عُنْوَانِ الحِكَمِ
( النُّونِيَّةُ ) (1)
شَاعِرُ زَمَانِهِ , المُحَدِّثُ
أَبُو الفَتْحِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البُستِيُّ
(330 تَقْدِيراً ـ 400 هـ)
قام بنشرها على الشبكة
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
O
[ عدد الأبيات : 63]
[البحر : البسيط]
زِيَادَةُ المَرْءِ فِي دُنْيَاهُ نُقْصَانُ ... وَرِبْحُهُ غَيْرَ مَحْضِ الْخَيْرِ خُسْرَانُ
وَكُلُّ وِجْدَانِ حَظٍّ لاَثَبَاتَ لَهُ ... فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي التَّحْقِيقِ فِقْدَانُ
يَا عَامِراً لِخَرَابِ الدَّارِ مُجْتَهِداً ... بِاللهِ هَلْ لِخَرَابِ العُمْرِ عُمْرَانُ ؟
وَيَا حَرِيصاً عَلَى الأَمْوَالِ تَجْمَعُهَا ... أُنْسِيتَ أَنَّ سُرُورَ المَالِ أَحْزَانُ ؟
زَعِ الفُؤَادَ عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ... فَصَفْوُهَا كَدَرٌ وَالْوَصْلُ هِجْرَانُ(2)
وَأَرْعِ سَمْعَكَ أَمْثَالاً أُفَصِّلُهَا ... كَمَا يُفَصَّلُ يَاقُوتٌ وَمَرْجَانُ
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ ... فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانُ إِحْسَانُ
يَا خَادِمَ الجِسْمِ كَمْ تَشْقَى بِخِدْمَتِهِ ... أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ فِيمَا فِيهِ خُسْرَانُ ؟
أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا ... فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لاَ بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ
وَإِنْ أَسَاءَ مُسِيءٌ فَلْيَكُنْ لَكَ فِي ... عُرُوضِ زَلَّتِهِ صَفْحٌ وَغُفْرَانُ
وَكُنْ عَلَى الدَّهْرِ مِعْوَاناً لِذِي أَمَلٍ ... يَرْجُو نَدَاكَ فَإِنَّ الحُرَّ مِعْوَانُ
__________
(1) مِن كِتابِ (الْجامِعِ للمُتونِ العِلْمِيَّةِ) للشَّيخِ الفاضِلِ عبدِ اللهِ الشَّمرانِي - حَفِظَهُ اللهُ - [ ط : مَدارِ الوَطَنِ / ط3 - 1426 ] .
(2) قوله (زَعِ) ؛ كذا بالزاي , وهو فعل أمر , ومعناه : كُفَّ .(1/1)
وَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللهِ مُعْتَصِماً ... فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ
مَنْ يَتَّقِ اللهَ يُحْمَدْ فِي عَوَاقِبهِ ... وَيَكْفِهِ شَرَّ مَنْ عَزُّوا وَمَنْ هَانُوا
مَنِ اسْتَعَانَ بِغَيْرِ اللهِ فِي طَلَبٍ ... فَإِنَّ نَاصِرَهُ عَجْزٌ وَخِذْلاَنُ
مَنْ كَانَ للخَيْرِ مَنَّاعاً فَلَيْسَ لَهُ ... عَلَى الْحَقِيقَةِ إِخْوَانٌ وَأَخْدَانُ
مَنْ جَادَ بِالمَالِ مَالَ النَّاسُ قَاطِبَةً ... إِلَيْهِ وَالمَالُ للإِنْسَانِ فَتَّانُ
مَنْ سَالَمَ النَّاسَ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِهِم ... وَعَاشَ وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ جَذْلاَنُ
مَنْ كَانَ للْعَقْلِ سُلْطَانٌ عَلَيْهِ غَدَا ... وَمَا عَلَى نَفْسِهِ للْحِرْصِ سُلْطَانُ
مَنْ مَدَّ طَرْفاً لِفَرْطِ الْجَهْلِ نَحْوَ هَوَىً ... أَغْضَى عَلَى الْحَقِّ يَوْماً وَهْوَ خَزْيَانُ
مَنْ عَاشَرَ النَّاسَ لاَقَى مِنْهُمُ نَصَباً ... لأَنَّ سُوْسَهُمُ بَغْىٌ وَعُدْوَانُ
وَمَنْ يُفَتِّشْ عَنِ الإِخْوَانِ يَقْلِهِمُ ... فَجُلُّ إِخْوَانِ هَذَا العَصْرِ خَوَّانُ
مَنِ اسْتَشَارَ صُرُوفَ الدَّهْرِ قَامَ لَهُ ... عَلَى حَقِيقَةِ طَبْعِ الدَّهْرِ بُرْهَانُ
مَنْ يَزْرَعِ الشَّرَّ يَحْصُدْ فِي عَوَاقِبِهِ ... نَدَامَةً وَلِحَصْدِ الزَّرْعِ إِبَّانُ
مَنِ اسْتَنَامَ إِلَى الأَشْرَارِ نَامَ وَفِي ... قَمِيصِهِ مِنْهُمُ صِلٌ وَثُعْبَانُ
كُنْ رَيَّقَ البِشْرِ إِنَّ الحُرَّ هِمَّتُهُ ... صَحِيفَةٌ وَعَلَيْهَا البِشْرُ عُنْوَانُ
وَرَافِقِ الرِّفْقَ فِي كُلِّ الأُمُورِ فَلَمْ ... يَنْدَمْ رِفيقٌ وَلَمْ يَذْمُمْهُ إِنْسَانُ
وَلاَ يَغُرَّنْكَ حَظٌّ جَرَّهُ خَرَقٌ ... فَالخَرْقُ هَدْمٌ وَرِفْقُ الْمَرْءِ بُنْيَانُ
أَحْسِنْ إِذَا كَانَ إِمْكَانٌ وَمَقْدِرَةٌ ... فَلَنْ يَدُومَ عَلَى الإِحْسَانِ إِمْكَانُ(1/2)
فَالرَّوْضُ يَزْدَانُ بِالأَنْوَارِ فَاغِمَةً ... وَالحُرُّ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ يَزْدَانُ
صُنْ حُرَّ وَجْهِكَ لاَ تَهْتِكْ غِلاَلَتَهُ ... فَكُلُّ حُرٍّ لِحُرِّ الْوَجْهِ صَوَّانُ
فَإِنْ لَقِيتَ عَدُواً فَالْقَهُ أَبَداً ... وَالْوَجْهُ بِالبِشْرِ وَالإِشْرَاقِ غَضَّانُ
