلم - " الأئمة من قريش, أبرارها أمراء أبرارها, وفجّارها أمراء فجّارها..........." إلى آخر الحديث, وهو حديث صحيح؛ انظر, السّيوطي, جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال (- 911/ 1505), الجامع الصّغير, 480.
(2) ـ أنطونيوس, جورج, يقظة العرب, ترجمة ناصر الدّين الأسد وإحسان عباس, بيروت, دار العلم للملايين, 1962, 150.
(3) ـ يحيى, جلال, العالم العربيّ الحديث, 231.(1/209)
3 ـ ومن الحقّ أن يُقال, إنّ ظهور القوميّة العربيّة قويّة واضحة, وواسعة وعمليّة معاً, كان نتيجة من نتائج إعلان الدّستور العثماني سنة 1908م, وكردّ فعل على الحركة القوميّة التّركيّة, الّتي اشتدّت كذلك بعد هذا الإعلان(1). فالحركة القوميّة التّركيّة الّتي ظهرت قويّة بعد إعلان الدّستور العثمّاني, وطغيان أعضاء جمعيّة الإتحاد والتّرقي, الّذين حاولوا بسط قوميّتهم على عموم البلاد العثمانيّة, واحتقارهم لكلّ القوميّات الأخرى, أو على الأقلّ تجاهل حقّ باقي الشّعوب الّتي تخضع للدّولة من بعث قوميّتهم, كلّ هذا أيقظ الشّعور القوميّ عند شعوب كثيرة كانت خاضعة للسّلطنة العثمانيّة, مثل العرب والأرمن واليونان والأكراد, الّذين بدؤوا يطالبون بحقوقهم. واتّجهوا في سبيل ذلك إلى تأليف الجمعيّات السّريّة وقد "شعر مفكّرو العرب, وفي مقدّمتهم الطّلاب المدنيون والعسكريون الّذين يدرسون في استانبول العاصمة, بالحسّ الوطني, فألّفوا الجمعيّات السّريّة, الّتي تنادي بالقوميّة العربيّة, وطالبوا بالحكم اللّامركزي في سوريّة والعراق, واستعمال اللّغة العربيّة في المدارس ودور الحكومة والقضاء. وعُقد المؤتمر العربيّ في باريس سنة 1913م, فلم تخرج مقرراته عن تلك المبادئ(2).
__________
(1) ـ دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, 20.
(2) ـ بصيري, مير, أعلام الوطنيّة والقوميّة العربيّة, لندن, دار الحكمة, 1999, 26.(1/210)
4 ـ وبلغ الشّعور القومي ذروته, عندما قرّر العرب الثّورة على الأتراك لنيل الاستقلال عنهم, وتشكيل كيانهم القوميّ الموحّد بعدما دفعهم الإتحاديّون إلى الثّورة دفعاً, وقام العرب بثورتهم, ونالوا الاستقلال الّذي حلموا به, وشعر العرب لأوّل مرّة بأنّ لهم كياناً مستقلّاً يجسّد طموحاتهم, ويجمعهم برابطة العروبة. إلّا أنّ فرحة العرب باستقلالهم لم تدم طويلاً وكانت خيبتهم كبيرة عندما استطاع المستعمرون الأوروبيّون الانقضاض على هذا الكيان وتمزيقه, واقتسامه كقطع متفرّقة زرعوا فيما بينها حدوداً مصطنعة, فرّقت بين العرب, وأصابتهم بخيبة أمل عظيمة.
5 ـ وكان طمع الأوروبيين في السّلطنة العثمانيّة من أهمّ العوامل الّتي أوصلت العلاقة بين العرب والترك إلى ما وصلت إليه من السّوء, فقد أظهرت الأيّام أن هؤلاء الأوروبيين قد خططوا منذ زمن بعيد للاستيلاء على البلاد العربيّة, ويدلّ على ذلك اتفاقيّة سايكس بيكو ووعد بلفور, الّلذان أظهرا بشكل فاضح نوايا هؤلاء للسّيطرة على هذه البلاد. لذلك فقد عملوا ما في وسعهم لتشجيع العرب على الانفصال والقيام بالثّورة.(1/211)
ويتّضح لنا مما سبق أنّ من الأسباب الّتي أدّت إلى ظهور القوميّة العربيّة كان التّخلّف الّذي سيطر على الدّولة العثمانيّة, والّذي دعا المفكّرين من أبناء الدّولة إلى محاولة معرفة أسبابه, والتّغلّب عليها للنّهوض بالأمّة. وكان لانتشار التّعليم, والتّماس المباشر مع النّهضة الأوروبيّة, ومعرفة الفرق الشّاسع بين الشّرق الغارق في نومه, والغرب النّاهض والمتحفّز, أثر كبير في السّعي الحثيث للإصلاح. غير أنّ هذا الإصلاح لم ينجح, مما أدّى إلى قيام الثّورة, وإعلان الدّستور, الّذي علّق عليه العرب آمالاً كبيرةً من أجل الإصلاح والتّقدّم. بيد أنّ الإتحاديّين خيّبوا هذه الآمال, واتّخذوا من الاستبداد والضّغط والاحتقار وسيلتهم لإرضاخ القوميّات الأخرى, ولم ينتبهوا إلى أنّ هذه السّياسة هي الّتي ستدفع هذه الشّعوب ومن بينها العرب إلى المطالبة بحقوقها وقوميّتها.
وقامت الثّورة العربيّة الكبرى, وحصل العرب على استقلالهم, وبهذا وصل العرب مبتغاهم بتحقيق كيانهم القوميّ المنشود. غير أنّ الأمور لم تجرِ بالسّهولة الّتي تصوّروها, فقد كان الأوروبيّون يخطّطون منذ زمن للاستيلاء على هذه البلاد, واستطاعوا القيام بذلك. وكان من نتائج هذا الاستيلاء تجزئة البلاد العربيّة, مما نقل الشّعور القوميّ من كونه لاحماً للمجتمع العربيّ بعد الاستقلال عن العثمانيين, إلى أن صار حركة سياسيّة هدفها مقاومة التّجزئة والدّعوة للوحدة وذلك بعد الإحتلال الأوروبيّ(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محمّد كامل, القوميّة والوحدة, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1994, 1, 1 ـ 8.(1/212)
وجدت القوميّة العربيّة نفسها في مواجهة دعوات إقليميّة قوميّة, كانت من نتائج التّجزئة, كالدّعوة إلى القوميّة السّوريّة والمصريّة وغيرهما. كما وجدت أنّها بحاجة إلى تعريف دقيق لمفهوم القوميّة, والّتي جعلت من العروبة أهمّ رابطة تجمّع العرب على اختلاف بلدانهم. ويعتبر الشّيخ رفاعة رافع الطّهطاوي(1) من أوائل العلماء الّذين طالبوا بالإصلاح في البلاد العثمانيّة, بعد أن أحسّ بوطأة الانحطاط الّذي تعاني منه هذه البلاد. وقد أمضى "في فرنسا سنوات 1826 – 1831م, ووصف تجربته في كتاب تمّ نشره عام 1834م"(2). ومن خلال إقامته فيها لمس الفرق الشّاسع بين الغرب النّاهض المتقدّم, والشّرق الغارق في نومه, وطالب بالإصلاح, إلّا أنّه ظلّ مؤمناً بأنّ الرّابطة العثمانيّة والدّين الإسلاميّ سليمان في الأساس, وكان يعتبر أنّ الشّرق يحتاج إلى اقتباس بعض الأمور من الغرب ليتقدّم وينهض ويلحق بالحضارة.
__________
(1) ـ رفاعة رافع الطّهطاوي, ولد بطهطا من أسرة شريفة, وتأدّب وتعلّم في الجامع الأزهر, ثمّ اُنتخب إماماً لبعض فرق الجيش, بُعث إلى فرنسا 1241هـ, وعاد سنة 1247هـ, اشترك في إنشاء جريدة الوقائع المصريّة ثمّ صار مديراً لمدرسة الألسن والتّرجمة, وتولّى إدارة مجلّة روضة المدارس المصريّة. عكف على التّرجمة والتّأليف حتّى توفّي سنة 1290هـ, وآخر ما ألّفه كتاب نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 29 ؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 4, 168.
(2) ـ دون, أرنست, من العثمانيّة إلى العروبة أصول إيديولوجيّة, الشّرق الأوسط الحديث, 3, 50.(1/213)
ومع تقدّم الأيّام وازدياد انحطاط الدّولة العثمانيّة, انطلق صوت قويّ هو صوت الشّيخ جمال الدّين الأفغاني, ومن ثمّ صوت تلميذه الشّيخ محمّد عبده يناديان بالإصلاح. وقد "انطلق تفكير الإمام محمّد عبده كما انطلق تفكير الأفغاني من قضيّة الانحطاط الدّاخلي, والحاجة إلى البعث الذّاتي, وكان يشعر كالأفغاني بوجود نوع من الانحطاط الخاصّ بالمجتمعات الإسلاميّة"(1). وكان الشّيخان الأفغاني ومحمّد عبده يعتبران أنّ العلاج اللّازم للخروج من الانحطاط يتمثّل بالعودة إلى الدّين الصّحيح, وإحياء التّاريخ العربيّ والإسلاميّ. وقد طالب الإمام محمّد عبده بحقوق العرب, وأحقّيتهم في حمل رسالة الإسلام.
وكان الشّيخ محمّد رشيد رضا(2), وهو تلميذ الإمام محمّد عبده, قد "توصّل كما فعل محمّد عبده من خلال مذهبه في إحياء الإسلام الأوّلي, إلى التّشديد على أولويّة العرب, ذلك أنّ العودة إلى الإسلام الأوّلي تتضمن بلا شكّ إحياء عربيّاً........, وبهذا يكون رشيد رضا قد طوّر وأكمل تأكيد محمّد عبده على ضرورة الإحياء العربيّ, كأساس لإحياء إسلاميّ عامّ. وأوضح رشيد رضا في الوقت ذاته المفهوم القائل بأنّ العرب هم خيار المسلمين"(3).
__________
(1) ـ حوراني, ألبرت, الفكر العربيّ في عصر النّهضة 1798ـ 1939, 169.
(2) ـ محمّد رشيد رضا, صاحب مجلّة المنار, ولد عام 1282 / 1865 في طرابلس, رحل إلى مصر عام 1315 هـ, ولازم الشّيخ محمّد عبده, وأنشأ مدرسة الدّعوة والإرشاد, توفّي في القاهرة عام 1354 / 1935, من أثاره, تفسير القرآن الكريم, ولم يكمله, وتاريخ الأستاذ الإمام محمّد عبده, وغيرها؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 5, 126؛ ومجموعة من المؤلّفين, المنجد في الأعلام, 264.
(3) ـ دون, أرنست, من العثمانيّة إلى العروبة أصول إيديولوجيّة, الشّرق الأوسط الحديث, 3, 59.(1/214)
ومثل محمّد رشيد رضا برز اسم السّيّد عبد الرّحمن الكواكبي, والّذي كتب عن الاستبداد, ودافع عن حقّ العرب في السّيّادة والرّيّادة, واعتبر أنّ العرب إذا تقدّموا ونهضوا فإن نهضتهم سوف تساهم, بلا شكّ, في نهضة المسلمين كافّة.
ولا ننسى الشّيخ طاهر الجزائري الّذي كوّن في الشّام حلقته الشّهيرة, والّتي كانت تضمّ العلماء والمثقّفين, فتألّفت من جماعهم أكبر حلقة أدبيّة, كانت تدعو إلى تعليم العلوم العصريّة, ومدارسة تاريخ العرب وتراثهم العلميّ, وآداب اللّغة العربيّة, والتّمسّك بمحاسن الأخلاق الدّينيّة(1). وقد عمل الشّيخ طاهر مع جماعة من العلماء والمثقّفين الّذين دعوا مثل دعوته, وعملوا مثل عمله من أمثال جمال الدّين القاسمي(2), والّذي كان من علماء الشّام الكبار. وكان أيضاً منهم الشّيخ عبد الرّزاق البيطار(3)
__________
(1) ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة, تاريخها وقوامها ومراميها, 59.
(2) ـ جمال الدّين القاسمي, إمام الشّام في عصره علماً بالدّين وتضلّعاً في فنون الأدب, ولد في دمشق سنة 1283 1866م, رحل إلى مصر, وزار المدينة, ونشر بحوثاً كثيرة في المجلّات والصّحف. من مصنّفاته, دلائل التّوحيد, وديوان خطب وغيرها. توفّي سنة 1332/ 1914؛ انظر, الفرفور, محمّد عبد اللّطيف, أعلام دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, دمشق, دار الملاح, ودار حسان, 1408/ 1987, 62؛ والحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, 1, 298.
(3) ـ عبد الرّزاق البيطار, ولد في دمشق 1253 / 1837, له نظم, واشتغل بالأدب مدّة, واقتصر في آخر أمره على علمي الكتاب والسّنة, وكان من دعاة الإصلاح. من كتبه, حليه البشر في تاريخ القرن الثّالث عشر, توفّي في دمشق سنة 1335 / 1916؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام , 3, 351؛ والحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, 1, 340.(1/215)
, الّذي كان يسير على خطّ زميليه نفسه, الشّيخ طاهر الجزائري, وجمال الدّين القاسمي.
شجّع هؤلاء المفكّرون غيرهم من شباب العرب, وغرسوا في عقولهم وقلوبهم حبّ التّحرر, والاعتزاز بالأمّة العربيّة, وبماضيها الحافل بالبطولة والعزّ والمجد. وقد تأثّر الشّباب بدعوتهم هذه, وألّفوا الجمعيّات السّريّة, والّتي اتّخذت من أفكار هؤلاء المصلحين مستنداً لها للمطالبة بحقوق العرب, وبالتّالي القيام بالثّورة العربيّة الكبرى, الّتي حققت للعرب استقلالهم, وكوّنت لهم كيانهم القوميّ الّذي حلموا به منذ زمن طويل.
ب ـ القوميّة الّتي نادى بها السّيّد محب الدّين, وعلاقتها بالإسلام:
عندما أسس السّيّد محب الدّين ورفاقه جمعيّة النّهضة العربيّة كان هدفها الأساسيّ هو " بعث المبدأ الوطنيّ القوميّ العربيّ, وتعليم الأميين في المدن السّوريّة "(1). وكان السّيّد محب الدّين صاحب فكرة تأسيس فرع لهذه الجمعيّة في دمشق, مما دعا لتسميته باعث النّهضة القوميّة العربيّة(2).
__________
(1) ـ الكزبري, سلمى الحفار, لطفي الحفّار, مذكّراته, 24.
(2) ـ المصدر نفسه, 35.(1/216)
أمّا القوميّة الّتي آمن بها السّيّد محب الدّين, فلم يكن إيمانه بها طارئاً, أو متماشياً مع غيره من شباب العرب. ولكنّه شبّ في حلقة الشّيخ طاهر, الّتي تعتبر المنهل الأوّل الّذي غرف منه حبّ العربيّة, والإيمان بعظمة التّاريخ العربيّ والاعتزاز بالقوميّة العربيّة. وتثبت الوثائق الحزبيّة والّتي تتعلق بجمعيّة النّهضة, أنّ السّيّد محب الدّين "أسس حلقة دمشق الصّغرى أسوة بحلقة دمشق الكبرى الّتي أسسها الشّيخ طاهر الجزائري, وكان يلازم الاجتماع في الحلقتين, ليكون الصّلة بينهما"(1). وفي هذه الحلقة كان يجتمع مع مجموعة من رفاقه, ويقرؤون من الكتب ما يقوّي عقيدتهم القوميّة. ومن هذه الحلقة انبثقت جمعيّة النّهضة العربيّة. وكان مؤسسو هذه الجمعيّة يؤمنون "بأنّ العروبة أكبر عناصر الجامعة الإسلاميّة, وأنّ اللّه اختارها لحمل أمانات الإسلام في عصره الأوّل لمزايا وخصائص فيها لا توجد في غيرها. وكانوا يؤمنون بأنّها المسؤولة الآن كما كانت المسؤولة في البداية عن حمل رسالة الإسلام وتجديد شبابه"(2).
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد اليقظة القوميّة, المناضل محب الدّين الخطيب", في البحث التّاريخي, 3 (ذو الحجّة, 1404 / أيلول, 1984), 28.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, الدّكتور صلاح الدّين القاسمي, 3 .(1/217)
1 ـ يورد السّيّد محب الدّين في كثير من كتاباته أنّ إيمانه بالقوميّة العربيّة كان منذ الصّغر, منذ أن كان ما يزال يدرس في مدرسة دمشق الإعداديّة مكتب عنبر, فكان يعيش مع رفاقه بنفحات الأمل " أمل حياة الأمّة العربيّة, أمل الاعتزاز بارتقاء الشّرق, أمل الاستقلال"(1). وفي مطلع شبابه كتب يقول: "لا ريب في أنّ آباءنا العرب كانوا حكّاماً, وأنّ الأوروبيين, حتّى في هذا العصر الرّاقي, معجبون بعدل أولئك الآباء الكرام, وحسن سياستهم وإدارتهم. ونحن أبناء أولئك الأباء, ولا ينقصنا إلّا أن نتمرّن على صناعة الحكم. ولاشكّ أنّنا متى مارسنا ذلك, على غير طريقة الظّلم والارتشاء والاضطراب والفوضى الّتي تعلّمناها من الأستانة, فإنّه لا يمضي علينا زمن قليل حتّى تعود إلينا تلك المزيّة الفائقة, ويصحّ فينا قول الشّاعر ومن يشابه أباه فما ظلم"(2). فالسّيّد محب الدّين كان يؤمن بأنّ العرب لابدّ لهم من دولة تجمعهم, وتوحّد كيانهم ويستطيعون بها أن يسهموا في بناء الحضارة العالميّة.
2 ـ وكان يُظهر الرّوابط الّتي تجمع العرب, وعلى رأسها اللّغة العربيّة. وكان يعتبر أنّ وحدة النّاطقين بالضّاد قضيّة معروفة عند العرب من عهد عهيد(3) والعرب في كلّ أدوار التّاريخ تعتزّ بوحدتها القوميّة فتغتبط أعضاؤها الاجتماعيّة بالخير يصيبه عضو منها أو مجموعها, وتجزع للشرّ يصيب عضواً منها أو مجموعها(4).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 2 ـ 3.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "إلى الأمّة العربيّة الوطن في خطر", خطبة ألقاها السّيّد محب الدّين في إحدى اجتماعاته مع رفاقه قبل الثّورة العربيّة, ملحق في كتاب محمّد عبد الرّحمن برج, محب الدّين الخطيب ودوره في الحركة العربيّة, 170.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "القوميّة عند العرب ", في الزّهراء, 1(15 صفر, 1343), 66 .
(4) ـ المصدر نفسه, 66.(1/218)
وهناك روابط أخرى تربط العرب مع بعضهم على اختلاف بلدانهم, مثل المصالح المشتركة والتّراث المشترك, والتّاريخ المشترك. هذه الرّوابط كافية, في رأيه, لتجعل للعرب كياناً قوميّاً واحداً متّصلاً. فالقوميّة في الحضارات يستمدّها أهلها من لغتهم المشتركة ومن مصالحهم المشتركة ومن سجاياهم الخلقيّة المشتركة, ومن تراثهم الثّقافي والتّاريخي المشترك, ومن تعاونهم جميعاً على النّهوض بهذه المواريث, والاستعانة بها وبالعلم العالمي على إعداد مستقبل نبيل وسعيد. فالعراقيّ عراقيّ وطناً, وعربيّ قوميّة, والمصريّ مصريّ وطناً, وعربيّ قوميّة, واليمنيّ يمنيّ وطناً وعربيّ قوميّة, وهكذا سائر الأوطان الّتي تألّفت من أبنائها جامعة الدّول العربيّة. وإذا تعددت أوطان الأمم الّتي شُيّدت في هذا الشّهر بيان جامعة العرب, فإنّها أجزاء وطن كبير متّصل بعضه ببعض من أقصاه إلى أقصاه. ويكمّل بعضه بعضاً, بمحاصيله, ومواهب أبنائه, وبمشاهده الطّبيعيّة, ومدّخراته المعدنيّة والإلهيّة. وهو مع هذا الاتصال الجغرافيّ, والكمال الاقتصاديّ والطّبيعي, واحد بلغة القرآن, وواحد بالمصالح المشتركة, وواحد بالتّراث الأدبيّ والثّقافيّ, وواحد بما أمدّه به هذا التّراث في مئات السّنين من سجايا وأخلاق ذات أصل واحد(1). فإذا كانت القوميّات في العالم لا تشترك إلّا ببعض الرّوابط الّتي تجمعها فإنّ العرب يملكون من الرّوابط القوميّة ما يجعلهم في مقدّمة الشّعوب الّتي تستحقّ أن يكون لها كيان قوميّ واحد, يجمعهم ويوحّدهم في وطن واحد متّصل, فالاتصال الجغرافي, والتّاريخ المشترك, واللّغة المشتركة, والدّين الواحد, كلّها روابط تجمع هؤلاء العرب مع بعضهم بعضاً, فلا أقلّ من أن يكون لهم حكومة واحدة تحكمهم, وتتقدّم بهم في الحياة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "من هو العربيّ؟ وما هي الرّسالة الّتي يحملها إلى إنسانيّة الغد؟", في الفتح, 821 (ربيع الآخر, 1364), 324.(1/219)
والقوميّة العربيّة, مثل كلّ قوميّة أخرى على وجه الأرض لها مطمح يسعى المتنوّرون من أبنائه بخطوات حكيمة للوصول إليه في وقته المرهون, ولا يبالون أن يكون ذلك بعد عشرات السّنين, أو أكثر من ذلك. ومن المسلّم به أنّ لكلّ أمّة حقّها في الحياة, والنّاطقون بالضّاد من أجدر الأمم بأن يجددوا شباب حياتهم الاجتماعيّة, لأنّ في ذلك إحياء للحضارة الإسلاميّة ونهوضاً للشّرق الإسلاميّ كلّه"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " الحسين كما رأيته في ثلاث سنوات ", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل, 1343), 193.(1/220)
3 ـ والسّيّد محب الدّين كان يؤمن بأنّ القوميّة العربيّة لها جذور عميقة في التّاريخ وأنّ العرب الّذين تجمعهم هذه الرّوابط, الّتي تحدّثنا عنها, كانوا يملكونها منذ زمن بعيد, وجاء الإسلام ليقوّي هذه الرّوابط, وليجمع العرب تحت لوائه. فلم يكن السّيّد محب الدّين في دعوته للقوميّة العربيّة متخلّياً عن الإسلام, بل كانت القوميّة الّتي نادى بها لا تخرج عن الدّين بأيّ حال من الأحوال, بل إنّ الإسلام, في نظره, يعدّ أهمّ رابطة تربط العرب وتوحّدهم. وبهذا المعنى لم تكن القوميّة في نظر السّيّد محب الدّين "تحمل أكبر من معنى تنبيه العرب إلى ما كاد لهم الإتحاديّون الملحدون من الأتراك, الّذين يريدون تتريك العناصرالعثمانيّة"(1), لذلك نلاحظ أنّ حديث السّيّد محب الدّين عن القوميّة العربيّة لا ينفصل عن حديثه عن الإسلام, فقد كان يعتبر أنّ العربيّ الّذي يتخلّى عن أخلاق الإسلام ليس عربيّاً أصلاً. فالعروبة أخلاق هذّبها الإسلام. وكلّما كانت روح النّاطق بالضّاد أشدّ تعلّقاً بهذه الأخلاق وتشبّعاً بغذائها, وإيماناً بصلاحها وقدسيّتها, كان أعرق في عروبته وأوغل في التّهذيب الّذي لمستها به يد الإسلام الرّحيمة؛ والعربيّ المنسلخ عن هذه الأخلاق خارج عن عروبته, ولو كان أصيلاً في نسبه إلى شهال بن عمرو جدّ الأقيال والملوك من حمير, أو إلى نزار بن معد أبي ربيعة ومضر(2).
__________
(1) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 4, 124.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "من هو العربيّ ؟ وما هي الرّسالة الّتي يحملها؟", في الفتح, 821 ( ربيع الآخر, 1364 ), 325.(1/221)
4 ـ وكان يعتبر أنّ الإسلام هو الّذي حافظ على وحدة البلاد السّاميّة, وذلك بحفظه للّغة العربيّة, الّتي كان يعدّها البنت البكر للّغة السّاميّة الأولى. فمن معجزات سيدنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - الّتي لم يكن يذكرها العلماء من جملة معجزاته, أنّه أعاد للبلاد السّاميّة وحدتها القوميّة واللّغويّة, بعد أنّ فرّق بينها كرّ الأزمان وترامي الأوطان, فأصبحت اللّغة العربيّة لغة الأمم السّاميّة كلّها, كما كانت أمّها اللّغة السّاميّة الأولى لغتهن, قبل التّشتت والانقسام(1).
5 ـ وبنفس الوقت كان يعتبر أنّ العرب يستحقّون الرّيّادة والقيادة على العالم الإسلاميّ, وذلك لأنّهم هم حملة رسالة الإسلام, وهم الّذين بلّغوه إلى كافة أرجاء الأرض, وعندما كانوا هم السّادة على العالم الإسلاميّ, وعندما كانت القيادة بأيديهم كانت البلاد الإسلاميّة كلّها مفخرة للتّاريخ. وارتكب المسلمون, في رأيه, خطيئة كبرى عندما كفّوا يد العروبة عن إدارة دفّة الإسلام, وعندما رضوا أن يحكم بلاد الإسلام غير العرب, ويستلم قيادة العالم الإسلاميّ أقوام آخرون لا ينتسبون إلى العروبة. فالعرب هم أولى النّاس بإدارة البلاد الإسلاميّة, فهم حملة رسالة الإسلام وهم دعاته, وعليهم كان يقع عبء التّبليغ والدّعوة لذلك لا يجوز, برأي السّيّد محب الدّين, أن يحكم بلاد الإسلام غير العرب.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حول المعجم العربيّ", في الزّهراء, 3 ( ربيع الأوّل والثّاني, 1344 ), 148.(1/222)
6 ـ وقد تحمّس السّيّد محب الدّين حماساً كبيراً لقيام الثّورة العربيّة الكبرى, وكان يرى أنّ هذه الثّورة سوف تحقّق للعرب الوطن القوميّ المنتظر, وسيكون هذا بداية لعودة الخلافة الإسلاميّة لليد العربيّة, وبهذا سوف تكوّن هذه اليد, بنظره, دولة عربيّة مستقلّة عزيزة الجانب, ذات قوّة وبأس, تسير بخطوات واسعة نحو تجديد الحضارة الإسلاميّة, وتجهيزهما بمعدّات الكمال(1).
وعندما قامت الثّورة وقامت أوّل حكومة عربيّة في دمشق, أخذ السّيّد محب الدّين ينشر مقالاته في جريدة العاصمة, هذه المقالات الّتي تمجّد القوميّة, وتدعو لخدمة الوطن, وتحمّس الشّباب على العمل الجادّ للقيام بتشكيل وطن عربيّ واحد, وتكوين الوطن الإسلاميّ بقيادة عربيّة. وكان يدعو إلى الاستفادة من الإمكانات المتوافرة بأيدينا, لنصل إلى الغاية الّتي نريد, وكان يقول: "اللّغة والدّين, والتّشريع القوميّ, والإدارة الوطنيّة, هديّة الخالق لخلقه في عشرات الألوف من السّنين, ولا يزال أثر هذه الهديّة الإلهيّة دائماً مادامت هذه المقوّمات الأربعة, تسير مع حاجة الأمّة بحسب الأجيال وتكون وسيلة سعادتها وواسطة قوّتها وعزّها, وهذا هو مظهر ارتقاء الأمّة, وارتقاء مقوّماتها"(2). ويجب أن يكون المثل الأعلى للعرب, برأيه, في نهضتهم الجديدة هو إعداد جيل عربيّ نشيط يأنس بحياة السّعادة والسّلام, ويعمل لخدمة الحضارة بالأساليب الملائمة لروح الزّمان المنتظر(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل, 1343), 200.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "تحت سلطان العصور", في العاصمة, 103 (جمادى الثّانية, 1338 / شباط ,1920), 1.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "المثل الأعلى للعرب", في العاصمة, 104 (جمادى الثّانية, 1338/ شباط,1920 ), 1.(1/223)
7 ـ وبعد أن تعرّضت البلاد العربيّة لخديعة الأوروبيّين الكبيرة, واستيلائهم على هذه البلاد, لم يدخل اليأس إلى قلب السّيّد محب الدّين, فإيمانه بالقوميّة العربيّة كبير, وظلّ ينتظر كلّ فرصة يرى فيها نوراً يشعّ لبعث هذا الكيان القوميّ العربيّ.
وعندما استقلّت البلاد العربيّة بقيت هذه البلاد, بفعل المستعمر مجزّأة منفصلة فكان السّيّد محب الدّين يأمل بتوحيد هذه البلاد, وجمعها تحت راية واحدة. وقد رحّب بقيام الجامعة العربيّة, الّتي اعتبرها بداية لتوحيد العرب وتشكيل كيانهم القوميّ الموحّد, لأنّه في تلك السّاعة بدأت حياة هذا الكيان القوميّ الجديد, على حدّ تعبيره, وأصبح كلّ فرد من أفراد الأمم التّابعة لهذه الحكومات السّبع داخلاً في ميثاق جامعة العرب, ومعدوداً, في نظر حكومته, وفي نظر الأوطان العربيّة, وفي نظر دول الأرض كلّها, عضواً في الكيان العربيّ(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الحديقة, 2, 2 .(1/224)
8 ـ وظلّ السّيّد محب الدّين يستغلّ كلّ دعوة يرى أنّها ستساهم في خلق الوطن القوميّ للعرب, ويبيّن في مقالاته أنّ هذا الوطن سيقوم. وكتاب الحديقة, مثلاً, وما جمع فيه من أقوال بليغة وحكم وأشعار, كان هدفه الأوّل من عرضه على القرّاء هو "أن يكون عوناً لهذه الأمّة على إيقاظ ما في نفوسها من الفضائل القوميّة, بما يتخلله من بيان صفات المروءة"(1). ومثل هذا ما جاء في مقاله "الشّعر والمطمح القوميّ", الّذي اعتبر فيه أنّ الشّعر هو الّذي يقود إلى المطمح القوميّ, وأنّ الشّاعر العربيّ قد حمل أعباء الواجب نحو القوميّة العربيّة, وعليه أن يستمرّ في ذلك, فالشّعر الّذي يصدر من القلب ليدخل في القلب ما برح منذ القدم حادي موكب الأمّة في ثراها الهادي نحو المطمح القوميّ, وصوت القيادة العالي في يوم الملحمة إذا غمّ على الأمّة أمرها(2). وهو في هذا القول يريد من الشّعراء أن يتبيّنوا واجبهم من أجل تحقيق المطمح القوميّ, ويسهموا بشعرهم في تحقيق هذا المطمح.
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 2, 2 .
(2) ـ المصدر نفسه, 2, 54 ـ 55 .(1/225)
9 ـ وكان يدعو إلى محاربة كلّ ما من شأنه أن يؤثّر على قيام الدّولة العربيّة, أو يزعزع الإيمان بها في نفوس العرب. لذلك فقد طالب العلماء والفقهاء بشكل خاصّ, بمحاربة كلّ ما يؤثّر على قيام هذه القوميّة. وكان يتساءل: كم عدد العلماء والفقهاء والمرشدين الّذين يشعرون بأنّ عليهم واجباً لقوميّتهم أن يتحرّوا من الطّرائق الاجتماعيّة والموارث الأدبيّة, ما هو من تقاليد الأمّة وصميم مواريثها, وما يعدّ اختراعاً أجنبياً ليس من الخير أن يُسمح له بدخول البلاد العربيّة والعمل به في العالم الإسلاميّ, فينبّهوا أمّتهم إلى هذا وإلى ذاك, لتأخذ بما ينبغي لها أن تأخذ, وتدع ما يحسن أن تدع؟(1). وقد يُفهم من قوله هذا أنّه يحارب التّجديد والتطوير أو الاقتباس والاستفادة من علوم وآداب الأمم الأخرى وهذا غير صحيح فالسّيّد محب الدّين يطالب بقوله الفقهاء والعلماء أن يتحمّلوا مسؤوليّتهم ويوجّهوا الأمّة إلى ما فيه الخير لها, وينبّهوها إلى ما يضرّ بقوميّتها ووحدتها.
10 ـ والسّيّد محب الدّين كان يؤمن بالتّجديد, ولكنّه بنفس الوقت لا يريد من هذا التّجديد أن يُخرج المسلمين والعرب عن قوميّتهم ويُنسيهم هويّتهم العربيّة الإسلاميّة, فإذا كان الفوز كلّ الفوز عند أعداء القوميّة في أن يُزلزلوا عقيدة الشّاب من شبابنا بدينه وقوميّته ويبعدوه عنهما إلى جهة هؤلاء الإفرنج, ولو بالظّواهر الّتي لا يتوقف عليها نهوض ولا تقدّم, ثمّ يريدون منّا أن نعدّ ذلك إصلاحاً وتجديداً, فذلك مما لا يسلّم به رجل في قلبه ذرة من إيمان, ولا يستطيع السّكوت عليه فتى تجول في عروقه قطرة من دم القوميّة الطّاهر(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "اختراع أجنبي", في الفتح, 823) جمادى الآخرة, 1364), 356.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "محافظون", في الزّهراء, 3 (محرّم, 1345), 6 .(1/226)
ومن هذا المنطلق حارب السّيّد محب الدّين الدّعوات الّتي ظهرت في بعض البلاد العربيّة, والّتي كانت تتضمّن أفكاراً تدعو إلى ترك رابطة العروبة, من مثل الدّعوة الّتي ظهرت في مصر, تدعو إلى جعل الرّابطة الفرعونيّة هي الرّابطة الّتي تجمع المصريين دون غيرهم أو الدّعوة إلى الفينيقيّة الّتي ظهرت في سوريا ولبنان. وكان يعتبر أنّ كلّ من يدعو إلى هذه الدّعوات لا يستحقّ أن ينتمي إلى العروبة. وكان يقول: "إنّنا معاشر السّوريين سلالة أقوام تنتسب كلّها إلى سام بن نوح - عليه السلام -, وقد ثبت الآن بالقواعد العلميّة أنّ أصل السّاميين جميعاً من جزيرة العرب, ....وإذا كان من أبناء سوريا من يريد أن ينسلخ عن الجنسيّة السّاميّة الّتي تفتخر بإبراهيم وموسى والمسيح ومحمّد - صلى الله عليه وسلم -, ويفضّل أن يكون دمه الّذي يجول في عروقه هو من دم أبناء الوثنيتين اليونانيّة والرّومانيّة لامن دم الأنبياء الّذين تقدّس مبادئهم ومذاهبهم أقفار الأرض من قطبها إلى قطبها, فليعلن ذلك على ملأ الأشهاد, وسوف لا تخسر سوريا شيئاً بانسلاخه عنها وعن أمجادها"(1).
وعنده أنّ أهل الحضارة لا أنساب بينهم واللّغة هي رمز قوميّتهم والأرض هي عنوان وطنيّتهم فالمصريّ وُلد في مصر متكلّماً بالعربيّة هو مصريّ الوطن, عربيّ القوميّة, والعراقيّ وُلد في العراق متكلّماً بالعربيّة فهو عراقيّ الوطن, عربيّ القوميّة, ..........الحضارة بوتقة تذوب فيها الأنساب, والعبرة فيها ليست للدّمّ ولا الأصل(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "قوميّتنا العربيّة", في العاصمة, 48 (ذي القعدة, 1337/آب, 1919 ), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "عربيّ القبيلة وعربيّ الحضارة الإسلاميّة ", في الفتح, 858 ( شعبان, 1367), 180.(1/227)
وبقي السّيّد محب الدّين مؤمناً بالقوميّة العربيّة, هذه القوميّة الّتي تجمع العرب في وطن واحد, وتعيد إليهم القيادة والرّيادة على العالم الإسلاميّ, ولا تخرجهم عن الإسلام. وقد سعى لتحقيقها بكلّ ما يملك من أسلحة, وذلك من خلال العمل السّياسي, واشتراكه في كثير من الجمعيّات السّريّة الّتي كانت تدافع عن حقوق العرب, ومن خلال اشتراكه في الثّورة العربيّة الكبرى, ومن خلال كتاباته, ودعوته الدّائمة إلى قيام هذه القوميّة. وكان يردد باستمرار "أنا عشت ما عشت للعروبة والإسلام, وحرصت ما استطعت أن أعرف ما يمكنني معرفته من امتدادها في الماضي, وكانت هذه المعرفة الضّئيلة عن امتدادهما في الماضي, توحي إليّ ما يُرجى أن يكون من امتدادهما في المستقبل"(1).
ج ـ الرّابطة القوميّة والرّابطة الدّينيّة في فكر السّيّد محب الدّين:
إنّ القوميّة الّتي آمن بها السّيّد محب الدّين لم تكن تخرج عن الإسلام, فقد كانت نظرة السّيّد محب الدّين إلى هذا الموضوع تتلخّص بأنّه كان يريد كياناً قوميّاً يجمع العرب, ولا يخرجهم من الإسلام ويكون بداية لكيان إسلاميّ يجمع المسلمين, وتكون القيادة فيه للعرب دون غيرهم لأنّهم, هم حملة الإسلام, وقد اختارهم اللّه لنشر الدّين والدّعوة إليه. من أجل هذا لم تكن الرّابطة القوميّة الّتي سوف تجمع العرب في فكره, تتنافى مع الرّابطة الدّينيّة, الّتي تجمع المسلمين في كلّ مكان من العالم الإسلاميّ.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "من خواطر غريب ", في الفتح, 864 (صفر, 1368), 36.(1/228)
1 ـ وفي كثير من مقالاته كان يؤكّد أنّ إيمانه برابطة العروبة لا ينافي إيمانه برباط الإسلام. وكان يدفع تهم بعض المتزمّتين ممن وُلدوا عرباً في بيوت عربيّة بأنّه متعصّب للعروبة, وبأنّه كان يتمنّى لو كان عند هذا الفريق من العرب المسلمين عُشر ما يشعر به في قلبه من ولع في قيام دولة للإسلام في الهند, وقيام دولة أخرى للإسلام في إندونيسيا, بل قيام دولة ثالثة للإسلام في الصّين وتركستان الصّينيّة. وقد تمكّن هذا الولع في قلبه إلى حدّ أنّ الطّمأنينة استقرّت فيه بأنّ هذه الأمنية القدسيّة العادلة لابدّ أن تتحقق, إن شاء اللّه, في الهند وفي أندونسيا والصّين, وما في ذلك شكّ(1).
2 ـ وكان يهتمّ بأخبار العالم الإسلاميّ, وقد وجدنا أنّ مجلّة الفتح كانت من أكثر الصّحف الإسلاميّة الّتي اهتمّت بالعالم الإسلاميّ وقضاياه. وكتب فيها مقالات كثيرة تحدّثت عن أخبار العالم الإسلاميّ, ودافعت عن قضاياه, من ذلك مثلاً ما كتبه عند قيام دولة باكستان الإسلاميّة, والّتي فرح بقيامها فرحاً كبيراً, يقول: "تلك هي دولة باكستان, الّتي انفردت الفتح, من دون الصّحف الإسلاميّة كلّها من خارج الهند, بنشر البيانات عنها قبل الحرب, وفي خلال الحرب, وفي كلّ مناسبة. وعطّلت الرّقابة, قبل أربع سنوات, عدداً من أعداد الفتح عن الصّدور لمقالة مطوّلة عن باكستان, صدّرنا بها ذلك العدد, ولم نحصل على الإذن بنشرها فيه إلّا بعد أن بُترت, وجال القلم الأحمر في حواشيها"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "هل يتمخّض عصرنا بدولة إسلاميّة جديدة", في الفتح, 833 (ربيع الآخر, 1365), 516.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "هل يتمخّض عصرنا بدولة إسلاميّة جديدة", في الفتح, 833 (ربيع الآخر, 1365),515.(1/229)
3 ـ وكان يرى أنّ المسلم, سواء كان عربيّاً أم لا, فهو لا يُعتبر مسلماً إلّا إذا اهتمّ لأمر إخوانه المسلمين في كلّ بقاع العالم الإسلاميّ, وطلب لهم العزّة والسّيادة والخير في كلّ وقت, وفي كلّ مكان. فالإسلام دين جماعة, ودين حكم, والمسلم الّذي يتحرّى أحكام دينه ومبادئه, يتحرّاها من عبادته الفرديّة من صلاة وصيام, ويتحرّاها في أحواله الشّخصيّة من زواج وميراث, ويتحرّاها من جماعته الإسلاميّة بالحرص على إقامة شعائر الإسلام, وتوخّي العزّة له ولأهله. والمسلم المصريّ لا يكون مسلماً ما لم يطلب لأخيه المسلم الفلسطينيّ, ولأخيه المسلم الجزائريّ, ولأخيه المسلم الأندونيسيّ, العزّة والسّيادة الّتي يريدها لنفسه ولوطنه. والجمعيّة الإسلاميّة لا تكون جمعيّة إسلاميّة, إلّا إذا كان في نواحي نشاطها تأييد لجماعات المسلمين في جميع أنحاء الأرض, فيما ينشدونه للإسلام في بلادهم من عزّة وسيادة(1).
4 ـ وقد اعتبر أنّ البلاد العربيّة هي قلعة الإسلام, فللعروبة مكانتها في الإسلام وهي مكانة عالية, لأنّ العروبة هي معقل الإسلام, وبها تتجدد قواه. فإيمان السّيّد محب الدّين بالإسلام كان يلازمه إيمانه بالعروبة وأفضليتها. فالبلاد العربيّة قلعة الإسلام الّتي يأرز إليها, ومعقله الأشمّ الّذي يتحصّن فيه ويستعصم. وفي بلاد العرب تتجدد قوى الإسلام كلّما طال به المسير, فيعود إليه رونقه الأوّل, ويصلح به آخر الأمّة كما صلح به أوّلها(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "السّياسة والخير في التّشريع الإسلاميّ", في الفتح, 826 ( رمضان, 1364), 404.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإسلام الوطن", في الفتح, 501 ) ربيع الأوّل, 1355 ), 1.(1/230)
5 ـ وعندما قامت في مصر والشّام بعض الدّعوات الّتي كانت تدعو لترك العروبة والعودة إلى الفرعونيّة والفينيقيّة, كتب السّيّد محب الدّين مقالات كثيرة, بيّن فيها أنّ البلاد العربيّة هي بلاد إسلاميّة, والإسلام والعروبة شيئان لا يتناقضان ولا يتنافيان, بل يكمّل بعضهما الآخر. وكان يؤكّد أنّه يجب علينا أن نعلم أنّنا مسلمون, ويجب أن تقوم تصرفاتنا كلّها على هذا الأساس. وأن ترمي أعمالنا إلى هذا الهدف, وأن نلاحظ ذلك في كلّ حركة من حركاتنا وعمل من أعمالنا, ويأتي بعد ذلك موقفنا من أسرة العروبة........الحضارة بوتقة تذوب فيها الأصول والأنساب, والعبرة فيها لرابطة اللّغة أوّلاً, وللمصالح المشتركة ثانياً. فكون العربيّ مصريّاً أو غير مصريّ لا يمنع انتسابه للإسلام, وكون المسلم العراقيّ مسلماً لا يمنع انتسابه للعروبة, فهو يتنسب للعروبة وللإسلام في نفس الوقت(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "من نحن", في الأزهر, 24 (ربيع الثّاني, 1372/ ديسمبر, 1952), 401.(1/231)
6 ـ وهذه الرّوابط ليست متعارضة مع بعضها, بل هي متناسقة كأنّها دوائر, كلّ دائرة أكبر من غيرها, فكون العربيّ المسلم عربيّاً لا يتعارض مع كونه مسلماً, فكلّ فرد منّا إذا اعتبر نفسه في مركز دائرة, فإنّ بلده الّذي وُلد فيه هو الدّائرة الصّغيرة الأولى حول النّقطة المركزيّة, ومصريّته هي الدّائرة الثّانية الّتي تلي الدّائرة الأولى, وعروبته هي الدّائرة الّتي تلي مصريّته وتشملها, وجامعته الإسلاميّة هي الدّائرة الكبرى الجامعة الّتي تحيط بذلك كلّه, ولا تتنافى مع شيء منه(1). ولذلك كان يرى أنّ أيّ هجوم على الإسلام هو هجوم على العروبة, وأيّ هجوم على العروبة يكون هدفه الهجوم على الإسلام لأنّهما, كما قلنا, شيئان لا ينفصلان. وكان يرى أنّ هناك حملة, وأنّ العربيّة والإسلام يستهدفان لقذائفها, ومن البلاهة أن يبقى العرب والمسلمون في غفلة عن دخائل ما يُبيّت لقوميّتهم ومليّتهم(2).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 2 ـ 4.
(2) ـ مكتب الأخبار التّونسيّة, ظاهرة مريبة, المقدّمة بقلم محب الدّين الخطيب, 1.(1/232)
7 ـ وبما أنّ نظرة السّيّد محب الدّين للرّابطة الإسلاميّة والرّابطة العربيّة بهذا الشّكل الّذي بيّناه, فإنّ دعواته إلى نهوض الأمّة وبعثها لم تكن تقتصر على الأمّة العربيّة, بل كانت تشمل العالم الإسلاميّ أيضاً, لأنّ نهضة العرب يتبعها بالتّأكيد نهضة للعالم الإسلاميّ كلّه. وكان السّيّد محب الدّين متفائلاً بهذا, وكان يحسّ بأنّ هذه النّهضة قريبة ولا بدّ أنّها سوف تأتي إن عاجلاً أو آجلاً, يقول: " إنّ المخدرات والسّموم الّتي دسّها شانئو العروبة والإسلام في أنوف العرب والمسلمين من مائتي سنة إلى الآن بل من ألف سنة إلى الآن, لم تُؤثّر في حيويّة العملاق [ ويقصد بالعملاق الأمّة العربيّة والإسلاميّة ] إنّ حيويّته القوميّة نامية معه من الأزل ليخفق بها فؤاده إلى الأبد. إنّ أسلاك البرق وموجات الأثير تحمل الآن بين عواصم الأرض وأرجائها في البرّ والبحر أنباء هذه اليقظة فيما بين المغرب والمشرق, والّذين سهروا وسهر آباؤهم وأجدادهم من قبلهم على تخديرنا وتضليلنا, يبكون الآن دماً على فشلهم في كلّ ما بذلوه من جهود ليوهنوا في قلوبنا وعقولنا رابطتنا بعروبتنا وإسلامنا"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "العملاق بين أمسه ويومه", في الأزهر, 29 ( ربيع الآخر, 1376/ نوفمبر, 1956), 337.(1/233)
8 ـ وكانت دعوة السّيّد محب الدّين إلى العمل والنّهوض تتضمّن التّنبيه إلى أنّ هذه النّهضة لن تكون ما لم تتضافر الجهود مجتمعة, عربيّة وإسلاميّة, لتحقيق النّهضة, فأكثر المسلمين يتمنون التّوفيق الإلهي في أعمالهم, ولكنّهم قلّما يستحضرون في أذهانهم الكيفيّة الّتي يصيبون التّوفيق بها, بل قلّ من يدرك منهم معنى هذا التّوفيق في لغة العروبة وسنّة الإسلام. التّوفيق في لغة العروبة الّتي هي سجل أخلاقها وديوان عقليّتها, لابدّ فيه من ملائمة شيء لشيء آخر, ولا يحصل التّوفيق إلّا باجتماعهما .......والرّجل الموفّق في سنّة الإسلام, هو الّذي يحاول في جميع أعماله الجمع بين مصلحته الخاصّة الّتي يرتاح قلبه إليها, وبين المصلحة العامّة الّتي يرضى ربّه عنها, والتّوفيق الإلهي إنّما يكون عند اجتماع هاتين المصلحتين فيما يحاوله الإنسان من عمل"(1).
وكثيراً ما يقرأ النّاس وقائع التّاريخ العربيّ وسنن الرّسالة الإسلاميّة قراءة سبقتها صورة تقليديّة نُقشت في أذهانهم للعروبة والإسلام, فهي تمنعهم من الانتباه لجواهر ثمينة من السّجايا العربيّة وكنوز عظيمة في التّشريع الإسلاميّ, وما لم نتحرّر من تلك الصّورة البالية الّتي شوّهنا بها أعظم تاريخ, وأثمن تشريع فلن نجدد بعثهما, ولن ننتفع من تراثهما(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مبدأ, سنّة, هدف", في الفتح, 829) ذو الحجّة, 1364), 453.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "حملة رسالة الإسلام الأوّلون", في المسلمون, 1 (جمادى الأولى, 1372), 466.(1/234)
9 ـ وإذا رحنا نستعرض كتابات السّيّد محب الدّين نجد أنّ هذا المنحى, وهو بيان الصّلة الوثيقة بين العروبة والإسلام, قد أخذ حيّزاً كبيراً منها, وكان فيها جميعاً يؤكّد أنّ رابطة العروبة لا تتنافى مع رابطة الإسلام, وأنّ نهضة العرب سوف يتبعها نهضة للمسلمين في العالم الإسلاميّ كلّه لأنّ العرب هم حملة رسالة الإسلام الأوّلون, وهم الّذين قدّموا للعالم أعظم حضارة عرفها التّاريخ إلى وقتنا الحاضر. فقد "كان حفظة القرآن وحملة السّنة المحمّديّة يجاهدون في حفظ أصول الشّريعة الكاملة, وكان آخرون من أبناء الصّحابة وأبطال التّابعين, يحملون أمانة الإمامة للرّعاية والجهاد المفتوح, ويعملون على نقل الأمم إلى الإسلام, يعرّبون ألسنتها ويطهّرون نفوسها, ويسلكونها في سلك الأخوّة الإسلاميّة, لتتعاون معهم على توحيد الإنسانيّة تحت راية الهدى, وتوجيهها إلى أهداف السّعادة"(1).
لقد كان السّيّد محب الدّين متحمّساً للقوميّة العربيّة, ولكنّ حماسه لها لم يكن يمنعه عن الحماس بصورة ربما تكون أكبر للإسلام, فكان كما وُصف "شعلة من الحيويّة والذّكاء, والغيرة على العروبة, وكان قبل هذا من أكبر الدّعاة للإسلام في العصر الحديث"(2).
د ـ مكانة الّلغة العربيّة عنده, أهميّتها, دفاعه عنها, علاقتها بالإسلام, الاعتزاز بالأصل والتّاريخ العربيّ:
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 466.
(2) ـ العطري, عبد الغني, حديث العبقريّات, دمشق, دار البشائر, 1421 / 2000 , 259.(1/235)
إنّ الحديث عن السّيّد محب الدّين الخطيب واللّغة العربيّة حديث طويل, فقد كان لهذه اللّغة الكثير من الحبّ في قلب السّيّد محب الدّين, هذا الحبّ الّذي نشأ معه وملأ نفسه وعقله وروحه, حتّى غدت هذه اللّغة بالنّسبة إليه شيئاً هامّاً جدّاً, يدافع عنه, ويُظهر أهميّته, ومحاسنه, ويدعو لاحترامه, ولتعلّمه, والفخر به. فحبّ اللّغة العربية نشأ معه منذ الصّغر, من خلال بيئته الّتي تربّى فيها, واعتبر أنّ من بواكير آلاء اللّه عليه ولادته في لجّة صغيرة من بحر علم السّلف, تراث العروبة والإسلام. فقد كان والده, رحمه اللّه تعالى, يتولّى أمانة دار الكتب الظّاهريّة في دمشق من قبل أن يُولد له حتّى لقي ربّه. ثمّ صحب الشّيخ طاهر الجزائري, أعلم من عرف بماضي هذه الأمّة, وأقدار رجالها(1).
بيّن السّيّد محب الدّين أنّ الشّيخ طاهر كان الرّجل الّذي أخذ عنه حب العربيّة وعرف منه أهمّيتها ومجدها. فقد رأينا أنّه وظّفه في دار الكتب الظّاهريّة, وكلّفه بكتابة بعض المخطوطات, الّتي عرف عن طريقها التّراث العظيم لهذه اللّغة, وقد دلّه على الشّيخ أحمد النّويلاتي الّذي علّمه قواعد وأصول اللّغة العربيّة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, من مقدّمة كتاب الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير لأبي محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمذاني, 10.(1/236)
وزاد من حبّه لهذه اللّغة كثرة مطالعته لتراث السّلف, فكانت هذه المطالعات المتواصلة ليل نهار والتّفكير فيها سبيلاً لتكوين رسالة فكريّة في مدارك السّيّد محب الدّين وعقيدة أدبيّة في قلبه وروحه. ولعلّ أهمّ عناصرها انتباهه إلى أنّ جميع أمم الأرض كانت في بداوتها وجاهليّتها ضيّقة الفكر ضيّقة المدارك, وكانت لغتها تبعاً لذلك بدائيّة جافية فقيرة قبل استفحال الحضارة, إلّا العرب ولغتهم في بداوتهم واسعة, فكانوا واسعي المدارك دقيقي الإحساس مرهفي الشّعور. ولغتهم في عصر البداوة ليس لأمّة أخرى في بداوتهم لغة تضارعها في سعتها, ودقّتها, وتعبيرها عن ألطف المشاعر, ودلالتها على المستوى الإنسانيّ الرّفيع الّذي كان لأهلها(1).
وفكرة أنّ اللّغة العربيّة لغة راقية, وهي معجزة من اللّه سبحانه, كان يؤكّدها باستمرار. "فاللّغة العربيّة الّتي أنزل اللّه بها القرآن كانت وما زالت معجزة اللّغات في رأيه. وكان يتحدّى كلّ مشتغل بمقارنة الألسنة واللّهجات واللّغات في أنّ العربيّة منذ كانت بالبادية, لم تكن ولن تكون لأمّة في أمم الأرض لغة بدويّة تضارعها كمالاً, وجمالاً, ودقّة, وإحاطة, وبعد غور, مع الصّراحة التّامّة, وبليغ الإيجاز"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 10.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, من كتاب أعلام الدّعوة والفكر, لأنور الجندي, 391 .(1/237)
وقد زاد من اعتزازه باللّغة العربيّة ما لاقته هذه اللّغة, على يد الأتراك من تهميش وتجاهل, ومحاربة كبيرة. حتّى أنّ السّيّد محب الدّين ذكر أنّه كان يتعلّم اللّغة العربيّة "من كتاب باللّغة التّركيّة يُسمّى المشذّب, قرّرته نظارة المعارف العثمانيّة لمدارس الأناضول والرّوم إيلي, فكان مفروضاً على مدارس الحكومة في الولايات العربيّة كذلك أن تستعمله في تعليم أبناء العرب نحو لغتهم وصرفها"(1). فكان يستنكر هذا أشدّ الاستنكار, ويتساءل دائماً بغضب, هل يجوز أن " يكون للمجوسيّة وظلمات الظّلم كتاب يخلّدها, ولا يكون للفطرة السّليمة الكاملة, ورسالة اللّه العظمى, من يدلّ عليهما, ويدفع النّاس في طريقهما؟!"(2).
هذه الأمور كان يعتبرها كارثة من كوارث كثيرة, تعرّضت لها الّلغة العربيّة على مرّ التّاريخ, "فجازى اللّه التّتار والصّليبيين والإسبانيين, بما صنعوا بتركة سلفنا, يوم جرى ماء دجلة أسود من مداد المخطوطات الّتي أُلقيت فيه......لولا هذه الكوارث وما تلاها من عصور الجهالة لبقيت لنا مؤلّفات العرب, وكلّ عمل هؤلاء العظماء يعدّ الآن في حكم المفقود, لأنّه أُبيد بحماسة وغلّ وعداء لهذا التّراث(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الدّكتور صلاح الدّين القاسمي, آثاره, 3.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب مجد الإسلام لأحمد محرّم, 7.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير لأبي محمّد الحسن بن أحمد الهمذاني, 11.(1/238)
وكان يرى أنّ هذه اللّغة الّتي كتبت هذا التّراث, وحفظت العلوم, ودوّنت الأفكار, واستوعبت الأحاسيس لم تكن في يوم من الأيام قاصرة على أن تكون لغة العلم, ولغة الرّقيّ والتّقدّم. والدّولة العثمانيّة ارتكبت "خطيئتين لم تسبقها إليهما دولة إسلاميّة أخرى قبلها, في شرق الأرض ولا في غربها, أولاهما استعجام لغة الدّولة الرّسميّة, والأخرى تجاهل ما كان يقع في الغرب من نهضة"(1).
عمل السّيّد محب الدّين مع رفاقه على إنشاء جمعيّة النّهضة العربيّة, والّتي كان من أهدافها الأساسيّة إحياء اللّغة العربيّة وبعثها, والاعتزاز بالماضي العربيّ, والتّاريخ العربيّ الإسلاميّ, لأنّ العرب مسؤولون عن حمل رسالة الإسلام. ولغتهم الّتي نزل بها القرآن هي لغة عالميّة, تجمع المسلمين في كلّ مكان, وقد اختارها اللّه لتكون اللّغة الّتي يجب أن يتحدّث بها ويحرص عليها كلّ من يؤمن برسالة الإسلام, ويريد له أن يتقدّم ويتطوّر في مجال الحضارة, فامتداد العربيّة الجغرافيّ يتّسع ويفشو إلى أبعد من حدود البلاد العربيّة, لأنّ لغة القرآن عالميّة مشتركة(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الدّكتور صلاح الدّين القاسمي, آثاره, 3 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "لغة القرآن", في الفتح, 850 (ذو الحجة, 1366), 886.(1/239)
1 ـ وإذا أردنا أن نبيّن نظرة السّيّد محب الدّين إلى اللّغة العربيّة, نجد أنّ مفهوم اللّغة عنده يدلّ على الأمّة, وعلى كيانها الاجتماعيّ وتطوّرها التّاريخيّ, فهو مع القائلين بأنّ لغة الأمّة دليل نفسيّتها, وصورة عقليّتها, بل هي أسارير الوجه في كيانها الاجتماعيّ الحاضر وفي تطوّرها التّاريخيّ الغابر, لأنّ وراء كلّ لفظة في المعجم معنى شعرت به الأمّة شعوراً عامّاً, دعاها إلى الإعراب عنه بلفظ خاصّ, فوقع ذلك اللّفظ في نفوس جمهورها موقع الرّضى, وكان بذلك من أهل الحياة ..... فلغة الأمّة تتضمن تاريخ أساليب التّفكير عندها, من أبسط حالاته إلى أرقاها(1).
2 ـ واللّغة العربيّة تدلّ على الأمّة العربيّة. وقد جاء الإسلام ليحفظ هذه اللّغة, ويوحّد العرب, فقد كانت العربيّة عند ظهور دين التّوحيد لغة قبائل, لربيعة في شمال جزيرة العرب لهجة, ولتميم وقيس ومن انضاف إليهم في وسط الجزيرة لهجة, ولكنانة وهذيل وثقيف وخزاعة وأسد وضبّة وألفافها من عرب الحجاز وتهامة لهجة, فضلاً عن لغة اليمانيين في جنوب الجزيرة. وكانت لهجة القبيلة الواحدة تفترق عن لهجة غيرها, في مادة اللّغة, وفي كيفيّة النّطق بها. ولمّا جمع اللّه العرب بالإسلام تحت لواء واحد........, كان للاجتماع والائتلاف أثرهما على ألسنتهم في سبيل توحيد اللّغة. فبعد أن كانت اللّهجات المتعددة مظهراً من مظاهر الفرقة والضّعف القوميّ, تحوّلت فيما بعد إلى سبب من أسباب الاتساع الأدبيّ, لأنّ تعدد الأسماء عند القبائل المختلفة للمسمّى الواحد دعا, عند تباري علماء الإسلام في تدوين مادة اللّغة في الدّفاتر والمعاجم إلى ما نرى من غناء اللّغة العربيّة بالمفردات وكثرة المترادفات(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "القوميّة عند العرب", في الزّهراء, 1 (صفر, 1343), 74.
(2) ـ المصدر نفسه, 66 .(1/240)
3 ـ فهذه اللّغة وحّدت العرب والمسلمين, وكوّنت الأمّة الإسلاميّة, وهي لغة قويّة لا تستطيع أيّ قوّة أن تدمّرها, أو تحدّ من سلطانها لأنّها محفوظة من اللّه بقرآنه الكريم. فالعربيّة لا تقوى مدافع الدّنيا وقذائفها على تدمير معاقلها, وتعجز شياطين الإنس والجنّ عن تشويه جمالها وعن التّشكيك بسلطانها, أو الوقوف في طريقها وهي سائرة لتكون لغة المستقبل(1).
وتنتج قوّة اللّغة العربيّة من استقلاليّتها. فهي لغة استقلاليّة غنيّة عن غيرها, واسعة رحبة, تعبّر عن كلّ المشاعر, وتستطيع أن تبيّن العلوم وتتحدّث عن الحكم والأحداث, فهي مثل أمّتنا لغة استقلاليّة, ربّما كانت أغنى من كلّ لغة أخرى عن الاحتياج إلى غيرها......., وهي أصيلة وغنيّة وقويّة بطبعها(2).
4 ـ لذلك فإنّ السّيّد محب الدّين لم يكن يخشى على اللّغة العربيّة, فهي صامدة. ولكنّه كان يحمّل العلماء المسلمين وأبناء العروبة مسؤوليّة الدّفاع عن هذه اللّغة, ومسؤوليّة خدمتها بما تستحقّ من العناية والرّعاية وإبراز الجمال, بما يعزز مكانتها في النّفوس وفي عيون العالم بأسره. فاللّغة العربيّة بنظره, قد خذلها علماؤها اليوم, فلم يكوّنوا لأنفسهم مجمعاً جدّياً, يكون المرجع الأعلى لأمثاله في كلّ قطر عربيّ, ويكون فيه العلماء الأخصّائيون الّذين بنوا علمهم على الأسس المتينة الّتي وضعها لنا أئمة هذه اللّغة, من عهد الخليل وسيبويه إلى يومنا هذا(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الحديقة, 2, 91 ـ 93.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "اللّغة العربيّة ما ينتظر أن يكون لها من تأثير في نهضتنا الفكريّة والعمرانيّة وحياتنا القوميّة", في الفتح, 822 (جمادى الأولى, 1346), 346.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "القوميّة عند العرب", في الزّهراء, 1 (صفر, 1343), 66.(1/241)
وحمّل مجمع اللّغة العربيّة مهمّة حفظ هذه اللّغة والدّفاع عنها والعمل على حمايتها من هجمات أعدائها وذلك ببيان جمالها وقدرتها على مواكبة الحضارة والتّقدّم, فمهمّة مجمع اللّغة العربيّة جدّ خطيرة, وهي مهمّة مزدوجة, مبنيّة على القاعدة الإسلاميّة في درء المفاسد, وجلب المنافع ........فسلامة اللّغة العربيّة هي الهدف الأوّل الّذي أُنشئ المجمع لتحقيقه.......والمحافظة على سلامة اللّغة لا تكون إلّا من حكيم عرف دخائلها(1).
واعتبر السّيّد محب الدّين أنّ العرب مقصّرون تجاه الّلغة العربيّة, وتجاه تعليمها لأبنائهم, وغرس محبّتها في نفوسهم, وقد كان يطالب دائماً بتعليم الأبناء حبّ هذه اللّغة من خلال تعويدهم على المطالعة, وكان يرى أنّ هذا الطّريق سوف يُسرّع في النّهضة المرجوّة للأمّة العربيّة, لأنّ هذه المطالعة تعرّف الجيل الحديث على تراث السّلف, وبالتّالي سوف يكونون أكثر قرباً منه وحبّاً له, فبالإمكان تسريع خطوات نهضتنا الأدبيّة, إذا عُنيت مدارسنا بتعويد تلاميذها على المطالعة, وحبّبت إليهم اقتناء الكتب العربيّة, وتوسيع المعارف والمدارك بها(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مهمّة مجمع اللّغة العربيّة", في الفتح, 853 (ربيع الأوّل, 1367), 60.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الافتتاحيّة", في العاصمة, 106(جمادى الثّانية, 1338/ 4آذار ,1920),1.(1/242)
5 ـ وقد تعرّضت اللّغة العربيّة لكثير من الحروب, وكان دفاع السّيّد محب الدّين عنها قويّاً عبّر فيه عن حبّه الشّديد لها, واعتزازه الكبير بها. فعندما ظهرت الدّعوة إلى استخدام العاميّة, وارتفعت بعض الأصوات الّتي أخذت تنتقد اللّغة العربيّة, وتعتبرها لغة قاصرة, لا تستطيع أن تكون لغة الحضارة, تصدّى السّيّد محب الدّين لهذه الدّعوات وحاربها, وبيّن خطأها, وأكّد في كثير من مقالاته أنّ هذه اللّغة هي لغة العلم ولغة الحضارة, وهي الجامعة الّتي تربط العرب والمسلمين في كلّ بقاع الأرض. فالفرق الحقيقي بين العاميّة والفصحى في أمّة الضّاد, هو أنّ للفصحى امتداداً جغرافياً إلى بلاد الجامعة العربيّة, يجعل منها في الثّقافة والأدب, على الأقلّ, وطناً واحداً(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "لغة القرآن فقدت مرونة التّطوّر", في الفتح, 850 (ذو الحجة, 1366), 886.(1/243)
كتب السّيّد محب الدّين مقالات كثيرة دافع فيها عن اللّغة العربيّة, منها مقالاته في مجلّتي الزّهراء والفتح, وكانت هاتان المجلّتان منبره الّذي دافع منه عن لغته الحبيبة بكلّ حماسة وشجاعة. وكان يعتبر أنّ الأمّة كلّها مسؤولة عن الدّفاع عن أدبها ولغتها, وكان يقول: "إنّ مسؤوليّة الأمّة في أدبها قد تكون, في كثير من الظّروف, أعظم من مسؤوليّتها في سياستها العامّة, لأنّ الظّروف الّتي تكون الأمّة فيها أكثر حريّة في تكييف أدبها, أوسع نطاقاً من الظّروف الّتي تكون فيها صاحبة التّصرف الحقيقي في اتّجاهها السّياسيّ, حتّى لو كانت حاصلة على الاستقلال"(1). لذلك كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن الدّفاع عن عروبة مصر, وذلك عندما ظهرت الدّعوات الّتي كانت تريد سلخ هذا القطر عن عروبته, فمصر الّتي تتكلم اللّغة العربيّة من أربعة عشر قرناً, وتتأدّب بالأدب العربيّ, حتّى صارت لها فيه الإمامة والقيادة, فإنّها لا تزال تتساءل من نحن؟!, ويريد بعض حملة الأقلام فيها أن يقولوا إنّ العربيّ لا يكون إلّا أعرابيّاً, فإن لم يكن أعرابيّاً فلا تكفي عراقته في العربيّة وآدابها أربعة عشر قرناً ليقول بملء فيه, ومن صميم قلبه نحن عرب مصريّون(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الاتجاهات في الأدب العربيّ اليوم", في الزّهراء, 4(ذو الحجة, 1346), 579.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "من نحن", في الأزهر, 24(ربيع الثّاني, 1372 / ديسمبر, 1952), 401.(1/244)
ومن خلال دفاعه عن اللّغة العربيّة كان يُظهر دائماً روعتها وسعتها وجمالها, وكثيراً ما كتب في هذا الموضوع, من ذلك قوله: "كلّ الأمم كان لها في أدوار حياتها وقبل تمدّنها وحضارتها دور بداوة, وكلّ الأمم كانت في دور بداوتها ذات لغة بدائيّة قليلة المفردات, لا تكاد تبلغ كلماتها ألف كلمة, إن لم تكن أقلّ من ذلك, وكانت مداركها العقليّة ضئيلة كضئولة لغاتها, لأنّ لغة كلّ أمّة ترجمان مداركها العقليّة ودليل اتّجاهاتها الخلقيّة وأهدافها الإنسانيّة, فالعربيّة من دون لغات البشر جميعاً بلا استثناء, كانت في بداوة أهلها أوسع لغات أمم الأرض قاطبة في بداوتهن, وكانت مع امتيازها بهذه السّعة غنيّة بمعانيها الإنسانيّة, بينما بعض اللّغات لا يكاد يوجد فيها ما تعبّر به عن أبسط الأخلاق الفطريّة..........ولأنّها لغة أمّة استغنت بالأخلاق في بداوتها عن القوانين والأنظمة المكتوبة, وعن الحكومات والأحكام"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "العملاق بين أمسه ويومه", في الأزهر, 29(ربيع الآخر, 1376/ نوفمبر, 1956), 338.(1/245)
والعربيّة أعرق لغات الأرض في القدم, وإنّ سعتها وكثرة مشتقّاتها, ودقّتها في التّعبير, وإحاطتها بمعاني الفطرة والمشاعر الإنسانيّة, ورشاقة مادّتها, وبلاغتها في أداء المعنى الكثير باللّفظ القليل, ومنطقها السّليم في إعرابها, كلّ ذلك لاريب أنّه مما لم يتوافر بجملته للغة أخرى من لغات البشر في بداوتها كما توافر للّغة العربيّة في بداوتها, وقد دلّ على أنّ العربيّة كانت موجودة في أطوارها الأولى قبل أدهار وأدهار من بدء وجود أيّ لغة أخرى من اللّغات المعروفة. وإنّ أعداء هذه اللّغة وأعداء أهلها يقفون أمام هذه الحقائق حيارى واجمين ......لهذا كلّه ولغيره مما لا يتّسع له إلّا الدّراسات الجامعيّة المتواصلة لهذا وذاك اختار اللّه العروبة لحمل أكمل رسالاته, وظهر الإسلام في بيئة هي أعظم بيئات الإنسانيّة ملائمة لظهوره فيها(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "العملاق بين أمسه ويومه", في الأزهر, 29( ربيع الآخر, 1376 / نوفمبر, 1956), 342 ـ 343.(1/246)
إذاً فالسّيّد محب الدّين كان يؤمن بهذه اللّغة, وكان يعرف أهميّتها, ويشعر برقيّها, ويدرك عراقتها. وكان يرى فيها الملاذ الّذي سوف ينقذ الأمّة من ذلّها وخنوعها. فدراسة اللّغة العربيّة وعلومها وآدابها وتراث السّلف الّذي كُتب بهذه اللّغة, هو الّذي سيعرّفنا على ماضي أمّتنا العريق, وعلى حضارتنا, وعلى جهود علمائنا المخلصين الّذين بنوا هذه الحضارة, وعلى كتاب اللّه الّذي فيه خيرنا وسعادتنا في الدّنيا والآخرة. فالعربيّة هي مصدر قوّتنا, والغذاء المتواصل لحيويّة أجيالنا, ودراسة هذه اللّغة والتّاريخ العريق الّذي سجّلته لنا, هو الّذي سيبعث هذه الأمّة بعثاً جديداً, يكون فيه المجد لنا, والسّعادة للإنسانيّة جميعاً. فنحن العرب كنّا في جزيرتنا قبل الحضارة, وقبل تأليف الكتب, وقبل وجود المدارس في معزل عن مساوئ كثيرة هي من لوازم الحضارة والعمران وكان سلفنا في بداوتهم هم الأمّة البدويّة الوحيدة الّتي تفرّدت بمدارك واسعة وأحلام راجحة لم تشاركهم في مثلها أيّة أمّة بدويّة أخرى.......وكذلك اللّغة الّتي كان يتكلّم بها أسلافنا العرب قبل أن تكون لها معاجم, ومصطلحات علميّة وفلسفيّة واقتصاديّة وصناعيّة, كانت قد بلغت من الكمال الفطريّ, والجمال الطّبيعيّ والدّقّة في التّكوين, والبلاغة في التّعبير, ما لم تبلغه لغة من لغات البشر, سواء كانت آريّة, أم ساميّة, أم توراتيّة, قبل أن تُصقل الصّقل الصّناعي بالدّراسة والتّدريس والتّعليم والتّأليف, وباستعمال العمران, وما يستلزمه من صناعات واصطلاحات(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "طريق الحقّ والخير ومعنى السّنّة في نظام الإسلام", في الفتح, 834 (جمادى الأولى, 1365), 541.(1/247)
وكان يرى أنّ أمّتنا امتازت على غيرها من الأمم بأنّ آخرها متّصل بأوّلها, وأنّ تراث ماضيها من ثروة حاضرها, وأنّ أهداف مستقبلها مرسومة في سنن أسلافها(1). لذلك فإنّ التّاريخ الإسلاميّ تجب دراسته دراسة وافية كافية, نستطيع من خلالها الاستفادة مما فيه من كنوز كثيرة من أجل النّهضة المطلوبة. وينبغي للجيل أن يعرف ماضي أمّته وما صدر عنها من خير وشرّ, وما قامت به للحقّ والفضيلة من نصرة أو تقصير. لأنّ الجيل امتداد لأمّته وهو منها, وقبيح به أن يجهلها, كما أنّه قبيح بالمرء أن يجهل نفسه. وتاريخ كلّ أمّة فيه الأمجاد والفضائل, وما تثمّره من أسوة وقدوة, وفيه الأخطاء والزّلاّت, وما تفيده من عظة وعبرة(2).
لكنّ تاريخنا العربيّ قد شابه شيء من التّشويه, الّذي يجب علينا الانتباه إليه وتصحيحه, ورفع التّهم عن عظماء الأمّة ورموزها, الّذين يمثّلون القدوة الصّالحة لجيل اليوم. وقد اهتمّ السّيّد محب الدّين بهذا الأمر, ونبّه إليه, لأنّ رموز الأمّة وعظمائها هم الّذين نشروا الإسلام, وهم الّذين صنعوا التّاريخ, ولن نفخر بتاريخنا إذا كنّا لا نثق بهؤلاء الّذين صنعوه. وكان يعتبر أنّ هذا التّشويه متعمّد هدفه إشعار العرب أنّهم لا شيء ولا وجود لحضارة لهم ولا تاريخ, وبالتّالي فهم لن يحققوا التّقدّم المطلوب. ومما يُؤسف له كون هذه المادة الجيّدة من مواد تاريخنا مشوبة بغيرها من سقيم الأخبار, وبالأكاذيب المفتراة على عظماء الأمّة الّذين صنعوا التّاريخ, ونشروا الإسلام وأوجدوا هذا العالم الإسلاميّ الّذي نعيش فيه"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "يا شباب الجيل", في الفتح, 845 (رجب, 1366), 755.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, تاريخ مجيد ينتظر من يكتبه, 7.
(3) ـ المصدر نفسه, 9.(1/248)
وكان رأي السّيّد محب الدّين أنّه آن لعلمائنا أن يعيدوا النّظر فيه, يقصد التّاريخ, لينشؤوه من جديد, إنشاء منزّهاً عن الأغراض المذهبيّة, والملق السّياسي, ويتّفق مع نتائج الأحداث, وحسن التّقدير لمقوّماتها والوفاء لكلّ من أحسن تمثيل دوره في إقامة بنيان الحقّ, وحمل نصيبه من رسالة الإسلام, وأخلص النّصيحة للإنسانيّة بتعميم دعوة الحقّ, والتّقدّم بها إلى أقصى الآفاق(1).
فالتّعليم والعلماء هما الوسيلتان الصحيحتان لبعث هذه الأمّة, لذلك فقد عمل الاستعمار من خلال التّعليم علىمنع بعث هذا التّاريخ, لأنّ فيه بعث الأمّة, وكان يعلم أنّ بعث التّاريخ الإسلاميّ على حقيقته في مدارس الأوطان الإسلاميّة, سيترتب عليه البعث الحقيقيّ للإسلام وسننه وأهدافه في نفوس المسلمين, ولذلك كان حريصاً على أن يحول بين المسلمين وبين بعث تاريخهم(2).