دَعِ التَّكَاسُلَ فِي الْخَيْرَاتِ تَطْلُبُهَا ... فَلَيْسَ يَسْعَدُ بِالْخَيْرَاتِ كَسْلاَنُ
لاَ ظِلَّ لِلْمَرْءِ يَعْرَى مِنْ تُقَىً وَنُهىً ... وَإِنْ أَظَلَّتْهُ أَوْرَاقٌ وَأَفْنَانُ
وَالنَّاسُ أَعْوَانُ مَنْ وَالَتْهُ دَوْلَتُهُ ... وَهُمْ عَلَيْهِ إِذَا عَادَتْهُ أَعْوَانُ
"سَحْبَانُ" مِنْ غَيْرِ مَالٍ "بَاقِلٌ" حَصِرٌ ... وَ "بَاقِلٌ" فِي ثَرَاءِ المَالِ "سَحْبَانُ"
لاَ تُوْدِعِ السِّرَّ وَشَّاءً يَبُوحُ بِهِ ... فَمَا رَعَى غَنَماً فِي الدَّوِّ سِرْحَانُ
لاَ تَحْسَبِ النَّاسِ طَبْعاً وَاحِداً فَلَهُمْ ... غَرَائِزٌ لَسْتَ تُحْصِيهِنَّ أَلْوَانُ
مَا كُلُّ مَاءٍ كَصَدَّاءٍ لِوَارِدِهِ ... نَعَمْ وَلاَ كُلُّ نَبْتٍ فَهْوَ سَعْدَانُ
لاَ تَخْدِشَنَّ بِمَطْلٍ وَجْهَ عَارِفَةٍ ... فَالْبِرُّ يَخْدِشُهُ مَطْلٌ وَلَيَّانُ
لاَ تَسْتَشِرْ غَيْرَ نَدْبٍ حَازِمٍ يَقِظٍ ... قَدِ اسْتَوَى فِيهِ إِسْرَارٌ وَإِعْلاَنُ
فللتَّدَابِيرِ فُرْسَانٌ إِذَا رَكَضُوا ... فِيهَا أَبَرُّوا كَمَا للحَرْبِ فُرْسَانُ
وَلِلأُمُورِ مَوَاقِيتٌ مُقَدَّرَةٌ ... وَكُلُّ أَمْرٍ لَهُ حَدٌّ وَمِيزَانُ
فَلاَ تَكُنْ عَجِلاً بِالأَمْرِ تَطْلُبُهُ ... فَلَيْسَ يُحْمَدُ قَبْلَ النُّضْج بُحْرَانُ
كَفَى مِنَ الْعَيْشِ مَا قَدْ سَدَّ مِنْ عَوَزٍ ... فَفِيهِ للحُرِّ إِنْ حَقَّقتَ غُنْيَانُ
وَذُو الْقَنَاعَةِ رَاضٍ مِنْ مَعِيشَتِهِ ... وَصَاحِبُ الحِرْصِ إِنْ أَثْرَى فَغَضْبَانُ(1/3)
حَسْبُ الْفَتَى عَقْلُهُ خِلاًّ يُعَاشِرُهُ ... إِذَا تَحَامَاهُ إِخْوَانٌ وَخِلاَّنُ
هُمَا رَضِيعَا لَبَانٍ : حِكْمَةٌ وَتُقَىً ... وَسَاكِنا وَطَنٍ : مَالٌ وَطُغْيَانُ
إِذَا نَبَا بِكَرِيمٍ مَوْطِنٌ فَلَهُ ... وَرَاءَهُ فِي بَسِيطِ الأَرْضِ أَوْطَانُ
يَا ظَالِماً فَرِحاً بِالعِزِّ سَاعَدَهُ ... إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ
مَا استَمْرَأَ الظُّلْمَ لَوْ أَنْصَفْتَ آكِلُهُ ... وَهَلْ يَلَذُّ مَذَاقَ المَرْءِ خُطْبَانُ
يَا أَيُّهَا العَالِمُ المَرْضِيُّ سِيرَتُهُ ... أَبْشِرْ فَأَنْتَ بِغَيْرِ المَاءِ رَيَّانُ
وَيَا أَخَا الْجَهْلِ لَوْ أَصْبَحْتَ فِي لُجٍَج ... فَأَنْتَ مَا بَيْنَهَا لاَ شَكَّ ظَمْآنُ
لاَ تَحْسَبَنَّ سُرُوراً دَائِماً أَبَداً ... مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ
إِذَا جَفَاكَ خَلِيلٌ كُنْتَ تَألَفُهُ ... فَاطْلُبْ سِوَاهُ فَكُلُّ النَّاسِ إِخْوَانُ
وَإِنْ نَبَتْ بِكَ أَوْطَانٌ نَشَأْتَ بِهَا ... فَارْحَلْ فَكُلُّ بِلاَدِ اللهِ أَوْطَانُ
يَا رَافِلاً فِي الشَّبَابِ الرَّحْبِ مُنْتَشِياً ... مِنْ كَأْسِهِ هَلْ أَصَابَ الرُّشْدَ نَشْوَانُ ؟
لاَ تَغْتَرِرْ بِشَبَابٍ رَائِقٍ نَضِرٍ ... فَكَمْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الشِّيبِ شُبَّانُ
وَيَا أَخَا الشَّيْبِ لَوْ نَاصَحْتَ نَفْسَكَ لَمْ ... يَكُنْ لِمِثْلِكَ فِي اللَّذَّاتِ إِمْعَانُ
هَبِ الشَّبِيبَةَ تُبْدِي عُذْرَ صَاحِبِهَا ... مَا عُذْرُ أَشْيَبَ يَسْتَهْوِيهِ شَيْطَانُ؟!
كُلُّ الذُّنُوبِ فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُهَا ... إِنْ شَيَّعَ المَرْءَ إِخْلاَصٌ وَإِيمَانُ
وَكُلُّ كَسْرٍ فَإِنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ ... وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ
خُذْهَا سَوَائِرَ أَمْثَالٍ مُهَذَّبَةً ... فِيهَا لِمَنْ يَبْتَغِي التِّبْيَانَ تِبْيَانُ(1/4)
مَا ضَرَّ حَسَّانَهَا ـ وَالطَّبْعُ صَائِغُهَا ـ ... إِنْ لَمْ يَصُغْهَا قَرِيعُ الشِّعْرِ "حَسَّانُ"(1/5)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (6)
التوبة(1)
أبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَسْعُودِ التَّجِيبِيُّ الغِرْنَاطِيُّ الإلْبِيرِيُّ
العدد الأول
1/5/1414 هـ
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
[ مُقَدِّمَةٌ ]
هذه قصيدة قالها الفقيهُ الزَّاهدُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ مَسعُود الإلبيريّ , رحمه الله , يخاطب الشاعر فيها ويعاتب ويحاور مَنْ دعاه (أبا بكر) .
وكان هذا الرجل قد ذكر بعض معايب الشاعر , وبلغه ما قال . وقد جعل الشاعر هذا المُنطلق فرصة لبسط آرائه في العلم والتقوى والتوبة ونبذ الدنيا , وإشارةً إلى مقالة أبي بكر فيه , وتجاوزاً لها في الوقت نفسه .
واختلط الحديث بين توجيه أبي بكر هذا , والحديث عن النفس , من منطلق لوم الذات (من التحرّج المستمر) , وتضخيم الهفوات , وإعلان الخضوع المطلق لله تعالى .
بدأ الشاعر القصيدة بالكلام على غفلة الإنسان عما تصنعه آلة الزمن في بني آدم ( الأبيات 1ـ 5) , ودعا أبا بكر ـ والخطاب عام ـ إلى العلم النافع (الأبيات 6 ـ 10) , وبين منزلة العلم وحلاوته (الأبيات 11ـ19) , وأن الإنسان مسؤول عن علمه والعمل به , وعن جهله لوجهل (الأبيات 20 ـ 27) , وسفّه من يفضل المال ـ وما يلحق به ـ على العِلم (الأبيت 28 ـ 44) وهوّن شأن الدنيا (الأبيات 45 ـ 54) ؛ فهي عَرَض فانٍ ودعا إلى الجد ـ دون الهزل ـ وإلى التوبة والخضوع لله تعالى (الأبيات 55 ـ 60) , وتعجيل التوبة (الأبيات 61 ـ 65) , وجعل نفسه مثالاً يتحدث عنه (الأبيات 66 ـ 69) , وعاد إلى خطاب أبي بكر , وحذّر من الإخلاد إلى الدنيا , ومن نسيان الآخرة (الأبيات 70 ـ 81) , وإلى تذكر يوم الحساب (الأبيات 82 ـ 86) .
__________
(1) العنوان من هيئة التحرير .(2/1)
وخرج إلى اعتراف عام بالذنوب , وسرد لمعايب الإنسان المقصّر (الأبيات 97 ـ 99) , وإلى نصائح عامة أخلاقية , في الحذر من رفاق السّوء , وأهل الجهل , ودعا إلى إباء الضيم , وإلى الضرب في الأرض الواسعة سعياً وراء ذلك , بقية الأبيات .
يقول الشاعر الفقيه الزاهد في قصيدته وهي من البحر الوافر(1)
[ عدد الأبيات : 115 ]
تَفُتُّ فُؤَادَكَ الأَيَّامُ فَتَّا ... وَتَنْحِتُ جِسْمَكَ السَّاعَاتُ نَحْتَا
وَتَدْعُوكَ المْنَونُ دُعَاءَ صِدْقٍ ... أَلاَ يَا صَاحٍ: أَنْتَ أُرِيدُ أَنْتَا
أَرَاكَ تُحِبُّ عِرْساً ذَاتَ خِدْرٍ(2) ... أَبَتَّ طَلاَقَهَا الأَكْيَاسُ بَتَّا(3)
__________
(1) - قابلتها على طَبعَةُ (الْجَامِعِ لِلْمُتُونِ الْعِلمِيَّةِ) جَمعُ الشَّيخِ عَبدِ اللهِ الشَّمرَانِي (ط 1426 هـ ) وإن قلت : الأصل فالمراد طبعة مجلة الجكمة.
(2) في الأصل غَدرٍ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) العرْس : امرأة الرجل , وتقال أيضاً لرجل المرأة , فهما عرسان .
ويُقال : أبَتَّ الطلاقَ بتةً وإبتاتاً : أوقعه باتا . أمّا البتُّ , فمصدر الفعل بتّ ؛ يقال : بَتّ الطلاق , أي أوقعه ثلاثاً باتا . وفي نهج البلاغة بتحقيق الدكنور صبحي الصالحي رحمه الله : " يا دُنيا ! يا دُنيا ! إليك عني ؛ أَبِي تَعرّضتِ ؟ أم إليَّ تَشَوَّفْت ؟ لا حان حينُك ! هيهات ! غرّي غيري , لا حاجة لي فيك ؛ قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها ! " .(2/2)
تَنامُ الدَّهْرَ وَيْحَكَ فِي غَطِيطٍ ... بِهَا حَتَّى إِذَا مِتَّ انْتَبَهْتَا(1)
فَكَمْ ذَا أَنْتَ مَخْدُوعٌ وَحَتَّى ... مَتَى لاَ تَرْعَوِي عَنْهَا وَحَتَّى ؟(2)
" أَبَا بَكْرٍ" دَعَوْتُكَ لَوْ أَجَبْتَا ... إِلَى مَا فِيهِ حَظُّكَ لَوْ(3) عَقَلْتَا(4)
إِلَى عِلْمٍ تَكُونُ بِهِ إِمَاماً ... مُطَاعاً إِنْ نَهَيْتَ وَإِنَ أَمَرْتَا
وَيَجْلُو(5) مَا بِعَيْنِكَ مِنْ غِشَاهَا ... وَيَهْدِيكَ الطَّرِيقَ(6) إِذَا ضَلَلْتَا(7)
__________
(1) يُقال : غط النائم غطاً وغطيطاً أي : شخر وسُمع له غطيط . وفي " كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس " : 1/312 , عند ذكره الكلام المشهور : ( الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ) ما نصّه : " هو من قول علي بن أبي طالب ؛ لكن عزاه الشعراني في الطبقات لسهل التستري , ولفظه في ترجمته , ومن كلامه : الناس نيام , فإذا ماتوا انتبهوا , وإذا ماتوا ندموا , وإن ندموا لم تنفعهم ندامتهم " .
(2) يُقال : أرعوى عن كذا أي : كفّ وحَسُن رجوعه عنه .
(3) في الأصل إن و المُثبت من طبعة الشمراني.
(4) أبو بكر : كنية المخاطب المباشر في القصيدة , وقد نبّه إليه مرة أخرى في القصيدة (انظر البيت 87 وما قبله وما بعده) , وجعل الحديث إليه وسيلة لبسط آرائه ومواقفه , ولم نهتد إلى المخاطب بهذه الكنية في القصيدة . لم أهتد إليه يقيناً ؛ ولعله أبو بكر بن الحاج المخاطب بالقصيدة (31) من ديوان الشاعر . ويدل البيت هنا (89) هنا على أنّ أبا بكر قد هجاه .
(5) في الأصل تَجلو و المُثبت من طبعة الشمراني .
(6) في الأصل : ( وتهديكَ السَّبيل ) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(7) الغشا : ضعف البصر . ونذكر هنا بعض قصيدة أبي مروان عبدالملك بن إدريس الجزيريّ الأندلسي (يتيمة الدّهر 2/102) :
واعلم بأن العلم أرفع رتبةً
وأجلّ مكتسب وأسنى مفخر
فاسلك سبيل المقتنين له تسد
عن السيادة تقتنى بالدفتر
والعالم المدعوّ حبراً إنما
سمّاه باسم الحَبْرِ حَمْلُ المِحبرِ!