والأمّة الإسلاميّة, في رأيه, إذا أرادت النّهوض لابدّ لها من الاستناد بظهرها إلى بضعة عشر قرناً, مملوءة بالأمجاد أيّام الأسعاد, وبالجهود في اللّيالي السّود. فترى لها في الأولى أمثلة تقتدي بها للاندفاع نحو العلاء وفي الثّانية حوادث تتأسّى بها للثّبات في ساعة البلواء(3).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 13.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, تاريخ مجيد ينتظر من يكتبه, 16.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, " على أطلال الخضراء ", في العاصمة, 62 ( محرّم, 1338 / أيلول, 1919), 1 .(1/249)
والسّيّد محب الدّين كان يرى أنّ كلّ دعوة للتّجديد تستهدف سلخنا عن تاريخنا ولغتنا هي دعوة مشبوهة, هدفها منع تقدّمنا وانطلاقنا, وانشغالنا عن تراثنا الغنيّ والعظيم. " فالجديد القائم على انتهاز فرصة ما نحن فيه من ذلّ, لإقناعنا بأنّنا لم نكن في يوم من الأيّام شيئاً مذكوراً, فنستنتج من ذلك أنّنا ليست فينا جرثومة الاستعداد لتبوّء مقاعد العزّ, والتّجديد القائم على انتهاز فرصة ما نحن فيه من جهل, لإقناعنا بأنّنا لم نكن في يوم من الأيّام على شيء من العلم, فنستنتج من ذلك أنّنا ليست فينا جرثومة الاستعداد لتبوّء كراسي العلم, والتّجديد القائم على انتهاز فرصة ما نحن فيه من انحلال وفوضى, لإقناعنا بأنّ جميع أدوار حياتنا التّاريخيّة كُخ, فنستنتج من ذلك أنّه لا سبيل للخروج مما نحن فيه إلّا بالاندماج في هؤلاء الإفرنج قلباً وقالباً, والدّخول في غمارهم ظاهراً وباطناً, إنّ تجديداً هذه مظاهره لا ريب أنّ خططه مرسومة بيد أعداء, ويعمل على تحقيقه في هذا الشّرق أعداء بلباس أصدقاء(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حملة التّجديد والإصلاح, وهل لها قادة وحكماء؟, وهل رسموا لها الخطط الحكيمة ؟", في الزّهراء, 4 (الرّبيعان, 1346), 8 ـ 9.(1/250)
كان السّيّد محب الدّين متحمّساً جدّاً للّغة العربيّة, وكان يعتبرها أعرق اللّغات قاطبة وأوسعها وأجملها وأصدقها. وكان يُسبغ عليها صفة المعجزة الّتي بعثها اللّه للبشر, لتحمل رسالة الإسلام, ولتوحّد المسلمين في كلّ بقاع الأرض. لذلك يجب الدّفاع عنها وتعلّّّمها ومعرفة ميّزاتها والاعتزاز بها لأنّها الصّلة الّتي تصلنا بتاريخنا وهذا التّاريخ يجب أن يكون قدوتنا الّتي يجب علينا الاستفادة منه في نهضتنا الحاضرة. واعتزازه باللّغة العربيّة كان عن قناعة تامّة بأهميّتها وسعتها وجمالها. هذه القناعة تكوّنت في نفسه منذ صغره, وذلك من خلال معايشته للشّيخ طاهر, وإحساسه المبكّر بأهميّة هذه اللّغة وجمالها. ويعدّ السّيّد محب الدّين من أهمّ الكتّاب الّذين سخّروا قلمهم لخدمة اللّغة العربيّة والتّاريخ العربيّ الإسلاميّ. وقد جعل من المجلّات الّتي كتب فيها أو أصدرها معقلاً لخدمة العربيّة, فنشر المقالات الكثيرة الّتي تحدّث فيها عن اللّغة العربيّة, ونشر فيها مقالات كثير من الكتّاب, وشعر كثير من الشّعراء الّذين يتغنون بجمال اللّغة العربيّة وأهميّتها وعراقتها.
ولا أجد أفضل من قول الشّاعر مادحاً السّيّد محب الدّين, ومصوّراً عزمه وعزيمته على مواجهة أعداء العروبة والإسلام, لأختم به هذا الفصل حيث قال(1):
يا محب الدّين والحقّ ويا حلف التّقاةِ
لم أجد إلّاك من لا يلتوي للحادثاتِ
لم تنلْ منه الدّنايا في زمان المغرياتِ
أوسع الإلحاد طعناً بسنان البيناتِ
في نثير هو بعثٌ للنّفوس الهامداتِ
دمْ محب الدّين نوراً في دياجير الحياةِ
الفصل الثّالث
الإسلام في فكر السّيّد محب الدّين
الإصلاح ومجالاته
خدمة الوطن من منظور إسلاميّ
أ ـ الإسلام في فكر السّيّد محب الدّين:
__________
(1) ـ الشّعر للشاعر حسن الغزالي, وقد نشر في الفتح, العدد 832 (ربيع الأوّل, 1365), 502.(1/251)
يعدّ السّيّد محب الدّين من كبار الكتّاب الإسلاميّين, الّذين سخّروا قسماً كبيراً من حياتهم للإسلام ودراسته والكتابة عنه, وتقديم المثل الطّيب عنه للنّاس كافّة. وقد رأينا أنّ مجلّته الفتح كانت تعدّ من أعظم المجلّات الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ, وكانت هذه المجلّة تهتم بالإسلام وأخبار المسلمين في كلّ مكان في العالم. وكذلك كانت مجلّة الأزهر الّتي رأس تحريرها فترة ليست قليلة من الزّمن. ومثلها مجلّة المسلمون, ومجلّة التّمدّن الإسلاميّ أيضاً, وغيرها من المجلّات الّتي عمل فيها.
وفي كلّ ما كتبه وما حقّقه من كتب كان هدفه خدمة الإسلام ورفعة المسلمين. وكان يؤمن أنّ كلّ مسلم مسؤول أمام اللّه عن الدّعوة إلى هذا الدّين وخدمة الإسلام ويجب عليه أن يسلك في سبيل ذلك مسلكاً يعطي مثلاً صالحاً لغيره من النّاس, من خلال سيرته وحياته, ومن خلال فهمه لحكمة الإسلام وعظمته, فالإسلام دين دعوة, وكلّ مسلم على وجه الأرض من وظيفته الدّعوة إلى الإسلام, بسيرته الشّخصيّة أوّلاً, ثمّ بحسن فهمه حكمة الإسلام في أساليبه ومراميه, وبالتّنبيه بعد ذلك إلى هذه الحكمة في كلّ ما يضطرّ إليه من مناقشة وجدال(1). ومن خلال هاتين النّقطتين, وهما تطبيق الإسلام في الحياة بعد فهمه فهماً صحيحاً, ومحاولة نشره بين النّاس بالقدوة الصّالحة, انطلق السّيّد محب الدّين في مقالاته الّتي كتبها عن الإسلام والمسلمين، فكان يحاول تعريف المسلمين بحكمة الإسلام, ويحثّهم على تطبيقه في حياتهم, وأن يتمثّلوا سيرة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - في كلّ ما يقولونه وما يفعلونه. وأن يكونوا قدوة لغيرهم من النّاس.
__________
(1) ـ الزّاهري, محمّد السّعيد, الإسلام في حاجة إلى دعايّة وتبشير, دمشق, مطبعة الإعتدال, ط2, 1352/1933, 7, والقول هو للسّيّد محب الدّين الخطيب في مقدّمة هذا الكتاب.(1/252)
فالسّيّد محب الدّين فهم الإسلام على أنّه " تسليم النّفس إلى الحقّ الّذي جاء من عند اللّه, بلسان جميع أنبيائه ورسله. والمسلم هو الّذي يوطّن نفسه على أن تكون منقادة للحقّ, الّذي تولّت رسالات اللّه الدّعوة إليه, ورفعت لواءه في أجيال الإنسانيّة من أقدم عهودها"(1). وفهم السّيّد محب الدّين للإسلام يتمثّل بعدة نقاط كما الآتي:
1 ـ الإسلام دين الدّنيا والآخرة:
وهو بهذا يمتاز عن غيره من الدّيانات السّماويّة الأخرى. وهنا تكمن عظمته, فهو لا يبتعد بالمسلم عن الدّنيا, كما أنّه لا ينسيه الآخرة, بل إنّه يحتّم على المسلم أن يعيش في الدّنيا بما أمره اللّه, ليظفر بالآخرة الّتي وعده اللّه بها. فالدّنيا في نظام الإسلام مزرعة الآخرة, والمسلم الكادح الصّالح في الدّنيا هو المسلم الفالح النّاجح في الآخرة. والجماعة المنصفة المنظّمة, المقيمة للحقّ, المتعاملة بالإيثار والرّحمة في الدّنيا, هم أهل اللّه وأحبّاؤه في الآخرة(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, منهج الثّقافة الإسلاميّة, القاهرة, المكتبة السّلفيّة ومطبعتها, د.ت, 9.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظام الإسلام الإقتصادي", في الفتح, 833 (ربيع الآخر, 1365),520.(1/253)
وهذه الميزة للإسلام تدفع أفراده للعمل الدّائم الدّائب لرفعة المسلمين في الدّنيا ولفلاحهم في الآخرة. وبهذا فقد اعتبر الإسلام أنّ العمل عبادة, والعلم عبادة, وكلّ ما يقوم به المسلم لفائدة نفسه أو غيره أو أمّته هو عبادة, فقد امتاز الإسلام على جميع ديانات البشر بأنّه كما فرض على أهله عبادة اللّه الّتي فرضتها الدّيانات الأخرى على أهلها فرض عليهم أمرين آخرين غير العبادة, أوّلهما العمل والكسب, وثانيهما العلم, فالمسلم مفروض عليه حتماً أن يعمل ويكسب, ومفروض عليه حتماً أن يستنير قلبه وعقله بالعلم والمعرفة. وهاتان الفريضتان لمّا حثّ الإسلام عليهما جعل لهما مثل ثواب الجهاد والعبادة(1). لذلك فإنّ السّيّد محب الدّين كان يعتبر أنّ الأمّة الصّالحة, هي الأمّة الّتي تملك أفراداً صالحين في الدّنيا وفي الآخرة, وصلاح الأفراد يشمل أمور الدّنيا وأمور الآخرة, لأنّ الإسلام جاء للسّعادتين فيهما معاً. والدّنيا في الإسلام مزرعة الآخرة, والأمّة الّتي تهمل إصلاح دنياها يُوشك أن تكون أكثر إهمالاً لما يصلح أخراها(2).
2 ـ الإسلام كلٌّ لا يتجزأ:
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 517.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " متى نكون أمّة صالحة ؟", في الفتح, 844 (جمادى الآخرة, 1366), 732.(1/254)
فهو عنده وحدة واحدة لا ينفصل فيه العمل عن العقيدة, ولا الأخلاق عن العبادة, ولا الفهم عن التّطبيق. فالإسلام كلّ لا يتجزّأ, ففضائله بغير عقائده ناقصة, وعباداته مجرّدة من فضائله تلعن صاحبها, وعقائده مجرّدة من أنظمته تعيش مريضة, حتّى تُقام أنظمته فتحيا بها عقائده(1). لذلك لا يمكن لمسلم أن يأخذ من الإسلام ما يشاء, ويدع ما يشاء, بل يجب عليه أن يأخذ الإسلام كلّه, ويطبّقه في حياته, في بيته, وفي مدرسته, وفي عمله, وفي تعاملاته مع النّاس, وفي كلّ كبيرة وصغيرة من أموره, وإلّا فإنّه لا يُعتبر مسلماً.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "المعالم", في الفتح, 861 (ذو القعدة, 1367), 251.(1/255)
والإسلام, في نظر السّيّد محب الدّين, " نظام قائم بذاته, ومن سننه الّتي التزمها أئمته وهداته, وشدّدوا في التزامها وتواصوا بها عصراً فعصراً, أن لا يُشاب بغيره وأن لا يُمذق محضه, حتّى ولا بماء السّماء, لأنّ ذلك غشّ, وإذا كان المذَّاق في لغة العرب وأخلاقها هو الكذوب, فإنّه في دين الحنفيّة وسننها هو الجاحد الكافر"(1). وبهذا لا يمكن لمسلم أن يرضى بغير الإسلام نظاماً للحياة وأن يقبل بحكم غير حكم الإسلام. وإذا تعذّر عليه إقامة حكم الإسلام في بلده, وجب عليه أن يرحل إلى بلد آخر, يستطيع فيه أن يقيم فيه حكم الإسلام. وذلك لأنّ في الإسلام ظاهرة يمتاز بها على غيره من الأديان الّتي تموج أقطار الأرض بأتباعها, فأهل الدّيانات الأخرى ينحصر معنى الدّين عندهم في العقيدة والعبادة, فإذا ضمنا لهم في أيّ نظام من أنظمة الحكم اكتفوا بهما, وأذعنوا لذلك النّظام مهما كان, ولا يعرفون دينهم إلّا ساعة الاجتماع في المعابد. أمّا الإسلام فكما أنّه دين عقيدة وعبادة, فإنّه يشمل أيضاً الآداب في المنازل والمجتمعات, والتّعاون بين الأفراد والجماعات, ويتناول العقود والمصالح والإلتزامات, وتتسع دائرته فتحيط بنظام الحكم كلّه. والمسلمون لا يعتبرون أنفسهم عائشين في بلد إسلاميّ إلّا إذا ساد نظام الإسلام بلدهم, وقامت فيه أحكامه وآدابه, كما تقوم فيه شعائره وتسود عقائده, وإذا تعذّر على المسلمين إقامة أحكام دينهم......, وجب عليهم الانتقال إلى البلد الّذي يُعمل فيه بأحكام الإسلام وآدابه, تكثيراً لسواد المسلمين(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظام الإسلام", في الفتح, 832 (ربيع الأوّل, 1365), 500.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, مع الرّعيل الأوّل, 38.(1/256)
فالإسلام إذاً في نظره, هو دين الدّنيا والآخرة, وهو دين التّعاون والعمل والعلم معاً, وهو دين الحكم الّذي يجب أن يخضع المسلمون في حياتهم لحكمه. وهو لا يقبل أبداً أن يقوم إلى جنبه, وتحت سلطانه " نظام غير نظامه, لا في الاقتصاد, ولا في التّربية, ولا في الآداب, ولا في أيّ شيء آخر"(1). لأنّ هذا الدّين لا يحتاج لغيره, فهو الدّين الكامل, وهو دين قوّة ونظام, دين استعداد, دين تجويد وإتقان وحسن اختيار, دين استقامة على الحقّ والخير(2).
أمّا سنن الإسلام, فهي في فكره, سنن لا تُوجد سنن مثلها في كلّ العالم. فهذه السّنن الإسلاميّة والأخلاق العربيّة لبيوتنا وجماعتنا ومرافقنا الاقتصاديّة والجماعيّة ولدولتنا كالذّهب الإبريز, صفاء وجودة وجمالاً. ويستطيع ربّ البيت والمدرّس ومدير العمل الاقتصادي والعمرانيّ ورجل الدّولة أن يستنبط منها خطط النّجاح الّتي تصل ما بين الأمس واليوم والغد(3).
3 ـ الإسلام صالح لكلّ زمان ومكان:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " نظام الإسلام", في الفتح, 832 (ربيع الأوّل, 1365), 500.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " العيد ", في الفتح,860 (شوّال, 1367), 288.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, " حاضر الأمم بين أمسها وغدها ", في الفتح, 856 ( جمادى الآخرة, 1367), 133.(1/257)
وهو عنده الدّواء الّذي تحتاجه الأمم, ويحتاجه العالم للخروج من ظلماته, وللشّفاء من أمراضه. فالإسلام كما يقول هو الحلّ, وهو الدّواء اللّازم لكلّ الشّعوب. فنحن في فترة من التّاريخ يوشك أن تنهار فيها جميع الدّعائم الّتي كان يقوم عليها بنيان النّظم الغربيّة بعد إفلاسها, وثبوت عجزها عن توفير السّعادة الّتي تنشدها الأمم, ولو أنّ اللّه سبحانه لم يبعث رسوله بالإسلام قبل بضعة عشر قرناً, لكانت حكمته العظمى ورحمته بالبشر جديرة بأن تُحسن إليهم الآن برسالة الإسلام نفسها دون غيرها, لما انطوت عليه من اعتدال ورفق, ومعالجة عمليّة لجميع مشاكل المجتمع, وإقرار للأوضاع المألوفة لبني الإنسانيّة, مع تهذيبها بإبقاء ما فيها من حقّ, وتجريدها من كلّ ما يتّصل بأسباب الجور والحيف والغدر. فالزّمن الّذي نحن فيه أنسب الأزمان لقبول الإنسانيّة مبادئ الإسلام وأحكامه, مطبّقة على كلّ مشاكل العصر, ومنظّمة تنظيماً يُسهّل على رجال التّشريع وزعماء الشّعوب وقادة الفكر الاستفادة منها في معالجة مشاكلهم, والتّفهّم لما انطوت عليه من حكمة ومصلحة وخير(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, مع الرّعيل الأوّل, 15.(1/258)
وكان السّيّد محب الدّين يرى أنّ العالم كلّه بحاجة إلى الإسلام, لأنّه يملك من الخصائص ما يمكن معه أنّ يقدّم خير مثال متكامل للحياة, فإذا عمل النّاس بالإسلام فإنّهم سيعيشون بسلام وسعادة في الدّنيا والآخرة وقد كانت هذه الفكرة فكرة أساسيّة في مفهوم الإسلام عند السّيّد محب الدّين. وقد أثبتها في كثير من كتاباته ومقالاته وآرائه الّتي كان يعلنها بين قرّائه, من ذلك مثلاً ما كان يقوله: "إنّ إسلامنا يتناول البيت كما يتناول الجامع, ويفرض سننه وأحكامه على المجتمع كما يفرضها على الفرد. وسنن الإسلام وأحكامه مصدر كريم من مصادر ثقافتنا, فلا يكفي أن نعرف كيف نصلّي, بل يجب أن نعرف كيف نكون أفراداً مسلمين في مجتمع إسلاميّ, وأن نعرف كيف نكون رعايا مسلمين لدولة إسلاميّة"(1). لذلك فإنّ الزّمن الّذي نعيش فيه الآن في أشدّ الحاجة إلى الإسلام, وهذا الوقت هو أنسب الأوقات, في نظره, لقبول الإسلام, لأنّ هذه الإنسانيّة بحاجة ماسّة لهذا الدّين, الّذي لا يُغفل الدّنيا ولا ينسى الآخرة. فالإنسان اليوم هو في أشدّ الحاجة إلى من ينظّم له الدّنيا, فلا يجعله عبداً لها, ولا ينسيه نصيبه منها, كما أنّه يضمن له الآخرة, فلا يجعله من الخاسرين فيها, والإسلام هو الدّين الّذي يضمن له ذلك.
4 ـ فهم الإسلام بالمعنى العامّ الواسع:
كان السّيّد محب الدّين يفهم الإسلام فهماً عامّاً واسعاً, لا يقتصر على الفهم الضّيّق الّذي يعرفه معظم المسلمين. وكان ينبّه إلى ما فهمه من الإسلام, ليؤكّد أنّ الإسلام بوسعه وشموله وكماله, يصلح لحلّ كلّ مشاكل العالم, ويصلح لأن يكون الدّين العام لكلّ النّاس, في كلّ زمان ومكان.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, منهج الثّقافة الإسلاميّة, 14.(1/259)
وكان يحدد المصطلحات الإسلاميّة, ويعرّفها التّعريف العام الواسع, فالحجّ في نظره ليس مجرد زيارة لبيت اللّه الحرام, أو الطّواف حول الكعبة المشرّفة, بل هو تحويل المسلمين عن هذا الباطل الزّائل من حقير المنافع وخسيس الشّهوات إلى سبيل اللّه, وسننه الثّابتة الخالدة, الّتي تضمن لأهل الإسلام رجوع قوّتهم إليهم, واستعلاء دولتهم على الدّول وسبق أمّتهم لجميع الأمم(1). والجهاد لا يكون بالخروج للمعركة وحمل السّلاح فقط, بل قد يكون الجهاد بالسّلاح آخر النّواحي الّتي وجب علينا الجهاد فيها, أمّا أوّلها فهو أن نصلح ما بيننا وبين اللّه, وأن نصلح ما بيننا وبين أنفسنا(2).
وفائدة هذا التّعريف, أنّه يوضّح مفهوم الإسلام بشكل أفضل, مما يساعد على تطبيقه التّطبيق الصّحيح, هذا التّطبيق الّذي يعطي النّتائج العالية, والّتي تفيد المسلم في دنياه وآخرته. فلا يكفي في نظره أن نقوم بأداء مناسك الحجّ, ونحن لا نفهم معنى الحجّ ومقصده. كما لا يكفي أن نحمل السّلاح ونقاتل, ونحن لا ندري ما الجهاد الحقّ, ولماذا أمرنا اللّه به, وبغيره من العبادات الأخرى. فإذا فهمنا الإسلام بالمعنى الواسع, عرفنا كيف نطبّقه, وعندها سنحصل على نتائجه الّتي تضمن للمسلمين السّعادة في الدّنيا والآخرة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "ما هو الحجّ؟ ولماذا نحجّ؟", في الفتح, 840 (محرّم, 1366), 628.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "مقدّمات الجهاد", في المسلمون, 1 (محرّم, 1372), 72.(1/260)
ومن خلال فهمه الواسع للإسلام كما بينّا, كان يرى أنّ الإسلام يتكوّن من شُعب, وشُعب الإيمان كلها, كما كان يقول, تتفرّع من دوحتين عظيمتين, لا تخرج شعبة من شُعب الإيمان الإسلاميّ عن إحداهما. الدّوحة الأولى هي دوحة الحقّ, ومعظم أوامر الإسلام الّتي نحن مكلّفون بالإيمان بها متفرّعة عنها والدّوحة الأخرى هي دوحة الخير. وكلّ ما زاد عن فروع الدّوحة الأولى من شُعب الإيمان الإسلاميّ داخل في شُعب الدّوحة الثّانية ومتفرّع عنها ومكمّل لها(1). وهذا الفهم للإسلام جعل السّيّد محب الدّين يلحّ على المسلمين بأنّه يجب عليهم أن يطبّقوا هذا الإسلام في حياتهم وتصرّفاتهم, وأن لا يكتفوا من الإسلام بالعبادات فقط, بل يجب أن يترجموا تعاليم الإسلام على كلّ مراحل حياتهم وتصرّفاتهم.
5 ـ على المسلمين أن يعودوا إلى التّاريخ, وإلى سيرة الصّحابة رضوان اللّه عليهم, للأخذ منهم والاقتداء بهم:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " إيمان ", في الأزهر, 25 (محرّم, 1373 / 1953), 5.(1/261)
ذلك أنّ العقيدة مهما صحّت وقويت فهي شيء عديم القيمة, إن لم تصبح جزءاً من السّلوك والخلق, بل هي في الواقع لا وجود لها قبل ذلك(1). وكان السّيّد محب الدّين يرى أنّ مشكلة المسلمين اليوم أنّهم فهموا من الإسلام ألفاظ أوراده وحركات مسابحه, وغفلوا عن أهداف جهاده وأسباب حيويّته(2). لذلك فهم مطالبون اليوم بتطبيق هذا الإسلام, وذلك بعد فهمه الفهم الصّحيح, ويجب عليهم أن يعودوا إلى تاريخهم, وإلى سيرة الصّحابة الأوائل رضوان اللّه عليهم والّذين استطاعوا أن يبنوا الحضارة الرّاقية, عندما كانوا ملتزمين بهذا الدّين التزاماً كاملاً, في عقائدهم وتصرّفاتهم وقلوبهم وعقولهم. فالمسلمون الأوّلون الّذين تولّى الهادي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - تربيتهم وتوجيههم وإعدادهم للاضطلاع بمهمّة الإسلام العظمى, كانوا المثل الكامل للعمل بالإسلام, في إيمانهم وطاعتهم لله وأخلاقهم الكريمة, وسياستهم الحكيمة, وفتوحهم الرّحيمة, وتكوينهم المجتمع الإسلاميّ الصّالح, والدّولة الإنسانيّة المثالية, وقد كافأهم اللّه على ذلك بانتشار رسالته على أيديهم, وذيوع دعوته بين الأمم اقتداءً بهم واتبّاعاً لهم"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " الخلق هو الدّين ", في الفتح, 822 (جمادى الأولى, 1364), 340.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "ذكريات شاهد عيان", في الفتح, 861 (ذو القعدة, 1367), 265 .
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب مختصر التّحفة الإثني عشريّة, لعبد العزيز غلام حكيم الدّهلوي, 1.(1/262)
وقام المسلمون الأوائل بنشر الإسلام في كلّ أرجاء الأرض, وأعطونا القدوة الّتي يجب أن نقتدي بها لنبني كما بنوا هم الحضارة الرّاقية. وهؤلاء المسلمون كانوا يعملون بما يعلمون حيث كانوا, كما قال السّيّد محب الدّين: "يؤثرون العلم القليل ريثما يتمرّنون على العمل به, فيظهر أثره في سيرتهم وسريرتهم, وينظرون إلى العلم على أنّه غذاء النّفس وطعامها, فإذا تناولوا منه الجزء الصّالح صرفوا همّتهم إلى هضمه بتمرين النّفس عليه, حتّى تخالط بشاشته قلوبهم وحتّى يكون صفة من صفات نفوسهم. ومن هنا كان للكلمة الواحدة من جوامع الكلم قيمة عظيمة في نظرهم, لأنّهم يعرفون قدرها بما يحاولون من حمل النّفس عليها"(1).
وربّما نكون في عصرنا هذا أكثر علماً من أولئك المسلمين, غير أنّهم برأيه, كانوا يتميّزون عن مسلمي هذه الأيام بأنّهم كانوا يعلمون ويعملون بما يعلمون. فالعالم الأزهريّ اليوم ربما كان يعلم من النّصوص والأحكام أكثر مما كان يعلمه بعض أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -, ولكنّ الفرق بينه وبينهم والفرق بين زماننا وزمانهم أنّهم كانوا كلّما علموا خيراً عملوا به, وحرصوا على أن يكونوا من أمّة تعمل كلّها بذلك الخير, فكانوا لذلك أمّة خير(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الدّعوة إلى الخير في زماننا وفي صدر الإسلام", في الفتح, 834 (جمادى الأولى, 1365), 536.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الدّعوة إلى الخير في زماننا وفي صدر الإسلام", في الفتح, 834 (جمادى الأولى, 1365), 537.(1/263)
لقد كان السّيّد محب الدّين يرى أنّ العلم في زماننا صار مجرد بضاعة بنظر العلماء, وهو مجرد ألفاظ للتّبرّك بنظر الجماهير, وإذا لم يتخلّص العلم من هذه الآفات فلن نستطيع الاستفادة منه, لأنّ آفة العلم في زماننا من جانب العلماء أنّه بضاعة تصدير, وآفته من جانب الجماهير أنّه للتّبرّك بألفاظه أو الإعجاب بأسلوبه, لا للعمل بمعانيه ومدلولاته. وكان يعتقد أنّنا يوم نرجع إلى اعتبار العلم تعاقداً بين أهله على العمل به, تعود حينئذ إلى العلم قيمة نصوصه, وتصير كلمات الحقّ والخير بقيمة الدّنانير......, بل يكون الحرص عليها كالحرص على الغذاء(1).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, نفس الصّفحة.(1/264)
وكان يدعو المسلمين إلى أن يتصوّروا أنفسهم عائشين في زمن النّبي - صلى الله عليه وسلم -. أو يتمثّلوا صورة الرّسول - صلى الله عليه وسلم - يعيش بينهم ويوجّههم, وعليهم هم أن يلتزموا بما يأمرهم به النّبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان يؤكّد أنّ على المسلمين أن يتعاملوا مع دينهم وأن يطبّقوه في حياتهم كما كان الصّحابة رضوان اللّه عليهم يفعلون, فيجب علينا كما يقول: "أن نفترض وجود النّبي - صلى الله عليه وسلم - بيننا, وأن نتحرّى معرفة رسالته على وجهها كما كانت معروفة في زمنه, وأن نؤهّل نفوسنا للدّخول في صفوف أتباعه وأنصاره, وذلك بالتّخلّق بأخلاقهم, والسّير في طريقهم, وتلقّي هداية نبينا بعقليّتهم ليكون لها فينا مثل النّتائج الّتي كانت لها فيهم, وليكون لنا فيها مثل الأثر الّذي كان لهم فيها.......إنّ حياة النّبي - صلى الله عليه وسلم - تزداد وتتسع آفاقها ما عملنا على إحياء رسالته بيننا, وتحقيقها كما لو كان بين ظهرانينا"(1). ولذلك فإنّ محب الدّين كان يطلب من المسلمين في كلّ وقت أن يتصوّروا ويستحضروا صورة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - والصّحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين, لأنّ هذا سيساعدهم على تطبيق الإسلام في حياتهم كما كان يطبّقها الرّسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام رضوان اللّه عليهم.
6 ـ يجب إحياء سنن الإسلام:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "سؤال جديّ في ذكرى المولد المحمّدي", في الفتح,820 (ربيع الأوّل, 1364), 308 ـ 309.(1/265)
ولا يتمّ ذلك على حسب اعتقاده إلّا بثلاث مراحل, الأولى الدّعوة إلى ذلك بإخلاص وحسن نيّة, وابتغاء وجه اللّه الكريم......., والثّانية تفرّغ أهل العلم من الأزهريين والجامعيين لتتبّع هذه القواعد واستقصائها, وتحرّي ما قاله سلف الأمّة في أحكامها, وفهم ذلك وهضمه, والنّظر إليه من ناحية ما نرجوه لمجتمعنا من السّعادة بهذه السّنن والقواعد, وما يترتّب عليها من الطّمأنينة والرّضا العامّ الشّامل. والمرحلة الثّالثة العمل بذلك, وتربية المسلم نفسه على العمل بسنن الإسلام, في عقله ونفسه وبيته وأسرته وبيئته ومحيطه, وكلّ من يتّصل به(1). وهكذا فعندما قام المسلمون الأوائل بنشر الإسلام نشروه بأخلاقهم, فقد كانت الأخلاق هي وسيلتهم الأولى في الدّعوة إلى الدّين, لأنّهم كانوا يطبّقون هذا الدّين في حياتهم وفي معاملاتهم وفي أخلاقهم وفي كلّ كبيرة وصغيرة من أمورهم الخاصّة والعامّة. فغير المسلمين في صدر الإسلام لا يعرفون الإسلام من الكتب بل من أخلاق المسلمين, وبذلك انتشر الإسلام(2). والإنسانيّة ما برحت تشاهد المعجزات من رجالات الإسلام في نشره, وإدخال الأمم فيه, وتوسيع النّطاق في الآفاق لكلمة اللّه أكبر, حيّ على الفلاح, حتّى نُودي بها على جبال السّند, وفي ربوع الهند, وعلى سواحل المحيط غرباً, وفي أودية أوروبّة وجبالها, بما لم يملك أن يصفه حتّى أعداء الإسلام إلّا بأنّه معجزة(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "إحياء سنن الإسلام وقواعده", في الفتح, 864 (صفر, 1368), 28 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الخلق هو الدّين", في الفتح, 822 (جمادى الأولى, 1364), 340.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربيّ, 2.(1/266)
فمسألة تطبيق تعاليم الإسلام على حياة المسلمين, واتّخاذهم للصّحابة رضوان اللّه عليهم قدوة لهم في تطبيق هذا الدّين, كانت فكرة أساسيّة في كتابات السّيّد محب الدّين. ولعلّ هذه المسألة كانت الأساس الّذي وضعه السّيّد محب الدّين لتشخيص الأسباب الّتي أدّت بالمسلمين إلى هذا الانحطاط الّذي نراهم عليه. وإذا عُرف السّبب سهُل العلاج, والعلاج في نظر السّيّد محب الدّين يتمثّل بصورة أساسيّة بالعودة إلى الدّين. وفي رأيه فإنّ المسلمين لن يستطيعوا أن يتخلّصوا من ذلّهم, ويستعيدوا عزّهم المفقود إلّا بأمرين, أحدهما, إخلاص العلماء العاملين الّذين يبنون للأمّة سنن دينها, في كلّ ناحية من النّواحي الّتي تتناولها رسالة الإسلام. والثّاني ازدياد عدد المسلمين الّذين يوطّنون أنفسهم على ترديد ذلك البيان العلميّ بالعمل به, حتّى يتلقّاه عنهم بالقدوة من لا يتيسّر لهم تلقّيه بالدّرس والتّعليم"(1).
7 ـ يجب أن يعرف المسلمون معالمهم الحقيقيّة:
كان السّيّد محب الدّين يرى أنّ هذه المعالم هي الّتي تدلّ المسلمين على الطّريق الصّحيح, ولن يعودوا كما كانوا إلّا إذا تركوا كلّ ما يخرجهم من دينهم. فللمسلمين برأيه, علامات بينهم وبين ربّهم يُعرفون بها, وكلّما كانوا أصدق إسلاماً, وأكثر اتباعاً لقائدهم الأعظم - صلى الله عليه وسلم -, وأشدّ ولاية له, ولما جاء به من أخلاق وسنن وتشريع, كانت تلك العلامات أجلى فيهم وأظهر. أمّا إذا اكتفوا من إسلامهم بأشكاله عن حقائقه, وبمظاهره عن هدايته, فإنّ تلك العلامات لا تلبث أن تزول عنهم, وتنقلب إلى أضدادها(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب آداب الزّفاف في السّنة المطهّرة, محمّد ناصر الدّين الألباني, دمشق, دار الفكر الإسلاميّ, ط2, 1367, 7 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "هل أنت مسلم ؟", في الفتح, 841 (ربيع الأوّل, 1366), 659 .(1/267)
وكما كان محب الدّين يعتقد, فإنّ مسلمي هذه الأيّام تركوا معالمهم, واتّخذوا لهم صورة غير الصّورة الّتي يريدهم عليها ربّهم ورسولهم - صلى الله عليه وسلم -, لذلك فقد " ذلّوا وضعفوا وأخطأهم النّصر والتّوفيق, وأبطأ عليهم الارتقاء والتّقدّم والتّميّز على أمم الأرض, منذ تجاهلوا معالمهم وسايروا أهل الحضارات والملل والأهواء"(1). وابتدع هؤلاء المسلمون لأنفسهم سنناً جديدة غير سنن الإسلام, الّتي كانت سنن الخير والحقّ والعدل, لذلك فقد ضلّوا السّبيل, ولم يستطيعوا أن يصلوا إلى ما حلموا به من رقيّ وتقدّم, فتاهوا عن السّبيل, وبالتّالي فإنّهم خسروا دينهم ودنياهم.
فآداب مجتمعنا الإسلاميّ, برأيه, تحوّلت عن سنن الإسلام, لأنّنا انصرفنا عن هذه السّنن وعطّلناها ونسيناها, ثمّ ابتدعنا لمجتمعنا, في مئات السّنين الأخيرة, آداباً وسنناً اقتبسناها من منافعنا الشّخصيّة, الّتي تُسمّى بلغة القرآن العاجلة, ولو كان نفعنا من الآجلة أضعاف أضعافها. ثمّ دهمنا الغرب بآدابه وسننه, فأخذها من أخذها منّا ممسوخة ممجوجة, وخالفها من خالفها منا بغباوة وسماجة, فانسلخت أمّتنا عن صبغتها وسجاياها ومقوّماتها, وأمست لا إلى هؤلاء, ولا إلى هؤلاء"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "المعالم", في الفتح, 861 (ذو العقدة, 1367), 251.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "العيد", في الفتح, 860 (شوّال, 1367), 288.(1/268)
آمن السّيّد محب الدّين بأنّ نهضة المسلمين لن تحصل إلّا إذا رجعوا إلى دينهم وفهموا رسالة الإسلام الّتي استمات في سبيلها الصّحابة الكرام - رضي الله عنه -. وكان يرى أنّنا لن نخرج من الهوّة الّتي سقطنا فيها إلّا إذا رجعنا إلى اللّه. والرّجوع إلى اللّه بمجاراة المعلوم من سننه في خلقه لا بمجرّد العلم بها والتّوفيق بينها وبين المصالح الخاصّة, لا بالإصرار على مصالح خاصّة تعارضها وتناقضها, وبالاستفادة من تلك السّنن بالبحث عن أسرارها ومجهولاتها, لا بالإعراض عنها, والتّعالي عما أودعه اللّه فيها, من نعمة وقوّة ومتعة صالحة, وتيسير لمطالب الحقّ والخير(1).
وكتب قائلاً: " نكون أمّة صالحة يوم نلتفت ذات اليمين, فنرى لبلادنا جحافل من الجيوش المنظّمة مجهّزة بأحدث الأسلحة وأسرعها, مصنوعة بأيدينا, وفي مصانعنا, وتحت سماواتنا. ونلتفت إلى سواحلنا, فنرى لنا في مياهها أساطيل حربيّة وتجاريّة تملأ قلوب الأمم إيماناً بصلاحنا, واستسلاماً لهيبتنا. ونلتفت على جماركنا, فنراها منهمكة بالتّصدير لا بالاستيراد. ونلتفت إلى جامعاتنا, فنراها تعمل على تكوين علماء عاملين في جميع ضروب المعرفة.........ونلتفت إلى ما أنعم اللّه به علينا, من تربة وأنهار وينابيع ومناجم ونقود ومتاع, فنشكره عليها بحسن استعمالها واستغلالها واستنتاجها. نفعل ذلك كلّه بأخلاق فاضلة, ونفوس عفيفة, وجهود دائبة نشيطة, وقلوب وعقول متّجهة إلى اللّه, متوخّيّة مرضاته, عاملة لطاعته(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "كن مع اللّه", في الفتح, 829 (شوّال, 1365), 612.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "متى نكون أمّة صالحة", في الفتح, 844 (جمادى الآخرة, 1366), 731.(1/269)
وهكذا كان السّيّد محب الدّين, يرى أنّ أسباب انحطاط المسلمين تكمن في بعدهم عن دينهم, وتعلّقهم بالشّهوات وبالمنافع العاجلة وانغماسهم في الدّنيا, وفقدانهم للحماس في خدمة إسلامهم ودينهم. وقد انحطّ المسلمون لمّا هانت عليهم أخلاقهم, هلعاً منهم على التّزيّد من النّقود, فضحّوا لأجلها ببعض سجايا النّفس الإسلاميّة, وكريم معادنها(1). فإذا عاد المسلمون إلى دينهم, وتمثّلوا أخلاق الصّحابة في حياتهم فإنّ رسالة الإسلام سوف تسطع في كلّ الأرض, لأنّ "رسالة الإسلام الّتي استمات في سبيلها أبطال بدر, لا تحتاج علماء ينشرونها بألسنتهم, ولكنّها تحتاج شباباً تهضمها أرواحهم, وتمتزج بها أنفسهم, وتنبض بها قلوبهم, وتراها الأمم في أخلاق حملة أماناتها من شباب الإسلام, وفي أعمالهم وتصرّفاتهم, فتنقاد من ورائهم إلى هذا الحقّ وهذا الخير, معجبة بهما مقتدية بأهلها"(2).
لذلك فقد كان السّيّد محب الدّين ينصح دائماً كلّ من يريد الرّقيّ والتّقدّم من المسلمين بأن يعود إلى دينه, وأن يعمل لإحياء سنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وكان يقول: "عوّدت نفسي أن أتصوّر السّنة النّبويّة طريقاً قامت على جوانبه معالم ومصابيح, تدلّ النّفس البشريّة على الغاية الّتي تنشدها من السّعادة والطّمأنينة والحياة الصّالحة. وإنّي أنتهز الفرصة فأنصح لكلّ من يرى آثار النّصح فيما أقوله أو أكتبه أن يجرّبوا إحياء السّنة المحمّديّة, ومقاصدها العليا في أنفسهم وفي بيوتهم, وفي كلّ مالهم عليه ولاية من عمل"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "المثل الأعلى للحياة السّعيدة في الإسلام", في المسلمون, 2 (ربيع الثّاني, 1371), 30 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "لمناسبة ذكرى بدر", في الفتح, 838 (رمضان, 1365), 598.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحديث النّبوي", في الفتح, 822 (جمادى الأولى, 1346), 350 .(1/270)
وظلّ السّيّد محب الدّين يعلن دائماً وبصوت عالٍ, أنّ سبب الانحطاط الّذي يعاني منه العرب والمسلمون, هو البعد عن الدّين. ويشعر من يقرأ كتاباته العديدة والكثيرة, أنّه بقي محافظاً على فهمه ونظرته للإسلام بالطّريقة الّتي بيّناها. وبقي داعياً إلى العمل به وتطبيقه, وظلّ منبّهاً إلى أنّ سبب انحطاط المسلمين هو البعد عن الدّين. وقد جعل العلاج الدّائم لهذا الوجع العودة إلى دينهم, والأخذ بالصّالح من العلوم والمعارف من الأمم الأخرى الّتي سبقتنا, والعمل على تطويرها وتحسينها بما لا يتعارض مع ديننا, ويحافظ على هويّتنا ومليّتنا.
وكان يتألّم لحال المسلمين اليوم, فنجد الغصّة في قوله: "أرأيت هذا الانحطاط الّذي انحدر المسلمون إلى قراراته المحزنة؟, أرأيت هذا الانحلال المخيف الّذي أُصيبت به القوميّة العربيّة في أخلاق بنيها ومواهبهم وقواهم؟. أرأيت هذا الذّلّ الّذي بسط على الشّرق ألف جناح وجناح, من خمول وفقر ورياء وحسد وكذب وكسل وشهوات, فحال ذلك بيننا وبين نور الهدى ونسيم الحياة؟, إنّ هذا كلّه نتيجة لشيء واحد, وهو أنّ المسلمين استحدثوا للإسلام مدلولاً آخر غير المدلول الّذي بعث محمّد بن عبد اللّه - صلى الله عليه وسلم -, ليأخذ بيد هذه الأمّة إليه, ويحملها عليه"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإفتتاحيّة", في الزّهراء, 3 (رجب, 1345), 417 .(1/271)
لكن, وبالرّغم من هذا الألم, إلّا أنّ إيمانه لم يخبُ, وكان يعلن دائماً: "أنا مؤمن من صميم قلبي أنّ رسالة العروبة والإسلام جديرة بأن تستقبل من مظاهر العظمة في تهذيب الإنسانيّة, أبهر وأزهر مما كان لها في الماضي. ولن تستوفي هذه الرّسالة مهمّتها إلّا بإرجاع الإنسانيّة كلّها إلى نظام الفطرة الطّاهرة. وذلك متوقّف على شيء واحد, وهو أن يعرف العرب والمسلمون من هم؟, وممن هم؟, وما رسالتهم في الحياة ؟. ولن يكون ذلك إلّا إذا بنوا مناهج تعليمهم, وأسس ثقافتهم وأدبهم, على هذه المعرفة, والإيمان بلوازمها, وتعميم طريقهم نحو أهدافها. ورأس ذلك وعموده تصحيح تاريخ العروبة والإسلام وتجريده مما دسَّ فيه"(1).
وبهذه الرّوح, وهذا الفهم, سار السّيّد محب الدّين في طريقه, داعياً إلى الإسلام بالقول والعمل. وكان إحساسه العميق بالأمّة وأوجاعها, ومعرفته لحالتها المخزية, دافعاً له في كلّ ما يقوم به من نشاطات, وفي كلّ ما يكتبه من مقالات. وأختم هذا الفصل بقول الشّاعر:
من ذا بخلقك في جلالة برّ
بالموطنين وفي جمال حنينِ
متواضعٌ يهب الأنام جهوده
وسخيّهم بجزائه كضنينِ
مضت السّنون عليه في استبساله
ويظل لا يعيا بمر سنينِ
و محررٌ للباحثين وللحجا
وعلى دفاتره شبيه سجينِ
جرت اليراعة عن دماء شعوره
جري الرّسالة عن نبيّ يقينِ
تمضي ويشقى في سبيل ذيوعها
وهداه بالعقبى أبرّ ضمين(2)
ب ـ الإصلاح عند السّيّد محب الدّين:
تمهيد
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, من مقدّمة ديوان مجد الإسلام, لأحمد محرّم,10.
(2) ـ أبو شادي, أحمد زكي, ديوان الشّفق الباكي, 527.(1/272)
عاش السّيّد محب الدّين الخطيب في فترة هامّة من فترات التّاريخ العربيّ, هذه الفترة الّتي استقلّ فيها العرب عن التّرك, وبدؤوا بتكوين دولتهم الخاصّة البعيدة عن أيّ سيطرة خارجيّة. وكان الأمل كبيراً بعد الاستقلال بأن يعمل العرب للنّهضة واللّحاق بركب الحضارة, وتعويض ما فاتهم, إلّا أنّ هذا الأمل لم يدم طويلاً, فقد سيطر الأوروبيّون على هذه البلاد, وزادوا من تخلّفها وجهلها, ومنعوا نهضتها من القيام, بل قتلوا الأمل الّذي شعّ في النّفوس البائسة, ولم يخرجوا إلّا بعد أن جعلوا الوضع أسوأ مما كان عليه, فالتّخلف واحد, والاستبداد واحد, إلّا أنّ البلاد مجزّأة, والقوى مهدرة, وليس هناك من يستطيع أن يجمع الصّفوف, ويوحّد القلوب.
هذه الحالة الّتي استولت على العرب, ردّتهم إلى الجاهليّة الأولى, فماذا يفعل صوت مفكّر ينادي بالوحدة؟ أو صوت مصلح ينادي بالإصلاح؟. وبالرّغم من هذا الوضع المتردّي لم تسكت الأصوات المنادية بالوحدة والإصلاح. فبعد كلّ ما تعرّض له العرب في تاريخهم الحديث من ظلم وقهر وتسلّط, ظلّت أصوات هؤلاء المصلحين تنادي بالإصلاح والتّغيير, علّها تحرك ساكناً, أو تُوقظ نائماً.
والسّيّد محب الدّين كانت له رؤيته الخاصّة في الإصلاح. وقد ظهرت من خلال عرضه لحال الأمّة المتخلّف, ومن ثمّ محاولته أن يحلل الأسباب الّتي أدّت إلى هذا الضّعف والانحطاط, ليعرف سبل العلاج اللّازم الّذي تحتاجه الأمّة. وظلّ يدعو إلى هذه الأمور في كلّ كتاباته ومقالاته, حيث بيّن ذلك بصورة مفصّلة. فالأمّة بحاجة إلى الإصلاح في كلّ المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والتّربويّة. وكان يعرف أنّ الأمّة العربيّة والإسلاميّة أمّة متخلّفة ومتأخّرة, وتحتاج الكثير من العمل الجادّ والمخلص, لتستطيع أن تنهض, وتلحق بركب الحضارة.(1/273)
وعبّر عن حزنه العميق لوضع الأمّة المتردّي, قائلاً: "حقّاً إنّها لحالة محزنة. أمّة ناهضة تموج أنحاء المغرب في آسيا بشعوبها, وتتغنّى ربوع الشّمال في إفريقيا ببيانها, ويرجع العالم الإسلاميّ في جميع الدّنيا إلى مكتبتها وعلومها, بإحترام وإجلال, وهي لا تزال مع ذلك فقيرة فيما لا غنى لأمّة عنه"(1).
هذه الحال المتردّية الّتي وصلت إليها الأمّة, كانت برأيه نتيجة من نتائج السّيطرة التّركيّة عليها, فقد أرسى الأتراك التّخلّف والجهل في البلاد العربيّة " فكان العلم الدّينيّ الإسلاميّ في دولة السّلطان عبد الحميد, كما وصف السّيّد محب الدّين, يُوزن أهله بموازين الرّتب الرّسميّة......وكانت قبلة المسلمين في زمن ملك البرّين والبحرين, وخادم الحرمين الشّريفين, المثل الأكمل للفوضى والجوع وسفك الدّماء ...... وبغداد تحوّلت زمن الحكم الحميدي إلى قرية خربة لا تساوي عُشر قيمتها اليوم. واليمن كانت دار حرب, تُسفك فيها دماء العرب والتّرك جميعاً, على توالي السّنين باستمرار, حتّى سُميّت بحقّ مقبرة الأناضول. ومقاطعة طرابلس الغرب ... صارت مقفرة من العلم والتّعليم, فلا يوجد فيها من أبنائها حامل شهادة عالية إلّا رجل واحد......ومكّة والمدينة لم تكن توجد فيهما مدرسة واحدة تستحقّ أن تُسمّى ابتدائيّة....., وكانت المدرسة الأميريّة الثّانويّة الّتي تعلّمت أنا فيها بدمشق, عاصمة الأمويين, تُدرّس جميع المواد فيها بالطّمطمانيّة التّركيّة......., وكانت المناصب المهمّة كالقضاء والإدارة لا تشترط لولايتها كفاءة علميّة, حتّى ولا شهادات معيّنة, بل تُمنح لمن يتقرّب بالبذل لمن بيده التّعيين"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الحديقة, 2, 82.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "نهضة الأمّة للاضطلاع برسالتهم", في الفتح, 823 (جمادى الآخرة, 1365), 362.(1/274)
فالسّيّد محب الدّين كان يحمّل العثمانيين ومن بعدهم الإتحاديين مسؤوليّة التّخلف والجهل الّذي عانت منه الأمّة العربيّة, مما أدّى إلى سيطرة من نوع آخر على بلادنا, هي سيطرة الأوروبيّين. الّذين استغلّوا "ضعف الأمّة العربيّة القوميّ والاجتماعيّ من ألف سنة أو تزيد, فجريمة ضعفنا هي الّتي جرّت علينا مساوئ الحكم السّابق للاحتلال الفرنسيّ, ومساوئ ذلك الحكم هي الّتي صارت بنا إلى احتلال أوروبّا العسكري"(1).
وكان متنبّهاً إلى خطط هؤلاء المستعمرين الأوروبيّين, حيث قاموا بالتخطيط لامتلاك رقاب الشّعوب العربيّة, فجعلوهم يهتمّون بتوافه الأمور وزخارف الدّنيا, ولم يثيروا فيهم الاهتمام بالعلم أو التّقدّم الحقيقي, فالغرب برأيه لمّا أراد أن يملك رقاب الشّعوب......استهواها بملاهيه وزخارفه وأهوائه وموبقاته, ولا خلاص لهذا الشّرق العربيّ من شراك الغرب إلّا إذا عدل أهله عن تلك الزّخارف والموبقات(2).
ومن خلال قراءتي لكتابات السّيّد محب الدّين أستطيع أن أجمل نظرته للإصلاح ولأساليبه وطرقه, بالنّقاط التّالية:
1 ـ التّربية والتّعليم:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حادثة الجلاء عن سوريا", في الفتح, 834 (جمادى الأولى, 1365), 532 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "شعرنا وشاعرتا", في الزّهراء, 3 (ذو الحجة, 1345), 621.(1/275)
كان السّيّد محب الدّين يرى أنّ التّعليم في البلاد العربيّة والإسلاميّة هو تعليم متخلّف, ليس له هدف ولا غاية إلّا الحصول على الوظيفة, فمنذ عهد العثمانيين كانت "آمال النّشء العربيّ في كلّ مدرسة للدّولة العثمانيّة في البلاد العربيّة, أن يحذقوا لغة التّرك تكلّماً وإنشاءً وأدباً, ليتولّوا بعد ذلك وظائف الدّولة في بلادهم, والبلاد العثمانيّة الأخرى"(1). وظلّ هذا الهدف في نفوس طلابنا حتّى بعد استقلال البلاد العربيّة عن الدّولة العثمانيّة. وذلك لأنّ المستعمر الأوروبيّ قد رسّخ هذا الهدف في نفوس طلاّبنا, فأصبح همّهم " الحصول على تلك الورقة الّتي يسمّونها شهادة, ليتسنّى السّعي بواسطتها للوظائف الّتي اشترطت تلك الشّهادة للحصول عليها"(2).
وكان يرى أنّ أكثر العيوب الّتي نجدها في مدارسنا " أنّها معاهد تعليم لا معاهد تربيّة, وأنّ التّعليم فيها نظريّ, قلّما يستفيد منه صاحبه في معترك الحياة وميادين العمل. وأنّ هذا التّعليم النّظريّ يتناول الذّاكرة والحفظ أكثر مما يتناول الوعي والفقه"(3). فهذه المدارس لا تهتمّ بتربية النّشء بقدر ما تهتمّ بتلقيتهم مجموعة من العلوم لا تفيدهم في مواقعهم, فيبقى الطّالب جاهلا ًبما يجب عليه أن يتعلّمه, ويتعلّم أشياء للحفظ دون الاستخدام. وحتّى تعليمهم العلوم لا يتمّ بطريقة سليمة, لأنّ هذه المدارس لا تميّز بين تعليم علوم الثّقافة وتعليم علوم الطّبيعة والرّياضيات والعلوم العالميّة الأخرى.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الدّكتور صلاح الدّين القاسمي آثاره, 3.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "تعليمنا الإبتدائي والثّانوي فاسد, وتعليمنا الجامعي أشدّ فساداً", في الفتح, 849 (ذو القعدة, 1366), 857.
(3) ـ المصدر نفسه, 857.(1/276)
والسّيّد محب الدّين الخطيب كان يرى أنّ هذه المدارس كانت بحاجة إلى إصلاح, ويجب أن يبدأ هذا الإصلاح بتغيير مفهوم وهدف التّعليم في نفوس الطّلاب ويجب أن نغيّر من أساليب ومناهج التّعليم عندنا, بما يتناسب مع حاجاتنا العلميّة والعامّة والّتي تخدم تطلّعنا نحو الحضارة والتّقدّم. فقد كان يرى أنّ برنامج مدارس النّاشئة يجب أن يُقتبس من أحوال مدرسة المجتمع الكبرى, فالّذي تصدّى لتنشئة أبنائنا يجب عليه أن يطيل النّظر في مدرستنا الاجتماعيّة الكبرى ويكتشف ما غمّ فيها من عيوبنا ونقائصنا, فيعمل في مدارس أبنائنا على إصلاحه وتلافي أضراره, وبهذا تخرج مدارسنا من الشّكل التّقليدي البارد, المؤسسة برامجه على أحوال بلاد غير بلادنا, أو أزمان غير زماننا"(1). ويجب على هذه المدارس أن تبثّ " روح الإقدام والعزم والثّبات والحزم في شبابنا, ليخرجوا من المدارس مستعدّين للسّباحة في بحر الحياة بلا خوف ولا تردد"(2).
وكان يرى أنّ وظيفة المدرسة ليست قاصرة على شحن الذّاكرة بمعلومات لا يعرف النّاشؤون كيف يستفيدون منها في معترك الحياة, لكنّ وظيفة المدرسة, برأيه, هي أن تعدّ للبلاد رجالاً ذوي مطامح بعيدة المرمى شريفة السّمعة, يسعون إليها بأجسام قويّة, وعزائم ثابتة, وصبر جميل, سالكين أقرب طرقها, ومتحلّين بالمعلومات النّافعة لهم في أعمالهم الخاصّة وواجباتهم العامّة"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "كيف يجب أن تكون؟ كلمة عن المدارس", في العاصمة, 65 (محرّم, 1388 / تشرين الأوّل, 1919), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّربية الإستقلاليّة", في العاصمة, 94 (ربيع الثّاني, 1388 / كانون الثّاني, 1920), 1 .
(3) ـ المصدر نفسه, 1.(1/277)
وكان يعرف أهميّة التّربية في الحياة, ويعرف تأثيرها الكبير على مسيرة المجتمع ككل. وكان يتمنّى أن تُعنى المدارس والجامعات بتربية النّفوس قبل عنايتها بحشد المعلومات, وأن تكون معاهد تربية لزرع الخير والحقّ, ولتعليم الطّلاب كيفيّة تطبيق هذا الحقّ والخير. " فلو أنّ أزهرنا ومعاهده, ومدارسنا وما بعدها من جامعات, تُعنى بتربية نفوس التّلاميذ قبل عنايتها بحشد المعلومات في ذاكرتهم, ولا تُملي عليهم إلّا الحقّ والخير, ولا تجاوز شيئاً من هذا الحقّ والخير إلّا بعد أن يؤمن به تلاميذهم, ويعاهدوا على العمل به, وعلى إقامته في الأرض, حتّى يكون هو المعمول به, وهو المرجوع إليه, وهو المطلوب في التّعامل والتّعاون والتّنافس في كلّ الظّروف والأحوال, لأنتج هذا المنهج في التّعليم في هذا القرن الرّابع عشر مثل النّتيجة الّتي كانت له في القرن الأوّل للهجرة(1).
وكان يؤمن بتأثير التّربية على كلّ شيء فينا, فبها نكون رجالاً صالحين في المجتمع, أو لصوصاً وقتلة ومتشرّدين. وبها نكون كرام النّفوس محبّين للإحسان, أو لئاماً وبخلاء ومفسدين. وبها نكون صحيحي الأجسام نشيطين مرنين, أو ضعافاً وكسولين ومتقاعسين(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, منهج الثّقافة الإسلاميّة, 8 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "صحّة التّفكير", في العاصمة, 97 (جمادى الأولى, 1338/ كانون الثّاني, 1920), 1.(1/278)
وكان يعتبر أنّ المعلّم هو الأساس, وهو الّذي يتحمّل أكبر المسؤوليّة في عمليّة التّعليم ونجاحها, وفي تحسين هذه العمليّة, وفي نقل الطّالب من مرحلة الحفظ دون الفهم, إلى مرحلة الفهم والاستيعاب. وللمعلّم الدّور الأكبر في التّغلّب على النّواقص الّتي توجد في المناهج التّعليميّة, ويجب عليه أن يحاول إصلاحها, ويتدارك الأخطاء الموجودة فيها. ويوجب على علمائنا أن يعدلوا عن أساليبهم الحاضرة في كلّ شيء, ولا يكون ذلك إلّا بأمرين, يتجلّى في أحدهما جمال الجديد, وفي الآخر جلال القديم, فأمّا الأوّل, فهو أن تُؤلّف للدّراسة في المعاهد الدّينيّة الإسلاميّة كتب جديدة, خالية من الحشو, بريئة من التّردد, سهلة المأخذ, حسنة التّأليف والتّبويب والتّقسيم, تُوصل الطّالب إلى فهم القواعد بأقصر وقت, وتضمن تثبيت القواعد في ذهنه بالأمثلة الواضحة ........ أمّا الأمر الثّاني الّذي يتجلّى فيه جلال الماضي, فهو تعويد الطّلبة مراجعة كتب الصّدر الأوّل في جميع العلوم الإسلاميّة والآداب العربيّة, لأنّ فيها ينبوع الإسلام الصّافي, وأدب العرب الجزل, وثمرات عقول السّلف أيّام النّضوج(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الإصلاح الإسلاميّ", في الزّهراء, 3 (شوّال, 1344), 596 .(1/279)
وكان يردد بشكل مستمر, بأنّ المعلّم هو المسؤول الأوّل, وبشكل كبير, عن نقل الأمّة من حالة التّخلّف والجمود, إلى حالة الرّقيّ والتّقدّم. وهو مسؤول عن انتقاء المواد الّتي يعلّمها لطلّابه. لذلك يجب عليه أن يعرف ماذا يختار من العلوم الّتي تفيدهم في حياتهم. وكان ينادي: "من لي بمن يخبر معلمي المدارس بما أخذوا على أنفسهم من الواجبات العظمى؟ إنّنا لا نطلب من معلمي المدارس أن يعلّموا أولادنا أشياء كثيرة, يكفي أولادنا من مسائل العلم ما يحتاجون إليه في هذه الحياة, أمّا نحن فقد كان معلمونا يعلّمونا أشياء لم تلزم لنا حتّى الآن, وفاتهم أن يعلّمونا أموراً تلزم كلّ إنسان"(1).
فهذا المعلّم بما يقدّمه للنشء الّذي يتربّى على يده, يمكن أن يمّد الأمّة برجال عظماء أوفياء, يخدمونها ويسهمون في تقدّمها ورقيّها, وبالتّالي فإنّ هذا المعلّم سيكون مفخرة للأمّة لأنّه صانع هذه الأجيال. فالمعلّم هو إنسان يخدم أمّته بصمت ودون منّة, ويتخرّج على يديه الأطبّاء والمهندسون والمحامون والعمّال والموظّفون الّذين يبنون بلادهم, ويقدّمون لها الخير في كلّ المجالات. لذلك يجب علينا أن لا ننسى فضل هذا المعلّم. فكم من معلم متوسّط الحال, لم يكن التّاريخ ليشعر بوجوده, لولا نبوغ رجل عظيم من تحت يده. وكم من رجل عظيم وصل أعلى المقامات, فلم يمنعه ذلك من الاستمرار على خفض جناح التّواضع لمن أفاده علماً انتفع به(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "صحّة التّفكير", في العاصمة, 97 (جمادى الأوّلى, 1338/ كانون الثّاني, 1920), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "إيقاظ المواهب وإعداد الرّجال", في العاصمة, 122 (شعبان, 1338 / آيّار, 1920), 1.(1/280)
وهذا المعلّم لا يكون معلّماً صالحاً برأيه, ويستطيع إعداد هؤلاء الرّجال العظماء الّذين تحدّثنا عنهم, ما لم يغطِّ على عيوب المنهج, كما يغطّي القاضي الحكيم على جوانب النّقص في القانون. والمعلّم الصّالح أب نصوح, وضع اللّه يده في أيدي رجال الغد, ليذهب بهم إلى المهمّة الّتي تنتظرهم في الغد, فيزوّدهم بالمبادئ السّديدة, والقواعد الرّشيدة, الّتي ينالون بها الفلاح فيما يضطلعون به من عمل, ليكونوا أعضاء نافعين في المجتمع(1).
وهكذا فإنّ السّيّد محب الدّين كان يرى أنّ إصلاح التّعليم والعمليّة التّعليميّة يبدأ بمعرفة الخلل الموجود في طرائق التّعليم, ثمّ بإصلاح هذا الخلل, وتجاوز النّواقص الموجودة في هذه العمليّة, ومعرفة ما يناسب أمّتنا وعروبتنا من طرائق التّدريس, الّتي ستنقل الأمّة من طور التّخلّف إلى طور التّقدّم. وهذا لا يكون إلّا بنقض أسس التّعليم الأجنبيّة واستئناف تأسيسه على أساس عربيّ, يضمن للمستقبل جيلاً قويّ النّفس, مستقيم الأخلاق, يحسن التّوفيق بين العمل لنفسه والعمل لأمّته. وتساعده أساليب التّعليم على أن يكوّن منه رجل كفاح في ميادين العلم والبحث والصّناعة والتّجارة والاقتصاد(2).
وكان يدعو الجميع إلى المساهمة في تهيئة معسكر التّربية والتّعليم, لإخراج جنود قادرين على مصارعة الجهل والشّرور والرّذائل, وإبادة الضّعف والفقر والخمول, والقضاء على اليأس والتّفرّق والانحلال(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مستقبل الجيل في يد المعلّم", في الفتح, 849 (ذو القعدة, 1366),851 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "مستقبل الجيل في يد المعلّم", في الفتح, 849 (ذو القعدة, 1366), 851.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّربية الاستقلاليّة, والمبادئ الدّيمقراطيّة", في العاصمة, 96 (جمادى الأولى, 1338/ كانون الثّاني, 1920), 1.(1/281)
ويجب علينا برأيه أن نعدّ الجيل إعداداً مناسباً, ونبنيه بناء مناسباً, من أجل النّهضة المرتقبة, ولا يكون ذلك إلّا بتضافر الجهود مجتمعة, المدرسة من جهة, والمعلّم من جهة أخرى, والمجتمع ككل من جهة ثالثة. فالبناء الجديد الّذي من رسالة الجيل الجديد أن يقوم به يدور حول مهمّتين اثنتين, أمّا أولاهما فبعث تراثنا القوميّ من تاريخ وأخلاق وعلوم وسنن ووصايا. وتعيين أهدافنا إلى أن نعرف كياننا القوميّ كما كان في الماضي, وكما يجب أن يكون في المستقبل....أمّا المهمّة الثّانية, فهي مطاردة آثار الاستعمار في نفوس أبناء الجيل, وفي مرافقهم, وفي بيوتهم, وفي عاداتهم وأنظمتهم, ثمّ مطاردة معاني الضّعف الّتي طرأت على مفهوم الدّين في عقول العامّة وأشباه العامّة ما لم يكن للصّحابة والتّابعين علم به, في نفوس الجيل العربيّ الجديد .... وبذلك نبعث سنن الإسلام الصّحيحة, في مجتمعنا الإسلاميّ المعاصر(1). ولن يتمّ لنا ذلك إلّا إذا عرفنا أهميّة التّربية والتّعليم فبهذه التّربية تُبنى الدّولة, وبها نصل إلى الأهداف الّتي نريد, يقول: "إنّ أسلوب التّربية والتّثقيف في المدارس والجامعة هو الّذي يبني الدّولة, وهو الّذي يكوّن الوحدة, وهو الّذي يسير بالأمّة إلى الأهداف"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "يا شباب الجيل", في الفتح, 845 (رجب, 1366), 755.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "حادثة الجلاء عن سوريا", في الفتح, 834 (جمادى الأولى, 1365), 533.(1/282)
إذاً فالسّيّد محب الدّين كان يرى أنّ التّربية والتّعليم هما الوسيلتان اللّتان يجب الاعتماد عليهما لبناء الحضارة, وبهاتين الوسيلتين نستطيع أن نبدأ بالشّباب, الّذين هم أمل الأمّة ومستقبلها. فإذا استطعنا التّغلّب على مشاكل التّربية والتّعليم في بلادنا استطعنا أن نبني شبابنا. وبالتّالي سيقوم هؤلاء الشّباب الّذين أعددناهم إعداداً جيّداً بحمل رسالة الحضارة وبنائها. ولأنّ المدرسة هي مصنع الرّجال, فإنّها ستخرّج لنا التّجار الصّالحين, والعمال المخلصين, والزّرّاع الّذين يقدّمون الغذاء للوطن, والصّنّاع المتقنين الّذين يصنعون ما يحتاجه الوطن من مصنوعات ومنتجات. ولن يكون ذلك برأي السّيّد محب الدّين, إلّا " إذا أدرك شباب الجيل من بني الإسلام أنّ اللّه أعدّهم للخلافة على الأرض بالرّجوع إليه, وبامتلاكهم زمام القوّة في جميع أسباب القوّة من علم وصناعة وزراعة وتجارة, مع التّحلّي بأخلاق الإسلام وفضائله, حتّى تمتزج أرواحهم, وحتّى يتعاملوا بها مع كلّ من يتعامل معهم"(1).
2 ـ فقدان الهويّة:
عالج السّيّد محب الدّين الخطيب مسألة أخرى, كان يعتبرها من الأسباب الأساسيّة في تخلّف العرب والمسلمين, وهذه المسألة هي فقدان الهويّة الخاصّة الّتي تلزم للتّقدّم والرّقيّ. والمقصود بهذه المسألة هو الهويّة الاجتماعيّة, الّتي يجب أن تميّز الأمّة العربيّة والإسلاميّة عن غيرها من باقي الأمم, وتميّز تقدّمها وحضارتها, بحيث تُعرف بين أمم الأرض بهذه الهويّة وهذه السّمة. ويجب أن لا تذوب هذه الأمّة في الأمم الأخرى, لأنّها أمّة عريقة, ذات حضارة وعلم, ولكنّ الظّروف المحيطة لم تساعدها على إظهار هذه الهويّة بالشّكل المطلوب.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, مع الرّعيل الأوّل, 58 .(1/283)
وكان يرى أنّ فقدان الهويّة هو مرض أصاب الأمّة العربيّة, "من جملة الأمراض الّتي أصابتها جرّاء التّخلّف الّذي حلّ فيها. وقد جاءنا أيضاً من إهمال أهل الرّأي فينا تنظيم حياتنا الاجتماعيّة, وجعلها ملائمة لديننا من جهة, ولمصلحتنا من جهة أخرى. وهنا نعود فنقول: العيب في القيادة. أي في الّذين بيدهم القيادة الفكريّة أوّلاً والقيادة الماليّة ثانياً "(1).
وكان يعتبر أنّ البلاد العربيّة والإسلاميّة فقدت قيادتها الفكريّة, وفقدت بالتّالي هويّتها الحقيقيّة, لأنّ أهل الرّأي والفكر تركوا الأمور تسير دون ترشيد أو تصحيح أو تحسين, ولم يحاولوا إزاحة ما فيه ضرر على عقيدتنا وهويّتنا, وأصبحت الأمور مختلطة, لا يُعرف الصّحيح من الخاطئ. " فالتّطور الاجتماعي الجديد قد هاجمنا كالسّيل المتدفّق سواء أردناه أم لم نرده ومن سوء حظّنا أنّ طلائعه جاءتنا ممزوجة الخير بالشّرّ, مختلطة النّفع بالضّر, فإذا أردنا أن نجعل هذا الوطن وطن علم وقوّة ونظام وغنى, يجب علينا أن نأخذ بما في هذا التّطور الاجتماعيّ الجديد من أسباب الخير, وننصّب أنفسنا دعاة لها, ومحرّضين عليها, فنرفع بلادنا إلى مستوى البلاد الرّاقية. وأن نهذّب أخلاقنا, ونطهّر أعراقنا باجتناب ما جاءنا مع هذا التّطور الاجتماعي من أسباب الشّرّ, وننصّب أنفسنا نهاة عنها, ومحذّرين منها"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "بماذا يكون المسلمون أمّة", في الفتح, 125(محرّم, 1348), 1 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " الشّباب ", في العاصمة, 100 (جمادى الأولى, 1338 / شباط, 1920), 1.(1/284)
ويجب برأيه أن نعرف أنّ أمّتنا قد امتازت بميزة أساسيّة, وهي أنّ آخرها متّصل بأوّلها, وأنّ ماضيها من ثروة حاضرها, وأنّ أهداف مستقبلها مرسومة في سنن أسلافها(1). وعلى هذا فإنّ نهوض الأمّة منوط بمعرفة ماضينا, والمحافظة على تراثنا وهويّتنا, وسيكون تقدّمنا الاجتماعيّ مرتبط بمدى معرفتنا لهويّتنا ولتراثنا, فلا نأتي بما يخرجنا عن هذه الهويّة. لذلك فإنّ "الخوف علينا ليس من أعدائنا مهما كانوا, وإنّما الخوف علينا من تقصيرنا وغفلتنا"(2).
وهذا الّذي كان السّيّد محب الدّين يحذّر منه, هو نفسه الّذي وقع فيه العرب والمسلمون فيما بعد, حيث عانوا من آثاره, ونتائجه السّيئة في كلّ مرافق حياتهم, لذلك فإنّ العرب والمسلمين اليوم مطالبون بأن يرسموا الخطط اللّازمة لنهضتهم الاجتماعيّة, لأنّ الزّمن الّذي كان يرتجلون فيه مخرجاً لكلّ نازلة قد انقضى وآن لهم أن يرسموا لاتّجاههم العام خططاً, يتّصل آخرهم بأوّلهم, ويتعاون على تحقيقها باديهم وحاضرهم, ويؤمن بضرورة الوصول إلى أهدافها أفرادهم وجماعاتهم (3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "يا شباب الجيل", في الفتح, 845 (رجب, 1366), 755.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "مصيبة العرب باليهود ومصيبة اليهود بالصّهيونيين", في الفتح, 842 (ربيع الآخر, 1366), 685.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "جبهة إسلاميّة موحّدة", في الفتح, 844 (جمادى الأخرى, 1366), 749(1/285)
ويجب على العرب والمسلمين أن يعرفوا أنّ هناك عقبات تعترض طريقهم للسّيادة والتّرقّي والحضارة, ويجب عليهم أن يعرفوا هذه العقبات, ليسهل عليهم إزاحتها. وبيّن السّيّد محب الدّين في إحدى مقالاته أنّ هناك عقبتين تعترضان طريق العرب والمسلمين للسّيادة, " أمّا أولاهما, وهي أصعبهما, فانصرافنا عن الانتفاع بما أنعم اللّه به علينا من هداية ديننا ومزايا قوميّتنا وكنوز أوطاننا, والقوى الّتي أودعها اللّه في نفوسنا. أمّا العقبة الأخرى الّتي تحول في الدّور المنصرم بيننا وبين السّيادة, فتكالب أعدائنا علينا, واستعمارهم لبلادنا بصناعاتهم العليا, ومتاجرهم الواسعة, وأموالهم النّامية بالأنظمة الدّقيقة. وأقبح ألوان استعمارهم لنا استعمارهم لعقولنا وقلوبنا ونفوسنا, بما رسموه لنا من مناهج التّربية والتّعليم, وبما سلّطوه علينا من أذواق وآراء وأفكار واتّجاهات واقتناعات, حتّى انسلخنا عن ماضينا, وتحوّلنا عن أهدافنا, وجهلنا أنفسنا, واستخففنا بها وبأصولها, وسخرنا بكلّ ما لا يدمجنا في كيانهم المعنويّ, وكلّ ما لا يصبغنا بلونهم الأدبيّ(1).
ولم يكن السّيّد محب الدّين يرضى أن يرى أمّته تنسلخ عن هويّتها وقوميّتها, لذلك ظلّ طوال حياته داعياً إلى محافظة الأمّة على هويّتها, وعاملاً على تقدّمها ورقيّها.
3 ـ الاقتصاد:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "ميثاق ", في الفتح, 863 (محرّم, 1368), 3.(1/286)
ومن المجالات الّتي دعا السّيّد محب الدّين إلى إصلاحها أيضاً الاقتصاد. لأنّ الاستقلال الحقيقيّ لأيّ دولة لا يتمّ إلّا باستقلالها الاقتصاديّ. فكان يقول: "أنا أفهم للاستقلال معنى واحداً وهو أن تكون الأمّة غير مقيّدة بمصالح دولة أخرى, تحول بينها وبين اكتساب المرونة الصّناعيّة, والاستثمّار الزّراعيّ والمعدنيّ, والتّوسّع الماليّ والتّجاريّ, والاستعانة بالآداب النّاشئة وإعدادها لجليل الأعمال, وحسن استخدام مرافق البلاد وقوى سكانها في سبيل الغايات المشار إليها. فإذا قيّض اللّه لأمّة أن تتخلّص من ربقة الانقياد لإرادة أمّة أخرى كانت ذات مصالح مخالفة لمصالحها, فإنّ هذا التّخلّص يكون حينئذ نعمة سلبيّة لا إيجابيّة, أي أنّ هذه النّعمة تكون مبنيّة على أساس زوال الضّير, لا على أساس تحصيل الخير. ولا يتأتّى تحصيل الخير إلّا بنهوض الأمّة كلّها للسّعي له في طريقي الاستقلال الاقتصاديّ, والأخلاق الفرديّة والاجتماعيّة"(1).
إذاً فالأمّة الّتي لم تحصل على استقلالها الاقتصاديّ هي, في نظر السّيّد محب الدّين, أمّة غير مستقلّة بل هي أمّة محتلّة, لا تملك حريّة التّصرف واتخاذ القرار في شؤونها العامّة ولا حتّى الخاصّة منها. لذلك فقد دعا إلى تنظيم هذا الاقتصاد, تنظيماً يجعل بإمكاننا الاستفادة من خيراتنا وإمكاناتنا, والاستفادة أيضاً من خبرات غيرنا وتجاربهم بما فيه الخير لنا.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " دعامتنا الاستقلال ", في العاصمة, 54 ( ذو الحجة, 1337 / آب, 1919),1.(1/287)
دعا السّيّد محب الدّين إلى تأسيس مصرف ماليّ عربيّ, مؤسس على أساس متين, ويكون خطوة من خطوات الإصلاح الاقتصاديّ في بلاد العرب والمسلمين. وكان يرى أنّ المصارف الوطنيّة هي عنوان الاستقلال, فنحن الآن أمام فرصة سانحة لإلقاء أخطاء اقتصاديّة كثيرة بتأسيس مصرف ماليّ عربيّ تشترك الأمّة والحكومة معاً في تأسيسه......, المصارف الوطنيّة عنوان الاستقلال الاقتصادىّ, والاستقلال الاقتصاديّ دعامة الاستقلال السّياسيّ(1).
والاقتصاد في فكر السّيّد محب الدّين هو الّذي يميّز الحضارة عن البداوة, فكلّما كان الاقتصاد متقدّماً ومؤدّياً لحاجات الأمّة, كانت البلاد أكثر حضارة واستقلالاً, وكلّما كان الاقتصاد متأخّراً وقاصراً عن تأدية وظيفته في تقدّم البلاد ورقيّها, كانت هذه البلاد متأخّرة أيضاً. فمهما أجهد الباحث فكره, لا يجد فارقاً أصلح من الاقتصاد للتّمييز بين الحضارة والبداوة في كلّ أدوارها التّاريخيّة. وإنّ رؤوس الأموال, الّتي هي قوام المتاجر والمصانع والثّروات, الّتي تنشأ بها السّكك الحديديّة, والمراكب البحريّة, والمدارس الجامعة, والمعابد الضّخمة, والمستشفيات الكبرى, إنّما هي بنت التّوفير, ونتيجة الاقتصاد(2).
والسّيّد محب الدّين كان يعتبر أنّ الأمّة لا يمكن أن تنهض إلّا بنهوض اقتصادها, وعندما تصبح الأمّة قادرة على إدارة اقتصادها, والاستفادة من خيراتها بنفسها, ودون تدخل خارجيّ, عند ذلك فقط يمكنها أن تتقدّم وتترقّى.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "دعوة إلى تأسيس مصرف ماليّ عربيّ", في العاصمة, 118(شعبان, 1338 / نيسان,1920), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الاقتصاد", في العاصمة, 98 (جمادى الأولى, 1338 / شباط,1920), 1.(1/288)
وعندما تصبح هذه الأمّة قادرة على تربية أبنائها تربية اقتصاديّة صحيحة, ليكونوا تجّاراً وطنين أو صنّاعاً وطنين أو زرّاعاً وطنين, عند ذلك تملك اقتصادها, وعند ذلك سوف تستطيع أن تكون أمّة ناهضة راقية. يقول: " إنّ أبناء هذا الوطن سيشعرون في القريب العاجل بالحاجة إلى تجّار وطنين........وإذا لم نسرع لإيجاد العدد الوافر من التّجّار الوطنين للمستقبل القريب, فإنّ دوائر الحكومة ستسدّ أبوابها في وجوه طلاّب الوظائف اكتفاء بمن لديها, ودفّة تجارتنا ستدار بيد غيرنا في عقر دارنا......وإنّ أبناء هذا الوطن سيشعرون في القريب العاجل أيضاً بالحاجة إلى رجال وطنيين يتولّون إدارة أراضيهم الزّراعيّة, فإذا ظلّ أبناء الأراضي الزّراعيّة على رغبتهم المعهودة في الخروج من المدرسة إلى الوظيفة في إحدى دوائر الحكومة, فسيأتي يوم يتوسّل فيه الأغيار بكلّ الوسائل لشراء أراضينا من أيدي أبنائنا الّذين لا يحسنون الاستفادة منها......وما يُقال عن حاجة الوطن إلى المتعلّمين الأكفاء من التّجّار والزّراعين, يُقا ل أيضاً عن حاجته إلى الرّجال الصّالحين لإدارة الصّناعات الرّاقية, حرصاً على بقاء قياد البلاد في أيدي رجالها, وحفظاً لثروتها في جيوب أهلها........., إنّ تمتع البلاد بالاستقلال السّياسي منوط بإستقلالها في أوضاعها التّجاريّة والزّراعيّة والصّناعيّة"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّربية الاستقلاليّة", في العاصمة, 94 ( ربيع الثّاني, 1338 / كانون الثّاني,1920), 1.(1/289)
والسّيّد محب الدّين كان مقتنعاً بأنّ نهضة الاقتصاد بحاجة إلى تعاون بين جميع الفعاليّات الموجودة في المجتمع, وهو بحاجة إلى تضافر الجهود مجتمعة لتحقيق الغاية المنشودة. يقول: " يلوح لي أنّ نظام التّعاون, إذا توسّعنا في معرفته وممارسته, وإذا أنشأنا من أبنائنا جيلاً جديداً يأنس به ويؤمن بمزاياه, ويعمل به في جميع أسباب الرّزق من زراعة وصناعة وتجارة, لا يلبث أن ينتشلنا من دركة الذّئاب الّتي كنّا فيها إلى مرتبة الأحياء من شعوب البشر, الّذين يتعاونون على الحقّ والخير في طريق الحياة"(1).
وكان يريد من العرب والمسلمين أن يصلحوا اقتصادهم ويطوّروه, ولكنّ هذا لا يعني أن يستقدموا أنظمة اقتصاديّة تخالف الشّرع الإسلاميّ, لأنّ الإسلام, كما كان يرى نظام اقتصاديّ, كما أنّه نظام اعتقاديّ, والإسلام نظام حكم(2). لذلك فإنّ السّيّد محب الدّين حارب الشّيوعيّة, واعتبر أنّها نظام فاسد لا يصلح أن يكون نظاماً للمسلمين في حياتهم الاقتصاديّة. فهي تخالف روح الإسلام الّذي يعطي كلّّ ذي حقّ حقّه, ولا يبخس جهود النّاس فرادى أو جماعات. فنظام الإسلام في نظره " يكفل لكلّ جاهد ثمرة جهده, ويبارك لكلّ مالك بما يملك, وبعد اقراره هذا المبدأ يطالب المالك, لأجل أن يبارك اللّه له في ملكه, بأن يُنصف المتعاونين معه على استغلال هذا الملك والانتفاع به, فينتفع المالك والمستأجر, والعامل في الأرض, على قدر حقوقهم وجهودهم"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "كيف ترانا نعيش بعد الحرب", في الفتح, 826 (رمضان, 1364), 409.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الخيانة العظمى", في الفتح, 837 (شعبان, 1365), 584.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "لماذا نقاوم الشّيوعيّة ؟", في الفتح, 837 (شعبان, 1365), 582.(1/290)
إنّ دعوة السّيّد محب الدّين لإصلاح الاقتصاد, كانت قائمة على أساس تنبيه المسلمين إلى ضرورة تربية أولادهم تربية يفهمون معها أهميّة الاقتصاد, وضرورة عملهم في كلّ مجالاته, الزّراعيّة والتّجاريّة والصّناعيّة. وكان يريد أن يُفهم العرب والمسلمين أنّهم لن يكونوا مستقلّين بشكل كامل إلّا إذا كانوا مستقلّين اقتصاديّاً, ومعتمدين على أنفسهم في استغلال ثرواتهم, والاستفادة من القوى الّتي أودعها اللّه فيهم. ويمكن لهم أن يستفيدوا من تجارب غيرهم, بشرط أن لا تكون مخالفة لتعاليم دينهم وإسلامهم. إنّ اهتمام السّيّد محب الدّين بالاقتصاد يُظهر بوضوح فهمه الجيّد والعميق لأولويّات التّقدّم الحضاريّ, لذلك فقد استمرّت دعوته إلى الاهتمام باقتصاد العرب والمسلمين, رغبة منه في تقدّمهم ورقيّهم.
4 ـ السّياسة:
وبما أنّ السّياسة هي الّتي تحرّك الاقتصاد فقد اهتمّ السّيّد محب الدّين بإصلاح السّياسة كطريق لإصلاح كلّ مجالات الحياة. ودعا إلى إصلاح قيادات الدّولة, واعتبر أن عصور الضّعف الّتي مرّت على البلاد الإسلاميّة قد حرمتها من شيء هامّ جدّاً, وهو وجود طبقة أهل الحلّ والرّبط والعقد, فاضطررنا إلى أخذ نظام غيرنا في الحكم, بما فيه من عيوب ونقائص كثيرة, وقد آن الآن للأمّة أن تعود إلى نظامها الإسلاميّ الّذي فيه عزّها وسؤددها.(1/291)
وهذا النّظام الإسلاميّ, في نظره, قد ضمن للأمّة الإسلاميّة والعربيّة أنّها إذا عادت إلى تطبيقه التّطبيق الصّحيح, فإنّها ستكتشف فيه ما يجعلها في مقدّمة الأمم حضارة ورقيّاً. وكان يقول: "أنا أعترف بأنّ عصور الضّعف والانحطاط, وما ترتّب على الضّعف والانحطاط من تحكّم الاستعمار ببلاد الإسلام قد حرم المسلمين من طبقة أهل الحلّ والعقد على ما كانت عليه في عصورنا الذّهبيّة, فاضطررنا لأن نُبقي على النّظام النّيابيّ الأجنبيّ عنّا, وأن نتحمّل كلّ ما نراه بعيوننا من عيوبه, الّتي فرّقت بين الأهل والأصدقاء, وأوجدت الإحن والعداوات.........ولن ينقذنا من هذا النّظام الأجنبيّ, إلّا رجوع الأمّة إلى ما دعوت إليه من العناية بالأخلاق الفرديّة ليتكوّن من مجموعها المجتمع الصّالح فتنبع في الأمّة طبقة أهل الحلّ والعقد. وحينئذ يكون لنا نظامنا القوميّ الّذي يغنينا عن النّظام النّيابيّ الأجنبيّ, الّذي لمسنا ولمس الأجانب أيضاً عيوبه, إلّا أنّهم مثلنا راضون به, لأنّه شرّ لا بدّ منه. أمّا نحن فإنّ رجوعنا إلى قواعدنا وسنننا, بعد رجوعنا إلى أخلاقنا وسجايانا, سيعيدنا إلى أنظمتنا الّتي كانت لنا في عصورنا الذّهبيّة, ويومئذ نباهي بها أمم الأرض"(1).
ولم يكن السّيّد محب الدّين غافلاً عن حقيقة هامّة أخرى, وهي جهل العرب والمسلمين بطرق الحكم. وقد أرجع السّبب في ذلك إلى وقوعهم الطّويل تحت نير الاستعمار. وكان يرى أنّ على العرب والمسلمين أن يعلّموا أولادهم المبادئ (الدّيمقراطيّة), وذلك حتّى يتعوّدوا منذ الصّغر طرق الحكم الصّحيحة, دون أن يضطرّوا فيما بعد إلى الاعتماد على غيرهم من الأجانب, الّذين لا يهمّهم سوى الحصول على خيرات البلاد.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظام الدّولة والجماعة في التّشريع الإسلاميّ", في الفتح, 847 (رمضان, 1366), 804 .(1/292)
والمبادئ (الدّيمقراطيّة) في نظره لها مظهران رسميّان, أحدهما وجود السّلطة العامّة بيد الشّعب, والتّصرف فيها بواسطة نوّاب ينتخبهم لينوبوا عنه في وضع القوانين, ومراقبة تنفيذها. والثّاني أن تكون قوانين البلاد وأنظمتها مبنيّة على قواعد الحريّة والعدل والمساواة..........."ليست التّربية الاستقلاليّة والمبادئ (الدّيمقراطيّة) طريقين مختلفين للحريّة والقوّة والارتقاء بل هما في مثل بلادنا مرحلتان في طريق واحد, المرحلة الأولى التّربية, والمرحلة الثّانية (الدّيمقراطيّة). وإنّ كلّ المصائب الّتي أُصيبت (الدّيمقراطيّة) بها في الممالك الأخرى, نشأت عن تشييدها على غير أساس التّربية الاستقلاليّة. إذ ليس معقولاً أن نطلب الوصول إلى المرحلة الثّانية من الطّريق, قبل اجتياز المرحلة الأولى منه"(1).
وكان يريد أيضاً من المسلمين أن يتعلّموا كلّ ما يتعلّق بالحكم, حتّى أنّه طلب منهم أن يتعلّموا كيفيّة المعارضة في الحكم, بحيث لا تخرج هذه المعارضة بهم عن الإسلام. وكان ينتقد طريقة المعارضة والموالاة في الأحزاب المختلفة, فالمعارضة تعارض في كلّ شيء. والموالون للحكومة من أعضاء حزبها تذوب شخصيّاتهم وآراؤهم واقتناعاتهم تجاه مواقف حكومتهم في خططها, فلا المعارضة تركّز معارضتها على أساس من المصلحة العامّة, ولا الحزب الموالي يركّز موالاته على أساس من المصلحة العامةّ, أمّا أسلافنا فلم يكونوا هكذا, بل كانت لهم في الموالاة والمعارضة طريقة اقتبسوها من نظام دينهم, ومن هدي نبيّهم(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّربية الاستقلاليّة والمبادئ الدّيمقراطيّة", في العاصمة, 96 (جمادى الأولى, 1338 / كانون الثّاني, 1920), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "معارضة الحكومة في النّظام الإسلاميّ", في الفتح, 854 (ربيع الآخر, 1367), 1.(1/293)
وكان يريد من الأمّة ومن أفرادها, أن يعلموا أنّهم مسؤولون عن اختيارهم لمن ينوبون عنهم في مجالس الحكومة. ويريد منهم أن يختاروهم بشكل جيّد ومدروس. لأنّ هؤلاء النّوّاب سيقومون بإصدار القوانين, وبتشريع الأنظمة الّتي تحكم حياة الأمّة ومستقبلها. والّذين كتبوا أعضاء مجلسي النّوّاب والشّيوخ في أوراق الإنتخاب, هم الّذين ناطوا بهذين المجلسين, وبمن يأتي إلى كراسي الحكم عن طريقهما مهمّة تكوين الأمّة, وتكييفها وتوجيهها(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "كما تكونوا يولّى عليكم", في الفتح, 855 ( جمادى الأولى, 1367 ), 107 ـ 108.(1/294)
ويمكن أن نقول, إنّ السّيّد محب الدّين كان يرى أنّ نظام الإسلام هو النّظام السّياسي الّذي يجب أن يحكم المسلمين, ولا مانع عنده من أن يستفيد المسلمون من تجارب غيرهم في السّياسة, وفي تنظيم أساليب الحكم, بشرط أن لا تخرجهم عن تعاليم دينهم, ولا تتعارض مع أسس الإسلام وقواعده. ذلك لأنّ في تجارب البشر ومعارفهم في رأيه ما يعدّ تراثاً عالميّاً مشتركاً يُستعان به في كلّ نظام, والإسلام نفسه دين الحقّ والخير, ومن الجائز بل من المستحسن, أن يعمل أهله بكلّ أسلوب من أساليب الخير, إذا كان لا يتنافى مع أساليب الإسلام وسننه وأهدافه, ولكن هذا يكون بعد هضم هذه الأساليب والتّجارب, وجعلها متمشّية مع أمثالها من أساليبنا القوميّة, وسنننا الملّيّة(1). فهو لا يريد من العرب والمسلمين أن يستوردوا أساليب غريبة عنهم, ولكنّه يريد منهم أن يستفيدوا من تجارب غيرهم بما لا يخرجهم عن دينهم, بل يجب عليهم أن يدرسوا هذه التّجارب بشكل صحيح حتّى يتأكّدوا من أنّها تناسب بلادنا, ولا تعارض ديننا, ثمّ يمكن لهم أن يطبّقوها في حياتهم. لذلك يجب على العرب والمسلمين أن تكون لهم خطّة يسيرون عليها, ويعرفون بها طريقهم, فلا يتخبّطون في الحياة, وفي اقتباس أساليب وطرق لسياسة الدّولة لا تناسبهم, ولا تناسب حياتهم. لأنّ الدّولة الّتي لا خطّة لها في سلمها وحربها وفي معارفها وفي اقتصادياتها في رأيه أشبه بالقصبة المرضوضة تنقصف في مهاب الرّياح, وتقتلعها العواصف مع ما حول جداولها من تراب(2).
5 ـ تنظيم عمليّة الإصلاح:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظام الإسلام", في الفتح, 832 ( ربيع الأوّل, 1365 ), 500.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "حاضر الأمم بين أمسها وغدها", في الفتح, 856 ( جمادى الآخرة, 1367), 133.(1/295)
مضى السّيّد محب الدّين يبيّن في كتاباته ومقالاته أهميّة أن ينظّم المسلمون بلادهم, وأن يعملوا لتربية النّشء الّذي سيكون منه طبقة أهل الحلّ والعقد, والّذي سيكون من واجبه أن ينقّب عن تراثنا الإسلاميّ, ويستخرج منه أحسن الطّرق لحكم البلاد, بما يتناسب مع الوضع العالميّ, وأن يستفيد من تجارب الأمم بما لا يتنافى مع الإسلام وقواعده.
كتب السّيّد محب الدّين مقالاً في مجلّته الزّهراء جعل عنوانه "حملة التّجديد والإصلاح وهل لها قادة حكماء؟ رسموا لها الخطط الحكيمة؟", بيّن فيه جوانب الإصلاح الّذي يدعو إليه ومجالاته وأهدافه وخططه. وقد جاء في هذا المقال قوله: "مما صار يستحي النّاس من المجادلة فيه, أنّ العزّة والسّيادة سواء كانتا في بدايتهما أم في السّنام الأعظم من رفعتهما لا يتحققان إلّا باكتساب معارف واسعة النّطاق, كثيرة الفروع, دقيقة الوضع, في كلّ معنى من معاني الحياة, وفي كلّ ضرب من ضروب العمل, وفي كلّ وسيلة من وسائل القوّة, وفي كلّ غاية من غاياتها. بل إنّ الشّعب الّذي يلّم أفراده وجماعاته بهذه المعارف الّتي وصلها البشر في كلّ باب من أبوابها, لا يأمن على نفسه الوقوع في شبكة التّأخّر, ولا يدفع عن نفسه خطر الرّضوخ للذّلّ إذا لم يكن مراقباً لكلّ ما تبتكره العقول من جديد, في أدنى الأرض أو أقصاها"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حملة التّجديد والإصلاح, وهل لها قادة حكماء ؟ وهل رسموا لها الخطط الحكيمة ؟", في الزّهراء, 4 ( الرّبيعان,1346), 3.(1/296)
واعتبر أنّ العلم والمعرفة أساس في الإصلاح. والأمّة الجاهلة هي أمّة متخلّفة وإذا قصّرت في تحصيل العلوم اللّازمة الحديثة, فإنّها سوف تتأخّر عن غيرها من الدّول, ولن تستطيع فيما بعد اللّحاق بركب الحضارة, لذلك فقد كان يعتبر الجهل هو السّبب الأساس في التّخلّف والجمود. فالعلم, كما كان يقول, ضروريّ في كلّ عمل تريد الأمّة القيام به, ولابدّ للشّعب الّذي يريد أن يتجرّد من ثوب الذّلّ, أن يكون له من أبنائه من يحسن صنع المدفع, والمدفع لا يصنع إلّا بعلوم واسعة دقيقة, أُلّفت فيها الكتب, وإذا عرف صانعو المدفع هذه العلوم, فلابدّ لهم من مادة الفولاذ الّتي لا يمكن الحصول عليها إلّا بعلوم واسعة ودقيقة, وإذا عرف صانعو الفولاذ هذه العلوم الواسعة الدّقيقة, فلا سبيل إلى استعمال علومهم إلّا في شعب واسع الثّروة, جيّد الأخلاق, يحسن إدارة أعماله الشّخصيّة والصّناعيّة والتّجاريّة والأدبيّة والحكوميّة. وكلّ هذا لا يكون في هذا الشّرق الإسلاميّ, إلّا بالتّجديد القائم على تعليم الشّعب وأبناء الشّعب علوم الإدارة والتّنظيم وعلوم الاقتصاد, وتثميير الأموال واستثمّارها, وعلوم القوّة والعزّة الّتي تقي الأمّة والوطن من أن يكونا تحت تصرّف إرادة أمّة أخرى, ووطن آخر(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حملة التّجديد والإصلاح, وهل لها قادة حكماء ؟ وهل رسموا لها الخطط الحكيمة ؟", في الزّهراء, 4 ( الرّبيعان,1346), 3..(1/297)
وأكّد السّيّد محب الدّين في مقاله هذا على ضرورة رسم الخطط اللّازمة للسّير عليها, دون الانخداع بالتّجديد المدسوس, الّذي لا يقدّم نهضة, ولا يفيد في مستقبل الأمّة ولا في حاضرها, وكان يقول: "حملة التّجديد والإصلاح, لا يجوز لنا قطّ أن نندفع في طريقها بلا خطط مرسومة. ولا يجوز لنا قطّ أن نغفل عن معرفة ما إذا كانت الخطط من شأنها أن تصل ما بين مبادئنا المعلومة وغاياتنا المطلوبة, ولا يجوز لنا قطّ أن نأمن الّذين يسيرون بنا في تلك الخطط, إلّا إذا علمنا أنّهم مؤمنون حقّاً بالمبدأ الّذي نتّفق عليه, وينطبق على حاجتنا من التّجديد والإصلاح. هناك تجديد حقيقيّ, وتجديد مدسوس. وإذاً, فالقياس الّذي يتميّز به التّجديد الحقيقيّ عن التّجديد المدسوس هو تعيين المبادئ والغايات, ورسم الخطط فيما بينهما"(1).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 7 .(1/298)
وكان السّيّد محب الدّين يؤكّد على أنّنا يجب أن نعيّن مبادئ حركة الإصلاح, وأن نبيّن غاياتها ونرسم خططها, بحيث نعرف ما نريد, وما التّجديد الّذي نريد, ولماذا نطلب التّجديد ونسعى إليه, وما خطّتنا للوصول إلى هذا التّجديد المطلوب. وقد قال في مقاله المشار إليه سابقاً ما نصّه: " تُرى ما هي مبادئ حركة التّجديد الحقيقيّة الّتي يحتاج إليها هذا الشّرق العربيّ؟, وما غاياتها؟, وما خططها؟, نريد أن نكون أقوياء في أنفسنا ومحترمين عند الأمم القويّة, هذه غاية يجب أن نصل إليها, ويجب أن نحتفظ بكياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, وهذا مبدأ يجب أن نقطع اليد الّتي تحاول قطع ما بيننا وبينه. فالخطّة الّتي يجب أن نرسمها بين هذا المبدأ وتلك الغاية, هي أن نأخذ من كلّ مكان ما نحن في حاجة إليه من أسباب العزّة والقوّة, وأن نحتفظ بكلّ ما في كياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ مما لا يعدّ من عوامل الذّلّ, وبواعث الوهن"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "حملة التّجديد والإصلاح, وهل لها قادة حكماء ؟ وهل رسموا لها الخطط الحكيمة ؟", في الزّهراء, 4 ( الرّبيعان,1346), 7.(1/299)
ونظرة السّيّد محب الدّين إلى التّجديد المطلوب تُظهر لنا أنّ التّجديد الّذي كان يدعو إليه, هو التّجديد الّذي يحافظ على الهويّة, ويجعل العرب والمسلمين متقدّمين ومتحضّرين. وكان يريد تجديداً يُعيد لنا حضارتنا الرّاقية وماضينا الزّاخر بالبطولة والأمجاد, فهو يطلب تجديداً نستغني به عن مصنوعات الأمم الأخرى بمصنوعات تنتجها أوطاننا بأيدي أبنائنا. يطلب تجديداً يعرّفنا بأنّنا كنّا فيما مضى أعزّ الأمم, فيجب أن نصل ذلك الماضي البعيد بآتٍ قريب, نكون فيه من أعزّ الأمم. يطلب تجديداً يعرّفنا أننا كنّا في زمن من الأزمان أعلم الأمم, فيجب أن نصل ذلك الماضي البعيد بآتٍ قريب, نكون فيه من أعلم الأمم. أمّا الجديد القائم على انتهاز فرصة ما نحن فيه من ذلّ لإقناعنا بأنّنا لم نكن في يوم من الأيام شيئاً مذكوراً, فنستنتج من ذلك أنّنا ليست فينا جرثومة الاستعداد لتبوّء مقاعد العزّ؛ وأمّا التّجديد القائم على انتهاز فرصة ما نحن فيه من جهل, لإقناعنا بأنّنا لم نكن في يوم من الأيام على شيء من العلم, فنستنتج من ذلك أنّنا ليست فينا جرثومة الاستعداد لتبوّء كراسي العلم......إنّ تجديداً هذه مظاهره, لا ريب أنّ خططه مرسومة بيد أعداء, ويعمل على تحقيقه في هذا الشّرق أعداء بلباس أصدقاء(1).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 7 ـ 9.(1/300)
إذاً, فدعوة السّيّد محب الدّين إلى الإصلاح, لم تقتصر على جانب واحد من جوانب الحياة, بل إنّها شملت كلّ نواحي الحياة, الثّقافيّة, والتّربويّة, والاجتماعيّة, والاقتصاديّة, والسّياسيّة. وقد وضع منهجاً واضحاً للإصلاح, وبيّن كيفيته وخططه وأهدافه. وقد نبّه العرب والمسلمين إلى ضرورة أن يكون لهم خطة في الحياة, يسيرون على هداها, وبيّن لهم أيضاً أنّه يجب عليهم العمل, والجهاد في سبيل الإصلاح والتّقدّم والتّجديد, الّذي ينشدونه في حياتهم. ولن يكون لهم ذلك إلّا إذا عرفوا مواطن الضّعف فيهم فحاربوها, وقاموا بتصحيح أخطائهم الّتي وقعوا فيها. فهذا الضّعف الّذي ورثته الأمّة من عهود بعيدة يجب التّخلّص منه, والتّحرر من سجنه, لأنّه المانع الأساسيّ للتّقدّم والحضارة.
وكان يعتبر أنّ الأمّة الّتي ترضى بالذّلّ والضّعف والمسكنة هي أمّة غير مسلمة لا تتّبع تعاليم دينها ولا تفهم حقيقة هذا الدّين. لأنّ الإسلام ينظر إلى الضّعف على أنّه رذيلة أو جريمة. فالضّعف إن لم يكن جريمة فهو رذيلة من الرّذائل, وإن لم يكنهما فهو مرض(1). لذلك وجب على الأمّة عدم السّكوت عن هذا المرض, والسّعى بكلّ الوسائل للتّخلّص منه, والشّفاء من شروره, ولا يجب الاستسلام له ولجبروته, لأنّنا إذا استسلمنا له, فمعنى هذا أنّنا رضينا بموت الأمّة, أو بقاءها ضعيفة مهزومة لا تقدر على شيء.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب المنتقى من محاضرات جمعيّة الشّبان المسلمين, 1.(1/301)
وكان السّيّد محب الدّين يحثّ العاملين على نقل الحضارة الحقيقيّة, دون نقل القشور الزّائفة. وهذه القشور لا ينقلها إلّا الضّعفاء الّذين لا يملكون حضارة, وليس عندهم تراث غنيّ, ساهم في تقدّم البشريّة كلّها. وكان يتساءل: " تُرى متى يوجد فينا العاملون على نقل صناعات أوروبّا إلى الشّرق فيقوى بها الشّرق. ويحلّ هؤلاء العاملون الصّالحون محلّ الدّعاة إلى نشر مصنوعات أوروبّا في الشّرق, فكانوا سبب ضعفه واستعباده ؟. نريد الجوهر لا العرض, نريد اللّباب لا القشور, نريد الصّناعات لا المصنوعات"(1).
ولكنّه برغم كلّ شيء كان متفائلاً, وكان يرى أنّ الإصلاح والنّهضة لابدّ آتيان, إن عاجلاً أو آجلاً. بشرط أن يعمل العاملون على قيام هذه النّهضة, بكلّ جهد وإخلاص ومحبة لهذا الوطن وأهله. وكان يقول: "بدأ الشّرق العربيّ يفتح عينيه, فنرجو أن يكون المثقّفون من رجاله حكماء في معالجة ما يحتاج إلى العلاج من عيوبهم الّتي أقرّها المستعمرون وزخرفوها, وخادعوا بزخرفها النّاس. وإذا عالجها أبناء الوطن بأساليب التّعاون, وبروح الحكمة والرّحمة المنبعثة من صميم الإسلام, فإنّهم عند نجاحهم في مهمّتهم العظمى وتمتّع أمّتهم بثمراتها ستظهر لهم وللأجيال من بعدهم فداحة مسؤوليّة ما فعل الاستعمار, يوم كان يأخذ بيد الأوطان العربيّة إلى مصلحته هو وحده, لا إلى ما كانت تقتضيه أمانة الحضارة"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "معرض الخطاطين في القسطنطنيّة", في الزّهراء, 2 (رمضان, 1344), 517.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "مسؤوليّة انجلترا في مصر", في الفتح, 836 (رجب, 1365),570 .(1/302)
وأخيراً, فإنّ السّيّد محب الدّين كان يرحّب بكلّ ما يجد فيه خلاصاً أو محرّكاً للأمّة, أو يسهم في ايقاظها من غفوتها, حتّى المصائب فقد اعتبرها خيراً, إذ أنّه وجد فيها محرّكاً وموقظاً لهذه الأمّة. وكان يقول: " فمن ذا الّذي يكره المصيبة إذا كانت من عوامل اليقظة والانتباه؟! أيّتها المصائب إنّ الزّمان قد استدار, ونحن الآن في إبّان الانتقال من طور إلى طور, لنعود كما كنّا أمّة عاملة صالحة, تعرف واجبها نحو الإنسانيّة, فتؤدّيه في حينه, وتعرف حقّها في هذه الحياة فتطلبه من كلّ وجوهه. وقد كان لوخزاتك المؤلمة أيّتها المصائب فضل كبير علينا, في إخراجنا من طور الرّاحة المميتة, إلى طور العمل المفيد. لذلك أنا أمجّدك أيّتها المصائب, وأعدّك من أكبر عوامل نهوضنا, وأقول كما كان يقول أسلافنا جزى المصائب عنّا كلّ خير"(1).
6 ـ الخلاصة:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الحديقة, 2, 129 ـ 130.(1/303)
وخلاصة القول هو فيما كتبه بعنوان "الأساس الّذي نقيم عليه نهضتنا". هذا المقال الّذي أوضح فيه ما يمكن أن نسمّيه خلاصة بحثه في الإصلاح. قال فيه: "الأمم العربيّة والعالم الإسلاميّ على أبواب نهضة وبعث جديد لا شكّ فيهما, وفي كلّ يوم ألقى شباباً من شبابنا المثقّف يسألني الواحد منهم أوّل ما يسأل: ماذا يجب أن نعمل؟ بماذا يجب أن أبدأ ؟. ما الطّريق الّذي تشير عليّ بأن أجعله طريقي في الحياة؟........... وجوابي دائماً لأمثال هؤلاء الشّبان الأطهار, إنّ العمل كثير, والمهمّة الّتي تواجه هذا الجيل, وكان يجب عليه أن يضطلع بها كاملة وافية أعظم من أن يكفي لها عددنا لو أنّنا تفرّغنا كلّنا لها. لأنّ من ورائنا تراث أربعة عشر قرناً في الإسلام, يجب علينا دراسته وتحليله, ومعرفة جميع عناصر الخير والشّرّ الّتي فيه, وسيرة الّذين عملوا فيه لأخذ المسلمين إلى طريق الإسلام, والآخرين الّذين عملوا لتحويل المسلمين عن أهداف الإسلام باسم الإسلام, وأولئك من الكثرة إلى درجة أنّ الّذين نسمع بأسمائهم, ونعرف شيئاً عنهم, لا يبلغون جزءاً من مليون جزء من رجال العلم والأخلاق والفضائل والجهاد في سبيل الحقّ والخير والآخرون الّذين أفسدوا في الإسلام, باسم الإسلام, قد أنسى اللّه المسلمين العدد الأعظم من أسمائهم, فماتوا, وماتت أسماؤهم معهم.....هذا بعض تراث الإسلام فينا من أربعة عشر قرناً. وإنّ لنا وراءه تراثاً آخر للعروبة يتوغّل أكثر من أربعين قرناً في أحشاء الماضي ومنه هذه اللّغة العجيبة, الثّريّة الدّقيقة, الجميلة الوارفة الظّلال, الأبديّة الحياة. هذه اللّغة وما تدلّ عليه من خطرات النّفس, ومدارك عقل, وعواطف قلب, وتسلسل, وتناسل, وتكاثر في المعاني, وفي مشتقّات الألفاظ الدّالة على هذه المعاني. كلّ ذلك يحتاج منّا إلى دراسات لا آخر لها. للجهاد بالسّلاح أهله الّذين وجّههم اللّه إليه ويسّره لهم. وللجهاد بالدّعوة أهله الّذين وجّههم(1/304)
اللّه إليه ويسّره لهم. وللجهاد الاقتصاديّ أهله كذلك. وما من عمل ظاهر ويتّصل بمعايش المثقّفين إلّا وله من أبنائنا المثقّفين كتائب مجنّدة للاضطلاع به"(1).
ج ـ خدمة الوطن من منظور إسلامي:
كان السّيّد محب الدّين يعتبر أنّ خدمة الوطن من الأساسيات في الحياة العامّة, والّتي يجب أن يعمل لها كلّ مؤمن ومسلم وعربيّ ومواطن يحبّ وطنه. فالوطنيّة هي شيء يحترمه الجميع, وخدمة الوطن ترفع من يقوم بها في عيون كلّ إنسان يعرف قدرها وأهميّتها. وكان يقول: "لو أُتيح لي أن أقف على مشاعر الأجانب المقيمين بين ظهرانينا, وأن أدخل بين نفس الواحد منهم ونجواه, لكنت أرى جوائحه مشبعة باحترام الوطنيّة ........وما حملهم على اللّبث بيننا إلّا خدمة أوطانهم, فهم من هذه الوجهة يفهمون لغة الوطنيّة, ويحتقرون في أنفسهم كلّ سوريّ يرى وطنه مقطّع الأوصال فلا يغضب, ويرى وطنه في هياج واضطراب فلا يشعر بأنّ له علاقة في الأمر......لابدّ لكلّ ذي مكانة في هذا الوطن من الانغماس في الأعمال العامّة, للتّعاون على تسييرها نحو الغاية من السّعادة, بعد التّفاهم على تعيين تلك الغايّة"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, منهج الثّقافة الإسلاميّة, 23 ـ 25.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " الوطنيّة ", في العاصمة, 82 ( ربيع الأوّل, 1338/ كانون الأوّل, 1919 ),1 .(1/305)
فالسّيّد محب الدّين كان يرى أنّه يجب على كلّ مواطن أن يخدم وطنه, وذلك بكلّ الطّرق الّتي يستطيعها. وكان يطلب من الجميع أن يندفع كلّ فرد منّا في سبيل الحياة بلا تردد, ويسارع إلى أن يكون قدوة لغيره قبل أن يكون غيره قدوة له. وإمّا أن يلبث كلّ واحد منّا واقفاً يراقب ما يبدر من الآخرين ليفعل كما يفعلون, فتكون النّتيجة بقاء الجميع وقوفاً, أو شبه وقوف, وذلك هو الموت بعينه, كما كان يقول(1).
وإذا بقي أحدنا واقفاً لا يعمل, ويسأل نفسه ماذا نعمل؟ فإنّ جواب السّيّد محب الدّين له أنّ كلّ واحد منّا مطالب بالعمل على حسب طاقته وعلمه. وبرأي السّيّد محب الدّين فإنّ الضّعف والمسكنة مستولية على المجتمع ومرافقه. ويجب علينا أن نبدأ أوّلاً بخلع رداء الذّلّ والمسكنة عن أنفسنا, ليمكننا بعد ذلك أن نخلعه عن بلادنا كلّها. يقول: "سمعت فريقاً يقول دلّونا على عمل نعمله, فيماذا يجب أن نبدأ ؟. والجواب على هذا أنّنا ناقصون في كلّ شيء, ومرض الضّعف مستولٍ على كلّ مشاعرنا ومرافقنا, فيجب علينا قبل كلّ شيء أن نخلع عنّا رداء المسكنة البالي, وأن يندفع كلّ فريق منّا وراء حاجة من حاجاتنا الكثيرة, بنشاط ونظام"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "عيد الأمس عيد اليوم عيد الغد", في العاصمة, 56 ( ذو الحجّة, 1337 / أيلول, 1919 ), 1.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "حيّ على الفلاح", في العاصمة, 49 (ذو القعدة, 1337/آب, 1919),1.(1/306)
فكلّ واحد من أفراد الشّعب رجالاً ونساء عليه العمل في خدمة وطنه, كلّ حسب طاقته واستطاعته. فخدمة الوطن في رأيه لا تقتصر على فريق من أبناء الوطن دون غيرهم بل هي واجب على الجميع. فالاستفادة من قوى المادّة, وقيام كلّ امرئ وامرأة بما يطيقان من الأعمال النّافعة, والتّشرّب بروح الاندفاع وراء الغاية العامّة. هذه الأمور الثّلاثة هي المصادر الّتي نشأت عنها معجزات الحرب المنصرمة, ومادامت الحرب كلّها جهاد, سواء في ميادين القتال الدّمويّ, أم في ميادين الارتقاء الاجتماعيّ, فإنّنا لا بدّ لنا في حياتنا الاجتماعيّة السّعيدة, الّتي نحن مقبلون عليها, من أن ننهض للاستفادة من القوى الّتي أودعها اللّه في بلادنا, وأن نتعاون رجالاً ونساء على تحسين سمعتنا وإصلاح أحوالنا, ومجاراة الأمم الرّاقية في الأخذ بأسباب الارتقاء, وأن نتّصف بصفة الاندفاع وراء غايتنا المنشودة, ومطمحنا الاجتماعيّ العام(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "تجاه التّاريخ", في العاصمة, 47 (ذو القعدة, 1337 / آب, 1919), 1.(1/307)
وكان ينادي المسلمين قائلاً: "ينبغي لكلّ فئة من المسلمين أن ترجع إلى نفسها فتعرف ما يقع عليها من واجب في تجديد شباب الأمّة, وتأهيلهما للوقوف في وجه الأحداث, وللسّير مع قافلة الإنسانيّة"(1). وفي هذا القول أكّد السّيّد محب الدّين على شيء هامّ وضروريّ وهو أن يعرف كلّ مواطن في أمّة العروبة والإسلام كيف يستعدّ لخدمة وطنه, وكيف يتسلّح بالعزم والإرادة اللّازمة للقيام بما يجب عليه من خدمة وطنه وأمّته. وكلّ جيل له عمل معيّن يجب عليه القيام به وعلى كلّ جيل تقع مسؤوليّة خدمة الوطن. وكلّ إنسان يمكن أن يكون خادماً للوطن, فالباب مفتوح, والطّريق إليه موجود...........فمن طبيعة خدمة الوطن في رأيه, أنّ القائمين بها لا يقولون بمذهب الاحتكار, لأنّ العمل إذا كان بنفسه عامّاً فهو يقتضي أن يكون الاندفاع لإتمامه اندفاعاً عامّاً أيضاً. ولكن كما أنّ الدّخول في الصّلاة لابدّ أن يتقدّمه الوضوء, فكذلك الدّخول في الخدمة العامّة لابدّ أن يتقدّمه العزم الصّادق وإرادة العمل والنّيّة الخالصّة............فإذا نحن قصّرنا فيه اليوم فإنّ أولادنا وأحفادنا سيحاولون القيام به على كلّ حال, إلّا أنّهم سيلعنوننا على إساءتنا إليهم وإلقائنا حملنا على عواتقهم, لأنّ هذا الواجب هو واجب جيلنا, وعلى جيلهم واجبات أخرى, واجبات التّرقّي الصّناعيّ والاقتصاديّ واجبات إعمار هذه البلاد(2).
وخدمة الوطن في فكر السّيّد محب الدّين تتمثّل بأن يحسّ كلّ مواطن عربيّ ومسلم أنّه يقوم بعمله, وحرّاسه في ذلك شعوره بأنّه يرضي ربّه سبحانه وتعالى, وإحساسه بأنّه يخدم نفسه أوّلاً ثمّ أمّته ووطنه.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الأخلاق الإسلاميّة سلاحنا", في الفتح, 839 (شوّال, 1365), 621.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "خدمة الوطن", في العاصمة, 83 ( ربيع الأوّل, 1338 / كانون الأوّل, 1919), 1.(1/308)
وخدمة الوطن لن تتمّ إلّا إذا عاد المسلمون إلى تراثهم وتاريخهم الّذي سوف يعيد إليهم هذا الشّعور وهذا الإحساس, وسيكون من خدمتهم لوطنهم أن يعيدوا هذه الكنوز الّتي كانت لهم في قديم الزّمان إلى الحياة. ويقصد بالكنوز أنظمة الإسلام وأحكامه وشرائعه والّتي أصبح العرب والمسلمون بها من أرقى الأمم, للعمل بها في حياتهم خدمة لأمّتهم ووطنهم. وكان يقول: "إنّ العالم الإسلاميّ يتحلل الآن من قيود الاستعمار البغيضة, وسبيله بعد ذلك أن يرجع إلى أنظمته شيئاً فشيئاً. والجهاد الأعظم بعد اليوم هو التّنقيب عن أنظمة الإسلام في تاريخه, ودواوين أحكامه, وفي وثائقه الأدبيّة, وتراثه العلمي, وذخائره التّهذيبيّة, ثمّ حمل الأمّة على إحياء هذه الأنظمة بالعمل بها يوماً فيوماً إلى أن يعود للإسلام جماله, فيراه النّاس في أخلاق بنيه وفي معاملاتهم, فيؤمنوا بأنّه هو النّظام الّذي تنشده الإنسانيّة وأنّه العلاج لجميع أوصابها, وأسباب ضعفها..........إنّ الجهاد الأعظم للشّباب المثقّف بعد الحرب الأخيرة هو في استخراج هذه الكنوز من نظام الإسلام, وإمداد الدّول الإسلاميّة بها, وحمل الأمّة على التّخلّق بهذه الهداية والتّعامل بأحكامها, ثمّ التّذرّع بأحدث أساليب التّعاون والمعرفة على إقامة حياة سعيدة هنيئة منتجة, تتقدّم بطبقات المسلمين في طريق الرّفاه والفلاح والقوّة"(1). ولتحقيق هذه الغاية لابدّ أن يتعاون الجميع على عمل "جميع الأعمال المباحة, من تجاريّة, وصناعيّة, وزراعيّة, واجتماعيّة, وعسكريّة, وإنسانيّة, متى تبيّنت فائدتها للأفراد أو الجماعات أو الأمّة, فإنّ ذلك معدود من صميم الإيمان الإسلاميّ"(2). فالتّعاون هو من مفاهيم الإسلام, الّتي إذا توسّعنا بها
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظام الإسلام", في الفتح, 832 ( ربيع الأوّل, 1365 ), 500 ـ 502.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "إيمان", في الأزهر, 25 ( محرّم, 1373 / سبتمبر, 1956 ), 7.(1/309)
فإنّها السّبيل الّذي سينتشل هذه الأمّة من دركة الانحطاط إلى الحضارة والرّقيّ المطلوب. واستمرّ السّيّد محب الدّين الخطيب طيلة حياته يدعو أفراد الشّعب إلى خدمة الوطن. وعدّ هذا الأمر من صميم الإسلام, وأنّه واجب على الجميع, وإذا لم تتضافر الجهود مجتمعة على خدمة الوطن فإنّ هذا الوطن لن يتقدّم ولن يتطوّر.
وتعاون السّيّد محب الدّين مع مجموعة كبيرة من رجال الفكر والعلم في عصره لخدمة البلاد الإسلاميةّ, وتحقيق التّقدم والتّطوّر لها. وكانت دائرة اتصاله مع هؤلاء الرّجال تتسع باتساع الأهداف الّتي يسعى لتحقيقها ويؤمن بها. وسوف نرى أنّه عمل مع شخصيّات من كلّ البلاد الإسلاميّة, مثل الهند والصّين وأندونيسيا والحبشة, وكينيا, ويوغسلافيا, وعُمان, واليمن, والجزائر, وتونس, والمغرب, والعراق, ولبنان, وسوريّا.....وكانت مجلّته الفتح منبراً هامّاً لهؤلاء الرّجال. ولعل من أهمّ هذه الشّخصيات بعد الشّيخ طاهر الجزائري شيخ السّيّد محب الدّين الأوّل:
1 ـ الشّيخ محمّد كامل القصّاب:
يعدّ الشّيخ محمّد كامل القصّاب من أنشط الرّجال الّذين عمل معهم السّيّد محب الدّين, فقد كان من رجال الحركة الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة. وبدأت علاقة السّيّد محب الدّين معه عندما تعرّف عليه في حلقة الشّيخ طاهر الجزائري في دمشق الشّام. وتطوّرت هذه العلاقة بعد أن جمعت جمعيّة العربيّة الفتاة بين الإثنين.
وكنا قد أشرنا إلى أنّ السّيّد محب الدّين الخطيب سافر إلى الحجاز والتحق بالثّورة العربيّة الكبرى بعد أن طلبه الشّريف حسين بالإسم وذلك بعد أن زكّاه الشّيخ محمّد كامل القصّاب. وفيما بعد توطّدت العلاقة بين الإثنين, وعملا معاً في خدمة الوطن, وذلك بعد أن عادا إلى سوريا من أجل العمل على المحافظة على استقلال البلاد ومنع الانتداب الفرنسي, فقاما معاً بتأسيس اللّجنة الوطنيّة العليا, واللّجان الوطنيّة في دمشق.(1/310)
وكان الشّيخ محمّد كامل ينشر بعض المقالات في مجلّات السّيّد محب الدّين, يتحدّث فيها عن مراحل النّضال العربيّ, ويكشف فيها بعض الحقائق المتعلّقة بهذا النّضال, منها مثلاً ما كتبه في مجلّة الفتح بعنوان "من خفايا الثّورة العربيّة الكبرى", والّذي تحدّث فيه عن هذه الثّورة وبعض الأحداث المتعلّقة بها(1).
ويصف السّيّد محب الدّين الخطيب صديقه الشّيخ محمّد كامل القصّاب فيقول: "صديقي الأستاذ الجليل الشّيخ محمّد كامل القصّاب, رفيق الجهاد من عشرات السّنين, جمعتنا حلقة الشّيخ طاهر الجزائري على حبّ السّلف, وأمنية النّهوض بالإسلام إلى ما كان عليه في عصر التّابعين, ثمّ جمعتنا رابطة العربيّة الفتاة, والاستقلال العربيّ, ثمّ كنا معاً في الحقبة الّتي كنا نأمل فيها توحيد قوى القوميّة العربيّة لخير الإسلام. كما كنا معاً في عهد السّبعة, وهو أشرف اتفاق رضيت بريطانيا العظمى أن تعترف فيه للأمّة العربيّة باستقلالها لولا نكوصها عنه, ثمّ كنا إنساناً واحداً في جسمين عند تكوين اللّجنة الوطنيّة العليا في دمشق"(2).
وفي الحقيقة فإنّ شخصيّة محمّد كامل القصّاب تستحقّ مزيداً من الدّرس, وعناية أكبر بآرائه وأعماله, فهو رمز هامّ من رموز الإصلاح في تاريخنا الحديث.
2 ـ السّيّد أحمد تيمور:
يعتبر السّيّد أحمد تيمور باشا من رجال النّهضة العربيّة المهمّين, ولكنّه لم ينل حظه اللّائق به من الدّرس والتّحليل, ولم تبرز صورته بالشّكل الّذي تستحقّ. فالرّجل كان واسع الثّقافة, كثير الاطّلاع, يكتب ويؤلّف ويصحح, وهو مع ذلك لا يحبّ الأضواء والشّهرة, يبتغي بعمله وجه اللّه وصالح المسلمين.
__________
(1) ـ القصّاب, محمّد كامل, "من خفايا الثّورة العربيّة الكبرى", في الفتح, 844 ( جمادى الآخرة, 1366 ),750.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الحركة الدّائمة", في الفتح, 551 (ربيع الأوّل, 1356), 11.(1/311)
تعرّف السّيّد محب الدّين إليه حين قدم إلى مصر للاستقرار فيها. وقد عمل السّيّد أحمد تيمور باشا على تعين السّيّد محب الدّين في جريدة المؤيّد. وفي مذكرات السّيّد محب الدّين خبر هذا اللّقاء, ففي الأيّام الأولى من وصول السّيّد محب الدّين إلى مصر, اجتمع بأحمد تيمور باشا في زيارة له مع الشّيخ طاهر الجزائري. وكان أحمد تيمور باشا, رحمه اللّه, مساهماً في شركة جريدة المؤيّد الّتي كان يصدرها شيخ الصّحافة المصريّة الشّيخ علي يوسف. ولمّا علم تيمور باشا بأنّ محب الدّين مزمع على الإقامة في القاهرة والاستقرار فيها نهائيّاً سأله: هل عندك مانع من أن تلتحق بقلم تحرير المؤيّد؟, فأجاب بأنّ المكتبة السّلفيّة الّتي يستعدّ لافتتاحها سيتولّى العمل بها عبد الفتاح قتلان, وأنّ العمل في قلم تحرير المؤيّد من الصّباح إلى الواحدة بعد الظّهر لا يمنع الإشراف على المكتبة فيما يبقى من الوقت بعد الظّهر, ولذلك يسرّه أن يعمل في جريدة المؤيّد. وفي اليوم التّالي زار تيمور باشا إدارة جريدة المؤيّد واتّفق مع الشّيخ علي يوسف على ما اتّفق عليه مع السّيّد محب الدّين(1).
وبالطّبع فإنّ هذا التّعارف الّذي تُوّج بعمل السّيّد محب الدّين في المؤيّد, تحوّل إلى صداقة وانسجام, وذلك بسبب وحدة الهدف والغاية الّتي جمعت بين السّيّد أحمد تيمور والسّيّد محب الدّين, حيث كان الإثنان يعملان لخدمة الوطن, ورفعة المسلمين.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 52.(1/312)
وسبقت الإشارة إلى أن السّيّد أحمد تيمور باشا هو الّذي ساهم وساعد في إصدار ترخيص مجلّة الفتح, وكما قال السّيّد محب الدّين: " لولا تيمور باشا لما وُجد الفتح, وأقول مقتنعاً لولا وجود الفتح لما وجدت هذه الصّحف الإسلاميّة بعده. فتيمور باشا رحمة اللّه عليه, هو الّذي سعى جاهداً لإطلاق لسان الإسلام في صحف منتشرة تؤيّد دعوته, وتذبّ عن بيضته"(1). وكذلك بالنّسبة لجمعيّة الشّبان المسلمين, حيث تعاون السّيّد محب الدّين مع السّيّد أحمد تيمور باشا على إظهار هذه الجمعيّة إلى حيّز الوجود, وقاما معاً بدعمها والعمل على استمرارها.
توطّدت علاقة السّيّد محب الدّين مع أحمد تيمور باشا, فكانت مجلّة الفتح, والمطبعة السّلفيّة, المكان الّذي يلجأ إليه أحمد تيمور باشا, وكان يجتمع مع أعلام النّهضة العربيّة في المكتبة السّلفيّة. وكان محب الدّين يتحمّس لكتابات أحمد تيمور باشا, ويعتبرها من الأهميّة فيرى أنّ من واجبه أن يعرّف المسلمين عليها في كلّ مكان, لذلك فقد قام السّيّد محب الدّين بنشر مقالات السّيّد أحمد تيمور باشا في مجلّة الفتح, وقام بنشر كتبه عن طريق المطبعة السّلفيّة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "سبب وجود الفتح", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل, 1356 ), 10.(1/313)
وتحدّث السّيّد محب الدّين عن بعض أعمال السّيّد أحمد تيمور باشا, ووصف مكتبته العامرة بالمؤلّفات الكثيرة, والمخطوطات النّادرة. وقام السّيّد أحمد تيمور بعمل فهرسة للكتب الّتي في مكتبته, فكتب السّيّد محب الدّين عن هذه الفهرسة بعد وفاة صاحبها قائلاً أنّها: "عمل علميّ صرف فيه الفقيد وقتاً طويلاً, وقد التزم فيه تعيين سنيّ وفاة كلّ مؤلّف, وإذا كان معاصراً ذكر سنة ولادته إن أمكن, وكان إذا توفّي رجل من المعاصرين له تأليف في المكتبة التّيموريّة يبادر حالاً إلى كتابة تاريخ وفاته في فهرس المكتبة ...والفهرس نفسه يدلّ على علم جمّ وفضل كبير"(1).
لقد أحبّ السّيّد محب الدّين صديقه أحمد تيمور باشا, وعمل على تعريف المسلمين به وبانجازاته, حيث أعدّ ترجمة حافلة عنه نشرها في مجلّة الزّهراء, وأعاد طبعها مع مؤلّف السّيّد أحمد تيمور عن طائفة اليزيديّة, وقال عنه: " كان رحمه اللّه سلفيّ العقيدة, معتدلاً في كلّ أموره, بعيداً عن الغلوّ, محترِماً لرجال السّلف, مؤمناً بوجوب التّأليف بين أهل القبلة"(2).
3 ـ الشّيخ محمّد الخضر حسين:
الشّيخ الّذي وصفه السّيّد محب الدّين بقوله: "ما هُوجم الإسلام في وقعة إلّا وكان للأستاذ حفظه اللّه دفاع أمتن من الفولاذ, وأرسخ من الجبال الرّاسيات. والسّيّد حفظه اللّه محبوب من كلّ محبّ للإسلام معروف فضله لكلّ من اتّصل به من أبناء المشرق والمغرب. وقد تعوّد من صدر حياته أن يحمل دنياه على آخرته, وأن يضحّي بالأولى في سبيل الأخرى إذا تعارضتا"(3).
__________
(1) ـ الشّيباني, محمّد ابراهيم, ترجمة العلامّة أحمد تيمور باشا, الصّفاة, الكويت, منشورات مركز المخطوطات والتّراث والوثائق, 1410/1990م, 51.
(2) ـ المصدر نفسه, 13 .
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "الشّيخ محمّد الخضر حسين", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل, 1356 ),13.(1/314)
إنّ السّيّد محب الدّين كان يمثّل مع صديقيه, أحمد تيمور باشا, والشّيخ محمّد الخضر حسين, ثلاثيّاً عاملاً لخدمة الإسلام. وكان لكلّ واحد منهم مجاله الّذي برع فيه, وقد تعاون الثّلاثة من أجل خدمة البلاد العربيّة والإسلاميةّ. وعندما ظهرت الدّعوات في البلاد العربيّة والإسلاميّة للتّغريب والانسلاخ عن العروبة والإسلام انبرى السّيّد محب الدّين وصديقه الشّيخ محمّد الخضر حسين للتّصدي لهذه الهجمة. ومن نماذج ذلك ما حصل عندما ظهر كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرّازق, حيث كتب الشّيخ محمّد الخضر كتاباً في الرّد على ما جاء في هذا الكتاب, ونقد كتابات علي عبد الرّازق, وبيّن أنّ ما جاء في كتابه ينافي الحقيقة, وأثبت أنّ الإسلام هو نظام حياة, ونظام حكم. وقد سارع السّيّد محب الدّين لنشر كتاب الشّيخ محمّد الخضر في مطبعته, وذلك بعد أن قام بنشر بعض فصوله في مجلّته الزّهراء وكذلك الأمر عندما قام طه حسين بتأليف كتابه المثير للجدل في الشّعر الجاهليّ, والّذي شكّك فيه بصحّة الأدب الجاهليّ, وشكّك بما جاء في الكتب السّماويّة, عند ذلك قام الشّيخ محمّد الخضر بتأليف كتابه نقض كتاب في الشّعر الجاهليّ, ردّ فيه على طه حسين وعلى اتّهاماته, وقام السّيّد محب الدّين بنشر الكتاب أيضاً.
ولا ننسى أن نشير في هذا المعرض إلى جمعيّة الشّبان المسلمين نشأت بفكرة من السّيّد محب الدّين وبمساعدة من صديقيه السّيّد أحمد تيمور باشا والشّيخ محمّد الخضر حسين.
وعندما تولّى الشّيخ محمّد الخضر حسين مشيخة الأزهر اختار صديقه السّيّد محب الدّين ليتولّى رئاسة تحرير مجلّة الأزهر, حيث عمل في هذه المجلّة إلى ما بعد وفاة الشّيخ محمّد الخضر حسين.
وقد أوصى الشّيخ أن يُدفن بجانب صديقه أحمد تيمور, ليغادر الإثنان الحياة, ويتركا السّيّد محب الدّين يكمل مشواره في خدمة الوطن.
4 ـ الأمير شكيب أرسلان:(1/315)
هذا الأمير العربيّ المسلم, الّذي خدم العالم العربيّ والإسلاميّ, وكان له تأثيره الكبير في الأحداث الّتي مرّت في زمانه. وكانت بينه وبين رجالات العروبة والإصلاح مراسلات كثيرة, بحكم إقامته في أوروبّا, تدور حول الإصلاح, وما يدور في العالم العربيّ والإسلاميّ من أحداث مهمّة, وقد راسل السّيّد محب الدّين الخطيب, ويُقال أنّ رسائلهما بلغت أكثر من ألف رسالة(1). وكان السّيّد محب الدّين ينشر بعضها في مجلّته الفتح, مثل الرّسالة الّتي بعثها الأمير شكيب بتاريخ 4 ذي القعدة 1350هـ الموافق لـ 13 آذار/ مارس سنة 1931م, إلى السّيّد محب الدّين حول استقلال العراق وشروطه, حيث قام السّيّد محب الدّين بنشرها في الفتح, ومما جاء فيها قول الأمير: " إنّي على ثقة بأنّك لا تتوخّى خدمة القضيّة العربيّة والقضيّة الإسلاميّة عامّة إلّا بحقائق الأشياء الثّابتة, لا تقصد التّحسين موضع التّقبيح, ولا ترضى بالتّقبيح في مكان التّحسين. لا توافق على إيجاد المحاسن حينما تكون المساوئ فيكون ذلك مثبطاً عن طلب الكمال, ولكنّك لا توافق على إيجاد المساوئ في غير محلّها, ولا المبالغة في الموجود منها, إذ يكون ذلك مما يفتّ في عضد القوّة المعنويّة الّتي لابدّ منها لأجل النّهوض بالأعمال"(2).
ونشر السّيّد محب الدّين كثيراً من مقالات الأمير في مجلّاته المختلفة. وتعاون معه في إبراز خطط المبشّرين والمستشرقين لغزو العالم الإسلاميّ, ومقاومة ذلك بإنهاض الأمّة الإسلاميّة, واستعادة مجدها الغابر, حتّى تتقوّى وتصبح قادرة على مقاومة هذا الغزو, وهذه الخطط.
5 ـ السّيّد ابراهيم أطفيش:
__________
(1) ـ محمّد مطيع الحافظ ونزار أباظة, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, 2, 862.
(2) ـ البعيني, نجيب, من أمير البيان شكيب أرسلان إلى كبار رجال العصر, بيروت, دار المناهل, 1419/ 1998, 261.(1/316)
الّذي قال عنه السّيّد محب الدّين: "هبط صديقنا الأستاذ العلامّة الشّيخ ابراهيم أطفيش وادي النّيل مهاجراً إليه من وطنه الجزائر من قبل أن يولد الفتح, واكتسبنا صداقته من السّنة الأولى الّتي اتّخذ فيها الوطن المصريّ وطناً ثانياً له. فكنّا نحن وجميع أفاضل المصريين نعجب بصدقه وصلابة دينه, واستعداده للمشاركة في كلّ خير. فما قامت لخير الإسلام جماعة من ذلك الحين, ولا أرسل المنادون إلى الفلاح صوتهم في أمر, إلّا كان أبو إسحاق أطفيش في مقدّمة المعينين على ذلك. ومقالاته المتعدّدة في هذه الصّحيفة الفتح وفي أختها الزّهراء, شاهد على فضله, ودليل على حسن بلائه, في سبيل وحدة المسلمين, جزاه اللّه خيراً "(1).
وكنا قد أشرنا إلى أن السّيّد إبراهيم أطفيش كان قد أصدر مجلّة المنهاج, وكان يطبعها في المطبعة السّلفيّة بالقاهرة, وكانت تهتمّ بأحوال المغرب العربيّ, وتبيّن للمسلمين ما يفعله المستعمرون في تلك البلاد, من أعمال النّهب والسّطو على تراث ومقدّرات تلك البلاد, ومن أعمال التّبشير ومحاربة العروبة والإسلام. وقد فتحت المجلّة ذات الإتجاه الإسلاميّ الباب واسعاً للأقلام الإسلاميّة فكتب فيها السّيّد محب الدّين "الّذي كان من أخلص أصدقاء أبي إسحاق [ ابراهيم أطفيش ] اتّجاهاً إسلاميّاً, وتعاوناً في الميدان الصّحفيّ والنّشاط العلميّ"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "السّيّد ابراهيم أطفيش", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل, 1356 ), 19.
(2) ـ ناصر, محمّد, الشّيخ إبراهيم أطفيش في جهاده الإسلاميّ, 127 .(1/317)
وعندما مرّ السّيّد ابراهيم أطفيش بأزمة ماليّة منعته من الاستمرار في إصدار الصّحيفة, لم يرى أفضل من السّيّد محب الدّين ليتنازل له عن ترخيص الصّحيفة ضماناً لمسيرتها, وتحمّل السّيّد محب الدّين هذه المسؤوليّة وتولّى إصدار هذه الصّحيفة, فكان بذلك عوناً لصديقه ابراهيم أطفيش, في خدمة البلاد العربيّة والإسلاميةّ(1).
6 ـ علي أحمد باكثير:
عمل السّيّد محب الدّين على تعريف رجال الإصلاح في مصر بهذا الأديب الأريب, فقام بنشر قصائده في مجلّة الفتح, وعندما قدم علي أحمد باكثير إلى مصر كانت شهرته قد سبقته إليها(2).
وقد شجّع السّيّد محب الدّين صديقه علي أحمد باكثير على دراسة الأدب, فقد كان الإتجاه الإسلاميّ في الأدب والحياة بحاجة لأديب يعتمد على دينه, وثقافته الإسلاميّة والعربيّة, ليدرس الآداب الأجنبيّة, ويتعمّق في دراستها, حتّى يستطيع أن يردّ السّهام الكثيرة الّتي يرمي بها في وجه التّيار الإسلاميّ دعاة التّغريب في الحياة والأدب(3). وكان السّيّد علي أحمد باكثير هو المطلوب لهذه المهمّة, فقام بدراسة الأدب الإنجليزي, وألّف مسرحيات وروايات هامّة كان لها تأثيرها الكبير في السّاحة الأدبيّة, ولعلّ من أهمّها روايته الشّهيرة (واإسلاماه), "وهي دعوة للجهاد لمواجهة الهجمة الاستعماريّة الجديدة بعد الحرب العالميّة الثّانية, والّتي تشبه هجمة التّتار على المسلمين"(4).
اتصال السّيّد محب الدّين مع بعض قادة العالم الإسلاميّ:
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 138.
(2) ـ البابكري, أبو بكر, علي أحمد باكثير أوّل دعاة الإصلاح في اليمن, 6.
(3) ـ حميد, محمّد أبو بكر, علي أحمد باكثير في مرآة عصره, القاهرة, مكتبة مصر, دار مصر للطباعة, 1990 , مقالة بقلم أحمد الجدع, هذا الرّجل من حضرموت, 12.
(4) ـ البابكري, أبو بكر, علي أحمد باكثير أوّل دعاة الإصلاح في اليمن, 11.(1/318)
اتّصل محب الدّين ببعض قادة العالم الإسلاميّ, الّذين وجد في أعمالهم خدمة للعالم العربيّ والإسلاميّ, فبالإضافة إلى التحاقه بالشّريف حسين ومشاركته بالثّورة العربيّة الكبرى, الّتي كان يعتبرها المخلّص للعرب, والبداية لنهوضهم ورقيّهم, فقد اتّصل قبل ذلك بالإمام يحيى حاكم اليمن. وقد وجدنا أنّه عمل مع أصحابه من أعضاء جمعيّة الشّورى على إطلاق الأسرى الّذين أسرهم الإمام في أثناء حربه مع الأتراك.
واتّصل السّيّد محب الدّين بالأمير فيصل بن الحسين كذلك في سوريا, وعمل مع صديقه محمّد كامل القصّاب على تشكيل اللّجنة الوطنيّة العليا, كما أشرنا سابقاً, بأوامر من الأمير, وبسبب نشاطه ذاك توترت علاقته بالأمير كما رأينا.(1/319)
وبعد أن استقرّ في مصر لم يكن من السّاعين للاتصال بالرّؤساء والأمراء, وكان يرى, كما كتب في شعاره, أنّ "المسلمين إلى خير ولكنّ الضّعف في القيادة" هذا الشّعار الّذي كان يزيّن به واجهة مجلّته الفتح. ولكنّه كان يشجّع كلّ قائد يرى في عمله ما يخدم الإسلام والمسلمين, وكان في مقدّمة هؤلاء الملك عبد العزيز آل سعود(1), وقد "حظي الملك عبد العزيز, رحمه اللّه, بنصيب وافر من موضوعات مجلّة الفتح الّتي أبرزت المكانة الكبرى الّتي استحقّها هذا الملك العظيم, ويمكن تقسيم هذه المواد إلى العناصر الآتية:
1 ـ شخصيّته وأخلاقه.
2 ـ إصلاحاته .
3 ـ علاقاته بالدّول الأخرى .
4 ـ خطبه وأحاديثه الصّحفيّة"(2).
__________
(1) ـ الملك عبد العزيز آل سعود, وُلد في مدينة الرّياض عام 1293/ 1876م، ونشأ تحت رعاية والده الإمام عبد الرّحمن, الّذي اهتمّ بتربيته وتعليمه.عمل الملك عبد العزيز على توحيد المملكة العربيّة وتّم له ذلك بعد مشوار طويل من العمل والجهد تُوفيّ عام 1373 / 1953م، في مدينة الطّائف، ونقل جثمّانه إلى الرّياض، دفن في مقبرة (العود), وكان قد ناهز الثمّانين عاماً، أمضى منها في الحكم أربعة وخمسين عاماً؛ انظر, رمضان, محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات 1315- 1424/1897- 2003 1, 355؛ ومجموعة مؤلّفين, المنجد في الأعلام, 301.
(2) ـ الرّبيع, محمّد بن عبد الرّحمن, والسّماري, فهد بن عبد اللّه, الملك عبد العزيز في مجلّة الفتح قائمة ببليوجرافيّة, الرّياض, دارة الملك عبد العزيز, 1419/ 1999, 9.(1/320)
وقد وصفه السّيّد محب الدّين بقوله: "إنّ حياته من بدايتها محفوفة بالتّوفيق, وقد وفّقه اللّه إلى كثير من أمور الخير, وصارت به الآن للإسلام دولة رايتها (لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه), وبينما القوميّة العربيّة تكاد تنفجر مما لحقها من ضيق, وما نزل بها من ضغط, إلتفتت فرأت لها في جزيرة العرب دولة, نعم دولة, وليس عندنا لها غير الدّعاء إلى اللّه عز وجل أن يثبّت أقدامها, ويقيها شرّ أعدائها العقلاء وأصدقائها الجاهلين"(1).
وبهذا نرى أنّ السّيّد محب الدّين لم يدّخر جهداً في العمل من أجل خدمة العالم العربيّ والإسلاميّ, ولم يتوان عن الاتصال بأيّ شخص يجد عنده الاندفاع لتحقيق الغاية الّتي يسعى لها, وهي خدمة الإسلام والمسلمين.
في نهاية هذا الباب لابدّ أن نذكر أنّ السّيّد محب الدّين لم يكن رجل كلام فقط, بل كان يترجم هذه الأقوال إلى أفعال. وظلّ طوال حياته, منذ صغره إلى حين وفاته, رجلاً عاملاً, يسعى لخدمة وطنه وأمّته بكلّ ما يملك من وسائل وأسلحة, سواء كانت هذه الوسائل هي الكلمة الّتي تحفّز القوى الكامنة, وتقوّي النّفوس الضّعيفة, والّتي توقظ النّائم, وتنبّه الغافل. أم كانت العمل والمشاركة بكلّ حركة أو تنظيم يخلّص الأمّة من تخلّفها, ويسهم في نهضتها ورقّيها. وبإذن اللّه سيكون الباب الثّالث من هذا البحث هو الباب المخصص لبيان هذه الأعمال الّتي قام بها, في مجالات متنوعة, سياسيّة, وثقافيّة, واجتماعيّة, وغير ذلك من الأعمال والمشاركات الّتي ترك فيها بصماته وتأثيره, والّتي تدلّ على قوّته, وإيمانه, وإخلاصه, ومحبّته لدينه وأمّته.
الباب الثّالث
جهوده الإصلاحيّة
الفصل الأوّل
جهوده الإصلاحيّة في
المجال السّياسي
تمهيد
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " المطبعة السّلفيّة في مكّة المكرّمة ", في الفتح, 149 ( ذو الحجة, 1347), 7.(1/321)
انتهينا في الباب السّابق من البحث, في عرضنا لأفكار وآراء السّيّد محب الدّين, إلى أنّه كان كاتباً إسلاميّاً يهتمّ بقضايا الإسلام والمسلمين, ويحاول أن يُظهر لهم المعنى الحقيقيّ للإسلام, ذلك المعنى الّذي لا يرضى من المسلم إلّا أن يكون في مقدّمة النّاس علماً وثقافة وحضارة, ومشاركة في قيادة البشريّة إلى الخير والفلاح. كما كان كاتباً قوميّاً يهتّم بقضايا العرب والعروبة, ويتمنّى أن يرى العرب في مقدّمة الأمم أحراراً مستقلّين, ليعود لهم مجدهم وعزّتهم. وكان يدافع عن العرب ضدّ كلّ من يحاول المسّ بهم, أو الانتقاص من حضارتهم وثقافتهم, أو يحاول محو هذه الثّقافة أو هذه الحضارة.
وفي هذا الباب سوف نجد أنّ السّيّد محب الدّين لم يكن رجل أقوال فقط, بل كان أيضاً رجل أفعال. يترجم قوله إلى فعل, ويسعى بكلّ الإمكانات المتاحة أمامه من أجل خدمة أمّته ووطنه, ويدافع عنهما بكلّ ما أُوتي من قوّة.
اهتمّ السّيّد محب الدّين بالسّياسة اهتماماً كبيراً, فعمل منذ شبابه على دراستها ومعرفة أحوالها في بلاده والبلاد العربيّة الخاضعة للسّيطرة العثمانيّة, ووجد أنّها في حاجة إلى إصلاح وتعديل. لذلك فقد كان له نشاط سياسيّ ملموس, واشترك في جمعيّات سياسيّة كثيرة وهامّة نشأت في زمنه, كان لها نشاط مميز, وأسمهت في قيام الثّورة العربيّة الكبرى. ومن أهمّ هذه الجمعيّات:
1ـ جمعيّة النّهضة العربيّة:
تعتبر جمعيّة النّهضة العربيّة من أولى الجمعيّات الّتي نشأت في البلاد العثمانيّة, ولعلها أوّل جمعيّة قوميّة عربيّة منظّمة نشأت في أوانها, فكان لها تأثير كبير في بثّ الشّعور القوميّ الواعي في شباب العرب, قبل إعلان الدّستور وخلع السّلطان عبد الحميد(1). وقد تشكّلت هذه الجمعيّة, بشكل أساسيّ, نتيجة لعمل السّيّد محب الدّين ورفيقه الشّهيد عارف الشّهابي.
__________
(1) ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة, تأريخها, قوامها, مراميها, 55.(1/322)
وكان لحلقة الشّيخ طاهر الجزائري, حلقة دمشق الكبرى, الّتي تقدّم الحديث عنها, أثر واضح, دفع بالسّيّد محب الدّين ورفيقه عارف الشّهابي إلى التفكير في إنشاء جمعية مشابهة لها في أهدافها وتوجهاتها. فالشّيخ طاهر كان يجتمع في كلّ أسبوع مع ثلّة من علماء دمشق, يتدارسون الأحوال العامّة في البلاد العثمانيّة, والانحطاط الكبير الّذي كان يسيطر على البلاد. وكانوا يدعون في اجتماعاتهم إلى تعليم العلوم العصريّة, وبعث الرّوح العربيّة, وتمجيد التّراث العربيّ والإسلاميّ وقد أسس الشّيخ طاهر هذه الحلقة وهو يشغل منصب مفتّش معارف في عهد ولاية مدحت باشا(1) على سوريا.......وتمكّن الشّيخ طاهر من جمع رجال العلم والمعرفة في دمشق حوله في حلقة دمشق الكبرى, داعياً إلى تعليم العلوم العصريّة بالإضافة إلى العناية بتاريخ العرب وتراثهم العلميّ.........وقد شملت أحاديث أعضاء هذه الجمعيّة الأوضاع الإداريّة والسّياسيّة القائمة في الدّولة العثمانيّة فشملت سوء الإدارة, واستبداد الحكّام الأتراك, كما بدأوا يناقشون في جلساتهم مفاهيم الحريّة والعدل والنّظام(2).
__________
(1) ـ مدحت باشا, 1238ـ 1301/1822 ـ 1883. ولد في اسطنبول, وكان أبوه قاضياً. تعلّم العربيّة والفارسيّة, وتقلّب في الوظائف فكان والياً على الدّانوب وعلى بغداد. أصدر الدّستور العثمّاني أواخر عام 1293 / 1876, ثمّ ضيّق عليه فسافر إلى أوروبّا, ثمّ عيّن والياَ على الشّام, ونقل منها إلى أزمير حيث اُعتقل وحوكم متّهماً بالمشاركة في قتل السّلطان عبد العزيز, وحكم عليه بالإعدام, ثمّ اكتفى السّلطان بنفيه إلى قلعة الطّائف بالحجاز, وفيها بعد بضع سنوات قُتل بأمر السّلطان؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 195.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام", في البحث التّاريخي, 7 (ربيع الأوّل 1402 / كانون الثّاني 1982), 136ـ 137.(1/323)
وكان السّيّد محب الدّين, بحكم علاقته مع الشّيخ طاهر, من الّذين يحضرون هذه الاجتماعات, وكان أصغرهم سنّاً. وخطر له أن يشكّل حلقة أخرى يجمع فيها رفاقه, فإذا وقع كتاب في يده وأعجبه ما جاء فيه, أعاد قراءته مع من يختاره من رفاقه, ويكون هذا الكتاب مما يدخل في رسالة الحلقة الكبرى, وقد سمّى السّيّد محب الدّين هذه الحلقة بحلقة دمشق الصّغرى "فكانت الحلقة الكبرى قدوة لحلقة النّاشئة"(1).
وبيّن السّيّد محب الدّين أنّه كان حريصاً على حضور اجتماعات الحلقة الكبرى, ليستمرّ التّواصل بين هذه الحلقة وحلقته الصّغرى(2). وكانت حلقة دمشق الصّغرى هي النّواة الأولى الّتي تألّفت منها جمعيّة النّهضة العربيّة, فعندما أتمّ السّيّد محب الدّين دراسته الثّانويّة وسافر إلى القسطنطنيّة, ألّف مع صديقه عارف الشّهابي حلقتين من الطّلبة العرب, ارتبطت إحداهما بالأمير عارف, وارتبطت الأخرى بالسّيّد محب الدّين. وكانت خطّة الصّديقين تقضي بتعليم هؤلاء الطّلبة اللّغة العربيّة قراءة وإنشاء وفهماً, وكان السّيّد محب الدّين ورفيقه يتخيّران لتحقيق ذلك مقطعاً نثريّاً أو قصيدة شعريّة من الأدب العربيّ تحمل من المعاني الإنسانيّة ما يزيد من مشاعر الاتصال بالقوميّة العربيّة والفخر بالماضي الإسلاميّ والسّجايا والأخلاق العربيّة والإسلاميّة, بحيث ترتفع بمستوى الطّالب الأخلاقيّ والقوميّ.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الشّهيد السّعيد صالح قنباز", في الزّهراء, 2 (رجب, 1344), 420.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "نهضة العرب للاضطلاع برسالتهم", في الفتح, 823 (جمادى الآخرة, 1364), 363.(1/324)
وأراد السّيّد محب الدّين أن يُلزم الطّلاب حضور هذه الاجتماعات والدّروس ففرض على من يقصّر في ذلك أو يتخلّف عن الحضور في الموعد المحدّد أتاوات ماليّة خفيفة, فتح لها صندوقاً خاصّاً...., وكان التّعليم نفسه بالمجّان في الحلقتين(1).