وقصيدة عبد الملك هذه من عيون شعر الحكمة .(2/3)
وَتَحْمِلُ مِنْهُ فِي نَادِيكَ تَاجاً ... وَيَكْسُوكَ الْجَمَالَ إِذَا عَرِيتَا(1)
يَنَالُكَ نَفْعُهُ مَا دُمْتَ حَياً ... وَيَبْقَى ذِكْرُهُ(2) لَكَ إِنْ ذَهَبْتَا
هُوَ الْعَضْبُ المُهَنَّدُ لَيْسَ يَنْبُو ... تُصِيبُ بِهِ مَقَاتِلَ مَنْ ضَرَبتا(3)
وَكَنْزٌ لاَ تَخَافُ عَلَيْهِ لِصّاً ... خَفِيفَ الْحَمْلِ يُوجَدُ حَيْثُ كُنتَا
يَزِيدُ بِكَثْرَةِ الإِنْفَاقِ مِنْهُ ... وَيَنْقُصُ إِنْ بِهِ كَفّاً شَدَدْتَا(4)
فَلَوْ قَدْ ذُقْتَ مِنْ حَلْوَاهُ طَعْماً ... لآثَرْتَ التَّعَلُّمَ وَاجْتَهَدْتَا
وَلَمْ يَشْغَلْكَ عَنْهُ هَوىً مُطَاعٌ ... وَلاَ دُنْيَا بِزُخْرُفِهَا فُتِنْتَا
وَلاَ أَلْهَاكَ عَنْهُ أَنِيقُ رَوْضٍ ... و لا خِدرٌ برَبرَبه كَلفُتا(5)
فَقُوتُ الرُّوْحِ أَرْوَاحُ الْمَعَانِي ... وَلَيْسَ بِأَنْ طَعِمْتَ وَلاَ شَرِبْتَا
__________
(1) في الأصل اغتَرَبْتا و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل ذُخرهُ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) العَضْب : السيف القاطع , والمهنّد : السيف ؛ وأصل معناه من هَنّد السيف ؛ أي شحذه , أو هو منسوب إلى الهند ( المصنوع من حديد الهند ) . و في طبعة الشمراني أَرَدْتَا .
(4) في الأصل (أن) , والشرط في الجملة عندي مقبول .
(5) الخِدر (بالكسر) : ستر يُمدُّ للجارية في البيت ؛ وكلُّ ما وراك من بيت ونحوه .
والرَّبرب : القطيع من بقر الوحش . شبه النساء الجميلات بالبقر الوحشية وفي طبعة الشمراني الشطر الثاني (وَلاَ دُنْيَا بِزِينَتِهَا كَلِفْتَا).(2/4)
فَوَاظِبْهُ وَخُذْ بِالْجِدِّ فِيهِ ... فَإِنْ أَعْطَاكَهُ اللهُ انتَفَعْتَا(1)
وَإِنْ أُعْطِيتَ(2) فِيهِ طَوِيلَ بَاعٍ ... وَقَالَ النَّاسُ : إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَا(3)
فَلاَ تَأْمَنْ سُؤَالَ اللهِ عَنْهُ ... بِتَوْبِيخٍ : عَلِمْتَ ؛ فَهَلْ عَمِلْتَا؟(4)
فَرَأْسُ الْعِلْمِ تَقْوَى اللهِ حَقّاً ... وَلَيْسَ بِأَنْ يُقَالَ : لَقَدْ رَأَسْتَا(5)
__________
(1) الأصل : أن يتعدى الفعل بوساطة حرف الجر تقول : وظب على الأمر , وواظب عليه , وقول الشاعر : (فَوَاظِبْهُ) أي : تعدية الفعل إلى المفعول مباشرة لم يردْ في كتب اللغة ؛ ولا أعرفه في آثار الأدباء وفي الأصل (فَإِنْ أَعْطَاكَهُ اللهُ أخَذتا) والمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل أوتيت و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) في الأصل سَبقتا و المُثبت من طبعة الشمراني .
(4) في كشف الخفا : " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : شبابه فيما أبلاه , وعن عمره فيما أفناه , وعن ماله من أين اكتسبه , وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل به " رواه الطبراني , ورواه الترمذي : 2/378 , وفي سنن الدارمي 1/82 , عن أبي كبشة السّلولي قال : سمعت أباد الدرداء يقول : " إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالمٌ لا يُنتفعُ بعلمه " .
(5) في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : " رأس الحكمة مخافة الله تعالى " الفتح الكبير : 2/122 .(2/5)
وَأَفْضَلُ ثَوْبِكَ الإِحْسَانُ لَكِنْ(1) ... نَرَى(2) ثَوْبَ الإِسَاءَةِ قَدْ لَبِسْتَا(3)
إِذَا مَا لَمْ يُفِدْكَ الْعِلْمُ خَيْراً ... فَخَيْرٌ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَدْ جَهِلْتَا(4)
وَإِنْ أَلْقَاكَ فَهْمُكَ فِي مَهَاوٍ ... فَلَيْتَكَ ثُمَّ لَيْتَكَ مَا فَهِمْتَا
سَتَجْنِي مِنْ ثِمَارِ الْعَجْزِ جَهْلاً ... وَتَصْغُرُ فِي الْعُيُونِ إِذَا كَبِرْتَا
وَتُفْقَدُ إِنْ جَهِلْتَ وَأَنْتَ بَاقٍ ... وَتُوجَدُ إِنْ عَلِمْتَ وَلَوْ فُقِدْتَا
وَتَذْكُرُ قَوْلَتِي لَكَ بَعْدَ حِينٍ ... إِذَا حقّاً بِهَا يَوْماً عَمِلْتَا(5)
وَإِنْ أَهْمَلْتَهَا وَنَبَذْتَ نُصْحاً ... وَمِلتَ إِلَى حُطَامٍ قَدْ جَمَعْتَا(6)
فَسَوْفَ(7) تَعَضُّ مِنْ نَدَمٍ عَلَيْهَا ... وَمَا تُغْنِي النَّدَامَةُ إِنْ نَدِمْتَا
إِذَا أَبْصَرْتَ صَحْبَكَ فِي سَمَاءٍ(8) ... قَدِ ارْتَفَعُوا عَلَيْكَ وَقَدْ سَفُلْتَا
__________
(1) في الأصل (وضَافي ثَوْبِكَ الإِحْسَانُ لا أن) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل (ترى) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي قال : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " رواه مسلم .
(4) في الدعاء المشهور : " إنِّي أعوذ بك من علم لا ينفع " , وفيه " سلوا الله علماً نافعاً " , و " اللهم إني اسألك علماً نافعاً " .
(5) في الأصل (وتَغبْطها إذا عنها شُغلتا) و المُثبت من طبعة الشمراني.
(6) هذا البيت ساقط في الأصل .
(7) في الأصل لسَوْفَ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(8) أي في منزلة عالية , (مادياً ومعنوياً) .(2/6)
فَرَاجِعْهَا وَدَعْ عَنْكَ الْهُوَيْنَى(1) ... فَمَا بِالْبُطْءِ تُدْرِكُ مَا طَلَبْتَا
وَلاَ تَخْتََلْ(2) بِمَالِكَ وَالْهُ عَنْهُ ... فَلَيْسَ الْمَالُ إِلاَّ مَا عَلِمْتَا(3)
وَلَيْسَ لِجَاهِلٍ فِي النَّاسِ مُغْنٍ(4) ... وَلَو مُلْكُ الْعِرَاقِ لَهُ تَأَتَّى(5)
سَيَنْطِقُ عَنْكَ عِلْمُكَ فِي مَلاءٍ(6) ... وَيُكْتَبُ عَنْكَ يَوْماً إِنْ كَتَمْتَا
وَمَا يُغْنِيكَ تَشْيِيدُ الْمَبَانِي ... إِذَا بِالْجَهْلِ نَفْسَكَ قَدْ هَدَمْتَا
جَعَلْتَ المَالَ فَوْقَ الْعِلْمِ جَهْلاً ... لَعَمْرُكَ فِي الْقَضِيَّةِ مَا عَدَلْتَا(7)
__________
(1) الهوينى : التؤدة والرفق والسكينة والوقار .
(2) ينبه الشاعر السامع والقارئ على ما في القرآن الكريم من صفة المال في بعض الآيات التي ورد فيها ذكر المال ؛ قال تعالى في سورة الأنفال : ? وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ? [ الأنفال : 28] وفي سورة سبأ : ? وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ? [ سبأ : 37] وفي سورة المنافقون : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّه ِ? [ المنافقون : 9] .
(3) في الأصل (ولا تحفلْ بمالك) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(4) في الأصل (مَعْنىً) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(5) ضرب المثل بـ (ملك العراقين) لما هو واسعٌ كثير من السلطة والملك , ومنه قول أبي الطيب :
وغيرُ كثير أن يزورك راجلٌ
فيرجع ملكاً للعراقيين والياً !
(6) في الأصل (نَديِّ) و المُثبت من طبعة الشمراني والنَّديَّ والنادي : مجتمع القوم .
(7) لَعَمْرُكَ) : لفظ مُشْكِل , والأولى تركه , وانظر : " معجم المناهي اللفظية " (ص 964 ـ 174) أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 630) .(2/7)
وَبَيْنَهُمَا بِنَصِّ الْوَحْيِ بَوْنٌ ... سَتَعْلَمُهُ إِذَا " طَه " قَرَأْتَا(1)
لَئِنْ رَفَعَ الْغَنِيُّ لِوَاءَ مَالٍ ... لأَنْتَ لِوَاءَ عِلْمِكَ قَدْ رَفَعْتَا
لَئِنْ(2) جَلَسَ الْغَنِيُّ عَلَى الْحَشَايَا ... لأَنْتَ عَلَى الكَوَاكِبِ قَدْ جَلَسْتَا(3)
وَإِنْ رَكِبَ الْجِيَادَ مُسَوَّمَاتٍ(4) ... لأَنْتَ مَنَاهِجَ التَّقْوَى رَكِبْتَا
وَمَهْمَا افْتَضَّ أَبْكَارَ الْغَوَانِي ... فَكَمْ بِكْرٍ مِنَ الحِكَمِ افْتَضَضْتَا ؟(5)
وَلَيْسَ يَضُرُّكَ الإِقْتَارُ(6) شَيْئاً ... إِذَا مَا أَنْتَ رَبَّكَ قََدْ عَرَفْتَا
فَمَاذَا عِنْدَهُ لَكَ مِنْ جَمِيلٍ ... إِذَا بِفِنَاءِ طَاعَتِهِ أَنَخْتَا(7)
فَقَابِلْ بِالْقَبُولِ لِنُصْحِ قَوْلِي(8) ... فَإِنْ أَعْرَضْتَ عَنْهُ فَقَدْ خَسِرْتَا
__________
(1) قال البلوي (ألف باء : 1/13) معلقاً على إشارة البيت : يريد قوله تعالى ? وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ? [ طه : 114].
(2) في الأصل (وإنْ) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) الحشايا : جمع الحشية , وهي الفراش المحشو , وهو ـ كما في متن اللغة ـ المعروف في الشام بالطرّاحة وما تزال الكلمة حيّة في ديار الشام . والبيت في معنى : رُتبةُ العلم أعلى الرتب.
(4) سوّم الفرس : أَعلمه بسومة , والسّومة : السمة والعلامة .
(5) هذه المقارنة غير جيدة ؛ إذ فض بكارة المرأة متيسرة لكل أحد , بخلاف معرفة الحكمة فضلاَ عمن ابتدرها (التحرير) .
(6) الإقتار : مصدر أْتَر الرجل : أي قلَّ ماله وضاق عيشه .
(7) استعمل (ماذا) بدلاً من (كم ذا) لأن المعنى : إذا لزمت طاعة الله سبحانه وتعالى , ظفرت بكثير مما أعدَّ الله لعباده من أهل الطاعة . وكلمة (جميل) صفة لموضوف محذوف مقدّر .
(8) في الأصل (صحيح نصحي) و المُبت من طبعة الشمراني .(2/8)
وَإِنْ رَاعَيْتَهُ قَوْلاً وَفِعْلاً ... وَتَاجَرْتَ الإِلَهَ بِهِ رَبحْتَا(1)
فَلَيْسَتْ هَذِهِ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ ... تَسْوؤُكَ حِقْبَةً وَتَسُرُّ وَقْتَا
وَغَايَتُهَا إِذَا فَكَّرْتَ فِيهَا ... كَفَيْئِكَ(2) أَوْ كَحُلْمِكَ إِذْ حَلَمْتَا(3)
سُجِنْتَ بِهَا وَأَنْتَ لَهَا مُحِبٌّ ... فَكَيْفَ تُحِبُّ مَا فِيهِ(4) سُجِنْتَا ؟(5)
وَتُطْعِمُكَ الطَّعَامَ وَعَنْ قَرِيبٍ ... سَتَطْعَمُ مِنْكَ مَا فِيهَا طَعِمْتَا
وَتَعْرَى إِنْ لَبِسْتَ بِهَا ثِيَاباً ... وَتُكْسَى إِنْ مَلاَبِسَهَا خَلعْتَا
وَتَشْهَدُ كُلَّ يَوْمٍ دَفْنَ خِلٍّ ... كَأَنَّكَ لاَ تُرَادُ لِمَا(6) شَهِدْتَا
__________
(1) في سورة فاطر : ? إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ? [ فاطر : 29]. وفي سورة الصف : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [ الصف : 10 ,11 ] والمراد بالمتاجرة في الآيتين الكريمتين المعنى المجازي , و " التجارة " ترد للعمل يترتب عليه خيرٌ أو شر .
(2) الفيء ـ هنا ـ ما كان شمساً فينسخه الظل .
(3) قوله : (حَلَمْتَا) ؛ كذا بفتح اللام : من الحُلُم وضُبِطَتْ في نسخة : (حَلُمْتَا) بالضم أي سرت حليماً وهذا غير مراد من الشاعر أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 631) .