وفي يوم الإثنين في السّابع من ذي القعدة من عام 1324 الموافق 24 أيلول 1906م كاشف محب الدّين الخطيب الممتازين من شباب الحلقتين بأنّ هذا العمل الّذي نحن فيه يبشّر بنهضة, وأنّها نهضة مباركة إن شاء اللّه. واقترح أن يسمّي المشتركون فيه حلقتيهم باسم جمعيّة النّهضة العربيّة(2). وهكذا نشأت الجمعيّة, على يد هؤلاء الشّباب المتحمّسين بشكل بسيط وعفويّ, وكانت غايتها إحياء اللّغة العربيّة والأخلاق الفاضلة. ولم يكن لها قانون محدد أو ما يُسمّى بالقانون الأساسيّ أو الدّاخليّ, ولكنّها فيما بعد استطاعت أن تنظّم جهودها وتكوّن لها قانوناً أساسيّاً, وقانوناً داخليّاً, وحددت أهدافها بشكل واضح وصريح.
حاول السّيّد محب الدّين أن يزيد من أعضاء هذه الجمعيّة, فوجد طريقة لذلك, وهي أن يجمعهم في مقهى ويُسمعهم الموسيقى العربيّة, وقد كان له ذلك في مقهى في استانبول اختاره بحيث يطلّ على مفترق أربع طرق, واتّفق محب الدّين ورفيقه مع صاحب المقهى على تحسين حال المقهى وأدواته, ووضعوا فيه أسطوانات للموسيقى العربيّة, فامتلأ المقهى بالشّباب العربيّ. وبدأ " أعضاء الجمعيّة يعقدون الصّداقات مع من يتوسّمون به الخير من أذكياء هؤلاء الشّباب, ومن هؤلاء الأذكياء صارت تتغذّى حلقة السّيّد محب الدّين....,وحلقة الأمير عارف الشّهابي"(3).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 18.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 18.
(3) ـ المصدر نفسه, 19.(1/325)
وبعد ذلك كانت أوّل حفلة أقامتها الجمعيّة هي من قِبل المركز العامّ في منتزه الحديقة البصريّة, وهو مصيف مشهور في القسطنطنيّة, في 5 جمادى الآخرة 1325هـ. وقد ألقى السّيّد محب الدّين خطاباً عنوانه "واجباتنا", والأخ عارف الشّهابي قصيدة عنوانها "نحن و الأغيار"(1). وأعلن السّيّد محب الدّين في خطابه هذا عن مولد جمعيّة النّهضة العربيّة, وأعلن عن مبادئها المتمثّلة بكون:
1 ـ "العروبة أكرم عناصر الجامعة الإسلاميّة.
2 ـ العربيّة هي المسؤولة عن حمل رسالة الإسلام وتجديد شبابه, وذلك بإزالة الأسباب الّتي فرضتها الدّولة العثمانيّة.
كما أعلن الخطيب في هذا الإجتماع أهداف الجمعيّة كالأتي:
1 ـ تعريف شباب العرب المثقّفين بعروبتهم.
2 ـ دعوتهم إلى التّعاون في إصلاح المجتمع العثمّاني الّذي كان يتوقّف على صلاحه صلاح المجتمع العربيّ, من جبال طوروس إلى باب المندب"(2).
__________
(1) ـ محب الدّين الخطيب, الدّكتور صلاح الدّين القاسمي, آثاره, 4.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, " مع روّاد اليقظة القوميّة ", في البحث التّاريخي, 3 ( 1404/ 1984), 31.(1/326)
وقد عمل السّيّد محب الدّين فيما بعد على توسيع هذه الجمعيّة, وتكوين فروع لها في البلاد العثمانيّة, وخصوصاً في دمشق مسقط رأسه, فقام بمراسلة أصدقائه المقيمين في دمشق, وطلب منهم أن يفتتحوا للجمعيّة فرعاً في دمشق ." وقد بعث محب الدّين رسالتين في بريد واحد, الأولى لصلاح الدّين القاسمي, والثّانية للطفي الحفّار, ينبئهما عن تأليف الجمعيّة في القسطنطنيّة, ويقترح عليهما أن يشتركا معهم وكان قد أشار على كلّ منهما بأن يُري أحدهما كتابه للآخر. فاجتمع هذان معاً وتذاكرا مليّاً, وقرّ رأيهما في الختام على الالتحاق بالمركز الأوّل في القسطنطنيّة, وقاما بتأسيس فرع لها مؤلّف من خمسة أعضاء, فكانوا يجتمعون ليلتين من كلّ أسبوع, ويوفّرون شيئاً من المال في صندوق صغير"(1).
لاقى السّيّد محب الدّين بعض المتاعب في استانبول بسبب هذا النّشاط, فاضطرّ إلى العودة إلى بلده, وترك الدّراسة في استانبول. وبعد عودته إلى دمشق تحوّل نشاط الجمعيّة من استانبول إلى دمشق, وبسبب هذه الظّروف أيضاً قَبِل السّيّد محب الدّين السّفر إلى الحديدة في اليمن, هرباً من ملاحقة الضّابطيّة العثمانيّة له.
وبقيت جمعيّة النّهضة العربيّة في دمشق تتابع نشاطها, فقامت بإنشاء مكتبة صغيرة, وأسست غرفاً للقراءة, وفوق هذا قرّرت الجمعيّة طبع بعض المصنّفات العصريّة المتماشية مع مبادئها. وقد ارتأت الجمعيّة أن تقوم بتدريس اللّغة العربيّة لأبناء العرب, وندبت لهذه المهمّة الشّيخ أحمد النّويلاتي أستاذ السّيّد محب الدّين الّذي كان يعلّمه اللّغة العربيّة وقواعدها في صغره, وقد بدأ التّدريس فعلاً مساء العاشر من محرّم عام 1327 الموافق 16 شباط 1909, وكان يعطي درسين في الأسبوع, كلّ إثنين وخميس(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, صلاح الدّين القاسمي, آثاره, 5.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, صلاح الدّين القاسمي, آثاره, 8.(1/327)
إلى جانب ذلك, وبالإضافة إلى ما سبق, فقد قرّرت الجمعيّة القيام بتمثيل رواية يُخصّص ريعها لدعم غرف القراءة الّتي تقدّم الحديث عنها.
ولم تنقطع علاقة السّيّد محب الدّين بالجمعيّة, على الرّغم من سفره وابتعاده إلى الحديدة في اليمن. وقد عمل هناك على تنسيب أعضاء جدد لهذه الجمعيّة في الحديدة. واستمرّ بمراسلة أصدقائه في دمشق لمعرفة أخبار الجمعيّة ونشاطاتها.
وحينما أُعلن الدّستور العثمّاني سنة 1908م, أعلنت الجمعيّة عن نفسها في دمشق باسم جمعيّة النّهضة السّوريّة تفادياً من ضغط الإتحاديّين, الّذين كانوا أصحاب النّفوذ والحكم(1). وقد بعث السّيّد لطفي الحفار رسالة لصديقه السّيّد محب الدّين الخطيب يخبره فيها عن هذه الأحداث قائلاً: " بعد أن كتبنا إليك منذ شهرين بأنّ جمعيّتنا النّهضة العربيّة توقّفت عن العمل للأسباب الّتي ذكرناها, عدنا والتأمنا مرّةً ثانية وألّفنا جمعيّتنا تأليفاً متيناً يقوى على تجاوز العراقيل. والآن أخبرك بأمر سيسرّك جدّاً, وهو أنّنا أعلنّا جمعيتنا باسم النّهضة السّوريّة, وأضحت تُعرف بهذا الاسم في جميع أنحاء سوريا, لأنّها صارت علناً في هذه الظّروف الّتي أعلنت فيها جمعيّة الإتحاد والتّرقي الدّستور العثمّاني......كنت أريد من صميم فؤادي أن تكون خطيباً في احتفالنا, وأنت أولى من يقوم خطيباً في مثل هذا الحفل لأنّك من العاملين المجدّين في جمعيتنا وجمع شملنا. وزعنا تذاكر للحفلة, أرسل لك واحدة لتراها, ووضعنا في صدر القاعة قطعة كبيرة هذا نصّها: "احتفال جمعيّة النّهضة السّوريّة", وأخرى مكتوب عليها: "ممنوع التّدخين والتّكلم وقت الخطابة" والآن استودعك اللّه, وقد علمت أنّ جمعيّة الإتحاد والتّرقي أخذت تبحث عن جمعيّتنا وعن أعضائها, وسنرى"(2)
__________
(1) ـ الحفّار, لطفي, ذكريات لطفي الحفّار, جمعها ونشرها, وجيه بيضون, دمشق, مطابع ابن زيدون, 1373/ 1954, 1, 14.
(2) ـ الحفّار الكزبري, سلمى, لطفي الحفار, مذكّراته, حياته, 31. وهذه الرّسالة بعثها السّيّد لطفي الحفّار إلى السّيّد محب الدّين الخطيب, وهي مسجّلة بتاريخ, 10 رجب من عام 1326 هـ.(1/328)
.
ومن خلال هذه الرّسالة نجد أنّ علاقة السّيّد محب الدّين بالجمعيّة لم تنقطع أبداً, على الرّغم من بعده عن دمشق, وأنّ الجمعيّة اضطرّت إلى تغيير اسمها من جمعيّة النّهضة العربيّة إلى جمعيّة النّهضة السّوريّة, لأنّ الإتحاديّين لم يعترفوا بالجمعيّة تحت اسمها الأوّل, وطلبوا من أعضائها إجراء تعديلات كثيرة على قانون الجمعيّة حتّى يقبلوا بالإعتراف بها. وقد حاول أعضاؤها الحصول على ترخيص للعمل العلني كجمعيّة عربيّة بكلّ الوسائل, ولكنّ حكومة الإتحاد والتّرقّي بدأت تماطل دون الوصول إلى نتيجة حتميّة, وكان الهدف من هذه المماطلة تحويل الجمعيّة من جمعيّة عربيّة سياسيّة إلى جمعيّة ثقافيّة فقط. ورغم هذه المماطلة, فقد اجتمع أعضاء جمعيّة النّهضة في دمشق أوائل سنة 1909م, ووضعوا لجمعيّتهم قانوناً خاصّاً, صادق عليه الأعضاء في جلسة علنيّة عامّة, وانتخبوا هيئة إداريّة جديدة, برئاسة محب الدّين الخطيب(1). وكان ذلك بعد عودة السّيّد محب الدّين من الحديدة. ولكنّ أعضاء جمعيّة الإتحاد والتّرقّي قاموا بملاحقة أعضاء الجمعيّة مما دفع به للسّفر إلى استانبول ومنها إلى مصر, الّتي وصلها عام 1909م, والتحق بالعمل في المؤيّد.
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام ", في البحث التّاريخي, 7 (ربيع الأوّل 1402/ كانون الثّاني 1982), 147.(1/329)
أمّا جمعيّة النّهضة فقد عقد أعضاؤها اجتماعاً لهم ليلة السّبت في 13 ربيع الأوّل سنة 1327هـ, لبحث قضيّة تغيير اسمها إلى جمعيّة النّهضة السّوريّة بناءً على طلب من حكومة الإتحاد والتّرقّي, وبعد المداولة, قررت اللّجنة الإداريّة إدخال تعديل على طلب الإتحاديّين رعاية لما كان يقتضيه الحال وناموس بقاء الأنسب. "وطلبت اللّجنة تغيير اسم الجمعيّة........, وأرفقت الجمعيّة هذا القرار بنظامها الأساسيّ الدّاخليّ, وطُلِب التّرخيص لها على أساس ذلك. وأخذ الإتحاديّون كعادتهم, في مماطلة أعضاء جمعيّة النّهضة العربيّة ومقاومتهم, حتّى عدّلت الجمعيّة في قانونها المقترح ونقّحته, وجعلته منطبقاً على قانون الجمعيّات الحديث, بعد أن كانت تمازجه روح السّياسة"(1). والقانون الجديد أخرج الجمعيّة من ثوبها السّياسي, وألبسها ثوب العلم, فأصبحت جمعيّة علميّة محضة. وقد أقرّ الإتحاديّون دستور الجمعيّة بصيغته الجديدة سنة 1910م(2), وبذلك أصبحت الجمعيّة شرعيّة بعد مماطلة دامت أكثر من سنتين, وقد بقيت جمعيّة النّهضة قائمة حتّى نشوب الحرب العالميّة الأولى(3)
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام ", في البحث التّاريخي, 7 (ربيع الأوّل 1402 / كانون الثّاني 1982), 148.
(2) ـ ورد في كتاب جمال الدّين القاسمي, لمؤلّفه ظافر القاسمي, أنّ السّيّد محب الدّين الخطيب تلقّى رسالة من صديقه رشدي الحكيم بتاريخ 17شوّال 1327هـ قال فيها: "إنّ الهيئة المرّكزيّة لجمعيّة الإتّحاد والتّرقّي رغبت إلينا بالواسطة أن ننضم إليها ونندرج في لفّ أعضائها". وهذا يُظهر أنّ الجمعيّة تعرّضت لضغوط كثيرة ترغيباً وترهيباً حتّى تغيّر من خطّها الإصلاحي؛ انظر, القاسمي, ظافر, جمال الدّين القاسمي, دمشق, مكتبة أطلس, 1385 / 1965, 472.
(3) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام ", في البحث التّاريخي, 7 (ربيع الأوّل 1402 / كانون الثّاني 1982), 153.(1/330)
.
كان السّيّد محب الدّين مؤسس الجمعيّة الأوّل, ومؤسس فرعيها في دمشق واليمن, وعمل بكلّ ما يستطيع لتطويرها واستمرارها, ولكنّ الظّروف الصّعبة الّتي مرّ بها لم تسمح بذلك, فاضطرّ إلى تركها والسّفر إلى مصر. ولكنّ هذا لم يمنعه من العمل في جمعيّات أخرى كانت تلتقي بمبادئها مع مبادئ جمعيّة النّهضة, وإن لم يكن هو من قام بتأسيس هذه الجمعيّات, إلّا أنّه كان عضواً مهمّاً وعاملاً فيها.
وبقيت ذكرى هذه الجمعيّة وذكريات الشّباب محفورة في نفس السّيّد محب الدّين حتّى أواخر أيّامه وكتب كثيراً من مقالاته عن ذلك. ونختار مما كتب على سبيل المثال رسالة بعثها إلى صديقه لطفي الحفّار يقول فيها: " أنا الآن في ثلاث فرحات, أوّلها: الجوّ السّعيد الّذي نقلتني إليه بكتابك الكريم. وثانيهما لقاء سبطك الّذي يكاد يكون في مثل السّن الّتي تعارفنا فيها, قبل أكثر من ستين سنة, والثّالثة أنّي أكتب لك في شهر ذي القعدة الّذي تأسست فيه جمعيّة النّهضة العربيّة, بفروق سنة 1328, ومثل هذه الفرحات تزيد من العمر"(1).
كانت هذه الجمعيّة بداية العمل القوميّ والعربيّ الّذي قام به السّيّد محب الدّين, وكانت أيضاً من أوائل الجمعيّات الّتي تأسست لرفعة العربيّة وبعث العروبة. وفتحت الباب واسعاً للسّيّد محب الدّين لينتسب إلى جمعيّات أخرى انتشرت في ذلك الوقت, لتكون إحدى الوسائل الّتي حاول العرب من خلالها الحصول على حقوقهم من الأتراك.
2 ـ انتسابه إلى الجمعيّات السّريّة:
__________
(1) ـ الحفار الكزبري, سلمى, لطفي الحفار, مذكّراته, حياته, عصره, 432. وقد نشرت هذه الرّسالة من السّيّد محب الدّين إلى صديقه لطفي الحفار, وهي تحمل تاريخ, الإثنين, ذو القعدة, 1386/ 1966.(1/331)
إنّ السّيّد محب الدّين, وباعتباره من أعلام القوميّة العربيّة, كان من المثقّفين الّذين وجدوا أنّ حالة العرب في ظلّ الدّولة العثمانيّة لا تسرّ, وأنّه يجب على جميع العرب العمل بقدر ما يستطيعون لنيل حقوقهم من أيدي التّرك. وقد انتشرت الجمعيّات السّريّة في ذلك الوقت كوسيلة للعمل من أجل نيل الحقوق, والتّخلّص من استبداد السّلطة العثمانيّة. واشترك محب الدّين في كثير من هذه الجمعيّات وكان له حضور وعمل مميز فيها فبالإضافة إلى جمعيّة النّهضة العربيّة, الّتي مرّ ذكرها, اشترك في جمعيّات أخرى كان من أهمّها:
أ ـ جمعيّة الشّورى العثمانيّة:
عندما اضطرّ السّيّد محب الدّين إلى ترك الدّراسة في استانبول والسّفر إلى الحديدة في اليمن, بسبب ملاحقة السّلطات العثمانيّة له نتيجة لنشاطه في جمعيّة النّهضة العربيّة, توجّه قبل سفره إلى القاهرة, واجتمع هناك مع أعضاء جمعيّة الشّورى العثمانيّة, الّذين طلبوا منه العمل على تأسيس الفرع الرّابع عشر لهذه الجمعيّة في اليمن, وذلك بعد أن أخبروه عن أهداف هذه الجمعيّة ومنطلقاتها, فوافق على ذلك. وقام في الحديدة بالاتصال بالرجال الوطنيين هناك, وتأسس هذا الفرع بأسرع وقت. وكتب في الزّهراء مخبراً عن هذا بقوله: " لمّا مررت بالقاهرة في طريقي إلى اليمن, في شهر رمضان سنة 1325, أكتوبر سنة 1907م, أطلعني رفيق بك العظم على نظام جمعيّة الشّورى العثمانيّة, الّتي كانت تأسست في القاهرة منذ عهد قريب, وأخبرني بما لها من الفروع في البلاد العثمانيّة وغيرها, واتّفقت معه على إنشاء فرع لها في اليمن, وقد وفّق اللّه لذلك بأقرب مدّة, فتألّف الفرع الرّابع عشر للجمعيّة هناك"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "رفيق بك العظم ", في الزّهراء, 2 (الرّبيعان, 1344), 230.(1/332)
وكان قد أسس هذه الجمعيّة مجموعة من أحرار العرب, الّذين كان لهم هدف وغاية محدّدة, وهي خدمة العرب والمطالبة بحقوقهم. ويظهر لنا من اسم الجمعيّة أنّها كانت تطالب بهدف أساسيّ يدعو إلى إحياء الحياة النّيابيّة في البلاد العثمانيّة, والمطالبة بالحريّة. وكان من هؤلاء الأحرار الّذين أسّسوها الشّيخ محمّد رشيد رضا, ورفيق بك العظم, وحقّي بك العظم(1).
__________
(1) ـ حقّي العظم, ولد في دمشق عام 1864م, آثر النّزوح إلى مصر, وانتسب فيها إلى سلك التّعليم, تولّى رئاسة مجلس الشّورى في سوريا سنة 1932م, وكلّف بتأليف الوزارة, من مؤلّفاته ألاعيب المراقبة, ومحاضر اجتماعات مجلس 1877م وغيرها, توفّي عام 1955م بالسّكتة الفجائيّة؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 158؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلفين, 3, 70.(1/333)
وقام هؤلاء بتأسيس فروع لهذه الجمعيّة في كلّ البلاد وتوسّع نشاطها, وبسبب علاقة الصّداقة الّتي كانت تجمع بين رفيق بك العظم والسّيّد محب الدّين, فقد طلب منه القيام بتأسيس الفرع الرّابع عشر لهذه الجمعيّة في اليمن. وقد استعان السّيّد محب الدّين بقائد حامية الحديدة البكباشي شوقي بك المؤيّد العظم(1) لتحقيق هذه الغاية " فأطلعه على قانون الجمعيّة, وجريدتها الّتي تصدرها في القاهرة بالتّركيّة والعربيّة, فأرشده بدوره إلى طائفة من الضّبّاط الأحرار, الّذين أُبعدوا إلى اليمن عقوبة على نزوعهم للحريّة"(2) وتألّف هذا الفرع من هؤلاء الأحرار, وتوحدّت هذه الجمعيّة فيما بعد مع جمعيّة الإتحاد والتّرقّي, فكان رئيس فرع جمعيّة الإتحاد والتّرقّي في الحديدة هو نفسه رئيس فرع جمعيّة الشّورى العثمانيّة في هذا البلد. وكان ذلك بعد أن أصبحت جمعيّة الإتحاد والتّرقّي المسيطرة على الأمور في السّلطنة, فقامت المفاوضات بين الجمعيتين على إلحاق جمعيّة الشّورى بجمعيّة الإتحاد والتّرقّي, وكان الفرع الرّابع عشر لجمعيّة الشّورى أوّل من أعلن أنّه أصبح فرعاً لجمعيّة الإتحاد والتّرقّي, واتّخذ له نادياً في أعلى مقهى البلديّة, القائم على مرفأ الحديدة(3).
__________
(1) ـ ذكر السّيّد محب الدّين أنّ هذا السّيّد من عائلة العظم الشّهيرة في دمشق. وكان مشهوراً بالنّزاهة والاستقامة؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 41.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد اليقظة القوميّة, المناضل محب الدّين الخطيب ", في البحث التّاريخي, 3 (ذو الحجّة 1404 / أيلول 1984), 32.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 43.(1/334)
وقد عمل السّيّد محب الدّين وهؤلاء الأعضاء على إصلاح العلاقة بين الإمام يحيى حاكم اليمن والدّولة العثمانيّة, ذلك أنّ الإمام قام بثورة ضدّ الدّولة العثمانيّة, ووقع في يده بعض الأسرى من جنود الدّولة, وكان له مطالب محددة, وهي أن تعترف له الدّولة العثمانيّة بمثل ما لحاكم مكّة من النّفوذ في بلده, وأن يكون هو المرجع الدّينيّ في اليمن, وله حقّ تعيين الأئمة والقضاة الشّرعيين وشؤون الأوقاف وللدّولة العثمانيّة الحقّ في التّصرف في سائر الشّؤون السّياسيّة والعسكريّة والماليّة. وقام أعضاء الشّورى بكتابةكتاب تضمّن هذه المطالب وأرسلوه إلى استانبول, وطلبوا من الإمام أن يطلق الأسرى الّذين وقعوا في يده, وأقنعوه بذلك, فوافق معهم وظلّ هذا الاتفاق قائماً ومعمولاً به حتّى نهاية الحرب العالميّة الأولى(1).
تولّى السّيّد محب الدّين المكاتبة بين الإمام والدّولة العثمانيّة بخطّه وإنشائه, وطالب الإمام يحيى في رسالة بعثها إليه بإطلاق من عنده من الأسرى فقال: "خطر في بالنا أخيراً أمر هؤلاء الأمراء والعساكر والضّبّاط الّذين كانوا يُسمّون في زمن الحكومة السّابقة أسرى عندكم ونحن نعتبرهم الآن كأنّهم ضيوفكم, لأنّهم في الحقيقة مثلنا أبناؤكم, وما اضطرّهم إلى سلّ السّيف في وجوه إخوانهم اليمانيين إلّا أطماع الطّامعين, وأغراض المستبدّين ظلماً وقهراً. فنحن الآن نطلب باسم السّموّ الهاشميّ, واسم الإسلاميّة والإنسانيّة وجمعيّة الإتحاد والتّرقّي, أن يطلق مولانا هؤلاء الإخوان المسلمين, ليتيقّن الجند وجميع البلاد عظم فضلكم وعلوّ نفسكم وما ذلك على شرفكم السّامي بعزيز"(2).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, نفس الصّفحة.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "رسالة تاريخيّة من محرّر الفتح إلى الإمام يحيى قبل 41 سنة ", في الفتح, 854 (ربيع الآخر , 1367), 93.(1/335)
وقد نال السّيّد محب الدّين إعجاب الإمام بعد قراءة خطابه, فأجابه إلى طلبه, وأرسل إليه كتاباً جليلاً جاء فيه: " ذلك الفاضل, الحبيب النّسيب, المصقّع, الواعظ, الأديب, الأريب, السّيّد محب الدّين الحسني, المهذّب, الخطيب, يسّر اللّه له في مرضاته الفوز بالأمل, ووفّقه إلى السّداد في القول وصالح العمل"(1).
وكان لهذه الجمعيّة نشاط كبير في إعلان الدّستور العثمّاني في اليمن. وذلك بعد الثّورة الّتي أعلنها الضّبّاط في الجيش العثمانيّ, حيث طالبوا بإعلان الدّستور, والعودة إلى الحكم النّيابيّ. وانتشرت أخبار هذه الثّورة في كلّ البلاد ما عدا البلاد العربيّة, وذلك بسبب التّعتيم الإعلاميّ الّذي مارسته السّلطة العثمانيّة, وإخفائها للأخبار الواردة عن وكالات الأنباء العالميّة, حيث صارت هذه البرقيات الإخباريّة تُذاع في أطراف الأرض ويمنع نشرها في البلاد العثمانيّة. "ولمّا كان المدير العام للبريد والبرق في الحديدة صديقاً حميماً للسّيّد محب الدّين, وعضواً في جمعيّة الشّورى العثمانيّة, فإنّه كان يوصل أخبار الثّورة الّتي تتناقلها أسلاك البرق إلى السّيّد محب الدّين, ومنه إلى قائد مركز الحديدة البكباشي شوقي بك المؤيّد العظم رئيس الفرع الرّابع عشر للجمعيّة, وإلى الممتازين من ضبّاط الفرقة الرّابعة عشرة من الفيلق من الشّباب الدّاخلين في الجمعيّة, والمتلهّفين على قيام الحكم النّيابيّ في الدّولة العثمانيّة. ولم يكتفِ المدير العامّ للبريد والبرق بهذه المعاونة, بل صار يُبيح استعمال ما تحت سلطته من أسلاك البرق والمخابرة مع أعضاء جمعيّة الشّورى العثمانيّة في البلاد اليمنيّة الأخرى(2). وعندما أُعلن الدّستور في البلاد العثمانيّة, كانت الخطة التّركيّة ترمي إلى عدم إعلانه في اليمن
__________
(1) ـ المصدر نفسه, "من رسالة الإمام يحيى إلى محرّر الفتح ", تاريخها, 5 ذو القعدة 1326, 94.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 41.(1/336)
وذلك حتّى يبقى كالمستعمرات وليس كباقي أجزاء السّلطنة, فعمل السّيّد محب الدّين مع البكباشي شوقي بك المؤيّد العظم والضّباط الآخرين على إعلان الدّستور, دون موافقة المسؤولين الأتراك وقصدوا مفاجأتهم بذلك, وبالفعل قاموا بالتّرتيب لإقامة حفل عامّ يُعلن فيه الدّستور, وتُضرب المدافع في الحديدة معلنة عن إعلان الدّستور. "وكانت مفاجأة مدهشة للكبار, والّذين لم يسبق لهم علم بشيء من هذه القرارات...., وكانت مفاجأة لمحب الدّين نفسه, أن وصلت إليه بعد نحو أسبوعين جريدة عربيّة تصدر في استانبول, وفيها نصّ الخطب الّتي ألقاها محب الدّين في الحفل المشار إليه بالحديدة, وتوالت رسائل جمعيّة الشّورى العثمانيّة في القاهرة إلى محب الدّين في تمجيد ما وفقّه اللّه تعالى إليه في هذه المنطقة"(1).
ب ـ حزب اللّامركزيّة الإداريّة العثمّاني:
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 42- 43.(1/337)
تأسس هذا الحزب سنة 1331/1913 في القاهرة, وكان رفيق العظم رئيسه, وكان من مؤسسيه الشّيخ محمّد رشيد رضا, والشّيخ عبد الحميد الزّهراوي(1), والأستاذ حقّي بك العظم, والأستاذ شبلي شميّل(2), والأستاذ داود بركات(3), والشّاعر فؤاد الخطيب(4)
__________
(1) ـ عبد الحميد الزّهراوي, من زعماء النّهضة السّياسيّة في سوريا, وأحد شهداء العرب في عاليه, ولد في حمص, وأصدر صحيفة المنير, كتب في المقطّم. رئس المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس فحُكم عليه بالإعدام. له رسالة, الفقه والتّصوف, وكتاب خديجة أمّ المؤمنين؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 288؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 5, 104.
(2) ـ شبلي شميّل, طبيب, حكيم, عالم بالعلوم الطّبيعيّة, سياسي أديب, ولد في كفر شيما في لبنان, سنة 1276 / 1860م, وتعلّم بالجامعة الأمريكيّة فيها. قطن مصر, وأقام بالقاهرة, أنشأ مجلّة الشّفاء, وتوفّي في القاهرة سنة 1335 / 1917, من آثاره فلسفة النّشوء والإرتقاء؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 4, 294؛ وكرد علي, محمّد, المعاصرون, 241.
(3) ـ داود بركات, كاتب صحفي, ولد في لبنان سنة 1284 / 1867, انتقل إلى مصر سنة 1890م, واشتغل مدرساً ثمّ عمل في الصّحافة, تولّى العمل في جريدة الأهرام بعد وفاة صاحبها فأبدع فيها, له مؤلّفات منها, السّودان والمطامع السّياسيّة البريطانيّة في مصر, وكتاب في القضيّة المصريّة. توفّي سنة 1352 / 1933؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 2, 231؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 4, 135؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 203.
(4) ـ فؤاد الخطيب, أديب شاعر كاتب سياسيّ, ولد في الشّوف في لبنان سنة 1300 / 1883م, درس في الجامعة الأمريكيّة في بيروت, أسهم في المنتدى الأدبي وفي الإتحاد اللّامركزي, فرّ إلى مصر, ودرّس في السّودان, وشارك في الثّورة العربيّة الكبرى وكان شاعرها, التحق بفيصل الأوّل, وكان مرافقه الخاصّ, تنقّل في المناصب حتّى اتّصل بعبد العزيز آل سعود فعيّنه وزيراً مفوّضاً في بلاد الأفغان, توفّي في كابل, ونقل جثمّانه إلى بلده سنة 1376/ 1957, من آثاره, ديوان شعر, ورواية فتح الأندلس, وغيرها؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 8, 80؛ والزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 5, 160.(1/338)
, وغيرهم.
وجاء في بيان هذا الحزب الّذي وُضع عند التّأسيس: "مما ثبت بالتّجارب لهذا العصر أنّ أفضل أشكال الحكومات هو الدّستوريّ, وأفضل أشكال الدّستوريّ هو اللّامركزيّة, خصوصاً في الممالك الّتي تعددت فيها العروق والمذاهب واللّغات, لأنّها تأبى بطبيعتها أن تكون تبعة الحكم مقصورة على أفراد قليلين, تصدر عنهم القوّة والعمل إلى كلّ ناحية من أنحاء المملكة, فيكونوا كالمحرّك في آلة كبيرة جدّاً إذا أصابه عطب أو ضعف تعطلّت أجزاء سائر الآلة عن العمل, دون أن يكون لأيّ جزء من هذه الأجزاء قوّة ذاتيّة يعمل بها بنفسه, ودون أن يكون مسؤولاً عن نتيجة وقوفه عن العمل"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "رفيق بك العظم ", في الزّهراء, 2 (ربيع الأوّل والثّاني, 1344), 231 .(1/339)
كان هذا الحزب علنيّاً, ولم يكن سريّاً, وجاء في إحدى مواده: "ليس هذا الحزب خفيّاً, وليس فيه ما يُعدّ من الأسرار, فهو ينشر مقصده المبني على المطالبة باللّامركزيّة الواسعة جهراً وعلانية, دون الخشية من أحد لاعتقاده يقيناً أنّ الدّولة لا تبقى في العالم السّياسيّ إلّا إذا بُنيت حكومتها على أساس اللّامركزيّة الإداريّة"(1). وبالرّغم من ذلك, فقد تعرّضت هذه الجمعيّة لكثير من المضايقات من الحكومة التّركيّة, وكانت فروعها في البلاد العربيّة سرّيّة, وكان اتّصالها بالمركز العامّ يجري بتكتّم شديد. "وكانت مواد النّظام الأساسيّ للجمعيّة تكفل قيام جهاز حزبيّ محكم, وقد وكّل أمر الإشراف عليها إلى لجنة قويّة من عشرين عضواً يقيمون في مصر, تتألّف من بينهم هيئة إداريّة مكوّنة من ستة أعضاء, وأُنشئت فروع لها في كلّ مدينة في الشّام ووكالات صغيرة في عدد من الأماكن الأخرى, وكان ثمّة اتّصال وثيق بين فروعها والجمعيّات السّياسيّة العربيّة الأخرى في بلاد الشّام والعراق, والمنتدى العربيّ في القسطنطنيّة"(2).
__________
(1) ـ قلعجي, قدري, الثّورة العربيّة الكبرى, 95.
(2) ـ انطونيوس, جورج, يقظة العرب, 185.(1/340)
وكان المركز العامّ لهذه الجمعيّة في مصر, وسبب اختيار مصر مركزاً عامّاً للحزب يستند إلى نقطتين أساسيتين, أوّلهما أنّه كان لمصر وضع خاصّ في الدّولة العثمانيّة, ولم يكن في استطاعة أيدي السّلطات العثمانيّة أن تمتّد إلى العرب القائمين بهذا النّشاط فيها, ما دامت انجلترا لا تسمح بذلك. وكانت انجلترا لا توافق بطبيعة الحال على سياسة المركزيّة الّتي تُخضع لها جميع العثمانيين لسلطة الدّولة, وتقضي بالتّالي على امتيازاتها السّياسيّة وقيمة مركزها الممتاز. وثانيهما أنّ الخديو عباس حلمي(1) نفسه, كان غير راضٍ عن سياسة الإتحاد والتّرقّي المركزيّة, الّتي قد تجبره في يوم من الأيّام على منح المصريين دستوراً خاصّاً, واشتراكهم معه في الحكم(2).
__________
(1) ـ عباس حلمي, حفيد محمّد علي, ولد في القاهرة سنة 1291 / 1874, ولي الخديويّة عام 1309 / 1892, وخُلع سنة 1914م على يد البريطانيين, استقرّ في لوزان في سويسرا, وتوفّي فيها سنة 1363 / 1944, ودفن في القاهرة, وقد عُرف عنه البخل مع سرف في الملذات, وقد بيعت الأوسمة في أيامه بيع السّلع؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 260؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 288.
(2) ـ يحيى, جلال, العالم العربيّ الحديث, 495.(1/341)
أمّا السّيّد محب الدّين فكان يمثّل هذه الجمعيّة في مصر, وينفّذ قراراتها الّتي لها علاقة بحزب المركزيّة(1). واحتفظ بين أوراقه بمعظم المراسلات والتّنظيمات المتعلّقة باللّامركزيّة, وكان هو كاتم السّرّ الثّاني لهذا الحزب. وكان صلة الوصل بين هذا الحزب والأحزاب الإصلاحيّة الأخرى في البلاد العربيّة, وخصوصاً في بلاد الشّام. "وبهذا الإرتباط الحزبيّ واجهت الأحزاب العربيّة تحديات الإتحاديّين, وموقفهم من الحركات الإصلاحيّة في البلاد, ولم يكن هذا المخطط الحزبيّ حبراً على ورق, أو مجرد كلام متبادل, إذ سرعان ما ظهر تأييد هذه الأحزاب بعضها للآخر في مواجهة الأحداث الّتي جاءت سريعة ومستفزّة من الإتحاديّين"(2).
ج ـ جمعيّة العربيّة الفتاة:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 55.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد اليقظة العربيّة ", في البحث التّاريخي, 3 (ذو الحجّة 1404 / أيلول 1984), 37.(1/342)
تأسست هذه الجمعيّة سنة 1909م في باريس, على يد طالبين عربيّين هما الأستاذ رستم حيدر(1), والأستاذ توفيق النّاطور(2). وانضمّ إليهما فيما بعد الشّهيد محمّد المحمصاني(3) سنة1911م(4). واُختلف في تحديد سنة تأسيسها, فبعضهم قال إنّها تأسست سنة 1911م. وقد بيّن آخرون أنّها تأسست سنة 1909م, وبين أوراق السّيّد محب
__________
(1) ـ رستم حيدر, وُلد في بعلبك سنة 1306/1889م, وتعلّم بدمشق ثمّ بالمدرسة الملكيّة في الأستانة, وأتمّ دراسته في السّوربون, كان سكرتيراً خاصّاً للملك فيصل ورئيساً للدّيوان الملكي, ثمّ وزيراً مفوّضاً بإيران, ووزيراً لماليّة العراق, قُتل على يد ضابط في الجيش يسمّى حسين فوزي سنة 1358/1940م. له كتاب بالفرنسيّة بعنوان محمّد علي في سوريّة؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 124؛ ورمضان محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات 1315- 1424/1897- 2003, 2, 591.
(2) ـ توفيق النّاطور, من نوابغ شباب بيروت, تخرّج من جامعة الحقوق في الأستانة, من المؤسسين لجمعيّة العربيّة الفتاة, ومن المشاركين بالمقاومة ضدّ الإستعمار. أوقف في السّجن في زمن جمال باشا لمحاكمته, وأطلق عليه الرّصاص فأصابه في قدمه وهو في السّجن, وكان قد حكم عليه بالإعدام فاستبدل بالسّجن عشر سنين بسبب ما أصابه؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 173.
(3) ـ محمّد المحمصاني, من مواليد سنة 1888م, تلقّى دراسته الأولى في الكليّة العثمانيّة, ثمّ سافر إلى باريس سنة 1909م لتحصيل الحقوق في جامعاتها الكبرى, ونال شهادة الدّكتوراه بالحقوق ورجع إلى وطنه.كان ينشر في جريدة المفيد, له كتاب بعنوان الفكرة الصّهيونيّة, اهتمّ بشؤون المرأة وإصلاح أحوالها أُعدم في 21 آب 1915م؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 78؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 12, 23.
(4) ـ الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 14.(1/343)
الدّين الخطيب كرّاس يتضمّن منهج العربيّة الفتاة, ويشير فيه إلى أنّها تأسست في الرّابع عشر من شهر نوفمبر تشرين الثّاني 1909م, من قبل فريق من النّابغة العربيّة, للقيام بما تفرضه عليهم الوطنيّة ليتعزز بهم مركزها الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ(1).
وما يهمّنا حقيقة من هذه الجمعيّة هو موقع السّيّد محب الدّين فيها, وقد انضمّ إليها عن طريق صديقه الشّهيد عبد الغني العريسي, حيث كان قانون الجمعيّة يحتّم " أن يمرّ العضو في فترة طويلة من الاختبار قبل قبوله, وكان كلّ مرشح يقدّمه عضو قديم ممن حلف اليمين, ويظلّ لا يعرف أشخاص الأعضاء الآخرين إلى أن تنتهي فترة اختباره ويتمّ قبوله, حينئذ يُدعى ليقسم أن يسعى لتحقيق أهداف الجمعيّة ولو أدّى ذلك إلى التّضحيّة بحياته إذا اقتضى الأمر"(2). وحافظ أعضاء الجمعيّة على هذه السّريّة الكبيرة, خوفاً من أن تكشف السّلطات التّركيّة أمرهم, وبالتّالي تلاحقهم وتقضي على نشاطهم.
وعندما اتّصل الشّهيد عبد الغني العريسي بصديقه محب الدّين الموجود في القاهرة في تلك الفترة, لم يكن للعربيّة الفتاة فرع ولا أعضاء لها في مصر, لذلك أخذ عبد الغني العريسي في مكاتبة صديقه محب الدّين, عضو حزب اللّامركزيّة, يدعوه للدّخول معهم في حزب العربيّة الفتاة, ولذلك نرى اسم السّيّد محب الدّين الخطيب في قائمة أسماء أعضاء العربيّة الفتاة على الشّكل الآتي:
الإسم ?
البلدة?
التّاريخ?
واسطة الانتساب?
الرّمز الحزبي??
?محب الدّين الخطيب ?
دمشق?
1913م?
عبد الغني العريسي / مكاتبة?
189/ ط. لا
__________
(1) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 19.
(2) ـ أنطونيوس, جورج, يقظة العرب, 187.(1/344)
وعندما تمّ للعريسي ما أراد, طلب من الخطيب أن يكون صلة الوصل بين الحزبين الكبيرين العربيّة الفتاة وحزب اللّامركزيّة من جهة, وبين الجمعيّات الإصلاحيّة في بيروت ودمشق, وأوصاه بالتّكتّم الشّديد والتّجاهل العميق. كما طلب منه أن يرسل إمضاءه الصّريح من المرّة الأولى, حتّى يرسل له صورة القبول من المركز, ثمّ يأخذ النّمرة الّتي سيتخابر بها معه دون الإسم(1).
وهكذا انضمّ السّيّد محب الدّين إلى حزب العربيّة الفتاة, وأصبح صلة الوصل بين هذه الجمعيّة وحزب اللّامركزيّة. واستطاع أن يعمل هو وهؤلاء الأعضاء في جمعيّة العربيّة الفتاة على الاتصال بالجمعيّات الإصلاحيّة وبحزب اللّامركزيّة, ونتج عن هذه الاتصالات انعقاد المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس.
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد اليقظة القوميّة", في البحث التّاريخي, 3 ( ذوالحجّة 1404 / أيلول 1984), 36.(1/345)
وكان السّيّد محب الدّين, كما قلنا, صلة الوصل بين هذه الأحزاب والجمعيّات فقد اتصل بصديقه عبد الكريم الخليل(1), الّذي كان يرأس جمعيّة المنتدى الأدبي في الأستانة, وطلب منه أن ينتسب إلى حزب اللّامركزيّة, "وكانت ضربة حزبيّة ناجحة سُجّلت لصالح محب الدّين, إذ سرعان ما تمّ قبول الخليل في الحزب, ورُشّح ليكون صلة الوصل بين اللّامركزيّة والجمعيّات الإصلاحيّة"(2).
__________
(1) ـ عبد الكريم الخليل, ولد عام 1886 م في جبل عامل في لبنان, تلقّى علومه الابتدائيّة والإعداديّة في مدارس بيروت, وتخرّج من جامعة الحقوق في الأستانة, وتعاطى المحاماة, وتوثّقت صلاته مع وزراء الدّولة وعظمائها, ساهم في تأسيس المنتدى الأدبي, وانتخب رئيساً له, أعدمه جمال باشا في 21 آب 1915م في بيروت؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 75؛
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "مع رواد اليقظة القوميّة ", في البحث التّاريخي, 3 ( ذو الحجّة 1404 / أيلول 1984), 37. وقد أوردت الأستاذة سهيلة أنباء هذا العمل وكيف تمّت الاتصالات بين عبد الكريم الخليل والسّيّد محب الدّين من جهة وعبد الغني العريسي والسّيّد محب الدّين من جهة أخرى, وبين عبد الكريم الخليل والجمعيّات الإصلاحيّة في بيروت من جهة ثالثة, في هذا العدد من المجلّة المذكورة لمن أراد التّوسّع.(1/346)
وفي عهد الأمير فيصل كان لجمعيّة العربيّة الفتاة نشاط كبير " فتوطّدت لها هيئة مركزيّة من البارزين من أعضائها, وأخذت تُوسّع دائرتها وتُقوّي دمها وتُنشئ فروعاً لها في سوريا الدّاخليّة وغيرها من أنحاء الشّام, وتتّصل برجالها في أنحاء البلاد الأخرى, في سبيل تقوية العزم وإثارة العاطفة والتّضامن"(1). وقامت هذه الجمعيّة بإنشاء حزب علنيّ سُمّي بحزب الاستقلال العربيّ, وكان هدفه استقلال البلاد العربيّة التّام, ووحدة البلاد العربيّة كلّها, وقد أُنشئ عام 1920م, وجعلت الانضمام إليه تابعاً لبعض المراسم, مثل التّرشيح, والتّقدير, والتّحليف, والواجبات الماليّة. وأوجبت على جميع أعضائها القديمين والجديدين الانتساب إليه(2).
وعند قيام الحرب العالميّة الأولى, رأى رجالات الحزبين في العربيّة الفتاة واللّامركزيّة أنّ من المصلحة العربيّة عدم الاشتراك في الحرب, وترك الأطراف المتخاصمة يدمرّ بعضها بعضاً, وتقرر إيفاد مندوبين إلى زعماء العرب لمفاوضتهم في الأمر, والاطّلاع على آرائهم في هذا الموضوع. وقد اختير السّيّد محب الدّين لأداء هذه المهمّة, فسافر إلى الخليج العربيّ مع زميل له في سنة 1914م, فركبا من السّويس باخرة إلى عدن, ليأخذا منها باخرة أخرى إلى بومباي بالهند, ثمّ يقصدان من بومباي إلى الخليج العربيّ وكان أيسر طرق المواصلات في ذلك الحين. ولكنّ هذه المهمّة لم تكلل بالنّجاح, فقد اُعتقل السّيّد محب الدّين وزميله من قبل القوّات البريطانيّة, ونقلا إلى البصرة, وبقيا في المعتقل سبعة أشهر, استغلّها السّيّد محب الدّين بالمطالعة وزيادة الثّقافة(3).
__________
(1) ـ دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, 82.
(2) ـ المصدر نفسه, 87.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 57.(1/347)
احتفظ السّيّد محب الدّين بأوراق الجمعيّة العربيّة الفتاة, وكانت هذه الأوراق بمثابة دليل للباحثين الّذين كتبوا وبحثوا عن هذه الفترة الهامّة من تاريخ الأمّة العربيّة. ومن هذه الأوراق ما وجده مصطفى الشّهابي(1), مؤلّف كتاب محاضرات القوميّة العربيّة, تأريخها وقوامها ومراميها, حيث عثر بين أوراق السّيّد محب الدّين على منشورين سياسيين للجمعيّة الفتاة بعنوان الصّرخة الأولى, والصّرخة الثّانية, وعلى كرّاس يشتمل على منهجها وكان على ثلاثتها ختم للجمعيّة, تأريخه 1909م, وشعاره نخلة(2). وهذان المنشوران يؤكّدان أنّ هذه الجمعيّة قد تأسست في هذا التّاريخ. وأكّد ذلك أيضاً باحث آخر فقال: "أصدرت الجمعيّة ثلاث منشورات باسم الصّرخات الثّلاث, كلّ منها مذيّل بختم الجمعيّة, الّذي يتكوّن من نخلتين متعانقتين, يظلان الأحرف الأولى من رسم الجمعيّة ج. ع. ف وتاريخ نشوء هذه الجمعيّة سنة 1909م"(3).
لقد كانت هذه الجمعيّة من أهمّ الجمعيّات العربيّة, وكان لها تأثير كبير في التّاريخ العربيّ المعاصر وكان فيها محب الدّين فاعلاً ناشطاً, عمل بجّد وإخلاص, ولاقى في سبيل ذلك المتاعب الكثيرة.
3 ـ المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس:
__________
(1) ـ مصطفى الشّهابي, وُلد في حاصبيّا عام 1311 / 1893, درس في الأستانة, ونال شهادة الهندسة الزراعيّة من باريس, وولي عدداً من الوزرات في سوريّا في العهد الفرنسيّ والوطنيّ, كان عضواً في المجامع العربيّة الثلاث, وترأّس المجمع العلميّ العربيّ في دمشق تسع سنين, من مؤلّفاته معجم الألفاظ الزراعيّة, القوميّة العربيّة, وغيرها. توفّي عام 1388 / 1968؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7, 244- 245؛ والعطري, عبد الغني, عبقريات وأعلام, 169.
(2) ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة, تأريخها وقوامها ومراميها, 70.
(3) ـ برج, محمّد عبد الرّحمن, محب الدّين الخطيب ودوره في الحركة العربيّة, 77.(1/348)
لم يكن المؤتمر العربيّ الأوّل هذا ليُعقد لولا الجهود الّتي قام بها العرب في تلك الفترة من تاريخ الأمّة العربيّة, فقد تضافرت الجهود مجتمعة لعقد هذا المؤتمر. وكان للسّيّد محب الدّين دور هامّ في هذا العمل الكبير, ويتلخّص عمله في أنّه كان صلة الوصل بين الأحزاب الّتي عقدت هذا المؤتمر وقام بجمع أعمال هذا المؤتمر في كتاب جاء في مقدّمته: "أمّا فكرة المؤتمر العربيّ الّتي هي موضوع بحثنا الآن, فقد فكّر فيها خمسة من خيرة شبابنا في مدينة باريس(1).........., أرادوا أن يعلموا مكان هذه الفكرة من الأهميّة في نفوس الأمّة العربيّة .........ثمّ دعوا أقرب النّاس إليهم من أبناء هذه الأمّة وهم الجالية العربيّة في باريس, وكاشفوهم في ذلك فوجدوا منهم استحساناً وتنشيطاً, وبالفعل جرى انتخاب لجنة من هذه الجالية لمخابرة زعماء النّهضة العربيّة في الأقطار, ولإعداد العدّة, وتهيئة أسباب النّجاح"(2).
__________
(1) ـ هؤلاء الخمسة هم, عبد الغني العريسي, وعوني عبد الهادي, ومحمّد المحمصاني, وجميل مردم, وتوفيق فائد؛ انظر, الخطيب, محمّد كامل, المؤتمر العربيّ الأوّل, 4.
(2) ـ المصدر نفسه, من مقدّمة محب الدّين الخطيب, 4 ـ 5.(1/349)
وأرسل عبد الغني العريسي رسالة إلى السّيّد محب الدّين جاء فيها: " قلت لك إنّ جمعيتنا هي القائمة بالمؤتمر, دون أن يُدرك ذلك أحد من أعضاء المؤتمر, نقرّر ونسيّر المؤتمر حسب ما نقرّر في جلساتنا, وقد قرّرنا قبل أن يُحرّر كتابك, بلزوم دعوة الحزب إلى إيفاد أحد أعضائه لتسند الرّئاسة لمن توفدونه فرجاؤنا أن تشجّعوا عبد الحميد أفندي الزّهراوي برئاسة المؤتمر في باريس, وإن لم يكن في استطاعته المجيء فعليكم بشفيق بك(1), وآخر ينوب عن ولاية سوريا كحقّي بك"(2).
عمل السّيّد محب الدّين بجدّ من أجل أن تقبل جمعيّة اللّامركزيّة المشاركة في هذا العمل, وبالفعل فقد تمّت الموافقة على تعيين وفد يمثّل اللّجنة العليا لحزب اللّامركزيّة, وأقرّت الجمعيّة أيضاً إرسال مندوبين منها للحضور. وكان السّيّد عبد الحميد الزّهراوي رئيساً لهذا المؤتمر بجهود السّيّد محب الدّين الخطيب, الّذي كان سكرتيراً للمؤتمر, لذلك فقد كانت كلّ الرّسائل والمقترحات الّتي تصل إلى المؤتمر بحوزته. وقام فيما بعد بجمع مواده ومقرراته ومقترحاته ومجرياته ونشرها في كتاب خاصّ.
__________
(1) ـ شفيق المؤيّد بك العظم, ولد في دمشق سنة 1861م, وتلقّى دراسته في عينطورة في لبنان, كان شاعراً وأديباً, أسّس جمعيّة الإخاء العربيّ, أُعدم سنة 1916م على يد جمال باشا السّفاح؛ انظر, الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 94؛ وفرفور, محمّد صالح, أعلام دمشق في القرن الرابع عشر الهجري, 129.
(2) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, " مع رواد اليقظة القوميّة ", في البحث التّاريخي, 3 ( ذوالحجّة 1404 / أيلول 1984), 38.(1/350)
وكان الشّهيد عبد الغني العريسي عضواً في اللّجنة التّحضيريّة للمؤتمر, وقد ألقى فيه خطاباً هامّاً, وكان هو من قرأ قرارات المؤتمر في الجلسة الختاميّة(1). وعندما تمّ عقد المؤتمر في 18 حزيران سنة 1913م في باريس, حضره خمسة وعشرون عضواًً معتمداً ومئتا مستمع, وكان ممثلو البلاد العربيّة الأخرى فيه من غير الشّاميين قليلون. وافتتح الشّهيد الزّهراوي المؤتمر بخطبة بليغة, تحدّث فيها عمّا وصلت إليه حالة المملكة العثمانيّة من تدهور في سياستها ومكانتها, وأنّ ما حدث في ولايات الدّولة العثمانيّة وفي أوروبّا, من الحوادث الخطيرة الشّأن دعا العرب إلى التّفكير في الحالة الجديدة الّتي دخلت فيها, واتّخاذ الوسائل لاتّقاء نتائجها وأن تسمع أوروبّا مطالب العرب وتفهم رأيهم(2).
وخرج المؤتمرون بمقررات هامّة, تؤكّد مبادئ الجمعيّات السّابقة, وتطالب بالإصلاح, وإعطاء العنصر العربيّ حقّه في الحكم في ظلّ الدّولة التّركيّة. واتّسمت المناقشات بالصّراحة, وبأسلوبها المتّزن الهادئ, وتدلّ القرارات على الرّغبة في الاعتدال .......مع تأكيد مطالب العرب بالحقوق السّياسيّة الكاملة, ونصيبهم في الاشتراك اشتراكاً فعّالاً في إدارة شؤون الدّولة. وأُشير خلال المناقشات إشارة مقنّعة بالحذر لمساسها بالمطامع الفرنسيّة, إلى احتمال التّدخل الأجنبي, وإلى أنه خطر يجب درؤه بعزم وتصميم, ولم يدر أيّ حديث عن الانفصال أو الانشقاق"(3).
__________
(1) ـ علّوش, ناجي, مختارات المفيد, 14.
(2) ـ الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 18.
(3) ـ انطونيوس, جورج, يقظة العرب, 192.(1/351)
واضطرّ الإتحاديّون في بادئ الأمر إلى أن يرسلوا "رسولاً لمقابلة المؤتمرين العرب ودعوة قادتهم إلى الأستانة, فرحل عبد الحميد الزّهراوي إلى هناك لمفاوضة الحكومة التّركيّة, واستنجازها وعودها بتنفيذ المطالب الإصلاحيّة, واستمرت المفاوضات.......حتّى أواخر سنة 1913م. وكان بين الأمور الّتي تمّت تعيين عبد الحميد الزّهراوي وعدد من رجالات العرب في مجلس الأعيان العثمّاني, ليشرفوا على تطبيق الإصلاحات الّتي وعدت الحكومة التّركيّة بتنفيذها "(1). وفيما بعد ظهرت النّوايا الحقيقيّة للحكومة التّركيّة, وأخلفت بوعودها, بل قامت فيما بعد بإصدار أحكام بالإعدام بحقّ معظم الّذين شاركوا في المؤتمر, ومنهم السّيّد محب الدّين, حيث " أصدر المجلس العرفي في عهد جمال باشا السّفاح حكم الإعدام عليه, وشاء ت الأقدار أن يكون في مصر فينجو من حبل المشنقة"(2). وسُمّي هذا المؤتمر فيما بعد بمؤتمر الشّهداء, وذلك لأنّ معظم المشاركين فيه أُعدموا أو لُوحقوا من قبل السّلطات التّركيّة.
__________
(1) ـ قلعجي, قدري, السّابقون, 35 ـ 36.
(2) ـ الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, 169.(1/352)
إنّ قيام هذا المؤتمر أثبت أنّ الجهود العربيّة قادرة إذا ما تضافرت أن تحقق نتائج هامّة, وتستطيع أن تُرغم الأعداء على الخضوع لطلباتهم. ولكنّ هذا المؤتمر لم يحظَ بالإجماع العربيّ ولقي انتقادات كثيرة, كحال أيّ عمل لا يمكن أن يحوز الإجماع العام, ولأنّ النّتائج الّتي أسفرت عنه كانت خطيرة, حيث أنّ معظم المشاركين فيه قد صدرت بحقّهم أحكام الإعدام كما ذكرنا, وأدّى بطبيعة الحال إلى قيام الثّورة العربيّة الكبرى وانفصال العرب عن التّرك. نأخذ على ذلك مثلاً السّيّد شكيب أرسلان, وهو من الّذين عاشوا في تلك الفترة, وكان يمثّل التّيار المتمسّك ببقاء الخلافة العثمانيّة, ويعارض الانفصال, فقد اعتبر أنّ الّذين شاركوا في هذا المؤتمر لا يمثّلون الأمّة العربيّة, بل كان لكلّ واحد منهم هدف وغاية تختلف عن هدف وغاية غيره من المشاركين, فقال: "إنّهم تداعوا إلى هذا المؤتمر في باريز من جهات مختلفة, فمنهم طلبة علم في باريز صادقون في سعيهم, خالون من المآرب السّياسيّة, يريدون الإلحاح على الدّولة في تطبيق الإصلاح حبّاً بالوطن. ومنهم ناقمون على الدّولة إقفال نادي الإصلاح في بيروت. ومنهم دعاة افتراق وانفصال لا غير. ومنهم من همّه دريهمات يأخذها في هذا السّبيل مهما كانت النّتيجة. ولكنّهم جميعاً غير مفوّضين عن الأمّة العربيّة, ولا حقّ لهم في الكلام باسم الأمّة "(1).
__________
(1) ـ أرسلان, شكيب, تاريخ الدّولة العثمانيّة, تحقيق حسن السّماحي سويدان, دمشق, وبيروت, دار ابن كثير, ودار التّربية, 1422/2001, 597 ـ 598.(1/353)
ووُجد بالمقابل فريق آخر شجّع قيام هذا المؤتمر, واعتبره هامّاً جدّاً. ومنهم السّيّد محب الدّين الّذي اعتبر أنّ المؤتمر قد نجح, بالرّغم من كلّ الانتقادات الّتي تعرّض لها, فقال: " إنّ فكرة المؤتمر نجحت نجاحاً بيّناً, وأنّ المؤتمر لم يخرج عن الخطّة الّتي رُسمت له, من طلب الحياة للولايات العربيّة حتّى تحيا الدّولة بذلك وتقوى. ومع أنّه أوّل مؤتمر قام به العرب العثمانيون انتجاعاً للحياة, وتذرّعاً للبقاء, فقد كانت عليه مسحة من الجمال والكمال أُعجب بها الغريب والقريب, جعله اللّه فاتحة خير لحسن العواقب"(1).
ومهما يكن, فقد كان هذا المؤتمر مؤتمراً هامّاً, له تأثيره في الحركة القوميّة العربيّة, وفي تحديد مسارها المطالب بالانفصال عن الدّولة العثمانيّة. ويجب أن لا يغيب عن بالنا أنّ هؤلاء الّذين قاموا بعقد المؤتمر كان لهم عذرهم في عملهم هذا, حيث كانت الظّروف العامّة في العالم كلّه تدفعهم إلى التحرّك, وفعل أيّ شيء يظنّون فيه خيرهم, وخير أمّتهم.
4ـ اللّجنة الوطنيّة العليا:
__________
(1) ـ الخطيب, محمّد كامل, المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس, 13.(1/354)
تشكلّت هذه اللّجنة في دمشق, بأمر من الأمير فيصل بن الحسين, في أيلول سنة 1919م, وانتهت في تموز من سنة 1920م. وكان ذلك قبل سفر الأمير إلى أوروبّا, حيث كان ما يزال مؤمناً بالاستقلال, وكان رافضاً للانتداب الفرنسي على سوريا, ولكنّه بعد أن سافر إلى أوروبّا واتّفق مع الأوروبيّين على قبول الانتداب "عاد فيصل إلى سوريا بعكس ما ذهب عليه منها, فإنّه لمّا كان يقول للّذين خرجوا لوداعه من العسكريين أنّه يطلب منهم أن يقوّموا الجيش وينمّوه بقدر الاستطاعة, بل جعل لهم أموراً تفصيليّة مما ينبغي لهم عمله في غيابه وقال للشّيخ محمّد كامل القصّاب: إني أنتظر منك ومن إخوانك الوطنيين أن تقوموا بحركة شعبيّة واسعة لتحويل الأمّة إلى أمّة مسلّحة, وإلى تحويل الوطن كلّه إلى ثكنة عسكريّة"(1). قلّت حماسته بعد عودته من أوروبّا, وشعر أنّه لا يملك من أمره شيئاً جرّاء اتّفاقه مع الأوروبيّين. ولكنّ الشّيخ محمّد كامل القصّاب والسّيّد محب الدّين قاما بتشكيل اللّجنة الوطنيّة العليا, واللّجان الفرعيّة الأخرى, في دمشق وفي سائر البلاد, والّتي حوّلت البلاد السّوريّة كلّها إلى ثكنة عسكريّة, لمقاومة الاستعمار الفرنسي, وهذا ما جعل الأمير فيصل يغضب عليهما بعد أن كانت علاقته معهما جيدة, وذنبهما أنّهما حاولا الدّفاع عن بلادهما ضدّ الاستعمار الفرنسيّ.
ووُضع لهذه اللّجان قانون خاصّ ينظّم عملها, ويبيّن واجباتها, ومن هم المنتمون إليها, وغير ذلك من الأمور التّنظيميّة الخاصّة بها. وقد فرضت على الأفراد دفع 2% من ثروتهم لمؤازرة الثّوّار الّذين سيدافعون عن البلد. وقامت بتكوين جيش صغير لا يتجاوز عدده ألف متطوّع, بالإضافة إلى الجيش النّظاميّ ليشارك في الدّفاع عن البلاد.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 73.(1/355)
إن هذه اللّجان كانت على غاية من التّنظيم والبساطة ووضوح الأهداف, وقد جاء في المادة الثّانية من نظام هذه اللّجنة بيان الغاية الّتي تشكّلت من أجلها كما يلي:
1ـ اتّخاذ كلّ الوسائل لحفظ وحدة البلاد السّوريّة, والذّود عن استقلالها التّام, ومقاومة كلّ مبدأ يرمي إلى تأسيس قوميّة غربيّة تهدد كيان البلاد السّياسيّ والوحدة السّوريّة.
2ـ تنمية كلّ قوى البلاد الماديّة والمعنويّة, وتنظيم تلك القوى, وحسن الاستفادة منها في سبيل الغاية المشار إليها.
3ـ إنعاش روح القوميّة العربيّة.
4ـ توثيق روابط التّضامن والتّعاون فيما بين الأفراد والجماعات والطّوائف.
5 ـ تعضيد المساعي العلميّة والفكريّة والاقتصاديّة.
6ـ وبالجملة, التّوصّل بكلّ ما من شأنه إيصال هذه الأمّة إلى مصافّ الأمم المتمدّنة(1).
وكان الشّيخ محمّد كامل القصّاب رئيساً لهذه اللّجنة والسّيّد محب الدّين الكاتب العامّ لها, وكان لها أعضاء لهيئتها الإداريّة تمّ اختيارهم من الأحياء الدّمشقيّة(2).
أمّا عن فعاليات هذه اللّجنة فكان أهمّها:
__________
(1) ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق, 287.
(2) ـ وهم, سامي مردم, ونسيب حمزة, وعبد القادر الخطيب, وعوني القضماني, والشّيخ عيد الحلبي, وأسعد المالكي, وشكري الطّباع, وعبد القادر سكر, وجميل مردم, وأسعد المهايني, ومحمّد النّحاس.(1/356)
1 ـ قامت هذه اللّجنة بدعوة رجال الأحزاب والجمعيّات ورجال الأحياء الوطنيين ونظمّت مظاهرة شعبيّة سارت حتّى قصر الأمير فيصل, وكانت مطالبهم تتلخّص بالحريّة والمحافظة على استقلال البلاد. وقد أطلّ الأمير فيصل على المتظاهرين واستمع لمطالبهم. وظلّت المظاهرات تجوب أرجاء البلاد وتطالب بالمحافظة على الاستقلال عدّة أيام, وفيما بعد أرسلت بريطانيا تهديداً للأمير فيصل فلم يستجب وأجاب إنّ المظاهرات الّتي يقوم بها الشّعب ما هي إلّا تعبير عن خوف العرب من أن تهضم حقوقهم وأنّ الأمّة غير مطمئنّة على مصيرها. وأُعلن التّطوع في البلاد, ولبس الجميع اللّباس العسكري (1).
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام, اللّجنة الوطنيّة العليا في دمشق ", في دراسات تاريخيّة, 45, 46 (آذار وحزيران, 1993), 222.(1/357)
2 ـ كانت اللّجنة الوطنيّة تشجّع الثّوّار, وتدرّب المتطوّعين, وقد نادت من خلال المظاهرات الشّعبيّة بضرورة تكوين جيش يدافع عن البلاد. وأعلن الشّيخ محمّد كامل القصّاب رئيس اللّجنة أنّ الأمّة قررت الدّفاع, وأن رجال الأحياء قد بدأوا بالتّطوّع, وأنّ رجال حي الميدان بدمشق قد تطوّعوا فعلاً وسيضربون خيامهم غداً في المزّة وكذلك أهل الشّاغور, وأنّ الأخبار الواردة من بعلبك والبقاع تقول أنّ أهلها على استعداد للانضمام إلى الحركة الوطنيّة(1). وكان الشّيخ كامل القصّاب يخطب في دمشق في الطّرق والسّاحات ومجتمعات النّاس, يثيرهم ويحمّسهم ..... ولذلك فقد أصدر الفرنسيون قائمة بأسماء جماعة حكموا عليهم بالقتل, وكان أوّل اسم في هذه القائمة اسم الشّيخ كامل القصّاب(2).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 225.
(2) ـ اجتمع المجلس العسكري التّابع للفرقة الثّالثة من الجيش الفرنسي في دمشق, في 9 آب/ أغسطس وأصدر الحكم الآتي: " بعد جلسات ومقررات المفوض العسكري قرر بأن: كامل القصّاب وعلي خلقي وأحمد مريود ومحمود الفاعور وفؤاد سليم ....هم مجرمون بالاتفاق والتّحريض والدّسائس, ...فلذلك قرر المجلس العسكري إدانتهم والحكم عليهم جميعاً بعقوبة الإعدام, وبمصادرة جميع أملاكهم"؛ انظر, سعيد, أمين, الثّورة العربيّة الكبرى, 2, 209؛ والطّنطاوي, علي, رجال من التّاريخ, جدّة, دار المنارة, ط8, 1411/1990, 410. وقد ذكر لي السّيّد عبد الغني الطّنطاوي وهو ابن أخت السّيّد محب الدّين وزوج ابنته: أنّ السّيّد محب الدّين حُكم عليه أيضاًًً بالإعدام, وقد اضطر للهرب إلى مصر بسبب ذلك, وقد مرّ معنا هذا في معرض حديثنا عن حياة السّيّد محب الدّين.(1/358)
3 ـ عارضت اللّجنة الوطنيّة العليا اتفاق الأمير فيصل مع الفرنسيين وقبوله الانتداب الفرنسي على سوريا, وانضمّ إليها أكثريّة أعضاء جمعيّة العربيّة الفتاة ورجال الصّحافة ورجال الأحياء الشّعبيّة وغيرهم, مما جعل الأمير فيصل يحاول التّقرّب من أعضاء المعارضة دون جدوى.
وفيما بعد قرّرت المعارضة عقد مؤتمر تنفّذ فيه ما تراه مناسباً للمحافظة على استقلال البلاد, وقاموا بتنصيب الأمير فيصل ملكاً على سوريا, ورفعوا العلم السّوريّ الجديد. ولم يعجب ذلك الفرنسيين, وسارعوا بعقد مؤتمر سان ريمو الّذي أقرّ الانتداب على سوريا, ولم تفلح محاولات اللّجنة الوطنيّة العليا ومن وقف بجانبها من الأحرار من فعل أيّ شيء بالرّغم من إعلانهم الجهاد حيث تجمّع رجال الأحياء وشبابها "بعصيّهم وبما تبقّى من الأسلحة وأخذ كلّ عضو من أعضاء اللّجنة الوطنيّة العليا يجمع أقاربه وأصدقائه.....والكلّ يتّجه نحو ميسلون بما في يده من أسلحة صالحة وغير صالحة دون زاد أو غذاء, وتصميم الفداء باد على الوجوه(1). ولكنّ هذا لم يفد شيئاً, ودخل الفرنسيون البلاد, وانتهت اللّجنة الوطنيّة العليا.
__________
(1) ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام, اللّجنة الوطنيّة العليا في دمشق ", في دراسات تاريخيّة, 45, 46 (آذار و حزيران, 1993), 234.(1/359)
كانت اللّجنة النّاطق الرّسميّ والمعبّر عن آمال الشّعب بالحريّة والاستقلال, وكان أعضاؤها والقائمون عليها من أكثر الوطنيين الأحرار الّذين عملوا للاستقلال والحريّة من أيام العثمانيين. وكان السّيّد محب الدّين من هؤلاء, وقد أرجع فشل هذه اللّجنة في أعمالها إلى تراجع الأمير فيصل عن موقفه الأوّل الرّافض للانتداب واستسلامه لطلبات الفرنسيين, وقبوله تسريح الجيش, ولولا ذلك لبقيت اليد واحدة والقوى متعاونة, والقافلة سائرة في الطّريق(1).
وعلى الرّغم من هذا الفشل, فإنّ قيام مثل هذه اللّجنة يدلّ على إمكانيّة تجمّع القوى الوطنيّة عند اللّزوم, وأنّ العرب لا يرضون بالاحتلال, ولا يمكن خداعهم بتسمية هذا الاحتلال بأسماء أخرى, لذلك فقد قدّم الشّعب في سوريا تضحيات كثيرة من دمائه, وأمواله, حتّى استطاع نيل استقلاله فيما بعد.
الفصل الثّاني
جهوده الإصلاحيّة في المجال
الاجتماعيّ والثّقافيّ
أ ـ في المجال الاجتماعيّ:
من أهمّ أعمال السّيّد محب الدّين في المجال الاجتماعيّ قيامه بتأسيس جمعيّة الشّبان المسلمين, ومساندته للتّنظيمات والأحزاب الإسلاميّة الّتي تشكّلت في البلاد الإسلاميّة.
1ـ جمعيّة الشّبان المسلمين:
تعتبر جمعيّة الشّبّان المسلمين من أوائل التّنظيمات الإسلاميّة, الّتي هدفت إلى تنظيم الشّباب المسلم وتجميعه بهدف المحافظة عليه والاستفادة من طاقته وتنميتها, وذلك من أجل القيام بالنّهضة المطلوبة, دون التّأثّر بدعايات التّغريب الّتي لا تدعو إلى تجديد حقيقيّ.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "سوريا بين عهدين ", في الفتح, 846 (شعبان, 1366), 780.(1/360)
بيّن السّيّد محب الدّين في مقال نشره في الزّهراء غاية وأهداف ومهمّات هذه الجمعيّة, فقال: " الشّباب الّذي ينشد القوّة في جميع أغراضه لا يسرّه الضّعف ولا يرضيه أن يستولي على كيانه المرض, فعوّل, كما قال الأستاذ العلامّة السّيّد محمّد الخضر, على أن يعمل لحثّ البطيء تارة, وردّ الجامح عن السّبيل تارة أخرى, فيضع مكان التّباعد بين الثّقافتين ائتلافاً, وذلك هو سبيل الإصلاح الحقيقيّ, الّذي ما زالت هذه المجلّة تقيم البراهين, منذ صدورها, على أنّه لا سبيل غيره إلى نجاة الشّرق. وإنّي أكتب هذه السّطور, وشباب مصر المتعلّم يوقّع المئات من طلبات الإلتحاق بجمعيّة الشّبان المسلمين الّتي تأسست على هذا المبدأ ......., إنّ المجلس الّذي سيدير هذه الجمعيّة لم يُنتخب بعد, ولكن من المفهوم أنّ مهمّة ذلك المجلس تنظيم جهود الشّباب, وتأليف اللّجان المتعددة في المركز العام, لدرس شؤون كثيرة ذات صلة بحياة الشّرق من الوجهة الأدبيّة والاجتماعيّة ........ وهناك ميدان آخر للعمل, إنّ المستشرقين عين أوروبّا الّتي تبصر بها الشّرق من وجهاته الأدبيّة والاجتماعيّة والعلميّة......., فكما أنّ المستشرقين يدرسون الشّرق ليقفوا على جميع أحواله, ويكونوا عين أوروبّا في الشّرق, فمن الواجب أن يكون للشّرقيين لجنة تختّص بتتبّع أعمال المستشرقين, ومعرفة أقدارهم, ودرس جميع ما يكتبونه عن الشّرق والإسلام, فيذيعون ما في ذلك من خير, وينبّهون على ما قد يكون من بعضهم على خلاف ذلك....., وهناك ميدان ثالث للعمل, إنّ الشّرقيين على اختلاف أوطانهم, يشعر كلٌّ منهم بحبّ الخير لسائر الأقطار الشّرقيّة, فيعطف عليها في آمالها ويشترك معها في آلامها, لكن يجب علينا الاعتراف بأنّ كلّ الأقطار الشّرقيّة ليس لأيّ قطر منها عيون ينظر بها إلى دخائل الأقطار الأخرى فيعرفها كما هي .. ....فجمعيّة الشّبّان المسلمين تستطيع أن يكون لها في شبابها المتعلّم لجنة تأخذ(1/361)
على عاتقها الاتصال بالميول الأدبيّة والاجتماعيّة والفكريّة في أقطار الشّرق ومعرفة اتّجاهاتها.......هذه أمثلة قليلة للأعمال الكثيرة الّتي تستطيع جمعيّة كجمعيّة الشّبان المسلمين أن توجّه إليها مواهب شبابنا, فيكون للوطن منهم رجال ثقات في الشّؤون الّتي يتخصّصون فيها. فإذا تأسّست لهذه الجمعيّة فروع وشعب في الأقطار الإسلاميّة الأخرى, وصار بعضها على اتّصال ببعض, وتفنّن الشّبان في تنويع الشّؤون الّتي يأخذون على عاتقهم درسها, يصّح لنا حينئذ أن نقول: إنّنا كوّنّا للشّرق الإسلاميّ حملة التّجديد والإصلاح اللّائقة به"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "الشّباب الإسلاميّ", في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية, 1346), 194.(1/362)
أمّا عن بداية تأسيسها, فيذكر لنا السّيّد محب الدّين أنّها تأسست ردّاً على موجة الإلحاد الّتي كانت تهدد البلاد الإسلاميّة في ذلك الوقت. وكتب عن ذلك فقال: " كان أحمد تيمور باشا هو الوجه المصري الأوّل, الّذي شعر بالخطر الأعظم على مصر, والبلاد العربيّة والعالم الإسلاميّ, وأشفق من أن يتمّ فيه, ولو بالتّدريج, ما تمّ في تركيّا....وحينئذ فكرّنا في تأسيس جمعيّة الشّبّان المسلمين, وكان تأسيسها في غرفة متواضعة من دار المطبعة السّلفيّة ومكتبتها بشارع الإستئناف......وقد استعنّا على النّجاح في تأسيسها باثني عشر شابّاً(1)...... فانتشروا في الكليّات والمدارس والوزارات والأندية, وفي كلّ مكان. وبعد أن صار للجمعيّة ثلاثمّائة عضو يليقون بها وتليق بهم........, وبعد كلّ هذا أُعلن للمرّة الأولى في الصّحف عن تأسيس الجمعيّة, عقب انتخاب مجلس إدارتها الأوّل, يوم غرّة جمادى الآخرة 1346هـ الموافق 25 نوفمبر 1927م"(2).
قام السّيّد محب الدّين ورفاقه بالعمل على تأسيس هذه الجمعيّة بطريقة سريّة, خوفاً عليها من أعدائها من أن يعملوا على إفشالها ومحاربتها وهي ما تزال في المهد, لذلك فقد انتظروا حتّى أصبح عدد الأعضاء يزيد عن ثلاثمائة عند ذلك قاموا بإعلانها. وكانوا قبل إعلان الجمعيّة لا يجدون مكاناً يترددون عليه " إلّا المطبعة السّلفيّة في شارع الإستئناف بباب الخلق"(3).
__________
(1) ـ ومن هؤلاء الشّباب نذكر, محمود محمّد شاكر, عبد المنعم خلاّف, عبد السّلام هارون, محمود الخضيري, كمال اللّبان, عبد الفتاح كرشاه, وغيرهم.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "ذكريات شاهد عيان ", في الفتح, 861 ( ذو القعدة, 1367), 265.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 78.(1/363)
وكان معظم المنتسبين إليها من طلبة الجامعة المصريّة في كليّاتها المختلفة. وفي وقت قصير جدّاً زاد عدد أعضائها بشكل كبير, وكان ميثاق الجمعيّة يبدأ بهذه الكلمات " علّي عهد اللّه وميثاقه, لأقومنّ بقدر طاقتي أوّلاً, بإحياء هداية الإسلام في عقائده وآدابه وأوامره ونواهيه ولغته. ومقاومة تيار الإلحاد والإباحيّة, المهددين لهذه الهداية....."(1).
وكما رأينا فإنّ هذه الجمعيّة قامت بفكرة من السّيّد محب الدّين, حيث كان يتعاون مع أصحاب دور النّشر في القاهرة, من أجل إنشاء رابطة بشكل نقابة, وقد عقدوا اجتماعهم في دار جمعيّة الشّبّان المسيحيين, الّتي كانت قائمة في ذلك الوقت, وهي شكل من أشكال التّجمّع للشّباب المسيحيّ, وقد أٌعجب السّيّد محب الدّين بهذا التّجمّع, وأراد أن يكون للشّبّان المسلمين تجمّع مثله, فسعى لعرض هذه الفكرة على السّيّد محمّد الخضر حسين, والسّيّد أحمد تيمور, وعمل الجميع على تحقيقها(2).
__________
(1) ـ حسين, محمّد محمّد, الإتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, بيروت, دار النّهضة العربيّة, ط3, 1392/ 1972, 2, 323.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 76 ـ 77.(1/364)
"وانعقدت الجمعيّة العموميّة, يوم الجمعة منتصف شهر جمادى الثّانية [من عام 1346هـ], في دار سينما الكوزموغراف, وهو من أوسع وأفخم دور السّينما بالقاهرة وجرى انتخاب مجلس الإدارة, فكانت نتيجة الإنتخاب كما يأتي, الأستاذ عبد الحميد بك سعيد عضو مجلس النّوّاب رئيساً(1), والأستاذ الشّيخ عبد العزيز جاويش (2), مديرالتّعليم الأوّل بوزارة المعارف وكيل رئيس, وصاحب السّعادة أحمد تيمور باشا عضو مجلس الشّيوخ المصري أميناً للصندوق, ومحب الدّين منشئ هذه المجلّة كاتماً للسرّ العامّ "(3). وهكذا كان السّيّد محب الدّين في مركزه الّذي يحتلّه في الجمعيّات الّتي
__________
(1) ـ وقد ذكر السّيّد محب الدّين أنّ السّيّد عبد الحميد سعيد درس في المدرسة التّوفيقيّة في القاهرة, وانتقل إلى باريس ليتعلّم الحقوق في جامعتها, والتحق بوزارة الحربيّة, وكان من أعضاء مجلس النّوّاب في مصر؛ انظر, الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 80؛ والخطيب, محب الدّين, " عبد الحميد سعيد " في الفتح, 551 (ربيع الأوّل, 1365), 20.
(2) ـ عبد العزيز جاويش, ولد في الإسكندريّة 1876م, طلب العلم في الأزهر, ثمّ انتقل إلى دار العلوم, عمل مدرّساً في جامعة اكسفورد للّغة العربيّة, رئس تحرير جريدة اللّواء, والهداية, والهلال العثمّاني, والعالم الإسلاميّ, وكان له نشاطات كثيرة لخدمة الإسلام, توفّي في القاهرة سنة 1929م؛ انظر, بصيري, مير, أعلام الوطنيّة و القوميّة العربيّة, 68 ـ 70؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 305؛ ورمضان, محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات 1315- 1424 / 1897- 2003, 1, 354.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, باب أنباء اجتماعيّة, في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية, 1346), 253. وكان مجلس الإدارة يتألّف من الأعضاء: محمّد الخضر حسين, وأحمد إبراهيم, وأحمد الغمراوي, ويحيى الدّرديري, وعلي مظهر, ومحمود علي فضلي, ومحمّد الهيهاوي, وعلي شوقي.(1/365)
ينتسب إليها وهو منصب كاتم السّرّ لذلك لا نستغرب احتفاظ السّيّد محب الدّين بالوثائق المتعلّقة بكثير من الجمعيّات الّتي انتشرت في عصره واشترك فيها.
وقام أعضاء الجمعيّة باستئجار "دار كبيرة في شارع قصر العيني, تجاور مجلس النّوّاب, وساهم أحمد تيمور بدفع أجرة هذه الدّار"(1).
أمّا قانونها الأساسيّ فكان يتألّف من خمسة وعشرين مادّة. وقد جاء في المادّة الثّانية من قانونها أنّها لا تتعرّض لشؤون السّياسة بأيّ حال. وجاء في المادة الثّالثة أنّ أعمال الجمعيّة تنحصر بـ:
1 ـ بث الآداب الإسلاميّة والأخلاق الفاضلة.
2 ـ السّعي لإنارة الأفكار بالمعارف العامّة على طريقة تناسب العصر.
3 ـ العمل لإزالة الاختلاف أو الجفاء بين الطّوائف والفرق الإسلاميّة.
4 ـ الأخذ من حضارتي الشّرق والغرب بمحاسنهما جميعاً, وترك ما فيهما من مساوئ.
أما المادّة الرّابعة, فتنصّ على أنّ الجمعيّة تصل إلى تحقيق غاياتها بالطّرق الأدبيّة, فتنشء نادياً لإلقاء محاضرات, أدبيّة علميّة إجتماعيّة, وتنشر ما تدعو المصلحة على نشره بأيّ لغة تمسّ الحاجة إلى استعمالها(2).
وقام أعضاء الجمعيّة باختيار نشيد يكون شعاراً للجمعيّة, وضعه الأديب الكبير مصطفى صادق الرّافعي, قال فيه:
يا شباب العالم المحمّدي ينقص الكون شبابٌ مهتدي
فأروه دينكم ليقتدي دين عقلٍ و ضميرٍ و يدِ
يا شباب العزمات المبرمة عرّفوا الكون العلا والمكرمة
عرّفوا الكون الهدى والمرحمة عرّفوا الكون النّفوس المسلمة
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 81.
(2) ـ قام السّيّد محب الدّين بنشر ما يتعلّق بالجمعيّة في مجلّة الزّهراء والفتح, وذلك في أعداد كثيرة. وانظر, ناصر, محمّد, " مختارات من صحف أبي اليقظان جريدة وادي ميزاب, جمعيّة الشّبان المسلمين بمصر ", الجزائر, مكتبة الرّيام, 1424/2004, 96. وقد نشرت هذه المقالة في جريدة وادي ميزاب, 69, ( 18, 8, 1346/ 10 , 2 , 1928).(1/366)
وهو نشيد جميل يبيّن مفاخر المسلمين بدينهم وحضارتهم, ويدعوهم إلى العمل لنشر هذا الدّين في كلّ بقاع الأرض, وقد نشره السّيّد محب الدّين في مجلّته الزّهراء(1).
وجعل السّيّد محب الدّين من الزّهراء والفتح النّاطق الإعلامي لجمعيّة الشّبان المسلمين, حيث كان يذكر أخبار الجمعيّة, وما يحصل في اجتماعاتها, ويتحدّث عن نشاطاتها, وما يحصل في فروعها المنتشرة في البلاد الإسلاميّة الأخرى. وقام بنشر المحاضرات الّتي كانت تُلقى في هذه الجمعيّة من قبل المفكّرين والعلماء في مطبعته السّلفيّة, من ذلك مثلاً كتاب المنتقى من محاضرات جمعيّة الشّبّان المسلمين, الّذي نُشر في الفتح 1348هـ, وطُبع في المطبعة السّلفيّة. وكتب السّيّد محب الدّين في مقدّمة الكتاب قائلاً: " في العالم الإسلاميّ اليوم ثقافتان: إحداهما ترجع إلى أصل نفديه بالأرواح, والثّانية تمتّ إلى حاجة هذا الشّرق في النّهوض. ولو أنّ الأولى خلصت من شوائب زيدت عليها, فانبعثت فيها حياة نشطة, ولو أنّ الثّانية خلصت من دسائس دُسّت فيها, فأخذنا منها ما ينطبق على حاجتنا, لتعاونت الثّقافتان وكانت لنا منهما القوّة المنشودة. ولمّا رأى الشّبّان المسلمون في مصر أنّ هناك يداً بل اثنتين تزيدان الهوّة بين الثّقافتين اتساعاً, وتزداد الأمّة بذلك ضعفاً وارتكاساً هبّوا إلى تأليف جمعيّة الشّبّان المسلمين, الّتي من غرضها إحياء الفضائل الإسلاميّة, والأخذ بأسباب القوّة والفلاح حيثما كانت"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " نشيد جمعية الشّبّان المسلمين ", في الزّهراء, 4 (ذو الحجّة, 1346), 612 ـ 614.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, المنتقى من محاضرات جمعيّة الشّبّان المسلمين, 2.(1/367)
وكان للجمعيّة فروع منتشرة في كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة, "ومنذ العام 1928م شهدت فلسطين إنشاء فروع لجمعيّة الشّبّان المسلمين. وبالرّغم من أنّ القانون الأساسيّ للجمعيّة.....يستبعد اشتغالها بالشّؤون السّياسيّة، إلّا أنّها لعبت دوراً مهمّاً في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة"(1).
__________
(1) ـ أبو طه, أنور عبد الهادي, حركة الجهاد الإسلاميّ في فلسطين الأصول, الأيدلوجيا, التّحوّلات, رسالة لنيل دبلوم دراسات عليا, 1999, 13. وقد ذكر الكاتب أنّ الجمعيّة كان لها نشاط هامّ في فلسطين, وفي مؤتمر الجمعيّة السّنوي الثّاني في يافا المنعقد في أيّار (مايو) 1929م اتّخذ المؤتمرون قرارات ذات أبعاد سياسيّة كتشجيع الصّناعة الوطنيّة. وتعزز دور الجمعيّة الوطني مع هبّة البراق سنة 1929م، حيث ساهمت في تعبئة المشاعر الإسلاميّة ضد المؤامرة اليهوديّة واتسع دورها الوطني بالتّدريج وأخذت تتحدث في صيف 1931م عن التّأكيد على انّ القوّة المسلّحة هي الّتي تحقق أهداف العرب في فلسطين، ودعت الى سياسة عدم دفع الضّرائب للحكومة.(1/368)
وكان لها فروع في اثنتي عشرة مدينة ومنطقة, وقد ارتفع العدد فيما بعد إلى عشرين, وذلك في فلسطين وحدها, حيث كان لها فروع في يافا, وحيفا, وصفد, والقدس, وغيرها من مدن فلسطين(1), وامتدّت فروع الجمعيّة إلى سوريا, والعراق, بالإضافة إلى فروعها في مصر, وفي تونس, وكان لها في مدن هذه البلدان فروع متعددة أيضاً, فكان لها فروع في سلوان, وسوهاج, والإسكندريّة, وأسيوط, وفي معظم المدن المصريّة, وكان لها فروع في الرّملة, ودمشق, وغيرها من البلاد والمدن العربيّة. "وقد نمت الجمعيّة نموّاً سريعاً, وأنشأت فروعاً في مختلف أنحاء العالم الإسلاميّ, وزاد أعضاؤها على المليون, وأصبحت قبلة عشرات العلماء والكتّاب والزّعماء من مختلف أنحاء الأقطار الإسلاميّة, يردون مصر ويحيطون بها ويتحدّثون إلى شبابها"(2). وكان لها فروع في الهند, والبوسنة, والباكستان وداغستان, وأوروبّا, وأمريكا, حتّى غدت من أكبر الجمعيّات الإسلاميّة في العالم.
أمّا عن نشاطات هذه الجمعيّة, فقد كانت متعددة وكثيرة. وقد أوضحنا أنّ هذه الجمعيّة كان لها أهداف واضحة سعت لتحقيقها في وقت انتشرت فيه الآراء والأفكار والدّعوات الّتي كانت تريد إبعاد الشّباب المسلم عن دينهم وحضارتهم. ومن هذه النشاطات نذكر:
__________
(1) ـ نويهض الحوت, بيان, القيادات والمؤسسات السّياسيّة في فلسطين 1917 ـ 1948م, بيروت, مؤسسة الدّراسات الفلسطنيّة, ط3, 1986, 188.
(2) ـ الجندي, أنور, يقظة الفكر العربيّ, حركة اليقظة في مواجهة التّغريب (مرحلة ما بين الحربين), القاهرة, مطبعة زهران, 1970, 67.(1/369)
1ـ شُغلت الجمعيّة بأحداث فلسطين الّتي تتصل بحائط المبكى في سنتي 1929 ـ 1930م, ففي فرع الجمعيّة في حيفا أقامت الجمعيّة مهرجاناًًً كبيراً حضره "خمسة آلاف توافدوا للاستماع إلى أكبر عدد من خطباء الحزب والكتّاب العرب الّذين أرسلوا الكلمات والقصائد من ديارهم.....وكان من الّذين أرسلوا كلماتهم .....محب الدّين الخطيب"(1).
2 ـ وقامت الجمعيّة أيضاً بنشاطات عديدة في البلاد العربيّة الأخرى مثل المغرب وليبيا فقامت بمقاومة "فرنسا فيما يتّصل بالبربر بمرّاكش سنة 1930م, وبمهاجمة جرائم الاحتلال الإيطالي بطرابلس في العام نفسه"(2).
3 ـ وطالب أعضاء الجمعيّة بقيام الوحدة العربيّة, "وكانت أوّل مطالبة صريحة لهم بالوحدة العربيّة عام 1933م في ذكرى معركة حطّين, وقام الشّبان بحملة من أجل توجيه الثّقافة المصريّة توجيهاً شرقيّاً إسلاميّاً وعربيّاً سنة 1936م"(3).
__________
(1) ـ نويهض الحوت, بيان, القيادات والمؤسسات السّياسيّة في فلسطين 1917ـ 1948م, 272.
(2) ـ حسين, محمّد محمّد, الإتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 129.
(3) ـ الجندي, أنور, يقظة الفكر العربيّ, 68.(1/370)
وكانت الجمعيّة تهتمّ بهذه القضايا, عن طريق إلقاء المحاضرات في مقّر الجمعيّة, ونشر هذه المحاضرات لتصل إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين في العالم الإسلاميّ, وكان لهذه المحاضرات أثرها في إلقاء الضّوء على قضايا تهمّ المسلمين وتمسّ حياتهم ودينهم وقوميّتهم, وتنبّه إلى أعمال الاستعمار في البلاد الإسلاميّة, وتساهم في تعبئة الرّأي العام ضدّ هذه الأعمال. فهذه الجمعيّة, كما نلاحظ, كان لها نشاط يتجاوز حدود مصر, البلد الّذي تأسست فيه, فكانت تهتمّ بمشاكل المسلمين أينما كانوا, وكانت تحارب أعداء الأمّة والمحتلّين في كلّ بلاد الإسلام, العربيّة وغيرها. لذلك فقد أعدّت برامج لا تقتصر على مصر وحدها, بل تتعدّى ذلك إلى كافّة البلاد الإسلاميّة والعربيّة, من هذه البرامج, مثلاً:
" 1ـ درس مشروع تأسيس (بنك) إسلاميّ, وجمعيّات تعاونيّة إسلاميّة.
2 ـ تأسيس صحيفة إسلاميّة يوميّة.
3 ـ تعميم اللّغة العربيّة في البلاد الشّرقيّة.
4 ـ تكوين عصبة أمم إسلاميّة لحلّ المنازعات الإسلاميّة.
5 ـ تشجيع المسلمين على إعادة الخلافة وإنشاء مدرسة تعلّم القرآن في كلّ جمعيّة واتحاد الكشّافة الإسلاميّة, ونشر أحاديث النّبي - صلى الله عليه وسلم - الصّحيحة"(1).
أمّا أعضاء هذه الجمعيّة فكانوا ذوي ثقافة عالية " جامعة لميراث الشّرق وتعاليم أوروبّا, شبّان في عنفوان شبابهم, ذوي إرادة يغذّونها بالنّشاط الّذي ينبع من الخُلق المتين, الّذي يتلخّص في حبّ الوطن. والغاية الّتي يسعون إليها هي وضع الدّعائم الّتي يقوم عليها وحدها كلّ إصلاح وتجديد ليصلوا إلى العقيدة الخالصة والأخلاق الصّحيحة, والتّعليم التّامّ بما يلائم حاجات بلادهم"(2).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 66.
(2) ـ الجندي, أنور, يقظة الفكر العربيّ, 69.(1/371)
وذكر السّيّد علي الطنطاوي أنّ هذه الجمعيّة كانت مشغولة بالرّياضة وإقامة الحفلات, ولم يكن لها عمل جديّ في مقاومة التّغريب والاستعمار, ولم تكن تملك فكرة جديدة في فهم الإسلام أرادت إيصالها إلى جموع النّاس وخصوصاً الشّباب منهم. وهناك من قال: "جمعيّة الشّبّان المسلمين بالقاهرة هي تقليد لجمعيات الشّباب المعروفة من قبل عند غيرنا في جانب, وابتعاد عنها في أهمّ جانب من جوانب رسالتها, تقلّدها في ممارسة الرّياضة, ولكنّها لا تقلّدها في جعل الرّياضة وسيلة من وسائل التّربية والإيمان, كما تفعل جمعيّات الشّباب الأخرى. أمّا ما يُلقى فيها من محاضرات, أو يُعقد فيها من ندوات, فينقص هذه وتلك عنصر الجديّة وحرارة الإيمان"(1). وقد عَرضتُ هذا القول على حفيد السّيّد محب الدّين, فاعتبر أنّ هذا القول لا أساس له من الصّحّة وأنّ نشاط هذه الجمعيّة وأعمالها يشهد بغير ذلك(2).
__________
(1) ـ ذكر السّيّد علي الطّنطاوي في مذكّراته أنّ" جمعيّة الشّبّان المسلمين لم تكن تجديداً في فهم الإسلام, ولم يكن لها عمل جديّ في الدّعوة إليه, ولا كانت تصحيحاً لمعتقدات العوام, ولا محاربة لبدعٍ كانوا يتوهّمون أنّها من الإسلام, وإنّما كانت تنظيماً ظاهريّاً فقط, ولعل اشتغال أعضائها بالرّياضة وإقامة الحفلات لها أكثر من اشتغالهم بالعلم والمعرفة"؛ انظر, الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 1, 261. وكرر هذا القول السّيّد عبد الغني الطّنطاوي في مقابلتي معه. وكما هو معلوم فإن السّيّدان علي وعبد الغني هم أولاد أخت السّيّد محب الدّين الخطيب؛ وانظر, البهي, محمّد, الفكر الإسلاميّ وصلته بالاستعمار الغربي, القاهرة, مكتبة وهبة, ط12, 1411 / 1991, 419.
(2) ـ من رسالة السّيّد لؤي الخطيب الّتي أرسلها لي ردّاً على أسئلتي له, والّتي تحمل تاريخ العاشر من رمضان 1423هـ, الموافق لـ 14 تشرين الثّاني 2002م. انظر الملحق في الصّفحة 357.(1/372)
وفي الحقيقة, ومن خلال بحثي واطّلاعي على مجموعة كبيرة من كتابات السّيّد محب الدّين تبيّن لي, أنّ محب الدّين كانت غايته الأساسيّة من تشكيل هذه الجمعيّة هو محاربة أو مواجهة التّيار التّغريبي والتّبشيري الّذي انتشر في مصر والبلاد الإسلاميّة. وكتب قائلاً: " كنت أنا وأحمد تيمور باشا, رحمه اللّه, والسّيّد محمّد الخضر حسين حريصين على أن تكون هذه المؤسسة الأولى للإسلام في مصر قائمة على تقوى من اللّه وإخلاص. وكنّا حريصين على أن يتولّى إدارتها رجال يعرفون كيف يصمدون لتيار الإلحاد الجارف, بعد أن استولى على أدوات الثّقافة والنّشر في العالم الإسلاميّ وفي مصر"(1). لذلك فلا يعقل أن يترك هذه الجمعيّة تنحرف عن طريقها الّذي تأسست لأجله دون أن يتصرّف تجاه ذلك.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, من كتاب الإتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 324.(1/373)
بالإضافة إلى هذا فإنّ هذه الجمعيّة كان لها نشاط كبير في البلاد الّتي كان لها فروع فيها, حيث كانت تنشر المحاضرات وتُلقى فيها الكلمات الّتي تبيّن أغراض المبشّرين والتّغريبيين, وتحاول أن تكشف خططهم وتفنّد آراءهم وأفكارهم, أو تنبّه إلى أخطاء كانت تقع في المجتمع الإسلاميّ. وفيما بعد قال السّيّد محب الدّين عنها: "بينما كانت الجمعيّات الإسلاميّة الأخرى تتحوّل بالتّدريج إلى أندية رياضيّة, كانت هذه النّواة تبشّر بأنّها الأمل الّذي كان يرجوه شيوخ الملّة...... يوم اجتمعوا في دار المطبعة السّلفيّة"(1). فمن الظّلم إذاً بعد كلّ ما عرضناه من نشاطات هذه الجمعيّة أن نصفها بأنّها كانت نادياً رياضيّاً أو أنّها كانت تنشغل بالحفلات عن عملها الأساسيّ. وإذا أراد بعض الباحثين تحميلها أكثر من طاقتها في ذلك الوقت, فمعظم هؤلاء انتقدوا هذه الجمعيّة بعد فترة طويلة من تأسيسها, ولم يراعوا الظّروف الّتي كانت تحيط بها, وكأنّهم نسوا أنّ فكرتها كانت مبتكرة ولم تكن ناضجة النّضوج المطلوب لذلك فقد نظروا إليها عن بُعد ولم يدرسوها ضمن الإطار التّاريخيّ والمرحليّ الّذي كانت تمرّ فيه الأمّة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " ذكريات شاهد عيان ", في الفتح, 861 (ذو القعدة, 1367), 265.(1/374)
ولئن وصفها بعضهم بما تقّدم, فإنّ آخرين قد اعتبروها جمعيّة مهمّة, قامت بنشاطات كبيرة وهامّة, وكان لها أثرها الواضح في تلك الأيام. "وقد أشار الدّكتور عبد الحميد سعيد [رئيس الجمعيّة] إلى أنّ جمعيّة الشّبّان المسلمين تكوّنت في ظلّ تحديّ خطير هو خطر التّبشير والجمعيّات الإلحاديّة والتّغريبيّة, وقال: رأينا الخطر المحدق بتلاميذنا وشبابنا وخفنا أن يستهدف شبابنا لما فيه من شرور ورأت جماعتنا أنّ الملحدين وأنصارهم كثروا, وأنّ النّزعات اللّادينيّة والعاملين على نشر بذورها وتعميم أذاها قد كثروا, وأنّ وسائل تقويض أركان الفضيلة وبثّ جراثيم الرّذيلة قد اتسع نطاقها, وأنّ الجمعيّة جاءت لتردّ الأمور إلى أصولها"(1).
وقد أصدرت هذه الجمعيّة مجلّة خاصّة بها, كانت تهتمّ بأمور المسلمين في كلّ البلاد الإسلاميّة, وتنبّه إلى ما يجري من وراء الظّهور من أعمال التّغريبيين والمبشّرين, وتحاول أن تستحثّ النّفوس والهمم على خدمة الدّين, والعودة إلى مصادره الأولى, والأخذ بها لإصلاح ما فسد من الأخلاق الّتي هي عماد الأمم وتقدّمها. وصدر العدد الأوّل منها في جمادى الأوّل سنة 1348 الموافق أكتوبر سنة 1929م. وكتب يحيى الدّرديري المقالة الافتتاحيّة لهذا العدد, وقد أشار فيه إلى ما ينشره دعاة الإلحاد من سموم باسم التّجديد والتّقدّم, ودعا إلى الرّجوع للقرآن, واتخّاذه أساساً ومرشداً ومرجعاً لنهضتنا الخُلقيّة, الّتي بدونها لا تصلح أيّ نهضة أخرى إجتماعيّة أو إقتصاديّة أو غيرها وطالب بجعل القرآن المرجع الأوّل والأخير في تمييز ما يصلح اقتباسه, مما ينبغي تركه من المدنيّة الغربيّة الحديثة(2).
2 ـ مساندة التّنظيمات والأحزاب الإسلاميّة الأخرى:
__________
(1) ـ الجندي, أنور, يقظة الفكر العربيّ, 67.
(2) ـ حسين, محمّد محمّد, الإتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 323.(1/375)
انطلقت فكرة الإصلاح الدّيني الحديث في البلاد العربيّة في زمن الدّولة العثمانيّة, فظهر مفكّرون ومصلحون يدعون إلى الإصلاح الإسلاميّ في السّلطنة, هذا الإصلاح الّذي يضمن عودة المسلمين إلى عزّهم وسيادتهم. وكان من أبرز هؤلاء المفكّرين, جمال الدّين الأفغاني, والشّيخ محمّد عبده, والشّيخ محمّد رشيد رضا, وعبد الرّحمن الكواكبي وغيرهم.
وكان أهم ما يميّز هذه الفترة ظهور الأحزاب والتّنظيمات السّياسيّة, والّتي كان لها أهداف وغايات أبرزها السّعي لإصلاح المجتمع المتخلّف في كلّ المجالات وقد مالت هذه التّنظيمات والأحزاب إلى الأخذ بالمذهب السّياسي الغربي, مثل نظام الإنتخابات والمجالس الممثّلة للشّعب, وقيام الأحزاب وغير ذلك, مع احتفاظهم بالارتباط القويّ بالإسلام وأنظمته, والّتي لا تمنع الاقتباس المفيد من حضارة وأفكار الأمم الأخرى.
وجاء الاستعمار الأوروبيّ فجزّأ الدّولة العثمانيّة واقتسم بلاد المسلمين ونهب خيراتها, وأخلف بوعوده الّتي وعد بها, واحتقر الشّعوب الإسلاميّة, وترك أفكاراً وتغيرات كثيرة في المجتمع الإسلاميّ. فظهرت دعوات تغريبيّة تدعو إلى الأخذ عن الغرب, وتقليده في كلّ شيء, أملاً بالتّقدّم والتّطوّر وظهرت أيضاً, أفكار تدعو إلى الإلحاد ونبذ تعاليم الأديان. وظهرت الدّعوات الّتي تدعو إلى إحياء الفرعونيّة والفينيقيّة وغيرها من القوميّات القديمة, الّتي كانت تهدف إلى سلخ العرب عن دينهم الإسلاميّ وقوميّتهم. وقد وجد المسلمون في ذلك, محاولة لتهديم الدّين الإسلاميّ, والحضارة العربيّة الإسلاميّة. ونتيجة لذلك قامت في البلاد الإسلاميّة تنظيمات وأحزاب إسلاميّة, غايتها إحياء تعاليم الدّين الإسلاميّ, ومحاربة هذه الدّعوات والأفكار الهدّامّة, والّتي لا تخدم سوى أعداء الدّين(1).
__________
(1) ـ شرف الدّين, رسلان, "الدّين والأحزاب الدّينيّة العربيّة ", في الوحدة, 96 (ربيع الأوّل 1413/ أيلول 1992), 61ـ 62.(1/376)
ورأينا أنّ جمعيّة الشّبّان المسلمين, الّتي أنشأها السّيّد محب الدّين, كانت من أوائل هذه التّنظيمات الإسلاميّة, وقد ذكر السّيّد محب الدّين أنّ هذه الجمعيّة كانت نواة لتنظيم كبير مازال مستمرّاً إلى الآن وكان له تأثيره الكبير في مجرى الأحداث في كثير من البلدان في العالم, وهو تنظيم الإخوان المسلمون, الّذي أسّسه الشّيخ حسن البنّا, وقد وصف السّيّد محب الدّين حسن البنّا بقوله: "إنّ الأستاذ حسن البنّا أمّة وحده, وقوّة كنت أنشدها في نفس مؤمن, فلم أجدها إلّا يوم عرفته في تلك الغرفة المتواضعة من دار المطبعة السّلفيّة, سنة 1346......ثمّ رجوته أنّ يحاضر الشّبّان المسلمين في دارهم الأولى الّتي كانت بشارع مجلس النّوّاب فملأ قلوبهم من قلبه ما شاء اللّه له من توفيق, وفي خلال ذلك كانت نواة الإخوان المسلمين قد غُرست في الأرض الصّالحة"(1).
ساند السّيّد محب الدّين هذا الحزب, وكان معجباً إعجاباً كبيراً بمؤسّسه الشّيخ حسن البنّا, وكان يعتبره من خيرة الشّباب الإسلاميّ في ذلك الوقت, كما مرّ في حديثه السّابق, وكما جاء أيضاً في قوله: "هذا الدّاعية, القوّي, الصّابر, المثابر, الّذي يعطي الدّعوة من ذات نفسه ما هي بحاجة إليه, من قوّة, ومرونة, ولين, وجلد, وصبر, وثبات إلى النّهاية"(2). لذلك فقد كان السّيّد محب الدّين أوّل من نشر مقالات حسن البنّا, وذلك عندما نشر له مقالة في الفتح بعنوان " الدّعوة إلى اللّه " وذلك في نهاية سنتها الثّانية, ومقالة أخرى في بداية السّنة الثّالثة من الفتح, وكانت بعنوان " على من تجب الدّعوة ", وتوالت فيما بعد المقالات الّتي قام السّيّد محب الدّين بنشرها لهذا الدّاعية.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, " ذكريات شاهد عيان ", في الفتح, 861 (ذو القعدة, 1367), 265.
(2) ـ المصدر نفسه, 265.(1/377)
وعندما أسس الإخوان المسلمون جريدة باسم حزبهم, اختاروا السّيّد محب الدّين ليتولّى رئاسة تحريرها, وقام بهذه المهمّة كما يجب, وتولّى رئاسة تحرير هذه الجريدة منذ صدور عددها الأوّل في 21 صفر 1352 الموافق 15 حزيران 1933إلى نهاية سنتها الثّالثة.
لقد ساند السّيّد محب الدّين هذا الحزب, ولكن لا يمكن لنا أن نؤكّد أنّه كان من المنتسبين إليه, فعندما اختير لرئاسة تحرير الجريدة, لم يتمّ اختياره على أساس أنّه من أعضاء الحزب, ولكن للاستفادة من خبرته الصّحفيّة, ولإخلاصه في العمل. وقد قَبل هو ذلك, لاعتقاده بأنّه بذلك يخدم الإسلام والمسلمين, وذلك بدعمه لحزب يحمل إسم الإخوان المسلمين, ويعلن في تأسيسه على أنّ هذا الحزب وهذه الدّعوة هي "دعوة سلفيّة, وطريقة سنّيّة, وحقيقة صوفيّة, وهيئة سياسيّة, وجماعة رياضيّة, ورابطة علميّة ثقافيّة, وشركة اقتصاديّة, وفكرة اجتماعيّة "(1). فحزب هذه أهدافه أو شعاراته, لابدّ أن يقف معه السّيّد محب الدّين ويسانده.
__________
(1) ـ شرف الدّين, رسلان, " الدّين والأحزاب الدّينيّة العربيّة ", في الوحدة, 96 (أيلول 1992/ ربيع الأوّل 1413), 63.(1/378)
إلّا أنّنا نجد في مقال في الفتح, ذكر للسّيّد محب الدّين على أنّه من المنتسبين إلى حزب الإخوان, جاء في مقال نشره السّيّد محب الدّين قوله: " أشارت الإخوان المسلمون اليوميّة, صباح 12 رجب, في صدر وصفها لهذا الحادث التّاريخيّ العظيم, [وهذا الحادث هو اعتصام القائد محمّد عبد الكريم الخطّابي(1) في مصر], إلى صلة قديمة, ورسائل عظيمة كانت ترد من الأمير المجاهد وهو في جزيرة ريئونيون [وهي جزيرة في المحيط الهندي تقع شرقي مدغشقر], إلى جهة إسلاميّة إخوانيّة في مصر. وقد آن لنا أن نوضّح بعض ذلك فيما يلي: فالرّسائل والصّلة اللّتان أشارت إليهما الإخوان المسلمون, إنما كانتا مع محرّر الفتح [ محب الدّين الخطيب]"(2). فهذا المقال يصف السّيّد محب الدّين بأنّه شخصيّة إخوانيّة, أي أنّه كان من أعضاء هذا الحزب, وفي الحقيقة لم أستطع التّأكّد من ذلك, وعندما سألت أقارب السّيّد محب الدّين عن ذلك لم أجد إجابة واضحة عن الموضوع. وسواء كان السّيّد محب الدّين من المنتسبين إلى حزب الإخوان المسلمين, أم لم يكن كذلك, فإنّ هذا لم يكن ليمنعه من توجيه بعض الانتقادات لبعض مواقف هذا الحزب, من مثل نقده
__________
(1) ـ عبد الكريم الخطّابي, من بلاد الرّيف في المغرب الأقصى وُلد عام 1300 / 1882, تلقّى دراسته بجامعة القيروان, سجن في مليلة, وتزعّم قبيلته وحمل راية الجهاد, قاتل الإسبان وهزمهم في عدة معارك, ولكنّه اضطر إلى التسليم بعد تكاثر الأعداء عليه, نُفي إلى جزيرة رئيونيون, وقضى فيها إحدى وعشرين سنة, استطاع الفرار إلى مصر, وهناك أسس لجنة تحرير المغرب العربي بعد حصوله على اللجوء السياسيّ في مصر, استمرّ في نشاطه حتّى وفاته عام 1383 / 1963 في القاهرة؛ انظر, العقيل, عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, 605.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "اعتصام القائد الأعظم محمّد عبد الكريم الخطابي", في الفتح, 845 (رجب, 1366), 771.(1/379)
لدعم حزب الإخوان لقضيّة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة من سنّة وشيعة, حيث قال: " إذا وضعوا لعلمهم نظاماً تكلّموا فيه على القياس والعدل والاجتهاد, على أمل التّقريب بين المذهبين, والتّقليل من الاختلاف بين المسلمين بزعمهم, فليعلموا أنّهم ماضون في سبيل اختراع مذهب جديد, تكون عاقبته وقوع الأمّة الإسلاميّة بمصيبة اختلاف جديدة"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة خرافة وفساد", في الفتح, 843 (جمادى الأولى, 1366), 709.(1/380)
كان السّيّد محب الدّين من المتحمّسين لقيام أيّ حزب أو جمعيّة تدعو للإسلام, وتخاطب الشّباب الإسلاميّ, وتسعى إلى تنظيمه, والاستفادة من طاقاته, وتحاول إعادة المسلمين إلى دينهم الّذي سيُخرج هذه الأمّة من تخلّفها وانحطاطها. وكتب مقالاً يؤكّد هذا فقال: "من بشائر الخير في المسلمين قيام هذه الجماعات والهيئات والمرافق لخير الإسلام, وتعميم دعوته, ولتوثيق مبادئه وسننه في نفوس أهله, وتوحيد صفوفهم لدفع الأذى عنه, وتوجيه التّيار نحو أهدافه. لهذا قامت جماعات الإخوان المسلمين, والشّبّان المسلمين والهداية الإسلاميّة(1), وشباب محمّد - صلى الله عليه وسلم -(2), والجمعيّة الشّرعيّة(3)
__________
(1) ـ الهداية الإسلاميّة, أنشأها السّيّد محمّد الخضر حسين سنة 1346 / 1927, وكان لها نشاط علميّ, وكان أعضاؤها من شيوخ الأزهر وشبابه, وقد أصدر السّيّد محمّد الخضر حسين مجلّة باسمها, كانت تهتمّ بالموضوعات الدّينيّة بشكلٍ أساسي؛ انظر, الحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق, 3, 270؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 9, 279.
(2) ـ شباب محمّد - صلى الله عليه وسلم -, جمعيّة انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين, وحصل الإنشقاق في آذار عام 1939م واكتمل عام 1940م, على إثر خلاف مع الجماعة يتثمّل في ثلاث محاور ماليّة الجماعة وأسلوب عملها وتحالفاتها السّياسيّة وانضمّت مجلّة النّذير النّاطقة باسم الإخوان إلى المنشقّين بحكم أنّ ترخيصها هو باسم محمود أبو زيد أحد المنشقّين, وكان الإنشقاق بقيادة أحمد رفعت؛ انظر, باروت, جمال, وآخرون, الأحزاب والحركات والجماعات الإسلاميّة, دمشق, المركز العربيّ للدراسات الإستراتيجيّة, 1999, 71 .
(3) ـ الجمعيّة الشّرعيّة, أسسها السّيّد محمود السّبكي, وهو من علماء الأزهر عام 1331/ 1912, وكان هدفها الدّعوة إلى التّمسك بأحكام الإسلام الصّحيح, ونبذ كل ما عداه, ومواجهة البدع؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7, 186؛ والباسل, رجب, جمعيّة الشّرعيّة تسعون عاماً من العطاء الدّعوي, شبكة النجوم www.o9oo.com/b3.htm .(1/381)
, وأنصار السّنّة(1)......, بل لأجل هذا تأسس الأزهر(2) نفسه, وانضوى إليه أبناؤه, وتخرّج فيه رجاله. إنّما تعددت هذه الجماعات والهيئات, لأنّ لكلّ منها جوّاً يناسبها, ومشرباً ارتاحت إليه وطبقة من الأعضاء تستطيع التّعاون معهم, وجانباً من جوانب الواجب الإسلاميّ ترى أنّها أولى من غيرها بالاضطلاع به, وأنشط على الدّعوة إليه والعمل لتحقيقه. إلّا أنّها كلّها تشترك في مهمّة واحدة عامّة, لا تنفرد بها جماعة عن جماعة, ولا تختصّ بها هيئة دون هيئة, ولا يقوى على النّهوض بها إلّا المسلمون جميعاً, ممثلين في هيئاتهم وجماعاتهم إذا تعاونت وأخلصت النّيّة والعمل لله وحده"(3). فهو مسرور بكلّ دعوة تحمل اسم الإسلام, وتسهم في إرجاع المسلمين إلى دينهم, وتبعث في نفوسهم الإكبار والإجلال لحضارتهم الإسلاميّة, مما يحفّزهم على بعث هذه الحضارة, لتتبوّأ مكان الصّدارة في قيادة العالم أجمع, نحو الخير والحقّ الّذي ينشده الإسلام, إلى كلّ أمم الأرض, ولتخليص هذه
__________
(1) ـ أنصار السّنة المحمّديّة, أسسها السّيّد محمّد حامد الفقي وأشهرها سنة 1926م, واتّخذ لها داراً في عابدين في القاهرة, وكان هدف الجمعيّة هو إحياء سنّة النّبي - صلى الله عليه وسلم -, ومحاربة البدع, وكانت على عداء شديد مع دعاة الصّوفيّة؛ انظر, موقع أنصار السّنة المحمّديّة, www.elsonna.com حول جمعيّة أنصار السّنة .
(2) ـ الأزهر, أنشأه جوهر الصّقلي قائد الخليفة الفاطمي المعزّ لدين اللّه, وقد اكتمل بناؤه في رمضان 361/ يونيو 972م, وأطلق عليه هذا الإسم نسبةً إلى السّيّدة فاطمة الزّهراء - رضي الله عنه -, وقيل لأنّه يوجد حول المسجد قصورٌ زاهرةٌ؛ انظر, خفاجي, محمّد عبد المنعم, الأزهر في ألف عام, بيروت, القاهرة, عالم الكتب, مكتبة الكليات الأزهريّة, ط2, 1408 / 1988, 1, 27.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "جبهة إسلاميّة موحدة ", في الفتح, 844 (جمادى الأخرى, 1366), 749.(1/382)
الأمم والشّعوب من كلّ الأمراض الّتي تعاني منها.
وفي الإطار نفسه نشر الأخبار عن تأسيس الجمعيّات الإسلاميّة, وكانت مجلّة الفتح تدعو إلى الالتحاق بهذه الجمعيّات, من مثل ما نشره بعنوان " جمعيّة المسلم العامل " جاء فيه: " تحت هذا الإسم تأسست بمنيل الرّوضة بمدينة القاهرة, جمعيّة دينيّة في شهر رجب سنة 1351هـ, وغرضها إيجاد المثل الكامل للمسلم, والنّظر فيما يرقّي المسلمين علماً وعملاً, وسيكون منهجها عمليّاً بقدر المستطاع. وبالرّغم من حداثة الجمعيّة فقد انضمّ لها كثير من ذوي الفضل والمكانة مما يشجع القائمين بها على المضي في طريقهم, وفق اللّه الجميع للسّداد. ويسرنا أن تتزايد وحدات الجهاد الإسلاميّ لتقف أمام سيل الدّعوة المسيحيّة, والاستهتار الّذين فُتن بهما كثير من الشّباب, عسى اللّه أن يوفّق جيش الدّفاع عن الإسلام إلى الإصلاح الّذي ينشده كل مسلم غيور"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "جمعيّة المسلم العامل ", في الفتح, 326 (رمضان, 1351), 14.(1/383)
وقد صنّف كثير من الكتّاب السّيّد محب الدّين ضمن ما يُسمى بالتّيّار السّلفيّ أو الوهابيّ, والّذي يُقصد به إتّباع منهج الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب(1), وقد ذكر بعض الكتاب أنّ السّيّد محب الدّين يمكن أن يُعتبر من أوائل من استقطبتهم الحركة الوهابية في مصر, وذكر أنّ مطبعته السّلفيّة كانت تخدم التّيّار الوهابيّ, وذلك بما تنشره من كتب. فقد " تمكّنت الوهابيّة من استقطاب محب الدّين الخطيب...... وقام محب الدّين بتأسيس المطبعة السّلفيّة ومكتبتها بشارع الرّوضة, والّتي شهدت ميلاد أوّل كتاب وهابيّ في مصر, ثمّ توالت من بعد ذلك الكتب الوهابيّة, والحنبليّة, والّتي تخدم الخطّ الوهابّي"(2). وقد قال السّيّد علي الطّنطاوي, وهو ابن أخت السّيّد محب الدّين, في مذكّراته أنّه كان متأثّراً في بداية حياته بأفكار خاله السّيّد محب الدّين, وحبّه المفرط للعالم ابن تيميّة(3)
__________
(1) ـ محمّد بن عبد الوهاب, ولد سنة 1115 / 1703م في بلدة العينيّة شمال الرّياض, درس الفقه والتّفسير والحديث, وكان متأثّراً بابن تيميّة وابن القيم, بدأ دعوته الإصلاحيّة في نجد, اشتهر أمره, ونجحت دعوته, له مؤلّفات منها: الإيمان, ومسائل الجاهليّة وغيرها. توفّي عام 1206هـ؛ انظر, ابن محمّد, أحمد بن حجر, محمّد بن عبد الوهاب عقيدته السّلفيّة ودعوته الإصلاحيّة, مكّة, مطبعة الحكومة, ط2, 1395, 15؛ وشوحان, أحمد, أعلام الفكر الإسلامي, دير الزّور, مكتبة التّراث, د.ت, 171.
(2) ـ الورداني, صالح, الوهابيون يعتبرون مصر بلد الكفّار, وجهات نظر, 8/1/ 2003, 5 ؛ مأخوذ عن موقع الأنباء الشّيعيّة إباء ـ www.ebaa.net/wjhat-nadar.
(3) ـ أحمد بن تيميّة, ولد في حرّان عام 661 / 1263, انتقل مع أهله إلى دمشق, أُوذي كثيراً من قبل الحكّام, وحبس بقلعة دمشق وبها توفّي عام 728 / 1328م, من مؤلّفاته الكثيرة السّياسة الشّرعيّة, والفتاوى, وغيرها كثير؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 1, 261؛ وشوحان, أحمد, أعلام الفكر الإسلامي, 131.(1/384)
والّذي يُرجع إليه الكثير من الباحثين أصل الوهابيّة والتّيّار الوهابيّ(1).
وفي الحقيقة وجدتُ من خلال بحثي أنّ السّيّد محب الدّين كان من المحبّين للسّلف وللصّحابة رضوان اللّه عليهم, وكان لا ينتسب في كتاباته لأيّ مذهب دينيّ معّين, وكان يعلن أنّ كتاب اللّه عزّ وجلّ, وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هي غايته, وكان يحثّ الشّباب والعرب والمسلمين على العودة إلى كتاب اللّه وإلى سنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -. فإذا كان المقصود بالمذهب السّلفيّ هو هذا الأمر, فالسّيّد محب الدّين إذاً هو رجل سلفيّ بكلّ معنى الكلمة, أمّا إن كان المقصود غير ذلك, فالمسألة فيها نظر.
ونعود لنذكّر بأنّ السّيّد محب الدّين تولّى الكتابة في صحف إسلاميّة كثيرة, رغبة منه في مساندة هذه الصّحف, الّتي تخدم الإسلام والمسلمين, فقام بالكتابة في مجلّة المسلمون, وفي مجلّة التّمدّن الإسلاميّ , وفي مجلّة الأزهر, وغيرها من المجلّات والصّحف الإسلاميّة. وقد كان هذا العمل مساندة منه لهذه الصّحف النّاطقة باسم الإسلام, والّتي كانت تعلن أنّ هدفها هو خدمة الإسلام والمسلمين في العالم كلّه.
ب ـ عمله الإصلاحي في المجال التّربويّ والتّعليميّ:
لقد عمل السّيّد محب الدّين في مجال التّعليم, إيماناً منه بأنّ مستقبل الأمّة في يد الجيل الجديد, فإذا قمنا بإعداد هذا الجيل إعداداً جيداً, وربّيناه تربية رشيدة حديثة تحافظ على الدّين والأخلاق, وتأخذ بالصّالح من العلوم العصريّة المفيدة, فإنّ هذا الجيل لابدّ أن يعيد لهذه الأمّة مجدها, ويقودها إلى العزّ والسّؤدد والتّطوّر.
__________
(1) ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, 3, 35.(1/385)
لذلك فقد قام السّيّد محب الدّين بالتّعليم في عدّة مدارس, وقد بدأ كما رأينا بالتّدريس في الأستانة, عندما قام هو ورفيقه الشّهيد عارف الشّهابي بتعليم الطّلاب العرب الدّارسين في الأستانة, حيث قام هو ورفيقه بتدريسهم اللّغة العربيّة. وقد وضعا لذلك خطّة سارا عليها, وكانت هذه الخطّة تهدف إلى تعليم اللّغة العربيّة بطريقة تُحيي الشّعور القوميّ, وتبعث في نفوس الدّارسين الفخر بالماضي العربيّ المجيد. وقد كانت هذه الخطّة تقضي باختيار قطعة شعريّة أونثريّة تتغنى بأمجاد العرب وتُظهر فضلهم, فكان محب الدّين ورفيقه يشرحان هذه القطعة, ويقومان بتدريسها من كلّ النّواحي الإعرابيّة, والإنشائيّة, والبلاغيّة, حتّى تتشبّع أرواح الدّارسين بمحبّة هذه اللّغة والاعتزاز بها وحتّى يتمّ لهم التّواصل مع ماضيهم المجيد ويعرفوا ما فيه من حوادث وأحداث, تبعث الفخر والاعتزاز في نفوسهم بماضيهم.(1/386)
ومرّ معنا, أنّ السّيّد محب الدّين كان متمكّناً من اللّغة العربيّة, حيث قام بدراستها على يد أستاذه الشّيخ أحمد النّويلاتي, وذلك في مدرسة عبد باشا العظم(1), هذا الشّيخ هو الّذي حبب إليه هذه اللّغة, وجعله يشعر بالمسؤوليّة تجاهها, مما دفعه للقيام بتدريسها للطّلاب العرب عندما لمس بنفسه ضعفهم الشّديد بها. لقد كانت هذه المحاولة هي الأولى له بالتّدريس, وكانت محاولة ناجحة مثمرة, لولا ملاحقة السّلطات العثمانيّة له, مما اضطرّه إلى مغادرة الأستانة والعودة إلى دمشق, وترك التّدريس. وقام السّيّد محب الدّين بتدريس الطّلاب في مدارس أخرى فيما بعد, ومن هذه المدارس:
1 ـ مدرسة الدّعوة والإرشاد:
مدرسة الدّعوة والإرشاد, من المدارس الّتي قامت في عهد العثمانيين, على يد الشّيخ الجليل محمّد رشيد رضا. واُفتتحت في ليلة الاحتفال بالمولد النّبوي سنة 1330 / 1912م, في مقرّها بجزيرة الرّوضة بالقاهرة, وبدأت الدّراسة فيها في اليوم التّالي للاحتفال.
__________
(1) ـ مدرسة عبد اللّه باشا, بناها الوالي محمّد باشا سنة 1193هـ, ووقف لها ثلاث مائة كتاب. وقام عبد اللّه باشا بن محمّد باشا بتوسيعها فسمّيت باسمه,. وكان طلّاب مكتب عنبر يتلقّون فيها دروس اللّغة العربيّة على يد أساتذتها لتمكّنهم من هذه اللّغة؛ انظر, العلبي, أكرم حسن, خطط دمشق, دمشق, دار الطّباع, 1410/ 1989, 274.(1/387)
وكانت تقبل في عداد طلبتها شباب المسلمين, ممن تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والخامسة والعشرين, بشرط أن يكونوا قد حصّلوا قدراً من التّعليم, يمكّنهم من مواصلة الدّراسة. وهدفت المدرسة إلى أن "يتربّى فيها المرشدون, الّذين يقنعون نفوسهم على خدمة الدّين من الطّريق الّذي يجمع بينه وبين العلم والمدنيّة الصّحيحة ويدفع عنه الشّبهات, بحيث يجمع المسلمون بين حقوق الرّوح والجسد وحسنتي الدّنيا والآخرة"(1). فهذه المدرسة لا تغفل التّطورات الحضاريّة العالميّة بحيث يجمع المتعلّم فيها بين العلوم الدّينيّة والعلوم العصريّة. وبالتّالي يكون هذا الطّالب مسلماً ملتزماً, لا يكون منعزلاً بين الكتب الدّينيّة القديمة, لكنّه يكون مطّلعاً على ما يجري حوله من تطوّر وتحديث في العالم.
وكانت هذه المدرسة ملتزمة بنفقة تعليم هؤلاء الطّلاب, وكانت تفضّل من الطّلاب من كان في حاجة شديدة إلى العلم, كأهل جاوة, والصّين, وغيرها من البلاد البعيدة, الّتي تحتاج مرشدين ودعاة. ولكنها كانت تشترط لقبول الطّلاب فيها عدّة شروط, وبيّن الأستاذ رشيد رضا هذه الشّروط بقوله: "مما يشترط فيهم أن يكون لهم إلمام باللّغة العربيّة, والنّحو, والفقه, وأن تكون سيرتهم حسنة, في أخلاقهم, وآدابهم, وعبادتهم, وسيكون من الشّدّة في المحافظة على الأخلاق والفضائل في المدرسة أنّ الكذب يكون موجباً للطّرد منها. ويشترط فيها أيضاً حفظ القرآن, ولكن يُتسامح في هذا الشّرط الآن, ويكون للمدرسة سنة تمهيديّة لحفظ القرآن ولبعض العلوم والفنون الّتي تُقرأ في المدارس الإبتدائيّة. وإدارة المدرسة هي الّتي تختار هذا القسم الدّاخليّ من طلّاب المدرسة وتفضّل بعضهم على بعض بالإمتحان"(2).
__________
(1) ـ رضا, محمّد رشيد, رحلات الإمام محمّد رشيد رضا, تحقيق يوسف إيبش, بيروت, المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر, 1971, 64.
(2) ـ رضا, محمّد رشيد, رحلات الإمام محمّد رشيد رضا, 64.(1/388)
وطلب الشّيخ محمّد رشيد رضا من السّيّد محب الدّين القيام بالتّدريس في هذه المدرسة, فقام بتدريس علم طبقات الأرض (الجيولوجيا). وكان للسّيّد محب الدّين خطّةٌ في تدريس هذه المادّة, تقتضي بلفت أنظار الطّلبة في هذه المدرسة الدّينيّة إلى سرائر اللّه في الكون وتكوينه, والّذي يحوي الكثير من الأسرار, الّتي تدلّ على عظمة الخالق عزّ وجلّ(1). وتفاعل الطّلّاب معه ومع طريقته في تدريس هذه المادّة. ولولا ما أصاب المدرسة من متاعب, لكان لهذه الطّريق أثرها الكبير على هؤلاء الطّلّاب.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 56.(1/389)
وانتسب إلى هذه المدرسة طلّاب كان لهم شأن كبير في مستقبل الأيّام القادمة, وعملوا في بلادهم على خدمة الإسلام ومحاربة الاستعمار. ونذكر من هؤلاء الطّلّاب: الشّيخ المجاهد محمّد أمين الحسيني,(1) والّذي كان له جهاد عظيم في فلسطين. والشّيخ أبو السّمح(2) خطيب بيت اللّه الحرام في مكّة المكرّمة. والأستاذ يوسف ياسين(3) أحد الصّحفيين البارزين. وغير هؤلاء الشّيوخ الفضلاء ممن كان لهم نشاط في الدّعوة الإسلاميّة, أو في الجهاد ضدّ المستعمر
__________
(1) ـ محمّد أمين الحسيني, زعيم فلسطين السّياسي, وُلد سنة 1311/ 1893م. تعلّم في القدس, وفي مدرسة الدّعوة والإرشاد, كان ضابطاً في الجيش, وعيّن مفتياً لفلسطين, تولّى رئاسة المجلس الإسلاميّ الأعلى. ولم تقم حركة وطنيّة في فلسطين أو من أجلها إلّا كان هو مدبّرها في الخفاء أو في العلن, توفّي في بيروت, وبها دفن وذلك سنة 1394/ 1974؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 6, 45؛ والعقيل, عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, 125.
(2) ـ أبو السّمح, ولد عام 1300/ 1882, خطيب الحرم المكّي وإمامه, من الوعّاظ الفقهاء الأزهريين, استقدمه الملك عبد العزيز إلى مكّة وولّاه الخطابة بالحرم وإدارة دار الحديث, له رسائل مطبوعة منها: حياة القلوب بدعاء علّام الغيوب, والأوّلياء والكرامات, توفّي في القاهرة عام 1370/1950؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 4, 110.
(3) ـ يوسف ياسين, ولد عام 1309/ 1892م, من كبار العاملين في خدمة الملك عبد العزيز. ولد في اللّاذقيّة, وتعلّم في دار الدّعوة والإرشاد وفي المدرسة الصّلاحيّة في القدس, تسلّم تحرير جريدة الصّباح, وأمّ القرى, توفّي في الدّمام 1381/ 1962ودفن في الرّياض, من مؤلّفاته: الرّحلة الملكيّة, ومذكّرات؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 8, 253؛ والبواب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريا في القرن العشرين, 4, 423.(1/390)
الغاشم.
لاقت هذه المدرسة صعوبات كبيرة, وكانت في حاجة إلى إعانات, ودعم قويّان لكي تستطيع أن تستمرّ في عملها, ولكنّ قيام الحرب العالميّة الأولى أدّى إلى إغلاقها, ولم تستطع العمل بعد ذلك(1).هذه المدرسة لم تعش طويلاً, غير أنّ فكرتها العامّة, كانت فكرة مهمّة, في مرحلة صعبة من مراحل تكوّن الوعي عند مفكّري العرب والإسلام.
2 ـ مدرسة الحديدة في اليمن:
عندما سافر السّيّد محب الدّين إلى اليمن وصل الحديدة في 21 شوال عام 1325 هـ, وتوجّه في البداية إلى جزيرة قمران(2), وكانت هذه الجزيرة محجراً صحيّاً لمراقبة الحجّاج, فاضطرّ إلى البقاء فيها بعض الوقت, ومن ثمّ توجّه إلى الحديدة وأقام فيها, وبدأ عمله الّذي يهدف إلى خدمة العروبة والإسلام. وقد تحدّثنا فيما مضى من البحث عن بعض نشاطاته في اليمن, والآن نبيّن نشاطه في المجال التّربوي والتّعليمي هناك.
كان الوضع التّعليمي في اليمن وضعاً مزرياً, بسبب سياسة الإمام يحيى التّجهيليّة الّتي كانت لا تشجّع على العلم والمعرفة. وعندما لمس السّيّد محب الدّين هذا بنفسه آلمه أشدّ الألم, وكان يرى أنّ هؤلاء النّشء الّذين هم أمل الأمّة في النّهوض والتّقدّم, لا يتلقّون العلم الصّحيح, الّذي يسهم حقّاً وفعلاً في تعليمهم وتثقيفهم وبناء شخصيّتهم. لذلك فعندما صادف في الحديدة مدرسة كانت أشبه بالزّريبة, على حدّ وصفه, عمل جاهداً على تحسين هذه المدرسة, ليجعلها مدرسة حقيقيّة, تساهم في تعليم الطّلّاب التّعليم الصّحيح الّذي يفيدهم ويفيد أمّتهم.
__________
(1) ـ رضا, محمّد رشيد, رحلات الإمام محمّد رشيد رضا, 64.
(2) ـ جزيرة قمران, هي من الجزر المأهولة بالسّكان, وتبعد عن ميناء الصّليف بحوالي سبعة أميال بحريّة, وتبلغ مساحتها 35 ميلاً مربعاً, احتلّتها بريطانية عام 1867م, واستخدمت محجراً صحيّاً للحجيج؛ انظر, المركز الوطني للمعلومات, صنعاء, اليمن. www.nic.gov.ye(1/391)
وتحدّث السّيّد محب الدّين عن هذه المدرسة فقال: " كان للحكومة العثمانيّة سنة 1907م, في أعلى المقهى المشرف على مرفأ الحديدة, مدرسة هي الوحيدة, وهي دون الكتاتيب المصريّة, ولأجل أن تتصوّر حقيقتها أذكر لك أنّه كان فيها ثلاثون تلميذاً, وعلى رأسهم مدرّس تعلّم التّعليم الابتدائي ناقصاً, في مكتب العشائر بالقسطنطنيّة, وتحت يده فقيه لتعليم القرآن. كنت أمرّ أمام تلك المدرسة, ويتقطّع قلبي أسى, على أنّ رجال المستقبل في تلك البقعة من وطني الأكبر يتخرّجون من تلك الزّريبة. فلما أُعلن الدّستور كان في جملة ما سعيت له تغيير حالة تلك المدرسة فاتّفقت مع صديقي الفاضل الكريم شوقي بك المؤيّد العظم, قائد حامية الحديدة يومئذ, على أن أعمل في تلك المدرسة مطلق اليد"(1).
فكان لابدّ له من أن يؤمّن لهذه المدرسة مدرّسين أكفاء يكونون قادرين على إحياء هذه المدرسة. ففكّر بإخوانه أعضاء جمعيّة الشّورى, الّتي ساهم في تكوين الفرع الرّابع عشر لها في الحديدة, وكانوا من المثقّفين والدّارسين في الحديدة, وقد أتوا إليها من مختلف البلاد العثمانيّة. وقام السّيّد محب الدّين بالاتصال بهم " فدعا إخوانه أعضاء الجمعيّة من عسكريين ومدنيين, واقترح عليهم أن يتطوّعوا للتّدريس في هذه المدرسة بالمجّان, وأن يعملوا على تجديد شبابها, وإحياء نشاطهم, فوافقوا على ذلك"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "جزيرة العرب والنّهضة الشّرقيّة الحديثة ", في الزّهراء, 3 (شعبان, 1345), 517 ـ 518.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 44.(1/392)
وقام السّيّد محب الدّين بتأمين ملابس موحّدة للطّلّاب, فزار إخوانه التّجّار, وطلب منهم أن يتعاونوا على التّبرّع بأقمشة خفيفة من نوع معيّن, تصلح لمثل الحديدة في زمن الصّيف, فتُعمل منها بذلات لكلّ تلميذ ممن يوجد الآن في المدرسة, أو يلتحق بها منذ اليوم, وأن يُتبرّع لهم بأحذية أيضاً, وجيء بالملابس والأحذية إلى المدرسة, ووزّعت على التّلاميذ(1).
حاول السّيّد محب الدّين أن يحبب الطّلّاب بالحضور إلى هذه المدرسة والتّعلّم فيها, فقام بعمل أناشيد جميلة وطلب منهم حفظها, وكانت بألحان جميلة سهلة لطيفة. وطلب من صديقه السّيّد شوقي بك أن يختار للمدرسة ضابطاً لتدريب التّلاميذ على الألعاب الرّياضيّة والتّمارين العسكريّة, وبالفعل فقد أرسل شوقي بك ضابطاً, وأخذ هذا الضّابط بتمرينهم وصار التّلاميذ " يخرجون بأعلامهم في شبه كتائب منظّمة ساعة من كلّ يوم في الصّباح, وساعة في المساء, إلى مكان الألعاب الرّياضيّة والتّعليم العسكري, وهم بملابسهم وأحذيتهم الجديدة يترنحون بأناشيدهم على مسمع النّاس, في الأسواق والأحياء الّتي يمرّون بها"(2).
وكانت لغة التّعليم في هذه المدرسة هي اللّغة العربيّة, وقام السّيّد محب الدّين بتعليمهم وفق مناهج متطوّرة, وأصبح هؤلاء التّلاميذ يفهمون النّظريات الحديثة في علم الفلك, وصاروا يحسنون القراءة العربيّة بلا أخطاء, وصاروا ينشؤون بعض الموضوعات الاجتماعيّة بلغة لا بأس بها(3). وزاد عدد طلّابها من ثلاثين طالباً, إلى أكثر من ثلاثمائة طالب خلال أقلّ من شهر, وهذا إن دلّ على شيء, فإنّه يدلّ على التغيير الكبير الّذي حصل في المدرسة إلى الأفضل.
__________
(1) ـ المصدر نفسه, نفس الصّفحة.
(2) ـ المصدر نفسه, نفس الصّفحة.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, " جزيرة العرب والنّهضة الشّرقيّة الحديثة ", في الزّهراء, 3 (شعبان, 1345), 518.(1/393)
ترك السّيّد محب الدّين الحديدة, بعد أن حوّل هذه المدرسة من مدرسة أشبه ما تكون بالزّريبة, إلى مدرسة نموذجيّة, جديرة بأن تكون مكان تعليم وتربية لأجيال المستقبل الواعد.
3 ـ إنشاء المطابع:
كان السّيّد محب الدّين يرى أنّ من أهمّ الأمور اللّازمة لتقدّم الأمّة هي نشر العلم والثّقافة بين أفراد الشّعب, ووجدنا عند الحديث عن رأيه في الإصلاح أنّ إصلاح التّعليم, بأساليبه وغاياته ومعلّميه هو شيء ضروريّ جدّاً, ولابدّ من نشر العلم بين النّاس, والقضاء على الجهل, لأنّ ذلك يعتبر من أهمّ الخطوات الّتي تحتاجها الأمّة للنّهوض والتّقدّم.
وتعتبر المطابع الوسيلة المناسبة لتحقيق هذا الغرض, فبواسطتها تُنشر الكتب والصّحف والمجلّات الّتي تحوي العلم النّافع المفيد. وقد عمل السّيّد محب الدّين على إنشاء المطبعة السّلفيّة, والّتي مرّ الحديث عنها في الباب الأوّل من البحث, هذه المطبعة الّتي ماتزال إلى الآن تواصل القيام برسالتها الّتي أعلنها السّيّد محب الدّين يوم إنشائها, وهي العمل على نشر الثّقافة, والعناية ببعث التّراث, والتّذكير بعلوم العرب والمسلمين.(1/394)
وقام السّيّد محب الدّين بفتح فرع لهذه المطبعة في مكّة المكّرمة, وقال في ذلك: " مكّة المكّرمة أحقّ بلاد المسلمين بأن يُعنى المسلمون بجعل مقامها العلميّ الإصلاحيّ متناسباً مع مقامها القدسيّ الإسلاميّ, وكان من حقّها أن تصدر منها ألوف المطبوعات في علوم القرآن والسّنة, وفنون دين اللّه الخالص, فينتشر ذلك في آفاق الشّرق والغرب من بلاد الإسلام, وغير بلاد الإسلام, تبياناً للهداية المحمّديّة, وترسيخاً لعقيدتها في قلوب الأمم. ولأمر ما لم يحدث شيء من ذلك في مائتي سنة خلت, أي منذ وُجدت الطّباعة في الشّرق إلى الآن. أمّا الدّولة العثمانيّة فلا نعلم عذرها في التّقاعد عن إيجاد هذه النّهضة, وأمّا الملك حسين فكان يخاف المطابع ولا تلذّ له ثمراتها إلّا إذا كانت من نوع أسلوبه المعلوم. أمّا الملك عبد العزيز بن السّعود فإنّ حياته من بدايتها محفوفة بالتّوفيق ........, وفي ظلّ هذه الدّولة الموفّقة إلى الخير نزلت المطبعة السّلفيّة إلى ميدان العمل........, وستدور آلات هذه المطبعة من الآن إلى ما شاء اللّه عاملة على نشر كلّ ما فيه خير للإسلام والعرب, من مؤلّفات قيّمة وصحف طيّبة. وأملنا وطيد, إن شاء اللّه, بأنّه لا يمرّ قليل من السّنين على فرع المطبعة السّلفيّة في مكّة, حتّى تنتشر منه في أنحاء المعمورة عشرات الألوف من الكتب الممتعة النّافعة, حاملة اسم مكّة حيثما احتملها البريد, وحيثما بلغ بها المطاف"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "المطبعة السّلفيّة في مكّة المكرّمة ", في الفتح, 149( ذوالحجّة, 1347), 7.(1/395)
وعندما غادر السّيّد محب الدّين إلى الحديدة في اليمن شعر" بحاجة الحديدة وسائر اليمن إلى أن تبدأ فيها حياة للطّباعة والصّحافة, تنهض بالمستوى الفكريّ والثّقافيّ, ففاوض إخوانه من العسكريين والمدنيين والأعيان والتّجار, في أن تؤسس شركة لذلك باسمهم, قيمة السّهم الواحد منها جنيه استرليني واحد ذهباً, فوافقوا على ذلك, وعلى أن يكون إسم المطبعة مطبعة جزيرة العرب, وعلى أن تصدر منها صحيفة باسم جزيرة العرب أيضاً, وكُتبت قائمة أولى بأسماء الرّاغبين في الاكتتاب وبلغت الحميّة ببعضهم أن اكتتبوا بمقادير من الأسهم تبرّعاً لا بقصد الاستفادة من عائد"(1). وجهد السّيّد محب الدّين في إتمام هذا العمل فراسل بعض البلاد الأوروبيّة الّتي عُرفت بصناعة آلات الطّباعة, لإرسال نماذج مرسومة عن آلات الطّباعة لانتقاء ما يوافق الحال منها, وقد وصلت هذه الرّسومات إلى الحديدة, غير أنّ هذا المشروع لم يدخل مرحلة التّنفيذ, وذلك بسبب عودة السّيّد محب الدّين إلى دمشق, وعدم وجود من يستكمل العمل بعده.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 45.(1/396)
وقد ورد معنا في سياق البحث, أن السّيّد محب الدّين غادر إلى الحجاز من أجل الاشتراك في الثّورة العربيّة الكبرى, وذلك بدعوة من الشّريف حسين, وكان له فيها عمل ظاهر هو إنشاء المطبعة الأميريّة, وتحرير جريدة القبلة, وقد عمل على تحقيق هذا الهدف, وتمّ له ما أراد, وظهرت جريدة القبلة, وأُنشئت المطبعة الأميريّة. ذلك أن السّيّد محب الدّين ذهب إلى الحجاز وكلّه أمل في خدمة أمّته, حتّى أنّه أخذ من بيته في القاهرة قبل مغادرته ما اختاره من الكتب الّتي ربّما احتاج إليها, "وكان كلّما وضع يده على كتاب قد يفيد ولو من بعيد, في النّهضة الّتي كان يرجوها من ثورة الحجاز فإنّه يضيفه إلى الكتب الّتي أخذها"(1). وبهذا نجد أن السّيّد محب الدّين كان يعمل بكلّ جهده لنشر الثّقافة والعلم, وكان يرى أنّ المطابع هي الوسيلة الّتي ستنشر العلم بين النّاس.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 67.(1/397)
وذكر علامّة الجزيرة الشّيخ حمد الجاسر(1), في تقديمه للعدد الأوّل من جريدة القصيم(2), حواراً جرى بينه وبين السّيّد محب الدّين يُظهر لنا فيه قناعة السّيّد محب الدّين بأهميّة المطابع, قال فيه: " كنت صباح يوم من أيّام عام 1372/ 1952, جالساً أتحدّث مع الكاتب العربيّ الكبير السّيّد محب الدّين الخطيب, في مكتبته الّتي هي مكتبه, في داره, في شارع الفتح في الرّوضة في مدينة القاهرة. وكان موضوع الحديث إنشاء مطابع في مدينة الرّياض, في قلب جزيرة العرب, وكان يقول لي: إنّكم متى استطعتم إنشاء مطابع هناك فإنّكم ستشيدون صرحاً عالياً, تشعّ منه أضواء المعرفة, وتقومون بعمل لا يقلّ عن إنشاء جامعة علميّة في تلك البلاد, وإنّني لأعجب كلّ العجب من دولة مضى على
__________
(1) ـ حمد الجاسر, ولد عام 1328 / 1910, في إقليم السّر في نجد, سافر إلى مصر لمواصلة دراسته في كليّة الآداب, ولكنّه لم يتمها بسبب الحرب, عمل في الصّحافة وأنشأ جريدة الرّياض ومطابع الرّياض, وأنشأ دار اليمامة للبحث والتّرجمة والنّشر, وتولّى رئاسة تحرير مجلّة العرب, وكان عضواً في المجمع العلميّ العربيّ في دمشق والعراق والقاهرة, من أعماله تحقيق كتاب الدّرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج, وطريق مكّة المعظّمة في ثلاثة أجزاء, وتحقيق كتاب المناسك وأماكن طرق الحجّ ومعالم الجزيرة, وغيرها, توفّي في 14 أيلول عام 2000م؛ انظر, رمضان, محمّد خير, معجم المؤلّفين المعاصرين وقيّات 1315- 1424 / 1897- 2003, 1, 198؛ وأباظة, نزار, والمالح, محمّد رياض, إتمام الأعلام, 131؛ والحسين, زيد بن عبد المحسن, جائزة الملك فيصل العالميّة ودلالتها الحضاريّة, 123.
(2) ـ القصيم, جريدة أسبوعيّة كانت تصدر في بريدة في القصيم, صدر أوّل عدد منها عام 1379 / 1959, استمرّت عدة سنوات ثمّ توقّفت عن الصّدور؛ انظر, صالحة, محمّد, وأبو مغلي, سميح, تاريخ الصّحافة العربيّة, نشأتها وتطوّرها, 152.(1/398)
استقرارها وتأسيسها أكثر من نصف قرن, لاتزال عاصمة مملكتها خالية من المطابع, المطابع الّتي هي أبرز مظهر من مظاهر العمران والتّقدّم"(1). فالسّيّد محب الدّين كان يعتبر أنّ المطابع هي أبرز مظهر من مظاهر العمران والتّقدّم, لأنّه من خلالها تُنشر الصّحف والكتب الّتي تنبّه النّاس, وتوعّي الشّعب, وتضرب على يد المتخاذل, وتشجّع العامل, لذلك فقد كان يسعى بكلّ جهده لتأسيسها وإنشائها, ويشجّع من يرغب القيام بذلك.
الفصل الثّالث
جهوده في مقاومة التّغريب
والاستشراق
أ ـ التّغريب: تعريفه, أسباب ظهوره, أفكاره, أهمّ رموزه:
كانت السّيطرة الاستعماريّة الطّويلة على البلاد العربيّة من أهمّ العوامل الّتي دفعت العرب والمسلمين إلى البحث عن أسباب تطوّر وتقدّم الغرب. فقد لمس المثقّفون العرب بعد تماسّهم مع الغربيين البون الشّاسع بين الغرب المتقدّم والشّرق المتخلّف. وحاول هؤلاء معرفة أسباب تخلّف العرب والمسلمين, ودراسة الطّريقة الّتي استطاع بها الغرب النهوض والتحضّر. وظهرت نتيجة لذلك أفكار ونظريّات حاولت تقديم الحلول اللّازمة لتقدّم العرب والمسلمين. وكانت دعوة التّغريب من أهمّ وأخطر هذه الدّعوات, الّتي انتشرت في عصر السّيّد محب الدّين, وكان لها أثر كبير في التّغيرات الّتي طرأت على البلاد العربيّة خاصّة, والإسلاميّة بشكل عام.
__________
(1) ـ الجاسر, حمد, الإفتتاحيّة, في القصيم, العدد الأوّل (1379 / 1959), 1.(1/399)
والمقصود بمفهوم التّغريب هو ما تبنّاه كثير من المفكّرين في تلك الأيام, وهو الدّعوة إلى الأخذ عن الغرب, ومحاولة تقليده في شتّى الأمور من أجل التّطوّر والتّقدّم. واعتبر بعضهم أنّ هذا المفهوم هو الظّاهر للتّغريب فقط, وأوجدوا لهذا المفهوم تعريفاً آخر, أظهروا فيه غاية وأهداف هذا التّيّار, في دعوته للأخذ عن الغرب. فقد عرّف بعضهم هذا التّيّار بأنّه تيّار يرمي إلى " خلق عقليّة جديدة تعتمد على تصوّرات الفكر الغربيّ ومقاييسه ثمّ تحاكم الفكر الإسلاميّ والمجتمع الإسلاميّ من خلالها, بهدف سيادة الحضارة الغربيّة, وتسييدها على حضارات الأمم, ولا سيّما الحضارة الإسلاميّة"(1). وبعضهم قال إنّ التّغريب هو المذهب الّذي كان يدعو إلى الجديد, وهو " كلّ طريف طارئ علينا, مما هو منقول في معظم الأحيان عن الأوروبيّين"(2).
__________
(1) ـ الجندي, أنور, شبهات التّغريب في غزو الفكر الإسلاميّ, بيروت ودمشق, المكتب الإسلاميّ, 1398/ 1978, 13.
(2) ـ حسين, محمّد محمّد, الاتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 190.(1/400)
ويمكن أن نقول: إنّ التّغريب هو التّيّار الّذي ظهر نتيجة ظروف معيّنة حلّت بالأمّة العربيّة والإسلاميّة, وكان هذا التّيّار يدعو إلى الأخذ عن الغرب في كلّ المجالات, بهدف التّطوّر والتّقدّم. ولكنّ الدّاعين إلى هذا التّيّار والمدافعين عنه, تطرّفوا في آرائهم, لدرجة رفضهم وتبرّئهم من كلّ ما يمتّ إلى القديم بصلة من قريب أو بعيد, من دين, وتقاليد, وموروثات, وحضارة, ولغة, وأيّ شيء يتعلّق بهذا الماضي. فهؤلاء تصوّروا أنّ التّقدّم والتّطوّر لا يأتي إلّا بترك الماضي وما فيه من خير وشرّ, والأخذ عن الغرب بكلّ ما فيه من خير وشرّ. لذلك نرى أنّ هؤلاء وقعوا في تناقض عجيب حيث كانوا ينتقدون التّقليد واتّباع القديم, وكانوا بنفس الوقت يقلّدون الغرب "فالجديد هو في حقيقة الأمر قديم الأوروبيّين, والّذين يسمّونهم المقلّدين كانوا هم الّذين يقلّدون آباءهم وأجدادهم, في حين أنّ من يُسّمون بالمجددين كانوا هم الّذين يقلّدون الأوروبيّين"(1).