(4) يجب إشباع هاء " فيه " ليستقيم وزن البيت أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 631) .
(5) في الحديث : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ " رواه مسلم وغيره .
(6) في الأصل (بما) و المُثبت من طبعة الشمراني .(2/9)
وَلَمْ تُخْلَقْ لِتَعْمُرَهَا وَلاكِنْ ... لِتَعْبُرَهَا فَجِدَّ لِمَا خُلِقْتَا(1)
وَإِنْ هُدِمَتْ فَزِدْهَا أَنْتَ هَدْماً ... وَحَصِّنْ أَمْرَ دِينِكَ مَا اسْتَطَعْتَا(2)
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا ... إِذَا مَا أَنْتَ فِي أُخْرَاكَ فُزْتَا(3)
فَلَيْسَ بِنَافِعٍ مَا نِلْتَ مِنْهَا ... مِنَ الْفَانِي إِذَا الْبَاقِي حُرِمْتَا
وَلاَ تَضْحَكْ مَعَ السُّفَهَاءِ يَوْماً(4) ... فَإِنْكَ سَوْفَ تَبْكِي إِنْ ضَحِكْتَا(5)
__________
(1) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ : " مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ , ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وفي مسند الإمام أحمد : أنَّ عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى " .
(2) معنى البيت فيه نظر , إذ إنَّ الله تعالى سخر للإنسان ما في الأرض جميعاً , وأمر بطاعته ولم يأمر بهدم ما سخر و لا بزيادة الهدم , ولكن الله تعالى نهى عن الركون إلى الدنيا بأشكالها (التحرير) .
(3) راجع ما في التنزيل الحكيم (الحديد الآيات 22 ـ 23).
(4) في الأصل (لهواً) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في سورة التوبة : ? فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ? [ التوبة : 82].(2/10)
وَمَنْ(1) لَكَ بِالسُّرُورِ وَأَنْتَ رَهْنٌ ... وَمَا(2) تَدْرِي أَتُفْدَى أَمْ غُلِلْتَا ؟
وَسَلْ مِنْ رَبِّكَ التَّوْفِيقَ فِيهَا ... وَأَخْلِصْ فِي السُّؤَالِ إِذَا سَأَلْتَا
وَنَادِ إِذَا سَجَدْتَ لَهُ اعْتِرَافاً ... بِمَا نَادَاهُ ذُو النُّونِ ابْنُ مَتَّى(3)
وَلاَزِمْ بَابَهُ قَرْعاً عَسَاهُ ... سَيَفْتَحُ بَابَهُ لَكَ إِنْ قَرَعْتَا
وَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي الأَرْضِ دَأْباً ... لِتُذْكَرَ فِي السَّمَاءِ إِذَا ذَكَرْتَا(4)
وَلاَ تَقُلِ الصِّبَا فِيهِ امْتِهَالٌ(5) ... وَفَكِّرْ كَمْ صَغِيرٍ قَدْ دَفَنْتَا(6)
__________
(1) في الأصل (وكيف) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل (ولا) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(3) قال تعالى في سورة الأنبياء : ? وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ? [ الأنبياء: 87 ـ 88] قال القرطبي في تفسيره : 11/329 : ذون النون لقب يونس بن متّى (عليه السلام) ولقب بذلك لابتلاع النون إياه والنون : الحوت .
(4) في التنزيل الحكيم : ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون ?ِ [ البقرة : 152]. .
(5) في الأصل (مَجالٌ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(6) في كشف الخفا : 1/148 : " اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك , ، وصحتك قبل سقمك , ، وفراغك قبل شغلك ، و شبابك قبل هرمك , وغناءك قبل فقرك " رواه الحاكم , وصححه البيهقي عن ابن عباس . قال قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه .(2/11)
وَقُلْ : يَا نَاصِحِي(1) بَلْ أَنْتَ أَوْلَى ... بِنُصْحِكَ لَوْ لِفِعْلِكَ(2) قَدْ نَظَرْتَا
تُقَطِّعُنِي عَلَى التَّفْرِيطِ لَوْماً ... وَبِالتَّفْرِيطِ دَهْرَكَ قَدْ قَطَعْتَا(3)
وَفِي صِغَرِي تُخَوِّفُنِي الْمَنَايَا ... وَمَا تَدْرِي بِحَالِكَ حَيْثُ شِخْتَا(4)
وَكُنْتَ مَعَ الصِّبَا أَهْدَى سَبِيلاً ... فَمَا لَكَ بَعْدَ شَيْبِكَ قَدْ نَكَثْتَا(5)
وَهَا أَناَ لَمْ أَخُضْ بَحْرَ الْخَطَايَا
ج ... كَمَا قَدْ خُضْتَهُ حَتَّى غَرِقْتَا
وَ لَمْ أَشْرَبْ حمَُيَّا أُمِّ دَفْرٍ(6) ... وَأَنْتَ شَرِبْتَهَا حَتَّى سَكِرْتَا
وَ لَمْ أَنْشَأْ بِعَصْرٍ فِيهِ نَفْعٌ ... وَأَنْتَ نَشَأْتَ فِيهِ وَمَا انْتَفَعْتَا(7)
__________
(1) في الأصل (نَصيحُ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلق في الهامش بقوله : هو ناصح ونصيح ؛ من الفعل نصح ؛ يقال : نصَحه ونصح له .
(2) في الأصل (بعقلك) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(3) فرّط في الشيء : ضيعه وقدّم العجز فيه , وقصَّر.
(4) في الأصل (وما تَجْري بِبِالك حين شِخْتَا) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في الأصل (نُكستا) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : نُكس المريض : إذا عاودته العلة بعد النَّقه , ونكس على رأسه : رجع عمّا عرفه وفي التنزيل العزيز في ذكر قوم إبراهيم ? ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ? [ الأنبياء : 65].
(6) أمُّ دَفْرٍ : كنية الدنيا (انظر ثمار القلوب في المضاف والمنسوب:257) والحميا من الكأس : سورتها وشدتها , أو إسكارها , أو أخذها بالرأس .
(7) ذُكِرَ هذا البيت في الأصل بعد البيت الذي يليه .(2/12)
وَ لَمْ أَحْلُلْ بِوَادٍ فِيهِ ظُلْمٌ ... وَأَنْتَ حَلَلْتَ فِيهِ وَانْتَهَكْتَا(1)
لَقَدْ(2) صَاحَبْتَ أَعْلاَماً كِبَاراً ... وَلَمْ أَرَكَ اقْتَدَيْتَ بِمَنْ صَحِبْتَا
وَنَادَاكَ " الْكِتَابُ " فَلَمْ تُجِبْهُ ... وَنَبَّهَكَ(3) الْمَشِيبُ فَمَا انتَبَهْتَا
وَيَقْبُحُ(4) بِالْفَتَى فِعْلُ التَّصَابِي ... وَأَقْبَحُ مِنْهُ شَيْخٌ قَدْ تَفَتَّى(5)
وَنَفْسَكَ ذُمَّ لاَ تَذْمُمْ سِوَاهَا ... لِعَيْبٍ(6) فَهْيَ أَجْدَرُ مَنْ ذَمَمْتَا
وَأَنْتَ أَحَقُّ بِالتَّفْنِيدِ(7) مِنِّي ... وَلَوْ كُنْتَ اللَّبِيبَ(8) لَمَا نَطَقْتَا
وَلَوْ بَكَتِ الدِّمَا عَيْنَاكَ خَوْفاً ... لِذَنْبِكَ لَمْ أَقُلْ لَكَ قَدْ أَمِنْتَا
وَمَنْ لَكَ بِالأَمَانِ وَأَنْتَ عَبْدٌ ... أُمِرْتَ فَمَا ائْتَمَرْتَ وَلاَ أَطَعْتَا
ثَقُلْتَ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَسْتَ تَخْشَى ... لِجَهْلِكَ أَنْ تَخِفَّ إِذَا وُزِنْتَا(9)
ج
__________
(1) في الأصل (انهَملتا) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : أصل معنى همل (الدمع) وانهمل : انصبّ , وانهملت العين : فاضت .
(2) في الأصل (وقد) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(3) في الأصل (نهنهَكَ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : نهنه عن الأمر : كفّه وزجره .
(4) في الأصل (ليَقْبحُ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) شَيْخٌ قَدْ تَفَتَّى) : سلك سبيل الفتيان .
(6) في الأصل (بِعَيْبٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) فنده تفنيداً : كذبه , وعجّزه , وخطأ رأيه.
(8) في الأصل (ولو سكتَ المُسيء) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(9) في التنزيل العزيز : القارعة : ? فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ? [ القارعة : 6ـ9].(2/13)
وَتُشْفِقُ(1) لِلْمُصِرِّ عَلَى المَعَاصِي ... وَتَرْحَمُهُ وَنَفْسَكَ مَا رَحِمْتَا
رَجَعْتَ الْقَهْقَرَى وَخَبَطْتَ عَشْوَا(2) ... لَعَمْرُكَ(3) لَوْ وَصَلْتَ لما رَجَعْتَا
وَلَوْ وَافَيْتَ رَبَّكَ دُونَ ذَنْبٍ ... وَنُوقِشْتَ(4) الْحِسَابَ إِذاً هَلَكْتَا
وَلَمْ يَظْلِمْكَ فِي عَمَلٍ وَلاكِنْ ... عَسِيرٌ أَنْ تَقُومَ بِمَا حَمَلْتَا
وَلَوْ قَدْ جِئْتَ يَوْمَ الْحَشْرِ(5) فَرْداً ... وَأَبْصَرْتَ الْمَنَازِلَ فِيهِ شَتَّى(6)
__________
(1) في الأساس : أشفقت عليه أن يناله مكروه , وأنا مشفق عليه من هذا الأمر.
(2) رجع القهقرى : إلى الوراء , وخبط عشواء : مثلٌ , وأصله من خبط الناقة التي ضعف بصرها , فهي لا تميز أين تمضي , وماذا تصيب في طريقها .
(3) سبق التنبيه على " لعمرك" في البيت رقم : (36) .
(4) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله " : - صلى الله عليه وسلم - مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
? فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ? فَقَالَ : " لَيْسَ ذَاكِ الْحِسَابُ إِنَّمَا ذَاكِ الْعَرْضُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ " .
(5) في الأصل (الفصل) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(6) في سورة مريم : ? إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ? [ مريم : 93 ـ 95 ](2/14)
لأَعْظَمْتَ النَّدَامَةَ فِيهِ لَهْفاً ... عَلَى مَا فِي حَيَاتِكَ قَدْ أَضَعْتَا(1)
تَفِرُّ مِنْ الْهَجِيرِ(2) وَتَتَّقِيهِ ... فَهَلاَّ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا
وَلَسْتَ تُطِيقُ أَهْوَنَهَا عَذَاباً ... وَلَوْ كُنْتَ الْحَدِيدَ بِهَا لَذُبْتَا(3)
وَلاَ تُنْكِرْ(4) فَإِنَّ الأَمْرَ جِدُّ ... وَلَيْسَ كَمَا حَسِبْتَ(5) وَلاَ ظَنَنْتَا
" أَبَا بَكْرٍ " كَشَفْتَ أَقَلَّ عَيْبِي ... وَأَكْثَرَهُ وَمُعْظَمَهُ سَتَرْتَا
فَقُلْ مَا شِئْتَ فِيَّ مِنَ الْمَخَازِي ... وَضَاعِفْهَا فَإِنَّكَ قَدْ صَدَقْتَا
وَمَهْمَا عِبْتَنِي فَلِفَرْطِ عِلْمِي ... بِبَاطِنِهِ(6) كَأَنَّكَ قَدْ مَدَحْتَا
__________
(1) في التنزيل الحكيم : ?وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ? [ الزمر : 55 ـ 56 ] .
(2) الهجير : نصف النهار , في القيظ خاصة ( أي في عزّ الصيف ) .
(3) عن ابن عباس - رضي الله عنه - من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ " صحيح مسلم برقم (313).
(4) في الأصل (فلا تكذب) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(5) في الأصل (احتسبت) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : واحتسبه : ظنه .
(6) في الأصل (بباطنتي) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : الباطنة من الرجل : سريرته.(2/15)
فَلاَ تَرْضَ الْمَعَايِبَ فَهُو(1)َ عَارٌ ... عَظِيمٌ يُورِثُ الْمَحْبُوبَ(2) مَقْتَا(3)
وَيَهْوِي بِالْوَجِيهِ(4) مِنَ الثُّرَيَّا ... وَيُبْدِلُهُ مَكَانَ الْفَوْقِ تَحْتَا
كَمَا الطَّاعَاتُ تُبْدِلُكَ الدَّرَارِي(5) ... وَتَجْعَلُكَ الْقَرِيبَ وَإِنْ بَعُدْتَا
وَتَنْشُرُ عَنْكَ فِي الدُّنْيَا جَمِيلاً ... وَتَلْقَى البِرَّ فِيهَا حَيْثُ شِئْتَا
وَتَمْشِي فِي مَنَاكِبِهَا عَزِيزاً(6) ... وَتَجْنِي الْحَمْدَ فِيمَا قَدْ غَرَسْتَا
وَأَنْتَ الآنَ لَمْ تُعْرَفْ بِعَيْبٍ(7) ... وَلاَ دَنَّسْتَ ثَوْبَكَ مُذْ نَشَأْتَا
وَلاَ سَابَقْتَ فِي مَيْدَانِ زُورٍ ... وَلاَ أَوْضَعْتَ فِيهِ وَلاَ خَبَبْتَا(8)
فَإِنْ لَمْ تَنْأَ عَنْهُ نَشِبْتَ فِيهِ ... وَمَنْ لَكَ بِالْخَلاَصِ إِذَا نَشِبْتَا(9)
تُدَنِّسُ(10) مَا تَطَهَّرَ مِنْكَ حَتَّى ... كَأَنَّكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا طَهُرْتَا
وَصِرْتَ أَسِيرَ ذَنْبِكَ فِي وَثَاقٍ ... وَكَيْفَ لَكَ الْفِكَاكُ وَقَدْ أُسِرْتَا
__________
(1) في الأصل (فهي) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(2) في الأصل (الإنسان) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(3) يقال : مقته مقتاً أي : أبغضه أشد البغض , وكرهه لقبيح ركبه , وقد وردت الكلمة في أكثر من موضع في القرآن الكريم .