أمّا أسباب ظهور هذا التّيّار فأهمّها:
1 ـ قدوم كثير من البعثات, والإرساليات الغربيّة, إلى الشّرق والّتي جاءت إليه من أجل تحقيق أهداف وغايات خطيرة ظهرت فيما بعد, فكانت هذه الإرساليات مقدّمة لدرس وفهم الشّرق, من أجل تمهيد الطّريق لإحتلال هذه البلاد والسّيطرة عليها واستغلالها.
2 ـ وكان لسياسة العثمانيين التّجهيليّة, والتّخلّف الشّديد في كلّ مناحي الحياة, أثر بالغ في توجّه هؤلاء العرب إلى الغرب, والدّعوة إلى اقتباس علومه وحضارته, فانساقوا إلى هذا, دون النّظر إلى غيره, مما أوجد صراعاً بين دعاة الاقتباس عن الغرب, ودعاة المحافظة على القديم.
__________
(1) ـ حسين, محمّد محمّد, الاتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 209.(1/401)
3 ـ سفر كثير من العرب والمسلمين في بعثات علميّة إلى الغرب, حيث لمسوا الفارق الكبير بين الغرب المتحضّر والشّرق المتخلّف, فحاولوا أن ينبّهوا قومهم إلى ما هم فيه من تخلّف وتأخّر, ودعوا إلى الأخذ عن الحضارة الغربيّة, دون التّنكّر لحضارة هذه الشّعوب أو لدينها.
4 ـ وبعد السّيطرة البريطانيّة والفرنسيّة على معظم البلاد العربيّة, وسقوط الخلافة العثمانيّة, نشط تيّار التّغريب نشاطاً كبيراً, في كلّ البلاد العربيّة والإسلاميّة "وتلقّف أهلها ما طاب لهم من الحضارة العصريّة"(1).
نشط التّغريب في مصر أكثر من غيرها من بلاد العرب, وذلك بسبب وضع مصر الخاصّ, وسيطرة بريطانية عليها وسياستها فيها, فكانت مصر ملتقى المثقّفين والأحرار العرب من كلّ البلاد العربيّة, وكانت أيضاً منبع الأفكار والدّعوات الجديدة.
__________
(1) ـ حسين, محمّد محمّد, الاتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 209 ؛ وانظر, كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, 354.(1/402)
أمّا أهمّ رموز التّغريب, أو أهمّ من حمل لواء التّغريب في البلاد العربيّة, فنذكر أسماء: رفاعة رافع الطّهطاوي, ومحمّد عبده, وكلاهما لم يكن يرمي إلّا لتقدّم الشّرق دون التّخلّي عن دينه. إذ أنّهما كانا يؤمنان بأنّ الإسلام هو الدّين الّذي يجب أن يحكم بلاد الإسلام, ولكن لا مانع من الأخذ عن الغرب بما يلزم من أجل التّطوّر والتّقدّم. "وانطوى تفكير محمّد عبده على توتّر دائم بين أمرين, لا يمكن فهم أحدهما فهماً تامّاً بالاستناد إلى الآخر ولكن لكلّ منهما مطلب خاصّ به لا مفرّ منه: الإسلام الّذي يذهب إلى أنّه يعبّر عن مشيئة اللّه في باب قواعد سلوك الإنسان في المجتمع, وحركة المدنيّة الحديثة الّتي لا مردّ لها, المنطلقة من أوروبّا, والآخذة الآن في الإنتشار عالميّاً, والّتي تفرض على الإنسان بطبيعة مؤسساتها, تصرّفاً معيّناً. وكان هدف محمّد عبده أن يبرهن بشرحه ما الإسلام الحقيقي, أنّ المطلبين غير متناقضين........إلّا أنّه لم يعتقد يوماً أنّ بين الإثنين توافقاً مطلقاً, أي أنّ الإسلام يرضى عن كلّ ما يرضى عنه العالم الحديث, بل كان يعلم بوضوح لأيّ منهما الأوّلويّة عند نشوء خلاف حقيقيّ بينهما"(1).
__________
(1) ـ حوراني, ألبرت, الفكر العربيّ في عصر النّهضة, ترجمة كريم عزقول, 198.(1/403)
ولكنّ محمّد عبده فتح الباب لغيره من المفكّرين الّذين انطلقوا من مدرسته, وتأثّروا بأفكاره, وأخذوا يفكّرون بطريقته. فقد كان معظم رموز التّغريب الّذين جاءوا فيما بعد هم من تلاميذه, أو من مرافقيه ومريديه, ونذكر منهم: أحمد لطفي السّيّد(1), والّذي يعتبره كثيرون حامل لواء التّغريب في مصر, والدّاعي إلى القوميّة المصريّة. وقاسم أمين(2) الّذي يُعتبر رائد تحرير المرأة في العصر الحديث والدّاعي إلى إعطاءها حقوقها ومشاركتها في الحياة العامّة, وسعد زغلول(3)
__________
(1) ـ أحمد لطفي السّيّد, باحث, وُلد في قرية برقين بمركز السّنبلاويين بمصر سنة 1288/1870م, وتخرّج بمدرسة الحقوق بالقاهرة, شارك في حزب الأمّة, وحرر في صحيفة الجريدة, عُين مديراً لدار الكتب المصريّة, ومديراً للجامعة المصريّة, ووزيراً للمعارف والدّاخليّة والخارجيّة, من آثاره: صفحات مطويات من تاريخ الحركة الاستقلاليّة, وتأملات في الفلسفة والسّياسة والإجتماع, توفّي سنة 1382/ 1963؛ انظر, كحّالة, عمر رضا, المستدرك على معجم المؤلّفين, 84؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 111.
(2) ـ قاسم أمين, وُلد في الإسكندريّة, سنة 1863م, لأب تركيّ وأمّ مصريّة, درس الحقوق والإدارة وحصل على اللّيسانس بالحقوق, عمل بالمحاماة, ثمّ سافر في بعثة دراسيّة إلى فرنسا, وبقي فيها أربع سنوات, ثمّ عاد إلى مصر فعيّن بالقضاء, وتنقّل فيه في مناصب كثيرة. كتب في المؤيّد, وأصدر كتاب المصريون, وتحرير المرأة, والمرأة الجديدة, توفّي فجأة في 23 نيسان عام 1908م؛ انظر, عمارة, محمّد, قاسم أمين, بيروت, دار الوحدة, 1985م, 15؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 8, 114؛ وكرد علي, محمّد, المعاصرون, 290.
(3) ـ سعد زغلول, زعيم مصر السّياسي, وُلد في أبيانة من قرى الغربيّة في مصر عام 1273/1857م تعلّم في الأزهر واشتغل في جريدة الوقائع المصريّة, اشترك في الثّورة العرابيّة, حصل على إجازة الحقوق واشتغل بالمحاماة, تولّى وزارة المعارف والحقانيّة, اُنتخب رئيساً للوفد المصري المطالب بالاستقلال, نُفي إلى جزر سيشل عام 1922م, توفّي في القاهرة عام 1346/ 1927م؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 3, 83؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 4, 209.(1/404)
زعيم التّجديد والتّحرر في مصر, المناضل المعروف. وغيرهم من المفكّرين والمثقّفين, الّذين كانوا على صلة وثيقة بالشّيخ محمّد عبده.
وبالرّغم من ذلك لا يمكن اعتبار الشّيخ محمّد عبده من التّغريبيين الّذين دعوا إلى الأخذ عن الغرب دون ضوابط, بل إنّ الدّارس لسيرة الشّيخ محمّد عبده يجد أنّه كان يدعو إلى الأخذ عن الغرب بما يناسب وضعنا ولا يتناقض مع ديننا, بعكس ما وصل إليه تلاميذه من التّغريبيين فيما بعد.
ولا نغفل أسماء أخرى, يعدّ أصحابها من أكبر دعاة التغريب, وكان لهؤلاء أثرهم الكبير في الحياة العامّة في مصر, من خلال ما كتبوه من كتب ومقالات تدعو إلى الأخذ عن الغرب, وتهاجم موروثات وأساسيات مهمّة في بلاد العرب, وقد تجاوزت شهرتهم مصر إلى جميع البلاد العربية, نذكر منهم: طه حسين(1), وشبلي شميّل, وسلامة موسى, وعلي عبد الرّازق(2)
__________
(1) ـ طه حسين, وُلد في مصر عام 1889م في محافظة المنيا بصعيد مصر, درس في الأزهر ثمّ في الجامعة المصريّة, ونال الدّكتوراة من جامعة السّوربون. عُيّن عميداً لكليّة الآداب بجامعة القاهرة, ومديراً لجامعة الإسكندريّة, ووزيراً للمعارف, أسس مجلّة الكاتب المصري, له مؤلّفات منها الشّعر الجاهلي, وعلى هامش السّيرة, وغيرها كثير, توفّي في عام 1973م؛ انظر, اليسوعي, روبرت ب ـ كامبل, أعلام الأدب العربيّ المعاصر, بيروت, مركز الدّراسات للعالم العربيّ المعاصر, 1, 485؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 282؛ وفلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره, 1, 298.
(2) ـ علي عبد الرّازق, وُلد عام 1888م بأبي جرج في محافظة المنيا, درس في الأزهر, سافر إلى انجلترا ودرس في اكسفورد علمي الاقتصاد والاجتماع مدّة ثلاث سنوات, اضطرّته بعدها الحرب إلى العودة إلى مصر قبل انهاء الدّراسة, عُيّن قاضياً بالمحاكم الشّرعيّة في المنصورة. شارك في اصدار صحيفة السّفور, له مؤلّف مشهور هو الخلافة وأصول الحكم, الّذي أثار ضجّة كبيرة, توفّي سنة 1966م؛ انظر, نجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 342؛ وسمعان, كامل, علي عبد الرّازق, القاهرة, الدّار المصريّة اللّبنانيّة, 1419/ 1998, 10.(1/405)
, ومحمود عزمي(1), ومنصور فهمي(2), وغيرهم. و"عبّر هؤلاء الكتّاب عن أفكارهم في كليّة الآداب في الجامعة المصريّة, وفي المنتديات, وفي عدد من الصّحف والمجلّات"(3). وتحدّث هؤلاء المفكّرون عن مجموعة من الأفكار والقضايا, كانت تدعو بمجملها إلى ترك الماضي والانعتاق من القديم, والأخذ عن الغرب وحضارته, ومماشاته في كلّ المسائل الّتي تخصّ تنظيم الحياة سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً وحتّى دينيّاً. ومن أهمّ هذه الأفكار:
__________
(1) ـ محمود عزمي, كاتب مصريّ وُلد في منيا القمح عام 1306/ 1889م, تعلّم بمصر وباريس, أنشأ جريدة الاستقلال, ومجلّة الجديد, عُيّن عميداً لكليّة الحقوق ببغداد, ثمّ عاد إلى القاهرة, توفّي فجأة وهو يخطب في مجلس الأمن عام 1374 / 1954, له من المؤلّفات منها: ملخّص مبادئ الصّحافة العامّة؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7, 177؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 12, 179.
(2) ـ منصور فهمي, مفكّر مصريّ أصله من المغرب العربيّ, وُلد في مصر عام 1303/ 1886م, تعلّم بالقاهرة, ودرس الفلسفة في باريس, أصبح عميداً لكليّة الآداب ومديراً لدار الكتب المصريّة, له من المؤلّفات محاضرات عن مي زيادة, توفّي في القاهرة عام 1378/ 1959. انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7, 302؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 13, 16.
(3) ـ جدعان, فهمي, أسس التّقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربيّ الحديث, 323.(1/406)
1 ـ التّغريب: بالمعنى الخاصّ الضّيق لهذه الكلمة, أي بمعنى نبذ الشّرق والعرب والإسلام, واللّحاق مباشرة بالمدنيّة الغربيّة, بكلّ حسناتها وبكلّ سيئاتها. وأبرز من مثّل هذا الإتجاه: أحمد لطفي السّيّد, وسلامة موسى, وطه حسين, ومحمود عزمي. اللّذين ارتبط لديهم مفهوم التّغريب بمفهوم القوميّة المصريّة أو الفرعونيّة الضّيق, والمعادي صراحة لكلّ إنتماء عربيّ وإسلاميّ وشرقيّ تاريخيّ أو دينيّ أو أدبيّ. ولم يكن العداء للعربيّة الفصحى, ومعركة القديم والحديث, إلّا وجهاً لظاهرة التّغريب بهذا المعنى.(1/407)
2 ـ اللّيبراليّة: أي تحرر العقل من كلّ سلطة عقليّة سابقة, والنّظر إلى موضوعات المعرفة والمجتمع نظرة عقليّة متفرّدة, مدعومة بالفكر الوضعي الخالص, البعيد عن موروثات سابقة(1). وقد طبّق الدكتور طه حسين التّفكير اللّيبرالي بمعناه هذا, والنّهج الدّيكارتي(2) اللّيبرالي في جوهره, والنّقد العلميّ, على دراسة الأدب العربيّ الجاهليّ, فقرأه قراءة متحررة من كلّ معطى ديني سابق, فانتهى إلى نتائج رأى بعض نقّاده أنّها خرجت به عن حدود الاعتقاد الإسلاميّ. أمّا شبلي شميّل, وسلامة موسى وإسماعيل مظهر(3)
__________
(1) ـ ليبرالية, liberlism, ظهرت في أوروبّا في القرن التّاسع عشر, وتعني التّحرر من الكنيسة ومن سلطة الدّولة وتقليص سلطة العائلة المالكة والأرستقراطية والمبادرة الحرّة في الاقتصاد والتّرقية الحرّة للفرد. أما اليوم فيختلف معنى الليبرالية عما كان عليه في القرن التاسع عشر, إذ تدعو اليوم إلى المزيد من الحكم بدل الحدّ منه؛ انظر, موقع الجمعيّة الدوليّة للمترجمين العرب, www.arabicwata.org
(2) ـ المنهج الدّيكارتي, نسبة إلى رينيه ديكارت (1596, 1650م), ويقوم هذا المنهج على أن يضع للعلوم كلّها, رياضيّة وطبيعيّة, منهجاً واحداً, يعتمد على البراهين الرياضيّة, ووضع مكان قواعد المنطق الأرسطي القديم أربع قواعد: قاعدة اليقين, وقاعدة التّحليل, وقاعدة التّركيب, وقاعدة الاستقراء؛ انظر, دويدري, رجاء وحيد, البحث العلمي, أساسيّاته النّظريّة, وممارساته العمليّة, دمشق, دار الفكر, بيروت, دار الفكر المعاصر, 1423/ 2002, 134.
(3) ـ إسماعيل مظهر, باحث مصري من أعضاء المجمع اللّغوي, وُلد عام 1308 / 1891, سافر إلى انجلترا ودرس في لندن واكسفورد, أصدر مجلّة العصور, ورأس تحرير مجلّة المقتطف, من مؤلّفاته: معجم مظهر الأنسيكوبيدي, وقاموس النّهضة, وملقى السّبيل في مذهب النّشوء والارتقاء, توفّي في القاهرة عام 1381/ 1962؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 1, 327؛ ونجيب, مصطفى, أعلام مصر في القرن العشرين, 125؛ وفلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره, 1, 78.(1/408)
فقد ارتبطت اللّيبراليّة العلميّة عندهم بتبنّي الدّاروينيّة(1), أو مذهب النّشوء والارتقاء, والتّرويج له ترويجاً واسعاً.
3 ـ العلمنة: تبدّت في الدّعوة الصّريحة إلى تأسيس الدّستور على القانون الوضعي وتأسيس الدّولة على قواعد عصريّة غربيّة, ليس للدّين الإسلاميّ أيّ دور فيها, أو بتعبير مشهور, فصل الدّين عن الدّولة, ومع أنّ هذه الدّعوة قديمة...........إلّا أنّها ارتبطت منذ عام 1925م باسم شيخ أزهريّ سابق هو علي عبد الرّازق(2).
__________
(1) ـ الدّاروينيّة, نسبة إلى العالم الإنجليزي تشالز داروين, الذي نشر كتابه أصل الأنواع عام 1859م, وقد ناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء معتبراً أصل الحياة خلية كانت في مستنقع آسن قبل ملايين السنين، وقد تطوّرت هذه الخلية ومرّت بمراحل منها مرحلة القرد انتهاء بالإِنسان، وهو بذلك ينسف الفكرة الدينية التي تجعل الإِنسان منتسباً إلى آدم وحواء؛ انظر, موقع الموسوعة الإسلاميّة المعاصرة, الأديان والعقائد, الدّاروينيّة, www.islampedia.com/MIE2/MainInter/default.htm
(2) ـ جدعان, فهمي, أسس التّقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربيّ الحديث, 323 ـ 324؛ وللتّوسّع راجع, حوراني, ألبرت, الفكر العربيّ في عصر النّهضة, 171؛ والبهي, محمّد, الفكر الإسلاميّ وصلته بالاستعمار الغربي, 33 ؛ والجندي, أنور, يقظة الفكر العربيّ, 33ـ 34.(1/409)
بدأ هؤلاء المفكّرون بنشر أفكارهم, وهاجموا كلّ ما هو موروث ومتعارف عليه من الحضارة العربيّة, والماضي الإسلاميّ, ودعوا إلى مشاركة الأوروبيّين, والسّير معهم في طريقهم مهما كان بيننا وبينهم من اختلاف, فشملت هذه الدّعوة كلّ مناحي الحياة ماديّة واجتماعيّة وعقليّة وروحيّة,...وقد اشتملت هذه المعركة الكبيرة على ميادين كثيرة فرعيّة برزت من بينها أربعة ميادين, دار النّزاع فيها حول المرأة, والزّي والتّعليم, والأدب, والتّربية "(1):
1ـ فظهرت الدّعوة إلى سفور المرأة, واختلاطها بالرّجال على مثل ما يحصل في الغرب, على الرّغم من أنّ قاسم أمين, الّذي كان من أوائل من طرح قضيّة المرأة وتحررها, لم يدعُ إلى نزع الحجاب, إنّما دعا إلى نزع النّقاب, الّذي كان سائداً في عصره, ولكنّ تطوّر الأحداث جعل مسألة المرأة وحجابها تتطوّران إلى هذا الحدّ الّذي وصلنا إليه(2).
2 ـ وظهرت الدّعوة إلى استبدال الزّيّ العربيّ باللّباس الغربيّ الأوروبيّ.
3 ـ وظهرت الدّعوة إلى تغيير مناهج التّعليم والدّعوة إلى إصلاح الأزهر, وحصر العلماء في المساجد, وعدم تأثيرهم في المجتمع, حتّى يصير الدّين والتّعليم الدّيني, مماثلاً لما يحصل في الغرب.
4 ـ أمّا في ميدان اللّغة والأدب, فقد دعا المتغرّبون إلى استخدام اللّغة العاميّة بدل اللّغة الفصحى, وإلى كتابة اللّغة العربيّة بالحرف اللّاتيني, وأخذوا يحطّون من قدر اللّغة العربيّة والأدب العربيّ القديم ودعوا إلى تعلّم آداب الغرب ومعرفتها, وأصبح الفخر كلّ الفخر في التّحدّث عن هذه الآداب, والرّفع من قيمتها, والحطّ من الآداب العربيّة, والتّشكيك بصحّتها وأصالتها.
__________
(1) ـ حسين, محمّد محمّد, الاتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 2, 248.
(2) ـ الخطيب, محمّد كامل, قضيّة المرأة, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1999, 1, 313.(1/410)
وكان لكلّ هذه الدّعوات تأثيره الكبير على كلّ نواحي الحياة, ولكنّه لم يصل إلى غايته المعلنة في ارتقاء الأمّة ونهضتها ولكنّه نجح في تغيير المظهر والأخلاق وعمل على هدم الدّين والآداب, وساهم إلى حدّ بعيد في زيادة الانحطاط, والاكتفاء بتغيير القشور دون تغيير الجوهر(1).
ب ـ عمل السّيّد محب الدّين في مقاومة التّغريب:
يُعتبر السّيّد محب الدّين من أهمّ الكتّاب الّذين سخّروا أقلامهم لمقاومة تيار التّغريب, ولبيان أهداف وأخطاء هذا التّيار. وقد كانت مطبعته وصحفه منبراً لكلّ الأقلام الّتي كانت تسعى لنفس الغاية الّتي سعى إليها, فقد كتب في مجلّته الزّهراء والفتح مقالات هامّة في هذا الموضوع, منها, مثلاً, مقاله الّذي يحمل عنوان "حملة التّجديد والإصلاح", الّذي نشره في الزّهراء, ومما جاء فيه قوله: "هناك تجديد حقيقيّ وتجديد مدسوس وإذن, فالمقياس الّذي يتميّز به التّجديد الحقيقيّ عن التّجديد المدسوس هو تعيين المبادئ والغايات, ورسم الخطط فيما بينهما"(2).
__________
(1) ـ الجندي, أنور, شبهات التّغريب في غزو الفكر الإسلامي, 12.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, " حملة التّجديد والإصلاح ", في الزّهراء, 4 (الرّبيعان, 1346), 7.(1/411)
فالسّيّد محب الدّين كان يريد من المتغرّبين أن يحددوا أهدافهم وغاياتهم, وما التّجديد الّذي يطلبونه, والّذي يناسب أمّتنا وديننا, ويؤدّي حقّاً إلى تقدّمنا وعزّتنا, وتخلّينا عن منتجات ومصنوعات الأمم الأخرى والّذي يسهم في تقدّمنا حقيقة لا شكلاً وجوهراً لا مظهراً خارجياً فقط. لذلك فهو يقول, في مقاله المشار إليه آنفاً: " تُرى, ما هي مبادئ حركة التّجديد الحقيقيّة الّتي يحتاج إليها هذا الشّرق العربيّ؟ وما غاياتها؟ وما خططها؟ نريد أن نكون أقوياء في أنفسنا, ومحترمين عند الأمم القوّيّة, هذه غاية يجب أن نصل إليها, ويجب أن نحتفظ بكياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, وهذا مبدأٌ يجب أن نقطع اليد الّتي تحاول قطع ما بيننا وبينه. فالخطّة الّتي يجب أن نرسمها بين هذا المبدأ, وتلك الغاية هي أن نأخذ من كلّ مكان ما نحن في حاجة إليه من أسباب القوّة, وأن نحتفظ بكلّ ما في كياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, مما لا يعدّ من عوامل الذّلّ, وبواعث الوهن"(1).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, نفس الصّفحة.(1/412)
هكذا حدّد السّيّد محب الدّين ما يمكن قبوله من الغرب وما يمكن رفضه, فهو يريد أن نستفيد من أسباب القوّة الموجودة عند الأمم القوّيّة, فنستفيد من العلوم والاختراعات ونطوّرها حتّى تكون لنا صناعاتنا الخاصّة واختراعاتنا الخاصّة, وأن نبتعد عن كلّ ما يُخرجنا عن كياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, فتبقى لنا شخصيّتنا الخاصّة, الّتي تميّزنا عن غيرنا من الشّعوب والأمم الأخرى. وكان يعلن عن هذا بقوله: " التّجدد الّذي نبقى معه مسلمين حقّاً...., التّجدد الّذي ينمّي في نفوسنا فضيلة الوفاء لأجدادنا... التّجدد الّذي يزيدنا قوّة وثروة ومنعة, ويرفع عنّا ذلّة الخنوع لنير الأجانب ونزعاتهم ونزغاتهم, فذلك التّجدد نحن دعاته, والمرحّبون به, والحاضّون عليه"(1). وقدحارب السّيّد محب الدّين كلّ الدّعوات الّتي تتنافى مع إيمانه هذا, فنراه يقول: " في مصر دعاية إلى شيءٍ يسمّونه أدباً مصريّاً, وتحت هذه الدّعاية مقاومة لشيء يسمّونه أدباً عربيّاً, ونحن إذا تجاوزنا عن المآرب المستترة تحت الدّعاية الظّاهرة, لا نكاد نتصوّر تنافياً, بل ولا تعارضاً بين أن يكون لمصر أدب مصريّ, وبين أن يكون لمصر مع سائر الشّعوب العربيّة أدب عربيّ"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "محافظون ", في الزّهراء, 3 (محرّم, 1345), 5.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "الاتجاهات في الأدب العربيّ اليوم", في الزّهراء, 4 ( ذوالحجّة, 1346 ), 580.(1/413)
وكان لموضوع الأدب واللّغة العربيّة والدّفاع عنهما ضدّ المشكّكين, والدّاعين إلى تفريق وحدة العرب عن طريق هدم أهمّ رابطة تؤلّف بينهم, وهي اللّغة العربيّة, حيّز كبير في خطة السّيّد محب الدّين لمقاومة المتغرّبين الّذين هاجموا اللّغة العربيّة ودعوا إلى استبدالها باللّغة العاميّة, أو قاموا بالحطّ منها, وبيان عجزها عن مسايرة الحضارة والتّقدّم. وهاجم في مجلّاته كلّ من تعرّض لهذه اللّغة بالسّوء, ففي مجلّته الزّهراء نقرأ قوله معلّقاً على مقالة نشرها في المجلّة بعنوان "العاميّة والفصحى" : " إذا كنّا نحمد للسر وليم ويلكوكس(1) مساعيه في مصر لإصلاح أرضها فإنّنا في الوقت نفسه نعدّه في زمرة العاملين مع دعاة البروتستانتيّة من جهة, ومع الّذين يكيدون للعربيّة, كحضرة الفاضل سلامة موسى أفندي, من جهة ثانية"(2).
__________
(1) ـ وليم ويلكوكس, مهندس انجليزي, اختصّ بالرّيّ في مصر, رأس تحرير مجلّة الأزهر, وبدأ بإدارتها من أوّل يناير سنة 1893, كتب مقالات تدعو إلى استعمال اللّغة العاميّة بدل اللّغة العربيّة الفصحى, وترجم أجزاء من الإنجيل إلى ما سمّاه اللّغة المصريّة وذلك في سنة 1926م؛ انظر, الكومي, سامي عبد العزيز, الصّحافة الإسلاميّة في مصر, 214؛ وحسين, محمّد محمّد, الإتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 2, 361.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, تعليق على مقالة محمّد عزّة دروزة, "العاميّة والفصحى", في الزّهراء, 3 (صفر , 1345), 116.(1/414)
وكتب في مقال نشره في الفتح بعنوان "إحلال العاميّة في محل العربيّة الفصحى أمنية كلّ من يتمنّى هدم الإسلام", قائلاً: "الدّعوة إلى إحلال العاميّة محل العربيّة الفصحى من أدب النّاطقين بالضّاد وثقافتهم, ليست من مخترعات هذا الجيل بل هي فكرة استعماريّة"(1). واعتبر أنّ هذا المستعمر كان هدفه الأساسيّ حرمان العرب والمسلمين من تراث الفصحى, في الدّين والعلوم والآداب, لتسهل على الاحتلال مهمّته(2).
ونشر قصائد تمجّد اللّغة العربيّة الفصحى, وتحارب كلّ من يدعو إلى تركها, أوعدم استخدامها, أو استبدالها باللّغة العاميّة. ومن هذه القصائد ما نشره في مجلّة الفتح, لمناسبة الدّعوة في المجمع اللّغوي إلى اللّغة العاميّة. وقال في تقديم هذه القصيدة: " لمّا كاد النّاس ينسون ذلك الهذيان الّذي قُدّم إلى مجمع فؤاد الأوّل للّغة العربيّة من بعض أعضائه, يقول لهم فيه إنّ تعلّم العربيّة الفصحى محنة حائقة بأهل العربيّة, إنّه طغيان وبغي, جاء عضو آخر من أعضاء المجمع بتقرير يقول فيه: إنّ لغة القرآن فقدت مرونة التّطوير, ويقترح التّفكير في العدول عنها إلى العاميّة...... ارتجل الشّاعر على أثر ذلك الأبيات التّالية, يصف بها العربيّة, بين حماتها وعداتها"(3). وكان من هذه الأبيات قول الشّاعر:
هي للعاشق شغلٌ شاغلُ فليقل ما شاء عنه العاذلُ
أبغض العرب رجالٌ لا يُرى منهم إلّا كذوبٌ خاتلُ
أإلى العجمة تدعو يعرباً باطلٌ ما أنت فيه آملُ
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "إحلال العاميّة في محل العربيّة الفصحى أمنية كلّ من يتمنّى هدم الإسلام", في الفتح, 849 (ذو القعدة, 1366), 865.
(2) ـ المصدر نفسه, 865.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "إلى حماة العربيّة وعداتها", في الفتح, 849 (ذو القعدة, 1366), 864. والقصيدة هي للشّاعر كمال النجمي.(1/415)
لقد جعل السّيّد محب الدّين مطبعته ومكتبته السّلفيّة وصحفه, منبراً لمقاومة التّغريب وأفكاره. فعندما أصدر سلامة موسى كتابه أحلام الفلاسفة, انتقد السّيّد محب الدّين هذا الكتاب لما حمله من أفكار وآراء, رأى فيها محاربة للأديان. وعرض السّيّد محب الدّين لبعض ما جاء في هذا الكتاب من هذه الأفكار, ونبّه إلى ما فيه من دسّ على الأديان والمعتقدات, ودعوة إلى تركها, يقول: " نشرت مجلّة الهلال(1) الغرّاء كتاباً جديداً لسلامة موسى أفندي بهذا العنوان, أراد أن يستعرض فيه أماني العظماء في تكوين الإنسانيّة, وإبلاغها إلى ما يرتجونه من المثل العليا. وكانت هذه الفكرة جميلة بذاتها, لولا ما بثّه الكاتب في كتابه من آراء خبيثة لم نكن نتوقّع من رصيفتنا الهلال أن تكون واسطة لنشرها أو إيصالها إلى الأوساط العائليّة فتتناولها الفتيات وقليلو التّجربة. كقول سلامة موسى أفندي صفحة 81: " وكان أفلاطون يبحث في شيوعيّة النّساء, ففي مثل هذا الوسط الحرّ نشأ أدب نزيه خلّو من القيود لا يزال إلى الآن يوحي إلى الكتّاب والأدباء روح التّفكير النّزيه الحرّ الجريء". وكقوله صفحة 87 في موضوع آخر: "وليس في هذا النّظام ما يخالف الطّبيعة البشريّة كما يتوهّم
__________
(1) ـ الهلال, أسّسها جرجي زيدان عام 1892م, في القاهرة. وصدر العدد الأول منها في (1310/ 1892), وكان ينشر فيها كتبه على هيئة فصول متفرقة، وقد لقيت المجلّة قبولا من الناس حتى لم يكد يمضي على صدورها خمس سنوات حتى أصبحت من أوسع المجلات انتشاراً، وتجاوز عمرها قرناً من الزمان، وكان يكتب فيها عمالقة الفكر والأدب، ورأس تحريرها كبار الكتاب والأدباء، من أمثال الدكتور أحمد زكي، والدكتور حسين مؤنس، والدكتور علي الراعي، والشاعر صالح جودت وغيرهم؛ انظر, موقع إسلام أون لاين, تمّام, أحمد, "جرجي زيدان كفاح ونجاح", في ذكرى وفاته, www.islamonline.net؛ وسعد الدّين, محمّد منير, الإعلام,110.(1/416)
القارئ لأوّل وهلة, فإنّ العائلة لا تزال موجودة بوجود الأمّ, الّتي هي صلة القرابة بين جميع السّكان, ثمّ إنّ الأبناء لا يعرفون لهم أباً معيّناً, فالمنفعة الشّخصيّة والأثرة الأبويّة منتفية, وبذلك ينتفي التّنازع بين أفراد البيت, ثمّ إنّ الشّهوة الجنسيّة غير مقيّدة لأنّ لجميع الأفراد أن يتمتّعوا بها, بشرط أن لا تعقب نسلاً". هذا بعض أحلام الفلاسفة الّتي يذيعها سلامة موسى أفندي, بواسطة رصيفتنا مجلّة الهلال, لتدخل كلّ منزل تدخله الهلال, لأنّ الكتاب هديّة لقرّائها.....وكنّا نستغرب من الأستاذ المؤلف شدّة كراهيته للإسلام والنّصرانيّة معاً, مع أنّ الثّانية دين آبائه, إلى أن علمنا من كتابه هذا صفحة 31 ما أساءت به هاتان الشّريعتان إلى حضرته, حيث قال: "ثمّ كان ملوك النّصارى, وخلفاء المسلمين, عائقاً آخر يمنع التّخيّل, والبحث في المثل العليا للحكومات, والهيئات الاجتماعيّة". ويريد من هذه المثل العليا نفس الأحلام الّتي ألّف منها كتابه, وأراد أن تكون من الثّقافة الّتي تستنير بها بناتنا, ونساؤنا, وأبناؤنا, وشبابنا, حتّى يخلصوا من هداية موسى, وعيسى, ومحمّد - صلى الله عليه وسلم -"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "في أحلام الفلاسفة لسلامة موسى", في الزّهراء, 3 (صفر, 1345), باب حركة النّشر والتّأليف.(1/417)
ونشر السّيّد محب الدّين مقالات لكتّاب كثيرين ينتقدون أفكار سلامة موسى ومن يلفّ لفّه, منها مقالة بعنوان "شرقيٌّ يكره الشّرق", فيها عرض لكتاب سلامة موسى اليوم والغد ونقد لأفكاره, ولما فيه من كراهية للشّرق, وتمجيد للغرب(1). ونشر أيضاً مقالاً فيه نقد لمقالات سلامة موسى عن استعمال اللّغة العاميّة بدل اللّغة العربيّة الفصحى, وهو بعنوان "العاميّة والفصحى"(2) بيّن فيه الكاتب أهميّة اللّغة الفصحى, ودافع عنها. وعلق السّيّد محب الدّين على هذه المقالات بما يبيّن حبّه الشّديد للّغة العربيّة الفصيحة, وإيمانه العميق بها, وبجدارتها لمواكبة الحضارة, والمدنيّة الحديثة.
وانتقد السّيّد محب الدّين كتابات طه حسين, وكتب مقالاً في الزّهراء بعنوان "ما أعرفه عن طه حسين", بيّن فيه أنّ هذا الرّجل لا يتورّع عن سرقة جهود غيره وأنّه كان يتسلّح باللّسان السّليط لإسكات خصومه, وأنّه يسارع إلى تكذيب العلماء قبل أن يتحقّق من أقوالهم, ويظنّ بعد ذلك أن لا أحد يستطيع بيان الحقّ غيره, وفي نهاية المقال يُورد كلمة للأستاذ داود بركات بحقّ طه حسين يقول فيها: "لو أنّا أخذناه على سبابه, لما بقي شيء يُسمّى طه حسين"(3).
__________
(1) ـ المقال موقّع بـ (ع) دمشق الشّام, في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية, 1346), 223.
(2) ـ دروزة, محمّد عزة, "العاميّة والفصحى", في الزّهراء, 3 (صفر, 1345), 116. وهي ردّ على مقالة كان سلامة موسى قد نشرها في الهلال بعنوان "اللّغة الفصحى والعاميّة".
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "ما أعرفه عن طه حسين ", في الزّهراء, 3 (ربيع الثّاني, 1345), 268.(1/418)
ويقول أيضاً في نفس العدد من المجلّة: "يرى الدّكتور طه حسين أنّ النّظريات الّتي ذهب إليها في كتاب الشّعر الجاهلي خير عمل صدر منه إلى الآن, ونرى أنّ هذا الكاتب لم يفضح نفسه بشيء كما فضحها بالأبحاث الّتي تعرّض لها في كتاب الشّعر الجاهلي, لأنّه هجم فيه على أمور كثيرة, لو كشف الغطاء له عن تفاصيل كلّ واحد منها, للبس فيه ثوبي حزن وخجل لا سبيل إلى نزعهما عن جسمه أبد الدّهر, وقد صدرت في الرّدّ عليه كتب متعدّدة, ونُشرت في ذلك مقالات كثيرة"(1). وقام السّيّد محب الدّين بنشر كثير من هذه الرّدود, سواء في مطبعته السّلفيّة, أم في مجلّته الزّهراء, فنشر كتاب صديقه السّيّد محمّد الخضر حسين في نقد كتاب طه حسين, وهو بعنوان: نقض كتاب الشّعر الجاهلي, ونشر مقالات كثيرة في نفس الموضوع.
وعندما نشر الشّيخ علي عبد الرّازق كتابه المثير للجدل الإسلام وأصول الحكم, كانت مجلّته الزّهراء, كعادتها, منبراً لنقد الكتاب وما جاء فيه, ونشر أيضاً فيها نصّ الحكم الصّادر بحقّ الشّيخ علي عبد الرّازق عن الأزهر الشّريف والّذي جاء فيه: "وبعد, فقد صدر في مصر كتاب عنوانه الإسلام وأصول الحكم للشّيخ علي عبد الرّازق, خرج فيه على الأصول الّتي سُميّ بها عالماً شرعيّاً, وكان بها أهلاً للفتيا والقضاء, ولمّا تحقق ذلك لهيئة كبار العلماء في الجامع الأزهر الشّريف ناقشته, وحكمت بالإجماع بإخراجه من زمرة العلماء"(2).
__________
(1) ـ المصدر نفسه, 281.
(2) ـ نُشر هذا الحكم في الزّهراء, 2 ( صفر, 1344), وكان ملحقاً معها.(1/419)
وقد وضع الشّيخ علي عبد الرّازق في كتابه أفكاراً عن الحكم, ونظامه في الدّولة الإسلاميّة, وجاء فيه قوله: "إنّ الشّريعة الإسلاميّة شريعة روحيّة محضة, لا علاقة لها بالحكم والتّنفيذ, وإنّ الدّنيا من أوّلها إلى آخرها وجميع ما فيها من أغراض وغايات, أهون عند اللّه من أن يقيم على تدبيرها غير ما ركّب فينا من عقول, وأهون عند اللّه من أن يبعث لها رسولاً, وأهون عند رسل اللّه من أن ينشغلوا بها, ويُنصّبوا لتدبيرها" (1). وهذه الأفكار الغريبة لا تتناسب مع إيمان السّيّد محب الدّين في أنّ الإسلام هو "دين عقيدة وعبادة...., وتتّسع دائرته فتحيط بنظام الحكم كلّه, والمسلمون لا يعتبرون أنفسهم عائشين في بلد إسلاميّ, إلّا إذا ساد نظام الإسلام بلدهم, وقامت فيه أحكامه وآدابه, كما تقوم به شعائره و تسود عقائده"(2). لذلك فإنّ هذه النّظرة لنظام الإسلام تختلف تماماً عن نظرة الشّيخ علي عبد الرّازق. وقام السّيّد محب الدّين بنشر كتاب نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم في مطبعته السّلفيّة, حيث قام الشّيخ محمّد الخضر بنقد أفكار الشّيخ علي عبد الرّازق بأسلوب علميّ, وبيّن خطأ هذه الأفكار الموجودة في الكتاب.
__________
(1) ـ عبد الرّازق, علي, الإسلام وأصول الحكم, من دراسة الدّكتور كامل سعفان, علي عبد الرّازق, 33.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, مع الرّعيل الأوّل, 38.(1/420)
وهكذا جعل السّيّد محب الدّين من صحفه ومطبعته مركزاً يحارب التّغريب ويفنّد أفكاره, ويُظهر مراميه وأهدافه الحقيقيّة, والّتي كان يرى فيها محاولة لهدم الدّين والأخلاق والشّخصيّة العربيّة والإسلاميّة. وقد كتب في الفتح مقالاً ينتقد فيه وضع المرأة, وما وصلت إليه, بسبب من اعتبرهم مقتبسين من الغرب في تعاملهم معها, يقول: "كنّا نشكو جهل المرأة, وكنّا نحمّل جهل المرأة مسؤوليّة كلّ ما في البيت من عيوب. وفي عشرات قليلة من السّنين جرّبنا دفع المرأة في تيار جديد اقتبسناه من مُثل أجنبيّة عنّا..... إنّ الحالة الّتي وصلت إليها المرأة اليوم لا يمكن أن يرضى عنها رجل عاقل, مسلماً كان أو غير مسلم, وإنّ العناصر الأجنبيّة الّتي كنّا نعتزّ بامتيازنا عنها في صيانة نسائنا واستمساكهن, ترى الآن أنّها هي الّتي تمتاز علينا بذلك, وتتمتّع بنتائجه في سعادتها البيتيّة وحياتها المنزليّة"(1). وفي نهاية المقال يبعث نداءً لجميع العقلاء ليعرفوا ما يصلح لنا اقتباسه عن الغرب, وما الشّيء الّذي لا يصلح, فيقول: "أيّها العقلاء, يجب علينا بعد اليوم, وقد أعددنا أنفسنا لنكون أصحاب وطننا, أن نطيل التّفكير فيما نأخذ عن غيرنا وما ندع, ليس كلّ ما عند غيرنا يجوز لمثلنا أن يأخذه ........, إذا مددنا يدنا لنأخذ, يجب علينا أن نطيل النّظر قبل ذلك, لئلا تقع أيدينا على عقارب ......, أيها النّاس, اتّقوا اللّه في النّساء"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "اتّقوا اللّه في النّساء ", في الفتح, 843 (جمادى الأولى, 1366), 723.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "اتّقوا اللّه في النّساء ", في الفتح, 843 (جمادى الأولى, 1366), 723.(1/421)
ولا ننسى أنّ جمعيّة الشّبان المسلمين وُجدت أصلاً من أجل محاربة هذا التّيّار التّغريبي, والّذي انتشر انتشار النّار في الهشيم, والّذي كان بحاجة إلى من يوقفه, ويكشفه للنّاس بصورة واضحة لا لبس فيها. ووصف السّيّد محب الدّين هذا بقوله: "كان جوّ القاهرة الفكريّ والثّقافيّ في ذلك الحين متشبّعاً برطوبة الأخذ بثقافة الغرب بكلّ ما فيها من خير وشرّ وجدّ وهزل وأكثر القائمين على الأندية والعاملين في الصّحافة, والمترددين على الأندية والمجتمعات, يعدّون كلّ نزعة إسلاميّة رجعيّة وجموداً, وكان العالم الإسلاميّ قد أُصيب حينئذ بظهور الدّعوة الكماليّة إلى الفصل بين الدّين وشؤون الدّنيا, وتردد صدى ذلك في مصر على صفحات كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرّازق وأنصاره الكثيرين.....كانت الدّعوة إلى تأسيس جمعيّة الشّبّان المسلمين مهددة, من كتّاب الصّحف, ورجال هذه الهيئات الثّقافيّة, بحملات التّشكيك والتّنفير, لو وصل خبر تأسيسها إلى ألسنتهم, وصفحاتهم وأجوائهم فتقرر من السّاعة الأولى أن تكون الدّعوة إلى هذا العمل الجديّ منطوياً في مسار الكتمان"(1).
وكانت هذه الجمعيّة متنبّهة إلى ما يجري حولها, ومتيقّظة لأعمال دعاة التّغريب ودعواتهم, وأهدافهم الّتي يرمون إليها, من إبعاد الشّباب خاصّة والمسلمين عامّة, عن تراثهم وماضيهم ولغتهم, بهدف سلخهم عن دينهم, وتوجيههم إلى ما يريده الغرب, ويريده الملحدون. وظلّت هذه الجمعيّة تخدم قضيّتها, وتحاول جمع الشّباب المسلم والمثقّف حولها من أجل الحفاظ على دينهم وأخلاقهم.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 78.(1/422)
واستمّرت المعركة بين السّيّد محب الدّين الخطيب, ومن وقف معه من جهة, والدّاعين لتيّار التّغريب وأفكاره من جهة أخرى. وقد عمل على محاربة الأعمال الّتي انتشرت في مصر والبلاد العربيّة من مثل إفتتاح الملاهي ودور الرّقص, وذلك بسبب المجون الّذي يجري فيها وموت النّخوة في نفوس الرّجال, حتّى أن أحدهم يجد زوجته أو أخته تراقص رجلاً غريباً أمام عينيه ولا تتحرك في نفسه الغيرة على عرضه وشرفه. يقول: "في ذلك الظّرف الّذي ابتذلت فيه الآداب, وتنكّر النّاس لكلّ خُلق كريم, وركبت المرأة رأسها فخرجت في تبرّج كتبرّج الجاهليّة الأولى, في ذلك الوقت الّذي طغت فيه صالات الرّقص ودور السّينما على الفضيلة والعفّة والكرامة, نعم في ذلك الظّرف الّذي هذه بعض أوصافه, تأذن الحكومة لذئب من ذئاب البشر أن يقيم في مدينة كلّها ملاه مدينة ملاه أخرى, على غرار الّتي أقامها في آخر معرض زراعيّ أُقيم بالقاهرة, ولايزال ما اُرتكب فيها من مفاسد ماثلاً في الأذهان, فهو يريد أن يعيدها جذعة. فإلى من تهمّه كرامة هذه المدينة المسكينة نوجّه صرختنا هذه"(1).
ج ـ الاهتمام بقضايا التّبشير والاستشراق في العالم الإسلاميّ:
تعتبر قضيّة الاستشراق والتّبشير من القضايا المهمّة, الّتي شغلت المسلمين وكتّابهم على مدى سنوات عديدة, ومازالت هذه القضيّة, إلى يومنا هذا, تعتبر من أهمّ التّحديات الّتي يواجهها المسلمون في بقاع العالم الإسلاميّ. وكُتبت كثير من المباحث والدّراسات الّتي تبيّن ماهيّة الاستشراق, وأهدافه, ومراميه, وآثاره على الأمّة الإسلاميّة والعربيّة, وكيفيّة دراسته ومواجهته.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "مدينة الملاهي", في الفتح, 611 (جمادى الأولى, 1357), 20 .(1/423)
كان للاستشراق آثار عديدة ظهرت في كافّة مناحي الحياة في البلاد الإسلاميّة حيث ظهرت الدّعوات إلى فصل الدّين عن الدّولة, واتخاذ مبدأ العلمانيّة, كما حصل في تركيّا الّتي كانت دولة الخلافة الإسلاميّة. وظهرت الأفكار الغربيّة في الثّقافة, وانتشرت الآداب الغربيّة, واللّغات الغربيّة. وكانت الآثار الاجتماعيّة واضحة, وخصوصاً ما يتعلّق بوضع المرأة, وعلاقات المسلمين مع بعضهم, ونمط حياتهم الّذي تأثّر بالغرب تأثّراً كبيراً. أمّا الآثار السّياسيّة والاقتصاديّة فهي من أوضح هذه الآثار, حيث انتهجت كثير من الدّول العربيّة والإسلاميّة منهج الدّول الغربيّة في الحكم والسّياسة والاقتصاد(1). ولسنا في معرض البحث في الاستشراق, ولكن ما يهمّنا هو عمل السّيّد محب الدّين في محاربة هذا التّيّار.
__________
(1) ـ مطبقاني, مازن, الاستشراق, المدينة المنوّرة, جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة, كليّة الدّعوة بالمدينة المنوّرة, من 12 ـ 16؛ وللتّوسّع انظر, مطبقاني, مازن, بحوث في الاستشراق الأمريكي المعاصر, المدينة المنورة, 1420 / 1999, 56 ـ 63؛ ومركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق, المملكة العربيّة السّعوديّة, المدينة المنورة ص . ب 279. www.medinacenter.org(1/424)
اهتمّ السّيّد محب الدّين الخطيب بالاستشراق والتّبشير في العالم الإسلاميّ, فمنذ بداية عمله الصّحفي قام بترجمة كتاب الغارة على العالم الإسلاميّ لمؤلفه أـ ل شاتليه ونشره في جريد ة المؤيّد حيث كان يعمل في ذلك الوقت, وذلك في عام 1330هـ, وقد أعاد نشره في صحيفة الفتح عام 1349هـ, وأعاد طباعته في المطبعة السّلفيّة بعد ذلك أيضاً عام 1350هـ. وكتب في مقدّمة الكتاب: " في يوم من أيام سنة 1330 هـ, وكنت أشتغل في تحرير المؤيّد, أقبل عليّ زميلي السّيّد مساعد اليافي(1), وقال: شيء جديد لم أكن أتوقّعه.
ـ قلت: ما هو؟.
ـ قال : إنّ مجلّة العالم الإسلاميّ الّتي كانت إلى الآن مجلّة اجتماعيّة أدبيّة, تحولّت هذا الشّهر إلى مجلّة تبشيريّة. انظر, إنّها أصدرت عدداً ضخماً ليس فيه غير بحث واحد, وهو بحث تبشيريّ, يدور حول ما تقوم به إرساليات التّبشير البروتستانتيّة في العالم الإسلاميّ, وما قِيل في المؤتمرات الّتي عقدتها تلك الإرساليات في أوقات مختلفة, وقد جعلت المجلّة عنوان هذا البحث "الغارة على العالم الإسلاميّ أو فتح العالم الإسلاميّ".
__________
(1) ـ مساعد اليافي, وُلد في طرابلس الشّام عام 1303 ـ 1886. انتقل إلى مصر فعمل في دار المنار وفي جريدة المؤيّد. سُمي وكيلاً للخارجيّة بقصر الملك حسين, سافر إلى أمريكا الجنوبيّة, ونشر أبحاثاً عن الصّهيونيّة فضح بها بعض أسرارها, وكانت هذه الأبحاث السبب في قتله فقُتل على يد أحد الصّهاينة عام 1363/ 1943؛ انظر, الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, 7, 213؛ وكحّالة, عمر رضا, معجم المؤلّفين, 12, 223.(1/425)
ـ قلت إنّ المجلّة الفرنسيّة بنشرها هذا العدد الخاصّ بأعمال المبشّرين البروتستانت تقول للمبشّرين الكاثوليك انظروا كيف سبقكم الآخرون إلى الغارة والفتح, فيجب أن تضاعفوا جهودكم وتنظروا في أساليبهم فتستفيدوا منها. ونحن, أيها الأخ, بصفتنا مسلمين, يجب علينا أن نعلم ما يكيده لنا هؤلاء وأولئك, وأن نجعل أمّتنا على علم بما يُنصب لها من شراك, وما يُبيّت لها من شرّ, فأقترح عليك أن تُترجم فصول هذا البحث فصلاً بعد فصل, وتنشره في المؤيّد تباعاً, فيقف المسلمون على ما يُكاد لهم به من هذه النّاحية.
ـ فقال لي صديقي السّيّد مساعد: ولكنّ البحث طويل, والوقت الّذي نعمل فيه هنا مشغول بالواجبات الأخرى.
ـ قلت: نتعاون أنا وأنت على هذا الخير, ولا نعدّ هذا من واجباتنا في قلم التّحرير, بل من واجباتنا نحو الإسلام والشّرق, وأرى أننا عندما نفرغ كلّ يوم من عملنا اليوميّ, تملي عليّ ترجمة فصل من الفصول بأيّ الألفاظ شئت, وأنا أصوغ ما تمليه عليّ بعبارة عربيّة, فنتمكّن من أداء هذا العمل بنصف الوقت اللّازم له.
ـ قال: حسن!.
وفي نفس ذلك اليوم دفعنا للمطبعة مقدّمة المسيو (لُ شاتليه) رئيس تحرير مجلّة العالم الإسلاميّ, بعد أن وطّأنا لها توطئة باسم قلم تحرير المؤيّد. وما كادت هذه المقالات المتسلسلة تنتشر في مصر والعالم الإسلاميّ, حتّى كان لها وقع عظيم جدّاً وبعثت اليقظة في كثير من النّاس"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب الغارة على العالم الإسلاميّ, دمشق, دار الأحباب, 1425 / 2005, 9 ـ10.(1/426)
وصار هذا الكتاب مرجعاً هامّاً لكلّ مشتغل بقضايا التّبشير والاستشراق في العالم الإسلاميّ, فاتّخذه كثير منهم أساساً لأبحاثهم ودراساتهم. "إنّ كتاب الغارة هذا قد أدّى خدمة في زمنه, وإنّ مساعد اليافي ومحب الدّين الخطيب قد حاولا فتح عين المسلمين على شيء من أخطار التّبشير"(1), ونبّه إلى قضايا على غاية من الأهميّة, وإلى أساليب المبشّرين الّذين يريدون استغلال حاجة الشّرق والبلاد الإسلاميّة إلى التّقدّم, في سبيل تبديل دينهم, وإبعادهم عن جذورهم وتاريخهم, حتّى يسهل السّيطرة عليهم, وعلى خيرات بلادهم. فالتّبشير والاستشراق كلاهما دعامة الاستعمار في مصر وفي الشّرق الإسلاميّ, فكلاهما دعوة إلى توهين القيم الإسلاميّة والغضّ من اللّغة العربيّة الفصحى, وتقطيع أواصر القربى بين الشّعوب العربيّة والإسلاميّة, والتّنديد بحال الشّعوب الإسلاميّة, والإزدراء بها في المجالات الدّوليّة العالميّة(2).
"ومن يتابع كتاب الغارة على العالم الإسلاميّ...., وكان اسمه الحقيقيّ واضح الدّلالة على الهدف,هو فتح العالم الإسلاميّ, يجد القضيّة أكيدة واضحة, وأنّ مخططاتها منسّقة وموزّعة على المؤسسات, مؤسسة المدرسة والجامعة عن طريق الإرساليات, ومؤسسة الصّحافة والثّقافة, عن طريق الصّحيفة والمجلّة والكتاب. ثمّ هناك مؤسسة أخرى أشدّ خطراً ظهرت من بعدهما, مؤسسة القصّة والمسرحيّة والشّاشة والإذاعة المسموعة والمرئيّة"(3).
__________
(1) ـ الخالدي, مصطفى, وفروخ, عمر, التّبشير والاستعمار في البلاد العربيّة, صيدا, المكتبة العصريّة, ط3, 1986, 10.
(2) ـ البهي, محمّد, الفكر الإسلاميّ الحديث وصلته بالاستعمار الغربي, 417.
(3) ـ الجندي, أنور, شبهات التّغريب في غزو الفكر الإسلاميّ, 12 ـ 13.(1/427)
وقام السّيّد محب الدّين فيما بعد بنشر هذا الكتاب مرّة أخرى, وقامت مجلّات وجرائد مهمّة بنشره, حتّى يطلّع المسلمون على ما فيه من أعمال خطيرة يقوم بها المبشّرون في العالم الإسلاميّ. "وكان المسيو لُ شاتليه, والقائمون على مجلّة العالم الإسلاميّ يحسبون أنّ المسلمين في غفلة, وأنّهم لن يهتمّوا بهذا الموضوع, وإنّما الغرض من كتابته ونشره بالفرنسيّة اتّهام جمعيات التّبشير الكاثوليكيّة بأنّها مقصّرة, وأنّ البروتستانت سبقوها في الغارة على العالم الإسلاميّ وفتحه فجاء الأمر بالعكس وحصلت اليقظة لعدد كبير من المسلمين الّذين أدركوا بعض ما يُراد بهم. وقد جرت مناقشة على صفحات المؤيّد بين ناشري هذه الدّراسة....., فكان محب الدّين هو الّذي يتولّى المدافعة, والرّدّ عليهم"(1). ويمكن أن نقول إنّ هذا الكتاب يُعدّ من أوائل الكتب الّتي نُشرت في هذا الموضوع الخطير والهامّ, لذلك فقد كان له أهميّة كبيرة. ونحن في يومنا الحاضر نرى كثيراً مما ورد في هذا الكتاب مطبّقاً على واقعنا, ولولا أنّ المسلمين أصبحوا متنبّهين لما يٌراد لهم لكان هناك واقع آخر أكثر خطورة مما نرى.
وقام السّيّد محب الدّين الخطيب بنشر كتب هامّة أخرى تنبّه لخطر التّبشير, منها كتاب ظاهرة مريبة في سياسة الاستعمار الفرنسي, هل تمثّل مأساة الأندلس في شمال إفريقية؟ حيث قال: " سيرى القارئ في هذه الرّسالة تاريخاً صادقاً لأمور وقعت, وتصريحات ثمينة تكشف السّتار عن الخطط المرسومة في الظّلام لأمور أخرى ستقع, إن لم نهبّ من نوم طال أمده, ولا عذر لمسلم بعد الآن إذا لم يُفهم ما وراء الأكمة, وإذا لم يعدّ نفسه وبنيه وذويه ومعاشريه للوقوف في هذه المعركة موقف الجسم الحيّ الّذي يطلب البقاء, ويدفع عن نفسه الفناء, فإلى اليقظة أيّها المسلمون قبل أن يفوت الوقت"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, حياته بقلمه, 54.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, مقدّمة كتاب ظاهرة مريبة, 2 .(1/428)
ونشر أيضاً مؤلّفات لغيره من المؤلّفين كتبوا في موضوع التّبشير والاستعمار فكان من هذه المؤلّفات: خفايا المبشّرين في تنصير أبناء المسلمين(1), وكتاب مناقشة هادئة للمبشرين(2), وكتاب موقف الإسلام من كتب اليهود والنّصارى(3), وغيرها من الكتب الّتي تنبّه إلى خطر التّبشير في البلاد الإسلاميّة.
وفي كثير من المقالات الّتي نشرها في مجلّتي الزّهراء والفتح, سواء كانت بقلمه أم بقلم غيره من الكتّاب, كان يحاول أن يُظهر للنّاس أعمال التّبشير في البلاد الإسلاميّة وخصوصاً المحتلّة منها, والّتي كان يسعى فيها المستعمرون لغاية أساسيّة وهي محاربة الدّين الإسلاميّ وإضعاف المسلمين, لأنّه سيقف حائلاً دون بلوغهم أهدافهم, المتمثّلة بالنّهب والسّلب والسّيطرة على البلاد. يقول في إحدى مقالاته الّتي تتحدث عن الاستعمار الياباني لأندونسيا, وسياسته في ذلك البلد الإسلاميّ: "إنّ من سياستهم الأساسيّة في كلّ أرض إسلاميّة يبسطون عليها سلطانهم أن يستأصلوا الإسلام ويضعفوا حيويّته, ويجبروا المسلمين على الرّكوع للعلم الياباني...., ونحن فهمنا هذه الحقيقة عن اليابان منذ رأيناها تحاول الاتصال بالإسلام اتّصال مستفيد لا اتّصال متعاون منصف, ثمّ رأينا سيرتها في الصّين, فأيقنّا أنّها ليست أقلّ شرّاً من دول الاستعمار الغربيّة"(4).
__________
(1) ـ سالمان, أحمد محمّد, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, د.ت.
(2) ـ اللّبان, مصطفى أحمد, القاهرة, الدّار السّلفيّة, د.ت.
(3) ـ الّلبان, مصطفى الرّفاعي, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1353هـ.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, " اليابانيون في احتلالهم إندونيسيا ", في الفتح, 849 ( ذوالقعدة,1366), 871 .(1/429)
وكان ينشر أيضاً أخباراً قصاراً عن أعمال المبشّرين, أو دسّهم على الإسلام, من مثل ما نشره في مجلّة الفتح بعنوان "إذاعات السّوء عن النّساء المسلمات"(1), و"عمل المبشّرين مداهنة ورياء"(2), و"المبشّرون يسبّون المصريين"(3), وحتّى عن أخبار دخول بعض المبشّرين في الإسلام, مثل الخبر الّذي يحمل عنوان "مبشّر بروتستانتي يعتنق الإسلام"(4), وما يشابه هذه الأخبار الّتي تنبّه إلى خطر التّبشير وأعمال المبشّرين.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "إذاعات السّوء عن النّساء المسلمات", في الفتح, 108 (صفر, 1347), 6 .
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "عمل المبشّرين مداهنة ورياء", في الفتح, 66 (ربيع الآخر,1346), 12.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "المبشّرون يسبّون المصريين", في الفتح, 117 (ربيع الآخر, 1347),9.
(4) ـ الخطيب, محب الدّين, "مبشّر بروتستانتي يعتنق الإسلام", في الفتح, 108 (صفر, 1347), 6 .(1/430)
تعاون السّيّد محب الدّين مع عدد من الدّعاة العرب والمسلمين, الّذين اهتمّوا بموضوع التّبشير والاستشراق, فكان منهم على سبيل المثال الشّاعر الجزائري محمّد السّعيد الزّاهري(1), الّذي نشر له مقالات في مجلّة الفتح ومن ثمّ نشر له كتاب الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير, الكتاب وما جاء فيه من فصول صاغها محمّد السّعيد الزّاهري بأسلوب قصصي جميل, نبّه فيها إلى أخطار التّبشير, من خلال عرضه لقصص وقعت, تُظهر ضرورة العمل على توعية المسلمين بحقيقة دينهم, ويتألّف الكتاب من سبعة فصول, تحمل العناوين التالية: عائشة, الكتاب الممزق, صديقي عمار, طلبة إفريقيا الشمالية, في أحد منتزهات وهران, حنين الإسبان إلى العرب, كيف يغوون شبابنا, وفي نهاية الكتاب هناك فصل ختامي.
__________
(1) ـ محمّد السّعيد الزّاهري, من مواليد 1899م بليانة قرب بسكرة في الجزائر, درس في قسنطينة وتتلمذ على يد الإمام عبد الحميد بن باديس, انتقل إلى تونس, وأصدر عدة جرائد وهي الجزائر, والبرق, والوفاق, أسس المدرسة الإصلاحيّة, وكان من علماء الجزائر المهمّين, من مؤلّفاته حاضر تلمسان, وبين النّخيل والرّمال, وشؤون وشجون وغيرها, توفّي سنة 1956؛ انظر, الجابري, محمّد صالح, النّشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس (1900 ـ 1962م), طرابلس الغرب, الدّار العربيّة للكتاب, 1983, 189؛ والخرفي, صالح, سلسلة في الأدب الجزائري الحديث, محمّد السّعيد الزّاهري, الجزائر, المؤسسة الوطنيّة للكتاب, 1986, 109.(1/431)
ولم تقتصر جهود السّيّد محب الدّين على نشر الكتب الّتي الخاصّة بهذا الموضوع, فقد مرّ معنا أنّ أحد أهداف تأليف جمعيّة الشّبّان المسلمين كان تتبع أعمال المستشرقين, ودرس الغرب وما يكتب وما ينويه لهذا الشّرق. وكان لجمعيّة الشّبان المسلمين نشاط مميّز في محاربة محاولات المبشّرين والمستشرقين بإعلان ما سُمّي بالظّهير البربريّ, والّذي صدر من الأمانة العامّة الفرنسيّة في 16 أيار1930م, والّذي قصدت من ورائه السّلطات الاستعماريّة تقسيم الشّعب المغربي على أساس عنصريّ, بدعوى وجود عرب وبربر في المغرب العربيّ, بغرض إبعاد البربر عن الشّريعة الإسلاميّة واللّغة العربيّة. وقامت جمعيّة الشّبّان المسلمين بعقد المحاضرات الّتي تبيّن هدف فرنسا من هذا الإعلان وما ترمي إليه من تفريق وتشتيت للمسلمين, وتقسيمهم على أساس عرقيّ, ليسهل عليها احتلال البلاد, وبالتّالي ينشغل المسلمون بهذه الأمور عن مقاومتها, فتبقى لها السّيطرة, ويسهل عليها نهب البلاد والعباد.(1/432)
وفي مجلّته الزّهراء, كان السّيّد محب الدّين ينشر دائماً أخباراً ومقالات عن المستشرقين, ودراساتهم, واكتشافاتهم في البلاد الإسلاميّة. ويبيّن بعض ما ترمي إليه هذه الدّراسات, الّتي كان يحسّ أنّ معظمها ليس بدافع النّيّة الصّافية, بل إنّ لها أهدافاً تخدم بمجملها الاستعمار وأعداء الدّين الإسلاميّ فمعظم دراسات المستشرقين المتعلّقة بالقرآن الكريم, أو بالدّين الإسلاميّ, أو باللّغة العربيّة كانت تدّس السّمّ في الدّسم, وتحاول الانتقاص من القرآن الكريم, ومن اللّغة العربيّة, فظهرت دراسات المستشرقين الّتي تحثّ المسلمين على استخدام الحروف الأوروبيّة في الكتابة بحجّة أنّ الحرف العربيّ لا يصلح للحضارة. وظهرت أيضاً الدّراسات الّتي تتحدّث عن الدّين والإسلام, وموضوعات أخرى تدور كلّها على معنى أنّ الإسلام لا يصلح للحضارة والتّقدّم وبالتّالي فإنّ على المسلمين, إذا أرادوا التّقدّم والتّحضّر, التّخلّص من هذه العقائد الّتي تعوقهم.(1/433)
ورأينا كيف كان دعاة التّغريب يتبنّون هذه الدّعوات, ويسهمون في نشرها, والتّرويج لها. أمّا السّيّد محب الدّين, فكان في معظم مقالاته يبيّن عظمة هذا الدّين, وتفوّقه, وكماله, وصلاحه لكلّ البلاد والأزمان, وكان يُظهر روعة اللّغة العربيّة, ويدافع عنها دفاع المستميت, وكان يبيّن أنّ الاستعمار هو عقوبة من اللّه لنا على ذنوبنا وتقصيرنا في حماية ديننا وعقيدتنا وقوميّتنا, يقول: "إنّ الاحتلال كان عقوبة من اللّه لنا على ذنوب اجتماعيّة وقوميّة اقترفناها, بل على ذنوب فرديّة تآمرنا على أنفسنا وعلى أوطاننا وعلى إسلامنا بارتكابها حتّى تكوّنت من مجموعها تلك الذّنوب الاجتماعيّة والقوميّة. وما كان اللّه ليعاقب أمّة بالعبوديّة إلّا بما تختاره لنفسها من ضعف في الخلق وتهاون في إقامة الحقّ, وتفريط في التّعاون على الخير, وتقصير فيما أمر اللّه باستكماله لتكون السّيادة ثمناً له, ومكافأة عليه"(1).
ولكنّ السّيّد محب الدّين لم يكن يرى في كلّ أعمال المستشرقين سوء النّيّة والتّآمر, بل إنّه كان يبيّن في مجلّاته وفي بعض كتاباته أعمال المستشرقين الهامّة, من مثل مقال بعنوان " رموز اللّغة الحميريّة وكيف توصّل العلماء إلى حلّها ", ومقالة بعنوان "العربيّة في روسيا", وكلا المقالتين وغيرهما كان قد نشرها السّيّد محب الدّين في مجلّته الزّهراء. وكانت جمعيّة الشّبّان المسلمين تنشر محاضرات لمستشرقين يقدّمون دراسات موضوعيّة عن الإسلام والمسلمين, تُظهر مكانة الحضارة الإسلاميّة وعراقتها.
وبهذا نرى أنّ السّيّد محب الدّين قام بما يستطيع لتنبيه العرب والمسلمين إلى ما يُحاك ضدّهم, وضدّ دينهم وعقيدتهم وقوميّتهم. واعتبر أنّ هذه الأعمال هي حملة صليبيّة مستمرة, تستهدف العالم الإسلاميّ كلّه, دون استثناء, وغايتها السّيطرة والنّهب والتّخريب.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "عبرة الاحتلال والجلاء", في الفتح, 843 (جمادى الأولى, 1366), 722(1/434)
د ـ الشّيعة و السّيّد محب الدّين الخطيب:
ظهرت في زمن السّيّد محب الدّين الخطيب الدّعوة إلى التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة, وتبنّى الأزهر الشّريف هذه الدّعوة, رغبة منه في توحيد كلمة المسلمين, ورصّ صفوفهم. وأُنشئت في القاهرة دار للتّقريب بين المذاهب الإسلاميّة من سنّة وشيعة(1), وكان عملها هو دراسة أسباب الخلاف بين الطّرفين, ومحاولة إزالتها, والبحث عن أسباب التّقارب بين المذهبين.
__________
(1) ـ قامت هذه الدّار في مصر, وأصدرت مجلّة دار الإسلام الّتي صدر العدد الأوّل منها في ربيع الأوّل عام 1368/ يناير 1949م, واستمرّت إلى رمضان 1392/ أكتوبر 1972م. وكان الدّاعي لتأسيس هذه الدّار الشّيخ محمّد تقي القمّي المبعوث من قبل العالم حسن البروجردي المرجع الشّيعي الأعلى, وزملائه علماء الأزهر من مثل محمّد محمّد المدني, والشّيخ سليم البشري, والشّيخ محمود شلتوت, والشّيخ عبد العزيز عيسى, والشّيخ عبد الحليم الجندي؛ انظر, نجف, محمّد مهدي, مع المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة, قُم, دار سرور, 1423هـ ش, 5.(1/435)
قابل السّيّد محب الدّين هذه الدّعوة بالرّفض والاستنكار, واعتبر أنّ رسالة هذه الدّار غير ممكنة التّحقيق وكان يقول: "إنّ دار التّقريب بين الضّلالات والمفاسد الّتي أسسها الهرمزاني البارع تقي قمّي(1) قد استغلّ بها أسماء رجالنا وحياءهم, وميلهم النّبيل إلى تعارف المسلمين وتعاونهم, فحوّلها عن هذه المعاني الكريمة, إلى العبث بمبادئ الدّينين وأحكام المذهبين........, وإلى الآن لم أعرف, ولم ألقَ عاقلاً يعرف, كيف يكون هذا التّقريب السّخيف بين مذهبين.....أمّا هذا الطّالب المتبجّح الّذي لا يعرف أسماء أشهر كتب الشّيعة...., فإنّ من آيات جهله, في نظر علمائهم, محاولته العبث بمذهبهم, وتعريضه للنّقد, الّذي اضطررنا إليه اضطراراً, بسبب هذه المحاولة الضّارة والمستحيلة, مع أنّنا كنّا في غنى عن هذه البحوث, الّتي لم يسبق لنا التّعرّض لها, لعدم الحاجة إليها من قبل"(2).
__________
(1) ـ يقصد الشّيخ محمّد تقي القمي, مؤسس دار التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة, وسكرتير جمعيّة التّقريب بين المذاهب, وهو من علماء الشّيعة, ومن تلاميذ المرجع الشّيعي حسن البروجردي الّذي أرسله لمصر لإنشاء دار التّقريب بين المذاهب, وقد استقرّ في مصر وتعاون مع علماء الأزهر لتحقيق هذا الهدف كما مرّ سابقاً؛ انظر, نجف, محمّد مهدي, مع المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة, 5.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "استغلال أسماء الرّجال, في دار التّقريب بين الضّلالات والمفاسد", في الفتح, 846 ( شعبان, 1366 ), 783.(1/436)
فكانت هذه الدّعوة للتّقريب بين المذهبين, السّبب الأساس, الّذي دفع السّيّد محب الدّين للكتابة عن مذهب الشّيعة, ومهاجمته بهذا الشّكل العنيف الّذي سوف نراه. وقد يستغرب القارئ هذا, ولكنّ الدّارس لحياة السّيّد محب الدّين يُدرك أنّه كان يؤمن بأسس ومعايير ومبادئ لا يزيح عنها, وأكثر هذه المبادئ يتمحور حول فكرة محبّة العرب والعربيّة والفخر بالماضي والحضارة الإسلاميّة ورجال هذه الحضارة وكان يرى أنّ في مذهب الشّيعة انتقاصاً لبعض الصّحابة, الّذين كان لهم الفضل الكبير في بناء الحضارة الإسلاميّة, الّتي كانت مفخرة للتّاريخ, لذلك فقد كان ردّه عنيفاً جدّاً على هذه الدّعوة.
وكتب السّيّد محب الدّين في مقال آخر قائلاً: " كانت صحيفة الفتح داعية للتّعاون, ولكن على أساس التّقريب بين أهل المذاهب, لا على أساس التّقريب بين المذاهب, وإنّما يكون التّقريب بين أهل المذاهب بالتّعاون على ما هم متّفقون عليه, والتّلطّف فيما اختلفوا فيه"(1). وكان يرى أنّ الماضين في طريق التّقريب بين السّنة والشّيعة سوف يصلون في النّهاية إلى اختراع مذهب جديد, يزيد من فرقة المسلمين بدل أن يوحّدهم, وذلك بسبب عدم إمكانيّة التّقارب بين المذهبين كما كان يرى, يقول: "إذا وضعوا لعلمهم نظاماً تكلّموا فيه على القياس والعدل والاجتهاد, على أمل التّقريب بين المذهبين, والتّقليل من الاختلاف بين المسلمين, فليعلموا أنّهم ماضون في سبيل اختراع مذهب جديد, تكون عاقبته وقوع الأمّة الإسلاميّة بمصيبة اختلاف جديدة"(2).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة خرافة وفساد", في الفتح, 843 (جمادى الأولى, 1366), 709.
(2) ـ المصدر نفسه, نفس الصّفحة.(1/437)
واستمّر السّيّد محب الدّين بالاهتمام بهذا الموضوع, وأخذ فيما بعد يكتب عن الشّيعة وعن التّشيع, وعن عقائد الشّيعة, وكان في كتاباته مغالياً في عداوته لهذا المذهب ولأتباعه لأنّه كان يعتبر أنّ في عقيدتهم ما يخرجهم عن الدّين. لذلك فعندما ألفّ كتابه الخطوط العريضة للأسس الّتي قام عليها دين الشّيعة الإماميّة الإثنى عشريّة اعتبر أنّ الشّيعة, وإن نطقوا بالشّهادتين, فإنّ ناطقها يصبح "معصوم الدّم والمال في الدّنيا أمّا النّجاة في الآخرة فبصحبة الإيمان وإنّ للإيمان فرائض وشرائع وسنناً, فمن استكملها استكمل الإيمان, ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان"(1). وفي كتابه هذا ذكر أنّ الشّيعة يطعنون بالقرآن, ويكذبون على آل البيت, ويحقدون على الصّحابة, ويتحايلون على التّاريخ الثّابت, وأنّ الشّيعة يخالفون المسلمين بالأصول وليس فقط بالفروع, وأنّ كثيراً من الأفكار الهدّامة للدّين والأخلاق كالشّيوعيّة, كان أتباعها من الشّيعة. كلّ هذه الأمور ذكرها محب الدّين في كتابه هذا, وفي مقالاته الّتي ظهرت في مجلّته الفتح, ونرى المجلدين الأخيرين من المجلّة مليئين بالمقالات الّتي تهاجم الشّيعة ومذهبهم, وتهاجم الدّعوة إلى التّقريب بين المذهبين.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, الخطوط العريضة للأسس الّتي قام عليها دين الشّيعة, 36.(1/438)
وكان من هذه المقالات مقال بعنوان " تطورالتّشيّع, عقيدة أنّ في آل محمّد إماماً مفترض الطّاعة معروفاً بعينه" يعرض فيه بدء ظهور عقيدة التّشيّع وتطوّرها وذكر أنّها ظهرت على يد أعداء الأمّة الإسلاميّة(1). ومقال آخر بعنوان: "نظريّة الحكومة والدّولة عند الشّيعة, وفساد اعتقادهم بالعصمة لغير الأنبياء, وبإمامة المنتظر"(2). ومقال بعنوان " بعض ما قالته الشّيعة في القرآن ", ومقال " الشّيعة وتحريف التّأويل في القرآن الحكيم"(3) وغيرها من المقالات الّتي هاجم فيها الشّيعة.
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, "تطورالتّشيّع, عقيدة أنّ في آل محمّد إماماً مفترض الطّاعة, معروفاً بعينه", في الفتح, 846 ( شعبان, 1366 ),785.
(2) ـ الخطيب, محب الدّين, "نظريّة الحكومة والدّولة عند الشّيعة, وفساد اعتقادهم بالعصمة لغير الأنبياء, وبإمامة المنتظر", في الفتح, 845 ( رجب, 1366 ), 761.