(4) الوجيه : ذو الجاه والقدر .
(5) أي تجعل الدراري (النجوم) كالنعل لك (على سبيل المبالغة وضرب المثل) .
(6) في الأصل (كريماً) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(7) في الأصل (بعابٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهمش بقوله : العاب : الوصمة.
(8) الخَبب : ضرب من العدو , وأوضعت الناقة في سيرها : أشرعت .
(9) نشب في الأمر : وقع فيما لا مَخلص له منه.
(10) في الأصل (ودَنّّسَ) و الُمثبت من طبعة الشمراني.(2/16)
فَخِفْ أَبْنَاءَ جِنْسِكَ وَاخْشَ مِنْهُم ... كَمَا تَخْشَى الضَّرَاغِمَ وَالسَّبَنْتَى(1)
وَخَالِطْهُمْ وَزاَيِلْهُم(2) حِذَاراً ... وَكُنْ كَـ "السَّامِرِيِّ " إِذَا لُمِسْتَا(3)
وَإِنْ جَهِلُوا عَلَيْكَ فَقُلْ : سَلاَمٌ(4) ... لَعَلَّكَ سَوْفَ تَسْلَمُ إِنْ فَعَلْتَا
وَمَنْ لَكَ بِالسَّلاَمَةِ فِي زَمَانٍ ... تَنالُ الْعِصْمَ(5) إِلاَّ إِنْ عُصِمْتَا
ج
وَلاَ تَلْبَثْ بِحَيٍّ فِيهِ ضَيْمٌ ... يُمِيتُ الْقَلْبَ إِلاَّ إِنْ كُبِلْتَا(6)
__________
(1) في هامش الأصل المخطوط : الضراغم : الأسود . السبتى : النّمر.
(2) زايلهم : فارقهم .
(3) كان السامري عظيماً في بني إسرائيل , قيل : هو منهم , وقيل : دخل فيهم , دعاهم إلى الضلالة وعبادة العجل . قال الحسن : جعل الله عقوبة السامري ألا يماس الناس ولا يماسّوه ؛ عقوبة له ولمن كان منه إلى يوم القيامة . وكأن الله عز وجل شدد عليه المحنة بأنْ جعله لا يماس أحداً , ولا يمكن من أن يمسه أحد .
ـ راجع تفسير القرطبي لخبر السامري : 11/232 , وما بعدها وفي التنزيل الحكيم في سورة طه : ? قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا? [ طه : 97].
(4) في التنزيل الحكيم : ? وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ? [ الفرقان : 63].
(5) في الأصل (العُصْمَ) بالضم و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : العُصْمَ (بالضم) جمع أعصم , وهو من الظباء والوعول ما في ذراعيه أو إحداهما بياض , وسائره أسود أو أحمر وأراد مُطق الوعول ؛ لأنها تسكن الجبال .
(6) وفي شعر المتلمس (ديوانه : 196) ويجري مجرى المثل :
ولا يقيمُ على ضيم يُسام به
إلا الأذلان عيرُ الحي والوتد
هذا على الخسفِ مربوط برُمته
وذا يُشجّ فلا يرثي له أحدُ(2/17)
وَغَرِّبْ فَالتَّغَرُّبُ فِيهِ خَيْرٌ(1) ... وَشَرِّقْ إِنْ بِريِقِكَ قَدْ شَرِقْتَا(2)
فَلَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا خُمُولاً ... لأَنْتَ بِهَا الأَمِيرُ إِذَا زَهِدْتَا (3)
وَلَوْ فَوْقَ الأَمِيرِ تَكُونُ فِيهَا ... سُمُّواً وَارْتِفَاعاً(4) كُنْتَ أَنْتَا
فَإِنْ فَارَقْتَهَا(5) وَخَرَجْتَ مِنْهَا ... إِلَى " دَارِ السَّلاَمِ " فَقَدْ سَلِمْتَا
وَإِنْ أَكْرَمْتَهَا وَنَظَرْتَ فِيهَا ... لإِكْرَامٍ(6) فَنَفْسَكَ قَدْ أَهَنْتَا
جَمَعْتُ لَكَ النَّصَائِحَ فَامْتَثِلْهَا ... حَيَاتَكَ فَهْيَ أَفْضَلُ مَا امْتَثلْتَا(7)
وَطَوَّلْتُ الْعِتَابَ وَزِدْتُ فِيهِ ... لأَنَّكَ فِي الْبَطَالَةِ قَدْ أَطَلْتَا
وَلاَ يَغْرُرْكَ تَقْصِيرِي وَسَهْوِي ... وَخُذْ بِوَصِيَّتِي لَكَ إِنْ رَشَدْتَا
وَقَدْ أَرْدَفْتُهَا تِسْعاً(8) حِسَاناً ... وَكَانَتْ قَبْلَ ذَا مِائَةً وَسِتَّا
__________
(1) في الأصل (فالغَريبُ لهُ نَفاقٌ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(2) قوله : غرّب وشرّق : أي سرْ في الأرض , وتحول عن مواطن الضيم .
(3) هذا البيت ساقط في الأصل .
(4) في الأصل (افتخاراً) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في الأصل (فرّّقْتها) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : في الأصل المخطوط فرّّقْتها وأقرؤها بالألف (فارقتها) لمناسبة المعنى الظاهر .
(6) في الأصل (بإجلالٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) امتثل الطريقة : اتبعها فلم يَعْدُها , (لم يتجاوزها) .
(8) في الأصل (ستّاً) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : الإشارة إلى عدد أبيات القصيدة . فهي 112 بيتاً كانت في الأصل 106 وزاد فيها 6 أبيات قلتُ (أبومهند النجدي) : هذا في طبعة الحكمة أما في طبعة الشمراني فعدد الأبيات 115 وزاد فيها 9 أبيات.(2/18)
وَصَلِّ عَلَى تَمَامِ الرُّسْلِ رَبِّي ... وَعِتْرَتِهِ الْكَرِيمَةِ مَا ذُكِرْتَا(1)
__________
(1) هذا البيت ساقط في الأصل .(2/19)