(3) ـ الخطيب, محب الدّين, "بعض ما قالتّه الشّيعة في القرآن ", ومقال "الشّيعة وتحريف التّأويل في القرآن الحكيم", في الفتح, 842 ( ربيع الآخر , 1366 ), 689.(1/439)
ولكنّ علماء الشّيعة ردّوا عليه وعلى كتاباته, وقام السّيّد محب الدّين بنشر بعض هذه الرّدود في مجلّة الفتح والتّعليق عليها فقد نشر بياناً من السّفارة الإيرانيّة رداً على مقاله "بعض ما قالته الشّيعة في القرآن" جاء فيه: "جاء في العدد 842 الصّادر بتاريخ ربيع الآخر سنة 1366هـ من مجلّة الفتح, مقال بعنوان "بعض ما قالته الشّيعة في القرآن", ومعه صورة فوتوغرافيّة لصفحة معنونة بعنوان "سورة الولاية سبع آيات", يدّعي كاتب المقال أنّها صورة مأخوذة عن أحد مصاحف إيران وحيث أنّ هذا الادعاء لا يطابق الحقيقة والواقع, وقد يُوهم بعض السّذج والبسطاء أنّ هناك اختلافاً بين مصاحف إيران ومصاحف سائر المسلمين, فإن السّفارة الإيرانيّة بمصر تبادر بتكذيبه تكذيباً قاطعاً وتؤكّد أنّ المصاحف المتداولة في إيران لا تختلف عن سائر المصاحف الموجودة في البلاد الإسلاميّة, حتّى في الشّكل والعلامات, وليس فيها آية أو كلمة أو حرف غير موجود في بقيّة المصاحف"(1). وقام السّيّد محب الدّين بالردّ عليهم, وأكّد ما نشره في مقاله السّابق, وزاد عليه بأنّ السّفارة الإيرانيّة قد تجاهلت كثيراً مما جاء في المقال, لأنّها لا تملك الرّد عليه, مما يؤكّد هذه الإتهامات الّتي ذُكرت في مقاله المشار إليه.
__________
(1) ـ "بيان من السّفارة الإيرانيّة", في الفتح, 843 (جمادى الأولى, 1366), 712.(1/440)
وفيما بعد فإن علماء الشّيعة انبروا للرّدّ على كتابات السّيّد محب الدّين, فألّفوا الكتب الّتي تقابل كتابه الخطوط العريضة, وتردّ على كلّ ما ورد فيه. من هذه الكتب كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة الّذي ردّ فيه مؤلّفه على السّيّد محب الدّين, وقد بيّن المؤلّف أنّ السّبب الّذي دفعه لتأليف كتابه, هو الدّفاع عن مذهب الشّيعة, وتفنيد اتهامات السّيّد محب الدّين ضدّهم, فقال: "كان الدّفاع عما ألصّق محب الدّين بكرامة القرآن, وإثبات صيانته عن التّحريف وإبطال دعوى الزّيادة والنّقصان منه, أهمّ من دعانا إلى تأليف كتابنا مع الخطيب في خطوطه العريضة, فرددنا على الخطيب بالأدلّة القاطعة, وأوضحنا أنّ ما في كتب الحديث والتّفسير, سواء عند الشّيعة أم عند أهل السّنة, مما يُوهم التّحريف, كلّه أخبار آحاد أعرض عنها محققو الفريقين إمّا لضعف إسنادها, أو لضعف دلالتها, فحقّقنا تحقيقاً كاملاً, وأبطلنا ما كتب حول ذلك من أهل السّنة"(1).
وفي كتاب المؤلّف قوله: "من الكتب الّتي نسبت إلى الشّيعة المخاريق العجيبة وسلكت مسلك أنصار الأمويين وغيرهم من أعداء عترة النّبي - صلى الله عليه وسلم -, كتاب سمّاه مؤلفه الخطوط العريضة للأسس الّتي قام عليها دين الشّيعة الإماميّة الإثنى عشريّة, فبالغ في البهتان والافتراء, وتجريح عواطف الشّيعة وأهل السّنة, وفيه من الكذب الظّاهر والفحش البيّن, والخروج عن أدب البحث والتّنقيب, ما لا يصدر إلّا عن جاهل بحت, أو من كان في قلبه مرض النّفاق, وأراد تفرقة المسلمين, وإفساد ذات بينهم"(2).
__________
(1) ـ الصّافي, لطف اللّه, صوت الحقّ ودعوة الصّدق, قُم, مركز الأبحاث العقائديّة, 26 ذي الحجّة / 1396, 27.
(2) ـ الصّافي, لطف اللّه, مع الخطيب في خطوطه العريضة, مراجعة مرتضى الرّضوي, بيروت, دار الهادي, 1422/ 2002, 26.(1/441)
وأورد الكاتب في هذا الكتاب الرّدود العديدة والكثيرة على السّيّد محب الدّين, ووجّه له سؤالاً قال فيه: "أيّها الخطيب لو قال لك بعض المبشّرين أو غيرهم إنّ من مذهب الشّيعة, وهم طائفة كبيرة من المسلمين, وقوع التّحريف في الكتاب, كما تسجّل عليهم, وفيهم من العلماء والمحققين, وأساتذة فن التّاريخ والحديث والعلوم الإسلاميّة وعلومهم إلى أهل بيت النّبي - صلى الله عليه وسلم - أعدال الكتّاب, بدلالة حديث الثّقلين(1), فما تقول في جوابه؟ أتقول إنّهم كفار؟! أم تقول إنّهم يسبّون الصّحابة؟ أم تقول إنّهم يقرؤون دعاء صنمي قريش؟!(2), قل ما تقول في جوابه أيّها الكاتب الإسلاميّ, لو تعلم أنّك وأمثالك كم توقعون بالإسلام والمسلمين من الضّرر والضّعف والفشل, بهذيانكم وافتراءاتكم على الشّيعة, لتركتم هذه المخاصمات"(3).
__________
(1) ـ حديث الثّقلين هو الحديث القائل " إنّي مخلف فيكم الثّقلين, كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي, ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً " وقد أورده الشّيعة بطرق متعددة عن النّبي - صلى الله عليه وسلم -؛ انظر, العسكري, نجم الدّين, محمّد - صلى الله عليه وسلم - وحديث الثّقلين, النّجف, مكتبة الآداب, ط4, د.ت, 4.
(2) ـ دعاء صنمي قريش هو دعاء يُقال إنّ الشّيعة يدعون به, ويلعنون فيه الصّحابيين الجليلين أبو بكر الصّديق وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وابنتيهما عائشة بنت أبو بكر وحفصة بنت عمر بن الخطاب من أمّهات المؤمنين - رضي الله عنه -. ويجب أن نذكّر أنّ الشّيعة نفوا نفياً قاطعاً أنّهم يدعون بمثل هذا الدّعاء أو أنّهم يستخدمونه في صلواتهم وأدعيتهم.
(3) ـ الصّافي, لطف اللّه, مع الخطيب في خطوطه العريضة, مراجعة مرتضى الرّضوي, 71 ـ 72.(1/442)
ووجد بعض الكتّاب أنّ المؤلّف قد تجاوز الحدّ في شتم السّيّد محب الدّين, دون أن يستطيع الرّدّ عليه رداً حاسماً واضحاً, فقد وجد أنّ الكاتب في كتابه هذا "اكتفى بالرّمي, والسّبّ, والشّتم, وإنكار الحقائق فقط, ولم يجد في جعبته نبلاً إلّا أرشقه به, ولا في جيبه شتيمة إلّا ورماه بها"(1).
وبهذا فقد توسّع نطاق الرّدّ بين السّنة والشّيعة, وظهرت كتب من الطّرفين للرّدّ على كتب بعضهما بعضاً. وقد أصدر الشّيعة كتاباً آخر ينتقد كتاب السّيّد محب الدّين الخطوط العريضة, وهذا الكتاب بعنوان مع الخطوط العريضة, قال فيه المؤلّف: "يظهر أنّ معقوليّة الأستاذ محب الدّين الخطيب ضيّقة جدّاً, فهو يستنكر إدخال الفقه الجعفريّ في دراسات الأزهر كنمط خاصّ من دراسات الفقه الإسلاميّ, بينما أخذت الجامعات والكلّيّات في العصر الحاضر, تشكّل لجاناً خاصّة لدراسة القوانين الرّومانيّة واليونانيّة والفارسيّة والهنديّة, لتستفيد من دراستها علماً وثقافةً واطّلاعاً, وتناظر بينها وبين القوانين الحاضرة, وقد تأخذ بالأصلح من هذه الدّراسات. فما الّذي يمنع الأزهر الشّريف, وهو كجامعة عالميّة, أن يُدخل الفقه الجعفريّ, الّذي عُرف بمادته وغزارته وحسن تبويبه في دراساته؟"(2). وقام مؤلّف الكتاب أيضاً برفع رسالة إلى ملك المملكة العربيّة السّعوديّة, وإلى ولي عهد إمارة قطر في وقت تأليف الكتاب(3)
__________
(1) ـ المحمّدي, فتح اللّه, سلسلة الكتب المؤلّفة للرّدّ على الشّبهات, قُم, مركز الأبحاث العقائديّة, 63, د.ت, 605.
(2) ـ الخاقاني, أبو محمّد أحمد, مع الخطوط العريضة, 26.
(3) ـ كان عاهل المملكة السّعوديّة في ذلك الوقت هو الملك فيصل بن عبد العزيز, وكان ولي عهد إمارة قطر هو الشّيخ خليفة آل ثاني. والرّسالة مؤرّخة بتاريخ 25 /12 / 1389هـ. وقد بعثها كاتب الكتاب بمناسبة إعادة نشر كتاب السّيّد محب الدّين وتوزيعه مجّاناً على حجّاج بيت اللّه الحرام في ذلك الموسم.(1/443)
, يطلب منهما أن يمنعا نشر كتاب السّيّد محب الدّين, لأنّ في نشره بثّاً للفرقة بين صفوف المسلمين, ونشراً للبغضاء بينهم مما يخدم أعداء الإسلام فقط, ويلهي المسلمين عن واجباتهم الأساسيّة.
وهناك مؤلّفون آخرون كتبوا كتباً للرّدّ على السّيّد محب الدّين وكتابه السّابق, وكان لمركز الأبحاث العقائديّة(1) دور كبير في نشر هذه الكتب والأبحاث, الّتي كانت مهمّتها الدّفاع عن المذهب, وبيان ما كُتب عن الشّيعة والرّدّ عليه. وقام بعض كتّاب الشّيعة بالتّحذير من كتاب السّيّد محب الدّين, وبيّنوا أنّ السّيّد محب الدّين قد كفّر في كتابه الشّيعة, وعيّره بعضهم بعمله ضدّ الدّولة العثمانيّة على اعتبارها دولة الخلافة الإسلاميّة فقال عنه: "هذا هو محب الدّين الخطيب صاحب الكتاب السّعودي سيّئ السّمعة, [ يقصد كتاب الخطوط العريضة] الّذي أُعيدت طباعته مرّة أخرى في هذا الوطن (5000 نسخة), هذا هو يورد الدّليل تلو الدّليل على كفرهم وضلالهم, وخروجهم عن الإسلام, "إنّ لهم قرآناً غير الّذي بين أيدينا" وغير ذلك من الأضاليل والتّرّهات. إنّ السّيّد الخطيب الّذي ينشر بعضهم أفكاره المغلوطة الضّالّة, في حين يتناسون أفكاره المضادّة لإسلاميين أعلام في حركاتهم هو الّذي حارب دولة الخلافة الإسلاميّة, فعمل مع إحدى الحركات القوميّة..... وعندما انكشف أمره أثناء وجوده في الأستانة للتّعليم عام 1905م فرّ إلى اليمن"(2).
__________
(1) ـ مركز الأبحاث العقائديّة, هو مركز للدّراسات الخاصّة بالشّيعة, أسسه وأشرف عليه السّيّد فارس الحسّون تبريزيان, وقد اُفتتح في11ذي القعدة 1419هـ, في قُم إيران؛ انظر, موقع مركز الأبحاث العقائديّة, www.aqaed.com.
(2) ـ محمود, إسلام, السّنة والشّيعة ضجّة مفتعلة ومؤسفة, القاهرة, د.ن, د.ت, 40.(1/444)
أمّا كتاب العواصم من القواصم, والّذي قام السّيّد محب الدّين بتحقيقه ونشره, فقد بيّن أنّ الدّاعي إلى تحقيق ونشر هذا الكتاب, إنّما كان الدّفاع عن الصّحابة - رضي الله عنه -, ضدّ من يسبّهم, أو ينتقص من قدرهم, فقال: " كان أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - هم قدوتنا في ديننا, وهم حملة الكتاب الإلهي والسّنة المحمّديّة, إلى الّذين حملوا عنهم أماناتهم, حتّى وصلت إلينا فإنّ من حقّ هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرة حفظتها الأوّلين, كلّ ما ألصّق بهم, من إفك ظلماً وعدواناً"(1).
ولاقى هذا الكتاب نقداً لاذعاً من علماء الشّيعة أيضاً, حيث اعتبره بعضهم أنّه كتاب مفتقر إلى منهج التّحقيق العلمي, وأنّ مؤلّفه اتّبع هواه, وتغاضى عن الحقائق الثّابتة في سبيل تأكيد فكرته, فجاء قول كاتب منهم: "خذوا مني هذه الحقائق الّتي هي خلاصة دراسة استمرّت أربع سنوات في كتب التّاريخ, وهي أنّ الكتب المفتقدة للتّحقيق العلميّ, المتشدّقة بمنهج أهل الحديث ......, هي كتب محب الدّين الخطيب وتحقيقاته وتعليقاته ومن أشهرها تعليقه على العواصم من القواصم"(2).
وكتب كاتب آخر منتقداً منهج السّيّد محب الدّين في تحقيق هذا الكتاب, فقال: "يبدو لي أنّ الشّباب السّلفيّ وقع ضحيّة لمنهج ابن العربيّ في كتابه العواصم من القواصم, ثمّ لمدرسة التّشيّع السّنيّ المعاصرة, الّتي يقودها محقق كتاب العواصم, الشّيخ محب الدّين الخطيب وتلامذته, ومن المعروف أنّ هذا الكتاب من الكتب الّتي وجّهت تفكير الملايين, وأثّرت على المسار السّلفي كلّه. لقد أخذ العديد من المحقّقين الأقدمين عدداً من المساوئ المنهجيّة, على القاضي ابن العربيّ, مؤلّف كتاب العواصم من القواصم, ومن ذلك:
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, من مقدّمة العواصم من القواصم, 2.
(2) ـ المالكي, حسن بن فرحان, نحو إنقاذ التّاريخ الإسلاميّ, الرّياض, مؤسسة اليمامة الصّحفيّة, 1418, 35.(1/445)
1ـ السّطوة, والشّدّة, والتّحامل على المخالفين, دون إنصاف.
2ـ ردّ الأحاديث الصّحيحة, والوقائع الثّابتة, إذا خالفت رأيه الفقهي, أو رؤيته السّياسيّة.
3ـ التّكلّف, والتّعسّف في إثبات الرّأي الموافق, ونفي الرّأي المخالف.
4ـ الإطلاق في نفي الأدلّة الّتي لم تصل إلى يده, أو لم تستحضرها ذاكرته.
5ـ التّعميم, والتّهويل, ونقل الإجماع في أمور الخلاف.
وقد انتقلت هذه المساوئ المنهجيّة, بكلّ أسف, إلى الشّيخ محب الدّين الخطيب, ومنه إلى بعض الجماعات السّلفيّة المعاصرة"(1). وأورد الكاتب بعضاً من الأمثلة على صحّة كلامه, اقتطفها من الكتاب المذكور, وعلّق عليها.
وتحامل بعض الكتّاب على السّيّد محب الدّين, واتّهمه ببغض علي - رضي الله عنه -, وحتّى بالكفر, وهذا غير صحيح, فالسّيّد محب الدّين كان هدفه إثبات عدالة كلّ الصّحابة, ودفع التّهم عنهم, الّتي كانت تحطّ من قدرهم, ولم يكره واحداً منهم, بل على العكس كان دفاعه عن الصّحابة كبيراً, ولكننا نجد هذا الكاتب يقول: "سؤال أوجّهه إلى أهل الجماعة فقط, الواقع أنّي لم أجد في تراثهم أسفه وأصفق وأكفر من ثلاثة: كتاب ومؤلّفه ومحقّقه, فالكتاب هو: العواصم والقواصم, والمؤلّف هو أبو بكر بن العربيّ, والمحقق هو محب الدّين الخطيب, ولن يقصمهما غير الّذي أحبّاه, فو اللّه ما كان بقلب إنسان ذرّة في بغض عليّ إلّا قصمه"(2).
__________
(1) ـ الشّنقيطي, محمّد بن المختار, الخلافات السّياسيّة بين الصّحابة, رسالة في مكانة الأشخاص وقدسيّة المبادئ, تكساس, الولايات المتحدة الأمريكيّة, 1424/ 2003, 70؛ وانظر, مخاض الفكر السّلفي, 2002, www.fiqhsyasi.com/makhad.htm.
(2) ـ رسلان, يوسف فجر, " الفرعونيّة والفراعنة, في المنهج, رقم 20, مأخوذ عن موقع www.shahrodi.com/al-menhaj(1/446)
وكان السّيّد محب الدّين يحتّج بحديث الرّسول - صلى الله عليه وسلم - القائل "أصحابي كالنّجوم, بأيّهم اقتديتم اهتديتم"(1) مدلّلاً على عدالة الصّحابة, وعدم جواز التّعرّض لهم بالسّبّ والشّتم, أو الانتقاص منهم. ولكنّ هذا الحديث قد لاقى طعناً كثيراً, وألّف كثير من كتّاب الشّيعة رسائل وكتباً, للطّعن في هذا الحديث, منها رسالة في حديث أصحابي كالنّجوم(2), وقد طعن فيها المؤلّف بهذا الحديث, وذكر أنّه لا أصل له. وأورد أحد الكتّاب حادثة وقعت بينه وبين السّيّد محب الدّين بسبب هذا الحديث, فقال: " هذا الحديث لا أصل له. ولهذا الحديث قصّة جرت بيني وبين النّاصبي محب الدّين الخطيب, فإنّه عندما ظهر كتابي الأضواء(3), واطّلع فيه على فصل عدالة الصّحابة قابلني غاضباً وقال:
__________
(1) ـ روي هذا الحديث من طريق حمزة النّصيبي عن نافع عن ابن عمر, وحمزة ضعيف جداً. ورواه الدّارقطني طريق حميد بن زيد عن مالك عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر, وحميد لا يعرف ولا أصل له في حديث مالك؛ انظر, المباركفوري, محمّد بن عبد الرّحمن (- 727 / 1353), تحفة الأحوذي في شرح التّرمذي, بيروت, دار الكتب العلميّة, د.ت, 10, 155.
(2) ـ الميلاني, علي الحسيني, الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية, رسالة في حديث أصحابي كالنّجوم, 459 ـ 480, www.rafed.net/books/aqaed/al-imama/a22.html
(3) ـ كتاب الأضواء, أو أضواء على السّنة المحمّديّة, لمؤلّفه محمود أبو ريّة, نشره سنة 1958م, وانتقد فيه بعض الحوادث والأحاديث الّتي وردت في كتب السّنة, والّتي تختص بالصّحابة - رضي الله عنه -. وقد صدرت كتب كثيرة من الجانب السّني في الرّدّ عليه واُعتبر من الكتب الّتي تمثّل خطراً على السّنة النّبويّة وتخدم مصالح أعداء الإسلام؛ انظر عن تعريف الكتاب وما صنّف في الرّدّ عليه, أبو ريّة, محمود, شيخ المضيرة أبو هريرة, القاهرة, دار المعارف, ط3, د.ت, 14.(1/447)
كيف تذكر ذلك, بعد أن قال فيهم النّبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابي كالنّجوم.. الحديث.........؟
فقلت له: إنّك قد أوردت هذا الحديث في تعليقاتك على كتاب المنتقى للذّهبي ص71 على أنّه صحيح, وقد طعنوا فيه, ومن كبار الطّاعنين ابن تيميّة.
فاشتّد غضبه, وقال: في أيّ موضع هذا الطّعن؟
فقلت له: في نفس كتابك المنتقى.
فكاد يتميّز من الغيظ, وقال: في أيّ صفحة؟.
قلت له: في صفحة551, وفيها يقول ابن تيميّة: وحديث أصحابي كالنّجوم ضعّفه أئمة الحديث فلا حجّة فيه. وما كاد يقرأ هذا الكلام الّذي أثبته هو بنفسه, في كتاب حققّه ونشره بين النّاس حتّى بُهت واصفرّ وجهه, وقد قلت له قبل أن أغادر مجلسه: إنّ كتاب المنتقى هذا سيسجّل عليك هذا الجهل, وهذه الوصمة إلى يوم القيامة"(1).
وقد رجعت إلى كتاب ابن تيميّة منهاج السّنة, وكتاب المنتقى للذّهبي هو مختصر لهذا الكتاب, فوجدت فيه ما ذكره الكاتب السّابق من قول ابن تيميّة: "وأمّا قوله أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم, فهذا الحديث ضعيف, ضعّفه أهل الحديث"(2).
__________
(1) ـ أبو ريّة, محمود, شيخ المضيرة أبو هريرة , 200.
(2) ـ ابن تيميّة, أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم ( - 728/1354 ), منهاج السّنة النبويّة, تحقيق محمّد سالم, الرّياض, مؤسسة قرطبة, 1406, 8 , 364.(1/448)
وسواء كان الحديث ضعيفاً أم لا, فإنّ السّيّد محب الدّين عندما احتجّ به كان هذا لإثبات عدالة الصّحابة, وعدم جواز سبّهم, أو الانتقاص منهم ومن أعمالهم, لذلك نسمعه يقول: "إنّ السّاهرين على حراسة التّشيّع لن يضرّوا اللّه شيئاً, فقد تولّى اللّه حفظ هذا الدّين, وادّخره لسعادة الإنسانيّة, يوم تنشد الإنسانيّة سعادتها من أقرب الطّرق وأسلمها, فلا تجد ذلك إلّا فيما كان عليه تلاميذ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -, وتابعوهم وتابعو التّابعين لهم بإحسان"(1).
__________
(1) ـ الخطيب, محب الدّين, من مقدّمة كتاب مختصر التّحفة الإثنى عشريّة, 2.(1/449)
لقد كانت علاقة السّيّد محب الدّين بالشّيعة علاقة سيّئة, ويدلّ على ذلك ما كتب عنهم وعن مذهبهم, وكونه السّبب في ظهور كتب كثيرة لغيره من الكتّاب تهاجم هذا المذهب. وبالتّالي فقد قام الشّيعة بالرّدّ على هذه الكتب, والدّفاع عن المذهب ضدّ خصومه, واعتبروا أنّ السّيّد محب الدّين عدوّهم الأوّل, مع من سار على دربه من الكتّاب الّذين جاءوا بعده وانتهجوا نهجه(1). وكما رأينا, فإنّ عداء السّيّد محب الدّين للشّيعة لم يكن مخططاً له, بل كان نتيجة الدّعوة إلى التّقريب بين المذهبين السّنيّ والشّيعي, هذه الدّعوة لم تعجب السّيّد محب الدّين, ووجد فيها خطراً على المسلمين السّنّة, وبالتّالي كانت طريقته هي في مهاجمة مذهب الشّيعة, وبيان أنّهم يسبّون الصّحابة, ويختلفون في أصولهم وفروعهم عن أهل السّنة, وجماعة الصّحابة, فنال بذلك عداوة الشّيعة, وكرههم له. بالإضافة إلى ذلك, فقد اتّخذ جماعة من أهل السّنّة من السّيّد محب الدّين مرجعاً لهم في مهاجمة المذهب الشّيعيّ, حتّى أنّهم لم يروا فيه غير مهاجمته للشّيعة, حتّى صادروه لمصلحتهم, وحجّموا هذا الكاتب الكبير في نوع واحد من الكتابة, لا يعبّر أبداً عن فكر الرّجل الكلّي, الدّاعي إلى رفعة العرب والمسلمين في كلّ مكان. وصار السّيّد محب الدّين عند الكثيرين عدّو الشيعة الأوّل ومن رؤوس السّلفيّة, حتّى صنّفه بعضهم بأنّه من رؤوس التشّيّع السّنّي(2)
__________
(1) ـ لقد صنّف الشّيعة السّيّد محب الدّين الخطيب ضمن من سمّوهم النّواصب, الّذين ناصبوا آل البيت الكرام رضي الله عنهم العداء؛ انظر, عبد الله, عادل كاظم, دين النّواصب, بيروت, دار وادي السّلام للتّحقيق والنّشر, 1427/ 2006, 159 ـ 166. وقد أورد مؤلّف الكتاب مقتطفات مما كتبه السّيّد محب الدّين عن الشيعة, وأورد انتقادات لبعض علماء السّنّة على آراء وكتابات السّيّد محب الدّين.
(2) ـ الشّنقيطي, محمّد بن المختار, الخلافات السّياسيّة بين الصّحابة, رسالة في مكانة الأشخاص وقدسيّة المبادئ, 70؛ وانظر, مخاض الفكر السّلفي, 2002, www.fiqhsyasi.com/makhad.htm(1/450)
. وهذا ما جعل الكثير من المسلمين لا يرون السّيّد محب الدّين إلّا من زاوية واحدة, وأهملوا نتاجه الفكري الكبير, وآراءه الإصلاحيّة, متناسين الظّروف والعوامل الّتي دفعته لمهاجمة مذهب الشّيعة.
الخاتمة
من خلال ما مرّ في البحث نستطيع أن نستنتج النّتائج التّالية:
1 ـ إنّ السّيّد محب الدّين كان من المحبّين لأمّته, والعاملين لرفعتها وتقدّمها, وهو من المسلمين العالمين العاملين, وكانت كلّ مواقفه تنبع من نيّة صافيّة, هدفها خدمة العروبة والإسلام. ومع معرفتنا بعدم وجود الإنسان الكامل وأنّ النّوايا الطّيّبة لا تكفي, وأنّ العبرة بالنّتائج, فإنّ السّبّد محب الدّين ورفاقه كانوا ضحيّة ظروف عالميّة أقوى منهم, فالأوروبيّون كان لهم مخطّطهم للقضاء على الخلافة الإسلاميّة, والسّيطرة على البلاد العربيّة ونهب خيراتها, ووجدوا عند هؤلاء ما يبتغون, فقد كانت رغبتهم قويّة بتقدّم أمّتهم وتحررها وكان إيمانهم عميق بأحقيّة العرب وقدرتهم على حكم أنفسهم, فاستغلّ الأوروبيّون هذا عندهم, واستخدموهم من حيث يشعرون ولا يشعرون لخدمة أهدافهم, حتّى تحقق لهم ما يريدون, وعند ذلك ضربوا بكلّ وعودهم وتعهّداتهم عرض الحائط. ووجد هؤلاء المتحمّسون بلادهم وقد أضحت محتّلة, وأحسّوا أنهم كانوا مجرد أدوات اُستخدمت لتحقيق مصالح الأعداء.(1/451)
2 ـ لعلّ السّبب الّذي دفع السّيّد محب الدّين لترك العمل السّياسيّ والالتفات إلى العمل الصحفيّ هو شعوره بالخطأ الّذي وقع فيه هو وأصحابه. وقد حاول خدمة أمّته عن طريق نشر كتب التّراث وتوعية النّاس وتعريفهم بدينهم من خلال المقالات والكتب والعمل الاجتماعي, فإيمانه لم يخبُ يوماً بالكنوز الكامنة في هذه الأمّة, وكان يرى أنّ العرب والمسلمين في غفوة سرعان ما يفيقون منها, وعند ذلك لابدّ لهم من تحقيق عزّتهم وكرامتهم. ويعجبني إصراره وعدم يأسه رغم مرور السّنوات الطويلة, بالرّغم من الأحداث المريرة الّتي مرّت في حياته, فقد كان متفائلاً, وواثقاً من النّصر والنّهوض وهزيمة الأعداء, لذلك كنّا نراه لا يترك أيّ فرصة لتأكيد ذلك والتّبشير به. ولعلّ كتاباته عن فلسطين وشرحه لقضيّتها وتفائله بخلاصها أكبر دليل على ذلك.
3 ـ كان السّيّد محب الدّين متطرفاً في حبّه للعرب والعروبة, ومتطرفاً في تمسّكه بتراث السّلف, صلباً في دفاعه عن الصّحابة واللغة العربيّة, لدرجة لم يقبل معها أيّ نقد يخصّ العرب ومكانتهم ولغتهم. وحارب الشّيعة حرباً لا ضراوة فيها لأنّهم يسبّون الصّحابة حسب قوله. لذلك فقد كان خصماً قويّاً لكلّ من يفكر بهدم رابطة العروبة أو التقليل من شأنها, وكان يرى أنّ الإسلام جعل للعرب والعربيّة مكانة خاصّة بين شعوب الأرض قاطبة, ولعلّ حبّه للتّراث والسّلف نابع من حبّه للجوانب المشرقة في تاريخ أمّته, والّتي كانت تعزّز نظريّته عن أحقيّة العرب المسلمين لريادة العالم بأسره.(1/452)
4 ـ أغنت تحقيقات السّيّد محب الدّين المكتبة العربيّة بكتب هامّة من كتب التّراث الإسلاميّ, وساعدته ثقافته الواسعة وحبّه للعرب والعربيّة والإسلام على التّصدّي لهذا العمل الصّعب. ولكنّه كان يميل أحياناً باتّجاه تأكيد فكرته وإثباتها, كما حصل عند تحقيقه لكتاب العواصم من القواصم, حيث دفعه حبّه للصّحابة - رضي الله عنه - إلى تأكيد عدالتهم ودفع التّهم عنهم بشتى الوسائل.
5 ـ لم نجد في حياة السّيّد محب الدّين تناقضاً بين ما يعيشه وما يؤمن به, لذلك فقد وجدنا أنّه سخّر حياته للعمل والبحث والتّحقيق, ولم يكن همّه الإثراء أو الظهور بين النّاس فقد كان صاحب رسالة أراد لها أن تصل لو على حساب راحته.
6 ـ يمكن اعتبار السّيّد محب الدّين من أوائل من عملوا على تنظيم المسلمين من خلال سعيه لتكوين جمعيّة الشّبان المسلمين. هذه الجمعيّة الّتي أُعتبرت بداية الدّعوة المنظّمة, ورحّب بكلّ جمعيّة أو جماعة سعت لتوحيد المسلمين وتنظيمهم ونصرة الإسلام. لكنّه أُعجب بشكل خاصّ بجماعة الإخوان المسلمين, وقد أُعتبر أحد الّذين أدخلوا ما سمّي بالسّلفيّة إلى مصر, ولا غرابة في هذا, لأنّ السّيّد محب الدّين كان يحبّ السّلف, وتراث العروبة والإسلام. ومن خلال ما مرّ معنا نجد أن تصنيف السّيّد محب الدّين مع الإخوان أو السّلفيين هو تصنيف خاطىء, لأنّه يتفق معهما في أشياء ويختلف في أخرى, ونجد أنّه جمع بين الإسلام والعروبة وحبّ السّلف بصورة تسمح لنا أن نطلق عليه صفة إخواني سلفي عروبي, ولعلّ هذا ما جعل من الصّعب علينا أثناء البحث تأكيد انتسابه لجماعة الإخوان أو عدم انتسابه إليها.(1/453)
7 ـ إذا رحنا ننظر لتلك الفترة الّتي عاش فيها السّيّد محب الدّين, وللأحداث الّتي مرّت خلالها, نجد أن ما يحصل للأمّة العربيّة والإسلاميّة اليوم, شبيه بالّذي مضى, وهو نتيجة لأعمال أجدادنا وآبائنا, فلنعتبر بما حصل ولنقرأ التّاريخ جيداً لنستفيد منه, ولنستطيع تلافي الأخطاء الّتي حصلت, لعلّنا نصل إلى الغاية الّتي يتمنّاها كلّ مسلم غيور على أمّة العروبة والإسلام.
8 ـ وبعد, فإن ما يحزّ في نفوسنا اليوم أنّ وضع العرب والمسلمين مازال على حاله من السّوء, بل إنّنا حقيقة وصلنا إلى ما هو أسوأ, كيف لا ونحن اليوم لا نملك من أسباب القوّة ما ندفع فيه عن أنفسنا أو عن ديننا أو عن حضارتنا. وإذا رحنا نبحث عن الأسباب فربّما وجدنا أنّها أسباب قديمة, ترجع بجذورها إلى عصور قديمة تسبق عصر السّيّد محب الدّين, وحتّى عصر العثمانيين, إنّها ترجع إلى بداية خلاف المسلمين مع بعضهم من أيّام حروب عليّ ومعاويّة - رضي الله عنه -, لأنّه مما لا شكّ فيه أنّ الخلاف فرقة, والفرقة ضعف, والضّعف موت للحضارة والعزّة والمنعة. ولعلّ المسلمين في فترات من حياتهم استطاعوا القيام والنّهوض عندما اعتصموا بحبل اللّه كما أمرهم, وعندما استفادوا من الواقع ومن التّاريخ. وقد حاول المسلمون القيام في زمن السّيّد محب الدّين, ولكنهم وقعوا ضحيّة الغرب الّذي استطاع بمكره وخداعه أن يفصل العرب عن المسلمين وأن يمزقهم مزقاً مزقاً, وأن يقسّم ما بقي من المسلمين إلى قوميّات وأعراق, يكره بعضهم بعضاً ويقاتل بعضهم بعضاً. ولا أدري كيف تتكرر حوادث التّاريخ, ولا نستطيع الاستفادة منها ؟!.(1/454)
ومما يُحزن أنّنا نعرف ما يُحاك ضدنا, فالعدوّ قد استغنى عن التّخطيط في الخفاء, وصار تخطيطه علناً بعد أن وجد أنّ العرب والمسلمين أموات بثياب أحياء, ولن يضرّ الشّاة السّلخ بعد الذّبح, وبرغم معرفتنا لهذا لا نستطيع أن نفعل شيئاً. هل حقيقة لا نستطيع؟, أم أنّ الفشل المتلاحق الّذي عصف بنا أفقدنا الرّغبة بالعمل؟, هل حقيقة لا نقدر؟, أم أنّنا وجدنا في القعود لذّة واستمرأنا الذّل واعتدنا عليه؟. لقد آن الأوان لدراسة التّاريخ دراسة نستخلص منها العبر ولا نكرر فيها الأخطاء. آن لنا أن نعرف نقاط الضّعف والقوّة فينا, ونستفيد مما آتانا اللّه, حتّى لا ينطبق علينا المثل القرآني في قوله جل وعلا: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ ٍ)(1). آن لنا أن نعرف مهمّتنا في هذه الحياة, ولا نتخلى عن وظيفتنا الّتي استعملنا اللّه عليها, فمسؤوليّتنا لا تقتصر علينا وحدنا لأنّ الإسلام نور لكلّ العالم, والنّبي - صلى الله عليه وسلم - هو رحمة مهداة للعالمين وليس للمسلمين فقط فنحن بتقصيرنا وانحطاطنا وتخلّفنا نضرّ العالم كلّه, ونحن نرى أثر انحطاط المسلمين على العالم, ويحاسبنا اللّه عليه اليوم وسيحاسبنا عليه يوم القيامة, وما تشتتنا وضعفنا وانحطاطنا إلّا بعض من هذا الحساب. وأخيراً نذكر قوله تعالى: ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ فَأَقِيمُوا الصّلاةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النّصِيرُ )(2).
الملاحق
الملحق الأوّل
__________
(1) ـ الجمعة, من الآية 5.
(2) ـ الحج, من الآية 78.(1/455)
صورة الرّسالة الّتي أرسلها السّيّد لؤي الخطيب حفيد السّيّد محب الدّين ردّاً على أسئلتي, وتاريخها 10 رمضان 1423هـ الموافق لـ 14 تشرين الثّاني 2002م
الملحق الثّاني
صورة لمجلّة الفتح أشهر مجلّة أصدرها السّيّد محب الدّين
الملحق الثّالث
صورة لعنوان الفتح في سنتها الأولى
الملحق الرّابع
مجموعة صور خاصّة بالسّيّد محب الدّين في مراحل مختلفة من حياته
1 ـ السّيّد محب الدّين في شبابه
2 ـ السّيّد محب الدّين مع بعض أقاربه وهم من أعلى الصّورة:
قصي الخطيب ابن السّيّد محب الدّين, محمّد مصطفى زوج ابنة السّيّد محب الدّين, السّيّد محب الدّين, علي الطنطاوي ابن أخت السّيّد محب الدّين, وأخيراً طوسون شافعي زوج ابنة السّيّد محب الدّين.
3 ـ السّيّد محب الدّين الخطيب في كهولته.
4 ـ صورة لأعضاء جمعيّة النّهضة, ويبدو فيها السّيّد محب الدّين من الجالسين الشّخص الرّابع من اليمين.
5 ـ صورة ثانية له مع أعضاء جمعيّة النّهضة, ويبدو فيها من الجالسين الشّخص الثّالث من اليمين.
الملحق الخامس
صورة لأستاذ السّيّد محب الدّين الشّيخ طاهر وأصدقائه: الشّيخ محمّد كامل القصّاب, والسّيّد أحمد تيمور باشا, والشّيخ محمّد الخضر حسين
1 ـ الشّيخ طاهر الجزائري أستاذ السّيّد محب الدّين الخطيب .
2 ـ السّيّد محب الدّين الخطيب والمجاهد محمّد كامل القصّاب.
3 ـ صورتان لصديقي السّيّد محب الدّين: الأولى لأحمد تيمور باشا, والثّانية للشّيخ محمّد الخضر حسين.
قائمة المصادر
والمراجع
أ ـ المصادر:
1 ـ ابن تيميّة, أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم (- 728/1354), منهاج السّنة النّبويّة, تحقيق محمّد سالم, الرّياض, مؤسسة قرطبة, 1406/ 1986, [1 ـ 10].
2 ـ الحموي, ياقوت (626 / 1229), معجم البلدان, تحقيق أحمد فريد الرّفاعي, بيروت, دار الفكر, 1407/ 1987, [1 ـ 5].(1/456)
3 ـ ابن الخطيب, لسان الدّين محمّد بن عبد الله ( -776 / 1402), اللّمحة البدريّة في الدّولة النّصريّة, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1347/1928, 152 صفحة .
4 ـ الدّهلوي, عبد العزيز غلام, مختصر التّحفة الإثنى عشريّة, ترجمة محمّد بن محي الدّين الأسلمي تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1373/1954, 368 صفحة .
5 ـ الذّهبي, محمّد بن أحمد بن عثمان (-748 / 1374), سير أعلام النّبلاء, تحقيق شعيب أرناؤوط ومحمّد نعيم عرقسوسي, وآخرون, بيروت, مؤسسة الرّسالة, ط9, 1413/1993, [1 ـ 23].
6 ـ السّيوطي, أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال جلال الدّين (-911/1505), الجامع الصّغير في أحاديث البشير, بيروت, دار الفكر, 1401/1981, [1 ـ 2].
7 ـ ابن العربيّ, محمّد أبو بكر بن العربي (- 543 / 1168), العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصّحابة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة,1370/1951 287 صفحة.
8 ـ ابن قتيبة, عبد اللّه بن مسلم (-286 / 899 ), الميسر والقداح, تحقيق محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1342/1924, 173صفحة .
9 ـ المباركفوري, أبو العلا محمّد عبد الرّحمن بن الحافظ عبد الرّحيم (-727 /1353), تحفة الأحوذي في شرح الترمذي, بيروت, دار الكتب العلميّة, 1410/1990, [1 ـ 10].
10 ـ الهمذاني, الحسن بن أحمد بن يعقوب ( - 344/ 956 ), الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير, تحقيق محب الدّين الخطيب, الدّار اليمنيّة للنشر والتّوزيع, 1407/ 1987, 351 صفحة.
ب ـ المراجع والأعمال الحديثة:
1 ـ أباظة, نزار, والمالح, محمّد رياض, إتمام الأعلام, بيروت, دار صادر, 1419/ 1999, [1 ـ 2].
2 ـ أبو ريّة, محمود, شيخ المضيرة أبو هريرة, القاهرة, دار المعارف, ط3, د.ت, 310 صفحة.(1/457)
3 ـ أبو زيد, فاروق, الصّحافة المتخصّصة, القاهرة, عالم الكتب, 1406/1986, 223 صفحة.
4 ـ أبو شادي, أحمد زكي, ديوان الشّفق الباكي, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1345/ 1926.
5 ـ أبو طه, أنور عبد الهادي, حركة الجهاد الإسلاميّ في فلسطين الأصول الأيدلوجيا التّحولات, رسالة لنيل دبلوم دراسات عليا في الاجتماع السّياسي, 1419/ 1999, د.م, د.ن, 346 صفحة.
6 ـ أبو غضيب, هاني خيرو, أطلس تاريخ العالم القديم والمعاصر, نابلس, المكتبة الجامعيّة, 1424/2004, 128 صفحة.
7 ـ أوغلي, عائشة عثمان, والدي السّلطان عبد الحميد الثّاني, ترجمة صالح سعداوي صالح, عمّان, دار البشير, 1411 /1991, 455 صفحة .
8 ـ أديب, خالدة, قميص من نار, ترجمة محب الدّين الخطيب, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1341/ 1923, 271 صفحة.
9 ـ أرسلان, شكيب, سيرة ذاتيّة, بيروت, دار الطّليعة, 1363 / 1969, 292 صفحة.
10 ـ المولّف نفسه, تاريخ الدّولة العثمانيّة, تحقيق حسن السّماحي سويدان, دمشق, دار ابن كثير, بيروت دار التّربية, 1422/ 2001, 822 صفحة.
11 ـ الألباني, محمّد ناصر الدّين, آداب الزّفاف في السّنة المطهّرة, دمشق, دار الفكر الإسلاميّ, ط2, 1367/ 1948, 206 صفحة.
12 ـ إلياس, جوزيف, تطوّر الصّحافة السّوريّة في مئة عام 1865- 1965, بيروت, دار النّضال, 1403/ 1983, [1 ـ 2].
13 ـ انطونيوس, جورج, يقظة العرب, تاريخ حركة العرب القوميّة, ترجمة ناصر الدّين الأسد وإحسان عباس, بيروت, دار العلم للملايين, 1382/ 1962, 653 صفحة.
14 ـ البابكري, أبو بكر, علي أحمد باكثير أول دعاة الإصلاح في اليمن, صنعاء, إصدارات دائرة الإعلام والثّقافة بالتّجمع اليمني للإصلاح, 1421/2000, 35 صفحة .
15 ـ باروت, جمال وآخرون, الأحزاب والحركات والجماعات الإسلاميّة, دمشق, المركز العربيّ للدّراسات الإستراتيجيّة, 1420/ 1999, [1 ـ 2].(1/458)
16 ـ البارودي, فخري, أوراق ومذكّرات فخري البارودي, إعداد وتحقيق دعد الحكيم, دمشق منشورات وزارة الثّقافة,1420/ 1999, [1 ـ 2].
17 ـ بدوي, عبد الرّحمن, موسوعة المستشرقين, بيروت, دار العلم للملايين, 1404/ 1984, 446 صفحة.
18 ـ بحبوح, زينب نبّوه, زينب فوّاز رائدة من أعلام النّهضة العربيّة الحديثة, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1421/2000, 198 صفحة.
19 ـ برج, محمّد عبد الرّحمن, محب الدّين الخطيب ودوره في الحركة العربيّة, القاهرة, الهيئة المصريّة العامّة للكتاب, 1411/1990م, 182 صفحة.
20 ـ بصيري, مير, أعلام الوطنيّة والقوميّة العربيّة, لندن , دار الحكمة, 1420/1999, 348 صفحة.
21 ـ البعيني, نجيب, من أمير البيان شكيب أرسلان إلى كبار رجال العصر, بيروت, دار المناهل, 1419/ 1998, 432 صفحة.
22 ـ البنّا, حسن, مذكّرات الدّعوة والدّاعية, القاهرة, د.ن, 1386/1966, 311 صفحة.
23 ـ البهي, محمّد, الفكر الإسلاميّ الحديث وصلته بالاستعمار الغربي, القاهرة, مكتبة وهبة, ط12, 1411/1991, 511 صفحة.
24 ـ البوّاب, سليمان سليم, موسوعة أعلام سوريّة في القرن العشرين, بيروت, دار المنارة, 1420/1999,[1 ـ 4].
25 ـ الجابري, محمّد الصّالح, النّشاط العلمي للمهاجرين الجزائريين بتونس 1900 ـ1962م, طرابلس, الدّار العربيّة للكتاب, 1403/1983, 425 صفحة.
26 ـ جدعان, فهمي, أسس التّقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربيّ الحديث, بيروت, المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر, ط2, 1401/1981, 622 صفحة.
27 ـ الجندي, أدهم, شهداء الحرب العالميّة الكبرى, دمشق, مطبعة العروبة,1380/1960, 248 صفحة.
28 ـ الجندي, أنور, أعلام القرن الرابع عشر الهجري, (أعلام الدّعوة والفكر), القاهرة, مكتبة الأنجلو المصريّة, 1401/1981.
29 ـ المؤلّف نفسه, تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلاميّ, القاهرة, مكتبة الأنجلو المصريّة,1390/1970.(1/459)
30 ـ المؤلّف نفسه, شبهات التّغريب في غزو الفكر الإسلاميّ, بيروت, دمشق, المكتب الإسلاميّ, 1977/1398, 431 صفحة.
31 ـ المؤلّف نفسه, الصّحافة السّياسيّة في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالميّة الثّانية, القاهرة, مطبعة الرّسالة, 1382/1962, 663 صفحة.
32 ـ المؤلّف نفسه, مفكّرون وأدباء من خلال آثارهم, بيروت, دار الإرشاد, 1387/ 1967, 296 صفحة.
33 ـ المؤلّف نفسه, يقظة الفكر العربيّ حركة اليقظة في مواجهة التّغريب, القاهرة, مطبعة زهران, 1390/1970, 352 صفحة .
34 ـ الحافظ, محمّد مطيع, وأباظة, نزار, تاريخ علماء دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, دمشق, دار الفكر, 1412/ 1991, [1 ـ 2].
35 ـ حرب, محمّد, مذكّرات السّلطان عبد الحميد, دمشق, دار القلم, ط3, 1412/ 1991, 318 صفحة.
36 ـ حسنين, أحمد طاهر, دور الشّاميين المهاجرين إلى مصر في النّهضة الأدبيّة الحديثة, دمشق, دار الوثبة, 1406/1986, 270 صفحة.
37 ـ الحسين, زيد بن عبد المحسن, جائزة الملك فيصل العالميّة ودلالتّها الحضاريّة, الرّياض, دار الفيصل الثّقافيّة 1419/ 1998, 202 صفحة.
38 ـ حسين, محمّد محمّد, الإتجاهات الوطنيّة في الأدب العربيّ المعاصر, بيروت, دار النّهضة العربيّة, ط3, 1392/1972, [1 ـ 2].
39 ـ الحصري, ساطع, أبحاث مختارة في القوميّة العربيّة, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربيّة, 1405/ 1985, 464 صفحة.
40 ـ المؤلّف نفسه, محاضرات في نشوء الفكرة القوميّة, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربيّة, ط2, 1405/1985, 171 صفحة.
41 ـ الحفّار, لطفي, ذكريات لطفي الحفّار, جمعها ونشرها وجيه بيضون, دمشق, مطابع ابن زيدون, 1373/ 1954, [1 ـ 2 ].
42 ـ حمدي, أحمد, أسباب هزيمة الجيش العثمّاني والأرناؤوط, ترجمة محب الدّين الخطيب, القاهرة , المطبعة السّلفيّة, 1329/ 1911, 46 صفحة.(1/460)
43 ـ حمزة, عبد اللّطيف, الصّحافة المصريّة في مائة عام, القاهرة, دار القلم,1380/1960, 125 صفحة.
44 ـ حميد, محمّد أبو بكر, علي أحمد باكثير في مرآة عصره, القاهرة, مكتبة مصر, دار مصر للطباعة, 1421/1990, 207 صفحة.
45 ـ الحوت, بيان نويهض, القيادات والمؤسسات السّياسيّة في فلسطين 1917ـ 1948م, بيروت, مؤسسة الدّراسات الفلسطينيّة, ط3, 1406 / 1986, 985 صفحة.
46 ـ حوراني, ألبرت, الفكر العربيّ في عصر النّهضة 1798ـ 1939, ترجمة كريم عزقول, بيروت, دار النّهار للنّشر, ط4, 1406/1986, 486 صفحة.
47 ـ حوراني, ألبرت وآخرون, الشّرق الأوسط الحديث, ترجمة أسعد صقر, دمشق, دار طلاس, 1416/ 1996, [1 ـ 3].
48 ـ الخاقاني, أحمد, مع الخطوط العريضة, قُم, إعداد مركز الأبحاث العقائديّة, 1389/1969, 100 صفحة.
49 ـ الخطيب, عبد العزيز, غرر الشّام, في تراجم آل الخطيب الحسنيّة ومعاصريهم, دمشق, دار حسان, 1417/ 1996, [1 ـ 2].
50 ـ الخطيب, عدنان, طاهر الجزائري رائد النّهضة العلميّة في بلاد الشّام, وأعلام من خريجي مدرسته, القاهرة, معهد البحوث والدّراسات العربيّة, جامعة الدّول العربيّة, قسم البحوث والدّراسات الأدبيّة واللّغويّة, 1391/1971, 184 صفحة.
51 ـ الخطيب, محب الدّين, إلى الأمّة العربيّة الكريمة, المعاهدة السّوريّة مع فرنسا هل حققت استقلال سوريا؟, الوثائق التّاريخيّة, القسم الخاص, الإتحاد الوطني, البيانات, الوثيقة رقم 8/8, 10 صفحة.
52 ـ المؤلّف نفسه, الخطوط العريضة للأسس الّتي قام عليها دين الشّيعة الإثنى عشريّة, د.م, د.ت, ط10, 1410/1990, 43 صفحة.
53 ـ المؤلّف نفسه, تاريخ مجيد ينتظر من يكتبه, دمشق, لجنة مسجد جامعة دمشق, 61, 1383/1964, 16 صفحة.
54 ـ المؤلّف نفسه, جعفر العسكري موجز عن حياته, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1355/1936, 40 صفحة.
55 ـ المؤلّف نفسه, الحديقة, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1341/1923,[1ـ 10].(1/461)
56 ـ المؤلّف نفسه, حياته بقلمه, دمشق, مطبوعات جمعيّة التّمدن الإسلاميّ, 1399/ 1979, 83 صفحة.
57 ـ المؤلّف نفسه, خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1371/ 1952.
58 ـ المؤلّف نفسه, دراسات عن البهائيّة والبابيّة, بيروت, المكتب الإسلاميّ, 1391/1970, 121 صفحة.
59 ـ المؤلّف نفسه, الزّهراء دار الخلافة الأمويّة في بلاد الأندلس, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1343/ 1925, 39 صفحة.
60 ـ المؤلّف نفسه, صلاح الدّين القاسمي, آثاره, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1379/1959, 316 صفحة.
61 ـ المؤلّف نفسه, محمّد بن القاسم الثّقفي, دمشق, لجنة مسجد جامعة دمشق, 72 , 1384/ 1964, 32 صفحة.
62 ـ المؤلّف نفسه, وداغر, أسعد, مذكّرات غليوم الثّاني, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1341 / 1922, 255 صفحة.
63 ـ المؤلّف نفسه, مع الرّعيل الأوّل, بيروت, دار الكتب العلميّة, 1409/ 1988, 223 صفحة.
64 ـ المؤلّف نفسه, المنتقى من محاضرات جمعيّة الشّبّان المسلمين, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1348/ 1929
65 ـ المؤلّف نفسه, منهج الثّقافة الإسلاميّة, القاهرة, المكتبة السّلفيّة, د.ت, 32 صفحة.
66 ـ المؤلّف نفسه, المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس, تحرير وتقديم محمّد كامل الخطيب, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, ط2, 1386/1996, 221 صفحة.
67 ـ الخطيب, محمّد كامل, قضيّة المرأة, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1419/1999, [1 ـ 3].
68 ـ المؤلّف نفسه, القوميّة والوحدة, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1414 / 1994, [1 ـ 3].
69 ـ خفاجي, محمّد عبد المنعم, الأزهر في ألف عام, بيروت,عالم الكتب, القاهرة, مكتبة الكليات الأزهريّة, ط2, 1408/ 1988, [1 ـ 3].
70 ـ خلّاف, عبد الوهاب, السّياسة الشّرعيّة أو نظام الدّولة الإسلاميّة, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1350/ 1931, 148 صفحة.(1/462)
71 ـ دروزة, محمّد عزّة, حول الحركة العربيّة الحديثة, بيروت, المكتبة العصريّة, 1368 / 1949, [1 ـ6].
72 ـ الدّسوقي, محمّد كمال, الدّولة العثمانيّة والمسألة الشّرقيّة, القاهرة, دار الثّقافة للطباعة والنّشر, 1396/1976, 495 صفحة.
73 ـ الدّهان, سامي, الأمير شكيب أرسلان حياته وآثاره, القاهرة, دار المعارف, ط2, 1379 / 1959, 375 صفحة.
74 ـ الدّوري, عبد العزيز, مقدّمة في التّاريخ الاقتصادي العربيّ, بيروت, د.ن, 1388/1968, 153 صفحة.
75 ـ دويدري, رجاء وحيد, البحث العلمي, أساسيّاته النّظريّة, وممارساته العمليّة, دمشق, دار الفكر, بيروت, دار الفكر المعاصر, 1423/ 2002 , 504 صفحة.
76 ـ رافق, عبد الكريم, العرب والعثمانيون, دمشق, د.ن, ط2, 1413/1993, 605 صفحة.
77 ـ رضا, محمّد رشيد, رحلات محمّد رشيد رضا, تحقيق يوسف ايبش, بيروت, المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر, 1391/1971, 395 صفحة.
78 ـ الزّاهري, محمّد السّعيد, الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير, دمشق, مطبعة الإعتدال, ط2, 1352/1933, 119 صفحة.
79 ـ الزّركلي, خير الدّين, الأعلام, بيروت, دار العلم للملايين, ط10, 1412/1992, [1 ـ 8].
80 ـ ستودارد, لوثروت, حاضرالعالم الإسلاميّ, تعليق شكيب أرسلان, ترجمة عجاج نويهض, القاهرة, المطبعة السّلفيّة, 1343/ 1924, [1 ـ 4].
81 ـ سعادة, جورج عارج, النّهضة الصّحفيّة في لبنان, بيروت, منشورات دار وكالة النّشر العربيّة, 1380/1960, 526 صفحة.
82 ـ سعد الدّين, محمّد منير, الإعلام, بيروت, دار بيروت المحروسة, 1411/ 1991, 260 صفحة.
83 ـ سعدي, سعد, معجم الشّرق الأوسط, شيكاغو, د.ن, 1417/ 1997, 420 صفحة.
84 ـ سعفان, كامل, علي عبد الرّازق, القاهرة, الدّار المصريّة اللّبنانيّة, 1419/ 1998, 95 صفحة.
85 ـ سعيد, أمين, الثّورة العربيّة الكبرى, القاهرة, مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه, د.ت, [1 ـ 3 ].(1/463)
86 ـ سلطان, علي, تاريخ سوريا 1908_ 1918م, دمشق, دار طلاس, 1407/ 1987, 595 صفحة.
87 ـ السّماري, فهد بن عبد اللّه, والرّبيع, محمّد بن عبد الرّحمن, الملك عبد العزيز في مجلّة الفتح, قائمة ببلوجرافيّة, الرّياض, دارة الملك عبد العزيز, 1419/ 1999, 237 صفحة.
88 ـ الشّهابي, مصطفى, محاضرات القوميّة العربيّة تأريخها وقوامها ومراميها, القاهرة, جامعة الدّول العربيّة, معهد الدّراسات العربيّة العالية, 1378/ 1959, 364 صفحة.
89 ـ الشّهابي, قتيبة, معجم دمشق التّاريخي, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة,1419/ 1999, [1 ـ 3].
90 ـ الشّهبندر, عبد الرّحمن, المقالات, تحقيق محمّد كامل الخطيب, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1413/ 1993, 535 صفحة.
91 ـ الشّيباني, محمّد ابراهيم, ترجمة العلامّة أحمد تيمور باشا, الصّفاة, منشورات مركز المخطوطات والتّراث والوثائق, 1410/1990, 79 صفحة.
92 ـ الصّافي, لطف اللّه, مع الخطيب في خطوطه العريضة, مراجعة مرتضى الرّضوي, بيروت دار الهادي, 1422/ 2002, 256 صفحة.
93 ـ المؤلّف نفسه, صوت الحق ودعوة الصّدق, قُم, مركز الأبحاث العقائديّة, ذو الحجة 1396/ 1976, 93 صفحة.
94 ـ صالحة, محمّد, أبو مغلي, سميح, تاريخ الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, عمّان, دار بيكار, 173 صفحة.
95 ـ الصّباغ, ليلى, تاريخ العرب الحديث والمعاصر , دمشق, منشورات جامعة دمشق, ط3, 1411/1991, 428 صفحة.
96 ـ طرّازي, فيليب دي, تاريخ الصّحافة العربيّة, بيروت, المطبعة الأدبيّة, 1331/1913, [1 ـ 2].
97 ـ طربين, أحمد, تاريخ المشرق العربيّ المعاصر, دمشق, منشورات جامعة دمشق, ط4, 1412/ 1992 639 صفحة.
98 ـ الطّناحي, محمود محمّد, أوائل المطبوعات العربيّة في مصر, ندوة تاريخ الطّباعة العربيّة, أبوظبي, منشورات المجمع الثّقافي, 1416/1996, 445 صفحة.(1/464)
99 ـ المؤلّف نفسه, مدخل إلى تاريخ نشر التّراث العربيّ, القاهرة, مكتبة الخانجي, 1405/ 1984, 406 صفحة.
100 ـ الطّنطاوي, علي, ذكريات علي الطّنطاوي, جدّة, دار المنارة, 1405/ 1985, [1 ـ 8].
101 ـ المؤلّف نفسه, رجال من التّاريخ, جدّة, دار المنارة, ط8, 1990/1411, 243 صفحة.
102 ـ ابن عباس, محمّد ناصر, موجز تاريخ الصّحافة في المملكة السّعوديّة, الرياض, مطابع مؤسسة الجزيرة, 1391/1971, 352 صفحة.
103 ـ عبد الله, عادل كاظم, دين النّواصب, بيروت, دار وادي السّلام للتّحقيق والنّشر, 1427/ 2006, 237 صفحة.
104 ـ عبده, ابراهيم, أعلام الصّحافة العربيّة, القاهرة, مكتبة الآداب, ط2, 1367/1948, 158 صفحة.
105 ـ المؤلّف نفسه, تطوّر الصّحافة المصريّة, القاهرة, مؤسسة سجل العرب, ط4, 1402/ 1982, 376 صفحة.
106 ـ المؤلّف نفسه, جريدة الأهرام تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة, القاهرة, دار المعارف, 1370/1951, 551 صفحة.
107 ـ عثمان, هاشم, الصّحافة السّوريّة ماضيها وحاضرها 1877م ـ1970م, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1417/ 1997, 437 صفحة.
108 ـ العسكري, نجم الدّين, محمّد - صلى الله عليه وسلم - وحديث الثّقلين, النّجف, مكتبة الآداب, ط4, د.ت, [1 ـ 3].
109 ـ العطري, عبد الغني, أعلام ومبدعون, دمشق, دار البشائر, 1420 / 1999, 398 صفحة.
110 ـ المؤلّف نفسه, حديث العبقريّات, دمشق, دار البشائر, 1421 /2000, 431 صفحة.
111 ـ المؤلّف نفسه, عبقريّات وأعلام, دمشق, دار البشائر, 1417 / 1996, 478 صفحة.
112 ـ عفيف, أحمد جابر, مؤسسة العفيف الثّقافيّة, الموسوعة اليمنيّة, بيروت, دار الفكر المعاصر, 1412/ 1992, [1 ـ 2].
113 ـ العقيقي, نجيب, المستشرقون, القاهرة, دار المعارف, ط4, د.ت, [1ـ3].
114 ـ العقيل, عبد الله, من أعلام الحركة والدّعوة الإسلاميّة المعاصرة, الكويت, دار المنارة الإسلاميّة, 1422/2001, 702 صفحة.(1/465)
115 ـ العلبي, أكرم, خطط دمشق, دمشق, دار الطّباع, 1410/ 1989, 604 صفحة.
116 ـ علم الدين, أحمد, الاستشراق, بيروت, كلّيّة الإمام الأوزاعي, 1411/1991, 105 صفحة.
117 ـ علّوش, ناجي, مختارات المفيد, بيروت, دار الطّليعة, 1401/1981, 301 صفحة.
118 ـ عمارة, محمّد, قاسم أمين, بيروت, دار الوحدة, 1408/ 1988, 224 صفحة.
119 ـ العودات, حسن وآخرون, الموسوعة الصّحفيّة العربيّة, تونس, المنظمة العربيّة للتّربية والعلوم, 1410/1990, [1 ـ 5].
120 ـ عوض, عبد العزيز, الإدارة العثمانيّة في ولاية سوريا 1864ـ 1914م القاهرة, دار المعارف, 1389/1969, 384 صفحة.
121 ـ العوف, بشير, الصّحافة تاريخاً وتطوّراً وفنّاً ومسؤوليّة, بيروت, المكتب الإسلاميّ , 1407/1987, 240 صفحة.
122 ـ عيّاش, عبد القادر, معجم المؤلّفين السّوريين في القرن العشرين, دمشق, دار الفكر, 1405/1985, 544 صفحة.
123 ـ الفرفور, محمّد عبد اللّطيف, أعلام دمشق في القرن الرّابع عشر الهجري, دمشق, دار الملاح, ودار حسان, 1408/ 1987, 432 صفحة.
124 ـ فرّوخ, عمر, والخالدّي, مصطفى, التّبشير والاستعمار في البلاد العربيّة, صيدا, المكتبة العصريّة, ط3, 1406/1986, 279 صفحة.
125 ـ فلسطين, وديع, وديع فلسطين يتحدّث عن أعلام عصره, دمشق, دار القلم, 1424/2003, [ 1 ـ 2 ] .
126 ـ فيّاض, محمود, الصّحافة الأدبيّة في مصر والإتجاهات القوميّة 1914م ـ 1940م, القاهرة, الجهاز المركزي للكتب الجامعيّة والمدرسيّة و الوسائل التّعليميّة, 1396/1976, 920 صفحة.
127 ـ القاسمي, ظافر, جمال الدّين القاسمي, دمشق, مكتبة أطلس, 1385/ 1965, 702 صفحة.
128 ـ قاسميّة, خيريّة, الحكومة العربيّة في دمشق ما بين 1918م ـ 1920م, القاهرة, دار المعارف, 1391/1971, 318 صفحة.
129 ـ القباني, عبد العليم, نشأة الصّحافة العربيّة بالإسكندريّة, القاهرة, الهيئة المصريّة العامّة للكتاب, 1393/1973, 125 صفحة.(1/466)
130 ـ قدامة, أحمد, معالم وأعلام في بلاد العرب, دمشق, مطابع ألف باء, 1385/1965.
131 ـ قدّورة, زاهية, تاريخ العرب الحديث, بيروت, دار النّهضة العربيّة, ط2, 1405/1985, 607 صفحة.
132 ـ قصّاب حسن, نجاة, صانعو الجلاء في سوريا, بيروت, شركة المطبوعات للتّوزيع والنّشر, 1419/ 1999.
133 ـ قطب, محمد, مذاهب فكريّة معاصرة, دار الشّروق, القاهرة, ط8, 1413/1993, 562 صفحة.
134 ـ قلعجي, قدري, السّابقون, بيروت, دار العلم للملايين, 1373/1954, 112 صفحة.
135 ـ المؤلّف نفسه, الثّورة العربيّة الكبرى, بيروت, شركة المطبوعات للتوزيع والنّشر, 1413/ 1993, 525 صفحة.
136 ـ كامل, محمود, الدّولة العربيّة الكبرى, القاهرة, دار المعارف, 1378/ 1958, 624 صفحة.
137 ـ كحّالة, عمر رضا, المستدرك على معجم المؤلّفين, بيروت, مؤسسة الرّسالة, 1406/1985, 893 صفحة.
138 ـ المؤلّف نفسه, معجم مصنفي الكتب العربيّة في التاريخ والتراجم والجغرافية والرحلات, بيروت, مؤسسة الرّسالة, 1406/ 1986, 696 صفحة.
139 ـ المؤلّف نفسه, معجم المؤلّفين, بيروت, دار إحياء التّراث العربيّ, د.ت, [1 ـ 13].
140 ـ كرد علي, محمّد, الإسلام والحضارة العربيّة, القاهرة, لجنة التّأليف والتّرجمة والنّشر,1370/1950 [1 ـ 2].
141 ـ المؤلّف نفسه, كنوز الأجداد, دمشق, دار الفكر, ط2, 1404/1984, 416 صفحة.
142 ـ المؤلّف نفسه, المعاصرون, بيروت, دار صادر, ط2, 1413/ 1993, 538 صفحة.
143 ـ الكزبري, سلمى الحفّار, لطفي الحفّار, مذكّراته, حياته, عصره, بيروت, دار رياض الرّيس, 1417/ 1997, 455 صفحة.
144 ـ الكواكبي, عبد الرحمن, ديوان النّهضة, اختار النّصوص أدونيس وخالدة سعيد, دار العلم للملايين, بيروت, ط1, 1402/1982, 224 صفحة.
145 ـ الكومي, سامي عبد العزيز, الصّحافة الإسلاميّة في مصر في القرن التّاسع عشر, المنصورة, دار الوفاء, 1413/ 1992, 387 صفحة.(1/467)
146 ـ المالكي, حسن بن فرحان, نحو إنقاذ التّاريخ الإسلاميّ, الرّياض, مؤسسة اليمامة الصّحفيّة, 1418/ 1998, 340 صفحة.
147 ـ ابن محمّد, أحمد بن حجر, الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب عقيدته السّلفيّة ودعوته الإصلاحيّة, مكّة, مطبعة الحكومة, ط2, 1395/ 1975, 121 صفحة.
148 ـ مجموعة باحثين, الأهرام شهود العصر, القاهرة, مركز الأهرام للتّرجمة والنّشر, 1407/ 1981, 470 صفحة.
149 ـ مجموعة مؤلّفين, المنجد في الأعلام, بيروت, دار المشرق, ط23, 1416/ 1996, 714 صفحة.
150 ـ محرّم, أحمد, ديوان مجد الإسلام, القاهرة, دار العروبة, 1383/ 1963, 455 صفحة.
151 ـ المحمّدي, فتح اللّه, سلامة القرآن من التّحريف, قُم, مركز الأبحاث العقائديّة, د.ت, 751 صفحة.
152 ـ مروّة, أديب, الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها, بيروت, دار مكتبة الحياة, 1381/1961.
153 ـ مطبقاني, مازن, الإستشراق, المدينة المنوّرة, جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة, كليّة الدّعوة, قسم الإستشراق, د.ت, 39 صفحة.
154 ـ المؤلّف نفسه, بحوث في الإستشراق الأمريكي المعاصر, المدينة المنورة, د.ن, 1420 / 1999, 74 صفحة.
155 ـ المغربي, عبد القادر, جمال الدّين الأفغاني, القاهرة, دار المعارف, ط3, د.ت, 127 صفحة.
156 ـ مكتب الأخبار التّونسيّة, ظاهرة مريبة في سياسة الاستعمار الفرنسي, القاهرة, المطبعة السّلفيّة 1349/ 1931.
157 ـ الموصلّي, منذر, الصّحافة السّوريّة ورجالها إعلام وأعلام, دمشق, دار المختار, 1418/1997, 457 صفحة.
158 ـ ناصر, محمّد, الشّيخ ابراهيم أطفيش في جهاده الإسلاميّ, القرارة, جمعيّة التّراث, 1411/1991, 487 صفحة.
159 ـ المؤلّف نفسه, مختارات من صحف أبي اليقظان جريدة وادي ميزاب, الجزائر, مكتبة الرّيام, 1424 / 2004, 207 صفحة.
160 ـ نبهان, عبد الإله, كتابات عبد الحميد الزّهراوي, دمشق, منشورات وزارة الثّقافة, 1415/1995 245 صفحة.(1/468)
161 ـ نجف, محمّد مهدي, مع المجمع العالمي للتّقريب بين المذاهب, قُم, دار سرور, 1423/1906, 74 صفحة.
162 ـ نجيب, مصطفى, من أعلام مصر في القرن العشرين, القاهرة, وكالة أنباء الشّرق الأوسط, 1416/ 1996, 516 صفحة.
163 ـ النّدوي, أبو الحسن علي الحسني, ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين, الكويت, دار القلم, ط14, 1412/ 1992, 267 صفحة.
164 ـ المؤلّف نفسه, مذّكرات سائح في الشّرق العربي, ضبط وتعليق سيّد عبد الماجد الغوري, دمشق, دار ابن كثير, 1422/ 2001, 375 صفحة.
165 ـ هيبة, محمّد منصور محمود, الصّحافة الإسلاميّة في مصر, بين عبد النّاصر والسّادات ( 1952ـ 1981م), المنصورة, دار الوفاء, 1410/1990.
166 ـ اليسوعي, روبرت كامبل, أعلام الأدب العربيّ المعاصر, بيروت, مركز الدّراسات العالم العربيّ المعاصر, جامعة القديس يوسف, د.ت, [1 ـ 2].
167 ـ يحيى, جلال, العالم العربيّ الحديث, القاهرة, دار المعارف, 1386/ 1966, 640 صفحة.
168 ـ يوسف, محمّد خير رمضان, معجم المؤلّفين المعاصرين وفيّات ( 1315 ـ 1424/ 1897ـ 2003), الرّياض, مكتبة الملك فهد الوطنيّة, 1425/ 2004 [ 1 ـ 2 ].
الدّوريّات :
1 ـ الببلاوي, حازم, " النّظام الإقتصادي الدّولي المعاصر من نهاية الحرب العالميّة الثّانية إلى نهاية الحرب الباردة", في عالم المعرفة, 257 ( محرّم 1421 / أيّار 2000 ), 1 ـ 270.
2 ـ دروزة, محمّد عزّة, "العاميّة والفصحى", في الزّهراء, 3 (صفر / 1345 ), 116 ـ 117.
3 ـ الخطيب, محب الدّين, "آخر بني سراج", في الزّهراء, 2 (محرّم / 1344 ), 61 .
4 ـ "الإتجاهات في الأدب العربي اليوم", في الزّهراء, 4(ذو الحجّة / 1346 ), 579 ـ 581.
5 ـ "اتّقوا الله في النّساء", في الفتح, 843 (جمادى الأولى/ 1366), 723 ـ 724.
6 ـ "إحلال العاميّة محل العربية الفصحى أمنية كلّ من يتمنّى هدم الإسلام", في الفتح, 849 (ذو القعدة / 1366 ), 865 ـ 866.(1/469)
7 ـ "أحمد شاكر الكرمي", في الزّهراء, 4 (جمادى الأولى / 1346), 178.
8 ـ "إحياء سنن الإسلام وقواعده", في الفتح, 864 (صفر/ 1368), 27 ـ 29.
9 ـ "اختراع أجنبي", في الفتح, 823 ( جمادى الآخرة / 1364 ), 356 ـ 358.
10 ـ "الأخلاق الإسلاميّة سلاحنا", في الفتح, 839 (شوّال / 1365), 621 ـ 622.
11 ـ "أستاذي في الصّحافة", في الفتح, 551 (ربيع الأوّل/1356), 9 .
12 ـ "استغلال أسماء الرّجال في دار التّقريب بين الضّلالات والمفاسد", في الفتح, 846 ( شعبان / 1366 ), 783 .
13 ـ "الإسلام والوطن", في الفتح, 501 (ربيع الأوّل/ 1355), 1 ـ 3.
14 ـ "الإصلاح الإسلاميّ", في الزّهراء, 3 ( شوّال/1344), 596 ـ 598.
15 ـ "اعتصام القائد الأعظم عبد الكريم الخطّابي", في الفتح, 845 (رجب / 1366), 771 .
16 ـ "الإفتتاحيّة", في الفتح, 151 ( محرّم / 1348 ), 1 ـ 2.
17 ـ "الإفتتاحيّة", في الفتح, 651 ( ربيع الأوّل / 1358 ), 1 ـ 2.
18 ـ "الإفتتاحيّة", في الفتح, 843 ( جمادى الأولى / 1366 ), 1 ـ 2.
19 ـ "الإقتصاد", في العاصمة, 98 (جمادى الأولى 1337/شباط1920),1 ـ 2.
20 ـ "إلى حماة العربيّة وعداتها", في الفتح, 849 (ذو القعدة/ 1366 ), 864 .
21 ـ "أنباء اجتماعيّة", في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية/ 1346), 253 .
22 ـ "ايقاظ المواهب وإعداد الرّجال", في العاصمة, 122 (شعبان 1338/ أيّار1920), 1 ـ 2.
23 ـ "إيمان", في الأزهر, 25 (محرّم 1373/سبتمبر 1953 ), 4 ـ 8.
24 ـ "باب أنباء اجتماعيّة", في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية/ 1346), 253 .
25 ـ "باب حركة النّشر والتّأليف", في الزّهراء, 3 (صفر/ 1345), 141.
26 ـ "بعض ما قالته الشّيعة في القرآن", في الفتح, 842 ( ربيع الآخر / 1366 ), 689 .
27 ـ "بماذا نجاهد ؟", في الفتح, 852 ( صفر / 1367 ), 36 .
28 ـ "بماذا يكون المسلمون أمّة ؟", في الفتح, 125 (محرّم / 1348 ), 1 ـ 3.(1/470)
29 ـ "تجاه التّاريخ", في العاصمة, 47 (ذي العقدة 1337/ آب 1919), 1 ـ 2.
30 ـ "تحت سلطان العصور", في العاصمة, 103 (جمادى الثّانية 1338/ شباط 1920), 1 ـ 2.
31 ـ "التّربية الإستقلاليّة", في العاصمة, 94 (ربيع الثّاني 1338/كانون الثّاني 1920 ), 1 ـ 2.
32 ـ "التّربية الإستقلاليّة والمبادئ الديمقراطيّة", في العاصمة, 96 (جمادى الأولى 1338 / كانون الثّاني 1920 ), 1 ـ 2.
33 ـ "تطوّر التّشيّع", في الفتح, 846 ( شعبان / 1366 ), 785 .
34 ـ "تعليمنا الإبتدائي والثّانوي فاسد, وتعليمنا الجامعيّ أشدّ فساداً", في الفتح, 849 ( ذو القعدة / 1366 ), 856 ـ 862.
35 ـ "التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة خرافة وفساد", في الفتح, 843 (جمادى الأولى/ 1366), 709 .
36 ـ "جبهة إسلاميّة موحّدة", في الفتح, 824 (جمادى الأخرة/ 1366), 749 ـ 750.
37 ـ " جزيرة العرب والنّهضة الشّرقيّة الحديثة ", في الزّهراء, 3 (شعبان/1345), 516 ـ 519.
38 ـ "جمعيّة المسلم العامل", في الفتح, 326 (رمضان/ 1351 ), 14.
39 ـ "حادثة الجلاء عن سوريا", في الفتح, 834 (جمادى الأولى /1365 ), 532 ـ 533.
40 ـ "حاضر الأمم بين أمسها وغدها", في الفتح, 856 (جمادى الآخرة / 1367), 132 ـ 134.
41 ـ "الحديث النّبوي", في الفتح, 822 (جمادى الأولى/ 1346), 350.
42 ـ "الحركة الدّائمة", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل / 1356 ), 11.
43 ـ "الحريّة في بلاد الأطفال", في الفتح, 119 ( جمادى الأولى / 1347), 1 ـ 2.
44 ـ "الحسين كما رأيته في ثلاث سنوات", في الزّهراء, 1 (ربيع الأوّل/ 1343 ),190 ـ 200.
45 ـ "حقّ العروبة والإسلام في فلسطين", في الفتح, 837 ( شعبان / 1365), 578.
46 ـ "حملة التّجديد والإصلاح, وهل لها قادة حكماء ؟, وهل رسموا لها الخطط الحكيمة ؟", في الزّهراء, 4 ( الرّبيعان / 1346 ), 2 ـ 15.(1/471)
47 ـ "حملة رسالة الإسلام الأوّلون", في المسلمون, 1 (جمادى الأولى/ 1372 ), 466 ـ 469.
48 ـ "حول المعجم العربي", في الزّهراء, 2 (الرّبيعان / 1344 ), 145 ـ 148.
49 ـ "حيّ على الفلاح", في العاصمة, 49 ( ذو القعدة 1337 / آب 1919 ), 1 ـ 2.
50 ـ "خدمة الوطن", في العاصمة, 83 ( ربيع الأوّل 1338 / ك1 1919 ), 1 ـ 2.
51 ـ "الخلق هو الدّين", في الفتح, 822 ( جمادى الأولى/ 1364),340 ـ 341.
52 ـ "الخيانة العظمى", في الفتح, 837 ( شعبان / 1365 ), 583 ـ 585.
53 ـ "ذكريات شاهد عيان", في الفتح, 861 ( ذو القعدة / 1367), 365 ـ 367.
54 ـ "دعامتنا الإستقلال", في العاصمة, 154 ( ذو الحجّة 1337 / آب 1919 ), 1 ـ 2.
55 ـ "دعوة إلى تأسيس مصرف مالي", في العاصمة, 118 ( شعبان 1338 / نيسان 1920), 1 ـ 2.
56 ـ "الدّعوة إلى الخير في زماننا وفي صدر الإسلام", في الفتح, 834 (جمادى الأولى / 1365 ) 536 ـ 537.
57 ـ "رسالة إلى الإمام يحيى", في الفتح, 854 (ربيع الآخر/ 1367), 93 .
58 ـ "رسالة الفتح", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل/ 1356 ), 1 ـ 2.
59 ـ "رفيق العظم", في الزّهراء, 2 (الرّبيعان/1344), 230 ـ 231.
60 ـ "زهد الشيخ طاهر", في الزّهراء, 3 ( رجب / 1345 ), 464 ـ 465.
61 ـ "سبب وجود الفتح", في الفتح, 551 (ربيع الأوّل / 1356), 10.
62 ـ "السّمّ في الدّسم", في الفتح, 838 ( رمضان / 1365 ), 596.
63 ـ "سؤال جدّيّ في ذكرى المولد المحمّدي", في الفتح,820 ( ربيع الأوّل / 1364 ), 308 ـ 309.
64 ـ "سوريا بين عهدين", في الفتح, 846 ( شعبان / 1366 ),780 ـ 782.
65 ـ "السّياسة والخير في التّشريع الإسلاميّ", في الفتح, 826 (رمضان/ 1364), 404 ـ 405
66 ـ "الشّياب الإسلاميّ", في الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية / 1346), 194 ـ 197.
67 ـ "الشّباب", في العاصمة, 100 (جمادى الأولى 1338 / شباط1920 ), 1 ـ2.(1/472)
68 ـ "شعرنا وشاعرنا", في الزّهراء, 3 ( ذو الحجّة / 1345), 620 ـ 621.
69 ـ "شيخي", في الفتح, 551 ( ربيع الأوّل /1356 ), 8 .
70 ـ "الشّيعة وتحريف التّأويل في القرآن الكريم", في الفتح, 842 (ربيع الآخر/ 1366), 689
71 ـ "صالح قنباز الشّهيد السّعيد", في الزّهراء, 2 (رجب/1344), 420.
72 ـ "صحّة التّفكير", في العاصمة, 97 (جمادى الأولى 1338 / كانون الثّاني 1920), 1 ـ 2 .
73 ـ "طريق الحقّ والخير ومعنى السّنّة في نظام الإسلام", في الفتح, 834 (جمادى الأولى / 1365 ), 541 ـ 542.
74 ـ "عبرة الإحتلال والجلاء", في الفتح, 843 ( جمادى الأولى / 1366 ), 722 .
75 ـ "عربيّ القبيلة وعربيّ الحضارة الإسلاميّة", في الفتح, 858 (شعبان / 1367), 179 ـ 180 .
76 ـ "على أطلال الخضراء", في العاصمة, 62 ( محرّم 1338 / أيلول1919 ), 1 ـ 2 .
77 ـ "العملاق بين أمسه ويومه", في الأزهر, 29 ( ربيع الآخر 1376 / نوفمبر 1956 ), 336 ـ 338.
78 ـ "العيد", في الفتح, 860 ( شوّال / 1367 ), 228.
79 ـ "عيد الأمس عيد اليوم عيد الغد", في العاصمة, 56 ( ذو الحجّة 1337 / أيلول 1919), 1 ـ 2.
80 ـ " الفتح بين مرحلة ومرحلة ", في الفتح, 850 ( ذو الحجّة / 1366 ), 875 ـ 876.
81 ـ "فتنة المسيح الدّجّال آخر أهداف الحركة الصّهيونيّة", في الفتح, 848 (شوال / 1366 ), 829 .
82 ـ "في أحلام الفلاسفة", في الزّهراء, 3 (صفر/1345), باب حركة النّشر والتّأليف, 139ـ 141.
83 ـ "قضيّة فلسطين امتحان لروح الإنصاف واستقلال الرّأي في ساسة هذا العصر ودوله", في الفتح, 849 ( ذو القعدة / 1366 ), 687 ـ 688.
84 ـ "قضيّة فلسطين أمام هيئة الأمم المتّحدة", في الفتح, 848 ( شوّال / 1366 ), 846 .
85 ـ "قضيّة فلسطين في طورها الحاسم", في الفتح, 835 (جمادى الآخرة / 1365), 551 ـ 552.
86 ـ "القوميّة عند العرب", في الزّهراء, 1 (صفر/1343),66 ـ 74.(1/473)
87 ـ "قوميّتنا العربيّة", في العاصمة, 48 (ذي القعدة 1337/ آب 1919), 1 ـ 2.
88 ـ " كما تكونوا يولّى عليكم ", في الفتح, 855 (جمادى الأولى/ 1367 ), 107 ـ 108 .
89 ـ "كن مع الله", في الفتح, 829 ( شوّال / 1365 ), 612.
90 ـ "كيف ترانا نعيش بعد الحرب", في الفتح, 826 ( رمضان / 1364), 409.
91 ـ "كيف يجب أن تكون ؟ كلمة عن المدارس", في العاصمة, 65 (محرّم 1388/ تشرين الثّاني 1919 ), 1 ـ 2.
92 ـ "اللّغة العربيّة وما ينتظر أن يكون لها من تأثير في نهضتنا الفكريّة والعمرانيّة وحياتنا القوميّة", في الفتح, 822 ( جمادى الأولى / 1346 ), 346 ـ 347.
93 ـ "لغة القرآن", في الفتح, 850 ( ذو الحجّة / 1366 ), 886.
94 ـ "لغة القرآن فقدت مرونة التّطوير ويفكّرون في مجتمعنا اللّغوي الجليل بالعدول عنها إلى العاميّة", في الفتح, 850 ( ذو الحجّة / 1366 ) 886 .
95 ـ "لماذا نقاوم الشّيوعيّة", في الفتح, 837 ( شعبان / 1365 ), 579 ـ 583.
96 ـ "لمناسبة ذكرى بدر", في الفتح, 838 (رمضان/ 1365 ), 598.
97 ـ "ما أعرفه عن طه حسين", في الزّهراء, 3 (ربيع الثّاني/ 1345) 268.
98 ـ "ما هو الحجّ ؟ ولماذا نحجّ ؟", في الفتح, 840 (محرّم/ 1366 ), 628.
99 ـ "مبدأ , سنّة , هدف", في الفتح, 829 (ذو الحجّة/1364), 453.
100 ـ "متى نكون أمّة صالحة ؟", في الفتح, 844 (جمادى الآخرة / 1366 ), 731 ـ 733.
101 ـ "المثل الأعلى للحياة السّعيدة في الإسلام", في المسلمون, 2 (ربيع الثّاني / 1371 ),30 ـ 32.
102 ـ "المثل الأعلى للعرب", في العاصمة, 104 ( جمادى الثّانية 1338/شباط 1920), 1 ـ 2.
103 ـ "محافظون", في الزّهراء, 3 ( محرّم / 1345 ), 4 ـ 6.
104 ـ "مدينة الملاهي", في الفتح, 611 (جمادى الأولى/ 1357 ), 20.
105 ـ "مستقبل الجيل في يد المعلّم", في الفتح, 849 (ذو القعدة/1366 ) 851.
106 ـ " الإفتتاحيّة", في المسلمون, 9 (ذو الحجّة/1384),581 ـ 583.(1/474)
107 ـ "مسؤوليّة انجلترا في مصر", في الفتح, 836 ( رجب / 1365 ), 570.
108 ـ "مشؤوم", في الفتح, 828 ( ذو العقدة / 1364 ), 436.
109 ـ "مصيبة العرب باليهود ومصيبة اليهود بالصّهيونين", في الفتح, 842 ( ربيع الآخر / 1366 ), 684 ـ 685.
110 ـ "مطالب العرب في فلسطين ريثما تحلّ قضيّتها", في الفتح, 828 (ذو القعدة / 1364 ), 1 ـ 2.
111 ـ "المطبعة السّلفيّة في مكّة المكرّمة", في الفتح, 149 (ذو الحجّة / 1347), 7.
112 ـ "معارضة الحكومة في النّظام الإسلاميّ", في الفتح, 854 ( ربيع الآخر / 1367), 1 ـ 2.
113 ـ "معرض الخطّاطين في القسطنطنيّة", في الزّهراء, 2 ( رمضان / 1344), 517.
114 ـ "المعالم", في الفتح, 861 (ذو القعدة / 1367), 251 ـ 252.
115 ـ "مقدّمات الجهاد", في المسلمون, 1 (محرّم 1372/سبتمبر1952), 72 ـ 74.
116 ـ "المقدّمة", في الزّهراء, 1 ( محرّم / 1343 ), 1.
117 ـ "من تاريخ الصهيونيّة", في الفتح, 828 (ذو القعدة/1364),444.
118 ـ "من خواطر غريب", في الفتح, 864 ( صفر / 1368 ), 36.
119 ـ "من نحن", في الأزهر, 24 ( ربيع الثّاني 1372/ ديسمبر1952), 402.
120 ـ "مهمّة مجمع اللّغة العربيّة", في الفتح, 853 ( ربيع الأوّل /1367),60.
121 ـ "من هو العربيّ؟ وما هي الرّسالة الّتي يحملها إلى إنسانيّة الغد", في الفتح, 821 ( ربيع الآخر / 1346 ), 323 ـ 325 .
122 ـ "ميثاق", في الفتح, 863 ( محرّم / 1368 ), 3 .
123 ـ "نشيد جمعيّة الشّبّان المسلمين", في الزّهراء, 4 (ذو الحجّة / 1346), 612 ـ 614 .
124 ـ "نظام الإسلام", في الفتح, 832 ( ربيع الأوّل / 1365), 500 ـ 502.
125 ـ "نظام الإسلام الإقتصادي", في الفتح, 833 (ربيع الآخر/ 1365),520 ـ 522.
126 ـ "نظام الدّولة والجماعة في التّشريع الإسلاميّ", في الفتح, 847(رمضان / 1366), 804 .
127 ـ "نظرات جديدة إلى قضيّة فلسطين", في الفتح, 827 (شوّال/1364),420 ـ 422.(1/475)
128 ـ "نظريّة الحكومة والدّولة عند الشّيعة", في الفتح, 845 ( رجب/ 1366 ), 761 .
129 ـ "نهضة العرب للإضطلاع برسالتهم", في الفتح, 823 ( جمادى الأخرة / 1324), 362 ـ 366.
130 ـ "نهضتنا الأدبيّة", في العاصمة, 106 (جمادى الثّانية 1338/ آذار 1920 ), 1 ـ 2.
131 ـ "هذا هو طريق السّيادة", في الفتح, 857 (رجب/ 1367), 155.
132 ـ "هل أنت مسلم ؟", في الفتح, 841 (ربيع الأوّل/ 1366), 659 .
133 ـ "هل يتمخّض عصرنا بدولة إسلاميّة جديدة ؟", في الفتح, 833 (ربيع الآخر / 1365), 515 ـ 516.
134 ـ "وحدة اللّغة في الوطن السّامي في العصور القديمة", في الزّهراء, 3 (محرّم / 1345), 19.
135 ـ "الوطنيّة", في العاصمة, 82 (ربيع الأوّل 1338/ كانون الأوّل 1919), 1 ـ 2.
136 ـ "اليابانيّون في احتلالهم أندونسيا", في الفتح, 849 ( ذو القعدة / 1366 ), 871 .
137 ـ "يا شباب الجيل", في الفتح, 845 ( رجب / 1366 ), 755 .
138 ـ رمضان, سعيد, "الإفتتاحيّة", في المسلمون, 1 (محرّم / 1372 سبتمبر/1952),1.
139 ـ الرّيماوي, سهيلة ياسين, "جانب من فعاليات محب الدّين الخطيب الجانب الصّحفي", في دراسات تاريخيّة, السّنة العاشرة, العدد 33/34 ( أيلول, كانون الأوّل / 1989), 23 ـ 47.
140 ـ "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام, اللّجنة الوطنيّة العليا في دمشق", في دراسات تاريخيّة, 45, 46 ( آذار وحزيران / 1993), 215 ـ 235.
141 ـ "صفحات من تاريخ الجمعيّات في بلاد الشّام", في البحث التّاريخي 7 ( ربيع الأوّل 1402 / كانون الثّاني 1982 ). 136 ـ 148.
142 ـ "مع رواد اليقظة القوميّة المناضل محب الدّين الخطيب", في البحث التّاريخي, 3 (ذو الحجة 1404/ أيلول 1984 ), 25 ـ 39.
143 ـ القصّاب, محمّد كامل, "من خفايا الثّورة العربيّة الكبرى", في الفتح, العدد 844 (جمادى الأخرة/1366), 750 .(1/476)
144 ـ المراغي, أبو الوفا, "محب الدّين الخطيب كما عرفته", في الأزهر, 41 (الجزء العاشر , 1389/ 1970), 779 ـ 780.
مواقع أنترنت:
1 ـ الأنباء الشّيعيّة إباء: www.ebaa.net/wjhat-nadar
2 ـ أخبار اليوم: www.akhbarelyom.org.eg
3 ـ إسلام أون لاين: www.islamonline.net
4 ـ أنصار السّنة:www.elsonna.com
5 ـ أنصار المهدي: www.almahdy.com
6 ـ بيان الثّقافة: www.alimbaratur.com
7 ـ الجزيرة: www.suhuf.net.sa/2001jaz
8 ـ الجمعية الدوليّة للمترجمين العرب: www.arabicwata.org
9 ـ الرّافد: www.rafed.net
10 ـ الشّبكة الإسلاميّة: www.islamweb.net
11 ـ شبكة النّجوم: www.0900.com/b3.htm
12 ـ الصّحوة: www.sahwah.net
13 ـ الطنطاوي: www.alitantatawi.com
14 ـ مجلّة الفقه الإسلامي: www.fiqhaysi.com
15 ـ المنهج: www.shahrodi.com/menhaj
16 ـ مركز الأبحاث العقائديّة: www.aqaed.com
17 ـ المركز الفلسطيني للإعلام: www.palestin-info.info
18 ـ مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الإستشراق : www.medinacenter.org
19 ـ المركز الوطني للمعلومات: www.nic.qov.ye
20 ـ الموسوعة الإسلاميّة المعاصرة: www.islampedia.com
21 ـ موقع الوحدة: www.alwihdah.com
مقابلات ورسائل:
1 ـ رسالة من السّيّد لؤي الخطيب.
2 ـ مقابلة مع السّيّد عبد الغني الطّنطاوي, كانون الثّاني / 2004م.
الفهارس العامّة
أ ـ فهرس الآيات والأحاديث النبويّة .
ب ـ فهرس الأبيات الشعريّة .
ج ـ فهرس الأعلام .
د ـ فهرس الأماكن والأحداث والمصطلحات.
هـ ـ فهرس الجماعات والجمعيّات والأحزاب.
و ـ فهرس الصّحف والمجلّات .
فهرس الآيات
والأحاديث النبويّة
ـ فهرس الآيات :
1 ـ ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (الأعراف:100), 2 .(1/477)
2 ـ ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ) (المائدة: من الآية48), 95 .3 ـ ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة: من الآية5), 355 .
4 ـ ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج: من الآية78), 355 .
ـ فهرس الأحاديث :
1 ـ " الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها وفجّارها أمراء فجّارها , وإن أمّرت عليكم قريش عبداً حبشيّاً مجدّعاً فاسمعوا وأطيعوا ", 170 .
2 ـ " أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ", 347, 348, 349 .
3 ـ " إنّي مخلف فيكم الثّقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ", 343.
فهرس
الأبيات الشّعريّة
آ , أ , إ :
1 ـ إليكم كلّ مكرمة تؤول .....................................31 .
2 ـ أهديتني ثمر الحديقة ......................................123 .
3 ـ أوسع الإلحاد طعناً .......................................199 .
ب :
1 ـ بارق لاح في غيوم الحياة .................................43 .
2 ـ بين فوديه للمدارك عشّ ...................................41 .
ت :
1 ـ تلك السّنون لقيت من إعناتها ............................133.
ج :
1 ـ جدّدت بالزّهراء فجر شبابي .............................101 .
ر :
1 ـ ربّنا إيّاك ندعو ربّنا.......................................62 .
ق :
1 ـ قلنا إنّ السّلطان ظالم ....................................13 .
ل :(1/478)
1 ـ لا تنهض الأقوام بعد عثارها ..............................45 .
هـ :
1 ـ هي للعاشق شغل شاغل ..........................324 .
ي :
1 ـ يا شباب العالم المحمّدي ..........................289 .
2 ـ يا محب الدّين والحق ويا حلف التّقاة ..............199 .
فهرس الأعلام
آ , أ , إ :
ـ آسية الجلّاد : 30.
ـ ابراهيم الأحدب : 76.
ـ ابراهيم أبو اليقظان : 109 .
ـ ابراهيم اطفيش : 61, 94, 110, 249, 250 .
ـ ابراهيم بن أحمد الفيّاني : 132.
ـ ابراهيم بن عبد اللّه النّجيرمي : 132.
ـ ابراهيم مصطفى : 60.
ـ ابراهيم اليازجي : 76 .
ـ أحمد ابراهيم : 288.
ـ أحمد بن حنبل: 103.
ـ أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة : 302 .
ـ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: 64.
ـ أحمد بن فارس : 116 .
ـ أحمد بدوي الخالدي: 40.
ـ أحمد التّيجاني : 126.
ـ أحمد تيمور باشا: 51, 62, 63, 103, 105, 106, 110, 115, 118, 245, 246, 247, 286, 287, 288, 294, 362, 363.
ـ أحمد جمال باشا: 15, 45, 54, 60, 149, 160, 271, 273, 276, 278.
ـ أحمد حمدي : 128.
ـ أحمد رفعت : 299 .
ـ أحمد زكي: 325.
ـ أحمد زكي أبو شادي : 100, 103 .
ـ أحمد شوقي : 104 .
ـ أحمد طبّارة: 50, 76 .
ـ أحمد الغمراوي : 288 .
ـ أحمد لطفي السّيّد : 317, 319 .
ـ أحمد محرّم : 111 .
ـ أحمد محمد شاكر: 103.
ـ أحمد محمّد شاكر الكرمي : 151.
ـ أحمد مريود: 282.
ـ أحمد مظهر العظمة : 61 .
ـ أحمد النّويلاتي : 36, 37, 38, 189, 260, 303 .
ـ أروى الخطيب : 58.
ـ أسعد داغر : 127.
ـ أسعد المالكي : 281 .
ـ أسعد المهايني : 281.
ـ اسطفان زاغكيان : 15 .
ـ اسماعيل بن سعد الخشاب : 68 .
ـ اسماعيل مظهر: 320 .
ـ اسكندر عمون : 53 .
ـ إقبال الخطيب : 58 .
ـ أ. ل شاتليه : 81, 107, 120, 331, 332, 333 .
ـ أمين الحلواني : 133, 134 .
ـ أمين محمّد : 58 .
ب , ت , ث :
ـ باهية الخطيب : 34 .
ـ بشارة تقلا : 59, 89 .(1/479)
ـ أبو بكر بن العربيّ :64, 116, 129, 346, 347.
ـ أبو بكر الصّديق : 71, 343 .
ـ تشالز داروين: 320.
ـ تقي الدّين الهلالي : 111.
ـ توفيق النّاطور : 271.
ـ توفيق فائد : 276 .
ـ ثريا الخطيب : 58 .
ج , ح , خ :
ـ جرجي زيدان : 133, 325 .
ـ جعفر العسكري : 128, 129 .
ـ جمال الدّين الأفغاني : 21, 173, 296 .
ـ جمال الدّين القاسمي : 174, 175.
ـ جمال الدّين صادق : 58 .
ـ جوهر الصّقلي : 300 .
ـ جميل مردم بك : 276, 281 .
ـ الحجاج بن يوسف الثّقفي : 124 .
ـ حسن البروجردي : 338 .
ـ حسن البنا : 92, 93, 94, 297.
ـ الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمذاني : 116, 130 .
ـ حسن حمادة : 152 .
ـ حسن رفقي : 60 .
ـ الحسن السّبط - رضي الله عنه -: 31, 32 .
ـ حسن الشّطي : 32 .
ـ حسن العطار : 68 .
ـ الحسن الغزالي : 199 .
ـ الحسين بن سينا : 64, 131 .
ـ الحسين بن علي ( الشّريف ): 16, 52, 56, 83, 84, 85, 86, 96, 114, 149, 150, 151, 153, 154, 244, 251, 311.
ـ حسين فوزي : 271 .
ـ حسين القيمري أبو المعالي : 32 .
ـ حسين مؤنس: 325.
ـ حفصة بنت عمر بن الخطاب : 343 .
ـ حقّي العظم : 49, 265, 269, 276 .
ـ حمد الجاسر : 311 .
ـ خالد الحكيم: 152.
ـ خالدّة أديب : 120, 128 .
ـ خليفة آل ثاني : 344 .
د , ذ :
ـ ابن دريد : 116 .
ـ داود بركات : 53, 269, 327 .
ـ دلدار علي بن محمّد : 126 .
ـ الذّهبي محمّد بن أحمد : 64, 116, 126, 133 .
ر , ز :
ـ ربيعة الخطيب : 58 .
ـ رستم حيدر : 271 .
ـ رشدي الحكيم: 263.
ـ رضا توفيق : 13 .
ـ رفاعة الطّهطاوي : 68, 173, 316 .
ـ رفيق العظم : 40, 49, 53, 152, 268 .
ـ رينيه ديكارت: 319 .
ـ زكي الخطيب : 45 .
س , ش :
ـ أبو السّمح : 305 .
ـ ساطع الحصري : 141 .
ـ سام بن نوح : 182 .
ـ سامي مردم : 281.
ـ سعد بن عبد الفتاح حمادة : 75 .
ـ سعد زغلول : 317 .
ـ سلامة موسى : 102, 318, 319, 320, 323, 325, 326 .(1/480)
ـ سليم البشري : 338 .
ـ سليم بن عباس الشّلفون : 76 .
ـ سليم تقلا : 89 .
ـ سليمان بن عبد الملك : 124.
ـ سميرة الخطيب : 58 .
ـ سيف الدّين الخطيب : 45 .
ـ شاهين مكاريوس : 79.
ـ شبلي شميّل : 269, 318, 320 .
ـ شفيق المؤيّد العظم : 276.
ـ شكري الطّباع : 281 .
ـ شكيب أرسلان : 103, 110, 117, 248, 249, 278.
ـ شهال بن عمرو : 179 .
ـ شوقي بك المؤيّد العظم : 265, 267, 268, 307, 308 .
ص , ض :
ـ صالح جودت: 325.
ـ صالح قنباز : 43, 44 .
ـ صلاح الدّين القاسمي: 8, 43, 44, 118, 129, 260.
ط , ظ :
ـ طاهر الجزائري : 33, 35, 36, 38, 39, 40, 41, 42, 46, 48, 51, 130, 144, 145, 146, 174, 175, 176, 189, 199, 243, 244, 245, 257, 362.
ـ طه حسين : 248, 318, 319, 326, 327 .
ـ طوسون شافعي : 58, 360 .
ع , غ :
ـ عائشة بنت أبي بكر : 343.
ـ عارف الشّهابي : 42, 43, 44, 47, 48, 117, 257, 258, 259, 303.
ـ عباس حلمي : 104, 270.
ـ عبد الباقي سرور نعيم : 119, 120 .
ـ عبد الحميد بن باديس : 130, 336.
ـ عبد الحميد الثّاني : 13, 14, 23, 49, 143, 217, 257 .
ـ عبد الحميد الزّهراوي : 53, 268, 276, 277, 278.
ـ عبد الحميد سعيد : 288, 295 .
ـ عبد الحليم الجندي : 338.
ـ عبد الرحمن بن فيصل : 252.
ـ عبد الرّحمن الشّهبندر: 45, 152, 159, 160 .
ـ عبد الرّحمن الكواكبي: 143, 144, 174, 296 .
ـ عبد الرّحمن قراعة: 105 .
ـ عبد الرّحيم الخطيب: 31 .
ـ عبد الرّزّاق البيطار: 174, 175 .
ـ عبد العزيز آل السّعود : 52, 252, 269, 305, 306, 310 .
ـ عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز : 131.
ـ عبد العزيز بن محمود (السّلطان): 257 .
ـ عبد العزيز الثّعالبي : 94 .
ـ عبد العزيز جاويش : 288 .
ـ عبد العزيز عيسى : 338 .
ـ عبد العزيز غلام حكيم الدّهلوي : 64, 116, 126 .
ـ عبد السّلام هارون: 286 .
ـ عبد الغني شحادة : 4 .
ـ عبد الغني الطّنطاوي : 58, 282, 293 .(1/481)
ـ عبد الغني العريسي : 54, 272, 273, 274, 276, 277 .
ـ عبد الفتاح قتلان : 57, 114, 245 .
ـ عبد الفتاح كرشاه : 286 .
ـ عبد القادر الجيلاني : 31, 32.
ـ عبد القادر الخطيب: 281.
ـ عبد القادر سكر : 281 .
ـ عبد القادر القبّاني : 50, 75 .
ـ عبد القادر المجاوي : 94 .
ـ عبد القادر المغربي : 103 .
ـ عبد الكريم الخليل: 53, 273, 274 .
ـ عبد الله أبو الفتح : 57 .
ـ عبد اللّه بن عباس : 43, 76.
ـ عبد اللّه بن محمّد باشا : 303 .
ـ عبد اللّه بن محمّد بن عبد الوهاب : 64, 131 .
ـ عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة :64, 130 .
ـ عبد اللّه جودت : 49 .
ـ عبد المنعم خلاف : 286 .
ـ عبد الوهاب النّجار : 119 .
ـ عبد الوهاب خلاّف: 119.
ـ عثمّان بن سند : 133 .
ـ عثمّان مردم بك : 44 .
ـ عجاج نويهض : 111 .
ـ عفاف الخطيب : 58 .
ـ علي أحمد باكثير: 110, 250, 251 .
ـ علي بن أبي طالب : 31, 347, 357.
ـ علي جلال الحسني : 105.
ـ علي الحسني الندوي أبو الحسن: 112, 113 .
ـ علي خلقي: 282.
ـ علي الرّاعي: 325.
ـ علي الطّنطاوي : 71, 293, 301, 360.
ـ علي عبد الرّازق : 248, 318, 320, 327, 328 .
ـ علي شوقي : 288.
ـ علي مظهر : 288.
ـ علي يوسف : 51, 79, 80, 81, 82, 83, 245, 246 .
ـ عمار طالبي : 130.
ـ عمر بن الخطاب : 343 .
ـ عوني عبد الهادي : 276 .
ـ عوني القضماني : 281 .
ـ عيد الحلبي : 281 .
ـ غليوم الثّاني : 118, 127, 371 .
ـ غورو: 57 .
ـ غياث الخطيب : 58.
ف , ق :
ـ أبو الفتح الخطيب : 32, 33 .
ـ فارس الحسون تبريزيان : 345.
ـ فارس نمر : 61, 79 .
ـ فاطمة الزّهراء : 300 .
ـ فاطمة قتلان : 57 .
ـ فخري البارودي : 18 .
ـ فؤاد الخطيب : 269 .
ـ فؤاد سليم: 282.
ـ فوزي البكري : 152 .
ـ فيصل بن الحسين : 18, 57, 156, 157, 160, 251, 269, 271, 274, 280, 281, 282, 283.
ـ فيصل بن عبد العزيز : 344 .
ـ فيكونت شاتو بريان : 117 .(1/482)
ـ قاسم أمين : 317, 321 .
ـ القاسم بن محمّد البرّزالي الإشبيلي: 133 .
ـ قصي الخطيب : 58, 74, 121, 360 .
ك , ل :
ـ كمال اللّبان : 286 .
ـ كمال النّجمي : 324 .
ـ لطفي الحفار: 44, 260, 261, 263, 264 .
ـ لؤي الخطيب : 9, 58, 65, 121, 134, 293, 390 .
م :
ـ محب الدّين بن قصي الخطيب : 58 .
ـ محمّد أبي اليقظان : 9 .
ـ محمّد أمين الحسيني : 305 .
ـ محمّد باشا: 303 .
ـ محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي: 133 .
ـ محمّد بن اسماعيل البخاري : 64, 131 .
ـ محمّد بن اسماعيل الخطيب : 57 .
ـ محمّد بن عبد الله ( لسان الدّين ابن الخطيب) : 64, 132 .
ـ محمّد بن عبد الهادي المقدسي: 133 .
ـ محمّد بن عبد الوهاب : 131, 301.
ـ محمّد بن علي العمري المقدسي : 134.
ـ محمّد بن القاسم الثّقفي : 124 .
ـ محمّد بن يوسف اطفيش : 94 .
ـ محمّد بهجة الأثري : 111, 134 .
ـ محمّد تقي القمّي : 338, 339 .
ـ محمّد حامد الفقي : 300 .
ـ محمّد الخضر حسين: 60, 62, 97, 105, 110, 115, 118, 247, 248, 285, 287, 288, 294, 299, 327, 328, 362, 363.
ـ محمّد الخطيب : 58 .
ـ محمّد رشيد رضا : 49, 53, 81, 174, 265, 268, 296, 304, 305.
ـ محمّد روحي الخالدي: 40 .
ـ محمّد بن سعود: 331 .
ـ محمّد السّعيد الزّاهري : 336 .
ـ محمّد عبد الكريم الخطابي : 298 .
ـ محمّد عبده : 90, 144, 173, 174, 296, 316, 317.
ـ محمّد علي بك الكبير : 68, 131, 270 .
ـ محمّد كامل القصّاب : 7, 56, 57, 110, 150, 151, 152, 156, 157, 244, 245, 251, 280, 281, 282, 362, 363.
ـ محمّد كرد علي : 47, 48, 50, 77, 103 .
ـ محمّد محمّد المدني : 338 .
ـ محمّد المحمصاني : 272, 276 .
ـ محمّد مصطفى عبد الحميد : 58, 360 .
ـ محمّد ناصر : 9 .
ـ محمّد النّحاس : 281 .
ـ محمّد نصيف : 84 .
ـ محمّد الهيهاوي : 288.
ـ محمود أبو ريّة : 348.
ـ محمود أبو زيد : 299 .
ـ محمود بن عمر الزّمخشري : 37 .(1/483)
ـ محمود الخضيري : 286 .
ـ محمود السّبكي : 300 .
ـ محمود شكري الألوسي : 111.
ـ محمود شلتوت : 338 .
ـ محمود عزمي : 318, 319 .
ـ محمود علي فضلي: 288 .
ـ محمود الفاعور: 282.
ـ محمود محمّد شاكر: 286.
ـ مختار الصّلح : 152 .
ـ مدحت باشا : 257 .
ـ مساعد اليافي : 81, 331, 333 .
ـ مسعود غانم النّدوي : 110 .
ـ مصطفى السّباعي : 111.
ـ مصطفى الشّهابي : 275 .
ـ مصطفى صادق الرّافعي : 63, 104, 289 .
ـ مصطفى كمال أتاتورك: 98, 120 .
ـ مضر: 179.
ـ معاوية بن أبي سفيان: 354 .
ـ المعز لدين اللّه الفاطمي : 300 .
ـ منصور فهمي : 318 .
ن :
ـ نابليون بونابرت: 68.
ـ نجيب الأرمنازي : 91 .
ـ نزار بن معد : 179 .
ـ نزار الخطيب : 4 .
ـ نسيب حمزة : 281.
هـ :
ـ هانوتو : 144 .
ـ هاشم الأتاسي : 159 .
و :
ـ وليم ويلكوكس: 60, 323 .
ي :
ـ يحيى (الإمام) :49, 145, 251, 266, 307 .
ـ يحيى الدّرديري : 111, 288, 295 .
ـ يحيى بن آدم القرشي : 116.
ـ يعقوب صروف : 61, 79 .
ـ يوسف الأيوبي الثّاني : 32 .
ـ يوسف عنبر : 35.
ـ يوسف ضياء باشا الخالدي: 40 .
ـ يوسف ياسين : 306 .
فهرس الأماكن والأحداث
والمصطلحات
آ , أ , إ :
ـ آسيا : 16, 138, 144, 217 .
ـ أبيانة : 317 .
ـ أبيا الحمراء : 111 .
ـ أبي جرج : 318 .
ـ أترابرديش: 112 .
ـ اتفاقيّة سايكس بيكو: 152, 154, 172 .
ـ الأتراك التّرك: 12, 14, 16, 17, 20, 36, 37, 43, 46, 49, 84, 98, 128, 139, 140, 141, 142, 143, 147, 149, 169, 171, 178, 190, 216, 217, 218, 251, 257, 264, 268, 278.
ـ الإحتلال الإيطالي: 292 .
ـ الأدب الإنكليزي: 251.
ـ الأرناؤوط : 140, 146, 369 .
ـ أزمير : 257 .
ـ الأزهر: 51, 60, 90, 96, 97, 103, 105, 109, 111, 119, 120, 125, 127, 220, 248, 299, 300, 317, 318, 321, 327, 338, 339, 344.(1/484)
ـ الأستانة : 6, 7, 16, 23, 36, 42, 46, 127, 128, 156, 176, 271, 273, 275, 278, 303, 345.
ـ الإستشراق : 7, 95, 313, 330, 331, 333, 336 .
ـ الإصلاح الدّيني: 215, 295.
ـ استانبول : 13, 45, 46, 48, 51, 53, 78, 171, 259, 260, 262, 264, 266, 268.
ـ الإستعمار الأوروبي: 12, 19, 69, 171, 172, 218, 296.
ـ أسد : 192 .
ـ أسعد آباد : 21 .
ـ أكسفورد: 318, 320.
ـ الإسكندريّة : 59, 89, 92, 288, 291, 317 .
ـ أسوان : 105 .
ـ أسيوط : 105, 291 .
ـ إفريقيا : 81, 138, 217, 336 .
ـ الأفغان : 21, 32, 269 .
ـ إقليم السّر : 311 .
ـ ألمانيا : 111, 127, 167 .
ـ الأمانة العامّة الفرنسيّة: 336.
ـ الإمبراطوريّة البيزنطيّة: 138.
ـ أمريكا :100, 102, 117, 158, 164, 167, 291 .
ـ أمريكا الجنوبيّة : 331 .
ـ الأمويون : 217, 342 .
ـ الأناضول : 15, 36, 121, 128, 152, 190, 217 .
ـ الانتداب البريطاني: 156.
ـ الانتداب الفرنسي, ( الإحتلال ): 56, 120, 156, 157, 158, 218, 244, 280, 282, 334.
ـ انجلترا , بريطانيا: 16, 17, 67, 69, 108, 152, 153, 154, 167, 245, 270, 281, 306, 316, 318, 320.
ـ الإنجليز, الإنكليز, البريطانيون: 16, 51, 79, 108, 150, 152, 153, 156, 163, 166, 270.
ـ إندونيسيا: 110, 184, 243 .
ـ أوروبّا: 22, 138, 156, 157, 166, 211, 218, 237, 248, 257, 277, 280, 285, 291, 293, 316, 319.
ـ الأوروبيون: 17, 19, 20, 21, 22, 27, 28, 140, 141, 147, 149, 154, 155, 171, 172, 176, 180, 216, 217, 280, 314, 315, 320, 352.
ـ ايران : 21, 271, 341, 345 .
ب , ت , ث :
ـ باب الخلق : 287.
ـ الباب العالي: 46 .
ـ باب المندب : 260 .
ـ باريس : 49, 54, 76, 91, 117, 147, 148, 171, 268, 271, 272, 273, 275, 276, 277, 288, 318.
ـ باكستان : 107, 110, 185, 291 .
ـ البحر الأحمر : 48 .
ـ بحر الظّلمات : 162 .
ـ البربر : 18, 126, 292, 336 .(1/485)
ـ برقين : 317 .
ـ برلين : 128 .
ـ بريدة : 311 .
ـ بسكرة: 336.
ـ البصرة: 55, 133, 153, 275 .
ـ بعلبك : 271, 282 .
ـ بغداد: 31, 111, 128, 133, 141, 153, 156, 217, 257, 318.
ـ البلاد السّاميّة: 103, 179.
ـ بلصفورة : 51.
ـ البقاع : 282 .
ـ البلقان : 108.
ـ بني الأحمر : 132.
ـ بني اسرائيل : 103 .
ـ بني تيجين: 126.
ـ بني سويف : 105 .
ـ بني يزقن : 94 .
ـ البهائيّة والبابيّة : 124.
ـ البوسنة : 291 .
ـ بولندا : 167 .
ـ بومباي : 274 .
ـ بيروت : 23, 42, 46, 48, 51, 54, 61, 75, 76, 78, 81, 89, 160, 170, 271, 273, 274, 305.
ـ التّبشير : 7, 21, 24, 81, 95, 98, 107, 109, 250, 294, 295, 330, 331, 332, 333, 334, 335, 336, 352.
ـ تركستان الصّينيّة : 184.
ـ تركيّا : 14, 15, 49, 59, 105, 140, 286, 331 .
ـ التّغريب: 7, 20, 106, 107, 110, 251, 285, 293, 313, 314, 316 317, 318, 319, 321, 325, 328, 329, 330, 337.
ـ تفليس : 15 .
ـ تلمسان: 336 .
ـ تنورين : 127 .
ـ تهامة : 192 .
ـ تونس : 60, 94, 110, 243, 291, 336 .
ـ ثقيف : 192 .
ـ ثنية العقاب: 31 .
ـ ثورة عام 1908 في تركيّا: 13, 14, 15, 140, 145, 146, 267 .
ـ ثورة عرابي : 90, 317 .
ـ الثّورة العربيّة الكبرى: 6, 7, 12, 16, 17, 44, 52, 53, 56, 71, 83, 84, 85, 86, 137, 139, 141, 146, 147, 149, 150, 143, 154, 156 170, 171, 172, 175, 176, 179, 180, 183, 244, 251, 256, 269, 278, 311.
ـ الثّورة الفرنسيّة: 117.
ج , ح , خ :
ـ جامع أياصوفيا: 120 .
ـ الجامع الأموي : 4, 32, 36, 37, 60 .
ـ الجامعة الإسلاميّة بالمدينة : 131 .
ـ جامعة الإسكندرية: 318.
ـ جامعة أكسفورد : 288, 318, 320 .
ـ الجامعة الأمريكيّة في بيروت: 23, 269 .
ـ الجامعة الأمريكية في القاهرة: 33.
ـ جامعة الدول العربيّة: 141, 165, 177, 181 .
ـ جامعة الحقوق في الأستانة: 45, 271, 273.(1/486)
ـ جامعة القاهرة : 62, 119, 287, 317, 318.
ـ جامعة القيروان: 298.
ـ جامعة لكهنؤ: 112 .
ـ جاوة: 109, 304 .
ـ جبال طوروس: 260.
ـ جبل عامل : 273 .
ـ جدّة : 84, 156 .
ـ الجركس أو الشّركس : 140, 146 .
ـ الجزائر:9, 68, 94, 110, 111, 243, 249, 336.
ـ جزر سيشل : 317 .
ـ جزيرة رئيونيون : 298.
ـ جزيرة الرّوضة : 121, 304 .
ـ جزيرة العرب : 147, 182, 192, 252, 310, 311, 312 .
ـ جزيرة قمران: 306 .
ـ جنوب افريقيا : 108.
ـ جنيف : 61 .
ـ جيلان : 31 .
ـ حاصبيا : 42, 275 .
ـ الحبشة : 144, 243 .
ـ الحجاز: 16, 43, 52, 56, 71, 83, 147, 149, 150, 151, 152, 153, 154, 173, 192, 244, 257, 311.
ـ الحديدة: 48, 49, 50, 260, 261, 262, 264, 265, 266, 267, 268, 306, 307, 308, 309, 310.
ـ حرّان : 302 .
ـ الحرم المكّي : 305 .
ـ الحرم النّبوي : 133 .
ـ الحرمين الشّريفين: 34, 149, 161, 217.
ـ حلب : 144 .
ـ حماة : 31, 43 .
ـ حمص : 111, 268 .
ـ الحملة الفرنسية على مصر: 68.
ـ حمير: 64, 116, 130, 133, 179.
ـ حي جنبرلي طاش : 46 .
ـ حي الزقازيق: 102 .
ـ حي القيمريّة : 32 .
ـ حي الميدان : 282 .
ـ حي النّصارى : 39 .
ـ حيفا : 291 .
ـ خان الخليلي : 52 .
ـ الخرج : 131 .
ـ خزاعة : 192 .
ـ خليج جنوى: 156.
ـ الخليج العربي : 55, 274 .
د , ذ :
ـ دار التّقريب بين المذاهب : 338, 339.
ـ دار الحديث : 305 .
ـ دار سينما الكوزموغراف: 288.
ـ دار الكتب الظّاهريّة : 33, 34, 36, 39, 40, 132, 189. .
ـ دار الكتب المصريّة : 317, 318 .
ـ دار المنار: 331 .
ـ دار اليمامة : 311 .
ـ الدّاروينيّة : 320 .
ـ داغستان : 291 .
ـ الدّانوب : 257 .
ـ دجلة : 191 .
ـ الدّستور العثمّاني :49, 143, 145, 170, 171, 172, 256, 257, 261, 267, 268, 307, 320.
ـ الدّقي : 65 .
ـ الدّمام : 306 .(1/487)
ـ دمشق: 4, 8, 9, 15, 16, 18, 31, 32, 33, 34, 35, 36, 37, 39, 40, 42, 43, 44, 45, 47, 48, 50, 51, 52, 56, 57, 60, 61, 71, 77 78, 103, 114, 141, 144, 145, 151, 155, 157, 160, 174, 175, 176, 180, 189, 217, 244, 245, 257, 258, 260, 261, 262, 263, 265, 271, 273, 275, 276, 280, 282, 291, 302, 303, 311.
ـ الدّلنجات : 111 .
ـ دمنهور : 111, 119 .
ـ الدّول الأوروبيّة: 12, 14, 149, 164, 310.
ـ ديار بكر : 45.
ـ ديرانشهر: 45 .
ر , ز :
ـ رأس المتن : 111 .
ـ الرحيبة: 9.
ـ الرّملة: 291 .
ـ روسيا: 167, 338 .
ـ الرّومانسيّة الفرنسيّة: 117 .
ـ الرّياض : 131, 252, 301, 306, 311, 312 .
ـ الريف المغربي: 298.
ـ الزبير : 111.
ـ الزّقازيق : 102 .
ـ زنجبار : 144 .
ـ الزّيديّة : 49 .
س , ش :
ـ السّادة الوقائيّة : 51 .
ـ ساحة الشهداء في بيروت: 76.
ـ سان ريمو: 156.
ـ السّاميين: 182.
ـ سجلماسة : 111 .
ـ السّعوديّة : 71, 131, 331, 344 .
ـ السفارة الإيرانية في مصر: 341, 342.
ـ سلانيك : 13, 49 .
ـ سلوان : 291 .
ـ السّنبلاويين : 317.
ـ السّنة : 107, 11, 175, 188, 214, 300, 309, 340, 342, 344, 345, 248, 349.
ـ سنجار : 45 .
ـ السّند: 124, 210 .
ـ سنغافورة : 108 .
ـ سوربايا : 110 .
ـ السّوربون : 271, 318 .
ـ السّودان : 269 .
ـ سوريا: 4, 7, 15, 16, 35, 43, 45, 56, 57, 58, 86, 88, 91, 110, 111, 141,, 148, 152, 153, 155, 156, 157, 158, 159, 160, 182 183, 243, 244, 251, 257, 261, 265, 268, 274, 275, 276, 280, 282, 283, 291.
ـ سوهاج: 105, 291.
ـ السويس : 274 .
ـ سويسرا : 61, 111, 156, 270 .
ـ سيئون : 110 .
ـ شارع الإستئناف : 100, 286, 287 .
ـ شارع خيرت : 105 .
ـ شارع الرّوضة : 301.
ـ شارع عابدين: 300.
ـ شارع الفتح : 121, 312 .
ـ شارع قصر العيني : 288 .
ـ شارع مجلس النّواب : 297.
ـ شارع محمّد علي : 80 .(1/488)
ـ الشّاغور: 282 .
ـ الشّام : 24, 32, 35, 39, 40, 47, 53, 60, 103, 108, 145, 148, 174, 186, 244, 257, 270, 271, 274, 326.
ـ الشّوف : 269 .
ـ الشّويفات : 103 .
ـ الشّيعة : 7, 125, 126, 338, 339, 340, 341, 342, 343, 344, 345, 346, 347, 349, 350, 353.
ـ الشّيوعيّة : 229, 340 .
ص , ض :
ـ صفد : 291.
ـ صلاة الفاتح: 126.
ـ الصّلاحيّة : 45.
ـ الصّليف : 306 .
ـ صنعاء : 48, 141 .
ـ الصّهيونيّة : 161, 162, 166, 167, 272, 331 .
ـ الصوفيّة: 20, 300.
ـ الصّين: 109, 162, 184, 243, 304, 335 .
ـ ضبة : 192 .
ط , ظ :
ـ الطّائف : 43, 156, 252, 257 .
ـ طرابلس الشّام: 76, 103, 104, 331 .
ـ طرابلس الغرب : 217, 292.
ـ الطّريقة القادريّة : 31 .
ـ طنطا : 104.
ـ طهطا : 173 .
ـ الطّورانيّة : 15, 147 .
ـ طول كرم : 151 .
ـ الظّهير البربري : 336.
ع , غ :
ـ العازاريون : 24 .
ـ العالم الإسلامي : 6, 21, 55, 59, 60, 81, 92, 93, 95, 100, 103, 105, 106, 107, 109, 110, 112, 113, 120, 139, 148, 161, 162, 165, 179, 182, 183, 184, 185, 187, 188, 197, 201, 217, 239, 242, 249, 251, 286, 288, 290, 291, 292, 294, 329, 330, 331, 332, 333, 334, 338.
ـ عاليه : 45, 268 .
ـ عدن : 110, 274 .
ـ عذراء : 31 .
ـ العراق: 55, 103, 110, 111, 128, 129, 133, 134, 141, 148, 153, 156, 171, 183, 243, 249, 270, 271, 291, 311.
ـ العقبة: 153 .
ـ عكّار : 45 .
ـ عُمان : 243 .
ـ عمّان : 16 .
ـ العينيّة : 301 .
ـ غرناطة: 117 .
ـ غزّة: 153 .
ـ الغوطة الشّرقيّة : 31.
ـ عينطورة: 276.
ف , ق :
ـ فاس : 111 .
ـ فراعنة : 102 .
ـ فراقص : 119 .
ـ الفرخ : 111 .
ـ الفرقة التّيجانيّة : 126 .
ـ الفرعونيّة : 182, 186, 296, 319 .
ـ فرنسا : 17, 68, 97, 104, 148, 152, 154, 156, 157, 159, 173, 292, 317, 336.(1/489)
ـ الفرنسيون: 18, 57, 60, 68, 88, 114, 156, 157, 158, 282, 283.
ـ الفينيقيّة : 182, 186, 296 .
ـ فلسطين: 6, 13, 17, 57, 72, 107, 108, 111, 137, 148, 151, 153, 156, 160, 161, 162, 163, 164, 165, 166, 167, 290, 291, 305, 352.
ـ القاهرة :23, 48, 49, 51, 53, 55, 57, 58, 59, 61, 62, 70, 79, 81, 89, 92, 94, 100, 103, 104, 111, 119, 121, 144, 151, 152 174, 245, 250, 264, 265, 268, 269, 270, 272, 287, 288, 294, 300, 301, 304, 305, 311, 312, 317, 318, 325, 329, 330, 338.
ـ قبرص : 160 .
ـ القدس : 35, 40, 100, 111, 165, 291, 305 .
ـ القرارة : 9 .
ـ القسطنطنيّة :258, 259, 260, 270, 307
ـ قصر بكلربكلي: 13.
ـ قصر يلدز: 13.
ـ القصيم : 311 .
ـ قطر: 344.
ـ القليوبيّة : 104 .
ـ قسنطينة : 336 .
ـ قم: 345.
ـ القنصليّة البريطانيّة: 48.
ـ القومية التّركيّة: 140, 141, 171 .
ـ قلعة دمشق: 302 .
ـ قلعة الطّائف: 257 .
ك , ل :
ـ كابل : 21, 269 .
ـ كراتشي : 110 .
ـ الكرد : 140, 146 .
ـ كفر شيما : 89, 269 .
ـ كليّة الآداب في استنبول: 46, 48 .
ـ كليّة الآداب في دمشق: 71 .
ـ كليّة الآداب في القاهرة: 58, 110, 311, 318.
ـ كليّة الأوزاعي في بيروت: 3, 9 .
ـ كليّة الحقوق في الأستانة: 42, 45, 46, 48, 127, 271, 273, 317.
ـ كليّة الحقوق في باريس: 91, 104, 272, 288.
ـ كليّة الحقوق في بغداد: 318.
ـ كليّة الحقوق في دمشق: 45, 71.
ـ كليّة الحقوق في القاهرة: 119.
ـ كليّة الدعوة في المدينة المنوّرة: 331.
ـ الكليّة السّوريّة الإنجيليّة : 160 .
ـ الكليّة السّوريّة البروتستانتيّة : 23.
ـ كليّة الشّريعة في دمشق : 111 .
ـ كليّة الشّريعة في الرّياض : 131 .
ـ كليّة الشّريعة في القاهرة: 119 .
ـ كليّة الطّب في دمشق: 160 .
ـ الكليّة العثمانيّة: 272 .
ـ كنانة : 192 .
ـ كينيا : 243 .
ـ اللّاذقيّة : 306.(1/490)
ـ لبنان: 59, 69, 89, 103, 110, 111, 127, 156, 182, 243, 269, 273, 276.
ـ لجنة تحرير المغرب العربي: 298.
ـ اللجنة الثقافيّة في جامعة الدول العربيّة: 141.
ـ اللغات الآرية: 196.
ـ اللغة الأفغانية: 21.
ـ اللغة الإنكليزيّة: 21, 110, 151.
ـ اللغات الأوروبيّة: 24.
ـ اللغة البربرية: 35 .
ـ اللغة التّركيّة: 21, 23, 24, 35, 36, 37, 46, 50, 51, 68, 103, 127 140, 144, 190, 217, 218, 265.
ـ اللغة التوراتيّة: 196.
ـ اللغة الحبشية: 35 .
ـ اللغة الحميرية: 338 .
ـ اللغة الرّوسيّة: 21 .
ـ اللغات السّاميّة: 101, 119, 179, 196.
ـ اللغة السريانيّة: 35 .
ـ اللغة العبرانية: 35 .
ـ اللغة الفارسية: 21, 35 , 51, 144, 257.
ـ اللغة الفرنسية: 21, 35, 51, 127, 271, 333.
ـ لندن : 320 .
ـ لواء كركوك : 153 .
ـ لواء الموصل : 51, 153.
ـ لوزان : 270.
ـ ليانة : 336.
ـ ليبراليّة: 319.
ـ ليبيا: 292.
م :
ـ المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين: 305.
ـ المجلس الإستشاري الإسلامي لعموم الهند: 112 .
ـ المجلس الإسلامي العلمي بدار العلوم: 112.
ـ مجلس الأعيان العثمّاني : 278 .
ـ مجلس الأمن : 318 .
ـ مجلس البلدي لمدينة بيروت: 75 .
ـ مجلس الشورى في سوريا: 265.
ـ مجلس الشّيوخ : 232, 288 .
ـ المجلس العرفي: 278 .
ـ مجلس القضاء: 45 .
ـ مجلس المبعوثان : 156 .
ـ مجلس النّواب : 288 .
ـ المحكمة الشّرعيّة العليا: 105 .
ـ محكمة طنطا الأهليّة: 104 .
ـ محلة نصر : 90.
ـ المحموديّة : 92 .
ـ المحيط الهندي: 298.
ـ المدارس الرشدية: 23 .
ـ المدرسة الإصلاحيّة : 336 .
ـ مدرسة الألسّن والتّرجمة : 173 .
ـ مدرسة بيروت الثّانويّة : 36, 42 .
ـ مدرسة التّرقي النّموذجيّة : 34 .
ـ المدرسة التّوفيقيّة : 288 .
ـ مدرسة الحديدة : 7, 50, 306, 307 .
ـ المدرسة الحربيّة في الأستانة: 128 .
ـ مدرسة الحكمة : 103 .
ـ مدرسة دار العلم والتّربية : 43.(1/491)
ـ مدرسة دار العلوم : 92, 112, 119, 288 .
ـ مدرسة الدّعوة والإرشاد: 7, 174, 304, 305, 306.
ـ المدرسة السّلطانيّة : 103 .
ـ المدرسة الصّلاحيّة : 306 .
ـ مدرسة عبد اللّه باشا العظم : 303.
ـ المدرسة العثمّانيّة ببيروت : 54 .
ـ مدرسة العلوم السّياسيّة في باريس: 54 .
ـ مدرسة عينطورا : 89 .
ـ المدرسة القيمريّة : 32.
ـ المدرسة الكامليّة : 56.
ـ المدرسة الكواكبيّة : 144 .
ـ مدرسة مارسيل : 51 .
ـ مدرسة الملك الظّاهر : 36.
ـ المدرسة الملكيّة الإعداديّة : 35 .
ـ المدرسة الملكيّة في الأستانة: 271.
ـ مدرسة النّهضة العلميّة: 110 .
ـ المدرسة اليسوعيّة : 76 .
ـ مدغشقر: 298.
ـ المدينة المنوّرة: 32, 33, 111, 331.
ـ المذهب السّلفي, السلفيّة, السلفيّون : 301, 302, 346, 347, 350, 353.
ـ مذهب النّشوء والإرتقاء : 269, 320.
ـ المذهب الوهابي, الوهابيّة: 301, 302.
ـ مرّاكش : 81, 292.
ـ مركز الأبحاث العقائديّة : 345 .
ـ مركز المدينة المنوّرة لدراسات وبحوث الاستشراق: 331.
ـ الروم إيلي: 36, 190.
ـ مستشفى الكاتب : 65 .
ـ المسجد الأقصى : 16 .
ـ مسجد باب السّلام : 36.
ـ مشيخة الإسلام: 46 .
ـ مطابع الرّياض : 311 .
ـ المطبعة الأميريّة : 52, 83, 150, 311 .
ـ مطبعة جزيرة العرب : 310 .
ـ المطبعة السّلفيّة ومكتبتها: 6, 52, 57, 58, 62, 67, 92, 93, 100, 105 114, 115, 116, 117, 118, 119, 120, 121, 122, 129, 131, 245, 246, 286, 290, 294, 297, 301, 309, 310, 325, 327, 328, 331.
ـ المعاهدة السّوريّة الفرنسيّة : 159 .
ـ معركة حطين : 292 .
ـ معركة ميسلون : 57, 159, 283 .
ـ المغرب: 32, 95, 107, 108, 109, 111, 217, 243, 250, 292, 298, 318, 336 .
ـ مقبرة الدحداح: 31 .
ـ مكتبة الأسد الوطنيّة : 33 .
ـ المكتبة التّيموريّة : 247 .
ـ المكتبة الخالدّيّة : 35, 40 .
ـ المكتب البريطاني في القاهرة: 152.
ـ مكتب العشائر : 307 .(1/492)
ـ مكتب عنبر: 35, 36, 37, 42, 44, 176, 303 .
ـ مكّة المكرّمة : 16, 32, 33, 56, 139, 143, 149, 217, 266, 305, 309, 310, 311 .
ـ مليلة : 298 .
ـ منتزه الحديقة البصريّة : 259 .
ـ المنصورة : 318 .
ـ المنهج الديكارتي: 319.
ـ المنهج التاريخي: 3, 4 .
ـ المنهج التحليلي: 4 .
ـ منيا القمح : 318 .
ـ المنيا : 318 .
ـ المؤتمر السنوي الثاني لجمعية الشبان المسلمين في يافا: 290 .
ـ مؤتمر سان ريمو : 156, 283 .
ـ المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس : 54, 55, 76, 82, 147, 171, 268, 273, 276, 277, 278, 279.
ـ مؤتمر المستشرقين : 104 .
ن :
ـ نجد : 71, 133, 301, 311 .
ـ ندوة العلماء: 112 .
ـ النّصارى : 39, 326, 334 .
ـ النّقب : 153 .
ـ النّمسا : 167 .
هـ :
ـ هبة البراق : 290 .
ـ هذيل : 192 .
ـ الهند: 107, 109, 110, 111, 112, 124, 126, 184, 210, 243, 274.
و :
ـ وادي ميزاب : 94 .
ـ وادي النّيل : 249.
ـ واشنطن : 100.
ـ وعد بلفور: 153, 156, 163, 166, 167, 172 .
ـ وهران: 336.
ي :
ـ يافا : 57, 290, 291 .
ـ اليسوعيون : 24 .
ـ اليمن: 7, 32, 48, 49, 50, 53, 64, 110, 116, 130, 141, 145, 147, 217, 243, 251, 260, 261, 263, 264, 265, 266, 267, 268, 306, 307, 310, 345.
ـ يوغسلافيا : 243 .
ـ اليهود واليهودية: 13, 22, 72, 108, 153, 161, 162, 163, 164, 166, 167, 290, 334 .
الجمعيات والجماعات
والأحزاب
ـ جماعة الإخوان المسلمون: 61, 92, 93, 94, 111, 297, 298, 299, 353, 354 .
ـ جماعة كبار العلماء: 105 .
ـ الجمعيّة الآسيويّة: 43.
ـ جمعيّة الإتحاد والتّرقي: 13, 49, 128, 171, 261, 262, 263, 266, 267, 270 .
ـ جمعيّة الإخاء العربيّ: 276 .
ـ جمعيّة الإخوان المسلمون في سوريّا: 111 .
ـ جمعية أنصار السنّة: 300.
ـ جمعيّة التّقريب بين المذاهب: 339.
ـ جمعيّة التّمدن الإسلاميّ: 8, 61 .
ـ جمعيّة شباب محمّد - صلى الله عليه وسلم -: 299.(1/493)
ـ جمعيّة الشّبان المسلمين: 7, 58, 62, 63, 111, 114, 119, 246, 248, 285, 286, 290, 293, 295, 296, 297, 299, 329, 336, 338, 353.
ـ جمعيّة الشّبان المسيحيين: 62, 287 .
ـ الجمعيّة الشّرعيّة: 300.
ـ جمعيّة الشّورى العثمّانيّة: 49, 53, 251, 264, 265, 266, 267, 268.
ـ جمعيّة العربيّة الفتاة: 42, 54, 55, 56, 150, 154, 156, 244, 271, 272, 273, 274, 275, 282 .
ـ جمعيّة الفنون الإسلاميّة : 75 .
ـ جمعيّة القديس يوحنا الدّمشقي : 39.
ـ جمعيّة المسلم العامل : 301 .
ـ جمعيّة المقاصد الخيريّة : 75 .
ـ جمعيّة النّهضة السّوريّة : 261, 262 .
ـ جمعيّة النّهضة العربيّة: 7, 44, 45, 47, 53, 175, 176, 191, 256, 258, 259, 260, 261, 262, 263, 264, 361 .
ـ جمعيّة الهداية الإسلاميّة : 60, 299 .
ـ حزب الإستقلال العربيّ : 274 .
ـ حزب الأمّة : 317 .
ـ حزب الحر الدّستوري : 94 .
ـ حزب اللّامركزيّة الإداريّة: 53, 54, 55, 268, 271, 272, 273, 274, 277 .
ـ حلقة دمشق الصّغرى: 40, 44, 175, 176, 257, 258, 259 .
ـ حلقة دمشق الكبرى: 39, 40, 145, 174, 175, 244, 257, 258.
ـ نادي الإصلاح في بيروت: 279.
ـ النّادي العربيّ: 43 .
ـ المنتدى الأدبي: 53, 269, 270, 273 .
ـ اللّجنة الوطنيّة العليا: 6, 56, 57, 157, 244, 245, 251, 280, 282, 283.
ـ الكتلة الوطنيّة: 44 .
ـ المجمع العلمي في دمشق: 47, 51, 103, 275, 311
ـ المجمع العلمي في العراق: 311 .
ـ المجمع العلمي في القاهرة: 43, 51, 103, 193, 311, 320, 324 .
ـ مجمع فؤاد الأوّل: 324 .
ـ المجمع اللّغوي الفرنسي: 144 .
ـ هيئة الأحوال الشخصية لعموم الهند: 112.
ـ هيئة الأمم المتحدة: 163.
ـ هيئة التعليم الديني في أترابرديش: 112.
ـ هيئة كبار العلمار في الأزهر: 327.
فهرس الصّحف
والمجلّات
آ , أ , إ :
ـ الآداب: 51 .
ـ الإتحاد العثمّاني: 76, 81 .
ـ الإخوان المسلمون: 61, 92, 93, 297, 298 .(1/494)
ـ الأزهر: 8, 60, 89, 96, 97, 201, 248, 278, 302, 323 .
ـ الإستقلال: 318 .
ـ الإعتدال: 144 .
ـ الأفكار: 119.
ـ أم القرى: 306.
ـ الأهرام: 59, 88, 89, 90, 91, 127, 269 .
ب , ت , ث :
ـ البرق: 336 .
ـ البرهان: 103.
ـ بيروت: 76.
ـ التّقدم: 76 .
ـ التّمدن الإسلاميّ: 61, 201, 302 .
ـ التّنبيه: 68 .
ـ التّهذيب: 110.
ـ ثمّرات الفنون: 50, 69, 70, 75, 76, 77 .
ج , ح , خ :
ـ الجديد: 318 .
ـ الجريدة: 317 .
ـ الجزائر: 336 .
ـ جزيرة العرب: 310 .
ـ جمعية الشبان المسلمون: 295.
ـ حضارة الإسلام : 111 .
د , ذ :
ـ دار الإسلام : 338.
ـ الدراسات الإسلاميّة: 81 .
ر , ز :
ـ روضة المدارس: 173 .
ـ الرّياض: 311.
ـ الزّهراء: 6, 8, 58, 59, 63, 71, 72, 91, 98, 99, 100, 101, 102, 103, 104, 118, 194, 234, 247, 248, 250, 265, 285, 289, 290, 322, 323, 326, 327, 335, 337, 338 .
س , ش :
ـ السّفور: 318.
ـ السّلفيّة: 57 .
ـ الشّفاء: 269 .
ـ الشهاب: 94 .
ـ الشّهباء: 144 .
ص , ض :
ـ الصّباح: 306.
ط , ظ :
ـ طار الخرج : 50, 73, 77, 78 .
ـ الظّاهر: 47 .
ع , غ :
ـ العاصمة: 8, 52, 71, 86, 87, 88, 91, 155, 180 .
ـ العالم الإسلامي (جريدة): 288.
ـ العالم الإسلاميّ (مجلة): 81, 109, 332, 333 .
ـ العرب: 111, 311 .
ـ العروة الوثقى: 21.
ـ العصر الجديد: 76 .
ـ العصور: 320 .
ف , ق :
ـ الفتح: 4, 6, 8, 58, 59, 60, 71, 72, 73, 74, 81, 104, 105, 106 107, 108, 109, 110, 112, 113, 114, 118, 120, 121, 160, 184, 185, 194, 201, 243, 244, 246, 249, 250, 252, 290, 297, 298, 301, 322, 324, 328, 331, 335, 336, 340, 341, 357, 358.
ـ فرات: 144 .
ـ القاهرة: 127.
ـ القبس: 50, 77 .
ـ القبلة: 52, 56, 71, 83, 84, 85, 86, 91, 150, 154, 311 .
ـ القصيم : 311 .
ك , ل :
ـ الكاتب المصري : 318 .
ـ لسان الحال : 76 .
ـ لواء الإسلام : 60 .
ـ اللّواء : 288 .(1/495)
م :
ـ المبشّر: 68 .
ـ المجلّة الجديدة : 102.
ـ المحروسة: 76 .
ـ المسلمون : 61, 93, 201, 302 .
ـ المشورة: 49 .
ـ المصباح: 76 .
ـ المفيد: 42, 54, 272 .
ـ المقتبس: 47 .
ـ المقتطف: 61, 320 .
ـ المقطّم: 79, 127, 268 .
ـ المنار: 81, 174 .
ـ المنهاج : 61, 94, 95, 250 .
ـ المنير: 268 .
ـ المؤيّد: 47, 51, 52, 70, 78, 79, 80, 81, 82, 83, 91, 114, 117, 120, 144, 245, 246, 262, 317, 331, 332, 334.
ـ الميزان : 151.
ن :
ـ النّذير: 299 .
ـ نور الإسلام : 60, 96 .
هـ :
ـ الهداية : 288 .
ـ الهلال: 102, 325, 326 .
ـ الهلال العثمّاني : 288 .
و :
ـ الوفاق: 336 .
ـ الوقائع المصريّة : 68, 173, 317 .
ثبت الموضوعات
المقدّمة : ....................................................................1 .
الباب الأوّل : عصره و حياته
الفصل الأوّل :
عصره.......................................................................11.
1 ـ من النّاحيّة السّياسيّة................................... 12 .
2 ـ من النّاحيّة الإجتماعيّة...................................18.
3 ـ من النّاحيّة الدّينيّة.......................................20.
4 ـ من النّاحيّة الثّقافيّة......................................22 .
5 ـ من النّاحيّة الإقتصاديّة...................................25.
ـ الزّراعة:..............................................25 .
ـ الصّناعة:............................................. 26 .
ـ التّجارة:...............................................27 .
الفصل الثّاني :
حياته........................................................................30 .
المرحلة الأولى:
من مولده إلى انتهاء دراسته الثّانويّة 1886م ـ 1905م.
1 ـ الأسرة و النّسب.......................................31 .(1/496)
2 ـ مولده ونشأته...........................................32 .
3 ـ دراسته الأولى.........................................34 .
4 ـ أساتذته وعلاقته بالشّيخ طاهر..........................36 .
ـ الشّيخ أحمد النّويلاتي: ..................................37.
ـ الشّيخ طاهر الجزائري:................................. 38.
5 ـ رفاقه..................................................42 .
المرحلة الثّانية:
من سفره للدّراسة في الأستانة إلى استقراره في مصر 1905م ـ 1920م
1 ـ دراسته في الأستانة....................................46 .
2 ـ إلى الحديدة في اليمن...................................48 .
3 ـ الكتابة في الصّحافة....................................50 .
4 ـ اشتراكه في الجمعيّات السّريّة..........................53 .
5 ـ فراره إلى مصر.......................................57 .
المرحلة الثّالثة:
من استقراره في مصر إلى وفاته 1920 م ـ 1969 م.
1 ـ الكتابة في الصّحافة.....................................59 .
2 ـ جمعيّة الشّبّان المسلمين..................................62 .
3 ـ تحقيق الكتب ونشر التّراث..............................64 .
4 ـ وفاته...................................................65 .
الفصل الثّالث :
المنابر التّي أطلّ منها لعرض آرائه و أفكاره .
1 ـ الصّحافة في عصره.....................................68 .
2 ـ أسلوبه في الكتابة الصّحفيّة...............................71 .
3 ـ الصّحف التّي عمل بها...................................75 .
ثمرات الفنون..................................................75 .
طار الخرج....................................................77.
المؤيّد.........................................................78 .(1/497)
القبلة...........................................................83.
العاصمة.......................................................86 .
الأهرام........................................................88 .
الإخوان المسلمون.............................................92 .
المسلمون .....................................................93 .
المنهاج........................................................94 .
الأزهر........................................................96 .
4 ـ الصّحف التّي أنشأها :
الزّهراء.......................................................98 .
الفتح........................................................105 .
5 ـ المطبعة السّلفيّة ودورها في نشر كتب التّراث...........114 .
6 ـ الكتب التّي ألّفها أو ترجمها أو حقّقها....................122 .
الباب الثّاني: أفكاره و آراؤه
الفصل الأوّل :
موقفه من الدّولة العثمّانيّة و الثّورة العربيّة الكبرى...........................137.
1 ـ الإتّجاهات التّي كانت قائمة في عصره
وموقفها من الدّولة العثمّانيّة............................................... 138 .
2 ـ موقفه من الدّولة العثمّانيّة.............................................143 .
3 ـ الثّورة العربيّة الكبرى و موقفه منها..................................147 .
4 ـ قضيّة فلسطين وموقفه منها...........................................160 .
ـ العرب والمسلمون لا يقبلون التّخلّي عن فلسطين:........................ 160.
ـ الضّعف والغفلة هما من مكّن اليهود من فلسطين: ........................161.
ـ مسؤوليّة العرب والمسلمين والعالم تجاه فلسطين:........................ 162.
ـ التّحذير من أطماع اليهود ووسائلهم:..................................... 164.(1/498)
ـ قضيّة فلسطين توحّد العرب والمسلمين:................................. 165.
ـ رأي طريف بوعد بلفور:............................................... 166.
ـ عودة اليهود إلى بلادهم:................................................ 167.
الفصل الثّاني :
الإتّجاهات القوميّة في فكره ـ العربيّة والعروبة............................168 .
1 ـ تمهيد ...............................................................169 .
2 ـ القوميّة التّي نادى بها السّيّد محب الدّين وعلاقتها بالإسلام.............175 .
3 ـ الرّابطة القوميّة والرّابطة الدّينيّة في فكره.............................184 .
4 ـ العربيّة والعروبة في فكره...........................................189 .
الفصل الثّالث :
الإسلام في فكره ـ الإصلاح و مجالاته ـ خدمة الوطن من منظور إسلامي
1 ـ الإسلام في فكره....................................................201 .
ـ الإسلام دين الدّنيا والآخرة:............................................. 202.
ـ الإسلام كلٌّ لا يتجزّأ:................................................... 203.
ـ الإسلام صالح لكلّ زمان ومكان:........................................ 205.
ـ فهم الإسلام بالمعنى العامّ الواسع:....................................... 206.
ـ يجب الإقتداء بالصّحابة:................................................ 207.
ـ إحياء سنن الإسلام:..................................................... 210.
ـ يجب أن يعرف المسلمون معالمهم الحقيقيّة:............................. 211.
2 ـ الإصلاح و مجالاته..................................................215 .
ـ التّعليم:................................................................. 218.(1/499)
ـ فقدان الهويّة:........................................................... 224.
ـ الاقتصاد:............................................................... 227.
ـ السياسة:................................................................ 230.
ـ تنظيم عمليّة الاصلاح:.................................................. 234.
ـ خلاصة:................................................................ 239.
3 ـ خدمة الوطن من منظور إسلامي......................................240.
ـ محمّد كامل القصّاب:................................................... 244.
ـ أحمد تيمور: ............................................................245.
ـ محمّد الخضر حسين:................................................... 247.
ـ شكيب أرسلان:......................................................... 248.
ـ ابراهيم أطفيش:......................................................... 249.
ـ علي أحمد باكثير:....................................................... 250.
ـ اتصال السّيّد محب الدّين مع بعض قادة العالم الإسلامي..................251.
الباب الثّالث: جهوده الإصلاحيّة
الفصل الأوّل :
جهوده الإصلاحيّة في المجال السّياسي.....................................256 .
1 ـ جمعيّة النّهضة العربيّة...................................256 .
2 ـ انتسابه إلى الجمعيّات السّريّة............................264 .
ـ جميعة الشّورى:........................................ 264.
ـ حزب اللامركزيّة الاداريّة العثماني:..................... 268.
ـ العربيّة الفتاة:........................................... 271.
3 ـ المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس..........................276.(1/500)
4 ـ اللّجنة الوطنيّة العليا.......................................280.
الفصل الثّاني :
جهوده في المجال الاجتماعي والثّقافي......................................285 .
في المجال الاجتماعي :
1 ـ جمعيّة الشّبّان المسلمين....................................285 .
2 ـ مساندة التّنظيمات والأحزاب الإسلاميّة......................295.
في المجال التّربوي والتّعليمي
1 ـ مدرسة الدّعوة والإرشاد....................................304 .
2 ـ مدرسة الحديدة.............................................306 .
3 ـ إنشاء المطابع..............................................309.
الفصل الثّالث :
جهوده في مقاومة التّغريب والاستشراق.
1 ـ التّغريب ـ تعريفه ـ أسباب ظهوره ـ أفكاره ـ أهم رموزه.........314 .
2 ـ عمل السّيّد محب الدّين في مقاومة التّغريب...........................321 .
3 ـ الاهتمام بقضايا التّبشير والاستشراق في العالم الإسلاميّ...............330.
4 ـ الشّيعة والسّيّد محب الدّين.............................................338.
الخاتمة :...................................................................351.
الملاحق:
الملحق الأوّل:
صورة الرّسالة الّتي أرسلها السّيّد لؤي الخطيب ردّاً على أسئلتي.............357.
الملحق الثّاني :
صورة غلاف مجلّة الفتح .................................................358 .
الملحق الثّالث :
صورة لعنوان الفتح في سنتها الأولى ......................................359 .
الملحق الرّابع :
مجموعة صور خاصةّ بالسّيّد محب الدّين ..................................360 .
الملحق الخامس :
صورة للشّيخ طاهر وصور لأصدقاء السّيّد محب الدّين ....................363 .
ثبت المصادر والمراجع : ..................................................365.(2/1)
ـ المصادر:............................................................... 366.
ـ المراجع:................................................................367.
ـ الدّوريّات:.............................................................. 380.
ـ مواقع أنترنت: ..........................................................390.
ـ مقابلات ورسائل: .......................................................391.
الفهارس العامّة :
فهرس الآيات والأحاديث النّبويّة ...........................................393 .
فهرس الأبيات الشّعريّة ...................................................395 .
فهرس الأعلام.............................................................398 .
فهرس الأماكن والأحداث والمصطلحات.....................................412.
فهرس الجماعات والجمعيّات والأحزاب ....................................433.
فهرس الصّحف والمجلّات...................................................436.
ثبت الموضوعات..........................................................442 .(2/2)